كتاب : شرح الزركشي على مختصر الخرقي
المؤلف : شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي

[ وطهرهن ] ) مختصر ، رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي وقالا : حسن صحيح ( وهذا ) إحدى الروايتين ، وهو المختار للأصحاب ( والثانية ) : تجلس الأقل ، لأنه المتيقن ، وخرج القاضي فيها ( رواية ثالثة ) من المبتدأة أنها تجلس الأكثر ( ورابعة ) من المبتدأة أيضاً ، أنها تجلس عادة نسائها ، وهي الرواية الثانية التي في الكافي ، وجعل الأقل مخرجاً ، وهو سهو ، وإنما الأقل منصوصاً ، وكذلك الأول .
وعلى كل حل ففي وقت إجلاسها وجهان ( أحدهما ) وهو المشهور أنها تجلس من أول [ كل ] شهر ، لظاهر حديث حمنة [ والثاني ) واختاره أبو بكر ، وابن أبي موسى تجلس بالتحري ، لأنه أمارة مغلبة على الظن ، ورؤوس الأهلة لا تأثير لها عقلًا ولا عرفاً ، بل ولا شرعاً في ابتداء الحيض ، وفصل أبو البركات فقال : إن طال عهدها بزمن افتتاح الدم ، ونسيته ، جلست بالتحري ، في أصح الوجهين ، وإن ذكرت زمن افتتاح الدم ، كمعتادة انقطع عنها الحيض ، ثم جاءها الدم في خامس يوم من الشهر ، واستمر ، فهذه تحيض من خامس الشهر لا بالتحري على أصح الوجهين ، ( الحال الثاني ) : من أحوال الناسية أن تذكر العدد وتنسى الوقت ، كأن قالت : حيضي خمسة أيام [ من ] النصف الأول ، ولا أعلم هل هي الأولى أو الثانية ، أو الثالثة ، فهذه تجلس خمسة [ أيام ] بلا ريب ، لكن هل تجلسها بالتحري ، أو بالأولوية ؟ وصححه أبو البركات ، فيه وجهان ، ومتى تعذر أحدهما عمل بالآخر . أه ، وكل موضع أجلسناها بالتحري ، أو بالأولوية فإنها تحيض من كل شهر حيضة ، لخبر حمنة ، إلا أن تذكر لها وقتاً من الطهر بين الحيضتين يخالفه ، فإنها تبنى عليه ، ( الحال الثالث ) تذكر الوقت وتنسى العدد كأن تقول : كنت أحيض من خامس الشهر ، لكن لا أعرف قد ذلك . فإنها تحيض من الخامس الغالب أو الأقل ، على الروايتين المنصوصتين ، والأكثر أو عادة نسائها على المخرجتين ، وحيث قلنا : تجلس الناسية ستاً أو سبعاً . فإن ذلك تخيير اجتهاد أو تحر ، على أصح الوجهين ، كما في قوله تعالى : 19 ( { فإما منا بعد وإما فداء } ) وعلى الثاني تخيير مطلق ، نظراً لظاهر ( أو ) كما في كفارة اليمين ونحوها .
إذا عرف هذا فالمستحاضة [ في ] الأيام المحكوم بحيضها فيها حكمها [ فيها ] حكم الحيض في جميع أحكامها ، قال لفاطمة : 19 ( ( إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ) ) فإذا انقضى ما حكم بحيضها فيه فهي إذاً في حكم الطاهرات فيلزمها الغسل ، والعبادات وغير ذلك ، كما قال لفاطمة أيضاً : ( فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي ) وفي رواية ( فاغتسلي وصلي ) إلا أن في وطئها خلافاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
ويلزمها أن تتوضأ لوقت كل صلاة ، على المشهور من الروايتين والمختار لجمهور الأصحاب .
299 لأن في حديث حمنة : أنها كانت تهراق الدم ، وأنها سألت رسول الله ، فأمرها أن تتوضأ لوقت كل صلاة . رواه ابن بطة بإسناده ، وتصلي بوضوئها ما شاءت من فرائض ونوافل ، ما لم يخرج الوقت ، كما تجمع بين فرض ونفل اتفاقاً ، ( والثانية ) وهي ظاهر كلام الخرقي تتوضأ لكل فريضة .
300 لأن في حديث فاطمة : ( وتوضئي لكل صلاة ) رواه البيهقي مرسلًا ومتصلًا ، وقال : الصحيح أنه من قول عروة .
301 وعن عدي بن ثابت . عن أبيه ، عن جده ، عن النبي ، في المستحاضة ( تدع الصلاة أيام أقرائها . ثم تغتسل وتصلي ، والوضوء عند كل صلاة ) رواه الترمذي ، وأبو داود وضعفه ، ورواه البيهقي ، وقال : ( وتتوضأ لكل صلاة ) .
302 وعن جابر أن النبي أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة ، وقد جاء عن عائشة أيضاً أنها قالت : تتوضأ لكل صلاة . وفي رواية عنها : عند كل صلاة . رواهما البيهقي ( فعلى الأولى ) يبطل وضوءها بخروج الوقت ودخوله ، على ظاهر كلام أحمد ، واختيار القاضي ، وعلى اختيار أبي البركات لا يبطل إلا بالدخول وتنوي استباحة الصلاة ، لا رفع الحدث ، فإن نوته فقال في التلخيص : لا أعلم لأصحابنا فيه قولًا ، وقياس المذهب أنه لا يكفي ، لتعذر رفعه للحدث الطارئ ولا يشترط تعيين النية للفرض ، على ظاهر قول الأصحاب ، قاله أبو البركات ، إذ هذه الطهارة ترفع الحدث الذي أوجبها .
ويلزمها قبل الوضوء أن تغسل فرجها وتعصبه ، وتسد محل الدم ما أمكن .
303 لما تقدم من قوله لأم سلمة في حق المستحاضة ( لتستثفر بثوب ) .
304 وقال لحمنة : ( أنعت لك الكرسف ، فإنه يذهب الدم ) قالت : إنه أكثر من ذلك . قال : ( فاتخذي ثوباً ) قالت : هو أشد من ذلك . قال : ( فتلجمي ) فإن غلب الدم ، وخرج بعد إحكام [ الشد ] والتلجم لم يضرها ذلك .
305 لأن في حديث فاطمة أن النبي قال لها : ( اجتنبي الصلاة أيام محيضك ، ثم اغتسلي ، وتوضئي لكل صلاة ، وصلي وإن قطر الدم على الحصير ) رواه أحمد ، وابن ماجه ، وهل يلزمها إعادة الشد ، وغسل الفرج لوقت كل صلاة كما في الوضوء ؟ فيه وجهان ، أصحهما لا يجب ، والأولى أن تصلي عقب الطهارة ، نعم لها التأخير لبعض مصالح الصلاة ، من انتظار جماعة ، وأخذ سترة ونحو ذلك ، فإن أخرت لغير مصلحة فوجهان .
( تنبيه ) : قوله : ( إنما ذلك عرق ) قد تقدم أن هذا العرق يسمى : ( العاذل ) ( والعاذر ) ، قال القرطبي : أي عرق انقطع . وقوله : ( خاثر ) . أي ثخين . ( وتهراق الدم ) أي يجري دمها كما يجري الماء وقوله : ( ركضة ) من ركضات الشيطان ، أي أن الشيطان قد حرك هذا الدم الذي ليس بدم حيض ، و ( الكرسف ) القطن ، ( وتلجمي ) ، التلجم كالاستثفار ، وهو أن تشد المرأة فرجها بخرقة عريضة ، توثق طرفيها في شيء آخر قد شدته على وسطها ، بعد أن تحتشي قطناً ، فتمنع بذلك الدم أن يجري أن يقطر ، ( والاستثفار ] مأخوذ من ثفر الدابة ، لأنه يكون تحت ذنب الدابة ، قيل : وأصله للسباع ، وإنما استعير ، ( وتحيضي ) أي اقعدي أيام حيضتك ، والله أعلم .
قال : والمبتدأ بها الدم تحتاط ، فتجلس يوماً وليلة [ وتغتسل ] وتتوضأ لكل صلاة وتصلي ، فإن انقطع الدم في خمسة عشرة يوماً اغتسلت عند انقطاعه ، وتفعل مثل ذلك ثانية وثالثة ، فإن كان بمعنى واحد عملت عليه ، وأعادت الصوم إن كانت صامت في هذه الثلاث مرات لفرض .
ش : الجارية إذا رأت الدم في زمن يصلح لكونه حيضاً وأقله استكمال تسع سنين على المذهب أو اثنتي عشرة سنة على رواية فإنها تترك له الصوم والصلاة ، وغيرهما مما تشترط له الطهارة ، ويعطى حكم الحيض ، لأن الحيض دم جبلة وعادة ، وهو ( شيء كتبه الله على بنات آدم ) ، وقد وجد سببه فاعتمد ذلك ، وكوه دم فساد الأصل عدمه ، ثم إن انقطع لأقل من أقل الحيض ، فقد تبين أنه دم فساد ، فتعيد ما تركته من الصلاة ، وإن انقطع لأقل الحيض وهو يوم على رواية ، ويوم وليلة على المذهب فهو حيض جزماً فتغتسل إذاً ، وتفعل ما تفعله الطاهرات بلا ريب ، وإن جاوز الأقل فإنها تجلس يوماً وليلة فقط ، على المشهور والمنصوص في رواية صالح ، وعبد الله ، والمروذي ، والمختار للأصحاب ، احتياطاً للعبادة ، كما أشار إليه الخرقي ، إذ الزائد على الأقل محتمل للحيض والاستحاضة ، ولم يوجد تكرار يرجح أحدهما ، فالأحوط أن لا يجعل حيضاً . ( وعنه ) : تجلس الزائد ما لم يجاوز [ أكثر ] الحيض ، لصلاحيته لذلك ، ( وعنه ) : تجلسه إلى تمام ست أو سبع ، عملًا بغالب عادة النساء ، ( وعنه ) : تجلسه إلى امام عادة نسائها ، كأختها ، وأمها ، وعمتها ، وخالتها ، إذ الظاهر شبهها بهن ، هذه طريقة أبي بكر ، وابن أبي موسى ، وابن الزاغوني ، والشيخين في شرحيهما ، وغير واحد من الأصحاب ، وهي ظاهر كلام أحمد في رواية جماعة ، وطريقة القاضي وابن عقيل في تذكرته ، والشيخين في مختصريهما ، وطائفة أن المبتدأة لا تجلس فوق الأقل بلا نزاع ، وإنما محل الخلاف فيما إذا تبين أنها مستحاضة ، ( وشذ أبو محمد ) في الكافي ، فجعل [ في ] المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الأربع ، وقال فيما إذا تبين أنها مستحاضة أنها تجلس غالب الحيض ، ثم قال : وذكر أبو الخطاب فيها الروايات الأربع . ( وهو سهو ) فإنه لا نزاع نعلمه بين الأصحاب في جريان الروايات الأربع في المبتدأة المستحاضة ، وإنما النزاع في جريانهن فيها أول ما ترى الدم .
إذا عرف هذا ، وقلنا على المذهب : إنها [ إنما ] تجلس الأقل . فإنها تغتسل عقبه ، وتصوم ، وتصلي ، ولا يطؤها زوجها احتياطا ، ثم إن انقطع لأكثر الحيض فما دون اغتسلت غسلًا ثانياً عند انقطاعه ، لجواز كون الجميع حيضاً ، وتفعل مثل ذلك في الشهر الثاني ، والثالث ، فإذا كان في الأشهر الثلاثة بمعنى واحد ، أي على أسلوب واحد ، وقدر واحد ، تبينا أن الجميع عادة لها ، وأنه حيض ، وإذاً تجلسه جميعه في الشهر الرابع ، وهذا على المذهب كما تقدم [ من ] كون العادة لا تثبت إلا بثلاث ، أما على الرواية الأخرى فتجلسه في الشهر الثالث ، لوجود شرط العادة وهو التكرار ، ثم قد تبينا أنها كانت حائضاً في تلك الأيام ، فلا تعتد بما فعلته فيها مما يشترط له الطهارة ، من صلاة ، وصوم ، واعتكاف ، وطواف ، وإذاً يلزمها قضاء الواجب من ذلك لتبين عدم صحته ، وبقائه في ذمتها ، عدا الصلاة فإنها لا تجب على حائض ، والله أعلم .
قال : فإن استمر بها الدم ، ولم يتميز قعدت من كل شهر ستاً أو سبعاً ، لأن الغالب من النساء هكذا يحضن .
ش : إذا استمر بالمبتدأة الدم ، بأن جاوز أكثر الحيض ، فهذه هي المستحاضة المبتدأة ، ولها حالتان ( إحداهما ) : أن يكون لها تمييز معتبر ، فتعمل عليه بلا ريب ، لكن في اشتراط التكرار له كما يشترط للعادة ( وجهان ) تقدما ، ( الثانية ) لا تمييز لها أصلًا ، أو لها تمييز غير معتبر ، فهذا في قدر ما تجلسه الروايات الأربع السابقة ، والمذهب منهن الذي اختاره الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي ، وجمهور أصحابه ، والشيخان ، وغير واحد ، أنها تجلس غالب الحيض ستاً أو سبعاً كما تقدم ، عملًا بالغالب ، وللاتفاق على أنها ترد إلى غالب الحيض وقتا ، بأن تحيض من كل شهر حيضة ، فلذلك ترد إلى الغلب قدراً ، وتفارق المبتدأة أول ما ترى الدم في كونها تجلس الأقل ، من حيث إنها أول ما ترى الدم ترجو انكشاف أمرها عن قرب ، ولم يتيقن لها دم فاسد ، وإذا تبين استحاضتها فقد اختلط الحيض بالفاسد يقينا ، ولا حالة لها قريبة تنتظر ، فلذلك ردت إلى الغالب ، اعتماداً على الظاهر ، واختار أبو بكر ، وابن عقيل في تذكرته أنها تجلس الأقل ، كقوليهما ، وقول غيرهما من الأصحاب في حال الابتداء .
ثم هل تثبت استحاضتها بدون التكرار ، فيه وجهان ، ( أحدهما ) : وهو اختيار القاضي لا تثبت ، وإذاً تجلس قبل التكرار [ الأقل على المذهب ، وعند القاضي بلا خلاف ، ( والثاني ) وهو اختيار أبي البركات تثبت بمجرد مجاوزة الدم الأكثر ، لظاهر حديث حمنة ، وعلى هذا تجلس في الشهر الثاني غالب الحيض على المختار ، وأما الشهر الأول فلا تجلس منه إلا ] الأقل على المذهب بلا ريب ، لأن استحاضتها فيه غير معلومة ، والله أعلم .
قال : والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض .
ش : الصفرة والكدرة في أيام الحيض وهو زمن العادة من الحيض ، لعموم قول الله تعالى : 19 ( { فاعتزلوا النساء في المحيض ، ولا تقربوهن حتى يطهرن } ) ومن رأت صفرة أو كدرة في [ أيام ] العادة صدق عليها أنها لم تطهر .
306 وعن مرجانة مولاة عائشة رضي الله عنها قالت : كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة ، فيها الكرسف ، فيه الصفرة من دم الحيضة ، يسألنها عن الصلاة . فتقول : لا تعجلن ، حتى ترين القصة البيضاء . تريد بذلك الطهر من الحيض . رواه مالك في الموطأ .
ومفهوم كلام الخرقي أن الصفرة والكدرة بعد زمن العادة ليس بحيض ، وهو كذلك .
307 لقول أم عطية رضي الله عنها : كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً . رواه أبو داود ، والنسائي .
308 وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر قال : ( إنما هو عرق ، أو إنما هو عروق ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والبيهقي في سننه .
وعموم مفهوم كلام الخرقي يقتضي عدم الالتفات إلى الصفرة والكدرة بعد العادة وإن تكرر ذلك ، وهو المنصوص ، والمختار للشيخين ، اعتماداً على العادة ، وعنه ما يدل وهو اختيار القاضي وابن عقيل ، وصاحب التلخيص [ فيه ] على أنه إن تكرر بعد العادة فهو حيض ، لأن التكرار يجعله كالموجود في العادة .
( تنبيهان ) . ( أحدهما ) : إذا ابتدئت البكر بصفرة أو كدرة فهل تلتفت إليه وهو اختيار القاضي ، كما لو رأته في العادة أو لا تلتفت إليه ، وهو اختيار أبي البركات ، وظاهر كلام الإِمام اعماداً على أنه قول عائشة رضي الله عنها ؟ قال الخطابي : على وجهين .
( الثاني ) : ( الدرجة ) بكسر الدال وفتح الراء والجيم وعاء يحط فيه حق المرأة وطيبها ، والجمع أدراج ، وقيل : هي بضم الدال ، وشكون الراء ، وأصلها شيء يدرج أي يلف ، ( والقصة ) معناه أن تخرج الخرقة أو القطنة التي تحتشي بها المرأة كأنها قصة ، لا يخالطها صفرة ولا كدرة ، وقيل : إن القصة شيء كالخيط [ الأبيض ] ، يخرج بعد انقطاع الدم كله ، والله أعلم .
قال : ويستمتع من الحائض بدون الفرج .
ش : لقول الله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } والمحيض اسم لمكان الحيض ، كالمبيت ، والمقيل ، ومصدر : حاضت المرأة حيضاً ومحيضاً ، والمراد هنا والله أعلم الأول ، بقرينة التعليل بكونه أذى ، وذلك يختص بالفرج ، وللإِجماع على جواز القربنان في حال المحيض في الجملة ، وقد شهد لذلك النص .
309 فعن ميمونة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله إذا أراد أن يباشر امرأة من نسائه أمرها فاتزرت وهي حائض .
310 وعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : اعتزلوا نكاح فروج النساء ، رواه عنه أبو بكر في تفسيره .
311 ولما روى أنس رضي الله عنه أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ، ولم يجامعوها في البيوت ، فسأل أصحاب النبي عن ذلك ، فأنزل الله عز وجل : 19 ( { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض } ) الآية ، فقال النبي : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) رواه الجماعة إلا البخاري ، ولفظ النسائي وابن ماجه ( إلا الجماع ) واللام فيه لمعهود ذهني ، وهو الوطء في الفرج ، للإِجماع على جواز القربان فيما عدا محل الإِزار .
312 وقد روى أبو داود عن عكرمة ، عن بعض أزواج النبي ، أن النبي كان إذا أراد من الحائض شيئاً ، ألقى على فرجها ثوباً .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يستمتع [ بها ] في الفرج ] ولا ريب في ذلك لما تقدم ، والله أعلم .
قال : فإن انقطع دمها فلا توطأ حتى تغتسل .
ش : لقوله سبحانه : { ويسألونك عن المحيض ، قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } أي من الحيض 19 ( { فإذا تطهره } ) أي اغتسلن .
313 كذلك فسرها ابن عباس ، رواه عنه البيهقي ، وإبراهيم الحربي ، وحملا لكل من التطهيرين على فائدة ، على أن الإِمام إسحاق بن راهويه قال : أجمع أهل العلم من التابعين أن لا يطأها حتى تغتسل . وإذا حصل الإِجماع من التابعين فلا عبرة بمن بعد اه ويقوم مقام الاغتسال التيمم ، لعدم الماء ، ثم إذا وجد الماء حرم [ عليه ] الوطء ، والله أعلم .
قال : ولا توطأ مستحاضة إلا أن يخاف على نفسه العنت ، [ وهو الزنا ] .
ش : أما مع خوف العنت وهو الزنا فلا نزاع في حل وطء المستحاضة ، دفعا لأعلى المفسدتين بارتكاب ، أدناهما ، ولما فيه من الضرر المستدام ، وألحق ابن حمدان بخوف العنت خوف الشبق . اه ، وأما مع أمن [ ذلك ] فروايتان . ( إحدهما ) : يجوز .
313 لما روى عكرمة عن حمنة أنها كانت تستحاض ، فكان زوجها يجامعها .
315 وأن أم حبيبة كانت تستحاض ، وكان زوجها يغشاها ، رواهما أبو داود .
316 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أباح وطأها ثم إن أم حبيبة كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، كذا في مسلم ، وقد سألت النبي عن حكم الاستحاضة فبينها لها ولم يذكر لها تحريم الجماع ، ولو كان حراماً لبينه لها .
317 وفي حديث مكحول الذي رواه البيهقي عن أبي أمامة أن النبي قال في المستحاضة يغلبها الدم في الصلاة ( فلا تقطع الصلاة وإن قطر ، ويأتيها زوجها ) إلا أنه مرسل وضعيف كما تقدم وعلى هذه هل يكره وطؤها لما فيه من الخلاف ، أو لا يكره إذ الأصل عدم الكراهة ، فيه روايتان .
( والثانية ) : وهي المشهورة عند الأصحاب ، اختارها الخرقي ، وأبو حفص ، وابن أبي موسى ، وغير واحد لا يجوز لقوله تعالى : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض } فمنع سبحانه من الوطء معللًا بكونه أذى وهذا أذى .
318 وعن عائشة رضي الله عنها : المستحاضة لا يغشاها زوجها . وما روى من وطء أم حببة ومن وطء حمنة ففعل لا عموم له ، إذ يحتمل أن ذلك عند خوف العنت ، وحديث أبي أمامة لا تقوم بمثله حجة ، على أنه قد يحمل على ذلك ، وتأخيره للبيان لعدم الحاجة إليه .
والذي يظهر الأول ، إذ الآية الكريمة لا دليل فيها ، إذ دم الاستحاضة غير دم الحيض ، كما نص عليه صاحب الشريعة ، ولا يلزم من كون دم الحيض أذى أن يكون غيره من الدماء أذى ، وما روى عن عائشة فقد قال البيهقي : الصحيح أنه من قول الشعبي . والله سبحانه أعلم .
قال : والمبتلى بسلس البول أو كثرة المذي فلا ينقطع كالمستحاضة ، يتوضأ لكل صلاة بعد أن يغسل فرجه .
ش : قد تقدم أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة أو لوقت كل بعد أن تغسل فرجها وتحكم شده ، وحكم المبتلى بسلس البول ، أو كثرة المذي ، أو الرعاف الدائم ، والمجروح الذي لا يرقأ دمه ونحوهم ، حكم المستحاضة في ذلك ، لتساويهما معنى ، وهو عدم التحرز من ذلك ، فيتساويان حكماً .
319 وقد روى الإِمام أحمد والبيهقي والدارقطني عن عمر رضي الله عنه أنه لما طعن كان يصلي وجرحه يثعب دماً .
320 وقال إسحاق بن راهويه : كان بزيد بن ثابت سلس البول ، وكان يداويه ما استطاع ، فإذا غلبه صلى ، ولا يبالي ما أصاب ثوبه .
وقوله : فلا ينقطع . هذا الشرط في المستحاضة ومن لحق بها ، وهو أن لا ينقطع حدثها زمناً يسع الطهارة والصلاة ، إذ ما دونه لا يفيد ، فهو كالعدم ، فإن كان من عادتهم انقطاعه زمناً يسع لذلك لزمهم تحريه والطهارة فيه ، لتمكنهم بالإتيان بالعبادة بشرطها ، ولو عرض هذا الانقطاع المتسع لمن عادته الاتصال ، أبطل الطهارة ، فإن حصل انقطاع قبل الشروع في الصلاة لم يجز الدخول فيها ، لاحتمال دوامه ، فإن خالف ودخل واستمر الانقطاع قدرا يسع الطهارة والصلاة فصلاته باطلة ، وإن عاد الحدث قبل ذلك فطهارته صحيحة ، وفي بطلان صلاته وجهان ، أصحهما تبطل ، لمخالفته الأمر ، ولو وجد الانقطاع المتسع في الصلاة أبطلها وأبطل الوضوء ، وخرج ابن حامد عدم البطلان من رواية مضي المتيم إذا وجد الماء في الصلاة ، وفرق أبو البركات بأن الحدث هنا متجدد ، ولم يوجد عنه بدل .
وإذا بطلت الصلاة استأنفها كالمتيمم ، وينصرف من الصلاة بمجرد الانقطاع عند الأصحاب ، إذ الظاهر الدوام ، فلو خالف فعاد الحدث قبل مدة الاتساع فالوجهان في الانقطاع قبل الشروع ، واختار المجد أنه لا ينصرف ما لم تمض مدة الاتساع حذاراً من إبطال متيقن بموهوم ، ولو توضأ من له عادة من هؤلاء بانقطاع غير متسع فاتصل حتى اتسع أو برأت بطلت طهارته إن وجد منه حدث معه أو بعده ، وإلا فلا ، ولو كثر الانقطاع واختلف فتقدم وتأخر ، ووجد مرة وعدم أخرى فهذه كمن عادتها الاتصال عند الأصحاب ، في بطلان وضوئها بالانقطاع المتسع دون ما دونه ، وفي الأحكام إلا في شيء واحد ، وهو أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة والمضي فيها بمجرد الانقطاع ، قبل تبين اتساعه ، واختار أبو البركات مدعياً أنه ظاهر كلام الإِمام أنه لا عبرة ها هنا بهذا الانقطاع ، بل يكفي وجود الدم في شيء من الوقت ، دفعاً للحرج والمشقة . والله أعلم . قال : وأكثر النفاس أربعون يوماً .
ش : هذا هو المذهب المختار والمعروف من الروايات .
321 لما روى عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله أربعين يوماً ، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، وقال الخطابي : أثنى محمد بن إسماعيل على هذا الحديث ومعناه : كانت تؤمر أن تجلس ، وإلا كان الخبر كذباً ، إذ محال عادة اتفاق عادة نساء عصر في نفاس أو حيض ، مع أن هذا إجماع سابق أو كالإِجماع .
322 وقد حكاه إمامنا وابن المنذر عن عمر وابن عباس ، وأنس وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمرو وأم سلمة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم ، ومن ثم قال الطحاوي : لم يقل بالستين أحد من الصحابة ، وإنما قاله من بعدهم وقال أبو عبيد : وعلى هذا جماعة الناس . وقال إسحاق : هو السنة المجتمع عليها . ( والثانية ) أن أكثره ستون اتباعاً للوجود .
وأول المدة من [ حين ] الوضع ، لأن في رواية أبي داود في حديث أم سلمة : تجلس بعد نفاسها وإن خرج بعض الولد فالدم قبل انفصاله نفاس ، يحسب من المدة وخرج أنه كدم الطلق ، بناء على عدم إرثه إذا استهل والحال هذه ، أما إن ولدت توأمين فأول النفاس من الأول وآخره منه ، على المشهور والمختار لجمهور الأصحاب من الروايات ، فعلى هذا لو كان بين الولدين أربعون يوماً فلا نفاس بعد الثاني ( وعنه ) : أوله من الأول وآخره من الثاني ، فعلى هذه فقد يجيء جلوسها ستين يوماً وأكثر ( وعنه ) : هما الأول والآخر من الثاني فعلى هذا ما بين الولدين ليس بنفاس ، وإن بلغ أربعين يوماً إلا أن يكون يومين أو ثلاية ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى .
( تنبيه ) : الورس نبت أصفر يصبغ به ، ويتخذ منه غمرة للوجه ، يحسن اللون ( والكلف ) لون يعلو الوجه ، يخالف لونه ، يضرب إلى السواد والحمرة ، والله أعلم .
قال : وليس لأقله حد ، أي وقت رأت الطهر اغتسلت وهي طاهر .
323 ش : لما روى عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي كم تجلس المرأة إذا ولدت ؟ قال : ( أربعين يوماً لا أن ترى الطهر قبل ذلك ) .
324 وعن معاذ عن النبي قال : ( إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل ) رواهما الدارقطني وقد حكى ذلك الترمذي إجماعاً فقال : أجمع أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً إلا أن ترى الطهر قبل ذلك .
325 وحكى البخاري في تأريخه أن امرأة ولدت بمكة ، فلم تر دماً ، فلقيت عائشة رضي الله عنها فقالت : أنت امرأة طهرك الله . اه فعلى هذا أي وقت رأت الطهر اغتسلت للنفاس وهي طاهر ، والله أعلم .
قال : ولا يقربها زوجها في الفرج حتى تتم الأربعين استحباباً .
ش : إذا رأت المرأة الطهر قبل تمام الأربعين واغتسلت جاز وطؤها على المشهور من الروايتين ، لظاهر ما تقدم ، ولأن المانع من الوطءِ الدم ولا دم ( والثانية ) لا يجوز .
326 لما روى عن علي وابن عباس ، وعثمان بن أبي العاص وعائذ ابن عمرو أنهم قالوا : لا توطأ نفساء . وعلى المذهب لا يستحب لاحتمال عود الدم ، وهل يكره ؟ فيه روايتان ، أشهرهما نعم ، يكره حملًا لما روي عن الصحابة على ذلك ( والثانية ) لا يكره نظراً لللأصل .
وقوله : لا يقربها في الفرج . مفهومه أن له أن يقربها في غير الفرج ، وهو كذلك كالحائض ، إذ دم النفاس في الحقيقة دم حيض كما تقدم ، يجتمع لغذاء الولد ، ثم يخرج بقيته عند الولادة . .
( تنبيه ) : الولد الذي يتعلق به أحكام النفاس الولد الذي تصير به المستولدة أم ولد والله أعلم .
قال : ومن كانت لها أيام حيض فزادت على ما كانت تعرف ، لم تلتفت إلى الزيادة إلا أن تراه ثلاث مرات ، فتعلم حينئذ أن حيضها قد انتقل ، فتصير إليه وتترك الأول ، وإن كانت صامت في هذه الثلاث مرات أعادته إذا كان صوماً واجباً .
ش : إذا زادت عادة المرأة بأن كانت تحيض مثلًا خمسة أيام من كل شهر أو من كل عشرين يوماً ، فحاضت ستة أو سبعة ، فإنها لا تلتفت إلى الزيادة على المذهب المعروف والمنصوص من الروايتين ، لما تقدم من حديث عائشة أن رسول الله قال في المرأة ترى ما يريبها بعد الطهر ( إنما هو عرق ) أو قال : ( عروق ) وقول أم عطية : كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً . ( والثالثة ) : أومأ إليها في رواية ابن منصور تلتفت إليه ، فتجلسه من أول مرة ، وهو اختيار أبي محمد ، اعتماداً على عادات النساء في ذلك ، ولما تقدم من قول عائشة : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء .
327 ولأن عائشة لما حاضت في حجة الوداع لم يسألها النبي هل ذلك في زمن عادتك أم لا ؟ وما تقدم إنما يدل على ما بعد الطهر لا على ما إذا استمر وهي مسألتنا ، فعلى المذهب متى تكرر ثلاثاً على المذهب أو مرتين على رواية علمنا أو الثالث ، وتقضي ما صامته أو اعتكفته أو طافته من واجب في مدة التبين ، لتبين حيضها فيه ، فإن يئست قبل التبين أو ارتفع حيضها لمرض ونحوه ولم يعد لم يلزمها القضاء على الأصح ، لعدم تحقق الفساد ، ولا يحل لزوجها وطؤها في مدة التبين ، والله أعلم .
قال : وإذا رأت الدم قبل أيامها التي كانت تعرف فلا تلتفت إليه حتى يعاودها ثلاث مرات .
ش : المسألة السابقة فيما إذا زادت العادة ، وهذه فيما إذا تقدمت ، وتحتها صورتان ( إحداهما ) : تتقدم جملة بأن تكون تحيض الخمسة الثانية من الشهر ، فتصير تحيض الخمسة الأول ( الثانية ) : أن يتقدم بعضها بأن تكون تحيض اليوم السادس ، فتحيض اليوم الخامس أو الرابع ونحو ذلك ، وبالجملة هذه المسألة والتي قبلها من مسلك واحد ، والكلام على إحداهما كالكلام على الأخرى ، والله أعلم .
قال : ومن كانت لها أيام حيض ، فرأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر ، تغتسل وتصلي .
ش : إذا كانت للمرأة عادة كأن كانت تحيض عشرة أيام [ مثلًا ] من كل شهر ، فرأت الطهر قبل انقضائها ، فإن رأته بعد مضي ستة أيام ونحو ذلك فهي طاهر ، لظاهر ما تقدم عن عائشة رضي الله عنها للنسوة : لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء . وهذه قد رأت القصة البيضاء .
328 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أما ما رأت الدم البحراني فإنها لا تصلي ، وإذا رأت الطهر ساعة فلتغتسل ولتصل . رواه أبو داود .
وظاهر قول الخرقي والأصحاب أنه لا فرق بين قليل الطهر وكثيره ، لما تقدم عن ابن عباس ، واختار أبو محمد أنها لا تعتد بما دون اليوم ، من رواية في النفاس أنها لا تلتفت إلى ما دون اليوم ، ولم يعتبر ابن أبي موسى النقاء الموجود بين الدمين ، وأوجب عليها فيه قضاء ما صامته فيه من واجب ونحوه ، قال : لأن الطهر الكامل لا يكون أقل من ثلاثة عشر يوماً . إذا تقرر هذا فتغتسل وتصلي للحكم بطهارتها .
( تنبيه ) : ( البحراني ) قال أبو السعادات ) الشديد الحمرة ، كأنه قد نسب إلى قعر الرحم وهو البحر ، وزادوه في النسبة ألفاً ونوناً للمبالغة . وقال الخطابي : يريد الدم الغليظ الواسع ، ونسب إلى البحر لكثرته وسعته والله أعلم .
قال : فإن عاودها الدم فلا تلتفت إليه حتى تجيء أيامها .
ش : إذا طهرت المرأة قبل تمام عادتها ثم عاودها الدم ، فلا يخلو إما أن يعاودها في العادة أو بعدها ثم إذا عاودها في العادة فلا يخلو إما أن يجاوزها أو لا يجاوزها ، فإن عاودها في العادة ولم يجاوزها فهل تلتفت إليه بمعنى أنها تجلسه من غير تكرار وهو اختيار القاضي في روايته ، وأب محمد في الكافي ، لمصادفته زمن العادة أشبه ما لو لم ينقطع أو لا تلتفت إلهي حتى يتكرر وهو اختيار الخرقي ، وابن أبي موسى ، وقال أبو بكر : إنه الأغلب عنه ، لعوده بعد طهر صحيح ، فأشبه ما لو عاد بعد العادة ؟ على روايتين فعلى الثانية تصلي وتصوم وتقضي الصوم احتياطاً ، قاله ابن أبي موسى ، ونص عليه أحمد .
وإن عاد في العادة وجاوزها لم يخل من أن يجاوز أكثر الحيض أم لا ، فإن جاوز الأكثر فليس بحيض إذ بعضه ليس بحيض يقينا ، والبعض الآخر متصل به ، فأعطي حكمه لقربه منه وإن انقطع لأكثر الحيض فما دون فمن قال : إنما لم يعبر العادة ليس بحيض . فهذا أولى ، ومن قال : إنه حيض . ففي هذا إذاً ثلاثة أوجه ( أحدها ) : جميعه حيض ، بناء على مختار أبي محمد في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر الأكثر ( والثاني ) : ما وافق العادة حيض ، لموافقته العادة ، وما زاد عليها ليس بحيض ، لخروجه عنها ( والثالث ) : الجميع ليس بحيض لاختلاطه على المذهب بما ليس بحيض .
وإن عاودها بعد العادة فلا يخلو إما أن يمكن جعله حيضاً ، بأن يكون تضمه مع الأول لا يكون بين طرف فيهما أكثر من أكثر الحيض ، فيلفقا ويجعلا حيضة واحدة ، ويكون بينهما أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً على المذهب ، وكل من الدمين يصلح أن يكون حيضاً ، فيكونان حيضتين ، أو لا يمكن جعل الثاني حيضاً ، لمجاوزته مع الأول أكثر الحيض ، وليس بينه وبين الأول أقل الطهر ، ويظهر ذلك بالمثال فنقول : إذا كانت العادة عشرة أيام مثلًا ، فرأت منها خمسة دماً ، ثم طهرت الخمسة الباقية ، ثم رأت خمسة دماً ، فإن الخمسة الأولى والثالثة حيضة واحدة بالتلفيق ، ولو كانت رأت يوما 6 دماً ، ثم ثلاثة عشر طهراً ، ثم يوماً دماً ، فهما حيضتان ، لوجود طهر صحيح بينهما ، ولو كانت رأت يومين دماً ، ثم اثني عشر يوماً طهراً ، ثم يومين دماً ، فهنا لا يمكن جعلهما حيضة واحدة ، لزيادة الدمين مع ما بينهما من الطهر على أكثر الحيض ، ولا جعلهما حيضتين على المذهب ، لانتفاء طهر صحيح بينهما ، وإذاً الحيض منهما ما وافق العادة ، والآخر استحاضة ، وعلى هذا ، وشرط الالتفات إلى ما رأته بعد الطهر فيما خرج عن العادة التكرار المعتبر بلا نزاع .
( تنبيه ) : اختلف الأصحاب في مراد الخرقي بقوله : فإن عاودها الدم . فقال التميمي والقاضي وابن عقيل : مراده إذا عاود بعد العادة ، وعبر أكثر الحيض ، بدليل أنه منعها أن تلتفت إليه مطلقاً ، ولو أراد غير ذلك لقال : حتى يتكرر . وقال أبو حفص : مراده المعاودة في كل حال ، في العادة وبعدها ، وهذا اختيار أبي محمد ، وهو الظاهر اعتماداً على الإطلاق ، وسكت عن التكرار ، لتقدمه له فيما إذا زادت العادة أو تقدمت ، وعلى هذا إذا عبر أكثر الحيض فإنه لا يكون حيضاً ، وإن تكرر ، لما تقدم له من أن الدم إذا جاوز أكثر الحيض لا يكون حيضاً ، والله أعلم .
قال : والحامل إذا رأت الدم فلا تلتفت إليه ، لأن الحامل لا تحيض .
329 ش : الأصل في كون الحامل لا تحيض ما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال في سبايا أوطاس ( لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة ) فجعل وجود الحيض علما عرى براءة الرحم من الحبل ، ولو اجتمعا لم يكن علماً على انتفائه .
330 واستدل إمامنا [ رحمه الله ] بقوله : ( ثم ليطلقها طاهراً أو حاملًا ) مع منعه لطلاقه لها في حال الحيض [ فعلم أن الحيض ] لا يجامع الحمل .
331 وقد روى ابن شاهين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : إن الله رفع الحيض عن الحبلى وجعل الدم رزقاً للولد .
332 وعن عائشة رضي الله عنها : الحامل لا تحيض . رواه الدارقطني .
333 وما روي عنها من أنها لا تصلي إذا رأت الدم فمحمول على ما قبل الولادة ، وعلى هذا إذا رأت دماً لم تلتفت إليه ، ويكون حكمها فيه حكم دم الاستحاضة على ما تقدم ، والله أعلم . . .
قال : إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فيكون دم نفاس .
ش : لما ذكر أن ما تراه الحامل من الدم يكون دم فساد ، استثنى من ذلك ما تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة ، فإنه يكون دم نفاس ، لأنه خارج بسبب الولادة ، أشبه ما بعد الولادة ، ولا يحسب من مدة النفاس ، لما تقدم في حديث أم سلمة : أن النفساء كانت تقعد بعد نفاسها .
( تنبيه ) : يعلم ذلك بأماراته من المخاض ونحوه ، أما مجرد رؤية الدم من غير علامة فلا تترك له العبادة ، عملًا بالأصل من غير معارضة ظاهر له ، ثم إن تبين قربه من الوضع بالمدة المذكورة أعادت ما صامته فيه من صوم واجب [ ونحوه ولو رأته مع العلامة فتركت العبادة ثم تبين بعده عن الوضع أعادت ما تركت فيه من واجب ] ونحوه والله أعلم .
قال : وإذا رأت الدم ولها خمسون سنة فلا تدع الصوم ولا الصلاة وتقضي الصوم احتياطاً ، وإذا رأته بعد الستين فقد زال الإِشكال ، وتيقن أنه ليس بحيض ، فتصوم وتصلي ولا تقضي .
ش : لا نزاع عندنا فيما نعلمه أن ما تراه المرأة من الدم بعد الستين دم فساد ، وليس بدم حيض ، وأن ما رأته قبل الخمسين دم حيض بشرطه ، واختلف فيما بينهما ( فعنه ) وهو اختيار الشيرازي ، وقال ابن الزاغوني : إنه اختيار عامة المشايخ أنه دم فساد مطلقاً .
334 لأن عائشة رضي الله عنها قالت : لن ترى المرأة في بطنها ولداً بعد الخمسين سنة ؛ ومن لا تحبل لا تحيض . رواه الدارقطني وفي لفظ ذكره أحمد عنها في رواية حنبل إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض . ( وعنه ) أنه حيض مطلقاً ، اختاره أبو الخطاب في خلافه الصغير وأبو محمد ، لأنه [ قد ] وجد بنقل نساء ثقات ، فرجع إليهن فيه ، كما رجع إليهن في أقل الحيض [ وأكثره ] ( وعنه ) أنه حيض في حق العربيات ، لأنهن أشد جبلة دون العجميات .
335 وقد روى الزبير بن بكار في كتاب النسب عن بعضهم أنه قال : لا تلد لخمسين إلا عجمية ، ولا تلد لستين إلا قرشية وكأن الخرقي رحمه الله تعارضت عنده هذه الأقوال فأعرض عنها وقال : إن ما بينهما مشكوك فيه ، فصتوم وتصلي ، لاحتمال كونه دم فساد ، وتقضي الصوم لاحتمال كونه دم حيض ، وأداء الصلاة لا يلزمها ، والصوم الواجب ونحوه تقضيه لعدم صحته منها على هذا التقدير ، والله أعلم .
قال : والمستحاضة إن اغتسلت لكل صلاة فهو أشد ما قيل فيها ، وإن توضأت لكل صلاة أجزأها ، [ والله أعلم ] .
ش : قد تقدم حكم المستحاضة في أنها هل تتوضأ لكل صلاة أو لوقت كل صلاة ، والكلام الآن في اغتسالها ، ولا ريب أنه يجب عليها الاغتسال عقب الأيام التي حكم بحيضها فيها [ ثم ] عندنا وعند الجمهور يستحب لها أن تغتسل لكل صلاة . ولا يجب .
336 ولأن أم حبيبة استحيضت فسألت رسول الله عن ذلك ، فأمرها أن تغتسل ، فكانت تغتسل [ لكل صلاة ] . متفق عليه . ففهمت من الأمر بالاغتسال لكل صلاة . وفي رواية في غير الصحيح : أن النبي أمرها بالاغتسال لكل صلاة .
337 وعن عائشة رضي الله عنها أن زينب بنت جحش استحيضت ، فقال لها النبي : ( اغتسلي لكل صلاة ) . . رواه أبو داود . وإنما لم يجب ذلك لأن الروايات الصحيحة في حديث أم حبيبة وفاطمة وزينب وغيرهم ليس فيها أمر من النبي [ ] بالاغتسال لكل صلاة ، ولو وجب ذلك لبينه .
338 مع أن في أبي داود والترمذي في حديث حمنة : وقالت لرسول الله : إني أستحاض ؛ فقال لها رسول الله : ( سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك عن الآخر ، وإن قويت عليهما فأنت أعلم ، تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ، ثم اغتسلي ، حتى إذا رأيت قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها وصومي ، فإن ذلك يجزئك ، وكذلك فافعلي كل شهر ، كما تحيض النساء وكما يطهرن ، لميقات حيضهن وطهرهن ، وإن قويت عليه أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي ، وتغتسلين مع الفجر ، فافعلي وصومي إن قدرت على ذلك ) . قال رسول الله : ( وهذا أعجب الأمرين إليّ ) . اه .
ثم أشد ما قيل في المستحاضة أنها تغتسل لكل صلاة ، تمسكاً بما تقدم من الأمر بذلك لأم حبيبة وأختها زينب . ويحكى هذا رواية عن أحمد ، وهو قول طائفة من الصحابة والتابعين ، وإحدى الروايتين عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ( ثم ) الاغتسال لوقت كل صلاة ، ( ثم ) لكل صلاتي جمع في وقت الثانية و [ للصبح ] قاله بعض التابعين .
339 لما روت عائشة رضي الله عنها أن سهلة بنت سهيل بن عمرو استحيضت ، فأتت رسول الله فسألته عن ذلك ، فأمرها بالغسل عند كل صلاة ، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، رواه أحمد وأبو داود ( ثم ) لكل يوم مرة . روي ذلك عن ابن عمر وأنس ، وهو إحدى الروايتين عن علي رضي الله عنهم ، وقول بعض التابعين .
340 وقد جاء في حديث رواه البيقهي في قصة المستحاضة قال : ( ثم تغتسل في كل يوم عند كل طهر وتصلي ) .
والجمهور على ما تقدم [ أولًا ] نعم يستحب ذلك لا أنه واجب . والله أعلم .
(

كتاب الصلاة
)

ش : قد اشتهر في لسان الفقهاء وغيرهم أن أصل الصلاة في اللغة الدعاء ، مستدلين بقوله تعالى : 19 ( { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } ) وإنما عدي بعلى لتضمنه والله أعلم ( معنى ) الإِنزال أي : أنزل عليهم رحمتك .
341 وقول النبي : ( إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطراً فليطعم ، وإن كان صائماً فليصل ) وقول الشاعر :
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا

يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي

نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا

ولهم في اشتقاقها أقوال كثيرة ، أشهرها : أنها مشتقة من الصلوين واحدهما ( كعصى ، وهماعرقان من جانبي الذنب ، وقيل : عظمان ينحنيان في الركوع والسجود .
والصلاة في الشرع : عبارة عن هيئة مخصوصة ، مشتملة على ركوع ، وسجود وذكر ، وسميت بذلك لاشتمالها على الدعاء ، وقال الزمخشري : حقيقة ( صلى ) حركة الصلوين لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده . قال : وقيل للداعي مصلد تشبيهاً في تخشعه بالراكع والساجد ، فعكس ما يقوله الجماعة ، ونحو هذا قول السهيلي قال : معنى اللفظة حيث تصرفت ترجع إلى الحنو والعطف ، من قولهم : صليت . أي حنيت صلاك وعطفته .
وهي مما علم وجوبه من دين الله بالضرورة . وقد تظافرت الأدلة : من الكتاب والسنة والإِجماع على ذلك . قال سبحانه : 19 ( { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } ) .
342 وقال النبي : ( بني الإِسلام على خمس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا ) .
343 وقال ( ) : ( خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة ) .
وأجمع المسلمون إجماعاً قطعياً على ذلك ، وجوبها في ليلة المعراج .
344 ففي الصحيحين في قصة المعراج قال : ( وفرضت عليّ خمسون صلاة في كل يوم ، قال : فجئت حتى أتيت على موسى فقال لي : بم أمرت ؟ قلت : بخمسين صلاة كل يوم ، قال : إني قد بلوت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، وإن أمتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فرجعت فحط عني خمس صلوات ، فما زلت أختلف بين ربي وبين موسى ، كلما أتيت عليه قال لي : مثل مقالته ، حتى رجعت بخمس صلوات كل يوم ، فلما أتيت على موسى قال لي : بم أمرت ؟ قلت : أمرت بخمس صلوات كل يوم ، قال : إني قد بلوت الناس قبلك ، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، وإن أمتك لا يطيقون ذلك ، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قلت : لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت ، ولكن أرضى وأسلم ، قال : فنوديت . أو نادى مناد الشك من بعض الرواة : أن قد أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ، وجعلت بكل حسنة عشر أمثالها ) اه .
واختلف في زمن الإِسراء : فعن الزهري أنه بعد مبعثه بخمس سنين . وعن الحربي : كان ليلة سبعة وعشرين من ربيع الآخر ، قبل الهجرة بسنة . وقيل : بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً . وبين هذين القولين تباين كثير ، وأوسطها قول الزهري . والله سبحانه أعلم .
باب المواقيت


ش : لما كانت الصلوات إنما تجب بدخول الوقت ، بدأ رحمه الله ببيان ذلك ، وقد أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات معلومة ، والسند في ذلك قول الله تعالى : 19 ( { أقم الصلوة لدلوك الشمس إلى غسق الليل } ) الآية ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما : دلوك الشمس إذا فاء الفيء ، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته .
345 وعن أبي هريرة رضي الله عنه : { وقرآن الفجر } إنه الصبح .
346 وما اشتهر من حديث جبريل ، حيث أم النبي في الصلوات الخمس ، ثم قال له : ( يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك ) . وغير ذلك من الأحاديث ، والله أعلم .
قال : وإذا زالت الشمس وجبت الظهر .
ش : سميت الظهر ظهراً اشتقاقاً لها من الظهور ، إذ هي طاهرة في وسط النهار ، وتسمى أيضاً : ( الهجير ) لفعلها حني أم النبي معلماً له في اليومين [ بدأ بها ] ولهذا بدأ الخرقي وكثير من الأصحاب بها ، وبدأ ابن أبي موسى ، والشيرازي ، وأبو الخطاب بالصبح ، لأنها أول النهار .
347 ولبداءة النبي بها حين سئل عن وقت الصلاة ، وكان ذلك بالمدينة ، وكأنه أشار بذلك إلى أن العمل عليه لتأخره ، لا على الأول .
وأول وقتها إذا زالت الشمس إجماعاً ، وقد فسر ابن عمر ، وابن عباس رضي الله عنهم دلوك الشمس بزوالها ، ولما أمّ جبريل النبي معلماً له صلى به الظهر حين زالت الشمس .
348 وفي صحيح مسلم ، عن عبد الله بين عمرو قال : سئل رسول الله عن وقت الصلاة ، فقال : ( وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ، ووقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس عن بطن السماء ، ما لم يحضر العصر ، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ، وسقط قرنها الأول ، ووقت المغرب إذا غابت الشمس ، ما لم يسقط الشفق ، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) .
وآخره ، إذا صار ظل كل شيء مثله ، لأن في حديث جبريل أنه صلى به الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء قدر ظله ، وقال : ( الوقت فيما بين هذين ) وكأن المعنى والله أعلم أنه فرغ من صلاة الظهر في المرة الثانية حين صار ظل كل شيء مثله .
[ وأنه أحرم بالعصر في المرة الثانية حين صار ظل كل شيء مثليه ] .
349 بدليل ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( أول وقت الظهر حين تزول الشمس ، وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر ) . رواه أحمد وأبو داود .
350 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال : ( وقت الظهر إذا زالت الشمس ، وكان ظل الرجل كطوله ، ما لم يحضر وقت العصر ) رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي .
ولا بد أن يلحظ في قوله : إن آخر الوقت إذا صار ظل كل شيء مثله . بعد فيء الزوال ، وذلك أن الشمس إذا زالت يكون للشيء ظل في غالب البلاد ، فيعتبر مثل ذلك الشيء سوى ذلك الظل .
وقوله : إذا زالت الشمس وجبت الظهر . ظاهره وجوب الصلاة بأول الوقت وجوباً مستقراً موسعاً ، وهو المذهب ، لظاهر قول الله تعالى : 19 ( { أقم الصلاة لدلوك الشمس } ) .
351 وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( الشفق الحمرة ، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة ) رواه الدارقطني وشرط أبو بعد الله بن بطة وابن أبي موسى لاستقرارها مضي زمن يسع لأدائها ، حذاراً من تكليف ما لا يطاق ، وأجيب بأنه لا يكلف بالفعل قبل الإمكان ، حتى يلزم [ تكليف ] ما لا يطاق ، وإنما يثبت في ذمته بفعله إذا قدر كالمغمى عليه .
( تنبيه ) : معنى زوال الشمس ميلها عن كبد السماء ، ويعرف ذلك بظل الشمس [ من كل ] شاخص ، فما دام يتناقض فالشمس لم تزل ، فإذا وقف نقصه فهو الاستواء ، فإذا زاد الظل أدنى زيادة فهو الزوال ، والله أعلم .
قال : [ فإذا صار ظل كل شيء مثله فهو آخر وقتها ] فإذا زاد شيئاً وجبت [ صلاة ] العصر .
ش : إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال فهو آخر وقت الظهر ، وبصيرورة ظل كل شيء مثله يزيد أدنى زيادة ، وذلك أول وقت العصر ، فلا فاضل بين الوقتين ، هذا هو المعروف ، وأن بخروج وقت [ الظهر ] يدخل وقت العصر .
ويحتمل ظاهر كلام الخرقي ، وصاحب التلخيص أن بينهما فاصلًا ، إذ ظاهر كلامهما أن العصر لا تجب إلا بعد الزيادة ، وكذا فهم ابن حمدان فحكى ذلك قولًا ، وبالجملة الأصل في أول وقت العصر حديث جبريل المشهور : أنه [ ] صلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله ، وفي اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه ، ثم قال : ( ما بين هذين وقت ) والله أعلم .
قال : فإذا صار ظل [ كل ] شيء مثليه خرج وقت الاختيار .
ش : الصلوات على ضربين ، [ منها ] ما ليس له إلا وقت واحد ، وهي الظهر ، والمغرب والصبح على المختار ، ومنها ما له وقتان ، وهي العصر والعشاء ، والفجر على قول . اه فالعصر آخر وقتها المختار وهو الذي يجوز تأخير الصلاة إليه من غير عذر صيرورة ظل كل شيء مثليه ، على إحدى الروايتين ، واختيار الخرقي ، وأبي بكر ، والقاضي ، وكثير من أصحابه ، نظراً لحديث جبريل عليه السلام ، فإنه ورد بياناً لتعلم أوقات الصلوات ، ثم قوله : ( ما بين هذين وقت ) ظاهره أن جميع هذا الوقت الصلاة فيه جائزة دون غيره ( والرواية الثانية ) واختارها الشيخان آخر الوقت المختار اصفرار الشمس .
352 لما في مسلم وسنن أبي داود ، والنسائي ، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أن رسول الله قال : ( وقت العصر ما لم تصفر الشمس ) .
353 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( آخر وقت العصر حين تصفر الشمس ) رواه أبو داود والترمذي ، وهذا يتضمن زيادة ، مع أن قول ، فيقدم على الفعل .
354 وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله أتاه سائل فسأله عن مواقيت الصلاة ، فلم يرد عليه شيئاً ، قال : وأمر بلالًا فأقام الفجر حين انشق الفجر ، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضاً ، ثم أمره فأقام الظهر حين زالت الشمس ، والقائل يقول : قد انتصف [ النهار ] وهو [ كان ] أعلم منهم [ ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة ] ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس ، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق [ الأحمر ] ثم أخر الفجر من الغد ، حتى انصرف منها والقائل يقول : قد طلعت الشمس أو كادت . ثم أخر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس ، ثم أخر العصر حتى انصرف منها والقائل يقول : قد احمرت الشمس ؛ ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول ، ثم أصبح فدعا السائل فقال : ( الوقت بين هذيه ) رواه أبو داود ، والنسائي ، ومسلم وهذا لفظه . وهو أيضاً متضمن لزيادة ومتأخر ، إذ حديث جبريل كان بمكة ، وهذا بالمدينة ، والعمل بالمتأخر متعين ، وقطع صاحب التلخيص بأن الوقت المختار إلى صيرورة ظل كل شيء مثليه ، وجعل من ذلك [ إلى ] الإِصفرار وقت جواز ، فكأنه جمع بين الأحاديث ، فحمل حديث جبريل على الوقت المطلوب المرغوب فيه ، وغيره على الوقت الجائز ، الذي يجوز التأخير إليه من غير عذر بلا إثم ، والله أعلم .
قال : ومن أدرك منها ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها .
355 ش : لما في الصحيحين عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] أن رسول الله قال : ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد [ أدرك ] الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) .
وظاهر كلام الخرقي ، وكذلك ابن أبي موسى ، وابن عبدوس أن الإدراك لا يحصل بأقل من ركعة ، وهو إحدى الروايتين ، وظاهر الحديث المتقدم ( والثانية ) وعليها العمل عند القاضي ، وكثير من أصحابه أنه يحصل بتكبيرة .
356 لأن في الصحيح من حديث أبي هريرة أيضاً : ( من أدرك سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته ) وفي النسائي ( فقد أدركها ) لا يقال : عبر عن الركعة بالسجدة ، لأنا نتمسك بالحقيقة .
ومعنى الإدراك بركعة أو بتكبيرة أنه متى أدرك ذلك كان مؤدياً للصلاة لا قاضياً على المشهور من الوجهين ، والثاني : ما وقع في الوقت يكون أداء ، وما وقع بعده يكون قضاء ، والله أعلم .
قال : [ وهذا ] مع الضرورة .
ش : ظاهر هذا ، وكذلك ظاهر كلام ابن أبي موسى أن إدراك العصر بما تقدم مختص بمن له ضرورة ، كحائض طهرت ، وصبي بلغ ، ومجنون أفاق ، ونائم استيقظ ، ومريض برأ ، وذمي أسلم ، وكذلك خباز ، أو طباخ ، أو طبيب فصد ، وخشوا تلف ذلك قاله ابن عبدوس ، وعلى هذا من لا عذر له لا يدركها بذلك ، بل تفوت بفوات وقتها المختار ، وتقع منه بعد ذلك قضاء ، وهذا قول بعض العلماء ، وأحد احتمالي ابن عبدوس ، وهو متوجه ، إذ قول جبريل عليه السلام ، وكذلك [ قول النبي ] ( الوقت ما بين هذين ) وقوله : ( وقت العصر ما لم تصفر الشمس ) يقتضي أن ما بعد ذلك ليس بوقت لها ، وقوله : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) يحمل على من له عذر ، ولذلك جعل الصلاة في ذلك الوقت ممن لا عذر له صلاة المنافق .
357 فقال أنس رضي الله عنه : سمعت رسول الله يقول : ( تلك صلاة المنافق ، يجلس يرقب الشمس ، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلًا ) رواه مسلم وغيره ، لأن فعله فعل المنافق ، لتهاونه بها ، وتضييعها .
والمعروف عند الأصحاب وعند عامة العلماء أن وقت العصر مبقى إلى الغروب ، في حق المعذور وغيره ، حملا لحديث جبريل ونحوه على أن المراد بذلك وقت الإِختيار أو وقت الجواز ، وحديث أبي هريرة على وقت الإِدراك ، ويسمون هذا الوقت أعني من وقت الإِختيار ، أو وقت الجواز ، إلى غروب الشمس وقت إدراك ، ووقت ضرورة ، ولا يفترق المعذور عندهم وغيره إلا في الإِثم وعدمه ، فالمعذور له التأخير ، وغيره ليبين له ذلك ، ويأثم إذا أخر ، وقد يحمل كلام الخرقي على هذا ، على أن في الكلام حذفاً ، والإِشارة إليه تقديره : و [ هذا ] أي جواز التأخير مع الضرورة ، أما من لا ضرورة له فلا يجوز له التأخير وإن أدرك الوقت بركعة . .
قال : فإذا غابت الشمس فقد وجبت المغرب .
ش : أول وقت المغرب إذا غابت الشمس إجماعاً ، والأحاديث قد استفاضت أو تواترت بذلك وغيبوبة الشمس سقوط قرصها . والله أعلم .
قال : إلى أن يغيب الشفق .
ش : يعني أن وقتها يمتد إلى غيبوبة الشفق ، لما تقدم في حديث أبي موسى ، أنه أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال : ( وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق ) رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وأحمد ، وقال في رواية مهنا : حديث عبد الله بن عمرو حديث معروف .
ولا يرد حديث جبريل [ عليه السلام ] أنه صلاها في اليومين في وقت واحد ، لتضمنها زيادة ، مع تأخر حديث أبي موسى ، وكون حديث ابن عمرو [ قولًا ] ، على أن يحتمل أن جبريل [ عليه السلام إنما فعلها في وقت واحد ليبين أن ذلك هو الأولى بها ، ولذلك اتفقت الأئمة [ على ] أفضلية تقديمها ، بخلاف غيرها ، وكره تأخيرها ، والله أعلم .
قال : ولا يستحب تأخيرها .
ش : بل يكره ، قاله القاضي في التعليق .
358 لما روى عقبة بن عامر أن النبي قال : ( لا تزال أمتي بخير [ أو على الفطرة ] ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ) رواه أحمد وأبو داود .
359 وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع : أن رسول الله كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس ، وتوارت بالحجاب . وفي أبي داود : ساعة تغرب الشمس ، إذا غاب حاجبها . ولأن التأخير محظور عند البعض ، فالتقديم أحوط ، وهذا في غير ليلة جمع ، أما في ليلة جمع فالمستحب التأخير للمحرم إن قصدها ، كما فعل النبي ولأن الفعل قبل المزدلفة في طريقها لا يجزئه عند بعض فالتأخير [ أحوط ] عكس ما تقدم ، ويستحب التأخير أيضاً مع الغيم على المنصوص ، وسيأتي [ ذلك ] إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
قال : فإذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر ، وفي الحضر البياض لأن في الحضر قد تنزل الحمرة ، فتواريها الجدران ، فيظن أنها قد غابت ، فإذا غاب البياض فقد تيقن ووجبت عشاء الآخرة .
ش : قد تقدم أن آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق ، والشفق يطلق على الحمرة ، و [ على ] البياض ، بالاشتراك اللفظي ، واختلف في المراد هنا ، والمعروف المشهور عندنا حتى أن الشيخين وغيرهما لم يذكروا خلافاً أن المراد بالشفق هنا هو الحمرة ، لما روى عبد الله بن عمرو عن النبي قال : ( وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ) رواه مسلم ، وأبو داود ولفظه ( فور الشفق ) وفور الشفق فورته وسطوعه ، وثوره ثوران حمرته ، قالهما الخطابي وغيره ، مع أنه قد ورد ذلك صريحاً .
360 أ فعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله : ( الشفق الحمرة ، فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة ) رواه الدارقطني والبيهقي ، وقال : الصحيح أنه موقوف ثم هو قول جماعة من الصحابة .
360 ب روى عن ابن عمر ، وابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وشداد ، رواه البيهقي عنهم قال : ورويناه عن عمر ، وعلي ، وأبي هريرة . وقد حكى بعضهم الإِجماع على ذلك ، في قوله تعالى : { فلا أقسم بالشفق } على أنه قد حكي عن الخليل بن أحمد وغيره أنهم قالوا : إن البياض لا يغيب إلا عند طلوع الفجر .
وحكى عن أحمد أن المراد بالشفق هنا هو البياض .
360 ج لما روى عن النعمان بن بشير قال : أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة يعني العشاء كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة . رواه أحمد ، والنسائي والترمذي ، ولا دليل فيه إذ ليس فيه : أن ذلك أول وقتها ، فإن الرسول كان يؤخر العشاء ، بل هو دليل لنا ، ( إذ ) سقوط القمر لثالثة يكون عند تمكن البياض على ما قيل ، ( وعنه ) رواية ثالثة كما قاله الخرقي في الشفق : في السفر الحمرة ، وفي الحضر البياض الذي يعقب الحمرة ، نظراً للمعنى الذي ذكره الخرقي ولما كان عند أبي محمد أنه لا خلاف أن الشفق [ الحمرة ] قال : إنه يعتبر غيبة البياض للدلالة على غيبوبة الأحمر ، لا لنفسه .
( إذا عرف هذا ) فإذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ، وعقبه وقت العشاء بالإِجماع والأحاديث متظافرة على ذلك ، والله أعلم .
قال : إلى ثلث الليل ، فإذا ذهب ثلث الليل ذهب [ وقت ] الاختيار .
ش : أي أن وقت العشاء المختار يمتد إلى ثلث الليل ، وهذا إحدى الروايتين واختيار أبي بكر في التنبيه ، والقاضي في الجامع ، لما تقدم من حديث أبي موسى ، واختارها القاضي في روايتيه ، وابن عقيل في تذكرته ، والشيخان يمتد إلى نصفه ، لحديث عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : ( وقت العشاء إلى نصف الليل ) رواه مسلم وغيره ، ونحوه من حديث أبي هريرة ، رواه أبو داود ، والترمذي .
361 وعن أنس رضي الله عنه قال : أخر النبي العشاء إلى نصف الليل ، ثم صلى ، ثم قال : ( قد صلى الناس وناموا ، أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها ) رواه البخاري وغيره وقول صاحب التلخيص : إن من الثلث إلى النصف من الليل وقت جواز ، لا وقت اختيار . ولا ضرورة .
وقول الخرقي : وجبت عشاء الآخرة . يقتضي جواز تسمية المغرب بالعشاء . وهو كذلك بلا كراهة ، نعم : الأولى تسميتها بالمغرب ، وكذلك العشاء الأولى أن لا تسمى العتمة ، ويجوز ذلك بلا كراهة على الأصح ، وظاهر كلام ابن عبدوس المنع [ من ذلك ] والله أعلم .
قال : ووقت الضرورة [ مبقى ] إلى أن يطل الفجر الثاني ، وهو البياض الذي يبدو من قبل المشرق فينتشر ، ولا ظلمة بعده .
ش : قد تقدم أن آخر وقت العشاء المختار ثلث الليل أو نصفه ، ثم من ذلك إلى طلوع الفجر الثاني وقت ضرورة ، ووقت إدراك على ما تقدم .
362 لظاهر ما روى أبو قتادة رضي الله عنه ، عن النبي أنه قال : ( ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى ) رواه مسلم قال البيهقي وروينا عن ابن عباس : وقت العشاء إلى الفجر .
363 أ وعنه ، وعن عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا في الحائض : إذا طهرت قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء . رواه أحمد .
363 ب وعن أبي هريرة مثل ذلك ، رواه حرب .
363 ج وعنه أيضاً [ وسئل ] : ما إفراط صلاة العشاء ؟ قال : طلوع الفجر ، وهذا كله يدل على أن ذلك وقت العشاء .
364 قال البيهقي : وروينا عن عائشة قالت : أعتم رسول الله حتى ذهبت عامة الليل . اه .
والفجر الثاني هو البياض الذي يبدو من قبل المشرق فينتشر ولا ظلمة بعده ، ويسمى : ( الفجر الصادق ) لأنه صدق عن الصبح وبينه ، ( والمستطير ) لأنه طار في الأفق وانتشر فيه والفجر الأول هو الفجر المستطيل ، الذي يبدو معترضاً كذنب السرحان ، ثم تعقبه الظلمة ، ومن ثم سمي الفجر الكاذب والفجر الثاني هو الذي تتعلق به الأحكام .
365 وقد روي عن جابر [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله [ ] : ( الفجر فجران ، فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان فلا يحل الصلاة ، ولا يحرم الطعام ، [ وأما الذي يذهب مستطيلًا في الأفق فإنه يحل الصلاة ، ويحرم الطعام ] ) رواه البيهقي وقال : الأصح إرساله .
( تنبيه ) : السرحان الذئب ، والله أعلم .
قال : فإذا طلع الفجر الثاني وجبت [ صلاة ] الصبح .
ش : هذا إجماع ولله الحمد ، والنصوص شاهدة بذلك .
( تنبيه ) : الفجر هو انصداع البياض من المشرق ، سمي بذلك لانفجاره ، أي لظهوره وخروجه كما ينفجر النهر ، والله أعلم .
قال : وآخره إذا طلعت الشمس .
ش : قد حكى ابن المنذر ما يدل على أن هذا إجماع أيضاً ، وفي حديث عبد الله بن عمرو الذي رواه مسلم وغيره عن النبي أنه قال : ( وقت الفجر ما لم تطلع الشمس ) .
ومقتضى كلام الخرقي [ رحمه الله ] أن جميع وقتها وقت اختيار ، كما في المغرب ، والظهر ، وهو المذهب ، وجعل القاضي في المجرد ، وابن عقيل في التذكرة وابن عبدوس لها وقتين ، اختيار وهو الأسفار ، وضرورة وإدراك ، وهو إلى طلوع الشمس .
( تنبيه ) : وتسمى بالفجر أيضاً ، قال تعالى : 19 ( { وقرآن الفجر ، إن قرآن الفجر كان مشهوداً } ) روى عن أبي هريرة أن المراد به صلاة الفجر وفي حديث جبريل : ( وصلى بي الفجر حين حرم الطعام ) ولا يكره تسميتها بالغداة على الأصح ، والله أعلم .
قال : ومن أدرك منها ركعة قبل أن تطلع [ الشمس ] فقد أدركها .
ش : لما تقدم من حديث أبي هريرة ، وظاهر كلام الخرقي أن الإِدراك لا يحصل إلا بركعة ، والمشهور عند الأصحاب خلافه ، كما تقدم في العصر ، وهذا الحكم أعني الإِدراك [ بركعة ] أو بما دونها لا يختص بالعصر والصبح ، بل الحكم كذلك في جميع الصلوات .
366 لما في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها كلها ) .
ومقتضى كلام الخرقي [ رحمه الله ] أن صلاة الصبح لا تبطل بطلوع الشمس وهو فيها ، وهو كذلك ، لما تقدم ، وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ( إذا أدرك أحدكم [ أول سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس ، فليتم صلاته ، وإن أدرك ] أول سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ) .
367 وعنه أيضاً أن رسول الله قال : ( من صلى من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فطلعت فليصل إليها أخرى ) رواه أحمد ، والبيهقي ، والله أعلم .
قال : [ وهذا ] مع الضرورة .
ش : ظاهر هذا أن هذا الإِدراك أيضاً مختص بمن له ضرورة ، كما تقدم في العصر ، وكذلك قال ابن أبي موسى . ولا يتمشى التأويل الذي تأولناه في العصر بأن جواز التأخير مختص بوقت الضرورة ، إذ جميع وقت الصبح وقت اختيار على المذهب . نعم على قول القاضي يجيء التأويل ، ومن هنا أخذ القاضي أن للصبح وقتين ، والله أعلم .
قال : والصلاة في أول الوقت أفضل ، إلا عشاء الآخرة ، وفي شدة الحر الظهر .
ش : هذا منصوص أحمد في رواية الأثرم ، والأصل في الجملة قوله تعالى : 19 ( { فاستبقوا الخيرات } )9 ( { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } ) والصلاة من الخيرات ، ومن أسباب المغفرة ، وقوله تعالى : 19 ( { أقم الصلاة لدلوك الشمس } )9 ( { حافظوا على الصلوات } ) قال الشافعي رحمه الله : المحافظة على الشيء تعجيله .
368 وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ما صلى رسول الله صلاة لوقتها الأخير مرتين ، حتى قبضه الله . رواه أحمد ، والترمذي ، والدارقطني ، وفي لفظ : إلا مرتين .
369 وعن أم فروة وكانت ممن بايعت النبي قالت : سئل النبي أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( الصلاة لأول وقتها ) رواه أحمد والترمذي ، وأبو داود .
370 وعن ابن مسعود قال : سألت رسول الله : أي العمل أفضل ؟ قال : الصلاة في أول وقتها ) مختصر ، رواه ابن خزيمة في مختصر المختصر .
371 وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله قال : ( الوقت الأول من الصلاة رضوان الله ، والآخر عفو الله ) رواه الترمذي لكن قال الإِمام أحمد : من يروي هذا ؟ ليس [ هذا ] يثبت . وكذلك ضعفه غيره .
إذا عرف هذا فلنشر إلى صلاة صلاة على الانفراد . فأما الظهر فالمستحب تقديمها ، لما تقدم .
372 وفي الصحيح عن أبي برزة رضي الله عنه : كان رسول الله يصلي الظهر إذا زالت الشمس .
373 وعن عائشة [ رضي الله عنها ] : ما رأيت إنساناً كان أشد تعجيلًا بالظهر من رسول الله . ما استثنت أباها . ولا عمر ، رواه البيهقي والترمذي ولفظه : ولا من أبي بكر ولا من عمر . ويستثنى من ذلك الوقت الشديد الحر ، فإن المستحب التأخير فيه .
374 لما في الصحيحين وغيرهما ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( أبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ) .
375 وفي الصحيحين أيضاً عن أبي ذر نحوه ، وفي لفظ : ( أبردوا بالظهر ) .
376 وعن المغيرة [ رضي الله عنه ] قال : كنا نصلي مع رسول الله [ ] الظهر بالهاجرة ، فقال لنا : ( أبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ) رواه أحمد ، والترمذي وقال : سألت محمداً عن هذا فعده محفوظاً . ثم هل ذلك مطلقاً ، وهو ظاهر كلام أحمد ، والقاضي في الجامع ، والخرقي ، وابن أبي موسى ، وابن عقيل في التذكرة ، وصاحب التلخيص ، وإليه ميل أبي محمد ، نظراً لظواهر الأحاديث . أو مختص وإليه ميل أبي محمد ، نظراً لظواهر الأحاديث . أو مختص بمن أراد الخروج إلى الجماعة ، وهو قول أبي الخطاب ، وطائفة تعليلًا بالمشقة [ والمشقة ] إنما تحصل بذلك . وشرط القاضي في موضع مع الخروج إلى الجماعة [ كونه في البلدان الحارة ] . وابن الزاغوني كونه في مساجد الدروب .
هذا كله في الظهر ، أما الجمعة فيسن تقديمها مطلقاً .
377 قال سهل بن سعد : ما كنا نقيل ، ولا نتغدى إلا بعد الجمعة .
378 أ وقال سلمة بن الأكوع : كنا نجمع مع رسول الله ، ثم نرجع نتتبع الفيء . متفق عليهما .
ويستثنى أيضاً من أفضلية تقديم الظهر مع تيقن دخول وقتها حال الغيم ، فإنه يستحب تأخيرها فيه ، وتقديم العصر ، وتأخير المغرب ، وتقديم العشاء ، نص على ذلك أحمد .
378 ب لما روى ابن منصور في سننه ، عن إبراهيم قال : كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر ، ويؤخرون المغرب في اليوم المتغيم ، ولأن ذلك مظنة عارض من مطر ونحوه ، فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين لتقرب من الثانية ، لكي يخرج لهما خروجاً واحداً ، طلباً للأسهل المطلوب شرعاً .
وظاهر كلام الخرقي ، وأحمد في رواية الأثرم وإليه ميل أبي محمد عدم استحباب ذلك ، إذ مطلوبية التأخير في عامة الأحاديث إنما وردت في الحر ، وظاهر كلام أبي الخطاب استحباب تأخير الظهر لا المغرب ، وحيث استحب التأخير فهل ذلك مطلقاً ، أو لمن يريد الجماعة ؟ فيه خلاف .
( تنبيه ) : التأخير في الحر قال أبو محمد : حتى تنكسر ، ولا يؤخر إلى آخر الوقت . قال ابن الزاغوني : حتى ينكسر الفيء ذراعاً ، أو نحو ذلك ، وفي التلخيص : إلى رجوع الظل الذي يمشي فيه الساعي إلى الجماعة ؛ وفي الغنم قال ابن الزاغوني : يؤخر إلى قريب من وسط الوقت . اه .
أما العصر فالمستحب تقديمها على المذهب بلا ريب ، لما تقدم ، [ وفي الصحيح ] من حديث أبي برزة [ رضي الله عنه ] ، قال : كنا نصلي مع رسول الله [ ] العصر ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية .
379 وفي الصحيح أيضاً عن أنس [ رضي الله عنه ] أن رسول الله [ ] كان يصلي إلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة حية ، ويذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة حية ، وحكي عنه أن الأفضل مع الصحو التأخير احتياطاً للخروج من الخلاف ، إذ عند البعض لا يدخل وقتها إلا بصيرورة كل شيء مثليه .
وأما المغرب فقد تقدم الكلام عليها .
وأما العشاء فإن الأفضل تأخيرها لما تقدم وفي حديث أبي برزة : وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة .
380 وفي الصحيح من حديث ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : أعتم النبي [ ] بالعشاء ، فخرج عمر فقال : الصلاة يا رسول الله ، رقد النساء والصبيان . فخرج ورأسه يقطر يقول : ( لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بهذه الصلاة هذه الساعة ) .
38 1 وفيه أيضاً من حديث ابن عمر : مكثنا ليلة ننتظر رسول الله [ ] لعشاء الآخرة ، فخرج علينا حين ذهب ثلث الليل أو نحوه . مختصر .
382 وعن معاذ رضي الله عنه ] : قال رسول الله [ ] : ( أعتموا بهذا الصلاة ، فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ، ولم تصلها أمة قبلكم ) مختصر ، رواه أبو داود ، ثم هل يستحب التأخير مطلقاً ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، وأبي الخطاب ، وصاحب [ التلخيص ] لظاهر حديث أبي برزة ، ومعاذ ، وغيرهما ، أو أن ذلك معتبر بحال المأمومين ، بحيث لا يشق عليهم غالباً ، وهو اختيار أبي محمد ، لحديث ابن عباس .
383 وفي حديث جابر الصحيح : إذا رآهم اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطؤا أخّر . ؟ فيه روايتان .
وأما الصبح فالأفضل تقديمها مطلقاً على إحدى الروايات ، واختيار الخرقي وأبي محمد وطائفة ، لما تقدم ، وفي حديث جابر : والصبح كان النبي يصليها بغلس .
384 وفي الصحيحين من حديث عائشة [ رضي الله عنها ] : لقد كان رسول الله [ ] يصلي الفجر فيشهد [ معه ] نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ، ثم يرجعن إلى بيوتهن ، لا يعرفهن أحد من الغلس . وعلى هذا يكره التأخير إلى الأسفار بلا عذر . ( والثانية ) : الأسفار بها أفضل مطلقاً .
385 لما روى رافع بن خديج [ رضي الله عنه ] سمعت رسول الله [ ] يقول : ( أسفروا بالفجر ، فإنه أعظم للأجر ) رواه أبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي ، وحمل على أن المراد مطلوبية إطالة القراءة [ فيها ] ، بحيث يفرغ منها مسفراً ، كما جاء عنه في الصحيح أنه كان ينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه لا أنه يفتتحها مسفراً . وقيل : المراد التأخير حتى يتبين طلوع الفجر ويمضي زمن الوضوء ونحوه ؛ ويعين تأويل الحديث مواظبة النبي [ ] على التغليس كما تقدم ، وفي حديث ابن عباس لما وصف صلاة جبريل بالنبي قال : ثم كانت صلاته بعد التغليس ، لم يعد إلى أن يسفر بها .
( والثالثة ) واختارها الشيرازي الاعتبار بحال أكثر المأمومين ، فإن غلسوا غلس ، وإن أسفروا أسفر ، توقيراً [ للجميع ] إذ ما كثر فهو أحب إلى الله [ تعالى ] كما ورد في الحديث ، وقياساً على ما فعله في العشاء ، فإنه كان إذا رآهم اجتمعوا عجل ، وإذا رآهم أبطؤا أخّر .
386 وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله [ ] إلى اليمن ، فقال : ( يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر ، وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ، ولا تملهم ، وإذا كان في الصيف فأسفر بالفجر ، فإن الليل قصير ، والناس ينامون ، فأمهلهم حتى يدركوا ) رواه الحسين بن مسعود الفراء في سننه .
ومحل الخلاف فيما إذا كان الأرفق على المأمومين الإِسفاء مع حضورهم ، أو حضور بعضهم ، أما لو تأخر الجيران كلهم فالأولى هنا التأخير بلا خلاف ، على مقتضى ما قال القاضي في التعليق ، وقال : نص عليه في رواية الجماعة .
واعلم أنا وإن شركنا بين الفجر والعشاء في مراعاة حال الجيران ، إلا أن بينهما فرقا [ لطيفا ] وهو أن التقديم في الفجر أفضل إلا إذا تأخروا ، والتأخير في العشاء أفضل إلا إذا تقدموا وتظهر فائدة ذلك في المصلي وحده ، وفي جماعة تقدموا ولم يشق عليهم التأخير ، فإن الأفضل إذاً تقديم الفجر ، وتأخير العشاء .
( تنبيهان ) : ( أحدهما ) تحصل فضيلة [ أول ] الوقت بأن يشتغل بأسباب الصلاة إذا دخل الوقت ، قال في التلخيص ، ويقرب منه قول المجد : قدر الطهارة ، والسعي إلى الجماعة ، ونحو ذلك .
( الثاني ) ( أبردوا بالصلاة ) أي أخّروها عن ذلك الوقت ، وأدخلوها في وقت البرد ، وهو الزمن الذي ينكسر فيه الحر ، فيوجد فيه برود [ ما ] يقال : أبرد الرجل أي صار في برد النهار ( فيح جهنم ) شدة حرها ، وشدة غليانها ، يقال : فاحت القدر تفيح إذا هاجت وغلت . وقوله : والشمس حية . وقال غيره : حياتها بقاء حرها ( والعوالي ) فسرها مالك بثلاثة أميال من المدينة ، وقال غيره : هي مفترقة ، فأدناها ميلان ، وأبعدها ثمانية أميال ، والله أعلم .
قال : وإذا طهرت الحائض ، وأسلم الكافر ، وبلغ الصبي ، قبل أن تغرب الشمس صلوا الظهر والعصر ، وإن بلغ الصبي ، وأسلم الكافر وطهرت الحائض قبل أن يطلع الفجر صلوا المغرب وعشاء الآخرة .
ش : إذا أدرك واحد من هؤلاء من وقت صلاة قدر تكبيرة وجبت تلك الصلاة لما تقدم من حديث أبي هريرة ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) ( ومن أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس ) الحديث والصلاة التي قبلها إن كانت تجمع إليها .
387 لما روي عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنهما قالا : إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس صلت الظهر والعصر ، وإذا رأت الطهر قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء . رواه أحمد وغيره . وعن أبي هريرة : إذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء . رواه حرب وكذلك رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف ، ولم يعرف لهم مخالف ، وقد روى البيهقي في سننه عن أبي الزناد [ قال ] : كان من أدركت من فقهائنا يقولون فذكر أحكاماً وفيها : والذي يغمى عليه فيفيق قبل الغروب ، يصلي الظهر والعصر ، فإن أفاق قبل طلوع الفجر صلى الفجر صلى المغرب والعشاء ، قالوا : وكذلك تفعل الحائض إذا طهرت قبل الغروب ، أو قبل طلوع الفجر ولأن الشارع نزل وقتي المجموعتين حال العذر وهو الجمع منزلة الوقت الواحد ، وما نحن فيه أقوى الأعذار ، وحكم المجنون يفيق حكم من تقدم ، ويحصل الوجوب بإدراك قدر تكبيرة كما تقدم ، ولا يشترط ركعة ، ولا زمن يتسع للطهارة ، نص عليه .
ومقتضى كلام الخرقي أن الصلاة لا تجب ( على حائض ) ، وهو إجماع ، ولا ( على كافر ) أصلي أو غيره ، أو الأصلي فواضح ، إذ لا يجب عليه الأداء في حال كفره ، ولا يجوز له إلا إن أتى بالشرط ، و [ لا ] القضاء إذا أسلم اتفاقاً ، ومعنى خطابه بالفروع زيادة العقاب على ذلك في الآخرة ، أو كون ذلك وسيلة إلى إسلامه ، إذا كان ممن يصح منه فعله في حال كفره ، كما لو أعتق ونحو ذلك ، أو حصول الثواب له إذا أسلم ، وأما غيره فهل تجب عليه العبادات في حال ردته فتنتفي هذه المسألة ، لأنه إذاً لم يتجدد عليه وجوب بالإِدراك بل الوجوب موجود من أول الوقت .
( والثانية ) وهي ظاهر كلام الخرقي لا ، وعليها تجيء هذه المسألة . اه ، ( ولا على ) صبي مطلقاً ، وهو المذهب . ( وعنه ) تجب على من بلغ عشرا ، وسيأتي [ ذلك ] إن شاء الله تعالى . وعلى هذا أيضاً تنتفي هذه المسألة ، والله أعلم .
قال : والمغمى عليه يقضي جميع الصلوات التي كانت [ عليه ] في إغمائه [ والله أعلم ] .
ش : لأن الصلاة عبادة ، فلا تسقط بالإِغماء كسائر العبادات ، وذلك لأن الإغماء لا ينقطع التكليف به ، بدليل جوازه على الأنبياء .
387 م وقد روي أن عماراً [ رضي الله عنه ] غشي عليه أياما لا يصلي ، ثم استفاق بعد ثلاث فقال : هل صليت ؟ فقالوا : ما صليت منذ ثلاث . فقال : أَعطوني وضوءاً فتوضأ ثم صلى تلك الليلة .
388 وعن سمرة بن جندب [ رضي الله عنه ] قال : المغمى عليه يترك الصلاة ، يصلي مع كل صلاة مثلها . قال : قال عمران : ولكن يصليهن جميعاً . رواهما الأثرم ورواه البيقي عن عمار ولفظه : أنه أغمي عليه في الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، فأفاق نصف الليل ، فصلى الأربع .
389 وما روي عن رسول الله [ ] في الرجل يغمى عليه ، فيترك الصلاة اليومين والثلاثة ، قال : ( ليس لشيء من ذلك قضاء إلا أن يغمى عليه في صلاته فيفيق وهو فيها فيصليها ) .
ويدخل في كلام الخرقي [ رحمه الله ] الإغماء بتناول المباح ، وهو الصحيح من الوجوه ( والثاني ) لا قضاء عليه فتفوت مصلحته ( والثالث ) إن تطاول الإغماء والحال ما تقدم أسقط القضاء قياساً على الجنون ، وإلا لم يسقط ، ولا إشكال أن زوال العقل بمرض أو سكر لا يسقط القضاء . نعم قيل بسقوط القضاء مع سكر بشرط الإِكراه .
وهذا كله على المذهب المقطوع به ، من أن المجنون لا قضاء عليه .
390 اعتماداً على قوله : ( رفع القلم عن ثلاثة ) الحديث ، أما إن قيل بوجوب القضاء عليه على رواية حنبل الضعيفة فإن من تقدم يجب عليه القضاء بلا ريب ، والله أعلم .
باب الأذان

ش : الأذان في اللغة هو الإِعلام ، ومنه قوله تعالى : { وأذان من الله ورسوله } أي وإعلام ، وأصله من الأذن وهو الاستماع ، فإنه يلقي في آذان الناس بصوته ما إذا سمعوه علموا أنهم تدبوا لذلك . و [ هو ] في الشرع : إعلام بدخول وقت الصلاة ، بذكر مخصوص ، [ في وقت مخصوص ] ، من شخص مخصوص ، ويحصل به أيضاً الإِعلام بالدعاء إلى الجماعة [ و ] بإظهار شعائر الإِسلام ، ويطلق على الإِقامة أيضاً ، لأنها إعلام بإقامة الصلاة .
391 والأصل فيه ما روى محمد بن محمد بن إسحاق ، من حديث محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، حدثني أبي ، قال : لما أمر رسول الله [ ] بالناقوس ، يعمل ليضرب به للناس في الجمع للصلاة ، أطاف [ بي ] وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده ، فقلت له : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ فقلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ قلت : بلى . قال : تقول : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله . ثم استأخر غير بعيد ، قال : ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . فلما أصبحت أتيت رسول الله فأخبرته ما رأيت ، فقال : ( إنها لرؤيا حق إن شاء الله ، فقم مع بلال ، فألق عليه ما رأيت ، فليؤذن به ، فإنه أندى صوتا منك ) فقمت مع بلال ، فجعلت ألقيه عليه وهو يؤذن به ، فسمع ذلك عمر وهو في بيته ، فخرج يجر رداءه ويقول : والذي يعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل ما رأى . فقال رسول الله [ ] ( فلله الحمد ) رواه أحمد ، وأبو داود ، وفي رواية كرر التكبير أربعاً ، قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا يعني حديث محمد بن إبراهيم التيمي فقال : هو عندي صحيح . وقال محمد بن يحيى الذهلي : ليس في أخبار عبد الله بن زيد في الأذان خبر أصح من هذا .
392 وفي الصحيح عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] ، قال : كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ، فيتحينون الصلاة ، وليس ينادي لها أحد ، فتكلموا يوماً في ذلك فقال بعضهم : نتخذ ناقوساً ، مثل ناقوس النصاري ، وقال بعضهم : بل قرنا مثل قرن اليهود ، فقال عمر : أفلا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة ؟ فقال رسول الله [ ] ( يا بلال قم فناد بالصلاة ) متفق عليه .
393 وروى البيهقي في سننه عن أنس ، قال : كانت الصلاة إذا حضرت على عهد رسول الله [ ] سعى رجل في الطريق ، فنادى ) الصلاة ، الصلاة . فاشتد ذلك على الناس ، فقالوا 19 ( اتخذنا ناقوساً يا رسول الله ، فقال : ( ذلك للنصارى ) فقالوا : لو اتخذنا بوقا . قال : ( ذلك لليهود ) قال : فأمر بلالًا أن يشفع الأذان ويوتر الإِقامة . اه . وبهذا يحصل الجمع بين حديثي ابن زيد ، وابن عمر ، بأن يكون النداء الأول : الصلاة الصلاة . ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان ، فأمر بلال أن يؤذن به ، واستقر العمل عليه .
( تنبيه ) ( يتحينون ) يعني يقدرون أحياناً ، ليأتوا إليها فيها ، والحين الوقت والزمان ، والله أعلم .
قال : ويذهب أبو عبد الله [ رحمه الله ] إلى أذان بلال [ رضي الله عنه ] وهو : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .
ش : هذا هو المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين لما تقدم ، إذا هو الذي كان يفعل بحضرته حضراً وسفراً ، وعليه عمل أهل المدينة ، قال الأِمام أحمد : [ رحمه الله ] هو آخر الأمرين ، وكان بالمدينة ، وقيل [ له ] : إن أذان أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد ، لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة . فقال : أليس قد رجع النبي إلى المدينة ، فأقر بلالًا على أذان عبد الله بن زيد ؟ .
ونقل عنه حنبل : أذان أبي محذورة أعجب إلي ، وعليه عمل أهل مكة إلى اليوم ، وأذان أبي محذورة يرجع فيعيد الشهادتين بعد ذكرهما ، بصوت أرفع من الصوت الأول .
394 قال أبو محذورة : إن رسول الله [ ] علمه الأذان تسع عشرة كلمة ، والإِقامة سبع عشر كلمة ، رواه الخمسة وصححه الترمذي ، وفي لفظ : ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله [ أشهد أن محمداً رسول الله ، تخفض بها صوتك ، ثم ترفع صوتك : أشهد أن لا إله إلا الله ، مرتين ، أشهد أن محمداً رسول الله ] والخلاف في الاختيار ، ولا خلاف في جواز الأمرين من غير كراهة ، ) 19 ( على المذهب المعروف ، وحكي عنه كراهة الترجيع والله أعلم .
قال : والإِقامة : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمداً رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .
ش : لما تقدم من حديث عبد الله بن زيد ، وقد تقدم ما يقتضي ترجيحه .
395 وفي الصحيحين عن أنس بن مالك [ رضي الله عنه ] قال : أمر بلال أن يشف الأذان ، ويوتر الإِقامة ، وإن ثنى الإِقامة فلا بأس ، لما تقدم من حديث أبي محذورة ، والله أعلم .
قال : ويترسل في الأذان ، ويحدر الإِقامة .
ش : الترسل التمهل والتبين ، والإِحدار الإِسراع .
396 وقد جاء ذلك من حديث جابر [ رضي الله عنه ] ، أن رسول الله [ ] قال لبلال : ( إذا أذنت فترسل ، وإذا أقمت فاحدر ) مختصر ، رواه الترمذي وقال : إسناده مجهول .
والبيهقي من رواية أبي هريرة وقال : إسناده مظلم .
397 وعن علي [ رضي الله عنه ] قال : كان رسول الله [ ] يأمرنا أن نرتل الأذان ، ونحذف الأِقامة . رواه الدارقطني .
398 وروى أيضاً هو والبيهقي عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس قال : جاء عمر بن الخطاب فقال : إذا أذنت فترسل ، وإذا أقمت فاحدر . وفي رواية فاحذم قال الأصمعي : الحذم قطع التطويل . وقد استنبط الشافعي رحمه الله من مطلوبية رفع الصوت في الأذان كما قد ثبت في الصحيح ترتيل الأذان . والله أعلم .
قال : ويقول في أذان الصبح : الصلاة خير من النوم . مرتين .
399 ش : في رواية لأحمد وأبي داود في حديث عبد الله بن زيد : قال : ثم أمر بالتأذين ، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ، ويدعو رسول الله [ إلى الصلاة ] . قال : قد فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر ، فقيل له : إن رسول الله [ ] نائم . [ قال ] : فصرخ بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم . قال سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر .
400 وعن أنس قال : من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر : حي على الفلاح . قال الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله . رواه البيهقي في سننه ، وقال : إسناده صحيح . وموضع ذلك بعد : حي على الفلاح . كما في حديث أنس ، ولما يأتي في حديث أبي محذورة وهذا والذي قبله على سبيل الإِستحباب ، ولهذا قال الخرفي [ بعد ] : وإن أذن لغير الفجر قبل دخول الوقت أعاد . ) 19 ( وقيل بالوجوب في التثويب .
401 لأن في حديث أبي محذورة : أنه علم الأذان وفيه كان في الصبح فقل بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم وهذا أمر اه وتخصيص الخرقي ذلك بالصبح يقتضي أنه لا يطلب في غيره ، وهو كذلك .
402 لما روي عن بلال قال : أمرني رسول الله [ ] أن لا أثوب إلاا في الفجر . رواه أحمد وابن ماجه ، وفيه إرسال قاله البيهقي .
403 وعن مجاهد : كنت مع ابن عمر ، فثوب رجل في الظهر أو العصر ، قال : أخرج بنا فإنها بدعة . رواه أبو داود ، والله أعلم .
قال : وإن أذن لغيره الفجر قبل دخول الوقت أعاد [ إذا دخل الوقت ] .
ش : لا يعتد بالأذان قبل دخول الوقت لغير الفجر ، على المذهب المعروف ، لفوات المقصود منه ، وهو الإِعلام بدخول الوقت ، ولما في ذلك من التغرير الممنوع منه شرعاً ، ومخالفته الأمر النبي [ ] ، وما كان عليه .
404 ففي الصحيحين عن مالك بن الحويرث ، قال : أتيت النبي [ ] في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليل ، وكان بنا [ برا ] رحيماً رفيقاً ، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال : ( ارجعوا فكونوا فيهم ، وعلموهم ، وصلوا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم ) .
505 وفي صحيح مسلم ، عن جابر بن سمرة [ رضي الله عنه ] قال : كان بلال يؤذن إذا دحضت ، ثم لا يقيم حتى يرى النبي [ ] فإذا رآه أقام حين يراه وفي الرعاية حكاية رواية بالكراهة وظاهرها مع الاعتداد [ به ] وليست بشيء ، لإِطباق الناس على خلافها . اه ويعتد بالأذان للفجر قبل دخول وقتها على المذهب .
406 لما في الصحيحين وغيرهما ، عن ابن عمر وعائشة [ رضي الله عنهما ] ، أن النبي [ ] قال : ( إن بلالًا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) .
407 وعن ابن مسعود [ رضي الله عنه ] أن رسول الله [ ] قال : ( لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره ، فإن يؤذن أو قال : ينادي بليل ، ليرجع قائمكم ويوقط نائمكم ) متفق عليه أيضاً . وفيه إشارة إلى علة اختصاص الفجر بذلك ، وهو قيام النائم ليقضي حاجته ، فيأتي الصلاة في أول الوقت ، ورجوع القائم ليأتي بالعبادة على وجه النشاط . وقاس الشيرازي على الصبح الجمعة ، فأجاز الأذان لهاع قبل وقتها ليدركها من منزله فيه بعد ونحو ذلك ، وهو أجود من قول [ ابن ] حمدان : وقيل : وللجمعة قبل الزوال . لعموم الأول . واستثنى ابن عبدوس مع الفجر الصلاة المجموعة ، ) 19 ( وليس بشيء لأن الوقتين صار وقتاً واحداً ( وعنه ) رواية بالمنع في التأذين قبل الوقت بالفجر أيضاً ، فغيرها أحرى .
408 لما روى عن ابن عمر ، أن بلالًا أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي [ ] أن يرجع فينادي ( ألا إن العبد نام ، ألا إن العبد نام ) ثلاثاً ، فرجع فنادى : ألا إن العبد نام . رواه أبو داود لكن قال ابن المديني : إنه غير محفوظ ، أخطأ فيه حماد . وقال محمد بن يحيى الذهلي : خبر حماد شاذ ، غير واقع على القلب ، [ هو ] خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر .
فعل المذهب شرط الإعتداد بالأذان للفجر قبل وقتها أن يكون بعد منتصف [ الليل ] قال طائفة من الأصحاب ، لأن قبل النصف وقت يختص بالعشاء اختصاصاً كلياً ، لكونه وقتها المختار ، وما بعده بخلافه ، والخرقي وجماعة من الأصحاب لم يقيدوا على ذلك ، فيحتمل أنهم أحالوا على العادة . ولا إشكال أنه لا يستحب تقدم ذلك على الوقت كثيراً ، قاله الشيخ وغيرهما .
409 لأن في الصحيح من حديث عائشة : قال القاسم الراوي عنها : لم [ يكن ] بين أذانهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا .
410 وفي حديث رواه الطيالسي وغيره قال : فكنا نحتبس ابن أم مكتوم عن الأذان ، ونقول : كما أنت حتى نتسحر ، كما أنت حتى نتسحر . ولم يكن بين أذانهم إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا . ومن ثم قال البيقهي رحمه الله : [ مجموع ] ما روي في تقديم الأذان قبل الفجر إنما هو يزمن يسير ، لعله لا [ يبلغ ] مقدار قراءة الواقعة ، بل أقل منها ، ففضيلة التقديم بهذا ، لا بأكثر ، وأما ما يفعل في زماننا من الأذان للفجر من الثث الأخير ، فخلاف السنة ، إن سلم جوازه ، ويستحب لمن أذّن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت ، لقضية النص ، وأن يتخذ ذلك عادة ، لئلا يغر الناس ، وفي الكافي ما يقتضي اشتراط ذلك . اه .
إذا تقرر أنه يعتد بالأذان للفجر قبل وقتها ، ولا يعتد بالأذان لغيرها قبل الوقت على المذهب فيهما ، فهل يجوز ذلك أم لا ، أما الغير الفجر فلا يجوز ذلك ، على المعروف من الروايات ، وقد تقدم حكاية رواية بالكراهة ، وظاهرها مع الجواز ، وحكي رواية بالكراهة ، وظاهرها مع الجواز ، وحكي رواية ثالثة بالكراهة إلا أن يعيده بعد الوقت ، وأما للفجر فهل يباح ذلك أو يسن ؟ على قولين ، ثم هل ذلك في جميع السنة ، أو يستثنى من ذلك رمضان ، فيكره الأذان فيه قبل الفجر ، حذاراً من منع كثير من الناس من السحور ، ولعدم معرفتهم بالوقت ، واعتمادهم على الأذان ؟ فيه روايتان ، أشهرهما عند الأصحاب الثاني ، ) 19 ( وعليه هل ذلك مطلقاً ، أو إذا لم تجر عادة بذلك ، نظراً للمعنى المتقدم ، وحذاراً من تعطيل السنة الصريحة ، لورودها بذلك ، وهو قول أبي البركات ؟ فيه قولان .
( تنبيه ) الوقت منوط بنظر المؤذن ، والإِقامة وقتها منوط بنظر الإِمام والله أعلم .
قال : ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا ظاهراً ، فإن أذن جنباً أعاد .
ش : المستحب أن يؤذن ويقيم وهو طاهر من الحدثين .
411 لما روي عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] أن النبي [ ] قال : ( لا يؤذن إلا متوضيء ) رواه الترمذي ، والبيهقي ، مرفوعاً موقوفاً على أبي هريرة ، وصححاً الموقوف ، لأنه ذكر ، فاستحبت له الطهارة ، كبفية الأذكار ، فإن أذن أو أقام محدثاً أجزأ .
412 قال النخعي : كانوا لا يرون بأس أن يؤذن الرجل على غير وضوء . ذكره البيهقي لكن يكره ذلك في الإِقامة دون الأذان ، نص عليه ، وكرهه صاحب التلخيص ، والسامري فيهما لكن الكراهة في الإقامة أشد . وإن أذن جنبا ( فعنه ) كما حكاه جماعة من الأصحاب ، واختاره الخرقي ، وابن عبدوس لا يعتد به فيعاد ، لأنه ذكر يختص فاعله أن يكون من أهل القرب ، فلم يعتد به من الجنب كالقراءة ( وعنه ) وهو اختيار الأكثرين ، ومنصوصه في رواية حرب يعتد به ، إذ العمومات الواردة في الأذان لم يرد في شيء منها اعتبار الطهارة من الجنابة ، ولأنه أحد الحدثين فأشبه الآخر . فعلى هذا إن كان أذانه في مسجد ، فإن كان مع جواز اللبث فيه ، إما بوضوء على المذهب ، أو بجبس ونحو ذلك صح ، ومع تحريم اللبث فيه هو كالأذان والزكاة في موضع غصب ، وفي ذلك قولان ، المذهب منهما عند أبي البركات وطائفة صحته لعدم اشتراطه البقعة له ، والمذهب عند ابن عقيل في التذكرة البطلان ، وهو مقتضى قول ابن عبدوس ، وغالى فقطع باشتراط الطهارة له ، كمكان الصلاة والله [ سبحانه ] أعلم .
قال : ومن صلى [ صلاة ] بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك ، ولا يعيد .
ش : أما كراهة ذلك فلأنه خلاف فعل النبي وأصحابه ، وأما عدم إعادة الصلاة .
413 فلما روي عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : سئل النبي [ ] عن رجل سهى عن الأذان والأِقامة قال : ( إن الله يتجاوز لأمتي [ عن ] الخطأ والنسيان ) .
414 وعن معاذ بن جبل أنه قيل له رجل نسي الإِقامة والأذان قال : مضت صلاته ، ليس الإِقامة والأذان من فروض الصلاة ، إنما هو من فضل يوجد به ، وشيء يدعى إليه . ورواهما حرب بإسناده . ) 19 (
415 وفي مسلم أنه صلى بعلقمة والأسود في داره ، بغير أذان ولا إقامة .
416 وقد استنبط الشافعي [ رحمه الله ] ذلك من الحديث الصحيح ( إذا أقيمت الصلاة فامشوا وعليكم السكينة ، فصلوا ما أدركتم ، واقضوا ما فاتكم ) قال : فمن أدرك آخر الصلاة فقد فاته أن يحضر أذانا وإقامة ، مع أنه لم يؤذن لنفسه ، ولم يقم ، قال ؛ ولم أعلم مخالفاً أنه إذا جاء المسجد [ وقد خرج الإِمام من الصلاة ] كان له أن يصلي بلا أذان ولا إقامة .
هذا من حيث الجملة ، أما من حيث التفصيل فقول الخرقي : ( ومن ) عام أريد به خاص ، وهو الرجال ، لعدم مشروعية الأذان والإِقامة للنساء ، على المشهور من الروايات فضلًا عن كراهة تركهما منهن .
417 لما روي عن أسماء [ رضي الله عنها ] قالت : قال رسول الله [ ] : ( ليس على النساء أذان ، ولا إقامة ، ولا جمعة ، ولا اغتسال جمعة ، ولا تتقدمهن امرأة ، ولكن تقوم في وسطهن ) رواه البيهقي في سننه وضعفه ، [ قال : ورويناه أيضاً في الأذان والإِقامة عن أنس مرفوعاً ولم يصح ، بل الأشبه موقوف على أنس ] اه .
418 كذلك يروى عن ابن عمر [ وابن عباس ] وعن علي : المرأة لا تؤم ، ولا تؤذن ، ولا تنكح ، ولا تشهد النكاح . وقال حرب : قال إسحاق : مضت السنة من النبي [ ] أنه ليس على النساء أذان ، ولا إقامة في حضر ولا سفر .
( والثانية ) : إن أذّنّ وأقمن فلا بأس ، وإن لم يفعلن فجائز .
419 لما روى الشافعي في مسنده عن عائشة [ رضي الله عنها ] أنها كانت تؤذن ، وتقيم وتؤم النساء ، وتقوم وسطهن .
( والثالثة ) : يستحب لهن الأِقامة ، ويروى عن جابر [ رضي الله عنه ] وحيث شرع ذلك للمرأة فإنها تخفض صوتها ، وحكم الخنثى مثلها ( اه ) .
وقوله : ومن صلى صلاة . يريد [ به ] نوعاً من الصلاة ، وهي صلاة الخمس ، لأن الأذان لا يشرع لغيرهن ، نعم كلام ابن حمدان كما سيأتي يقتضي مشروعيته للمنذورة ، تشبيها لها بالواجب بأصل الشرع ، وصرح الشيرازي وهو ظاهر كلام غيره أنه لا يشرع لها .
ويسن أن ينادي للعيد ، والكسوف ، والاستسقاء ( الصلاة جامعة ) على المذهب المعروف .
420 لثبوت ذلك في الكسوف ، ووروده مرسلًا في العيد والاستسقاء ، في معناهما . وألحق القاضي بهن التراويح ، والمنصوص أنه لا ينادي لها أصلًا ، كصلاة الجنازة [ على المعروف ] اه .
وقوله : كرهنا له ذلك . قد يؤخذ منه أن الأذان والإِقامة سنان ، ) 19 ( سنة في السفر ، والحضر ، لإِطلاقه الكراهة على تاركها ، والظاهر أن مراده كراهة تنزيه ، لما تقدم من أن تاركهما لا يعيد الصلاة ، ولأنه دعاء إلى الصلاة فلم يجب ، كقوله : ( الصلاة جامعة ) وهذا إحدى الروايات .
( والثانية ) : وهي المشهورة وعليها أكثر الأصحاب أنهما سنتان للمسافرين .
421 لما ذكره ابن المنذر ، والبيهقي عن علي [ رضي الله عنه ] في المسافر : إن شاء أذن وأقام ، وإن شاء أقام .
422 وعن ابن عمر أنه كان لا يزيد على الأِقامة في السفر في صلاة ، إلا في صلاة الصبح ، ويقول : إنما الأذان للأِمام الذي يجتمع إليه الناس . رواه مالك في موطئه ، وسعيد في سننه ، فرضاً كفاية على المقيمين ، لما تقدم من حديث [ مالك ] بن الحويرث ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ، وليؤمكم أكبركم ) .
423 وعن أبي الدرداء [ رضي الله عنه ] : سمعت رسول الله [ ] يقول : ( ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ، ولا تقام فيها الصلاة ، إلا استحوذ عليه الشيطان ) ورواه أحمد .
( والثالثة ) : وهو ظاهر إطلاق طائقة من الأصحاب أنهما فرض كفاية مطلقاً ، لأنهما من أعلام الدين الظاهر فأشبها الجهاد .
424 وفي الصحيح عن مالك بن الحويرث قال : أنيت النبي [ ] أنا وابن عم لي ، فقال : ( إذا سافرتما فأذنا ، وأقيما ، وليؤمكما أكبركم ) ولا نزاع فيما نعلمه في وجوبهما للجمعة ، لاشتراط الجماعة لها ، فكذلك النداء لها ، ولا في أنهما ليسا بشرط لصحة الصلاة كما تقدم . ( واختلف ) إذا قيل بفرضيتهما هل يجري ذلك في القضاء والمنفرد ، والمنذورة ؟ فيه وجهان ، حكاهما ابن حمدان . ثم إذا قيل بالفرضية فاتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الأِمام ، وإذا قام بهما من يحصل به الإِعلام غالباً أجزأ عن الكل ، وإن كان واحداً ، قلت : وينبغي أن يأثم أهل البلد كلهم إن تركوهما . اه .
وقول الخرقي : ومن صلى صلاة بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك . يشمل حالتي الحضر والسفر ، والجماعة والأنفراد ، والمؤداة والمقضية ، وغير ذلك وقد استثنى من ذلك أبو محمد ما إذا دخل مسجداً قد صلى فيه ، فإنه يخير إن شاء أذن وأقام ، وإن شاء تركهما من غير كراهة ، وحكى ابن حمدان ذلك قولا . ثم إن الخرقي [ رحمه الله ] إنما حكم بالكراهة على من تركهما ، فلو أتى بأحدهما فهو مسكوت عنه في كلامه ، وقد صرح أبو البركات بأن المنفرد والمسافر إذا اقتصرا على الإِقامة من غير أذان فإنه يجوز من غير كراهة ، ونص عليه أحمد اه . ) 19 ( وكذلك الثانية من المجموعتين ، وما عدا الأولى من المقضيات ، إن شاء أذن لها ، وإن شاء لم يؤذن ، بل صرح ابن عقيل ، والشيرازي بأنه لا يشرع أذان والحال هذه ، ويقتصر على الإِقامة ، والله أعلم .
قال : ويجعل أصابعه مضمومة على أذنيه .
ش : نقل ابن بطة أنه سأل الخرقي عن صفة ذلك فضم أصابعه على راحتيه ، ثم جعلهما على أذنيه ، وهذا إحدى الروايات واختيار ابن عبدوس ، وابن البنا ، وصاحب البلغة فيها .
425 لأن ذلك يروي عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] .
( والثانية ) : يجعل أصابعه مضمومة ، مبسوطة على أذنيه .
426 لأن ذلك يروي عن أبي محذورة ، حكاه عنه أحمد .
( والثالثة ) : وهي اختيار ابن عقيل ، والشيخين يجعلهما في أذنيه .
427 لما روى أبو جحيف قال : رأيت بلالًا يؤذن ، وإصبعاه في أذنيه ، ورسوله الله [ ] في قبة له حمراء . رواه [ أحمد ] ، والترمذي وصححه .
428 وعن عبد الرحمن بن سعد ، عن أبيه عن جده ، أن رسول الله [ ] أمر بلالًا أن يدخل أصبعيه في أذنيه . رواه البيهقي في سننه ، والله أعلم .
قال : ويدير وجهه عن يمينه إذا قال : حي على الصلاة . وعن يساره إذا قال : حي على الفلاح ، ولا يزيل قدميه .
429 ش روي أبو جحيفة [ رضي الله عنه ] قال : أتيت النبي [ ] وهو في قبه له حمراء من أدم ، فخرج وتوضأ ، فأذن بلال ، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا ، يقول : يميناً وشمالًا : حي على الصلاة ، حي على الفلاح . متفق عليه ، وفي رواية أبي داود : لوى عنقه يميناً وشمالًا ولا يستدر ، وكلام الخرقي يشمل الأذان في المنارة وغيرها ، وهو إحدى الروايتين ، ( والثانية ) : له أن يدور في المنارة الواسعة ، والصومعة الكبيرة ونحو ذلك ، لأنه أبلغ في سماع الصوت ، وهو المقصود الأصلي بالأذان .
430 وقد روى البيهقي في سننه ، بسنده في حديث أبي جحيفة ، أن بلالًا استدار ، لكنه من رواية الحجاج بن أرطاة ، ولا يحتج به ، على أنه يحمل على أنه أراد بالاستدارة التفاته ، توفيقاً بين ألفاظ الحديث ، والله أعلم .
قال : ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول .
431 ش : في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] ، قال : قال رسول لله [ ] ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول [ المؤذن ] ويجعل موضع الحيعلة الحولقة ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) قاله غير واحد من الأصحاب .
432 لما روى عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله [ ] : ) 19 ( ( إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله . قال أشهد أن لا إله إلا الله . [ ثم ] قال : أشهد أن محمداً رسول الله . قال أشهد أن محمداً رسول الله . ثم قال : حي على الصلاة . قال : لا حولا ولا قوة إلا بالله . ثم قال حي على الفلاح . قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . ثم قال : الله أكبر ، [ الله أكبر ] . قال : الله أكبر [ الله أكبر ] . ثم قال : لا إله إلا الله . قال : لا إله إلا الله . من قبله دخل الجنة ) رواه أحمد ، ومسلم وأبو داود .
433 ونحوه روي من حديث معاذ ، ورافع بن خديج [ رضي الله عنهما ] وقال بعض الأصحاب يجمع [ بين ] الحولقة والحيعلة ، ليأتي بمجموع الأحاديث ، والأول المذهب .
( تنبيه ) يقول في الإِقامة : أقامها الله وأدامها . اتباعاً .
434 لما في سنن أبي داود ، أن بلالًا أخذ في الإِقامة ، فلما قال : قد مامت الصلاة . قال النبي [ ] ( أقامها الله وأدامها ) قال بعض الأصحاب : ويقول في التثويب : صدقت وبزرت . قياساً على ما تقدم ، ويسن جمع ذلك للمئذن خفية ، وكذلك غير المؤذن يخفيه . والله سبحانه أعلم .
باب استقبال القبلة

ش : استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة في الجملة ، لقول الله سبحانه : { قد نرى تقلب وجهك في السماء ، فلنولينك قبلة ترضاها ، فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } أي نحوه .
435 وعن أنس [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله [ ] : ( من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم ، له ذمة الله ، وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته ) رواه البخاري والله أعلم .
قال : وإذا اشتد الخوف وهو مطلوب ابتدأ الصلاة إلى القبلة ، وصلى إلى غيرها راجلًا أو راكباً ، يوميء إيماء على قدر الطاقة [ ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ] .
ش : استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة كما تقدم ، إلا في موضعين ( أحدهما ) : حال المسايفة وهو حال اشتداد الخوف ، وما في معناه كالخوف من سبع أو سيل ، أو هرب مباح من عدو ، ونحو ذلك ، فله أن يصلي على قدر طاقته راجلًا أو راكباً ، إلى القبلة إن أمكن ، وإلى غيرها إن عجز ، بركوع وسجود مع القدرة ، وبالإِيماء مع عدمها ، على قدر الطاقة ، ليأتي بما استطاع ، وإن عجز عن الأيماء سقط ، وإن احتاج إلى الكر والفر ، والضرب والطعن فعل ، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ، لقول الله تعالى : 19 ( { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ) .
436 وعن نافع ابن عمر ، أنه كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ، ثم قال : فإن كان خوف [ هو ] أشد من ذلك صلوا رجالًا ، قياماً على أقدامهم ، مستقبلي القبلة وغير مستقبلها . قال نافع : ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله . رواه البخاري وعن أحمد رواية أخرى بالتخيير بين الفعل والتأخير إلى الأمن وإن خرج الوقت .
437 لما في الصحيحين عن ابن عمر ، عن النبي [ ] أنه قال : ( لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة ) فصلى قوم في الطريق ، وقالوا : لم يرد بنا تفويت الصلاة ، وأخر قوم الصلاة ، حتى وصلوا إلى بني قريظة وقد فاتتهم الصلاة ، فلم يعب النبي [ ] واحدة من الطائفتين وجه ذلك أن النبي [ ] أقرهم على التأخير ، لمصلحة الجهاد . وأظن عن أحمد رواية أخرى بالتأخير .
استدلالًا بتأخير النبي [ ] يوم الخندق ، والمذهب الأول ، وما تقدم قيل : منسوخ بقوله تعالى : 19 ( { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } ) ونحوه ، ( وعلى الأول ) ظاهر كلام الخرقي أنه يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة إن أمكنه ذلك ، وهو إحدى الروايتين .
439 لما روى أنس بن مالك [ رضي الله عنه ] ، قال : كان رسول الله [ ] إذا أراد أن يصلي على راحلته تطوعاً ، استقبل القبلة ، فكبر للصلاة ، ثم خلى عن راحلته ، فيصلي حيث [ ما ] توجهت به . رواه أحمد ، وأبو داود ( والثانية ) لا يلزمه ، اختارها أبو بكر ، لأنه جزء من أجزاء الصلاة ، أشبه بقية أجزائها ، والله أعلم .
قال : وسواء كان مطلوباً أو طالباً يخشى فوات العدو ، وعن أبي عبد الله [ رحمه الله ] رواية أخرى أنه إذا كان طالباً فلا يجزئه أن يصلي إلا صلاة أمن .
ش : حكم الطالب لعدو يخشى فواته حكم المطلوب في إحدى الروايتين ، لأن فوات الكافر ربما أدى إلى ضرر عظيم ، فأشبه المطلوب .
440 وعن عبد الله بن أنيس قال : يعثني رسول الله [ ] إلى خالد بن سفيان الهذلي ، وكان نحو عرفة أو عرفات ، قال : ( اذهب فاقتله ) فرأيته وحضرت الصلاة ، فقلت : إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة ، فانطلقت أمشي وأنا أصلي أوميء إيماء ، فلما دنوت منه قال [ لي ] : من أنت ؟ قلت : رجل من العرب ، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل ، فجئتك لذلك [ فقال ] : إني لعلى ذلك . فمشيت معه ساعة ، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد . والظاهر أنه أخبر النبي ، أو علم جواز ذلك والرواية ( الثانية ) : واختارها القاضي لا يجوز له أن يصلي إلا صلاة أمن ، لأن الله تعالى شرط لهذه الصلاة الخوف ، وهذا ليس بخائف . والله أعلم .
قال : وله أن يتطوع في السفر على الراحلة ، على ما وصفنا من صلاة الخوف .
ش : هذه الحالة الثانية [ التي ] لا يشترط لها الاستقبال ، وهي التطوع في السفر [ في الجملة ] بالإِجماع .
441 وسنده ما روى ابن عمر [ رضي الله عنه ] أن النبي [ ] كان يسبح على [ ظهر ] راحلته ، حيث كان وجهه ، يوميء برأسه ، وكان ابن عمر يفعله ، وفي رواية : وكان يوتر على بعيره . ولمسلم : غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة . متفق عليه ، وقال تعالى : 19 ( { والله المشرق والمغرب ، فأينما تولوا فثم وجه الله } ) .
442 قال ابن عمر : نزلت في التطوع في السفر . رواه مسلم وغيره .
إذا تقرر هذا فكلام الخرقي يشمل قصير السفر وطويله ، وهو صحيح ، لعموم ما تقدم . وظاهر كلامه اختصاص الحكم بالمسافر ، وهو المذهب من الروايتين ، لما تقدم من الآية الكريمة . و ( قد ) قال ابن عمر : إنها في السفر .
443 وعن أنس أن رسول الله كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ، ثم صلى حيث كان وجهه ركابه . رواه أحمد ، وأبو داود فقيد ذلك بالسفر . ( والرواية الثانية ) : يجوز ذلك للمقيم السائر في مصره ، لأنها رخصة تجوز في قصر السفر ، فشرعت في المصر ، كما التيمم ، وأكل الميتة .
وظاهر كلام الخرقي [ أيضاً ] أن الحكم يختص بمن هو على الراحلة ، فلا يجوز ذلك للماشي ، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد ، ونصبها أبو محمد للخلاف ، لأنه لم ينقل عن النبي [ ] أنه فعل ذلك إلا في حال الركوب ، وليس الماشي في معناه ، لاحتياجه إلى عمل كثير ، ويعضده عموم 19 ( { فول وجهك شطر المسجد الحرام } ) . ( والرواية الثانية ) : يجوز ذلك للماشي كالراكب ، وبها قطع أبو الخطاب في الهداية ، ونصبها أبو البركات ، لعموم { ولله المشرق والمغرب } الآية ، ولأنه مسافر سائر ، أشبه الراكب ، وعلى هذا يستقبل القبلة في الافتتاح ، وفي الركوع ، وفي السجود ، ويسجد بالأرض لتيسر ذلك عليه ، ويفعل ما عدا ذلك إلى جهة مسيره ، اختاره القاضي ، واختار أبو البركات والآمدي جواز الإِيمان بالكوع والسجود إلى جهة سيره ، دفعاً لمشقة التوجه ، يكررها في كل ركعة .
وحكم الصلاة في السفر حكم صلاة الخوف ، في أنه إن شق عليه استقبال القبلة كمن حمله مقطور ، أو من يعسر عليه الاستدارة بنفسه ، أو الركوع والسجود ، سقط ذلك عنه ، وأومأ كما تقدم .
444 قال جابر : بعثني النبي [ ] في حاجة ، فجئت وهو يصلي على راحلته ونحو الشرق ، السجود أخفض من الركوع . رواه أبو داود . وإن تيسر عليه الإِستقبال لزمه في ظار كلام الخوقي ، وبه قطع أبو الخطاب ، وقال أبو البركات : إنه ظاهر المذهب ، لما سبق من حديث أنس [ رضي الله عنه ] وخرج أبو محمد رواية بعد اللزوم ، من المسألة السابقة ، واختاره أبو بكر ، لما تقدم من أنه جزء من أجزائها ، أشبه بقيتها ، ثم يتم إلى جهة سيره ، لأنها قبلته ، وكذلك إن تيسر عليه الركوع والسجود على ظهر المركوب لزمه ذلك ، كما إذا تمكن من الاستقبال في جميع الصلاة ، كالراكب في المحفة الواسعة ونحو ذلك ، قال الآمدي : ويحتمل أن لا يلزم شيء في ذلك [ لأن ] الرخصة تعم ، والله أعلم .
قال : ولا يصلي في غير هاتين الحالتين فرضاً ولا نافلة إلا متوجها إلى الكعبة فإن كان يعاينها فبالصواب ، وإن كان غائباً عنها فبالاجتهاد بالصواب إلى جهتها .
ش : قد تقدم أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة إلا في الحالين السابقين ، ثم إن كان يعاينها ففرضه إصابة عينها ، لقدرته على ذلك ، فيحاذيها بجميع بدنه ، بحيث لا يخرج شيء منه عنها ، وحكم من كان بمسجد النبي [ ] حكم من كان بمكة ، لأن قبلته [ متيقنة ] الصحة وإن كان غائباً عن الكعبة [ أو عن مسجد الرسول [ ] ففرضه الاجتهاد إلى جهة الكعبة ] على المشهور من الروايتين ، واختاره الخراقي ، والشيخان وغيرهما .
445 لما روى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله [ ] : ( ما بني المشرق والمغرب قبلة ) رواه ابن ماجه ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
446 وصح عنه أنه قال : ( لا تستقبله القبلة بغائط ولا بول ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا أو غربوا ) وهذا يدل على أن ما بينهما قبلة ( والرواية الثانية ) : يجب الاجتهاد إلى عين الكعبة . اختاره أبو الخطاب في الهداية .
447 لما روي عن ابن عباس أن النبي [ ] دخل البيت ثم خرج ، فركع ركعتين في قبل الكعبة ، وقال : ( هذه القبلة ) متفق [ عليه ] فعل هذه الرواية من تيامن أو تياسر عن سو اجتهاده بطلت صلاته . وعلى الثانية لا يضر ذلك ما لم يخرج عنها .
ويستثنى في قوله : وإن كان غائباً [ عنها ] إذا كان بالقرب منها ، كمن بمكة أو قريب منها ، والحائل بينهما [ حادث ] ، كالدور ونحوها ، فإن فرضه [ تيقن ] إصابة عينها إما بنفسه ، كمن نشأ بمكة ، أو بخبر عالم بذلك كغيره ، والله أعلم .
قال : وإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه .
ش : لأن كلا منهما يعتقد خطأ الآخر ، أشبها العالمين المجتهدين في الحادثة إذا اختلفا ، ولذلك لا يجوز لمن يجتهد منهما اتباع من اجتهد ، نعم : إن ضاق الوقت ففيه وجهان . والله أعلم .
قال : ويتبع الأعمى [ والعامي ] أوثقهما في نفسه .
ش : هذا المذهب المشهور ، لأن الأوثق أقرب وأظهر إصابة في نظره ، ولا مشقة عليه في اتباعه ، وقد كلف الإِنسان في ذلك بغلبة ظنه ، وخرج [ بعض ] الأصحاب [ رواية ] بتقليد أيهما شاء ، بناء على تخيير العامي بين أحد المجتهدين ، وفرق أبو البركات بأن لزوم تقليد الأعلم يفضي إلى كلفة ومشقة ، بخلاف ما تقدم ، ومتى أمكن [ الأعمى ] الإِجتهاد كأن يعرف مهب الرياح ، أو بالشمس ونحو ذلك فإنه يجتهد ولا يقلد . وحكم البصير [ وهو ] جاهل بأدلة القبلة وإن شرحت له حكم أعمى البصر أما إن أمكن الجاهل التعليم والوقت متسع ، فإنه يلزمه ذلك ، ولا يجوز له التقليد ما لم يضق الوقت ، والله أعلم .
قال : وإذا صلى بالإِجتهاد إلى جهة ، ثم [ علم ] أنه قد أخطأ القبلة ، لم يكن عليه إعادة .
ش : لأنه تعذر عليه الوصول إلى جهة الكعبة ، أشبه حال المسايفة .
448 وأهل قباء ، [ فإنهم ] لما بلغهم النسخ في صلاة الصبح استداروا إلى الكعبة ، وبنوا على فعلهم ، لانتفاء علمهم بالنسخ .
449 وقد روى عامر بن ربية عن أبيه قال : كنا مع النبي [ ] في سفر في ليلة مظلمة ، فلم ندر أين القبلة ، فصلى كل رجل حياله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله ، فنزلت : 19 ( { فأينما تولوا فثم وجه الله } ) رواه ابن ماجه ، والترمذي وحسنه والله أعلم .
قال : وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ ، أو الأعمى بلا دليل أعادا .
ش ؛ أما إذا صلى البصير ولو بدليل فأخطأ ، فإن كان بمكة ، أو بمدينة الرسول أعاد ، لتركه النص المقطوع به ، وكذلك إن كان بغيرهما ، على المشهور من الروايتين لتفريطه ، إذ يمكنه علم ذلك إما بخبر مخبر [ عن يقين ] ، أو بمحاريب المسلمين ، فهو كتارك النص للاجتهاد . ( والرواية الثانية ) : لا يجوز له العمل بمحاريب المسلمين ونحو ذلك ، بل يلزمه الاجتهاد ، حكاها ابن الزاغوني في الوجيز . وأما الأعمى إذا صلى بلا دليل فإن كان مع القدرة على [ الدليل ] فواضح ، وإن أصاب ، لأنه ترك فرضه وهو التقليد ، وإن عجز عن الدليل فقيل : يعيد لندرة تعذر الدليل ، وقيل : لا . لأنه لم يترك فرضاً مقدوراً عليه ، [ أشبه الغازي ، وقيل : إن أخطأ أعاد لما تقدم ، وإن أصاب فلا . إذ المقصود الإصابة وقد حصلت والله أعلم ] .
قال : ولا يتبع دلالة مشرك بحال .
ش : أي وإن كان عالماً في دينه ، لأنه غير مأمون في ديننا .
450 ولهذا قال عمر [ رضي الله عنه ] : لا تأمنوهم بعد أن خونهم الله . وكذلك الفاسق المسلم ، ويقبل خير الأنثى ، ومستور الحال ، وفي الصبي المميز وجهان [ والله أعلم ] .
باب صفة الصلاة


قال : وإذا قام إلى الصلاة قال : الله أكبر .
451 ش : قال النبي للأعرابي : ( إذا قمت [ إلى ] الصلاة [ فكبر ] .
452 وقال : ( تحريمها التكبير ) وهو ينصرف إلى التكبير المعهود وهو : الله أكبر .
453 وقد روى الترمذي ، وابن ماجه عن أبي حميد الساعدي قال : كان النبي [ ] إذا قام إلى الصلاة رفع يديه وقال : ( الله أكبر ) وهذا إخبار عن دوام فعله .
454 وروى أحمد في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] أن النبي [ قال ] : ( إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم ، وأقيموها ، وسدوا الفرج ، وإذا قال إمامكم : الله [ أكبر ] فقولوا : الله أكبر ) والتكبير ركن ، لما تقدم من قوله : ( تحريمها التكبير ) ولا يصح بغير هذا اللفظ ، بألله الأكبر ، أو : الكبير أو أكبر الله . ونحو ذلك [ والله أعلم ] .
قال : وينوي بها المكتوبة .
ش : أما اشتراط [ أصل ] نية الصلاة فمجمع عليه ، لقوله تعالى : 19 ( { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ) والإخلاص محض النية ، وصح عنه [ أنه ] قال : ( إنما الأعمال بالنبيات ، وإنما لكل امريء ما نوع ) ولا بد من تعيين الصلاة [ فتعين ] أنها ظهر ، أو عصر ، أو غير ذلك لتتميز عن غيرها ، هذا منصوص أحمد ، وعليه الأصحاب وإذاً الألف واللام في كلام الخرقي للعهد ، أي ينوي بالتكبيرة المكتوبة [ أي ] المفروضة الحاضرة ، ويجوز أن يريد جنس المكتوبة أي المفروضة ، فيكون ظاهره أنه لا يشترط نية التعيين ، بل متى نوى فرض الوقت ، وكانت عليه الصلاة لا يدري هل هي ظهر أو عصر ، فصلى أربعاً ينوي بها ما عليه أجزأه ، وقد روي عن أحمد [ رحمه الله ] ما يدل على ذلك ، لكن المذهب الأول . وهل يفتقر مع نية التعيين إلى نية الفرضية ، ونية القضاء أو الأداء ؟ فيه وجهان ، أشهرهما لا .
قال : فإن تقدمت النية قبل التكبير ، وبعد دخول الوقت ما لم يفسخها أجزأه .
ش : لما كان كلامه السابق يقتضي أن النية تقارن التكبير ، أردف ذلك ما يدل على أن ذلك على سبيل الإِستحباب ، وأن النية إذا تقدمت على التكبير أجزأه ، وذلك لأن الصلاة عبادة يشترط لها النية ، فجاز تقديمها عليها كالصوم ، ولأن التكبير جزء من الصلاة ، فكفى فيه استصحاب النية حكماً لا ذكراً كالصلاة .
وشرط الخرقي لذلك شرطين . ( أحدهما ) : أن يكون ذلك بعد دخول الوقت ، وعلى هذا شرح ابن الزاغوني ، معللًا بأنها ركن ، فلا يفعل قبل الوقت كبقية الأركان ، وأكثر الأصحاب لا يشترطون هذا الشرط ، فإما لإِهمالهم له ، أو اعتماداً منهم على الغالب . ( الشرط الثاني ) أن يستصحب النية حكماً ، فلو فسخها أي قطعها لم يجزئه ، لخلو التكبير بل الصلاة عن نية ، قال ابن الزاغوني : وكذلك لو اشتغل بفعل يعرض به عن السعي إلى الصلاة . وحكم فسخ النية بعد التكبير حكم الفسخ قبله ، ولو تردد في الفسخ فوجهان .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يشترط كون التقدم بزمن يسير ، وعامة الأصحاب على اشتراط ذلك ، والله أعلم .
قال : ويرفع يديه إلى فروع أذنيه ، أو إلى حذو منكبيه .
ش : لا خلاف في رفع اليدين [ عند افتتاح الصلاة ، لما سيأتي من الأحاديث ، واختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في منتهى الرفع ، فروي عنه وهو المشهور أن الأفضل الرفع إلى حذو المنكبين ] .
455 لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة ، وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ، وقال : ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ) وكان لا يفعل ذلك في السجود . متفق عليه .
456 وعن أبي حميد الساعدي أنه قال في عشرة من أصحاب رسول الله [ ] أنا أعلمكم بصلاته ، كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه . قالوا : [ صدقت ] رواه أبو داود [ والترمذي وصححه ] .
( وعنه ) : الأفضل الرفع إلى فروع أذنيه أي يبلغ بأطراف أصابعه أعلى أذنيه .
457 لما روى مالك بن الحويرث أن رسول الله [ ] كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه ، [ وإذا ركع رفع يده حتى يحاذي بهما أذنيه ] وإذا رفع رأسه من الركوع رفع وقال : ( سمع الله لمن حمده ) فعل مثل ذلك . رواه مسلم وغيره وهذا يشتمل على زيادة ، فالأخذ به أولى . ( والثالثة ) : أنه يخبر بين هاتين الصفتين ، اختارها الخرقي ، لصحة الرواية بهما ، فدل على أنه كان مرة يفعل هذا ، وتارة يفعل هذا ، والله أعلم .
قال : ثم يضع يده ، اليمنى على كوعه [ اليسرى ] .
458 ش : لما روى وائل بن حجر [ رضي الله عنه ] أنه رأى النبي رفع يديه حين دخل في الصلاة ، ثم التحف بثوبه ، ثم وضع اليمنى على اليسرى ، رواه أحمد ومسلم وفي لفظ لأحمد وأبي داود : وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى ، والرسغ والساعد .
قال : ويجعلهما تحت سرته .
ش : هذا إحدى الرواية عن أحمد .
459 لما روى أحمد ، أبو داود ، عن علي رضي الله عنه قال : من السنة وضع الأكف في الصلاة تحت السرة . والسنة المطلقة تنصرف إلى سنة رسول الله [ ] ( والرواية الثانية ) : الأفضل جعلهما تحت صدره .
لما روى قبيصة بن هلب ، عن أبيه قال : رأيت النبي يضع يده على صدره ووصف يحيى بن سعيد اليمنى على اليسرى ، فوق المفضل ، رواه أحمد ( والثالثة ) : التخيير بين الصفتين ، اختارها ابن أبي موسى ، وأبو البركات ، لورود الأمر بهما . قال أبو البركات : وعلى الروايات فالأمر [ في الأمرين ] واسع ، لا كراهة لواحد منهما [ والله أعلم ] .
قال : ويقول : ( سبحان اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ) .
461 ش : لما روى أبو سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] قال : كان رسول الله [ ] إذا فتتح الصلاة قال : ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ) رواه الخمسة .
462 وروي من حديث عمر ، وأنس ، وعائشة [ رضي الله عنهم ] .
463 واحتج أحمد بأن عمر كان إذا افتتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . ويسمع ذلك .
464 وروي عن أبي بكر ، وعثمان ، وابن مسعود ولو استفتح بغير هذا مما روي وصح جاز نص عليه [ والله أعلم ] .
قال : ثمّ يستعيذ .
ش : لقوله الله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أي : إذا أردت القراءة .
465 يبيّنه ما روى أحمد والترمذي عن أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] أن النبي كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ، ثم يقول : ( أعوذ بالله [ السميع العليم ] ، من الشيطان الرجيم ، [ من ] همزه ، ونفخه ، ونفثه ) .
وصفة الإِستعاذة : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ( في رواية ) اختارها القاضي في الجامع الصغير ، وأبو محمد في المقنع ، لظاهر الآية ، وقال ابن المنذر : جاء عن النبي أنه كان يقول قبل القراءة : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ، ( وفي أخرى ) ( أعوذ بالله السميع العليم ، من الشيطان الرجيم ) لحديث أبي سعيد ( وفي ثالثة ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، إن الله هو السميع العليم ) واختارها أبو بكر في التنبيه ، والقاضي في المجرد ، وابن عقيل ، جمعاً بين قوله تعالى : { فاستعذ بالله من الشيطان [ الرجيم ] } وقوله : { فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم } .
وفي رواية [ رابعة ] : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان لأن قوله : { فاستعذ بالله إنه هو السمع العليم } لا بد أن يقدر فيه : من الشيطان . ويجوز أن يقدر قبل ، وأن يقدر بعد ، فجمعنا بينهما ، عملًا بما قال الشيخان ، والأمر في هذا واسع ، ومهما استعاذ به جاز بلا كراهة .
( تنبيه ) : واِستفتاح والإِستعاذة مسنونان ، نص عليه ، محتجاً بأن ابن مسعود وأصحابه كانوا لا يعرفون الإِفتتاح ، يكبرون ويقرأون ، وذهب ابن بطة إلى وجوبهما [ والله أعلم ] .
قال : ثم يقرأ : { الحمد لله رب العالمين } .
466 ش : في الصحيحين عن عائشة [ رضي الله عنها ] أن النبي [ ] كان يستفت الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين . ولا خلاف في أن القراءة ركن في الصلاة ، واختلف في تعيين الفاتحة ، فالمعروف المشهور وعليه الأصحاب تعيينها .
467 لما روى عبادة بن الصامت [ رضي الله عنه ] أن النبي قال : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) رواه الجماعة وفي لفظ ( لا يجزيء صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) رواه الدارقطني وقال : إسناده صحيح .
468 وعن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله : ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأسم الكتاب فهي خداج ، هي خداج غير تمام ) رواه الجماعة إلا البخاري ، والخداج النقصان في الذات ، حكاه أبو عبيد عن الأصمعي . ( وعنه ) لا تتعين ، بل يجزيء قراءة آية ، لقوله تعالى : { فاقرأوا ما تيسر منه } وقوله للأعرابي : ( ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ) وتتعين القراءة في كل ركعة على المذب بلا ريب ، وعنه : تجب في ركعتين لا غير ، [ والله أعلم ] .
قال : يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم .
469 ش : لما روى نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة فقرأ ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ثم قرأ بأم القرآن ، حتى إذا بلغ { ولا الضالين } قال : آمين . وقال الناس : آمين . ويقول كلما سجد : الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس من الثنتين : الله أكبر . ثم يقول إذا سلم : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله [ ] رواه النسائي ، ورواه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والدارقطني ، والحاكم ، والبيهقي ، والخطيب وصححوه .
470 وعن أنس [ رضي الله عنه ] : صليت خلف النبي ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم . رواه أحمد ، والنسائي ، وابن خزيمة والدراقطني ، وفي لفظ لابن خزيمة ، والطبراني ، إن رسول الله كان يسرّ بسم الله الرحمن الرحيم . وأبو بكر ، وعمر ، زاد ابن خزيمة في الصلاة .
( تنبيه ) الإجماع على أن ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بعض آية في سورة النمل واختلف هل هي آية مفردة في أول كل سورة ، وفيه روايتان ، المنصوص عنه وعليه عامة أصحابه نعم ، ولا خلاف عنه نعلمه أنها ليست آية من أول كل سورة إلا في الفاتحة ، على رواية اختارها ابن بطة ، وصاحبه أبو حفص ، والمشهور خلافها ، والله أعلم .
قال : ولا يجهر بها .
ش : لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وإن قلنا : إنها من الفاتحة ، لما تقدم من حديث أنس .
471 وفي لفظ البخاري عنه : أن النبي ، وأبا بكر ، وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين . وفي رواية مسلم : لا يذكرون ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في أول قراءة ولا في آخرها . وعن الدراقطني : لم يصح عن النبي في الجهر حديث ، أما عن الصحابة فمنه صحيح ، ومنه ضعيف . وزعم بعض الأصحاب أنا إذا قلنا : إنها من الفاتحة [ جهر بها كما يجهر بالفاتحة ] ( ونص أحمد ) على [ أن ] من صلى بالمدينة جهر بها ، ليبين أنها سنة ، لأن أهل المدينة ينكرونها .
472 كما جهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة والله أعلم .
قال : فإذا قال : { ولا الضالين } قال : آمين .
ش : إذا قال المصلي : { ولا الضالين } قال : آمين . سواء كان منفرداً ، أو إماماً ، أو مأموماً قالها إمامه أو لم يقلها .
473 لما روى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] أن النبي : [ قال : ( إذا أمّن الإِمام فأمنوا ، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له تقدم من ذنبه ) متفق عليه والمنفرد في معناهما ، ويجهر بها فيما يجهر به .
474 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ] إذا تلا : { غير المغضوب عليه ولا الضالين } قال : ( آمين ) حتى يسمع من يليه من الصف الأول . رواه أبو داود ، وابن ماجه وقال : حتى يسمعها أهل الصف الأول ، فيرتج [ بها ] المسجد .
والسنة أن يؤمن المأموم والإِمام معاً ، ليوافقا تأمين الملائكة .
475 وفي النسائي والمسند من حديث أبي هريرة : ( إذا قال الإِمام { غير المغضبو عليهم ولا الضالين } فقولوا : آمين . فإن الملاكئة تقول : إمين . وإن الإِمام يقول : آمين . فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) ( وقوله ) : إذا أمن الإِمام فأمنوا . أي إذا شرع ، أو إذا أراد ، جمعاً بني الحديثين والمعنى ، والله أعلم .
قال : ثم يقرأ سورة في ابتدائها ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
ش : أما قرتاءة السورة بعد الفاتحة فسنة مجمع عليها .
476 لما روى أبو قتادة الأنصاري أن النبي كان يقرأ في الركعين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ، يسمع الآية أحياناً ، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطول في الأولى ويقصر في الثانية ، وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ، ويقصر في الثانية ، وفي الركعتين الآخيرتين بأم الكتاب . متفق عليه ، في أحاديث أخر ، وأما كونه يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم ، فقد نص عليه أحمد .
477 محتجاً بأن ابن عمر كان لا يدع بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ، وللسورة التي بعدها . والله أعلم .
قال : فإذا فرغ كبّر للركوع .
478 ش : لما روى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] قال : كان النبي إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : ( سمع الله لمن حمد ) حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم ( ربنا ولك الحمد ) ثم يكبر حين يهوي ، ثم يكبّر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يفعل ذلك في صلاته كلها حتى يقضيها ، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس . متفق عليه .
وهذا التكبير واجب في رواية مشهورة ، وفي أخرى فرض ، وفي ثالثة فرض إلا في حق المأموم فواجب ، وفي رابعة سنة ، أما الركوع فركن بالإِجماع ، قال سبحانه : { يا أيها الذي آمنوا اركعوا واسجدوا } الآية .
قال : ويرفع يديه كرفعة الأول .
ش : يعني إلى حذو منكبيه ، أو إلى فروع أذنيه ، وقد تقدم ذلك والخلاف فيه ، والأصل في الرفع ( هنا ) حديث ابن عمر ، ووائل بن حجر وقد تقدما .
وعن أبي حميد الساعدي أنه قال في عشرة من أصحاب رسول الله [ ] أحدهما أبو قتادة : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله . قالوا : ما كنت أقدمنا له صحبة ، ولا أكثرنا له إتياناً . قال : بلى . قالوا : فاعرض . فقال : كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائماً ، ثم اعتدل ، فلم يصوب رأسه ولم يقنعه ، ووضع يديه على ركبتيه ، ثم قال : ( سمع الله لمن حمده ) ورفع يديه واعتل ، حتى يرحع كل عظم موضعه معتدلًا ، ثم هوى إلى الأرض ساجداً ، ثم قال : ( الله أكبر ) ثم ثنى رجليه وقعد عليها ، واعتدل ، حتى يرجع كل عظم موضعه ، ثم نهض ، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك ، حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، كما صنع حين افتتح الصلاة ، ثم صنع ذلك ، حتى إذا كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخر رجله اليسرى ، وقعد على شقه متوركاً ، ثم سلم . قالوا : صدقت ، هكذا صلى رسول الله . رواه الخمسة وصححه الترمذي وسمّى أبو داود في رواية من العشرة أبا هريرة ، وأبا أسيد ، وسهل بن سعد ، ومحمد بن مسلمة .
قال : ثم يضع يديه على ركبتيه ، ويفرج أصابعه .
ش : لحديث أبي حميد [ رضي الله عنه ] .
480 وعن عمر [ رضي الله عنه ] قال : إن الركب سنت لكم ، فخذوا بالركب . رواه النسائي والترمذي وصححه .
قال : ويمد ظهره ، ولا يرفع رأسه ولا يخفضه .
ش : لحديث أبي حميد .
481 وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : وكان رسول الله [ ] إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ، ولكن بين ذلك .
482 وعن وابصة بن معبد ، قال : رأيت النبي يصلي ، وكان إذا ركع سوى ظهره ، حتى لو صب عليه الماء لاستقر . رواه ابن ماجه . وقدر الإِجزاء الإِنحناء بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه ، لأنه لا يسمى راكعا [ بدونه ] ، والإِعتبار بمتوسطي الناس ، لا بطويل اليدين ، ولا بقصيرها ، قال أبو البركات : وضابط الإِجزاء الذي لا يختلف أن يكون انحناؤه إلى الركوع المعتدل أقرب منه إلى القيام المعتدل ، والله أعلم .
قال : ويقول [ في ركوعه ] : سبحان ربي العظيم . ثلاثاً ، وهو أدنى الكمال ، وإن قال مرة أجزأة .
483 ش : عن حذيفة [ رضي الله عنه ] قال : صليت مع النبي فكان يقول في ركوعة : ( سبحان ربي العظيم ) وفي سجود ( سبحان ربي الأعلى ) رواه الجماعة إلا البخاري .
484 وعن عقبة بن عامر قال : لما نزلت : { فسبح باسم ربك العطيم } قال النبي : [ اجعلوها في ركوعكم ) فلما نزلت : ( سبح اسم ربك الأعلى ) قال النبي ] ( اجعلوها في سجودكم ) رواه أحمد ، وأبو داود .
485 وعن ابن مسعود [ رضي الله عنه ] أن النبي [ ] قال : ( ءذا ركع أحدكم فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم . ثلاث مرات ، فقد تم ركوعه ، وذلك أدناه ، وإذا سجد فقال في سجوده : سبحان ربي الأعلى . ثلاث [ مرات ] ، فقد تم سجوده ، وذلك أدناه ) رواه أبو داود ، والترمذي ، وهو مرسل ، وإنما أجزأت المرة لظاهر حديث عقبة .
وقد تضمن كلام الخرقي وجوب التسبيح [ في الرجوع ] وسيصرح به ، وهو المشهور لما تقدم ، ( وعنه ) أنه فرض ، ( وعنه ) أنه سنة .
( تنبيه ) غاية الكمال لا حد لها عند القاضي ، ما لم يطل ما يخاف عليه منه السهو ، وقال بعض الأصحاب : غايته أن يسبح قدر قيامه ، لصحة ذلك عن النبي وقيل : الكمال عشر تسبيحات . هذا كله في المنفرد ، أما الإِمام فظاهر كلام أحمد واختاره أبو البركات [ أن يستحب ] أن يزيد على [ أدنى ] الكمال قليلًا ، فيسبح ما بني الخمس إلى العشر ، وقال القاضي : لا يستحب الزيادة على الثلاث ، حذاراً من المشقة على المأمومين . والله أعلم .
قال : [ ثم يرفع رأسه ] ثم يقول : سمع الله لمن حمد . [ ويرفع يديه كرفعه الأول ] .
ش : أي ثم يقول : سمع الله لمن حمد . حين يرفع رأسه من الركوع ، أما قوله : سمع الله لمن حمده . فقد تقدم في حديث أبي هريرة ، وأبي حميد ، وابن عمر ، وأما الرفع إذاً فتقدم أيضاً في حديث ابن عمر ، وأبي حميد ، ومالك بن الحويرث ، وقوله : سمع الله لمن حمده . واجب في المشهور ، ( وعنه ) سنة ، أما الرفع من الركوع والاعتدال عنه ففرضان ، لحديث المسيء في صلاته .
قال : ثم يقول : ربنا ولك الحمد .
ش : يعني إذا اعتدل قائماً ، لما تقدم من حديث أبي هريرة ، وابن عمر ، وحكم التحميد في الوجوب حكم التسميع ، ويخير بين إثبات الواو وحذفها ، والأفضل إثباتها نص عليه .
486 للإِتفاق عليه من رواية أنس ، وأبي هريرة ، وابن عمر . والأفضل مع تركها : اللهم ربنا لك الحمد . نص عليه .
487 لأنه متفق عليه من حديث أبي هريرة ، ويجوز : ربنا لك الحمد .
488 لما روى مسلم من حديث أبي سعيد .
489 و ( اللهم ربنا ولك [ الحمد ] ) كما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وصححه [ والله أعلم ] .
قال : ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما شئت ممن شيء بعد . فإن كان مأموماً لم يزد على قوله : ربنا ولك الحمد .
ش : هذا الذكر مشروع في هذه الحالة في الجملة .
490 لما روى علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] قال : كان رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، ملء السموات ، وملء الأورض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ) رسواه مسلم وغيره .
491 وعن ابن أبي أوفى مثل ذلك ، رواه .
واختلف عن أحمد لمن شرع هذا الذكر ، ولا خلاف عنه أن الإِمام يقوله ، وكذلك ما قبله .
492 لحديث علي ، وابن أبي أوفي وغيرهما ( واختلف عنه ) في المنفرد ، فالمشهور عنه وهو اختيار الأصحاب أنه يقول الجميع كالإِمام ، إذ الأصل التأسي بالنبي .
493 لا سيما وقد عضده قوله : ( صلوا كما رأيتمون أصلي ) .
( وعنه ) يقتصر على التسميع والتحميد ، ولا يقول : ملء السماء . إلى آخره ، حطا له عن رتبه الأِمام ، ورفعا له عن رتبه المؤتم ، لأنه أكمل منه ، لعدم تبعيته ( وعنه ) يقتصر على التحميد فقط وفيها ضعف .
أما المؤتم فالمشهور عنه وعليه جمهور الأصحاب الخرقي وغيره أنه يقتصر على التحميد لقوله : ( إذا قال الإِمام : سمع الله لمن حمده . فقولوا : ربنا ولك الحمد ) وظاهره أن التحميد وظيفة المؤتم . ( وعنه ) واختاره أبو البركات أنه يأتي بالتحميد ، وملء المساء ، إلى آخره ، لعموم قوله ( صلوا كما رأيتمون أصلي ) خرج منه التسميع لأنه أمره بالتحميد عقب تسميع إمامه ، ولو شرع له التسميع لأمر به عقب تسميع إمامه ، كما أمر بالتكبير عقب تسميع إمامه ، وهذا اختيار أبي الخطاب ، وكلامه محتمل لأنه يسمع أيضاً ، وعليه اعتمد أبو البركات فقال : ظاهر كلامه أنه يأتي بالتسميع وما بعده ، ونفى ذلك أبو محمد فقال : لا أعلم خلافاً في المذهب أن المؤتم لا يسمع . والله أعلم .
قال : ثمّ يكبّر للسجود ، ولا يرفع يديه .
ش : أما التكبير [ للسجود ] فقد تقدم في حديث أبي هريرة وغيره ، وأما عدم الرفع في السجود فلحديث ابن عمر وغيره ، وعنه يسن الرفع ، والمذهب الأول ، وحكم التكبير في السجود والرفع منه حكم التكبير في الركوع ، وقد تقدم [ والله أعلم ] .
قال : ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ، ثم يداه ، ثم جبهته وأنفه .
ش : هذا المشهور عن أحمد ، وعليه عامة أصحابة .
494 لما روى وائل بن حجر قال : رأيت النبي إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه . رواه الخمسة إلا أحمد ، وقال الحاكم : على شرط مسلم . ( وعن أحمد ) : يضع يديه قبل ركبتيه .
495 لما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه ) رواه الخمسة إلا ابن ماجه وقد ضعف . والسجود على هذه الأعضاء فرض ، لا يكون ساجداً بدونها ، أعني الركبتين وليدين ، والجبهة ، وكذلك القدمين .
496 لما روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين ، والركبتين وأطراف القدمين ) متفق عليه ، ولمسلم ( أمرت أن أسجد على سبع ، الجبهة والأنف ، واليدين والركبتين ، والقدمين ) وقيل عنه : لا يجب السجود على غير الجبهة ، لأنه يسمى ساجداً بووضعها ، وإن أخل بغيرها ، أما الأنف ففيه روايتان مشهورتان ، إحداهما فرضيته كالجبهة ، قال القاضي : اختاره أبو بكر ، وجماعة من أصحابنا ، لما تقدم من عد النبي [ ] له في المأمور به .
497 وعن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبي [ ] قال : ( لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض ) رواه الدارقطني . ( والثانية ) : ليس بفرض . اختارها القاضي ، لأنه صح عنه أن أعضاء السجود سبعة ، وعدها في الصحيح بدونه ، وقال : ( سبعة أعظم ) وطرف الأنف الذي يسجد عليه ليس بعظم ، فعلم أن الإِسارة إليه أو عده تنبيه على تبعيته ، واستحباب السجود عليه جمعاً بين الأدلة ، وإلا فيلزم كونها ثمانية ، وهو خلاف النص ، واستيعاب العضو الواحد بذلك ، وهو خلاف الإِجماع ، فإنه لو سجد على بعض يده حتى على بعض أطراف أصابعها ، أو ظهرها ، أو ظهر قدميه أجزأه .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يجب عليه مباشرة المصلى بشيء من أعضاء سجوده ، وهو إجماع في القدمين ، والركبتين ، وقول الجمهور في اليدين .
498 ويدل عليه ما روى أحمد ، وابن ماجه ، عن عبد الله بن عبد الرحمن قال : جاءنا النبي فصلى بنا في مسجد بني عبد الأشهل ، فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد .
أما الجبهة ففي المباشرة بها قولان مشهوران ، هما روايتان عن أحمد ، أصحهما عن أبي البركات واختارها أبو بكر والقاضي لا يجب .
499 لما روى أنس [ رضي الله عنه ] قال : كنا نصلي مع رسول الله [ ] في شدة الحر ، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود . رواه البخاري ( والثانية ) : تجب المباشرة إلا من عذر .
500 لما روى خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله [ ] حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا . ( ومحل الروايتين ) فيما إذا سجد على كور عمامته أو ذؤابتها ، أو ذيله ، ونحو ذلك مما هو حامل له منفصل عنه ، وأصل السجود فرض بالإِجماع ، وبنص الكتاب ، والله أعلم .
قال : ويكون في سجوده معتدلًا .
501 ش : في الصحيحين عن أنس [ رضي لله عنه ] عن النبي أنه قال : ( اعتدلوا في السجود ، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب ) .
قال : ويجافي عضديه عن جنبيه ، وبطنه عن فخذيه ، وفخذيه عن ساقيه ، ويكون على أطراف أصابعه .
502 ش : لما روى أبو حميد الساعدي أي النبي كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض ، من الأرض ، ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع كفيه حذور منكبيه ، ورواه الترمذي وصححه ، ولأبي داود : كان إذا سجد فرج بين فخذيه ، غير حامل بطنه على شيء من فخذيه [ والله أعلم ] .
قال : ثم يقول : سبحان ربي الأعلى . ثلاثاً ، وإن قال مرة أجزأة .
ش : حكم التسبيح ف يالسجود حكم التسبيح في الركوع ، وقد تقدم [ ذلك ] ودليله .
قال : ثم يرفع رأسه مكبراً .
ش : ما التكبير فلما تقدم من حديث أبي هريرة وغيره ، وأما الرفع والإِعتدال عنه فلحديث الأعرابي ( ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ) وهما فرضان كذلك ، والله أعلم .
قال : فإذا جلس واعتدل يكون جلوسه على رجله اليسرى ، وينصب رجله اليمنى .
ش : لما تقدم من حديث أبي حميد الساعدي ، في عشرة من أصحاب النبي [ ] ، وفي الصحيح عن عائشة [ رضي الله عنها ] ، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى . والله أعلم .
قال : ويقول : رب اغفر لي رب اغفر لي .
ش : ظاهر كلام الخرقي أن السنة أن يقول رب اغفر لي مرتين فقط ، وهو قول ابن أبي موسى .
503 لما روى حذيفة [ رضي الله عنه ] أن النبي كان يقول بين السجدتين ( رب اغفر لي ، رب اغفر لي ) رواه الخمسة إلا الترمذي والمشهور أن حكم : رب اغفر لي . حكم التسبيح ، في أن المرأة تجزئه ، وأن أدنى الكمال ثلاث ، وأن كماله نحو قيامه ، أو ما لم يخف منه السهو ، أو عشراً على ما تقدم ، وحديث حذيفة أراد به التكرار في الجملة لأنه في أوله من رواية أبي داود : كان يقعد بين السجدتين نحوا من سجوده . ( وهل ) سؤال المغفرة والحال هذه واجب أو مسنون ؟ فيه روايتان ، المشهور الأولى . والله أعلم .
قال : ثمّ يكبّر ويخر ساجداً .
ش : أما السجدة الثانية ففرض مجمع عليه ، وأما التكبير فلما سبق ، ويقول فيها ما يقول في السجدة الأولى من التسبيح . [ ولله أعلم ] .
قال : ثم يرفع رأسه مكبراً ، ويقول على صدور قدميه ، معتمداً على ركبتيه .
ش : أما التكبير حال الرفع فلما تقدم .
504 وأما القيام على هذه الصفة فلأن في حديث وائل بن حجر في لفظ لأبي داود : رأيت النبي إذا نهض نهض على ركبتيه ، واعتمد على فخذيه .
505 وعن ابن عمر أن النبي نهى أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة . رواه أبو داود . [ والله أعلم ] .
قال : إلا إن يشق ذلك عليه فيعتمد بالأرض .
506 ش : لأن في حديث مالك بن الحويرث في صفة صلاة النبي [ ] أنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية جلس ، ثم قام واعتمد بالأرض . رواه النسائي ، والبخاري بمعناه فحملناه على حال العذر لكبر ونحوه ، جمعاً بينه وبين ما تقدم .
وقد اقتضى كلام الخرقي أنه لا يجلس جلسة الاستراحة ، وهو المختار من الروايتين عن ابن أبي موسى ، [ والقاضي ] ، وابن أبي الحسين ، قاله ابن الزاغوني ، وجماعة من المشايخ .
507 لأنه قول عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، حكاه أحمد عنهم وذكره ابن لمنذر عن ابن عباس ، قال أحمد : وأكثر الأحاديث على هذا . وقال أبو الزناد : تلك السنة . وقال الترمذي : العمل عليه عند أهل العلم . ( والرواية الثانية ) : أنه يجلس للإِستراحة ، اختارها أبو بكر عبد العزيز وشيخه أبو بكر الخلال ، وزعم أن أحمد رجع عن الأولى لما تقدم من حديث أبي حميد ومالك بن الحويرث ، وحملا على أنه فعله لما بدن وكبر . وكذلك نقول جمعاً بين الأدلة ، وإلا فمثل هذا لا [ يخفى عن ] عمر ، وعلي ، وغيرهما . وعلى هذا الرواية يجلس على قدميه وإليتيه ، ويمس بهما الأرض ، نص عليه في رواية المروذي ، لتفارق الجلسة بين السجدتين .
508 وعليه يحمل قول ابن عباس في الإِقعاء على القدمين : هو سنة نبيكم [ ] للإِتفاق على أنه لا يستحب في غير هذه الصورة ، وقال الآمدي : يجلس على قدميه ولا يلصق أليتيه ، بالأرض ، وزعم أن الأصحاب لا تختلف في ذلك ، قال القاضي : ويحتمل أنه يجلس مفترشاً ، لحديث أبي حميد المتقدم ، والله أعلم .
قال : ويفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى .
ش : لأن في حديث الأعرابي : ( وافعل ذلك في صلاتك كلها ، حتى تقضيها ) ويستثنى من ذلك الإِفتتاح بالتكبير ، لأنه وضع للدخول في الصلاة ، وكذلك الإستفتاح .
509 وفي مسلم من حديث أبي هريرة قال : كان رسول الله [ ] إذا نهض إلى الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمي ، ولم يسكت . واختلف في الاستعاذة ، فعنه لا تستثنى ، فيستعيذ في كل ركعة ، لظاهر قوله تعالى : 19 ( { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } ) ( وعنه ) استثناؤها ، اكتفاء بالاستعاذ في أول مرة ، جعلًا لقراءة الصلاة وإن تفرقت كالقراءة الواحدة ، ولظاهر خير أبي هريرة نعم لو نسي التعوذ في اوولى أتى به في الثانية ، على كلتا الروايتين . واستثنى أبو الحطاب تجديد النية ، لاستصحابها حكماً ، قال أبو البركات : وترك استثنائها أحسن ، لأنها شرط لا ركن ، ويجوز أن تتقدم الصلاة اكتفاء بالدوام الحكمي ، والله أعلم .
قال : فإذا جلس فيها للتشهد يكون كجلوسه بين السجدتين .
ش : يعني إذا صلى الركعة الثانية ، وجلس فيها للتشهد ، جلس كما جلس بين السجدتين ، لما تقدم في حديث أبي حميد الساعدي [ رضي الله عنه ] والله أعلم .
قال : ثم يبسط كفه اليسرى على فخذه اليسرى .
510 ش : لما روى ابن عمر ، قال : كان رسول الله إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ، ورفع إصبعه التي تلي الإِبهام ، فدعا بها ويده اليسرى على ركبته ، باسطها عليها . رواه مسلم وغيره وقوله : على فخذه اليسرى . أي لا يخرج بها عنها ، بل يجعل أطراف أصابعه [ مسامته ] للركبة [ والله أعلم ] .
قال : ويده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويحلق الإِبهام مع الوسطى .
ش : أي ويضع يديه اليمنى بقرينة : ويحلق .
لما روى وائل بن حجر في صفة صلاة النبي ، أنه وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ، ثم عقد من أصابعه الخنصر والذي يليها ، وحلق حلقه بإصبعه الوسطى على الإِبهام ، ورفع السبابة يشير بها . رواه أحمد ، وأبو داود ( وعن أحمد ) أنه يقبض الثلاث ، ويعقد الإبهام كعقد الخمسين ، واختارها أبو البركات ، والأول اختيار أبي محمد .
512 لما روى ابن عمر [ رضي الله عنهما ] قال : كان رسول الله إذا قعد في التشهد وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى ، وعقد ثلاثاً وخمسين ، وأشار بالسبابة . رواه أحمد ومسلم ( وعنه ) رواية ثالثة أنه يبسط الجميع ، ليستقبل بهن القبلة كما في حال السجود . [ والله أعلم ] .
قال : ويشير بالسباحة .
ش : سميت مسبحة لأنه يشار بها للتوحيد ، فهي منزهة مسبحة ، وتسمى سبابة لأنهم كانوا يشيرون بها إلى السب ، والأصل في الإِشارة بها من تقدم ، وموضع الإِشارة بها عند ذكر الله تعالى ، للتنبيه على الوحدانية .
513 وقد روى أبو هريرة أنه رجلًا كان يدعو بأصبعيه فقال رسول لله : ( أحّد أحّد ) رواه النسائي . [ والله أعلم ] .
قال : ويتشهد فيقول : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، والسلام عليك أنها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد لله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ) وهو التشهد الذي علمه النبي لعبد الله بن مسعود [ رضي الله عنه ] .
514 ش : في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود [ رضي الله عنه ] قال : كنا إذا جلسنا مع النبي [ في الصلاة ] قلنا : السلام على الله قبل عباده ، السلام على جبريل ، السلام على ميكائيل ، السلام على فلان . فسمعنا رسول الله فقال : ( إن الله هو السلام ، فإذا جلس أحدكم فليقل : التحيات لله ، والصلوات ، والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو ) في لفظ : علمني رسول الله [ ] التشهد كفى بين كفيه ، كما يعلمني السورة من القرآن وهذا التشهد هو المختار عند أحمد .
515 ولو تشهد بغيره مما ثبت عنه ، كتشهد ابن عباس ، وابن عمر ، وأبي موسى الأشعري وغيرهم جاز ، نص عليه ، وإنما اختار ما تقدم لاتفاق الشيخين عليه ، واتفاق ألفاظه ، وكون أكثر أهل العلم عليه ، وكون الأمر بخلاف ذلك في غيره ، ولأنه اختص بأنه أمر بتعليمه ، ففي مسند أحمد أنه أمر ابن مسعود أن يعلمه الناس وهذا التشهد ، والجلوس لو واجبان لا سنة على المشهور من الروايتين .
( تنبيه ) قال جماعة من الأصحاب منهم ابن حامد وغيره : إنه لو ترك حرفاً من تشهد ابن مسعود أعاد الصلاة . واختار القاضي والشيخان أنه متى ترك شيئاً ثابتا في جميع التشهدات أعاد ، وإن ترك شيئاً ساقطاً في بعضها أجزأه فعلى هذا المجزيء [ التحيات ] الله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله أو عبده ورسوله ) . ومعنى ( التحيات ) الملك لله ، قاله أبو عمرو وجماعة من أئمة اللغة ، وقيل البقاء . وقيل غير ذلك . والله أعلم .
قال : ثم ينهض مكبراً كنهوضه من السجود .
ش : يعني قائماً على صدور قدميه ، معتمداً على ركبتيه مكبراً ، وقد تقدم التكبير في حديث أبي هريرة وغيره ، والله أعلم .
قال : فإذا جلس للتشهد الأخير تورك .
ش : مذهبنا أنه يجلس مفترشاً في جميع جلسات الصلاة إلا في التشهد الأخير من صلاة فيها تشهدان أصليان ، فإنه يتورك ، والعمدة في ذلك حديث أبي حميد في عشرة من الصحابة رضي الله عنهم ، فإنه وصف جلسته بين السجدتين ، وفي التشهد الأول مفترشاً ، وفي الثاني متوركا . [ والله علم ] .
قال : فينصب رجله اليمنى ، وجعل باطن رجله اليسرى تحت فخذه اليمين ، وجعل إليتيه على الأرض .
ش : هذا اختيار القاضي وأبي البركات .
516 لأن في حديث ابن الزبير : كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه . ونقل عنه الأثرم أنه يفرش رجله اليسرى ، وينصب اليمنى ، ويخرجهما من تحته إلى جانب يمينه ، واختاره أبو الخطاب لأن في حديث أبي حميد الساعدي : فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض ، وأخرج قدميه من ناحية واحدة . قال أبو محمد : وأيهما فعل فحسن . وهذا التشهد والجلوس من أركان الصلاة ، أما الأول وجلسته فمن الواجبات ، لا من السنن على الصحيح ، والله أعلم .
قال : ولا يتوك إلا في صلاة فيها تشهدان ، في الأخير منها .
ش : قد تقدم ذلك ، والله أعلم .
قال : ويتشهد بالتشهيد الأول .
517 ش : روى أحمد والنسائي في حديث عبتد الله بن مسعود أن النبي قال : ( إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا : التحيات الله ) . وذكره ، والتشهد الآخير والجلوس له ركنان ، لهذا الحديث ، ولما تقدم أيضاً من حديث ابن مسعود .
518 وقد روى الدارقطني وقال : إسناده صحيح . عن ابن مسعود قال : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد : السلام على الله ، والسلام على جبريل وميكائيل ، فقال رسول الله : ( لا تقولوا هكذا ، فإن الله هو السلام ، ولكن قولوا التحيات الله ) .
519 وروى سعيد عن عمر أنه لا تجزيء صلاة إلا بتشهد ، ولا يعرف له مخالف ، والله أعلم .
قال : ويصلي على النبي .
ش : لا إشكال في مطلوبية الصلاة على النبي في التشهد الأخير ، واختلف في حكمها ، فعنه أنها فرض ، وعنه أنه سنة ، وعنه أنها واجبة ، وهي اختيار الخرقي ، وأبي البركات ، ونقل عنه أبو زرعة رجوعه عن الثانية . [ والله أعلم ] .
قال : فيقول : ( اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد ، وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) .
ش ؛ هذا هو المشهور من الروايتين ، واختيار أكثر الأصحاب .
520 لما روى كعب بن عجرة قال : قلنا : يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك ؛ فكيف الصلاة ؟ قال : ( قولوا اللهم صلى على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد ، وآل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ) متفق عليه ، وفي لفظ لمسلم ( وبارك ) ( والثانية ) يقول : ( كما صليت على إبراهيم ، وآل إبراهيم ) وكذلك ( كما باركت على إبراهيم ، وآل إبراهيم ) اختارها ابن عقيل .
521 وكذلك روي في حديث كعب ، رواه النسائي وأحمد .
وقدر المجزيء من ذلك ، الصلاة عليه وعلى آله وآل إبراهيم ، وذكر البركة كذلك ، إلى ( حميد مجيد ) اختاره ابن حامد ، وأبو الخطاب ، لظاهر الأمر بذلك في حديث كعب ، واختار القاضي والشيخان أن المجزيء الصلاة عليه فقط ، لأنه الذي اتفقت عليه أحاديث الأمر بها ، وما عداه سقط في بعضها .
522 وفي الترمذي وصححه عن فضالة بن عبيد قال : سمع النبي رجلًا يدعو في صلاته ، ولم يصل عليه ، فقال النبي : ( عجل هذا ) ثم دعاه فقال له أو لغيره : ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي [ ] ثم ليدع بعد بما شاء ) . والسنة تقديمه على الصلاة ، وترتيبه فإن لم يفعل ، بل نكس من غير تغيير ولا إخلال ففي الإِجزاء وجهان ، وكذلك في إبدال لفظة الآل بالأهل وجهان ، والله أعلم .
قال : ويستحب أن يتعوذ من أربع فيقول : أعوذ بالله من عذاب جهنم ، وأعوذ بالله من عذاب القبر ، وأعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بالله من فتنة المحيا والممات .
523 ش : في صحيح مسلم وغيره ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الاْلأخير فليتعوذ بالله من أربع ، من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر المسيح الدجال ) .
524 وفي الصحيح أيضاً أنه كان يدعو بذلك .
قال : فإن دعا في تشهده بما ذكر في الأخبار فلا بأس .
525 ش : نحو ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله : علمني دعاء أدعو به في صلاتي . قال : ( قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم ) متفق عليه .
526 ( وعن علي ) [ رضي الله عنه ] أن النبي لله كان من رخر ما يقول بين التشهد والتسليم ( اللهم اغفر لي ما قدتم ، وما أخرت ، وما أسررت ، وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم ، وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ) رواه الترمذي وصححه .
527 ( وعن معاذ ) بن جبل رضي الله عنه أن النبي [ ] قال له : ( إني أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة ، اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك ) رواه أحمد ، والنسائي وأبو داود .
528 ( وعن عاصم ) بن كليب ، عن أبيه ، عن جده قال : دخلت على النبي وهو يصلي وقد قبض أصابعه وبسط السبابة ، وهو يقول : ( يا مقلب القلوب ، ثبت قلبي على دينك ) رواه الترمذي .
529 ( وعن شداد ) بن أوس رضي الله عنه ، أن رسول الله كان يقول في صلاته : ( اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ، وأسألك قبلاً سليماً ، ولساناً صادقاً ، وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفر لما تعلم ) رواه النسائي .
ولا يتعين [ غير ] ما رود به الخبر ، بل ما في معناه ، مما يعود إلى أمر الآخرة ، ويتضمن قربة وطاعة ، كالدعاء بالرزق الحلال ، ونحو ذلك ، نص عليه ، واختاره وذكره القاضي ، واختاره الشيطان ، لتضمنه معنى ما ورد به الأثر .
530 وفي أبي داود أن النبي قال لرجل : ( كيف تقول في الصلاة ) ؟ قال : أتشهد ثم أقول : اللهم إن أسألك الجنة ، وأعوذ بك من النار . أما إني لا حسن دندنتك ، ولا دندنة معاذ . فقال النبي : ( حولها ندندن ) وقال أبو محمد : إن ظاهر كلام الخرقي وجماعة من الأصحاب أنه لا يجوز الدعاء بغير مأثور ، ولا إشكال أنه لا يجوز على المذهب الدعاء بما يرجع إلى محض طلب الدنيا وشهواتها ، نحو : اللهم ارزقني جارية حسناء ، وحلة خضراء .
531 لقوله : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين ، إنما هي التكبير ، والتسبيح وقراءة القرآن ) رواه مسلم وغيره ، خرج منه ما ورد ، وما في معناه ، فيبقى فيما عدا ذلك على مقتضى العموم . ( وعن أحمد ) جواز ذلك ، قال : إذا دعا في صلاته بحوائجه أرجوا أن لا يضره . وذلك لما تقدم من حديث ابن مسعود ، والله أعلم .
قال : ثم يسلم عن يمينه ، فيقول : السلام عليكم ورحمة الله ، وعن يساره كذلك .
ش : لا نزاع عندنا في تعيين السلام للخروج من الصلاة ، لقوله [ ] ( تحريمها التكبير ، وتحليلها التسلمي ) وظاهره أن لا تحليل لها سواه .
532 وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها : وكان يختم الصلاة بالتسليم . وقد قال : ( صلوا كما رأيتموني أصل ) إذا تقرر هذا فالمشروع أن يسلم كما ذكر الخرقي ، تسليمة عن يمينه ، وتسليمة عن يساره .
533 لما روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي كان سلم عن يمينه ، وعن يساره ( السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله ) حتى يرى بياض خده . وراه الخمسة ومسلم بمعناه .
534 ( وعن سعد ) بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : كنت أرى النبي يسلم عن يمينه وعن يساره ، حتى يرى بياض خده . رواه مسلم وأحمد ، والنسائي . والسلام ركن في الجملة ، لقوله : ( تحريمها التكبير ، وتحليلها التسلميم ) فإن كان في فريضة وفيت التسليمتان ، في رواية اختارها أبو بكر ، والقاضي . وفي أخرى : الثانية سنة . اختارها أبو محمد . أما صلاة الجنازة ، والنافلة ، فإن الثانية لا تجب فيهما ، قال القاضي : رواية واحدة . وهل يكفي ( السلام عليكم ) اختاره القاضي وأبو البركات أو لا بد من ذلك من ( ورحمة الله ) اختاره أبو الخطاب ، وابن عقيل فيه وجهان ، ونص أحمد على الإِستجزاء بالسلام في صلاة الجنازة وفيه احتمال ، ولا يجزيء ( سلام عليكم ) منكراً ولا ( عليكم السلام ) منكساً ، على أصح الوجهين .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يشترط أن ينوي بسلامه الخروج في الصلاة ، وهو المنصوص ، المشهور ، إذ هو بعض الصلاة ، فشملته نية الصلاة كبقية الأجزاء ، واشترطه ابن حامد ، قياساً لأحد الطرفين على الآخر ، وعلى قوله لو أتى بنية الخروج مضيفاً إليه نية السلام على الحفظة والمصلين جاز ، ولم يستحب ، نص عليه ، وحكى ابن حامد وجها بالبطلان ، وعلى الأول لو ترك نية الخروج ، ونوى الحاضرين ، بطلت صلاته ، وجهاً واحداً عن ابن حامد ، والصحيح عند أبي البركات وزعم أنه المنصوص عدم البطلان ، والله أعلم .
قال : والمرأة والرجل في ذلك سواء .
ش : لعموم قوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وغيره من العمومات . [ والله أعلم ] .
قال : إلا أن المرأة تجمع نفسها في الركوع والسجود ، وتجلس متربعة ، أو تسدل رجليها ، فتجعلهما في جانب يمينها .
535 ش : روى يزيد بن أبي حبيب ، أن رسول الله [ ] مر على امرأتين تصليان فقال : ( إذا سجدتما فضما بعض اللحم إلى بعض ، فإن المرأة ليست في ذلك كالرجل ) رواه أبو داود في مراسيله .
536 وقال ابن عمر : تقعد المرأة في الصلاة متربعة .
537 وعن علي [ رضي الله عنه ] : إذا سجدت المرأة فلتحتفز ، ولتضم فخذيها . والسدل أفضل من التربع ، نص عليه ، واختاره الخلال ، لأنه يروي عن عائشة ، وظاهر كلامه أنه يسن لها رفع اليدين كالرجل ، وهو إحدى الروايات .
538 لما روى سعيد ، عن أم الدرداء ، أنها كانت ترفع يديها في الصلاة حذو منكبيها . ( والثانية ) : لا يسن . لإِخلاله بالانضمام اللائق بها . ( والثالثة ) : ترفع دون رفع الرجل قال أبو البركات : وهو أوسط الأقوال . [ والله أعلم ] .
قال : والمأموم إذا سمع قراءة الإِمام فلا يقرأ بالحمد ولا بغيرها ، لقول الله تعالى : { وإذا قريء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ، لعلكم ترحمون } ولما روى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] أنه النبي قال : ( ما لي أنازع القرآن ) فانتهى الناس أن يقرؤا فيما جهر فيه النبي .
ش : إذا سمع المؤموم قراءة الإِمام لم يقرأ مطلقاً ، لما استدل به الخرقي [ رحمه الله ] من الآية والحديث .
539 ( أما اللآية ) فقال أبو العالية ، زيد بن أسلم : كانوا يقرأون خلف الإِمام ، فنزلت هذه الآية فتركوا .
40 ذ ويروى نحوه عن أبي هريرة ، وابن المسيب ، والحسن ، والزهري ، والنخعي والقرظي وغيرهم ، وقال أحمد في رواية أبي داود رواية أبي داود : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة .
41 ذ ( وأما الحديث ) فلما روى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] أن النبي انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال : ( هل قرأ أحد منكم معي آنفاً ؟ ) فقال رجل : نعم يا رسول الله . فقال : ( مالي أنازع القرآن ؟ ) قال : فانتهى الناس عن القراءة معه ، فيما جهر فيه من الصلوات ، حين سمعوا ذلك منه . ورواه مالك في الموطأ ، والخمسة إلا ابن ماجه ولأبي داود : وقال أبو هريرة : فانتهى الناس .
وظاهر المنع في كلام الخرفي رحمه الله التحريم ، وبه جزم القاضي في التعليق ، وهو ظاهر كلام أحمد ، وجعل أبو الخطاب في الهداية والشيخان المنع للكراهة .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يقرأ وإن لم يمكنه القراءة في حال ، وعليه الأصحاب ، واختار أبو البركات قراءة الفاتحة لمن تعذرت عليه القراءة في السكتات .
542 لما روى عبادة بن الصامت قال : صلى النبي [ ] الصبح ، فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : ( إني أراكم تقرؤن وراء إمامكم ) قلنا : إي والله . قال : ( فلا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه ، ولأبي داود والنسائي ( فلا يقرأ بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن ) ورواه الدارقطني وقال : كلهم ثقات .
ومفهوم كلام الخرقي إن المأموم يقرأ إذا لم يسمع قراءة الإمام ، ولا يخلو من أن يكون ذلك لبعده أو لطرشه ، فإن كان لبعده قرأ على المنصوص ، والمختار للأصحاب ، لظاهر الآية الكريمة ( وعن أحمد ) : لا يقرأ . لما تقدم من قوله : ( لا تقرؤوا بشيء في القرآن إذا جهرت به ) فعلى الأولى هل يقرأ من سمع الهمهمة من غير فهم ؟ على روايتين . وإن كان عدم سماعه لطرشه فقد توقف ، فيخرج على وجهين ، ولعل مبناهما على أن علة المنع الاستماع أو التشويش [ على الإِمام ] والذي ينبغي أن يكونا كلاهما ، لورود المنع منهما ، وإذاً يقرأ إن لم يشوش على الإِمام ، بل والمأمومين ، والله أعلم .
قال : والاستحباب أن يقرأ في سكتات الإِمام ، وفيما لا يجهر فيه .
ش : لظاهر ما تقدم من حديث أبي هرير ، وعباد [ بن الصامت ] ( رضي الله عنهما ) .
543 وعن علي [ رضي الله عنه ] : اقرؤا في الركعتين الأولتين من الظهر والعصر خلف الإِمام بفاتحة الكتاب وسورة ، وراه الدارقطني وصححه .
ومقتضى كلام الخرقي أن للإِمام سكتات ، قال أبو البركات : وهما سكتتان على سبيل الاستحباب ، إحداهما تختص بأول ركعة للإِستفتاح ، والثانية سكتة يسيرة بعد القراءة كلها ، ليرد إليه نفسه ، لا لقراءة الفاتحة خلفه ، على ظاهر كلام أحمد .
544 وقد روى الحسن عن سمرة ، أن رسول الله كانت له سكتتان ، سكتة حين يفتتح الصلاة ، وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية ، قبل أن يركع ، فكتب ذلك لعمران بن حصين فأنكره ، فكتب ذلك إلى أبي بن كعب فقال : صدق سمرة ، رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه وفي رواية لهم : سكتة إذا كبر ، وسكتة إذا فرغ من قراءة { غير المغضوب عليهم } قال أبو البركات : والصحيح في الرواية الأولى ، وعلى تقدير ثبوت الثانية فيحمل على سكتة يسيرة لقد البسملة ، وتصوير ما يقرأ من السورة ، ونحو ذلك [ والله أعلم ] .
قال : فإن لم يفعل فصلاته تامة ، لأن من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة .
ش : هذا تصريح منه بأن القراءة لا تجب على المأمون مطلقاً ، وهو المنصوص ، والمعروف عند الأصحاب ، لما تقدم من الآية وحديث أبي هريرة .
545 ( وعنه ) أيضاً أن رسول الله [ ] قال : ( إنما جعل الإِمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ) رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه أحمد ومسلم ، فأمر بالقراءة واستماع ، وهو شامل ، وإن لم يسكت الإِمام .
546 وروى عبد الله بن شداد أبي النبي [ ] قال : ( من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة ) رواه سعيد ، وأحمد في مسائل ابنه عبد الله ، والدارقطني ، وروي مسنداً من طرق [ ضعاف ] والصحيح أنه مرسل ، وذلك لا يضر عندنا وحكى ابن الزاغوني رواية بوجوب القراءة على المأموم ، لما تقدم من حديث عبادة في الصحيحين عنه ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتح الكتاب ) وحملا على الأِستحباب ، مع أن الأول قال أحمد : لا يصح عندنا . وقال : لم يرفعه إلا ابن إسحاق ، وظاهر كلام أحمد في رواية أبي الحارث وجوب القراءة حال السر فقط ، قال : إذا جهر الإِمام فأنصت ، وإذا لم يجهر فاقرأ الحمد وسورة ؛ وهو نص حديث عبادة ، وبه تجتمع الأدلة ، والله أعلم .
قال : ويسر القراءة في الظهر والعصر ، ويجهر بها في الأوليين من المغرب والعشاء وفي الصبح كلها .
ش : هذا مجمع عليه ، وقد ثبت ذلك عن رسول الله بنقل الخلف عن السلف ، وهل الجهر والإِخفات في محليهما سنة أو واجب ؟ فيه وجهان ، المذهب الأول ، ومراد الخرقي والله أعلم الإِمام ، فلا يسن الجهر للمنفرد ، وهو المذهب ، إذا المقصود إسماع نفسه ، نعم يباح له ذلك ، وعنه : يسن له .
وقوة كلامه يقتضي أن هذا في الصلاة المؤداة ، أما المقضية فإن قضى صلاة سر أسر وإن قضاها ليلًا ، وإن قضى صلاة جهر ؛ جهر إن قضى ليلًا ، وأسر إن قضى نهاراً ، على ما قطع به أبو البركات ، وفي المغني احتمال بالجهر ، وقال : إن ظاهر كلام أحمد التخيير ، والله أعلم .
قال : ويقرأ في الصبح بطوال المفصل .
ش : المفصل أوله قيل : القتال . وقيل : الفتح ، وقيل : الحجرات ، وقيل : ( ق ) وهو الصحيح .
547 لما روى أبو داود عن أوس بن حذيفة ، قال : سألت أصحاب رسول الله كيف تحزبون القرآن ؟ قالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى ، عشرة ، وثث عشرة وحزب المفصل ، ورواه أحمد ، والطبراني ، وفي آخره : وحزب المفصل من ( ق ) . والأصل في استحباب قراءة طواله في الصبح .
548 لما روى جابر بن سمرة أن النبي كان يقرأ في الفجر بقاف { والقرآن المجيد } ونحوها ، وكانت صلاته بعد إلى التخفيف ، وراه مسلم وغيره .
549 وصح عنه أنه كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة ، وفي الظهر بنحو الثلاثين رية ، وفي العصر على النصف من ذلك . [ والله أعلم ] .
قال : وفي الظهر [ في الركعة الأولى ] بنحو من الثلاثين آية ، وفي الثانية بأيسر من ذلك ، وفي العصر على النصف من ذلك .
550 ش : اتباعاً لفعله ، وإنما استحب أن يقرأ في الثانية بأيسر من الأولى .
551 لما ثبت عنه أنه كان يطول الأولى ، ويقصر الثانية ، ولا اختصاص للظهر . بهذا ، بل المستحب في جميع الصلوات تطويل الأولى ، وتقصير الثانية .
قال : وفي المغرب بسور آخر المفصل .
552 ش : روي عن ( ابن ) عمر قال : كان النبي [ ] يقرأ في المغرب ب 19 ( { قل ي أيها الكافرون } ) و 9 ( { قل هو الله أحد } ) رواه ابن ماجه .
قال : وفي العشاء الآخرة نحو { الشمس وضحاها } وما أشبهها .
553 ش : عن بريدة أن رسول الله كان يقرأ في العشاء ب { الشمس وضحاها } وأشباهها من السور ، رواه أحمد ، والترمذي .
554 وفي الصحيح أنه قال لمعاذ لما طول في العشاء ( فلولا صليت ب { سبح اسم ربك الأعلى } و { الشمس وضحاها } .
قال : ومهما قرأ به بعد أم الكتاب في ذلك كله أجرأه .
ش : يعني أن التفصيل المتقدم على سبيل الاستحباب ، ولو زاد على ذلك أو نقص فلا بأس .
555 فقد صح عنه أنه قرأ في المغرب بالطور ، وبالمرسلات ، وبالأعراف ، وقرأ في الصبح بالمعوذتين ، وفي العشاء وهو مسافر ب ( التين والزيتون ) ومقتضى كلامه أن قراءة الفاتحة واجبة ، وقد تقدم ذلك ، وكلامه موهم ، ويدفع ( هذا ) الوهم ما يذكره به في الأركان لا بد له من قراءة شيء بعد الفاتحة .
قال : ولا يزيد على قراءة أم الكتاب في الآخريين من الظهر ، والعصر ، وعشاء الآخر ، والركعة الآخيرة من المغرب .
556 ش : في الصحيحين عن أبي قتادة [ رضي الله عنه ] أن النبي كان يقرأ في الظهر والعصر ، وفي الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين [ الأخريين ] بفاتحة الكتاب ، وعن علي أنه كان يأمر بذلك ، وقال ابن سيرين : لا أعلمهم يختلفون في ذلك . ثم هل النفي لعدم الاستحباب ، أو للكراهة ؟ فيه روايتان ، أصحهما عند أبي البركات الأول ، لأنه قد جاء عنه أنه زاد أحياناً على قراءة الفاتحة في الآخريين ، والله أعلم .
قال : ومن كان من الرجال ، وعليه ما يستره ما بين سرته وركبته ، أجزأه ذلك .
ش : هذا يتضمن أن عورة الرجل ما بين سرته وركبته ، وهذا المشهورة ، من الروايات ، وعليه العامة .
557 لما روي عن علي [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله [ ] : ( لا تبر فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ) رواه أبو داود وابن ماجه .
558 وعن جرهد الأسلمي قال : مر رسول الله وعلي بردة ، وقد انكشف فخذي فقال : ( غط فخذك ، فإن الفخذ عورة ) رواه أحمد ، ومالك في الموطأ ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه .
559 وعن عمرو بن شعيب عن أبي عن جده عن النبي قال : ( ما بين السرة إلى الركبة عورة ) رواه الدارقطني .
( والرواية الثانية ) : أن السرة والزكبة عورة أيضاً . ( والثالثة ) : وإليها ميل أبي البركات أن العورة الفرجان فقط .
560 لما روت عائشة [ رضي الله عنه ] أن رسول الله [ ] كان جالساً كاشفاً عن فخذه ، فاستأذن أبو بكر ، فأذن له وه وعلى حاله ، ثم استأذن عمر ، فأذن له وهو على حاله ، ثم استأذن عثمان ، فأرخى عليه ثيابه ، فلما قاموا قلت : يا رسول الله استأذن أبو بكر وعمر ، فأذنت لهما وأنت على حالك ، فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك . فقال : ( يا عائشة ألا أستحيي من رجل والله إن الملائكة تستحيي منه ؟ ) رواه أحمد ، ومسلم ، ولكن قال : كاشفاً [ عن ] فخذية أو ساقيه .
561 وعن أنس أن النبي [ ] يوم خيبر انحسر الإزار عن فخذه ، وقال : حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي . رواه أحمد والبخاري ، وقال : حديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط .
وقد تضمن كلام الخرقي أن ستر العورة شرط لصحة الصلاة .
562 لقوله : ( لا يطوفن بالبيت عريان ) متفق عليه ، مع تشبيه الطواف بالصلاة .
563 وقوله : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) .
564 وقوله ( عليه والسلام لما سئل : أتصلي المرأة في درع وخمار ؟ فقال : ( إذا كان واسعاً يغطي ظهور قدميها ) .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لا يعفى عن يسير شيء من العورة ، وكلامه بعد في عورة المرأة ، وأصرح من هذا ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، والمشهور والمختار للأصحاب أنه يعفى عن اليسير في جميع الصلاة ، كما يعفى عن جميعها في الزمن اليسير .
565 لما صح عن رسول الله [ ] أنه قال للنساء : ( لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال [ جلوساً ] لا ترين عورات الرجال من ضيق الأزر ) والمرجع في اليسير إلى العرف ، لأنه لم يرد فيه تقدير ، والعرف أن المغلظة يفحش منها مالًا يفحش من غير المغلظة ، والله أعلم .
قال : إذا كان على عاتقه شيء من اللباس .
ش : يعني [ أنه ] لا بد للرجل مع ستر عورته من أن يضع على عاتقه شيئاً من اللباس فإجزاء الصلاة متوقف على كليهما .
566 لما روى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] أن رسول الله [ ] قال : ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ) رواه البخاري ومسلم [ وقال : عاتقيه ] وهذا نهي والنهي يقتضي فساد المنهي عنه .
ومقتضى كلام الخرقي أنه لو ستر أحد المنكبين وأعرى الآخر أجزأه ، ونص عليه أحمد في رواية مثنى بن جامع ، وزعم القاضي وجماعة أنه لا يكفي ستر أحدهما ، وخرج القاضي ومن وافقه من رواية مثنى صحة الصلاة مع كشف المنكبين ، وأبى ذلك الشيخان ، إجراء لنص أحمد على ظاهره موافقه للدليل .
ومقتضى كلام الخرقي أن المشترط أن يضع شيئاً من اللبس ، ولا يشترط ستر جميعه ، ولا يكفي وضع حبل ونحوه ، وهذا اختيار الشيخين لظاهر قوله : ( ليس على عاقته منه شيء ) وهذا على عاتقه منه شيء ، واختار القاضي وجوب ستر جميعه ، وعاكسه بعضهم فقال : يجزيء ولو حبل أو خيط .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا فرق بين الفرض والنفل ، وهو إحدى الروايتين ، لعموم ما تقدم ، والرواية الثانية يختص ذلك بالفرض ، وهو المشهور ، واختاره القاضي وغيره .
567 لأن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت رسول الله [ ] صلى في ثوب واحد بعضه على عاتقه . رواه أبو داود والغالب أن الثوب الواحد لا يسع لذلك مع ستر المنكب ، ولأن النفل سومح [ فيه ] ما لم يسامح في الفرض ، والله أعلم .
قال : ومن كان عليه ثوب واحد بعضه على عاتقه أجزأه ذلك .
ش : لا إشكال في صحة الصلاة في الثوب الواحد إذا ستر العورة ، وكان العاتق منه شيء .
567 وقد سأل رجل النبي عن الصلاة في الثوب الواحد فقال : ( أولكلكم ثوبان ؟ ) متفق عليه .
569 وفي الصحيح أيضاً عن جابر بن عبد الله [ رضي الله عنهما ] أن النبي قال : ( إذا كان الثوب واسعاً فالتحف به ، وإذا كان ضيقاً فاتزر به ) .
570 وفي الصحيح عنه أيضاً أن النبي صلى في ثوب واحد متشحاً به .
واشعر كلام الخرقي بأن الثوبين أفضل ، وهو واضع ، لأن سؤال الرجل له عن الصلاة في الثوب الواحد يدل على أنه كان من عادته الصلاة في ثوبين .
571 وفي بقية الحديث من [ رواية ] البخاري : ثم سأل رجل عمر فقال : 16 ( إذا وسع الله فأوسعوا . والأفضل من الثوبين ما كان أسبغ ) ، والله أعلم .
قال : ومن لم يقدر على ستر العورة صلى جالساً [ يوميء إيماء ] .
572 ش : لما روى سعيد بن منصور بإسناده عن نافع عن ابن عمر في قوم انكسرت بهم مراكبهم في البحر ، فخرجوا عراة قال يصلون جلوساً ، يومئون إيمان . ولم ينقل عن صحابي خلافه .
وظاهر كلام الخرقي أن الجلوس على طريق الوجوب ، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب ، قال : لا يصلون قياماً ، إذا ركعوا أو سجدوا بدت عوراتهم . لكن عامة الأصحاب على أن الجلوس على سبيل الاستحباب ، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم ، إذ الستر آكد من القيام والركوع والسجود ، بدليل وجوبه على الراحلة ، وفي النافلة ، وخارج الصلاة ، واشتراط دوامه في جميعها ، وهذه الأركان آكد ، للإِجماع عليها ، ولأن الركن من ذات العبادة ، والشرط خارج عنها ولأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط ، وإذا تقرر أن كل واحد منهما آكد من وجه ، خيرناه بينهما ، واستحببنا الستر ، لأنه أحسن وأليق [ بالأدب ] وحمل الشيرازي وجها في المنفرد أنه يصلي قائماً ، قال : بناء على أن الستر كان لمعنى في غير العورة ، وهو عن أعين الناس ، وأما ما حكاه في المقنع من وجوب القيام على رواية فمنكر لا نعرفه والله أعلم .
قال : فإن صلى جماعة عراة كان الإِمام معهم في الصف . [ وسطا ] .
ش : الجماعة مشروعة للعراة كغيرهم ، للعمومات ، والسنة أن يقفوا صفاً واحداً ، والإِمام وسطهم ، لأنه أستر لهم ، ولذلك كانت إمامة النساء في وسطهن .
قال : يومئون إيماء ، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم ، و [ قد روي ] عن أبي عبد الله [ رحمه الله رواية أخرى ] أنهم يسجدون بالأرض .
ش : المختار لمن عدم السترة أن يوميء بالركوع والسجود لما تقدم ، ويكون السجود أخفض من الركوع ، محاكاة للبدل بالمبدل ، ولو ركعوا وسجدوا جاز ، كما تقدم في القيام ، وعن أحمد ، أنه يلزمهم الركوع والسجود بالأرض ، اختارها ابن عقيل ، لئلا يسقط فرضين بتحصيل واحد ، والله أعلم .
قال : ومن كان في ماء وطين أومأ إيماء .
ش : هذا [ المشهور ] المعروف من الروايتين ، لأنه إن سجد على الماء فالماء لا قرار له ، وإن سجد على الطين لحقته مشقة وضرر ، وذلك منفي شرعاً ، وقد صلى النبي على راحلته بالإِيماء كذلك كما سيأتي إن شاء الله ( والرواية الثانية ) أن يسجد على متن الماء ، محافظة على ما أمكن من السجود ، قال : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .
وقد شمل كلام الخرقي الراكب ، فإنه يصلي على مركوبه إذا خشي الأذى بالمطر أو الوحل بالإِيماء ، إن تعذر عليه الركوع والسجود على ظهر المركوب .
573 لما روى يعلى بن مرة عن النبي [ ] أنه انتهى إلى مضيق ، ومعه أصحابه ، والسماء من فوقهم ، والبلة من أسفل منهم ، فصل رسول الله [ ] على راحلته ، وأصحابه على [ ظهور ] دوابهم ، يومئون إيماء ، يجعلون السجود أخفض من الركوع . رواه الترمذي وغيره ( وعنه ) المنع .
574 لقوله : ( صل قائماً ) ، وغيره وعلى هذا ينزل بالأرض ويصلي كما تقدم .
( تنبيه ) : زعم أبو محمد أن الموميء للمطر لا يترك الاستقبال ، وفيه نظر ، بل ينبغي أنه إذا صلى على الراحلة فحكمه حكم المتطوع عليها ، والله أعلم .
قال : وإذا انكشف من المرأة الحرة شيء سوى وجهها أعادت [ الصلاة ] .
ش : لا خلاف أن للمرأة كشف وجهها في الصلاة لما سيأتي ، وقد أطلق أحمد [ رحمة الله ] القول بأن جميعها عورة وهو محمول على ما عدا الوجه ، أو على غير الصلاة ، أما ما عدا الوجه ، ( فعنه ) عورة إلا يديها ، اختارها أبو البركات ، لقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } .
575 قال ابن عباس : وجهها وكفاها .
576 وعن النبي [ ] ( إذا بلغت المرأة المحيض فلا تكشف إلا وجهها ويدها ) ذكره أحمد في رواية عبد الله ، ورواه أبو داود ، ولفظه : ( إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا [ وهذا ) ] وأشار إلى وجهه وكفيه .
577 وعن أم سلمة أنها سألت النبي [ ] : أتصلي المرأة في درع وخمار ، [ ليس ] عليها إزار ؟ قال : ( إذا كان الدرع سابغاً ، يغطي ظهور قدميها ) رواه أبو داود . ( وعنه ) ويديها أيضاً ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختيار القاضي في التعليق ، لأنه لا يلزم كشفها في الإِحرام ، أشبها سائر بدنها . هذا كله في الحرة البالغة ، أما المراهقة فكالأمة على ما سيأتي إن شاء الله [ تعالى ] لمفهوم قوله : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) والله أعلم .
قال : وصلاة الأمة مكشوفة الرأس جائزة .
578 ش : قال ابن المنذر : ثبت أن عمر [ رضي الله عنه ] قال لأمة رآها مقنعة : اكشفي رأسك لا تتشبهي بالحرائر . ولقد بالغ بعض الأصحاب فقال : لو صلت مغطاة الرأس لم تصح صلاتها . أما ما عدا الرأس فقال ابن حامد وابن عقيل ، وأبو الخطاب ، والشيرازي ، وغيرهم : عورتها كعورة الرجل . وظاهره إجراء روايتي الرجل فيها ، وصرح بذلك ابن البناء في الخصال في النكاح ، والحلواني ، وزعم أبو البركات أن ما بين السرة والركبة منها عورة إجماعاً ، وكأنه حمل إطلاق الأصحاب على أنهم فرعوا على المذهب عندهم .
579 وذلك لما روى أبو داود عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي [ ] قال : ( إذا زوج أحدكم خادمه [ عبده أو ] أجيره ، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة ) والمراد بالخادم الأمة ، وقال القاضي في [ الجامع ] : ما عدا رأسها ، وساقها ، وما يظهر غالباً عورة ، وحكاه أبو الحسين نصاً عن أحمد ، إذ الأصل كونها كالحرة لعموم ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) ونحوه ، لكن ترك ذلك فيما يظهر غالباً ، لمشقة احترازها عنه ، وشهد له قصة عمر .
580 وعن علي [ رضي الله عنه ] : تصلي الأمة كما تخرج . رواه الأثرم .
581 وفي الصحيحين أنه لما أو لم على صفية قال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين ، أو ما ملكت يمينه ؟ فقالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي ما ملكت يمينه ، فلما ارتحل وطأ لها خلفه ، ومد الحجاب . وقد انتضم من هذا أن [ ظاهر ] كلام الخرقي في أن ما عدا رأسها عورة لا قائل به فالظاهر أن الخرقي [ رحمه الله ] إنما نص على الرأس لقصة عمر . وقد شمل كلام الخلاقي المدبرة ، والمعلق عتقها بصفة ، والمكاتبة ، وخرج من كلام المعتق بعضها ، فإنها كالحرة على الصحيح من الروايتين ، والله أعلم .
قال : ويستحب الأم الولد أن تغطي رأها في الصلاة ش : للخروج من الخلاف ، إذ قد نقل عن أحمد [ رحمه الله ] فيها روايتان ، ( إحداهما ) أن حكمها حكم الحرة اختاره أبو بكر ، فيما نقله عنه أبو الحسين ، احتياطاً للعبادة ، إذ قد وجد [ فيها ] سبب الحرية وجوداً لازماً ، ( والثانية ) أن حكمها حكم الأمة ، وهي اختيار الأكثرين ، الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي وغيرهم ، لأنها رقيقة لم يعتق منها شيء ، أشبهت المكاتبة ، والله أعلم .
قال : ومن ذكر أن عليه صلاة وهو في أخرى أتمها وقضى المذكورة ، وأعاد [ الصلاة ] التي كان فيها إذا كان الوقت مبقى .
ش : قضاء الصلوات يجب عندنا على الفور حسب الإِمكان ، ما لم تلحقه مشقة .
582 لما روى أنس [ رضي الله عنه ] أن النبي [ ] قال : ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ) متفق عليه .
583 وعن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] أن رسول الله [ ] قال : ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ، قال الله تعالى : { أقم الصلاة لذكري } رواه مسلم وغيره ، وفي لفظ ( فوقتها إذا ذكرها ) .
584 ويجب مرتباً لما روي عن ابن مسعود [ رضي الله عنه ] أن المشركين شغلوا رسول الله [ ] عن أربع صلوات يوم الخندق ، حتى ذهب من الليل ما شاء الله ، فأمر بلالًا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ثم أقام فصلى المغرب ، ثم أقام فصلى العشاء . رواه أحمد ، والنسائي ، وفعله ورد مبيناً للصلاة المؤداة وغيرها ، ويعضده قوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
إذا تقرر هذا فإذا نسي أن عليه الصلاة فلم يذكرها [ مثلًل ] حتى شرع في أخرى كأن ترك صلاة الظهر مثلًا ، ولم يذكرها حتى شرع في صلاة العصر فالمشهور الذي عليه الخرقي وجمهور الأصحاب أن الترتيب لا يسقط ، لإِمكان اعتباره . ( وعن ) أحمد يسقط في المأموم خاصة ، لئلا تتفوت الجماعة في الفريضة المؤداة . واختار أبو البركات سقوطه رأساً .
585 لما روى ابن عباس [ رضي الله عنهما ] أن النبي [ ] قال : ( إذا نسي أحدكم صلاة ، فذكرها وهو في صلاة مكتوبة ، فليبدأ بالتي هو فيها ، فإذا فرغ منها صلى التي نسي ) [ رواه الدارقطني ] ولأن الحاضرة بالشروع فيها صارت كالمضيقة للوقت ، بدليل تحريم الخروج منها لغير غرض . ( فعلى هذا ) يتم التي هو فيها وتجزئه ، ثم يقضي الفائتة ، ( وعلى المذهب ) ظاهر كلام الخرقي أنه يتمها ، إماماً كان أو مأموماً ، أو منفرداً ، والمنصوص عن أحمد أن الإِمام يقطعها ، معلًا بأنهم مفترضون خلف متنفل ، وإذاً إن صحت صلاة المفترض خلف المتنفل أتمها إِمام كغيره . ( وعنه في المأموم والمنفرد روايات ( أشهرها ) : أنهما يتمونها نفلًا إما ركعتين وإما أربعاً ، حذاراً من بطلان العمل ، وجمعاً بين المصلحتين . ( والثانية ) : يتمها المأموم دون المنفرد .
586 لما روى الدارقطني عن ابن عمر [ رضي الله عنهما ] عن النبي قال : ( إذا نسي أحدكم صلاة ، فذكرها وهو مع الإِمام فليصل مع الإِمام ، فإذا فرغ من صلاته فليصل التي نسي ، ثم ليعد صلاته التي صلى مع الإِمام ) . ( والثالثة ) : عكس الثانية : يتمها المنفرد دون المأموم ، حكاها أبو محمد .
هذا كله بشرط سعة الوقت ، كما صرح به الخرقي ، أما إن ضاق الوقت فإن الترتيب يسقط كما سيأتي إن شاء الله [ تعالى ] ثم الأصحاب يشترطون بقاء قدر يسع الإِتمام التي هو فيها ، وقضاء الفائتة ، ثم إعادة الحاضرة ، وأبو البركات يقول : إنما يشترط ما يسع عقب الذكر للقضاء ، ثم لفعل الحاضرة ، إذ إتمام الألألى نفل ، فلا يسقط بضيق الوقت عنه ترتيب واجب .
ومقتضى كلام الخرقي [ رحمه الله ] أنه لو لم يذكر حتى فرغ من الصلاة التي صلاها فإنها تصح وتجزئه ، وهو المشهور من الروايتين .
587 لقوله : ( عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ) الحديث ( والثانية ) : لا تجزئه ، مراعاة للترتيب مطلقاً ، حكاها ابن عقيل .
88 ذ لما روي عن أبي جمعة حبيب بن سباع أن النبي [ ] عام الأحزاب صلى المغرب ، فلما فرغ قال : ( هل علم أحد منكم أني صليت العصر ؟ ) قالوا : يا رسول الله ما صليتها . فأمر المؤذن فأقام فصلى العصر ، ثم أعاد المغرب . رواه أحمد وقد ضعف والله أعلم .
قال : فإن خشي فوات الوقت اعتقد وهو فيها أن لا يعيدها ، وقد أجزأته ، ويقضي التي عليه .
ش : كأن اعتقاد صيرورتها نفلًا إذا ذكر وهو فيها صار لازماً ، فقال : إذا ضاق الوقت يعتقد أن لا يعيدها ، وإلا فالشرط بقاء نيته ، والأصل في سقوط الترتيب مع ضيق الوقت ، سواء كان في صلاة ، أو لم يكن .
589 لعموم قوله : ( إنما التفريط في اليقظة ، أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى ) ولأن في الترتيب تفويتاً للصلاتين ، وفي تركه تحصيلًا لإِحدهما ، فكان أولى ، ولأن فعل الصلاة في وقتها فريضة ، وتأخيرها عنه محرم إجماعاً وأصل الترتيب في القضاء على الفور مختلف في وجوبهما ، وإذاً عند التزاحم مراعاة المجمع عليه أولى ، وعلى هذا يقضي [ إلى ] أن يبقى تمن وقت الحاضرة بقد فعلها ، فإذاً يأتي بها ، ولا تصح منه قبل ذلك . ( وعن أحمد ) رواية أخرى : لا يسقط الترتيب ، بل تلزمه الموالاة في الفوائت قدر الطاقة ، ولا تحسب له حاضرة ما دام عليه فائتة ، اختارها الخلال وصاحبه ، لعموم قوله : ( من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها ) .
590 ويروى عن النبي أنه قال : ( لا صلاة لمن عليه صلاة ) إلا أن أحمد قال : لا أعرفه ؛ وقد أنكر القاضي هذه الرواية ، وحكى عن أحمد ما يدل على رجوعه عنها ، وكذلك أبو حفص قال : إما أن يكون قولًا قديماً أو غلطاً ، ( وعنه ) رواية ثالثة : إن ضاف وقت الحاضرة عن قضاء كل الفوائت سقط ترتيبهن عليها ، وكان له فعلها في أول الوقت . حكاها أبو حفص إذا التأخير عن أول الوقت لا تحصل به براءة الذمة بما فيها ، فاغتنام التقديم أولى . والأول هو المشهور ، اختاره القاضي وغيره ، وعليه : لو خالف وصلى الفائتة إذاً فهل يصح ؟ فيه وجهان .
( تنبيه ) : خشية خروج الوقت الاختياري كخشية خروج الوقت بالكلية ، فإذا خشي الاصفرار فعل الحاضرة ، والله أعلم .
قال : ويؤدب الغلام على الطهار والصلاة إذا تمت له عشر سنين .
591 ش : لما روى عمر بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله : ( مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع ) رواه أحمد ، وأبو داود ، وأمره بذلك واجب على الولي ، نص عليه لظاهر الأمر .
وقوة كلام الخرقي يقتضي أن الصلاة لا تجب عليه ، وهو المشهور ، المختار من الروايتين .
592 لقوله : ( رقع القلم عن ثلاثة ) الحديث .
والثانية : تجب على من بلغ عشراً . اختارها أبو بكر ، لأنه معاقب إذاً . وهو دليل الوجوب والله أعلم .
قال : وسجود القرآن أربع عشرة [ سجدة ] .
ش : سجدة [ في ] الأعراف آخرها ، وفي الرعد عند { وظلالهم بالغدو والآصال } وفي النحل { ويفعلون ما يؤمرون } وفي سبحان { ويزيدهم خشوعا } وفي مريم { خروا سجدا وبكيا } وفي [ أول ] الحج { يفعل ما يشاء } وفي الفرقان { وزادهم نفورا } وفي النمل { رب العرش العظيم } وفي [ الم ] { تنزيل } السجدة { وهم لا يستكبرون } وفي حم السجدة { إن كنتم إياه تعبدون } اختاره ابن أبي موسى ، وقيل عند { وعم لا يسأمون } اختاره الأكثرون ، فظاهر كلام أحمد التخيير بينهما ، وفي آخر الحج { وافعلوا الخير لعلكم تفلحون } وفي الحجم { فاستجدوا لله واعبدوا } وفي الإِنشقاق { وإذا قريء عليهم القرآن لا يسجدون } وفي { اقرأ باسم ربك } آخرها . فأما العشر الأول فبالإِجماع ، وأما ثانية الحج .
593 فلما روى عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله أفضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين ؟ قال : ( نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) رواه أحمد وأبو داود ، واحتج به أحمد في رواية عبد الله . وأما سجدة النجم .
594 فلما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي سجد بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون ، والجن والإِنس . رواه البخاري وغيره .
595 وعن ابن مسعود أن النبي قرأ ( والنجم ) فسجد فيها ، وسجد من كان معه ، غير أن شيخاً أخذ كفا من حصباء أو تراب ، فرفعه إلى جبهته وقال : يكفيني هذا . قال عبد الله : فلقد رأيته بعد قتل كافرا . متفق عليه . وأما سجدة الإِنشقاق ، و { اقرأ باسم ربك } .
596 فلما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : سجدنا مع رسول الله في { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } . رواه مسلم وغيره .
وظاهر كلام الخرقي أن سجدة ( ص ) وهي عند { وخر راكعاً وأناب } ليست من عزائم السجود ، وهو المشهور ، المختار من الروايتين .
597 لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ليست ( ص ) من عزائم السجود ، وقد رأيت النبي يسجد فيها . رواه البخاري وغيره .
598 وعنه أن النبي سجد في ( ص ) وقال : ( سجدها داود توبة ، وسجدناها شكراً ) رواه النسائي ، وعلى هذا إن سجد خارج الصلاة سجد تأسياً ، وإن سجد في الصلاة ففي الجواز وجهان . ( والرواية الثانية ) هي من عزائم السجود ، يسجد لها في الصلاة وغيرها .
599 لما روى عمرو بن العاص أن النبي قرأ خمس عشرة سجدة في القرآن ، منها ثلاث في المفصل ، وفي الحج سجدتان . رواه أبو داود وفيه ضعف ، مع أنا نقول بموجبه لأنا نسميها سجدة ، والله أعلم .
قال : في الحج منها أثنتان .
ش : قد تقدم هذا [ والله أعلم ] .
قال : ولا يسجد إلا وهو ظاهر .
ش : لأنه صلاة ، فيدخل في عموم الأدلة المقتضية لذلك ، ولأنه سجود أشبه سجود السهو ، وحكمه في بقية [ شرائط ] الصلاة من الستارة ، واستقبال القبلة حكم صلاة التطوع ، والله أعلم .
قال : ويكبر إذا سجد .
ش : يكبر إذا سجد ، في صلاة كان أو غيرها ، لعموم ، ( تحريمها التكبير ) .
600 وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يقرأ علينا القرآن ، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه ؛ رواه أبو داود .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يزيد على ذلك ، لظاهر حديث ابن عمر ، وقال غيره : يكبر إذا رفع ، قياساف على سجود السهو والصلب ، وغالى أبو الخطاب فقال : يكبر للإِحرام أيضاً .
قال : ويسلم إذا رقع .
ش : يجلس ويسلم على المشهور ، المختار من الروايتين ، لعموم ( تحليها التسليم ) ، ( والثانية ) : لا يسلم فيه ، لأنه لم يثبت عن النبي ، ويكتفي بتسلميه واحدة عن يمينه ، ونص عليه ، وعنه : بل اثنتان .
601 وعن ابن مسعود رضي الله عنه روايتان .
قال : ولا يسجد في الأوقات التي لا يجوز أن يصلي فيها تطوعاً .
ش : هذه فرع أن ذات السبب لا تفعل في وقت النهي ، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى .
قال : ومن سجد فحسن ، ومن ترك فلا شيء عليه .
ش : السجود للتلاوة سنة ، لا يأثم تاركه على المشهور .
602 لما روى زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي : ( والنجم ) فلم يسجد فيها . رواه الجماعة ، وفي لفظ للدارقطني : فلم يسجد منا أحد .
603 وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ يوم الجمعة في المنبرة سورة النحل ، حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد ، وسجد الناس ، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها ، حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس إنما نمر بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب ، ومن لم يسجد فلا إثما عليه ، ولم يسجد عمر رضي الله عنه ، ورواه البخاري ، ومالك في الموطأ ، وقال فيه : إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء . وهذا الذي قاله بمحضر من الصحابة ، ولم ينكره أحد ، فصار إجماعاً ، وعن أحمد ما يدل على وجوبه في الصلاة ، والله أعلم .
قال : وإذا حضرا الصلاة والعشاء بدئ بالعشاء .
604 ش : لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي قال : ( إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤا بالعشاء ) متفق عليه .
605 وعنها أيضاً قالت سمعت رسول الله يقول : ( لا صلاة بحضرة الطعام ، ولا هو يدافعه الأخبثان ) والمنع على سبيل الكراهة عند الأصحاب ، فلو خالف وصلى صحت صلاته إجماعاً ، ولا بد من الكراهة أن تطلبه نفسه ، أما إن لم تطلبه فلا كراهة ، والله أعلم .
قال : وإذا حضرت الصلاة وهو محتاج إلى الخلاء بدأ بالخلاء [ والله أعلم ] .
ش : لحديث عائشة المتقدم .
606 وعن عبد الله بن الأرقم قال : قال رسول الله : ( إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء ) رواه أبو داود ، والسنائي ، والترمذي وصححه ، فإن خالف وصلى صحت صلاته ، على المنصوص ، والمختار للأكثرين ، [ إذا غايته ] اشتغال سره ، وهذا لا يمنع الصحة ، كما لو كان له مال خشي تلفه ، ونحو ذلك ، وحملًا للنص على الكراهة ، ونقل عنه حرب يعيد ، عملًا بظاهر النص ، وقال ابن أبي موسى إن أشغل عن الصلاة ، أو عن إتمامها أعاد في الظاهر من قوله ، وظاهر كلام الخرقي أنه يبدأ بالعشاء والخلاء وإن خشي فوات الجماعة ، وهو صحيح ، ولعموم ما تقدم ، والله أعلم .
قال :
( باب ما يبطل الصلاة إذا ترك عامداً أو ساهياً )
ش : يعرف من هذا الباب أركان الصلاة ، وواجباتها ، وسننها . [ والله أعلم ] .
قال : ومن ترك تكبيرة الإِحرام ، أو قراءة الفاتحة وهو إمام أو منفرد ، أو الركوع ، أو الاعتدال بعد الركوع ، أو السجود ، أو الاعتدال بعد السجود ، أو التشهد الأخير ، أو السلام ، بطلت صلاته ، عامداً كان أو ساهياً .
ش : الصلاة تشتمل على ثلاثة أشياء ، أركان ، وواجبات ، وسنن ، وبدأ الخرقي [ رحمه الله ] بذكر الأركان لأنها أهم ، وعدها ثمانية ، تكبرة الإِحرام ، وقراءة الفاتحة ، والركوع ، والاعتدال بعده ، والسجود ، والاعتدال بعده ، والتشهد الأخير ، والسلام ، وقد تقدم ذكر ذلك ، والدليل عليه .
607 ويدل على أكثرها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا دخل المسجد فصلى ، ثم جاء فسلم على النبي [ ] فقال : ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) فرجع فصلى كما صلى ، ثم جاء فسلم على النبي [ ] فقال : ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) ثلاثاً ، فقال : والذي بعثك بالحق نبياً لا أحسن غيره فعلمني . قال : ( إذا قمت [ إلى ] الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ، وافعل ذلك في صلاتك كلها ) متفق عليه .
وبقي على الخرقي [ رحمه الله ] القيام في الفريضة مع عدم العذر ، فإنه ركن ، لقوله لعمران بن حصين ( صل قائماً ) الحديث رواه البخاري وغيره ، وقد يؤخذ من كلامه في صلاة المريض . ( وبقي عليه ) أيضاً الجلوس للتشهد الأخير ، ( وبقي عليه ) أيضاً الطمأنينة في هذه الأفعال ، الركوع ، والاعتدال عنه ، والسجود ، والاعتدال عنه ، فإنها فرض بلا نزاع ، لحديث الأعرابي وقد تقدم ، وقدر الطمأنينة أدنى سكون بين الخفض والرفع في وجه ، وفي آخر وقواه أبو البركات بقدر الذكر الواجب فيه ، وفائدة الخلاف لو نسي تسبيح الركوع والسجود ، ونحو ذلك ، واطمأن قدراً لا يتسع له ، صحت صلاته على الأول دون الثاني ، ولا بد من مراعاة ترتيب الأركان ، بأن يأتي بالقيام ، ثم الركوع ، على ما تقدم فبعضهم يعده ركناً ، وبعضهم يقول : هو مقوم للأركان ، لا تعتبر إلا به ، كما أن قراءة الفاتحة ركن ، ولا يعتبر إلا بترتيبها ، والسجود ولا يعتبر إلا على الأعضاء السبعة ، كما تقدم .
وقول الخرقي : أو قراءة الفاتحة وهو إمام أو منفرد . احترازاً من المؤتم ، فإن القراءة لا تجب عليه كما تقدم ، وقوله : بطلت صلاته عامداً كان أو ساهياً . أما إذا ترك ذلك عمداً فواضح ، وأما سهواً فإن ذكره في الصلاة قبل أن يشرع في قراءة ركعة أخرى أتى به وبما بعده ، لأنه مرتب عليه ، وبعد الأخذ في قراءة أخرى تصير عوضاً عن الفائت ركنها ، وتبطل تلك ، وإن ذكره وقد سلم بطلت الصلاة على رأي أبي الخطاب ، ومن كلام ابن أبي موسى : والمذهب وهو المنصوص في رواية الجماعة اختصاص البطلان بطول الفصل ، ثم إن كان المتروك سلاماً أتى به فحسب ، وإن كان تشهداً أتى [ به ] وسلم ، وإن كان غيرهما أتى بركعة تامة ، والله أعلم .
قال : ومن ترك شيئاً من التكبير غير تكبيرة الإِحرام ، أو التسبيح في الركوع ، أو التسبيح في السجود ، أو قول : سمع الله لمن حمده ، أو قول : ربنا ولك الحمد . أو قول رب اغفر لي أو التشهد الأول ، أو الصلاة على النبي في التشهد الأخير ، عامداً بطلت صلاته ، ومن ترك شيئاً منها ساهياً أتى بسجدتي السهو قد صحت صلاته [ والله أعلم ] .
ش : هذا النوع الثاني مما اشتملت الصلاة عليه ، وهو الواجبات ، وهو عبارة هنا عما أبطل الصلاة عمده دون سهوه ، وهذا لدليل خاص دال عليه ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى وإلا [ فلا ] فرق [ بينا ] عندنا بين الفرض والواجب على الصحيح ، وقد تقدم ذكر هذه الواجبات ، والخلاف فيها ، ونشير هنا إلى دليل المذهب ، أما التكبير غير التحريم .
608 فلما روى أبو موسى الأشعري ، في حديث له عن النبي [ ] قال : ( فإذا كبر الإِمام وركع فكبروا واركعوا ، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا ) رواه مسلم وغيره وظاهر الأمر الوجوب .
609 وروى رفاعة بن رافع أن النبي [ ] قال في قصة الرجل الذي أمره بإعادة الصلاة ( إنها لن تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، ثم يكبر الله ، ويحمده ويمجده ، ويقرأ ما تيسر من القرآن ، ثم يكبر ويركع ، حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده . ثم يستوي قائماً ، حتى يقيم صليه ، ثم يكبر ويسجد ، حتى يمكن وجهه ، أو قال : جبهته ، حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ويكبر فيرفع ، حتى يستوي قاعداً على مقعدته ، ويقيم صلبه ، ثم يكبر فيسجد حتى يمكن وجهه ، ويسترخي ويطمئن ، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته ) رواه النسائي وأبو داود . والظاهر أن المراد بنفي التمام نفي الصحة ، لأنه ذكره بيان لما تعاد منه الصلاة ، وإنما سقط بالسهو .
610 لما احتج به أحمد من أنه عنه أنه قام إلى ثالثة ناسياً ، وسجد للسهو ولم يعد ، وقد ترك بسهوة تكبيرة ، مع التشهد ، وجلسته .
وأما التسبيح في الركوع والسجود فللأمر به في حديث عقبة بن عامر المتقدم ، ولقوله تعالى : 19 ( { إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا ، وسبحوا بحمد ربهم } ) فأخبر أنه لا يؤمن إلا من سجد إذا ذكر بالآيات ، وسبح بحمد ربه ، واستدل لذلك أيضاً بقوله تعالى : 19 ( { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } ) والمراد الصلاة ، وذلك يدل على لزوم التسبيح فيها ، كما في قوله تعالى : 19 ( { قم الليل } ) فإنه يدل على وجوب القيام ، وقوله : 19 ( { وقرآن الفجر } ) يدل على وجوب القراءة ، وفيه نظر ، وإنما سقط بالسهو قياساً على تكبيرات الخفض . ( وأما ) قول : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، وقول : رب اغفر لي . فلأن النبي قال ذلك ، وواظب عليه ، وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) وقال : ( إذا قال الإِمام : سمع الله لمن حمده . فقولوا : ربنا ولك الحمد ) وسقط بالسهو قياساً على التكبيرات . ( وأما ) التشهد الأول فلما تقدم في التشهد الأخير ، وإنما قلنا بسقوطه هنا لأنه ثبت أن النبي تركه ، ولم يعد له ، وحكم جلسته حكمه .
وأما الصلاة على النبي فلما تقدم من حديث كعب ابن عجرة ، ولظاهر قوله تعالى : 19 ( { إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ) .
611 وروي عن النبي أنه قال : ( لا صلاة لمن لم يصل على نبيه [ ] رواه ابن ماجه والدارقطني .
612 وإنما سقط بالسهو لما روى فضالة بن عبيد ، قال : سمع النبي رجلًا يدعو في صلاته ، ولم يصل عليه ، فقال النبي : ( عجل هذا ) ثم دعاه فقال له أو لغيره : ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ، ثم ليدع بعد بما شاء ) رواه الترمذي وصححه ، ولم يأمره بالإِعادة ، وكان جاهلًا ، والجاهل والناسي فيه سواء .
قال أبو البركات : وعد غير الخرقي مع ذلك نية الخروج ، وبعضهم التعوذ والاستفتاح ، وقد تقدم ذلك ، وعد أبو محمد في المقنع والمغني التسليمة الثانية ، في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى أنها سنة ، وأبو الخطاب ، وأبو البركات وغيرهما على الخلاف هل الثانية ركن أو سنة بل المذهب عند أبي بكر ، والقاضي والأكثرين أنها ركن ، وقد أُشعر كلام الخرقي بأن ما عدا ذلك سنة ، والله سبحانه أعلم .
قال :
باب سجدتي السهو

ش : لا إشكال في مشروعية ذلك في الجملة والأحاديث مستفيضة بذلك .
قال : ومن سلم وقد بقي عليه شيء من صلاته أتى بما بقي عليه من صلاته وسلم ، ثم [ كبرو ] سجد سجدتي السهو ، ثم تشهد وسلم ، لما روى أبو هريرة ، وعمران بن الحصين رضي الله عنهم عن النبي أنه فعل ذلك .
ش : قد ذكر الخرقي رحمه الله الحكم ودليله ، وهو حديث أبي هريرة ، وحديث عمران بن حصين .
613 أما حديث أبي هريرة ففي الصحيحين عن ابن سيرين عنه قال : صلى بنا رسول الله [ ] إحدى صلاتي العشي ، فصلى بنا ركعتين ، ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد ، فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ، وشبك بين أصابعه ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ، وشبك بين أصابعه ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى ، وخرجت السرعان من أبواب المسجد ، فقالوا : أقصرت الصلاة ؟ وفي القوم أبو بكر وعمر ، فهاباه أن يكلماه ، وفي القوم رجل يقال له : ذو اليدين ، فقال : يا رسول الله أنسيت ، أم قصرت الصلاة ؟ قال ( لم أنس ، ولم تقصر ) فقال : ( أكما يقول ذو اليدين ؟ ) فقالوا : نعم . فتقدم فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه فكبر ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ، ثم رفع رأسه وكبر ، فربما سألوه : ثم سلم ؟ فيقول : نبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم .
614 وأما حديث عمران فرواه مسلم وغيره ، ولفظه : أن رسول الله [ ] صلى العصر ، فسلم في ثلاث ركعات ، ثم دخل منزله وفي لفظ فدخل الحجرة ، فقام إليه رجل يقال له : ( الخرباق ) وكن في يده طول ، فقال : يا رسول الله . فذكر له صنيعه ، فخرج غضبان ، يجر رداءه ، حتى انتهى إلى الناس ، فقال : ( أصدق هذا ؟ ) قالوا : نعم . فصلى ركعة ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ثم سلم .
615 وعن عمران بن حصين أيضاً ، أن النبي [ ] صلى بهم فسهى ، فسجد سجدتين ، ثم تشهد ، ثم سلم . رواه أبو داود والترمذي .
وقول الخرقي : ومن سلم . أي ساهياً ، إذ كلامه في السهو ، لأنه لو فعل ذلك عامداً بطلت صلاته ، وقوله : وقد بقي عليه شيء . يشمل القليل والكثير ، وكذا أطلق أبو الخطاب ، وأبو محمد ، وغيرهما ، وشرط أبو البركات أن يكون ذلك من نقص ركعة تامة فأكثر ، أما لو كان النقص سجدة ونحوها فإنه يسجد له قبل السلام ، وقد نص أحمد على ذلك ، في رواية حرب ، وهو موجب الدليل ، لأن قاعدة أحمد أن السجود كله قبل السلام ، إلا في هذين الموضعين لورود النص بهما ، والنص إنما ورد في نقص ركعة تامة أو ركعتين ، فإن كان الخرقي أراد الإِطلاق فلعله يقول : لا فرق بين نقص ركعة وسجدة ، فهو من باب لا فارق .
وقوله : أتى بما بقي عليه . مشعر بأن صلاته لا تبطل بالسلام ، وهو صحيح إن كان سلامه ظناً منه أن صلاته قد انقضت ، أما لو كان السلام من العشاء [ يظن ] أنها التراويح ، أو من الظهر يظن أنها جمعة ، أو فجر فائتة ، فإن الأولى تبطل ، ولا بناء ، نص عليه ، لاشتراط دوام النية ذكراً أو حكمه ، وقد زالت باعتقاد صلاة أخرى .
وقوله : أتلى بما بقي عليه . شرطه أن لا يطول الفصل ، ولا يشترط البقاء في المسجد ، نص أحمد على ذلك في رواية ابن منصور ، محتجاً بحديث عمران بن حصين المتقدم ، وشرط أبو محمد أيضاً أن لا ينتقض وضوءه ، والذي ينبغي أن يكون حكم الحدث هنا حكم الحدث في الصلاة هل يبني معه ، أو يستأنف ، أو يفرق بين حدث البول والغائط ، وغيرهما ؟ على الخلاف ، وقول الخرقي يشمل وإن دخل في صلاة أخرى ، وهو المشهور عنه ، فعلى هذا يبني ما لم يطل الفصل ، وعنه : يستأنفها ، كذا أطلق الرواية أبو البركات ، وفي المغني اختصاص الرواية بما إذا كانت الثانية تطوعاً ، وقال الشيرازي : يجعل ما عمل في الثانية تماماً للأولى .
( تنبيه ) : يتشهد كالتشهد الأخير ، قاله السامري ، والله أعلم .
قال : ومن كان إماماً فشك فلم يدر كم صلى ، تحرى ، فبنى على أكثر وهمه ، ثم سجد [ أيضاً ] بعد السلام ، كما روى عبد الله بن مسعود عن النبي .
ش : إذا شك الإِمام أو المنفرد في عدد الركعات ، بنيا على اليقين ، على إحدى الروايات ، اختارها أبو بكر ، والقاضي ، وأبو الخطاب ، وأبو البركات .
616 لما روى عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت النبي [ ] يقول : ( إذا شك أحدكم في صلاته ، فلم يدر : واحدة صلى أم اثنتين ؟ فليجعلها واحدة ، وإن لم يدر : ثنتين صلى أو ثلاثاً . فليجعلها اثنتين ، وإن لم يدر : ثلاثاً صلى أم أربعاً . فليجعلها ثلاثاً ، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس ، قبل أن يسلم سجدتين ) رواه أحمد والترمذي وصححه . وروى ذلك من حديث أبي سعيد ، رواه مسلم وغيره ، ويحمل تحري الصواب في خبر عبد الله بن مسعود على استعمال اليقين ، لأنه أحوط ، فهو أقرب إلى الصواب ( والرواية الثانية ) يبنيان على غلبة ظنهما .
617 لما روى ابن مسعود [ رضي الله عنه ] أن النبي [ ] قال : ( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ، فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم ليسجد سجدتين ) متفق عليه ، ويحمل ما تقدم على استواء الأمرين ، فإنه لا خلاف إذاً في البناء على اليقين .
( والرواية الثانية ) يبني الإِمام على غالب ظنه ، والمنفرد على اليقين ، لأنه أمر بالتحري لما جرى عليه السهو في حال إمامته ، فحملناه على من كان مثل حاله ، وحملنا النص باليقين على المنفرد ، جمعاً بين الأحاديث ، والمعنى في ذلك أن الإِمام يبعد غلطه ، إذ وراءه من ينبهه ، فمتى سكتوا عنه علم أنه على الصواب ، بخلاف المنفرد ، وهذه الرواية اختيار الخرقي ، وأبي محمد ، وقال : إنها المشهورة . أما المأموم فإنه يرجع إلى فعل الإِمام والمأمومين ، بناء على [ أن ] الإِمام إذا سبح به المأمومون أنه يرجع إليهم ، كذلك المأموم ، وحيث قلنا بالبناء على غلبة الظن ، فإن السجود له بعد السلام ، لنص حديث عبد الله بن مسعود والله أعلم .
قال : وما عدا ذلك من السهو فسجوده قبل السلام ، مثل المنفرد إذا شك في صلاته فلم يدر كم صلى فبنى على اليقين ، أو قام في موضع جلوس ، أو جلس في موضع قيام ، أو جهر في موضع تخافت ، أو خافت في موضع جهر ، أو صلى خمساً ، أو ما عداه من السهو فكل ذلك يسجد له قبل السلام .
ش : ما عدا الصورتين المتقدمتين وهو ما إذا سلم وقد بقي عليه شيء من صلاته ، وما إذا كان إماماً فبنى على غلبة ظنه ، وقد تقدما مع دليلهما من صور سجود السهو ، فإن السجود له قبل السلام ، لما تقدم من حديث عبد الرحمن ابن عوف ، وعن أبي سعيد نحوه .
618 وصح عنه أنه لما ترك التشهد الأول سجد له قبل أن يسلم .
619 وعن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] عن النبي قال : ( إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص ، فليسجد سجدتين وهو جالس ، قبل أن يسلم ) وهذا يشمل كل سهو ، وهو مقتضى القياس ، خرج مهه الصورتان المتقدمتان ، لحديث أبي هريرة ، وعمران بن حصين ، قال أحمد : لولا ما جاء عنه يعني النبي لكان السجود كله قبل اللاسم ، لأنه من تمام الصلاة ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن السجود كله قبل السلام ، لما تقدم من حديث أبي هريرة ، ( وعنه ) : ما كان من زيادة فهو بعد السلام ، وما كان من نقص فهو قبله ، والأول هو المذهب ، وعلى رواية أن الإِمام يبني على اليقين ، فالسجود كله قبل السلام إلا في صورة ، فيكون في المسألة أربع روايات .
وقول الخرقي : مثل المنفرد إذا شك فبنى على اليقين . قد تقدم ذلك ، وأن المنفرد يبني على اليقين ، على الصحيح بلا نزاع .
وقوله : أو قام في موضع جلوس . كما إذا قام عن التشهد الأول ، أو عن الأخير ، أو عن جلسة الفصل بين السجدتين ، وقوله : أو جلس في موضع قيام . كما إذا جلس عقب الأولى أو الثالثة في الرباعية ، نعم إن كان جلوسه يسيراً فلا [ سجود عليه ] . وقوله : أو جهز في موضع تخافت . كالجهر في الظهر ونحوها ، أو خافت في موضع جهر ، كأن خافت في الصبح وهو إمام ، ونحو ذلك ، وقد اختلف عن أحمد [ رحمه الله ] هل يسن السجود لهاتين الصورتين وما في معناهما من السنن .
620 لعموم قوله : ( لكل سهو سجدتان ) أم الأولى تركه .
621 لأن أنساً [ رضي الله عنه ] 16 ( جهر في موضع تخافت فلم يسجد 6 ( . ثم أبو محمد يخص الروايتين بالسنن القولية دون الفعلية ، وأبو الخطاب وأبو البركات يجريانهما في جميع السنن .
وقوله : أو صلى خمساً . يعني إذا كان في رباعية ، وكذا أربعاً إذا كان في ثلاثية ، وثلاثاً إذا كان في ثنائية ، ولهذه الصور التي ذكره الخرقي [ رحمه الله ] تفاريع وتقاسيم تحتاج إلى بسط وتطويل .
( تنبيه ) : قال أبو البركات : الخلاف في محل السجود ، وهل هو قبل السلام أو بعده في الاستحباب ، أما الجواز فإنه لا خلاف فيه ، ذكره القاضي ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، وظاهر كلام أبي محمد وأكثر الأصحاب خلاف هذا ، وفي المستوعب فيما أظن أو غيره : وكل السهو يوجب السجود قبل السلام ، إلا في موضعين ، وقد حكى ابن تميم المسألة على وجهين والله أعلم .
كلام الخرقي ، لما تقدم من حديث عمران بن حصين ، فإن النبي سجد للسهو بعد أن دخل الحجرة ، وتلخص أربعة أقوال ، اشتراط المسجدية ، وقرب الفصل ، وإلغاؤهما ، واشتراط الأول دون الثاني ، وعكسه .
وقول الخرقي : كبر . وكذلك يكبر في الرفع من السجدتين ، لأن في حديث أبي هريرة : كبر وسجد مثل سجود أو أطول ، [ ثم رفع رأسه ثم سجد مثل سجوده أو أطول ] .
وقوله : وتشهد وسلم . قد تقدم التشهد في حديث عمران ابن الحصين ، وتقدم السلام في ما تقدم من الأحاديث ، ويسلم تسليمتين ، والله أعلم .
قال : وإذا نسي أربع سجدات من أربع ركعات ، وذكر وهو في التشهد ، سجد سجدة تصح له ركعة ، ويأتي بثلاث ركعات ، ويسجد للسهو ، في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله ، والرواية الأخرى قال : ) ) 16 ( 16 ( كأن هذا يلعب ، يبتدىء الصلاة من أولها .
ش : الرواية الأولى هي المشهورة ، وهي مبنية على أصل لنا ، قال : وإذا نسي أن عليه سجود سهو وسلم ، كبر وسجد سجدتي السهو وتشهد وسلم ، ما كان في المسجد وإن تكلم ، لأن النبي سجد بعد السلام والكلام .
ش : إذا نسي سجود السهو ، فلم يذكر حتى سلم فإنه يسجد لذلك بعد السلام ، لما سيأتي من الأحاديث ، لكن بشرط بقائه في المسجد ، إذ حكم المسجد حكم البقعة الواحدة ، فكأنه باق في مصلاه ، ولهذا لو اقتدى بالإِمام في المسجد جاز ، وإن لم تتصل الصفوف ، والخارج عنه بخلافه ، ولا يشترط ترك الكلام .
622 لما استدل به الخرقي ، وهو لفظ رواية ابن مسعود [ رضي الله عنه ] أن النبي سجد بعد السلام والكلام . رواه أحمد ومسلم .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط عدم طول الفصل ، والمذهب اشتراطه ، لأن سجود السهو تكملة للصلاة ، فلم يجز بناؤه عليها مع طول الفصل ، كسائر أفعالها بعضها على بعض ، وكما لو سلم من نقص ركعة ، ولم يذكر حتى طال الزمان ، فإنه لا يبني ، كذلك هنا ( وعن أحمد ) أنه يسجد وإن خرج وبعد ، لأنه جبران بعد التحلل من العباداة ، فجاز وإن طال الزمان كجبران الحج ، واختار أبو البركات اعتبار قرب الفصل ، وإلغاء البقاء في المسجد ، عكس ظاهر وهو أن من ترك ركناً من ركعة ، فلم يذكره حتى شرع في قراءة ركعة أخرى ، فإن المنسي ركنها تلغو ، وتصير التي شرع في قراءتها أولاه ، ففي هذه الصورة إذا ترك سجدة من الأولى ، فبشروعه في قراءة الثانية بطلت ، وصارت الثانية أولاه ، ثم لما ترك من الثانية سجدة ، وشرع في قراءة الثالثة ، بطلت الثانية أيضاً ، وصارت الثالثة أولاه ، ثم لما ترك من الثالثة سجدة ، وشرع في قراءة الرابعة بطلت الثالثة أيضاً ، وصارت الرابعة أولاه ، ثم لما ترك من الرابعة سجدة وذكر [ وهو ] في التشهد ، فإنه يسجد سجدة ، لعدم المقتضي لبطلان الرابعة ، وإذاً تصح له ركعة ، ويأتي بثلاث ( والرواية الثانية ) تبطل الصلاة رأساً ، وقد علله أحمد بأن هذا كان يلعب ، لحصول عمل كثير ملغى في صلاته .
وقول الخرقي : وذكر وهو في التشهد . يخرج ما إذا ذكر بعد السلام ، فإن ابن عقيل قال : تبطل صلاته . وكذلك قال أبو محمد ، زاعماً أن أحمد نص على ذلك ، في رواية الأثرم ، وقال أبو البركات : إنما يستقيم قول ابن عقيل على قول أبي الخطاب فيمن ترك ركناً فلم يذكره حتى سلم ، أن صلاته تبطل ، فأما على منصوص أحمد في البناء إذا ذكر قبل أن يطول الفصل ، ) ) 16 ( 16 ( فإنه يصنع كما يصنع إذا ذكر في التشهد . ( قلت ) : وقياس المذهب قول ابن عقيل ، لأن من أصلنا أن من ترك ركناً من ركعة فلم يذكره حتى سلم ، أنه كمن ترك ركعة ، وهنا الفرض أنه لم يذكر إلا بعد السلام ، وإذاً كان كمن ترك ركعة ، والحاصل له من الصلاة ركعة ، فتبطل الصلاة رأساً ، والله أعلم .
قال : وليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو إمامه فيسجد معه .
ش : هذا إجماع حكاه إسحاق بن راهويه .
623 ويشهد له قوله : ( إنما جعل الإِمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا ) وصح عنه أنه لما سجد لترك التشهد الأول سجد الناس معه .
624 ولما تكلم معاوية بن الحكم خلفه جاهلًا لم يأمره بسجود .
625 وقد روى الدارقطني عن ابن عمر عن النبي قال : ( ليس على من خلف الإِمام سهو ، فإن سهى فعليه وعلى من خلفه السهو ) إلا أن إسناده ضعيف .
وظاهر كلام الخرقي أن المسبوق يسجد لسهو إمامه ، وإن كان سهوه في غير ما أدركه فيه ، وهو صحيح ، لعموم ما تقدم ، ولأن صلاته تنقص بمتابعة إمام في صلاة ناقصة .
ومقتضى كلام الخرقي أن الإِمام سهى ولم يسجد أن المأموم لا يسجد ، وهو إحدى الروايتين واختاره أبو بكر وأبو البركات ، لأن المأموم إنما سجد تبعاً للإِمام ، فإذا لم يسجد الإِمام لم يسجد المأموم ، لعدم المقتضي . ( والرواية الثانية ) : يسجد إن يئس ظاهراً من سجود إمامه ، اختارها القاضي في التعليق ، وفي الروايتين ، وابن عقيل ، إذ صلاته نقصت بنقص صلاة إمامه ، فلزمه جبرانها ، كما لو انفرد عن إمامه لعذر ، قال أبو البركات : ومحل الروايتين إذا ترك الإِمام السجود سهواً ، أما إن تركه عمداً ، وهو مما محله قبل السلام ، فإن صلاته تبطل ، على ظاهر المذهب ، وهل تبطل صلاة من خلفه على روايتين ، نعم إن تركه عمداً لاعتقاده عدم وجوبه ، فهو كتركه سهواً عند أبي محمد ، والظاهر أنه يخرج على ترك الإِمام ما يعتقد المأموم وجوبه ، [ والله أعلم ] .
قال : ومن تكلم عامداً أو ساهياً بطلت صلاته ، إلا الإِمام خاصة ، فإنه إذا تكلم لمصلحة الصلاة لم تبطل صلاته [ والله أعلم ] .
ش : إذا تكلم عمداً وهو من يعلم أنه في صلاة ، وأن الكلام محرم لغير مصلحة الصلاة بطلت صلاته بالإِجماع ، قاله ابن المنذر ، وإن تكلم عمداً لمصلحتها فروايات ، أشهرها واختارها الخلال ، ) ) 16 ( 16 ( وصاحبه ، والقاضي ، وأبو الحسين ، والأكثرون البطلان مطلقاً .
626 لما روى زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة ، حتى نزلت : 19 ( { وقوموا لله قانتين } ) فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام . متفق عليه وللترمذي فيه [ قال ] 16 ( : كنا نتكلم خلف رسول الله في الصلاة ) . وزيد مدني ، وهو يدل على أن نسخ الكلام كان بالمدينة ، وقال : ( إن صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ) . ( والثانية ) : عدم البطلان مطلقاً ، لما تقدم في حديث أبي هريرة من قصة ذي اليدين ، وفيها [ في ] رواية متفق عليها ، لما قال : ( لم أنس ، ولم تقصر ) قال : بلى قد نسيت يا رسول الله . فتكلم ذو اليدين بعد ماعلم النسخ ، بكلام ليس بجواب سؤال ، وفي رواية لمسلم : قال : بينما أنا أصلي . وهذا يدل على أن القصة كانت بحضرته ، بعد إسلامه ، [ وإسلامه ] كان عام فتح خيبر ، وتحريم الكلام كان قريباً من الهجرة قبلها ، في قول أبي حاتم بن حبان أو بعدها بقليل ، وأيما كان فإسلام أبي هريرة بعد ذلك بسنين . ( والثالثة ) تبطل إلا صلاة الإِمام خاصة ، اختارها الخرقي ، لأن النبي تكلم وكان إماماً ، فتأسينا به ، وبقينا في المأموم على عمومات النهي ، إذ إلحاقه بذي اليدين متعذر ، لظنه النسخ في وقت يحتمله ، وغيره تكلم مجيباً له [ عليه السلام ] وإجابته واجبة حتى في الصلاة .
627 وروى البخاري عن أبي سعيد بن المعلى ، قال : كنت أصلي في المسجد ، فدعاني رسول الله فلم أجبه ، ثم أتيته وقلت : يا رسول الله كنت أصلي . فقال : ( ألم يقل الله [ سبحانه ] : 19 ( { استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم } ) ثم بعض الأصحاب يخص البطلان بمن ظن تمام صلاته ، كمن سلم عن نقصان ، ثم تكلم في شأن الصلاة ، لمورد النص ، وهو اختيار أبي محمد ، والقاضي يجعل الخلاف مطلقاً ، وهو اختيار أبي البركات ، لأن الحاجة إلى الكلام هنا قد تكون أشد ، كإمام نسي القراءة ونحوها ، فإنه يحتاج أن يأتي بركعة ، فلا بد له من إعلام المأمومين .
وإن تكلم [ سهواً ] فروايات أيضاً ، أشهرها وهو اختيار ابن أبي موسى ، والقاضي وغيرهما البطلان لعمومات النهي ، وكما في العقود المنهي عنها ، الملامسة ، والمنابذة ونكاح المرأة على عمتها ، ونحو ذلك ( والثانية ) : عدم البطلان ، لأنه تكلم معتقداً أنه ليس في صلاة ، ) ) 16 ( 16 ( وكذلك أصحابه ، لظنهم النسخ ، فكان كلامهم اعتقاداً منهم لإِباحته وإلا لما أقرهم على ذلك ( والثالثة ) : إن كان لمصلحة الصلاة لم تبطل ، وإلا بطلت ، اختاره [ أبو البركات ] لأن كلامه ، وكلام أصحابه جمع الأمرين ، فيبقى فيما سواه على قضية عموم التحريم والفساد ، ثم هل شرط مالا يبطل كونه يسيراً ، وهو اختيار الشيخين ، والقاضي في المجرد ، زاعماً أنه رواية واحدة ، أو لا يشترط ، وهو اختيار القاضي في الجامع الكبير ، وقال : إنه ظاهر كلام أحمد ؟ وجهان ، [ والله أعلم ] .
باب الصلاة بالنجاسة وغير ذلك

قال : وإذا لم تكن ثيابه طاهرة ، وموضع صلاته طاهراً أعاد .
ش : اجتناب النجاسة شرط لصحة الصلاة في الجملة .
628 لعموم قوله : ( تنزهوا من البول ) وقوله في حديث أسماء : ( ثم اغسليه ثم صلي فيه ) .
629 وفي حديث النعلين : ( فإن رأى فيهما خبثاً فليمسحه ، ثم ليصل فيهما ) .
630 وعن جابر بن سمرة قال : سمعت رجلًا يسأل النبي : أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي ؟ فقال : ( نعم إلا أن ترى فيه شيئاً فتغسله ) رواه أحمد وابن ماجه وقال ابن المنذر : ثبت أن النبي قال : ( جعلت لي كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً ) والطيبة الطاهرة ، والتقييد يقتضي الإِختصاص ، وقد قيل في قوله تعالى : 19 ( { وثيابك فطهر } ) أي أغسل .
إذا تقرر هذا فيجب اجتناب النجاسة في ثوبه ، وموضع صلاته ، وكذلك بدنه بطريق الأولى ، وكذلك يجتنب حملها ، أو حمل ما يلاقيها ، وقال ابن عقيل فيمن [ ألصق ثوبه إلى نجاسة يابسة ، على ثوب إنسان بجنبه : لا تبطل صلاته ، وإن ] لاقاها ثوبه إذا سجد فاحتمالان ، قال أبو البركات : والصحيح البطلان ، على ظاهر كلام القاضي ، وأبي الخطاب والله أعلم .
قال : وكذلك إن صلى بالمقبرة ، أو الحش ، أو الحمام ، أو أعطان الإِبل أعاد .
ش : المشهور من المذهب أن الصلاة في هذه المواضع محرمة ، فلا تجزئه .
631 لما روى أبو سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] أن النبي قال : ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة ، والحمام ) رواه الخمسة إلا النسائي .
632 وعن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله : ( صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ) رواه أحمد ، والترمذي ، وصححه .
633 وعن عبد الله بن المغفل قال : قال رسول الله : ( صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ، فإنها خلقت من الشياطين ) رواه أحمد وغيره ، وإذا منع من الصلاة في المقبرة فالحش أولى ، لأن كونه مظنة للنجاسة أظهر .
634 وقد صح عن الصحابة كراهة الصلاة إليه ، فالصلاة فيه أولى بالمنع . ( وعن أحمد ) : تكره وتصح .
635 لما روى جابر عن النبي قال : ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته ) متفق عليه .
636 ورأى عمر أنساً يصلي عند قبر فقال : 16 ( القبر القبر . ولم يأمره بالإعادة ) ، ذكره البخاري في صحيحه ( وعنه ) إن علم النهي لم تصح ، وإلا صحت ، إناطة بالعذر ، وألحق عامة الأصحاب بهذه المواضع المجزرة والمزبلة ، ومحجة الطريق .
637 لما روي عن عمر [ رضي الله عنه ] أن رسول الله قال : ( سبع مواطن لا تجوز الصلاة فيها ، ظاهر بيت الله [ والمقبرة ] والمزبلة ، والمجزرة ، والحمام ، وعطن الإِبل ، ومحجة الطريق ) رواه ابن ماجه ، وروى أيضاً عن ابن عمر ، عن النبي وقال الترمذي : إنه أشبه وأُصح .
وظاهر كلام الخرقي صحة الصلاة في هذه المواضع ، وهو اختيار أبي محمد .
( تنبيه ) : لا فرق في المقبرة بين الحديثة والعتيقة ، وبين المنبوشة وغيرها ، وشرط أبو محمد أن يكون فيها ثلاثة قبور وأزيد ، أما لو كان فيها قبر أو قبران فإن الصلاة تصح فيها ، ( والحش ) المرحاض ، ولا فرق فيه بين موضع التغوط وغيره ، ( وأعطان الإِبل ) هي التي تقيم فيها ، وتأوي إليها ، نص عليه أحمد .
638 لأن في بعض ألفاظ الحديث : أنصلي في مبارك الإبل ؟ وقيل : مواضع اجتماعها عند المصدر من المنهل ، ولا فرق في الحمام بين مسلخه وجوانبه ، لشمول الاسم لذلك ، أما الأتون فلا يصلى فيه ، لكونه مزبلة . ( والمجزرة ) الموضع المعد للذبح ، ولا فرق بين البقعة الطاهرة منه والنجسة ، وكذلك لا فرق في المزبلة أن يرمي [ فيها ] زبالة طاهرة أو نجسة . ( ومحجة الطريق ) هو الطريق الذي تسلكه المارة ، نعم إن كثر الجمع ، واتصلت الصفوف ، صحت الصلاة فيه للحاجة ، أما الصلاة على ما علا عن جادة المسافر يمنة أو يسرة ، فتصح الصلاة فيه [ للحاجة ] ولا تكره ، لأنه ليس بمحجة .
والنهي عن الصلاة في هذه المواضع تعبدي عند الأكثرين ، وقيل : بل معلل بكونها مظنة للنجاسات والقاذورات ، لعدم صيانتها عن ذلك غالباً ، فعلى الأول لا تصح الصلاة في أسطحة هذه المواضع ، إذ الهواء يتبع القرار ، بدليل تبعه له في مطلق البيع ، وتصح على الثاني ، والله أعلم .
قال : وإن صلى وفي ثوبه نجاسة وإن قلت أعاد .
ش : لعموم ما تقدم ، وإنما نص الخرقي [ رحمه الله ] على هذه المسألة ، لينبه على مخالفة مذهب الغير ، ولما يستثنى منه ، وهو قوله :
إلا أن يكون ذلك دماً أو قيحاً يسيراً ، مما لا يفحش في القلب .
639 ش : لأن ذلك يروى عن جماعة من الصحابة ، قال أحمد : جماعة من الصحابة تكلموا فيه .
640 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قد كان يكون لإِحدانا الدرع فيه تحيض ، فإن أصابها شيء من دمها بلته بريقها ، ثم قصعته بريقها . رواه أبو داود ، والريق لا يطهره ، ومثل هذا لا يخفى على النبي ، والقيح ونحوه بمنزلة الدم ، قال أحمد : هو أسهل من الدم .
واختلف في حد اليسير اختلافاً كثيراً ، والمشهور أنه ما يفحش في القلب ، والظاهر من قول الخرقي [ أنه ] ما يفحش في قلب كل إنسان بحسبه ، وهو اختيار الخلال ، وقال : إنه الذي استقر عليه قوله ، وإليه ميل الشيخين في كتابيهما الكبيرين ، وقال ابن عقيل وأبو البركات في محرره : إنه ما يفحش في نفوس متوسطي الناس ، فلا عبرة بالقصابين ، ولا المتوسوسين .
وكلام الخرقي يشمل كل دم ، والعفو مختص بدم الطاهر ، وهو واضح ، وكلامه شامل لدم الحيض ، وهو أحد الوجهين ، وبه قطع أبو محمد ، ( والثاني ) : لا يعفى عن دم الحيض مطلقاً ، اختاره أبو البركات ، وكذلك الوجهان في الدم الخارج من السبيل ، والله أعلم .
قال : وإذا خفي [ عليه ] موضع النجاسة من الثوب استطهر ، حتى يتيقن أن الغسل قد أتى على النجاسة .
ش : لأنه قد تيقن نجاسة الثوب ، فلا بد من غسل ما يتقين معه طهارته ، إذ اليقين لا يزيله إلا يقين مثله ، وصار هذا كمن تيقن الطهارة ، وشك في الحدث ، أو بالعكس ، فلو وقعت النجاسة في أحد الكمين ، أو أحد الثوبين ، ونحو ذلك ، ولم يعلم عينه ، لم يحكم بطهارتهما إلا بغسلهما .
وتقييد الخرقي [ رحمه الله ] بالثوب احترازاً مما إذا خفي موضع النجاسة بفضاء واسع ، ونحو ذلك ، فإنه يتحرى ، ويصلي حيث شاء ، دفعاً للحرج والمشقة ، [ والله أعلم ] .
قال : وما خرج من الإِنسان أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها ، من بول أو غيره فهو نجس .
ش : الخارج من الإِنسان ثلاثة [ أقسام ] ( طاهر ) بلا نزاع ، وهو الدمع ، والعرق والريق والمخاط ، والبصاق .
641 وفي الصحيح أنه رأى نخامة في قبلة المسجد ، فأقبل على الناس فقال : ( ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه ، فيتنخع [ أمامه ؟ أيحب أن يستقبل فيتنخع ] في وجهه ، فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره ، أو تحت قدمه ، فإن لم يجد فليقل هكذا ) ووصف القاسم فتفل في ثوبه ، ثم مسح بعضه ببعض . ( ونجس ) بلا نزاع ، وهو البول والودي والدم وما في معناه ، والقيء ، وقد قال : ( تنزهوا من البول ) وقال : ( صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء ) ، وقال : ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه القاذورات ) وقد حكى بعضهم الإِجماع على نجاسة البول . ( ومختلف فيه ) وهو المني ، وسيأتي إن شاء الله تعالى ، والمذي لتردده بين البول لكونه لا يخلق منه آدمي والمني [ لكونه ناشياً عن الشهوة ، وبلغم المعدة ، لتردده بين القيء ونخامة الرأس ] .
وما عدا الآدمي على ضربين مأكول وغيره ، ( فالمأكول ) بوله وروثه طاهر ، على الصحيح المشهور من الروايتين ، وهو ظاهر كلام الخرقي .
642 لأنه أمر العرنيين بشرب أبوال الإِبل ولم يأمرهم بغسل أفواههم ، وأباح الصلاة في مرابض الغنم . ( وعنه ) نجس ، لعموم ( تنزهوا من البول ) ونحوه ، وحكم منيه ، وقيئه حكم بوله ، أما عرقه ، ودمعه ، وريقه ، ولبنه فطاهر بلا نزاع ، وعكسه دمه ، وما تولد منه نجس بلا نزاع وغير المأكول ) على ثلاثة أضرب ( نجس ) بلا نزاع ، وهو الكلب ، . والخنزير ، وما تولد منهما ، أو من أحدهما ، فجميع فضلاته نجسة بلا ريب . ( ومختلف فيه ) وهو البغل ، والحمار ، وسباع البهائم وجوارح الطير ، فإن حكم بنجاستها فهي كالكلب والخنزير ، وإن حكم بطهارتها فكالآدمي . ( وطاهر ) بلا نزاع ، وهو الهر وما دونها في الخلقة . وما لا نفس له سائلة ، فالهر وما دونها في الخلقة حكم الخارج [ منها حكم الخارج ] من الآدمي ، إلا منيه فإنه نحبس ، وما لا نفس له سائلة الخارج منه طاهر .
وإذ قد علمت هذا فكلام الخرقي إن حمل على عمومه في أن كل خارج من الإِنسان أو البهيمة التي لا يؤكل لحمها نجس ، وردت عليه صور كثيرة قد تقدمت ، وإن حمل على أنه عنى بالخارج من السبيلين كما فسره أبو محمد فاتته أحكام كثيرة مع أنه يرد عليه الخارج من سبيل ما لا نفس له سائلة ، وقد يقال : مراده العموم ، وسلم له في الكلب والخنزير ، وما تولد منهما ، والبغل والحمار ، وسباع البهائم والطير ، على المذهب . وأما الهرة فهو قد استثنى سؤرها ، ولا شك أن عرقها في معناه أما لبنها فأظن في نجاسته خلاف ، فلعله اختار النجاسة ، وأما الآدمي فيرد عليه سؤره ، وعرقه ، ولبنه ، ومخاطه ولعله ترك التنبيه على طهارة ذلك لوضوحه ، والله أعلم .
قال : إلا بول الغلام الذي لم يأكل الطعام ، فإنه يرش عليه الماء .
ش : ظاهر هذا أن بول الغلام طاهر ، وأنه يرش عليه الماء تعبداً وحكي هذا عن أبي إسحاق بن شاقلا ، والمشهور المعروف في المذهب نجاسته لعموم الأدلة الدالة على نجاسة البول ، وإنما اكتفي برشه وهو نضحه ، بحيث يغمر ، ولا يشترط انفصال الماء عنه ، ولا تجفيفه .
643 لما روت عائشة [ رضي الله عنها ] قالت : أتي رسول الله بصبي فبال على ثوبه ، فدعا بماء فأتبعه بوله ولمسلم فأتبعه بوله ، ولم يغسله .
والإِستثناء [ في كلام الخرقي ] قال أبو محمد : [ قيل ] بمعنى ( لكن ) والأحسن أنه استثناء من مقدر ، والتقدير : وما خرج من الإِنسان يجب غسله إلا بول الغلام فالإِستثناء من قوله : يجب غسله . وقرينة هذا التقدير قوله بالرش في بول الغلام ] .
وتقييد الخرقي بالغلام ليخرج الخنثى والأنثى ، إذ الرخصة إنما وردت في الغلام ، والحكمة فيه أن العرب كانوا يكثرون حمل الذكر ، فلو كلفوا بالغسل لأفضى ذلك إلى حرج ومشقة ، بخلاف الأنثى فإنهم لم يكونوا يعتادون حملها ، أو أن بول الغلام يظهر بقوة فينتشر ويعم الحاضرين ، بخلاف بول الأنثى ، فإنه لا يتجاوز محله .
644 وفي المسند ، والترمذي وحسنه ، عن علي [ رضي الله عنه ] قال : قال رسول الله : ( بول الغلام الرضيع ينضح ، وبول الجارية يغسل ) قال قتادة : هذا ما لم يطعما ، فإذا طعما غسل بولهما .
وقوله : لم يأكل الطعام . احترازاً مما إذا أكل الطعام ، والطعام الذي يترتب عليه الغسل الذي يأكله تغذياً واشتهاء ، فلا عبرة بلعقة العسل ، ونحو ذلك ، والله أعلم .
قال : والمني طاهر ، وعن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه كالدم .
ش : المشهور المعروف في المذهب أن المني طاهر .
645 لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله [ فركاً ] فيصلي فيه ، ولو كان نجساً لما أجزأ فركه ، كالودي ، والمذي .
646 ولأحمد عنها قالت : كان رسول الله يسلت المني من ثوبه بعرق الإِذخر ، ثم يصلي فيه ، ويحته من ثوبه يابساً ثم يصلي فيه .
647 وعن ابن عباس رضي الله عنهما : سئل رسول الله عن المني يصيب الثوب ، فقال : ( إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة ) رواه الدارقطني ، وروي موقوفاً على ابن عباس ( وعن أحمد ) رواية أخرى أنه نجس ، لأنه يشترك مع البول في مخرجه ، وعلى هذا فيجزيء فرك يابسه لمكان النص .
648 وفي الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها : 16 ( كنت أفرك المني من ثوب رسول الله إذا كان يابساً ، وأغسله إذا كان رطباً ) ، لكن قال أحمد : إنما يجزيء الفرك في الرجل دون المرأة ، لأن النص إنما ورد فيه ، ولا يحسن إلحاق المرأة به ، إذ مني الرجل يذهب غالبه بالفرك لغلظه ، بخلاف مني المرأة لرقته ، وهل يعفى عن يسيره ؟ فيه روايتان ، والعفو اختيار الخرقي رحمه الله لجعله كالدم ، وهو ظاهر النص والله أعلم .
قال : والبولة على الأرض يطهرها دلو من الماء
ش : المذهب المشهور المختار للشيخين وغيرهما أن الأرض تطهر إذا عمت بالماء ، ولم يبق للنجاسة أثر ، وإن لم ينفصل الماء .
649 لما روى أنس [ بن مالك رضي الله عنه ] قال : بينما نحن في المسجد ، مع رسول الله ، إذ جاء أعرابي ، فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله : مه مه . قال : فقال رسول الله : ( لا تزرموه [ دعوه ] ) فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله دعاه ثم قال له : ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل ، والصلاة ، وقراءة القرآن ) أو كما قال رسول الله ، قال : فأمر رجلًا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه ، متفق عليه واللفظ لمسلم . ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن النجاسة إذا كانت قائمة ، لم تنشفها الأرض لم تطهر إلا بشرط الانفصال ، ويكون المنفصل نجساً ، اختاره أبو بكر ، والقاضي ، وظاهر الخبر خلاف ذلك .
وقول الخرقي : دلو من ماء . اتبع فيه الحديث ، وإلا فالمقصود ذهاب النجاسة ، وكذلك تقييده بالبول ، وخرج بذكر الماء الشمس والريح ، والاستحالة ، فإنها لا تطهر ، والله أعلم .
قال : وإذا نسي فصلى بهم أعاد وحده . [ والله أعلم ] .
650 ش : لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه 16 ( أنه صلى بالناس الصبح ، ثم خرج إلى الجرف ، فأهراق الماء فوجد في ثوبه احتلاماً ، فأعاد ولم يعد الناس ) ، رواه مالك في الموطأ وغيره .
651 وكذلك [ روي ] عن عثمان رضي الله عنه .
652 وعن علي رضي الله عنه أنه قال : 16 ( إذا صلى الجنب بالقوم فأتم بهم الصلاة آمره أن يغتسل ويعيد ، ولا آمرهم أن يعيدوا ) . وهذه قضايا اشتهرت ولم تنكر فتنزل منزلة الإِجماع ، والمعنى في ذلك أن الجنابة مما يخفى على المأمومين ، ويتعذر عليهم معرفتها ، ويقع كثيراً فصح الاقتداء معها ، بخلاف الستارة ونحوها لظهورها ، وبخلاف ترك القراءة ونحوها سهواً لندرة ذلك ، وحكى أبو الخطاب في الانتصار رواية [ أخرى ] بإعادة المأمومين كالإِمام ، قياساً على بقية الشروط ، والأول المذهب . وشرط المسألة أن لا يعلم الإِمام ولا المأمومون [ بالحدث ] إلا بعد الفراغ ، فإن علم الإِمام والمأمومون في الصلاة بطلت وفسدت صلاتهم ، واستأنفوا ، نص عيه ، وقيل عنه فيما إذا علم المأمومون أنهم يبنون ، ولو علم بعض المأمومين دون بعض ، اختص البطلان بالعالم عند أبي محمد ، والمنصوص [ أن ] البطلان يعم الجميع .
وتقييد الخرقي الحكم بالجنب [ يحتمل لاختصاص الحكم به ، ويحتمل لأن قضاء الصحابة ورد به ، وقد ألحق الأصحاب بالجنب ] المحدث الحدث الأصغر .
653 وروي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما وألحق أبو محمد النجاسة بذلك ، إن قيل ببطلان الصلاة بها مع السهو ، نظراً إلى أن جميع ذلك يخفى على المأمومين والله أعلم .
باب الساعات التي نهي عن الصلاة فيها

قال : ويقضي الفوائت من الصلوات الفرض ، ويركع للطواف ، ويصلي على الجنائز ، ويصلي إذا كان في المسجد وأقيمت الصلاة وقد كان صلى ، في كل وقت نهى عن الصلاة فيه ، وهو ما بعده الفجر حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب الشمس .
ش : المعروف المشهور في المذهب أن أوقات النهي خمسة ، بعد طلوع الفجر ، حتى تطلع الشمس ، وبعد الطلوع ، حتى ترتفع قيد رمح ، وعند قيامها حتى تزول ، وبعد العصر حتى تشرع في الغروب ، وإذا شرعت [ في الغروب ] ، حتى تتكامل .
654 لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبيّ نهى عن الصلاة بعد الفجر ، حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر ، حتى تغرب الشمس .
655 وعن أبي هريرة مثله .
656 وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال : ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد [ صلاة ] الصبح حتى تطلع الشمس ] متفق عليهن .
657 وعن عمرو بن عبسة قال : قلت : يا رسول الله أخبرني عن الصلاة ، قال : ( صل صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ، وترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة ، حتى يستقل الظل بالرمح ، ثم أقصر عن الصلاة ، فإنه حينئذ تسجر جهنم ، فإذا أقبل الفيء [ فصل ] فإن الصلاة مشهودة محضورة ، حتى تصلي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني الشيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ) رواه أحمد ومسلم .
658 ولأحمد من حديث كعب بن مرة ، أو مرة بن كعب السلمي ، قال : سألت رسول الله أي الليل أسمع قال : ( جوف الليل الآخر ، ثم الصلاة مقبولة حتى يصبح الصبح ، ثم لا صلاة حتى تطلع الشمس ، وترتفع قيد رمح أو رمحين ) مختصر .
659 وعن عقبة بن عامر قال : ثلاث ساعات نهانا رسول الله أن نصلي فيهن ، أو نقبر فيهن موتانا ، حين تطلع الشمس بازغة ، حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة ، وحين تضيف للغروب حتى تغرب ، رواه مسلم وغيره .
وظاهر كلام الخرقي رضي الله عنه أن أوقات النهي ثلاثة ، بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب [ الشمس ] ، وهذا الوقت يشتمل على وقتين كما تقدم ، ولعله اعتمد في ذلك على أحاديث عمر ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد المتفق عليهن ، فإن المذكور فيهن ذلك ، لكن قد صح النهي من رواية مسلم وغيره عن الصلاة بعد الطلوع حتى ترتفع ، ومن رواية عمرو بن عبسة ، وعقبة بن عامر ، ويحتمل أنه عبر عن الارتفاع بالطلوع لاتصاله به ، فإذاً أسقط وقت الزوال لحديث ابن عمر .
660 لأن ابن عمر [ رضي الله عنه ] قال : 16 ( أصلي كما رأيت أصحابي يصلون . لا أنهى أحداً يصلي بليل أو نهار ما شاء ، غير أن لا يتحرى طلوع الشمس ولا غروبها ) . رواه البخاري .
والمذهب المعمول عليه الأول ، لحديث عقبة [ رضي الله عنه ] .
إذا تقرر هذا فيستثنى من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات أمور . ( منها ) قضاء ما عليه من الفوائت المفروضات [ بلا نزاع ] .
661 لقوله : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ) ثم تلا 19 ( { أقم الصلاة لذكري } ) وهذا وإن كان عاماً من وجه ، خاصاً [ من وجه ] كما أن أحاديث النهي ، كذلك ، لكن يرجح عليها ، لما فيه من الاحتياط لأداء الواجب ، وبراءة الذمة ، ويلحق بذلك المنذورات ، على أشهر الروايتين لاشتراكهما في الوجوب ( ومنها ) ركعتا الطواف .
662 لما روي عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] أن النبي قال : ( يا بني عبد المطلب أو يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً يطوف بالبيت أو يصلي ، فإنه لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ، إلا عند هذا البيت ، يطوفون ويصلون ) رواه الدارقطني ولأن الطواف جائز في كل وقت ، مع كونه صلاة [ كما ] ورد فكذلك ركعتاه ، لأنهما تبع له . ( ومنها ) الصلاة على الجنائز ، بالإِجماع فيما بعد الفجر والعصر ، قاله ابن المنذر ، ولأنها فرض في الجملة أشبهت قضاء الفوائت .
663 وعن النبي أنه قال : ( ثلاث يا علي لا تؤخرهن ، الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيّم إذا وجدت لها كفؤاً ) . ( ومنها ) إعادة الجماعة ، إذا أقيمت وهو في المسجد .
664 لما روى يزيد بن الأسود العامري قال : شهدت مع النبي حجته ، فصليت معه صلاة الفجر في أول مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته ، إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصليا [ معنا ] ، قال : ( عليّ بهما ) فجيء بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ( ما منعكما أن تصليا معنا ) ؟ قالا : يا رسول الله إنا قد صلينا في رحالنا . فقال : ( فلا تفعلا ، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم ، فإنها لكما نافلة ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي وصححه .
وشرط الخرقي وكذلك غيره لإِعادة الجماعة في وقت النهي أن يكون في المسجد ، وشرط القاضي ، وأبو البركات وغيرهما أن يكون المقيم إمام الحي ، إذ قضية النص وردت في ذلك ، ولم يشترط ذلك أبو محمد ، وزعم أنه ظاهر كلام أحمد ، وكلام الخرقي محتمل ، قال أبو البركات : وهذا إذا منعنا التنفل بما له سبب في وقت النهي ، أما إن جوزناه فإنه يجوز إعادة الفجر والعصر ، مع إمام الحي وغيره ، ولا يكره له الدخول إذا كان خارج المسجد ، لأنه نفل له سبب ، أشبه تحية المسجد .
واعلم أن الموضع الذي يجوز فيه صلاتا الطواف ، والجنازة ، وإعادة الجماعة بلا نزاع هو ما بعد الفجر والعصر ، أما عند طلوع الشمس وقيامها ، وغروبها ، ففيه روايتان .
( تنبيه ) : أول وقت النهي المتعلق بالفجر طلوعه ، على المشهور من الروايتين .
665 لقوله : ( إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر ) احتج به في رواية صالح ، ورواه [ هو و ] أبو داود من حديث ابن عمر . ( والرواية الثانية ) واختارها أبو محمد التميمي نفس الصلاة ، لأن النهي ورد مقيداً بذلك في حديث أبي سعيد وعمر وغيرهما وهي أصح إسناداً ، فعلى الأولى تستثنى ركعتا الفجر بلا خلاف [ للحديث ] ( وآخره ) ما لم يبد شيء من الشمس . ( وأول الوقت الثاني ) بدو شيء من قرص الشمس ، إذا ارتفعت قيد رمح ، أي قدر رمح . ( وأول [ الوقت ] الثالث ) إذا وقف الظل عن التناقص في أعيننا ، إلى أن يأخذ في الزيادة .
وأما الوقت الرابع فيتعلق في حق كل إنسان بفراغه من العصر الحاضرة ، لا بفعل غيره ولا بفعله عصراً فائتة ، ولا بشروعه ، ولو صلاها في وقت الظهر جمعا دخل وقت النهي في حقه ، وفي المذهب قول آخر فيما أظن أنه بدخول وقت العصر ، كما في الفجر ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، ( وآخره ) يعرف بأول الوقت الخامس ، وهو إذا أخذت الشمس في الغروب عند العامة ، وعند الشيخين : إذا اصفرت ، ( وآخره ) كمال غروبها ، والله أعلم .
قال : ولا يبتدئ في هذه الأوقات صلاة يتطوع بها .
ش : ما عدا ما تقدم من التطوع على ضربين . ( أحدهما ) النفل المطلق ، ولا خلاف أنه لا يجوز ابتداؤه في أوقات النهي ، لما تقدم من نهيه ، وأمره بالإِمساك عن ذلك في هذه الأوقات . ( الثاني ) النفل المقيد ، وهو ما له سبب ، كتحية المسجد ، وصلاة الكسوف ، وسجود التلاوة ، وقضاء السنن الراتبة ، ونحو ذلك ، فهل يجوز ابتداؤه في هذه الأوقات ؟ فيه روايتان مشهورتان ( إحدهما ) [ الجواز ] اختارها أبو الخطاب .
666 لعموم قوله : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) .
667 وقوله : ( من نام عن وتره أو نسيه ، فليصله إذا ذكره ) .
668 وقوله : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، فإذا رأيتموها فصلوا ) وهذا وإن كان عاماً من وجه ، خاصاً من وجه ، فيترجح على أحاديث النهي .
669 بما روت أم سلمة قالت : دخل علي رسول الله ذات يوم بعد العصر ، فصلى ركعتين ، فقلت : يا رسول الله صليت صلاة لم أكن أراك تصليها ؟ فقال : ( إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر ، وإنه قدم وفد بني تميم ، فشغلوني عنهما ، فهما هاتان الركعتان ) متفق عليه .
670 وعن قيس بن عمرو قال : رأى النبي رجلًا يصلي بعد الصبح ركعتين ، فقال له : ( أصلاة الصبح مرتين ؟ ) فقال له الرجل : إني لم أكن صليت الركعتين قبلهما ، فصليتهما الآن . فسكت عنه النبي ، رواه الخمسة إلا النسائي ، وإذا ثبت ذلك في قضاء السنة ، مع أنها لا تفوت بالتأخير ، فما له سبب مما يفوت بالتأخير أحرى . ( والثانية ) المنع ، واختارها القاضي ، والخرقي لقوله : [ ولا يجوز أن يصلي في الأوقات التي لا يجوز أن يصلي فيها تطوعاً . وقوله ] : وإذا كان الكسوف في غير وقت صلاة ، جعل [ مكان ] الصلاة تسبيحاً . وهو ظاهر إطلاقه هنا ، وتقييده الفوائت بالفرائض ، إذ مفهومه أنه لا يقضي الفوائت النوافل ، والأصل في ذلك أحاديث النهي ، فإنها عامة في كل صلاة ، وإنما يرجح عمومها على أحاديث التحية ونحوها لأنها حاضرة ، وتلك مبيحة أو بادئة ، وكم بينهما .
671 وأيضاً فروى أبو تميمة الهجيمي قال : كنت أقص بعد صلاة الصبح فأسجد ، فنهاني ابن عمر ثلاثاً فلم أنته ، ثم عاد فقال : [ إني ] صليت خلف النبي ، ومع أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس . رواه أبو داود .
( وأما ) صلاته [ ] بعد العصر فمن خصائصه ، بدليل ما روى أحمد فيه أن أم سلمة قالت : يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : ( لا ) . ( وأما ) حديث قيس بن عمرو ففي إسناده سعد بن سعيد ، وقد ضعفه أحمد ، وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به . مع أن الترمذي قال : ليس بمتصل .
واستثنى ابن أبي موسى من الروايتين قضاء ورده ووتره بعد طلوع الفجر ، حتى يصلي الصبح ، وهو حسن ، وتابعه أبو محمد ، وزاد عليه ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح ، وقضاء الراتبة بعد العصر ، لحديثي قيس وأم سلمة ، وفيه جمود .
وقول الخرقي : ولا يبتدئ مفهومه أنه لو كان في صلاة تطوع أتمها ولم يقطعها ، وهو صحيح ، لكنه يخففها ، وحيث منع من الصلاة فخالف وصلى ، لم تنعقد لمكان النهي ، إلا أن يكون جاهلًا ففيه روايتان [ والله أعلم ] .
قال : وصلاة التطوع مثنى مثنى ، وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس .
ش : الأولى في تطوع الليل والنهار كونه مثنى مثنى ، أي يسلم من كل ركعتين .
672 لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سأل رجل النبي وهو قائم على المنبر : ما ترى في صلاة الليل ؟ قال : ( مثنى مثنى ) وفي لفظ ( صلاة الليل مثنى مثنى ) متفق عليه .
673 وعنه أيضاً أن النبي قال : ( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ) رواه [ الخمسة واحتج به ] أحمد وجود إسناده في رواية الميموني ، وعن البخاري أنه صححه ، وليس بمعارض لما قبله لوقوعه جواب سؤال ، ولا مفهوم له اتفاقاً . وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس .
674 لما روى أبو أيوب أن النبي كان يصلي قبل الظهر أربعاً ، لا يفصل بينهن بتسليم . رواه أبو داود . فلو زاد على أربع بالنهار ، وركعتين بالليل لم يجز عند أبي محمد ، وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختيار بعض الأصحاب ، مصرحاً بالبطلان ، لظاهر ما تقدم . مع أنه لم يثبت عنه في التطوع المطلق خلاف ذلك ، ولو جاز لبينه ولو مرة ، والمشهور جواز ذلك مع الكراهة ، اختاره القاضي ، وأبو الخطاب ، وأبو البركات .
675 لما ثبت من صلاته الوتر خمساً ، وسبعاً ، وتسعاً ، بسلام واحد ، وهو تطوع ، فيلحق به غيره من التطوعات .
676 وقد روي في حديث أم هانىء أنه صلى الضحى يوم الفتح ثمان ركعات ، لم يفصل بينهن ، إلا أنه مخالف لروايتها المشهورة أنه سلم بين كل ركعتين ، إذ القصة واحدة ، مع أن أحمد أنكر هذا ، وذكر قول أبي حنيفة : لو أن رجلًا صلى ثماني ركعات ، لم يسلم إلا في آخرها كان مصيباً ، لحديث أم هانيء أن النبي صلى ثمان ركعات لم يسلم إلا في آخرهن ، قيل لأبي حنيفة : ليس في الحديث لم يسلم .
ومفهوم كلام الخرقي أنه لا يجوز التطوع بركعة ، وهو إحدى الروايتين ، ونصبها أبو محمد ، لظاهر حديث ابن عمر المتقدم ( والثانية ) يجوز ، ونصبها أبو البركات .
677 لأن عمر دخل المسجد فصل ركعة ، فتبعه رجل فقال : يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة ، قال : هو تطوع ، فمن شاء زاد ، ومن شاء نقص .
678 وصح عن اثني عشر من الصحابة نقض الوتر بركعة ، وهي تطوع ، وكذلك الخلاف في التطوع بالألراد كالثلاث ونحوها ، والله أعلم .
قال : ويباح له أن يتطوع جالساً .
679 ش : لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : لما بدن رسول الله وثقل كان أكثر صلاته جالساً . متفق عليه .
680 وعن عمران بن حصين أنه سأل النبي عن صلاة الرجل قاعداً ، قال : ( إن صلى قائماً فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم ، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد ) رواه البخاري وغيره .
ومفهوم كلامه شيئان ( أحدهما ) أن الفرض لا يباح جالساً ، وهو الركن الذي أهلمه ، [ ثم ] ( الثاني ) : [ أنه ] لا يباح التطوع مضطجعاً ، وهو أحد الوجهين ، حكاهما في التلخيص ، وظاهر كلام الأصحاب ، لعموم أدلة فرضية الركوع ، والاعتدال [ عنه ] ، والثاني يباح ، وحسنه أبو البركات ، لحديث عمران ، والله أعلم .
قال : ويكون في حال القيام متربعاً ، ويثني رجليه في الركوع والسجود .
ش : الأولى لمن صلى جالساً التربع .
681 لما روى عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت النبي يصلي متربعاً . رواه الدارقطني . وثني رجليه إذا سجد بلا نزاع ، لمخالفة هيئة الساجد لهيئة القائم ، وكذلك إذا ركع في الأشهر عنه ، اعتماداً على [ أن ] أنساً فعل ذلك [ واختاره ] الأكثرون ، وعنه واختاره أبو محمد ، وحكاه عن أبي الخطاب لا ، لاتفاق حالتي القيام والركوع ، والله أعلم .
قال : والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعداً .
ش : من عجز عن القيام صلى جالساً بالإِجماع .
682 وعن مران [ بن حصين ] رضي الله عنه قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي عن الصلاة ، فقال : ( صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنبك ) رواه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وزاد ( فإن لم تستطع فمستلقياً ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) وكذلك إن قدر على القيام ، لكن مع ضرر يلحقه ، إما بزيادة مرضه ، أو بتباطيء برئه ، ونحو ذلك ، دفعا للحرج والضرر المنفيين شرعاً ، [ والله أعلم ] .
قال : فإن لم يطق [ جالساً ] فنائماً .
ش :َي مضطجعاً ، شبهه بالنائم [ لأنه ] على هيئته ، وكأنه اقتدى بقوله في حديث عمران المتقدم ( ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد ) والأصل في ذلك ما تقدم من حديث عمران ، والأولى أن يصلي على جنبه الأيمن ، ووجهه إلى القبلة ، ولو صلى على الأيسر كذلك صح ، لأنه لم يعين جنباً ، وكذلك إن صلى مستقلياً ورجلاه إلى القبلة على الأشهر ، لأن المقصود التوجه ، واختار أبو محمد المنع .
683 لما روى الدارقطني عن علي رضي الله عنه ، عن النبي قال : ( يصلي المريض قائماً إن استطاع ، فإن لم يستطع صلى قاعداً ، فإن لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه ، فإن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جنبه الأيمن ، مستقبل القبلة ، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقياً ، رجلاه [ مما ] يلي القبلة ) ويوميء بالركوع والسجود إن عجز عنهما [ لما تقدم والله أعلم ] .
قال : والوتر ركعة ، يقنت فيها ، مفصولة مما قبلها .
ش : ا إشكال [ عندنا ] في جواز كون الوتر بركعة .
684 لما روى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( الوتر حق على كل مسلم ، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .
685 وعن ابن عمر أن رجلًا من أهل البادية سأل النبي عن صلاة الليل ، فقال بأصبعيه : [ هكذا ] ( مثنى مثنى ، والوتر ركعة من آخر الليل ) رواه مسلم وغيره . لكن هل يكره إن لم يكن قبلها شفع ، وتسمى البتيراء ، لحديث ورد بذلك .
686 أو لا يكره لأنه قد روى عن عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم ، منهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان [ وعلي ] وعائشة وغيرهم الوتر بركعة .
687 وحديث البتيراء ضعيف ؟ فيه روايتان .
وقوله : والوتر ركعة . يحتمل أن يريد : وأقل الوتر ركعة . فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، ويحتمل أن يريد أنه حاصل بركعة ، أو جائز بركعة ، وهذا أظهر ، وهذا إذا أوتر بثلاث ، أو بإحدى عشرة أما لو أوتر بخمس ، أو بسبع ، أو بتسع ، فإن الجميع وتر كما ثبت في الأحاديث ، وكما نص عليه أحمد ، لكن في الخمس يسردها ، وفي التسع يجلس عقب الثامنة ، فيتشهد ، ثم يأتي بالتاسعة ويسلم ، وكذلك حكم السبع عند أبي محمد ، وعند أبي البركات ، وهو المنصوص حكمها حكم الخمس .
وقوله : مفصولة مما قبلها . هذا كما تقدم فيما إذا أوتر بثلاث ، أو بإحدى عشرة .
688 لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة ، يسلم من كل ثنتين ، ويوتر بواحدة ، ويمكث في سجوده قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية . مختصرة رواه الشيخان .
689 وروى أبو هريرة [ رضي الله عنه ] عن النبي قال : ( لا توتروا بثلاث ، أوتروا بخمس ، أو سبع ، ولا تشبهوا بصلاة المغرب ) رواه الدارقطني ، وقال : إسناده ثقات . وإذا كان لم يفصل أشبه المغرب .
690 وعن ابن عمر أن رجلاً سأل النبي فقال : ( أفصل بين الواحدة والثنتين بالسلام ) رواه الدارقطني أيضاً ولو لم يفصل بين الثلاث بسلام جاز ، لأنه ورد أيضاً إلا أنه يسردها من غير تشهد لتخالف المغرب ، فإن جلس في الثانية ففي البطلان وجهان ، وله سرد الإِحدى عشرة أيضاً كالتسع ، حتى أن ابن عقيل حكى وجهاً أن ذلك هو الأفضل ، وليس بشيء .
ويقنت في آخر وتره ، على المذهب المشهور .
691 لما روى عن علي رضي الله عنه ، أن رسول الله كان يقول في آخر وتره : ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وبك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك ) رواه الخمسة .
692 وعن ابنه الحسن [ رضي الله عنهما ] قال : علمني رسول الله كلمات أقولهن في قنوت الوتر ( اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت [ ولا يعز من عاديت ] تباركت ربنا وتعاليت ) رواه الخمسة ، وقال الترمذي : لا نعرف عن النبي في القنوت شيئاً أحسن من هذا . وفي النسائي ( وصلى الله على النبي ) ( وعن أحمد ) يختص القنوت بالنصف الأخير من رمضان ، ومحل القنوت بعد الركوع ، ويجوز قبله وقد وردا ، والأشهر الأول ، ودعاؤه ما تقدم .
وتخصيصه القنوت بالوتر يدل على أنه لا يقنت في غيره من الصلوات ، وهو صحيح .
693 لما روى أبو مالك الأشجعي قال : قلت لأبي : قد صليت خلف رسول الله ، وخلف أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ههنا قريب خمس سنين ، أكانوا يقنتون ؟ قال : أي بني محدث . رواه أحمد ، والترمذي وصححه . نعم يقنت في النوازل .
694 لما روى أنس رضي الله عنه ، أن رسول الله قنت شهراً ثم رتكه ، رواه أحمد ، وأبو داود .
695 وعنه : بعث النبي [ ] سبعين رجلًا لحاجة ، يقال لهم القراء ، فعرض لهم حيان من سليم ؛ رعل وذكوان فقتلوهم ، فدعا النبي عليهم شهراً في صلاة الغداة ، وذلك بدو القنوت ، رواه البخاري . ويختص القنوت بالإِمام الأعظم ، وبأمير الجيش ، لا بكل إمام وهل محل القنوت الفجر خاصة ، أو الفجر والمغرب ، أو جميع الصلوات ؟ ثلاث روايات ، .
قال : وقيام [ شهر ] رمضان عشرون ركعة [ والله أعلم ] .
ش : قيام رمضان والمراد هنا التراويح سنة .
696 لما روى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي قال : ( إن الله عز وجل فرض عليكم صيام رمضان ، وسننت لكم قيامه ، فمن صامه [ وقامه ] إيماناً ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) رواه أحمد والنسائي .
697 وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى في المسجد ، فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى الثانية فكثر الناي ، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم ، فلما أصبح قال : ( قد رأيت الذي صنعتم ، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم ) وذلك في رمضان . وقدر ذلك عشرون ركعة .
698 لما روى يزيد بن رومان قال : كان الناس في زمن عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] يقومون في رمضان بثلاث وعشرين ركعة . وهذا بحضرة الصحابة ولم ينقل إنكاره ، فكان ذلك إجماعاً ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( باب الإِمامة )
قال : ويصلي بهم أقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فأسنهم [ فإن استووا فأشرفهم ، فإن استووا فأقدمهم هجرة ] .
ش : المعروف المشهور عندنا أن القاريء إذا عرف ما يعتبر للصلاة مقدم على الفقيه .
699 لما روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ، ولا يؤمن [ الرجل ] الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ) .
700 وعن أبي الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدم ، وأحقهم بالإِمامة أقرؤهم ) رواهما مسلم وغيره .
701 وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن رسول الله قال : ( ليؤذن لكم خياركم ، وليؤمكم أقرؤكم ) رواه أبو داود .
702 وعن عمرو بن سلمة ، عن أبيه ، عن النبي قال : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآناً ) [ مختصر ] رواه البخاري [ وغيره ] وحكى ابن الزاغوني عن بعض الأصحاب أنه رأى تقديم الفقيه على القاريء . وعلى المذهب لو كان القاريء جاهلًا بما يحتاج إليه [ في الصلاة ] بأن لا يميز بين مفروضها ومسنونها ، ونحو ذلك ، ففيه وجهان ( أحدهما ) وهو ظاهر كلام أحمد ، والخرقي ، والأكثرين يقدم على الفقيه [ أيضاً ] نظراً لظواهر النصوص ، ولأن القراءة ركن في الصلاة ، بخلاف الفقه فكان اعتبارها أولى . [ والثاني ] وهو اختيار ابن عقيل ، وبه قطع أبو البركات في محرره ، وحسنه في شرحه أن الفقيه إذا أقام الفاتحة والحال هذه مقدم لامتيازه بما لا يستغنى عنه في الصلاة إذ الجاهل قد يترك الفرض لظنه سنيته .
ثم لا نزاع أنه يقدم بعد الأقرأ الأفقه ، لحديث أبي مسعود [ رضي الله عنه ] واختلف فيمن يقدم بعد الفقيه ، فقال الخرقي ، وتبعه أبو الخطاب : يقدم بعده الأسم ، ثم الأشرف ثم الأقدم [ هجرة ] لأن الأسن مظنة الخشوع ، وهو مقصود في الصلاة قطعاً ، قال سبحانه : 19 ( { الذي هم في صلاتهم خاشعون } ) فقدم به على الشرف والهجرة ، إذ لا تعلق لهما بمعنى في الصلاة ، وقدم الشرف على الهجرة إلحاقاً للإِمامة الصغرى بالعظمى ، إذ للشرف تأثير في التقديم في العظمى بخلاف الهجرة ، وقال ابن حامد : يقدم الأشرف ، ثم الأقدم هجرة ، ثم الأسن ، لما تقدم من اعتبار الشرف في الإِمامة العظمى ، بخلاف الهجرة .
703 يعضده ما روى الشافعي رضي الله عنه في مسنده ، عن النبي قال : ( قدموا قريشاً ولا تقدموا عليها ) وقدم الأقدم هجرة على الأسن لحديث أبي مسعود المتقدم ، وظاهر كلام أحمد في رواية ابنه عبد الله أنه يقدم الأقدم هجرة ، ثم الأسن ، ثم الأشرف ، وهو اختيار الشيخين ، لحديث أبي مسعود ، فإنه قدم فيه بعد القراءة والفقه الأقدم هجرة ، ثم الأسن ، فعلم تأخير الأشرف وغيره عنهما ، وقال أبو محمد في المقنع : يقدم الأسن ، ثم لأشرف ، ثم الأقدم هجرة ، وهو وجه حكاه في التلخيص ، ووجهه يعرف مما تقدم ، فإن استووا في جميع ما تقدم قدم أتقاهم وأورعهم .
704 لقول النبي : ( اجعلوا أئمتكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم ) رواه الدارقطني ، ولأبي محمد احتمال بتقديم هذا على الأشرف ، لقوله سبحانه : 19 ( { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ) فإن استووا قدم أعمرهم للمسجد ، وما رضي به الجيران أو أكثرهم ، لأن رضاهم [ به ] مظنة امتيازه بمرجح ، فإن استووا فالقرعة كالأذان ، ولا يرجح بحسن الوجه ، ولا بنظامة الثوب .
( تنبيهان ) : ( أحدهما ) [ هذا ] التقديم تقديم أولوية لا إيجاب ، فلو تقدم الأفقه على الأقرأ جاز ، قاله أبو محمد ، وقال : لا أعلم فيه خلافاً ، إذ الأمر فيه أمر إرشاد . ( الثاني ) : الأقرأ الأكثر قرآناً ، كما في حديث عمرو بن سلمة ، أو الأجود ، وإن كان غير أحفظ منه ، قال الشيخان ، والأقدم هجرة أن يهاجر مسلمان من دار الحرب ويسبق أحدهما بالهجرة ، أو يكونا من أولاد المهاجرين ، فيقدم من سبق أبوه ، وفي معنى ذلك الأقدم إسلاماً ، لسبقه إلى الطاعة ، وفي حديث أبي مسعود في رواية لمسلم ( فأقدمهم سلماً ) يعني إسلاماً ، ومعنى الأشرف أن يكون قرشياً ، قاله أبو البركات ، وقال أبو محمد : أشرفهم أعلاهم نسباً ، وأفضلهم في نفسه ، وأعلاهم قدراً ( والتكرمة ) الفراش ، كذلك فسره بعض الرواة في رواية أبي داود ، والله أعلم .
قال : ومن صلى خلف من يعلن ببدعة أو يسكر أعاد .
ش : لا إشكال في فسق المعلن بالبدعة ومن يسكر وإذاً في صحة إمامتهما روايتان :
( إحداهما ) : تصح إمامته ، قال أحمد في رواية حرب : يصلي خلف كل بر وفاجر . وسئل : هل يصلي خلف من يغتاب الناس ؟ فقال : لو كان كل من عصى الله لا يصلي خلفه ، من يؤم الناس ؟
705 وذلك لقول النبي في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ( صلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم تطوعاً ) .
706 وعن مكحول ، عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ( الصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم ، براً كان أو فاجراً ، وإن عمل الكبائر ) .
707 وعن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله يقول : ( من أم الناس فأصاب الوقت فله ولهم ، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم ) رواهما أبو داود .
708 وعن عبيد الله بن عدي أنه دخل على عثمان وهو محصور ، فقال : إنك إمام العامة ، ونزل بك ما ترى ، ويصلي لنا إمام فتنة ، ونتحرج من الصلاة معه ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل لناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم . رواه البخاري ولأن العدالة لو كانت شرطاً لاعتبر العلم بها كالإِمامة العظمى ، ولا يعتبر .
( والثانية ) وهي المشهورة ، واختيار ابن أبي موسى ، والقاضي ، والشيرازي ، وجماعة لا يصح .
709 لما روى جابر رضي الله عنه [ أن النبي ] قال : ( لا يؤمن فاجر مؤمناً ، إلا أن يقهره بسلطانه ، أو يخاف سوطه وسيفه ) رواه ابن ماجه .
710 وعن بن عباس رضي الله عنهما قال : 16 ( اجعلوا أئمتكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم عز وجل ) . رواه الدارقطني ، ولأنها إحدى الإِمامتين ، فنافاها الفسق كالكبرى ، ولأن الفاسق لا يؤمن أن يترك شرطاً أو ركناً ، وحديث الأمراء قال القاضي : تأوله أحمد على حضور الجمعة في رواية المروذي ، ومكحول لم يلق أبا هريرة ، فالحديث منقطع ، وقد سئل [ عنه ] أحمد في رواية يعقوب بن بختان ، فقال : ما سمعنا بهذا . ثم يحمل إن صح على الجمعة أو على غيرها عند البقية لحديث جابر ، جمعا بين الأدلة ، وعلى هذا لا تصح إمامته وإن لم يعلم بحاله ، نص عليه في رواية صالح والأثرم [ حتى ] إذا صلى خلف من لا يعرف ، ثم تبين أنه صاحب بدعة يعيد ، وقال ابن عقيل : لا يعيد من [ لم ] يعلم بحاله ، كما قلنا فيمن نسي فصلى بهم محدثاً ، وأومأ أحمد في مواضع أنه إن كان متظاهراً بالفسق والبدعة أعاد المقتدي به لتفريطه ، وإن كان جاهلًا مستوراً لا يعيد ، وهذا اختيار الشيخين .
وكلام الخرقي يشمل الفرض والنفل ، وكذا إطلاق جماعة من الأصحاب . وزعم أبو البركات في شرحه أن الخلاف إنما هو في الفرض ، [ فقال في حديث الأمراء : إنما يدل على إمامته في النفل ، ونحن نقول بذلك ، وإنما الروايتان في الفرض ] ( ويشمل ) أيضاً الجمعة وغيرهما ، وهو صحيح فتعاد على المذهب ظهراً ، إلا أنه لا تترك خلف الفاسق على الروايتين ، بخلاف غيرها ، لئلا يؤدي ذلك إلى فتنة .
711 وفي ابن ماجه [ عن جابر عن النبي ] ( إن الله افترض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي ، أو بعد موتي ، وله إمام عادل أو جائر ، فلا جمع الله شمله ، ولا بارك له في عمره ) نعم : لو أقيمت في موضعين ، والإِمام في أحدهما عدل ، وفي الآخر فاسق لزم فعلها وراء العدل . ( ويشمل ) أيضاً الفاسق إذا ائتم بفاسق أنه يعيد ، وهو ظاهر إطلاق غيره ، وقد أورد هذا على القاضي في التعليق ، فأجاب : لا نعرف الرواية فيه ، قال : ولا يمنع أن نقول لا يصح ، بخلاف الأمي ، لأن الأمي لا يمكنه رفع ما هو عليه من النقص ، بخلاف الفاسق ، لإِمكانه زوال فسقه بالتوبة .
وخرج من كلام الخرقي إذا كان المباشر [ له ] عدلًا ، والمولي له فاسقاً ، فإن صلاته تصح على [ الصحيح من ] الروايتين .
( تنبيه ) : الإِعلان الإِظهار ، ضد الإِسرار ، هذا تفسير أبي محمد ، [ فعلى ] هذا يختص البطلان على قول الخرقي بمن يظهر بدعته ويدعو إليها ، ويناظر عليها ، وقد نص أحمد في الرافضي الذي يتكلم ببدعته أن صلاة خلفه تعاد ، بخلاف من سكت ، وإذاً يكون قول الخرقي موافقاً لاختيار الشيخين في أن البطلان مختص بظاهر الفسق دون خفيه .
وعلى هذا قول الخرقي : أو يسكر . يجوز أن يكون بالباء الموحدة ، عطفاً على : ببدعة . ويجوز أن يكون بالياء المثناة ، ويكون من باب قولهم : الخطيب يشرب ويطرب . أي هذا دأبه وسجيته ، وظاهر كلام أبي محمد أنه بالمثناة ، وقال : إنما نص الخرقي عليه من بين لفساق لنص أحمد عليه . قلت : وقد نص أحمد على غيره من الفساق .
كما نص عليه ، ويحتمل أن الخرقي إنما قال ذلك ليخرج من شرب من النبيذ ما لا يسكره ، معتقداً لحله ، فإن الصلاة خلفه تصح . انتهى ، وقال القاضي : المعلن بالبدعة من يعتقدها بدليل ، وضده من يعتقدها تقليداً ، وقال : إن المقلد لا يكفر ولا يفسق ، وعلى هذا فالخرقي إنما خص المعلن بالبدعة ، لأنه الذي يفسق أو يكفر ، وإذاً يتعين قراءة : أو يسكر بالياء المثناة .
واعلم أن المظهر للبدعة ، المناظر عليها ، ( تارة ) تكفره ، كالقائل بخلق القرآن ، أو بأن علم الله مخلوق ، أو بأنه لا يرى في الآخرة ، أو بأن الإِيمان مجرد الإِعتقاد من غير قول ولا عمل ، أو يسب الصحابة تديناً ، ونحو ذلك ، نص أحمد على ذلك ، حتى لو وقف رجل إلى جنبه خلف الصف ، ولم يعلم حتى فرغ أعاد الصلاة ، وهل تفعل الجمعة خلف هؤلاء ؟ فيه روايتان ، ( وتارة ) تفسقه ، كمن يفضل علياً على غيره من الصحابة ، أو يقف عن تكفير من كفر ببدعة ونحو ذلك ، والمقلد لهذا القسم لا يفسق ، والأول فيه قولان ، واستقصاء ذلك موضعه الكتب الأصولية ، والله أعلم .
قال : وإمامة العبد والأعمى جائزة .
ش : لدخولهما في عموم ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ) ونحو ذلك .
712 وفي البخاري أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها عبدها ذكوان من المصحف .
713 وعن أنس قال : استخلف رسول الله ابن أم مكتوم ، يؤم الناس وهو أعمى . رواه أحمد ، وأبو داود ، وكان ابن عباس يؤم وهو أعمى ، ( نعم ) الحر أولى من العبد ، لأنه أكمل منه ، والبصير أولى من الأعمى ، اختاره أبو الخطاب ، وأبو البركات ، لأنه أقرب لاجتناب النجاسة ، وإصابة القبلة ، وسوى القاضي بينهما ، لأنه يقابل ذلك أمنه من النظر إلى محرم ، وما يلهيه ، فيكون أتقى وأخشع ، والله أعلم .
قال : وإن أم أمي أمياً وقارئاً أعاد القاريء وحد .
ش : الأمي في عرف الفقهاء [ هو ] من لا يحسنس فرض الفاتحة إن قيل : بركنيتها ، وإن [ قيل ] : الفرض آية . فالأمي [ من ] لا يحسن آية ، والمعروف من مذهبنا أن إمامته تصح بمثله ، لأنه أهل لتحمل ما يلزم مأمومه لو انفرد ، فصار كالقاريء مع القاريء ، وعن بعض الأصحاب : لا تصح إمامته بمثله ، لعدم أهليته لتحمل القراءة ، ولا تصح بقارييء بلا نزاع ، لعموم ( ليؤمكم أقرؤكم ) رواه أبو داود .
714 وروى النجاد بإسناده عن الزهري قال : 16 ( مضت السنة أن لا يؤم الناس من ليس معه من القرآن شيء ) .
وقد دل كلام الخرقي من طريق الإِشارة على ما قلناه من أن الأمي يؤم بمثله ، ولا يؤم قارئاً ، ومن طريق الدلالة على أن الأمي إذا أم قارئاً وأمياً أن الفساد يختص القاريء ، وعند أبي حنيفة [ رحمه الله ] يعمهما ، وهذا الذي ألجأ الخرقي إلى ذكر هذه الصورة ، وبهذا يعرف أنه ليس مراده أن الأمي تصح صلاته مطلقاً ، إذ ذلك مشروط بأن يكون عن يمين الإِمام ، أو يكون معه أمي آخر ، أما لو كان هو والقاريء فقط خلف الإِمام فإن صلاتهما تفسد ، لأن الأمي وإن انعقد إحرامه فذا لكن فسدت صلاته بدوام فذوذيته ، وهل تبطل صلاة الإِمام والحال هذه ؟ فيه احتمالان ، أشهرهما البطلان ، وفي المذهب وجه آخر حكاه ابن الزاغوني أن الفاسد يختص بالقاريء ، ولا تبطل صلاة الأمي ، قال ابن الزاغوني : واختلف القائلون به في تعليله ، فقال بعضهم : إن القاريء تكون صلاته نافلة ، فما خرج من الصلاة فلم يصر الأمي بذلك فذا . وقال بعضهم : صلاة القاريء باطلة على الإِطلاق ، لكن اعتبار معرفة هذا على الناس أمر يشق ، ولا يمكن الوقوف عليه ، فعفي عنه للمشقة . اه ، ويحتمل أن الخرقي اختار هذا الوجه ، فيكون كلامه على إطلاقه ، والله أعلم .
قال : وإن صلى خلف مشرك ، أو امرأة ، أو خنثى مشكل أعاد الصلاة .
ش : أما المشرك فلا يجوز أن يؤتم به ، ومن ائتم به أعاد الصلاة ، وإن لم يعلم حاله [ غالباً ] لأن صلاته لا تصح لنفسه ، فلا تصح لغيره ، ولعموم قوله : ( لا يؤمن فاجر مؤمناً ) والكفر لا يخفى غالباً ، فالجاهل به مفرط ، هذا هو المعروف في النقل ، وفي المذهب ، وحكى ابن الزاغوني [ رواية ] بصحة صلاته ، بناء على صحة إسلامه بها ، وبنى على صحة صلاته صحة إمامته ، على احتمال ، وهو بعيد . ( وأما المرأة ) فلا يجوز أن تؤم رجلًا ، ولا خنثى مشكلًا ، لما روى جابر عن النبي قال : ( لا تؤمن امرأة رجلًا ) رواه ابن ماجه والخنثى يحتمل أن يكون رجلًا ، ويصح أن يؤم المرأة ، كما نص عليه الخرقي بعد .
وكلامه يشمل الفرض والنفل ، ولا نزاع في الفرض ، أما في النفل فظاهر كلام الخرقي أيضاً المنع ، وهو رواية حكاها ابن أبي موسى [ وهو اختيار أبي الخطاب ] وأبي محمد ، عملا بإطلاق الحديث ، ومنصوص أحمد في رواية المروذي ، وهو اختيار عامة الأصحاب أنها يجوز أن تؤمهم في صلاة التراويح ، وتكون وراءهم .
715 لما روى أن أم ورقة سألت رسول الله فقالت : إني أصلي ويصلي بصلاتي أهل داري وموالي ، وفيهم رجال ونساء ، يصلون بقراءتي ، ليس معهم قرآن . فقال : ( قدمي الرجال أمامك وقومي مع النساء ، ويصلون بصلاتك ) رواه المروذي بإسناده ، ورواه أبو داود ، ولفظه : وكانت قرأت القرآن ، واستأذنت النبي أن تتخذ في دارها مؤذناً [ فأذن لها ] وأمرها أن تؤم أهل دارها . مختصر . ( وشرط هذه المسألة ) أن تكون قارئة وهم أميون ، أو يحسنون الفاتحة أو شيئاً يسيراً معها ، وقال القاضي في الخلاف : إنما تجوز إمامتها في القراءة خاصة ، دون بقية الصلاة . معتمداً على ما رواه أبو طالب عنه قال : تؤم المرأة الرجل ، والمرأة تقرأ ، فإذا قرأت ركع وركعت ، يكون هذا في التطوع ولا يكون في الفرض . قال القاضي : فقدم ركوعه على ركوعها ، فعلم أنه الإِمام فيه ، وذلك لأن هذا مقصود الرخصة [ انتهى ] . وهل حكمي غير التراويح من النفل حكمها ، قياساً عليها ، وهو ظاهر رواية أبي طالب ، أو يختص ذلك بالتراويح ، وهو ظاهر رواية المروذي ، واختيار القاضي في المجرد ، للحاجة إلى استماع القرآن في الصلاة ؟ فيه قولان .
وأما الخنثى المشكل فلا يصح أن يؤم رجلًا ، لاحتمال كونه امرأة ، ولا خنثى مشكلًا لاحتمال كون المؤتم رجلًا والخنثى امرأة ، والفرض لا يسقط بالشك ، وحكى ابن الزاغوني احتمالًا بصحة إمامته بمثله للتساوي . انتهى ، ويجوز أن يؤمهما فيما يجوز للمرأة أن تؤم فيه الرجل على ما تقدم ، ويجوز أن يؤم النساء ، لأن للرجل أن يؤمهن ، وكذلك للمرأة أن تؤمهن ، وهو لا يخلو من إحداهما ، ويقفن خلفه ، حذاراً من أن يكون رجلاً واقفاً إلى جنب امرأة ، وقال القاضي : رأيت لأبي حفص البرمكي أن الخنثى لا تصح صلاته في جماعة ، لأنه إن قام مع الرجال احتمل أن يكون امرأة ، وإن قام مع النساء ، [ أو ] وحده ، أو ائتم بامرأة ، احتمل أن يكون رجلًا ، وإن أم الرجال احتمل أن يكون امرأة [ وإن أم النساء فقام وسطهن احتمل أنه رجل ، وإن قام بين أيديهن احتمل أن يكون امرأة ] قلت : وهذا ظاهر إطلاق الخرقي ، ولعله يبني على أن المرأة إذا خالفت موقفها فوقفت بين يدي النسوة أن صلاتها تبطل ، وهو احتمال ، أو وجه حكاه اين عبدوس فيما أظن ، والمشهور خلافه ، والله أعلم .
قال : وإن صلت امرأة بالنساء قامت معهن في الصف وسطاً .
716 ش : كذا فعلت أم سلمة ، وعائشة [ رضي الله عنهما ] .
717 وعن أسماء بنت يزيد قالت : سمعت رسول الله : يقول : ( ليس على النساء أذان ولا إقامة ، وتصلي معهن في الصف ، ولا تقدمهن ) رواه النجاد .
وقد دل كلام الشيخ [ رحمه الله ] على أن للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة ، ولا نزاع في ذلك لكن هل يستحب لهن ذلك ؟ فيه روايتان .
718 أشهرهما نعم ، لأن عائشة وأم سلمة فعلتا ذلك ، رواه الدارقطني ولما تقدم من حديث أم ورقة ولذلك حكاه إمامنا عن الثلاثة [ رضي الله عنهم ] ( والثانية ) لا .
719 لأن علياً رضي الله عنه قال : المرأة لا تؤم ، ولا تؤذن ، ولا تنكح ، ولا تشهد النكاح . رواه النجاد .
قال : وصاحب البيت أحق بالإِمامة ، إلا أن يكون بعضهم ذا سلطان .
ش : صاحب البيت أحق بالإِمامة من غيره ، وإن فضله الغير بقراءة أو فقه أو غير ذلك ، بشرط أو تصح إمامته بهم .
720 لقول النبي : ( لا يؤمن الرجل في بيته ، ولا [ في ] سلطانه ] رواه أحمد ومسلم .
721 وعن مالك بن الحويرث ( من زار قوماً فلا يؤمهم ، وليؤمهم رجل منهم ) رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، فإن كان الغير ذا سلطان فإنه يقدم على صاحب البيت ، في اختيار الخرقي ، وأبي محمد ، لعموم ( ولا يؤمن الرجل في سلطانه ) واختار ابن حامد أن صاحب البيت يقدم عليه ، لعموم ( من زار قوماً فلا يؤمهم ) ويقدم صاحب البيت تارة بملك العين ، وتارة بملك المنفعة ، فإن اجتمع المؤجر والمستأجر والمستعير فالمعير أولى ، [ قلت ] : ويتخرج العكس إن قلنا : العارية هبة منفعة .
( تنبيه ) : وحكم إمام المسجد حكم إمام البيت فيما تقدم ، [ والله أعلم ] .
قال : ويأتم بالإِمام من في أعلى المسجد وغير المسجد إذا اتصلت الصفوف .
ش : يجوز أن يأتم بالإِمام من [ في ] أعلى المسجد ، كمن على سطحه ونحو ذلك ، من غير كراهة .
722 لأن أبا هريرة [ رضي الله عنه ] كان يصلي في ظهر المسجد بصلاة الإِمام . حكاه أحمد وابن المنذر . وعن أنس نحوه ، رواه سعيد .
723 ويروى أيضاً عن ابن عباس [ وابن عمر ] رضي الله عنهما ، ولأن المتابعة حاصلة ، أشبهت العلو اليسير ( وعن أحمد ) اختصاص الجواز بالضرورة ، قال في رواية صالح في الرجل صلى فوق البيت بصلاة الإِمام إن كان في موضع ضيق يوم الجمعة كما فعل أنس ، والأول المذهب .
ويجوز أن يأتم بالإِمام من في غير المسجد ، بشرط أن تتصل الصفوف ، على ظاهر كلام الخرقي ، وتبعه أبو محمد .
724 لظاهر أمر النبي بالدنو من الإِمام . خولف ذلك فيما إذا كانا في المسجد ، أو اتصلت الصفوف للإِجماع ، فيبقى فيما سواهما على العموم ، وظاهر [ كلام ] غير الخرقي من الأصحاب أنه لا يشترط اتصال الصفوف إلا أن يكون بينهما طريق ، لأن المتابعة حاصلة ، أشبه ما لو كانا في المسجد ، أما إن كان بينهما طريق فيشترط لصحة الإِقتداء اتصال الصفوف على المذهب .
725 لما يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من صلى وبينه وبين الإِمام نهر ، أو جدار ، أو طريق فلا يصلي مع الإِمام .
726 وعن علي رضي الله عنه أنه رأى قوماً في الرحبة فقال : من هؤلاء ؟ فقالوا : ضعفة الناس . فقال : لا صلاة إلا في المسجد .
727 أنه كان يصلي في غرفة له يوم الجمعة ، بصلاة الإِمام ، فحمله أحمد في رواية أبي طالب على أن الصفوف اتصلت .
وعن أحمد : يصح الإِقتداء وإن [ كان ] ثم طريق لم تتصل فيه الصفوف ، محتجاً بأن أنساً فعل ذلك ، وهو اختيار أبي محمد ، لإِمكان المتابعة ، ( وعنه ) : يصح مع الضرورة ، محتجاً أيضاً بفعل أنس ، وهو اختيار أبي حفص ، ( وعنه ) : يصح في النفل تسهيلًا فيه ، دون الفرض .
ومعنى اتصال الصفوف تقاربها المسنون ، أو ما زاد عليه يسيراً ، فإن فحش ، بأن [ كان ] بينهما ما يصلي فيه صف آخر فلا اتصال ، كذا قال أبو البركات ، وقيده صاحب التلخيص بثلاثة أذرع [ ونحوها ] . انتهى ، وهذا فيما إذا تواصلت الصفوف للحاجة ، لأن البلوى تعم بذلك في الجمع والأعياد ونحوهما ، أما لغير حاجة بأن وقف قوم في طريق وراء المسجد ، وبين أيديهم من المسجد أو غيره ما يمكنهم فيه الإِقتداء فإن صلاتهم لا تصح ، على المشهور [ في الصلاة ] في قارعة الطريق ، وحكم من وراءهم حكم من اقتدى بالإِمام وبينهما طريق خال ، وإن قلنا بالصحة ثم ، صحت صلاتهم هنا ، إن امتلأ بهم الطريق ، أو وقفوا فيما قرب منهم إلى المسجد ، أما إن تركوا منه بينهم وبين المسجد ما يسع صفا فأكثر ، فهم كمن صل وبينه وبين الإِمام طريق ، وكل موضع حكم فيه بصحة الصلاة في الطريق ، وملأته الصفوف ، فإن صلاة من وراءهم تصح ، وإن بعدوا عنهم على المذهب ، إن وجدت المشاهدة المعتبرة ، وعلى قول الخرقي لا تصح إلا باتصالهم به الاتصال المعتاد ، ولو وقف في بيت عن يمين الإِمام ، فاتصال الصفوف بتواصل المناكب ، ولوكان في علو والإِمام في سفل ، فالاتصال موازاة رأس أحدهما [ ركبة ] الآخر ، قال ذلك صاحب التلخيص . وحكم النهر الذي تجري فيه السفن حكم الطريق فيما تقدم ، إن اقترنت سفينة الإِمام والمأموم صح الاقتداء ، وإلا فلا يصح ، لأن الماء طريق ، وكذلك حكم ما يمنع الاستطراق من نار ، أو سبع ، قاله الشيرازي ، وقال صاحب التلخيص : لا يمنع الشباك على الأظهر .
( تنبيهات ) ( أحدها ) قد علم مما شرحناه أن قول الخرقي : إذا اتصلت الصفوف . إنما يرجع لما إذا كان المقتدي في غير المسجد على ما فيه ، أما إن كان المؤتم في المسجد والإِمام فيه ، فإنه لا يشترط اتصال الصفوف ، بلا خلاف في المذهب ، قاله الآمدي ، وحكاه أبو البركات إجماعاً ، لأنه في حكم البقعة الواحدة . ( الثاني ) : إطلاق الخرقي بصحة الاقتداء في المسجد و [ في ] غير المسجد بشرطه ظاهره : ولو وجد ما يمنع مشاهدة من وراء الإِمام ، وهو إحدى الروايات عن أحمد ، لأن الاقتداء حاصل ، أشبه ما لو شاهده ، وعلى هذه الرواية لا بد من سماع التكبير لتحصل المتابعة بلا نزاع [ واختارها القاضي ] ( والثانية ) لا يصح مطلقاً .
730 لما روي عن عائشة رضي الله عنها ، أنها قالت لنساء كن يصلين في حجرتها : 16 ( لا تصلين بصلاة الإِمام ، فإنكن دونه في الحجاب ) . رواه ابن حامد فعللت منع الاقتداء بالحجاب ، ( والرواية الثالثة ) [ اختارها القاضي ] تصح في المسجد ، لأنه في حكم البقعة الواحدة ، لأنه مبني كله للجماعة ، ولا تصح في غيره ، لما تقدم ، ( والرواية الرابعة ) يصح ذلك في التطوع ، دون الفريضة ، حكاها ابن حامد .
731 وقال علي بن سعيد : سألت أحمد عن حديث عائشة : أن النبي كان يصلي في الحجرة ، والناس يأتمون به من وراء الحجرة . قال : كأنه على صلاة الليل أو تطوع ، وهذا الحديث رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى رسول الله في حجرته ، والناس يأتمون به من وراء الحجرة ، ورواه البخاري ، مطولًا ذكر ذلك في صلاة الليل ، وبه استدل أيضاً للرواية الأولى ، إذ الأصل مساواة الفرض والنفل . وقد نص أحمد على أن المنبر إذا قطع الصف يوم الجمعة لا يضر ، فمن الأصحاب من قال : هذا على رواية عدم اعتبار المشاهدة ، ومنهم من خص الجمعة ونحوها ، فقال : يجوز [ فيها ] ذلك على الروايتين ، نظراً للحاجة ، ومنهم من ألحق بذلك كل بناء لمصلحة المسجد ، والمشاهدة المعتبرة أن يشاهد الإِمام أو من وراءه ، فإن حصلت المشاهدة في بعض أحوال الصلاة فقال أبو محمد : الظاهر الصحة .
( الثالث ) : الطريق ما العادة استطراقه ، فلو كان الإِمام والمأموم في صحراء ، ليس فيها قارعة [ طريق ] ، وبعدوا عنه ، أو تباعدت صفوفهم جاز ذلك مع سماع التكبير ، ووجود المشاهدة إن اعتبرت . [ والله أعلم ] .
732 ش : لما روى الدارقطني عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : نهى النبي أن يقوم الإِمام فوق شيء ، والناس خلفه . يعني أسفل منه .
733 وروى أن عمار بن ياسر رضي الله عنه أم الناس بالمدائن وهو على دكان ، والناس أسفل منه ، فتقدم حذيفة إليه فأخذه بيده ، فاتبعه عمار ، حتى أنزله حذيفة ، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله يقول : ( إذا أم الرجل القوم فلا يقوم في مكان أرفع من مقامهم ) أو نحو ذلك ؟ قال عمار : لذلك اتبعتك ين أخذت على يدي .
733 وعن حذيفة رضي الله عنه أنه أم الناس بالمدائن [ على دكان ] ، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجذبه ، فلما فرغ من صلاته قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال : بلى ، قد ذكرت حين مددتني . رواهما أبو داود .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يكون أعلى وإن أراد تعليمهم ، وصرح به أبو الخطاب والشيخان وقال ابن الزاغوني : إن أراد تعليمهم لم يكره .
735 لما روى سهل بن سعد الساعدي ، أن النبي جلس على المنبر في أول يوم وضع ، فكبر وهو عليه [ ثم ركع ] ثم نزل القهقري فسجد ، وسجد الناس معه ، ثم عاد حتى فرغ ، فلما انصرف قال : ( يا أيها الناس إنما فعلت هذا لتأتموا بي ، ولتعلموا صلاتي ) متفق عليه ، وحكى أبو محمد عن أحمد رواية بعدم الكراهة مطلقاً ، أخذا لها من قول علي بن المديني : سألني أحمد عن حديث سهل بن سعد ، وقال : إنما أردت أن النبي كان أعلى من الناس ، فلا بأس أن يكون الإِمام أعلى من الناس بهذا الحديث . انتهى . وأجاب الأولون عن حديث سهل بأن الظاهر أنه كان في الدرجة السفلى ، لئلا يكثر عمله في صعوده ونزوله ، وذلك علو يسير ، يعفى عنه وعما يكون نحوه بلا نزاع .
وظاهر كلام الخرقي أن المنع من ذلك على سبيل التحريم ، وهو ظاهر النهي ، ومقتضى قول ابن حامد ، وابن أبي موسى فإنهما أبطلا الصلاة بذلك ، وصرح أبو الخطاب وغيره بالكراهة ، وهو مقتضى قول شيخه ، فإنه قال بعدم البطلان ، وصححه أبو البركات ، مستمسكاً بأن عمارا صلى وأقره على ذلك حذيفة ، وكذلك حذيفة وأقره أبو مسعود ، وبأن النهي عن ذلك لإِفضائه إلى رفع البصر ، بدليل عدم كراهة اليسير ، ورفع البصر لا يبطل فما كره لأجله أولى .
( تنبيه ) : يشترك الإِمام والمأموم في النهي إن انفرد الإِمام بالعلو ، فإن كان معه أحد صحت صلاته وصلاة من معه ، واختص من أسفل منه بالنهي ، على ما جزم به أبو البركات ، وحكى أبو محمد احتمالًا بأن النهي يتناول الإِمام أيضاً ، فتبطل صلاة الجميع إن قيل بالبطلان ، والله أعلم .
قال : ومن صلى خلف الصف وحده ، أو قام بجنب الإِمام عن يساره أعاد الصلاة .
ش : أما من صلى خلف الإِمام وحده يعيد الصلاة .
736 فلما روى وابصة بن معبد ، أن رجلًا صلى خلف الصف وحده ، فأمره رسول الله أن يعيد الصلاة ، رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي . وقال ابن المنذر : ثبت أحمد وإسحاق هذا الحديث .
737 وعن علي بن شيبان ، أن النبي رأى رجلًا يصلي خلف الصف [ وحده ] فوقف حيث انصرف الرجل ، فقال له : ( استقبل صلاتك ، فلا صلاة لفذ خلف الصف ) رواه ابن ماجه ، وأحمد وقال : هذا حديث حسن . ( ولا فرق ) بين الفرض والنفل على ظاهر كلام الخرقي ، وهو المشهور ، لعموم النص ، وقال القاضي في تعليقه : يحتمل أن تصح صلاة الفذ في النفل ، لأن أحمد نص [ على ] أنه يجوز أن يقف مع الصبي في النفل دون الفرض ، وليس من أهل الموقف ، ورد بأن إمامته لما صحت
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15