كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي
لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ ؛ وَلِأَنَّهَا ظُلَامَةٌ عَلَيْهِ قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْهَا بِرَدٍّ وَلَا تَبْرِئَةٍ .
فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِرَدِّ غَيْرِهِ لَهَا إلَى غَيْرِ الْمَظْلُومِ ، كَمَا لَوْ جَهِلَ وَرَثَةَ رَبِّهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ .
( فَصْلٌ وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ ) إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ رَبُّهُ لَهُ ( وَلَوْ سَهْوًا مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ ) أَيْ : الْمُتْلِفِ ( بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ : الْمَالِكِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ : الْمُتْلِفُ ( يَضْمَنُهُ ضَمَّنَهُ ) أَيْ : مَا أَتْلَفَهُ .
لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فَتَلِفَ عِنْدَهُ .
وَخَرَجَ بِالْمَالِ نَحْوُ سِرْجِينٍ نَجَسٍ وَكَلْبٍ وَبِالْمُحْتَرَمِ نَحْوُ صَنَمٍ وَصَلِيبٍ وَآلَاتِ لَهْوٍ ، وَبِقَوْلِهِ لِغَيْرِ مَالِ نَفْسِهِ ، وَبِقَوْلِهِ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ مَا يُتْلِفُهُ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ وَقْتَ حَرْبٍ وَعَكْسِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ الْمُسْلِمُ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ وَعَكْسِهِ وَمَا يُتْلِفُهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لَحْظُهُ مِمَّا دُفِعَ إلَيْهِ وَالصَّائِلُ وَيَأْتِي .
( وَإِنْ أُكْرِهَ ) شَخْصٌ عَلَى إتْلَافِ مَالٍ مَضْمُونٍ فَأَتْلَفَهُ ( فَمُكْرِهُهُ ) يَضْمَنُهُ ، ( وَلَوْ ) أُكْرِهَ ( عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ ) كَإِكْرَاهِهِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إلَى غَيْرِ رَبِّهَا وَلِإِبَاحَةِ إتْلَافِهِ وَوُجُوبِهِ ، بِخِلَافِ قَتْلٍ وَلَمْ يَخْتَرْهُ بِخِلَافِ مُضْطَرٍّ .
فَإِنَّهُ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ ، وَ ( لَا ) يُضْمَنُ الْمَالُ إنْ كَانَ ( غَيْرَ مُحْتَرَمٍ ) بِإِتْلَافِهِ ( كَ ) إتْلَافِ ( صَائِلٍ ) لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ .
( وَ ) إتْلَافِ ( رَقِيقٍ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ .
وَمَالِ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ ) كَمَالِ بُغَاةٍ مَعَ أَهْلِ عَدْلٍ وَعَكْسُهُ حَالَ حَرْبٍ ، ( فَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ ) مَمْلُوكٍ مُحْتَرَمٍ فَفَاتَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَ حَيَوَانٍ ( أَوْ حَلَّ قَيْدَ قِنٍّ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا ) أَيْ : الْقِنِّ أَوْ الْأَسِيرِ ( مِبْرَدًا فَبَرَدَهُ ) أَيْ : الْقَيْدَ وَفَاتَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ ، ( أَوْ حَلَّ فَرَسًا ) وَنَحْوَهَا ( أَوْ ) حَلَّ ( سَفِينَةً فَفَاتَ ) ذَلِكَ بِأَنْ ذَهَبَ الطَّائِرُ مِنْ الْقَفَصِ ، أَوْ دَخَلَ إلَيْهِ حَيَوَانٌ فَقَتَلَهُ ، أَوْ هَرَبَ الْقِنُّ أَوْ الْأَسِيرُ ؛ أَوْ شَرَدَتْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهَا ،
أَوْ غَرِقَتْ السَّفِينَةُ لِعُصُوفِ رِيحٍ أَوْ لَا ( أَوْ عَقَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ) بِسَبَبِ إطْلَاقِهِ ، بِأَنْ كَانَ الطَّائِرُ جَارِحًا فَقَلَعَ عَيْنَ إنْسَانٍ وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا لَوْ حَلَّ سِلْسِلَةَ فَهْدٍ فَقَتَلَ أَوْ عَقَرَ ضَمِنَهُ ( أَوْ أَتْلَفَ ) الطَّائِرُ أَوْ الْقِنُّ أَوْ الْفَرَسُ وَنَحْوُهُ ( شَيْئًا ) كَأَنْ كَسَرَ إنَاءً أَوْ قَتَلَ إنْسَانًا أَوْ أَتْلَفَ مَالًا ، أَوْ أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ الَّتِي حَلَّهَا زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ انْحَدَرَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي حَلَّهَا عَلَى شَيْءٍ فَأَتْلَفَتْهُ وَنَحْوَهُ ضَمِنَهُ ( أَوْ ) حَلَّ ( وِكَاءَ زِقِّ ) دُهْنٍ ( مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذَابَتْهُ نَارٌ قَرَّبَهَا إلَيْهِ غَيْرُهُ .
فَإِنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ يَضْمَنُهُ مُقَرِّبُهَا .
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ ( أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ ) مُنْتَصِبًا ( فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ ) أَوْ زَلْزَلَةٌ أَوْ مَطَرٌ أَوْ نَحْوُهُ ( فَانْدَفَقَ ) أَوْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ أَسْفَلَهُ فَسَقَطَ ، أَوْ لَمْ يَزَلْ يَمِيلُ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى سَقَطَ فَانْدَفَقَ أَوْ لَمْ يَنْدَفِقْ ، بَلْ خَرَجَ مَا فِيهِ شَيْئًا فَشَيْئًا ( ضَمِنَهُ ) الْمُعْتَدِي بِذَلِكَ سَوَاءٌ نَفَرَهُ مَعَ ذَلِكَ أَوْ لَا ، أَوْ ذَهَبَ مَا حَلَّهُ عَقِبَ حَلِّهِ أَوْ لَا لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ فِعْلِهِ .
وَلِأَنَّ الطَّائِرَ وَسَائِرَ الصَّيْدِ مِنْ عَادَتِهِ النُّفُورُ ، وَإِنَّمَا يَبْقَى مَعَ الْمَانِعِ فَإِذَا أُزِيلَ ذَهَبَ بِطَبْعِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ عِلَاقَةَ قِنْدِيلٍ فَسَقَطَ فَانْكَسَرَ .
وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( دَافِعُ مِفْتَاحِ ) نَحْوِ دَارٍ فِيهَا مَالٌ ( لِلِّصِّ ) مَا سَرَقَهُ اللِّصُّ مِنْ الْمَالِ لِمُبَاشَرَةِ اللِّصِّ لِلسَّرِقَةِ ، فَهُوَ أَوْلَى بِإِحَالَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ .
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : أَوْ فَتَحَ حِرْزًا فَجَاءَ آخَرُ فَسَرَقَ .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : إنْ فَتَحَ بَابًا فَنَهَبَ الْغَيْرُ مَالَهُ أَوْ سَرَقَهُ ضَمِنَ وَالْقَرَارُ عَلَى الْآخِذِ .
وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ أَزَالَ يَدَ إنْسَانٍ عَنْ نَحْوِ عَبْدٍ آبِقٍ أَوْ طَيْرٍ أَوْ بَهِيمَةٍ وَحْشِيَّةٍ فَهَرَبَ ، أَوْ
أَزَالَ يَدَهُ الْحَافِظَةَ عَنْ مَتَاعِهِ حَتَّى نَهَبَهُ النَّاسُ أَوْ أَفْسَدَتْهُ الدَّوَابُّ أَوْ الْمَاءُ أَوْ النَّارُ أَوْ سُرِقَ ، أَوْ ضَرَبَ يَدَ آخَرَ وَفِيهَا دِينَارٌ فَضَاعَ ، أَوْ أَلْقَى عِمَامَتَهُ عَنْ رَأْسِهِ أَوْ هَزَّهُ فِي خُصُومَةٍ فَسَقَطَتْ عِمَامَتُهُ وَضَاعَتْ أَوْ تَلِفَتْ ضَمِنَ ، ( وَلَا ) يَضْمَنُ ( حَابِسُ مَالِكِ دَوَابَّ فَتَتْلَفُ ) دَوَابُّهُ بِحَبْسِهِ لَهُ .
وَفِي الْمُبْدِعِ : يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْحَبْسِ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ ، ( وَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ ) الَّذِي فُتِحَ قَفَصُهُ ( أَوْ ) بَقِيَ ( الْغَرْسُ ) الَّذِي حَلَّ قَيْدَهُ ( حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ ) بَعْدَ ذَلِكَ فَذَهَبَا ( ضَمِنَ الْمُنَفِّرُ ) وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ فَاخْتَصَّ الضَّمَانُ بِهِ ، كَدَافِعِ وَاقِعٍ فِي بِئْرٍ مَعَ حَافِرِهَا ، وَكَذَا لَوْ حَلَّ حَيَوَانًا وَحَرَّضَهُ آخَرُ فَجَنَى فَضَمَانُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمُحَرِّضِ ، وَإِنْ وَقَعَ طَائِرٌ عَلَى جِدَارٍ فَنَفَّرَهُ شَخْصٌ فَذَهَبَ لَمْ يَضْمَنْهُ لِامْتِنَاعِهِ قَبْلَهُ ، فَلَيْسَ تَنْفِيرُهُ بِسَبَبِ فَوَاتِهِ ، وَإِنْ رَمَاهُ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ كَمَا لَوْ رَمَاهُ فِي هَوَاءٍ وَغَيْرِهِ .
( وَمَنْ رَبَطَ ) دَابَّةً ( أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً ) لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ( بِطَرِيقٍ وَلَوْ ) كَانَ الطَّرِيقُ ( وَاسِعًا ) نَصًّا ( أَوْ تَرَكَ بِهَا ) أَيْ : الطَّرِيقِ وَلَوْ وَاسِعًا ( طِينًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ ) نَصًّا ( أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِ ) سَبَبِ ( ذَلِكَ ) الْفِعْلِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حَقٌّ وَطَبْعُ دَابَّةٍ الْجِنَايَةُ بِفَمِهَا أَوْ رِجْلِهَا فَإِبْقَاؤُهَا فِي الطَّرِيقِ كَوَاضِعِ الْحَجَرِ وَنَصْبِ السِّكِّينِ فِيهِ .
( وَيَضْمَنُ مَغْرَمًا أَخَذَهُ ظَالِمٌ بِإِغْرَائِهِ وَدَلَالَتِهِ ) لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ ، ( وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا ) وَلَوْ لِصَيْدٍ وَمَاشِيَةٍ ( أَوْ ) اقْتَنَى كَلْبًا ( لَا يُقْتَنَى ) كَاقْتِنَاءِ كَلْبٍ لِغَيْرِ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وَصَيْدٍ ( أَوْ ) اقْتَنَى كَلْبًا ( أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ ) اقْتَنَى ( أَسَدًا ) أَوْ نَمِرًا أَوْ ذِئْبًا ( أَوْ هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ عَادَةً مَعَ عِلْمِهِ ) أَيْ : الْمُقْتَنِي لِذَلِكَ ، ( أَوْ ) اقْتَنَى ( نَحْوَهَا مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ ) كَدُبٍّ وَقِرْدٍ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْكَبْشُ الْمُعَلَّمُ النِّطَاحَ ) انْتَهَى ، فَعَقَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ آدَمِيًّا أَوْ دَابَّةً ( أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ ) مَنْزِلَ الْمُقْتَنِي ( بِإِذْنِهِ ) إنْ لَمْ يُنَبِّهْهُ عَلَى الْكَلْبِ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُوثَقٍ .
ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَكَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ هُوَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ ضَمِنَهُ ، بِخِلَافِ بَوْلِهِ وَوُلُوغِهِ فِي إنَاءِ الْغَيْرِ ( أَوْ نَفَحَتْ دَابَّةٌ بِ ) مَكَانٍ ( ضَيِّقٍ مِنْ ضَرْبِهَا ) فَتَلِفَ بِذَلِكَ شَيْءٌ ( ضَمِنَهُ ) مُوقِفُهَا لِتَسَبُّبِهِ فِيهِ .
فَإِنْ عَقَرَ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ بِلَا إذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ .
وَكَذَا لَوْ حَصَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِ إنْسَانٍ بِلَا اقْتِنَائِهِ وَلَا اخْتِيَارِهِ فَأَفْسَدَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلَ الْإِفْسَادُ بِسَبَبِهِ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : فَإِذَا اقْتَنَى حَمَامًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الطَّيْرِ فَأَرْسَلَهُ نَهَارًا فَلَقَطَ حَبًّا لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ إرْسَالُهُ .
( وَيَجُوزُ قَتْلُ هِرٍّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ ) كَفَوَاسِقَ .
وَفِي الْفُصُولِ : حِينَ أَكَلَهُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ : إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَصَائِلٍ .
( وَمَنْ أَجَّجَ ) أَيْ : أَوْقَدَ ( نَارًا ) حَتَّى صَارَتْ تَلْتَهِبُ ( بِمِلْكِهِ ) وَلَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَكَذَا بِمَوَاتٍ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ ( أَوْ سَقَاهُ ) أَيْ مِلْكَهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ ( فَتَعَدَّى ) ذَلِكَ ( إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( لَا ) إنْ تَعَدَّتْ النَّارُ ( بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَأَتْلَفَهُ ) أَيْ : مِلْكَ غَيْرِهِ ( ضَمِنَهُ ) الْفَاعِلُ ( إذَا فَرَّطَ ) بِأَنْ أَجَّجَ نَارًا تَسْرِي عَادَةً لِكَثْرَتِهَا أَوْ فِي رِيحٍ شَدِيدَةٍ تَحْمِلُهَا ، أَوْ فَتَحَ مَاءً كَثِيرًا يَتَعَدَّى مِثْلُهُ ( أَوْ فَرَّطَ ) بِتَرْكِ النَّارِ مُؤَجَّجَةً وَالْمَاءِ مَفْتُوحًا وَنَامَ وَنَحْوَهُ لِتَعَدِّيهِ أَوْ تَقْصِيرِهِ ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ إتْلَافَهُ .
وَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْهُ النَّارُ بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَلَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَلَا بِتَفْرِيطِهِ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْتُ : وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ مَغْصُوبًا ضَمِنَ مُطْلَقًا يَعْنِي سَوَاءٌ فَرَّطَ أَوْ أَسْرَفَ أَوْ لَا .
وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْإِقْنَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّطْحِ سُتْرَةٌ وَبِقُرْبِهِ زَرْعٌ وَنَحْوُهُ وَالرِّيحُ هَابَّةٌ إنْ أَرْسَلَ فِي الْمَاءِ مَا يَغْلِبُ وَيُفِيضُ ضَمِنَ مَا يَبِسَ مِنْ أَغْصَانِ شَجَرَةِ جَارِهِ بِسَبَبِ إيقَادِ النَّارِ ضَمِنَهُ الْمُوقِدُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَوَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ نَارٍ كَثِيرَةٍ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ .
( وَمَنْ حَفَرَ ) بِنَفْسِهِ أَوْ قِنِّهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ ( أَوْ ) حَفَرَ ( قِنُّهُ ) وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدُ ( بِأَمْرِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ ) أَيْ : لِيَخْتَصَّ بِنَفْعِهَا ( فِي فِنَائِهِ ) أَيْ : فِي فِنَاءِ دَارِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَفِنَاءُ الدَّارِ كَكِسَاءِ مَا كَانَ خَارِجَ دَارِهِ قَرِيبًا مِنْهَا ( ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ ) أَيْ : الْبِئْرِ ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نِصْفَ الْبِئْرِ فِي حَدِّهِ وَنِصْفَهَا فِي فِنَائِهِ نَصًّا لِتَعَدِّيهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ نَصَبَ فِيهِ سِكِّينًا ، وَإِنْ حَفَرَ الْقِنُّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَتِهِ .
فَإِنْ عَتَقَ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بَعْدَ عِتْقِهِ ، وَسَوَاءٌ أَضَرَّ الْحَفْرُ أَوْ لَا ، أَوْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ .
فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ النَّافِذَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّتِهِ .
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَيَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ لِمَصْلَحَةٍ ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ .
وَإِنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِفِنَائِهِ لِنَفْعٍ عَامٍّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : حُكْمُهُ كَمَا لَوْ حَفَرَهُ بِالطَّرِيقِ عَلَى مَا يَأْتِي ، ( وَكَذَا حُرٌّ ) حَفَرَ لِغَيْرِهِ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ تَعَدِّيًا أَوْ بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا إذَا ( عَلِمَ الْحَالَ ) أَيْ : أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ الْآذِنِ .
إذْ الْأَفْنِيَةُ لَيْسَتْ بِمِلْكِ أَرْبَابِ الدُّورِ ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ مَرَافِقِهِمْ .
فَإِنْ جَهِلَ حَافِرٌ الْحَالَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ .
وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ عِلْمِهِ بِيَمِينِهِ .
وَكَذَا حُكْمُ مَنْ بُنِيَ لَهُ بِأَمْرِهِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ .
وَ ( لَا ) يَضْمَنُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا ( فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ لِارْتِفَاقٍ أَوْ لِانْتِفَاعٍ عَامٍّ ) نَصًّا ، ( أَوْ ) حَفَرَهَا ( فِي سَابِلَةٍ ) أَيْ : طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ ( وَاسِعَةٍ ) لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ بِأَنْ حَفَرَهَا لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ أَوْ لِيَشْرَبَ مِنْهَا الْمَارَّةُ وَنَحْوُهُ ، ( أَوْ بَنَى
فِيهَا ) أَيْ : فِي السَّابِلَةِ الْوَاسِعَةِ ( مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُمَا ) كَسِقَايَةٍ ( لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ ) بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ ( وَلَوْ ) فَعَلَهُ ( بِلَا إذْنِ إمَامٍ ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَوَاتِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا وَفِي غَيْرِهِ إحْسَانٌ .
وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ .
وَنَقَلَ حَنْبَلٌ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسَاجِدِ عَلَى الْأَنْهَارِ ؟ فَقَالَ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الطَّرِيقِ .
وَسَأَلَهُ إبْرَاهِيمُ عَنْ سَابَاطٍ فَوْقَهُ مَسْجِدٌ يُصَلَّى فِيهِ ؟ فَقَالَ لَا يُصَلَّى فِيهِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ ( كَبِنَاءِ جِسْرٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا .
( وَ ) كَ ( وَضْعِ حَجَرٍ بِطِينٍ لِيَطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ ) لِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لِلْمُسْلِمِينَ كَإِصْلَاحِهَا وَإِزَالَةِ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْهَا ، وَحَفْرِ هَدَفِهِ فِيهَا ، وَقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ، وَوَضْعِ نَحْوِ حَصًى فِي حُفْرَةٍ بِهَا .
لِيَمْلَاهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ السَّابِلَةُ وَاسِعَةً أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ ، لَكِنْ حَفَرَ أَوْ بَنَى لِيَخْتَصَّ بِمَا حَفَرَهُ أَوْ بَنَاهُ فِيهَا أَوْ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ ، لَكِنْ جَعَلَهُ فِي مَكَان يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ .
( وَمَنْ أَمَرَ حُرًّا بِحَفْرِهَا ) أَيْ الْبِئْرِ ( فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْآمِرِ ( بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا ) بِأُجْرَةٍ ، فَحَفَرَ الْمَأْمُورُ وَتَلِفَ بِهَا شَيْءٌ ( ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا حَافِرٌ عَلِمَ ) أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِغَيْرِ الْآمِرِ نَصًّا ( وَإِلَّا ) يَعْلَمَ حَافِرٌ بِذَلِكَ أَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ قِنَّ الْآمِرِ ، ( فَآمِرٌ ) يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهَا لِتَغْرِيرِهِ ( كَأَمْرِهِ بِبِنَاءٍ ) فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَفَعَلَ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ ( وَحَلَفَا ) أَيْ : الْحَافِرُ وَالْبَانِي ( إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ ) بِأَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِ الْآمِرِ وَادَّعَى الْآمِرُ عِلْمَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، ( وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ أَمَرَ ) بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ بِبِنَاءٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ( وَحْدَهُ ) أَيْ : دُونَ حَافِرٍ وَبَانٍ .
وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُ غَيْرِ السُّلْطَانِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَعُهُ مُخَالَفَتُهُ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ .
( وَ مَنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا أَوْ بَارِيَةً ) وَهِيَ الْحَصِيرُ الْمَنْسُوجُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَيُطْلَقُ بِالشَّامِ عَلَى مَا يُنْسَجُ مِنْ قَصَبٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ ، ( أَوْ ) بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ ( بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ ) فِيهِ ( أَوْ أَوْقَدَ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا أَوْ ) نَصَبَ فِيهِ ( عُمُدًا ) لِمَصْلَحَةٍ ( أَوْ ) نَصَبَ فِيهِ ( رَفًّا لِنَفْعِ النَّاسِ أَوْ سَقَفَهُ أَوْ بَنَى جِدَارًا أَوْ نَحْوَهُ ) فِيهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ ، كَوَضْعِهِ فِيهِ حَصًى ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَا ( أَوْ جَلَسَ ) فِيهِ ( أَوْ اضْطَجَعَ ) فِيهِ ( أَوْ أَقَامَ فِيهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ أَوْ جَلَسَ ، ( وَاضْطَجَعَ أَوْ أَقَامَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ ) لَا ضَيِّقً ( فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُبَاحٌ لَمْ يَتَعَدَّ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ فِي مَكَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ بِمِلْكِهِ .
فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُحَرَّمًا كَجُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ مَعَ حَيْضٍ أَوْ مَعَ إضْرَارِ الْمَارَّةِ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ .
ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ .
وَخَالَفَ فِيهِ الْحَارِثِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ .
( وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا وَنَحْوَهُ ) كَسَابَاطٍ وَحَجَرٍ بَرَزَ بِهِ فِي بُنْيَانٍ ( إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ ) بِلَا إذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا يَأْتِي .
( أَوْ ) أَخْرَجَ ذَلِكَ إلَى طَرِيقٍ ( غَيْرِهِ ) أَيْ : غَيْرِ نَافِذٍ ( بِلَا أَهْلِهِ فَسَقَطَ ) ذَلِكَ الْمُخْرَجُ ( فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ ) الْمُخْرِجُ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِمَا أَخْرَجَهُ إلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ بَنَى حَائِطًا مَائِلًا إلَى الطَّرِيقِ أَوْ أَقَامَ خَشَبَةً فِي مِلْكِهِ مَائِلَةً إلَى الطَّرِيقِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا ( وَلَوْ ) كَانَ التَّلَفُ ( بَعْدَ بَيْعِ ) مُخْرَجٍ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ ، ( وَقَدْ طُولِبَ ) بَائِعٌ قَبْلَ بَيْعِهِ ( بِنَقْضِهِ ) وَلَمْ يَفْعَلْ ( لِحُصُولِهِ ) أَيْ : التَّلَفِ ( بِفِعْلِهِ ) ، وَمَفْهُومُهُ إنْ لَمْ يُطَالَبْ قَبْلَ بَيْعِهِ لَا ضَمَانَ .
وَلَا يَضْمَنُ وَلِيٌّ فَرَّطَ ، بَلْ مُوَلِّيهِ ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ( مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ ) أَيْ : الْجَنَاحِ أَوْ الْمِيزَابِ وَنَحْوِهِ الْمُخْرَجُ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ ، ( إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ وَلَا ضَرَرَ ) عَلَى الْمَارَّةِ بِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْإِمَامُ وَكِيلُهُمْ فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ ، ( وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ ) وَقَدْ بَنَاهُ مُسْتَقِيمًا ( إلَى ) هَوَاءِ ( غَيْرِ مِلْكِهِ ) ، سَوَاءٌ مَالَ الطَّرِيقُ أَوْ هَوَاءُ جَارِهِ ( وَكَمَيْلِ ) حَائِطِهِ إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ ( شَقَّهُ عَرْضًا ) لِأَنَّهُ يَخْشَى وُقُوعَهُ كَالْمَائِلِ ( لَا ) شَقَّهُ ( طُولًا ) مَعَ اسْتِقَامَتِهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ ( وَأَبَى ) رَبُّهُ ( هَدْمَهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا ) بِسُقُوطِهِ عَلَيْهِ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ) نَصًّا ، وَلَوْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ وَأَمْكَنَهُ ، لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ ، لِأَنَّهُ بَنَاهُ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ بِفِعْلِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ أَوْ لَمْ يَمِلْ .
وَإِنْ بَنَاهُ ابْتِدَاءً مَائِلًا أَوْ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُطَالَبْ بِنَقْضِهِ .
( فَصْلٌ وَلَا يَضْمَنُ رَبُّ ) بَهَائِمَ ( غَيْرِ ضَارِيَةٍ ) أَيْ : مَعْرُوفَةٍ بِالصَّوْلِ ( وَ ) غَيْرِ ( جَوَارِحَ وَشِبْهِهَا مَا أَتْلَفَتْهُ ) إنْ لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُتْلَفُ ( صَيْدًا بِالْحَرَمِ ) لِحَدِيثِ " { الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ يَعْنِي هَدَرًا .
فَإِنْ كَانَتْ ضَارِيَةً أَوْ مِنْ الْجَوَارِحِ وَشِبْهِهَا ضَمِنَ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا أَيْ : الضَّارِيَةِ : ضَمِنَهُ إنْ لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا .
وَفِي الِانْتِصَارِ الْبَهِيمَةُ الصَّائِلَةُ يَلْزَمُ مَالِكَهَا وَغَيْرَهُ إتْلَافُهَا .
( وَيَضْمَنُ رَاكِبٌ وَسَائِقٌ وَقَائِدٌ ) لِدَابَّةٍ مَالِكًا كَانَ أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا ( قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا جِنَايَةَ يَدِهَا وَفَمِهَا وَوَلَدِهَا وَوَطْءٍ بِرِجْلِهَا ) ؛ لِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا : " { مَنْ أَوْقَفَ دَابَّةً فِي سَابِلَةٍ مِنْ سُبُلِ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ فِي سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ فَأَوْطَأَتْ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ ضَامِنٌ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلِأَنَّ فِعْلَهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَنْ هِيَ مَعَهُ إذَا كَانَ يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا ، وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( مَا نَفَحَتْ بِهَا ) أَيْ بِرِجْلِهَا بِلَا سَبَبٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { الرِّجْلُ جُبَارٌ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَخَصَّ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ لِإِمْكَانِ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ لِتَصَرُّفِهِ فِيهَا بِخِلَافِ نَفْحِهَا فَلَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِنْهُ ( مَا لَمْ يَكْبَحْهَا ) أَيْ يَجْذِبْهَا بِاللِّجَامِ ( زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ أَوْ يَضْرِبْ وَجْهَهَا ) فَيَضْمَنُ مَا نَفَحَتْهُ بِرِجْلِهَا ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي جِنَايَتِهَا ( وَلَا ) يَضْمَنُ مَنْ بِيَدِهِ دَابَّةٌ ( جِنَايَةَ ذَنَبِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ ( وَيَضْمَنُ ) جِنَايَتَهَا ( مَعَ سَبَبٍ كَنَخْسٍ وَتَنْفِيرٍ فَاعِلُهُ ) لِوُجُودِ السَّبَبِ مِنْهُ دُونَ رَاكِبٍ وَسَائِقٍ وَقَائِدٍ .
( وَإِنْ تَعَدَّدَ رَاكِبُ ) دَابَّةٍ بِأَنْ كَانَ عَلَيْهَا اثْنَانِ فَأَكْثَرُ ( ضَمِنَ الْأَوَّلُ ) مَا يَضْمَنُهُ الْمُنْفَرِدُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا وَالْقَادِرُ عَلَى كَفِّهَا ( أَوْ ) أَيْ : وَيَضْمَنُ ( مَنْ خَلْفَهُ إنْ انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِهَا لِصِغَرِ الْأَوَّلِ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِمَا ) كَعَمَاهُ ( وَإِنْ اشْتَرَكَا ) أَيْ : الرَّاكِبَانِ ( فِي تَدْبِيرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ ) مَعَهَا ( إلَّا سَائِقٌ وَقَائِدٌ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَضَمِنَ فَإِذَا اجْتَمَعَا ضَمِنَا ( ، وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ مَعَهَا ) أَيْ : السَّائِقِ وَالْقَائِدِ كُلًّا مِنْهُمَا ( أَوْ ) أَيْ : وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ ( مَعَ أَحَدِهِمَا ) مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ مَعَ الدَّابَّةِ انْفَرَدَ بِالضَّمَانِ .
فَكَذَا إذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ ( وَإِبِلٌ ) مُقْطَرَةٌ كَوَاحِدَةٍ ( وَبِغَالٌ مُقْطَرَةٌ كَوَاحِدَةٍ عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ ) لِجِنَايَةِ كُلٍّ مِنْ الْقِطَارِ .
لِأَنَّ الْجَمِيعِ يَسِيرُ بِسَيْرِ الْأَوَّلِ ، وَيَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ الْجِنَايَةِ ( وَيُشَارِكُهُ ) أَيْ : الْقَائِدَ فِي ضَمَانٍ ( سَائِقٌ فِي أَوَّلِهَا ) أَيْ : الْمُقْطَرَةِ ( فِي ) جِنَايَةِ ( جَمِيعِهَا وَ ) يُشَارِكُهُ سَائِقٌ ( فِي آخِرِهَا فِي ) جِنَايَةٍ ( الْأَخِيرِ فَقَطْ وَ ) يُشَارِكُهُ سَائِقٌ ( فِيمَا بَيْنَهُمَا ) أَيْ : الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرِ ( فِيمَا بَاشَرَ سَوْقَهُ .
وَ ) فِ ( مَا بَعْدَهُ ) دُونَ مَا قَبْلَهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهُ وَلَا تَابِعٍ لِمَا يَسُوقُهُ ، فَانْفَرَدَ بِهِ الْقَائِدُ ، ( وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ عَلَى أَوَّلِ قِطَارٍ ضَمِنَ ) جِنَايَةَ ( الْجَمِيعِ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْقَائِدِ لِمَا بَعْدَ الْمَرْكُوبِ ، وَالْكُلُّ يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ ، فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ .
وَإِنْ رَكِبَ أَوْ سَاقَ غَيْرُ الْأَوَّلِ ، وَانْفَرَدَ ضَمِنَ جِنَايَةَ مَا رَكِبَهُ أَوْ سَاقَهُ وَمَا بَعْدَهُ ، لَا مَا قَبْلَهُ ، وَسَوَاءٌ كَانَ
الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ وَالْقَائِدُ مَالِكًا أَوْ أَجِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا ، أَوْ مُسْتَعِيرًا ، أَوْ مُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ مِمَّنْ هُنَّ بِيَدِهِ وَأَفْسَدَتْ فَلَا ضَمَانَ نَصًّا .
فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَان فَرَدَّهَا ، فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ الضَّمَانُ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ :
( وَيَضْمَنُ رَبُّهَا ) أَيْ : الدَّابَّةِ ( وَمُسْتَعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ وَمُودِعٌ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا ) كَثَوْبٍ خَرَقَتْهُ أَوْ مَضَغَتْهُ فَنَقَصَ ، أَوْ وَطِئَتْ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ ( لَيْلًا ) فَقَطْ نَصًّا .
لِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَيِّصَةُ " { أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ .
فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ ، وَمَا أَفْسَدَتْ بِاللَّيْلِ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ } " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَشْهُورٌ .
وَهَذَا حَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ ، وَلِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ الْمَوَاشِي إرْسَالُهَا لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلًا وَعَادَةَ أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا ( إنْ فَرَّطَ ) مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ فِي حِفْظِهَا بِأَنْ لَمْ يَضْمَنْهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ .
فَإِنْ فَعَلَ فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ أَوْ فَتَحَ عَلَيْهَا بَابَهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ دُونَ مَالِكِهَا لِتَسَبُّبِهِ .
وَ ( لَا ) يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ ( نَهَارًا ) لِلْخَبَرِ .
وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ مِنْ جِهَةِ رَبِّهِ بِتَرْكِهِ الْحِفْظَ فِي عَادَتِهِ وَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا ، وَقَضَى عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْحِفْظِ فِي وَقْتِ عَادَتِهِ .
وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِمَا إذَا لَمْ تُرْسَلْ بِقُرْبِ مَا تُتْلِفُهُ عَادَةً ، ( إلَّا غَاصِبُهَا ) فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ نَهَارًا أَيْضًا لِتَعَدِّيهِ بِإِمْسَاكِهَا .
( وَمَنْ ادَّعَى ) مِنْ أَصْحَابِ الزَّرْعِ ( أَنَّ بَهَائِمَ فُلَانٍ رَعَتْ زَرْعَهُ لَيْلًا وَلَا غَيْرُهَا ) أَيْ : لَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُ بَهَائِمَ فُلَانٍ ( وَوُجِدَ أَثَرُهَا ) أَيْ : الْبَهَائِمِ ( بِهِ ) أَيْ : الزَّرْعِ ( قُضِيَ لَهُ ) عَلَى رَبِّ الْبَهَائِمِ بِضَمَانِ مَا رَعَتْ نَصًّا .
وَجَعَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مِنْ الْقِيَافَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَجَعَلَهَا مُعْتَبَرَةً كَالْقِيَافَةِ فِي الْأَنْسَابِ .
( وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ ) فَدَخَلَتْ مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ .
فَأَفْسَدَتْ ( لَمْ يَضْمَنْ مَا أَفْسَدَتْهُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ ) إنْ لَمْ تَتَّصِلْ الْمَزَارِعُ ، ( فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ ) لَمْ يَطْرُدْهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَسْلِيطًا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ .
وَ ( صَبَرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا ) بِبَدَلِ مَا تَأْكُلُهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مِنْهَا إلَّا بِتَسْلِيطِهَا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ ( وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا ) مِنْ مَزْرَعَتِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ : رَبِّ الْمَزْرَعَةِ ( مُنْصَرَفٌ ) يُخْرِجُهَا مِنْهُ ( غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا ) تَأْكُلُ مِنْ زَرْعِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا ( فَ ) مَا أَكَلَهُ ( هَدَرٌ ) لَا رُجُوعَ لِرَبِّهِ بِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ صَرْفِهَا ( كَحَطَبٍ ) وَحَدِيدٍ وَنَحْوِهِ ( عَلَى دَابَّةٍ ، خَرَقَ ثَوْبَ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرِفًا ) فَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْحَطَبِ لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ ( وَكَذَا لَوْ كَانَ ) رَبُّ الثَّوْبِ ( مُسْتَدْبَرًا ) بِأَنْ جَاءَتْ الدَّابَّةُ مِنْ خَلْفِهِ ( فَصَاحَ بِهِ ) رَبُّ الدَّابَّةِ ( مُنَبِّهًا لَهُ ) لِيَنْحَرِفَ ، وَوَجَدَ مُنْحَرَفًا وَلَمْ يَفْعَلْ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ لِتَقْصِيرِ الْمُنَبَّهِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ ، ( وَإِلَّا ) يَكُنْ بَصِيرًا عَاقِلًا يَجِدْ مُنْحَرَفًا بِأَنْ كَانَ أَعْمَى ، أَوْ طِفْلًا ، أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ لَا مُنْحَرَفَ لَهُ ، أَوْ كَانَ مُسْتَدِيرًا وَلَمْ يُنَبِّهْهُ ( ضَمِنَ ) مَعَ الدَّابَّةِ أَرْشَ خَرْقِ الثَّوْبِ قُلْتُ : وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ وَنَحْوَهُ .
( فَصْلٌ وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ ) وَاقِفَتَانِ أَوْ مُصْعِدَتَانِ أَوْ مُنْحَدِرَتَانِ ( فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلٌّ ) مِنْ قَيِّمَيْ السَّفِينَتَيْنِ ( سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا ) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ ( إنْ فَرَّطَ ) كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اصْطَدَمَا ، ( وَلَوْ تَعَمَّدَاهُ ) أَيْ : الِاصْطِدَامَ ( فَ ) هُمَا ( شَرِيكَانِ فِي إتْلَافِهِمَا ) أَيْ : السَّفِينَتَيْنِ فَيَضْمَنَانِهِمَا ( وَ ) فِي إتْلَافِ ( مَا فِيهِمَا ) لِتَلَفِهِ بِفِعْلِهِمَا فَيَشْتَرِكَانِ فِي ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ خَرَقَاهُمَا ( فَإِنْ قُتِلَ ) أَيْ : إنْ كَانَ اصْطِدَامُهُمَا مِمَّا يَقْتُلُ ( غَالِبًا ) وَمَاتَ بِسَبَبِ فِعْلِهِمَا آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ ( فَ ) عَلَيْهِمَا ( الْقَوَدُ ) بِشَرْطِهِ مِنْ التَّكَافُؤِ وَنَحْوِهِ .
كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ فِيمَا لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ فَغَرِقَ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا بِأَنْ كَانَ قُرْبَ السَّاحِلِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مَنْ فِي السَّفِينَتَيْنِ الْخُرُوجُ إلَيْهِ ، ( فَ ) هُوَ ( شِبْهُ عَمْدٍ ) كَإِلْقَائِهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ، ( وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ) أَيْ : السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ ( وَاقِفَةً ) وَالْأُخْرَى سَائِرَةً فَغَرِقَتَا .
فَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْوَاقِفَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ ، وَلَمْ يُفَرِّطْ .
أَشْبَهَ النَّائِمَ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ آخَرُ فَتَلِفَ .
وَ ( ضَمِنَهَا ) أَيْ : الْوَاقِفَةَ وَمَا فِيهَا ( قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ ) بِأَنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهَا عَنْهَا فَلَمْ يَفْعَلْ ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَنَحْوِهِمَا ، لِحُصُولِ التَّلَفِ بِتَقْصِيرِهِ ، كَمَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ فَلَا ضَمَانَ ( وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ) أَيْ : السَّفِينَتَيْنِ الْمُصْطَدِمَتَيْنِ بِلَا تَعَمُّدٍ ( مُنْحَدِرَةً ) وَالْأُخْرَى مُصْعِدَةً ( ضَمِنَ قَيِّمُهَا ) أَيْ الْمُنْحَدِرَةِ ( الْمُصْعِدَةَ ) ؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلْوٍ فَتُغْرِقَهَا ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ
السَّائِرَةِ ، وَالْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةَ الْوَاقِفَةِ ( إلَّا أَنْ يُغْلَبَ ) قَيِّمُ الْمُنْحَدِرَةِ ( عَنْ ضَبْطِهَا ) بِغَلَبَةِ رِيحٍ وَنَحْوِهِ .
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ : أَوْ كَانَ الْمَاءُ شَدِيدَ الْجِرْيَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ، وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ إلَى شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَسَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي ، وَأَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ .
وَفِي الْمُغْنِي : إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولُ بِسَفِينَتِهِ وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٍ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ ) أَيْ : قَيِّمِ السَّفِينَةِ ( فِيهِ ) أَيْ : فِي أَنَّهُ غُلِبَ عَنْ ضَبْطِهَا أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ ( وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ ) أَيْ : تَعَمَّدَ الصَّدْمَ بَلْ يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِ .
فَإِنْ كَانَ حُرًّا فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا نِصْفُ دِيَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ إلَّا نِصْفُ قِيمَتِهِ ، لِأَنَّهُ شَارَكَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَامَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ بِمُحَدِّدٍ .
( وَلَوْ خَرَقَهَا ) أَيْ : السَّفِينَةَ قَيِّمُهَا ( عَمْدًا ) بِأَنْ تَعَمَّدَ قَلْعَ لَوْحٍ وَنَحْوَهُ فِي اللُّجَّةِ فَغَرِقَ مَنْ فِيهَا عُمِلَ بِذَلِكَ ( أَوْ ) خَرَقَهَا ( بِشِبْهِهِ ) أَيْ : شِبْهِ الْعَمْدِ بِأَنْ قَلَعَهُ بِلَا دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ ، ، لَكِنْ فِي مَكَانٍ قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يُغْرَقُ بِهِ مَنْ فِيهَا غَالِبًا فَغَرِقَ عُمِلَ بِهِ ( أَوْ ) خَرَقَهَا ( خَطَأً ) كَقَلْعِ لَوْحٍ يَحْتَاجُ إلَى الْإِصْلَاحِ لِيُصْلِحَهُ أَوْ لِيَضَعَ فِي مَكَانِهِ فِي مَحِلٍّ لَا يُغْرَقُ بِهِ مَنْ فِيهَا غَالِبًا فَغَرِقُوا ( عُمِلَ بِذَلِكَ ) ، فَيَقْتَصُّ مِنْهُ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ بِشَرْطِهِ ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي
شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ .
( وَ ) السَّفِينَةُ ( الْمُشْرِفَةُ عَلَى غَرَقٍ يَجِبُ إلْقَاءُ مَا يُظَنُّ بِهِ ) أَيْ : بِإِلْقَائِهِ ( نَجَاةٌ ) مِنْ الْغَرَقِ فَإِنْ تَقَاعَدُوا أَثِمُوا وَلَا ضَمَانَ .
وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ .
وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ أَلْقَى وَضَمِنَهُ مُلْقٍ ( غَيْرَ الدَّوَابِّ ) فَلَا تُلْقَى لِحُرْمَتِهَا ( إلَّا أَنْ تُلْجِئَ الضَّرُورَةُ إلَى إلْقَائِهَا ) أَيْ : الدَّوَابِّ فَتُلْقَى لِنَجَاةِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُمْ آكَدُ حُرْمَةً .
( وَمَنْ قَتَلَ ) حَيَوَانًا ( صَائِلًا ) أَوْ وَاثِبًا ( عَلَيْهِ وَلَوْ ) كَانَ الصَّائِلُ ( آدَمِيًّا ) صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ( دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ لَمْ يَضْمَنْهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ ، فَكَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ .
فَإِنْ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ غَيْرِهِ فَذَكَرَ الْقَاضِي يَضْمَنُهُ .
وَفِي الْفَتَاوَى الرَّحْبِيَّاتِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ : لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا ( أَوْ ) قَتَلَ ( خِنْزِيرًا ) وَلَوْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الْقَتْلِ .
أَشْبَهَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ ، وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ أُبِيحَ قَتْلُهُ ( أَوْ أَتْلَفَ ) بِكَسْرٍ أَوْ خَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَ مَا يَأْتِي ( مَعَ صَغِيرٍ ) حَالَ إتْلَافِهِ ( مِزْمَارًا .
أَوْ طُنْبُورًا أَوْ عُودًا أَوْ طَبْلًا أَوْ دُفًّا بِصُنُوجٍ أَوْ حِلَقٍ أَوْ نَرْدًا أَوْ شِطْرَنْجًا ) وَنَحْوَهَا ( أَوْ ) أَتْلَفَ ( صَلِيبًا ) لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ .
فَأَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ ( أَوْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ) إنَاءَ ( ذَهَبٍ أَوْ ) كَسَرَ أَوْ شَقَّ إنَاءً ( فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا ) ، وَهِيَ مَا عَدَا خَمْرَ الْخِلَالِ وَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَتِرَةَ ( قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِهِ ) أَيْ : الْكَسْرِ أَوْ الشِّقِّ ( أَوْ لَا ) لَمْ يَضْمَنْهُ .
لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَفِيهِ " { وَأَمَرَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَنْ يَمْضُوا مَعِي وَيُعَاوِنُونِي أَنْ آتِيَ الْأَسْوَاقَ كُلَّهَا فَلَا أَجِدُ فِيهَا زِقَّ خَمْرٍ إلَّا شَقَقْتُهُ ، فَفَعَلْتُ ، فَلَمْ أَتْرُكْ زِقًّا إلَّا شَقَقْتُهُ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ ( أَوْ ) كَسَرَ ( حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ ) أَيْ : لَمْ يَتَّخِذْهُ مَالِكُهُ ( يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ ) لَمْ يَضْمَنْهُ لِإِزَالَتِهِ مُحَرَّمًا ( أَوْ ) أَتْلَفَ ( آلَةَ سِحْرٍ أَوْ ) آلَةَ ( تَعْزِيمٍ أَوْ ) آلَةَ ( تَنْجِيمٍ أَوْ ) أَتْلَفَ ( صُوَرَ خَيَّالٍ أَوْ أَوْثَانًا ) جَمْعُ وَثَنٍ وَهُوَ الصَّنَمُ يَعْبُدُهُ الْمُشْرِكُونَ ، ( أَوْ
) أَتْلَفَ ( كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةً أَوْ ) كُتُبَ ( كُفْرٍ أَوْ حَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ أَوْ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ لَمْ يَضْمَنْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُهُ لَا لِحُرْمَتِهِ .
أَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالْمَيْتَةَ وَلِأَنَّ مَخْزَنَ الْخَمْرِ مِنْ أَمَاكِنِ الْمَعَاصِي وَإِتْلَافُهَا جَائِزٌ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " { حَرَقَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ } " قَالَ فِي الْهَدْيِ .
وَفِي الْفُنُونِ : يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ وَإِهَانَةٌ لِمَا وُضِعَتْ لَهُ وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا .
وَأَمَّا دُفُّ الْعُرْسِ الَّذِي لَا حِلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ فَمَضْمُونٌ لِإِبَاحَتِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُتْلِفِ لِمَا تَقَدَّمَ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا
( بَابُ الشُّفْعَةِ ) بِإِسْكَانِ الْفَاءِ مِنْ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الشَّفِيعِ كَانَ مُنْفَرِدًا فِي مِلْكِهِ وَبِالشُّفْعَةِ يُضَمُّ الْمَبِيعُ إلَى مِلْكِهِ فَيَشْفَعُهُ بِهِ ، أَوْ مِنْ الشَّفَاعَةِ أَيْ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ يَزِيدُ فِي مِلْكِ الشَّفِيعِ أَوْ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إذَا أَرَادَ بَيْعَ دَارِهِ أَتَاهُ جَارُهُ وَشَرِيكُهُ فَيَشْفَعُ لَهُ فِيمَا بَاعَ فَشَفَّعَهُ وَجَعَلَهُ أَوْلَى بِهِ ، أَوْ لِأَنَّ طَالِبَهَا يُسَمَّى شَفِيعًا لِمَجِيئِهِ تَالِيًا لِلْمُشْتَرِي ، فَهُوَ ثَانٍ بَعْدَ أَوَّلٍ فَسُمِّيَ طَلَبُهُ شُفْعَةً ، وَهِيَ شَرْعًا ( اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ ) فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ مُكَاتَبًا ( انْتِزَاعُ شِقْصِ شَرِيكِهِ ) الْمُنْتَقَلِ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ .
وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ النَّصِيبُ ( مِمَّنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ ) ، إمَّا بِالْبَيْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَيَأْتِي ( إذَا كَانَ ) الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ ( مِثْلَهُ ) أَيْ : الشَّرِيكِ بِأَنْ يَكُونَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ ، ( أَوْ ) كَانَ الْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ ( دُونَهُ ) أَيْ : الشَّرِيكِ بِأَنْ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا وَالْمُنْتَقَلُ إلَيْهِ كَافِرًا .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَيَأْتِي ، وَلَا لِلْجَارِ وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِ دَارٍ إذَا بَاعَهَا أَوْ بَعْضَهَا وَارِثٌ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ لِشَيْءٍ مِنْ الدَّارِ ، وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِي الْمَوْرُوثِ وَالْمُوصَى بِهِ وَالْمَوْهُوبِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا الْمَجْعُولِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ وَنَحْوِهِ أَوْ صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَنَحْوِهِ .
وَالشُّفْعَةُ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ " { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ .
فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ ، وَالْمَعْنَى إزَالَةُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ ( وَلَا تَسْقُطُ ) الشُّفْعَةُ ( بِاحْتِيَالٍ ) عَلَى إسْقَاطِهَا ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ
، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالِاحْتِيَالِ لَحِقَ الضَّرَرُ ، وَالْحِيلَةُ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ وَيَتَوَاطَآنِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلَافِهِ ، كَإِظْهَارِ التَّوَاهُبِ أَوْ زِيَادَةِ الثَّمَنِ وَنَحْوِهِ ، ( وَيَحْرُمُ ) الِاحْتِيَالُ عَلَى إسْقَاطِهَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَحْرِيمِ الْحِيَلِ كُلِّهَا .
( وَشُرُوطُهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ ( خَمْسَةٌ ) أَحَدُهَا ( كَوْنُهُ ) أَيْ : الشِّقْصِ الْمُنْتَقَلِ عَنْ الشَّرِيكِ ( مَبِيعًا ) صَرِيحًا أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَصُلْحٍ عَنْ إقْرَارٍ بِمَالٍ أَوْ عَنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُهُ وَهِبَةٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ .
لِحَدِيثِ جَابِرٍ { هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ } " رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ ؛ وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِمِثْلِ عِوَضِهِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ ، ( فَلَا تَجِبُ ) الشُّفْعَةُ ( فِي قِسْمِهِ ) لِأَنَّهَا إفْرَازٌ أَوْ تَرَاضٍ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَلَا فَائِدَةَ ( وَلَا ) فِي ( هِبَةٍ ) أَيْ : مَوْهُوبٍ بِلَا عِوَضٍ وَلَا مُوصًى بِهِ ، لَا غَرَضُ الْوَاهِبِ وَالْمُوصِي نَفْعُ الْمُتَّهَبِ وَالْمُوصَى لَهُ ، وَلَا يَحْصُلُ مَعَ انْتِقَالٍ عَنْهُ وَكَمَوْرُوثٍ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ قَهْرًا بِلَا عِوَضٍ ، وَكَذَا لَوْ عَادَ إلَيْهِ الصَّدَاقُ أَوْ بَعْضُهُ لِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ رُدَّ الْمَبِيعُ لِنَحْوِ عَيْبٍ ، ( وَلَا ) شُفْعَةَ ( فِيمَا ) أَيْ : شِقْصٍ ( عِوَضُهُ غَيْرُ مَالِيٍّ كَصَدَاقٍ ) أَيْ : الْمَجْعُولِ صَدَاقًا ( وَعِوَضُ خُلْعٍ ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ .
( وَ ) عِوَضُ ( صُلْحٍ عَنْ قَوَدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِوَضٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهِ أَشْبَهَ الْمَوْهُوبَ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ بِعِوَضِهِ ، وَكَذَا عِوَضُ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ وَمَا اشْتَرَاهُ ذِمِّيٌّ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ( وَلَا ) شُفْعَةَ فِي ( مَا ) أَيْ : شِقْصٍ ( أَخَذَ ) مِنْ شَرِيكِهِ ( أُجْرَةً ) أَوْ جَعَالَةً ( أَوْ ثَمَنًا فِي سَلَمٍ ) إنْ صَحَّ جَعْلُهُ ثَمَنًا فِيهِ ( أَوْ عِوَضًا فِي كِتَابَةٍ ) ؛ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ : فَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ " { فَإِنْ بَاعَ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ } " رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بَيْعًا عُرْفًا بَلْ لَهَا اسْمٌ خَاصٌّ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي كَوْنُهُ ) أَيْ : الشِّقْصِ الْمَبِيعِ ( مُشَاعًا ) أَيْ : غَيْرَ مُفْرَزٍ ( مِنْ عَقَارٍ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ ( يَنْقَسِمُ ) أَيْ : تَجِبُ قِسْمَتُهُ بِطَلَبِ مَنْ لَهُ فِيهِ جُزْءٌ ( إجْبَارًا ) ؛ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " { الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ .
فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ } " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ .
وَلِحَدِيثِهِ ، أَيْضًا " { إنَّمَا جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ .
} " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلِأَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ فِيمَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الشَّرِيكَ رُبَمَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَرِيكٌ فَيَتَأَذَّى بِهِ فَتَدْعُوهُ الْحَاجَةُ إلَى مُقَاسَمَتِهِ .
أَوْ يَطْلُبُ الدَّاخِلُ الْمُقَاسَمَةَ فَيَتَضَرَّرُ الشَّرِيكُ بِمَنْعِ مَا يَحْتَاجُ إلَى إحْدَاثِهِ مِنْ الْمَرَافِقِ .
وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَقْسُومِ ( فَلَا شُفْعَةَ لِجَارٍ فِي مَقْسُومٍ مَحْدُودٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
وَحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَرْفُوعًا " { الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : أَحَقُّ بِصَقَبِهِ أَيْ : بِمَا يَلِيهِ وَيَقْرَبُ مِنْهُ .
وَحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا " { جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ } " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَبْهَمَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ .
فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي مُضْمَرٍ .
لِأَنَّ الْعُمُومَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمَنْطُوقِ بِهِ دُونَ الْمُضْمَرِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِالْفِنَاءِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَارِ مِمَّنْ لَيْسَ بِجَارٍ ، أَوْ يَكُونُ مُرْتَفِقًا بِهِ ، وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي لِقَاءِ الْحَسَنِ لِسَمُرَةَ ، وَمَنْ أَثْبَتَ لِقَاءَهُ لَهُ قَالَ : إنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ ، وَلَوْ سَلِمَ لَكَانَ عَنْهُ الْجَوَابَانِ الْمَذْكُورَانِ ، وَحَدِيثِ " { الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ } "
قَالَ أَحْمَدُ : مُنْكَرٌ .
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ : وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ ، أَوْ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْجَارِ فِي الْأَحَادِيثِ الشَّرِيكُ فَإِنَّهُ جَارٌ أَيْضًا .
؛ لِأَنَّ اسْمَ الْجِوَارِ يَخْتَصُّ بِالْقَرِيبِ ، وَالشَّرِيكُ أَقْرَبُ مِنْ اللَّصِيقِ كَمَا أُطْلِقَ عَلَى الزَّوْجَةِ لِقُرْبِهَا ( وَلَا ) شُفْعَةَ ( فِي طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِ دَارٍ فِيهِ ) أَيْ : فِي الطَّرِيقِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ التَّوَصُّلُ إلَى الدَّارِ إلَّا مِنْهُ لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي .
لِأَنَّهَا تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا ( وَلَوْ كَانَ نَصِيبُ مُشْتَرٍ مِنْهَا ) أَيْ : الطَّرِيقِ ( أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ ) لِتَبَعُّضِ الشُّفْعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي لَوْ وَجَبَتْ فِي الزَّائِدِ وَفِيهِ ضَرَرٌ ، ( فَإِنْ كَانَ لَهَا ) أَيْ الدَّارِ ( بَابٌ آخَرُ ) إلَى شَارِعٍ ( وَأَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهَا إلَى شَارِعٍ وَجَبَتْ ) الشُّفْعَةُ فِي الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ غَيْرِ النَّافِذِ .
حَيْثُ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَرَاضِي ( وَكَذَا ) أَيْ : كَالطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي لَا يَنْفُذُ ( دِهْلِيزٌ ) بِالْكَسْرِ : مَا بَيْنَ الْبَابِ وَالدَّارِ ( وَصَحْنٌ ) أَيْ : وَسَطُ الدَّارِ ( مُشْتَرَكَانِ ) ، فَإِذَا بِيعَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ لَهَا دِهْلِيزٌ وَصَحْنٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِاسْتِطْرَاقُ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا مِنْهُمَا فَلَا شُفْعَةَ فِيهِمَا ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ آخَرُ وَأَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ لَهُ إلَى شَارِعٍ وَجَبَتْ فِيهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ أَرْضُهُ بِجِوَارِ أَرْضٍ لِآخَرَ وَيَشْرَبَانِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ وَاحِدٍ فَلَا شُفْعَةَ بِذَلِكَ .
( وَلَا ) شُفْعَةَ ( فِيمَا ) أَيْ : عَقَارٍ ( لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ كَحَمَّامٍ صَغِيرٍ .
وَبِئْرٍ وَطُرُقٍ ) ضَيِّقَةٍ ( وَعِرَاضٍ ضَيِّقَةٍ ) وَرَحًى صَغِيرَةٍ وَعِضَادَةٍ نَصًّا .
لِحَدِيثِ " { لَا شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلَا طَرِيقٍ وَلَا مُثَقَّبَةٍ } " وَالْمُثَقَّبَةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دَارَيْنِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْلُكَهُ أَحَدٌ .
رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ .
وَعَنْ عُثْمَانَ " لَا شُفْعَةَ فِي بِئْرٍ وَلَا نَخْلٍ " وَلِأَنَّ إثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِيهِ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ .
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْ إثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لِأَجْلِ الشَّفِيعِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ ، وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ .
فَإِنْ كَانَ الْبِئْرُ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ ، وَكَذَا إنْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ بِحَيْثُ تُحَصِّلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ ، وَكَذَا الرَّحَى إنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَتُهُ بِأَنْ كَانَ لَهُ حِصْنٌ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْحَجَرُ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ ، أَوْ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَجَرَيْنِ .
( وَلَا ) شُفْعَةَ ( فِيمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ ) أَيْ أَرْضٍ ( كَ ) شَجَرٍ وَبِنَاءٍ مُفْرَدٍ وَحَيَوَانٍ ( وَجَوْهَرٍ وَسَيْفٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَسَفِينَةٍ وَزَرْعٍ وَثَمَرٍ وَكُلِّ مَنْقُولٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ ، وَلَا يَدُومُ ضَرَرُهُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ ( وَيُؤْخَذُ غِرَاسٌ وَبِنَاءٌ ) بِالشُّفْعَةِ ( تَبَعًا لِأَرْضٍ ) لِحَدِيثِ " قَضَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مُشْتَرَكٍ لَمْ يُقْسَمْ رُبْعُهُ أَوْ حَائِطًا " وَ ( لَا ) يُؤْخَذُ ( ثَمَرٌ ) ظَاهِرٌ ( وَزَرْعٌ ) بِشُفْعَةٍ لَا تَبَعًا وَلَا مُفْرَدًا .
لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا .
فَلَا يُؤْخَذَ بِالشُّفْعَةِ كَقُمَاشِ الدَّارِ ، وَعَكْسُهُ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ .
إذْ الشُّفْعَةُ بَيْعٌ حَقِيقَةً ، إلَّا أَنَّ لِلشَّفِيعِ سُلْطَانَ الْأَخْذِ بِغَيْرِ رِضَا الْمُشْتَرِي .
وَمَا بِيعَ مِنْ عُلْوِ مُشْتَرَكٍ دُونَ سُفْلِهِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِالْعَكْسِ إذَا بَاعَ الشَّرِيكُ الْعُلُوَّ وَحِصَّتَهُ مِنْ السُّفْلِ فَلِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةُ فِي السُّفْلِ فَقَطْ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ : طَلَبُهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ ( سَاعَةَ يَعْلَمُ ) بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ نَصًّا لِحَدِيثِ " { الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَفِي لَفْظٍ " { الشُّفْعَةُ كَنَشِطَةِ الْعِقَالِ .
إنْ قُيِّدَتْ ثَبَتَتْ وَإِنْ تُرِكَتْ فَاللَّوْمُ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا } " وَحَدِيثِ " { الشُّفْعَةُ لِمَنْ وَاثَبَهَا } " قَالَ فِي الْمُغْنِي : رَوَاهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ بِالتَّرَاخِي يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى الْمَبِيعِ ( فَإِنْ أَخَّرَهُ ) أَيْ : أَخَّرَ الشَّفِيعُ طَلَبَ الشُّفْعَةِ ( لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ ) بِهِ ( حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ ) أَخَّرَهُ الْمُحْدِثُ ( لِطَهَارَةٍ أَوْ ) مَنْ بَابُهُ مَفْتُوحٌ لِ ( إغْلَاقِ بَابٍ أَوْ لِيَخْرُجَ مِنْ حَمَّامٍ ) إذَا عَلِمَ وَهُوَ دَاخِلُهَا ( أَوْ ) أَخَّرَ طَلَبَهَا حَاقِنٌ أَوْ حَاقِبٌ ( لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ أَوْ ) أَخَّرَهُ مُؤَذِّنٌ ( لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ ) الصَّلَاةَ ( أَوْ ) أَخَّرَهُ ( لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا ) بِاشْتِغَالِهِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ ( وَنَحْوِهِ ) ، كَمَنْ انْخَرَقَ ثَوْبُهُ أَوْ سَقَطَ مِنْهُ مَالٌ فَأَخَّرَهُ إلَى أَنْ يُرَقِّعَ ثَوْبَهُ أَوْ يَلْتَمِسَ مَا سَقَطَ مِنْهُ ( أَوْ ) أَخَّرَهُ ( مَنْ عَلِمَ لَيْلًا حَتَّى يُصْبِحَ مَعَ غَيْبَةِ مُشْتَرٍ ) فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ، لِأَنَّهُ مَعَ حُضُورِهِ يُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ بِلَا اشْتِغَالٍ عَنْ أَشْغَالِهِ ( أَوْ ) أَخَّرَ الطَّلَبَ ( لِ ) فِعْلِ ( صَلَاةٍ وَسُنَنِهَا وَلَوْ مَعَ حُضُورِهِ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِهَا عَلَى غَيْرِهَا فَلَيْسَ الِاشْتِغَالُ بِهَا رِضًا بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ الْإِسْرَاعُ فِي مَشْيِهِ أَوْ تَحْرِيكُ دَابَّتِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ إلَى الْمُشْتَرِي إذْ الْفَوْرُ الْمَشْرُوطُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ ، ( أَوْ ) أَخَّرَ الطَّلَبَ ( جَهْلًا بِأَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْقِطٌ ) لِلشُّفْعَةِ ( وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ ) لَمْ
تَسْقُطْ ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ مِمَّا يُعْذَرُ بِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَهُمَا جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا أَوْ نِسْيَانًا لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَيْعِ كَتَمْكِينِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ زَوْجَهَا مِنْ وَطْئِهَا جَاهِلَةً بِمِلْكِ الْفَسْخِ أَوْ نَاسِيَةً لِلْعِتْقِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ ( أَوْ أُشْهِدَ بِطَلَبِهِ ) لِلشُّفْعَةِ ( غَائِبٌ ) عَنْ بَلَدِ مُشْتَرٍ ( أَوْ مَحْبُوسٌ ) أَوْ مَرِيضٌ ( لَمْ تَسْقُطْ ) شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّ إشْهَادَهُ دَلِيلُ رَغْبَتِهِ وَأَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْهُ إلَّا قِيَامُ الْعُذْرِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ سَقَطَتْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتْرُكُ الطَّلَبَ لِلْعُذْرِ وَقَدْ يَتْرُكُهُ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيلِ فِيهِ أَوْ لَا .
إذْ الْوَكِيلُ إنْ كَانَ يُجْعَلُ فَفِيهِ غُرْمٌ وَإِنْ تَبَرَّعَ فَفِيهِ مِنَّةٌ وَقَدْ لَا يَثِقُ بِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ، كَالْمُوَفَّقِ أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا كَانَ بِبَلَدِ الْمُشْتَرِي غَيْرَ مَحْبُوسٍ لَا بُدَّ مِنْ مُوَاجِهَتِهِ لَهُ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ فَلَا يَكْفِي إشْهَادُهُ بِالطَّلَبِ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ : الْمَذْهَبُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .
( وَتَسْقُطُ ) شُفْعَةُ غَائِبٍ ( بِسَيْرِهِ فِي طَلَبِهَا بِلَا إشْهَادٍ ) عَلَى الطَّلَبِ ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ يَكُونُ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ وَلِغَيْرِهِ ، وَقَدْ قَدَرَ أَنَّهُ يُبَيِّنُ كَوْنَ سَيْرِهِ لِطَلَبِ الشُّفْعَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سَقَطَتْ كَتَارِكِ الطَّلَبِ مَعَ حُضُورِهِ .
وَ ( لَا ) تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ ( إنْ أُخِّرَ طَلَبُهُ ) أَيْ : الْغَائِبِ بِتَأْخِيرِ قُدُومِهِ أَوْ تَوْكِيلِهِ مَعَ إمْكَانِهِمَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الْإِشْهَادِ بِطَلَبِهَا ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ ضَرَرًا بِالْتِزَامِهِ كُلْفَتَهُ ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ تِجَارَةٌ وَحَوَائِجُ يَنْقَطِعُ عَنْهَا وَتَضِيعُ بِغَيْبَتِهِ وَغَلَّتُهُ فِي التَّوْكِيلِ مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ .
( وَلَفْظُهُ ) أَيْ : لَفْظُ الطَّلَبِ مِنْ الْمَعْذُورِ ( أَنَا طَالِبٌ ) لِلشُّفْعَةِ ( أَوْ ) أَنَا ( مُطَالِبٌ ) بِالشُّفْعَةِ ( أَوْ ) أَنَا ( آخُذُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ ) أَنَا ( قَائِمٌ عَلَيْهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ ( وَنَحْوُهُ مِمَّا يُفِيدُ مُحَاوَلَةَ الْأَخْذِ ) بِالشُّفْعَةِ كَ تَمَلَّكْتُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ أَوْ انْتَزَعْتُهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ ضَمَمْتُهُ إلَى مِلْكِي ( وَيَمْلِكُ ) الشِّقْصَ الْمَبِيعَ ( بِهِ ) أَيْ : الطَّلَبِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَانَ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ ( فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ ) أَيْ : الشَّفِيعِ فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لِانْتِقَالِ مِلْكِهِ إلَيْهِ بِالطَّلَبِ ( وَيُوَرَّثُ ) عَنْهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الثَّمَنِ الْحَالِّ وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَيَأْتِي ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) لِمِلْكِ الشَّفِيعِ لِلشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لَهُ بِالطَّلَبِ ( رُؤْيَتُهُ ) أَيْ مُشَاهَدَةُ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ ( لِأَخْذِهِ ) بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ ، قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى كَوْنِهِ انْتِزَاعًا قَهْرِيًّا كَرُجُوعِ الصَّدَاقِ أَوْ نِصْفِهِ إلَى الزَّوْجِ فِي فُرْقَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ .
وَلِذَلِكَ لَا خِيَارَ لَهُ فِيهِ ، وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالثَّمَنِ وَالشِّقْصِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ ، وَلَهُ الطَّلَبُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالثَّمَنِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِ وَكَذَا الْمَبِيعُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْإِقْنَاعِ .
( وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) شَفِيعٌ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ ( مَنْ يُشْهِدُهُ ) عَلَى الطَّلَبِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا أَوْ وَجَدَ مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ أَوْ مَنْ لَا يَقْدَمُ مَعَهُ إلَى مَحِلِّ الْخُصُومَةِ ، ( أَوْ أَخَّرَهُمَا ) أَيْ : الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ عَلَيْهِ ( عَجْزًا كَمَرِيضٍ وَمَحْبُوسٍ ظُلْمًا ) فَعَلَى شُفْعَتِهِ .
فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ سَقَطَتْ ( أَوْ ) أَخَّرَهُمَا ( لِإِظْهَارِ ) بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ مُخْبِرِ الشَّفِيعِ ( زِيَادَةَ ثَمَنٍ ) عَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ( أَوْ ) لِإِظْهَارِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرَ ( نَقْصَ مَبِيعٍ أَوْ ) لِإِظْهَارِ ( هِبَتِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعِ أَيْ : أَنَّهُ مَوْهُوبٌ ( أَوْ ) لِإِظْهَارِ ( أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ ) أَيْ : غَيْرُ الْمُشْتَرِي حَقِيقَةً ، ( أَوْ ) أَخَّرَ شَفِيعٌ الطَّلَبَ أَوْ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ ( لِتَكْذِيبِ مُخْبِرٍ ) لَهُ ( لَا يُقْبَلُ ) خَبَرُهُ ( فَ ) هُوَ ( عَلَى شُفْعَتِهِ ) ، فَلَا تَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ لِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَعْذُورٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْحَالِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مُطْلَقًا ؛ وَلِأَنَّ خَبَرَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ مَعَ عَدَمِ تَصْدِيقِ شَفِيعٍ لَهُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ .
فَإِنْ صَدَّقَهُ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ لِاعْتِرَافِهِ بِوُقُوعِ الْبَيْعِ وَتَأْخِيرِهِ لَهُ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنْ أُخْبِرَ بِثَمَنٍ فَلَمْ يُطَالِبْ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الثَّمَنَ أَكْثَرُ مِمَّا أُخْبِرَ بِهِ سَقَطَتْ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْضَى بِالْقَلِيلِ لَا يَرْضَى بِالْكَثِيرِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضًا يَسِيرًا لَا يَمْنَعُهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ ، وَالْمَحْبُوسَ بِحَقٍّ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ إذَا أَبَاهُ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِدَرَاهِمَ وَكَانَ اشْتَرَاهُ بِدَنَانِيرَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَكَإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ دُونَ الْآخَرِ ، " كَمَا لَوْ وَقَعَ بِنَقْدٍ فَأُظْهِرَ أَنَّهُ بِعَرْضٍ ، وَمِثْلُ مَا إذَا أُظْهِرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ
غَيْرُهُ مَا لَوْ أُظْهِرَ أَنَّ فُلَانًا اشْتَرَاهُ وَحْدَهُ فَبَانَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ هُوَ وَآخَرُ وَعَكْسُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْضَى بِشَرِكَةِ إنْسَانٍ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ يُحَابِي إنْسَانًا أَوْ يَخَافُهُ فَيَتْرُكُ الشُّفْعَةَ لِذَلِكَ .
( وَتَسْقُطُ ) شُفْعَتُهُ ( إنْ كَذَّبَ ) مُخْبِرًا لَهُ ( مَقْبُولًا ) خَبَرُهُ وَلَوْ وَاحِدًا ؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ عَدْلٍ يَجِبُ قَبُولُهُ فِي الرِّوَايَةِ وَالْفُتْيَا وَالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدْلٍ ( أَوْ قَالَ ) شَفِيعٌ ( لِمُشْتَرٍ ) لِشِقْصٍ ( : بِعْنِيهِ أَوْ أَكْرَنِيهِ ) أَوْ قَاسِمْنِي ( أَوْ صَالِحْنِي ) عَلَيْهِ أَوْ هَبْهُ لِي أَوْ ائْتَمِنِّي عَلَيْهِ ( أَوْ اشْتَرَيْتُهُ رَخِيصًا وَنَحْوَهُ ) كَ اشْتَرَيْتُ غَالِيًا أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتُ ؛ لِأَنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ دَلِيلُ رِضَاهُ بِشِرَائِهِ وَتَرْكِهِ لِلشُّفْعَةِ ، وَكَذَا لَوْ قِيلَ لَهُ : شَرِيكُكَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ زَيْدٍ .
فَقَالَ : إنْ بَاعَنِي زَيْدٌ وَإِلَّا فَلِيَ الشُّفْعَةُ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِمُشْتَرٍ : بِعْهُ مِمَّنْ شِئْتَ وَنَحْوُهُ .
وَ ( لَا ) تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ ( إنْ عَمِلَ دَلَّالًا بَيْنَهُمَا ) أَيْ : بَيْنَ شَرِيكِهِ وَالْمُشْتَرِي ( وَهُوَ السَّفِيرُ أَوْ تَوَكَّلَ ) الشَّفِيعُ ( لِأَحَدِهِمَا ) فِي الْبَيْعِ ( أَوْ جُعِلَ لَهُ ) أَيْ : الشَّفِيعِ ( الْخِيَارُ ) فِي الْبَيْعِ ( فَاخْتَارَ إمْضَاءَهُ أَوْ رَضِيَ بِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعِ ، ( أَوْ ضَمِنَ ) شَفِيعٌ لِبَائِعٍ ( ثَمَنَهُ ) أَيْ : الشِّقْصِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِهِ كَالْإِذْنِ فِي الْبَيْعِ ، وَلِأَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا الرِّضَا بِتَرْكِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا وَلَمْ يُوجَدْ ، ( أَوْ سَلَّمَ ) الشَّفِيعُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ لِحَدِيثِ " { مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ } " رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ ، ( أَوْ دَعَا ) الشَّفِيعُ ( لَهُ ) أَيْ : لِلْمُشْتَرِي بِالْبَرَكَةِ أَوْ غَيْرِهَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ دُعَاءَهُ إنْ كَانَ بِالْبَرَكَةِ فِي الْبَيْعِ فَهُوَ دُعَاءٌ لِنَفْسِهِ لِرُجُوعِ الشِّقْصِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ وَاتَّصَلَ بِالسَّلَامِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ فَلَحِقَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِتَرْكِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا ( وَنَحْوُهُ ) كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْمُشْتَرِي عَلَى الشَّفِيعِ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ ، ( أَوْ أَسْقَطَهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةَ ( قَبْلَ بَيْعِ ) شِقْصٍ أَوْ أَذِنَ فِيهِ فَلَا تَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِمَّا يَسْتَقْرِضُهُ لَهُ .
( وَمَنْ تَرَكَ شُفْعَةَ مُوَلِّيهِ ) أَيْ مَحْجُورِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ تَرْكُهُ لَهَا ( لِعَدَمِ حَظِّ ) لِلْمَحْجُورِ ( فَلَهُ ) أَيْ : الْمَوْلَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْبَيْعِ ( إذَا صَارَ أَهْلًا ) بِأَنْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ أَوْ رَشَدَ ( الْأَخْذُ بِهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ صَرَّحَ بِالْعَفْوِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِتَرْكِ غَيْرِ الشَّفِيعِ كَالْغَائِبِ يَتْرُكُ وَكِيلُهُ الْأَخْذَ بِهَا .
وَعُلِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَأَنَّ الْوَلِيَّ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بِهَا دُونَ الْعَفْوِ عَنْهَا ؛ لِأَنَّ فِي الْأَخْذِ تَحْصِيلًا وَاسْتِيفَاءً لِلْحَقِّ بِخِلَافِ إسْقَاطِهِ ، وَمَتَى رَأَى الْوَلِيُّ الْحَظَّ فِي الْأَخْذِ لَزِمَهُ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ وَالْأَخْذَ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ ، فَإِذَا أَخَذَ بِهَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا رَدَّ لَهُ ، إذَا صَارَ أَهْلًا ، وَلَا غُرْمَ عَلَى الْوَلِيِّ بِتَرْكِهَا ، لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ .
وَإِنْ رَأَى الْوَلِيُّ الْحَظَّ فِي تَرْكِهَا فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ ( أَخْذُ جَمِيعِ ) الشِّقْصِ ( الْمَبِيعِ ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ بِأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ .
فَإِذَا أَخَذَ الْبَعْضَ لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ ( فَإِنْ طَلَبَ ) الشَّفِيعُ ( بَعْضَهُ ) أَيْ : الْمَبِيعِ ( مَعَ بَقَاءِ الْكُلِّ ) أَيْ : كُلِّ الْمَبِيعِ ( سَقَطَتْ ) شُفْعَتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ إذَا سَقَطَ بِالتَّرْكِ فِي الْبَعْضِ سَقَطَ فِي الْكُلِّ كَعَفْوِهِ عَنْ بَعْضِ قَوَدٍ يَسْتَحِقُّهُ ، ( وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُهُ ) أَيْ الْمَبِيعِ ، كَانْهِدَامِ بَيْتٍ مِنْ دَارٍ بِيعَ بَعْضُهَا بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ كَمَطَرٍ أَوْ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ مُشْتَرٍ أَوْ غَيْرَهُ ( أَخَذَ ) الشَّفِيعُ ( بَاقِيَهُ ) أَيْ : الْمَبِيعِ إنْ شَاءَ ( بِحِصَّتِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعِ بَعْدَ مَا تَلِفَ ( مِنْ ثَمَنِهِ ) أَيْ : ثَمَنِ جَمِيعِ الشِّقْصِ .
فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ نِصْفَ الدَّارِ ، وَقِيمَةُ الْبَيْتِ الْمُنْهَدِمِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ .
ثُمَّ إنْ بَقِيَتْ الْأَنْقَاضُ أَخَذَهَا مَعَ الْعَرْصَةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ عُدِمَتْ أَخَذَ مَا بَقِيَ مِنْ الْبِنَاءِ مَعَ الْعَرْصَةِ بِالْحِصَّةِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُ كُلِّ الْمَبِيعِ بِتَلَفِ بَعْضِهِ ، فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ شَفِيعٌ آخَرُ ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ مَعَ بَقَاءِ صُورَةِ الْمَبِيعِ كَانْشِقَاقِ الْحَائِطِ وَبَوَرَانِ الْأَرْضِ .
فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِلَّا تَرَكَ ( فَلَوْ اشْتَرَى دَارًا ) أَيْ شِقْصًا مِنْهَا ( بِأَلْفٍ تُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَبَاعَ بَابَهَا أَوْ هَدَمَهَا ، فَبَقِيَتْ بِأَلْفٍ أَخَذَهَا ) الشَّفِيعُ ( بِخَمْسِمِائَةٍ ) بِالْحِصَّةِ مِنْ الثَّمَنِ نَصًّا ( وَهِيَ ) أَيْ : الشُّفْعَةُ ( بَيْنَ شُفَعَاءَ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ ) فِيمَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ يُسْتَفَادُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ
كَالْغَلَّةِ .
فَدَارٌ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَسُدُسٌ .
بَاعَ صَاحِبُ النِّصْفِ نَصِيبَهُ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ وَاحِدٌ ، ( وَمَعَ تَرْكِ الْبَعْضِ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ حَقَّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ ( لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي ) الَّذِي لَمْ يَتْرُكْ ( أَنْ يَأْخُذَ ) بِالشُّفْعَةِ ( إلَّا الْكُلَّ ) أَيْ : كُلَّ الْمَبِيعِ ( أَوْ يَتْرُكَ ) الْكُلَّ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الْبَعْضِ إضْرَارًا بِالْمُشْتَرِي ، ( وَكَذَا إنْ غَابَ ) بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَلَيْسَ لِلْحَاضِرِ إلَّا أَخْذَ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ نَصًّا .
لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ لَهُ مُطَالِبٌ سِوَاهُ وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ لِمَا فِيهِ إضْرَارُ الْمُشْتَرِي ، فَلَوْ كَانَ الشُّفَعَاءُ ثَلَاثَةً فَحَضَرَ أَحَدُهُمْ وَأَخَذَ جَمِيعَ الشِّقْصِ مَلَكَهُ .
( وَلَا يُؤَخَّرُ بَعْضُ ثَمَنِهِ لِيَحْضُرَ غَائِبٌ ) فَيُطَالِبَ لِوُجُوبِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ ، ( فَإِنْ أَصَرَّ ) عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَائِهِ ( فَلَا شُفْعَةَ ) لَهُ كَمَا لَوْ أَبَى أَخْذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ ( ، وَالْغَائِبُ ) مِنْ الشُّفَعَاءِ ( عَلَى حَقِّهِ ) مِنْ الشُّفْعَةِ لِلْعُذْرِ لِلْأَوَّلِ ، فَإِنْ حَضَرَ ثَانٍ بَعْدَ أَخْذِ أَوَّلَ قَاسَمَهُ إنْ شَاءَ أَوْ عَفَا وَيَبْقَى ، فَإِنْ قَاسَمَهُ ثُمَّ حَضَرَ الثَّالِثُ قَاسَمَهُمَا إنْ أَحَبَّ أَوْ عَفَا .
فَيَبْقَى لِلْأَوَّلَيْنِ ، وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي بَعْدَ أَخْذِ الْأَوَّلِ جَمِيعَ الشِّقْصِ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ .
فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى مُشْتَرٍ ، وَالشَّفِيعُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ ، فَإِذَا قَدِمَ الثَّالِثُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الثَّانِي ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ فَيَضُمَّهُ إلَى مَا بِيَدِ الْأَوَّلِ وَيَقْتَسِمَانِهِ نِصْفَيْنِ .
فَتَصِحُّ قِسْمَةُ الشِّقْصِ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ( وَلَا يُطَالِبُهُ ) أَيْ : لَا يُطَالِبُ الْغَائِبُ حَاضِرًا ( بِمَا أَخَذَهُ ) أَيْ : الْحَاضِرُ ( مِنْ غَلَّتِهِ ) أَيْ : الشِّقْصِ مِنْ ثَمَرٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهِمَا ، لِأَنَّهُ انْفَصَلَ مِلْكُهُ كَمَا لَوْ انْفَصَلَ فِي يَدِ مُشْتَرٍ قَبْلَ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ ، وَإِنْ تَرَكَ الْأَوَّلُ الْأَخْذَ تَوَفَّرَتْ لِصَاحِبَيْهِ .
فَإِذَا قَدِمَ الْأَوَّلُ أَخَذَ الْجَمِيعَ أَوْ تَرَكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ أَخَذَ الْأَوَّلُ جَمِيعَ الشِّقْصِ ثُمَّ رَدَّهُ لِعَيْبٍ فِيهِ ، تَوَفَّرَتْ عَلَى صَاحِبَيْهِ لِرُجُوعِهِ لِمُشْتَرٍ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ ، بِخِلَافِ عَوْدِهِ إلَيْهِ بِنَحْوِ هِبَةٍ .
وَإِنْ لَمْ يَقْدَمُ الثَّالِثُ حَتَّى قَاسَمَ الثَّانِي الْأَوَّلَ فَأَخَذَ بِحَقِّهِ مِنْ الشُّفْعَةِ بَطَلَتْ الْقِسْمَةُ .
وَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ الثَّالِثُ حَتَّى غَابَ أَحَدُ شَرِيكَيْهِ أَخَذَ مِنْ الْحَاضِرِ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ .
ثُمَّ إنْ قُضِيَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَخَذَ ثُلُثَ مَا بِيَدِهِ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ .
( وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي ) لِلشِّقْصِ ( شَرِيكًا ) فِي الْعَقَارِ ، وَثَمَّ شَرِيكٌ آخَرُ ( أَخَذَ ) أَيْ : اسْتَقَرَّ لِمُشْتَرٍ مِنْ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ ( بِحِصَّتِهِ ) نَصًّا .
فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الشَّرِكَةِ .
كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي غَيْرَهُمَا ( فَإِنْ عَفَا ) مُشْتَرٍ عَنْ شُفْعَتِهِ ( لِيُلْزِمَ بِهِ ) أَيْ : الشِّقْصِ جَمِيعَهُ ( غَيْرَهُ ) مِنْ الشُّرَكَاءِ ( لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَخْذُ جَمِيعِهِ ، وَلَمْ يَصِحَّ الْإِسْقَاطُ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ كَالْحَاضِرِ مِنْ شَفِيعَيْنِ إذَا أَخَذَ الْجَمِيعَ وَحَضَرَ الْآخَرُ وَطَلَبَ حَقَّهُ مِنْهَا .
فَقَالَ : خُذْ الْكُلَّ أَوْ دَعْهُ .
( وَلِشَفِيعٍ فِيمَا بِيعَ عَلَى عَقْدَيْنِ الْأَخْذُ ) بِالشُّفْعَةِ ( بِهِمَا ) أَيْ : الْعَقْدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِيهِمَا .
( وَ ) لَهُ الْأَخْذُ ( بِأَحَدِهِمَا ) أَيُّهُمَا أَرَادَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَيْعٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَسْتَحِقُّهُمَا ( وَيُشَارِكُهُ ) أَيْ : الشَّفِيعَ ( مُشْتَرٍ إذَا أَخَذَ بِ ) الْعَقْدِ ( الثَّانِي فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ الْأَوَّلِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فِيهِ ، فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي .
فَإِنْ أَخَذَا بِالْبَيْعَيْنِ أَوْ بِالْأَوَّلِ لَمْ يُشَارِكْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ شَرِكَةٌ .
وَإِنْ بِيعَ شِقْصٌ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَقْدَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْجَمِيعِ وَبِبَعْضِهَا وَيُشَارِكُهُ مُشْتَرٍ إنْ أَخَذَ بِغَيْرِ الْأَوَّلِ بِنَصِيبِهِ مِمَّا قَبْلَهُ .
( وَإِنْ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ ) صَفْقَةً وَاحِدَةً ، ( أَوْ ) اشْتَرَى ( وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ ) صَفْقَةً وَاحِدَةً ( أَوْ ) اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ آخَرَ ( شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً ) وَاحِدَةً ( فَلِلشَّفِيعِ ) فِي الْأُولَتَيْنِ ( أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا ) أَيْ : أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَوْ الْبَائِعَيْنِ ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مَعَ اثْنَيْنِ بَائِعَيْنِ أَوْ مُشْتَرِيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ .
فَإِنْ بَاعَ اثْنَانِ مِنْ اثْنَيْنِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ عُقُودٍ ، لِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِالْكُلِّ وَبِمَا شَاءَ مِنْهُمَا .
وَإِنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ ، وَغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ شَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ أَوْ مِنْهُ ، ( وَ ) لِشَفِيعٍ فِيمَا إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ شِقْصَيْنِ مِنْ عَقَارَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً ( أَخْذُ الشِّقْصَيْنِ ) مِنْ أَحَدِ الْعَقَارَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَلْحَقُهُ بِأَرْضٍ دُونَ أُخْرَى ( وَ ) لِشَفِيعٍ ( أَخْذُ شِقْصٍ ) مَشْفُوعٍ ( بِيعَ مَعَ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ ) كَثَوْبٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ خَاتَمٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَيَأْخُذُهُ ( بِحِصَّتِهِ ) أَيْ : قِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَ ( يُقَسَّمُ الثَّمَنُ ) الْمُسَمَّى ( عَلَى قِيمَتِهِمَا ) أَيْ : قِيمَةِ الشِّقْصَيْنِ ، أَوْ قِيمَةِ الشِّقْصِ وَقِيمَةِ مَا مَعَهُ نَصًّا .
فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةٌ وَقِيمَةُ مَا مَعَهُ عِشْرِينَ أَخَذَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ ( بِخَمْسَةِ أَسْدَاسٍ ) مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ .
الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ : سَبْقُ مِلْكِ شَفِيعٍ لِلرَّقَبَةِ ) أَيْ : الْجُزْءِ مِنْ رَقَبَةٍ مَا مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ بِأَنْ يَمْلِكَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الشَّرِيكِ .
فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ ، وَيُعْتَبَرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فَلَا تَكْفِي الْيَدُ ( فَتَثْبُتُ ) الشُّفْعَةُ ( لِمُكَاتَبٍ ) كَغَيْرِهِ وَ ( لَا ) تَثْبُتُ ( لِأَحَدِ اثْنَيْنِ اشْتَرَيَا دَارًا صَفْقَةً عَلَى الْآخَرِ ) إذْ لَا سَبْقَ ، ( وَ ) كَذَا ( لَوْ ) جُهِلَ السَّبْقُ ( مَعَ ادِّعَاءِ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( السَّبْقَ وَتَحَالَفَا أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتُهُمَا ) بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِسَبْقِ مِلْكِهِ وَتَجَدُّدِ مِلْكِ صَاحِبِهِ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ، ( وَلَا ) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِمَالِكٍ ( بِمِلْكٍ غَيْرِ تَامٍّ كَشَرِكَةِ وَقْفٍ ) وَلَوْ عَلَى مُعَيَّنٍ .
فَلَا يَأْخُذُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ لِقُصُورِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ ( أَوْ ) بِمِلْكِ ( الْمَنْفَعَةِ .
كَبَيْعِ شِقْصٍ مِنْ دَارٍ مُوصًى بِنَفْعِهَا لَهُ ) فَلَا شُفْعَةَ لِمُوصًى لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ فَلَا تَجِبُ بِهَا .
( فَصْلٌ وَتَصَرُّفُ مُشْتَرٍ ) فِي شِقْصٍ ( مَشْفُوعٍ ) ( بَعْدَ طَلَبِ ) شَفِيعٍ بِشُفْعَةٍ ( بَاطِلٌ ) لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ بِالطَّلَبِ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِهِ هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّهِ .
وَإِنْ نَهَى شَفِيعٌ مُشْتَرِيًا عَنْ التَّصَرُّفِ بِلَا طَلَبٍ بِالشُّفْعَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ تَصَرُّفُهُ وَسَقَطَتْ الشُّفْعَةُ لِتَرَاخِيهِ ، ( وَ ) تَصَرُّفُ مُشْتَرٍ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : الطَّلَبِ ( بِوَقْفٍ ) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بِمَا لَا تَجِبُ بِهِ شُفْعَةٌ ابْتِدَاءً كَجَعْلِهِ مَهْرًا أَوْ عِوَضًا فِي خُلْعٍ ) أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ ( أَوْ ) جَعْلِهِ ( صُلْحًا عَنْ دَمِ عَمْدٍ يُسْقِطُهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةَ ؛ لِأَنَّ فِي الشُّفْعَةِ إضْرَارًا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ إذَنْ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ عَنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ .
وَ ( لَا ) تَسْقُطُ بِتَصَرُّفِ مُشْتَرٍ فِي شِقْصٍ قَبْلَ طَلَبٍ ( بِرَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ ) لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِ مُشْتَرٍ ، وَسَبْقَ تَعَلُّقُ حَقِّ شَفِيعٍ عَلَى حَقِّ مُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ ( وَيَنْفَسِخَانِ ) أَيْ : الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ ( بِأَخْذِهِ ) أَيْ : الشَّفِيعِ الشِّقْصَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ حِينِ الْأَخْذِ لِسَبْقِ حَقِّهِمَا وَلِخُرُوجِ الشِّقْصِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَهْرًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَلِاسْتِنَادِ الْآخِذِ إلَى حَالِ الشِّرَاءِ .
وَإِنْ وَصَّى بِالشِّقْصِ فَإِنْ أَخَذَ شَفِيعٌ قَبْلَ قَبُولٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَاسْتَقَرَّ الْأَخْذُ .
وَكَذَا لَوْ طَلَبَ وَلَمْ يَأْخُذْ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَى الْوَرَثَةِ .
وَإِنْ قَبِلَ مُوصًى لَهُ قَبْلَ أَخْذِ شَفِيعٍ وَطَلَبِهِ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ .
وَإِنْ ارْتَدَّ مُشْتَرٍ وَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
( وَإِنْ بَاعَ ) مُشْتَرٍ الشِّقْصَ ( أَخَذَهُ شَفِيعٌ بِثَمَنِ أَيْ : الْبَيْعَيْنِ شَاءَ ) ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الشُّفْعَةِ الشِّرَاءُ وَقَدْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلِأَنَّهُ شَفِيعٌ فِي الْعَقْدَيْنِ .
وَكَذَا لَوْ تَعَدَّدَتْ الْبُيُوعُ .
فَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ انْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ .
وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَخِيرِ لَمْ يَنْفَسِخْ شَيْءٌ مِنْهَا .
وَإِنْ أَخَذَ بِالْمُتَوَسِّطِ انْفَسَخَ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ ، ( وَيَرْجِعُ مَنْ أُخِذَ الشِّقْصُ مِنْهُ بِبَيْعٍ قَبْلَ بَيْعِهِ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا أَعْطَاهُ ) مِنْ ثَمَنِهِ ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ الْأَوَّلُ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ شَعِيرٍ ، وَالثَّانِي بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ فُولٍ ، وَالثَّالِثُ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ قَمْحٍ وَأَخَذَ الشَّفِيعُ مِنْ الْأَوَّلِ دَفَعَ لَهُ الْعَشَرَةَ أَرَادِبَ شَعِيرٍ ، وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا دَفَعَ لَهُ ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ رَجَعَ بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي عَشَرَةَ أَرَادِبَ فُولٍ ، وَيَرْجِعُ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي بِمَا دَفَعَهُ لَهُ .
وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّالِثُ دَفَعَ لِلْمُشْتَرِي الثَّالِثِ عَشَرَةَ أَرَادِبَ قَمْحٍ .
وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِهِ .
( وَلَا تَسْقُطُ ) الشُّفْعَةُ ( بِفَسْخِ ) الْبَيْعِ ( لِتَحَالُفٍ ) لِاخْتِلَافِ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ فِي قَدْرِ ثَمَنٍ لِسَبْقِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ الْفَسْخَ ، ( وَيُؤْخَذُ ) الشِّقْصُ ( بِمَا ) أَيْ : بِثَمَنٍ ( حَلَفَ عَلَيْهِ بَائِعٌ ) ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ مُقِرٌّ بِالْبَيْعِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، وَلِلشَّفِيعِ بِاسْتِحْقَاقٍ الشُّفْعَةُ بِهِ ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّ شَفِيعٍ ، فَلَهُ إبْطَالُ فَسْخِهِمَا لِسَبْقِ حَقِّهِ ، ( وَلَا ) تَسْقُطُ شُفْعَةٌ ( بِإِقَالَةٍ ، أَوْ ) فَسْخٍ لِ ( عَيْبٍ فِي شِقْصٍ ) فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ وَتَبْطُلُ الْإِقَالَةُ وَالْفَسْخُ لِسَبْقِ حَقِّهِ ( وَ ) فَسْخُ بَيْعٍ لِعَيْبٍ ( فِي ثَمَنِهِ ) أَيْ : الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ ( الْمُعَيَّنِ ) كَهَذَا الْعَبْدِ ، فَوَجَدَهُ أَصَمَّ مَثَلًا ، وَفُسِخَ ( قَبْلَ أَخْذِهِ ) أَيْ : الشَّفِيعِ الشِّقْصَ ( بِهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ ( يُسْقِطُهَا ) لِئَلَّا يَنْضَرَّ الْبَائِعُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الْفَسْخِ وَالشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَلَا تَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلَ بِهِ الضَّرَرُ ، وَلِسَبْقِ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ لِاسْتِنَادِهِ إلَى وُجُودِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْبَيْعِ ، وَالشُّفْعَةُ ثَبَتَتْ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَيْبُ فِي الشِّقْصِ .
فَإِنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا هُوَ فِي اسْتِرْجَاعِ الثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الرَّدِّ .
وَهُنَا حَقُّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْجَاعِ الشِّقْصِ وَلَا يَحْصُلَ مَعَ الْأَخْذِ .
وَ ( لَا ) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِالْفَسْخِ لِعَيْبٍ فِي الثَّمَنِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ الْأَخْذِ بِهَا لِمِلْكِ الشَّفِيعِ الشِّقْصَ بِالْأَخْذِ .
فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ إبْطَالَ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِأَجْنَبِيٍّ .
( وَلِبَائِعٍ ) فَسْخٌ بَعْدَ أَخْذِ شَفِيعٍ ( إلْزَامُ مُشْتَرٍ بِقِيمَةِ شِقْصِهِ ) ؛ لِفَوَاتِهِ عَلَيْهِ بِيَدِهِ ( وَبِتَرَاجُعِ مُشْتَرٍ وَشَفِيعٍ بِمَا بَيْنَ قِيمَةِ ) شِقْصٍ ( وَثَمَنِهِ ) وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْمِثَالِ .
؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْبِ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ ، وَبَعْدَ الْفَسْخِ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ عَلَى قِيمَةِ الشِّقْصِ وَالشَّفِيعُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ ( فَيَرْجِعُ دَافِعُ الْأَكْثَرِ ) مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ ( بِالْفَضْلِ ) أَيْ : الزَّائِدِ .
فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشِّقْصِ ثَمَانِينَ وَالْعَبْدِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ مِائَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ الْمِائَةَ مِنْ الشَّفِيعِ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ .
لِأَنَّ الشِّقْصَ إنَّمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِثَمَانِينَ .
( وَلَا يَرْجِعُ شَفِيعٌ عَلَى مُشْتَرٍ بِأَرْشِ عَيْبٍ فِي ثَمَنٍ عَفَا عَنْهُ بَائِعٌ ) أَيْ : أَبْرَأَهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَ الثَّمَنِ بَعْدَ لُزُومِ بَيْعٍ ، وَإِنْ اخْتَارَ بَائِعٌ أَخْذَ أَرْشِ عَيْبِ الثَّمَنِ لَمْ يَرْجِعْ مُشْتَرٍ عَلَى شَفِيعٍ بِشَيْءٍ إنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ غَيْرَ مَعِيبٍ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِبَدَلِ أَرْشِهِ .
فَإِنْ عَادَ الشِّقْصُ إلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ غَيْرِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْ بَائِعٌ اسْتِرْجَاعَهُ بِمُقْتَضَى فَسْخِهِ لِعَيْبِ الثَّمَنِ السَّابِقِ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْهُ وَانْقِطَاعِ حَقِّهِ مِنْهُ إلَى الْقِيمَةِ ، فَإِذَا أَخَذَهَا الْبَائِعُ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بِخِلَافِ مَغْصُوبٍ أُخِذَتْ قِيمَتُهُ لِنَحْوِ إبَاقِهِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ .
لِأَنَّ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ ، وَإِنْ بَانَ الثَّمَنُ مُسْتَحَقًّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَخَذَ بِهَا رَدَّ مَا أَخَذَ عَلَى بَائِعِهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارِ الشَّفِيعِ وَالْمُتَبَايِعِينَ ، ( وَإِنْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ : الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ ( شَفِيعٌ وَقَدْ اشْتَغَلَ بِزَرْعِ مُشْتَرٍ ، أَوْ ) أَدْرَكَهُ وَقَدْ ( ظَهَرَ ثَمَرٌ ) فِي شَجَرَةٍ بَعْدَ شِرَائِهِ ( أَوْ ) أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ وَقَدْ ( أُبِّرَ طَلْعٌ ) لِنَخْلٍ بِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ ، وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَهُ بِلَا تَأْبِيرٍ ( وَنَحْوِهِ ) كَظُهُورِ لُقَطَةٍ مِنْ قِثَّاءٍ أَوْ بَاذِنْجَانَ وَنَحْوِهِ بِالشِّقْصِ بِأُصُولِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ شَفِيعٌ ، ( فَ ) الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ وَالطَّلْعُ الْمُؤَبَّرُ وَنَحْوُهُ ( لَهُ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَالثَّمَرَ وَنَحْوِهِ حَدَثَ فِي مِلْكِهِ ( وَيَبْقَى ) زَرْعٌ ( لِحَصَادٍ وَ ) يَبْقَى ثَمَرٌ وَنَحْوُهُ لِ ( جُذَاذٍ وَنَحْوِهِ ) كَلِقَاطٍ فِي نَحْوِ بَامِيَا وَخِيَارٍ ( بِلَا أُجْرَةٍ ) عَلَى مُشْتَرٍ لِشَفِيعٍ ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ كَالشِّرَاءِ الثَّانِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَحُكْمُهُ كَالْبَيْعِ .
فَإِنْ كَانَ الطَّلْعُ
مَوْجُودًا حِينَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرٍ وَأُبِّرَ عِنْدَ مُشْتَرٍ فَكَذَلِكَ ، لَكِنْ يَأْخُذُ شَفِيعٌ أَرْضًا وَنَخْلًا بِحِصَّتِهِمَا مِنْ ثَمَنٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ مَا شَمِلَهُ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ .
بِخِلَافِ مَا لَوْ نَمَا مَبِيعٌ بِيَدِ مُشْتَرٍ نَمَاءً مُتَّصِلًا كَالشَّجَرِ يَكْبَرُ وَالنَّخْلِ يَطْلُعُ وَلَمْ يُؤَبَّرْ ، فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِزِيَادَتِهِ لِتَبَعِهَا لَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَحْوِهِ .
وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ الزَّوْجُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ زَائِدًا إذَا طَلَّقَ قَبْلَ دُخُولٍ ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى رُجُوعِهِ بِالْقِيمَةِ إذَا فَاتَهُ الرُّجُوعُ بِالْعَيْنِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّفِيعِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ فِي الشِّقْصِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ .
( وَإِنْ قَاسَمَ مُشْتَرٍ شَفِيعًا أَوْ ) قَاسَمَ ( ( وَكِيلَهُ ) أَيْ : الشَّفِيعِ لِإِظْهَارِهِ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي لِشَفِيعٍ ( زِيَادَةَ ثَمَنٍ وَنَحْوَهُ ) كَإِظْهَارِهِ أَنَّ الشَّرِيكَ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَنَحْوَهُ ( ثُمَّ غَرَسَ ) مُشْتَرٍ ( أَوْ بَنَى ) فِيمَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ ظَهَرَ الْحَالُ ( لَمْ تَسْقُطْ ) الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّفِيعِ الطَّلَبَ بِهَا لَيْسَ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهَا بَلْ لِمَا أَظْهَرَهُ الْمُشْتَرِي وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي الْقِسْمَةَ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ وَلِيِّ الصَّغِيرِ فَقَاسَمَهُ ، ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّغِيرُ فَلَهُمَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ( وَلِرَبِّهِمَا ) أَيْ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ إذَا أُخِذَ الشِّقْصُ بِالشُّفْعَةِ ( أَخَذَهُمَا ) أَيْ : قَلْعُ غِرَاسِهِ وَبِنَائِهِ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ ( وَلَوْ مَعَ ضَرَرِ ) أَرْضٍ لِأَنَّهُ تَخْلِيصٌ لِعَيْنِ مَالِهِ مِمَّا كَانَ حِينَ الْوَضْعِ فِي مِلْكِهِ .
( وَلَا يَضْمَنُ ) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهٍ ( نَقْصًا ) حَصَلَ فِي أَرْضٍ ( بِقَلْعٍ ) لِانْتِفَاءِ عُدْوَانِهِ ، ثُمَّ اخْتَارَ شَفِيعٌ أَخْذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ تَرْكَهُ ، ( فَإِنْ أَبَى ) مُشْتَرٍ قَلْعَ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ ( فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ ) أَيْ : الْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ مِلْكًا ( بِقِيمَتِهِ حِينَ تَقْوِيمِهِ ) لَا بِمَا أَنْفَقَ الْمُشْتَرِي زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ أَوْ نَقَصَ ، فَتُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَغْرُوسَةً أَوْ مَبْنِيَّةً ثُمَّ تُقَوَّمُ خَالِيَةً مِنْهُمَا فَمَا بَيْنَهُمَا فَقِيمَةُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَيَدْفَعُهُ شَفِيعٌ لِمُشْتَرٍ إنْ أَحَبَّ أَوْ مَا نَقَصَ مِنْهُ إنْ اخْتَارَ الْقَلْعَ .
لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي زَادَ بِالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ .
جَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( أَوْ بِقَلْعِهِ وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ ) بِقَلْعِهِ ( مِنْ قِيمَتِهِ ) عَلَى مَا سَبَقَ ، ( فَإِنْ أَبَى ) شَفِيعٌ ذَلِكَ ( فَلَا شُفْعَةَ ) أَيْ : سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُضَارٌّ ، ( وَإِنْ حَفَرَ ) مُشْتَرٍ فِي أَرْضٍ مِنْهَا الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ ( بِئْرًا ) لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَفِيعٍ لِإِظْهَارِ زِيَادَةِ ثَمَنٍ وَنَحْوَهُ ثُمَّ عَلِمَ وَأَخَذَ بِالشُّفْعَةِ ، وَكَذَا لَوْ قَاسَمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَفَرَ فِي نَصِيبِهِ بِئْرًا ثُمَّ أَخَذَهُ شَفِيعٌ ( أَخَذَهَا ) أَيْ : الْبِئْرَ تَبَعًا لِلشِّقْصِ ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ : الشَّفِيعَ لِمُشْتَرٍ ( أُجْرَةُ مِثْلِهَا ) أَيْ : الْبِئْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِحَفْرِهَا ، فَإِنْ طَوَاهَا فَكَالْبِنَاءِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ شِقْصَهُ ) مِنْ أَرْضٍ بِهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ ( قَبْلَ عِلْمِهِ ) بِبَيْعِ شَرِيكِهِ ( فَ ) هُوَ ( عَلَى شُفْعَتِهِ ) لِثُبُوتِهَا لَهُ حِينَ بَيْعِ شَرِيكِهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهَا ، ( وَتَثْبُتُ ) الشُّفْعَةُ ( لِمُشْتَرٍ ) لَمْ يَعْلَمْ شَفِيعٌ بِشِرَائِهِ حِينَ بِيعَ شِقْصُهُ ( فِي ذَلِكَ ) الَّذِي بَاعَهُ الشَّفِيعُ قَبْلَ عِلْمِهِ ، سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ مَا اشْتَرَاهُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ فِي الرَّقَبَةِ .
أَشْبَهَ
الْمَالِكَ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ شَفْعُهُ ، وَإِنْ بَاعَ شَفِيعٌ جَمِيعَ حِصَّتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِبَيْعِ شَرِيكِهِ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ ، وَإِنْ بَاعَ بَعْضَ حِصَّتِهِ عَالِمًا فَفِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ وَجْهَانِ : قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ عَدَمِ السُّقُوطِ : إنَّهُ أَصَحُّ لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الشَّرِكَةُ ، وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ شُفْعَةٌ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي إذَنْ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : أَحَدُهُمَا : لَهُ الشُّفْعَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ .
( وَتَبْطُلُ ) أَيْ : تَسْقُطُ شُفْعَةٌ ( بِمَوْتِ شَفِيعٍ ) قَبْلَ طَلَبٍ مَعَ قُدْرَةٍ أَوْ إشْهَادٍ مَعَ عُذْرٍ ؛ لِأَنَّهَا نَوْعُ خِيَارٍ شُرِعَ لِلتَّمْلِيكِ أَشْبَهَ الْإِيجَابَ قَبْلَ قَبُولٍ ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ عَلَى الشُّفْعَةِ لِاحْتِمَالِ رَغْبَتِهِ عَنْهَا فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَرَثَةِ مَا شَكَّ فِي ثُبُوتِهِ .
وَ ( لَا ) تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِمَوْتِ شَفِيعٍ ( بَعْدَ طَلَبِهِ ) أَيْ : الْمُشْتَرِي بِهَا ( أَوْ ) بَعْدَ ( إشْهَادٍ بِهِ ) أَيْ : الطَّلَبِ ( حَيْثُ اُعْتُبِرَ ) الْإِشْهَادُ لِمَرَضِ شَفِيعٍ وَنَحْوِهِ ، ( وَتَكُونُ ) الشُّفْعَةُ إذَا مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ ( لِوَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ ) ؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ عَلَى الْمَذْهَبِ ، وَعَلَى مُقَابَلَةِ مُقَرَّرٍ لِلْحَقِّ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَوْرُوثًا .
فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِبَعْضِهِمْ رَدٌّ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى مُوَرِّثِهِمْ بِطَلَبِهِ ، وَعَلَى الثَّانِي إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ تَوَفَّرَ عَلَى الْبَاقِينَ ، وَلَيْسَ لَهُمْ إلَّا أَخْذُ الْكُلِّ أَوْ تَرْكُهُ كَالشُّفَعَاءِ إذَا عَفَا بَعْضُهُمْ ( فَإِنْ عَدِمُوا ) أَيْ : وَرَثَتُهُ مَنْ مَاتَ بَعْدَ طَلَبِهِ أَوْ إشْهَادٍ عَلَيْهِ ( فَلِإِمَامٍ الْأَخْذُ بِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَقِرٌّ لِمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ ، فَمَلَكَ الْإِمَامُ أَخْذَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ قُلْتُ : الْقِيَاسُ أَنَّهُ مِلْكُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
عَلَى وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ إعْطَاؤُهُ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ .
( فَصْلٌ وَيَمْلِكُ الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ بِالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ ) ( شَفِيعٌ ) بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ ( مُلِئَ بِقَدْرِ ثَمَنِهِ ) الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ شِرَاؤُهُ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " هُوَ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي الْمُتَرْجَمِ ، وَلِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشِّقْصَ بِالْبَيْعِ فَكَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ بِالثَّمَنِ كَالْمُشْتَرِي ، بِخِلَافِ الْمُضْطَرِّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَخْذُ لِحَاجَتِهِ خَاصَّةً ( الْمَعْلُومِ ) لِشَفِيعٍ .
لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ أَخْذٌ بِعِوَضٍ ، فَاشْتُرِطَ عِلْمُ بَاذِلِهِ بِهِ قَبْلَ إقْدَامِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ كَمُشْتَرِي الْمَبِيعِ ( ، وَيَدْفَعُ ) لِمُشْتَرٍ ( مِثْلَ ) ثَمَنِ ( مِثْلِيٍّ ) كَدَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَحُبُوبٍ وَأَدْهَانٍ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْقِيمَةِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِمَّا سِوَاهُ ، وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ بَدَلُ الثَّمَنِ فَكَانَ مِثْلُهُ كَبَدَلِ قَرْضٍ وَمُتْلَفٍ ( وَ ) يَدْفَعُ لِمُشْتَرٍ ( قِيمَةَ ) ثَمَنٍ ( مُتَقَوِّمٍ ) مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ ثِيَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ وَتُعْتَبَرُ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ سَوَاءٌ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ بَعْدُ ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّ خِيَارٌ اُعْتُبِرَتْ عِنْدَ لُزُومِهِ .
لِأَنَّهُ وَقْتُ اسْتِحْقَاقِ الْأَخْذِ ، ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَى شَفِيعٍ ( مِثْلُ مِثْلِيٍّ ) لِعَدَمِهِ ( فَ ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ ) لِأَنَّهَا بَدَلُهُ فِي الْإِتْلَافِ ( أَوْ ) تَعَذَّرَتْ ( مَعْرِفَةُ قِيمَةِ ) الثَّمَنِ ( الْمُتَقَوِّمِ ) بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ ( فَ ) عَلَى شَفِيعٍ ( قِيمَةُ شِقْصٍ ) مَشْفُوعٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنْ تَكُونَ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مُحَابَاةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا ( وَإِنْ جَهِلَ الثَّمَنَ ) أَيْ : قَدْرَهُ كَصُبْرَةٍ تَلِفَتْ أَوْ اخْتَلَطَتْ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ ( وَلَا حِيلَةَ ) فِي ذَلِكَ عَلَى إسْقَاطِ الشُّفْعَةِ ( سَقَطَتْ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ
إلَيْهِ مَا لَا يَدَّعِيهِ وَكَمَا لَوْ عَلِمَ قَدْرَ الثَّمَنِ عِنْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ نَسِيَ ، ( فَإِنْ اتَّهَمَهُ ) شَفِيعٌ أَنَّهُ فَعَلَهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِهَا ( حَلَّفَهُ ) عَلَى نَفْيِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الشَّفِيعِ .
( وَ ) إنْ جَهِلَ الثَّمَنَ ( مَعَهَا ) أَيْ : الْحِيلَةِ ( فَ ) عَلَى شَفِيعٍ ( قِيمَةُ شِقْصٍ ) وَيَأْخُذُهُ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيْعٌ بِقِيمَتِهِ ( وَإِنْ عَجَزَ ) شَفِيعٌ عَنْ ثَمَنِ شِقْصٍ مَشْفُوعٍ ( وَلَوْ ) كَانَ عَجْزُهُ ( عَنْ بَعْضِ ثَمَنِهِ ) أَيْ الشِّقْصِ ( بَعْدَ إنْظَارِهِ ) أَيْ : الشَّفِيعِ ( ثَلَاثًا ) أَيْ : ثَلَاثَ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا مِنْ حِينِ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ نَصًّا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعَهُ نَقْدٌ فَيُمْهَلُ بِقَدْرِ مَا يُعِدُّهُ فِيهِ وَالثَّلَاثُ يُمْكِنُ الْإِعْدَادُ فِيهَا غَالِبًا .
( فَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ ) بِلَا حَاكِمٍ لِتَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَى الثَّمَنِ كَبَائِعٍ بِثَمَنٍ حَالَ تَعَذُّرِ وُصُولِهِ إلَيْهِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَاكِمٍ فَلَا يَتَوَقَّفُ فَسْخُ الْأَخْذِ بِهَا عَلَيْهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبُيُوعِ وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
( وَلَوْ أَتَى ) شَفِيعٌ ( بِرَهْنٍ ) عَلَى ثَمَنٍ وَلَوْ مُحْرَزًا ( أَوْ ) أَتَى ( بِضَامِنٍ ) لَهُ فِيهِ وَلَوْ مَلِيًّا لِبَقَاءِ ضَرَرِهِ بِتَأْخِيرِ الثَّمَنِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ تَسْلِيمُ الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ ( وَمَنْ ) أَيْ : مَتَى ( بَقِيَ ) الثَّمَنُ ( بِذِمَّتِهِ حَتَّى فَلِسَ ) أَيْ : حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِفَلَسٍ ( خُيِّرَ مُشْتَرٍ بَيْنَ فَسْخٍ ) لِأَخْذٍ بِشُفْعَةٍ ( أَوْ ) إمْضَائِهِ ( ضَرْبٍ مَعَ الْغُرَمَاءِ ) بِالثَّمَنِ كَبَائِعٍ إذَا فَلِسَ مُشْتَرٍ ، ( وَ ) ثَمَنٍ ( مُؤَجَّلٍ ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ وَلَمْ يُدْرِكْ شَفِيعٌ الْأَخْذَ حَتَّى حَلَّ عَلَى مُشْتَرٍ ( كَ ) ثَمَنٍ ( حَالٍّ ) ابْتِدَاءً ( وَإِلَّا ) يَحِلَّ مُؤَجَّلٌ قَبْلَ أَخْذِ شَفِيعٍ ( فَ ) إنَّهُ يَأْخُذُهُ بِهِ ( إلَى أَجَلِهِ إنْ كَانَ ) الشَّفِيعُ ( مَلِيًّا ) أَيْ : قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ ( أَوْ كَفَلَهُ ) فِيهِ كَفِيلٌ ( مَلِيءٌ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ ، وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِهِ وَيَنْتَفِي عَنْهُ الضَّرَرُ بِكَوْنِهِ مَلِيًّا أَوْ كَفَلَهُ مَلِيءٌ وَاعْتَبَرَ الْقَاضِي مَعَ الْمَلَاءَةِ وَصْفَ الثِّقَةِ ، وَإِذَا أَخَذَ بِالثَّمَنِ مُؤَجَّلًا ثُمَّ مَاتَ هُوَ أَوْ مُشْتَرٍ فَحَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَى الْآخَرِ ( وَيُعْتَدُّ ) فِي قَدْرِ ثَمَنٍ ( بِمَا زِيدَ ) فِيهِ زَمَنٌ مِنْ خِيَارٍ ، ( أَوْ حُطَّ ) مِنْهُ ( زَمَنُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ كَحَالَةِ الْعَقْدِ ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إنَّمَا يَثْبُتُ إذْ لَزِمَ الْعَقْدُ ، وَالزِّيَادَةُ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ هِبَةٌ ، وَالنَّقْضُ بَعْدَهُ إبْرَاءٌ فَلَا يَثْبُتَانِ فِي حَقِّ شَفِيعٍ .
( وَيُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ ) فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ هُوَ وَشَفِيعٌ ( فِي قَدْرِ ثَمَنٍ ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ ؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ أَعْرَفُ بِالثَّمَنِ ، وَالشِّقْصُ مِلْكُهُ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ بِدُونِ مَا يَدَّعِي بِهِ مِنْ قَدْرِ الثَّمَنِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَيْسَ الشَّفِيعُ بِغَارِمٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُ تَمَلُّكَ الشِّقْصِ بِثَمَنِهِ بِخِلَافِ غَاصِبٍ وَنَحْوِهِ ، ( وَلَوْ ) كَانَ الثَّمَنُ ( قِيمَةَ عَرْضٍ ) اشْتَرَى بِهِ الشِّقْصَ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَقَوْلُ مُشْتَرٍ فِيهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ مَوْجُودًا عُرِضَ عَلَى الْمُقَوِّمِينَ لِيَشْهَدُوا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ .
( وَ ) يُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ ( فِي جَهْلٍ بِهِ ) أَيْ : بِقَدْرِ الثَّمَنِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ جُزَافًا أَوْ بِثَمَنٍ نَسِيَ مَبْلَغَهُ ، ( وَ ) يُصَدَّقُ مُشْتَرٍ بِيَمِينِهِ فِي ( أَنَّهُ غَرَسَ أَوْ بَنَى ) فِي أَرْضٍ مِنْهَا الشِّقْصُ الْمَشْفُوعُ إذَا أَنْكَرَهُ الشَّفِيعُ وَإِنَّهُ كَانَ بِهَا حَالَ الشِّرَاءِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالشَّفِيعُ يُرِيدُ تَمَلُّكَهُ فَيَضِيعُ عَلَيْهِ ( إلَّا مَعَ بَيِّنَةِ ) شَفِيعٍ فَيُعْمَلُ بِهَا ، ( وَتُقَدَّمُ ) بَيِّنَةُ شَفِيعٍ ( عَلَى بَيِّنَةِ مُشْتَرٍ ) إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ وَالْمُشْتَرِي دَاخِلٌ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ ( إنْ قَالَ ) مُشْتَرٍ لِشِقْصٍ : ( اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ وَأَثْبَتَهُ ) أَيْ : الشِّرَاءَ ( بَائِعٌ بِأَكْثَرَ ) مِنْ أَلْفٍ ( فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ أَيْ : الشِّقْصِ ) ( بِأَلْفٍ ) لِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ أَخْذِهِ بِهَا فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْهَا ؛ وَلِأَنَّ دَعْوَى الْمُشْتَرِي تَتَضَمَّنُ دَعْوَى كَذِبِ الْبَيِّنَةِ ، وَإِنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَلْفِ فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ ، وَإِنَّمَا حَكَمَ بِهِ الْبَائِعُ لِأَنَّهُ لَا يُكَذِّبُهَا ( فَإِنْ قَالَ ) مُشْتَرٍ صَدَقَتْ الْبَيِّنَةُ وَ ( خَلَطْتُ ) أَنَا ( أَوْ نَسِيتُ أَوْ كَذَبْتُ لَمْ يُقْبَلْ ) رُجُوعُهُ عَنْ
قَوْلِهِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ إقْرَارٍ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ .
( وَإِنْ ادَّعَى شَفِيعٌ ) عَلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ شِقْصٌ كَانَ لِشَرِيكِهِ ( شِرَاءَهُ ) أَيْ : الشِّقْصِ ( بِأَلْفٍ ) وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ حَرَّرَ الدَّعْوَى فَيُحَدِّدُ الْمَكَانَ الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ ، وَيَذْكُرُ قَدْرَ الشِّقْصِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَ غَرِيمُهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فَإِنْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ ( فَقَالَ بَلْ اتَّهَبْتُهُ أَوْ وَرِثْتُهُ حَلَفَ ) عَلَيْهِ وَلَا شُفْعَةَ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْبَيْعُ الْمُثْبِتُ لِلشُّفْعَةِ ، ( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ وَجَبَتْ ( أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ ) بِالْبَيْعِ وَجَبَتْ ( أَوْ أَنْكَرَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ ( وَأَقَرَّ بَائِعٌ بِهِ وَجَبَتْ ) الشُّفْعَةُ لِثُبُوتِ مُوجِبِهَا .
( وَ ) يُنْتَزَعُ مِنْهُ الشِّقْصَ وَلَيْسَ لِبَائِعٍ وَلَا شَفِيعٍ مُحَاكَمَةُ مُشْتَرٍ لِإِثْبَاتِ الْبَيْعِ فِي حَقِّهِ ، وَ ( يَبْقَى الثَّمَنُ ) إنْ أَبَى قَبْضَهُ حَتَّى فِي الْمَسْأَلَةِ ( الْأَخِيرَةِ إنْ أَقَرَّ بَائِعٌ بِقَبْضِهِ ) أَيْ : الثَّمَنِ مِمَّنْ اُنْتُزِعَ مِنْهُ ( فِي ذِمَّةِ شَفِيعٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى ( حَتَّى يَدَّعِيَهُ مُشْتَرٍ ) فَيُدْفَعُ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ بَائِعٌ فِي الْأَخِيرَةِ أَقَرَّ بِقَبْضِ ثَمَنٍ ( أَخَذَ ) الشَّفِيعُ ( الشِّقْصَ مِنْ بَائِعٍ وَدَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ ) لِاعْتِرَافِهِ بِالْبَيْعِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقَّيْنِ : حَقٍّ لِلشَّفِيعِ ، وَحَقٍّ لِلْمُشْتَرِي .
فَإِذَا سَقَطَ حَقُّ الْمُشْتَرِي بِإِنْكَارِهِ وَثَبَتَ حَقُّ الْآخَرِ ( وَلَوْ ادَّعَى شَرِيكٌ ) فِي عَقَارٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ ( عَلَى حَاضِرٍ بِيَدِهِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ أَنَّهُ ) أَيْ الْحَاضِرَ ( اشْتَرَاهُ ) أَيْ : الشِّقْصَ ( مِنْهُ ) أَيْ : الْغَائِبِ ( وَأَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( يَسْتَحِقُّهُ ) أَيْ : الشِّقْصَ ( بِالشُّفْعَةِ فَصَدَّقَهُ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ ( أَخَذَهُ ) أَيْ : الشِّقْصَ مُدَّعٍ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ ، ( وَكَذَا لَوْ ادَّعَى ) شَرِيكٌ عَلَى حَاضِرٍ ( أَنَّكَ بِعْتَ نَصِيبَ الْغَائِبِ بِإِذْنِهِ فَقَالَ : نَعَمْ )
فَلِمُدَّعٍ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ ، ( فَإِذَا قَدِمَ ) الْغَائِبُ ( فَأَنْكَرَ ) الْإِذْنَ فِي الْبَيْعِ ( حَلَفَ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَانْتَزَعَ الشِّقْصَ وَطَالَبَ بِالْأُجْرَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا ( وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الشَّفِيعِ ) لِتَلَفِ الْمَنَافِعِ تَحْتَ يَدِهِ ، وَإِنْ ادَّعَى عَلَى مَنْ بِيَدِهِ نَصِيبُ الْغَائِبِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ فَأَنْكَرَ وَقَالَ : إنَّمَا أَنَا وَكِيلٌ فِيهِ أَوْ مُسْتَوْدَعٌ لَهُ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ .
( فَصْلٌ وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا ) أَيْ : شِقْصٍ ( ادَّعَى ) مُشْتَرٍ ( شِرَاءَهُ لِمُوَلِّيهِ ) أَيْ مَحْجُورِهِ ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ حَقٌّ ثَبَتَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ فَاسْتَوَى فِيهِ جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَقُبِلَ إقْرَارُ وَلِيِّهِ فِيهِ كَإِقْرَارِهِ بِعَيْبٍ فِي مَبِيعِهِ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى شِرَاءَهُ لِغَائِبٍ فَثَبَتَ فِيهِ وَيَأْخُذُهُ حَاكِمٌ وَيَدْفَعُهُ لِشَفِيعٍ وَالْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ إذَا قَدِمَ ، وَإِنْ أَقَرَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ لِمُوَكِّلِهِ الْغَائِبِ أَوْ لِمَحْجُورِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالشِّرَاءِ بَعْدُ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِالشِّرَاءِ أَوْ اعْتِرَافِ غَائِبٍ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّهِ بِالشِّرَاءِ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا بِالْإِقْرَارِ فَإِقْرَارُهُ بَعْدَهُ بِالشِّرَاءِ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبَ الْمِلْكِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ وَلَمْ يُطَالَبْ بِبَيَانِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ .
وَ ( لَا ) تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ ( مَعَ خِيَارِ ) مَجْلِسٍ أَوْ شَرْطِ الْبَائِعِ أَوْ مُشْتَرٍ ( قَبْلَ انْقِضَائِهِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَسْتَقِرُّ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْخِيَارِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ بِالْعَقْدِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَ شَفِيعٌ حِصَّتَهُ بَعْدَ بَيْعِ شَرِيكِهِ ( وَعُهْدَةُ شَفِيعٍ ) إنْ ظَهَرَ الشِّقْصُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا وَأَرَادَ الشَّفِيعُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ فَيَكُونُ ( عَلَى مُشْتَرٍ ) ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ مَلَكَهُ مِنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَبَائِعِهِ ( إلَّا إذَا أَنْكَرَ ) مُشْتَرٍ الشِّرَاءَ وَلَا بَيِّنَةَ بِهِ ( وَأَخَذَ ) الشِّقْصَ ( مِنْ بَائِعٍ ) مُقِرٍّ الْبَيْعَ ، ( فَ ) الْعُهْدَةُ ( إذَنْ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْبَائِعِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : ( كَ ) مَا أَنَّ ( عُهْدَةِ مُشْتَرٍ ) عَلَى بَائِعٍ ( فَإِنْ أَبَى مُشْتَرٍ ) لِشِقْصٍ مَشْفُوعٍ ( قَبْضَ مَبِيعٍ ) لِيُسَلِّمَهُ لِشَفِيعٍ ( أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ ) لِوُجُوبِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ لِيُسَلِّمَهُ لِلشَّفِيعِ .
( وَإِنْ وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا ) عَنْ أَبِيهِمَا أَوْ غَيْرِهِ مَعَ تَسَاوٍ أَوْ تَفَاضُلٍ ( فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ) الَّذِي وَرِثَهُ أَوْ بَعْضَهُ ( فَالشُّفْعَةُ ) فِي الْمَبِيعِ ( بَيْنَ ) الْوَارِثِ ( الثَّانِي ) الَّذِي لَمْ يَبِعْ .
( وَ ) بَيْنَ ( شَرِيكِ مُوَرِّثِهِ ) عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ حَالَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ دَارٍ اشْتَرَى اثْنَانِ نِصْفَهَا الْآخَرَ أَوْ اتَّهَبَاهُ أَوْ وَرِثَاهُ وَنَحْوَهُ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ وَأَرْضًا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنَيْنِ وَبَاعَ أَحَدُ الْعَمَّيْنِ نَصِيبَهُ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَابْنَيْ أَخِيهِ .
( وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ ) حَالَ بَيْعٍ وَلَوْ كَانَ كُفْرُهُ بِبِدْعَةٍ كَالدُّعَاةِ ( عَلَى مُسْلِمٍ ) نَصًّا ، وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدُ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا " { لَا شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ } " وَهَذَا يَخُصُّ عُمُومَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ ؛ وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَخْتَصُّ بِهِ الْعَقَارُ أَشْبَهَ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْبُنْيَانِ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ مِلْكِهِ فَقُدِّمَ دَفْعُ ضَرَرِهِ عَلَى دَفْعِ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي .
وَحَقُّ الْمُسْلِمِ أَرْجَحُ وَرِعَايَتُهُ أَوْلَى وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَشَمِلَ الْكَافِرَ الْأَصْلِيَّ وَالْمُرْتَدَّ وَمَنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ وَتَثْبُتُ لِقَرَوِيٍّ عَلَى بَدْوِيٍّ كَعَكْسِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ .
( وَلَا ) شُفْعَةَ ( لِمُضَارِبٍ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ) بِأَنْ اشْتَرَى مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شِقْصًا مَشْفُوعًا لِلْمُضَارِبِ فِيهِ شَرِكَةٌ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ ( إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ ) فِي مَالِ مُضَارَبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ فِيهَا جُزْءٌ فَلَا تَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ ( وَإِلَّا ) يَظْهَرَ فِيهِ رِبْحٌ ( وَجَبَتْ ) أَيْ : ثَبَتَتْ لَهُ الشُّفْعَةُ لَهُ نَصًّا ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الشِّقْصِ لِرَبِّ الْمَالِ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ فِي شِرَائِهِ ( وَلَا ) شُفْعَةَ ( لَهُ ) أَيْ : رَبِّ الْمَالِ ( عَلَى مُضَارِبٍ ) بِأَنْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ مِنْ مَالِهَا شِقْصًا شَرِكَةً لِرَبِّ الْمَالِ فَلَا شُفْعَةَ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ .
لِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ ( وَلَا ) شُفْعَةَ ( لِمُضَارِبٍ فِيمَا ) أَيْ فِي شِقْصٍ ( بَاعَهُ مِنْ مَالِهَا ) أَيْ : الْمُضَارَبَةِ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْمُضَارِبِ ( فِيهِ ) أَيْ : الَّذِي مِنْهُ الشِّقْصُ الْمَبِيعُ ( مِلْكٌ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ كَشِرَائِهِ مِنْ نَفْسِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُضَارِبِ ( الشُّفْعَةُ فِيمَا ) أَيْ : فِي شِقْصٍ ( بِيعَ ) أَيْ : بَاعَهُ مَالِكُهُ الْأَجْنَبِيُّ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَكَانٍ فِيهِ الشُّفْعَةُ ( شَرِكَةٌ لِمَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ كَانَ ) فِي أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ ( حَظٌّ ) نَحْوَ كَوْنِهِ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الرِّبْحِ ( فَإِنْ أَبَى ) مُضَارِبٌ أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ ( أَخَذَ بِهَا ) أَيْ : الشُّفْعَةِ ( رَبُّ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ ، وَالشَّرِكَةُ حَقِيقَةٌ لَهُ وَلَا يَنْفُذُ عَفْوُ مُضَارِبٍ عَنْهَا .
لِأَنَّ الْمِلْكَ لِغَيْرِهِ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِسَيِّدٍ عَلَى مُكَاتَبِهِ ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِهِ وَلَا يُزَكِّيهِ ، وَلِهَذَا جَازَ لَهُ الشِّرَاءُ مِنْهُ بِخِلَافِ عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ فِي أَرْضِ السَّوَادِ شُفْعَةً .
وَكَذَا مَا وُقِفَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا .
إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِبَيْعِهِمَا حَاكِمٌ أَوْ يَفْعَلَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِمَصْلَحَةٍ .
بَابُ الْوَدِيعَةِ مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ إذَا تَرَكَهُ لِتَرْكِهَا عِنْدَ الْمُودَعِ أَوْ مِنْ الدَّعَةِ فَكَأَنَّهَا عِنْدَهُ غَيْرُ مُبْتَذَلَةٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا ، أَوْ مِنْ وَدُعَ إذَا سَكَنَ وَاسْتَقَرَّ فَكَأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْمُودَعِ .
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : سُمِّيَتْ وَدِيعَةً بِالْهَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ ذَهَبُوا بِهَا إلَى الْأَمَانَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِيدَاعِ .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَلْيُؤَدِّ الَّذِي ائْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا " { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا .
الْوَدِيعَةُ شَرْعًا ( الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ بِلَا عِوَضٍ ) لِحِفْظِهِ فَخَرَجَ الْكَلْبُ وَالْخَمْرُ وَنَحْوُهُمَا .
وَمَا أَلْقَتْهُ نَحْوُ رِيحٍ مِنْ نَحْوِ ثَوْبٍ إلَى دَارِ غَيْرِهِ .
وَمَا تَعَدَّى بِأَخْذِهِ ، وَالْعَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا وَالْأَجِيرُ عَلَى حِفْظِ مَالٍ ( وَالْإِيدَاعُ تَوْكِيلُ ) رَبِّ مَالٍ ( فِي حِفْظِهِ ) تَبَرُّعًا مِنْ الْحَافِظِ ( وَالِاسْتِيدَاعُ تَوَكُّلٌ فِي حِفْظِهِ ) أَيْ : مَالِ غَيْرِهِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ : تَبَرُّعًا ( بِغَيْرِ تَصَرُّفٍ ) فِيهِ ، ( وَيُعْتَبَرُ لَهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ أَيْ : لِعَقْدِهَا ( أَرْكَانُ وَكَالَةٍ ) أَيْ : مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا جَائِزُ التَّصَرُّفِ وَتَعْيِينُ وَدِيعٍ وَنَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْهَا فَتَبْطُلُ بِمَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا عَزَلَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعَزْلِهِ .
وَإِنْ عَزَلَ نَفْسَهُ فَهِيَ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ كَثَوْبٍ أَطَارَتْهُ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ .
وَيُسْتَحَبُّ قَبُولُهَا لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ ثِقَةٌ قَادِرٌ عَلَى حِفْظِهَا .
وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ ، ( وَهِيَ ) أَيْ الْوَدِيعَةُ ( أَمَانَةٌ ) بِيَدِ وَدِيعٍ ( لَا تُضْمَنُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً ، وَالضَّمَانُ يُنَافِي الْأَمَانَةَ ( وَلَوْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ ) وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْهُ .
لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا : " { مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا مَعَ مَسِّ الْحَاجَة إلَيْهَا .
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ ضَمَّنَ إنْسَانًا وَدِيعَةً ذَهَبَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ " مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْرِيطِ .
( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ : الْوَدِيعَ ( حِفْظُهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةِ ( فِي حِرْزِ مِثْلِهَا عُرْفًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } ، وَلَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهَا بِدُونِ حِفْظِهَا .
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْإِيدَاعِ الْحِفْظُ وَالِاسْتِيدَاعُ الْتِزَامُ ذَلِكَ .
فَإِذَا لَمْ يَحْفَظْهَا لَمْ يَفْعَلْ مَا الْتَزَمَهُ ( كَحِرْزِ سَرِقَةٍ ) أَيْ : فِي كُلِّ مَالٍ بِحَسْبِهِ .
وَيَأْتِي فِي بَابِهَا ( فَإِنْ عَيَّنَهُ ) أَيْ : الْحِرْزَ ( رَبُّهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةِ .
بِأَنْ قَالَ : احْفَظْهَا بِهَذَا الْبَيْتِ أَوْ الْحَانُوتِ ( فَأَحْرَزَهَا بِدُونِهِ ) أَيْ : دُونِ الْمُعَيَّنِ رُتْبَةً فِي الْحِفْظِ فَضَاعَتْ ( ضَمِنَ ) لِمُخَالَفَتِهِ .
وَلِأَنَّ بُيُوتَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ : فَمِنْهَا مَا هُوَ أَسْهَلُ نَقْبًا وَنَحْوُهُ ، ( وَلَوْ رَدَّهَا إلَى ) الْحِرْزِ ( الْمُعَيَّنِ ) بَعْدَ ذَلِكَ وَتَلِفَتْ فِيهِ فَيَضْمَنُهَا لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِهَا فِي الدُّونِ فَلَا تَعُودُ أَمَانَةً إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ .
( وَ ) إنْ أَحْرَزَهَا ( بِمِثْلِهِ ) أَيْ : الْحِرْزِ الْمُعَيَّنِ فِي الْحِفْظِ ( أَوْ ) أَحْرَزَهَا فِي حِرْزٍ ( فَوْقَهُ ) أَيْ : الْحِفْظِ مِنْهُ .
كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ خَاتَمًا وَقَالَ لَهُ : الْبَسْهُ فِي خِنْصَرِكَ فَلَبِسَهُ فِي بِنْصِرِهِ ( وَلَوْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَضْمَنُ ) الْوَدِيعَةَ إنْ تَلِفَتْ .
لِأَنَّ تَعْيِينَ الْحِرْزِ يَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي مِثْلِهِ كَمَنْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزَرْعِ بُرٍّ لَهُ زَرْعُهَا إيَّاهُ وَمِثْلُهُ ضَرَرًا وَاقْتَضَى الْإِذْنَ فِيمَا هُوَ أَحْفَظُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى .
كَزَرْعِ مَا هُوَ دُونَ الْبُرِّ ضَرَرًا .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَعْلِ أَوَّلًا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ وَبَيْنَ النَّقْلِ إلَيْهِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ .
وَفِي التَّلْخِيصِ : وَأَصْحَابُنَا لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ تَلَفِهَا بِسَبَبِ النَّقْلِ وَبَيْنَ تَلَفِهَا بِغَيْرِهِ .
وَعِنْدِي إذَا حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبِ النَّقْلِ كَانْهِدَامِ الْبَيْتِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ ضَمِنَ انْتَهَى .
وَإِنْ كَانَتْ عَيْنٌ فِي بَيْتِ رَبِّهَا وَقَالَ لِآخَرَ : احْفَظْهَا فِي مَوْضِعِهَا
فَنَقَلَهَا مِنْهُ بِلَا خَوْفٍ ضَمِنَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَدِيعٍ بَلْ وَكِيلٌ فِي حِفْظِهَا فَلَا يُخْرِجُهَا مِنْ مِلْكِ صَاحِبِهَا وَلَا مِنْ مَوْضِعٍ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا إلَّا إنْ خَافَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا وَقَدْ تَعَيَّنَ حِفْظُهَا فِي إخْرَاجِهَا وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَبُّهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ لَأَخْرَجَهَا وَكَالْمُسْتَوْدَعِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا ( ، وَإِنْ نَهَاهُ ) رَبُّهَا ( عَنْ إخْرَاجِهَا ) مِنْ مَكَان عَيَّنَهُ لِحِفْظِهَا ( فَأَخْرَجَهَا ) وَدِيعٌ مِنْهُ ( لِغَشَيَانٍ ) أَيْ : وُجُودِ ( شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ الْهَلَاكُ ) كَحَرِيقٍ وَنَهْبٍ فَتَلِفَتْ ( لَمْ يَضْمَنْ ) مَا تَلِفَ بِنَقْلِهَا ( إنْ وَضَعَهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا أَوْ فَوْقَهُ ) لِتَعَيُّنِ نَقْلِهَا ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهَا تَضْيِيعًا لَهَا ، ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) عَلَيْهِ مِثْلُ حِرْزِهَا الْأَوَّلِ وَفَوْقَهُ ( فَأَحْرَزَهَا فِي دُونِهِ ) فِي الْحِفْظِ فَتَلِفَتْ بِهِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهَا مِنْ تَرْكِهَا بِمَكَانِهَا وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إذَنْ سِوَاهُ ( وَإِنْ تَرَكَهَا إذَنْ ) بِمَكَانِهَا مَعَ غَشَيَانِ مَا الْغَالِبُ مَعَهُ الْهَلَاكُ فَتَلِفَتْ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَيَحْرُمُ ( أَوْ أَخْرَجَهَا ) مِنْ حِرْزٍ نَهَاهُ مَالِكُهَا عَنْ إخْرَاجِهَا مِنْهُ ( لِغَيْرِ خَوْفٍ فَتَلِفَتْ ) بِالْأَمْرِ الْمَخُوفِ أَوْ غَيْرِهِ ( ضَمِنَ ) ، سَوَاءٌ أَخْرَجَهَا إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَحْرَزَ مِنْهُ لِمُخَالَفَةِ رَبِّهَا بِلَا حَاجَةٍ وَيَحْرُمُ ، ( فَإِنْ قَالَ ) لَهُ مَالِكُهَا : ( لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْتَ عَلَيْهَا فَحَصَلَ خَوْفٌ وَأَخْرَجَهَا ) خَوْفًا عَلَيْهَا ( أَوْ لَا ) أَيْ : لَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا مَعَ الْخَوْفِ ( فَتَلِفَتْ ) مَعَ إخْرَاجِهَا أَوْ تَرْكِهِ ( لَمْ يَضْمَنْهَا ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا فَهُوَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَ صَاحِبِهَا لِنَهْيِهِ عَنْ إخْرَاجِهَا مَعَ الْخَوْفِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِإِتْلَافِهَا ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا فَقَدْ زَادَهُ خَيْرًا وَحِفْظًا كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ : أَتْلِفْهَا فَلَمْ يُتْلِفْهَا حَتَّى تَلِفَتْ ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا بِلَا خَوْفٍ فَتَلِفَتْ
ضَمِنَ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ ) وَدِيعٌ ( بَهِيمَةً ) أَوْ يُسْقِهَا ( حَتَّى مَاتَتْ ) جُوعًا أَوْ عَطَشًا ( ضَمِنَهَا ) ؛ لِأَنَّ عَلَفَهَا وَسَقْيَهَا مِنْ كَمَالِ الْحِفْظِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالِاسْتِيدَاعِ بَلْ هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ ، إذْ الْحَيَوَانُ لَا يَبْقَى عَادَةً بِدُونِهِمَا وَيَلْزَمَانِهِ ، وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( إنْ نَهَاهُ مَالِكٌ ) عَنْ عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا فَتَرَكَهَا حَتَّى مَاتَتْ لِامْتِثَالِهِ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا ، ( وَيَحْرُمُ ) تَرْكُ عَلْفِهَا وَسَقْيِهَا مُطْلَقًا لِحُرْمَتِهَا فِي نَفْسِهَا فَيَجِبُ إحْيَاؤُهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، ( وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ ) أَيْ : أَمَرَ رَبُّهَا الْوَدِيعَ بِعَلْفِهَا ( لَزِمَهُ ) لِمَا سَبَقَ ؛ وَلِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ مَالِكِهَا عَلَيْهِ .
( وَ ) إنْ قَالَ رَبُّ وَدِيعَةٍ لِوَدِيعٍ ( اُتْرُكْهَا فِي جَيْبِكَ فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ ) ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْرَزُ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى فَيَسْقُطُ الشَّيْءُ مِنْ يَدِهِ أَوْ كُمِّهِ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ : اُتْرُكْهَا ( فِي كُمِّكَ فَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ أَوْ عَكْسِهِ ) بِأَنْ قَالَ لَهُ : اُتْرُكْهَا فِي يَدِكَ فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الشَّيْءِ مِنْ الْيَدِ مَعَ النِّسْيَانِ أَكْثَرُ مِنْ سُقُوطِهِ مِنْ الْكُمِّ وَتَسَلُّطَ الطِّرَارَ بِالْبَطِّ عَلَى الْكُمِّ بِخِلَافِ الْيَدِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا أَدْنَى مِنْ الْآخَرِ حِفْظًا مِنْ وَجْهٍ ، ( أَوْ أَخَذَهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةَ ( بِسُوقِهِ وَأُمِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ : أَمَرَهُ مَالِكُهَا ( بِحِفْظِهَا فِي بَيْتِهِ فَتَرَكَهَا إلَى حِينِ مُضِيِّهِ ) أَيْ : فَوْقَ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْضِيَ فِيهِ ( فَتَلِفَتْ ) قَبْلَ مُضِيِّهِ بِهَا إلَى بَيْتِهِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ أَحْفَظُ وَفِي تَرْكِهَا إلَى مُضِيِّهِ تَفْرِيطٌ ( أَوْ قَالَ ) لَهُ رَبُّهَا ( : احْفَظْهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا تُدْخِلْهُ أَحَدًا فَخَالَفَ ) وَأَدْخَلَهُ غَيْرَهُ ( فَتَلِفَتْ بِحَرْقٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَنَهْبٍ ( أَوْ سَرِقَةٍ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَاخِلٍ ) إلَى الْبَيْتِ ( ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ رُبَمَا شَاهَدَهَا فِي دُخُولِهِ وَعَلِمَ مَوْضِعَهَا وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَسَرَقَهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا وَقَدْ خَالَفَ مَالِكُهَا بِإِدْخَالِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ إخْرَاجِهَا فَأَخْرَجَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( إنْ قَالَ ) لَهُ رَبُّهَا ( : اُتْرُكْهَا فِي كُمِّك أَوْ ) فِي ( يَدِكَ فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ ) لِأَنَّهُ أَحْرَزُ .
فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا غَيْرَ مَزْرُورٍ ضَمِنَ .
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ .
وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَلَمْ يُعَيِّنْ حِرْزًا فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ الضَّيِّقِ الْفَمِ أَوْ الْمَزْرُورِ أَوْ شَدَّهَا فِي كُمِّهِ أَوْ عَلَى عَضُدِهِ مِنْ جَانِبِ الْجَيْبِ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ تَرَكَهَا فِي كُمِّهِ بِلَا شَدٍّ وَهِيَ ثَقِيلَةٌ يَشْعُرُ بِهَا ، أَوْ تَرَكَهَا فِي وَسَطِهِ وَشَدَّ
عَلَيْهَا سَرَاوِيلَهُ ، ( أَوْ أَلْقَاهَا ) وَدِيعٌ ( عِنْدَ هُجُومِ نَاهِبٍ وَنَحْوِهِ ) كَقَاطِعِ طَرِيقٍ ( إخْفَاءً لَهَا ) فَلَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ عَادَةُ النَّاسُ فِي حِفْظِ أَمْوَالِهِمْ ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا وَأَطْلَقَ فَشَدَّهَا عَلَى وَسَطِهِ فَهُوَ أَحَرَزُ لَهَا .
وَكَذَا إنْ تَرَكَهَا بِبَيْتِهِ فِي حِرْزِهَا .
وَإِنْ أَمَرَهُ بِحِفْظِهَا فِي صُنْدُوقٍ وَقَالَ : لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا وَلَا تَنَمْ فَوْقَهَا فَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ .
أَوْ قَالَ : لَا تَقْفِلْ عَلَيْهَا إلَّا قُفْلًا وَاحِدًا فَجَعَلَ عَلَيْهَا قُفْلَيْنِ ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي
( وَإِنْ قَالَ مُودِعُ خَاتَمٍ ) لِوَدِيعٍ : ( اجْعَلْهُ فِي الْبِنْصِرِ فَجَعَلَهُ فِي الْخِنْصِرِ ) بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا فَضَاعَ ( ضَمِنَهُ لَا عَكْسُهُ ) بِأَنْ قَالَ : اجْعَلْهُ فِي الْخِنْصَرِ فَجَعَلَهُ فِي الْبِنْصِرِ فَلَا يَضْمَنُهُ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ ، فَهِيَ أَحَرَزُ ( إلَّا إنْ انْكَسَرَ ) الْخَاتَمُ ( لِغِلَظِهَا ) أَيْ : الْبِنْصِرِ فَيَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمَا لَمْ يُؤْذِنْ فِيهِ مَالِكُهُ .
فَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْوُسْطَى وَأَمْكَنَ إدْخَالُهُ فِي جَمِيعِهَا فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ .
وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي جَمِيعِهَا فَجَعَلَهُ فِي بَعْضِهَا ضَمِنَ ، لِأَنَّهُ أَدْنَى مِنْ الْمَأْمُورِ بِهِ
( وَإِنْ دَفَعَهَا ) أَيْ : دَفَعَ مُسْتَوْدِعُ الْوَدِيعَةِ ( إلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ ) أَيْ : الْمُسْتَوْدَعِ ( عَادَةً كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ وَنَحْوِهِمَا ) كَخَازِنِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عَادَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ الْمَاشِيَةَ إلَى الرَّاعِي ( أَوْ ) دَفَعَهَا ( لِعُذْرٍ ) كَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ أَرَادَ السَّفَرَ .
وَلَيْسَ أَحْفَظَ لَهَا ( إلَى أَجْنَبِيٍّ ) ثِقَةٍ ( أَوْ ) حَاكِمٍ فَتَلِفَتْ ( لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَمْ يُفَرِّطْ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ ( ضَمِنَ ) لِتَعَدِّيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ بِلَا عُذْرٍ ( وَلِمَالِكِ ) الْوَدِيعَةِ إذَنْ ( مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا ) بِبَدَلِ الْوَدِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ أَشْبَهَ الْمُودِعَ مِنْ الْغَاصِبِ ، ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ ( الْقَرَارُ ) أَيْ : قَرَارُ الضَّمَانِ ( إنْ عَلِمَ ) الْحَالَ لِتَعَدِّيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى وَدِيعٍ أَوَّلَ ، لِأَنَّهُ غَيْرُهُ
( وَإِنْ دَلَّ ) مُودَعٌ بِفَتْحِ الدَّالِ ( لِصًّا ) عَلَى وَدِيعَةٍ فَسَرَقَهَا ( ضَمِنَا ) أَيْ : الْمُودَعُ وَاللِّصُّ .
أَمَّا الْمُودَعُ فَلِمُنَافَاةِ دَلَالَتِهِ لِلْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهَا لِغَيْرِهِ .
وَأَمَّا اللِّصُّ فَلِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ لَهَا ( وَعَلَى اللِّصِّ الْقَرَارُ ) لِمُبَاشَرَتِهِ .
( وَمَنْ أَرَادَ سَفَرًا ) وَبِيَدِهِ وَدِيعَةٌ ( أَوْ ) لَمْ يُرِدْ سَفَرًا ، بَلْ ( خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ ) مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ وَنَحْوَهُمَا ( رَدَّهَا إلَى مَالِكهَا أَوْ ) إلَى ( مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ ) أَيْ : مَالَ مَالِكِهَا ( عَادَةً ) كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ ( أَوْ ) إلَى ( وَكِيلِهِ ) أَيْ : وَكِيلِ مَالِكِهَا ( فِي قَبْضِهَا إنْ كَانَ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَخَلُّصًا لَهُ مِنْ دَرْكِهَا وَإِيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى حَاكِمٍ إذَنْ ضَمِنَ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى رَشِيدٍ حَاضِرٍ .
وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا لِتَعَدِّيهِ ، ( وَلَا يُسَافِرُ ) الْوَدِيعُ ( بِهَا ) مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ أَوْ وَكِيلِهِ .
بِدُونِ إذْنِ رَبِّهَا ( وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا ) فِي السَّفَرِ ، ( أَوْ كَانَ ) السَّفَرُ ( أَحْفَظَ لَهَا ) فَيَضْمَنُ لِتَفْرِيطِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى مَالِكِهَا إمْكَانَ اسْتِرْجَاعِهَا وَيُخَاطِرُ بِهَا .
لِحَدِيثِ " { إنَّ الْمُسَافِرَ وَمَالَهُ لَعَلَى فَلْتٍ إلَّا مَا وَقَى اللَّهُ } أَيْ : عَلَى هَلَاكٍ هَذَا مَا قَوَّاهُ فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْوَجِيزِ الْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ .
وَهُوَ الصَّوَابُ .
وَقَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) فِي التَّنْقِيحِ بَعْدَ أَنْ قَدَّمَ مَعْنَى مَا سَبَقَ : ( وَالْمَذْهَبُ بَلَى ) أَيْ : لَهُ السَّفَرُ بِهَا ( وَالْحَالَةُ هَذِهِ ) أَيْ : إنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ أَوْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا ( وَنَصَّ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِهَا ( مَعَ حُضُورِهِ ) أَيْ : مَالِكِهَا ( انْتَهَى ) ، فَلَا يَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ مَعَهُ ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إلَى السَّفَرِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مَأْمُونٍ كَمَا لَوْ نَقَلَهَا فِي الْبَلَدِ .
وَمَحِلُّهُ إنْ لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ كَمَا فِي الْفُرُوعِ .
وَفِي الْمُبْهِجِ وَالْمُوجَزِ وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ .
وَلَهُ مَا أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ قَالَهُ الْقَاضِي .
وَفِي
الْفُرُوعِ .
وَيَتَوَجَّهُ كَنَظَائِرِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ) أَيْ : يَجِدْ الْوَدِيعُ مَالِكَهَا ، وَقَدْ أَرَادَ السَّفَرَ ( وَلَا ) وَجَدَ ( وَكِيلَهُ ) قُلْتُ : وَلَا مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً ( حَمَلَهَا مَعَهُ ) عَلَى الْقَوْلَيْنِ ( إنْ كَانَ ) السَّفَرُ ( أَحْفَظَ ) لَهَا ( وَلَمْ يَنْهَهُ ) مَالِكُهَا عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ .
فَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا ، فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ مَالِكُهَا لَمْ يُسَافِرْ بِهَا وَيَضْمَنُ إنْ فَعَلَ إلَّا لِعُذْرٍ كَجَلَاءِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَوْ هُجُومِ عَدُوٍّ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ فَلَا ضَمَانَ .
وَيَجِبُ الضَّمَانُ بِالتَّرْكِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ السَّفَرُ أَحْفَظَ ، وَلَوْ اسْتَوَيَا أَوْ نَهَاهُ الْمَالِكُ عَنْهُ ( دَفَعَهَا لِحَاكِمٍ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ صَاحِبِهَا عِنْدَ غَيْبَتِهِ ، ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) دَفْعُهَا لِحَاكِمٍ ( فَلِثِقَةٍ كَمَنْ ) أَيْ : كَمُودِعٍ ( حَضَرَهُ الْمَوْتُ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ السَّفَرِ وَالْمَوْتِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْوَدِيعَةِ عَنْ يَدِهِ .
وَرُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهُ وَدَائِعُ فَلَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ أَوْدَعَهَا عِنْدَ أُمِّ أَيْمَنَ وَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَرُدَّهَا إلَى أَهْلِهَا } ( أَوْ دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ ) بِهَا ( سَاكِنًا ثِقَةً ) لِحُصُولِ الْحِفْظِ بِذَلِكَ ، ( فَإِنْ لَمْ يُعْلِمْهُ ) فَضَاعَتْ ( ضَمِنَهَا ) أَيْ الْمُودَعُ لِتَفْرِيطِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فِي سَفَرِهِ فَلَا تَصِلُ إلَى صَاحِبِهَا وَرُبَمَا نَسِيَ مَوْضِعَهَا أَوْ أَصَابَتْهَا آفَةٌ وَكَذَا إنْ أَعْلَمَ الْمُودَعَ بِهَا غَيْرَ ثِقَةٍ لِأَنَّهُ رُبَمَا أَخَذَهَا أَوْ دَلَّ عَلَيْهَا أَوْ أَعْلَمَ بِهَا غَيْرَ سَاكِنٍ فِي الدَّارِ لِأَنَّهُ لَمْ يُودِعْهُ إيَّاهَا وَلَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهَا ( وَلَا يَضْمَنُ مُسَافِرٌ أُودِعَ ) وَدِيعَةً فِي سَفَرِهِ ( فَسَافَرَ بِهَا فَتَلِفَتْ بِالسَّفَرِ ) ؛ لِأَنَّ إيدَاعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَقْتَضِي الْإِذْنَ فِي السَّفَرِ بِهَا
( وَإِنْ تَعَدَّى ) وَدِيعٌ فِي وَدِيعَةٍ كَأَنْ كَانَتْ دَابَّةً ( فَرَكِبَهَا لَا لِسَقْيِهَا ) أَوْ عَلَفِهَا ، وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَجَانِبِ فِي ذَلِكَ وَفِي الْحَمْلِ وَالنَّقْلِ ( أَوْ ) كَانَتْ ثِيَابًا فَ ( لَبِسَهَا لَا لِخَوْفٍ ) عَلَيْهَا ( مِنْ عُثٍّ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ عُثَّةٍ : سُوسَةٌ تَلْحَسُ الصُّوفَ ( وَنَحْوِهِ ) كَافْتِرَاشِ فُرُشٍ لَا لِخَوْفٍ مِنْ عُثٍّ وَكَاسْتِعْمَالِ آلَةِ صِنَاعَةٍ مِنْ خَشَبٍ لَا لِخَوْفٍ مِنْ الْأَرَضَةِ ( وَيَضْمَنُ ) مُودَعُ ثِيَابٍ نَقْصَهَا بِعُثٍّ ( إنْ لَمْ يَنْشُرْهَا ) لِتَفْرِيطِهِ ( أَوْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ ) أَوْ الدَّنَانِيرَ الْمُودَعَةَ ( لِيُنْفِقَهَا أَوْ لِيَنْظُرَ إلَيْهَا ثُمَّ رَدَّهَا ) إلَى وِعَائِهَا وَلَوْ بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ( أَوْ كَسَرَ خَتْمَهَا أَوْ حَلَّ كِيسَهَا ) بِلَا إخْرَاجٍ ضَمِنَهَا لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ بِتَعَدِّيهِ ( أَوْ جَحَدَهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةَ مُودَعٌ ( ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا ) ضَمِنَهَا ؛ لِأَنَّهُ بِجَحْدِهِ خَرَجَ عَنْ الِاسْتِئْمَانِ فِيهَا فَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِعُدْوَانِ يَدِهِ ( أَوْ خَلَطَهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ عَنْهُ ضَمِنَهَا ؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهَا فِي حُكْمِ التَّالِفِ وَفَوَّتَ عَلَى نَفْسِهِ رَدَّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي لُجَّةِ بَحْرٍ .
وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلْطُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِنَظِيرِهَا أَوْ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى مِنْهَا وَ ( لَا ) يَضْمَنُهَا إنْ خَلَطَ ( بِمُتَمَيِّزٍ ) كَدَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْجَزُ بِهِ عَنْ رَدِّهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا بِصُنْدُوقٍ فِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ ، ( وَلَوْ ) كَانَ التَّعَدِّي أَوْ الْجَحْدُ أَوْ الْخَلْطُ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ عَنْهُ ( فِي إحْدَى عَيْنَيْنِ ) بِأَنْ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ كِيسَيْنِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ ( بَطَلَتْ ) الْأَمَانَةُ ( فِيهِ ) أَيْ : فِي الْكِيسِ مَثَلًا الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ دُونَ الْآخَرِ ، ( وَوَجَبَ رَدُّهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةِ حَيْثُ بَطَلَتْ ( فَوْرًا ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ زَالَتْ بِالتَّعَدِّي ( وَلَا تَعُودُ
وَدِيعَةً ) بِغَيْرِ عَقْدٍ مُتَجَدِّدٍ ، ( وَصَحَّ ) قَوْلُ مَالِكٍ لِمُودَعٍ ( كُلَّمَا خُنْتَ ثُمَّ عُدْتَ إلَى الْأَمَانَةِ فَأَنْتَ أَمِينٌ ) لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْإِيدَاعِ عَلَى الشَّرْطِ كَالْوَكَالَةِ وَإِنْ خَلَطَ إحْدَى وَدِيعَتَيْ زَيْدٍ بِالْأُخْرَى بِلَا إذْنٍ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَوَجْهَانِ .
ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَإِنْ اخْتَلَطَتْ الْوَدِيعَةُ بِلَا فِعْلِهِ ثُمَّ ضَاعَ الْبَعْضُ جُعِلَ مِنْ مَالِ الْمُودَعِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ .
ذَكَرَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ
( وَإِنْ أَخَذَ ) مُودَعٌ مِنْ دَرَاهِمَ مُودَعَةٍ ( دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ ) بِعَيْنِهِ ( أَوْ ) رَدَّ ( بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا أَوْ أَذِنَ ) مَالِكُهَا ( فِي أَخْذِهِ ) أَيْ : الدِّرْهَمِ ( فَرَدَّ ) الْآخِذُ ( بَدَلَهُ بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ : الْمَالِكِ ( فَضَاعَ الْكُلُّ ) أَيْ : كُلُّ الدَّرَاهِمِ الْمُودَعَةِ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ : الدِّرْهَمَ الْمَأْخُوذُ الْمُودَعُ ( وَحْدَهُ ) لِتَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِالْأَخْذِ فَلَا يَضْمَنُ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ كَمَا لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ ( مَا لَمْ تَكُنْ ) الدَّرَاهِمُ ( مَخْتُومَةً أَوْ مَشْدُودَةً أَوْ ) يَكُنْ ( الْبَدَلُ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فَيَضْمَنُ الْجَمِيعَ ) لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ وَلِخَلْطِهِ الْوَدِيعَةَ بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ فِي الثَّالِثَةِ ، ( وَيَضْمَنُ ) وَدِيعٌ ( بِخَرْقِ كِيسٍ ) فِيهِ وَدِيعَةٌ ( مِنْ فَوْقِ شَدٍّ ) أَيْ : رِبَاطِ ( أَرْشِهِ ) أَيْ : ( الْكِيسِ فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ مَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ حِرْزَهُ .
( وَ ) يَضْمَنُ بِخَرْقِهِ ( مِنْ تَحْتِهِ ) أَيْ : الشَّدِّ ( أَرْشَهُ وَمَا فِيهِ ) إنْ ضَاعَ لِهَتْكِ الْحِرْزِ ، وَلَا يَضْمَنُ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ التَّعَدِّي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ
( وَمَنْ أَوْدَعَهُ صَغِيرٌ وَدِيعَةً لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِرَدِّهَا لِوَلِيِّهِ ) فِي مَالٍ كَدَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ ( وَيَضْمَنُهَا ) قَابِضُهَا مِنْ الصَّغِيرِ ( إنْ تَلِفَتْ ) لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهَا ( مَا لَمْ يَكُنْ ) الصَّغِيرُ ( مَأْذُونًا لَهُ ) فِي الْإِيدَاعِ ( أَوْ يَخَفْ ) قَابِضُهَا مِنْ الصَّغِيرِ ( هَلَاكَهَا مَعَهُ ) إنْ تَرَكَهَا ( كَضَائِعٍ وَمَوْجُودٍ فِي مَهْلَكَةٍ فَلَا ) ضَمَانَ عَلَيْهِ بِأَخْذِهِ لِقَصْدِهِ بِهِ التَّخْلِيصَ مِنْ الْهَلَاكِ فَالْحَظُّ فِيهِ لِمَالِكِهِ
( وَمَا أُودِعَ أَوْ أُعِيرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ : أَوْدَعَهُ مَالِكُهُ أَوْ أَعَارَهُ وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ ( لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ قِنٍّ لَمْ يَضْمَنْ بِتَلَفٍ ) فِي يَدِ قَابِضِهِ ( وَلَوْ بِتَفْرِيطٍ ) لِتَفْرِيطِ مَالِكِهِ بِدَفْعِهِ إلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ ( وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ مُكَلَّفٌ غَيْرُ حُرٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْفَاظُهُ وَدَخَلَ فِيهِ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( فِي رَقَبَتِهِ ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَهُ مِنْ جِنَايَتِهِ ، وَأَمَّا إتْلَافُ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ لِمَا أُودِعُوهُ أَوْ أُعِيرُوهُ فَهَدَرٌ ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ سَلَّطَهُمْ عَلَى مَالٍ كَمَا لَوْ دَفَعَ لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ سِكِّينًا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَمَاتَ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ .
؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا أَمَانَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى { : إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } ( وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي رَدِّ ) الْوَدِيعَةِ إلَى مَالِكِهَا أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِي قَبْضِهَا .
أَشْبَهَ الْوَكِيلَ بِلَا جَعْلٍ ، ( وَلَوْ ) ادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ ( عَلَى يَدِ قِنِّهِ ) أَيْ : قِنِّ مُدَّعِي الرَّدِّ ( أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ خَازِنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ حِفْظُهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَانَ لَهُ دَفْعُهَا كَذَلِكَ ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ لِزَوْجَةِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً ( أَوْ ) كَانَتْ دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ الْوَدِيعِ ( بَعْدَ مَوْتِ رَبِّهَا إلَيْهِ ) فَتُقْبَلُ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي حَيَاتِهِ ( وَ ) يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ ( فِي قَوْلِهِ ) لِمَالِكِهَا : ( أَذِنْتَ لِي فِي دَفْعِهَا إلَى فُلَانٍ وَفَعَلْتُ ) أَيْ : دَفَعْتُهَا لَهُ مَعَ إنْكَارِ مَالِكِهَا الْإِذْنَ نَصًّا لِأَنَّهُ ادَّعَى دَفْعًا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى الرَّدَّ إلَى مَالِكِهَا .
وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمَالِكِ غَيْرُ الْيَمِينِ مَا لَمْ يُقِرَّ بِالْقَبْضِ ، وَكَذَا إنْ اعْتَرَفَ الْمَالِكُ بِالْإِذْنِ فِي الدَّفْعِ لَهُ ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ دَفَعَ لَهُ إنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَدِيعًا ، وَإِنْ كَانَ دَائِنًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الضَّمَانِ مَا فِيهِ .
وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ : إنْ رَدَّ إلَى رَسُولِ مُوَكِّلٍ وَمُودِعٍ فَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ضَمِنَ لِتَعَلُّقِ الدَّفْعِ بِثَالِثٍ .
وَيُحْتَمَلُ لَا .
( وَ ) يُصَدَّقُ مُودَعٌ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَى ( تَلَفِ ) وَدِيعَةٍ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَسَرِقَةٍ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَمْتَنِعَ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْأَمَانَاتِ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا .
وَ ( لَا ) تُقْبَلُ دَعْوَاهُ التَّلَفَ ( بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ ، كَحَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَنَهْبِ جَيْشٍ ( إلَّا مَعَ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِوُجُودِهِ ) أَيْ : السَّبَبِ ثُمَّ يَحْلِفُ أَنَّهَا ضَاعَتْ بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ .
لَا تَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ .
( وَ ) يُصَدَّقُ مُودَعٌ بِيَمِينِهِ فِي ( عَدَمِ خِيَانَةٍ وَ ) عَدَمِ ( تَفْرِيطٍ ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ
( وَإِنْ ادَّعَى ) مُودَعٌ ( رَدَّهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةَ ( لِحَاكِمٍ أَوْ وَرَثَةِ مَالِكٍ ) لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتَمِنُوهُ ( أَوْ ) ادَّعَى ( رَدًّا بَعْدَ مَطْلِهِ ) أَيْ تَأْخِيرِ دَفْعِهَا إلَى مُسْتَحِقِّهِ ( بِلَا عُذْرٍ أَوْ ) ادَّعَى رَدًّا بَعْدَ ( مَنْعِهِ ) مِنْهَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْغَاصِبِ .
( أَوْ ) ادَّعَى ( وَرَثَةُ ) مُودَعٍ ( رَدًّا ) مِنْهُمْ أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ ( وَلَوْ لِمَالِكٍ لَمْ يُقْبَلْ ) ذَلِكَ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُؤْتَمَنِينَ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ مَالِكِهَا ، وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهُ مُلْتَقِطٌ ، أَوْ مَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .
( وَإِنْ ) أَنْكَرَ مُودَعٌ الْوَدِيعَةَ فَ ( قَالَ : لَمْ تُودِعْنِي ثُمَّ أَقَرَّ ) بِالْإِيدَاعِ ( أَوْ ثَبَتَ ) عَلَيْهِ ( بِبَيِّنَةٍ فَادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا سَابِقَيْنِ لِجُحُودِهِ لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِجُحُودِهِ مُعْتَرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلْأَمَانَةِ ( وَلَوْ ) أَتَى عَلَيْهِ ( بِبَيِّنَةٍ ) فَلَا تُسْمَعُ لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِجُحُودِهِ ( وَيَقْبَلَانِ ) أَيْ : الرَّدَّ وَالتَّلَفَ إذَا ادَّعَاهُمَا ( بِهَا ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الْجُحُودِ لِعَدَمِ تَكْذِيبِهِ لَهَا إذَنْ .
فَإِذَا شَهِدَا بِرَدٍّ أَوْ تَلَفٍ وَلَمْ يُعَيِّنَا هَلْ هُوَ قَبْلَ جُحُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ مُتَحَقِّقٌ فَلَا يَنْتَفِي بِأَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ فِيهِ .
وَمَتَى ثَبَتَ التَّلَفُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ حَيْثُ كَانَ بَعْدَ الْجُحُودِ كَالْغَاصِبِ .
( وَإِنْ قَالَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ لِمُدَّعِيهَا : ( مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ ) .
أَوْ لَا حَقَّ لَكَ قِبَلِي وَنَحْوَهُ .
ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى تَلَفًا ، أَوْ رَدًّا ( قُبِلَا ) مِنْهُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِجَوَابِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوْدَعَهُ ثُمَّ تَلِفَ عِنْدَهُ بِلَا تَفْرِيطٍ ، أَوْ رَدَّهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ .
وَ ( لَا ) تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى ( وُقُوعُهُمَا ) أَيْ : الرَّدِّ أَوْ التَّلَفِ ( بَعْدَ إنْكَارِهِ ) لِاسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ بِالْجُحُودِ فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ ، ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ بَقَائِهَا
( وَإِنْ تَلِفَتْ ) الْوَدِيعَةُ ( عِنْدَ وَارِثِ ) وَدِيعٍ ( قَبْلَ إمْكَانَ رَدِّ ) هَا إلَى رَبِّهَا لِنَحْوِ جَهْلٍ بِهَا أَوْ بِهِ ( لَمْ يَضْمَنْهَا ) إذَا لَمْ يُفَرِّطْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ تَلِفَتْ بَعْدَ إمْكَانَ رَدِّهَا ( ضَمِنَ ) لِتَأَخُّرِ رَدِّهَا مَعَ إمْكَانِهِ مَعَ حُصُولِهَا بِيَدِهِ بِلَا إيدَاعٍ ، كَمَنْ أَطَارَتْ الرِّيحُ إلَى دَارِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ ، وَبِخِلَافِ عَبْدٍ وَحَيَوَانٍ دَخَلَ دَارِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ لِيَذْهَبَ كَمَا جَاءَ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِمَا .
ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْقَوَاعِدِ
( وَمَنْ أَخَّرَ رَدَّهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةِ ( أَوْ ) أَخَّرَ ( مَالًا أُمِرَ بِدَفْعِهِ بَعْدَ طَلَبٍ ) مِنْ مُسْتَحِقِّهَا ( بِلَا عُذْرٍ ) فِي تَأْخِيرٍ ( ضَمِنَ ) مَا تَلِفَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا بِإِمْسَاكِهِ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ ، أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ( وَيُمْهَلُ ) مَنْ طُولِبَ بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِمَالٍ أُمِرَ بِدَفْعِهِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ ( لِأَكْلٍ وَنَوْمٍ وَهَضْمِ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ ) كَصَلَاةٍ وَطَهَارَةٍ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ : الْمَذْكُورِ .
فَلَا يَضْمَنُ إنْ تَلِفَتْ زَمَنَ عُذْرِهِ ، لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ .
وَإِنْ أَمَرَهُ بِالرَّدِّ إلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبَى ضَمِنَهَا .
وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ .
وَإِنْ طَلَبَهَا فِي وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهَا لِبُعْدِهَا أَوْ مَخَافَةً فِي طَرِيقِهَا ، أَوْ عَجْزٍ عَنْ حَمْلِهَا وَنَحْوَهُ .
.
لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِتَرْكِ تَسْلِيمِهَا .
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا .
وَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا لِعَدَمِ عُدْوَانِهِ .
وَلَيْسَ عَلَى وَدِيعٍ مُؤْنَةُ حَمْلِهَا وَرَدِّهَا لِمَالِكِهَا ، قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ .
وَمَنْ اسْتَأْمَنَهُ أَمِيرٌ عَلَى مَالِ فَخَشَى مِنْ حَاشِيَتِهِ إنْ مَنَعَهُمْ مِنْ عَادَتِهِمْ الْمُتَقَدِّمَةِ لَزِمَهُ فِعْلُ مَا يُمْكِنُهُ وَهُوَ أَصْلُحُ لِلْأَمِيرِ مِنْ تَوَلِّيهِ غَيْرُهُ فَيَرْتَعُ مَعَهُمْ .
لَا سِيَّمَا وَلِلْآخِذِ شُبْهَةٌ ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَتَثْبُتُ وَدِيعَةٌ بِإِقْرَارِ وَدِيعٍ ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ ، أَوْ بِإِقْرَارِ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ
( وَ يَعْمَلُ ) وَارِثٌ وُجُوبًا ( بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ عَلَى كِيسٍ وَنَحْوَهُ ) كَصُنْدُوقٍ أَوْ كِتَابٍ ( هَذَا وَدِيعَةٌ ، أَوْ ) هَذَا ( لِفُلَانٍ ) نَصًّا وَ ( وَيَعْمَلُ بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ ) بِدَيْنٍ عَلَيْهِ ( وُجُوبًا ) فَيَجِبُ دَفْعُهُ إلَى مَنْ هُوَ مَكْتُوبٌ بِاسْمِهِ ( أَوْ ) بِدَيْنٍ ( لَهُ عَلَى فُلَانٍ ) فَيَعْمَلُ بِخَطِّ أَبِيهِ فِيهِ ( وَ ) يَجُوزُ لَهُ أَنْ ( يَحْلِفَ ) إذَا أَقَامَ بِهِ شَاهِدًا ، إذَا عَلِمَ مِنْ مُوَرِّثِهِ الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ ، وَأَنَّهُ لَا يَكْتُبُ إلَّا حَقًّا .
فَيَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ
( وَإِنْ ادَّعَاهَا ) أَيْ : الْوَدِيعَةَ ( اثْنَانِ فَأَقَرَّ ) الْوَدِيعُ ( لِأَحَدِهِمَا ) بِهَا ( فَ ) هِيَ ( لَهُ ) أَيْ : لِلْمُقَرِّ لَهُ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْمُودَعِ .
وَقَدْ نَقَلَهَا إلَى الْمُدَّعِي ، فَصَارَتْ الْيَدُ لَهُ .
فَقُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ .
فَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ : أَوْدَعَنِيهَا الْمَيِّتُ ، وَقَالَ هِيَ لِفُلَانٍ فَقَالَ وَرَثَتُهُ : بَلْ هِيَ لَهُ ، فَقَوْلُ وَدِيعٍ مَعَ يَمِينِهِ .
أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( وَيَحْلِفُ ) الْمُودَعُ ( لِلْآخَرِ ) الَّذِي أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِدَعْوَاهُ وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ .
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَتْ خُصُومَتُهُ مَعَهُ ، وَإِلَّا غَرِمَ لَهُ بَدَلَهَا لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْأَوَّلِ فَيُسَلِّمُهَا لِلْأَوَّلِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي نَصًّا ، ( وَ ) إنْ أَقَرَّ بِهَا ( لَهُمَا فَ ) هِيَ ( لَهُمَا ) كَمَا لَوْ كَانَتْ بِأَيْدِيهِمَا وَتَدَاعَيَاهَا ( وَيَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ) يَمِينًا عَلَى نِصْفِهَا .
فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ عِوَضُهَا ، يَقْتَسِمَانِهِ .
وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَزِمَهُ لِمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَهُ عِوَضُ نِصْفِهَا ( وَإِنْ قَالَ ) جَوَابًا لِدَعْوَاهُمَا ( لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا ) مِنْكُمَا ( وَصَدَّقَاهُ ) عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا ( أَوْ سَكَتَا فَلَا يَمِينَ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ ، وَتُسَلَّمُ لِأَحَدِهِمَا بِقُرْعَةٍ مَعَ يَمِينِهِ ( وَإِنْ كَذَّبَاهُ ) فَقَالَا : بَلْ تَعْرِفُ أَيَّنَا صَاحِبَهَا ، ( حَلَفَ ) لَهُمَا ( يَمِينًا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَكَذَا إنْ كَذَّبَهُ أَحَدُهُمَا ، فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ وَالْعَيْنُ ، فَيَقْتَرِعَانِ عَلَيْهِمَا أَوْ يَتَّفِقَانِ .
هَذِهِ طَرِيقَةُ صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدَّمَهَا الْحَارِثِيُّ ، ( وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالَتَيْنِ ) أَيْ : حَالَةِ مَا إذَا صَدَّقَاهُ وَحَالَةِ مَا إذَا
كَذَّبَاهُ وَحَلَفَ ، ( فَمَنْ قَرَعَ ) أَيْ : خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ( حَلَفَ ) أَنَّهَا لَهُ لِاحْتِمَالِ عَدَمِهِ ( وَأَخَذَهَا ) بِمُقْتَضَى الْقُرْعَةِ ، وَكَذَا حُكْمُ عَارِيَّةٍ وَرَهْنٍ وَمَبِيعٍ مَرْدُودٍ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا .
وَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ
( وَإِنْ أَوْدَعَاهُ ) أَيْ : أَوْدَعَ اثْنَانِ وَاحِدًا ( مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا يَنْقَسِمُ ) إجْبَارًا ( فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِغَيْبَةِ شَرِيكَهُ أَوْ ) مَعَ حُضُورِهِ ( وَامْتِنَاعِهِ ) مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ وَمِنْ الْإِذْنِ لِشَرِيكِهِ فِي أَخْذِ نَصِيبِهِ ( سَلَّمَ إلَيْهِ ) أَيْ : الطَّالِبِ نَصِيبَهُ وُجُوبًا .
لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِغَيْرِ غَبْنٍ وَلَا ضَرَرٍ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ .
لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى قِسْمَةٍ وَيَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ أَوْ اتِّفَاقٍ .
فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ غَيْرَ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ ، أَوْ كَانَ كَذَلِكَ ، لَكِنْ لَا يَنْقَسِمُ لِصِنَاعَةٍ فِيهِ كَآنِيَةِ نُحَاسٍ وَنَحْوِهَا وَحُلِيٍّ مُبَاحٍ أَوْ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ حَاكِمٍ .
؛ لِأَنَّ قِسْمَتَهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا الْحَيْفُ لِافْتِقَارِهَا إلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ
( وَلِمُودِعٍ وَمُضَارِبٍ وَمُرْتَهِنٍ وَمُسْتَأْجِرٍ ) قُلْتُ : وَمِثْلُهُمْ الْعَدْلُ بِيَدِهِ الرَّهْنُ وَالْأَجِيرُ عَلَى حِفْظِ عَيْنٍ وَالْوَكِيلُ فِيهِ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُجَاعِلُ عَلَى عَمَلِهَا ( إنْ غُصِبَتْ الْعَيْنُ ) أَيْ الْوَدِيعَةُ أَوْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ أَوْ الرَّهْنُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ ( الْمُطَالَبَةُ بِهَا ) مِنْ غَاصِبِهَا .
لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ حِفْظِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَلَا يَضْمَنُ مُودَعٌ أُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ ( لِغَيْرِ رَبِّهَا ) كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا .
لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ دَفْعَهَا .
وَإِنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَضْمَنْ .
قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ .
وَضَمَّنَّهُ أَبُو الْوَفَاءِ إنْ فَرَّطَ .
وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الزَّاغُونِيِّ : مَنْ صَادَرَهُ سُلْطَانٌ وَنَادَى بِتَهْدِيدِ مَنْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا إنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ أَوْ عَيَّنَهُ وَهَدَّدَهُ وَلَمْ يَنَلْهُ بِعَذَابٍ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا .
ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ، ( فَإِنْ طَلَبَ يَمِينِهِ ) أَيْ الْمُسْتَوْدَعَ أَنْ لَا وَدِيعَةَ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ ( وَلَمْ يَجِدْ بُدًّا ) مِنْ الْحَلِفِ لِتَغَلُّبِ الطَّالِبِ عَلَيْهِ بِسَلْطَنَةٍ أَوْ تَلَصُّصٍ وَلَا يُمْكِنُهُ الْخَلَاصُ مِنْهُ إلَّا بِالْحَلِفِ ، ( حَلَفَ مُتَأَوِّلًا ) وَلَمْ يَحْنَثْ لِتَأَوُّلِهِ ، ( فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حَتَّى أُخِذَتْ ) مِنْهُ ( ضَمِنَهَا ) لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الْحَلِفِ ، كَمَا لَوْ سَلَّمَهَا إلَى غَيْرِ رَبِّهَا ظَانًّا أَنَّهُ هُوَ فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ ، ( وَيَأْثَمُ إنْ ) حَلَفَ وَ ( لَمْ يَتَأَوَّلْ ) لِكَذِبِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : إثْمُ حَلِفِهِ بِدُونِ تَأْوِيلٍ ( دُونَ إثْمِ إقْرَارِهِ بِهَا ) لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ عَنْ الضَّيَاعِ آكَدُ مِنْ بِرِّ الْيَمِينِ ، ( وَيُكَفِّرُ ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ وُجُوبًا إنْ حَنِثَ وَلَمْ يَتَأَوَّلْ ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ .
فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : لَا تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَتَقَدَّمَ فِي الْمُضَارَبَةِ : لَوْ مَاتَ وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَجُهِلَتْ فِي مَالِهِ وَلَمْ
يُعْلَمْ بَقَاؤُهَا ، فَإِنَّ رَبَّهَا يَكُونُ غَرِيمًا بِهَا .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْمَوَاتُ : كَغُرَابِ الْمَوْتِ .
وَكَسَحَابٍ : مَا لَا رُوحَ فِيهِ ، وَأَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا ، وَالْمَوَتَانُ بِالتَّحْرِيكِ خِلَافُ الْحَيَوَانِ ، أَوْ أَرْضٌ لَمْ تُحْي بَعْدُ ، وَبِالضَّمِّ مَوْتٌ يَقَعُ بِالْمَاشِيَةِ ، وَيُفْتَحُ .
وَفِي الْمُغْنِي : الْمَوَاتُ هُوَ الْأَرْضُ الْخَرَابُ الدَّارِسَةُ وَتُسَمَّى مَيِّتَةً وَمَوَاتًا وَمَوْتَى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ .
وَالْمَوْتَانُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ : الْمَوْتُ الذَّرِيعُ ، وَرَجَلٌ مَوْتَانِ الْقَلْبِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ يَعْنِي عَمِيُّ الْقَلْبِ لَا يَفْهَمُ .
( وَ ) الْمَوَاتُ اصْطِلَاحًا : ( هِيَ الْأَرْضُ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ الِاخْتِصَاصَاتِ وَمِلْكِ مَعْصُومٍ ) وَيَأْتِي مُحْتَرَزُهُ .
وَالْأَصْلُ فِي إحْيَائِهِ : حَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا " { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ } " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ ، وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ } " حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَرَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَهُوَ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْمَوَاتَ يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ ( فَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ كُلِّ مَا ) أَيْ مَوَاتٍ ( لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ أَثَرُ عِمَارَةٍ ) قَالَ فِي الْمُغْنِي : بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْإِحْيَاءِ انْتَهَى لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ .
( وَإِنْ مَلَكَهُ ) أَيْ : الْخِرَابَ ( مَنْ لَهُ حُرْمَةٌ ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ ( أَوْ شُكَّ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( فِيهِ ) بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ مَالِكٌ وَشَكَّ فِي حَالِهِ هَلْ هُوَ مُحْتَرَمٌ أَوْ لَا ؟ ( فَإِنْ وُجِدَ ) مَالِكُهُ ( أَوْ ) وُجِدَ ( أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ ) حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا .
وَالْمُرَادُ فِي غَيْرِ مَا مُلِكَ بِالْإِحْيَاءِ ( وَكَذَا إنْ جُهِلَ ) مَالِكُهُ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ عَيْنُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِجَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ لِذِي حُرْمَةٍ .
فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ نَصًّا .
لِمَفْهُومِ حَدِيثِ عَائِشَةَ " { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ } وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ ، كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكُهُ مُعَيَّنًا ( وَإِنْ عُلِمَ ) مَالِكُهُ وَمَوْتُهُ ( وَلَمْ يُعَقِّبْ ) أَيْ : لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ ، وَ ( أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ ) لِمَنْ شَاءَ .
لِأَنَّهُ فَيْءٌ
( وَإِنْ مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى دَثَرَ وَعَادَ مَوَاتًا لَمْ يُمْلَكْ بِإِحْيَاءٍ إنْ كَانَ لِمَعْصُومٍ ) لِمَفْهُومِ حَدِيث { : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ } " وَهُوَ مُقَيِّدٌ لِحَدِيثِ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ } وَلِأَنَّ مِلْكَ الْمُحْيِي أَوَّلًا لَمْ يَزُلْ عَنْهَا بِالتَّرْكِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ
( وَإِنْ عُلِمَ مِلْكُهُ لِمُعَيَّنٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ ) ، وَهُوَ الْكَافِرُ الَّذِي لَا أَمَانَ لَهُ ( فَإِنْ ) كَانَ ( أَحْيَاهُ بِدَارِ حَرْبٍ وَانْدَرَسَ كَانَ ) ذَلِكَ ( كَمَوَاتٍ أَصْلِيٍّ ) مَلَكَهُ مَنْ أَحْيَاهُ ، ؛ لِأَنَّ مِلْكَ مَنْ لَا عِصْمَةَ لَهُ كَعَدَمِهِ ( وَإِنْ ) لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ ، وَ لَكِنْ ( تَرَدَّدَ فِي جَرَيَانِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ ) مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ .
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جَرَيَانِ الْمِلْكِ فِيهِ ( أَوْ كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ غَيْرِ جَاهِلِيٍّ كَالْخَرِبِ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَالْعَكْسِ ، وَكِلَاهُمَا جَمْعُ خِرْبَةٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ ، وَهِيَ مَا تَهَدَّمَ مِنْ الْبُنْيَانِ ( الَّتِي ذَهَبَتْ أَنْهَارُهَا وَانْدَرَسَتْ آثَارُهَا وَلَمْ يُعْلَمْ لَهَا مَالِكٌ ) الْآنَ ، مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ لِلْخَبَرِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ .
وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِنْصَافِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا وَتَبِعَهُمَا فِي الْإِقْنَاعِ ، ( أَوْ ) كَانَ بِهِ أَثَرُ مِلْكٍ ( جَاهِلِيٍّ قَدِيمٍ أَوْ ) أَثَرُ مِلْكٍ جَاهِلِيٍّ ( قَرِيبٍ ) ( مُلِكَ بِإِحْيَاءٍ ) ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ الَّذِي بِهِ لَا حُرْمَةَ لَهُ .
وَالْجَاهِلِيُّ الْقَدِيمُ كَدِيَارِ عَادٍ وَثَمُودَ وَآثَارِ الرُّومِ .
وَفِي الْحَدِيثِ { عَادِيُّ الْأَرْضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ثُمَّ هُوَ بَعْدُ لَكُمْ } رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ
( وَمَنْ أَحْيَا ) مِمَّا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْإِحْيَاءُ ( بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ ) كَانَ الْمُحْيِي ( ذِمِّيًّا مَوَاتًا سِوَى مَوَاتِ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ ، وَ ) سِوَى ( مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ : الْأَرْضَ ( لَهُمْ وَلَنَا الْخَرَاجُ عَنْهَا ، وَ ) سِوَى ( مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ ) عُرْفًا ( وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطَبِهِ وَحَرِيمِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ) كَمَدْفِنِ مَوْتَاهُ وَمَطْرَحِ تُرَابِهِ ( مَلَكَهُ ) جَوَابُ " مَنْ " ، أَمَّا كَوْنُ الْإِحْيَاءِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِ الْإِمَامِ فَلِعُمُومِ الْحَدِيثِ ، وَلِأَنَّ الْمَوَاتَ عَيْنٌ مُبَاحَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ تَمَلُّكُهَا إلَى إذْنِ الْإِمَامِ ، كَأَخْذِ الْمُبَاحِ .
وَأَمَّا كَوْنُ الذِّمِّيِّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ فَلِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَلَكَ بِالْإِحْيَاءِ كَالشِّرَاءِ وَكَتَمَلُّكِهِ مُبَاحَاتِهَا مِنْ حَشِيشٍ وَحَطَبٍ وَغَيْرِهِمَا .
وَأَمَّا مَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِي مَوَاتِ الْحَرَمِ وَعَرَفَاتٍ ، فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الْحُجَّاجِ وَاخْتِصَاصِهِ بِمَا يَسْتَوِي فِيهِ النَّاسُ .
وَأَمَّا مَنْعُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِأَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا لَهُمْ فَلِأَنَّهُمْ صُولِحُوا فِي بِلَادِهِمْ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا عَامِرًا كَانَ أَوْ مَوَاتًا لِتَبَعِيَّةِ الْمَوَاتِ لِلْبَلَدِ ، بِخِلَافِ دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ .
وَأَمَّا مَنْعُ الْإِحْيَاءِ فِيمَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ فَلِمَفْهُومِ حَدِيثِ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ } وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُلُوكِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ وَيَمْلِكُهُ مُحْيِهِ ( بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ ) بَاطِنٍ ( كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحَدِيدٍ ) وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ ( وَ ) مِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ ( ظَاهِرٍ كَجَصٍّ وَكُحْلٍ ) وَكِبْرِيتٍ وَزِرْنِيخٍ ، لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَتَبِعَهَا فِي الْمِلْكِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا ،
بِخِلَافِ الرِّكَازِ ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا لِلنَّقْلِ وَلَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا .
وَهَذَا فِي الْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ إذَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ أَوْ حَفْرِهِ .
وَأَمَّا مَا كَانَ ظَاهِرًا فِيهَا قَبْلَ إحْيَائِهَا فَلَا يَمْلِكُ ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِنَفْعٍ كَانَ وَاصِلًا لِلْمُسْلِمِينَ ، بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ بِإِظْهَارِهِ فَلَمْ يَقْطَعْ عَنْهُمْ شَيْئًا ( وَعَلَى ذِمِّيٍّ خَرَاجُ مَا أَحْيَا مِنْ مَوَاتٍ عَنْوَةً ) ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا تَقَرُّ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ بِدُونِ خَرَاجٍ .
وَأَمَّا غَيْرُ الْعَنْوَةِ كَأَرْضِ الصُّلْحِ وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ فَالذِّمِّيُّ فِيهِ كَالْمُسْلِمِ
( وَيُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ وَيُقْطَعُ ) بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَفْعُولِ ( مَا قَرُبَ مِنْ السَّاحِلِ مِمَّا إذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تَضْيِيقَ فِي تَمْهِيدِهِ وَفَتْحِ قَنَاةٍ إلَيْهِ تُصَبُّ الْمَاءَ فِيهِ لِيَتَهَيَّأَ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ
( أَوْ ) أَيْ : وَيَمْلِكُ بِإِحْيَاءِ مَا قَرُبَ ( مِنْ الْعَامِرِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ ) لِعُمُومِ { مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ } " { وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ الْعَقِيقَ } وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَيْنَ عِمَارَةِ الْمَدِينَةِ .
وَ ( لَا ) تُمْلَكُ وَلَا تُقْطَعُ ( مَعَادِنُ مُنْفَرِدَةٌ ) ، أَمَّا الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الَّتِي يُتَوَصَّلُ إلَى مَا فِيهَا بِلَا مُؤْنَةٍ كَمَقَاطِعِ الطِّينِ وَالْمِلْحِ وَالْكُحْلِ فَلِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ ، وَأَمَّا الْبَاطِنَةُ الَّتِي يُحْتَاجُ فِي إخْرَاجِهَا إلَى حَفْرٍ وَمُؤْنَةٍ كَمَعْدِنِ الْجَوَاهِرِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا
( وَلَا يُمْلَكُ مَا ) أَيْ : مَكَانَ ( نَضَبَ ) أَيْ غَارَ ( مَاؤُهُ ) مِنْ الْجَزَائِرِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ .
فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ ، وَلِأَنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلَإِ وَالْحَطَبِ ، فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ .
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ " أَيْ : مَا نَبَتَ فِيهَا .
وَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ عَلَى مِلْكِ إنْسَانٍ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ .
وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ جَعَلَ مَا نَضَبَ مَاؤُهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ لِتَحَجُّرِهِ .
( وَإِنْ ظَهَرَ فِيمَا أَحْيَا ) مِنْ مَوَاتٍ ( عَيْنُ مَاءٍ أَوْ مَعْدِنٍ جَارٍ ) أَيْ : كُلَّمَا أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ خَلَفَهُ غَيْرُهُ ( كَنَفْطٍ وَقَارٍ أَوْ ) ظَهَرَ فِيهِ ( كَلَأٌ أَوْ شَجَرٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ) لِحَدِيثِ { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَهُوَ لَهُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
.
وَفِي لَفْظٍ " فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ " ( وَلَا يَمْلِكُهُ ) لِحَدِيثِ { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ ، فِي : الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَزَادَ " فِيهِ { وَثَمَنُهُ حَرَامٌ } وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَلَمْ تُمْلَكْ بِمِلْكِهَا كَالْكَنْزِ
( وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ ) الَّذِي لَمْ يُحَرِّزْهُ ( عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَمَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ وَزَرْعِهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { : مِنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ أَوْ فَضْلَ كَلَئِهِ مَنَعَهُ اللَّهُ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا يَتَوَعَّدُ عَلَى مَا يَحِلُّ ( مَا لَمْ يَجِدْ ) رَبُّ الْبَهَائِمِ أَوْ الزَّرْعِ مَاءً ( مُبَاحًا ) فَيَسْتَغْنِي بِهِ فَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ ) الْبَاذِلُ ، فَلَا يَلْزَمُهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( أَوْ يُؤْذِيهِ ) طَالِبُ الْمَاءِ ( بِدُخُولِهِ ) فِي أَرْضِهِ ( أَوْ ) يَكُونُ ( لَهُ فِيهِ ) أَيْ : الْبِئْرِ ( مَاءُ السَّمَاءِ فَيَخَافُ عَطَشًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ ) دَفْعًا لِلْأَذَى وَحَيْثُ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ مَدُّ حَبْلٍ وَدَلْوٍ ، لِأَنَّهُمَا يَتْلَفَانِ بِالِاسْتِعْمَالِ .
( وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ لِلسَّابِلَةِ ) أَيْ : نَفْعِ الْمُجْتَازِينَ بِهَا كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا فَالنَّاسُ مُشْتَرِكُونَ فِي مَائِهَا وَالْحَافِرُ لَهَا كَأَحَدِهِمْ ( فِي سَقْيِ زَرْعٍ وَشُرْبٍ ) لِعَدَمِ الْمُخَصِّصِ ( وَمَعَ ضِيقٍ ) أَيْ : تَزَاحُمٍ ( بِسَقْيِ آدَمِيٍّ ) أَوْ لَا لِحُرْمَتِهِ ( فَحَيَوَانٍ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً ( فَزَرْعٍ ، وَ ) إنْ حَفَرَهَا فِي مَوَاتٍ ( ارْتِفَاقًا ) بِهَا ( كَالسِّفَارَةِ ) وَالْمُنْتَجِعِينَ يَحْفِرُونَ بِئْرًا ( لِشُرْبِهِمْ وَ ) شُرْبِ ( دَوَابِّهِمْ فَهُمْ ) أَيْ : الْحَافِرُونَ لَهَا ( أَحَقُّ بِمَائِهَا ) أَيْ الْبِئْرِ الَّتِي حَفَرُوهَا ( وَقَامُوا ) عَلَيْهَا .
وَلَا يَمْلِكُونَهَا لِجَزْمِهِمْ بِانْتِقَالِهِمْ عَنْهَا وَتَرْكِهَا لِمَنْ يَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُمْ ، بِخِلَافِ الْمُتَمَلِّكِ ( وَعَلَيْهِمْ ) أَيْ : الْحَافِرِينَ لَهَا ( بَذْلُ فَاضِلٍ ) عَنْهُمْ مِنْ مَائِهَا ( لِشَارِبٍ فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ نَحْوِ زَرْعٍ ، ( وَبَعْدَ رَحِيلِهِمْ ) أَيْ : الْحَافِرِينَ لَهَا ( تَكُونُ سَابِلَةً لِلْمُسْلِمِينَ ) لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ الْحَافِرِينَ عَلَى غَيْرِهِ ( فَإِنْ عَادُوا ) أَيْ : الْحَافِرُونَ لَهَا ( كَانُوا أَحَقَّ بِهَا ) مِنْ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا حَفَرُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ .
وَمِنْ عَادَتِهِمْ الرَّحِيلُ وَالرُّجُوعُ .
فَلَا تَزُولُ أَحَقِّيَّتُهُمْ بِهِ وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا بِمَوَاتٍ ( تَمَلُّكًا فَ ) هِيَ ( مِلْكٌ لِحَافِرٍ ) كَمَا لَوْ حَفَرَهَا بِمِلْكِ الْحَيِّ
سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِبِنَاءٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ حَظِيرَةٍ لِغَنَمٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا نَصًّا .
لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَلَهُمَا عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْحَائِطَ حَاجِزٌ مَنِيعٌ وَلَا اعْتِبَارَ لِلْقَصْدِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَرَادَهَا حَظِيرَةً فَبَنَاهَا بِجِصٍّ وَآجُرٍّ وَقَسَّمَهَا بُيُوتًا ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا وَقَوْلُهُ : " مَنِيعًا " أَيْ : يَمْنَعُ مَنْ وَرَاءَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ ذَلِكَ تَسْقِيفٌ وَلَا تَرْكِيبُ بَابٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ ( أَوْ ) أَيْ : وَيَحْصُلُ إحْيَاؤُهَا ( بِإِجْرَاءِ مَاءٍ ) بِأَنْ يَسُوقَهُ إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ ( لَا تُزْرَعُ إلَّا بِهِ ) أَيْ : بِالْمَاءِ الْمَسُوقِ إلَيْهَا ( أَوْ مَنْعِ مَاءٍ لَا تُزْرَعُ مَعَهُ ) كَأَرْضِ الْبَطَائِحِ الَّتِي يُفْسِدُهَا غَرَقُهَا بِالْمَاءِ لِكَثْرَتِهِ ، فَإِحْيَاؤُهَا بِسَدِّهِ عَنْهَا وَجَعْلِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ زَرْعُهَا ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِيمَا أَرَادَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى تَكْرَارِ ذَلِكَ فِي كُلِّ عَامٍ ( أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ ) أَوْ نَهْرٍ نَصًّا .
وَيَصِلُ إلَى مَاءِ الْبِئْرِ .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ : وَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى طَيٍّ ، فَتَمَامُ الْإِحْيَاءِ طَيُّهَا ( أَوْ غَرْسُ شَجَرٍ فِيهَا ) أَيْ : الْمَوَاتِ بِأَنْ كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِغَرْسٍ لِكَثْرَةِ أَحْجَارِهَا وَنَحْوِهَا فَيُنَقِّيهَا وَيَغْرِسُهَا ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْبَقَاءِ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ .
وَلَا يَحْصُلُ إحْيَاءٌ بِحَرْثٍ وَزَرْعٍ .
( وَبِحَفْرِ بِئْرٍ ) بِمَوَاتٍ وَاسْتِخْرَاجِ مَائِهَا ( يَمْلِكُ ) حَافِرٌ ( حَرِيمَهَا وَهُوَ ) أَيْ : حَرِيمِ الْبِئْرِ ( مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي قَدِيمَةٍ ) وَتُسَمَّى الْعَادِيَّةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً لِعَادٍ ، وَلَمْ يُرِدْ عَادًا بِعَيْنِهَا ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَادٌ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ وَكَانَتْ لَهَا آثَارٌ فِي الْأَرْضِ نُسِبَ إلَيْهَا كُلُّ قَدِيمٍ ( خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَ ) الْحَرِيمُ ( فِي ) بِئْرٍ ( غَيْرِهَا ) أَيْ الْقَدِيمَةِ ( خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " السُّنَّةُ فِي حَرِيمِ الْقَلِيبِ الْعَادِيِّ خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَالْبَدِيءُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ " ، وَرَوَى الْخَلَّالُ وَالدَّارَقُطْنِيّ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا .
وَالْبِئْرُ الَّتِي لَهَا مَاءٌ يَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ لَيْسَ لِأَحَدٍ احْتِجَازُهُ كَالْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ
( وَحَرِيمُ عَيْنٍ وَقَنَاةٍ ) حُفِرَتَا بِمَوَاتٍ ( خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ و ) حَرِيمُ ( نَهْرٍ ) بِمَوَاتٍ ( مِنْ جَانِبَيْهِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ كِرَايَتِهِ ) أَيْ : مَا يُلْقَى مِنْهُ لِيُسْرِعَ جَرْيُهُ ( وَطَرِيقِ شَاوِيهِ ) أَيْ قَيِّمُهُ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَالْكِرَايَةُ وَالشَّاوِي لَمْ أَجِدْ لَهُمَا أَصْلًا فِي اللُّغَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ، وَلَعَلَّهُمَا مُوَلَّدَتَانِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الشَّامِ ( وَنَحْوِهِمَا ) أَيْ : نَحْوِ مَطْرَحِ كِرَايَتِهِ وَطَرِيقِ شَاوِيهِ مِنْ مَرَافِقِهِ وَمَا يَسْتَضِرُّ صَاحِبُهُ بِتَمَلُّكِهِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَثُرَ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَإِنْ كَانَ بِجَنْبِهِ مُثَنَّاةٌ لِغَيْرِهِ ارْتَفَقَ بِهَا فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً .
وَلَهُ عَمَلُ أَحْجَارِ طَحْنٍ عَلَى النَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَمَوْضِعِ غَرْسٍ وَزَرْعٍ وَنَحْوِهِمَا
( وَ ) حَرِيمُ ( شَجَرَةٍ ) غُرِسَتْ بِمَوَاتٍ ( قَدْرُ مَدِّ أَغْصَانِهَا ) حَوَالَيْهَا .
لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ { اُخْتُصِمَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ ، فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرَائِدِهَا فَذُرِعَتْ فَكَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَقَضَى بِذَلِكَ }
( وَ ) حَرِيمُ ( أَرْضٍ تُزْرَعُ ) مِنْ مَوَاتٍ ( مَا ) أَيْ : مَحَلٍّ ( تَحْتَاجُ ) إلَيْهِ ( لِسَقْيِهَا وَرَبْطِ دَوَابِّهَا وَطَرْحِ سَبَخِهَا وَنَحْوِهِ ) مِنْ مَرَافِقِ زُرَّاعِهَا كَمَصْرِفِ مَائِهَا عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ .
( وَ ) حَرِيمُ ( دَارٍ مِنْ مَوَاتٍ حَوْلَهَا مَطْرَحُ تُرَابٍ وَكُنَاسَةٍ وَثَلْجٍ وَمَاءِ مِيزَابٍ وَمَمَرٍّ لِبَابٍ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ مِنْ مَرَافِقِ سَاكِنِهَا ( وَلَا حَرِيمَ لِدَارٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكٍ ) لِغَيْرِهِ مِنْ جَوَانِبِهَا ؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ مِنْ الْمَرَافِقِ وَلَا يَرْتَفِقُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ ( وَيَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمْ ) أَيْ : مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْلَاكِ الْمُتَلَاصِقَةِ ( بِحَسَبِ عَادَةٍ ) فَإِنْ تَعَدَّاهَا مُنِعَ ( وَإِنْ وَقَعَ فِي ) قَدْرِ ( الطَّرِيقِ نِزَاعٌ وَقْتَ الْإِحْيَاءِ فَلَهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ ) لِلْخَبَرِ ( وَلَا تُغَيَّرُ بَعْدَ وَضْعِهَا ) أَيْ : الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ
( وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا بِأَنْ أَدَارَ حَوْلَهُ أَحْجَارًا ) أَوْ تُرَابًا أَوْ شَوْكًا أَوْ حَائِطًا غَيْرَ مَنِيعٍ لَمْ يَمْلِكْهُ ، ( أَوْ حَفَرَ بِئْرًا لَمْ يَصِلْ مَاءَهَا ) لَمْ يَمْلِكْهَا نَصًّا ( أَوْ سَقَى شَجَرًا مُبَاحًا ) كَالزَّيْتُونِ وَالْخَرْنُوبِ .
قَالَ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ : الصَّوَابُ شَفَّا بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ : قَطْعِ الْأَغْصَانِ الرَّدِيئَةَ لِتَخْلُفَهَا أَغْصَانٌ جَيِّدَةٌ ( وَأَصْلَحَهُ وَلَمْ يُرْكِبْهُ ) أَيْ : يُطْعِمْهُ لَمْ يَمْلِكْهُ ، فَإِنْ طَعَّمَهُ مَلَكَهُ بِذَلِكَ ( وَنَحْوِهِ ) بِأَنْ حَرَثَ الْأَرْضَ أَوْ خَنْدَقَ حَوْلَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلًا وَيُحَوِّطُ عَلَى رَحْلِهِ بِنَحْوِ ذَلِكَ ( أَوْ أَقْطَعَهُ ) أَيْ : أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ مَوَاتًا لِيُحْيِيَهُ ( لَمْ يَمْلِكْهُ ) قَبْلَ إحْيَائِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ إنَّمَا يُمْلَكَ بِالْإِحْيَاءِ وَلَمْ يُوجَدْ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ لِلْإِمَامِ إقْطَاعَ الْمَوَاتِ لِمَنْ يُحْيِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ بَلْ بِإِحْيَائِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : مَنْ تَحَجَّرَ الْمَوَاتَ أَوْ حَفَرَ الْبِئْرَ وَلَمْ يَصِلْ مَاءَهَا أَوْ سَقَى الشَّجَرَ الْمُبَاحَ وَلَمْ يَرْكَبْهُ وَنَحْوُهُ أَوْ أُقْطِعَهُ ( أَحَقُّ بِهِ ) مِنْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ } " .
( وَ ) كَذَا ( وَارِثُهُ ) مِنْ بَعْدِهِ بِهِ أَحَقُّ لِحَدِيثِ { مَنْ تَرَكَ حَقًّا أَوْ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ } ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لِلْمَوْرُوثِ فَقَامَ فِيهِ وَارِثُهُ مُقَامَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ، ( و ) كَذَا ( مَنْ يَنْقُلُهُ ) الْمُتَحَجِّرُ وَنَحْوُهُ وَالْمُقَطَّعُ ( إلَيْهِ ) أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَهُ مَقَامَهُ فِيهِ
( وَكَذَا مَنْ نَزَلَ عَنْ أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ أَوْ عَنْ وَظِيفَةٍ لِأَهْلٍ ) فَالْمَنْزُولُ لَهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يَتَقَرَّرُ غَيْرُهُ أَيْ : إذَا كَانَ النُّزُولُ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْإِمْضَاءِ لِشَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَالنُّزُولُ إذَا لَمْ يَتِمَّ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمُتَحَجِّرِ إذْ الْمُتَحَجِّرُ لَا يَتِمُّ مِلْكُهُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ وَالنُّزُولُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْإِمْضَاءِ ، وَحَقُّ الْمَنْزُولِ لَهُ قَائِمٌ بِهِ يَتَوَقَّفُ لُزُومُهُ عَلَى الْإِمْضَاءِ .
فَإِنْ وُجِدَ انْبَرَمَ وَتَمَّ النُّزُولُ لَهُ وَإِلَّا كَانَ الْمَنْزُولُ عَنْهُ لِلنَّازِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ عَنْهُ رَغْبَةً مُطْلَقَةً بَلْ مُقَيَّدَةً بِحُصُولِهِ لِلْمَنْزُولِ لَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ التَّقْرِيرُ فِي مِثْلِ هَذَا إنَّمَا يُقَرِّرُ فِيمَا هُوَ خَالٍ عَنْ يَدِ مُسْتَحِقٍّ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَمْلِكُ انْتِزَاعَهُ مِنْهُ لِمُقْتَضًى شَرْعِيٍّ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ النُّزُولُ مَشْرُوطًا بِالْإِمْضَاءِ وَكَانَ الْمَنْزُولُ لَهُ أَهْلًا فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ عَاجِلًا بِقَبُولِهِ ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرِ نَاظِرٍ وَلَا مُرَاجَعَتِهِ ؛ إذْ هُوَ حَقٌّ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ جَائِزُ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِهِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْمَجْدِ ( أَوْ آثَرَ شَخْصًا بِمَكَانِهِ فِي الْجُمُعَةِ ) ، فَالْمُؤْثَرُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَحَقُّ بِهِ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ : لِمَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ السَّابِقِ ( بَيْعُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْأَخْذِ ، وَكَمَنْ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ لَكِنَّ النُّزُولَ عَنْهُ بِعِوَضٍ لَا عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ قِيَاسًا عَلَى الْخُلْعِ ( فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ) أَيْ مُدَّةُ التَّحَجُّرِ وَنَحْوَهُ ( عُرْفًا وَلَمْ يَتِمَّ إحْيَاؤُهُ وَحَصَلَ مُتَشَوِّقٍ لِإِحْيَائِهِ قِيلَ لَهُ ) أَيْ : قَالَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِلْمُتَحَجِّرِ وَنَحْوِهِ : ( إمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ أَوْ تَتْرُكَهُ ) لِغَيْرِكَ يُحْيِيهِ لِتَضْيِيقِهِ عَلَى النَّاسِ فِي
حَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمْ .
أَشْبَهَ مَنْ وَقَفَ فِي طَرِيقٍ ضَيِّق ( فَإِنْ طَلَبَ ) الْمُتَحَجِّرُ ( الْمُهْلَةَ لِعُذْرٍ أُمْهِلَ مَا يَرَاهُ حَاكِمٌ مِنْ نَحْوِ شَهْرٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ) لِيَحْصُلَ مَا يَحْتَاجُهُ لِإِحْيَائِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ قِيلَ لَهُ : إمَّا أَنْ تُعَمِّرَ أَوْ تَرْفَعَ يَدَكَ ، فَإِنْ لَمْ يُعَمِّرْهَا كَانَ لِغَيْرِهِ عِمَارَتُهَا ( وَلَا يَمْلِكُ ) الْمُتَحَجِّرُ ( بِإِحْيَاءِ غَيْرِهِ فِيهَا ) أَيْ : مُدَّةَ الْمُهْلَةِ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
أَشْبَهَ إحْيَاءَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَصَالِحُ مِلْكِ غَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَحَجِّرِ أَسْبَقُ فَكَانَ أَوْلَى .
فَإِنْ أَحْيَاهُ غَيْرُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُهْلَةِ مَلَكَهُ ( وَكَذَا لَا يُقَرِّرُ ) فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ أَوْ وَظِيفَةٍ مَنْزُولٍ عَنْهَا لِأَهْلٍ ( غَيْرُ مَنْزُولٍ لَهُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذَلِكَ ، ( وَ ) كَذَا ( لَا ) يَجُوزُ ( لِغَيْرِ الْمُؤْثَرِ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ( أَنْ يَسْبِقَ ) إلَى الْمَكَانِ الْمُؤْثَرِ بِهِ غَيْرُهُ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُؤْثَرِ بِهِ
وَيَنْقَسِمُ الْإِقْطَاعُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : إقْطَاعُ تَمْلِيكٍ ، وَإِقْطَاعُ اسْتِغْلَالٍ ، وَإِقْطَاعُ إرْفَاقٍ .
وَقَسَّمَ الْقَاضِي الْأَوَّلَ إلَى : مَوَاتٍ وَعَامِرٍ وَمَعَادِنِ ، وَجَعَلَ الثَّانِي عَلَى ضَرْبَيْنِ : خَرَاجٍ وَعُشْرٍ .
وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأَخِيرِ بِقَوْلِهِ ( : وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُ جُلُوسٍ بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ وَرَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ مَا لَمْ يَضِقْ عَلَى النَّاسِ ) ؛ لِأَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ اجْتِهَادًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجُلُوسُ إلَّا فِيمَا لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فِيهَا ، فَلَهُ أَنْ يُجْلِسَ فِيهَا مَنْ لَا يَرَى أَنَّهُ يَضُرُّ بِجُلُوسِهِ ( وَلَا يَمْلِكُهُ مُقْطَعٌ ) بِهِ ( بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ ) أَيْ : بِالْجُلُوسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَزُولُ حَقُّهُ بِنَقْلِ مَتَاعِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ ، بِخِلَافِ السَّابِقِ إلَيْهَا بِلَا إقْطَاعٍ كَمَا يَأْتِي ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَهَا يَسْبِقُهُ إلَيْهَا .
فَإِذَا انْتَقَلَ عَنْهَا زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ ، وَهُنَا اسْتِحْقَاقُهُ بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ لَهُ فَلَا يَزُولُ ( مَا لَمْ يَعُدْ الْإِمَامُ فِي إقْطَاعِهِ ) فَيُقْطَعُ بِعَوْدِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ اجْتِهَادًا فِي قَطْعِهِ كَمَا لَهُ اجْتِهَادٌ فِي ابْتِدَائِهِ .
فَإِنْ كَانَتْ رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ مَحُوطَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ إقْطَاعُ الْجُلُوسِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْمَسْجِدِ ( وَإِنْ لَمْ يُقْطِعْ ) الْإِمَامُ الْجُلُوسَ بِطَرِيقٍ وَاسِعَةٍ أَوْ رَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ ، ( فَالسَّابِقُ ) إلَى الْجُلُوسِ فِيهَا ( أَحَقُّ ) بِهِ ( مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا ) ؛ لِحَدِيثِ { مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ } ؛ وَلِأَنَّهُ ارْتِفَاقٌ بِمُبَاحٍ بِلَا إضْرَارٍ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالِاجْتِيَازِ .
فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إزَالَتَهُ ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ اللَّيْلُ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ إمَامٍ ( فَإِنْ أَطَالَهُ ) أَيْ : الْجُلُوسَ بِلَا إقْطَاعٍ ( أُزِيلَ ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالتَّمَلُّكِ .
وَيَخْتَصُّ
بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ فِيهِ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْجَالِسِ بِطَرِيقٍ وَاسِعٍ وَرَحْبَةِ مَسْجِدٍ غَيْرِ مَحُوطَةٍ بِإِقْطَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَنْ يَسْتَظِلَّ بِمَا لَا يَضُرُّ كَكِسَاءٍ ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَإِنْ سَبَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ رَحْبَةٍ ( أَوْ إلَى خَانٍ مُسْبَلٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ أَوْ خَانِكَاهْ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ ) الِانْتِفَاعُ ( بِهَا إلَى تَنْزِيلِ نَاظِرٍ ) وَضَاقَ الْمَكَانُ عَنْ انْتِفَاعِ جَمِيعِهِمْ ( أُقْرِعَ ) لِاسْتِوَائِهِمْ ، وَالْقُرْعَةُ مُمَيِّزَةٌ
( وَالسَّابِقُ إلَى مَعْدِنٍ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُهُ ) مِنْهُ بَاطِنًا كَانَ أَوْ ظَاهِرًا لِلْخَبَرِ ( وَلَا يُمْنَعُ إذَا طَالَ مُقَامُهُ ) لِلْخَبَرِ ( وَإِنْ سَبَقَ عَدَدٌ ) إلَى مَعْدِنٍ ( وَضَاقَ الْمَحِلُّ عَنْ الْآخِذِ جُمْلَةً أُقْرِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا
( وَالسَّابِقُ إلَى ) أَخْذِ ( مُبَاحٍ كَصَيْدٍ وَعَنْبَرٍ وَحَطَبٍ وَثَمَرٍ ) وَنَحْوِهِ ( وَمَنْبُوذٍ رَغْبَةً عَنْهُ ) كَالنِّثَارِ فِي الْأَعْرَاسِ وَنَحْوِهَا ، وَمَا يَتْرُكُهُ حَصَّادٌ وَنَحْوُهُ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ رَغْبَةً عَنْهُ وَكِسْرَةٍ وَلَحْمٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَظْمٍ ( أَحَقُّ بِهِ ) فَيَمْلِكُهُ بِأَخْذِهِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا ( وَيُقَسَّمُ بَيْنَ عَدَدٍ ) أَخَذُوهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً ( بِالسَّوِيَّةِ ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ وَإِمْكَانَ الْقِسْمَةِ
( وَلِلْإِمَامِ لَا غَيْرِهِ إقْطَاعُ غَيْرِ مَوَاتٍ تَمْلِيكًا وَانْتِفَاعًا لِلْمَصْلَحَةِ ) لِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ .
وَمَعْنَى الِانْتِفَاعِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بِالزَّرْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ بَقَائِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ إقْطَاعُ الِاسْتِغْلَالِ ( وَ ) أَيْ : لِإِمَامٍ ( حَمْيُ مَوَاتٍ لِرَعْيِ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَا لَمْ يُضَيِّق ) عَلَى النَّاسِ ، لِقَوْلِ عُمَرَ الْمَالُ مَالُ اللَّهِ وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ " قَالَ مَالِكٌ " بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ " .
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى ، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ .
وَلِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَقُومُ فِيهِ الْأَئِمَّةُ مُقَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثِ { لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيبُ عَنْهُ : بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا يَحْمِيهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ حُرِمَ لِعَدَمِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ .
وَالْحِمَى الْمَنْعُ ، يُقَالُ : حَمَى الْمَكَانَ إذَا جَعَلَهُ حِمًى لَا يُقْرَبُ .
وَلَمْ يَحْمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ إذَا حَمَى مَحِلًّا ( نَقْضُ مَا حَمَاهُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ ( غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ ) ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فَلَهُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ .
فَلَوْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ مَلَكَهُ .
قُلْتُ : وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشَرَّكَةِ .
وَ ( لَا ) يَنْقُضُ أَحَدٌ ( مَا حَمَاهُ النَّبِيُّ ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ ( وَلَا
يُمَلَّكُ ) مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِإِحْيَاءٍ وَلَوْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ ) ، وَإِنْ كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ .
فَإِنْ خُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ وَمُنِعَ مِنْهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْأَغْنِيَاءِ أَوْ أَهْلِ الذِّمَّةِ .
وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَكَ النَّاسَ فِيهِ .
فَصْلٌ وَلِمَنْ فِي أَعْلَى مَاءٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَالْأَمْطَارِ وَالْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَهُ أَيْ : الْمَاءَ ( حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ ) أَيْ : السَّاقِي أَوَّلًا ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ : الَّذِي يَلِي الْأَعْلَى يَفْعَلُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ : يَسْقِي وَيَحْبِسُ حَتَّى يَصِلَ إلَى كَعْبِهِ ، ثُمَّ يُرْسِلَهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ ، وَهَكَذَا ( مُرَتَّبًا ) الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى إلَى انْتِهَاءِ الْأَرَاضِي ( إنْ فَضَلَ شَيْءٌ ) عَمَّنْ لَهُ السَّقْيُ وَالْحَبْسُ ( وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلْبَاقِي ) أَيْ لِمَنْ بَعْدَهُ .
إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا مَا فَضَلَ كَالْعَصَبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ .
لِحَدِيثِ عُبَادَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنْ السَّيْلِ أَنَّ الْأَعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الْأَسْفَلِ ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْمَاءَ إلَى الْأَسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَلِكَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ .
وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( فَإِنْ كَانَ لِأَرْضِ أَحَدِهِمْ أَعْلَى وَأَسْفَلُ ) بِأَنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي ذَلِكَ ( سُقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ ) أَيْ : انْفِرَادِهِ فِي مَحِلِّهِ ، ( وَلَوْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي قُرْبٍ ) مِنْ أَوَّلِ نَهْرٍ ( قُسِّمَ ) الْمَاءُ بَيْنَهُمْ ( عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ ) فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ جَرِيبٌ وَلِآخَرَ جَرِيبَانِ وَلِثَالِثٍ ثَلَاثَةٌ ، فَلِلْأَوَّلِ سُدُسٌ وَلِلثَّانِي ثُلُثٌ وَلِلثَّالِثِ نِصْفٌ كَمَا لَوْ كَانُوا سِتَّةً لِكُلِّ وَاحِدٍ جَرِيبٌ ، ( إنْ أَمْكَنَ ) قَسْمُهُ بَيْنَهُمْ ( وَإِلَّا ) يُمْكِنُ قَسْمُهُ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمْ فَيَسْقِي مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ بِقَدْرِ حَقِّهِ ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْآخَرِينَ فَيَسْقِي مِنْ قُرِعَ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَتْرُكُهُ لِلْآخَرِ ، ( فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ ) الْمَاءُ ( عَنْ وَاحِدٍ ) مَعَ التَّسَاوِي فِي الْقُرْبِ ( سَقَى الْقَارِعُ بِقَدْرِ حَقِّهِ ) لِمُسَاوَاتِهِ
مَنْ لَمْ تَخْرُجْ لَهُ الْقُرْعَةُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَإِنَّمَا الْقُرْعَةُ لِلتَّقْدِيمِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ لَا فِي أَصْلِ الْحَقِّ بِخِلَافِ الْأَعْلَى مَعَ الْأَسْفَلِ
( وَإِنْ أَرَادَ إنْسَانٌ إحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا مِنْهُ ) أَيْ : السَّيْلِ أَوْ النَّهْرِ الصَّغِيرِ ( لَمْ يُمْنَعْ ) مِنْ الْإِحْيَاءِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ أَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ فِي الْمَاءِ لَا فِي الْمَوَاتِ ( مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ ) فَإِنْ ضَرَّهُمْ فَلَهُمْ مَنْعُهُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ عَنْهُمْ ( وَلَا يَسْقِي قَبْلَهُمْ ) إذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَأَحْيَى لِسَبْقِهِمْ لَهُ إلَى النَّهْرِ ؛ وَلِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا قَبْلَهُ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حُقُوقِهَا وَسَبْقِهِمْ إيَّاهُ بِالسَّقْيِ مِنْ حُقُوقِهَا
( وَلَوْ أَحْيَا سَابِقٌ ) مَوَاتًا ( فِي أَسْفَلِهِ ) أَيْ النَّهْرِ ( ثُمَّ ) أَحْيَا ( آخَرُ ) مَحِلًّا ( فَوْقَهُ ) أَيْ : الْأَوَّلِ ( ثُمَّ ) أَحْيَا ( ثَالِثٌ ) مَحِلًّا ( فَوْقَ ثَانٍ سَقَى الْمُحْيِي أَوَّلًا ) وَهُوَ الْأَسْفَلُ .
ثُمَّ سَقَى ثَانٍ فِي الْإِحْيَاءِ ، وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الْأَسْفَلِ ( ثُمَّ ) سَقَى ( ثَالِثٌ ) أَيْ : الَّذِي فَوْقَ الثَّانِي اعْتِبَارًا بِالسَّبْقِ إلَى الْإِحْيَاءِ لَا إلَى أَوَّلِ النَّهْرِ .
لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْأَرْضَ مَلَكَهَا بِحُقُوقِهَا وَمَرَافِقِهَا
( وَإِنْ حُفِرَ نَهْرٌ صَغِيرٌ وَسِيقَ مَاؤُهُ مِنْ نَهْرٍ كَبِيرٍ مَلَكَهُ ) أَيْ : مَلَكَ الْحَافِرُ الْمَاءَ الدَّاخِلَ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : النَّهْرُ ( بَيْنَ جَمَاعَةٍ ) اشْتَرَكُوا فِي حَفْرِهِ ( عَلَى حَسَبِ عَمَلٍ وَنَفَقَةٍ ) لِأَنَّهُ مُلِكَ بِالْعِمَارَةِ .
وَهِيَ الْعَمَلُ وَالنَّفَقَةُ ( فَإِنْ ) كَفَاهُمْ لِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِيهَا فَلَا كَلَامَ .
وَإِنْ ( لَمْ يَكْفِهِمْ وَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ ) بِمُهَايَأَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( جَازَ ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ ( وَإِلَّا ) يَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ وَتَشَاحُّوا ( قَسَمَهُ ) أَيْ : الْمَاءَ بَيْنَهُمْ ( حَاكِمٌ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ ) فِي النَّهْرِ ، وَتَأْتِي الْقِسْمَةُ ( فَمَا حَصَلَ لِأَحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ ) لِانْفِرَادِهِ بِمِلْكِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْأَرْضِ .
سَوَاءٌ كَانَ لَهُمْ رَسْمُ شُرْبٍ مِنْهُ أَوْ لَا .
كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ وَلَهُ عَمَلُ رَحًى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ ( وَ ) الْمَاءُ ( الْمُشْتَرَكُ .
لَيْسَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِذَلِكَ ) بِلَا إذْنِ شُرَكَائِهِ لَكِنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ الْمَمْلُوكَ وَغَيْرَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ لِشُرْبِهِ وَوُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَانْتِفَاعٍ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ .
مِمَّا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ بِلَا إذْنِ مَالِكِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِ فِي مَكَان مَحُوطٍ عَلَيْهِ وَلَا يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ مِنْهُ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : رَجُلٌ كَانَ يَفْضُلُ مَائَهُ فِي الطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ ابْنَ السَّبِيلِ } الْحَدِيثُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِخِلَافِ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ .
كَسَقْيِ مَاشِيَةٍ كَثِيرَةٍ وَنَحْوِهِ .
فَإِنْ فَضَلَ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ رَبِّهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَتَقَدَّمَ
( وَمَنْ سَبَقَ إلَى قَنَاةٍ لَا مَالِكَ لَهَا فَسَبَقَ آخَرُ إلَى بَعْضِ أَفْوَاهِهَا مِنْ فَوْقُ أَوْ ) مِنْ ( أَسْفَلُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا سَبَقَ إلَيْهِ ) لِلْخَبَرِ ( وَلِمَالِكِ أَرْضٍ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا ) أَيْ : بِأَرْضِهِ ( وَلَوْ كَانَتْ رُسُومُهَا ) أَيْ : الْقَنَاةِ ( فِي أَرْضِهِ ) لِأَنَّهَا مِلْكُهُ .
كَمَنْعِهِ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ ( وَلَا يَمْلِكُ ) رَبُّ أَرْضٍ ( تَضْيِيقَ مَجْرَى قَنَاةٍ فِي أَرْضِهِ خَوْفَ لِصٍّ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ لِصَاحِبِهَا وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ بِتَقْلِيلِ الْمَاءِ وَلَا يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ
( وَمَنْ سُدَّ لَهُ مَاءٌ لِجَاهِهِ ) يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ ( فَلِغَيْرِهِ السَّقْيُ مِنْهُ لِحَاجَةِ ) السَّقْيِ لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ( مَا لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ يَرُدُّهُ عَلَى مَنْ سَدَّ عَنْهُ ) فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهُ يَتَسَبَّبُ فِي ظُلْمِ مَنْ سَدَّ عَنْهُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ .
بَابُ الْجَعَالَةِ بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ .
ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ : مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجُعْلِ .
بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ يُسَمِّي الْجُعْلَ لِلْعَامِلِ .
أَوْ مِنْ الْجَعْلِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ .
يُقَالُ : جَعَلْتُ لَهُ كَذَا أَيْ : أَوْجَبْتُ ، وَيُسَمَّى مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ : جُعْلًا وَجَعَالَةً وَجَعِيلَةً .
قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ .
وَيَدُلُّ لِمَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى { : وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وَحَدِيثُ اللَّدِيغِ .
وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا وَهِيَ شَرْعًا ( جَعْلُ ) أَيْ : تَسْمِيَةُ ( مَالٍ مَعْلُومٍ ) فَلَا يَصِحُّ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ نِصْفُهُ وَنَحْوُهُ ( لَا ) إنْ كَانَ ( مِنْ مَالِ مُحَارِبٍ ) أَيْ : حَرْبِيٍّ ( فَيَصِحُّ مَجْهُولًا ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجِهَادِ ( لِمَنْ يَعْمَلُ ) مُتَعَلِّقٌ بِجَعْلٍ ( لَهُ ) أَيْ الْجَاعِلِ ( عَمَلًا ) مُبَاحًا ، بِخِلَافِ نَحْوِ زَمْرٍ وَزِنًا ، ( وَلَوْ ) كَانَ الْعَمَلُ ( مَجْهُولًا ) كَمَنْ خَاطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ فَلَهُ كَذَا ( أَوْ ) لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ ( مُدَّةً وَلَوْ مَجْهُولَةً ) كَمَنْ حَرَسَ زَرْعِي .
أَوْ أَذَّنَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَلَهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا .
وَ ( كَمَنْ رَدَّ لُقَطَتِي أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ أَوْ ) مَنْ ( أَقْرَضَنِي زِيدَ بِجَاهِهِ أَلْفًا .
أَوْ أَذَّنَ بِهَذَا الْمَسْجِدِ شَهْرًا .
فَلَهُ كَذَا .
أَوْ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ مَدِينِي ) أَيْ : مِمَّنْ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ ( فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ كَذَا ) ؛ لِأَنَّ الْجِعَالَةَ جَائِزَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا فَلَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَلْزَمَهُ مَجْهُولٌ ، وَالْجِعَالَةُ نَوْعُ إجَارَةٍ لِوُقُوعِ الْعِوَضِ فِي نَظِيرِ النَّفْعِ ، وَتَتَمَيَّزُ بِكَوْنِ الْعَامِلِ لَمْ يَلْتَزِمْ الْعَمَلَ ، وَكَوْنِ الْعَقْدِ قَدْ يَقَعُ مُبْهَمًا لَا مَعَ مُعَيَّنٍ ، وَبِجَوَازِ الْجَمْعِ فِيهَا بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ .
وَصَحَّ مَا ذَكَرَ مَعَ كَوْنِهِ تَعْلِيقًا .
لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ .
لَا تَعْلِيقَ مَحْضٍ وَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ فِي الْجُعْلِ أَنْ يَكُونَ
مَعْلُومًا إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ حَرْبِيٍّ .
لِأَنَّهُ يَسْتَقِرُّ بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالْأُجْرَةِ ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ فِي قَوْلِهِ : مَنْ أَقْرَضَنِي زِيدَ بِجَاهِهِ أَلْفًا .
لِأَنَّ الْجُعْلَ فِي مُقَابَلَةِ مَا بَذَلَهُ مِنْ جَاهِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ لَهُ بِالْقَرْضِ ، وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الْعَمَلِ لِلْجَاعِلِ احْتِرَازٌ عَمَّنْ رَكِبَ دَابَّتَهُ وَنَحْوَهُ فَلَهُ كَذَا .
فَلَا يَصِحُّ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ لَهُ الْأَمْرَانِ ( فَمَنْ بَلَغَهُ ) الْجُعْلُ ( قَبْلَ فِعْلِهِ ) أَيْ : الْعَمَلِ الْمَجْعُولِ لَهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعِوَضُ ( اسْتَحَقَّهُ ) أَيْ الْجُعْلَ ( بِهِ ) أَيْ : الْعَمَلِ بَعْدَهُ لِاسْتِقْرَارِهِ بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَالرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ .
فَإِنْ تَلِفَ فَلَهُ مِثْلُ مِثْلِهِ وَقِيمَةُ غَيْرِهِ ، وَلَا يَحْبِسُ الْعَامِلُ الْعَيْنَ حَتَّى يَأْخُذَهُ ( وَ ) مَنْ بَلَغَهُ الْجَعْلُ ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ : الْعَمَلِ ( فَ ) لَهُ مِنْ الْجُعْلِ ( حِصَّةُ تَمَامِهِ ) أَيْ : بِقِسْطِ مَا عَمِلَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ ( إنْ أَتَمَّهُ بِنِيَّةِ الْجُعْلِ ) ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ .
فَلَا يَسْتَحِقُّ عَنْهُ عِوَضًا لِتَبَرُّعِهِ بِهِ .
( وَ ) مَنْ بَلَغَهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ تَمَامِ الْعَمَلِ ( لَمْ يَسْتَحِقَّهُ ) أَيْ : الْجُعْلَ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ لِمَا سَبَقَ ( وَحُرِّمَ ) عَلَيْهِ ( أَخْذُهُ ) إلَّا إنْ تَبَرَّعَ لَهُ بِهِ رَبُّهُ بَعْدَ إعْلَامِهِ بِالْحَالِ ، وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْعَمَلِ اشْتَرَكُوا فِي الْجَعْلِ بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ هَذَا النَّقْبَ فَلَهُ دِينَارٌ .
فَكُلُّ مَنْ دَخَلَهُ اسْتَحَقَّ دِينَارًا لِدُخُولِهِ كَامِلَا .
بِخِلَافِ نَحْوِ رَدِّ لُقَطَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَامِلًا .
كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ نَقَبَ السُّوَرَ فَلَهُ دِينَارٌ فَنَقَبَهُ ثَلَاثَةٌ اشْتَرَكُوا فِي الدِّينَارِ ، وَإِنْ نَقَبَ كُلُّ وَاحِدٍ نَقْبًا اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِينَارًا ، وَإِنْ جَعَلَ لِزَيْدٍ عَلَى رَدِّ آبِقِهِ دِينَارًا ، وَلِعَمْرٍو عَلَى رَدِّهِ دِينَارَيْنِ ، وَلِبَكْرٍ ثَلَاثَةً .
فَرَدُّوهُ فَلِكُلٍّ ثُلُثُ مَا جُعِلَ لَهُ ، وَإِنْ جَعَلَ لِزَيْدٍ
عَلَى رَدِّهِ مَعْلُومًا وَلِآخَرَيْنِ مَجْهُولًا وَرَدُّوهُ فَلِزَيْدٍ ثُلُثُ مَا جَعَلَ لَهُ ، وَلِلْآخَرَيْنِ أُجْرَةُ عَمَلِهِمَا ، وَإِنْ جَعَلَ لِزَيْدٍ عَلَى رَدِّهِ مَعْلُومًا فَرَدَّهُ هُوَ وَآخَرَانِ مَعَهُ .
فَإِنْ قَصَدَا إعَانَةَ زَيْدٍ اسْتَحَقَّ زَيْدٌ الْجُعْلَ كُلَّهُ ، فَإِنْ عَمِلَ غَيْرُهُ بِقَصْدِ الْجُعْلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ ، وَلِزَيْدٍ ثُلُثُ جُعْلِهِ ، وَإِنْ قَالَ : مَنْ دَاوَى لِي هَذَا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ جُرْحِهِ أَوْ رَمَدِهِ فَلَهُ كَذَا .
لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقًا
( وَ ) إنْ قَالَ رَبُّ آبِقٍ ( مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا وَهُوَ ) أَيْ : الْمُسَمَّى ( أَقَلُّ مِنْ دِينَارٍ أَوْ ) أَقَلُّ ( مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ) فِضَّةً ( اللَّذَيْنِ قَدَّرَهُمَا الشَّارِعُ ) فِي رَدِّ الْآبِقِ ( فَقِيلَ : يَصِحُّ ) ذَلِكَ ( وَلَهُ ) أَيْ : الرَّادُّ ( بِرَدِّهِ ) أَيْ : الْآبِقِ ( الْجُعْلُ فَقَطْ ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ رَدَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ ( وَقِيلَ : لَا ) تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ ( وَلِلرَّادِّ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ ) قَطَعَ بِهِ الْحَارِثِيُّ .
وَفِي الْمُبْدِعِ وَالْإِقْنَاعِ : لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ كَامِلًا بِوُجُودِ سَبَبِهِ .
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَ فِي رَدِّ الْآبِقِ دِينَارًا أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ كَانَ يُسَاوِيهِمَا أَوْ لَا لِئَلَّا يَلْتَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَشْتَغِلَ بِالْفَسَادِ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ مُرْسَلًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي رَدِّ الْآبِقِ إذَا جَاءَ بِهِ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ دِينَارًا } وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ : سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ جُعْلِ الْآبِقِ ، فَقَالَ : لَا أَدْرِي .
قَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ .
لَمْ يَكُنْ عِنْدِي فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
( وَيَسْتَحِقُّ مَنْ ) سُمِّيَ لَهُ جُعْلٌ عَلَى رَدِّ آبِقٍ وَ ( رَدَّهُ مِنْ دُونِ ) مَسَافَةٍ ( مُعَيَّنَةِ الْقِسْطَ ) مِنْ الْمُسَمَّى .
فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ مِنْهُ نِصْفَ الْمَسَافَةِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمُسَمَّى .
وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَبِحِسَابِهِ .
( وَ ) إنْ رَدَّهُ ( مِنْ أَبْعَدَ ) مِنْ الْمُسَمَّى .
( فَلَهُ الْمُسَمَّى فَقَطْ ) لِتَبَرُّعِهِ بِالزَّائِدِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِ ( وَ ) يَسْتَحِقُّ ( مَنْ رَدَّ أَحَدَ آبِقَيْنِ ) جُعِلَ عَلَى رَدِّهِمَا ( نِصْفَهُ ) أَيْ : الْجُعْلِ عَنْ رَدِّهِمَا .
لِأَنَّهُ رَدَّ نِصْفَهُمَا وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْجِعَالَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ .
( وَبَعْدَ شُرُوعِ عَامِلٍ ) فِي عَمَلٍ ( إنْ فَسَخَ جَاعِلٌ فَعَلَيْهِ ) لِعَامِلٍ ( أُجْرَةٌ ) مِثْلُ ( عَمَلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ لِمَا يَعْمَلُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ .
( وَإِنْ فَسَخَ عَامِلٌ ) قَبْلَ تَمَامِ عَمَلِهِ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) لِإِسْقَاطِهِ حَقَّ نَفْسِهِ ، حَيْثُ لَمْ يُوفِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ زَادَ جَاعِلٌ فِي جُعْلٍ أَوْ نَقَصَ مِنْهُ قَبْلَ شُرُوعٍ فِي عَمَلٍ جَازَ وَعَمِلَ بِهِ .
لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ كَالْمُضَارَبَةِ
( وَيَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ ) فِي جِعَالَةٍ كَمَنْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ فِي يَوْمٍ فَلَهُ كَذَا ، لِجَوَازِهَا مَعَ جَهَالَةِ الْمُدَّةِ ، وَالْعَمَلِ لِلْحَاجَةِ ، وَإِنْ نَادَى غَيْرُ رَبِّ الضَّالَّةِ : مَنْ رَدَّ ضَالَّةَ فُلَانٍ فَلَهُ كَذَا فَرُدَّتْ فَالْعِوَضُ عَلَى الْمُنَادِي .
لِأَنَّهُ ضَمِنَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَالَ رَبُّهَا : مَنْ رَدَّهَا فَلَهُ كَذَا
( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : الْجَاعِلُ وَالْعَامِلُ ( فِي أَصْلِ جُعْلٍ فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُ مَنْ يَنْفِيهِ ) مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، ( وَ ) إنْ اخْتَلَفَا ( فِي قَدْرِهِ ) أَيْ : الْجُعْلِ ( أَوْ ) فِي قَدْرِ ( مَسَافَتِهِ ) بِأَنْ قَالَ : جَاعِلٌ جَعَلْتُهُ لِمَنْ رَدَّهُ مِنْ بَرِيدَيْنِ .
وَقَالَ عَامِلٌ : بَلْ مِنْ بَرِيدٍ ( فَقَوْلُ جَاعِلٍ ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِمَّا لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ .
وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ
( وَإِنْ عَمِلَ ) شَخْصٌ ( وَلَوْ الْمُعَدُّ لِأَخْذِ أُجْرَةٍ ) عَلَى عَمَلِهِ ( لِغَيْرِهِ عَمَلًا بِلَا إذْنٍ .
أَوْ ) بِلَا ( جُعْلٍ ) مِمَّنْ عَمِلَ لَهُ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) لِتَبَرُّعِهِ بِعَمَلِهِ حَيْثُ بَذَلَهُ بِلَا عِوَضٍ وَلِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ ، وَلَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسُهُ
( إلَّا فِي تَخْلِيصِ مَتَاعِ غَيْرِهِ .
وَلَوْ ) كَانَ الْمَتَاعُ ( قِنًّا مِنْ بَحْرٍ ) أَوْ فَمِ سَبُعٍ ( أَوْ فَلَاةٍ ) يُظَنُّ هَلَاكُهُ فِي تَرْكِهِ ( فَ ) لَهُ ( أُجْرَةُ مِثْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَخْشَى هَلَاكَهُ وَتَلَفَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ .
وَفِيهِ حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْهَلَكَةِ
( وَ ) إلَّا فِي ( رَدِّ آبِقٍ مِنْ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ إنْ لَمْ يَكُنْ ) الرَّادُّ ( الْإِمَامُ فَ ) لِرَادِّهِ ( مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ ) ، سَوَاءٌ رَدَّهُ مِنْ الْمِصْرِ أَوْ خَارِجِهِ ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ ، وَلَوْ كَانَ الرَّادُّ زَوْجًا لِلرَّقِيقِ أَوْ ذَا رَحِمٍ فِي عِيَالِ الْمَالِكِ وَتَقَدَّمَ لِلْحَثِّ عَلَى حِفْظِهِ عَلَى سَيِّدِهِ وَصِيَانَتِهِ عَمَّا يَخَافُ مِنْهُ مِنْ لِحَاقِهِ بِدَارِ حَرْبٍ وَالسَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ وَالْمَتَاعِ ( مَا لَمْ يَمُتْ سَيِّدُ مُدَبَّرٍ ) خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ( أَوْ أُمُّ وَلَدٍ قَبْلَ وُصُولٍ .
فَيُعْتَقَا وَلَا شَيْءَ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَتِمَّ إذْ الْعَتِيقُ لَا يُسَمَّى آبِقًا ( أَوْ يَهْرُبُ ) الْآبِقُ مِنْ آخِذِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا .
وَكَذَا لَوْ جُعِلَ لَهُ عَلَى رَدِّ الْآبِقِ جُعْلٌ فَهَرَبَ مِنْهُ وَنَحْوُهُ أَوْ مَاتَ بِيَدِهِ .
فَلَا شَيْءَ لَهُ كَسَائِرِ مَنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ ( وَيَأْخُذُ ) وَاجِدُهُ ( مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَابَّةٍ ) يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا ( فِي قُوتٍ وَلَوْ هَرَبَ ) أَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ جُعْلًا لِرَدِّهِ ( مِنْ غَيْرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ أَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ مَالِكًا مَعَ قُدْرَتِهِ ) عَلَى اسْتِئْذَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا .
وَلَا يَجُوزُ اسْتِخْدَامُهُ بِنَفَقَتِهِ كَالْمَرْهُونِ ( وَيُؤْخَذَانِ ) أَيْ : الْجُعْلُ وَالنَّفَقَةُ ( مِنْ تَرِكَةِ ) سَيِّدٍ ( مَيِّتٍ ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ ( مَا لَمْ يَنْوِ ) الرَّادُّ ( التَّبَرُّعَ ) بِالْفِعْلِ وَالنَّفَقَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ
( وَلَهُ ذَبْحُ مَأْكُولٍ خِيفَ مَوْتُهُ وَلَا يَضْمَنُ مَا نَقَصَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي مَالِ الْغَيْرِ مَتَى كَانَ إنْقَاذًا لَهُ مِنْ التَّلَفِ الْمُشْرِفِ عَلَيْهِ كَانَ جَائِزًا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ إنْ حَصَلَ بِهِ النَّقْصُ .
وَمَنْ وَجَدَ فَرَسًا لِغَيْرِهِ مَعَ الْبَدْوِ فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ فَلَهُ بَيْعُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِرَبِّهِ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ عَنْ الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ
( وَمَنْ وَجَدَ آبِقًا أَخَذَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ لِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَارْتِدَادُهُ وَاشْتِغَالُهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الضَّوَالِّ الَّتِي تَحْفَظُ نَفْسَهَا ( وَهُوَ أَمَانَةٌ ) عِنْدَ آخِذِهِ إنْ تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ لَا ضَمَانَ فِيهِ .
وَلَيْسَ لِوَاجِدِهِ بَيْعُهُ وَلَا يَمْلِكُهُ بِتَعْرِيفِهِ لِأَنَّهُ يَتَحَفَّظُ بِنَفْسِهِ كَضَوَالِّ الْإِبِلِ .
( وَمَنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ : الْآبِقَ أَيْ : أَنَّهُ مِلْكُهُ بِلَا بَيِّنَةٍ ( فَصَدَّقَهُ الْآبِقُ ) الْمُكَلَّفُ ( أَخَذَهُ ) مِنْ وَاجِدِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِوَصْفِهِ فَبِتَصْدِيقِهِ أَوْلَى
( وَلِنَائِبِ إمَامٍ ) عِنْدَهُ آبِقٌ ( بَيْعُهُ لِمَصْلَحَةٍ ) لِانْتِصَابِهِ لِذَلِكَ ( فَلَوْ قَالَ ) سَيِّدُهُ ( كُنْتُ أَعْتَقْتُهُ ) قَبْلَ بَيْعِهِ ( عَمِلَ بِهِ ) أَيْ : بِقَوْلِهِ هَذَا وَيَلْغُو الْبَيْعَ لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ بِهِ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يُنَافِيهِ .
بَابُ اللُّقَطَةِ مُحَرَّكَةً وَكَحُزْمَةٍ وَهُمَزَةٍ وَثُمَامَةٍ مَا اُلْتُقِطَ .
قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَقَوْلُهُ مُحَرَّكَةً أَيْ : مَفْتُوحَةَ اللَّامِ وَالْقَافِ ، وَعُرْفًا ( مَالٌ ) كَنَقْدٍ وَمَتَاعٍ ( أَوْ مُخْتَصٌّ ) كَخَمْرِ خِلَالٍ ( ضَاعَ ) كَسَاقِطٍ بِلَا عِلْمٍ ( أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ ) أَيْ الضَّائِعِ كَمَتْرُوكٍ قَصْدًا لِمَعْنًى يَقْتَضِيهِ ، وَمَدْفُونٍ مَنْسِيٍّ ( لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ ) فَإِنْ كَانَ لِحَرْبِيٍّ فَلِآخِذِهِ ، كَمَا لَوْ ضَلَّ الْحَرْبِيُّ الطَّرِيقَ فَلِآخِذِهِ هُوَ وَمَا مَعَهُ .
وَالْأَصْلُ فِي الِالْتِقَاطِ : حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ؟ فَقَالَ : اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً ، فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَكَ ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَادْفَعْهَا إلَيْهِ ، وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ ؟ فَقَالَ مَا لَكَ وَمَا لَهَا ؟ فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ : خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ " مَعَهَا حِذَاءَهَا " أَيْ : خُفَّهَا لِأَنَّهُ لِقُوَّتِهِ وَصَلَابَتِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْحِذَاءِ " وَسِقَاءَهَا " بَطْنَهَا تَأْخُذُ فِيهِ كَثِيرًا فَيَبْقَى مَعَهَا يَمْنَعُهَا الْعَطَشَ .
وَيَشْتَمِلُ الِالْتِقَاطُ عَلَى اكْتِسَابٍ وَائْتِمَانٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُغَلَّبِ مِنْهُمَا وَصَحَّحَ الْحَارِثِيُّ أَنَّهُ الِائْتِمَانُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ الشَّيْءِ إلَى أَهْلِهِ ، وَلِأَجْلِهِ شُرِعَ الْحِفْظُ وَالتَّعْرِيفُ أَوَّلًا وَالتَّمَلُّكُ آخِرًا عِنْدَ ضَعْفِ رَجَاءِ الْمَالِكِ
( وَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ ) فِي نَحْوِ حَمَّامٍ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ مَدَاسٍ وَنَحْوَهُ ( وَتُرِكَ ) بِبِنَاءِ الْفِعْلَيْنِ لِلْمَجْهُولِ ( بَدَلُهُ فِي ) الْمَتْرُوكِ ( كَلُقَطَةٍ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ سَارِقَ الثِّيَابِ لَمْ يَجْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهَا مُعَاوَضَةٌ وَقِيلَ : لَا تَعْرِيفَ مَعَ دَلَالَةِ قَرِينَةٍ عَلَى الرِّقَّةِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ ( وَيَأْخُذُ ) الْمَأْخُوذُ مَتَاعَهُ ( حَقَّهُ مِنْهُ ) أَيْ الْمَتْرُوكِ بَدَلَ مَتَاعِهِ ( بَعْدَ تَعْرِيفِهِ ) بِلَا رَفْعٍ لِحَاكِمٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمَسْرُوقِ ثِيَابُهُ بِحُصُولِ عِوَضِهَا ، وَنَفْعٌ لِلْآخِذِ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُ وَحِفْظِ هَذِهِ الثِّيَابِ عَنْ الضَّيَاعِ ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ تَصَدَّقَ بِهِ .
( وَهِيَ ) أَيْ : اللُّقَطَةُ ( ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ : الْأَوَّلُ ( مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ ) أَيْ : لَا يَهْتَمُّونَ فِي طَلَبِهِ ( كَسَوْطٍ وَشِسْعٍ ) بِتَقْدِيمِ الْمُعْجَمَةِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ ( وَرَغِيفٍ ) وَثَمَرَةٍ وَكُلِّ مَا لَا خَطَرَ لَهُ ( فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ ) وَيُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ نَصًّا لِحَدِيثِ جَابِرٍ { رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِصِيِّ وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ ) لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحَاتِ ( وَلَا ) يَلْزَمُهُ ( بَدَلُهُ إنْ وَجَدَ رَبَّهُ ) الَّذِي سَقَطَ مِنْهُ لِمِلْكِ مُلْتَقِطِهِ لَهُ بِأَخْذِهِ .
وَظَاهِرُهُ إنْ بَقِيَ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ لِرَبِّهِ كَمَا فِي الْإِقْنَاعِ ( وَكَذَا لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ ) كَمُقْلِشٍ ( قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً ) مِنْ فِضَّةٍ فَيَمْلِكُهَا بِأَخْذِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا وَلَا بَدَلُهَا إنْ وَجَدَ رَبَّهَا ( وَلَوْ كَثُرَتْ ) بِضَمِّهَا لِأَنَّ وُجُودَهَا مُتَفَرِّقَةً يَدُلُّ عَلَى تَعْدَادِ أَرْبَابِهَا ( وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً ) لَا عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا ( بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ لِانْقِطَاعِهَا ) بِعَجْزِهَا عَنْ مَشْيٍ ( أَوْ عَجْزِهِ ) أَيْ : مَالِكِهَا ( عَنْ عَلَفِهَا ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَعْلِفُهَا فَتَرَكَهَا ( مَلَكَهَا آخِذُهَا ) لِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ مَرْفُوعًا { مَنْ وَجَدَ دَابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا فَسَيَّبُوهَا فَأَخَذَهَا فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ } قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : فَقُلْتُ يَعْنِي لِلشَّعْبِيِّ " مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا ؟ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَفِي الْقَوْلِ يَمْلِكُهَا إحْيَاؤُهَا وَإِنْقَاذُهَا وَلِأَنَّهَا تُرِكَتْ رَغْبَةً عَنْهَا .
أَشْبَهَ سَائِرَ مَا يُتْرَكُ رَغْبَةً عَنْهُ ( وَكَذَا مَا يُلْقَى ) مِنْ سَفِينَةٍ ( خَوْفَ غَرَقٍ )
فَيَمْلِكُهُ آخِذُهُ لِإِلْقَاءِ صَاحِبِهِ لَهُ اخْتِيَارًا فِيمَا يَتْلَفُ بِتَرْكِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ رَغْبَةً عَنْهُ .
الْقِسْمُ ( الثَّانِي : الضَّوَالُّ ) جَمْعُ ضَالَّةٍ اسْمٌ لِلْحَيَوَانِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَةِ وَيُقَالُ لَهَا : الَهَوَامِي وَالْهَوَافِي وَالْهَوَامِلُ ( الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ ) كَذِئْبٍ وَابْنِ آوَى وَأَسَدٍ صَغِيرٍ وَامْتِنَاعِهَا إمَّا لِكِبَرِ جُثَّتِهَا ( كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ ) أَهْلِيَّةٍ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ فِيهَا ( وَ ) إمَّا لِسُرْعَةِ عَدْوِهَا كَ ( ظِبَاءٍ وَ ) إمَّا بِطَيَرَانِهَا كَ ( طَيْرٍ وَ ) إمَّا بِنَابِهَا كَ ( فَهْدٍ وَنَحْوِهَا ) كَنَعَامَةٍ وَفِيلٍ وَزَرَافَةٍ وَقِرْدٍ وَهِرٍّ وَقِنٍّ كَبِيرٍ ، ( فَغَيْرُ ) الْقِنِّ ( الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا } " وَلِحَدِيثِ { لَا يُؤْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ( وَلَا يُمْلَكُ ) مَا حَرُمَ الْتِقَاطُهُ ( بِتَعْرِيفٍ ) لِعُدْوَانِهِ لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ وَالشَّارِعِ فِيهِ .
أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ، وَسَوَاءٌ كَانَ بِزَمَنِ الْأَمْنِ أَوْ الْفَسَادِ وَالْإِمَامُ غَيْرُهُ ( وَلِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ أَخْذُهُ لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ ) لَا عَلَى أَنَّهُ لُقَطَةٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ .
وَفِي أَخْذِهِ لَهَا لِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِرَبِّهَا لِصِيَانَتِهَا ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ : الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ ( تَعْرِيفُهُ ) أَيْ : مَا أَخَذَهُ مِنْهَا لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ يُعَرِّفْ الضَّوَالَّ ، وَلِأَنَّ رَبَّهَا يَجِيءُ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ فَإِذَا عَرَفَهَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَأَخَذَهَا ( وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ) أَيْ : الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الضَّوَالِّ لِحِفْظِهِ ( بِوَصْفٍ ) فَلَا يَكْفِي فِي الضَّالَّةِ ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ حِينَ كَانَتْ بِيَدِ رَبِّهَا ، فَلَا
يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتِهَا ، وَتَمَكُّنِهِ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ .
وَيَشْهَدُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الضَّوَالِّ وَيُسَمِّهَا .
ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى تَرَكَهَا تَرْعَى فِيهِ ، وَإِنْ رَأَى مَصْلَحَةً فِي بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا ، وَحِفْظُ ثَمَنِهَا لِرَبِّهَا وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِيَحْفَظَهَا لِرَبِّهَا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ ( وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ صَيُودٍ مُتَوَحِّشَةٍ لَوْ تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ عَجْزِ رَبِّهَا ) عَنْهَا ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا إذَنْ أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِمَالِكِهَا لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا ( وَلَا يَمْلِكُهَا ) آخِذُهَا ( بِالتَّعْرِيفِ ) لِأَنَّهُ يَحْفَظُهَا لِرَبِّهَا فَهُوَ كَالْوَدِيعِ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ الْتِقَاطُ ( أَحْجَارِ طَوَاحِينَ وَقُدُورٍ ضَخْمَةٍ وَأَخْشَابٍ كَبِيرَةٍ ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يَتَحَفَّظُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهَا لَا تَكَادُ تَضِيعُ عَنْ صَاحِبِهَا وَلَا تَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهَا فَهِيَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهَا مِنْ الضَّوَالِّ لِتَعَرُّضِهَا فِي الْجُمْلَةِ لِلتَّلَفِ إمَّا بِسُبُعٍ أَوْ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ هَذَا ( وَمَا حُرِّمَ الْتِقَاطُهُ ) إنْ أَخَذَهُ ( ضَمِنَهُ آخِذُهُ إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ كَغَاصِبٍ ) لِعَدَمِ إذْنِ الشَّارِعِ فِيهِ وَ ( لَا ) يَضْمَنُ ( كَلْبًا ) مَعَ تَحْرِيمِ الْتِقَاطِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ( وَمَنْ ) الْتَقَطَ مَا لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ وَ ( كَتَمَهُ ) عَنْ رَبِّهِ ثُمَّ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ( فَتَلِفَ ف ) عَلَيْهِ ( قِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ ) لِرَبِّهِ نَصًّا .
لِحَدِيثِ { فِي الضَّالَّةِ الْمَكْتُومَةِ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا } قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي التَّنْبِيهِ : وَهَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُرَدُّ ( وَيَزُولُ ضَمَانُهُ ) أَيْ الْمُحَرَّمِ الْتِقَاطُهُ ( بِدَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ) ؛
لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي مَالِ الْغَائِبِ ( أَوْ رَدَّهُ ) أَيْ : الْمَأْخُوذِ مِنْ ذَلِكَ ( إلَى مَكَانِهِ ) الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ( بِأَمْرِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ لِرَجُلٍ وَجَدَ بَعِيرًا " أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِأَنَّ أَمْرَهُ بِرَدِّهِ كَأَخْذِهِ مِنْهُ .
فَإِنْ رَدَّهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ كَالْمَسْرُوقِ وَالْمَغْصُوبِ .
الْقِسْمُ ( الثَّالِث : مَا عَدَاهُمَا ) أَيْ : الْقِسْمَيْنِ السَّابِقَيْنِ ( مِنْ ثَمَنٍ ) أَيْ : نَقْدٍ ( وَمَتَاعٍ ) كَثِيَابٍ وَكُتُبٍ وَفُرُشٍ وَأَوَانٍ وَآلَاتِ حَرْثٍ وَنَحْوِهَا ( وَغَنَمٍ وَفُصْلَانِ ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا جَمْعُ فَصِيلٍ وَلَدُ النَّاقَةِ إذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ ( وَعَجَاجِيلَ ) جَمْعُ عِجْلٍ وَلَدُ الْبَقَرَةِ ( وَأَفْلَاءٍ ) بِالْمَدِّ جَمْعُ فِلْوٍ ، بِوَزْنِ سِحْرٍ وَجَرْوٍ وَعَدُوٍّ وَسُمُوٍّ .
وَهُوَ الْجَحْشُ وَالْمُهْرُ إذَا فُطِمَا أَوْ بَلَغَا السَّنَةَ .
قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ( وَقِنٍّ صَغِيرٍ ) وَمَرِيضٍ مِنْ كِبَارِ إبِلٍ وَنَحْوِهَا كَالصَّغِيرِ ( وَنَحْوِ ذَلِكَ ) كَخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَنَحْوِهِ وَزِقِّ دُهْنٍ أَوْ عَسَلٍ وَغِرَارَةِ نَحْوِ بُرٍّ ( فَيُحَرَّمُ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةِ مِمَّا ذَكَرَ ( أَخْذُهَا ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِهَا عَلَى رَبِّهَا كَإِتْلَافِهَا وَكَمَا لَوْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فِي الْحَالِ أَوْ كِتْمَانَهَا ( وَيَضْمَنُهَا بِهِ ) أَيْ : بِأَخْذِهَا مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا إنْ تَلِفَتْ ، فَرَّطَ أَوْ لَا ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ .
أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ( وَلَمْ يَمْلِكْهَا ) مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ( وَلَوْ عَرَّفَهَا ) لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُحَرِّمَ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ كَالسَّرِقَةِ ، وَالْخَبَرُ مَخْصُوصٌ ( وَإِنْ أَمِنَ ) الْمُلْتَقِطُ ( نَفْسَهُ ) عَلَيْهَا ( وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا ) لِلْخَبَرِ فِي النَّقْدَيْنِ وَالشَّاةِ ، وَقِيسَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ، وَسَوَاءٌ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ .
فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَعْرِيفِهَا فَلَيْسَ لَهُ
أَخْذُهَا ، ، وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ ثُمَّ طَرَأَ قَصْدُ الْخِيَانَةِ فَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ لَا يَضْمَنُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَارِثِيُّ ( وَالْأَفْضَلُ ) لِمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا ( تَرْكُهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةِ .
فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا .
رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ( وَلَوْ ) وَجَدَهَا ( بِمَضْيَعَةٍ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ لِأَكْلِ الْحَرَامِ وَتَضْيِيعِ الْأَمَانَةِ فِيهَا ( وَمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ فَرَّطَ ) فِيهَا فَتَلِفَتْ ( ضَمِنَهَا ) لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ حِفْظُهَا كَسَائِرِ الْأَمَانَاتِ .
وَتَرْكُهَا وَالتَّفْرِيطُ فِيهَا تَضْيِيعٌ لَهَا ( إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِرَدِّهَا ) إلَى مَوْضِعِهَا فَيَبْرَأُ بِهِ .
وَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ نَظَرًا فِي الْمَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَالِكُهُ .
فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْهُ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْهَا
( فَصْلٌ وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ ) وَهُوَ الْقِسْمُ الثَّالِث ( ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ ) أَحَدُهَا ( حَيَوَانٌ ) مَأْكُولٌ كَفَصِيلٍ وَشَاةٍ وَدَجَاجَةٍ ( فَيَلْزَمُهُ ) أَيْ : الْمُلْتَقِطَ ( فِعْلُ الْأَصْلَحِ ) لِمَالِكِهِ ( مِنْ ) ثَلَاثَةِ أُمُورٍ ( أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ ) فِي الْحَالِ لِحَدِيثِ { هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ } فَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذِّئْبِ وَهُوَ لَا يَسْتَأْنِي بِأَكْلِهَا .
وَلِأَنَّ فِيهِ إغْنَاءً عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَحِرَاسَةً لِمَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ إذَا جَاءَ .
وَإِذَا أَرَادَ أَكْلَهُ حَفِظَ صِفَتَهُ فَمَتَى جَاءَ رَبُّهُ فَوَصَفَهُ غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهُ ( أَوْ بَيْعَهُ ) أَيْ : الْحَيَوَانِ ( وَحِفْظِ ثَمَنِهِ ) وَلَوْ بِلَا إذْنِ إمَامٍ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَكْلُهُ بِلَا إذْنٍ فَبَيْعُهُ أَوْلَى ( تَتِمَّةٌ ) فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ : كُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْحَيَوَانِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا أَوْ بَيْعِ الْبَعْضِ فِي مُؤْنَةِ مَا يَبْقَى أَوْ أَنْ يَسْتَقْرِضَ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ يُؤَجِّرَهُ فِي الْمُؤْنَةِ فَعَلَ ( أَوْ حِفْظِهِ وَيُنْفِقُ ) مُلْتَقِطٌ ( عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ) لِيَحْفَظَهُ لِمَالِكِهِ فَإِنْ تَرَكَهُ بِلَا إنْفَاقٍ عَلَيْهِ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ لِتَفْرِيطِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ : الْمُلْتَقِطِ ( الرُّجُوعُ ) عَلَى رَبِّهِ إنْ وَجَدَهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ( بِنِيَّتِهِ ) أَيْ : الرُّجُوعِ نَصًّا .
لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِحِفْظِهِ فَكَانَ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ كَمُؤْنَةِ تَجْفِيفِ عِنَبٍ وَرُطَبٍ ( فَإِنْ اسْتَوَتْ ) الْأُمُورُ ( الثَّلَاثَةُ ) فِي نَظَرِ مُلْتَقِطٍ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّ أَحَدَهَا أَحَظُّ ( خُيِّرَ ) بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ ، الضَّرْبُ ( الثَّانِي : مَا يُخْشَى فَسَادُهُ ) بِإِبْقَائِهِ كَخَضْرَاوَاتٍ وَنَحْوِهَا ( فَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطَ ( فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ ) بِقِيمَتِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ بِلَا إذْنِ حَاكِمٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ ) قِيَاسًا لَهُ عَلَى الشَّاةِ
وَلِحِفْظِ مَالِيَّتِهِ عَلَى رَبِّهِ ( أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ ) كَعِنَبٍ وَرُطَبٍ .
لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ بِيَدِهِ فَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَحَظِّ فِيهِ .
فَإِنْ احْتَاجَ فِي تَجْفِيفِهِ إلَى مُؤْنَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِيهِ ( فَإِنْ اسْتَوَتْ ) الثَّلَاثَةُ ( خُيِّرَ ) مُلْتَقِطٌ بَيْنَهَا فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى تَلِفَ ضَمِنَهُ .
الضَّرْبُ ( الثَّالِث : بَاقِي الْمَالِ ) الْمُبَاحِ الْتِقَاطُهُ مِنْ أَثْمَانٍ وَمَتَاعٍ وَنَحْوِهِمَا ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ : الْمُلْتَقِطَ ( حِفْظُ الْجَمِيعِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَمَانَةً بِيَدِهِ بِالْتِقَاطِهِ .
( وَ ) يَلْزَمُهُ ( تَعْرِيفُهُ ) أَيْ : الْجَمِيعِ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكًا أَوْ حِفْظًا لِرَبِّهِ .
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ وَ لَمْ يُفَرِّقْ } ، وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِرَبِّهَا إنَّمَا يُفِيدُ بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَطَرِيقَةِ التَّعْرِيفِ ( فَوْرًا ) لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ .
وَلِأَنَّ صَاحِبَهَا يَطْلُبُهَا عَقِبَ ضَيَاعِهَا ( نَهَارًا ) ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ ( أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ ) قَبْلَ اشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَاشِهِمْ ( أُسْبُوعًا ) أَيْ : سَبْعَةَ أَيَّامٍ .
لِأَنَّ الطَّلَبَ فِيهَا أَكْثَرُ ( ثُمَّ ) يُعَرِّفُهَا ( عَادَةً ) أَيْ : كَعَادَةِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ .
وَقِيلَ يُعَرِّفُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ أُسْبُوعًا فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً شَهْرًا ثُمَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( حَوْلًا مِنْ الْتِقَاطِهِ ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ .
لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ .
فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِعَامٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ السَّنَةَ لَا تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِلُ وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلَادُ مِنْ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالِاعْتِدَالِ كَمُدَّةِ الْعِنِّينِ ( بِأَنْ يُنَادِي : مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ ) وَلَا يَصِفُهَا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مَنْ سَمِعَ صِفَاتِهَا فَتَضِيعُ عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ وَصَفَهَا فَأَخَذَهَا غَيْرُ رَبِّهَا ضَمِنِهَا مُلْتَقِطٌ كَوَدِيعٍ دَلَّ لِصًّا عَلَى وَدِيعَةٍ ( فِي الْأَسْوَاقِ ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ النَّاسِ ، ( وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ ) أَوْقَاتَ الصَّلَوَاتِ .
؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إشَاعَةُ ذِكْرِهَا ، وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوْضِعِ وِجْدَانِهَا ، وَالْوَقْتِ الَّذِي يَلِي الْتِقَاطَهَا .
وَإِنْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ عَرَّفَهَا فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا ( وَكُرِهَ ) تَعْرِيفُهَا ( دَاخِلَهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ
إلَيْكَ ، فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا } وَلِمُلْتَقِطٍ تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ ( ، وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقَطٍ ) نَصًّا .
لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْعَمَلِ ، وَالتَّعْرِيفُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ ( وَيُنْتَفَعُ بِمُبَاحٍ مِنْ كِلَابٍ وَلَا تُعَرَّفُ ) وَظَاهِرُهُ : جَوَازُ الْتِقَاطِهَا .
وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ : وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي الْمَنْعِ .
وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَمْنُوعِ ، وَفِي أَخْذِهِ حِفْظٌ عَلَى مُسْتَحَقِّهِ .
أَشْبَهَ الْأَثْمَانَ وَأَوْلَى مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مَالًا فَهُوَ أَخَفُّ .
وَأَدْخَلَهُ الْمُوَفَّقُ فِيمَا يُمْتَنَعُ الْتِقَاطُهُ اعْتِبَارًا بِمَنَعَتِهِ بِنَابِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَبَقَ ( وَإِنْ أَخَّرَهُ ) أَيْ : التَّعْرِيفَ فِيهِ ( الْحَوْلَ ) كُلَّهُ ( أَوْ ) أَخَّرَهُ ( بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ ( وَلَمْ يَمْلِكْهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( بِهِ ) أَيْ : التَّعْرِيفِ ( بَعْدَ ) الْحَوْلِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْمِلْكِ التَّعْرِيفُ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَرَبُّهَا بَعْدَهُ يَسْلُوهَا وَيَتْرُكُ طَلَبَهَا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ غَالِبًا .
وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ التَّعْرِيفُ فِيهِ لِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ نَصًّا ، وَإِنْ تَرَكَهُ بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَ فِي بَقِيَّتِهِ فَقَطْ .
فَإِنْ كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَحَبْسٍ مَلَكَهَا بِتَعْرِيفِهَا حَوْلًا بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ .
هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِهِ تَبَعًا لِلتَّنْقِيحِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ .
وَالثَّانِي لَا يَمْلِكُهَا لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّعْرِيفُ فِي الْحَوْلِ سَوَاءٌ أَهْمَلَهُ لِعُذْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ ( كَالْتِقَاطِهِ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ ) بِلَا تَعْرِيفٍ ( وَلَمْ يُرِدْ ) بِهِ ( تَعْرِيفًا ) وَلَا تَمَلُّكًا لِلُقَطَةٍ فَلَا يَمْلِكُهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا .
لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لَهُ
أَخْذُهُ .
أَشْبَهَ الْغَاصِبَ ( وَلَيْسَ خَوْفُهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطِ ( بِأَنْ يَأْخُذَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ ) خَوْفُ مُلْتَقِطٍ أَنْ ( يُطَالِبَهُ ) سُلْطَانٌ جَائِرٌ ( بِأَكْثَرَ ) مِمَّا وَجَدَ ( عُذْرًا ) لَهُ ( فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا حَتَّى يَمْلِكَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( بِدُونِهِ ) أَيْ : بِلَا تَعْرِيفٍ .
هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ .
قَالَ : وَلِهَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِتَعْرِيفِهِ بَعْدُ .
وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ خَوْفَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ .
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ : تَبْقَى بِيَدِهِ .
فَإِذَا وَجَدَ أَمْنًا عَرَّفَهَا حَوْلًا انْتَهَى .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَا يُرَجِّحُ أَنَّ تَأْخِيرَ التَّعْرِيفِ لِلْعُذْرِ لَا يُؤَثِّرُ ( وَمَنْ عَرَّفَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ حَوْلًا ( فَلَمْ تُعَرَّفْ ) فِيهِ وَهِيَ مَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ ( دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ { فَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا } وَفِي لَفْظٍ " وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكٍ " وَفِي لَفْظٍ " ثُمَّ كُلْهَا " .
وَفِي لَفْظٍ " فَانْتَفِعْ بِهَا " وَفِي لَفْظٍ " " فَشَأْنُكَ بِهَا " وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " فَاسْتَنْفِقْهَا " وَفِي لَفْظٍ " فَاسْتَمْتِعْ بِهَا " هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ( حُكْمًا ) كَالْمِيرَاثِ نَصًّا .
فَلَا يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِحَدِيثِ { وَإِلَّا فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ } وَقَوْلُهُ " فَاسْتَنْفِقْهَا " وَلَوْ وَقَفَ مِلْكُهَا عَلَى تَمَلُّكِهَا لِبَيِّنَةٍ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الِالْتِقَاطَ وَالتَّعْرِيفَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ .
فَإِذَا تَمَّا وَجَبَ بِثُبُوتِهِ حُكْمًا كَالْإِحْيَاءِ وَالِاصْطِيَادِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ اللُّقَطَةُ ( عَرْضًا ) فَتُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ قَهْرًا كَالْأَثْمَانِ ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ .
وَإِنْ رُوِيَ فِي الْأَثْمَانِ نَصٌّ خَاصٌّ فَقَدْ رُوِيَ خَبَرٌ عَامٌّ فَيُعْمَلُ بِهِمَا ، بَلْ فِي الْعُرُوضِ نَصٌّ خَاصٌّ أَيْضًا ، ثُمَّ لَا مَانِعَ مِنْ قِيَاسِ الْعُرُوضِ عَلَى الْأَثْمَانِ ( أَوْ )
كَانَتْ اللُّقَطَةُ ( لُقَطَةَ الْحَرَمِ ) فَتُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ كَلُقَطَةِ الْحِلِّ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَكَحَرَمِ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهَا بِالْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْوَدِيعَةِ ، وَحَدِيثِ { لَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ } يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا لِمَنْ عَرَّفَهَا عَامًا وَتَخْصِيصُهَا بِذَلِكَ لِتَأَكُّدِهَا كَحَدِيثِ { ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ } ( أَوْ لَمْ يَخْتَرْ ) الْمُلْتَقِطُ تَمَلُّكَهَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا وَتَقَدَّمَ ( أَوْ أَخَّرَهُ ) أَيْ التَّعْرِيفَ ( لِعُذْرٍ ) ثُمَّ عَرَّفَهَا فَيَمْلِكُهَا وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ
( أَوْ ضَاعَتْ ) اللُّقَطَةُ مِنْ وَاجِدِهَا بِلَا تَفْرِيطٍ فَالْتَقَطَهَا آخَرُ ( فَعَرَّفَهَا الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ ) أَيْ : بِأَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْ الْمُلْتَقِطِ الْأَوَّلِ ( أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ ) أَيْ يُعْلِمْ الثَّانِي الْأَوَّلَ بِاللُّقَطَةِ ( أَوْ أَعْلَمَهُ ) وَعَرَّفَهَا الثَّانِي ( وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا ) تَمَلُّكَهَا ( لِنَفْسِهِ ) فَتَدْخُلُ فِي مِلْكِ الثَّانِي حُكْمًا بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا لِنَفْسِهِ .
وَفِي شَرْحِهِ أَنَّهَا لِلْأَوَّلِ .
وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسِيَاقِ الْمَتْنِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ عَرَّفَهَا ، وَالْأَصْحَابُ حَكَوْا وَجْهَيْنِ .
هَلْ يَمْلِكُهَا الثَّانِي أَوْ لَا ؟ وَلَمْ يَذْكُرُوا مِلْكَ الْأَوَّلِ لَهَا .
( تَتِمَّةٌ ) يَجِبُ عَلَى الْمُلْتَقِطِ الثَّانِي إذَا عَلِمَ بِالْحَالِ رَدُّهَا لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ التَّمَوُّلِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي حَتَّى عَرَّفَهَا حَوْلًا مَلَكَهَا ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ .
وَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا أَخَذَهَا مِنْ الثَّانِي ، وَلَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّطْ ، وَإِنْ عَلِمَ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ ، وَقَالَ لَهُ الْأَوَّلُ عَرِّفْهَا وَيَكُونُ مِلْكُهَا لِي فَقَدْ اسْتَنَابَهُ فِي التَّعْرِيفِ وَيَمْلِكُهَا الْأَوَّلُ بِهِ ، وَإِنْ قَالَ : عَرِّفْهَا وَتَكُونُ بَيْنَنَا .
فَفَعَلَ صَحَّ أَيْضًا .
وَهُوَ بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ غَصَبَهَا مِنْ الْمُلْتَقِطِ وَعَرَّفَهَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْغَاصِبُ .
( فَصْلٌ وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ ) أَيْ : الْمُلْتَقِطِ ( فِيهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةِ ( حَتَّى يُعَرِّفَ وِعَاءَهَا وَهُوَ كِيسُهَا وَنَحْوُهُ ) كَخِرْقَةٍ شُدَّتْ فِيهَا أَوْ قِدْرٍ أَوْ زِقٍّ فِيهِ مَائِعٌ وَلِفَافَةٍ عَلَى ثَوْبٍ ( وَ ) حَتَّى يُعَرِّفَ ( وِكَاءَهَا ) أَيْ اللُّقَطَةِ ( وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ ) الْكِيسُ أَوْ الزِّقُّ ، هَلْ هُوَ سَيْرٌ أَوْ خَيْطٌ مِنْ كَتَّانٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَ ) حَتَّى يُعَرِّفَ ( عِفَاصَهَا ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ( وَهُوَ صِفَةُ الشَّدِّ ) فَيُتَعَرَّفُ الرَّبْطُ هَلْ هُوَ عُقْدَةٌ أَوْ عُقْدَتَانِ ، وَأُنْشُوطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا ؟ وَيُطْلَقُ عَلَى وِعَاءِ النَّفَقَةِ جِلْدًا أَوْ خِرْقَةً وَغُلَافِ الْقَارُورَةِ الْجِلْدُ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهَا ( وَ ) حَتَّى يَعْرِفَ ( قَدْرَهَا ) بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ أَوْ ذَرْعٍ ( وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا ) أَيْ : نَوْعَهَا وَلَوْنَهَا .
لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ { وَجَدْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : عَرِّفْهَا حَوْلًا فَعَرَّفْتُهَا حَوْلًا فَلَمْ تُعْرَفْ ، فَرَجَعْتُ إلَيْهِ ، فَقَالَ اعْرِفْ عِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا وَوِكَاءَهَا وَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ ، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ } وَلِأَنَّهُ حَيْثُ وَجَبَ دَفْعُهَا إلَى رَبِّهَا بِوَصْفِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ .
( وَسُنَّ ذَلِكَ ) أَيْ : مَعْرِفَةُ مَا ذَكَرَ ( عِنْدَ وُجْدَانِهَا ) ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ { اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا وَعَدَدَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً }
( وَ ) سُنَّ عِنْدَ وُجْدَانِهَا ( إشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا ) لِحَدِيثِ { مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ } وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى النَّدْبِ وَكَالْوَدِيعَةِ ، وَفَائِدَةُ الْإِشْهَادِ حِفْظُهَا عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا عَنْ وَرَثَتِهِ إنْ مَاتَ وَعَنْ غُرَمَائِهِ إنْ أَفْلَسَ .
وَ ( لَا ) يُسَنُّ الْإِشْهَادُ ( عَلَى صِفَتِهَا ) لِئَلَّا يَنْتَشِرَ ذَلِكَ فَيَدَّعِيهَا مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا بَلْ يَذْكُرُ لِلشُّهُودِ مَا يَذْكُرُهُ فِي التَّعْرِيفِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكْتُبَ صِفَاتِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَاهَا ( وَكَذَا لَقِيطٌ ) يُسَنُّ لِمَنْ وَجَدَهُ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وُجْدَانِهِ لِئَلَّا يَسْتَرِقَّهُ
( وَمَتَى وَصَفَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( طَالِبُهَا لَزِمَ دَفْعُهَا ) لَهُ ( بِنَمَائِهَا ) الْمُتَّصِلِ مُطْلَقًا وَالْمُنْفَصِلِ فِي حَوْلِ التَّعْرِيفِ ، لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا .
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِالْمِلْكِ لَهُ وَلَا أَنَّهَا ضَاعَتْ مِنْهُ وَلَا يَمِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَغْلِبَ ظَنَّ الْمُلْتَقِطِ صِدْقُهُ لِلْأَخْبَارِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُهَا فَإِنْ دَفَعَهَا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا وَصْفٍ ضَمِنَ إنْ جَاءَ آخَرُ فَوَصَفَهَا .
وَلَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ .
وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فَلِلْمُلْتَقِطِ مُطَالَبَةُ آخِذِهَا بِهَا لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ وَلَا يَأْمَنُ مَجِيءَ صَاحِبِهَا فَيُلْزِمُهُ بِهَا
( وَمَعَ رِقٍّ مُلْتَقَطٍ وَإِنْكَارِ سَيِّدِهِ ) أَنَّهَا لُقَطَةٌ ( فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ ) تَشْهَدُ بِأَنَّهُ الْتَقَطَهَا وَنَحْوَهُ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْقِنِّ بِالْمَالِ لَا يَصِحُّ
( وَ ) نَمَاءُ اللُّقَطَةِ ( الْمُنْفَصِلِ بَعْدَ حَوْلِ تَعْرِيفِهَا لِوَاجِدِهَا ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ ، وَلِأَنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالزِّيَادَةُ لَهُ لِيَكُونَ الْخَرَاجُ أَيْ : الْغُرْمُ بِالضَّمَانِ
( وَ ) أَمَّا ( إنْ تَلِفَتْ ) اللُّقَطَةُ ( أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَهُ ) أَيْ : الْحَوْلِ بِيَدِ مُلْتَقِطٍ ( وَلَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْهَا ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ كَالْوَدِيعَةِ ، ( وَ ) إنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الْحَوْلِ ( يَضْمَنُهَا ) مُلْتَقِطٌ ( مُطْلَقًا ) أَيْ فَرَّطَ أَوْ لَا ، لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ فَتَلَفُهَا مِنْ مَالِهِ ، وَمِلْكُ الْمُلْتَقِطِ لَهَا مُرَاعًى يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا وَيَضْمَنُ لَهُ بَدَلَهَا إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِلَا عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا كَمَا يَتَجَدَّدُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْهَا بِمَجِيئِهِ ، كَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ أَوْ بَدَلِهِ إنْ تَعَذَّرَ بِالْإِطْلَاقِ .
وَقَالَ الْقَاضِي لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِعِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لِصَاحِبِهَا ، وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ
( وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ) أَيْ : قِيمَةُ اللُّقَطَةِ إذَا زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ ثُمَّ تَلِفَتْ ( يَوْمَ عَرَّفَهَا رَبُّهَا ) ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ وُجُوبِ رَدِّ الْعَيْنِ إلَيْهِ لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً لَزِمَهُ رَدُّ مِثْلِهَا .
( وَإِنْ وَصَفَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( ثَانٍ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْأَوَّلِ أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا ( وَدُفِعَتْ إلَى قَارِعٍ بِيَمِينِهِ ) نَصًّا .
وَكَذَا إنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ كَمَا لَوْ تَدَاعَيَا بِيَدِ غَيْرِهِمَا وَلِتَسَاوِيهِمَا فِي الْبَيِّنَةِ أَوْ عَدِمهَا .
أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَيَا وَدِيعَةً وَقَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَلَا أَعْرِفُ عَيْنَهُ .
( وَ ) إنْ وَصَفَهَا ثَانٍ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ دَفْعِهَا لِمَنْ وَصَفَهَا قَبْلَهُ فَ ( لَا شَيْءَ لِلثَّانِي ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا بِوَصْفِهَا وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ لَهُ فِيهَا حِينَ أَخَذَهَا وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَقْتَضِي انْتِزَاعُهَا مِنْهُ ( وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ ) بَعْدَ أَنْ ( أَخَذَهَا ) الْأَوَّلُ بِالْوَصْفِ أَخَذَهَا الثَّانِي ( مِنْ وَاصِفٍ ) لِقُوَّةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَصْفِ ، وَلِاحْتِمَالِ رُؤْيَةِ الْوَاصِفِ لَهَا عِنْدَ مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ( فَإِنْ تَلِفَتْ ) اللُّقَطَةُ بِيَدِ مَنْ أَخَذَهَا بِالْوَصْفِ ثُمَّ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً ( لَمْ يَضْمَنْ مُلْتَقِطٌ ) لَهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ دَفَعَهَا لِلْوَاصِفِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ ، كَمَا لَوْ دَفَعَهَا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَلِوُجُوبِ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَيَغْرَمُهَا الْوَاصِفُ لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِعُدْوَانِ يَدِهِ .
وَإِنْ أَعْطَى مُلْتَقِطٌ وَاصِفًا بَدَلَهَا لِتَلَفِهَا عِنْدَهُ لَمْ يُطَالَبْ ذُو الْبَيِّنَةِ إلَّا الْمُلْتَقِطَ لِتَلَفِ مَالٍ تَحْتَ يَدِهِ وَيَرْجِعُ مُلْتَقِطٌ عَلَى وَاصِفٍ بِمَا أَخَذَهُ لِتَبَيُّنِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ إنْ لَمْ يُقِرَّ لِلْوَاصِفِ بِمِلْكِهَا
( وَلَوْ أَدْرَكَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ ) وَالتَّعْرِيفِ ( مَبِيعَةً أَوْ مَوْهُوبَةً ) بِيَدِ مِنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ ( فَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ : رَبِّهَا ( إلَّا الْبَدَلُ ) لِصِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُلْتَقِطِ فِيهَا لِدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ ( وَيُفْسَخُ ) الْعَقْدُ إنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا ( زَمَنَ خِيَارٍ ) لِبَائِعٍ أَوْ لَهُمَا ( وَتُرَدُّ ) لَهُ ( كَ ) مَا لَوْ أَدْرَكَهَا ( بَعْدَ عَوْدِهَا ) إلَى مُلْتَقِطٍ ( بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالَهُ فِي يَدِ مُلْتَقِطِهَا .
أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ ( أَوْ ) كَمَا لَوْ أَدْرَكَهَا بَعْدَ ( رَهْنِهَا ) فَيَنْتَزِعُهَا رَبُّهَا مِنْ يَدِ مُرْتَهِنٍ لِقِيَامِ مِلْكِهِ وَانْتِفَاءِ إذْنِهِ ( وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ ) أَيْ رَدِّ اللُّقَطَةِ لِمَالِكِهَا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا ( عَلَى رَبِّهَا ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِ الْمُلْتَقِطِ كَالْوَدِيعَةِ
( وَلَوْ قَالَ مَالِكُهَا بَعْدَ تَلَفِهَا ) بِيَدِ مُلْتَقِطٍ بِحَوْلِ التَّعْرِيفِ ( أَخَذْتُهَا لِتَذْهَبَ بِهَا ) لَا لِتُعَرِّفَهَا فَعَلَيْكَ ضَمَانُهَا لِتَعَدِّيَكَ ( وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ ) : إنَّمَا أَخَذْتُهَا ( لِأُعَرِّفَهَا فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُهُ ) أَيْ : الْمُلْتَقِطِ ( بِيَمِينِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ ( وَوَارِثُ مُلْتَقِطٍ ، وَرَبُّ لُقَطَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ ) تَفْصِيلُهُ ( كَمُوَرِّثِهِ لِقِيَامِهِ ) مَقَامَهُ فَإِنْ مَاتَ مُلْتَقِطٌ عَرَّفَهَا وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْحَوْلِ وَمَلَكَهَا وَبَعْدَ الْحَوْلِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ إرْثًا وَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا أَوْ وَارِثُهُ أَخَذَهَا أَوْ بَدَلَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
وَإِنْ عَدِمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَرَبُّهَا غَرِيمٌ بِبَدَلِهَا فِي التَّرِكَةِ .
( وَمَنْ اسْتَيْقَظَ ) مِنْ نَوْمٍ أَوْ إغْمَاءٍ ( فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ ) أَوْ كِيسِهِ ( مَالًا ) دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا ( لَا يَدْرِي مَنْ صَرَّهُ ) أَوْ وَضَعَهُ فِي كِيسِهِ أَوْ جَيْبِهِ ( فَهُوَ لَهُ ) بِلَا تَعْرِيفٍ .
؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ
( وَلَا يَبْرَأُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَائِمٍ شَيْئًا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ ) بَعْدَ انْتِبَاهِهِ لِتَعَدِّيهِ ، لِأَنَّهُ إمَّا سَارِقٌ أَوْ غَاصِبٌ ، فَلَا يَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِرَدِّهِ لِمَالِكِهِ فِي حَالٍ يَصِحُّ قَبْضُهُ فِيهَا
( وَمَنْ وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ نَقْدًا ) كَدَرَاهِمَ أَوَدَنَانِيرَ وَجَدَهَا فِي بَطْنِ شَاةٍ ذَبَحَهَا فَلُقَطَةٌ ( أَوْ ) وَجَدَ فِيهِ ( دُرَّةً ) أَوْ عَنْبَرَةً ( فَلُقَطَةٌ ) يُعَرِّفُهَا وَيَبْدَأُ بِالْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ فَ ( لِوَاجِدِهِ ) نَصًّا ( وَإِنْ وَجَدَ دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةً فِي سَمَكَةٍ فَ ) هِيَ ( لِصَيَّادٍ ) وَلَوْ بَاعَهَا نَصًّا ؛ لِأَنَّ الدُّرَّ يَكُونُ فِي الْبَحْرِ .
وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ .
فَإِنْ كَانَتْ مَثْقُوبَةً أَوْ مُتَّصِلَةً بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَنَحْوِهَا فَلُقَطَةٌ .
( مَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ لِصٍّ أَوْ نَاهِبٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَوَصَفَهُ ) أَيْ : مَا ادَّعَاهُ بِصِفَةٍ تُمَيِّزُهُ ( فَهُوَ لَهُ ) وَلَا يُكَلَّفُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ ، لِأَنَّهُ بِيَدِ مَنْ لَمْ يَدَّعِ مِلْكَهُ وَرَبُّهُ مَجْهُولٌ ، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ رَهْنًا فَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ يَقْتَرِعَانِ فَمَنْ قَرَعَ حَلَفَ وَأَخَذَهَا .
( فَصْلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُلْتَقِطٍ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَلَا بَيْنَ مُلْتَقِطٍ ) ( مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ، وَ ) لَا بَيْنَ مُلْتَقِطٍ ( عَدْلٍ وَفَاسِقٍ يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ) ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ نَوْعُ اكْتِسَابٍ وَالْكَافِرُ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِهِ كَالِاحْتِشَاشِ وَالِاحْتِطَابِ .
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَيْسَ بِأَمِينٍ أَنْ لَا يَأْخُذَ اللُّقَطَةَ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلْأَمَانَةِ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا .
ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ( وَإِنْ وَجَدَهَا ) أَيْ : اللُّقَطَةَ ( صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) صَحَّ الْتِقَاطُهُ .
لِأَنَّهُ نَوْعُ تَكَسُّبٍ فَصَحَّ مِنْهُ كَاصْطِيَادٍ .
وَ ( قَامَ ) ( وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا ) تَأْدِيَةً لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ ( فَإِنْ تَلِفَتْ ) أَيْ : اللُّقَطَةُ ( بِيَدِ أَحَدِهِمْ ) الْوَاجِدِ لَهَا ( وَ ) كَانَ ( فَرَّطَ ) فِي حِفْظِهَا ( ضَمِنَ ) لِتَفْرِيطِهِ ( كَإِتْلَافِهِ ) إيَّاهَا فَيَغْرَمُهَا مِنْ مَالِهِ .
وَكَعَبْدٍ ( وَإِنْ كَانَ ) تَلَفُهَا ( بِتَفْرِيطِ الْوَلِيِّ ) بِأَنْ عَلِمَ بِهَا وَلَمْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ ( فَ ) ضَمَانُهَا ( عَلَيْهِ ) أَيْ : الْوَلِيِّ ؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لَهَا بِتَرْكِهَا مَعَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَحِفْظِهَا ( فَإِنْ ) لَمْ تَتْلَفْ وَعَرَّفَهَا الْوَلِيُّ ، وَ ( لَمْ تُعَرَّفْ فَ ) هِيَ ( لِوَاجِدِهَا ) لِتَمَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ بِشَرْطِهِ .
وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا فَعَرَّفَهَا بِنَفْسِهِ ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي عَدَمُ الْإِجْزَاءِ وَالْأَظْهَرُ الْإِجْزَاءُ ؛ لِأَنَّهُ يَعْقِلُ التَّعْرِيفَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ .
.
قَالَ الْحَارِثِيُّ .
وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا الصَّغِيرُ وَلَا وَلِيُّهُ حَتَّى مَضَى الْحَوْلُ .
فَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى : إنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا دَفَعَهَا إلَيْهِ ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا .
قَدْ مَضَى أَجَلُ التَّعْرِيفِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ السِّنِينَ .
وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ تَرْكَ التَّعْرِيفِ لِعُذْرٍ كَتَرْكِهِ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِمَا
( وَالرَّقِيقُ ) يَصِحُّ الْتِقَاطُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الصَّغِيرُ وَيَصِحُّ مِنْهُ .
فَصَحَّ مِنْ الرَّقِيقِ كَالِاصْطِيَادِ .
وَلَهُ أَنْ يَلْتَقِطَ وَيُعَرِّفَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ( وَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا ) مِنْهُ لِيَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ ، وَلِسَيِّدِهِ انْتِزَاعُ كَسْبِهِ مِنْهُ ، فَإِنْ عَرَّفَهَا بَعْضَ الْحَوْلِ عَرَّفَهَا السَّيِّدُ بَقِيَّتَهُ ( وَ ) لِسَيِّدِهِ ( تَرْكُهَا مَعَهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ ( إنْ كَانَ عَدْلًا يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا ) وَيَكُونُ السَّيِّدُ مُسْتَعِينًا بِهِ فِي حِفْظِهَا كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي حِفْظِ سَائِرِ مَالِهِ .
وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ غَيْرَ أَمِينٍ وَأَقَرَّهَا السَّيِّدُ مَعَهُ فَهُوَ مُفَرِّطٌ .
فَيَضْمَنُهَا إنْ تَلِفَتْ كَمَا لَوْ أَخَذَهَا مِنْهُ ثُمَّ رَدَّهَا إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ يَدَ رَقِيقِهِ كَيَدِهِ ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بَعْدَ الْتِقَاطِهِ فَلَهُ انْتِزَاعُهَا مِنْ يَدِهِ لِأَنَّهَا مِنْ كَسْبِهِ ( ، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ ) رَقِيقٌ مُلْتَقِطٌ ( سَيِّدَهُ ) عَلَى اللُّقَطَةِ ( لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ لِحِفْظِهَا اللَّازِمِ لَهُ وَيَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ لِيُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَدْفَعُهَا إلَى سَيِّدِهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ .
فَإِنْ أَعْلَمَ سَيِّدَهُ بِهَا فَلَمْ يَأْخُذَهَا أَوْ أَخَذَهَا وَعَرَّفَهَا وَأَدَّى الْأَمَانَةَ فِيهَا .
فَتَلِفَتْ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تُضْمَنْ ، لِأَنَّهَا لَمْ تَتْلَفْ بِتَفْرِيطِ أَحَدِهِمَا ( وَمَتَى تَلِفَتْ ) اللُّقَطَةُ ( بِإِتْلَافِهِ ) أَيْ الرَّقِيقِ الْمُلْتَقِطِ ( أَوْ تَفْرِيطِهِ ) فِي الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ بِدَفْعِهَا لِسَيِّدِهِ وَهُوَ لَا يَأْمَنُهُ عَلَيْهَا ( فَ ) ضَمَانُهَا ( فِي رَقَبَتِهِ ) نَصًّا كَغَيْرِ اللُّقَطَةِ .
وَمِثْلُهُ مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا ( وَمُكَاتَبٌ ) فِي الْتِقَاطٍ ( كَحُرٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ اكْتِسَابَهُ وَهُوَ مِنْهَا .
فَإِنْ عَادَ قِنًّا بِعَجْزِهِ كَانَتْ كَلُقَطَةِ الْقِنِّ .
( وَ ) مَا يَلْتَقِطُهُ ( مُبَعَّضٌ ف ) هُوَ ( بَيْنَهُ وَبَيْنَ
سَيِّدِهِ ) عَلَى حَسَبِ حُرِّيَّتِهِ وَرِقِهِ كَسَائِرِ أَكْسَابِهِ ( وَكَذَا كُلُّ نَادِرٍ مِنْ كَسْبٍ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا ) كَنِثَارٍ وَقَعَ فِي حِجْرِهِ ( وَلَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا ) أَيْ : الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ ( مُهَايَأَةً ) أَيْ : مُنَاوَبَةً بِأَنْ كَانَ يَسْتَقِلُّ بِنَفْعِهِ وَكَسْبِهِ مُدَّةً ، وَسَيِّدُهُ كَذَلِكَ .
لِأَنَّ الْكَسْبَ النَّادِرَ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ وَلَا يُظَنُّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ الرَّقِيقُ الْمُلْتَقِطُ مُشْتَرَكًا فَلُقَطَتُهُ بَيْنَ سَادَاتِهِ بِحَسَبِ حِصَصِهِمْ فِيهِ .
( بَابُ اللَّقِيطِ ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَجَرِيحٍ وَطَرِيحٍ شَرْعًا ( طِفْلٌ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَا رِقُّهُ ، نُبِذَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ : طُرِحَ فِي شَارِعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ) مَا بَيْنَ وِلَادَتِهِ ( إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ ) فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ .
قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ : إلَى الْبُلُوغِ ) قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : هَذَا الْمَذْهَبُ فَإِنْ نُبِذَ أَوْ ضَلَّ مَعْرُوفُ النَّسَبِ أَوْ الرِّقِّ فَأَخَذَهُ مَنْ يَعْرِفُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَلَيْسَ بِلَقِيطٍ ( وَالْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ نَفْسِهِ .
فَكَانَ وَاجِبًا كَإِطْعَامِهِ إذَا اضْطَرَّ وَإِنْجَائِهِ مِنْ نَحْوِ غَرَقٍ .
فَإِنْ تَرَكَهُ جَمِيعُ مَنْ رَآهُ أَثِمُوا
( وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( مِمَّا مَعَهُ ) إنْ كَانَ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ فِي مَالِهِ وَمَا مَعَهُ فَهُوَ مَالُهُ كَمَا يَأْتِي ، وَإِلَّا يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ ( فَ ) يُنْفَقُ عَلَيْهِ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ .
قَالَ : " وَجَدْتُ مَلْقُوطًا فَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ ، فَقَالَ عَرِيفِي : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ فَقَالَ عُمَرُ : أَكَذَلِكَ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَاذْهَبْ فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ " .
وَفِي لَفْظٍ " عَلَيْنَا رَضَاعُهُ " ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) أَخْذُ نَفَقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِكَوْنِ الْبَلَدِ لَيْسَ لَهُ بَيْتُ مَالٍ أَوْ بِهِ وَلَا مَالَ بِهِ وَنَحْوُهُ ( اقْتَرَضَ عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ( حَاكِمٌ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٌ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بِلَا مِنَّةٍ تَلْحَقُهُ .
أَشْبَهَ أَخْذَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
وَإِنْ اقْتَرَضَ الْحَاكِمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ رَقِيقًا أَوْ لَهُ أَبٌ مُوسِرٌ .
رَجَعَ عَلَيْهِ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَحَدٌ وَفَّى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الِاقْتِرَاضُ عَلَيْهِ أَوْ الْأَخْذِ مِنْهُ لِنَحْوِ مَنْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَالِ فِيهِ ( فَعَلَى مَنْ عَلِمَ ) الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } وَلِمَا فِي تَرْكِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِهِ ، وَحِفْظُهُ عَنْهُ وَاجِبٌ ، كَإِنْقَاذٍ مِنْ الْغَرَقِ ( وَلَا يَرْجِعُ ) مَنْ أَنْفَقَ بِمَا أَنْفَقَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ ( فَهِيَ ) أَيْ : النَّفَقَةُ عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهِ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) وَنَصَّ أَحْمَدُ : أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ .
ذَكَرَهُ فِي الْقَوَاعِدِ .
وَقَالَ النَّاظِمُ : إنْ نَوَى الرُّجُوعَ وَاسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ رَجَعَ عَلَى الطِّفْلِ بَعْدَ الرُّشْدِ .
وَإِلَّا رَجَعَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ
( وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ : اللَّقِيطِ إنْ وُجِدَ بِدَارِ إسْلَامٍ فِيهِ مُسْلِمٌ أَوْ مُسْلِمَةٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ ، لِظَاهِرِ الدَّارِ وَتَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ .
فَإِنَّهُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ ( وَ ) يُحْكَمُ ( بِحُرِّيَّتِهِ ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْآدَمِيِّينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ أَحْرَارًا ، وَالرِّقُّ لِعَارِضٍ ، الْأَصْلُ عَدَمُهُ ( إلَّا أَنْ يُوجَدَ ) اللَّقِيطُ ( فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ .
أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ فَ ) هُوَ ( كَافِرٌ رَقِيقٌ ) ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَهُمْ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُسْلِمٌ كَانَ أَهْلُهَا مِنْهُمْ ، ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ غَلَبَ حُكْمُ الْأَكْثَرِ لِكَوْنِ الدَّارِ لَهُمْ ( وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ ) بِدَارِ حَرْبِ ( فَ ) لَقِيطُهَا ( مُسْلِمٌ ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ ( أَوْ ) إلَّا أَنْ يُوجَدَ اللَّقِيطُ ( فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ) أَهْلُ ( ذِمَّةٍ ) فَهُوَ ( كَافِرٌ ) لِأَنَّهُ لَا مُسْلِمَ بِهَا يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَتَغْلِيبُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاحْتِمَالِ ( وَإِنْ كَانَ بِهَا ) أَيْ : بِبَلَدِ الْإِسْلَامِ كُلٌّ أَهْلِ ذِمَّةٍ ( مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( مِنْهُ ) أَيْ : الْمُسْلِمِ ( فَ ) اللَّقِيطُ ( مُسْلِمٌ ) تَغْلِيبًا لِلْإِسْلَامِ وَلِظَاهِرِ الدَّارِ ( وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ ) أَيْ : لَقِيطٌ ( قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ ) أَيْ دَارِ الْكُفْرِ وَهُوَ مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ لَا مُسْلِمَ بِهِ أَوْ بِهِ نَحْوُ تَاجِرٍ وَأَسِيرٍ ( حَتَّى صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ فَ ) هُوَ ( مُسْلِمٌ ) تَبَعًا لِلدَّارِ
( وَمَا وُجِدَ مَعَهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ وَ ) مِنْ ( ثِيَابٍ ) عَلَيْهِ أَوْ فَوْقَهُ ( أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ أَوْ ) وُجِدَ ( مَدْفُونًا تَحْتَهُ ) دَفْنًا ( طَرِيًّا ) بِأَنْ تَجَدَّدَ حَفْرُهُ ( أَوْ ) وُجِدَ ( مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ ) وُجِدَ مَعَهُ ( حَيَوَانٌ مَشْدُودٌ بِثِيَابِهِ ) أَوْ وُجِدَ اللَّقِيطُ مَشْدُودًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ فِي سَرِيرٍ أَوْ صُنْدُوقٍ ( فَ ) هُوَ ( لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الطِّفْلَ يَمْلِكُ مِلْكًا صَحِيحًا فَلَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ كَالْبَالِغِ .
فَيُحْكَمُ بِثَبَاتِ مِلْكِهِ عَلَى مَا مَعَهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ مَجْعُولًا فِي دَارٍ أَوْ خَيْمَةٍ تَكُونُ لَهُ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِمْ ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الْمَجْدِ وَجَمَاعَةٍ .
فَإِنْ وُجِدَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ غَيْرَ طَرِيٍّ أَوْ مَدْفُونًا بَعِيدًا عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرِينَةِ .
وَمَا لَيْسَ مَحْكُومًا بِهِ لَهُ فَلُقْطَةٌ .
( وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( وَاجِدُهُ إنْ كَانَ أَمِينًا عَدْلًا ) لِمَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ ، وَلِسَبْقِهِ إلَيْهِ ، فَكَانَ أَوْلَى بِهِ ( وَلَوْ ) إنَّهُ عَدْلٌ ( ظَاهِرًا ) كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ وَأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ ( حُرًّا ) تَامَّ الْحُرِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ مُسْتَحَقَّةٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يُذْهِبُهَا فِي غَيْرِ نَفْعِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَيْسَ لَهُ التَّبَرُّعُ بِمَنَافِعِهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ، وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِكْمَالِ الْحَضَانَةِ .
فَإِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِرَقِيقَةِ أَقَرَّ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّ السَّيِّدَ الْتَقَطَهُ وَاسْتَعَانَ بِرَقِيقِهِ فِي حَضَانَتِهِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَارَ كَمَا لَوْ الْتَقَطَهُ ( مُكَلَّفًا ) ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ( رَشِيدًا ) فَلَا يُقَرُّ مَعَ سَفِيهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى ، وَيَجُوزُ لِمَنْ لَا يُقِرُّ بِيَدِهِ الْتِقَاطُهُ ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ قُرْبَةٌ فَلَا تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ دُونَ آخَرَ ، وَعَدَمُ إقْرَارِهِ بِيَدِهِ دَوَامًا لَا يَمْنَعُ أَخْذَهُ ابْتِدَاءً ، إلَّا الرَّقِيقُ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ لَا يَعْلَمَ بِهِ سِوَاهُ فَعَلَيْهِ الْتِقَاطُهُ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ الْهَلَاكِ كَالْغَرَقِ ( وَلَهُ ) أَيْ : لِوَاجِدِهِ الْمُتَّصِفِ بِمَا تَقَدَّمَ ( حِفْظُ مَالِهِ ) أَيْ : اللَّقِيطِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ لِقَوْلِ عُمَرَ : " لَكَ وَلَاؤُهُ " ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِحَضَانَتِهِ لَا مِنْ أَجْلِ قَرَابَتِهِ مِنْهُ .
أَشْبَهَ الْحَاكِمَ ( وَ ) لَهُ ( الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ مَالِهِ بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَالْوَصِيِّ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالْأَوْلَى بِإِذْنِهِ احْتِيَاطًا ، بِخِلَافِ مَنْ غَابَ وَلَهُ وَدِيعَةٌ
أَوْ نَحْوُهَا وَأَوْلَادٌ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِ حَاكِمٍ .
وَيُنْفِقُ عَلَى اللَّقِيطِ وَاجِدُهُ بِالْمَعْرُوفِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ، فَإِنْ بَلَغَ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أُنْفِقَ أَوْ فِي التَّفْرِيطِ فِي الْإِنْفَاقِ فَقَوْلُ مُنْفِقٍ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ
( وَ ) لَهُ ( قَبُولُ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ لَهُ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ ) لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ ( وَيَصِحُّ ) أَيْ : يَجُوزُ ( الْتِقَاطُ قِنٍّ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ ) بَلْ يَجِبُ وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ
( وَ ) يَصِحُّ الْتِقَاطُ ( ذِمِّيٍّ لِذِمِّيٍّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ }
( وَيُقَرُّ ) لَقِيطٌ ( بِيَدِ مَنْ ) الْتَقَطَهُ ( بِالْبَادِيَةِ مُقِيمًا فِي حِلَّةٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ : بُيُوتٍ مُجْتَمِعَةٍ لِلِاسْتِيطَانِ بِهَا لِأَنَّهَا كَالْقَرْيَةِ .
فَإِنَّ أَهْلَهَا لَا يَرْحَلُونَ عَنْهَا لِطَلَبِ الْمَاءِ وَالْكَلَأِ ( أَوْ ) لَمْ يَكُنْ فِي حِلَّةٍ لَكِنَّهُ ( يُرِيدُ نَقْلَهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( إلَى الْحَضَرِ ) لِأَنَّهُ يَنْقُلُهُ مِنْ أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالشَّقَاءِ إلَى أَرْضِ الرَّفَاهِيَةِ وَالدِّينِ وَ ( لَا ) يُقَرُّ بِيَدِ مُلْتَقِطِهِ إنْ كَانَ ( بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابًا لِلَّقِيطِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ لِمَنْ يُقِرُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ ( مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ ) ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ فِي الْحَضَرِ أَصْلَحُ لَهُ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ ، وَبَقَاؤُهُ فِيهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ .
فَإِنَّ الظَّاهِرَ حَيْثُ وَجَدَهُ بِهِ إنَّهُ وُلِدَ فِيهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا يُقَرُّ بِيَدِ وَاجِدِهِ ( مَعَ فِسْقِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِحَضَانَتِهِ .
فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ كَافِرًا أُقِرَّ بِيَدِ وَاجِدِهِ الْكَافِرِ وَتَقَدَّمَ ( وَإِنْ ) كَانَ ( الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى أَوْ ) إلَى ( قَرْيَةٍ أَوْ ) الْتَقَطَهُ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ ( مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ ) ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي بَلَدِهِ أَوْ قَرْيَتِهِ أَوْ حِلَّتِهِ أَرْجَى لِكَشْفِ نَسَبِهِ .
أَشْبَهَ مَا لَوْ أَرَادَ النَّقْلَةَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ ( مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ الَّذِي كَانَ ) أَيْ : وُجِدَ ( بِهِ وَبِيئًا ) أَيْ : وَخِيمًا ( كَغَوْرِ بَيْسَانَ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدِهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَوْضِعٌ بِالشَّامِ ( وَنَحْوِهِ ) كَالْجُحْفَةِ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَيُقَرُّ اللَّقِيطُ بِيَدِ مَنْ أَرَادَ النَّقْلَةَ عَنْهَا إلَى بِلَادٍ لَا وَبَاءَ بِهَا أَوْ دُونَهَا فِي الْوَبَاءِ لِتَعَيُّنِ الْمَصْلَحَةِ فِي
النَّقْلِ .
وَفِي التَّرْغِيبِ وَالتَّلْخِيصِ مَتَى وَجَدَهُ فِي فَضَاءٍ خَالٍ فَلَهُ نَقْلُهُ إلَى حَيْثُ شَاءَ .
( وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ مِنْ مُلْتَقِطَيْنِ ) لِلَقِيطٍ مَعًا ( عَلَى ضِدِّهِمَا ) فَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ عَلَى مُعْسِرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِلَّقِيطِ ، وَمُقِيمٌ عَلَى مُسَافِرٍ ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) بِأَنْ لَمْ يَتَّصِفْ أَحَدُهُمَا بِمَا يَكُونُ بِهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا إنْ تَشَاحَّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ عِنْدَهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ .
فَإِنْ تَهَايَأَهُ بِأَنْ جُعِلَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا فَأَكْثَرَ أَضَرَّ بِالطِّفْلِ لِاخْتِلَافِ الْأَغْذِيَةِ وَالْأُنْسِ وَالْأُلْفَةِ ، وَدَفْعُهُ إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ لِتَسَاوِي حَقِّهِمَا فَتَعَيَّنَ الْإِقْرَاعُ بَيْنَهُمَا وَلَا تُرَجَّحُ الْمَرْأَةُ فِي الِالْتِقَاطِ بِخِلَافِ حَضَانَةِ وَلَدِهَا .
وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَتَسْلِيمِ اللَّقِيطِ لِلْآخَرِ جَازَ .
( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : الْمُتَنَازِعَانِ ( فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ ) بِهِ مِنْهُمَا ( مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ ) لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِهَا ، ( فَإِنْ عَدِمَاهَا ) أَيْ : الْبَيِّنَةَ وَهُوَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا ( قُدِّمَ ذُو الْيَدِ ) ؛ لِأَنَّهَا دَلِيلُ اسْتِحْقَاقِ الْإِمْسَاكِ ( بِيَمِينِهِ ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِ الْآخَرِ ( فَإِنْ كَانَ ) اللَّقِيطُ ( بِيَدَيْهِمَا ) وَلَا بَيِّنَةَ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ ( فَمَنْ قُرِعَ سُلِّمَ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، وَإِنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَأُرِّخَتْ قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا .
فَإِنْ اتَّحَدَتَا تَارِيخًا أَوْ أَطْلَقَتَا أَوْ أَرَّخَتْ إحْدَاهُمَا وَأَطْلَقَتْ الْأُخْرَى ، فَكَمَا لَوْ عَدِمَاهَا ( وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا ) أَيْ : لِمَنْ عُدِمَتْ بَيِّنَتَاهُمَا أَوْ تَعَارَضَتَا ( يَدٌ ) عَلَى اللَّقِيطِ ( فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا بِعَلَامَةٍ مَسْطُورَةٍ فِي جَسَدِهِ ) كَقَوْلِهِ : فِي ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ كَتِفِهِ أَوْ فَخِذِهِ شَامَةٌ أَوْ أَثَرُ جُرْحٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيُكْشَفُ فَيُوجَدُ كَمَا ذَكَرَ ( قُدِّمَ ) وَاصِفُهُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ اللُّقَطَةِ .
أَشْبَهَ لُقَطَةَ الْمَالِ ، وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ يَدِهِ ( وَإِنْ وَصَفَاهُ ) أَيْ : اللَّقِيطَ ( أُقْرِعَ ) بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ وَلَا يَدَ وَلَا وَصْفَ ( سَلَّمَهُ حَاكِمٌ إلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ وَلَا مُهَايَأَةَ وَلَا تَخْيِيرَ لِلصَّبِيِّ ، وَإِنْ رَأَى اثْنَانِ مَعًا لَقِيطًا أَوْ لُقَطَةً فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ .
وَإِنْ رَآهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَالسَّابِقُ إلَى الْأَخْذِ أَحَقُّ ، ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ هُوَ الْأَخْذُ لَا الرُّؤْيَةُ .
فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : نَاوِلْنِي فَأَخَذَهُ الْآخَرُ .
فَإِنْ نَوَى أَخْذَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ ، وَإِنْ نَوَى
الْمُنَاوَلَةَ فَهُوَ لِلْآمِرِ لِفِعْلِهِ ذَلِكَ بِنِيَّةِ النِّيَابَةِ عَنْهُ إنْ صَحَّتْ الْوَكَالَةُ فِي الِالْتِقَاطِ ، ( وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ ) مِنْ مُخْتَلِفَيْنِ فِي اللَّقِيطِ ( سَقَطَ ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ .
وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّ الْآخَرَ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا وَسَأَلَهُ يَمِينَهُ ، فَفِي الْفُرُوعِ : يَتَوَجَّهُ يَمِينُهُ .
وَفِي الْمُنْتَخَبِ : لَا ، كَطَلَاقٍ .
( فَصْلٌ وَمِيرَاثُهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ كَغَيْرِ اللَّقِيطِ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ فَلَهَا الرُّبُعُ وَالْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ .
وَإِنْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ ، أَوْ ذُو رَحِمٍ كَبِنْتِ بِنْتٍ أَخَذَ الْجَمِيعَ وَلَا يَرِثُهُ مُلْتَقِطُهُ لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ مَرْفُوعًا : { الْمَرْأَةُ تَحُوزُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ .
عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : لَا يَثْبُتُ ( وَيُخَيِّرُ الْإِمَامُ فِي ) قَتْلٍ ( عَمْدٍ بَيْنَ أَخْذِهَا ) أَيْ دِيَةِ اللَّقِيطِ ( وَ ) بَيْنَ ( الْقِصَاصِ ) نَصًّا فَيَفْعَلُ مَا يَرَاهُ أَصْلَحَ ، لِحَدِيثِ { : السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ } " وَالدِّيَةُ لِبَيْتِ الْمَالِ كَالْخَطَأِ
( وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ، وَهُوَ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ حَالَ قَطْعٍ ( عَمْدًا اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَرُشْدُهُ ) لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْتِيفَاءِ ، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ ، فَانْتُظِرَتْ أَهْلِيَّتُهُ .
وَيُحْبَسُ الْجَانِي إلَى أَنْ يَصِيرَ اللَّقِيطُ أَهْلًا ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) اللَّقِيطُ ( فَقِيرًا فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ الْعَفْوُ عَلَى مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ ) مِنْهُ مِنْ الْمَالِ بِحَيْثُ يَكُونُ فِيهِ حَظٌّ لِلَّقِيطِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا وَهُوَ الْمَذْهَبُ .
قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ .
وَيَأْتِي فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ : لَيْسَ لِوَلِيِّ الصَّغِيرِ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ هُنَا .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ
( وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَلَيْهِ ) أَيْ : اللَّقِيطِ جِنَايَةً تُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ الْمَالَ رِقَّهُ ( أَوْ ) ادَّعَى ( قَاذِفُهُ رِقَّهُ وَكَذَّبَهُ لَقِيطٌ بَالِغٌ فَ ) الْقَوْلُ ( قَوْلُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ .
فَقَوْلٌ مُوَافِقٌ لِلظَّاهِرِ ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحُرِّ .
وَلِلَّقِيطِ إذَا بَلَغَ طَلَبُ حَدِّ الْقَذْفِ وَاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَانِي .
وَإِنْ كَانَ حُرًّا وَ إنْ صَدَّقَهُ لَقِيطٌ بَالِغٌ عَلَى رِقِّهِ ، لَمْ يَجِبْ سِوَى مَا يَجِبُ بِقَذْفِ رَقِيقٍ ، أَوْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ .
وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ قَاذِفًا فَادَّعَى أَنَّهُ عَبْدٌ لِيَجِبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ .
لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ
( وَإِنْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ ) أَيْ : غَيْرُ وَاجِدِهِ ( رِقَّهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( وَهُوَ بِيَدِهِ ) أَيْ : الْمُدَّعِي رِقَّهُ ( صُدِّقَ ) الْمُدَّعِي لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ ( بِيَمِينِهِ ) لِإِمْكَانِ عَدَمِ الْمِلْكِ حَيْثُ كَانَ اللَّقِيطُ دُونَ التَّمْيِيزِ ، أَوْ مَجْنُونًا ثُمَّ بَلَغَ .
قَالَ : أَنَا حُرٌّ لَمْ يُقْبَلْ .
قَالَهُ الْحَارِثِيُّ .
وَأَمَّا إنْ كَانَ بَالِغًا حِينَ الدَّعْوَى أَوْ مُمَيِّزًا .
وَقَالَ : أَنَا حُرٌّ فَإِنَّهُ يُخْلَى سَبِيلُهُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ ( وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ ) أَيْ اللَّقِيطِ إذَا ادَّعَاهُ ( مَعَ ) بَقَاءِ ( رِقِّهِ ) لِسَيِّدِهِ وَلَوْ مَعَ بَيِّنَةٍ بِنَسَبِهِ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مُدَّعِيهِ امْرَأَةً حُرَّةً فَتَثْبُتُ حُرِّيَّتُهُ فَإِنْ ادَّعَى مُلْتَقِطُهُ رِقَّهُ أَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسَبِ ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ يَثْبُتُ بِهَا حَقُّ اللَّقِيطِ ، وَدَعْوَى الرِّقِّ يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ عَلَيْهِ ، فَلَمْ تُقْبَلْ بِمُجَرَّدِهَا كَرِقِّ غَيْرِ اللَّقِيطِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ اللَّقِيطُ بِيَدِ الْأَجْنَبِيِّ الْمُدَّعِي لِرِقِّهِ ( فَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِيَدٍ ) بِأَنْ قَالَا : نَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْيَدِ ( وَحَلَفَ أَنَّهُ ) أَيْ : اللَّقِيطَ ( مِلْكُهُ ) حُكِمَ لَهُ بِهِ ، ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ ( أَوْ ) شَهِدَتْ لَهُ ( بَيِّنَةٌ بِمِلْكٍ ) بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ جَارٍ فِي مِلْكِهِ .
أَوْ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ رَقِيقُهُ أَوْ قِنٍّ حُكِمَ لَهُ بِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِمِلْكِ دَارٍ أَوْ ثَوْبٍ ( أَوْ ) شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ ( أَنَّ أَمَتَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( وَلَدَتْهُ ) أَيْ : اللَّقِيطَ ( فِي مِلْكِهِ ) أَيْ : الْمُدَّعِي ( حُكِمَ لَهُ بِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَلِدُ فِي مِلْكِهِ إلَّا مَا مَلَكَهُ .
فَإِنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ ابْنُ أَمَتِهِ أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ وَلَمْ تَقُلْ فِي مِلْكِهِ لَمْ
يَثْبُتْ الْمِلْكُ بِذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ تَلِدَهُ قَبْلَ مِلْكِهِ لَهَا ، فَلَا يَكُونُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ ابْنَ أَمَتِهِ وَكَوْنِهَا وَلَدَتْهُ .
وَهَلْ يَكْفِي فِي الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ : امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا .
وَبِهِ جَزَمَ فِي الْمُغْنِي ، أَوْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ؟ فِيهِ وَجْهَانِ .
قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْ قَوْلِ الْقَاضِي : إنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمَذْهَبِ ( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ : رِقَّ اللَّقِيطِ ( مُلْتَقِطُهُ لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) تَشْهَدُ بِمِلْكِهِ لَهُ ، أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ فَيُحْكَمُ لَهُ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُلْتَقِطَهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ) أَيْ : الرِّقَّ ( لَقِيطٌ بَالِغٌ ) بِأَنْ قَالَ : أَنَا مِلْكُ زَيْدٍ ( لَمْ يُقْبَلْ ) إقْرَارُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ زَيْدٌ ، أَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ بِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحُرِّيَّةِ الْمَحْكُومِ بِهَا ، وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْحُرِّيَّةِ ؛ وَلِأَنَّ الطِّفْلَ الْمَنْبُوذَ لَا يَعْرِفُ رِقَّ نَفْسِهِ وَلَا حُرِّيَّتَهَا ، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهُ حَالٌ يَعْرِفُ بِهِ رِقَّ نَفْسِهِ ، وَإِنْ قَالَ بِرِقِّ لَقِيطٍ مُكَلَّفٍ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ سُمِعَتْ وَحُكِمَ بِهَا ، فَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ تَصَرَّفَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، نُقِضَتْ تَصَرُّفَاتُهُ لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ .
( وَ ) إنْ أَقَرَّ لَقِيطٌ بَالِغٌ ( بِكُفْرٍ وَقَدْ نَطَقَ بِإِسْلَامٍ وَهُوَ يَعْقِلُهُ ) أَيْ : الْإِسْلَامَ ( أَوْ ) أَقَرَّ بِهِ لَقِيطٌ بَالِغٌ ( مُسْلِمٌ حُكْمًا ) تَبَعًا لِلدَّارِ ( فَ ) هُوَ ( مُرْتَدٌّ ) يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ ، كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ ابْنٌ مُسْلِمٌ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ ) أَيْ : بِأَنَّ اللَّقِيطَ وَلَدُهُ ( مَنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ ) أَيْ : اللَّقِيطِ ( مِنْهُ ) أَيْ : الْمُقِرِّ بِهِ ، ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُقِرُّ الْمُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ ( أُنْثَى ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ ) ذَاتَ ( نَسَبٍ مَعْرُوفٍ ) أَوْ إخْوَةٍ ( أُلْحِقَ ) اللَّقِيطُ ( وَلَوْ ) كَانَ اللَّقِيطُ ( مَيِّتًا بِهِ ) أَيْ : بِالْمُقِرِّ .
لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ مَصْلَحَةٌ مَحْضَةٌ لِلَّقِيطِ .
لِاتِّصَالِ نَسَبِهِ ، وَلَا مَضَرَّةَ عَلَى غَيْرِهِ فِيهِ .
فَقُبِلَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ، وَلِأَنَّ الْأُنْثَى أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَثَبَتَ النَّسَبُ بِدَعْوَاهَا كَالْأَبِ ، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا كَمَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الرَّجُلِ بَلْ أَكْثَرُ ؛ لِأَنَّهَا تَأْتِي بِهِ مِنْ زَوْجٍ وَمِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ .
وَيَلْحَقُهَا وَلَدُهَا مِنْ الزِّنَا دُونَ الرَّجُلِ .
وَ ( لَا ) يَلْحَقُ ( بِزَوْجِ ) امْرَأَةٍ ( مُقِرَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُولَدْ عَلَى فِرَاشِهِ وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ .
وَكَمَا لَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ نَسَبَهُ لَمْ يَلْحَقْ بِزَوْجَتِهِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَلِدَهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَا يَتْبَعُ ) رَقِيقًا ادَّعَى نَسَبَهُ ( فِي رِقٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَبَعِيَّةِ النَّسَبِ الرِّقُّ ( وَلَا ) يَتْبَعُ ( كَافِرًا ) ادَّعَى نَسَبَهُ ( فِي دِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ ) مُدَّعِيهِ الْكَافِرُ ( بَيِّنَةً أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ) فَيَلْحَقُهُ فِي دِينِهِ لِثُبُوتِ أَنَّهُ وَلَدُ ذِمِّيَّيْنِ .
وَكَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَقِيطًا مَا دَامَ حَيًّا كَافِرًا إذْ لَوْ مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ بُلُوغِهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ
( وَإِنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ : اللَّقِيطَ ( اثْنَانِ ) رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ : إنَّهُ وَلَدُهُ ( فَأَكْثَرُ مَعًا ) فَإِنْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ لَحِقَ بِالْأَوَّلِ إلَّا أَنْ تُلْحِقَهُ الْقَافَةُ بِالثَّانِي فَيَلْحَقُ بِهِ وَيَنْقَطِعُ نَسَبُهُ مِنْ الْأَوَّلِ ( قُدِّمَ ) بِهِ ( مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ ) لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى إظْهَارِ الْحَقِّ ، ( فَإِنْ تَسَاوَوْا ) أَيْ : الْمُدَّعُونَ ( فِيهَا ) أَيْ : الْبَيِّنَةِ بِأَنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمْ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَلَدُهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا خَارِجًا وَإِلَّا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ ( أَوْ ) تَسَاوَوْا ( فِي عَدَمِهَا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ ، ( عُرِضَ ) اللَّقِيطُ ( مَعَ ) كُلِّ ( مُدَّعٍ ) مَوْجُودٍ ( أَوْ ) مَعَ ( أَقَارِبِهِ ) أَيْ : الْمُدَّعِي كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ ( إنْ ) كَانَ ( مَاتَ : عَلَى الْقَافَةِ ) وَهُمْ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الْأَنْسَابَ بِالشَّبَهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَبِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، بَلْ مَنْ عُرِفَتْ مِنْهُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ ، وَتَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْإِصَابَةُ فَهُوَ قَائِفٌ ، ( فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ ) الْقَافَةُ ( بِوَاحِدٍ ) لَحِقَ بِهِ لِقَضَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُنْكَرْ .
فَكَانَ إجْمَاعًا .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ " لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْرُورًا " وَحَدِيثُ الْمُلَاعَنَةِ ( أَوْ ) أَلْحَقَتْهُ الْقَافَةُ ( بِاثْنَيْنِ ) مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ لَهُ ( حَقُّ ) نَسَبِهِ بِهِمَا .
لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ " فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ ، فَقَالَ الْقَائِفُ : قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ " وَعَلِيٌّ يَقُولُ : هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ " رَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارَ عَنْ عُمَرَ ( فَيَرِثُ ) اللَّقِيطُ ( كُلًّا مِنْهُمَا ) أَيْ الِاثْنَيْنِ الْمُلْحَقِ بِهِمَا ( إرْثَ وَلَدٍ ) فَإِنْ لَمْ يَخْلُفَا غَيْرَهُ وَرِثَ جَمِيعَ مَالِهِمَا