كتاب : شرح الزركشي على مختصر الخرقي
المؤلف : شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي

وهل يجب مهر المثل أو المسمى ؟ قال الخرقي : مهر المثل . وصححه أبو محمد ، لأنه يجب بالإصابة لا بالتسمية ، وقال أبو بكر في الخلاف : يجب المسمى . قال القاضي : وهو قياس المذهب . إذ من أصلنا أن النكاح الفاسد إذا حصل فيه دخول وجب المسمى ، وحمل كلام الخرقي على أنه لا مسمى .
ومفهوم كلام الخرقي أنه إذا لم يدخل بها الثاني لا تفريق لوجوده حساً ، ولا مهر ، لأن وجوبه بالإصابة لا بالتسمية ، ولا إصابة ، ومقتضى قول القاضي وجوبه بالخلوة كما في النكاح الفاسد عنده وقوله : وهو لا يعلم . قد يقال : خرج مخرج الغالب ، حملًا لحال المسلم على السداد ، وإذاً لا مفهوم له ، فيفرق بينهما أيضاً ، ويجب لها المهر ، نعم إن كانت هي أيضاً عالمة فلا مهر لها ، لأنها إذاً زانية ، والله أعلم .
قال : ولم يصبها زوجها حتى تحيض ثلاث حيض بعد آخر وقت وطئها فيه الثاني .
ش : إنما لم يصبها زوجها حتى تحيض ما ذكر فلأنها معتدة من غيره ، والمعتدة لا يجوز وطؤها ، حذاراً من اختلاط المياه .
2463 قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره ) وبيان لزوم العدة عليها أنها موطوءة بشبهة ، والموطوءة بشبهة تلزمها العدة ، لتحصل براءة رحمها ، حفظاً للأنساب ، وتعتد عدة المطلقة ، لاشتراكهما في لحوق النسب ، ولو كان الخرقي رحمه الله قال : تعتد عدة المطلقة . لكان أجود لشموله .
ومفهوم كلام الخرقي أن له أن يستمتع بها لتخصيصه المنع بالإصابة ، وهو أحد الوجهين . والله أعلم .
قال : وإن جهل الأول منهما فسخ النكاحان .
ش : هذا إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، واختيار أبي محمد في المغني ، لأن كل واحد منهما والحال هذه يحتمل أن نكاحه صحيح ، ولا سبيل إلى الجمع ، ولا إلى معرفة الزوج يقيناً ، والإنتظار لا إلى غاية مجهور ، فتعين فسخ النكاحين ، لإزالة الضرر المنفي شرعاً ( والرواية الثانية ) وهي اختيار أبي بكر النجاد ، والقاضي في التعليق ، والشريف وأبي الخطاب ، والشيرازي يقرع بينهما ، إذ القرعة تزيل الإبهام ، وقد دخلت في السفر بإحدى نسائه ، والبداءة بالمبيت عند إحداهن ، فكذلك ههنا ، ولأن القرعة قد دخلت في استدامة النكاح ، كما إذا طلق واحدة من نسائه لا بعينها ، أو بعينها ثم أنسيها على المشهور ، فكذلك في ابتدائه ، وقال ابن أبي موسى : يبطل النكاحان . وظاهره الحكم ببطلانهما من غير احتياج إلى فسخ ، ولا إلى قرعة .
وكلام الخرقي يشمل ما إذا علم عين السابق ثم جهل ، أو علم السبق ولم يعلم تالسابق ، ولا إشكال في جريان الروايتين في هاتين الصورتين ، وقد يشمل أيضاً ما إذا جهل كيف وقعاً ، وقد اختلف الأصحاب في هذه الصورة ، فعند أبي الخطاب والشيخين ، والقاضي في الجامع فيما أظن أنها على الروايتين أيضاً ، وليس عند القاضي في التعليق والجامع الكبير إلا البطلان ، وكذلك ابن حمدان في رعايتيه ، إلا أنه في الكبرى حكى قولًا بالبطلان ظاهراً لا باطناً .
وقد خرج من كلام الخرقي ما إذا وقعا معاً ، وللأصحاب فيه أيضاً طريقتان ( إحداهما ) وهي طريقة الأكثرين ، أبي الخطاب في الهداية ، وابن البنا ، والشيخين ، وابن حمدان وغيرهم الجزم بالبطلان من غير فسخ ولا قرعة ، إذ القرعة إنما تدخل لتمييز الصحيح ، ولا صحيح ( والثانية ) وهي طريقة القاضي في الروايتين جريلان الروايتين فيه ، معللًا بأنه إذا جازت القرعة مع العلم بفساد المتأخر ، فأولى أن تجوز إذا لم يحكم بفساد أحدهما ، ومستشهداً بأن القرعة تدخل بين العبيد الذين أعتقهم في مرضه ، وإن كانوا دفعة ، وله في تعليقه احتمالان كالطريقتين .
( تنبيهات ) أحدها على الرواية الأولى الفاسخ هو الحاكم ، قاله القاضي في تعليقه ، وفي جامعه الصغير ، وأبو الخطاب والشيخان ، لأنه فسخ مختلف فيه ، والمختلفان ترجع إلى الحكام ، وقال ابن عقيل والسامري ، وابن جمدان في رعايتيه : للزوجين الفسخ ، ولعلهم يريدون بإذنه ، وعن أبي بكر يطلقانها ( الثاني ) على الرواية الثانية إذا أقرع بينهما ، فمن خرجت قرعته فهي زوجته بالنكاح الأول ، من غير تجديد عقد ، على ظاهر كلام [ أحمد في رواية ابن منصور يقرع بينهم ، فمن وقعت عليها القرعة فهي له ، وهو ظاهر كلام ] الجمهور ابن أبي موسى ، والقاضي وأصحابه ، وصرح به القاضي في الروايتين ، وابن عقيل ، معللًا بأن القرعة جعلت في الشرع حكماً للتمييز ، وقال أبو بكر بن سليمان النجاد : من خرجت القرعة له جدد نكاحه . وكذا قال سليمان النجاد : قال أبو محمد : وينبغي أن لا تجبر المرأة على نكاح من خرجت له القرعة ، بل لها أن تتزوج من شاءت منهما ومن غيرهما ، وضعف هذا أبو العباس ، لاتفاق الروايتين أيضاً ، وقد أشار إلى هذا ابن عقيل ، فقال بعد ذكر قول النجاد : وهذا استظهار حسن ، غير أن اعتباره تعطيل للقرعة عن جهة الإباحة ، قال أبو العباس : وإنما على هذا القول ، يجب أن يقال : هي زوجة القارع ، تجب عليه نفقتها وسكناها ونحو ذلك ولا يطأ حتى يجدد ، فالتجديد لحل الوطء ، قال أو يقال : لا يحكم بالزوجية إلا بالتجديد ، ويكون التجديد عليه وعليها ، انتهى .
( الثالث ) على هذه الرواية أيضاً لا يؤمر من لم تخرج له القرعة بطلاق ، ذكره القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، معتمدين على أنه ظاهر كلام أحمد ، وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى ، وقال النجاد و القاضي في الروايتين ، وفي الجامع ، وأبو الخطاب في الهداية ، والشيخان : يؤمر بالطلاق ، لجواز أن تكون زوجته ، كما يفسخ الحاكم النكاح الفاسد ، المختلف فيه ، وحكى المسألة ابن البنا على روايتين ، وقد تبين أن من قال لا تجديد منهم ، قال بالطلاق ، فإذاً في الفرعين ثلاثة أقوال ، ثالثها يؤمر المقروع بالطلاق ، ولا يجدد القارع ، ولعله المذهب ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوج العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل .
ش : هذا هو المذهب بلا ريب .
2464 لما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه ، فهو عاهر ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه . والعاهر الزاني ، ولأن في ذلك تفويتاً لمنفعة السيد الواجبة له ، لانشغاله بحقوق الزوجية ، وأنه لا يجوز ، وقد حكى ابن المنذر هذا إجماعاً ( وعن أحمد ) رواية بالوقف على الإجازة وتحكى عن الحنفية ، والله أعلم .
قال : وإن كان دخل بها فعلى سيده خمساً المهر ، كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه ، إلا أن يجاوز الخمسان قيمته ، فلا يلزم سيده أكثر من قيمته أو يسلمه .
ش : إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ودخل بها ، وجب عليه شيء في الجملة كما اقتضاه كلام الخرقي ، ونص عليه أحمد والأصحاب ، لقول النبي : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ) والعبد والحال هذه قد استحل فرجها ، فيكون لها المهر ، ( وقد روى عنه حنبل ) : إذا تزوج بغير إذن سيده فلا مهر . قال بو محمد : فيحتمل أن تحمل على إطلاقها ، ويحتمل أن تحمل على ما قبل الدخول ، ويحتمل أن تحمل على أن المهر لا يجب في الحال ، بل يجب في ذمة العبد ، يتبع به إذا عتق ، وحملها أبو البركات على ما إذا كانا عالمين بالتحريم ، وتبعه ابن حمدان ، وزاد : قلت : أو علمت المرأة وحدها ، وهذا حكاه أبو محمد عن القاضي .
2465 ( فعلى المذهب ) الواجب خمساً المهر ، اتباعاً لقضاء عثمان رضي الله عنه ، وهو ما روى أحمد قال : حدثنا عبد الله بن أبي بكر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، أن غلاماً لأبي موسى تزوج مولاة أحسبه قال تيجان التيمي بغير إذن أبي موسى ، فكتب في ذلك إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فكتب إليه : أن فرق بينهما ، وخذ لها الخمسين من صداقها ، وكان صداقها خمسة أبعرة ، قال قتادة : فذكرت ذلك ليلال فقال : نعم ذاك غلامنا تزوج أم رواح . وهذه قضية في مظنة الشهرة ، ولم ينقل إنكارها ، فيكون حجة ، ولأنها تخالف القياس ، فالظاهر أنها بتوقيف من النبي ، لا يقال : يجوز أن يكون خمساً المهر قدر مهر المثل ، لأنا نقول هذا بعيد من الظاهر ، لأن مهر المثل يحتاج إلى نظر وتأمل ، ثم إنه لا يترك في الحديث ما الحكم منوط به ، ( وهذا إحدى الروايات ) وأشهرها ، واختيار القاضي ، والشريف ، وأبي الخطاب ، والشيرازي ، وغيرهم ( والثانية ) الواجب مهر المثل ، اختارها أبو بكر ، قياساً على سائر الأنكحة الفاسدة ( والثالثة ) الواجب المسمى ، بناء أيضاً والله أعلم على أن الواجب في الأنكحة الفاسدة ذلك ، ويشهد له حديث المنكوحة بغير ولي ، ولعل أصل هاتين الروايتين الروايتان ثم ، وقد استشهد القاضي على وجوب مهر المثل هنا بقول أحمد في رواية المروذي : إذا تزوج بغير إذن سيده يعطي شيئاً ، قيل له : تذهب إلى قول عثمان بن عفان رضي الله عنه ؟ قال : أذهب إلى أن يعطي شيئاً ، إما ما اصطلحا عليه ، أو ما يراه الحاكم . انتهى ( والرواية الرابعة ) يجب الخمسان إن علمت عبوديته ، وإلا فالمهر كاملًا ، حكاها أبو محمد . انتهى .
وقول الخرقي : وإن كان دخل بها . أراد بالدخول والله أعلم الوطء ، وكذا صرح به غيره ، فعلى هذا لا يجب قبل الخلوة ، وهو واضح ، ولا بعدها وقبل الوطء ، لعدم الجنابة ، وقد يقال بالوجوب ، كما في سائر الأنكحة الفاسدة ، ( وقوله ) : خمساً المهر . اللام للعهد ، أي المهر المسمى ، وهذا كما في الحديث ( لها المهر بما استحل من فرجها ) وهو مقتضى قصة عثمان رضي الله عنه ، ولأبي محمد احتمال في المغني أن الواجب خمساً مهر المثل ، ولا تعويل عليه ، ولو عدم المسمى فقال القاضي في تعليقه : ظاهر كلام أحمد في رواية المروذي أنها لا تستحق جميعه ، ( وقوله ) : إلا أن يجاوز الخمسان قيمته فلا يلزم السيد أكثر من ذلك . وذلك لأن الواجب عليه ما يقابل تلك الرقبة ، بدليل ما لو سلم العبد لم يلزمه شيء ، وفي هذا إشعار بأن الحق يتعلق برقبته ، وهو واضح ، لأنها جنايته ، فتعلقت برقبته كبقية جناياته ، ( وقوله ) : أو يسلمه . الظاهر أنه معطوف على قوله : فعلى سيده خمساً المهر . أي أو يسلمه . وهذا أصل يأتي إن شاء الله تعالى في الجنايات ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوج الأمة على أنها حرة ، فأصابها وولدت منه فالولد حر ، وعليه أن يفديهم والمهر المسمى .
ش : لا يبطل النكاح بالغرور في الجملة لأن المعقود عليه في النكاح الشخص ، والصفات تابعة له ، فإذا وجدت بخلاف الشرط لم يبطل العقد ، كمن باع عبداً على أنه صحيح ، فبان معيباً ، إذا تقرر هذا فإذا تزوج أمة وشرط أنها حرة ، وأصابها وولدت منه فولده حر ، لاعتقاده حريته ، كما لو اشترى أمة فبانت مغصوبة بعد أن أولدها ، وعليه فداؤهم على المذهب المعروف المنصوص في رواية الجماعة .
2466 اتباعاً لقضاء الصحابة رضي الله عنهم عمر وعلي وابن عباس ، ولأنه نماء مملوكة ، فسبيله أن يكون ملكاً لمالكها ، وقد فوته الزوج باعتقاده الحرية ، فوجب عليه الضمان ، كما لو فوته بفعله ( ونقل عنه ) ابن منصور : لا فداء عليه ، لانعقاد الولد حراً ، والحر لا يملك ووهي الخلال هذه الرواية ، وقال : أحسبه قولًا روي أولًا لأبي عبد الله رجع عنه لأنهم اتفقوا عنه على الفداء ، انتهى ، ( ونقل عنه ) حنبل يخير بين الفداء فيكون ولده حراً وبين الترك فيكون ولده رقيقاً .
2467 وهو ظاهر ما نقل عن علي كرم الله وجهه ، وشرط الضمان أن يوضع حياً لوقت يعيش لمثله ، وصفة الفداء ، ووقته قد تقدما في الغصب ، ويجب عليه أيضاً المهر المسمى بما استحل من فرجها ، ولا إشكال في ذلك إن كان بعد الإصابة ، وهو ممن يجوز له نكاح الإماء ، لصحة النكاح ، ووجود الإصابة فيه ، وإن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء فهو نكاح فاسد من أصله ، فإذاً هل الواجب فيه مهر المثل أو المسمى ؟ فيه روايتان ، ولو تبين له الحال قبل الإصابة وهو ممن يجوز له نكاح الإماء واختار الإمضاء تقرر المسمى عليه ( ولنا قول آخر ) أنه ينسب قدر مهر المثل لأجل ذلك إلى مهر المثل كاملًا ، فيكون له بقدر نسبته من المسمى ، يرجع بذلك على من غره ، فيقال : كم مهر مثلها إذا كانت أمة ؟ فيقال مثلًا : خمسون . وحرة ؟ فيقال : ستون . نسبة ما بينهما السدس ، فيرجع بسدس المسمى ، وإن اختار الفسخ فلا شيء عليه ، لأن الفسخ لعذر من جهتها .
وإن لم يكن ممن يجوز له نكاح الإماء فقبل الخلوة لا مهر ، لفساد العقد ، وكذلك بعد الخلوة على رأي أبي محمد ، وعلى المشهور يجب ، هذا قياس المذهب ، والله أعلم .
قال : ويرجع بذلك على من غره .
ش : أي بما غرمه من فداء الأولاد ومن المهر ، أما فداء الأولاد فلا نزاع فيه .
2468 لقضاء الصحابة عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم ، وأما المهر فلقضاء عمر رضي الله عنه به ، وهذا ( إحدى الروايتين ) واختيار القاضي ، وأبي محمد ، وغيرهما ( والرواية الثانية ) لا يرجع بالمهر ، اختارها أبو بكر لأنه دخل على ذلك ، لا سيما وقد استوفى المنفعة المقابلة له .
2469 مع أن ذلك يروى عن علي رضي الله عنه ، وحيث قلنا : يرجع . فإنما ذلك إذا لم يختر إمضاء النكاح حيث يكون له الإمضاء ، أما إن اختار البقاء على النكاح حيث جاز له ذلك فلا رجوع إلا بنسبة ما بين المهرين على قويل تقدم .
وقول الخرقي : ويرجع بذلك على من غره . إنما حكم بذلك في صورة الشرط ، وهو ما إذا تزوجها على أنها حرة ، فقد يقال : مفهومه أنه لا يرجع بذلك إذا ظنها حرة ، وصرح بذلك أبو البركات ، وتابعه ابن حمدان في رعايتيه ، وقبلهما القاضي ، بل قيل عن القاضي أنه لا يرجع إلا مع شرط مقارن للعقد ، لا مع تقدمه ، لأنه مفرط ، حيث اعتمد على مجرد ظنه ، وظاهر كلام أحمد في رواية حرب يقتضي الرجوع مع الظن ، قال فيمن تزوج بامرأة وظن أنها حرة فأصاب منها أولاداً فإذا هي أمة قال : يفرق بينهما ، وأولاده أحرار ، ولكن يفديهم ، وإن كان غره إنسان فعلى الذي غره أن يفدي ولده . وهذا اختيار أبي محمد وأبي العباس ، إذ الصحابة الذي قضوا بالرجوع لم يستفصلوا ، ويحقق ذلك أن الأصحاب لم يشترطوا ذلك في الرجوع في العيب .
( تنبيه ) الغار من علم أنها أمة ولم يبين ، على ظاهر كلام أحمد في رواية ابن الحكم ؛ فكاك ولده على الذي غره إذا كان علم الذي غره ، فإذاً إذا لم يعلم فالوكيل أو الدلال بينهما لا شيء عليه ، وذكر أبو محمد فيما إذا علم بعض أولياء الحرة الغارة احتمالين ، اختصاص الغرم بمن علم ، والثاني يعم الجميع ، لأن حق الآدمي يستوي فيه العمد والسهو ، وضعفه أبو العباس بأن هذا مع المباشرة ، أما مع التسبب فلا بد من تحريم السبب . انتهى ، ثم لا يخلو الغار من أن يكون السيد أو المرأة ، أو وكيلهما أو أجنبياً ، ( فإن كان ) السيد والغرور بلفظ الحرية عتقت ، وزالت المسألة ، وبغيرها لا تثبت حرية ، ولا يجب له شيء ، إذ لا فائدة في أن يجب له ما يرجع به عليه ، نعم إن قلنا : إن الزوج لا يرجع بالمهر وجب للسيد ، لانتفاء المحذور ، ولا يتصور الغرور من السيد على قول القاضي ، لأن شرط الرجوع عنده اشتراط الحرية مقارناً كما تقدم ، ( وإن كان ) الغار المرأة ففي الرجوع عليها وجهان ، ( أحدهما ) وهو ظاهر كلام الخرقي وجماعة ، وقاله القاضي يرجع عليها لمكان الغرور ، ثم هل يتعلق برقبتها أو بذمتها ؟ على وجهي استدانة العبد بغير إذن سيده قال القاضي : وقياس قول الخرقي الثاني ، كمخالعتها بدون إذنه ( والوجه الثاني ) وهو ظاهر كلام أحمد في رواية جماعة لا يرجع عليها ، إذ الولد أو المهر ملك للسيد ، وهي لا تملك بدل ذلك ، أشبه ما لو أذنت في قطع طرفها ، ( وإن كان ) الغار وكيل المرأة رجع عليه بلا تردد ، ( وإن كان ) الغار أجنبياً رجع عليه ، على ظاهر كلام أحمد بل صريحه في روايتي عبد الله وصالح ، وظاهر كلام القاضي عدم الرجوع ، قال الغار وكيلها أو هي نفسها . والله أعلم .
قال : ويفرق بينهما إن لم يكن ممن يجوز له أن ينكح الإماء ، وإن كان ممن يجوز له فرضي بالمقام فما ولدت بعد الرضى فهو رقيق .
ش : أما التفريق بينهما إن لم يكن الزوج ممن يجوز له نكاح الإماء فلأنا تبيناً فساد العقد ، أشبه المنكوحة في العدة ، أو بلا ولي ، وأما ثبوت الخيار كما اقتضاه كلام الخرقي لمن يجوز له نكاح الإماء ، وهو الحر بوجود الشرطين فيه ، والعبد بشرط أن لا تكون تحته حرة ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى فلأنه غر بحريتها ، فثبت له الخيار ، كما لو غرت بحريته ، ولما فيه من ضرر رق الولد ، والضرر منفي شرعاً ، فعلى هذا إن اختار فسخ النكاح انفسخ ولا كلام ، وإن اختار المقام على النكاح فما ولدت بعد رضاه فهو رقيق ، لانتفاء الغرور إذاً ، وقد علم من هذا أن الولد يتبع أمه في الرق والحرية ، ونص عليه أحمد .
2470 محتجاً بقول عمر : أيما عبد تزوج حرة فقد أعتق نصفه .
وقول الخرقي : فما ولدت . ظاهره وإن كانت قد علقت به قبل الرضى ، وقد وقع له نحو هذه العبارة في الردة ، وأقره أبو محمد ثم على ظاهره ، معللًا بأن أكثر الأحكام إنما تتعلق بالوضع ، أما هنا فجعل الحكم منوطاً بالعلوق ، وهو التخليق ، وكذا صرح به أبو البركات .
واعلم أن الخرقي إنما ساق ثبوت الخيار مع الشرط ، فقد يقال : ظاهره أنه لا يثبت مع عدمه ، وهو أحد الوجهين ، لتفريطه حيث لم يحترز بالشرط ، وبالغ القاضي في بعض كتبه فشرط كون الشرط مقارناً للعقد ، وهو في تعليقه كالخرقي ، والصحيح الثبوت بالشرط وبالظن ، ثم إن أبا محمد وغيره أطلقوا الظن ، وقيده ابن حمدان تبعاً لأبي البركات بما إذا ظنها حرة الأصل ؛ وعموم كلام الخرقي يقتضي ثبوت الخيار للعبد كالحر وهو الصحيح ، وقيل : لا خيار للعبد لتساويهما . والله أعلم .
قال : وإن كان المغرور عبداً فولده أحرار ، ويفديهم إذا عتق ويرجع به إيضاً على من غره .
ش : إذا كان المغرور عبداً فولده أيضاً أحرار كالحر ، إذ المقتضي لحرية الولد اعتقاد الواطء الحرية ، وهو موجود هنا ، ويفديهم كالحر على ما تقدم ، لكن الحر يجب الفداء عليه في الحال ، كبقية الحقوق اللازمة له ، أما العبد فلا مال له في الحال ، فيتأخر الفداء إلى وقت ملكه ويساره وهو العتق ، كذا قال الخرقي وغيره ، ثم إن القاضي في الجامع بناه على استدانته ، بغير إذن سيده هل يثبت في ذمته أو في رقبته ؟ على وجهين ، وبناه أبو محمد على خلع الأمة بغير إذن سيدها ، وهو أوجه ، إذ الخرقي يقول في الإستدانة : تتعلق برقبته فلا يجيء يناؤه عليها ، أما في الخلع فيقول : يتعلق بذمتها ، فيتحد البناء ، ثم إن أبا محمد خرج وجهاً آخر أنه يتعلق برقبته كجنايته ، انتهى .
ويرجع بالفداء على من غره كما تقدم في الحر لكن الحر يرجع في الحال ، أما العبد فلا يرجع إلا حين الغرم ، حذاراً من أن يجب له ما لم يثبت عليه ، نعم إن قيل : يتعلق الفداء برقبته رجع به السيد في الحال ، والله أعلم .
قال : وإذا قال : قد جعلت عتق أمتي صداقها . بحضرة شاهدين ، فقد ثبت العتق والنكاح .
ش : هذا المنصوص عن أحمد ، والمشهور عنه ، رواه عنه اثنا عشر رجلًا من أصحابه ، منهم ولداه صالح وعبد الله ، وهو المختار لجمهور الأصحاب ، الخرقي ، وأبي بكر ، والشريف ، وأبي جعفر ، والقاضي في موضع ، وقال في التعليق : إنه المشهور من قول الأصحاب ، وقال أبو محمد : إنه ظاهر المذهب .
2471 وذلك لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي أعتق صفية وتزوجها ، فقال له ثابت : ما أصدقها ؟ قال : نفسها ، أعتقها وتزوجها . متفق عليه ، وفي لفظ للبخاري : أعتق صفية وتزوجها ، وجعل عتقها صداقها . ولم ينقل أنه استأنف عقداً ، ولأنه جعل عتقها صداقها ، ومتى ثبت العتق صداقاً ثبت النكاح ، إذ الصداق لا يتقدم عليه .
2472 يؤيد هذا أن هذا روي عن أنس رضي الله عنه حكاه عنه أحمد محتجاً به وهو راوي الحديث ، وهو يقوي إرادة الظاهر منه .
2473 ويورى أيضاً عن علي رض الله عنه ، ولأن منفعة البضع إحدى المنفعين ، فجاز أن يكون العتق عوضاً عنها ، دليله منفعة الخدمة ، وهو إذا قال : أعتقتك على خدمة سنة . لا يقال : هذا من خصائص النبي . إذ من خصائصه النكاح بلا مهر ، لأنا نقول : الغرض أنه عقد بمهر ، وإذاً فحكم أمته حكمه في صفية .
ونقل المروذي عن 16 ( أحمد ) : إذا أعتق أمته وجعل عتقها صداقها يوكل رجلًا ، فأخذ القاضي وأتباعه من هذا رواية أن النكاح لا يصح بهذا اللفظ ، واختاره القاضي في خلافه وفي روايتيه ، وأبو الخطاب في كتبه الثلاثة ، وابن عقيل ، وزعم أنها الأشبه بالمذهب ، إذ بالعتق تملك نفسها ، فيعتبر رضاها ، كما لو فصل بينهما ، ولأنه لم يوجد إيجاب ولا قبول ، وهما ركناه فلا يصح إلا بهما ، ولأن العتق ليس بمال ، ولا يجبر به مال ، فأشبه رقبة الحر ، وتورع ابن أبي موسى من حكاية رواية بعدم الصحة ، وجعل محل الخلاف في تولي طرفي العقد ، كما هو مقتضى نص أحمد فقال : ومن أعتق أمته وجعل عتقها صداقها ثبت العتق والنكاح جميعاً ، واختلف قوله هل يكون المولى هو العاقد لنفسه ، أم يحتاج إلى توكيل من يعقد له النكاح عليها بأمره ؟ على روايتين . فجعل الرواية أنه يستأنف العقد عليها بإذنه بدون رضاها ، إذ العتق وقع على هذا الشرط انتهى . وأجيب ( عن ملكها ) نفسها بأن الكلام المتصل لا يثبت له حكم الانفصال قبل تمامه ، فلم يستقر ملكها على نفسها إلا بعد النكاح ، والسيد كان يملك إجبارها على النكاح في حق الأجنبي ، فكذلك في حق نفسه ، ( وعن فقد ) الإيجاب والقبول بأن العتق لما خرج مخرج الصداق صار الإيجاب كالمضمر فيه ، فكأنه قال : تزوجتك وجعلت عتقك صداقك . والقائل هو الموجب ، فلا يحتاج إلى الجمع ين الإيجاب والقبول ، ( وعن كون ) العتق ليس بمال بأنه يترتب عليه حصول مال ، وهو تمليك العبد ، منافع نفسه وهو المقصود ، وسأله حرب : إذا جعل عتقها مهرها كيف يقول ؟ قال : يقول قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك . فشرط ابن حامد ذلك ، ليأتي بركن العقد .
وحيث قيل بالصحة فيشترط أن يحضره شاهدان ، نص عليه أحمد ، لعموم الأدلة في اشتراط الشهادة . والله أعلم .
قال : وإذا قال : اشهدا أني قد أعتقتها وجعلت عتقها صداقها . كان العتق والنكاح ثابتين . سواء تقدم القول بالعتق أو تأخر ، إذا لم يكن بينهما فصل .
ش : إذا قال لشاهدين : اشهدا أني قد أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها . كان العتق والنكاح أيضاً ثابتين ، سواء تقدم القول بالعتق كما في هذا المثال ، أو تأخر كما إذا قال : جعلت عتق أمتي صداقها وأعتقتها بشرط أن لايكون بين العتق والجعل ما يعد فصلًا ، كسكوت يمكن الكلام فيه ، أو كلام أجنبي ، لأنه كلام متصل بعضه ببعض ، فلا يحكم عليه إلا بعد تمامه ، انتهى .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط قبول الأمة ، ونص عليه أحمد والأصحاب .
( تنبيهان ) ( أحدهما ) الظاهر أنه لا بد أن يقصد بالعتق جعله صداقاً قبل أن يتم لفظ ( أعتقتك ) . كما في الاستثناء ونية العدد ، بل هذا هو العطف المغير ، وقد قال صالح لأبيه : الرجل يعتق الأمة فيقول : أجعل عتقك صداقك . أو صداقك عتقك . قال : كل ذلك جائز ، إذا كانت له نية فنيته ( الثاني ) أو رد على القاضي إذا قال : جعلت عتق أمتي صداق ابنتك . لا يصح النكاح فكذا في نفسه ، فأجاب : لا يصح ، لتقدم القبول على الإيجاب ، فلو قال الأب ابتداء : زوجتك ابنتي على عتق أمتك . فقال : قبلت . لم يمتنع أن يصح ، وقال أبو العباس فيما إذا قال : زوجت أمتي من فلان ، وجعلت عتقها صداقها . قياس المذهب صحته ، لأنهم قالوا : الوقت الذي جعل العتق صداقاً كان يملك إجبارها في حق الأجنبي . والله أعلم .
قال : فإن طلقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمتها .
ش : إذا طلق الأمة المجعول عتقها صداقها قبل أن يدخل بها رجع عليها بنصف قيمتها ، نص عليه أحمد في رواية الجماعة ، إذ التسمية صحيحة ، وذلك يوجب الرجوع في نصفها كغيرها ، ولما لم يكن سبيل إلى الرجوع في الرق بعد زواله ، رجع في بدله وهو القيمة ، وعلى هذا لو ارتدت ، أو فعلت ما يفسخ نكاحها قبل الدخول ، رجع عليها بجميع قيمتها ، ( وعلى الرواية ) الأخرى المختارة للقاضي وبعض أصحابه يستأنف النكاح بإذنها ، ( وعلى قول ) ابن أبي موسى لا يعتبر إذنها ، وعلى كل حال مهرها العتق ، فعلى قول القاضي إن امتنعت لزمها قيمة نفسها ، لأنه إنما بذل نفسها في مقابلة بضعها ، ولم تسلم له ، فيرجع في قيمتها ، قال أبو العباس : وقياس المذهب أنه لا يلزمها شيء ، إذا لم يلزم النكاح ولم ترض بالشرط ، كما لو أعتقها على ألف فلم تقبل بل أولى ، إذ : على ألف أبلغ في الشرط من : أعتقتك وجعلت عتقك صداقك .
( تنبيه ) تعتبر القيمة وقت التلف وهو العتق ، ثم إن كانت قادرة فلا كلام ، وإن كانت معسرة فهل تنظر إلى ميسرة أو تلزم بالاستسعاء ؟ فيه روايتان منصوصتان ، قال القاضي : أصلهما المفلس إذا كانت له حرفة ، هل يجب عليه الاكتساب ؟ على روايتين ، والله أعلم .
قال : وإذا قال الخاطب للولي : أزوجت ؟ فقال : نعم . وقال للمتزوج : أقبلت ؟ فقال : نعم . فقد انعقد النكاح ، إذا كان بحضرة شاهدين .
ش : هذا منصوص أحمد ، وبه قطع الجمهور ، لأن ( نعم ) جواب صريح ، والسؤال مضمر معاد فيه ، أي نعم قبلت هذا النكاح ، ونعم زوجتها ، وهذا صريح لا احتمال فيه ، يحققه أنه لو قيل لرجل : لفلان عليك ألف درهم . فقال : نعم . كان إقراراً صحيحاً ، لا يرجع فيه إلى تفسيره ، وتقطع اليد بمثل ذلك ، مع أن الأصل براءة الذمة ، ودرء الحد بالشبهة ، ولا بد أن يحضر ذلك شاهدان لما تقدم ، وقيل : لا يصح النكاح بذلك في الصورتين ، قال ابن عقيل : وهو الأشبه بالمذهب ، لعدم لفظ الإنكاح والتزويج . والله أعلم .
قال : وليس للحر أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات .
2474 ش : هذا كالإجماع ، ويدل عليه ما روي عن قيس بن الحارث قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فأتيت النبي فقال : ( اختر منهن أبعاً ، وفارق سائرهن ) رواه أبو داود وابن ماجه ، وإذا منع من الزيادة على أربع في الدوام ، ففي الابتداء أولى ، وبهذا قيل إن الواو في قوله سبحانه : 19 ( { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } ) بمعنى ( أو ) لا عاطفة ، وقد فهم من قول الخرقي ، أن له أن يتسرى بما شاء ، ولا نزاع في ذلك ، لقوله سبحانه : 19 ( { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } ) .
قال : وليس للعبد أن يجمع إلا اثنتين .
2475 ش : لما روى الدارقطني عن عمر رضي الله عنه قال : ينكح العبد امرأتين ، ويطلق تطليقتين ، وتعتد الأمة حيضتين .
2476 وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل الناس كم يتزوج العبد ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : يتزوج ثنتين ، وطلاقه ثنتان . وهذا في مظنة الشهرة ، ولم ينكر فكان إجماعاً .
2477 وقد روي عن الحكم بن عتيبة قال : أجمع أصحاب رسول الله ت على أن العبد لا ينكح أكثر من اثنتين . وبهذا يتخصص عموم الآية أو يقال : الآية إنما تناولت الحر ، لأن فيها : 19 ( { أو ما ملكت أيمانكم } ) والعبد لا يملك ، ولو ملك فنفس ملكه لا يبيح التسري ، ثم في أول الآية : 19 ( { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } ) فالخطاب لمن يكون ولياً على يتيم ، والعبد لا يصلح لذلك .
( تنبيه ) من عتق نصفه فأكثر يجمع بين ثلاث ، نص عليه أحمد ، لأن ذلك مما يقبل التجزي ، فتجزى في حقه كالحد ، وقيل : لا يملك إلا اثنتين ، لأنهما قد ثبتا له وهو عبد ، فلا ينتقل عنهما إلا بدليل من نص أو إجماع ولم يوجد ، والله أعلم .
قال : وله أن يتسرى بإذن سيده .
ش : هذا منصوص أحمد رحمه الله ، في رواية الجماعة ، وقول قدماء أصحابه الخرقي ، وأبي بكر ، وابن أبي موسى ، وبعض متأخريهم ، كأبي محمد من غير بناء على روايتي ملكه وعدمها ، بل الخرقي وغيره يقولون : لا يملك ويبيحون له التسري ، وبناه القاضي وعامة من بعده على الروايتين في ملكه ، إن قلنا : يملك . جاز له التسري ، وإلا فلا يجوز ، وأحمد رحمه الله في رواية أبي طالب قد استدل وبينها بما هو كافٍ فيها .
2478 قال أبو طالب : سمعت أبا عبد الله قيل له : أيتسرى العبد ؟ قال : نعم . قال ذلك ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من التابعين ، عطاء ومجاهد ، وذكرهم ، وأهل المدينة على هذا ، وفي رواية قال : لم يزل أهل الحجاز على هذا . قيل لأبي عبد الله : فمن احتج بهذه الآية : 19 ( { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهن أو ما ملكت أيمانهم } ) فأي ملك للعبد ؟ قال : إذا ملكه ملك . يقول النبي : ( من اشترى عبداً وله مال ) فقد جعل له ملكاً ، هذا يقوي التسري أنه يطأ بملك ، وأهل المدينة يقولون : إذا أعتق وله مال فماله معه ، ولا يتعرض لماله ، وإذا باع العبد فالمال للسيد ، فقد جعلوا له مالًا في العتق ، وابن عمر وابن عباس أعلم بكتاب الله ممن احتج بهذه الآية ، هم أصحاب النبي وأنزل على النبي القرآن ، وهم أعلم فيما أنزل فقالوا : يتسرى العبد . ولكن في القياس ليس يقوم حد الملك ، لأنه ليس خالصاً له دون السيد ، فيقول بقولهم ، قال ابن سيرين : لا تزال على الطريق ما اتبعت الأثر . فقد استدل أحمد رحمه الله بقول الصحابة ، وبعمل أهل الحجاز ، وبين أن يقول الصحابة يعرف معنى القرآن ، وبين أن ملكه ليس كملك الحر ، وهذا الذي يفصل النزاع ، فالخرقي والقدماء يقولون : لا نثبت ملكاً مطلقاً ، لكن ملكاً يبيح له التسري فقط ، لمصلحة راجحة ، ولا بدع في ذلك ، إذ الموقوف عليه يملك الانتفاع دون نقل الملك في الأصل ، وكذلك سيد أم الولد يملك الانتفاع بها دون البيع ونحوه ، والشارع يثبت من الملك ما فيه مصلحة العباد ، ويمنع ما فيه فسادهم ، والعبد محتاج إلى النكاح ، فالمصلحة تقتضي ثبوت ملك البضع له ، وإلا فكون العبد يملك مطلقاً ، فيه إضرار بالسيد ، ومنع العبد مطلقاً ، فيه إضرار به ، فالعدل ثبوت قدر الحاجة ، وفي الحقيقة الملك المطلق لله سبحانه وحده ، ثم إذا ثبت للعبد ملك النكاح وهو أشرف فملك التسري أولى ، وغاية ما يقال أن إثبات ملك يحل الوطء دون غيره لا نظير له ، فنقول : قد ثبت ذلك عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ولا يعرف لهما مخالف ، وإذاً لا يحتاج إلى النظير ، ثم العبد لا نظير له في نفسه ، إذ ليس هو مثل الحر ، ولا مثل البهيمة ، فكذلك في أحكامه انتهى . وإذا جاز له التسري جاز له التسري بما شاء بإذن السيد كالحر .
( تنبيه ) نقل الجماعة عنه : إذا أذن له سيده مرة لم يكن له الرجوع . فظاهر هذا أنه جعل الإذن في التسري مقتضياً لملك البضع كالنكاح ، فكما أنه ليس له الرجوع في النكاح إذا أذن له ، فكذلك في التسري ، وهو يؤيد طريقة الخرقي ومن وافقه ، قال أبو محمد : ولم أجد عنه خلاف هذا ، والقاضي لما استشعر أن هذا يخالف طريقته حمله على أنه أطلق التسري وأراد به النكاح . والله أعلم .
قال : ومتى طلق الحر أو العبد طلاقاً يملك فيه الرجعة أو لا يملك ، لم يكن له أن يتزوج أختها حتى تنقضي عدتها .
ش : هذا يعتمد أصلًا ، وهو أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في عقد النكاح ، وهذا إجماع والحمد لله ، وقد شهد له قوله تعالى : 19 ( { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } ) الآية إذا تقرر هذا فكما أنه لا يجوز الجمع بينهما في عقد النكاح ، لا يجوز الجمع بينهما في العدة ، فإذا تزوج امرأة ثم طلقها ، لم يجز له أن يتزوج في عدتها من لا يجوز له الجمع بينهما في عقد النكاح ، كأختها وعمتها وخالتها ، ونحو ذلك . رجعية كانت أو بائناً ، أما الرجعية فبالاتفاق ، إذ هي زوجة .
2479 وأما البائن فلأن ذلك يروى عن علي وابن عباس رضي الله عنهم .
2480 وعن عبيدة السلماني قال : ما أجمعت الصحابة على شيء كإجماعهم على أربع قبل الظهر ، وأن لا تنكح المرأة في عدة أختها .
2481 ويورى عن النبي : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجمع ماءه في رحم أختين ) ولأنها محبوسة عن النكاح لأجله ، أشبهت الرجعية ، وقوله : 19 ( { وأن تجعوا بين الأختين } ) أي في أحكام الوطء ، لأنه أشمل ، فهو أكثر فائدة ، وحكم العدة من فسخ ، حكم العدة من طلاق ، والله أعلم .
قال : وكذلك إن طلق واحدة من أربع ، لم يجز له أن يتزوج خامسة حتى تنقضي عدتها .
ش : قد تقدم أنه لا يجوز للحر أن يجمع في عقد النكاح بين أكثر من أربع ، وكذلك لا يجوز أن يجمع بينهن في العدة ، وإن كان الطلاق بائناً ، لأنها محبوسة عن النكاح لأجله ، أشبهت الرجعية .
2482 وعن أبي الزناد قال : كان للوليد بن عبد الملك أربع نسوة ، فطلق واحدة ألبتة ، وتزوج قبل أن تحل ، فعاب عليه ذلك كثير من الفقهاء : قال سعيد بن منصور : وإذا عاب عليه سعيد بن المسيب ، فأي شيء بقي .
قال : وكذلك العبد إذا طلق إحدى زوجتيه .
ش : أي ليس له أن يتزوج بأخرى حتى تنقضي عدة المطلقة ، لما تقدم في الحر ، وحكم البينونة من فسخ حكم الطلاق ، نعم لو كانت البينونة بموت فقال ابن أبي موسى في الإرشاد : إذا ماتت واحدة من منتهى جمعه كان له أن يتزوج أخرى عقب موتها ، وكذلك له أن يتزوج الأخت عقب موت أختها ، وكذلك لو طلقها طلاقاً لا رجعة فيه ، أو بانت منه بينونة لا رجعة فيها ، وقد شذ عن الجماعة في الطلاق البائن .
( تنبيه ) حكم الوطء بشبهة أو زنا حكم الوطء في نكاح صحيح ، فإذا وطيء امرأة بشبهة أو زنا لم يجز في العدة أو يتزوج أختها ، ولا يطأها إن كانت زوجته ، على المذهب المنصوص ، لئلا يجمع ماءه في رحم أختين ، وكذلك لا يجوز وطء أربع سواها بالزوجية ، وابتداء بالعقد على أربع ، قاله أبو بكر في الخلاف ، والقاضي ، وأبو الخطاب في الانتصار ، وابن عقيل ، حذاراً من جمع خمس نسوة في الفراش ، أو فيما هو في حكمه وهو الزنا ، لثبوت حرمة المصاهرة ، وقيل : يجوز ، لعدم النكاح ، ويجوز في مدة استبراء العتيقة نكاح أربع سواها ، قاله القاضي في الجامع والخلال ، وابن المنى ، ونصبه أبو الخطاب في خلافه الصغير ، كما قبل العتق ، وقيل : لا يجوز . التزمه القاضي في التعليق في موضع ، قياساً على المنع من تزوج أختها . والله أعلم .
قال : وإذا خطب امرأة فزوج بغيرها لم ينعقد النكاح .
ش : إذا خطب امرأة فزوج بغيرها ، فقبل يظنها المخطوبة ، لم ينعقد النكاح ، نص عليه أحمد ، لأن القبول انصرف إلى غير من وجد الإيجاب فيه ، فلم يتواردا على محل واحد ، وإذاً لا ينعقد النكاح ، لعدم ركن العقد ، وهو الإيجاب والقبول ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوجها وشرط أن لا يخرج بها من دارها أو بلدها فلها شرطها ، لما روي عن النبي أنه قال : ( أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج ) .
ش : هذا هو المذهب المنصوص ، وعلى هـ الأصحاب .
2483 لهذا الحديث ، وهو حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله : ( أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) رواه الجماعة ، ولعمومات الأمر بالوفاء بالعقود والعهود ، ولأن الله تعالى ورسوله حرما مال الغير إلا عن تراض منه ، ولا ريب أن المرأة لم ترض ببذل فرجها إلا بهذا الشرط ، وشأن الفرج أعظم من شأن المال ، فإذا حرم المال إلا بالتراضي ، فالفرج أولى ، ولهذا جعل النبي الشروط فيه الولي أن يزوج المرأة إلا برضاها ، ونهى المرأة أنتتزوج إلا بإذن وليها .
2484 وروى الأثرم رجلًا تزوج امرأة وشرط لها دارها ، ثم أراد نقلها ، فخاصموها إلى عمر رضي الله عنه فقال : لها شرطها . فقال الرجل : إذاً يطلقننا : فقال عمر : مقاطع الحقوق عند الشروط .
2485 وعن ابن عمر فيما إذا شرط أن لا يخرجها من مصرها نحوه . رواه الترمذي . ( وعن أحمد ) رحمه الله ، رواية أخرى : لا يلزم هذا الشرط ، حكاها أبو الحسين عن شيخه أبي جعفر ، ولعلها مأخوذة من أن الأصل في العقود والشروط البطلان ، إلا أن يدل دليل على الصحة على رواية مرجوحة .
2486 وذلك لقول النبي في الحديث الصحيح ( كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ) وهذا ليس في كتاب الله .
2487 وعن عمرو بن عوف رضي الله عنهما قال قال رسول الله : ( المسلمون على شروطهم ، إلا شرطاً حرم حلالًا ، أو أحل حراماً ) مختصر ، رواه الترمذي ، وقال : حسن صحيح . وفيه كلام . وهذا يحرم حلالًا ، وأجيب عن الأول بأن معنى ( ليست في كتاب الله ) أي في حكمه وشرعه ، وهذه مشروعة ، بدليل ما تقدم ، وعن الثاني بأنها لا تحرم الحلال ، وإنما يثبت للمرأة خيار الفسخ ، إن لم يف لها به .
إذا تقرر هذا فمتى أخرجها من دارها بغير اختيارها فلها الفسخ ، وغالى القاضي في الجامع فأثبت الفسخ بالعزم على الإخراج ، ومقتضى كلام الأصحاب أن الزوج لا يجبر على الوفاء بهذا الشرط ، وكلام الخرقي ظاهر في إجباره ، وكذلك كلام أحمد فر رواية حرب ، قال : إذا شرط أن لا يخرجها من قريتها ، ليس له أن يخرجها . انتهى ، وفي معنى هذا الشرط إذا شرط أن لا يخرجها من مصرها . والله أعلم .
قال : وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها ، فلها فراقه إن تزوج عليها .
ش : الكلام في هذا الشرط نقلًا ودليلًا كالكلام في الذي قبله ، إلا أن ظاهر كلامه هنا أنه لا يجبر على ترك النكاح ، بل إذا تزوج عليها فلها الفسخ ، وكذا ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور ، إذا تزوجها على أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ، فإن تزوج أو تسرى فهي مخيرة ، وكأن الفرق أنه لا ضرر عليه في عدم إخراجها من دارها ، أما ترك النكاح فقد يتضرر به ، لكونه لا يعفه ونحو ذلك ، وفي معنى هذا الشرط إذا شرط أن لا يتسرى عليها .
( تنبيه ) لا ريب في عدم صحة هذين الشرطين ونحوهما بعد العقد ، وصحة ذلك فيه ، أما قبله فثلاثة أوجه ( أحدها ) وهو ظاهر إطلاق الخرقي ، وأبي الخطاب في الهداية ، وأبي محمد وغيرهم ، وقال أبو العباس في فتاويه : إنه ظاهر المذهب ، ومنصوص أحمد ، وقول قدماء أصحابه ، ومحققي المتأخرين أنه كالشرط فيه ، ( والثاني ) لا أثر لما قبل العقد مطلقاً ، وهو قول القاضي في مواضع ، ومقتضى قول أبي البركات وغيرهما ، ( والثالث ) يفرق بين شرط يجعل العقد غير مقصود ، كالتواطيء على أن البيع تلجئة لا حقيقة له فيؤثر ، وبين شرط لا يخرجه عن أن يكون مقصوداً ، كاشتراط الخيار ، فهذا لا يؤثر ، قاله القاضي في تعليقه في موضع ، والله أعلم .
قال : ومن أراد أن يتزوج امرأة فله أن ينظر إليها من غير أن يخلو بها .
ش : المذهب المعروف المشهور جواز النظر للمخطوبة في الجملة .
2488 لما روى جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال : ( إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعو إلى نكاحها فليفعل ) قال : فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها . رواه أحمد وأبو داود .
2489 وفي حديث الموهوبة أن النبي صعد فيها النظر وصوبه ، وقال حرب : قلت لأحمد : الرجل إذا أراد أن يتزوج امرأة هل ينظر إليها ؟ قال : إذا خاف ريبة ؛ وظاهر هذا يفيد الجواز لخوف الريبة .
2490 وقد يستدل لها بما روى أبو هريرة قال : كنت عند رسول الله فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار ، فقال له رسول الله : ( أنظرت إليها ؟ ) قال : لا . قال : ( فاذهب فانظر إليها ، فإن في أعين الأنصار شيئاً ) رواه مسلم .
2491 وللنسائي : خطب رجل امرأة من الأنصار ، فقال له رسول الله : ( هل نظرت إليها ؟ ) الحديث انتهى ، وإذا جاز له النظر ، فعنه وهو اختيار أبي محمد في العمدة ينظر إلى ما يظهر غالباً ، كالرقبة واليد والقدم ، وقيل ظهر القدم ، لظاهر ما تقدم من الحديث ، إذ من ينظر إلى امرأة وهي غافلة نظر منها إلى ما يظهر عادة ، وعلى هذا يحمل إطلاق الخرقي ، وكذا أيضاً حمل عليها القاضي قول أبي بكر في الخلاف : ينظر إليها حاسرة . وقد يحمل كلامهما على إطلاقه ، إذ الحاسرة هي التي تضع خمارها ودرعها ، والحديث لا يأبى هذا ، بل لعله ظاهره ( نعم ) يستثنى من ذلك ما بين السرة والركية ، لأنه لا يظن من صحابية كشف ذلك وإن كانت خالية .
2492 وقد روى سعيد عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر قال : خطب عمر بن الخطاب ابنة علي ، فذكر منها صغراً ، فقالوا له : إنما ردك . فعادوه فقال : نرسل بها إليك تنظر إليها فرضيها ، فكشف عن ساقيها ، فقالت : أرسل ، لولا أنك أمير المؤمنين للطمت عينك ( وعنه ) رواية ثانية لا ينظر إلا الوجه واليدين ، بناء على أن اليدين ليسا من العورة ، وهي اختيار زاعمي ذلك ، قال القاضي في تعليقه : المذهب المعمول عليه المنع من النظر إلى ما هو عورة ، ونحوه قال الشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، وذلك لظاهر قوله تعالى : 19 ( { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } ) .
2493 قال ابن عباس : الوجه وباطن الكف . رواه عنه الأثرم ( وعنه رواية ثالثة ) : يختص النظر بالوجه . صححها القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، لأنه مجمع المحاسن .
2494 وشرط جواز النظر على كل حال عدم الخلوة بها ، لقوله : ( لا يخلون رجل بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما ) ويخرج عن الخلوة بحضور امرأة صبية فأكثر ، أو رجل من ذوي أرحامها ، أو عصباتها ممن يباح له السفر بها .
وظاهر كلام الخرقي يشمل الأمة والحرة ، وكذلك ظاهر كلام الشيخين وغيرهما ، وصرح به القاضي في المجرد ، وجعل في الجامع وابن عقيل حكم النظر في خطبة الأمة حكم النظر في شرائها .
وظاهر كلام الخرقي أيضاً أن النظر على سبيل الإباحة ، وجعله ابن عقيل وابن الجوزي مستحباً ، وهو ظاهر الحديث ، قال أبو العباس : وينبغي أن يكون النظر بعد العزم على نكاحها وقبل الخطبة . والله أعلم .
قال : وإذا زوج أمته وشرط عليه أن تكون عندهم بالنهار ، ويبعث بها إليه بالليل ، فالعقد والشرط جائزان ، وعلى الزوج النفقة مدة مقامها عنده .
ش : لا ريب أن سيد الأمة يستحق منفعة الاستخدام والوطء ، وقد أخرج منفعة الوطء ، ومحلها عرفا وعادة هو الليل فيختص به ، وإذاً فهذا شرط مؤكد لمقتضى العقد ومقوّ لَه ، فلا ريب في جوازه وجواز العقد معه ، وعلى هذا يكون على الزوج نفقتها ليلًا ، إذ النفقة تدور مع التسليم ، وهي إنما تسلمت كذلك ، ولو بذلها السيد للزوج والحال أنهما شرطا ذلك لم يلزمه القبول ( على وجه ) اعتماداً على شرطه ، لأن له فيه غرضاً صحيحاً ، ويلزمه ( على آخر ) إذ هذا مقتضى الزوجية ، وإنما سقط عنه لمعارضة حق السيد ، والسيد قد رضي بإسقاط حقه فيسقط ، وقد فهم من هذا الذي قلناه أنه مع عدم الشرط يكون الحكم كما قال الخرقي ، وأن السيد متى بذلها له لزمه جميع النفقة بلا نزاع .
( تنبيه ) جملة النفقة بينهما نصفين عند أبي محمد ، وكذلك الكسوة قطعاً للتنازع ، وقيل وهو الذي أورده أبو البركات مذهباً يختص كل واحد بما يجب عليه ، فيجب على الزوج نفقة الليل ، وتوابعه من الوطاء والغطاء ، ودهن المصابح ونحوه ، والله أعلم .
قال :

باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك

ش : قد نص الله سبحانه على عدة محرمات في كتابه العزيز ، في قوله تعالى : 19 ( { حرمت عليكم أمهاتكم } ) الآية ونص نبيه على عدة أيضاً ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
قال : والمحرمات نكاحهن بالأنساب الأمهات ، والبنات ، والأخوات ، والعمات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت .
ش : قد نص الله تعالى على ذلك كذلك ، قال تعالى : 19 ( { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ، وأخواتكم ، وعماتكم ، وخالاتكم ، وبنات الأخ وبنات الأخت } ) ( ويدخل في الأمهات ) أمه التي ولدته ، وجداته من قبل أبيه وأمه وإن علون ، لصحة تناول الاسم للجميع .
2495 وقد جاء في الدعاء ( اللهم صل على أبينا آدم ، وأمنا حواء ) ( ويدخل في البنات ) بنات الابن ، وبنات البنت وإن سفلن ، لصحة تناول الاسم للجميع ، وتدخل البنت من نكاح صحيح ، أو ملك يمين أو شبهة ، وكذلك البنت من زنا ، لشمول الآية الكريمة للجميع .
2496 وقد قال في امرأة هلال بن أمية ( انظروه ) يعني ولدها ( فإن جاءت به على صفة كذا فهو لشريك بن سحماء ) يعني الزاني ، فجعله له .
2407 واستدل أحمد بأمر النبي سودة أن تحتجب من ابن أمة زمعة للشبه الذي رأى بعتبة .
( تنبيه ) يكفي في التحريم أن يعلم أنها بنته ظاهراً ، وإن كان النسب لغيره ، قاله القاضي في التعليق ، وظاهر كلام أحمد في استدلاله أن الشبه كاف في ذلك . ويدخل في الأخوات الأخوات من الأبوين ، أو من الأب ، أو من الأم ، لشمول الآية لذلك ( ويدخل في العمات ) كل أخت لأب وإن بعد ، من جهة أبيه ، أو من جهة أمه ( وفي الخالات ) كل أخت لأم وإن بعدت من جهة أبيه ، أو من جهة أمه ، لشمول الآية الكريمة لذلك ، ولأنه إذا ثبت أن كل جد أب ، وأن كل جدة أم فكل أخت لهما عمة وخالة ، ( ويدخل في بنات الأخ ، وبنات الأخت ) كل بنت أخ وإن سفلت ، وقد استفيد من كلام الخرقي تخصيص هؤلاء بالذكر بأنه لا يحرم من عداهن فلا تحرم بنات العمات ، ولا بنات الخالات ، وقد نص الخرقي على ذلك بعد ، ولا بنات الأخوال ، ولا بنات الأعمام ، ولا ريب في ذلك ، لقوله تعالى : 19 ( { يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك } ) إلى 19 ( { وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك } ) والأصل المساواة ، لا سيما وقد دخلن في عموم 19 ( { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ) واختصار ما تقدم أن جميع أقارب النسب حرام ، إلا الأربعة المذكورة في آية الأحزاب ، والله أعلم .
قال : والمحرمات بالأسباب الأمهات المرضعات ، والأخوات من الرضاعة .
ش : يعني في كتاب الله سبحانه ، ولهذا عمم بعد ، قال الله سبحانه : 19 ( { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } ) ويدخل في الأمهات الأم التي أرضعت الطفل ، وأمهاتها ، وجداتها ، وإن علون كما في النسب ، ويدخل في الأخوات والله أعلم .
قال : وأمهات النساء ، وبنات النساء اللاتي دخل بهن ، وحلائل الأبناء ، وزوجات الأب .
ش : المحرمات بالسبب على ما ذكر الخرقي ثلاثة أنواع ( النوع الأول ) المحرمات بالرضاع وقد تقدم ( النوع الثاني ) المحرمات بالمصاهرة ، وهن أربع ( أمهات نسائه ) وإن بعدن ولم يرثن ، أو كن من رضاع ، لشمول الاسم لهن ( وبنات نسائه ) وإن بعدن ولم يرثن أو كن من رضاع وهؤلاء من الربائب ( وحلائل الأبناء ) أي زوجات الأبناء ، سميت الزوجة بذلك لأنها محل إزار زوجها ، وهي محللة له وهو محلل لها وقيل : لأنها تحل معه ويحل معها ، ويدخل في ذلك الابن البعيد ، وغير الوارث ، ومن الرضاع ، ( وزوجات الأب ) وإن بعد ، ولم يرث ، أو كان من رضاع ، والأصل في ذلك كله قول الله تعالى : 19 ( { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } ) وقال تعالى : 19 ( { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف } ) وشرط تحريم الربيبة الدخول بأمها ، كما نص الله سبحانه عليه ، فإن قيل : فقد قيد سبحانه الربائب بكونهن في الحجر .
2498 وكذلك المبين لكتابه ، حيث قال : ( لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ) وقيد سبحانه حلائل الأبناء بكون الأبناء من الصلب . قيل : أما التقييد بالحجر فقد قيل : إنه خرج مخرج الغالب ، إذا الغالب في الربيبة كونها في الحجر ، وما خرج مخرج الغالب لا مفهوم له اتفاقاً ، وقد حكى ابن عقيل اشتراط الحجر ، نظراً لما تقدم وهو ظاهر ، وأما تقييد الابن بالصلب فليخرج والله أعلم الابن المتبنى .
2399 أما الابن من الرضاع فإنه يدخل في قوله : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) .
( تنبيهان ) أحدهما يترتب التحريم المتقدم بالعقد الصحيح المفيد للحل بلا ريب ، وبالعقد الفاسد على ظاهر كلام القاضي في المجرد فيما أظن ، قال : العقد الفاسد يثبت جميع أحكام النكاح إلا الحل ، والإحلال ، والإحصان ، والإرث ، وتنصف الصداق بالفرقة قبل المسيس ، وظاهر كلامه في التعليق أن العقد الحرام وإن لم يتمحض تحريمه لا يتعلق به تحريم ، فإن المخالف احتج عليه في أن الزنا لا يثبت تحريم المصاهرة ، بأن العقد الحرام لا يتعلق به تحريم كذلك الوطء ، فأجاب : العقد إذا لم يتمحض تحريمه يتعلق به التحريم ، كذلك إذا تمحض تحريمه ، والوطء إذا لم يتمحض تحريمه يتعلق به التحريم ، كذلك إذا تمحض تحريمه ، وذكر أيضاً في موضع آخر ما يدل على ذلك ، هذا في أنكحة المسلمين ، أما في أنكحة الكفار فقد ذكر القاضي في تعليقه وغيره فيما إذا أسلم وتحته أم وبنت لم يدخل بواحدة منهما أنه يبطل نكاح الأم ، ونص أحمد على ذلك ، وهذا تصريح ببطلان نكاح الأم ، ونص أحمد على ذلك ، وهذا تصريح ببطلان نكاح الأم ، مع أن النكاح لا يقرون عليه بعد الإسلام ، والقاضي استنبط من هذا النص صحة النكاح ، قال : وإلا لم ينشر حرمة المصاهرة ، وجعل أبو العباس في بعض قواعده تحريم المصاهرة تابعاً للسبب ، وهو يلتفت إلى الأول .
( الثاني ) المراد بالدخول هنا في كلام الخرقي يحتمل أنه الوطء فتخرج الخلوة ، ويحتمل أنه أعم من ذلك ، فتدخل الخلوة ، وهو مقتضى كلامه بعد ، ( وعن أحمد ) فيما إذا طلق بعد الخلوة وقبل الوطء روايتان ، أنصهما وهو الذي قطع به القاضي في الجامع الكبير في موضع ، وفي الخصال ، وابن البنا والشيرازي ثبوت تحريم الربيبة ، لأن الله سبحانه أطلق الدخول ، وهو شامل للخلوة ، والعرف على ذلك ، يقال : دخل على زوجته . إذا بنى بها ، وإن لم يكن وطئها ( والثانية ) وهي اختيار أبي محمد ، وابن عقيل ، والقاضي في المجرد ، وفي الجامع في موضع : لا يثبت تحريمها نظراً إلى أن الدخول كناية عن الوطء .
وظاهر كلام الخرقي أن القبلة أو اللمس لا يثبتان تحريم الربيبة ، وقد يقال بالتحريم ، بناء على تقرر الصداق بذلك ، وظاهر كلامه أيضاً ، أنه لا يثبت باستدخال الماء ، ونص عليه القاضي في تعليقه في اللعان ، ( وظاهر كلامه ) أيضاً أن الموت قبل الدخول لا يثبت التحريم ، وهو إحدى الروايتين ، واختيار أبي محمد ، والقاضي في الروايتين ، لظاهر الآية الكريمة ( والثانية ) يثبت ، اختارها أبو بكر في المقنع ، إذ الموت أقيم مقام الدخول في تكميل الصداق والعدة ، فكذلك في تحريم الربيبة ، والله أعلم .
قال : والجمع بين الأختين .
ش : هذا النوع الثالث مما حرم بالسبب ، إذ تزوج إحدى الأختين هو السبب لتحريم أختها ، والأصل في ذلك قوله تعالى : 19 ( { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } ) ويدخل في ذلك الأختان من كل جهة ، ومن النسب والرضاع ، والله أعلم .
قال : ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
ش : لما ذكر المنصوص عليه في كتاب الله عز وجل من المحرمات ، ذكر المأخوذ من جهة السنة .
2500 فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي أريد على بنت حمزة ، فقال : ( إنها لا تحل لي ، إنها ابنة أخي من الرضاعة ، ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم ) وفي لفظ ( من النسب ) .
2501 وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ) متفق عليهما .
2502 وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إن الله حرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) رواه أحمد والترمذي وصححه ، وقد استثنى بعض الأصحاب من هذا العموم صورتين ( إحداهما ) أم أخته ( والثانية ) أخت ابنه ، فإنهما لا يحرمان ، والصواب عند الجمهور عدم استثنائهما ، لأن أم أخته . إنما حرمت في غير الرضاع لكونها زوجة أبيه ، وذلك تحريم مصاهرة ، لا تحريم نسب ، وكذلك أخت ابنه إنما حرمت لكونها ربيبته .
( تنبيه ) لا فرق بين الرضاع المباح والمحظور ، على ظاهر كلام الخرقي وغيره ، كأن يكره امرأة على الرضاع أو يغصب لبنها فيسقيه الطفل ، وقد ذكر ذلك القاضي في تعليقه بما يدل على أنه إجماع ، والله أعلم .
قال : ولبن الفحل محرم .
ش : لا نزاع بين أهل العلم في أن حرمت الرضاع تنتشر من جهة المرأة ، واختلفوا هل تنتشر من جهة الرجل الذي اللبن له ، فذهب الجمهور إلى أنه ينتشر منه ، كما ينتشر من المرأة ، فيصير الطفل ولد الرجل ، والرجل أباه ، وأولاد الرجل إخوته ، سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها ، وإخوة الرجل وأخواته أعمام الطفل وعماته . وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته ، لأن اللبن من الرجل ، كما هو من المرأة .
2503 وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعد ما أنزل الحجاب ، فقلت : لا والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ، وإنما أرضعتني امرأة أبي القعيس ، فدخل علي رسول الله فقلت : يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته ، فقال : ( ائذني له فإنه عمك تربت يداك ) قال عروة : فبذلك كانت عائشة تقول : حرموا من الرضاعة ما يحرم من النسب . وهذا نص ، والله أعلم .
قال : والجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها .
ش : هذا أيضاً مما ثبت بسنة المبين لكتاب ربه .
2504 فروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : ( لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها ) وفي لفظ قال : نهى النبي أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ) متفق عليهما .
2505 وللبخاري والترمذي عن جابر رضي الله عنه مثله .
2506 وفي التمهيد عن ابن عباس نحوه ، وفيه : وقال : ( إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) وبهذا يتخصص عموم 19 ( { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ) مع أن هذا كالإجماع ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على ذلك . وليس فيه بحمد الله اختلاف إلا عن بعض أهل البدع ممن لا يعتد بخلافه كالروافض والخوارج .
2507 يروى أن رجلين من الخوارج أتيا عمر بن عبد العزيز ، وكان مما أنكرا عليه رجم الزانيين ، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، وبينها وبين خالتها ، وقالا : ليس هذا في كتاب الله . فقال لهما : كم فرض الله عليكما من الصلوات ؟ قالا : خمس صلوات في اليوم والليلة . وسألهما عن عدد ركعاتها ، فأخبراه بذلك ، وسألهما عن مقدار الزكاة ونصبها ؛ فأخبراه ، فقال : فأين تجدان ذلك في كتاب الله ؟ قالا : لا نجده في كتاب الله ، قال : فمن أين صرتما إلى ذلك ؟ قالا فعله رسول الله ؟ والمسلمون بعده ، قال : فكذلك هذا . ولا فرق بين العمة القريبة والبعيدة ، وكذلك الخالة ، والضابط أن كل امرأتين لو قلبت إحداهما ذكراً لم يجز له أن يتزوج بالأخرى لأجل القرابة ، لم يجز الجمع بينهما ، حذاراً من قطيعة الرحم القريبة ، وبهذا حرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها ، لأن الأخ لا تباح له بنت أخيه ، وابن الأخت لا تباح له خالته ، وأبيح الجمع بين بنتي عمين ، وبنتي خالين ، وبنتي عمتين ، وبنتي خالتين ، لأن ابن العم له أن يتزوج بنت عمه ، وابن الخال يتزوج بنت خاله ، لكن هل يكره حذاراً من قطيعة الرحم ، وإن كانت بعيدة أو لا يكره ؟ فيه روايتان ، والله أعلم .
قال : وإذا عقد على المرأة وإن لم يدخل بها فقد حرمت على أبيه وابنه ، وحرمت عليه أمها .
ش : تحرم زوجة الأب على الابن ، وزوجة الابن على الأب بمجرد العقد اتفاقاً ، وكذلك أمهات النساء ، اتباعاً لإطلاق الرب سبحانه ، إذ بالعقد تسمى حليلة ابنه ، ومنكوحة أبيه ، وأن زوجته ( وروي عن أحمد ) رحمه الله أن أمهات النساء كالربائب ، لا يحرمن إلا بالدخول ببناتهن ؛ وقد يستدل له بقوله تعالى : 19 ( { وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن } ) على أن ( دخلتم ) راجع إلى الأمهات وإلى الربائب ، وهو مردود بأن ( نسائكم ) الأول مجرور بالإضافة ( ونسائكم ) الثاني مجرور بحرف الجر ، فالجران مختلفان ، وما هذا سبيله لا تجري عليه الصفة كما إذا اختلف العمل .
2508 وبما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله قال : ( أيما رجل نكح امرأة فدخل بها ، فلا يحل له نكاح ابنتها ، وإن لم يكن دخل لها فلينكح ابنتها ، وأيما رجل نكح امرأة فلا يحل له أن ينكح أمها ، دخل بها أو لم يدخل ) رواه الترمذي .
2509 وسئل زيد بن ثابت رضي الله عنه 16 ( عن رجل تزوج امرأة ثم فارقها قبل أن يصيبها ، هل تحل له أمها ؟ فقال زيد بن ثابت : لا ، الأم مبهمة ، ليس فيها شرط ، وإنما الشرط في الربائب ) . رواه مالك في الموطأ ، وعن ابن عباس نحوه .
2510 وأرخص ابن مسعود رضي الله عنه في نكاح الأم إذا لم يمس البنت وهو بالكوفة ، ثم قدم المدينة فأخبر أنه ليس كما قال ، إنما الشرط في الربائب ، فرجع إلى الكوفة ، فأمر الرجل أن يفارق امرأته . رواه مالك في الموطأ . والله أعلم .
قال : والجد وإن علا فيما قلت بمنزلة الأب ، وابن الابن فيه وإن سفل بمنزلة الابن .
ش : قد تقدم ذلك ، اتباعاً لإطلاق الآية الكريمة ، والله أعلم .
قال : وكل من ذكرنا من المحرمات من النسب والرضاع فبناتهن في التحريم كهن ، إلا بنات العمات وبنات الخالات ، وبنات من نكحهن الآباء والأبناء ، فإنهن محللات .
ش : قد تقدم هذا كله فيما تقدم ، وإن كان الأولى تأخيره إلى هنا ، إلا بنات من نكحهن الآباء والأبناء ، لدخولهن في عموم : 19 ( { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ) وأمهاتهن إنما حرمن لكونهن حلائل الآباء والأبناء ، وبناتهن لسن بحلائل ، وبهذا فارقن ابنة الربيبة ، إذ ابنة الربيبة ربيبة ، وابنة الحليلة ليست حليلة ، والله أعلم .
قال : وكذلك بنات الزوجة التى لم يدخل بها .
ش : هذا مستأنف ، لا معطوف على ما تقدم ، وإلا يلزم أن أم الربيبة محرمة ، أي وكذلك تحل بنات الزوجة التي لم يدخل بها ، وقد تقدم ذلك ، والله أعلم .
قال : ووطء الحرام محرم كما يحرم وطء الحلال والشبهة .
ش : وطء الحرام ما يحرم وطء الحلال والشبهة ، نص عليه أحمد في رواية الجماعة .
2511 لما روي عن النبي أنه قال : ( لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ) رواه ابن أبي شيبة مرسلًا ، لكن في رواته الحجاج بن أرطأة .
2512 وروى بإسناد صحيح عن عمران بن حصين أنه قال : إذا وطيء الرجل أم امرأته حرمت عليه امرأته . وأيضاً قوله سبحانه : 19 ( { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ) ومن وطئ فقد نكح ، إذ النكاح حقيقة في الوطء ، بدليل قول الشعر . .
ومن أيم قد أنكحتها رماحنا

وأخرى على عم وخال تلهف

وقال أبو عمر غلام ثعلب : الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين ، وعن المبرد عن البصريين أن النكاح في أصل اللغة اسم للجمع بين الشيئين ، قال الشاعر .
أيها المنكح الثريا سهيلا

عمرك الله كيف يجتمعان

والجمع يحصل حقيقة بالوطء دون العقد ، ولو قيل : إنه حقيقة فيهما أو في العقد فالقرينة دلت على أن المراد الوطء ، وهو قوله سبحانه : 19 ( { إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } ) ومثل هذا التغليظ لا يستعمل في العقد ، وأورد على هذا قوله سبحانه : 19 ( { هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا } ) فامتن سبحانه بالصهر ، ولا يمتن بالزنا .
2513 وبما روى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : ( الحرام لا يحرم الحلال ) .
2514 وعن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي نحوه ، وأجيب بأن الله سبحانه امتن بالنسب ، ومع هذا يثبت بالزنا ، لأنه يثبت من أمه وآبائها ، وعن حديث ابن عمر بأن مداره على إسحاق بن محمد الفروي ، وهو منكر الحديث ، قاله غير واحد من الأئمة ، ورماه ابن معين وغيره بالكذب ، وفيه أيضاً العمري وقد ضعف ، وعن حديث عائشة بأن مداره على عثمان بن عبد الرحمن ، وهو منكر الحديث ، وقال ابن معين : هو كذاب .
وقد أشعر كلام الخرقي بأن وطء الحلال والشبهة لا نزاع فيهما بين أهل العلم ، وهو كذلك ، إلا أنه قد حكي للشافعي قويل بأن وطء الشبهة لا يحرم ، ولا يعرج عليه ، ودخل في وطء الحلال الوطء بملك اليمين ، وهو إجماع ، ودل كلامه على أن وطء الشبهة ليس بحلال ولا حرام ، وقد صرح القاضي في تعليقه بأنه حرام ؛ وكلام الخرقي يشمل الوطء في القبل والدبر ، وصرح بذلك أبو محمد في كتابيه ، وكذلك القاضي ، وأبو الخطاب بما يقتضي أنه وفاق ، وشذ ابن حمدان في رعايتيه فقدم اختصاص الحكم بالقبل ، فقال : في قبل ، وقيل : أو دبر ( وقد دخل ) في كلام الخرقي وطء الميتة ، لأنه وطء حرام ، وقد قال القاضي في الجامع الكبير : إنه لا يعرف الرواية في ذلك ، وحكى فيها احتمالين ، ( وقد يدخل ) فيه وطء من لا يوطأ مثلها ، وقد يخرج ، لأنه جناية وليس بوطء ، وفيها وجهان ، أصحهما عدم التحريم .
وقد يقال : ظاهر كلام الخرقي أن الخلوة ، ونظر الفرج ، والمباشرة دونه ، إذا كن لشهوة لا يتعلق بهن تحريم ، لتخصيصه الوطء بالذكر ، وهو الصحيح من الروايتين في الجميع ، وتحقيق ذلك ، وبيان طرق الأصحاب فيه يحتاج إلى تطويل ، والله أعلم .
قال : وإن تزوج أختين من النسب أو الرضاع في عقد واحد فسد نكاحهما .
ش : قد تقدم أنه يحرم الجمع بين الأختين مطلقاً ، فإذا جمع فسد النكاح فيهما ، لارتكابه النهي ، مع أنه لا مزية لأحداهما على الأخرى ، أشبه ما لو زوجت المرأة من رجلين ، أو عقد عليها وليان عقدين لرجلين فوقعا معاً ، ونقل ابن منصور عن 16 ( أحمد ) : إذا تزوج أختين في عقد يختار إحداهما . قال القاضي : وهو محمول على أنه يختار إحداهما بعقد مستأنف ، والله أعلم .
قال : وإن تزوجهما في عقدين فالأولى زوجته .
ش : أي إذا تزوجهما في عقدين ، فوقعا واحداً بعد واحد ، وعلم السابق ، فإن الحكم له ، إذ الجمع المحرم إنما يحصل بالثاني ، فاختص البطلان به ، أما إن علم وقوعهما معاً فقد تقدم ، وإن لم يعلم كيف وقعاً ، أو علم السبق ولم يعلم السابق ، أو علم ثم نسي ، فظاهر كلام جماعة من الأصحاب إن حكم ذلك حكم الوليين يزوجان من رجلين ، قال ابن أبي موسى : فإن جهل أولهما بطل النكاحان ، ( وقيل عنه ) يقرع بينهما ، والأول أصح ، والله أعلم .
قال : والقول فيهما القول في المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها .
ش : هذا من باب المقلوب ، أي القول في المرأة وعمتها ، والمرأة وخالتها ، كالقول في الأختين ، إن تزوجهما في عقد واحد لم يصح ، وإن تزوجهما في عقدين صح الأول ، والله أعلم .
قال : وإن تزوج أخته من الرضاعة وأجنبية في عقد واحد ثبت نكاح الأجنبية .
ش : هذا إحدى الروايتين ، وهو اختيار القاضي في تعليقه ، والشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، وأبي محمد ، لأن الأجنبية محل قابل للنكاح ، صدر عليها عقد من أهله فصح ، كما لو انفردت ، ( والثانية ) لا يصح فيهما ، اختارها أبو بكر ، لأنه عقد اشتمل على مباح ومحظور ، فغلب الحظر ، كما لو اختلطت المذكاة والميتة ، وكذبيحة من أحد أبويه كتابياً ، بأن المباح والمحظور اجتمعا في عين واحدة ، وههنا في عينين ، وهكذا الحكم في كل من جمع بين محرمة ومحللة ، هل يصح النكاح في المحللة ؟ على روايتين ، والله أعلم .
قال : وإذا اشترى أختين فأصاب إحداهما ، لم يصب الأخرى حتى يحرم عليه الأولى ، ببيع أو نكاح ، أو هبة ، أو ما أشبهه ، ويعلم أنها ليست بحامل منه .
ش : يجوز أن يشتري أختين في عقد ، لأن المنوع منه الجمع بينهما في الفراش ، ولا يصيران بذلك فراشاً بالإجماع ، ولا يجوز أن يجمع بينهما في الوطء ، على المشهور والمنصوص من الروايتين ، وهو المختار للأصحاب ، لقوله سبحانه : 19 ( { وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } ) وهو شامل للجمع في النكاح والجمع بملك اليمين ، وإن قيل : حقيقة الجمع المقارنة ، وذلك متعذر في الوطء ؟ قيل : الجمع يعبر به عن فعل الشيئين أحدهما عقب الآخر .
2515 كما أنه قد جاء أنه جمع بين الصلاتين ولأن الذي علل به النبي تحريم الجمع في النكاح وهو قطع الرحم موجود هنا .
2516 وقد روي عن عثمان رضي الله عنه ، وعلى وابن عباس رضي الله عنهم أنهم قالوا : أحلتهما آية ، وحرمتهما آية . يريدون بالمحللة قوله تعالى : 19 ( { وأحل لكم ما وراء ذلكم } ) وبالمرحمة 19 ( { وأن تجمعوا بين الأختين } ) فغلبنا آية التحريم احتياطاً ، وأيضاً فآية التحليل قد خصصت بالاتفاق ، فضعف عمومها ، ( وحكى القاضي ) . وطائفة من أصحابه ، والشيخان وغيرهم رواية بالكراهة من غير تحريم ، معتمدين في ذلك على قوله في رواية ابن منصور وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين : تقول إنه حرام ؟ قال : لا أقول أنه حرام ، ولكن ينهء عنه . وامتنع أبو العباس من إثبات هذه الرواية ، قال : لأنه لم يقل : ليس بحرام . ولكنه قال : لا أقول إنه حرام . وهذا الأدب في الفتوى كثيراً ما يستعمله السلف ، لا يطلقون لفظ التحريم ، بل : يقولون منهي عنه ؛ ولا لفظ الفرض ، بل يقولون : يؤمر به . ونحو ذلك ، استهابة لعهدة اللفظية إلا فيما علم دليله بالقاطع .
وبالجملة هذا القول يستدل له بالعمومات نحو : 19 ( { وأحل لكم ما وراء ذلكم } )9 ( { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } )9 ( { فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم } ) ولا تفريع على هذا القول ، أما على الأول فإذا ملك أختين كان له أن يطأ إحداهما أيتهما شاء ، على ظاهر كلام أحمد ، والخرقي ، واختيار القاضي ، وابن عقيل ، والشيخين ، وغيرهم ، إذ الممنوع منه الجمع في الوطء ولم يوجد ، وقطع أبو الخطاب في هدايته بالمنع من وطء إحداهما حتى يحرم الأخرى بما سيأتي إن شاء الله تعالى ، إذ لا مزية لإحداهما على الأخرى ، فاستباحة وطء إحداهما دون الأخرى ترجيح من غير مرجح ، ويرد بأن اختياره ترجيح أحد الجائزين ، ومتى وطئ إحداهما لم تحل له الأخرى حتى يحرم الموطوءة على نفسه بتزويج ، أو بيع ، أو هبة أو عتق ، ويعلم أنها ليست بحامل منه ، بأن يستبرئها .
2517 نص أحمد رحمه الله على ذلك في الجملة ، محتجاً بأن هذا قول علي وابن عمر رضي الله عنهم . والمعنى فيه أنه لو لم يفعل ذلك أفضى إلى الجمع بين الأختين في الوطء ، أو جمع مائه في رحم أختين ، وإنه غير جائز ، ولا يكفي استبراؤها بدون زوال الملك على الصحيح ، سداً للذريعة ، إذ الاستبراء لا يمنع وطأها .
2518 واتباعاً لحكم الصحابة ، وقال ابن عقيل : ينبغي أن يكتفي به ، إذ به يزول الفراش المحرم للجمع ، ولا يكفي زوال ملكه بدون استبراء ، حذاراً من أن يجمع ماءه في رحم أختين ، ولا التحريم بدون زوال ملك ، كما إذا ظاهر منها ، نص عليه أحمد ، معللًا بأن هذا قد يكفر ، وكما إذا رهنها على الأشهر ، لتمكنه من فك الرهن ، وفيه وجه لانعقاد سبب الانتقال ، وتكفي الكتابة في وجه ، اختاره القاضي وغيره ، لأنها نوع من البيع ، ولا تكفي في آخر ، اختاره أبو محمد ، لبقاء الملك ، ولا يكفي تحريمها بصوم أو اعتكاف ، أو ردة أو عدة ، ونحو ذلك ، لبقاء الفراش ، وظاهر إطلاق أحمد وكثير من الأصحاب أنه يكفي زوال الملك ، وإن أمكنه الاسترجاع ، كما إذا وهبها لولده ، أو باعها بشرط الخيار ، وظاهر ضابط ابن عقيل المنع ، فإنه قال : عقد الباب أن يحرمها تحريماً لا يمكنه رفعه بنفسه ، وحكى ابن تيمية الكبير المسألة على وجهين ، والله أعلم .
قال : فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى .
ش : يعين إذا عادت المحرمة إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ، وتحت هذا صورتان ( إحداهما ) إذا عادت بعد وطء الأخرى ، فالمنصوص عن أحمد في رواية جماعة ، وعليه عامة الأصحاب ، أنه يجتنبها حتى يحرم إحداهما حذاراً من الجمع بينهما في الفراش ، لأن الأولى قد كانت فراشاً ، والثانية قد صارت فراشاً ، واختار أبو البركات أنه يقيم على وطء الثانية ، ويجتنب الراجعة ، لأن فراشها قد انقطع ، والعود لا يصيرها فراشاً ( الصورة الثانية ) عادت قبل أن يطأ الباقية ، فظاهر كلام أحمد والخرقي ، وكثير من الأصحاب اجتنابهما حتى يحرم إحداهما كالأولى ، لأنه استفرش الأولى ، واستباح الثانية ، فتصير في حكم المستفرشة ، واختار أبو البركات أنه يطأ أيتهما شاء ، إذ الأولى قد زال فراشها ، والثانية لم يستفرشها ، كالمشتراتين ابتداء ، واختار أبو محمد إباحة الراجعة ، لثبوت الفراش لها دون الباقية ، حذاراً من الاجتماع في الفراش ، والله أعلم .
قال : وعمة المرأة وخالتها في ذلك كأختها .
ش : كل من حرم الجمع بينه وبين آخر في الفراش كالأختين في جميع ما تقدم ، لاستوائهما معنى ، فاستويا حكماً ، والله أعلم .
قال : ولا بأس أن يجمع بين من كانت زوجة رجل وابنته من غيرها .
ش : نص على هذا أحمد رحمه الله .
2519 وذكره عن عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن صفوان ، وعن جملة من أصحاب رسول الله ، وكذلك ذكر البخاري عن عبد الله بن جعفر أنه جمع بين ابنة علي وامرأته ، ورواه الدارقطني عن ابن عباس ، وعن رجل من الصحابة من أهل مصر يقال له جبلة ، وهو راجع إلى القاعدة السابقة ، وهو أن كل امرأتين لو قلبت إحداهما ذكراً لم يجز له أن يتزوج بالأخرى لأجل القرابة ، لم يجز الجمع ، وإلا جاز ، إذ لو قلبت امرأة الأب ذكراً لاقتضى لها جواز التزوج ببنت الزوج ، إذ لا قرابة بينهما ، وإنما المنع للصهرية ، والله أعلم .
قال : وحرائر أهل الكتاب ، وذبائحهم حلال للمسلمين .
ش : لقول الله سبحانه : 19 ( { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ، وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن } ) وهذا يخصص قوله تعالى : 19 ( { ولا تنكحوا المشركات } ) الآية .
2520 وقيل عن ابن عباس إنها نسخت بها ، وقيل : لفظ المشركين لا يتناول بإطلاقه أهل الكتاب ، بدليل قوله سبحانه : 19 ( { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين } ) وقوله : 19 ( { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين } ) وهو كثير ، مع أن جواز نكاح حرائر أهل الكتاب إجماع أو كالإجماع ، قال ابن المنذر : لا يصح عن أحد من الأوائل تحريم ذلك ، إلا أن أحمد قال في رواية ابن إبراهيم : اختلفوا في اليهود والنصارى ، أما المجوس فلم يختلفوا فيهم .
2521 وذكر البخاري عن نافع عن ابن عمر ، كان إذا سئل عن نكاح النصرانية أو اليهودية ، قال : إن الله تعالى حرم المشركات على المؤمنين ، ولا أعلم من الإشراك شيئاً أكبر من أن تقول المرأة : ربها عيسى ، وهو عبد من عباد الله تعالى .
وقد دخل في كلام الخرقي الحربيات من الكتابيات ، وهو أحد الأقوال ، اختاره القاضي في المجرد وغيره ، لدخولهن في الآية الكريمة ، وقيل : لا يجوز مطلقاً ، حملًا لآية المنع على ذلك ، وآية الجواز على غير الحربيات ، وقيل : يجوز في دار الإسلام لا في دار الحرب ، وإن اضطر ، وهو منصوص أحمد في غير رواية ، واختيار ابن عقيل ، وقيل بالجواز في دار الحرب مع الضرورة ، وهو اختيار طائفة من الأصحاب ، ونص عليه أحمد أيضاً ، وعلل الإمام في دار الحرب من أجل الولد ، لئلا يستعبد ، ويصير على دينهم .
2522 وحكي عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أنه كره أحمد في الأسير ، فعلى تعليل أحمد لا يتزوج حنبل ، بل ولا يطأ زوجته إن كانت معه ، ونص عليه في رواية الأثرم وغيره ، وعلى مقتضى تعليله له أن يتزوج آيسة أو صغيرة .
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يباح له نكاح الإماء الكتابيات ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، وأنه لا يباح له نكاح مشركة غير كتابية ولا طعامها ، وذلك لقوله تعالى : 19 ( { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ) وقوله تعالى : 19 ( { ولا تمسكوا لعصم الكوافر } ) خرج من ذلك أهل الكتاب بما تقدم ، فبقي من عداهم من عبدة الأوثان ، والمرتدين ، والمكفرين من أهل الملة ، والمجوس ونحوهم ، على مقتضى المنع .
2523 فإن قيل : قد روي عن علي كرم الله وجهه أن المجوس لهم كتاب .
2524 وقد قال : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) ومن سنة أهل الكتاب حل نسائهم .
قيل قد قال الله تعالى : 19 ( { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } ) الآية ، فبين سبحانه أنه أنزل القرآن كراهة أن يقولوا ذلك ، ولو أنزل على أكثر من طائفتين لكان هذا القول كذباً ، وأيضاً قوله سبحانه : 19 ( { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } ) فذكر الملل الست ، وأنه يفصل بينهم يوم القيامة ، ولما ذكر الملل اللاتي فيها سعيد لم يذكر المجوس ولا المشركين ، فقال : 19 ( { إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من آمن بالله } ) ولو كان في المجوس والمشركين سعيد لذكرهما كما ذكر اليهود والنصارى ، إذ لو كان لهم كتاب لكانوا قبل النسخ على هدى .
2525 وقد روى وكيع عن سفيان ، عن قيس ، عن الحسن بن محمد ابن علي ، قال : كتب رسول الله إلى هجر يعرض عليهم الإسلام ، فمن أسلم قبل ، ومن أبى ضربت عليه الجزية ، على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح لهم امرأة .
2526 وهذا وإن كان مرسلًا ، فقد عضده قول خمسة من أصحاب رسول الله ، وعمل جمهور أهل العلم ، وأما ما روي عن علي فقد أنكره أحمد في رواية محمد بن موسى ، وقال إنه باطل .
2527 وأنكر ما روي عن حذيفة أنه تزوج مجوسية ، ثم لو صح حمل على أنه كان بأيديهم ثم رفع ، وأما قوله : ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب ) أي في الجزية ، وهو يدل على أنه لا كتاب لهم .
وكما فهمته الصحابة ، والدماء تعصم بالشبهات ، وعكسها الفروج والذبائح لا تباح بالشبهات ، لا يقال : الحديث وإن فهم منه أنه ليس لهم كتاب ، إلا أنه يدل على أنه يسن بهم سنة أهل الكتاب ، أي طريقتهم ، ومن طريقتهم حل نسائهم وذبائحهم ، لأنا نقول : الحديث لا عموم فيه ، إذ التقدير : سنوا بهم سنة مثل سنة أهل الكتاب ، والنكرة في سياق الإثبات لا عموم لها ، ولئن سلم شمول الحديث للنكاح والذبائح لكنه يخص بمفهوم قوله سبحانه : 19 ( { والمحصنات الذين أوتوا الكتاب } ) الآية .
( تنبيه ) أهل الكتاب هم أهل التوراة والإنجيل ، فأهل التوراة اليهود ، والسامرة ، وأهل الإنجيل النصارى ، ومن وافقهم في أصل دينهم من الفرنج ، والأرمن وغيرهم ، وأما الصائبة فقال 16 ( أحمد ) : هم جنس من النصارى . وقال في موضع آخر : بلغني أنهم يسبتون فألحقهم باليهود ، قال أبو محمد : والصحيح أن من وافق اليهود أو النصارى منهم في أصل دينهم ، وخالفهم في فروعه فهو منهم ، ومن خالفهم في أصل دينهم فليس منهم ، وأما المتمسك بصحف إبراهيم وشيت ، وزبر داود ، فليسوا بأهل كتاب على الصحيح ، ذكره ابن عقيل وغيره ، فلا تحل نساؤهم ، ولا ذبائحهم ، لقوله سبحانه : 19 ( { أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا } ) الآية ، وقيل : إنهم من أهل الكتاب ، فتحل نساؤهم وذبائحهم ، ويقرون بالجزية ، ومن عدا من ذكرنا فليسوا بأهل كتاب ، والله أعلم .
قال : وإذا كان أحد أبوي الكافرة كتابياً ، والآخر وثنياً ، لم ينكحها مسلم .
ش : هذا الذي قطع به عامة الأصحاب ، الخرقي ، وأبو بكر في الشافي والمقنع ، وابن أبي موسى ، والقاضي في المجرد ، والجامع ، والخلاف ، وابن عقيل في الفصول ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وابن البنا ، وأبو محمد في الكافي ، ولم أر من ذكر عن أحمد بذلك نصاً وذلك لأنها متولدة بين من يحل ومن لا يحل ، فغلب جانب التحريم احتياطاً ، كالمتولد بين الحمار والفرس .
وحكى أبو البركات ، و أبو محمد في كتابه الصغير رواية بالجواز ، لأنها كتابية فتدخل في عموم الآية المبيحة .
وحكى ابن رزين رواية ثالثة أن الأي إذا كان كتابياً أبيحت ، وإلا فلا ، لأن الولد ينسب إلى أبيه ، فيكون حكمه حكمه ، وخطأ أبو العباس هذا القول ، وقال : إن كلام أحمد إنما يدل على أن العبرة بالدين ، وأنه لم يعلق الحكم بالنسب ألبته ، قلت : وكذلك ذكر القاضي في تعليقه ، رداً على الشافعية ، أن تحريم النكاح والذبيحة متعلق بالدين دون النسب ، والدين المحرم موجود ، فكان الاعتبار به دون النسب .
( تنبيه ) ذكر أبو البركات هنا روايتين ، وقال في عقد الذمة : إن من أقررناه على تهود أو تنصر متجدد بعد المبعث ، أبحنا ذبيحته ومناكحته ، ولم يذكر خلافاً ، وعكس القاضي ، فجزم هنا بالمنع ، وحكى في المنتقل إلى دين أهل الكتاب بعد النسخ روايتين ، وهذا قد يستشكل على كلا النقلين ، فإنه إذا منع من ذبيحة من أحد أبويه وثني ، فمكن أبواه وثنيان أولى ، إلا أن يقال : يجوز أن يكون هذا في من أبواه كتابيان ، ثم توثن هو ، ثم انتقل إلى الكتابية ، أو يقال : إن المنع في من أحد أبويه كتابي ، كان لأجل النسب ، وقد تقدم ضعف هذا ، وحمل أبو العباس كلام الخرقي وغيره من الجازمين بالمنع في هذه المسألة على أنه فيمن لم يثبت له دين بنفسه ، لعدم تعرضهم للدين ، وهذا كأن يتزوج صغيرة وأحد أبويها غير كتابي ، أما أن يدين بدين أهل الكتاب ، فهو محل الروايتين ، كما ذكره أبو البركات ( قلت ) : وهذا الجواب يحسن على قول القاضي ، أما على قول جده فلا يحسن ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوج كتابية فانتقلت إلى دين آخر من الكفر غير دين أهل الكتاب أجبرت على الإسلام ، فإن لم تسلم حتى انقضت عدتها انفسخ نكاحها .
ش : إذا انتقل الكتابي من دينه إلى غير دين الإسلام ، فلا يخلو إما أن ينتقل إلى دين من يتدين بكتاب أو لا ، ( فإن كان الأول ) كمن انتقل من يهودية إلى نصرانية أو بالعكس فهل يقر ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختيار الخلال وصاحبه ، لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب ، فكأنه لم ينتقل ، أو لا يقر ، وهو اختيار القاضي في الجامع الصغير ، وعامة عقيل في التذكرة ، والشيرازي وغيرهم ، لأنه انتقل إلى دين أقر ببطلانه ، أشبه المرتد .
2528 ولعموم قول النبي : ( من بدل دينه فاقتلوه ) خرج منه المسلم بالإجماع إذا رجع ، فيبقى ما عداه على مقتضى العموم ، فعلى هذا يؤمر بالإسلام ، فإن لم يسلم ( فعنه ) يقتل كالمسلم إذا ارتد ( وعنه ) يهدد ولا يقتل احتياطاً للدماء ( وعنه ) أنه إن رجع إلى دينه الأول ترك كالمرتد من ملتنا ، وإلا هدد ولم يقتل ، ( وإن كان الثاني ) كأن انتقل من الكتابية إلى المجوسية والوثنية ونحوهما فلا يقر على إحدى الروايتين ، واختيار الخرقي ، وبه جزم أبو محمد وغيره ، لأن الوثنية ونجوها لا يقر أهلها عليها ، فالمنتقل إليها أولى ، والمجوسية قد أقر ببطلانها ، مع كونها أنقص من دينه ( وعنه ) يقر على المجوسية ، لأنه انتقل إلى دين يقر أهله عليه ، أشبه المنتقل إلى دين أهل الكتاب ، ولعموم 19 ( { حتى يعطوا الجزية عن يد } ) الآية ، ( فعلى الأول ) وهو المذهب لا يقبل منه إلا الإسلام أو السيف في إحدى الروايتين ، واختيار الخلال وصاحبه ، لأن غير الإسلام دين أقر ببطلانه ، أشبه المرتد ، وفي الرواية الأخرى لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه ، كالمرتد إذا رجع إلى الإسلام ، وحيث يقبل فهل يستتاب كالمرتد أو لا كالكافر الأصلي ؟ فيه احتمالان ( وعلى الثاني ) أنه إنه رجع إلى ما نقر عليه ترك ، وحيث أقررنا المنتقل على ما انتقل إليه فكان المنتقل ذمية تحت مسلم فالنكاح بحاله ، إلا أن تنتقل إلى المجوسية فإنه كالردة إذ المسلم لا يثبت له نكاح على مجوسية وكذلك إن لم يقر المنتقل وإذاً إن كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال ، وإن كان بعده فهل ينفسخ النكاح أو يقف على انقضاء العدة ؟ فيه روايتان ، المذهب منهما الثاني ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
قال : وأمته الكتابية حلال له دون المجوسية .
ش : أمته الكتابية حلال له ، لعموم قوله سبحانه : 19 ( { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ) وقوله : 19 ( { والذي هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم } ) ولأن نكاح الأمة الكتابية غير المملوكة له إنما حرم حذاراً من إرقاق ولده ، وإبقائه مع كافرة ، وهذا معدوم في مملوكته ، ولا تباح له أمته المجوسية ، ولا الوثنية بطريق الأولى ، لعموم ما تقدم في تحريم نكاح المجوسيات ونحوهم ، ( فإن قيل ) : ما تقدم من الآيتين ظاهر في الإباحة .
2529 ويؤيده ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس ، فلقوا عدوهم فقاتلوهم وأصابوا لهم سبايا ، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين ، فأنزل الله عز وجل في ذلك : 19 ( { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } ) أي فهن لهن حلال إذا انقضت عدتهن . رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
2530 وقال في سبايا أوطاس ( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة ) رواه أبو داود ، ثم إن الصحابة كان أكثر سباياهم من كفار العرب ، وهم عبدة أوثان ، ولم ينقل أنهم حرموا ذلك ، وقد أخذ عمر وابنه من سبي هوازن ، ( قيل ) : الآيتان مخصوصتان بما تقدم ، وأما حديث أبي سعيد فقضية عين ، إذ يحتمل أنهم أسلموا ، وكذلك الجواب عن غيره ، قال محمد بن الحكم : قلت لأبي عبد الله : فهوازن أليس كانوا عبدة أوثان ؟ قال : لا أدري كانوا أسلموا أولا . ويتعين ذلك ، لأنه قد نقل اتفاق أهل العلم على التحريم ، ولهذا ادعى أبو عمر ابن عبد البر النسخ بقوله : 19 ( { ولا تنكحوا المشركات } ) والله أعلم .
قال : وليس للمسلم وإن كان عبداً أن يتزوج أمة كتابية ، لأن الله تعالى قال : 19 ( { من فتياتكم المؤمنات } ) .
ش : نص على هذا أحمد ، مستدلًا بهذه الآية ، قال أبو بكر : رواه عنه أكثر من عشرين نفساً . انتهى ، وعليه الأصحاب متقدمهم ومتأخرين ، لما تقدم ، ولأنه اجتمع فيها نقص الرق والكفر ، أشبهت المجوسية لما اجتمع فيها الكفر وعدم الكتاب حرم نكاحها ، وحذراً من استرقاق ولدها ، ( وعن أحمد ) رواية أخرى يجوز نكاحها في الجملة ، لأنها تحل بملك اليمين ، فتحل بالنكاح كالمسلمة ، وعلى هذا يجوز للعبد مطلقاً ، وللحر بشرطه كما سيأتي ، ولا فرق على إطلاق الخرقي وغيره بين أن تكون الأمة تلد أو لا تلد ، ولا بين أن تكون لمسلم أو لكافر ، وصرح به القاضي في التعليق ، والله أعلم .
قال : ولا يجوز للحر المسلم أن يتزوج أمة مسلمة إلا أن يكون لا يجد طولًا لحرة مسلمة ، ويخاف العنت .
ش : أي وليس لحر مسلم أن يتزوج أمة مسلمة إلا بوجود شرطين ، عدم الطول ، وخوف العنت ، وذلك لقوله سبحانه : 19 ( { ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات } ) إلى قوله سبحانه : 19 ( { ذلك لمن خشي العنت منكم } ) فشرط سبحانه لنكاح الأمة شرطين ، عدم الطول ، وخوف العنت ، والمعلق على شرط عدم عند عدم الشرط ، ولأنه حر أمن العنت ، فامتنع من نكاح الأمة ، كما إذا كان تحته حرة ، وقوله : ليس لحر . يحترز عن العبد ، فله أن ينكح الأمة من غير شرط ، لتساويهما ، وقوله : مسلم . يحترز به عن الكافر ، وهذا من فروع أنكحة الكفار ، وقوله : أمة مسلمة . يحترز به عن الأمة الكافرة ، فإنه لا يجوز نكاحها ولا مع الشرطين كما تقدم .
2531 والطول قال أحمد تبعاً لابن عباس رضي الله عنهما السعة .
2532 وعن جابر رضي الله عنه أنه لا يجد صداق حرة . وكذلك قال القاضي في المجرد ، وزاد عليه ابن عقيل : ولا نفقتها . وقوله : طولًا لحرة مسلمة . ظاهره أن من لم يجد طولًا لحرة مسلمة ووجد طولًا لحرة كتابية أن له نكاح الأمة وصرح به أبو الخطاب في الانتصار ، أخذا بظاهر قوله تعالى : 19 ( { ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات } ) وصرح القاضي في المجرد ، وابن عقيل وأبو محمد وغيرهم بعدم اشتراط الإسلام ، فمن وجد طولًا لحرة مطلقاً لا يجوز له نكاح الأمة ، لأنه إذاً يأمن العنت ، فيفوت الشرط ، وتوقف أحمد في رواية أخرى . ولم يشترط الخرقي إلا أن لا يجد طولًا لحرة مسلمة ، فظاهره أنه لا يشترط أن لا يجد ثمن أمة ، وأورده ابن حمدان في رعايتيه مذهباً ، وصرح القاضي في المجرد ، وابن حمدان في رعايتيه مذهباً ، وصرح القاضي في المجرد ، وابن عقيل وأبو الخطاب والشيخان وغيرهم باشتراط ذلك ، ثم إن القاضي وابن عقيل قيدا الأمة بالإسلام ، وأطلق ذلك أبو الخطاب والشيخان ، والعنت فسره القاضيان أبو يعلى وأبو الحسين وابن عقيل والشيرازي وأبو محمد بالزنا ، وفسره أبو البركات بحاجة المتعة أو حاجة الخدمة لكبر أو سقم ونحوهما ، وجعله ابن حمدان قولًا انتهى .
وقد دخل في كلام الخرقي المجبوب ونحوه له نكاح الأمة بشرطه ، كما إذا خشي مواقعة المحظور بالمباشرة ونحوها ، وصرح به القاضي وغيره ( ودخل ) في كلامه أيضاً جواز نكاح الأمة الولود بشرطه وإن وجد آيسة ، وصرح به القاضي وأبو الخطاب في خلافيهما ، ( ودخل ) في كلامه أيضاً عدم جواز نكاح الأمة إذا عدم الشرط ، وإن كانت لا تلد لصغر أو رتق ونحو ذلك ، وصرحا به أيضاً ( واقتضى كلامه ) أنه إذا لم يجد ما يتزوج به حرة لم يلزمه الإقتراض مع القدرة عليه ، ولا التزوج بصداق في الذمة وإن كان مؤجلًا ، دفعا للضرر عنه ، وصرح به القاضي وأبو محمد ، وكذلك لو وهب له الصداق لم يلزمه قبوله ، نعم لو رضيت المرأة بدون صداق مثلها ، وهو قادر على ذلك ، ففي جواز نكاح الأمة إذاً احتمالان ، ذكرهما القاضي في التعليق .
وظاهر كلام الخرقي الجواز ، ولو لم يجد حرة إلا بزيادة على مهر مثلها لا يجحف بماله ، فقال أبو محمد : يلزمه النكاح للإستطاعة ، ولا يرد التيمم على وجه ، لأنه رخصة عامة ، ونكاح الأمة إنما أبيح للضرورة ولا ضرورة ، وجوز له أبو عبد الله ابن تيمية نكاح الأمة إن عدت الزيادة سرفا .
( تنبيه ) القول قوله في خشية العنت وعدم الطول ، حتى لو كان في يده مال فادعى أنه وديعة ألأ مضاربة قبل قوله ، لأنه حكم فيما بينه وبين الله تعالى ، والله أعلم .
قال : ومتى عقد عليها وفيه الشرطان عدم الطول وخوف العنت ، ثم أيسر لم يفسخ نكاحها .
ش : هذا هو المذهب المنصوص المجزوم به عند عامة الأصحاب ، لأن زوال الشرط بعد العقد لا يبطله ، بدليل إذا ارتدت المرأة أو لزمتها عدة ، ولأن الممنوع منه النكاح ، وهذا غير ناكح ، وإنما هو مستديم ، وخرج القاضي وغيره ( رواية أخرى ) بالفسخ ، مما إذا تزوج حرة على الأمة فإن فيها روايتين منصوصتين ، وذلك لأن نكاح الأمة إنما أبيح للضرورة ، فيزول بزوالها ، كأكل الميتة ، وفرق بأن في الميتة هو مبتد ، وهنا مستديم ، ولم يتعرض الخرقي لما إذا أمنت العنت ، وفيه طريقان للأصحاب ، منهم من أجرى الخلاف فيه كأبي عبد الله ابن تيمية ، ومنهم كأبي محمد وابن حمدان من لم يجر الخلاف فيه ، حتى أن بعض أصحاب الخلاف جعله أصلًا وقاس عليه ما تقدم ، والله أعلم .
قال : وله أن ينكح من الإماء أربعاً إذا كان الشرطان فيه قائمين .
ش : يعني أنه إذا تزوج أمة فلم تعفه ، ولم يجد طولًا ، له أن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة ، وهذا أنص الروايتين عن أحمد ، واختيار ابن عقيل في التذكرة ، وأبي محمد ، لدخوله في الآية الكريمة ، إذ هو عادم للطول ، خائف للعنت ، ( ونقل عنه ) حرب : لا يعجبني أن يتزوج إلا واحدة .
2533 يذهب إلى قول ابن عباس رضي الله عنهما : لا يتزوج الحر من الإماء إلا واحدة . فأخذ من ذلك ابن أبي موسى والقاضي في المجرد وغير واحد من الأصحاب رواية بالمنع ، واختارها القاضي في المجرد ، وحكاها عن أبي بكر ، وأبى ذلك في الجامع الكبير ، مدعياً بأن إطلاقه محمول على ما إذا خشي العنت ، وكذا قال أبو محمد ، وحمل أيضاً قول ابن عباس على ذلك ، لكن القاضي في الجامع يفسر خشية العنت هنا بما إذا كان تحته أمة غائبة أو مريضة أو طفلة ، فعنده أن وجود زوجة يمكن وطؤها مؤمن من العنت ، وهذا في الحقيقة عين القول بالمنع .
( تنبيه ) على القول بالجواز له أن ينكح الأربع دفعة واحدة إذا علم أنه لا يعفه إلا ذلك ، صرح به القاضي في المجرد ، وقد يقال : إن ظاهر كلام الخرقي يقتضيه ، والله أعلم .
قال : وإذا خطب الرجل المرأة فلم يسكن إليه فلغيره خطبتها .
ش : لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة أخيه في الجملة ، على المذهب المعروف المشهور .
2534 لما روى عقبة بن عامر رضي الله عنهما أن رسول الله قال : ( المؤمن أخو المؤمن ، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر ) رواه أحمد ومسلم ، ولأن في ذلك إفساداً على الخاطب الأول ، وإيقاعاً للعداوة بينهما ، وجعل أبو حفص ذلك مكروهاً لا محرماً ، وكأنه ذهب إلى قول أحمد في رواية صالح : أكرهه . وحمل القاضي ذلك على التحريم لتصريحه به في رواية ابن مشيش ، فعلى الأول إنما يمنع إذا أجيب تصريحاً ، وكذلك إن أجيب تعريضاً على إحدى الروايتين ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، لأنه قد وجد السكوت ، واختيار أبي محمد ، لما تقدم .
2535 وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ، ولا يبيع على بيع أخيه إلا بإذنه ) رواه مسلم وأبو داود . ( والرواية الثانية ) لا يمنع مع التعريض .
2536 لحديث فاطمة بنت قيس الذي في الصحيح ، فإن النبي أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وقال لها : ( إذا حللت فآذنيني ) قالت : فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني . فقال رسول الله : ( أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد ) قالت : فكرهته ، ثم قال : ( انكحي أسامة بن زيد ) فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به . فظاهره أنها ركنت إلى أحدهما ، وأيضاً فالرسول قال لها : ( انكحي أسامة ) ولم يسألها هل ركنت إلى أحدهما أم لا ، وقد أجيب بأن في الحديث في رواية أخرى في الصحيح : أرسل إليها رسول الله أن لا تسبقينين بنفسك . وفي رواية ( ولا تفوتيني بنفسك ) ولا يظن بها أنها كانت تجيب ، قبل إذن رسول الله ، وإنما جاءت مستشيرة ، وأيضاً فهو كان قد خطبها أولا ، فخطبته بعدهما مبنية على الخطبة السابقة ، بقي أن يقال : فالرسول قد عرض بخطبتها ، فكيف ساغ لغيره الخطبة ، ولم ينكر الرسول عليه ، ويجاب أنهما لم يعلما ، فيحتمل أن الرسول عليه ، ويجاب أنهما لم يعلما ، فيحتمل أن الرسول أنكر عليهما ولم ينقل ، أو يقال : إنما يمنع الرجل من الخطبة على خطبة أخيه إذا خطب تصريحاً . أما إن خطب تعريضاً للغير الخطبة ، قياساً لأحد الشقين على الآخر انتهى ، أما إن رد فيجوز ، لأنها تصير كمن لم تخطب ، ولأن المنع والحالة هذه نهاية الضرر بالمرأة ، إذ لا يشاء أحد أن يمنعها النكاح بخطبته إلا فعل ، والضرر منفي شرعاً ، وكذلك إن ترك الخاطب الخطبة أو أذن ، لحديث عقبة وابن عمر ، ولو سكتت فكذلك عند القاضي في المجرد وابن عقيل ، وعن القاضي في البكر سكوتها رضى ، وإن لم يعلم الحال فوجهان ( الجواز ) لأن المانع الإجابة ولم يعلم ( والمنع ) لأن المقتضي للمنع قد وجد ، والمبيح الإذن أو الترك أو الرد ، ولم يعلم واحد منهما .
( تنبيهات ) ( أحدها ) قوله : وإذا خطب الرجل . يشمل خطبة كل رجل ، والمنع مختص بالخطبة على خطبة المسلم ، نص عليه أحمد ، وهو مقتضى حديث عقبة رضي الله عنه وغيره ، ( الثاني ) أناط الخرقي الحكم بالمرأة ، وهو صحيح إن كانت غير مجبرة ، أما إن كانت مجبرة فالعبرة بالولي ، لا بها .
2537 وفي الحديث أن النبي خطب عائشة إلى أبي بكر ، رواه البخاري .
2538 وقالت أم سلمة : أرسل إلي رسول الله يخطبني . رواه مسلم . فدل على أن خطبة المجبرة إلى وليها ، وخطبة الرشيدة إلى نفسها ، وعلى هذا لو رضي الولي بالخاطب حرم على غيره خطبتها وإن كرهت المرأة ، هذا ظاهر كلام جماعة ، وصرح به القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، وقال أبو محمد في المغني : إذا كرهت المجبرة المجاب ، واختارت غيره ، سقط حكم إجابة وليها ، إذ اختيارها مقدم على اختياره ، وإن كرهته ولم تختر سواه قال : فينبغي أن تسقط الإجابة أيضاً ( الثالث ) إذا تزوج من خطب على خطبة أخيه حيث منع ، فالمنصوص وهو اختيار القاضي وابن عقيل ، وأبي محمد الصحة ، لأن المحرم لم يقارن ، وقال أبو بكر في البيع على بيع أخيه : إنه باطل ، وحكاه نصا عن أحمد ، فخرج ابن عقيل وغيره بطلان النكاح نظراً للنهي ، والله أعلم .
قال : ولو عرض للمرأة وهي في العدة بأن يقول : إني في مثلك لراغب . وإن قضي شيء كان ؛ وما أشبهه من الكلام مما يدلها على رغبته فيها ، فلا بأس بذلك ، إذا لم يصرح .
ش : يباح التعريض بخطبة المعتدة في الجملة ، ويحرم التصريح ، لقوله تعالى : 19 ( { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا } ) فنفى سبحانه الحرج عن التعريض ، ومفهومه وقوع الحرج على التصريح ، وأكد ذلك بقوله سبحانه : 19 ( { ولكن لا تواعدوهن سرا } ) والسر الجماع ، قاله الشافعي وغيره ، ولحديث فاطمة المتقدم ، فإن النبي عرض بخطبتها وهي في العدة ( ويستثنى ) مما تقدم صاحب العدة ، فإنه يباح له التصريح والتعريض إن كانت ممن يحل له التزويج بها في العدة ، كالرجعية والمبانة بدون الثلاث ، والمختلعة ، أما إن لم تحل له كالمزني بها ، ومن نكحها في عدة من غيره ووطئها ، فقال أبو العباس : ينبغي أن يكون كالأجنبي ، ( ويستثنى ) من التعريض الرجعية ، فإنه لا يجوز أن يعرض لخطبتها بلا نزاع ، لأنها في حكم الزوجة ، وكذلك مبانة تباح بعقد في وجه .
والتعريض ما يفهم منه النكاح مع احتمال غيره ، كما مثل الخرقي رحمه الله ، وكما جاء في الحديث : ( لا تسبقينا بنفسك ، ولا تفوتينا بنفسك ) .
2539 وكما روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : 19 ( { ولا جناح عليكم } ) الآية يقول : إني أريد التزويج ، وودت أنه يسر لي امرأة صالحة .
2540 وكما روي في قصة سكينة بنت حنظلة رضي الله عنها قالت : استأذن عليَّ محمد بن علي ولم تنقض عدتي من مهلكة زوجي ، فقال : قد عرفت قرابتي من رسول الله ، وقرابتي من علي ، وموضعي من العرب ، قلت : غفر الله لك يا أبا جعفر ، إنك رجل يؤخذ عنك ، تخطبني في عدتي ؟ . قال : إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله ومن علي ، وقد دخل رسول الله على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة ، فقال : ( قد علمت أني رسول الله ، وخيرته من خلقه ، وموضعي من قومي ) كانت تلك خطبته ، رواه الدارقطني والتصريح الكلام الذي لا يحتمل غير النكاح ، كقوله إني أريد أن أتزوجك . ونحوه .
( تنبيه ) حيث حرم التصريح أو التعريض ففعل ونكح صح ، ذكره القاضي ، وابن عقيل وأبو محمد وغيرهم ، وهو قياس قول أحمد في الخطبة على خطبة أخيه ، ويتخرج وجهاٍ بالبطلان كالوجه في الخطبة . والله أعلم .
باب نكاح أهل الشرك وغيره

قال : وإذا أسلم الوثني وقد تزوج بأربع وثنيات ولم يدخل بهن بِنَّ منه .
ش : لعموم قوله تعالى : 19 ( { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } )9 ( { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ) ولأنه اختلاف دين يمنع الإقرار على النكاح ، فإذا وجد قبل الدخول تعلقت به الفرقة في الحال كالردة .
وقول الخرقي : وإذا أسلم الوثني . وكذلك كل كافر وإن كان من أهل الكتاب ، وقوله : وقد تزوج بأربع . لا مفهوم له ، بل لو تزوج بواحدة أو أكثر كان كذلك ، وقوله : وثنيات . وكذلك من في معناهن كالمجوسيات ، أما لو كن كتابيات فإن النكاح لا ينفسخ ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى .
( تنبيه ) البينونة هنا فسخ لا طلاق ، نص عليه أحمد . والله أعلم .
قال : وكان لكل واحدة منهن نصف ما سمي لها إن كان حلالًا ، أو نصف صداق مثلها إن كان ما سمي لها حراماً .
ش : إذا بِنَّ منه والحال ما تقدم كان لكل واحدة منهن نصف الصداق ، على المشهور من الروايتين ، والمختار للأصحاب ، الخرقي ، وأبي بكر والقاضي وغيرهم ، إذ الفرقة حقيقة من جهته ، أشبه ما لو طلقها ( والثانية ) لا شيء لها ، نظراً إلى أنه قد فعل الواجب عليه ، وهي بتأخرها عن الإسلام كأن الفرقة من جهتها ، وحذاراً من التنفير عن الإسلام ، باجتماع فسخ النكاح عليه ، ووجوب المهر ، وعلى المذهب لها نصف المسمى إن كان صحيحاً ، أو نصف مهر مثلها إن كان فاسداً ، وإٌّ لم يكن مسمى فالمتعة ، والله أعلم .
قال : ولو أسلم النساء قبله وقبل الدخول بِنَّ منه أيضاً .
ش : لما تقدم فيما إذا أسلم الزوج وحذراً من إقرار مسلمة تحت مشرك ، والله أعلم .
قال : ولا شيء عليه لواحدة منهن .
ش : قطع بهذا جمهور الأصحاب ، ونص عليه 16 ( أحمد ) ، معللًا بأن الفرقة جاءت منه جتها ، ونقل أبو محمد عن أحمد رواية أخرى ، وزعم أنها اختيار أبي بكر أن لها نصف المهر ، نظراً إلى أن الفرقة جاءت من قبل الزوج ، بتأخره عن الإسلام ، والمنقول عن أحمد في رواية الأثرم التوقف ، والله أعلم .
قال : فإن كان إسلامه وإسلامهن قبل الدخول معاً فهن زوجات .
ش : لأن المحذور وهو اختلاف الدين منتف .
2541 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا جاء مسلماً على عهد رسول الله ، ثم جاءت امرأته مسلمة بعده ، فقال ) يا رسول الله إنها قد كانت أسلمت معي . فردها عليه ، رواه أبو داود والترمذي وصححه ، والمعية أن يتلفظا بالإسلام دفعة واحدة ، على ظاهر كلام الخرقي وغيره ، وصرح به أبو محمد ، وحكى احتمكالًا بأن المعية أن يسلم المتأخر منهما في المجلس ، نظراً إلى أن حكم المجلس حكم العقد ، بدليل القبض ونحوه ، واختار أبو العباس أن المعية أن يشرع الثاني قبل أن يفرغ الأول ، والله أعلم .
قال : فإن كان دخل بهن ثم أسلم فمن لم يسلم منهن قبل انقضاء عدتها حرمت عليه منذ اختلف الدينان .
ش : هذا هو المشهور من الروايات ، قال أبو بكر : رواه عنه نحو من خمسين رجلًا ، والمختار لعامة الأصحاب الخرقي والقاضي ، وأصحابه ، والشيخين وغير واحد .
2542 لما روى الزهري أن نساءً كن في عهد رسول الله يسلمن بأرضهن وهن غير مهاجرات ، وأزواجهن حين أسلمن كفار ، منهن بنت الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب صفوان من الإسلام ، فبعث إليه رسول الله ابن عمه وهب بن عمير ، برداء رسول الله أماناً لصفوان ، ودعاه رسول الله إلى الإسلام ، وأن يقدم عليه ، فإن رضي أمراً قبله ، وإلا سيره شهرين ، فلما قدم صفوان على رسول الله بردائه ناداه على رؤوس الناس ، فقال : يا محمد هذا وهب بن عمير جاءني بردائك ، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك ، فإن رضيت أمراً قبلته ، وإلا سيرتني شهرين ، فقال رسول الله : ( انزل أبا وهب ) فقال : والله لا أنزل حتى تبين لي ؛ فقال رسول الله : ( بل لك سير أربعة أشهر ) فخرج رسول الله قبل هوازن بحنين ، فأرسل إلى صفوان يستعير أداة وسلاحاً عنده ، فقال صفوان : أطوعا أم كرها ؟ فقال : ( بل طوعاً ) فأعاره الأداة والسلاح التي عنده ، ثم رجع مع رسول الله وهو كافر ، فشهد حنيناً والطائف وهو كافر ، وامرأته مسلمة ، ولم يفرق رسول الله بينه وبين امرأته حتى أسلم صفوان ، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح ، قال ابن شهاب : كان بين إسلام صفوان وإسلام امرأته نحو من شهر .
2543 وعنه أيضاً أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام وكانت تحت عكرمة بن أبي جهر أسلمت يوم الفتح ، وهرب زوجها عكرمة من الإسلام ، حتى قدم اليمن ، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمين ، فدعته إلى الإسلام فأسلم ، وقدم على رسول الله عام الفتح ، فلما رآه رسول الله وثب إليه فرحاً ، وما عليه رداء ، حتى بايعه فثبتا على نكاحهما ، رواهما مالك في الموطأ ، وهذان وإن كانا قضية في عين ، فيحملان على ما بعد العدة ، إذ الظاهر ذلك .
2544 ولأن في حديث الزهري : 16 ( ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها ، إلا أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدتها ) .
2545 وقال ابن شبرمة : كان الناس على عهد رسول الله يسلم الرجل قبل المرأة ، والمرأة قبل الرجل ، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته ، فإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما . وخرج ما قبل الدخول ، لعدم العدة ، فإن قيل :
2546 فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : 16 ( رد رسول الله ابنته زينب على أبي العاص بالنكاح الأول ، بعد ست سنين ولم يحدث شيئاً ) ، رواه أبو داود والترمذي ، وقال : ليس بإسناده بأس ، وابن ماجه وقال : بعد سنتين . كذلك قال أبو داود في رواية أخرى ، وصححه الحاكم وغيره .
قيل : قد أجيب عنه بأجوبة ( منها ) بالطعن فيه ، فإنه من رواية داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو نسخة ضعف أمرها علي بن المدينين وغيره ، وقال أحمد في رواية أبي طالب ما أراه يصح ، يختلفون فيه .
2547 ويؤيد ذلك ما روي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ، ونكاح جديد ، رواه الترمذي وغيره . لكن أهل العلم بالحديث على أن حديث ابن عباس أصح ، قال أحمد : روي أن النبي رد ابنته بالنكاح الأول ، فقيل له : يروى أنه ردها بنكاح مستأنف ؟ قال : ليس بذلك أصل . وقال البخاري : حديث ابن عباس أصح من حديث عمرو بن شعيب . وقال الدارقطني : حديث عمرو هذا لا يثبت ، والصواب حديث ابن عباس ( الثاني ) وهو الذي اعتمده الخطابي وغيره أنها قضية عين ، فيحتمل أنها بقيت في عدتها ، بأن كانت حاملًا ، أو ارتفع حيضها برضاع ونحوه ( الثالث ) دعوى نسخه بأنه كان قبل نزول تحريم المسلمات على الكفار ( والرواية الثانية ) ينفسخ النكاح في الحال ، كما قبل الدخول ، اختارها الخلال وصاحبه ، لقوله سبحانه : 19 ( { فإن علمتوهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ) والدليل منها من أوجه ( أحدها ) عموم : 19 ( { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ) ( الثاني ) قوله تعالى : 19 ( { وآتوهم ما أنفقوا } ) فأمر برد المهر ولو لم تقع الفرقة باختلاف الدين لما أمر برد المهر ( الثالث ) قوله : 19 ( { ولا جناح عليكم أن تنكحوهن } ) فأباح سبحانه نكاحهن على الإطلاق ( الرابع ) قوله تعالى : 19 ( { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ) وعلى هذا فما تقدم يكون منسوخاً بهذه الآية الكريمة وأجيب ( عن الأول ) بأن المراد : في حال كفرهن ، بدليل : 19 ( { فلا ترجعوهن إلى الكفار } ) ( وعن الثاني ) بأنه كان يجب دفع المهر إلى الزوج إذا جاء وإن كان قبل انقضاء عدتها ، لانتفاء ردها إليه ، فإن أسلم قبل انقضائها سقط وجوب المهر ، ووجب تسليمها إليه ، ثم نسخ وجوب دفع المهر إليه ( وعن الثالث ) بأنه محمول على ما بعد العدة ، وكذا الجواب ( عن الرابع ) جمعا بين الأدلة ( والرواية الثالثة ) الوقف بإسلام الكتابية ، والانفساخ بغيرها ( والرواية الرابعة ) الوقف ، قال : أحب إلي الوقف عندنا ، وقيل عنه ما يدل ( على خامسة ) وهو الأخذ بظاهر حديث زينب ، وأنها ترد ولو بعد العدة .
وظاهر كلام الخرقي أن الفرقة حيث تقع ، تقع في الحال ، ولا يحتاج إلى حاكم ، ولا إلى عرض الزوج على الإسلام ، ونص عليه أحمد والأصحاب ، وظاهر كلامه أيضاً أنه لا فرق في هذا الحكم بين دار الحرب ودار الإسلام ، ونص عليه أحمد والأصحاب .
2548 وقد روي أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران ، ثم أسلمت امرأته بمكة ، فأقرهما النبي على نكاحهما والله أعلم .
قال : ولو نكح أكثر من أربع في عقد واحد ، أو في عقود متفرقة ، ثم أصابهن ، ثم أسلم ثم أسلمت كل واحدة منهن في عدتها ، أمسك أربعاً منهن ، وفارق ما سواهن ، سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن .
2549 ش : الأصل في هذا ما روى الحارث بن قيس الأسدي أو قيس ابن الحارث قال : أسلما وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي ، فقال : ( اختر منهن أربعاً ) رواه أبو داود وابن ماجه ، وقد ضعف من قبل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى .
2550 وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن غيلان بن سلمة أسلم وله عشر نسوة في الجاهلية ، فأسلمن معه ، فأمره النبي أن يتخير أربعاً منهن . رواه الترمذي وابن ماجه ، وهذا وإن كان مرسلًا على الصحيح عند الأئمة ، قاله الإمام أحمد والبخاري وغيرهما ، إلا أنه قد عضده الذي قبله ، فصار حجة بالاتفاق ، ولهذا احتج به أحمد في رواي أبي الحارث ، وتأويله بأن ( اختر أربعاً ) بمعنى : اختر أربعاً تعقد عليهن عقداً جديداً ، مردود بأن في الدارقطني ( أمسك منهن أربعاً ) والإمساك إنما هو بالعقد الأول ، كما في قوله سبحانه : 19 ( { أمسك عليك زوجك } ) ثم إن تجديد العقد ليس إليه ، والشارع قد فوض الاختيار إليه ، وحمله على أنه تزوجهن في عقود ، وأنه يختار الأوائل ، بعيد من اللفظ جداً .
2551 ثم في روايات حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا قال : يا رسول الله ما ترى في من أسلم وله عشر نسوة ؟ قال : ( يتخير منهن أربعاً ) وهذا يخرج الحديث عن أن يكون واقعة عين .
وقول الخرقي : نكح أكثر من أربع . بيان صورة المسألة ، إذ لو نكح أربعاً فما دون والحال ما تقدم ثبت نكاحهن ، ( وقوله ) في عقد واحد أو في عقود متفرقة ، يحترز به عن مذهب الحنفية ، إذ عندهم أنهم إن كانوا في عقد واحد انفسخ نكاحهن ، وإن كانوا في عقود صح نكاح الأوائل ، ( وقوله ) ثم أصابهن . لأنه لو لم يصبهن انفسخ نكاحهن في الحال ، لكون إسلامه قبل الدخول ، نعم لو كان إسلامهن معه تخير ، والخرقي إنما صور المسألة فيما إذا وقع إسلامهن بعد إسلامه ، ( وقوله ) ثم أسلم ، ثم أسلمت كل واحدة منهن ، يحترز به عما إذا أسلم أربع منهن فما دون ، فإنه لا يخيَّر ( وقوله ) : في عدتهن . يحترز به عما إذا تأخر إسلامهن عن العدة ، فإن نكاحهن ينفسخ كما تقدم ، ولا تخيير ، ( وقوله ) : أمسك أربعاً منهن وفارق سائرهن ، هذا هو الحكم ، وهو واجب عليه إن اختار البقاء على النكاح ، وإن اختار ترك نكاح الجميع فله ذلك ، لكن يكون في أربع بطلاق ، لأنهن زوجات ، وفي الباقيات فسخ ، ( وقوله ) : سواء كان من أمسك منهن أول من عقد عليهن أو آخرهن . هو من تمام الإحتراز عن مذهب الحنفية ، والضمير في نكح ، وفي الأربع ، يرجع إلى الوثني أي ولو نكح الوثني أكثر من أربع وثنيات ، فلا يرد عليه إذ أسلم زوج الكتابيات فإنه يتخير منهن ، ولا يشترط إسلامهن .
( تنبيهات ) أحدها عموم كلام الخرقي يشمل ما إذا كان محرماً ، وقاله أبو محمد ، وقال القاضي : لا يختار والحال هذه ، ويشبه هذا الاتجاع في الإحرام ( الثاني ) لو أسلمت المرأة ولها زوجان أو أكثر ، تزوجاها في عقد واحد ، لم يكن لها أن تختار أحدهما ، ذكره القاضي وغيره محل وفاق ، لأن البضع حصل بينهما مشتركاً ، بخلاف ما تقدم ، فإن الزوج ملك بضع كل واحدة . ( الثالث ) صفة الاختيار والفراق وضابطه أن كل لفظ دل على الاختيار فهو اختيار ، ولك لفظ دل على الفراق فهو فراق ، ومثاله أن يقول لأربع من ثمان مثلًا : أمسكت هؤلاء . أو اخترتهن ، أو رضيتهن ، ونحو ذلك ، أو يقول : تركت هؤلاء الأربع ، أو فسخت نكاحهن ، فيثبت نكاح الأخر ، فإن طلق إحداهن كان اختياراً ، إذ الطلاق لا يكون إلا في زوجته ، وكذلك لو أتى بلفظ الفراق أو السراح ، ناوياً به الطلاق ، وإن أطلق فاحتمالان مبنيان والله أعلم على أنهما هل هما صريحان في الطلاق أو لا ، وكذلك لو وطىء على المذهب لتضمنه الرضى بالموطوءة ، ووقع للقاضي في التعليق في باب الرجعة أنه لا يكون اختياراً ، وإن ظَاهَر أو آلى من إحداهما فوجهان ، أشهرهما : لا يكون اختياراً لصحته في غير زوجته ، والثاني يكون اختياراً ، لأن حكمه لا يترتب إلا في زوجة ، والله أعلم .
قال : ولو أسلم وتحته أختان منهما واحدة .
2552 ش : لما روى ابن فيروز الديلمي عن أبيه رضي الله عنهما قال : قلت : يا رسول الله إني أسلمت وتحتي أختان ؟ فقال رسول الله : ( طلق أيتهما شئت ) رواه أحمد وأبو داود ، وابن ماجه والترمذي ، وحسنة ولفظه ( اختر أيتهما شئت ) وصححه البيهقي ، وكذلك الحكم فيمن يحرم الجمع بينهما ، كالمرأة وعمتها ، ونحو ذلك ، وشرط الاختيار أن تكونا كتابيتين أو غيرهما ، ويسلما معه ، أو بعده في العدة إن كانت في عدة ، على المذهب ، أما إن لم تكن عدة كقبل الدخول ، فإن نكاحهما ينفسخ ، فإن أسلمت إحداهما دون الأخرى ، فقبل الدخول يثبت نكاح المسلمة ، ويزول نكاح المشركة إن لم تكن كتابية ، فإن كانت كتابية فكذلك على ما أورده ابن حمدان مذهباً : وقيل : يخير ، وهو القياس ، وبعد الدخول كذلك على رواية ، وعلى المشهور يقف الفسخ على انقضاء العدة ، فإن أسلمت الأخرى فيها خير ، وإلا انفسخ نكاحها ، والله أعلم .
قال : ولو كانتا أماً وبنتاً فأسلم وأسلمتا معاً قبل الدخول فسد نكاح الأم ، وإن كان دخل بالأم فسد نكاحهما .
ش : إذا أسلم وتحته اثنتان إحداهما أم الأخرى ، فأسلمتا معاً قبل الدخول بالأم فسد نكاح الأم ، لأنها أم معقود على ابنتها ، فتدخل تحت قوله تعالى : 19 ( { وأمهات نسائكم } ) وأنكحة الكفار صحيحة أو في حكم الصحيحة ، وإن كان قد دخل بالأم فسد نكاحهما ، لأنها إذاً ربيبة مدخول بأمها ، فتدخل تحت قوله تعالى : 19 ( { وربائبكم } ) الآية ، ولو لم يسلم إلا إحداهما فكذلك ، إن كانت المسلمة الأم فسد نكاحهما ، وكذلك إن كانت البنت وقد دخل بأمها ، وإلا ثبت نكاحها ، والله أعلم .
قال : ولو أسلم عبد وتحته زوجتان ، وقد دخل بهما فأسلمتا في العدة ، فهما زوجتاه ، ولو كن أكثر اختار منهن اثنتين .
ش : إذا أسلم عبد وتحته زوجتان مدخول بهما ، فأسلمتا في العدة ثبت نكاحهما ، لأن له والحال هذه ابتداء نكاحهما ، فكذلك استدامته ، وسواء كانتا حرتين أو أمتين أو مختلفتين ، نعم هل للحرة والحال هذه خيار الفسخ ؟ قال القاضي في المجرد ، وابن عقيل : قياس المذهب لا ؛ واختاره أبو محمد ، لأنها رضيت به كذلك ، وجعله القاضي في الجامع كالعيب الحادث ، نظراً بأن الرق ليس بنقص ، وإن كان عيباً ، لكن لا يؤثر في الكفر ، وإنما يؤثر ما ليس بنقص في الكفر في الإسلام ، وإن كن أكثر من اثنتين فأسلمن في العدة لم يكن له أن يختار أكثر من اثنتين ، كابتداء النكاح ، وله أن يختار ولو حرة وأمة على الصحيح .
قال : وإذا تزوجها وهما كتابيان ، فأسلم قبل الدخول أو بعده فهي زوجته .
ش : لأنه والحال هذه يجوز له ابتداء نكاحها ، فكان له استدامه ، مع أن هذا قد حكاه أحمد وابن عبد البر وغيرهما إجماعاً والله أعلم .
قال : وإن كانت هي المسلمة قبله وقبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها .
ش : أما الفسخ فلأن المسلمة لا تقر تحت مشرك ، وأما عدم المهر فلأن جاءت من قبلها ، وقد تقدم حكاية رواية أخرى أن لها نصف المهر ، ولو كان إسلامها والحال هذه بعد الدخول وقف الأمر على انقضاء العدة على المذهب ، فإن أسلم فيها وإلا انفسخ النكاح ، ولو أسلما معاً فالنكاح بحاله ، والله أعلم .
قال : وما سمي لها وهما كافران فقبضته ثم أسلمت فليس بها غيره ، وإن كان حراماً ، ولو لم تقبضه وهو حرام فلها عليه مهر مثلها ، أو نصف مهر مثلها حيث أوجب ذلك .
ش : إذا سمي الكافران تسمية فاسدة فقبضتها المرأة فلا شيء لها سواها ، لوقوعها الموقع بالقبض ، بدليل قوله سبحانه : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } ) أمر سبحانه بترك ما بقي دون ما قبض ، وقال تعالى : 19 ( { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله } ) والحكمة في ذلك والله أعلم أن إبطال ما قبض يشق ، لتطاول الزمان ، وكثرة تصرفهم في الحرام ، ولما في ذلك من التنفير عن الإسلام ، ولذلك لا يجب عليهم قضاء الفرائض ونحوها ، وإن لم تقبضه المرأة فلها عليه مهر مثلها ، أو نصف مهر مثلها حيث أوجب ذلك ، على المذهب عند الأصحاب بلا ريب ، لأن الممضي للتسمية الفاسدة القبض ولم يوجد ، والقاعدة أن التسمية إذا كانت فاسدة وجب مهر المثل إن دخل بها ، أو نصفه إن لم يدخل بها ، وخرج القاضي في تعليقه رواية أخرى في الخمر والخنزير أن لا شيء لها في معينه ، لأنه قد تعذر تسليمه ، وخرج عن كونه مالًا بالإسلام ، ومن أصلنا أن المعين إذا تلف قبل قبضه سقط ، وأن لها في غير المعين قيمته ، لأن أحمد قال في رواية الميموني في عاشر المسلمين : يُقَوِّم الخمر عليهم ، ويأخذ العشر من ثمنها . انتهى ونقل عنه ابن منصور في نصراني تزوج نصرانية على قلة خمر ، ثم أسلما : فإن دخل بها فهو جائز ، وإن لم يدخل بها فلها صداق مثلها ، وظاهر هذا أن قبل الدخول يجب صداق المثل بكل حال ، وإن قبضت المحرم ، قال أبو العباس : وهو قوي ؛ إذ تقابض الكفار إنما يمضي على المشهور إذا وجد عن الطرفين ، وهنا البضع لم يقبض .
وقد تضمن كلام الخرقي أن التسمية الصحيحة تمضي بكل حال ، وهو واضح ، والله أعلم .
قال : ولو تزوجها وهما مسلمان ، فارتدت قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها .
ش : أما فسخ النكاح فلأن المسلم لا يتزوج مرتدة ، فلا يستديم نكاحها ، ولا عدة تنتظر ، وأما عدم المهر فلأن الفرقة جاءت من قبلها .
قال : ولو كان هو المرتد قبلها فكذلك ، إلا أن عليه نصف المهر .
ش : يعني ينفسخ النكاح لما تقدم ، ولظاهر قوله تعالى : 19 ( { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } ) ونحوه ، وعليه نصف المهر ، لوجود الفرقة من جهته .
قال : ولو كانت ردتها بعد الدخول فلا نفقة لها .
ش : لأنه قد امتنع بردتها من الاستمتاع ، فلا يجب لها النفقة كالناشز .
قال : وإن لم تسلم في عدتها انفسخ النكاح .
ش : لا إشكال في ذلك كما تقدم ، أما إن أسلمت في عدتها فمفهوم كلامه ثبوت النكاح ، وهو بناء على مختاره من القول بالوقف ، وعلى الرواية الأخرى لا وقف ، فينفسخ النكاح حين ارتدادها ، وقد تقدم توجيه الروايتين ، والله أعلم .
قال : ول كان هو المرتد بعد الدخول ، فلم يعد إلى الإسلام حتى انقضت عدتها انفسخ النكاح منذ اختلف الدينان .
ش : حكم الرجل في ارتداده بعد الدخول حكم المرأة في فسخ النكاح وعدمه ، أما في النفقة فتجب ، ولهذا سكت عنها الخرقي ، ونفاها فيما إذا كانت هي المرتدة ، لأن التسليم منها موجود ، والامتناع من جهته بارتداده .
( تنبيه ) لم يتعرض الخرقي لما إذا ارتدا معاً ، والحكم أن النكاح ينفسخ إن كان قبل الدخول ، إذ كل حكم يتعلق بردة أحدهما تعلق بردة معه ، أصله استباحة دمه وماله ، ولأن الإنشاء والحال هذه لا يجوز ، فكذلك الاستدامة ، ويقف على انقضاء العدة إن كان بعد الدخول على المشهور من الروايتين ، وهل يجب نصف المهر إن كانت الردة قبل الدخول ؟ فيه وجهان ، إذ الفرقة منهما ، فهو كتلاعنهما ونحوه ، وتجب النفقة مع الوقف ، لأنها كانت واجبة ، ولم تنفرد المرأة بما يسقطها ، والله أعلم .
قال : وإذا زوجه وليته ، على أن يزوجه الآخر وليته ، فلا نكاح بينهما وإن سموا مع ذلك صداقاً .
ش : إذا زوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ، فلا يخلو إما أن يسموا مع ذلك صداقاً أو لا ، فإن لم يسموا مع ذلك صداقاً فلا خلاف عن أحمد نعلمه ، ولا نزاع بين الأصحاب في بطلان النكاح .
2553 لما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله نهى عن الشغار ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، وليس بينهما صداق . رواه الجماعة ، لكن الترمذي لم يذكر تفسير الشغار ، وأبو داود جعله من كلام نافع ، وهو كذلك في رواية متفق عليها .
2554 وعن ابن عمر أيضاً أن النبي قال : ( لا شغار في الإسلام ) رواه مسلم .
2555 وروي نحوه من حديث عمران بن حصين ، وأنس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم وغيرهم ، والنهي يدل على فساد المنهي عنه ، والنفي لنفي الحقيقة الشرعية ، ويؤيد ذلك فعل الصحابة .
2556 قال أحمد رحمه الله عن عمر وزيد رضي الله عنهما أنهما فرقا فيه ، وكذلك معاوية أمر بذلك .
وخَرَّج أبو الخطاب في هدايته ، ومن تبعه رواية ببطلان الشرط ، وصحة العقد ، من نصه في رواية الأثرم : إذا تزوجها بشرط الخيار أو إن جاءها بالمهر في وقت كذا وإلا فلا نكاح ، أن النكاح جائز ، والشرط باطل ، إذ فساد التسمية لا يوجب فساد العقد ، كما لو تزوجها على خمر أو خنزير ، فعلى هذا يجب مهر المثل انتهى .
وإن سموا مع ذلك صداقاً فالمنصوص عن أحمد رحمه الله الصحة ، وعليه عامة الأصحاب ، لما تقدم من حديث ابن عمر إذ هذا التفسير إن كان من الرسول فواضح ، وإن كان من نافع فهو راوي الحديث ، وقد فسره بمالا يخالف ظاهره فيتبع .
2557 وقد روى البيهقي عن أبي الزبير عن جابر قال : نهى رسول الله عن الشغار ، والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق ، بضع هذه صداق هذه ، وبضع هذه صداق هذه . وقال الخرقي ، وأبو بكر في الخلاف : لا يصح أيضاً ، وحكاه في الجامع رواية .
2558 لما روى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، أن العباس بن عبد الله ابن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته ، وأنكحه عبد الرحمن ابنته ، وقد كانا جعلا صداقاً ، فكتب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينهما ، وقال في كتابه : هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله . رواه أحمد وأبو داود ، وأجيب بأن أحمد ضعفه من قبل راويه ابن إسحاق ، وبأنه يحمل على أنهما كانا جعلا مهراً قليلًا حيلة .
وحكى أبو البركات قولًا ثالثاً وصححه أنه إن قيل فيه : وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى لم يصح ، للتصريح بالتشريك المقتضي للبطلان ، وإلا صح ، لأن غايته شرط فاسد ، فيفسد ويصح النكاح ، وقد ذكر أن ابن عمر فسر الشغار بأن يقول : وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى . لكن هذا التفسير لا يعرف في الصحاح ولا في السنن .
واعلم أن أبا محمد قال تبعاً للقاضي في الجامع الكبير والمجرد ، ولابن عقيل : إنه متى صرح بالتشريك لا يصح النكاح قولًا واحداً ، فهذه الصورة عندهم مخرجة من محل الخلاف .
( تنبيه ) سمي هذا النكاح نكاح الشغار قيل : لقبحه تشبيهاً برفع الكلب رجله ليبول في القبح يقال : شغر الكلب . إذا فعل ذلك ، وهذا قول ابن الأعرابي ، وعن الأصمعي : الشغار الرفع ، كأن كل واحد رفع رجله ، وهذا هو العلة عنده في بطلان الشغار أيضاً ، قال : لا يعقل له علة مستقيمة إلا إشغاره عن المهر ، قال : وهو الذي يدل عليه قول أحمد ، وقدماء أصحابه كالخلال ، وصاحبه ، وقد فسره أحمد بأنه فرج بفرج ، فالفروج كما أنها لا توهب ولا تورث بنص القرآن ، فلأن لا يعاوض بضع ببضع أولى ، وأورد على هذا بأنه إذاً ينبغي أن يصح ويجب مهر المثل ، كما لو سميا فاسداً ، وأجيب إذا رضيا بنكاح لا مهر فيه ، فما قصداه لم يبحه الشارع ، وما أباحه الشارع لم يقصداه ، أما إذا سميا فاسداً فقد قصدا المهر ، وأورد أيضاً تزويج النبي بغير مهر ، وتزويج الرجل ابنته ، والتفويض لا يسمى شغاراً ، وأجيب بأن الشغار فعال ، فيكون من الطرفين ، أي إخلاء بإخلاء ، بضع ببضع ، وهذا منتف في هذه المواضع ، وعلل القاضي البطلان وجماعة من أتباعه بالتشريك في البضع ، إذ المرأة تملك الصداق ، والزوج يملك بضع المرأة ، فكان بضع كل واحدة منهما مشتركاً بين الزوج والمرأة ، ورد بأن هذا ليس هو المقصود قطعاً ، وإنما كل من المرأتين رضيت بأن الزوج يستبيح بضعها بلا مهر لها ، بل يكون لوليها ، وهو بضع الأخرى ، وعلل القاضي أيضاً البطلان وأبو محمد بأنه جعل كل واحد من العقدين سلفاً في الآخر فلم يصح ، كبعتك ثوبي بمائة على أن تبيعني ثوبك بمائة ، وأبو الخطاب جعله من تعليق كل من النكاحين بالآخر ، وتعليق النكاح بالشرط لا يصح ، وعلله القاضي أيضاً وأبو الخطاب بأنه عقد حصل على وجه جعل المستباح فيه مهراً ، فلم يصح ، دليله إذا زوج عبده بحرة ، وجعل رقبته صداقها لأن ما استباحته من الزوج جعل مهراً ، فكذلك هنا ما استباح الزوج من الزوجة جعل مهراً ، وقيل غير ذلك وجميعها مستدرك والله أعلم .
قال : ولا يجوز نكاح المتعة .
ش : نكاح المتعة ، أن يتزوج امرأة إلى مدة ، فإذا انقضت زال النكاح ، سواء كانت المدة معلومة كشهر ونحوه ، أو مجهولة كنزول المطر ونحوه ، وسواء وقع بلفظ النكاح وبولي وشاهدين أم لا ، والمذهب المنصوص المختار للأصحاب بلا ريب بطلانه .
2559 لما روى علي رضي الله عنه أن رسول الله نهى عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ، وفي رواية : نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر الأهلية متفق عليهما .
2560 وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : رخص لنا رسول الله في متعة النساء عام أوطاس ثلاث أيام ، ثم نهى عنها .
2561 وعن سبرة الجهني رضي الله عنه أنه غزا مع النبي فتح مكة ، قال : فأقمنا بها خمسة عشر ، فأذن لما رسول الله في متعة النساء ، وذكر الحديث إلى أن قال : فلم أخرج حتى حرمها رسول الله ، وفي رواية أن النبي قال : ( يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً ) رواه أحمد ومسلم ، وفي رواية لأحمد وأبي داود عن سبرة أن رسول الله في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة . والنهي يدل على فساد المنهي عنه ، لا سيما وقد عضده أمره بالتخلية ، والاستدامة أسهل من الإبتداء ، ولأن الأحكام المختصة بالنكاح من الطلاق والظهار واللعان والتوارث وغير ذلك لا تتعلق به ، فدل على أنه ليس بنكاح ، إذ هي لازمة للنكاح الصحيح ، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم ، وسأل ابن منصور الإمام أحمد عن متعة النساء : تقول إنها حرام ؟ فقال : يجتنبها أحب إلي . فأثبت ذلك أبو بكر في الخلاف رواية ، وأبى ذلك القاضي في خلافه ، وكذلك أبو الخطاب ، حاملًا لها على أنه سئل : هل للعامي أن يقلد من يفتي بمتعة النساء ؟ فقال : لا ، يجتنبها أحب إلي . أي الأولى أن لا يقلد ، وكذلك ابن عقيل ، مدعياً أن أحمد رجع عنها ، و أبو العباس يقول : توقف عن لفظ الحرام ، ولم ينفه ، وبالجملة قد استدل لهذه الرواية بقوله تعالى : 19 ( { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن } ) .
فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ : 19 ( { فما استمتعتم منهن فآتوهن أجورهن إلى أجل مسمى } ) .
2562 وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنا نغزو مع النبي ليس معنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم } ) الآية ، متفق عليه .
2563 وعن جابر رضي الله عنه قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله وأبي بكر ، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ، رواه مسلم ، وأجيب عن الآية بمنع ثبوت قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ثم نسخ الجميع ، بدليل ما تقدم .
2564 وقد روى ابن عدي ، عن مؤمل بن إسماعيل قال : ثنا عكرمة ابن عمار ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله : قال : ( هدم المتعة الطلاق والعدة والميراث ) قال عبد الحق : وعكرمة إنما يضعف حديثه عن يحيى بن أبي كثير .
( تنبيهان ) أحدهما قد تقدم في بعض الأحاديث أن النهي كان يوم خيبر ، وفي بعضها عام الفتح ، وأجيب عن ذلك بأجوبة ( أحدها ) أن في حديث علي تقديماً وتأخيراً ، تقديره : أن النبي نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، ونهى عن متعة النساء ، ولم يذكر زمن النهي .
2565 وقد جاء في بعض طرق الحديث أن رسول الله نهى عن نكاح المتعة ، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، ذكره قاسم ابن أصبغ وقال : قال سفيان بن عيينة : يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر ، لا عن نكاح المتعة . ( الثاني ) أن النهي قد وقع عنها يوم خيبر وعام الفتح جميعاً ، فسمعه بعض عام الفتح ، وبعض زمن خيبر ، ورد بأنه أذن عام الفتح ، نعم هذا يجاب به عن النهي عام الفتح ، وعام حجة الوداع ( الثالث ) حمل ذلك على ظاهره ، وأنها كانت مباحة ، ثم نسخت يوم خيبر ، ثم أبيحت ثم حرمت عام الفتح ، قال الشافعي : لا أعلم شيئاً أحله الله ثم حرمه ، ثم أحله ثم حرمه ، إلا المتعة .
( الثاني ) هل يجب الحد فيها ؟ يتلخص للأصحاب فيها وجهان ، والله أعلم .
قال : ولو تزوجها على أن يطلقها في وقت بعينه لم ينعقد النكاح .
ش : لأنه شبيه بالمتعة ، والشبيه بالشيء يعطي حكمه ، بيان الشبه أنه ألزم نفسه فراقها في وقت بعينه ، والمتعة النكاح يزول فيها في وقت بعينه ، قال أحمد في رواية أبي داود إذا تزوجها على أن يحملها إلى خراسان ، ومن رأيه إذا حملها [ إلى خراسان ] خلى سبيلها ، قال : لا ، هذا يشبه المتعة ، حتى يتزوجها ما حييت ، وفي هذا النص إشعار بتعليل آخر ، وهو أن وضع النكاح الدوام ، وهذا الشرط ينافيه ، وأن النية كافية في المنع ، وقال أيضاً في رواية عبد الله : إذا تزوجها ومن نيته أنه يطلقها ، أكرهه ، هذه متعة ، وعلى هذا جمهور الأصحاب ، القاضي في خلافه ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، لما علل به أحمد من أن هذا في معنى المتعة ، وجزم أبو محمد في مغنيه بالصحة ، وقال : إنه لا بأس به ، كما لو نوى إن وافقته وإلا طلقها ، قال أبو العباس : ولم أر أحداً من الأصحاب صرح أنه لا بأس به ، وما قاس عليه لا ريب أنه موجب العقد ، بخلاف ما تقدم ، فإنه ينافيه ، لقصده التأقيت والله أعلم .
قال : وكذلك إذا شرط عليه أن يحلها لزوج كان قبله .
ش : يعني فإذا أحلها طلقها ، وهذا هو نكاح التحليل ، والمذهب المنصوص والمختار بلا نزاع بطلانه .
2566 لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال : لعن رسول الله المحلل والمحلل له . رواه أحمد والنسائي ، والترمذي وصححه .
2567 وللخمسة إلا النسائي عن علي مثله .
2568 ولأحمد عن أبي هريرة مثله .
2569 ولابن ماجه عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله : ( ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ ) قالوا : بلى يا رسول الله . قال : ( هو المحلل ، لعن الله المحلل والمحلل له ) فلعن رسول الله على ذلك ، ولا يلعن على فعل جائز ، فدل ذلك على تحريمه ، وفساده وتسميته محللًا لقصده الحل في موضع لا يحصل فيه الحل .
2569 م كما قال النبي : ( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه ) وقال تعالى : 19 ( { يحلونه عاما ويحرمونه عاما } ) .
2570 وعن قبيصة بن جابر : سمعت عمر يخطب الناس وهو يقول : والله إني لا أوتى بمحلل ولا بمحلل له إلا رجمتهما . رواه الأثرم .
2571 وسئل ابن عباس عن ذلك فقال : من يخدع الله يخدعه .
2572 وعن ابن عمر رضي الله عنهما : لا يزالا زانيين وإن مكثا عشرين سنة ، قال : وإن كنا لنعده على عهد رسول الله سفاحاً .
وخرج القاضي وأبو الخطاب رواية ببطلان الشرط ، وصحة العقد ، من مسألة اشتراط الخيار ، وكذلك ابن عقيل ، لكنه خرجها من الشروط الفاسدة .
فعلى الأولى وهو المذهب بلا ريب لو نوى ذلك الزوج بقلبه ، فهو كما لو شرطه بلسانه ، نص عليه أحمد وعليه الأصحاب ، لدخوله في عموم : ( لعن الله المحلل والمحلل له ) الحديث .
2573 ويؤيده ما روى ابن شاهين في غرائب السنن ، عن النبي أنه سئل عن نكاح المحلل ، فقال : ( لا نكاح إلا نكاح رغبة ، لا نكاح دلسة ) ونقل حرب عن أحمد : إذا تزوج امرأة وفي نفسه طلاقها ؟ فكرهه ، فأخذ من ذلك الشريف وأبو الخطاب ومن تبعهما رواية بالصحة مع الكراهة ، وهو مقتضى قول شيخهما ، ومنع ذلك أبو العباس ، إذ رواية حرب في من نوى الطلاق ، وذلك إنما يكون في من له رغبة في النكاح والمحلل لا رغبة له في النكاح أصلًا ، ومن هنا قال القاضي وأصحابه كالشريف ، وأبي الخطاب ، الشيرازي وغيرهم : إنه إذا نوى التطليق في وقت بعينه ، هو كنية التحليل . ونص أحمد يشهد لهم كما تقدم .
وإطلاق كلام الخرقي يشمل ما إذا شرط التحليل حال العقد أو قبله ، ولم يرجع عنه ، وهذا ينبني على أن الشرط السابق كالمقارن ، إلا أن هنا النية كافية في المنع ، فغايته أنها أكدت بالشرط السابق ، نعم لو شرط قبل العقد ، ثم نوى في العقد نكاح الرغبة ، فأبو محمد يصحح هذا .
2574 ويحمل عليه حديث ذي الرقعتين ، فإنه يروى عنه أنه أحل امرأة لزوجها ، وبلغ ذلك عمر فلم ينكره ، و أبو العباس يقول : إن الشرط المتقدم كالمقارن ، فالشرط والحال هذه لا يلزم معه العقد .
وأما حديث ذي الرقعتين فقال أحمد : ليس له إسناد . و أبو عبيد أجاب بجوابين ( أحدهما ) أنه مرسل ، فأين هو من الذين سمعوه يخذب على المنبر : لا أوتى بمحلل ولا بمحلل له إلا رجمتها ، ( والثاني ) كقول أبي محمد ، والله أعلم .
قال : وإذا عقد المحرم نكاحاً لنفسه أو لغيره ، أو عقد أحد نكاحاً لمحرم ، أو على محرمة فالنكاح فاسد .
ش : لا يصح أن يعقد المحرم نكاحاً لنفسه . بلا نزاع نعلمه عندنا .
2575 لما روى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال : قال روسل الله : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ) وفي رواية ( ولا يخطب ) رواه الجماعة إلا البخاري ( فإن قيل ) :
2576 وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي تزوج ميمونة وهو محرم ، رواه البخاري ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي ، وإذاً فيحمل نهيه على الكراهة ، جمعاً بين الدليلين .
2577 قيل : هذا معارض بما روى يزيد بن الأصم ، عن ميمونة رضي الله عنهما ، قالت : تزوجني رسول الله ونحن حلالان بسرف ؛ رواه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي .
2578 وعن أبي رافع قال : تزوج رسول الله ميومنة وهو حلال ، وبنى بها وهو حلال ، وكنت أنا الرسول بينهما . رواه أحمد والترمذي وحسنه ، وإذا تعارضت الروايتان طلب الترجيح ، ولا ريب أن من روى أنه تزوجها وهو حلال ، يترجح بأمور ( أحدها ) بكثرة رواته ، قال أبو عمر النمري : الرواية أن رسول الله تزوج ميمونة وهو حلال ، وعن سليمان بن يسار مولاها ، وعن يويد بن الأصم وهو ابن أختها انتهى ، ولا ريب أن الحمل على الفرد ، أولى من الحمل على الجماعة .
2579 وقد قال أبو داود سعيد بن المسيب : وهم ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال أحمد في رواية أبي الحارث : هذا الحديث خطأ ، يعني حديث ابن عباس ( الثاني ) أن ميمونة هي صاحبة القصة ، وأبا رافع هو الرسول بينهما ، ولا يخفى أنهما أعرف وأخبر بالواقعة من غيرهما ، وقد أشار أحمد إلى وذلك في رواية المروذي ، لا سيما وابن عباس رضي الله عنه صغير ، لا يحضر مثله الوقائع ، فلعله روى عن غيره .
2580 مع أنه قد قيل : إن من مذهب ابن عباس رضي الله عنهما أن من قلد الهدي صار محرماً ، فلعله رأى النبي قلد الهدي ، فاعتقد أنه محرم ( الثالث ) أن رواية ميمونة توافق رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وعمل الصحابة رضي الله عنه ، وعمل الصحابة رضي الله عنهم .
2581 فعن عمر رضي الله عنه أنه فرق في ذلك ، رواه مالك الموطأ .
2582 وعن ابنه رضي الله عنه أنه نهى عن ذلك وقال : إن رسول الله نهى عن ذلك . رواه أحمد ، وهو قول زيد بن ثابت رضي الله عنه ( الرابع ) أنه متى تعارض دليلًا الحظر والإباحة كان دليل الحظر مقدماً ، ثم لو قدر التعارض في فعله ، فيسلم نهيه في رواية عثمان وابن عمر رضي الله عنهم ، ثم لو سلم ترجيح رواية ابن عباس رضي الله عنهما فهي فعله ، وذاك قوله ، والقول مقدم على الفعل ، لا سيما وهو قد اختص في النكاح بخصائص لم يشاركه فيها غيره ، فلعل هذا منها ، ثم لو سلم عدم الاختصاص فلعل فعله وارد على مباح الأصل ، ولا يلزم نسخ قوله ، ودعوى أن المراد بالنهي الكراهة مخالف لظاهر النهي ، ولعمل الصحابة ، ويلزم منه أنه يفعل المكروه ، ولا يقال فعله لتبيين الجواز ، لأنا نقول تبيينه بقوله ، ولا يقال : المراد بلا ينكح لا يطأ ، ولا ينكح لا يمكن من الوطء ، لأنا نقول : غالباً استعمال الشرع للعقد ، فيحمل عليه ، مع أن قوله في الحديث ( ولا يخطب ) قرينة على ذلك .
2583 ثم في الدارقطني عن أنس رضي الله عنه أن النبي قال : ( لا يتزوج المحرم ولا يزوج ) وهذا نص ويؤيده أن الصحابة فهمت ذلك .
2584 ففي الموطأ عن أبي غطفان المري أن أباه طريفاً تزوج امرأة وهو محرم ، فرد عمر رضي الله عنه نكاحه .
2585 وعن علي رضي الله عنه أنه قال : من تزوج وهو محرم نزعناها منه ، ولم نجز نكاحه .
2586 وعن مولى زيد بن ثابت أنه تزوج وهو محرم ، ففرق زيد رضي الله عنه بينهما ، رواهما أبو بكر النيسابوري . والله أعلم .
وهل له أن ينكح لغيره ، كما إذا كان ولياً أو وكيلًا في النكاح ؟ فيه روايتان ، أشهرهما لا ، لعموم الحديث ( والثانية ) نعم ، اختارها أبو بكر ، كما لو حلق المرحم رأس حلال ونحوه ، وقيل : إن أصل هذه الرواية من قول أحمد : إن زوج المحرم لم أفسخ النكاح . وقيل : هذا لا يثبت به رواية ، لاحتمال أنه منع الفسخ للاختلاف فيه ، ولهذا قال : هو والإمام مالك رضي الله عنهما : لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه . انتهى .
فعلى المذهب إذا أحرم الإمام الأعظم منع من تزويج أقاربه ، وهل يمنع من التزويج بالولاية العامة ؟ فيه احتمالان ، ( المنع ) نظراً للعموم ، فعلى هذا يزوج خلفاؤه ، قاله القاضي ، دفعاً للحرج ، ولأنهم لا ينعزلون بموته على الأشهر ( والجواز ) واختاره ابن عقيل ، لأن ولاية الحكم يجوز فيها ما لا يجوز بولاية النسب ، بدليل الكافرة يزوجها الإمام ، لا وليها المناسب المسلم ، واعلم أن القاضي قال : إنه لا يعرف الرواية عن أصحابنا في هذا الفرع ، إذ إحرامه بالنسبة إلى النكاح كموته ، انتهى ، وإذا عقد أحد سواء كان حلالًا أو محرماً نكاحاً لمحرم ، أو على محرمة ، فالنكاح فاسد ، لأنه يصدق على المحرم أنه نكح وتزوج ، فيدخل في الحديث .
وقد خرج من كلام الخرقي ما إذا وكل المحرم حلالًا ، فلم يعقد له النكاح حتى حل أنه يصح ، ودخل في كلامه ما إذا وكله وهو حلال ، فلم يعقد له حتى أحرم أن النكاح لا يصح ، وهو صحيح ، صرح به أبو محمد ، فالاعتبار بحال العقد وهو المشهور ، والله أعلم .
قال : وأي الزوجين وجد بصاحبه جنوناً أو جذاماً ، أو برصاً أو كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عفلاء ، أو فتقاء ، أو الرجل مجبوباً ، فلمن وجد ذلك منهما بصاحبه الخيار في فسخ النكاح .
ش : أما ثبوت الخيار بالجنون والجذام والبرص لكل من الزوجين .
2587 فلما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : أيما امرأة غرّ بها رجل بها جنون أو جذام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها ، وصداق الرجل على من غره ، رواه مالك في الموطأ والدارقطني ، وفي لفظ للدارقطني قضى عمر في البرصاء ، والجذماء ، والمجنونة ، إذا دخل بها فرق بينهما ، ولها الصداق بمسيسه إياها وهوله عليها .
2588 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أربع لا يجري في بيع ولا نكاح ، المجنونة ، والمجذومة ، والبرصاء ، والقلفاء ، رواه الدارقطني .
2589 وفي المسند عن كعب بن زيد أو زيد بن كعب أو رسول الله تزوج امرأة من بني غفار ، فلما دخل عليها ووضع ثوبه ، وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضاً ، فانحاز عن الفراش ، ثم قال : ( خذي عليك ثيابك ) ولم يأخذ مما آتاها شيئاً ، ورواه سعيد في سننه عن زيد بن كعب بن عجرة ، ولم يشك ، ورده لها فسخ للنكاح ، لا يقال : يحتمل أنه أو كنى بالرد عن الطلاق ، لأنا نقول : لم ينقل في الحديث طلاق ، والرد صريح في الفسخ ، فالحمل عليه أولى ، وإذا ثبت هذا في أحد الزوجين ثبت في الآخر ، والمعنى في ذلك أن الجنون تنفر النفس منه ، وتخاف جنايته ، والجذام والبرص يخشى تعديهما إلى الولد وإلى النفس ، ويثيران نفرة تمنع القربان ، وأما ثبوت الخيار للرجل إذا كانت المرأة رتقاء أو قرناء أو عفلاء أو فتقاء ، فلأن ذلك يمنع معظم المعقود عليه في النكاح ، وهو الاستمتاع فأثبت الخيار كالعنة ، إذ المرأة أحد الزوجين ، فيثبت الخيار بالعيب فيها كالرجل ، وأما ثبوت الخيار للمرأة إذا كان الرجل مجبوباً ، فلأن ذلك يمنع المقصود من النكاح وهو الاستمتاع ، أشبه العنة بل أولى للإياس من زواله ، بخلاف العنة ، ودليل الأصل قول الصحابة رضوان الله عليهم .
وقد دخل في كلام الخرقي ما إذا وجد أحدهما بصاحبه عيباً به مثله ، كأن كان مجذوماً وهي جذماء ونحوه ، وهو أحد الوجهين ، نظراً إلى أن الإنسان يعاف عيب غيره ، ولا يعاف عيب نفسه ( والثاني ) لا يثبت خيار والحال هذه ، لتساويهما ، ويدخل في كلامه أيضاً ما إذا حدث العيب بعد العقد ، وكذا حكاه عنه القاضي ، معتمداً على قوله بعد : فإن جب بعد الدخول فلها الخيار في وقتها ، وهذا اختيار القاضي في تعليقه الجديد ، والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، لأنه معنى يثبت به الخيار مقارناً ، فيثبت به طارئاً ، كالإعسار بالنفقة وكالرق ، واختار أبو بكر في الخلاف ، وابن حامد ، والقاضي في التعليق القديم ، والمجرد ، وابن البنا أن الخيار لا يثبت والحال هذه ، لأنه عيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد ، فلم يثبت الخيار ، كالحادث بالمبيع المعين بعد البيع ، وفرق بأن النكاح يستوفى شيئاً فشيئاً ، فهو في معنى الإجازة ، بخلاف المبيع .
وظاهر كلام الخرقي أن الخيار لا يثبت بغير هذه ، فلا يثبت بالبخر في الفم ، ولا في الفرج ، ولا بالقروح السيالة في الفرج ، ولا بالباسور ولا بالناصور ، ولا بالاستحاضة ، ولا باستطلاق البول أو النجو ، ولا بالخصاء ، وهو قطع الخصيتين ، ولا بالوجاء وهو رضهما ، ولا بالسل وهو سلهما ، ولا بكون أحدهما خنثى غير مشكل ، وهو أحد الوجهين في الجميع ، ولا يثبت الخيار بما عدا ذلك كالعمى ، والعرج ، وقطع اليد ، أو الرجل ، وكون المرأة نضوة الخلق يخاف عليها الجناية بالجماع ، وكون الذكر كبيراً والفرج صغيراً ونحو ذلك ، على المذهب بلا ريب ، واختار ابن عقيل ثبوت الخيار بنضو الخلق كالرتق ، واختار ابن حمدان في كبر الذكر وصغر الفرج ثبوت الخيار ، وعن أبي البقاء العكبري ثبوت الخيار بكل عيب يرد به في البيع وهو غريب .
( تنبيهان ) أحدهما ( الجنون ) معروف وهو زوال العقل ، ولا فرق فيه بين المطبق أي الدائم ، والخانق أي الذي يخنق في وقت دون وقت ، فإن زال العقل بمرض فهو إغماء ، لا يثبت به خيار ، فإن دام بعد المرض فهو جنون ، ( والجذام والبرص ) داآن معروفان ، نسأل الله العافية منهما ومن كل داء ، فإن ظهر أمرهما فواضح ، وإن أشكل كأن يتفرق شعر الحاجب ، أو يكون به بياض يحتمل أنه برص أو بهق ، فمع الاتفاق من الزوجين لا كلام ، ومع الإختلاف القول قول المنكر ، نظراً للأصل ، فإن أقام المدعي بما ادعاه شاهدين حكم بذلك ، وخرج قبول واحد كالموضحة ، فإن أقام كل منهما بينة بدعواه تعارضتا ولا فسخ ، ( والجب ) القطع ، والحكم هنا مرتب على قطع الذكر ، أو على قطع بعضه بحيث لا يمكن الجماع بالباقي ( والرتق ) بفتح الراء والتاء مصدر رتقت بكسر التاء ، ترتق رتقاً ، بفتح التاء فيهما التحام الفرج ، قاله الجوهري ( والقرن ) مصدر قرنت المرأة بكسر الراء تقرن قرناً بفتحها فيهما ، إذا كان في فرجها قرن بسكون الراء ، وهو عظم أو غدة تمنع من ولوج الذكر ، ( والعفل ) نتنة تخرج في فرج المرأة وحيا الناقة شبيه بالأدرة التي للرجال في الخصية ، والقاضي في الخلاف جعل هذه الثلاثة لحماً ينبت في الفرج ، وفي المجرد جعل الرتق السد ، والقرن والعفل اللحم ، وتبعه على ذلك أبو الخطاب وابن عقيل ، وأبو حفص فسر العفل برغوة في الفرج كزبد البعير ، وإذاً في ثبوت الخيار به وجهان ( والفتق ) انخراق ما بين السبيلين ، وقيل انخراق ما بين مخرج البول والمني ، وإذاً في ثبوت الخيار به وجهان .
( الثاني ) يفتقر الفسخ في هذه إلى حكم حاكم ، لأنه أمر مختلف فيه ، فاحتاج إلى حاكم ، كالفسخ للإعسار بالنفقة ، وفارق خيار المعتقة ، للاتفاق عليه ، ولا يرد خيار المعتقة بعد ثلاث ، والمعتقة تحت حر ، وخيارات البيع ، فإنها وإن اختلف فيها فإن أصلها متفق عليه ، والمراد بحكم الحاكم أن يحكم بالفسخ ، أو يأذن فيه أو يفسخ ، ولا يختار إلا بطلب من له الفسخ ، وحيث يقع الفسخ كان فسخاً وليس بطلاق ، نص عليه ، والله أعلم .
قال : وإذا فسخ قبل المسيس فلا مهر .
ش : سواء كان الفاسخ الزوج أو المرأة ، لأنها إن كانت هي الفاسخة فالفرقة من جهتها ، أشبه ما لو أرضعت زوجة له أخرى ، وإن كان هو الفاسخ فهو بسببها ، إذ هو لعيبها ، فإن قيل : فهلا جعل فسخها لعيبه كأنه منه ، لأنه بسببه ؟ قيل : أجاب عنه أبو محمد بأن العوض من الزوج في مقابلة بضعها ، فإذا اختارت الفسخ مع سلامة المعقود عليه رجع العوض إلى العاقد ، وليس من جهتها عوض في مقابلة بضع الزوج ، وإنما يثبت لها الخيار دفعاً للضرر اللاحق بها ، لا لتعذر ما استحقت في مقابلته عوضاً ، والله أعلم .
قال : فإن كان بعده وادعى أنه ما علم وحلف ، كان له أن يفسخ ، وعليه المهر يرجع به على من غره .
ش : شرط ثبوت الخيار فيما تقدم من العيوب أن لا يعلم بها وقت العقد ، ولا بعده ويرضى ، أما إن علم بها وقت العقد ، أو بعده فرضي ، أو وجد منه ما يدل على الرضى فلا خيار له ، لأنه قد دخل على بصيرة ، أو أسقط حقه ، أشبه مشترى المعيب إذا علم بالعيب وقت البيع ، أو بعده فرضي ، فعلى هذا إن تصادقا على عدم العلم بالعيب ، وأنكرته المرأة فالقول قوله ، إذ الأصل عدم العلم ، وعليه اليمين ، لأن ما ادعي عليه محتمل ، ولا فرق في ذلك كله بين قبل الدخول وبعده ، وإن كان كلام الخرقي رحمه الله يوهم خلاف ذلك ، وإذا تقرر هذا وفسخ بعد الدخول كان عليه المهر بما استحل من فرجها .
وظاهر كلام الخرقي أنه المسمى لتعريفه المهر ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، واختيار الشيخين وغيرهما ، لظاهر ما تقدم عن عمر رضي الله عنه وعليه اعتمد أحمد ، قال : إذا تزوجها جذماء برصاء مجنونة أو بكراً فخرجت ثيباً ، يقول عمر : يلزمهم المهر الذي أعطاهم ( والرواية الأخرى ) الواجب مهر المثل ، إذ الزوج إنما بذل المسمى مع تمام النكاح ، فإذا فسخ لم يرض ببذل إنما رضيت بالمسمى لرجل سليم ، وإذا فات الرضى رجع إلى مهر المثل ، وبنى القاضي في المجرد ، وابن عقيل في الفصول هاتين الروايتين على الورايتين في النكاح الفاسد ، هل الواجب فيه المسمى أو مهر المثل ؟ لأن الفسخ لمعنى قارن العقد ، فإنه لم ينعقد ، وقيد أبو البركات رواية مهر المثل بما إذا كان الفاسخ الزوج ، لشرط أو عيب قديم ، لأنه إنما رضي بالمسمى في مقابلة عين صحيحة ، أو بشرط وقد فات ذلك ، فيفوت الرضى بالمسمى ، وإذاً يرجع إلى مهر المثل ، أما إن حدث العيب بها بعد العقد فلامسيس قابل صحيحة فيجب ، وكذلك إن كانت هي الفاسخة لعيب فيه ، أو لفوات شرط ، لأن ما بذل فيه المسمى قد وجد فيستقر ، لكن قد يقال : ينبغي أن يجب لها مهر المثل إن كان أزيد ، إذ رضاها منوط بالشرط وبسليم ، وقد يجاب بأن مهر المثل لا يختلف بخلقة الرجل وصفاته ، وفيه شيء ، ومن رأينا كلامه من الأصحاب على إطلاق هذه الرواية ، ولهذا جعل ابن حمدان تقييد المجد قولًا .
وفي المذهب ( قول ثالث ) في أصل المسألة في الزوج إذا اطلع على عيب ، أو فاته شرط ، ينسب قدر نقص مهر المثل لأجل العيب أو الشرط ، إلى مهر المثل كاملًا ، فيحط عنه من المسمى بنسبة النقص إلى المهرين ، سواء فسخ أو أمضى ، وهو قياس البيع ، مثاله أن يقال : كم مهر هذه بهذا العيب أو مع هذا الشرط ؟ فيقال : ثمانون مثلًا . وبلا عيب ولا شرط مائة ، فنسبة ما بينهما الخمس ، فيرجع من المسمى بالخمس ، وهذا قول ابن عقيل وأبي بكر ، قالاه فيما إذا شرطها بكراً فبانت ثيباً ، ووافق أبو بكر الأصحاب في أو الواجب المسمى في الفسخ لعيبها ، وإذاً ( هذا قول رابع ) انتهى .
ويرجع الزوج بما غرمه على من غره على المشهور المختار من الروايتين ، لما تقدم عن عمر رضي الله عنه .
2590 ( والرواية الثانية ) لا يرجع بشيء ، اختارها أبو بكر في الخلاف ، وهو قول علي رضي الله عنه ، وذلك لأنه ضمن ما استوفى بدله ، فلم يرجع به على غيره ، كالمبيع المعيب ، إذا أكله ثم علم عيبه ، وقد روي عن أحمد أنه رجع عن هذه الرواية ، قال في رواية ابن الحكم : كنت أذهب إلى قول علي رضي الله عنه ، ثم هبته فملت إلى قول رضي الله عنه ، قال عمر : إذا تزوجها فرأى جذاماً أو برصاً فلها المهر بمسيسه ، ووليها ضامن للصداق
وقول الخرقي يشمل الولي والوكيل والمرأة ، وصرح به غيره فعلى هذا أيهم انفرد بالغرور ضمن ، فلو أنكر الولي علمه بذلك ولا بينة فثلاثة أوجه ، ( أحدها ) القول قوله مع يمينه ، اختاره أبو محمد ، إذ الأصل عدم علمه بذلك ( والثاني ) القول قول الزوج إلا في عيوب الفرج ، إذ الظاهر أن الولي لا يخفى عليه ذلك أما عيوب الفرج فلا اطلاع له عليها ( والثالث ) إن كان مما يخفى عليه أمرها كأباعد العصبات فكالأول ، وإلا فكالثاني ، قاله القاضي و ابن عقيل ، أما الوكيل فينبغي أن يكون القول قوله بلا خلاف .
وشرط تضمين المرأة أن تكون عاقلة ، قاله ابن عقيل ، ليوجد قصد الغرور منها وشرط مع ذلك أبو عبد الله ابن تيمية بلوغها ، ليوجد تغرير محرم ، فعلى هذا حكمها إذا ادعت عدم العلم بعيب نفسها واحتمل ذلك ، حكم الولي على ما تقدم ، ولو وجد الغرور من المرأة والولي فالضمان على الولي ، على مقتضى قول القاضي وابن عقيل وأبي محمد وغيرهم ، لأنه المباشر ، وقال أبو محمد فيما إذا كان الغرور من المرأة والوكيل الضمان عليهما نصفان ، فيكون في كل من الولي والوكيل قولان ، والله أعلم .
قال : ولا سكنى لها ولا نفقة ، لأن السكنى والنفقة لمن يجب لزوجها عليها الرجعة .
ش : لا نفقة للمفسوخ نكاحها ، لأنها بائن ، أشبهت البائن بطلاق ثلاث ، وهو قسم من أقسام البائن فلا نفقة لها ولا سكنى لها على المشهور ، هذا إن كانت حائلًا ، فإن كانت حاملًا فلها النفقة عند أبي محمد ، لأنها بائن من نكاح صحيح في حال حملها ، أشبهت المختلعة ، وفي السكنى روايتان ، وقال القاضي و ابن عقيل إن قلنا : إن النفقة للحمل ، وجبت لها ، وإن قلنا لها من أجله لم تجب ، كالمعتدة من نكاح فاسد ، ولعل هذا أوفق لقول الخرقي ، لأنه هنا لم يستثن الحامل ، وثم استثناها ، وأصل ذلك والدليل عليه يأتي إن شاء الله في النفقات ، والله أعلم .
قال : وإذا أعتقت الأمة وزوجها عبد فلها الخيار في فسخ النكاح .
ش : هذا إجماع ، حكاه ابن المنذر وابن عبدالبر وغيرهما .
2591 وقد قالت عائشة رضي الله عنها : كان في بريرة ثلاث سنن ، خيرت على زوجها حين عتقت . مختصر ، متفق عليه .
2592 وعن القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها أن بريرة خيرها النبي ، وكان زوجها عبداً . رواه مسلم وأبو داود ، والنسائي .
2593 وعن عروة عن عائشة في قصة بريرة قالت : كان زوجها عبداً ، فخيرها رسول الله ، فاختارت نفسها ، ولو كان حراً لم يخيرها . رواه مسلم ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي .
2594 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن زوج بريرة كان عبداً أسود ، يسمى مغيثاً ، فخيرها يعني النبي وأمرها أن تعتد . رواه أبو داود ، والترمذي والنسائي والبخاري مختصراً .
ومفهوم كلام الخرقي أنها إذا عتقت وزوجها حر فلا خيار لها ، وهو المذهب المنصوص والمختار بلا ريب ، لما تقدم ، إذ الأصل لزوم النكاح إلا حيث قام الدليل على جوازه ، ونقل عن أحمد فيمن زوج أم ولده ثم مات فقد عتقت وتخير ، فأخذ من ذلك أبو الخطاب رواية بثبوت الخيار لمن زوجها حر ، لإطلاق أحمد .
2595 وذلك لما روى الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حراً حين أعتقت ، وأنها خيرت فقالت : ما أحب أن أكون معه ، وإن كان لي كذا وكذا . رواه الجماعة إلا مسلماً ، وتحمل رواية العبدية على أنه كان عبداً ، جمعاً بينهما ، ورجح الأول بأمور ( أحدها ) بأن قوله : كان حراً . هو من قول الأسود ، وقع مدرجاً في الحديث ، كذا جاء مفسراً .
2596 فروى ابن المنذر عن إبراهيم أنه قال : فقال الأسود : وكان زوجها حراً . وقال البخاري : قول الأسود منقطع .
2597 ( الثاني ) أنه قد روي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أن زوجها كان عبداً ، فإذاً تتعارض روايتا الأسود ، وتسلم رواية غيره ( الثالث ) لو سلم اتصال رواية الحرية وترجيحها ، فقد عارضها رواية الجم الغفير عن عائشة رضي الله عنها أنه كان عبداً .
2598 فروى القاسم بن محمد ، وعروة بن الزبير ، ومجاهد ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، كلهم عن عائشة رضي الله عنها أنه كان عبدا ، والقاسم هو ابن أخي عائشة رضي الله عنها وعروة هو ابن أختها ، وكانا يدخلان عليها بلا حجاب ، وعمرة كانت في حجرها ، ولا ريب أن رواية الجم الغفير الخصيص ، أولى من الفرد البعيد .
2599 قال إبراهيم بن أبي طالب خالف الأسود الناس في زوج بريرة ، فقال : إنه حر ، وقال الناس : إنه عبد .
2600 ويؤيد هذا أن مذهب عائشة أنه لا يثبت الخيار تحت الحر ، ثم لو قدر تساوي روايته لرواية غيره فتتعارض روايتا عائشة رضي الله عنها ، وتسلم رواية ابن عباس رضي الله عنه ، ودعوى أنه كان عبداً مجاز ، والأصل الحقيقة .
2601 مع أنه قد روى الإمام أحمد في المسند عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها بريرة كانت تحت عبد ، فلما أعتقتها قال لها رسول الله : ( اختاري ، فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد ، وإن شئت أن تفارقيه ) قال بعض الحفاظ : وإسناده جيد . وهذا تصريح بعبوديته في الحال .
ومفهوم كلام الخرقي أيضاً أنهما إذا عتقا معاً أنه لا خيار لها أيضاً ، وهو إحدى الروايتين ، واختيار أبي بكر والشيخين وغيرهما ، وقال القاضي في بعض كتبه : إنها قياس المذهب ، لنص أحمد على أن عتقه قبل اختيارها يسقط خيارها ، فأولى أن لا يثبت لها إذا عتقا معاً وذلك لأن السبب المقتضي للفسخ قارنه ما يقتضي إلغاءه ، وهو حرية الزوج ، فمنع إعماله ( والرواية الثانية ) وهي أنصهما ، وصححها القاضي في الروايتين يثبت لها الخيار ، لأنها كملت بالحرية تحت من لم تسبق له حرية ، فملكت الفسخ ، كما لو عتقت قبل الزوج .
2602 وقد روى أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها ، أنها أرادت أن تعتق مملوكين لها زوج ، قال : فسألت النبي ، فأمرها أن تبدأ بالرجل قبل المرأة ، والظاهر أن ذلك حذاراً من ثبوت الخيار لها بعتقهما معاً ، وأجيب بأن الأمر بذلك خشية أن تبدأ بعتق المرأة .
( تنبيه ) ولا يفتقر الفسخ هنا إلى حكم حاكم ، لأنه مجمع عليه ، والله أعلم .
قال : فإن أعتق قبل أن تختار أو وطئها بطل خيارها ، علمت أن لها الخيار أو لم تعلم .
ش : أما بطلان خيارها بعتقه قبل أن تختار فلأن الخيار لدفع الضرر بالرق ، وقد زال فيسقط كالمبيع إذا زال عيبه وكما لو تزوجته وبه جنون ونحوه ، فزال قبل أن تختار ، وقيل : إنه وقع للقاضي وابن عقيل ما يقتضي أنه لا يسقط ، كما لو عتقا معاً ، والأول المذهب المصرح به عند القاضي وغيره ، وعليه لو أعتق بعضه فالخيار بحاله ، كما هو مقتضى كلام الخرقي .
2503 وأما بطلان خيارها بوطئها في الجملة فلما روت عائشة رضي الله عنها أن بريرة رضي الله عنها أعتقت وهي عند مغيث ، عبد لآل أحمد ، فخيرها رسول الله ، وقال لها : ( إن قربك فلا خيار لك ) رواه أبو داود ، ولا فرق في بطلان خيارها بالوطء بين أن تعلم أن لها الخيار أو لم تعلم ، وهو أنص الروايتين ، واختيار الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي في الجامع والمجرد ، لعموم الحديث ، وابن أبي موسى ، والقاضي في الجامع والمجرد ، لعموم الحديث ، ولأن الجهل بالأحكام لا يعذر به ، إذ يلزمه السؤال والتعلم . ( والرواية الثانية ) : لا يبطل خيارها والحال هذه ، حكاها أبو محمد في المغني عن القاضي وأصحابه ، وفي الكافي عن القاضي وأبي الخطاب ، إذ بطلان الخيار يعتمد الرضى ، ومع عدم العلم بثبوت الخيار لا رضى ، فعلى هذا تقبل دعواها الجهل ، قاله أبو محمد ، إذ لا يعرف ذلك إلا الخواص ، وقيده ابن عقيل بأن يكون مثلها يجهله ، أما المتفقهة فلا تقبل دعواها ، وحكم مباشرته لها حكم وطئها ، وكذلك تقبيلها له ، إذ مناط المسألة ما يدل على الرضى .
( تنبيه ) تقبل دعواها الجهل بالعتق فيما إذا وطئها ، نظراً للأصل وهو عدم العلم ، وإذاً لا رضى ، فالخيار بحاله ، هذا هو المذهب المشهور المختار لعامة الأصحاب ، وعن القاضي في الجامع الكبير : يبطل خيارها ، لعموم الحديث ، فعلى الأول شرط القبول أن يكون مما يخفى عليها ، كأن يكون العتق في غير بلدها ونحو ذلك ، أما إن كان في بلدها ولا يخفى عليها لاشتهاره ، أو لكونه في داره ونحو ذلك ، لم يقبل قولها ، لأن قرينة الحال تكذبها ، انتهى ولم يعتبر الأصحاب العلم بأن الوطء مبطل ، فلو علمت العتق وعلمت ثبوت الخيار به ، ومكنت جاهلة بحكم الوطء ، بطل خيارها والله أعلم .
قال : وإن كانت لنفسين فأعتق أحدهما فلا خيار لها إذا كان المعتق معسراً .
ش : إذا كانت الأمة لنفسين ، فأعتق أحدهما نصيبه وهو معسر ، فلا خيار لها ، على المختار من الروايتين ، اختارها ابن أبي موسى والقاضي وأبو محمد وغيرهم ، لأنه لا نص فيها ، ولا يصح قياسها على المنصوص ، لأن كاملة الحرية أكمل من ناقصتها ، وعلله أحمد بأن النكاح صحيح ، فلا يفسخ بالمختلف ، ( والرواية الثانية ) لها الخيار ، اختارها أبو بكر في الخلاف ، لأنها قد صارت أكمل منه ، فيثبت لها الخيار ، كما لو عتق جميعها ، وقوله : إذا كان معسراً . يحترز عما إذا كان موسراً ، فإن العتق يسري ، ويثبت لها الخيار بلا ريب ، وقد علم من هذا أن هذا الخلاف على قولنا بعدم الاستسعاء ، أما إن قلنا به ، وأن العتق يتنجز فيثبت لها الخيار ، والله أعلم .
قال : وإن اختارت المقام معه قبل الدخول أو بعده فالمهر للسيد .
ش : أما قبل الدخول فلأنه قد وجب للسيد بالعقد ، ولم يوجد له مسقط ، وكذلك بعد الدخول بل أولى ، لاستقراره بذلك ، والله أعلم .
قال : وإن اختارت الفسخ قبل الدخول فلا مهر .
ش : هذا إحدى الروايتين ، واختيار أبي محمد وغيره ، نظراً إلى أن الفرقة جاءت من جهتها ، أشبه ما لو ارتدت ( والثانية ) : يجب لسيدها نصف المهر ، اختارها أبو بكر ، نظراً إلى أن المهر وجب للسيد ، فلا يسقط بفعل غيره ، وأجاب أبو محمد بأنه وإن وجب له لكن بواسطتها ، ويرد بالأمة الزانية على المذهب ، وقيل عنه : يجب كله . وبعد ، انتهى ، فلو كانت مفوضة فلا متعة على الأول ، وعلى الثاني تجب للسيد ، والله أعلم .
قال : وإن اختارته بعد الدخول فالمهر للسيد .
ش : إذا اختارت الفسخ بعد الدخول فالمهر للسيد ، لما تقدم من استقرار المهر بالدخول ، والله أعلم .
باب أجل العنين والخصي غير المجبوب

ش : العنين العاجز عند الوطء ، وربما اشتهاه ولا يمكنه ، مشتق من عن الشيء ، إذا عرض ، وقيل : الذي له ذكر لا ينتشر ، والخصي من قطعت خصيتاه ، وفي معناه الموجوء ، وهو المرضوض والمسلول وهو الذي سلت بيضتاه ، أما المجبوب فهو الذي قطع ذكره ، وقد تقدم حكمه .
قال : وإذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إليها أجل سنة منذ ترافعه إلى الحاكم فإن لم يصبها فيها خيرت في المقام معه أو فراقه ، فإن اختارت فراقه كان ذلك فسخاً بلا طلاق .
ش : إذا ادعت المرأة أن زوجها عنين لا يصل إلى جماعها ، فإن اعترف الزوج بذلك أجل سنة على المذهب المنصوص ، والمختار لعامة الأصحاب .
2604 لما روي عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه أنه أجل العنين سنة .
2605 وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : يؤجل سنة ، فإن أتاها وإلا فرق بينهما . رواهما الدارقطني .
2606 وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه : العنين يؤجل سنة ، ولأن عجزه عن الوصول إليها يحتمل أن يكون لمرض ، فيضرب له سنة ، لتمر عليه الفصول الأربعة ، فإن كان من يبس زال في زمن الرطوبة ، وإن كان من رطوبة زال في زمن الحرارة ، وإن كان من انحراف مزاج زال في زمن الاعتدال ، فإذا مضت الفصول ولم يزل علم أنه خلقة وجبلة ، واختار أبو بكر البركات أنه لا يؤجل ، ويفسخ في الحال ، كالجب ، ولأن المقتضي للفسخ قد وجد ، وزواله محتمل ، والأصل والظاهر عدمه ، وإن لم يعترف الزوج بذلك ، ولم يدع وطأ فهل القول قوله ، قاله أبو الخطاب في الهداية ، والقاضي في الت ، عليق وفي غيره ، لأنه منكر ، لا سيما وقد عضده أن الأصل السلامة ، أو القول قولها ، فيؤجل بمجرد دعواها ، وهو ظاهر قول الخرقي ، ووقع للقاضي في التعليق في موضع آخر لأن الأصل عدم الوطء أو القول قوله إن كانت ثيباً ، وإن كانت بكراً أجل بقولها ، وهو الذي جزم به في المغني ، لاعتضاد عدم الوطء بالبكارة ، على ثلاثة أقوال ، وعلى الأول يحلف على الصحيح من الوجهين ، فإن نكل قضي عليه وأجل ، وقيل : لا يحلف كمدعي الطلاق انتهى .
وحيث أجل فإن ابتداء التأجيل من حين رفعته إلى الحاكم ، لأنها مدة مختلف فيها ، فاحتيج في ضربها إلى الحاكم ، بخلاف مدة الإيلاء ، ثم إن أصابها في المدة المضروبة فقد تبينا أن لا عنة ، وإن لم يصبها فيها خيرت بين المقام معه وبين فراقه ، لقضاء الصحابة رضي الله عنهم بذلك ، وكما لو امتنع الوطء من جهتها برتق ونحوه ، لا يقال : الوطء حق للرجل دون المرأة ، لأنا نقول : بل هو حق لهما ، بدليل : 19 ( { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } )9 ( { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ) ومن الإمساك بالمعروف الجماع .
2607 ولا يرد حديث امرأة رفاعة رضي الله عنه حيث أخبرت النبي بعنة زوجها ، ولم يجعل لها الفسخ ، لأن ابن عبد البر قال : صح أن ذلك كان بعد طلاقه ، فلا معنى لثبوت الفسخ لها على أنا لا نسلم عنته ، بل كان ضعيف الجماع ، ولهذا قال النبي ت : ( حتى تذوقي عسيلته ) ، وذوق الفراق رجع إلى الحاكم ، للاختلاف فيه ، فإما أن يفسخ باختيارها ، وإما أن يرده إليها ، فتفسخ ، ويقع الفراق فسخاً لا طلاقاً .
وقول الخرقي : والخصي . ظاهره أن حكمه حكم العنين ، وكذا ترجم القاضي في الجامع ، فيجري فيه ما تقدم ، قال أبو محمد : وقد قيل : إن وطأه أكثر من وطء غيره ، وقوله : غير المجبوب . مقتضاه أن المجبوب لا يثبت فيه هذا الحكم ، وقد تقدم له أن المجبوب يثبت لامرأته الفسخ في الحال ، لكن قال أبو محمد في المغني : إذا بقي من ذكر المجبوب ما يمكن الوطء به ، الأولى ضرب المدة ، وبعده أبو العباس ، بأنه لا يتجدد له قدرة لم تكن ، بخلاف العنين ، والله أعلم .
قال : فإن قال : قد علمت أني عنين قبل أن أنكحها . فإن أقرت أو ثبت ما قال ببينة ، فلا يؤجل ، وهي امرأته .
ش : إذا ادعت المرأة عنة الرجل ، فادعى أنها علمت ذلك قبل أن ينكحها ، فإن أنكرت فالقول قولها مع يمينها ، إذ الأصل عدم علمها ، ويؤجل ، وإن أقرت بذلك ، أو أنكرت فأقام بينة بما ادعاه ، فلا يؤجل ، وهي امرأته ، لا سبيل لها إلى فسخ العقد بحال ، لأنها دخلت على بصيرة ، أشبه ما لو علمته مجبوباً ونحو ذلك ، والله أعلم .
قال : وإن علمت أنه عنين بعد الدخول ، فسكتت عن المطالبة ، ثم طالبت بعد ، فلها ذلك ، ويؤجل سنة من يوم ترافعه .
ش : لأن نفس السكوت لا يدل على الرضى ، وقد أخذ من هذا القاضي ، وأبو محمد أن الخيار في العيوب على التراخي ، وهو اختيار القاضي في الجامع ، وأبي الخطاب في الهداية ، والشيخين وغيرهم ، لأنه لدفع ضرر متحقق ، فكان على التراخي ، كخيار القصاص ، وحد القذف ، وعكسه خيار الشفعة والمجبرة ، فإن ضرره غير متحقق ، وقال القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، وابن البنا في الخصال : إنه على الفور ، لأنه لدفع ضرر ، أشبه خيار الشفعة ، قال ابن عقيل : ومعناه أن المطالبة بحق الفسخ تكون على الفور ، فمتى أخر ما لم تجر العادة به بطل ، لأن الفسخ على الفور ، وعلى الأول لا يسقط الخيار إلا بما يدل على الرضى من قول ، أو استمتاع أو تمكين منه ، ونحو ذلك ، ولا يعتبر التصريح بالرضا ، لأن الدال على الشيء قائم مقامه ، ومنزل منزلته ، واستثنى من ذلك أبو البركات خيار العنة ، لا يسقط إلا بالقول ، لا يسقط بالتمكين من الاستمتاع ونحوه ، إذ عنته إنما تعلم بعجزه عن الوطء ، وذلك لا بد فيه من التمكين من الوطء ، وقال أبو العباس : إنه لم يجد هذه التفرقة لغيره ، وجعل أنه متى أمكنته في حال لها الفسخ سقط خيارها ، وحيث لم يثبت لها الفسخ ، وإن ثبت العيب لا عبرة بتمكينها ، ولا فرق في ذلك بين العنة وغيرها ، والله أعلم .
قال : فإن قالت في وقت من الأوقات : قد رضيت به عنيناً . لم تكن لها المطالبة بعد .
ش : إذا قالت المرأة في وقت من الأوقات قبل العقد أو بعده ، وقبل التأجيل أو بعده ، وقبل مضي الأجل أو بعد مضيه : قد رضيت به عنيناً ، سقط خيارها ، ولم يكن لها المطالبة بعد ، وذلك لأنها صرحت برضاها به معيباً ، أشبه ما لو رضيت به مجبوباً ونحوه ، ومن هنا والله أعلم أخذ أبو البركات أن خيار العنة لا يسقط إلا بالقول ، والله أعلم .
قال : وإن اعترفت أنه قد وصل إليها مرة ، بطل أن يكون عنيناً .
ش : كذا نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وغيره ، ولا نزاع في ذلك ، إذا كان الوصول في الفرج في هذا النكاح ، لتحقق قدرته على الوطء ، أما لو كان الوصول في الدبر ، أو في نكاح سابق ، فوجهان ( أحدهما ) يزول ، ويحتمله إطلاق الخرقي ، وهو مقتضى قول أبي بكر ، لقوله : إن العنين يختبر بتزويج امرأة من بيت المال ، وذلك لأن العنة خلقة وجبلة ، فلا تختلف باختلاف الأوقات والمحال ( والثاني ) وهو اختيار القاضي ، وأبي الخطاب وأبي محمد وغيرهم ، لا يزول ، إذ الفسخ ثبت لها دفعاً للضرر الحاصل لها بعدم وطئها في هذا النكاح في محل الوطء ، فلا يزول بغير ذلك ، لبقاء الضرر ، ولعل هذين الوجيهن مبنيان على تصور طريان العنة ، وقد وقع للقاضي وابن عقيل أنها لا تطرأ ، وكلامهما هنا يدل على طريانها ، وقال ابن حمدان : إنه الأصح .
وعموم كلام الخرقي يقتضي أن عنته تزول بالوصول إليها ، وإن كان محرماً ، كما إذا وطئها ، وهي حائض أو نفساء ونحو ذلك ، وهو الصحيح من الوجيهن ، لتحقق قدرته على الوطء ، والوجه الآخر : لا تزول ، كما لا تحصل به الإباحة للزوج الأول ، ولو كان التحريم لأمر خارجي عن المحل ، كما لو وطئها وهو في المسجد ، أو وهو مانع لصداقها زالت به العنة قولًا واحداً ذكره القاضي ، وعكسه لو وطئها في حال الردة ، لا تزول به العنة ، ذكره القاضي في الجامع محل وفاق مع الشافعية .
( تنبيه ) والوطء الذي يخرج به من العنة في حق سليم الذكر غيبوبة الحشفة في الفرج ، كسائر أحكام الوطء ، وقيل يشترط إيلاج جميعه ، إذ الحشفة قد تدخل بمعالجة ، فلا يعلم دخولها باعتماء من الذكر ، وفي حق مقطوع الذكر بقدر الحشفة ، كما لو كان سليماً ، وقيل لا بد هنا من تغييب الباقي ، قاله القاضي في الجامع ، إذ لا حد هنا يعتبر ، والله أعلم .
قال : وإن جب قبل الحلول كان لها الخيار في وقتها .
ش : يعني إذا أجلناه فجب ذكره قبل الحلول ، فلها الخيار في الحال ، لأنه قد تحقق عجزه عن الوطء والحال هذه ، فلا حاجة إلى انتظار الحول ، وقد تقدم أن القاضي وغيره أخذوا من هذا ثبوت الخيار بالعيب الحادث ، قال أبو محمد : ويحتمل أن ثبوت الفسخ هنا بالجب الحادث لتضمنه مقصود العنة في العجز عن الوطء ، بخلاف غيره من العيوب ، والله أعلم .
قال : وإن زعم أنه قد وصل إليها ، وقالت : أنا عذراء أريت النساء الثقات ، فإن شهدت بما قالت أجل سنة .
ش : يعني إذا أنكر العنة ، وادعى أنه وصل إليها ، وقالت : أنا عذراء . فإنها ترى النساء ، فإن شهدن بما قالت فالقول قولها ، فيؤجل ، لأنه قد ظهر كذب دعواه ، وهل تجب عليها اليمين إن قال : أزلت بكارتها ثم عادت ؟ فيه احتمالان ، ( أحدهما ) وبه قطع القاضي ، وأبو الخطاب في الهداية ، وأبو البركات وغيرهم تجب ، لأن ما ادعاه محتمل ، ( والثاني ) ويحتمله كلام الخرقي ، و ابن أبي موسى : لا تجب ، لأن شهدت بزوال عذرتها فالقول قول الزوج ، لتبين كذبها ، فلا يؤجل ، ولا يمين ، حذاراً من مخالفة الأصل ، وهو وجوب اليمين مع البينة إلا أن قالت : زالت بغير ما ادعاه .
وقول الخرقي : أريت النساء . المراد به الجنس ، إذ يكتفى بامرأة في رواية مشهورة ، وفي أخرى بامرأتين ، والله أعلم .
قال : وإن كانت ثيباً وادعى أنه يصل إليها ، أخلي معها ، وقيل له : أخرج ماءك على شيء . فإن ادعت أنه ليس بمني ، جعل على النار ، فإن ذاب فهو مني ، وبطل قولها ، وقد روي عن أبي عبد الله قول آخر أن القول قوله مع يمينه .
ش : ( الأول ) رواه مهنا ، وأبو داود ، وأبو الحرث وغيرهم ، واختاره القاضي ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافاتهم ، والشيرازي ، إذ بذلك يظهر صدقه أو صدقها ، إذ الغالب أن العنين لا ينزل ، فمع الإنزال يغلب على الظن كذبها ، فيكون القول قوله ، ومع عدم الإنزال يظهر صدقها ، فيكون القول قولها ، وما الإنزال إذا أنكرت أنه مني يختبر بجعله على النار ، فإن ذاب فهو مني ، إذ ذلك من علاماته ، وإن يبس وتجمع فهو بياض بيض ( والثاني ) نقله ابن منصور ، واختاره أبو محمد ، والقاضي في روايتيه ، لأنها تدعي عليه ما يقتضي فسخ العقد ، والأصل عدمه ، وبقاء النكاح ، وتجب عليه اليمين على الصحيح .
2608 لعموم قوله : ( ولكن اليمين على المدعي عليه ) قال القاضي : ويتخرج أن لا يمين ، بناء على إنكار الطلاق ( وعنه رواية ثالثة ) نقلها ابن منصور أيضاً : القول قولها ، إذ الأصل عدم الوطء ، وتجب عليها اليمين على الصحيح أيضاً ، لما تقدم ، وقيل : لا ، بناء على أن لا استحلاف في غير المال .
واعلم أن هذه الرواية الأخيرة خصها أبو البركات بما إذا ادعى الوطء بعد ما ثبتت عنته وأجل ، لأنه انضم إلى عدم الوطء وجود ما يقتضي الفسخ ، وجعل على هذه الرواية إذا ادعى الوطء ابتداء ، وأنكر العنة القول قوله مع يمينه ، وأطلقها جمهور الأصحاب ، ولفظها يشهد لهم ، قال : إذا ادعت المرأة أن زوجها لا يصل إليها استحلفت انتهى ، وقال أبو بكر في التنبيه : يزوج امرأة من بيت المال ، قال القاضي : لها دين ، وقال أبو محمد : لها حظ من الجمال : فإن ذكرت أنه قربها كذبت الأولى ، وخيرت الثانية في الإقامة والفراق ، ويكون الصداق من بيت المال ، وإن كذبته فرق بينه وبين الأولى ، وكان الصداق عليه في ماله .
2608 واعتمد في ذلك على ما روي أن امرأة جاءت إلى سمرة فشكت أنه لا يصل إليها زوجها ، فكتب إلى معوية رضي الله عنه ، فكتب إليه أن زوجه امرأة ذات جمال ، يذكر عنها الصلاح ، وسق إليها المهر من بيت المال ، فإن أصابها فقد كذبت ، وإن لم يصبها فقد صدقت ، ففعل سمرة ذلك ، فجاءت المرأة فقالت : ليس عنده شيء . ففرق بينهما ، والله أعلم .
قال : وإذا قال الخنثى المشكل : أنا رجل . لم يمنع من نكاح النساء ، ولم يكن له أن ينكح بغير ذلك بعد ، وكذلك لو سبق فقال : أنا امرأة لم ينكح إلا رجلًا .
ش : يرجع إلى الخنثى المشكل في التزويج ، فإذا قال : أنا رجل . كان له نكاح النساء ، وإن قال : أنا امرأة ، كان له نكاح الرجال ، على قول النساء ، وإن قال : أنا امرأة ، كان له نكاح الرجال ، على قول الخرقي ، واختاره القاضي في الروايتين ، لأن الله سبحانه أجرى العادة في الحيوانات بميل الذكر إلى الأنثى ، وميلها إليه ، وهذا الميل في النفس لا يطلع عليه غيره ، فرجع فيه إليه ، لتعذر معرفته من غيره ، كما يرجع إلى المرأة في حيضها وعدتها ، ومنصوص أحمد في رواية الميموني أنه لا يزوج ولا يتزوج حتى يتبين أمره ، واختاره أبو بكر ، وابن عقيل ، لأنه مشكوك في حله للرجال والنساء ، فلم يحل نكاحه حتى يتبين أمره ، كما لو اشتبهت أخته بأجنبية ، ولا تفريع على هذا أما على قول الخرقي فلو رجع عن قوله الأول ، بأن قال : أنا رجل ، ثم قال : أنا امرأة ، أو بالعكس ، فلا يخلو إما أن يكون متزوجاً أو غير متزوج ، فإن كان غير متزوج منع من نكاح الرجال والنساء ، على ظاهر كلام أبي محمد في الكافي ، واختاره أبو البركات ، لأنه بإقراره مثلًا أنه رجل أقر بتحريم الرجال عليه ، ثم بقوله ثانياً : إنه امرأة أقر بتحريم النساء عليه .
وظاهر كلام الخرقي والأصحاب أن له نكاح ما أبيح له أولًا ، ولا يعول على قوله بعد ، وإن كان متزوجاً انفسخ نكاحه من المرأة ، لأن النكاح حق للرجل ، وقد أقر بما يبطله ، أشبه ما لو قال : هي أختي من الرضاع ولا ينفسخ نكاحه من الرجل ، لأن النكاح والحال هذه حق عليه ، فلا يقبل قوله في إسقاط حق الغير ، قال ذلك الشيخان ، وقال القاضي : إذا تزوج امرأة ثم عاد ، أو بالعكس لم يقبل ، ويجري الحكم في النكاح على القول الأول ، وعلله بأنه يتهم في رفع فراش الرجل إذا عاد فقال : أنا رجل ، ويتهم في قصد فسخ النكاح ، ليسقط عنه مهر المرأة إذا عاد فقال : أنا امرأة . وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب ، وابن عقيل انتهى ، وفي نكاحه لما يستقبل ما تقدم من قول الأصحاب ، وقول أبي البركات والله أعلم .
قال : وإذا أصاب الرجل ، أو أصيبت المرأة بعد الحرية والبلوغ بنكاح صحيح ، وليس واحد منهما بزائل العقل ، رجما إذا زنيا .
ش : ذكر الخرقي رحمه الله هنا ما يحصل به الاحصان الذي يجب به الرجم بالزنا ، وهو الإصابة ، كأن يطأ الرجل المرأة في القبل ، أو توطأ المرأة كذلك .
2609 لقول النبي : ( الثيب بالثيب الجلد والرجم ) والثيابة إنما تحصل بالوطء في القبل ، ويشترط في هذه الإصابة شروط ( أحدها ) أن تغيب الحشفة أو قدرها ، إذ الأحكام إنما تترتب على ذلك ، ولا تكفي الخلوة بلا خلاف ، قاله أبو محمد ( الثاني ) أن يكون بعد الحرية والعقل ، لأن الاحصان كمال ، فيشترط أن يكون في حال الكمال ، ولأن النبي جعل على الثيب الرجم ، فلو حصل الاحصان بذلك لجاز رجم العبد والمجنون ، ولا يجوز ( الثالث ) أن يكون بعد البلوغ على الصحيح المعروف لما تقدم ، وعن ابن أبي موسى : يتحصن البالغ بوطء المراهقة ، وتتحصن البالغة بوطء المراهق ، لأن ما قارب الشيء أعطي حكمه ( الرابع ) أن يكون بنكاح ، فلا إحصن لواطئ بشبهة ، أو ملك يمين ونحو ذلك إجماعاً ، إذ النعمة إنما تكمل بالوطء بذلك ، ويشترط في النكاح أن يكون صحيحاً ، إذ الفاسد ليس بنكاح شرعي .
( تنبيه ) يشترط أن تكون الموطوءة مثل الواطء في الكمال ، فيطأ الحر المكلف حرة مكلفة فلو وطء الحر المكلف بنكاح صحيح رقيقة أو مجنونة فلا إحصان لهما ، والله أعلم .
قال : والكافر والمسلم الحران فيما وصفت سواء .
ش : يعني أنه لا يشترط للإحصان الإسلام ، بل يحصل الإحصان للذميين ، كما يحصل للمسلمين ، بالشروط السابقة .
2610 لأن النبي رجم اليهوديين اللذين زنيا ، اقتداء بقول الله تعالى : 19 ( { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } ) فدل على أٌّ هما قد أحصنا ، فتحصن الذمية زوجها المسلم ، كما تحصن الذمي ، على المذهب المشهور لما تقدم ، ( وعنه ) لا تحصنه ، لأنها أنقص منه ، فأشبهت الرقيقة .
( تنبيه ) كثير من الأصحاب يفرض المسألة في الذمي ، ويعضهم زاد معه المستأمن ، وهو واضح ، لأن له ذمة ، وكلام الخرقي يشمل كل كافر ، وتبعه على ذلك أبو البركات ، ولعله أمشى على قولهم أن حكم نكاح الكفار حكم نكاح المسلمين ، وقال ابن حمدان : والمجوسي لا يتحصن بوطء ذات رحمه المحرم . والله أعلم .
كتاب الصداق

ش : الصداق العوض الواجب في عقد النكاح أو ما قام مقامه ، فالواجب يشمل المسمى ومهر المثل ، إن لم يكن مسمى ، وما قام مقام النكاح ، ليدخل وطء الشبهة ، وله ثمانية أسماء ( الصداق ) ، ( والنحلة ) ، قال الله تعالى : 19 ( { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ) ( والأجر ) ( والفريضة ) ، قال الله سبحانه : 19 ( { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } ) .
261( والمهر ) قال : ( فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ) .
261( والعلائق ) يروى عن النبي أنه قال : ( أدوا العلائق ؟ ) قالوا : يا رسول الله وما العلائق ؟ قال : ( ما يرضى به الأهلون ) ( والعقر ) بضم العين ، وسكون القاف .
2613 قال عمر رضي الله عنه : لها عقر نسائها . ( والحباء ) ممدوداً بكسر الحاء ، قال الشاعر :
أنكحها فقدها الأراقم في

جنب وكان الحباء من أدم

والأصل في مشروعيته الإجماع ، وقد دل عليه ما تقدم من الآيتين ، وقوله تعالى : 19 ( { وأحل لكم ما وراء ذلكم ، أن تبتغوا بأموالكم } ) الآية .
2614 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع من زعفران ، فقال : ( مهيم ؟ ) فقال : يا رسول الله تزوجت امرأة ، قال : ( ما أصدقتها ؟ ) قال : وزن نواة من ذهب . رواه الجماعة .
( تنبيه ) ( ردع ) فتح الراء ، وسكون الدال المهملتين ، أي لطخ وأثر لم يعمه كله ، وروي : درع ( ومهيم ) بفتح الميم كلمة يمانية ، أي ما هذا وما شأنك ؟ ( ووزن نواة ) اسم لما زنته خمسة دراهم ، ذهباً كان أو فضة ، كالأوقية للأربعين على الأشهر ، وقيل : كانت قدر نواة من ذهب قيمتها خمسة دراهم ونصف ، وقيل ثلاثة دراهم وربع ، وقيل : ربع دينار . والله أعلم .
قال : وإذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو صغيرة عقد عليها أبوها بأي صداق اتفقوا عليه فهو جائز ، إذا كان شيئاً له نضف يحصل .
ش : وضع هذه المسألة أن الصداق يجوز بما اتفقوا عليه من قليل أو كثير ، ولا يتقدر أقله بعشرة دراهم ولا غيرها ، ولا أكثره ، ( أما الأول ) فلما تقدم من حديث أنس رضي الله عنه ، ولظاهر قوله تعالى : 19 ( { أن تبتغوا بأموالكم } ) والدرهم والدرهمان مال ، فيدخل في الآية الكريمة .
2615 وعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين ، فقال رسول الله : ( أرضيت من نفسك بنعلين ؟ ) قالت : نعم . فأجازه رسول الله ، رواه أحمد وابن ماجه ، والترمذي وصححه .
2616 وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال : ( من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقاً أو تمراً فقد استحل ) رواه أبو داود وغيره .
2617 وقال النبي للذي أراد أن يتزوج الموهوبة : ( التمس ولو خاتماً من حديد ) ومعلوم أن الخاتم الحديد لا يساوي عشرة دراهم ، وحمله على خاتم من حديد صينين يساويها ، حمل للفظ على معناه النادر دون المعتاد ، لا سيما والتنكير في مثل هذا المقام للتقليل ، لكن الخرقي رحمه الله يشترط أن يكون له نصف يحصل ، فلا يجوز على فلس ونحوه ، حذاراً من أن يبتغي بغير مال ، كما إذا طلقها قبل الدخول ، وتبعه على ذلك ابن عقيل في الفصول ، وأبو محمد ، وفسره بنصف يتمول عادة ، وليس في كلام أحمد هذا الشرط ، وكذا كثير من أصحابه ، حتى بالغ ابن عقيل في ضمن كلام له ، فجوز الصداق بالحبة والتمرة التي ينتبذ مثلها ولا يعرف .
وأما ( الثاني ) فلظاهر قول الله تعالى : 19 ( { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، وآتيتم إحداهن قنطاراً } ) الآية .
2618 قال أبو صالح : القنطار مائة رطل ، وهو عرف الناس اليوم .
2619 وقال أبو سعيد الخدري : ملء مسك ثور ذهباً .
2620 وعن مجاهد : سبعون ألف مثقال .
2621 وعن عمر رضي الله عنه أنه أصدق أم كلثوم ابنة علي أربعين ألفاً ، رواه أبو حفص ، مع أن هذا إجماع حكاه ابن عبد البر وغيره ، لكن الأولى تقليل المهر وتخفيفه .
2622 لما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال : ( إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة ) رواه أحمد .
2623 وعن أبي العجفاء ، قال : لا تغالوا بصدق النساء ، فإنه لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله ، كان أولاكم بها النبي ، ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه ، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية . رواه الخمسة ، وصححه الترمذي . وكماله عشرة دراهم ، على ظاهر كلام القاضي أبي يعلى الصغير ، خروجاً من الخلاف ، واتفق الكل على أن المستحب أن لا يزيد على صداق أزواج النبي وبناته ، تأسياً به ، وطلباً لبركته والاقتداء به ، وهو من أربع مائة درهم إلى خمس مائة ، لما تقدم عن عمر .
2624 وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة رضي الله عنها زوج النبي : كم كان صداق رسول الله ؟ قالت : كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشاً ، قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا . قالت : نصف أوقية ، فتلك خمسمائة درهم ، هذا صداق رسول الله لأزواجه . رواه مسلم ، وكلام أحمد في رواية حنبل يقتضي أنه بلغه أن صداق بنات النبي أربعمائة درهم .
وقد تضمن كلام الخرقي أن من شرط صحة التسمية الرضى ممن هو معتبر منه ، ولا نزاع في ذلك ، قال الله سبحانه وتعالى : 19 ( { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } ) .
2625 ويروى عن النبي أنه قال : ( العلائق ما تراضى عليه الأهلون ) ثم إن كان العاقد الأب وهي صغيرة فالرضى منوط به ، وإن كانت بالغة رشيدة اعتبر رضاها ، نعم للأب أن يزوجها بدون صداق مثلها ، كما تقدم في أول كتاب النكاح ، والله أعلم .
( تنبيه ) وجوب المهر في اتداء النكاح هل هو حق الله تعالى أو للآدمي ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) أنه حق للآدمي ، قاله القاضي في التعليق ، في ضمن مسألة أقل الصداق ، وفي تزويج الدنيء بغير مهر ، وفي فساد المهر ، وهو قول كثير من أصحابه في الخلاف ، وبنوا عليه تزويج عبده من أمته ولا مهر ، وذلك لأنه يسقط بالعفو بعد وجوبه ، ولو كان حقاً لله تعالى لما سقط ( والثاني ) أنه حق لله تعالى ، قاله القاضي أبو يعلى الصغير ، و ابن عقيل في موضع ، وهو قياس المنصوص في وجوب المهر فيما إذا زوج عبده من أمته ، وذلك لأنه يجب مهر المثل للمفوضة ، وإن رضيت بسقوطه ، وهذا هو مأخذ المفوضة عند القاضي أبي يعلى الصغير ، والقاضي يجيب عن ذلك بأنه إسقاط للحق قبل وجوبه فلذلك لم يسقط ، والله أعلم .
قال : وإذا أصدقها عبداً بعينه ، فوجدت به عيباً فردته به كان لها عليه قيمته .
ش : إذا أصدقها عبداً بعينه كأن قال : تزوجتك على هذا العبد ، فوجدت به عيباً ، فإن لها رده وإن كان العيب يسيراً ، بلا نزاع بين أصحابنا فيما نعلم ، كالمبيع الكعيب ، فإذا ردته فلها قيمته صحيحاً ، لأنها قد رضيت ببذل نفسها بذلك ، لا بما دونه ، ولو كان الصداق مثلياً والحال هذه ، فردته فلها مثله ، فإن اختارت الإمساك وأخذ الأرش كان لها ذلك على المشهور ، كالمبيع المعيب ، ونقل عنه مهنا ما يدل على أنه لا إرش مع الإمساك ، وأظن هذا أصل الرواية المذكورة في البيع ، ولعله ظاهر كلام الخرقي هنا ، وذلك لأن الأرش زيادة في الصداق لم يلتزمها الزوج ، ولا رضي بها ، والأرش هنا والله أعلم قيمة الجزء الفائت ، ولو كان الصداق على عبد في الذمة ، فسلمه لها فوجدت به عيباً ، فالواجب إبداله لا إرش ولا قيمة ، لأنا قد تبيما أنه قد سلم غير الواجب عليه ، فالواجب باق في ذمته ، فيجب دفعه ، ووقع لأبي محمد في عوض الكتابة إذا بان معيباً أنه يخير بين الرد ، والإمساك مع الأرش ، وعوض الكتابة إنما يكون في الذمة ، وهو سهو ، والله أعلم .
قال : وكذلك إن خرج حراً أو استحق ، سواء سلمه إليها أو لم يسلمه .
ش : كذلك إذا تزوجها على عبد بعينه فخرج حراً ، أو استحق بأن بان عصباً ونحو ذلك ، فإن لها قيمته ، لأنه قد تعذر تسليمه ، فوجب الرجوع إلى بدله ، إذ البدل يقوم مقام المبدل عند تعذره ، وتعتب القيمة يوم التزويج ، قاله القاضي في التعليق .
وقد تضمن كلام الخرقي صحة النكاح ، ولا نزاع في ذلك ، وتضمن كلام الخرقي أيضاً وكلام الأصحاب والإمام أنها إذا ردت الصداق بالعيب في المسألة السابقة ، أو خرج حراً أو مغصوباً أنها لا ترجع في مقابله وهو نفسها ، فيفسخ النكاح ، ولا يجب لها بدل ذلك ، وهو مهر المثل ، وعلل بأنها رضيت بما سمي لها ، فلا ترجع إلا إلى بدله ، وقد يقال : إن قاعدة المعاوضات خلاف هذا ، لأنها متى فسخت في الثمن وتعذر الرجوع في العين المبيعة ، فإنها ترجع ببدلها ، لا ببدل الثمن ، وذلك كما إذا بيع عبد بثوب بشرط الخيار ثلاثاً ، على إحدى الروايتين ، فإنه يرجع ببدل العبد ، لا بقيمة الثوب ، وقياس هذا هنا أنه يرجع بمهر المثل ، وقد يجاب عن هذا بأن ثم إنما وجب بدل العبد ، لا بدل الثوب ، لأن العقد النفسخ ، ومع الانفساخ يرجع كل واحد منهما إلى ما خرج عنه ، وقد تعذر الرجوع في العبد ، فيرجع ببدله لمكان العذر ، وليس هنا كذلك ، إذا العقد لا ينفسخ بذلك ، لأنه لا يفسد بفساد الصداق ، ولا بعدمه ، فبكونه معيباً أولى ، وغايته أنه قد عدم الصداق في العقد ، وذلك لا يفسده ، وأبو العباس رحمه الله في بعض قواعده ينازع في هذا الأصل ، ويختار أن للمرأة الفسخ ، كما للبائع والمؤجر الفسخ مع العيب ، والرجوع في العين المبيعة والمؤجرة ، والجامع أنه عقد معاوضة ، بل هنا أولى ، إذ المال والمنفعة يجوز بذلهما بغير عوض ، أما النكاح فلا يجوز إلا بصداق ، ولأن للمرأة الفسخ ظهر الزوج معسراً قبل الدخول ، كما لو ظهر معسراً بالثمن ، فلها الفسخ إذا بان عيبه ، أو ظهر معيباً بل أولى ، ألا ترى أن العيب يثبت الفسخ في المبيع بالإجماع ، وفي الإفلاس بالثمن بعد القبض نزاع ، والبدل يقوم مقام المبدل في الاتلافات لتعذر الأصل ، أما في العقود فالمقصود العين ، فإذا لم تحصل فات الرضى المشروط ، والقول بأن الصداق تابع لا مقصود لا يجدي ، فإن الله سبحانه عظم شأن الصداق في كتابه ، وأمر بإيتائه ، وعلق الحل عليه ، ونهى عن أخذ شيء منه إلا عند تعدي الحدود ، فشأنه أعظم من شأن الثمن والأجرة ، والوفاء به أوجب .
2626 قال النبي : ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) والله أعلم .
قال : وإذا تزوجها على أن يشتري لها عبداً بعينه ، فلم يبع ، أو طلب به أكثر من قيمته ، أو لم يقدر عليه فلها قيمته .
ش : هذا منصوص أحمد رحمه الله في رواية الأثرم ، وقاله القاضي ، و أبو محمد وغيرهما ، ( وهو دال بتضمنه ) على أن التسمية صحيحة إذاً ، غايته وقصاراه أنه أصدقها ملك الغير ، وذلك لا يمنع الصحة ، كما لو تزوجها على عبد فخرج حراً ، ولأن هذا غرر يسير فيحتمل ، إذ المعاوضة في الصداق ليست بمحضة ، إذ المقصود الأعظم إنما هو الوصل والاستمتاع ، ومقتضى كلام أبي بكر رحمه الله أن هذه التسمية لا تصح ، قال في مقنعه : النكاح كالبيع ، لا يصح إلا على معلوم كالبيع ، وذلك ، لأنه عقد معاوضة ، فأشبه البيع ، ( ودل بمنطوقه ) على أنه متى لم يبع العبد سيده أو طلب فيه أكثر من قيمته ، أو لم يقدر عليه لإباقه أو غير ذلك أن لها قيمته ، لما تقدم في التي قبلها ، وفيه البحث السابق في وجوب مهر المثل ، وفي فسخ النكاح ، وقد يقال في الزيادة اليسيرة غير المجحفة : يلزم الشراء كما في نظائره .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لو قدر على الشراء فبذل القيمة لم يلزمها القبول ، وهو اختيار أبي محمد ، وقيل : يلزمها ، ولعله بناء على ما إذا أصدقها عبداً موصوفاً وجاءها بقيمته ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوجها على خمر أو ما أشبه من المحرم وهما مسلمان ثبت النكاح ، وكان لها مهر المثل أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول .
ش : إذا تزوجها على خمر أو ما أشبهه من المحرم ، كالخنزير والميتة ، والحال أنهما مسلمان ، فالنكاح صحيح ثابت ، على المشهور من الروايتين ، والمختار لجمهور الأصحاب ، الخرقي وابن حامد والقاضي ، والشريف وأبي الخطاب ، وابن عقيل وأبي محمد وغيرهم ، حتى بالغ القاضي وأبو محمد فحملا الثانية على الاستحباب ، وذلك لإطلاق ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) ظاهره الصحة وإن كان المهر فاسداً ، ولأن فساده لا يزيد على عدمه ، ولو عدم صح النكاح ، فكذلك إذا فسد ، ولأن النكاح قد يخلو عن مهر ، بدليل تزويج عبده من أمته ، على اختيار القاضي ، وكثير من أصحابه ، وتزويج النبي ، وإذا انفرد عنه صح وإن فسد الصداق كالعقدين ، ( والرواية الثانية ) لا يصح ، اختاره الخلال وصاحبه ، والجوزجاني ، لظاهر قوله تعالى : 19 ( { أن تبتغوا بأموالكم } ) فجعل سبحانه الحل بالمال ، وما ذكر ليس بمال ، ولأن النكاح لا بد فيه من مهر ، وما رضيا به لا يصح مهراً ، وما جعله الشارع وهو مهر المثل لم يرضيا به ، حيث سميا مهراً ، وإذاً يبطل ، وتزويجه من خصائصه ، وتزويج عبده من أمته ممنوع ، على المنصوص ، ولا تفريع على هذه الرواية ، أما على الأولى فيجب لها مهر المثل ، لتعذر المسمى ، والرجوع في البضع ، وإذاً ينزل منزلة التالف ، فتجب قيمته ، وهو مهر المثل ، كالمبيع المقبوض بعقد فاسد ، وخرج ابن أبي موسى قولًا أنه يجب مثل المثلي ، وقيمة غيره ، بناء على ما إذا جهلا ذلك ، ونظراً إلى أن الرضى شيء رضي ببدله ، وهذا اختيار أبي العباس ، وظاهر إطلاق أحمد في رواية الأثرم إذا تزوج على شيء بعينه ، فطلب ذلك الشيء فلم يقدر عليه ، إما مملوك فأعتقوه أو رفعوا في ثمنه ، وبلغوا به ، فلها قيمته ، فقيل له : ولا يكون لها صداق مثلها ؟ فقال : كيف وقد تزوجت على شيء بعينه ، إنما ذلك إذا تزوجها على حكمها فاختلفا ، انتهى ، ولو طلقها والحال هذه قبل الدخول وجب نصف مهر المثل لا المتعة ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى ، والخلاف فيه .
وقول الخرقي : وهما مسلمان . يحترز به عما إذا كانا كافرين ، وقد يقدم له ذلك في نكاح أهل الشرك ، وقوله : على خمر أو ما أشبهه من المرحم . يحتمل : وما أشبهه الخمر من محرم تحريمه لحق الله تعالى ، كالخنزير والحر ، فيخرج ما إذا كان تحريمه لحق الآدمي ، كالمال المغصوب ونحوه ، فإنه يصح بلا نزاع ، وهذا اختيار الشيخين ، وبالغ أبو محمد فحكى الاتفاق عليه ، ويحتمل : وما أشبه الخمر في التحريم ، فيدخل ما تقدم ، وبهذا صرح أبو بكر في التنبيه ، وابن أبي موسى ، وابن عقيل ، وأبو الخطاب وغيرهم ، وهو مقتضى نص أحمد الذي أخذ منه البطلان في الأصل ، ومما يتبع أن الصداق لو فسد بجهالة أو عدم لا يفسد النكاح ، وهو المعروف ، حتى قال جماعة : رواية واحد ، وشذ الشاشي في الحلية فحكى عن أحمد أن النكاح يفسد بجهالة العوض ، وهو مقتضى إطلاق أبي عبد الله ابن تيمية ، حيث قال : فإن فسد الصداق لم يؤثر في النكاح ، على المشهور من الروايتين .
( تنبيه ) محل الخلاف فيما إذا علما بذلك ، أما إن جهلاه فإن النكاح يصح ، قاله ابن أبي موسى والقاضي ، والشيخان وغيرهم ، والله أعلم .
قال : وإن تزوجها على ألف لها ، وألف لأبيها ، كان ذلك جائزاً ، فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين ، ولم يكن على الأب شيء مما أخذ .
ش : إذا تزوجها على ألف لها ، وألف لأبيها ، جاز ذلك ، ولزم الشرط والعقد ، نص على هذا أحمد ، معللًا بأن له أن يأخذ من مال ابنه ما شاء ، وهو المذهب عند الأصحاب ، القاضي ، وابن عقيل ، وأبي الخطاب ، والسيخين وغير واحد ، وذلك لقصة شعيب عليه السلام : 19 ( { إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين ، على أن تأجرني ثماني حجج } ) فشرط الصداق رعي غنمه ، وذلك شرط لنفسه ، وإذا جاز اشتراط كل الصداق فيعضه أولى ، وشرع من قبلنا شرع لنا ، ما لم يرد نسخه .
2627 وأيضاً عموم قول النبي : ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) .
2628 ( المسلمون عند شروطهم ) .
2629 ثم يستدل على صحة هذا الشرط بخصوصه بقول النبي : ( أنت ومالك لأبيك ) وإنما يكون الابن لأبيه بمعنى أن منفعته له ، ومن له المنفعة له أن يستوفيها بنفسه وبغيره ، والقول بأن المال لا يتبعه حتى يقبضه ، يجاب عنه بأن ثبوت الولاية هنا على الأبضاع بمنزلة القبض ، وحكى أبو عبد الله ابن تيمية رواية أخرى : يبطل الشرط ، وتصح التسمية ، وقيل : يبطل ويجب مهر المثل .
وعلى المذهب إذا قبضا الألفين ووجد الطلاق قبل الدخول رجع عليها بنصف الألفين ، إذ الطلاق قبل الدخول يوجب ذلك ولا شيء على الأب للزوج ، لأنه إنما أخذ من مال ابنته ، ولا للبنت إذ ما انتفع به من مال ولده لا يضمنه .
ومقتضى كلام الخرقي أن غير الأب ليس له ذلك ، وهو صحيح ، فلا يصح اشتراطه ، ويكون الجميع لها على المذهب ، وقيل : تبطل التسمية ، ويجب لها مهر المثل ، وعموم كلام غيره يقتضي أنه يصح اشتراط الأب في جميع أحوال البنت ، وظاهر إطلاقه أنه لا يشترط لجواز اشتراط الأب فيما تقدم أن لا يكون الأخذ مجحفاً بمال ابنته ، وهو ظاهر إطلاق أحمد ، والقاضي في تعليقه ، وأبي الخطاب وطائفة ، وشرط ذلك القاضي في المجرد ، وابن عقيل وأبو محمد في المغني ، وأشار أبو العباس إلى ضعف ذلك ، بأنه لا يتصور الاجحاف ، لعدم ملكها له ، وعلى ما في المجرد ومتابعيه إذا لم يوجد الشرط حكم الأب إذاً حكم الأجنبي .
( تنبيهان ) أحدهما حكم اشتراط الأب للكل حكم اشتراطه للبعض ، قاله القاضي وغيره ، فلو وجد الطلاق والحال هذه قبل الدخول وبعد القبض ، رجع عليها بنصف المسمى إذ أخذ الأب إنما هو من مالها ، قاله القاضي ، ولأبي محمد احتمال أنه يرجع على الأب بنصف ما أخذ ، وهكذا الخلاف لو ارتدت في مسألة الخرقي ، هل يرجع على الأب بألف أو عليها بالمجموع ؟ على القولين .
الثاني : يملك الأب ما اشترطه بنفس العقد ، كما تملك هي ، حتى لو مات قبل القبض ورث عنه ، لكن يقدر فيه الانتقال إلى الزوجة أولًا ، ثم الانتقال إليه كأعتق عبدك عن كفارتي ، ذكر ذلك ابن عقيل في العمد ، وعند القاضي وأبي محمد إنما يملك ذلك بالقبض مع النية وضعف بأنه يلزم منه بطلان خصيصة هذه المسألة ، ويتفرع من هذا على قول أبي محمد لو وجد الطلاق قبل القبض ، فللأب أن يأخذ من الألف التي استقرت ما شاء ، والقاضي يجعل الألف بينهما نصفين ، كجملة الصداق ، والله أعلم .
قال : وإذا أصدقها عبداً صغيراً فكبر ، ثم طلقها قبل الدخول ، فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد ، أو تدفع إليه نصفه زائداً ، إلا أن يكون يصلح صغيراً لما يصلح له كبيراً ، فيكون له عليها نصف قيمته يوم وقع عليه العقد ، إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه .
ش : اعلم أنه قبل الخوض في كلام الخرقي نشير إلى قواعد ( أحدها ) أن المذهب المنصوص المعروف المجزوم به عند الأكثرين أن المرأة تملك الصداق جميعه بالعقد .
2630 لظاهر قول النبي في قصة الموهوبة : ( إزارك إن أعطيتها جلست ولا إزار لك ) وأيضاً قول الله تعالى : 19 ( { وآتوا النساء صدقاتهن نحلة } ) وظاهره الأمر بإيتاء الجميع ولأنه عقد يملك به المعوض بالعقد ، فملك به العوض كاملًا كالبيع .
وحكى القاضي وطائفة من متابعيه رواية أنها لا تملك إلا نصفه ، وأخذها القاضي في تعليقه وغيره من رواية ابن منصور وقيل له : سئل سفيان عن رجل تزوج امرأة على خادم ، ثم زوجها غلامه فولدت أولاداً فطلق امرأته قبل الدخول ، فلها نصف قيمتها وقيمة ولدها ، قال أحمد : جيد . قال القاضي : وظاهر هذا أنه لم يحكم لها بملك جميعه ، لأنه جعل لها نصف النماء ، ولا تفريع على هذه الرواية ، مع أن أبا البركات لم يعرج عليها ، بل ظاهر كلامه إجراؤها على ظاهرها ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
( القاعدة الثانية ) إذا زادت العين المصدقة فلا يخلو إما إن تكون الزيادة متصلة ، كالسمن وتعلم صناعة ، أو منفصلة كالولد والكسب فإن كانت متصلة فالمرأة مخيرة بين دفع النصف زائداً ، فيكون ذلك إسقاطاً لحقها من الزيادة ، ويلزم الزوج القبول ، لحصول حقه مع زيادة لها ، لأنها نماء ملكها ، فلا يلزمها بذلها ، وإذا تعذر دفع الأصل فيصار إلى القيمة ، وخرج أبو البركات رواية بوجوب دفع النصف بزيادته ، من الرواية الآتية في الزيادة المنفصلة ، وهو واضح ، وقد يقال : إنه قياس البيع ونحوه ، وقد أولع الفقهاء بقولهم : إن الزيادة المتصلة تتبع في الفسوخ والعقود ، وقد فرق أبو محمد بين هذا والبيع بأن سبب الفسخ ثم العيب ، وهو سابق على الزيادة ، وسبب تنصف المهر الطلاق ، وهو حادث بعد الزيادة ، وبأن الزوج ثبت حقه في نصف المفروض دون العين ، ولهذا لو وجدها ناقصة كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها ، بخلاف المبيع المعيب ، والمفروض لم يكن زائداً ، فلم يتعلق حقه به ، والمبيع تعلق حقه بعينه ، فتبعته زيادته ، ويعترض على الأول بأنه لا أثر لتقدم السبب ، إذ الفسخ للعقد من حينه على المذهب ، فهو كالطلاق رفع للنكاح من حينه ، وعلى الثاني بأن نصف المفروض هو نصف عين ما أصدقها ، فحقه في الحقيقة تعلق بنصف العين ، وكونه إذا وجدها ناقصة له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها ممنوع ، بل الرجوع في ذلك وأخذ الأرش على ما سيأتي ، وقد يفرق بأن في البيع لما اختار لما اختار المشتري الفسخ ، من غير أن يمكنه أخذ الزيادة ، فقد رضي بإسقاطها ، بخلاف هنا ، فإن الفسخ جاء للمرأة بغير اختيارها ، فلا يجب عليها بذل ملكها بغير رضاها ، وقد يعترض على هذا بما إذا كان الفسخ من جهتها .
واعلم أن محل التخيير إذا كانت المرأة جائزة التبرع في مالها ، فإن لم تكن كالصغيرة والسفيهة والمفلسة تعين للزوج نصف القيمة ، يشارك في الفلس الغرماء ، لامتناع التبرع من جهتها .
وإن كانت الزيادة مننفصلة الولد الحادث بعد النكاح ، والثمرة ونحو ذلك فالزيادة للمرأة ، وللزوج نصف الأصل ، لأنها نماء ملكها ، ولأن الله سبحانه وتعالى إنما جعل للزوج نصف المفروض ، والنماء ليس مفروضاً ، وحكى أبو البركات رواية ابن منصور المتقدمة ، وقد تعلل بأن الطلاق رفع للعقد من أصله تقديراً ، وليس بشيء ، ولعل الرواية التي في البيع أخذت من هنا ، وفي هذه الرواية بحث ليس هذا موضعه ، وبالجملة أبو محمد يستثنى من النماء المنفصل ، فلا يجوز للزوج الرجوع في نصف الأمة ، حذاراً من التفريق في بعض الزمان ، وظاهر كلام جماعة من الأصحاب وصرح به القاضي في التعليق عدم الاستثناء .
( القاعدة الثالثة ) إذا نقص الصداق بعد القبض ، ثم طلقت قبل الدخول فإن الزوج يخير بين أخذه ناقصاً ، وبين أخذ نصف قيمته ، لأنه إن اختار أخذه فقد رضي بإسقاط حقه ، وله ذلك ، وإن اختار نصف القيمة فله ذلك ، لأن في قبوله ناقصاً فهل له أرش النقص وهو مختار القاضي في تعليقه ، كالمبيع المعيب ، أو لا أرش له كواجد متاعه عند المفلس ، وهو اختيار الأكثرين ؟ فيه قولان .
إذا تقرر هذا فقول الخرقي : إذا أصدقها عبداً صغيراً فكبر ، ثم طلقها قبل الدخول ، فإن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم وقع عليه العقد ، أو تدفع إليه نصفه زائداً . مبني على أنها ملكت الصداق بالعقد ، وإذاً الزيادة حدثت على ملكها ، فتخير بين دفع النصف وبين دفع نصف قيمته ، لكن متى تعتبر القيمة ؟ اعتبرها الخرقي وتبعه أبو محمد في الكافي والمغني ، وابن حمدان وأطلقوا بيوم العقد ، وحرر ذلك أبو البركات فجعل ذلك في المتميز إذا قلنا على المذهب يضمنه بالعقد ، وعلى هذا يحمل قولهم ، إذ قلنا على المذهب يضمنه بالعقد ، ولذلك علل أبو محمد بأن ضمان النقص عليها ، فعلم أن كلامه في المتميز ، وجعل غير المتميز إذا قيل ضمانه على الزوج الواجب قيمة نصفه يوم الفرقة على أدنى صفاته من يوم العقد إلى يوم القبض ، لأن ما نقص بعد العقد والحال هذه فهو على الزوج ، وما زاد فهو لها ، ثم إن أبا البركات أوجب القيمة يوم الفرقة بصفته وقت العقد ، لأنه وقت الاستحقاق ، وكلام الخرقي يقتضي وجوب القيمة يوم العقد بصفته إذ ذاك ، ولأبي البركات تحرير آخر ، وهو أن الواجب قيمة النصف ، لأن الله سبحانه جعل له نصف المفروض ، وإذا تعذر رجع في بدله ، وهو نصف قيمته ، والخرقي وجماعة جعلوا الواجب نصف القيمة . انتهى .
وقوله : إلا أن يكون يصلح صغيراً لما لا يصلح له كبيراً ، فيكون له نصف قيمته يوم وقع عليه الغقد ، إلا أن يشاء أخذ ما بذلته له من نصفه ، مبني على القاعدة الثالثة ، وهي ما إذا تعيب الصداق ، فإذا كان العبد يصلح صغيراً لشيء لا يصلح له كبيراً ، كما إذا كان يقبل تعليم صناعة ونحوها وبالكبر امتنع ذلك منه فإنه قد تعيب فيخير الزوج بين أخذ نصف قيمته ، وبين أخذ ما بذلته له من نصفه ، واعتبر الخرقي أيضاً القيمة بيوم العقد ، واعتبرها القاضي بيوم القبض ، وفصل أبو البركات التفصيل السابق ، فكأنه حمل كلام القاضي على غير المتميز ، وكلام الخرقي يقتضي أن المرأة لها الامتناع من بذل النصف والحال هذه ، ولم أره لغيره ولا قاعدة المذهب تقتضيه ، إذ الواجد متاعه معيباً عند المفلس له الرجوع فيه ، ولا يتوقف ذلك على رضى الغرماء مع أنه إنما جاز له الانتقال إلى القيمة دفعاً للضرر عنه ، فإذا رضي بالضرر فحقه في العين بحاله ، والله أعلم .
قال : ولو اختلفا في الصداق بعد العقد في قدره ، ولا بينة على مبلغه ، كان القول قولها ما لم يجاوز مهر مثلها .
ش : هذا إحدى الروايات ، واختيار عامة الأصحاب ، الخرقي ، والقاضي ، والشريف ، وأبي الخطاب ، وابن عقيل ، والشيرازي ، وغيرهم ، لأن القول قول من الظاهر في جنبته ، والظاهر والحال هذه في جنبة المرأة ، لأن الظاهر وقوع النكاح على مهر المثل ، وعلى هذه لو ادعت هي أكثر من مهر المثل ، وادعى الزوج مهر المثل أو أزيد منه وأنقص منها ، فالقول قوله ، ولم يذكر أحمد اليمين ، فخرج أصحابه في وجوبها وجهين ، بناء على أنه دعوى فيما يتعلق بالنكاح ، مع كونه مالًا ، فمن نظر إلى المال أوجب اليمين ، ومن نظر إلى أن النكاح غير مال لم يوجبها ، وهذا قول القاضي أظنه في المجرد ، والأول اختيار أبي الخطاب في الهداية وأبي محمد ، وبه قطع أبو الخطاب والشريف في خلافيهما ، ولو كان دعوى الزوج أقل من مهر المثل ، ودعواها أكثر من مهر المثل ، رد إليه وهل تجب اليمين إن أوجبناها فيما تقدم ؟ ظاهر كلام الأكثرين لا ، وكذلك قال أبو محمد ، ولم يذكر أصحابنا يميناً . قلت : وقد صرح بذلك أبو الخطاب في خلافه الصغير ، وهو مقتضى ما حكاه عن شيخه في الهداية ، وذلك لأن اليمين على مقتضى ما حكاه عن شيخه في الهداية ، وذلك لأن اليمين على حسب الدعوى ، وكل منهما لا يستحق ما ادعاه ، فلا يحلف عليه ، وقال في المغنى والأولى أن يتحالفا ، وكذلك قال في الكافي : ينبغي أن يحلف الزوج على نفي الزائد عن مهر المثل ، وتحلف هي على إثبات ما نقص منه ، وهذا مقتضى قول أبي الخطاب في الهداية ، ( والوراية الثانية ) القول قول الزوج مع يمينه ، لأنه منكر ، فيدخل في عموم قول النبي ( واليمين على من أنكر ) ( والرواية الثالثة ) حكاها الشيرازي يتحالفان ، لأنه اختلاف في عوض ، بمستحق عقد ولا بينة ، فيسوغ التحالف كالمتبايعين .
وقول الخرقي : بعد العقد . للتنصيص على مخالفة مذهب مالك رحمه الله في قوله : إن التخالف إن كان قبل الدخول تحالفاً وتفاسخاً ، وبعده القول قول الزوج ، وقوله : في قدره . احترازاً مما إذا اختلفا في عينه ، كما إذا قال : أصدقتك هذا العبد . قالت : بل هذه الأمة . والحكم فيه أنه على الخلاف السابق ، إلا أن الواجب القيمة ، لا شيء من المعنين ، على أحد الوجهين ، وهو مقتضى احتراز الخرقي ، وأورده أبو البركات مذهباً ، لأنه إن أخذ بقول الزوج فيلزم من إيجاب معينه أن يدخل في ملكها ما لم تدعه ، وإن أخذ بقولها فإنما قبل قولها في المهر لموافقة الظاهر ، وذلك أجنبي عن التعيين ( والثاني ) إن كان معين المرأة أعلى قيمة وهو كمهر المثل أو أقل ، وأخذنا بقولها أعطيته ، لأنه لما قبل قولها في القدر تبعه التعيين ، والله أعلم .
قال : وإن أنكر أن يكون لها عليه صداق فالقول أيضاً قولها قبل الدخول وبعده ما ادعت مهر مثلها إلا أن يأتي ببينة ببراءته منه .
ش : لأنها منكرة ، والأصل معها ، والقول قول المنكر ، قال النبي : ( ولكن اليمين على المدعى عليه ) والقول قول مدعى الأصل ، وقول الخرقي : قبل الدخول وبعده . احترازاً من قول مالك والفقهاء السبعة : إن كان بعد الدخول فالقول قول الزوج وقوله : ما ادعت مهر مثلها . بناء على ما تقدم له ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوجها بغير صداق لم يكن لها عليه إذا طلقها قبل الدخول إلا المتعة .
ش : قد تقدم للخرقي رحمه الله فيما إذا تزوجها على محرم كالخمر ونحوه ، ثم طلقها قبل الدخول أن لها عليه نصف المهر ، وقال : فيما إذا فقد الصداق أن لها عليه المتعة فقط ، وهذا إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله ، واختيار أبي محمد ، والشيرازي ، لقول الله تعالى : 19 ( { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ، أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن } ) نفى سبحانه الجناح من جهة الفرض عن التي ل تمس إلا أن يفرض لها فريضة ، وأوجب لها المتعة ، ثم أوجب بعد للمفروض لها نصف المفروض ، وإطلاق الآتين يشمل من فرض لها مطلقاً ، إلا أنه لما لم يمكن إعطاء نصف المفروض في التسمية الفاسدة ، وجب نصف بدله ، وهو نصف مهر المثل . ( والرواية الثانية ) لا يجب إلا المتعة في الصورتين ، وهو اختيار الشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، وأبي البركات ، إذ التسمية الفاسدة وجودها كالعدم ، فهي كمن لم يفرض لها ، فلا يجب لها إلا المتعة لما تقدم ( والرواية الثالثة ) وهي أضعفها يجب نصف مهر المثل فيهما ، وظاهر الآي يخالف ذلك .
( تنبيهان ) . أحدهما اختلف العلماء في تقدير الآية الكريمة السابقة ، فمنهم من قدر ( تفرضوا ) معطوفاً على المجزوم ، أي : ما لم تمسوهن أو ما لم تفرضوا لهن . واستشكل بأنه يصير معناه : لا جناح عليكم فيما يتعلق بمهور النساء في مدة انتفاء أحد هذين الأمرين ، مع أنه إذا انتفى الفرض دون المسيس ، لزم مهر المثل ، وإذا انتفى المسيس دون الفرض لزم نصف المسمى ، ومنهم من قدره منصوباً بأن مضمرة ، وأو بمعنى ( إلا ) أي ما لم تمسوهن إلا أن تفرضوا لهن فريضة ، أو : إلى أن تفرضوا لهن فريضة ، وهذا قول الزمخشري وهو جيد ، ومنهم من جعل ( أو ) بمعنى الواو ، أي ما لم تمسوهن وتفرضوا ، وهذا أيضاً في المعنى صحيح ( الثاني ) تخصيص الخرقي هذه بوجوب المتعة ظاهره أنه لا متعة لغيرها ، وهو المشهور عن أحمد والمختار للأصحاب من الروايات ، لأن الله سبحانه قسم النساء قسمين ، فجعل للتي لم يفرض لها ولم يسم المتعة ، وجعل للمفروض لها مصف المفروض ، وظاهره أنه لا زيادة لها على ذلك لعموم 19 ( { وللمطلقات متاع } ) أو تحمل هذه الآية على الاستحباب ، وكذلك قول النبي : ( أمتعكن ) ونقل عنه حنبل ، لكل مطلقة متاع ، لايتين الكريميتين ، وإليها ميل أبي بكر ، وقال : العمل عليها عندي . لولا تواتر الروايات عنه بخلافها ، والله أعلم .
قال : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ، فأعلاه خادم ، وأدناه كسوة يجوز لها أن تصلي فيها ، إلا أن يشاء أن يزيدها ، أو تشاء هي أن تنقصه .
ش : متى تراضيا في المتعة على شيء اتبع ما تراضيا عليه إذا كانا من أهل التراضي ، إذ الحق لهما لا يعدوهما ، وإن تنازعا رجع الأمر إلى الحاكم ، فيعتبر حالالزوج ، فيجعل على الموسع قدر سعته ، وعلى المقتر قدر قتره ، للآية يالكرمة ، ثم المشهور والمختار من الروايات للخرقي ، والقاضي ، وجماعة من أصحابه أنها مقدرة الاْعلى والأدنى ، فأعلاها خادم ، وأدناها كسوة يجزئها أن تصلي فيها .
2631 لأن ابن عباس ترجمان القرآن قال : أعلى المتعة خادم ثم دون ذلك النفقة ، ثم دون ذلك الكسوة . رواه أبو حفص بإسناده .
2632 وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه طلق امرأته تماضر الكلبية فحممها بجارية سوداء يعني متعها . وإنما اشترطنا في الكسوة الواجبة بمطلق الشرع ، وهي الكسوة في الكفارة ( والرواية الثانية ) يرجع إلى اجتهاد الحاكم في ذلك ، لأن التقدير من الشرع ، ولم يرد ( والرواية الثالثة ) وهي أضعفها هي متاع بقدر نصف مهر المثل ، لأنها بدل عنه ، ولا تليق هذه الرواية بمذهب أحمد ، لأنه تنتفي فائدة اعتبار الموسع والمقتر ولا تبقى فائدة في إيجاب نصف مهر المثل أو المتعة إلا غايته أن ثم الواجب في روايتيه من رواية الميموني ، وسأله كم المتاع ؟ فقال : على قدر الجدة ، وعلى من قال تمتع نصف صداق المثل ، لأنه لو كان فرض لها صداقاً كان لها نصف الصداق ، قال القاضي : وظاهر هذا أنها غير مقدرة ، وأنها معتبرة بيساره وإعساره ، وقد حكى قول غيره أن قدرها نصف مهر المثل ولم ينكره ، وظاهر هذا أنه مذهب له انتهى ، وهذا في غاية التهافت ، لأنه إنما حكى مذهب غيره بعد أن حكى مذهبه ، وإنما نقول على قول أنه حكى عن غيره قولًا يكون مذهباً له ، إذا لم يبين في تلك الحكاية مذهبه ، ثم يلزم من هذا أن يكون قال قولين مختلفين في وقت واحد ، والله سبحانه أعلم .
قال : وإن طالبته قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك .
ش : إذا طالبته المرأة التي لم يفرض لها قبل الدخول أن يفرض لها أجبر على ذلك ، لأن حقها ثبت بالعقد ، إذ النكاح لا يخلو من مهر ، وظاهر كلام الخرقي أن هذه المطالبة عند الحاكم ، لأنه الذي إليه الإجبار ، وإذاً يفرض مهر المثل ، لأنه بدل البضع فيقدر به كالسلعة إذا تلفت ، فلو كانت المطالبة بغير حضرة الحاكم جاز ما اتفقا عليه ، إذ الحق لهما لا يعدوهما ، والله أعلم .
قال : فإن فرض لها مهر مثلها لم يكن لها غيره ، وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيت به .
ش : قوله : فرض . يحتمل أنه مبني للمفعول ، والضمير راجع الحاكم ، ويرشحه أنه ساق ذلك بعد الإجبار مختص بالحاكم ، ويحتمل أنه مبني للفاعل ، والضمير راجع إلى الزوج ، ويرجحه أن الضمير في قوله : وكذلك إن فرض لها أقل منه فرضيت به له ، لأن الحاكم لا يفرض إلا مهر المثل ، فعلى الثاني : متى فرض لها الزوج مهر المثل لم يكن لها غيره ، لأنه الذي وجب لها بالعقد ، وكذلك إن فرض لها أزيد منه بطريق الأولى ، لكن قال أبو محمد : ولا يستقر لها ما لم ترض به ، وفائدة عدم استقراره أنه لو مات قبل الدخول كانت باقية على عدم الفرض ، فتجب لها المتعة ، وإن الدخول كانت باقية على عدم الفرض ، فتجب لها المتعة ، وإن فرض لها أقل من مهر المثل فرضيت وهي ممن يعتبر رضاها فلا شيء لها غيره ، لأن الحق لها ، وإن لم ترض رفع الأمر إلى الحاكم ، وعلى الاحتمال الأول وكذلك قد يجري على الثاني إذا طلقت قبل الدخول لم يكن لها على ظاهر كلام الخرقي إلا نصف ما فرض لها ، وهو إحدى الروايتين ، اعتباراً بحالها الراعنة ، وهي إذاً مفروض لها ، فتدخل تحت قوله سبحانه : 19 ( { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ) ( والرواية الثانية ) يسقط ما فرض لها ، وتجب لها المتعة ، نظراً إلى حالها في حال الإبتداء ، والله أعلم .
قال : ولو مات أحدهما قبل الإصابة وقبل الفرض ورثه صاحبه ، وكان لها مهر نسائها .
ش : قيد الشيخ رحمه الله هذا الحكم بقبل الإصابة وقبل الفرض ، لأن ذلك محل التردد والخلاف ، ولا نزاع في الإرث ، لعموم قوله تعالى : 19 ( { ولهن الربع مما تركتم } ) الآية ، وهذه زوجة بلا ريب ، وأما تكميل المهر فهو المذهب بلا ريب .
2633 لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقاً ، ولم يدخل بها حتى مات ، فقال ابن مسعود : لها صداق مثلها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ، ولها الميراث . فقام معقل بن سنان الأشجعي رضي الله عنه فقال : قضى رسول الله في بروع بنت واشق امرأة منّا مثل ما قضيت . ففرح بها ابن مسعود رضي الله عنه . رواه الخمسة ، وصححه جماعة منهم الترمذي ، وهذا لفظه . ( وعن أحمد رواية أخرى ) : لا يجب لها إلا نصف مهر المثل ، قياساً لفرقة الموت على الطلاق ، وهو باطل ابالنص ، وبأن الموت يتم به النكاح ، ولذلك وجبت العدة به قبل الدخول ، وكمل به المسمى ، بخلاف الطلاق فيهما انتهى ، وإذا أوجبنا المهر فإن الواجب مهر نسائها كما في الحديث ، أي أقاربها ، ثم هل يعتبر جميع أقاربها من قبل الأب والأم ، كأختها وعمتها ، وبنت أخيها ، وكأمها وخالتها ، وهو اختيار أبي بكر وأبي الخطاب ، والشريف في خلافيهما ، والشيرازي ، لعموم الحديث ، أو لا يعتبر إلا نساء العصبات كأختها ونحوها وهو اختيار أبي محمد قال : لأن في بعض الروايات : مهر نساء قومها . ولأن الشرف معتبر في المهر ، وشرف المرأة بنسبها ، وذلك بالأب لا بالأم ؟ على روايتين ، قال أبو محمد : وينبغي أن يعتبر الأقرب فالأقرب من نساء العصبات ، فتقدم أخواتها ، ثم عماتها ، وعلى ذلك وتعتبر المساواة في العقل والدين ، والجمال ، وكل ما يختلف به المهر ، حتى لو كان عادتهم التأجيل فرض مؤجلًا في أحد الوجيهن ، وفي الآخر : لا يفرض إلا حالًا ، لئلا يخالف نظائره ، وهو أبدال المتلفات ، والله أعلم .
قال : وإذا خلا بها بعد العقد فقال : لم أطأها . وصدقته لم يلتفت إلى قولهما ، وكان حكمهما حكم الدخول في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثاً ، أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان .
ش : الخلوة بالمرأة بعد العقد في الجملة حكمها حكم الدخول في استقرار المهر وإن لم يطأ ، على المذهب المعروف بلا ريب .
2634 لما روى الإمام أحمد بسنده عن زرارة بن أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا ، وأرخى ستراً ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة .
2635 ورواه أيضاً عن عمر وعلي رضي الله عنهما وهو مشهور عنهما ، وكذلك عن زيد بن ثابت رضي الله عنه ، عليها العدة ، ولها الصداق ، وهذه قضايا اشتهرت ولم ينقل إنكارها فكانت حجة ، ( وقيل عن أحمد ) رواية أخرى أن المهر لا يتقرر إلا بالوطء .
2636 ويحكى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما لقوله سبحانه : 19 ( { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ) والمطلقة قبل الدخول وقبل الوطء لم تمس ، ومثله قوله تعالى : 19 ( { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ) الآية ، وأيضاً قوله تعالى : 19 ( { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } ) علل سبحانه منع الاْخذ بالإفضاء ، والإفضاء الجماع ، والمعلل بوصف عدم عند عدمه ، وأجيب بالطعن فيما روي عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم قال أحمد في حديث ابن عباس رضي الله عنه يرويه ليث وليس بالقوي ، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث ، وحنظلة أقوى من ليث ، وقال ابن المنذر في حديث ابن مسعود رضي الله عنه منقطع وأما آتيا المس فيحتمل أن المراد بالمس حقيقته وكنى به عن سببه وهو الخلوة ، ويحتمل أن المراد به حقيقته أو الجماع ، وغايته أنه يدل على أنه قبل المسيس لا يتكمل المهر ، ولا تجب العدة ، وهو شامل للخلوة ولغيرها ، خرج منه الخلوة بقضاء الصحابة ، وأما آية الإفضاء فلا نسلم أن المراد بالأفضاء الجماع ، بل المراد الخلوة ، نظراً إلى حقيقته ، إذ هو مأخوذ من الفضاء وهو المكان الخالي ، وكذلك يحكى عن الفراء أن المراد بالإفضاء الخلوة ، ولو سلم أن ذلك كناية عن الوطء فإن المراد والله أعلم التشنيع والمبالغة في الانتهاء عن الأخذ في مثل هذه الحال أي كيف تأخذونه وقد حصل مباضعتكم لأزواجكم ، ومثل ذلك يتعجب منه ، وينكره أهل المروءات .
إذا تقرر هذا فقول الخرقي : وإذا خلا بها . معنى الخلوة أن يخلو بها بحيث لا يحضرهما مميز مسلم ، ولو أنه أعمى أو نائم ، قاله ابن حمدان في رعايتيه وقوله : بعد العقد . يشمل العقد الصحيح والفاسد ، وهو منصوص أحمد ، ومختار عامة أصحابه ، لعموم قضاء الصحابة ، ولأن الابتذال يحصل بالخلوة في العقد الفاسد ، كما في الصحيح ، وخالفهم أبو محمد فاختار عدم الوجوب في النكاح الفاسد ، نظراً إلى أن العقد ليس بموجب ، وإنما الموجب الوطء ولا وطء .
وقوله : فقال : لم أطأها . وصدقته لم يلتفت إلى قولهما ، دفعا لوهم من يتوهم أن الحق لها فيسقط برضاها ، وذلك لأن الخلوة يتعلق بها أيضاً حق لله تعالى كالعدة ونحوها ، ثم قضاء الصحابة مطلق ، ونقل عنه ابن بختان إذا صدقته المرأة أنه لم يطأها لم يكمل الصداق ، وعليها العدة ، إذ الصداق محض حقها .
وقوله : وكان حكمهما حكم الدخول ، في جميع أمورهما إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثاً ، أو في الزنا فإنهما يجلدان ولا يرجمان . يعني في استقرار المهر كما تقدم ، ووجوب العدة لقضاء الصحابة ، وفي تحريم أختها ، وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها ، قياساً على ما تقدم ، لوجود مظنة الوطء ، وفي ثبوت الرجعة له عليها في العدة ، وإن ادعى أنه ما وطئها ، على المنصوص والمختار للعامة ، لعموم : 19 ( { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } ) ولم يثبت أبو بكر الرجعة بالخلوة ، وفي نشر حرمة المضاهرة ، وهو إحدى الروايتين ، والمشهور خلافها ، حملا لدخوله في قوله تعالى : 19 ( { فإن لم تكونوا دخلتم بهن } ) على الوطء .
واستثنى الخرقي الرجوع إلى المطلق ثلاثاً .
2637 لحديث امرأة رفاعة القرظي ( لا حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك ) واستثنى أيضاً الإحصان ، فلا يثبت بها ، لأن النبي قال : ( الثيب بالثيب ) والثيوبة لا تحصل إلا بالوطء ، ثم الحد يدرأ بالشبهة وكأن مراد الخرقي بقوله : حكمهما حكم الدخول ، يعني فيما يتعلق بالنكاح ، فلا يرد عليه الغسل ، فإنه لا يجب بها ، ولا الخروج من الفيئة لأنه من باب الأيمان ، والذي حلف عليه الوطء ولم يوجد ، ولا تفسد بها العبادات ، ولا تجب بها الكفارات حيث وجبت ، نعم قد يرد عليه ما إذا خلا بها بعد ضرب المدة في العنة ، فإنه لا يخرج من العنة ، وبالوطء يخرج .
( تنبيه ) الخلوة المعتبرة هي خلوة من يطأ مثله ، بمن يوطأ مثلها ، مع علم الزوج بها كما نص عليه أحمد في المكفوف يتزوج امرأة فأدخلت عليه ، فأرخى الستر ، وأغلق الباب ، فإن كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق ، وقد أهمل أبو البركات هذا الشرط ، ولو خلا بشرطه فمنعته الوطء لم يتقرر الصداق ، والله أعلم .
قال : وسواء خلا بها وهما محرمان أو صائمان ، أو حائض ، أو سالمان من هذه الأشياء .
ش : يعني أنه لا يشترط للخلوة خلوها من مانع ، ومثل الخرقي بالمانع الشرعي ، وقد اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في هذه المسألة ( فعنه ) فيها روايتان ، إحداهما كما قال الخرقي ، وهو مختار أصحابه في الجملة ، لعموم قضاء الصحابة .
2638 وعن عمر في العنين يؤجل سنة ، فإن هو غشيها وإلا أخذت الصداق كاملًا ، وفرق بينهما ، وعليها العدة ( وعنه ) لا يكمل بها الصداق ، لأن المانع إن كان من جهتها فلم يتمكن من تسليمها ، فأشبه ما لو منعته من نفسها ، وإن كان من جهته فمظنة الوطء منتفية ، واعلم أن الأصحاب قد اختلفت طرقهم في هذه المسألة ، بعد اتفاقهم فيما علمت أن المذهب الأول ، ( فمن زاعم ) أن الروايتين في المانع سواء كان من جهته أو من جهتها ، شرعياً كان كما تقدم ، أو حسياً كالجب والرتق ، وهذه طريقة أبي الخطاب في خلافه الصغير ، وأبي البركات ، ( ومن زاعم ) أن محلهما فيما إذا كان المانع من جهتها ، أما إن كان من جهته فإن الصداق يتقرر بلا خلاف ، وهذه طريقة القاضي في الجامع ، والشريف في خلافه ، ( ومن زاعم ) أن محلهما فيما إذا منع الوطء ودواعيه ، كالإحرام والصيام ، وهذه طريقة القاضي في المجرد فيما أظن وأبي علي ابن البنا ، ( ومن زاعم ) أن محلهما في المانع الشرعي ، أما المانع الحسي فيتقرر معه الصداق ، وهذه طريقة القاضي في الروايتين ، وهي قريبة من التي قبلها ، ويقرب من ذلك طريقة أبي محمد في المغني ، أن المسألة على ثلاث روايات ، الثالثة إذا كان المانع متأكداً كاللإحرام والصيام لم يكمل الصداق ، وإلا كمل .
( تنبيه ) لم يجر أبو البركات الخلاف في العدة ، بل خصه بالصداق ، وأجراه أبو محمد فيها والله أعلم .
قال : والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح ، فإذا طلق قبل الدخول فأيهما عفى لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز الأمر في ماله برئ منه صاحبه .
ش : اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في الذي بيده عقدة النكاح ( فعنه ) ما يدل على أنه الزوج ، وعليه أصحابه ، الخرقي ، وأبو حفص ، والقاضي ، وأصحابه ، لأن الذي بيده عقدة النكاح بعد الزواج هو الزوج ، لأنه الذي يملك الطلاق ، ثم العفو إذا أطلق إنما ينصرف إلى عفو الإنسان عما يملكه ، والولي لا يملك من المهر شيئاً .
2639 وروى الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي أنه قال : ( ولي العقدة الزوج ) .
ونقل عنه ابن منصور : إذا طلق امرأته وهي بكر ، قبل أن يدخل بها ، فعفى أبوها عن زوجها عن نصف الصداق ، فما أرى عفوه إلا جائزاً ، فأخذ من ذلك عقد عقدة النكاح ، بعد الطلاق ، والآية مسوقة في ذلك ، وإرادة الزوج بذلك مجاز باعتبار ما كان ، والأصل الحقيقة ، والدليل على أن العقد هو العقدة قوله تعالى : 19 ( { ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } ) وأيضاً العفو حقيقة عن شيء وجب ، وذلك واضح في الزوجة والولي ، لأنهما اللذان يجب لهما المهر ، إذ قوله تعالى : 19 ( { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ، وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } ) أي فعليكم نصف ما فرض ، أو فالواجب نصف 19 ( { ما فرضتم ، إلا أن يعفون } ) أي النساء بلا نزاع 19 ( { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ) وهو الولي عما وجب له من القبض ، وتسمية الزوج عافياً للمشاكلة مجاز ، وعلى تقدير أنه ساق إليها المهر الأصل عدمه ، ولأن الله سبحانه خاطب الأزواج مواجهة بقوله : 19 ( { وقد فرضتم لهن فريضة } ) ثم أتى بضمير الغيبة بقوله : 19 ( { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } ) فالظاهر أن الضمير لغيره ، ولأن الله سبحانه بدأ بعفو الزوجة ، وختم بعفو الزوج ، فلو حمل ( أو يعفو ) على الزوج كان تكراراً ، وهذا أظهر دليلًا .
فعلى الأولى أيهما عفى لصاحبه عما وجب له من المهر وهو جائز التبرع في ماله برئ منه ، وعلى الثانية من شرط الولي ( أن يكون ) أبا ، لكمال شفقته ، وعدم تهمته ، ولهذا قلنا : له أن يزوجها بدون مهرها ، ( وأن تكون ) بكرا على ظاهر كلام أحمد ، وصرح به غيره لملك إجبارها وقبض مهرها في رواية ، وغفل أبو محمد في المقنع عن هذا الشرط تبعاً لأبي الخطاب ، ( وأن تكون ) مطلقة قبل الدخول ، فلا يصح عفوه قبل الطلاق ولا بعد الدخول ، لأن الآية وردت في ذلك .
( قلت ) : وفي معنى المطلقة قبل الدخول كل مفارقة تنصف مهرها ، وحكى ابن حمدان قولًا أن للأب العفو بعد الدخول ، ما لم تلد ، أو تبقى في بيتها سنة ، بناء الله أعلم على بقاء الحجر عليها ، واشترط أبو الخطاب وابن البنا ، وأبو محمد في كتبه مع ذلك أن تكون صغيرة أو مجنونة ، لأنها إذاً الذي يملك عقدة نكاحها مطلقاً ، وظاهر كلام أحمد والقاضي عدم الاشتراط ، وهو الذي أورده أبو البركات مذهباً ، ولا يشترط كون الصداق ديناً ، على ظاهر كلام أحمد والجمهور ، وقيل بلى ، حكاه ابن حمدان ، نعم يشترط أن لا يكون مقبوضاً ، وهذا مفهوم من كلامهم ، لأنه يكون هبة لا عفواً .
( تنبيه ) على هذه الرواية لو زوج ابنه الطفل أو المجنون وأقبض مهره ، ثم رجع إليه بردة أو رضاع قبل الدخول ، لم يجز عفوه عنه رواية واحدة ، وكأن الفرق أن الأب أكسب البنت المهر ، بالتزويج ، فكان له العفو ، بخلاف الصغير ، فإنه لم يكسبه شيئاً ، بل المهر رجع إليه بالفرقة ، والله أعلم .
قال : وليس عليه دفع نفقة زوجته إذا كان مثلها لا يوطأ ، أو منع منها بغير عذر ، فإن كان المنع من قبله لزمته النفقة .
ش : ليس على الزوج نفقة الزوجة إذا كان مثلها لا يوطأ ، إذ النفقة في مقابلة الاستمتاع ، ولهذا سقطت بالنشوز ، وهذه يتعذر الاستمتاع بها شرعاً ، وكذلك ليس عليه نفقتها إذا كان مثلها يوطأ ومنعت نفسها ، أو منعها أولياؤها بغير عذر ، لأنها إذاً ناشز ، أو في معناها لمنعها من تسليم الواجب عليها ، وتجب عليه النفقة إن كان المنع من قبله ، لأن الواجب عليها قد فعلته .
وقول الخرقي : إذا كان مثلها لا يوطأ . يحترز به عما إذا كان مثلها يوطأ فإن النتفقة جب ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في النفقات ، وقوله : أو منع منها بغير عذر ، يحترز عما إذا منع منها لعذر ، كما إذا امتنعت حتى تقبض صداقها الحال حين العقد ، أو حين الامتناع على وجه ، فإن النفقة تجب لها ، لأن المنع في الحقيقة من جهته ، وقد صرح بذلك حيث قال : فإن كان المنع من قبله لزمته النفقة ، ويحتمل أن يريد بالمنع من قبله المنع بالاستمتاع ، بأن يكون صغيراً أو مجنوناً ونحو ذلك ، والأول أظهر ، والله أعلم .
قال : وإذا تزوجها على صداقين سر وعلانية ، أخذ بالعلانية ، وإن كان السر قد انعقد النكاح به .
ش : إذا تزوج المرأة في السر بمهر ، ثم عقد عليها في العلانية بأزيد منه ، لزم مهر العلانية ، على ما قاله الخرقي ، ونص عليه أحمد ، لأن الزوج وجد منه بذل الزائد بعد عقد السر ، فلزمه ، كما لو زادها في صداقها ، وقال القاضي : الواجب المهر الذي انعقد به النكاح ، سراً كان أو علانية ، لأنه هو الذي ثبت به النكاح ، والعلانية ليس بعقد حقيقة ، إنما هو عقد صورة ، والزيادة فيه غير مقصودة ، وحمل القاضي كلام أحمد والخرقي على أن المرأة لم تقر بنكاح السر ، وإذاً القول قولها ، لأن الأصل عدم نكاح السر .
( تنبيه ) قد حملنا كلام الخرقي على ما إذا كان العلانية أزيد وهو متأخر ، بناء على الغالب وكلام أحمد رحمه الله جرى على ذلك ، قال في رواية ابن منصور : إذا تزوج امرأة في السر بمهر وأعلنوا مهراً ينبغي لهم أن يفوا ، ويؤخذ بالعلانية ، ولو كان العلانية أزيد وهو متقدم ، فهنا يرتفع الخلاف ، ويؤخذ بالعلانية قولًا واحداً ولو كان أقل وهو متأخر أخذ بالسر ، على مقتضى ما تقدم بلا ريب لأنه قد وجب بالعقد ، ولا مقتضي للإسقاط ، ولو كان أقل مع تقدمه ، فمقتضى ما تقدم أن يجري فيه القولان السابقان ، والله أعلم .
قال : وإذا أصدقها غنماً بعينها فتوالدت ، ثم طلقها قبل الدخول ، كانت أولادها لها ، ويرجع عليها بنصف الأمهات ، إلا أن تكون الولادة نقصتها ، فبكون مخيراً بين أن يأخذ نصف قيمتها وقت ما أصدقها ، أو يأخذ نصفها ناقصة .
ش : قد تقدم الكلام على هذا عند قوله : إذا أصدقها عبداً صغيراً فكبر . والخرقي رحمه الله بين ثم الزيادة المتصلة ، وهنا الزيادة المنفصلة ، وقد تقدم الكلام على النوعين بما يغني عن إعادته ، وقوله : بعينها . يحترز عن المبهمة ، فإن التسمية إذاً فاسدة ، والله أعلم .
قال : وإذا أصدقها أرضاً فبنتها داراً ، أو ثوباً فصبغته ، ثم طلقها قبل الدخول ، رجع عليها بنصف قيمته وقت ما أصدقها ، إلا أن يشاء أن يعطيها نصف قيمة البناء أو الصبغ ، فيكون له النصف ، أو تشاء هي أن تعطيه نصفه زائداً فلا يكون له غيره .
ش : إذا طلق المرأة قبل الدخول ، وقد وصلت العين المصدقة بملكها كما مثل الخرقي ، فإنها لا تجبر على زوال ذلك ، لأنها وضعته ، ( بحق ، ويكون للزوج نصف القيمة ، لتعذر الرجوع في نصف العين إلا بضرر يلحقها ، والضرر منفي شرعاً ، فإن اختار الزوج أن يدفع إليها نصف قيمة البناء أو الصبغ ، ويكون له نصف المجموع فله ذلك ، عند أبي محمد تبعاً للخرقي ، لزوال الضرر عن المرأة ، وصار هذا كالشفيع إذا أخذ بالشفعة بعد غرس المشتري أو بنائه ، وبذل قيمة ذلك ، فإن المشتري يلزمه القبول ، وقال القاضي : ليس له إلا القيمة ، وحمل كلام الخرقي على التراضي ، حذاراً من إجبار المرأة على المعاوضة على ملكها بغير رضاها انتهى ، فلو بذلت المرأة النصف بزيادته لزم الزوج قبوله ، لأنه حقه وزيادة .
قلت : وقد يتخرج عدم اللزوم بما إذا وهب الغاصب تزويق الدار ونحوها للمغصوب منه ، وهو أظهر في البناء ، والله سبحانه أعلم .
( قال : باب الوليمة )

ش : حكى ابن عبد البر عن ثعلب وغيره من أهل اللغة أن الوليمة اسم لطعام العرس خاصة ، لا يقع على غيره ، قال أبو محمد : وقال بعض الفقهاء من أصحابنا وغيرهم : الوليمة تقع على كل طعام لسرور حادث ، إلا أن استعمالها في طعام العرس أكثر ، قال : وقول أهل اللغة أقوى ، لأنهم أهل اللسان ، وأعرف بموضوعات اللغة انتهى ، وقال السامري : سميت دعوة العرس وليمة لاجتماع الزوجين ، ووليمة الشيء كماله وجمعه ، والله أعلم .
قال : ويستحب لمن تزوج أن يولم ولو بشاة .
2640 ش : في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة ، فقال : ( ما هذا ؟ ) قال : يا رسول الله تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب ، قال : ( فبارك الله لك ، أولم ولو بشاة ) والشيخ رحمه الله حمل هذا الأمر على الاستحباب ، موافقة لجمهور العلماء ، لأنه طعام لسرور حادث ، أشبه سائر الأطعمة ، وقوله : ( ولو بشاة ) التنكير هنا والله أعلم للتقليل ، أي ولو بشيء قليل كشاة ، فيستفاد من هذا أنه يجوز الوليمة بدون شاة .
2641 وقد جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ما أولم النبي على شيء من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة . متفق عليه .
2642 وجاء في البخاري أن النبي أولم على بعض نسائه بمدين من شعير . ويستفاد من الحديث أن الأولى الزيادة على الشاة ، لأنه جعل ذلك قليلًا ، والخرقي تبع لفظ الحديث ، والحكم جار عليه ، والله أعلم .
قال : وعلى من دعي إليها أن يجيب .
ش : يعني إلى وليمة العرس ، وهذا هو المذهب المعروف في الجملة ، وقول عامة العلماء ، حتى أن ابن عبد البر وغيره قال : لا خلاف في ذلك .
2643 لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها ) متفق عليه ، في عدة أحاديث سيأتي بعضها إن شاء الله تعالى ، وقيل : إنها فرض كفاية ، لأنها إكرام وموالاة أشبه برد السلام ، وقيل : إنها سنة كفعلها ، والعمل على الأول ، لكن يشترط للوجوب شروط ( أحدهما ) ( أن يعين ) الداعي المدعو بالدعوى ، فلو لم يعينه كقوله : يا أيها الناس أجيبوا إلى الوليمة . ونحو ذلك لم تجب الإجابة بل تستحب ، لأن الإجابة معللة بما فيها من كسر قلب الداعي ، وإذا عمم فلا كسر ( الثاني ) أن يدعوه في اليوم الأول ، لأن مطلق الأمر يحصل به .
2644 وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( طعام أول يوم حق ، وطعام يوم الثاني سنة ، وطعام يوم الثالث سمعة ، ومن سمع سمع الله به ) رواه الترمذي وقال : لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث زياد بن عبد الله ، وهو كثير الغرائب المناكير ، قال بعض الحفاظ : وزياد روى له البخاري مقروناً بغيره ، ومسلم ويستحب في اليوم الثاني ، قاله أبو محمد و ابن حمدان ، ولا يستحب في الثالث قاله أبو محمد ، وقال ابن حمدان : يكره ، وقال أحمد : الأول يجب ، والثاني إن أحب ، والثالث فلا . ( الشرط الثالث ) أن يكون مسلماً ، فلا تجب الإجابة بدعوة الذمي ، لأن الإجابة للمسلم للإكرام والموالاة ، وتأكيد المودة ، وذلك منتف في أهل الذمة ، وتجوز إجابتهم ، قاله أبو محمد .
2645 وفي الحديث أن يهودياً دعا النبي إلى خبز شعير ، وإهالة سنخة ، فأجابه ( وعن أحمد ) في جواز تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان ، فيخرج في إجابتهم كذلك ، وقد خرجها أبو العباس في تسميتهم ( الشرط الرابع ) أن يكون المسلم ممن لا يجوز هجره ، فإن كان ممن يجوز هجره كالمبتدع ونحوه لم تجب إجابته ، لما تقدم في الذمي ( الشرط الخامس ) أن لا يكون في الدعوة منكر ، فإن كان فيها منكر كالزمر والخمر ولم يقدر على إزالته لم يحضر ، وإن قدر على إزالته وجب عليه الحضور والإنكار ، للتمكن من الإتيان بالفرض ، مع التمكن من الاتيان بفرض آخر ( وقيل : يشترط ) مع ذلك أن لا يخص بها الأغنياء ، وأن لا يخاف المدعو الداعي ولا يرجوه ، وأن لا يكون في المحل ، من يكرهه المدعو ، أو لا يليق به مجالسته ، أو يكره هو المدعو .
2646 وقد جاء عن أبي هريرة أن النبي قال : ( شر الطعام طعام الوليمة ، يمنعها من يأتيها ، ويدعى إليها من يأباها ، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ) رواه مسلم وأكثر الأصحاب لا يشترطون هذا ، والله أعلم .
قال : فإن لم يحب أن يطعم دعا وانصرف .
ش : الواجب الإجابة ، أما الأكل فغير واجب .
2647 لما روى جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن شاء طعم ، وإن شاء ترك ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود ، ثم لا يخلو إما أن يكون صائماً أو مفطراً ، فإن كان مفطراً استحب له الأكل ، لأنه أبلغ في إكرام الداعي وجبر قلبه .
2648 لما روى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن صائماً فليصل ، وإن كان مفطراً فليطعم ) رواه مسلم ، وفي لفظ له أيضاً : ( إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل : إني صائم ) ، وإن كان صائماً فإن كان صومه واجباً لم يفطر ، حذاراً من ترك واجب لما ليس بواجب ، وإن كان متنفلًا فقيل : يستحب الأكل مطلقاً ، لما فيه من إدخال السرور على قلب الداعي ، مع جواز الخروج من الصوم .
2649 وقد روي أن النبي كان في دعوة ومعه جماعة فاعتزل رجل من القوم ناحية : فقال : إني صائم . فقال النبي : ( دعاكم أخوكم ، وتكلف لكم ، كل ثم صم يوماً مكانه إن شئت ) وقيل : إن لم ينكسر قلب الداعي بعدم الأكل فإتمام الصوم أولى ، لظاهر ما تقدم ، ويستحب أن يعلمهم ويدعو لهم لما تقدم ، إذ قوله : ( فليصل ) أي يدعو .
2650 وقد جاء عن ابن عمر أنه حضر وهو صائم ، وقال : إني صائم . والله أعلم .
قال : ودعوة الختان لا يعرفها المتقدمون .
ش : يعني السلف الصالح ، كالصحابة والتابعين .
2651 وقد روي عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب ، فقيل له ، فقال : إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله ، ولا ندعي إليه . رواه أحمد لكنه ضعف ، وظاهر كلام الخرقي أنها غير مستحبة ، وقد نص أحمد والقاضي ، وعامة أصحابه على أنها مباحة لا تكره ، ولا تستحب لهذا الأثر وخالفهم أبو محمد في كتبه الثلاثة ، فقطع باستحبابها ، لما فيها من إطعام الطعام ، وهو مندوب إليه في الجملة ، وهذان القولان في سائر الطعام ، وحكى ابن حمدان قولًا بكراهة دعوة الختان خاصة ، ويحتمله كلام الخرقي رحمه الله ، والله أعلم .
قال : ولا على من دعي إليها أن يجيب ، وإنما وردت السنة في إجابة من دعي إلى وليمة تزويج .
ش : ظاهر هذا إن الإجابة إلى دعوة الختان مباحة ، وهو منصوص أحمد ، وقول القاضي وجماعة من أصحابه كعملها ، ولحديث عثمان ، وقال أبو محمد بالاستحباب ، وهو الظاهر ، بل لو قيل بالوجوب لكان متجهاً .
2652 لعموم ( إذا دعي أحدكم للوليمة فليأتها ) ( إذا دعي أحدكم فليجب ، إذا دعي إلى طعام ) .
2653 وفي مسلم في حديث ابن عمر : ( إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرساً كان أو نحوه ) وهذان القولان أيضاً في سائر الولائم ، والله أعلم .
قال : والنثار مكروه ، لأنه شبيه بالنهبة ، وقد يأخذه من غيره أحب إلى صاحب النثار منه .
ش : هذا إحدى الروايتين ، واختيار القاضي ، والشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، لما علل به الخرقي رحمه الله ، بأنه يأخذه من غيره أحب إلى صاحب الطعام منه ، ولا يكون طيب القلب بأخده ، وذلك يورث شبهة ، وبأنه شبيه بالنهبة والشبيه بالشيء يعطي حكمه .
2654 ودليل الأصل ما روى عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنهما ، أن النبي نهى عن المثلة والنهبى . رواه أحمد والبخاري .
2655 وعن أنس رضي الله عنه أن النبي قال : ( من انتهب فليس منا ) رواه أحمد والترمذي وصححه ( والثانية ) لا يكره ، اختارها أبو بكر .
2656 لأنه قد جاء أن النبي حضر ملاك رجل من الأنصار الحديث ، وفيه : وأقبلت السلال فيها الفاكهة والسكر ، فنثر عليهم ، فأمسك القوم ولم ينتهبوا ، فقال رسول الله : ( ألا تنتهبون ؟ ) قالوا : يا رسول الله نهيتنا عن النهبة يوم كذا وكذا ، قال : ( إنما نهيتكم عن نهبة العساكر ، ولم أنهكم عن نهبة الولائم ) رواه العقيلي ، وضعفه عبد الحق الإشبيلي .
2657 واعتمد أحمد رحمه الله على قول النبي في البدنات لما نحرهن : ( من شاء اقتطع ) وحكم الالتقاط حكم النثار ، والله أعلم .
قال : فإن قسم على الحاضرين فلا بأس بأخذه ، لما روي عن أبي عبد الله أن بعض أولاده حذق ، فقسم على الصبيان الجوز .
ش : لانتفاء المفسدة السابقة ، مع أن فيه إطعام الطعام ، وجبر قلب الصبي وتنشيطه ، وتنشيط أمثاله ، وذلك مصلحة محضة ، ولذلك حسنه أبو محمد .
( تنبيه ) الأطعمة التي يدعى إليها عشرة ( أحدها ) الوليمة طعام العرس ( والثاني ) الحذاق وهو الطعام عند حذاق الصبي ( والثالث ) العذيرة والإعذار للختان ، وهذه الثلاثة ذكرها الخرقي ( والرابع ) الخرسة والخرس ، لطعام الولادة ( والخامس ) الوكيرة ، لدعوة البناء ( والسادس ) النقيعة لقدوم الغائب ( والسابع ) العقيقة الذبح لأجل الولد ( والثامن ) المأدبة كل دعوة لسبب كانت أو غيره ( التاسع ) الوضيمة طعام المأتم ( العاشر ) التحفة طعام القادم ، والله سبحانه أعلم .
باب عشرة النساء والخلع

ش : الأصل في العشرة قول الله تعالى : 19 ( { وعاشروهن بالمعروف } ) الآية ، وقال سبحانه : 19 ( { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ) .
2658 قال ابن زيد : 16 ( تتقون الله فيهن ، كما عليهن أن يتقين الله فيكم ) .
2659 وقال ابن عباس : 16 ( إني لأحب أن أتزين للمرأة ، كما أحب أن تتزين لي ) . وتلا هذه الآية : 19 ( { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } ) .
2660 وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ( استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً ) متفق عليه .
2661 وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال : قال رسول الله : ( أكمل المؤمنين أحسنهم خلقاً ، وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه أحمد والترمذي وصححه .
2662 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي وصححه .
2663 وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي قال : ( أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة ) رواه ابن ماجه والترمذي ، وقال : حسن غريب .
2664 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا دعى الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح ) متفق عليه .
2665 وعنه رضي الله عنه أيضاً أن النبي قال : ( لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن . ولهذه الأحاديث وشبهها وقوله تعالى : 19 ( { وللرجال عليهن درجة } ) قال العلماء : إن حق الزوج عليها آكد من حقها عليه .
والأصل في الخلع قوله تعالى : 19 ( { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) الآية .
قال : وعلى الرجل أن يساوي بين زوجاته في القسم .
ش : هذا مما لا خلاف فيه والحمد لله ، وقد تقدم قوله تعالى : 19 ( { وعاشروهن بالمعروف } ) ومن المعروف التسوية بينهن .
2666 وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : ( من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلًا ) رواه الخمسة .
2667 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله يقسم فيعدل ، ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) رواه الخمسة إلا أحمد . إذا تقرر هذا فمن عنده نسوة لا بد له أن يبدأ بواحدة منهن ، وهن متساويات في الحق ، واختيار واحدة منهن تفضيل لها ، وهو ممنوع منه ، فيتعين أن يبدأ بواحدة بالقرعة ، كما لو أراد السفر بواحدة منهن ، كما شهدت به السنة ، ويقسم ليلة ليلة ، ولا يقسم أربعاً أربعاً إلا برضاهن ، وفي اعتبار رضاهن في الليلتين والثلاث وجهان .
وقول الخرقي : وعلى الرجل . يشمل المريض والمجبوب ، والخصي والعنين ، وهو كذلك ، إذ القسم للأنس ، وهو حاصل ممن ذكر ، ولا يدخل في كلامه المجنون ، لعدم تعلق الخطاب التكليفي به ، وقال أبو محمد : إن لم يخف منه طاف به الولي ، وإن خيف منه فلا قسم عليه ، لانتفاء الإنس ، وعلى الأول قال فإن لم يعدل الولي في القسم بينهن ثم أفاق الزوج ، قضى للمظلومة ؛ لأنه حق ثبت في ذمته .
وقوله : أن يساوي بين زوجاته في القسم . يتناول من له زوجات وقسم بينهن ، ولا نزاع في ذلك كما تقدم ، أما من له زوجة واحدة ، أو له زوجات ولم يقسم بينهن ، فهل عليه قسم الابتداء ، بأن يبيت عند الزوجة أو الزوجات ليلة من أربع ؟ فيه قولان مبنيان على وجوب الوطء ، وفيه روايتان ، ومحلهما إذا لم يترك الوطء ضراراً ، أما إن تركه ضراراً فيجب القسم ، والله أعلم .
قال : وعماد القسم الليل .
ش : لأن الليل للسكن والإيواء ، قال سبحانه : 19 ( { ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } ) فالليل محل السكن ، والنهار للمعاش ونحو ذلك ، وهذا فيمن معاشه بالنهار كما هو الغالب ، أما من معاشه بالليل ، كالحارس ونحوه ، فإن نهاره كليل غيره ، وليله كنهار غيره ، والنهار تبع لليل في القسم .
2668 قالت عائشة رضي الله عنها : مات رسول الله في بيتي ، وفي يومي . وموته كان في النهار ، ويتبع اليوم الليلة الماضية ، بدليل أن أول الشهر الليل ، وإن أحب أن يجعل النهار تبعاً لليله الذي يتعقبه جاز ، لعدم التفاوت ، والله أعلم .
قال : ويقسم لزوجته الأمة ليلة وللحرة ليلتين .
2669 ش : لما روى الدارقطني واحتج به الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول : إذا تزوج الحرة على الأمة ، قسم للأمة ليلة ، وللحرة ليلتين .
( تنبيه ) يقسم للمعتق بعضها بحساب ذلك ، والله أعلم .
قال : وإن كانت كتابية .
ش : أي وإن كانت الحرة كتابية يقسم لها كما يقسم للمسلمة ؛ لأن القسم من حقوق الزوجية ، أشبه النفقة والسكنى ، وقد شمل كلام الخرقي الرتقاء والمريضة ، والحائض والمحرمة ، والمظاهر منها والصغيرة ، وهو كذلك إذ القصد الأنس والسكن ، وهو حاصل لهن ، نعم شرط أبو محمد في الصغيرة إمكان وطئها ، والمجد تمييزها ، وشمل أيضاً المجنونة ، والشيخان يقيدان ذلك بما إذا لم يخف منها ، أما إن خيف منها فلا قسم لها .
( تنبيه ) الحق في القسم للأمة دون السيد ، فلها أن تهب ليلتها لزوجها أو لبعض ضرائرها ، وليس ذلك للسيد ، وزعم القاضي أن قياس قول أحمد استئذان سيد الأمة كما في العزل ، والله أعلم .
قال : وإذا سافرت زوجته بغير إذنه فلا نفقة لها ولا قسم .
ش : هذا مما لا خلاف فيه ولله الحمد ؛ لأن القسم للأنس والنفقة للتمكين من الاستمتاع وقد تعذر ذلك بفعلها ، أشبه ما لو لم تسلمه نفسها ابتداء ، والله أعلم .
قال : وإن كان هو أشخصها فهي على حقها من ذلك .
ش : إذا كان هو سفرها فهي على حقها من النفقة والقسم ، لأن المنع جاء من جهته ، لا من جهتها ، فلم يسقط حقها ، كما لو أتلف المشتري المبيع لم يسقط حق البائع من الثمن .
( تنبيه ) الخرقي رحمه الله ذكر ما إذا سفرها هو ، أو سافرت بغير إذنه ، وبقي إذا سافرت بإذنه لمصلحتها ، وفي بعض نسخ الخرقي : وإذا سافرت زوجته بإذنه ، وعليها شرح أبو محمد ، وبالجملة في المسألة ثلاثة أوجه ( أحدها ) وهو اختيار القاضي وأبي محمد لا قسم لها ولا نفقة ، لما تقدم في المسألة قبل ، ( والثاني ) هما لها ، لأنه لما أذن لها كأنه رضي بإسقاط حقه ، وبقاء حقها ( والثالث ) لها النفقة دون القسم ، كما لو سافر عنها ، والله أعلم .
قال : وإذا إراد سفراً فلا يخرج معه منهن واحدة إلا بقرعة .
ش : إذا أراد سفراً وأخذ بعض نسائه دون بعض ، فإنه لا يجوز له أخذ إحداهن إلا بقرعة ، لتساويهن في الحق ، وحذاراً من الميل .
2670 وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه . ويستثنى من ذلك إذا رضي الزوجات بسفر واحدة معه ، فإنه يجوز بلا قرعة ، إذ الحق لهن ، نعم إذا لم يرض الزوج بها ، وأراد غيرها صير إلى القرعة ، والله أعلم .
قال : فإذا قدم ابتدأ القسم بينهن .
ش : أي إذا قدم من السفر ابتدأ القسم بين النسوة ، ولم يقض للمقيمات ؛ لأن عائشة رضي الله عنها لم تذكر قضاء في حديثها ؛ ولأن ما يحصل للمسافر بها من السكن ، يقابله ما يحصل لها من المشقة والتعب ، والحديث مسكوت فيه عن القضاء ، وقيل : يقضي في سفر النقلة دون سفر الغيبة ، وقيل : يقضي في السفر القريب دون البعيد ، ومحل الخلاف في زمان السير ، أما ما تخلل السفر أو تعقبه من الإقامة ، فإن أبا البركات قال : يقضيه . وأطلق ، وشرط أبو محمد للقضاء أن يقيم مدة يمتنع فيها من القصر ، وكلام الخرقي يشمل فيما إذا سافر بقرعة ، أما إن سافر بغير قرعة فإنه يقضي للبواقي ، قاله غير واحد ، وقال أبو محمد : ينبغي أن يقضي مدة الإقامة لا زمان السير ، والله أعلم .
قال : وإذا أعرس على بكر أقام عندها سبعاً ثم دار ، ولا يحتسب عليها بما أقام عندها ، وإن كانت ثيباً أقام عندها ثلاثاً ، ولا يحتسب أيضاً عليها بما أقام عندها .
2671 ش : الأصل في ذلك ما في الصحيحين عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنهما قال : من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثاً ثم قسم ) قال أبو قلابة : ول شئت لقلت : إن أنساً رفعه إلى رسول الله .
2672 وفي الدارقطني عن أنس قال : سمعت رسول الله يقول : ( للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاثة ثم يعود إلى نسائه ) .
2673 وعن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام ، وقال : ( ليس بك هوان على أهلك ، فإن شئت سبعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود ، والدارقطني ولفظه : أن النبي قال حين دخل بها : ( ليس بك هوان على أهلك ، إن شئت أقمت عندك ثلاثاً خالصة ، وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي ) قالت : تقيم معي ثلاثاً خالصة .
وعموم كلام الخرقي رحمه الله وكلام غيره يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة ، وصرح به أبو محمد في المغني ، وفي الرعاية احتمال أن الأمة على النصف من الحرة ، والخرقي رحمه الله وجماعة إنما صوروا المسألة فيما إذا تزوج امرأة على أخرى ، والحديث إنما ورد في ذلك ، وقد يقال : إن ذلك تنبيه على ما إذا لم يكن تحته زوجة ، لأنه إذاً لا يسقط حق أحد ، ثم إن الحكم معلل بإزالة الاحتشام ونحوه وهو شامل .
( تنبيه ) لو أرادت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن للبواقي للحديث ، والله أعلم .
قال : وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها ، فإن أظهرت نشوزاً هجرها ، فإن أردعها وإلا فله أن يضربها ضرباً لا يكون مبرحاً .
ش : النشوز كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه ، وسوء عشرته ، مأخوذ من النشز وهو الارتفاع ، فكأن كلا منهما ارتفع عما عليه ، وإذا ظهر من المرأة ما يخاف معه نشوزها مثل أن تتثاقل إذا دعاها أو تجيب متبرمة متكرهة ، وعظها بأن يذكر لها ما يلين قلبها من ثواب وعقاب ، فيذكر لها ما وجب له عليها من الطاعة ، وما عليها في مخالفته ، لقول الله سبحانه : 19 ( { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } ) فإن أصرت على ذلك وأظهرت النشوز ، بأن امتنعت من إجابته إلى الفراش ، أو خرجت من بيتها بغير إذنه ونحو ذلك ، هجرها في المضجع ما شاء ، لقوله سبحانه : 19 ( { واهجروهن في المضاجع } ) وله هجرها في الكلام ، لكن فيما دون ثلاثة أيام .
2674 لقول النبي : ( لا يحل لمسلم يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ) فإن أصرت على الامتناع فله أن يضربها ، لقوله سبحانه : 19 ( { واضربوهن } ) ويضربها ضرباً غير مبرح ، أي غير شديد .
2675 لقول النبي : ( إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ) رواه مسلم وتقدير الآية الكريمة على هذا التقرير عند أبي محمد : 19 ( { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } ) فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن ، كآية المحاربة ، وفيه تعسف ، ومقتضى كلام أبي البركات وأبي الخطاب أن الوعظ والهجران والضرب على ظهور أمارات النشوز ، لكن على جهة الترتيب قال المجد : إذا بانت أماراته زجرها بالقول ، ثم يهجرها في المضجع والكلام دون ثلاث ، ثم يضرب غير مبرح ، وهذا ظاهر الآية الكريمة ، غايته أن الواو وقعت للترتيب ، إما لأن ذلك من مقتضاه أو لدليل من خارج ، وهو أن المقصود زوال المفسدة ، فيدفع بالأسهل فالأسهل ، فله أن يضربها ضرباً غير مبرح ؛ فأجاز ضربها بمجرد العصيان ، وهو مقتضى الحديث السابق ، وقد قاله النبي في خطبته بعرفة . ولو ترتب الضرب على الهجران لبينه ، لأنه وقت حاجة ، لتفرق الناس ورجوعهم إلى أوطانهم ، والله أعلم .
قال : والزوجان إذا وقعت بينهما العداوة ، وخشي عليهما أن يخرجهما ذلك إلى العصيان ، بعث الحاكم حكماً من أهله وحكماً من أهلها ، مأمونين برضى الزوجين وتوكيلهما ، بأن يجمعا إن رأيا أو يفرقا ، فما فعلا من ذلك لزمهما .
ش : قد تقدم إذا ظهر من المرأة النشوز أو أمارته ، فإن خرجا من ذلك إلى العداوة ، وخشي عليهما أن يخرجهما ذلك إلى العصيان ، بعث الحاكم حكمين ، إن رأيا المصلحة في الصلح أو التفريق بينهما فعلا ، ولزم الزوجين فعلهما ، لقول الله سبحانه : 19 ( { وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله ، وحكما من أهلها ، إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } ) واختلف عن أحمد رحمه الله فيهما ( فعنه ) ما يدل على أنهما وكيلان للزوجين ، لا يرسلان إلا برضاهما وتوكيلهما ، فإن امتنعا من التوكيل لم يجبرا ، هذا هو المشهور عند الأصحاب ، حتى أن القاضي في الجامع الصغير والشريف ، أبا جعفر ، وابن البنا لم يذكروا خلافاً ، ونصبه أبو الخطاب ؛ ولأن البضع حق للزوج ، والمال حق للمرأة ، وهما رشيدان ، فلم يجز لغيرهما التصرف عليهما إلا بوكالة منهما ، كما في غير ذلك ( وعنه ) ما يدل على أنهما حكمان ، يفعلان ما يريان من جمع أو تفريق ، بعوض أو غيره ، من غير رضى الزوجين ، وهو ظاهر الآية الكريمة ، لتسميتهما حكمين ، ومخاطبتهما بقوله : 19 ( { إن يريدا إصلاحا } ) وعدم اشتراط رضى الزوجين .
2676 وقد روى أبو بكر بسنده عن عبيدة السلماني ، أن رجلًا وامرأة أتيا علياً رضي الله عنه مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فقال علي رضي الله عنه : ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ؛ فبعثوا حكمين ، ثم قال علي رضي الله عنه للحكمين : هل تدريان ما عليكما من الحق ، عليكما من الحق إن رأيتما أن تجمعا جمعتما ، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما ، فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعلي . فقال الرجل : أما الفرقة فلا . فقال علي رضي الله عنه : كذبت حتى ترضى بما رضيت به .
2677 ويروى أن عقيلًا تزوج فاطمة بنت عتبة ، فتخاصما ، فجمعت ثيابها ومضت إلى عثمان رضي الله عنه ، فبعث حكماً من أهله عبد الله بن عباس ، وحكماً من أهلها معاوية رضي الله عنه فقال ابن عباس : لأفرقن بينهما . وقال معاوية : ما كنت لأفرق بين شيخين من بني عبد مناف : فلما بلغا الباب كانا قد أغلقا الباب واصطلحا ، وعلى كلتي الروايتين يشترط في الحكمين ( أن يكونا ) من أهل العدالة ، أما على الثانية فظاهر ، وأما على الأولى فلأن الوكيل إذا كان منصوباً من جهة الحاكم فلا بد وأن يكون عدلًا ( وأن يكونا ) عالمين بالجمع والتفريق ؛ لأنهما منصوبان لذلك ، وهل تشترط حريتهما ؟ فيه وجهان مبنيان عند أبي حمدان ، وذلك يمنع البناء ، ويشترط ( أن يكونا ) ذكرين ، قاله أبو محمد ؛ لأن ذلك يفتقر إلى رأي ونظر ، والمرأة بمعزل عنهما ، وقد يقال بالجواز على الرواية الثانية ، والأولى أن يكونا من أهلهما ، لإرشاد الرب سبحانه لذلك ، لكونهما أشفق عليهما ، وأدعى لطلب الحظ لهما ، ولا يجب ، لأن القرابة لا تشترط في الوكالة ، ولا في الحكم ، وينبني على الروايتين أنه إذا غاب الزوجان أو أحدهما بعد بعث الحكمين فعلى الأولى لا ينقطع نظرهما ، إذ الوكالة لا تبطل بالغيبة ، وعلى الثانية فيه احتمالان ، حكاهما في الهداية ( أحدهما ) وقطع به أبو محمد ، وأورده أبو البركات مذهباً ينقطع ، إذ كل من الزوجين محكوم له وعليه ، والقضاء للغائب لا يجوز ( والثاني ) لا نيقطع ، إذ المغلب في الحكم الحكم على كل منهما ، وإن جن الزوجان انقطع نظرهما على الأولى ، بناء على أن الوكالة تبطل بالجنون على المذهب ، وعلى الثانية لا ينقطع قاله أبو محمد تبعاً لأبي الخطاب في الهداية ، وأورده أبو البركات مذهباً ، وجزم أبو محمد في الكافي والمغني بامتناع الحكم ، معللًا بأن من شرط الحكم بقاء الشقاق ، ولا يتحقق ذلك مع الجنون ، ويظهر أن التعليل هنا كالتعليل في الفرع الذي قبله ، والله أعلم .
قال : والمرأة إذا كانت مبغضة للرجل ، وتكره أن تمنعه ما تكون عاصية بمنعه فلا بأس أن تفتدي نفسها منه .
ش : إذا كرهت المرأة زوجها لخلقه أو خلقه ، أو دينه أو كبره ونحو ذلك ، وخشيت أن لا تقوم له بما يجب له عليها ، فلا بأس أن تفتدي نفسها منه بعوض ، لقول الله سبحانه وتعالى : 19 ( { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله ، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) .
2678 وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاءت امرأة ثابت بن قيس ابن شماس إلى رسول الله ، فقالت : يا رسول الله إني ما أعيب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام . فقال رسول الله : ( أتردين عليه حديقته ؟ ) فقالت : نعم . فقال رسول الله : ( اقبل الحديقة ، وطلقها تطليقة ) رواه البخاري والنسائي ، وفي لفظ : ولكن أكره الكفر في الإسلام ، لا أطيقه بغضاً . ويسمى هذا خلعاً ، أخذا من خلع الثوب ، كأنها تنخلع من لباس زوجها .
قال : ولا يستحب له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
2679 ش : لما روى ابن عباس رضي اا عنهما أن جميلة بنت سلول أتت النبي فقالت : ما أعيب على ثابت في دين ولا خلق ، ولكني أكره الكفر في الإسلام ، لا أطيقه بغضاً . فقال لها النبي : ( أتردين عليه حديقته ؟ ) قالت : نعم . فأمره النبي أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد ؛ رواه ابن ماجه .
2680 وعن أبي الزبير بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وكان أصدقها حديقة ، فقال النبي : ( أتردين عليه حديقته التي أعطاك ) قالت : نعم وزيادة . فقال النبي : ( أما الزيادة فلا ولكن حديقته ) قالت : نعم . فأخذها له وخلا سبيلها ، فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال : قد قبلت قضاء رسول الله . رواه الدارقطني بإسناد صحيح ، وقال : سمعه أبو الزبير من غير واحد .
وظاهر كلام الخرقي أن هذا على سبيل الاستحباب ، وأنه لو أخذ أكثر مما أعطاها جاز الخلع ، وهذا هو المنصوص والمختار لعامة الأصحاب ، لعموم : 19 ( { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) وحملا للمنع في الحديث على الكراهة ، ومنع أبو بكر من ذلك ، وأوجب رد الزيادة ، أخذاً بظاهر الحديث ، وقصراً للعام على بعض أفراده وملخصه أنه لا بد من مخالفة ظاهر ، وإنما النظر في أي الظاهرين أولى بالحمل عليه ، واللهأعلم .
قال : ولو خالعته لغير ما ذكرناه كره لها ذلك ووقع الخلع .
ش : أي لغير البغض وكراهة منع حقه ، وهو أن يكون الحال بينهما مستقيمة ، والمذهب المنصوص المشهور المعروف حتى أن أبا محمد حكاه عن الأصحاب وقوع الخلع مع الكراهة ، لعموم قول الله سبحانه : 19 ( { فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه } ) ( وعن أحمد ) ما يدل على عدم الجواز ، قال : الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل ، فتعطيه المهر فهذا الخلع ، وظاهر هذا أن غير هذا ليس بخلع ، وفيه أيضاً دليل لقول أبي بكر في المسألة قبل ، وإلى هذا ميل أبي محمد قال : الحجة مع من حرمه ، وذلك لقول الله سبحانه : 19 ( { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } ) منع سبحانه من الأخذ مطلقاً ، واستثنى منه صورة ، فيبقى فيما عداها على مقتضى المنع ، ثم قال سبحانه : 19 ( { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) مفهومه أن الجناح لاحق بها إن افتدت من غير خوف ثم أكد سبحانه وتعالى بقوله : 19 ( { تلك حدود الله فلا تعتدوها ، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } ) .
2681 وفي السنن : ( أيما امرأة سألت الطلاق من غير ما بأس عليها فحرام عليها رائحة الجنة ) وقوله سبحانه : 19 ( { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا } ) الضمير راجع إلى الصداق ، وهذا الشيء منه لا بد وأن يكون بعضه ، وإذاً لا دليل في الآية ، أو محمول على غير حال العقد ، ولا يلزم من الإباحة بغير عقد الإباحة بعقد ، بدليل الربا ، ثم إن الله سبحانه قال : 19 ( { فكلوه هنيئا مريئا } ) ولا هناءة مع الكراهة ، فكيف يستدل به .
ومما قد يدخل تحت كلام الخرقي إذا عضلها لتفتدي نفسها ، فإنه خلع لغير ما ذكره ، لكن لا نزاع عندنا في عدم صحة هذا للآية الكريمة : 19 ( { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا } ) ولقوله تعالى : 19 ( { ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن } ) نعم يستثنى من ذلك صور ( إحداها ) إذا زنت له أن يعضلها لتفتدي ، لقوله سبحانه : 19 ( { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } ) ( الثانية ) إذا ضربها على نشوزها ونحو ذلك لم يحرم خلعها لذلك ، لأنها إذا لم تجبه لما يجب له عليها فقد خافت ألا تقيم حدود الله ( الثالثة ) إذا ضربها ظلماً لا لقصد الافتداء لم تحرم مخالعتها ، قاله أبو محمد ، وهو مقتضى كلام غيره ، لأنه لم يعضلها ليذهب ببعض ما آتاها ، نعم عليه إثم الظلم بلا ريب ، وحيث قلنا بعدم صحة الخلع فإن النكاح بحاله ، والعوض مردود ، إلا إن جعلناه طلاقاً فإنه يكون رجعياً ، والله أعلم .
قال : والخلع فسخ في إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى أنه تطليقة بائنة .
ش : الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب ، واختيار عامة الأصحاب ، متقدمهم ومتأخرهم اعتماداً على ظاهر القرآن العظيم ، فإن الله سبحانه قال : 19 ( { الطلاق مرتان } ) ثم قال : 19 ( { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) ثم قال : 19 ( { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } ) وظاهره أن الخلع ليس بطلاق ، وإلا يكون الطلاق أربعاً ، ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ، فكانت فسخاً كبقية الفسوخ ، ( ووجه الثانية ) أن الخلع من كنايات الطلاق ، وقد أتى به قاصداً للفراق ، وكان طلاقاً كبقية الكنايات ، ولقول النبي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( خذ الحديقة ، وطلقها تطليقة ) ويجاب عن هذا بأنه لا نزاع في أن له أن يأخذ العوض ويطلقها ، وأنه إذا أتى بلفظ الطلاق أنه يكون طلاقاً ، وإنما النزاع فيما وراء ذلك ، والله أعلم ، وعلى هذه الرواية لا كلام ، أما على الأولى فهل الخلع فسخ مطلقاً أو بشرط أن لا ينوي به الطلاق ؟ فيه روايتان أشهرهما الثانية ، وعلى كل حال متى وقع بلفظ الطلاق فهو طلاق بلا ريب ، وفائدة الخلاف أنا إذا جعلناه فسخاً لم ينقص عدد الطلاق ، وإلا نقصه .
( تنبيه ) ألفاظ الخلع الصريحة : خالعتك ، وفاديتك ، وفسخت نكاحك ، وما عداها كأبنتك ونحوه كناية ، والله أعلم .
قال : ولا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق ولو واجهها به .
2682 ش : لأن ذلك قول ابن عمر وابن الزبير ، رضي الله عنهم ولا يعرف لهما مخالف ، ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد ، فلم يلحقها طلاقه ، كالمطلقة قبل الدخول ، والمنقضية عدتها ، وقوله : ولو واجهها به . يحترز من قول النعمان ومن وافقه أنه يلحقها الصريح المعنى ، دون الكناية ، والطلاق المزيل ككل امرأة له طالق ، والله أعلم .
قال : ولو قالت له : اخلعني على ما في يدي من الدراهم ، ففعل فلم يكن في يدها شيء ، لزمها له ثلاثة دراهم .
ش : قد تضمن كلام الخرقي صحة الخلع بالمجهول ، وهو المذهب المعمول به ، لإطلاق قول الله تعالى : 19 ( { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ) ولأن الخلع ليس بمعاوضة حقيقة ، وإنما هو إسقاط لحقه من البضع ، وإذاً تدخله المسامحة ، وقال أبو بكر : لا يصح الخلع ، لأنه معاوضة ، أشبه البيع ، ولا تفريع على هذا ، أما على الأول فمقتضى كلام الخرقي أنه إن كان في يدها دراهم فهي له وإن قلت ، ولا شيء له سواها ، لأن الذي خالعته عليه وهو شيء من الدراهم قد وجد ، وإن لم يكن في يدها شيء فله ثلاثة دراهم ، لأنه أقل الجمع حقيقة ، بدليل ما لو وصى له بدراهم ، ولأبي محمد احتمال أنه إذا كان في يدها دون الثلاثة دراهم لزمها ثلاثة ، كما لو لم يكن في يدها شيء ، والذي يظهر لي أن ( من ) هنا لبيان الجنس ، وأنه إنما له ما في يدها ، أو أقل ما يتناوله الاسم إن لم يكن في يدها شيء .
واعلم أن أبا البركات له في الخلع على المجهول تحرير حسن لم أره لغيره ، وملخص ما قاله في هذه الصورة أن الذي قاله الخرقي على مختاره من صحة الخلع بغير عوض ، أما إن باشتراط العوض فهنا يجري قول أبي بكر بالبطلان ، والمشهور خلافه ، وعلى المشهور هل يجب كما تقدم أو يبطل المسمى ويجب مهر المثل أو إن وجد شيء فهو له ، وإلا وجب مهر المثل ؟ على ثلاثة أوجه ، والله أعلم .
قال : ولو خالعها على غير عوض كان خلعاً ولا شيء له .
ش : هذا إحدى الروايتين عن أحمد رحمه الله ، واختيار الخرقي ، وابن عقيل في التذكرة ، لأنه قطع للنكاح ، فصح من غير عوض كالطلاق ، ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها ، وتحتاج إلى فراقه فتسأله ذلك ، فإذا أجابها فقد حصل المقصود منه ( والثانية ) لا يصح إلا بعوض ، اختارها القاضي وجمهور أصحابه ، أبو الخطاب ، والشريف ، والشيرازي وغيرهم ، لأن الخلع الذي ورد في الكتاب والسنة ورد بعوض ، والأصل عدم جواز ما عداه ، ولأن الخلع ( إن كان ) فسخاً فالزوج لا يملك فسخ النكاح إلا لعيبها ، بخلاف ما إذا دخله العوض فإنه يصير معاوضة ، فلا يجتمع له العوض والمعوض ، ( وإن كان ) طلاقاً فليس بصريح فيه اتفاقاً ، وإنما هو كناية ، والكناية لا بد فيها من النية أو ما يقوم مقامها ، وهو والحال هذه بدل العوض ، ولم يوجد واحد منهما ، فعلى هذه الرواية إن خلا عن عوض لم يقع به شيء إلا حيث نجعله طلاقاً ، فيكون طلاقاً رجعياً ، والله أعلم .
قال : ولو خالعها على ثوب ونحوه فخرج معيباً ، فهو مخير بين أن يأخذ أرش العيب أو قيمة الثوب ويرده .
ش : الخلع على ثوب ونحوه له حالتان ( إحداهما ) أن يكون معيناً وهو ينقسم فسمين منجزاً ومعلقاً ، ( فالمنجز ) وهو مراد الخرقي أن يقول : خلعتك على هذا الثوب ، فهذا إن لم يعلم به عيب حين العقد ثم اطلع على عيب فإنه يخير بين أخذ أرش العيب عوضاً عن الجزء الفائت ، وبين رد الثوب وأخذ قيمته سليماً ، لأن مقتضى المعاوضة أنه إذا رد الثوب رجع في مقابله وهو البضع ، لكن ذلك متعذر ، لأن البينونة إذا وقعت لا ترتفع ، فيرجع ببدل ما رضي به ، وهو الثوب ، وفيه البحث السابق في الصداق ، أنه كان ينبغي أن يرجع في بدل البضع وهو مهر المثل .
وفي المذهب : رواية أخرى أنه لا أرش له مع إمساكه كالرواية المذكورة في البيع والصداق ، ( والمعلق ) أن يقول : إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق . وهذا المنصوص عن أحمد ، وهو اختيار الشيخين ، لأنه إذا اطلع فيه على عيب فلا شيء له ، تغليباً للشرط ، وحكى أبو محمد عن الأصحاب أنه كالذي قبله ، تغليباً للمعاوضة ( والحال الثانية ) أن يكون غير معين ، وهو قسمان أيضاً ( أحدهما ) أن يكون موصوفاً بصفات السلم في الذمة ، فهذا إذا سلمته إليه فوجد به عيباً ( فله إمساكه ) لأن غايته أنه قد رضي بدون حقه ، ( ورده ) وأخذ بدله ، لأن الذي وجب له في الذمة سليم ، فيرجع إليه ( الثاني ) أن يكون مجهولًا ، كأن يخالعها على ثوب ، فإن لم نشترط العوض فله أقل ما يتناوله الاسم ، وإن اشترطناه فهل يصح الخلع والحال هذه ؟ فيه وجهان ، المذهب منهما الصحة ، وعليه فهل يجب أقل ما يتناوله الاسم ، أو قدر مهر مثلها ؟ فيه وجهان ، والله أعلم .
قال : وإذا خالعها على عبد فخرج حراً أو استحق كان عليها قيمته .
ش : لتعذر أخذه ، والرجوع في البضع ، وإذاً فيرجع في بدل ما رضي به ، وهو قيمته ، وفيه الاشكال السابق ، وقول الخرقي : خرج حراً أو استحق . يحترز عما إذا خالعها على ما يعلمان أنه حر أو مغصوب ، فإنه لا شيء له بلا ريب ، لكن هل يصح الخلع أو يكون كالخلع بغير عوض ؟ فيه طريقتان للأصحاب ، ( والأولى ) طريقة القاضي في الجامع الصغير ، وابن البنا ، وابن عقيل في التذكرة ، ( والثانية ) طريقة الشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي والشيخين ، والله أعلم .
قال : ولو قالت له : طلقني ثلاثاً بألف ، فطلقها واحدة لم يكن له شيء ، ولزمتها التطليقة .
ش : أما وقوع الطلاق بها فلا خلاف فيه ، لأنه أتى بلفظه الصريح ، وأما الألف فلا يستحق منها شيئاً على المنصوص ، والمجزوم به عند عامة الأصحاب ، لأنها إنما بذلتها في مقابلة الثلاث ، ولم تحصل ، وصار كما لو قال : بعني عبديك بألف . فقال : بعتك أحدهما بخمسمائة . وفارق إذا قال : من رد عبيدي فله كذا . فرد بعضهم ، فإنه يستحق بالقسط ، لأن غرضه يتعلق بكل واحد من العبيد ، وهنا غرضها يتعلق ببينونة كبرى وما حصلت ، ولأبي الخطاب في الهداية احتمال أنه يستحق ثلث الألف ، كما لو قال : من رد عبيدي الثلاثة فله ألف درهم . فرد أحدهم كان له ثلث الألف ، فلو لم يكن بقي من طلاقها إلا واحدة ، فقالت : طلقني ثلاثاً بألف . فطلقها الواحدة ، فالذي عليه الأصحاب هنا فيما علمت أنه يستحق الألف ، لأن الواحدة إذاً تحصل ما تحصل الثلاث من البينونة الكبرى ، فالغرض الذي طلبته المرأة حاصل لها ، ولأبي محمد في المقنع احتمال أنها إذا لم تعلم ليس له إلا ثلث الألف ، لأنها مع العلم معنى كلامها : كمل لي الثلاث . بخلاف ما إذا لم تعلم ، فإن الألف مبذولة في الطلقات الثلاث ، فتقسطت عليها ، والله أعلم .
قال : وإذا خالعته الأمة بغير إذن سيدها على شيء معلوم كان الخلع واقعاً ، ويتبعها إذا عتقت بمثله إن كان له مثل وإلا قيمته .
ش : إذا خالعته الأمة فلا يخلو إما أن يكون بإذن سيدها أو بغير إذنه ، فإن كان بإذنه صح بلا ريب ، كما لو أذن لها في تجارة أو نحوها ، ومحل العوض كمحله في استدانتها ، يتعلق بذمة سيدها على المذهب ، وإن كان بغير إذنه فهل يصح ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) وهو مقتضى المحكي عن القاضي في المجرد ، وأورده أبو البركات مذهباً لا يصح ، لأن الخلع عقد معاوضة ، فلم يصح منها كالبيع ونحوه ( والثاني ) وهو الذي قطع به الخرقي ، والقاضي في الجامع الصغير ، وأبو الخطاب في الهداية ، والشريف وأبو محمد في كتبه الثلاثة يصح ، لأنه إذا صح الخلع مع الأجنبي فمع الزوجة أولى ، والخلع يفارق البيع ، بدليل صحته على المجهول ، وبغير عوض على رواية ، وغير ذلك ، ويتخرج لنا ( وجه ثالث ) أنها إن خالعته في ذمتها صح ، وعلى شيء في يدها لا يصح كبيعها ، ويجوز في رواية تقدمت ، وعلى القول بالصحة قال الخرقي وعامة من تبعه : تتبع بالعوض بعد العتق ، لتعذر الأخذ منها في الحال ، فيرجع عليها حين يسارها ، وقال أبو محمد : إن وقع على شيء في الذمة فكذلك ، وإن وقع على عين فقياس المذهب أنه لا شيء له ، قال : لأنه إذا علم أنها أمة فقد علم أنها لا تملك العين ، فيكون راضياً بغير عوض ، ويلزم من هذا التعليل بطلان الخلع على المشهور ، لوقوعه بغير عوض ، والله أعلم .
قال : وما خالع العبد به زوجته من شيء جاز .
ش : لأنه إذا صح طلاقه من غير عوض ، فبعوض أولى وأحرى .
قال : وهو لسيده .
ش : يعني عوض الخلع الذي خالع به العبد لسيده ، لأنه من كسبه ، وكسبه لسيده ، ولم يتعرض الخرقي لمن يقبضه ، وقد يقال : إن ظاهر كلامه أن السيد هو الذي يقبضه ، وهو اختيار أبي محمد ، وصاحب النهاية ، كبقية أملاك السيد ، وظاهر كلام أحمد واختاره القاضي ، أن للعبد قبضه ، لأنه لما ملك العقد تبعه عوضه والله أعلم .
قال : وإذا خالعت المرأة في مرض موتها بأكثر من ميراثه منها فالخلع واقع ، وللورثة أن يرجعوا عليه بالزيادة .
ش : مخالعة المريضة صحيحة بلا ريب ، كبيعها ونحو ذلك ، ثم إن كان المسمى قدر ميراثها منه فأقل فلا كلام ، وإن كان أزيد وقف الزائد على إجازة الورثة ، لأنها إذاً متهمة ، لاحتمال قصدها أن يعطى الوارث زيادة على إرثه ، فأشبه ما لو أقرت له ، والله أعلم .
قال : ولو طلقها في مرض موته ، وأوصى لها بأكثر مما كانت ترث ، فللورثة أن لا يعطوها أكثر من ميراثها .
ش : هذا أيضاً من مشكاة الذي قبله ، لأنه إذا أوصى لها بأكثر من ميراثها فهو متهم ، لأنه يريد أن تبقى أجنبية ليتوصل إلى إعطائها أكثر من ميراثها ، بخلاف ما إذا كان بالثلث فما دون ، فإن التهمة منتفية انتهى ، وفي بعض النسخ : ولو خالعها . وعليها شرح أبو محمد ، وهي أمس وفيها دلالة على صحة خلع المريض وهو واضح ، لأنه يصح طلاقه ، فمخالعته أولى ، والله أعلم .
قال : ولو خالعته بمحرم وهما كافران ، فقبضه ثم أسلما أو أحدهما ، لم يرجع عليها بشيء .
ش : تخالع الكفار صحيح ، لأنه يصح طلاقهم ، فصح تخالعهم كالمسلمين ، ثم إن كان العوض صحيحاً فواضح ، وإن كان محرماً كالخمر والخنزير فإن قبضه الزوج فقد مضى حكمه ، ولا شيء له وإن أسلم ، كما لو تبايعا وتقابضا ، ودليل الأصل قوله سبحانه : 19 ( { فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف } ) وإن لم يقبضه فقال القاضي في الجامع الكبير : لا شيء له ، لرضاه بما ليس بمال ، أشبه المسلمين إذا تخالعا على ذلم ، وقال في المجرد : يجب مهر المثل ، لأن العوض فاسد ، فرجع إلى قيمة المتلف ، وهو مهر المثل ، واختار أبو محمد أنه يجب قيمة ذلك عند أهله ، لأنه إنما رضي بعوض ، وقد تعذر العوض ، فيرجع في بدله ، وهذا قياس المذهب ، كما لو خالعها على عبد فخرج حراً أو نحو ذلك ، وفارق المسلم إذا خالع على ذلك ، لأنه رضي بغير عوض ، والله سبحانه أعلم .
كتاب الطلاق

ش : الطلاق لغة التخلية ، يقال : طلقت الناقة . إذا سرحت حيث شاءت ، وجلس فلان في الحبس طلقاً ، إذا كان بغير قيد ، والإطلاق الإرسال ، وهو في الشرع راجع لذلك ، لأنه حل قيد النكاح ، ومن حل نكاحها فقد خليت ، ويقال : طلقت المرأة وطلقت ، بفتح اللام وضمها ، تطلق بضم اللام فيهما ، طلاقاً وطلقة ، والله أعلم .
قال : وطلاق السنة أن يطلقها طاهراً من غير جماع ، واحدة ثم يدعها حتى تنقضي عدتها .
ش : طلاق السنة ما أذن فيه صاحب الشرع ، وعكسه طلاق البدعة ، ولا خلاف أن المطلق على هذه الصفة مطلق للسنة ، قاله ابن المنذر وابن عبد البر وغيرهما ، والأصل فيه قول الله سبحانه وتعالى : 19 ( { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } ) إلى قوله سبحانه : 19 ( { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } ) .
2683 قال ابن مسعود في تفسيرها : طاهراً من غير جماع ، ونحوه عن ابن عباس .
2684 وفي الصحيحين أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض ، على عهد رسول الله ، فسأل عمر رسول الله عن ذلك ، فقال رسول الله : ( مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء ) وفي رواية في الصحيحن أيضاً : ( ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض فتطهر ، ثم إن شاء طلقها طاهراً قبل أن يمس ، فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله تعالى ) .
وقول الخرقي : طاهراً . يخرج الحائض ، وقوله : من غير جماع . يخرج الطاهر المصابة في الطهر ، ولا نزاع أن طلاق هاتين للبدعة ، وقد دل عليه ما تقدم ، وقوله : واحدة ويدعها حتى تنقضي عدتها ؛ يحترز عما لو طلقها أكثر من واحدة في طهر ، أو طلق في كل طهر طلقة ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
قال : ولو طلقها ثلاثاً في طهر لم يصبها فيه كان أيضاً للسنة ، وكان تاركاً للاختيار .
ش : هذا ( إحدى الروايتين ) عن أبي عبد الله رحمه الله .
2685 لأن في حديث فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها ألبتة ؛ وفي رواية : طلقها ثلاثاً . الحديث .
2686 وكذلك امرأة رفاعة قالت : يا رسول الله إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ؛ وظاهره وقوع الثلاث بكلمة واحدة .
2687 وفي حديث المتلاعنين في الصحيح قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها . فطلقها عويمر ثلاثاً قبل أن يأمره النبي . وفي رواية لأبي داود : فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله ، فانفذه رسول الله ، ولم ينقل أن النبي أنكر ذلك ، ولو لم يكن للسنة لأنكره ( والرواية الثانية ) وهي أنصهما أن جمع الثلاث بدعة ، وهذا اختيار أبي بكر ، وأبي حفص ، والقاضي والشريف ، وأبي الخطاب والشيرازي ، والقاضي أبي الحسين وأبي محمد ، لقول الله تعالى : 19 ( { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } ) إلى قوله : 19 ( { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً ، فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف ، أو فارقوهن بمعروف } ) ثم قال سبحانه : 19 ( { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } )9 ( { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا } ) ومن طلق ثلاثاً لم يبق له أمر يحدث ، ولم يجعل له مخرجاً ولا يسراً .
2688 قال مجاهد : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما ، فجاءه رجل فقال : إنه طلق امرأته ثلاثاً . قال : فسكت حتى ظننت أنه رداها إليه ، ثم قال : ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ، ثم يقول : يا ابن عباس ، يا ابن عباس ؛ وإن الله تعالى قال : 19 ( { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً } ) وإنك لم تتق الله فلا أجد لك مخرجاً ، عصيت ربك ، وبانت منك امرأتك ، وإن الله تعالى قال : 19 ( { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن } ) رواه أبو داود .
2689 وعن محمود بن لبيد قال : أخبر رسول الله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً ، فغضب ثم قال : ( أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ) حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله ؟ رواه النسائي .
2690 وأما حديث فاطمة بنت قيس ففيه في مسلم وأبي داود والنسائي أنها قالت : إن أبا حفص طلقها آخر ثلاث تطليقات ، وفي رواية أخرى لهم : أنه بعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها . وهذا يبين أن رواية : طلقها ثلاثاً . أو طلقها ألبتة ، يعني أنه استوفى عدد طلاقها ، وكذلك يحمل حديث ركانة ، مع أنه لم يكن بحضرة النبي حتى ينكر عليه ، وأما حديث المتلاعنين فالمنع من الثلاث إنما كان حذاراً من سد الباب عليه ، والملاعنة تحرم على التأبيد ، فلا حاجة للمنع من الثلاث ، ( وعلى هذه ) فهل المحرم جمع الثلاث في طهر واحد ، فلو فرقها في ثلاثة أطهار لم يكن محرماً ، أو لا فرق بين أن يجمعها في طهر واحد أو في ثلاثة أطهار ؟ على روايتين ( إحداهما ) أن المحرم الجمع ، لظاهر حديث ابن عمر الصحيح ( مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ) ( والثانية ) لا فرق بين الجمع والتفريق ، في أن الجميع بدعة .
2691 لما روى الدارقطني عن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ، ثم أراد أن يتبعها بتطليقتن أخريين عند القرئين ، فبلغ ذلك رسول الله فقال : ( يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله تعالى ، إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر ، فتطلق لكل قرء ) قال : فأمرني رسول الله فراجعتها ، ثم قال : ( إذا طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك ) فقلت : يا رسول الله أرأيت لو طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أراجعها ؟ قال : ( لا كانت تبين منك وتكون معصية ) .
2692 وعن علي رضي الله عنه قال : لو أن الناس أخذوا بما أمر الله من الطلاق ما يتبع رجل نفسه امرأة أبداً ، يطلقها ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثاً ، فمتى شاء راجعها . رواه النجاد ، وحديث ابن عمر محمول على حصول رجعة بعد الطلاق ، وإذاً الطلاق بعد الرجعة للسنة بلا ريب ، ويتلخص أن في المسألة ثلاث روايات ( الثالثة ) الجمع في الطهر الواحد بدعة ، والتفريق سنة .
واعلم أن بين الشيخين نزاعاً في فرع آخر ، وهو لو طلقها طلقتين ، فعند أبي محمد أنه للسنة وإن كان الجمع بدعة ، لكن الأولى عنده أن يطلق واحدة ، وعند أبي البركات أنه كما لو جمع الثلاث ، والله أعلم .
( تنبيه ) أكثر الأصحاب على أن العلة في منع الطلاق في الحيض تطويل العدة ، وخالفهم أبو الخطاب فقال : تطليقه في زمن رغبته عنها ، قال أبو العباس : وقد يقال : إن الأصل في الطلاق النهي عنه ، فلا يباح إلا وقت الحاجة ، وهو الطلاق الذي تتعقبه العدة ، لأنه لا بد من عدة ، والعلة في منع الطلاق في الطهر المصاب فيه احتمال الحمل ، فيحصل الندم ، ولهذا إذا استبان حملها أبيح الطلاق ، والعلة في جمع الثلاث سد الباب عليه ، وعدم المخرج له ، كما أشار إليه الكتاب العزيز ، واختلف الأصحاب في الطلاق في الحيض ، هل هو محرم لحق الله تعالى ، فلا يباح وإن سألته ، أو لحقها فيباح بسؤالها ؟ على وجهين ، ( والأول ) ظاهر إطلاق القرآن والسنة ، وأما جمع الثلاث فمحرم عند من حرمه لحق الله ، فلا يباح بسؤالها بلا نزاع نعلمه ، والله أعلم .
قال : وإذا قال لها أنت طالق للسنة ؛ وكانت حاملًا أو طاهراً طهراً لم يجامعها فيه ؛ فقد وقع الطلاق ، وإن كانت حائضاً لزمها الطلاق إذا طهرت ، وإن كانت طاهرة مجامعة فيه فإذا طهرت من الحيضة المستقبلة لزمها الطلاق .
ش : اللام في ( للسنة ) للوقت ، فإذا قال : لها أنت طالق للسنة ، أي لوقت السنة ، فإذا كانت طاهراً غير مجامعة في ذلك الطهر ، فقد وقع الطلاق ، لوجود ظرفه ، وهو وقت السنة ، وكذلك إن كانت حاملًا .
2693 لأن في مسلم والسنن من حديث ابن عمر رضي الله عنه : ( مره فليراجعها طاهراً أو حاملًا ) وفي لفظ : ( إذا طهرت أو وهي حامل ) وقال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أن الحامل طلاقها للسنة ، ولأن المطلق والحال هذه داخل على بصيرة ، فلا يخاف ظهور أمر يتجدد معه الندم . انتهى ، وإن كانت حائضاً فهذا ليس بوقت للسنة ، فتطلق ، وكذلك إن كانت طاهرة مجامعة في الطهر ، لم يوجد ظرف الطلاق ، ثم هذا الطهر يتعقبه الحيض ، وهو أيضاً وقت للبدعة لا للسنة ، فإذا طهرت منه وجد وقت السنة فتطلق لوجود ظرفه .
وظاهر كلام الخرقي أن بمجرد الطهر يوجد وقت السنة ، وإن لم تغتسل ، وهذا هو المذهب ، وقيل : لا يوجد حتى تغتسل ، ولعل مبنى القولين على أن العلة في المنع من طلاق الحائض إن قيل تطويل العدة ، وهو المشهور أبيح الطلاق بمجرد الطهر ، وإن قيل الرغبة عنها لم يبح حتى تغتسل ، لمنعها منه قبل الاغتسال ، والله أعلم .
قال : ولو قال لها : أنت طالق للبدعة . وهي في طهر لم يصبها فيه ، لم يقع الطلاق حتى يصيبها أو تحيض .
ش : هذه الصورة عكس التي قبلها ، فإذا قال لزوجته : أنت طالق للبدعة . معناه لوقت البدعة ، فإذا كانت في طهر لم يصبها فيه فهذا ليس بوقت للبدعة فلا تطلق ، فإذا أصابها أو حاضت فقد وجد وقت البدعة فتطلق ، هذا قول الأصحاب ، واختار أبو البركات أنه إذا قال لها : أنت طالق للبدعة ، وهي في زمن السنة أنها تطلق طلقتين في الحال إن قلنا : الجمع بدعة ، لأنه لما لم يكن في وقت بدعة فالظاهر أنه لم يرد البدعة إلا من حيث العدد ، ومعناه : أنت طالق طلاقاً للبدعة . أي موصوفاً بأنه للبدعة ، وإذاً تطلق طلقتين ، لأنه طلاق موصوف بالبدعة ، والله أعلم .
قال : ولو قال لها وهي حائض ولم يدخل بها : أنت طالق للسنة ، طلقت من وقتها ، لأنه لا سنة فيه ، ولا بدعة .
ش : قد ذكر الخرقي رحمه الله الحكم وأشار إلى علته بأنه لا سنة في هذا
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15