كتاب : شرح الزركشي على مختصر الخرقي
المؤلف : شمس الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي المصري الحنبلي

وأم إنهما سواء ، وفيه نظر ، إذ الأم لا تدخل في لفظ القرابة على المذهب ، فكيف تكون من أقربهم ، وقد نبه على هذا أبو البركات حيث قال : والأخ من الأب والأخ من الأم إن أدخلناه في القرابة سواء ، والله أعلم .
قال : وإن قال : لأهل بيتي . أعطي من قبل أبيه وأمه .
ش : المنصوص عن أحمد رحمه الله أن لفظة ( أهل بيته ) بمنزلة لفظة ( قرابته ) قال في رواية عبد الله : إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته ، وهو بمثابة قوله : لقرابتي .
2239 واستدل على ذلك فيما حكاه عنه ابن المنذر بأن قال : قال النبي : ( لا تحل الصدقة لي ، ولا لأهل بيتي ) فجعل سهم ذوي القربى لهم ، عوضاً عن الصدقة التي حرمت عليهم ، فكان ذوو القربى الذين سماهم الله تعالى ، أهل بيته الذين حرمت عليهم الصدقة ،
2240 وذكر حديث زيد بن أرقم أن النبي قال : ( أذكركم الله في أهل بيتي ) قال : قلنا : من أهل بيته نساؤه ؟ قال : لا ، أهله وعشيرته ، الذين حرمت عليهم الصدقة بعده ، آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل العباس . وفرق الخرقي رحمه الله بين لفظ : القرابة ، وأهل البيت ، فجعل الأول مختصاً بأقاربه من جهة أبيه على ما تقدم ، وجعل الثاني يشمل القريب من جهة الأب والأم ، نظراً إلى أن اللفظ يشملهم ، عرفاً ، يقال : بيت فلان كذا . يريدون أقاربه من جهة أبيه وأمه ، وأناط الشيرازي الحكم هنا بمن كان يصله في حياته ، فقال : يعطى من كان يصله في حياته من قبل أبيه وأمه . والله أعلم .
قال : وإذا أوصى أن يحج عنه بخمس مائة فما فضل رد في الحج .
ش : إذا أوصى أن يحج عنه بخمس مائة مثلًا حج عنه ، لأن الحج جهة قربة ، فإن فضل من الخمس مائة شيء ، رد في الحج إلى أن ينفد ، على المذهب المعروف ، إعمالًا لمقتضى اللفظ ، وحكى الشيرازي رواية أن الباقي للورثة .
وظاهر كلام الخرقي أنه لا يدفع إلى من يحج إلى قدر ما يحج به ، لقوله : فما فضل . وصرح به غيره ، لأنه تصرف بمقتضى النظر ، فلا يزاد فيه على ذلك ، ولو كانت الخمس مائة لا تكفي للحج ، فهل يعان بها فيه ، أو يحج بها من حيث تبلغ ، أو يخير ؟ ثلاثة أقوال ، وشرط نفوذ هذه الوصية أن تخرج الخمسمائة من الثلث ، فإن لم تخرج نفذ منها قدر الثلث ، ووقف الباقي على إجازة الورثة ، هذا إن كان الحج تطوعاً ، وإن كان واجباً فالذي يحتسب من الثلث ما زاد على نفقة المثل للفرض ، والله أعلم .
قال : وإن قال : حجة بخمسمائة . فما فضل فهو لمن يحج .
ش : اعتماداً على مقتضى لفظه ، إذ مقتضاه دفع جميع الخمسمائة إلى من يحج حجة واحدة ، كأنه قصد إرفاق من يحج ، والله أعلم .
قال : وإن قال : حجوا عني حجة . فما فضل رد إلى الورثة .
ش : لأن الذي أوصى به حجة فقط ، فما فضل عنها فهو للورثة ، وقوله : فما فضل : يجوز أن يريد ما فضل [ من الثلث ، ويجوز أن يريد ما فضل ] من المدفوع إليه ، أي عن النفقة التي أنفقها ، بناء على المشهور ، من أنه لا يجوز الاستئجار على الحج ، والله أعلم .
قال : ومن أوصى بثلث ماله لرجل ، فقتل عمداً أو خطأ ، وأخذت الدية ، فلمن أوصى له بالثلث ثلث الدية ، في إحدى الروايتين ، والأخرى ليس لمن أوصى له بالثلث من الدية شيء .
ش : الرواية الأولى اختيار القاضي وغيره ، بناء على أن الدين تحدث على ملكه ، تنزيلًا لسبب الوجوب ، منزلة مسببه وهو الوجوب ، ولا شك أن السبب وجد في حياته وصار ، هذا كما لو نصب شبكة ، فوقع فيها صيد بعد موته ، فإنه يكون له ، يحقق ذلك أن تجهيزه يخرج منها بلا نزاع ، وعلى هذا يكون لمن أوصى له بالثلث ثلثها ، كما لو ورث مالًا قبل موته ، ( والثانية ) ليس لمن أوصى له بالثلث شيء منها ، بل تكون للورثة ، يقتسمونها على قدر مواريثهم ، بناء على أن الدية تحدث على ملكهم .
( تنبيه ) بنى أبو البركات الدين على الروايتين ، [ إن قلنا له ، قضيت منها ديونه ، وإن قلنا للورثة فلا ، وظاهر كلام أبي محمد في المغني يقتضي أن ديونه تقضى منها على الروايتين ] كتجهيزه ، نظراً إلى أن الوجوب إنما وجد بالموت ، والميت ليس أهلًا للملك ، ولذلك زالت أملاكه بموته ، والله أعلم .
قال : وإذا أوصى لرجل ، ثم أوصى بعده إلى آخر ، فهما وصيان ، إلا أن يقول : قد أخرجت الأول .
ش : أما إذا أخرج الأول من لإِيصاء إليه فقد انعزل ، وصار الثانيهو الوصي وحده ، وأما إذا لم يخرجه فهما وصيان ، لما تقدم فيما إذا أوصى لبكر بجارية ، ثم أوصى بها لبشر ، وقد تضمن كلام الخرقي رحمه الله أن للموصي عزل الموصى إليه ، وهو واضح ، لأنه نائب عنه ، أشبه وكيله .
قال : وإذا كان الوصي خائناً جعل معه أمين .
ش : هذا إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله تعالى ، جمعاً بين نظر الموصي وحفظ المال ، ( والثانية ) لا تصح الوصية إلى فاسق أصلًا ، وهي اختيارالقاضي ، وعامة أصحابه ، الشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وابن عقيل في التذكرة ، وابن البنا ، لأنه ليس بأهل للشهادة ، أشبه المجنون ، ( والرواية الثالثة ) تصح الوصية إليه مطلقاً ، ولا يفتقر إلى أمين ، حكاها أبو الخطاب في خلافه . لأنه أهل للائتمان في الجملة ، بدليل جواز إيداعه ، فلو طرأ فسقه بعد موت الموصي ، فعند أبي محمد أنه على الروايتين في الوصية إليه ابتداء ، ثم مختار القاضي [ أيضاً ] وغيره البطلان ، وعند أبي البركات أنه يبدل بأمين بلا نزاع ، نظراً إلى أن الموصي في الابتداء قد رضيه واختاره ، والظاهر أنه إنما فعل ذلك لمعنى رآه فيه ، إما لزيادة حفظه ، أو إحكام تصرفه ، ونحو ذلك ، مما يربو على ما فيه من الخيانة ، بخلاف ما لو طرأ فسقه ، فإن حال الموصي يقتضي أنه إنما رضي بعدل ولا عدل ، وعكس ذلك القاضي في روايتيه ، فإنه حمل رواية ضم الأمين إليه على ما إذا طرأ الفسق . وقال : ولا يختلف المذهب أنه لا يصح إليه ابتداء ، فكأنه نظر إلى الدوام يغتقر فيه ما لا يغتفر في الابتداء .
ولنشر إلى شروط الموصى إليه فنقول : من شرطه أن يكون ( عاقلًا ) بلا نزاع ، ( مسلماً ) إن كان الموصي مسلماً ، وكذلك إن كان كافراً في وجه ، وفي آخر : يصح إلى كافر إن كان الموصي كافراً ، لكن يشترط عدالة الموصى إليه في دينه عند أبي محمد ، وظاهر كلام أبي البركات أنه على الروايتين ، ( بالغاً ) في رواية ، وفي أخرى وقال القاضي : إنها قياس المذهب : لا ، وعليها قال أبو البركات : إذا كان مراهقاً . وقال أبو محمد : إذا جاوز العشر . ( مستور الحال ) على المذهب وقد تقدم ، ولا تعتبر الذكورية ، ولا الحرية ، ولا البصر ، ولا المعرفة بالتصرف ، نعم إذا كان عاجزاً ضم الحاكم إليه أميناً ، ويعتبر وجود الشروط عند العقد والموت في وجه ، وفي آخر عند الموت فقط ، والله أعلم .
قال : وإن كانا وصيين فمات أحدهما ، أقيم مقام الميت أمين .
ش : إذا أوصى لرجلين ، فليس لأحدهما الانفرد بالتصرف ، لحصول التشريك بينهما ، إلا أن يجعل لكل واحد منهما التصرف منفرداً ، فعلى هذا لو مات أحدهما أو جن أقام الحاكم مقامه أميناً ، لأن الميت لم يرض بتصرف الآخر وحده ، وكذلك إن ماتا في وجه ، لأنه لم يرضى بتصرف واحد ، وفي آخر يجوز أن يقيم واحداً ، لأن الأمر رجع إلي ، أشبه ما لو لم يوص ، ولو كان قد جعل لكل واحد التصرف منفرداً ، فمات أحدهما لم يبدل ، لاستقلال الآخر بالتصرف ، والله أعلم .
قال : ومن أعتق في مرضه أو بعد موته عبدين لا يملك غيرهما ، وقيمة أحدهما مائتان ، والآخر ثلثمائة ، فلم تجز الورثة ، أقرع بينهما ، فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان عتق منه خمسة أسداسه ، وهو ثلث الجميع ، وإن وقعت على الآخر عتق منه خمسة أتساعه .
ش : قوله : ومن أعتق في مرضه . أي منجزاً ، أو بعد موته . أي مدبراً . وقوله : أقرع بينهما ، ( إشارة ) إلى أن العتق في المرض يعتبر من الثلث ، وكذلك التدبير على المذهب بلا ريب ، كبقية الوصاية ، وشذ حنبل فنقل عنه نفوذه من رأس المال إن وجد في الصحة ، نظراً إلى الحال الراهنة ، ( وإشارة ) بأن العتق والحال هذه يكمن في واحد ( وتصريح ) بدخول القرعة ، والأصل في ذلك كله حديث عمران بن حصين المتقدم ، وإذا أقرعنا فإن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان ، عتق منه خمسلا أسداسه ، وهو ثلث الجميع ، إذ ثلث الجميع مائة وستة وستون وثلثا درهم ، وذلك قدر خمسة أسداسه ، وإن وقعت على الآخر الذي قيمته ثلاثمائة ، عتق منه خمسة أتساعه ، وهي الثلث ، مائة وستة وتسون درهماً وثلثا درهم ، إذ كل تسع منه ثلاثة وثلاثون درهماً ، وثلث درهم .
قال : لأن جميع ملك الميت خمسمائة ، وهي قيمة العبدين ، فتضرب في ثلاثة ، فأخذ ثلثه خمسمائة ، فلما أن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان ، ضربناه أيضاً في ثلاثة ، فصيرناه ستمائة ، فصار العتق فيه خمسة أسداسه ، وكذلك يفعل بالآخر إذا وقعت عليه القرعة .
ش : هذا بيان لعمل المسألة ، ولأن العتق في الأول خمسة أسداسه ، وفي الثاني خمسة أتساعه ، وذلك لأن صورة المسألة أن جميع ملك الميت خمسمائة ، فتضرب في ثلاثة ، ترتفع إلى ألف وخمسمائة ، لأنها لو لم تضرب ربما وقع فيها كسر فتشق النسبة إليه أو تتعذر ، فإذا بلغت ألفاً وخمسمائة ، أخذ ثلثها وهو خمسمائة ، ثم إن وقعت القرعة على الذي قيمته مائتان ، ضربناه في ثلاثة ، كما ضربنا المجموع ، فترتفع إلى ستمائة ، ثم تنسب الثلث إليه وهو الخمس مائة ، تجد العتق فيه خمس أسداسه ، إذ كل سدس مائة درهم ، وإن وقعت القرعة على الذي قيمته ثلاثمائة ، فعلنا به أيضاً كذلك ، ضربناه في ثلاثة فارتفع إلى تسعمائة ، ثم نسبنا منه الثلث ، وهو الخمس مائة ، تجدها خمسة أتساعه .
قال : وكل شيء يأتي من هذا الباب فسبيله أن يضرب في ثلاثة ، ليخرج بلا كسر .
ش : فلو كانت قيمة أحد العبدين ثلاثمائة ، والآخر أربعمائة ، جمعتها ، وذلك سبعمائة ، فجعلتها ثلث المال ، ثم إن وقعت القرعة على الذي قيمته ثلاثمائة ، ضربت في ثلاثة ، ترتفع إلى تسعمائة ، ثم تنسب إليه السبعمائة يكن العتق منه سبعة أتساعه ، وإن وقعت على الذي قيمته أربع مائة ، ضربته في ثلاثة ، ترتفع إلى ألف ومائتين ، وإذا نسبت إليه السبع مائة ، كان العتق فيه ثلثه وربعه ، وعلى هذا فقس ، والله أعلم .
قال : وإذا أوصى بعبد من عبيده لرجل ، ولم يسم العبد ، كان له أحدهم بالقرعة ، إذا كان يخرج من الثلث ، وإلا ملك منه بقدر الثلث .
ش : هذا إحدى الروايتين ، واختيار ابن أبي موسى ، لأن الجميع سواء بالنسبة إلى الاستحقاق ، فكان له أحدهم بالقرعة ، كما لو كان ذلك عتقاً ، ( والثانية ) واختارها أبو الخطاب ، والشريف في خلافيهما ، والشيرازي يعطيه الورثة ما أحبوا ، لأن لفظه تناول عبداً ، والأقل هو اليقين ، فيكون هو الواجب ، وما زاد فهو مشكوك فيه ، وإذاً ما تدفعه الورثة هو الواجب أو أزيد ، فيلزم قبوله ، وقد تضمن كلام الخرقي صحة الوصية بالمجهول ، وهو واضح ، لما تقدم من أن الغرر لا ينافيها .
وقول : من عبيده . يخرج ما إذا قال : بعبد . وأطلق ، فإنه يصح ويعطى أي عبد كان ، لكن يشترط كونه ذكراً ، هذا عند أبي محمد ، نظراً للعرف ، وعند القاضي لا يشترط ، نظراً للحقيقة ، وقوله : ولم يسمه . يخرج ما إذا سماه ، فإنه يستحقه بشرطه بلا نزاع ، واشتراط الخروج من الثلث واضح وقد تقدم .
قال : وإذا أوصى له بشيء بعينه فتلف بعد موت الموصي لميكن للموصى له شيء .
ش : إذا أوصى له بشيء بعينه كهذا العبد ونحوه فتلف بعد موته ، وقبل القبول ، لم يكن للموصى له شيء ، حكاه ابن المنذر إجماعاً ، وذلك لأن الموصى له إنما يستحق بالوصية وهي في معين ، فتذهب بذهابه ، وبطريق التنبيه إذا تلف قبل موت الموصي .
قال : وإن تلف المال كله إلا الموصى به فهو للموصى له .
ش : نص على هذا أحمد ، لأن حق الورثة تعلق بما عدا المعين ، وقد تلف ، فيتلف على ملكهم ، أما المعين فلم يتعلق حقهم به ، ولذلك كان للموصى له أخذه بغير رضاهم .
قال : ومن أوصي له بشيء فلم يأخذه زماناً ، قوم وقت الموت ، لا وقت الأخذ .
ش : إعلم أنا نذكر أولًا أصلًا ، ثم نذكر هذه المسألة ، لأن بعضهم بناها عليه ، فنقول : اتفق أصحابنا فيما علمت على أن شرط ثبوت الملك للموصى له القبول بعد الموت ، ثم اختلفوا متى يثبت الملك له ، فالمذهب عند أبي محمد رحمه الله أن الملك لا يثبت له إلا عقب القبول ، وهو مقتضى قول القاضي ، وعامة أصحابه ، قال أبو الخطاب في الهداية : وأومأ إليه أحمد فقال : الوصية والهبة واحد . واختار أبو بكر في الشافي أن الملك مراعى ، فإذا قبل تبينا أن الملك ثبت له من حين الموت ، وحكى الشريف عن شيخه أنه قال : إنه ظاهر كلام الخرقي . ولعله أخذه من هذه المسألة ، قال في التعليق : وهو ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور ، فيمن أوصي له بشيء فلم يأخذه زماناً ، قال سفيان : يحسب على الموصى له بقيمته يوم يأخذه ، قال أحمد : له يوم أوصى . قال : فظاهر هذا أن الملك حصل بالسبب السابق . وقوله : يوم أوصى . معناه يوم تعتبر قيمته حين الموت ، لأنه حين الوصية باق على ملك الموصي ، فلا تعتبر قيمته إذاً ، ثم على الأولى هل يبقى الملك بعد موت الموصى له ، فيتوفر بنمائه ثلثه وهو مقتضى قول الشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما أو يكون الملك للورثة ثم ينتقل إلى الموصى له إذا قيل وهو اختيار أبي محمد ، وابن البنا ، والشيرازي ؟ فيه وجهامن وتلخص أن في الملك بين الموت والقبول ثلاثة أوجه ، للميت ، للورثة ، للموصى له .
إذا تقرر هذا فقول الخرقي : إن التقويم يعتبر بحال الموت ، لا بحال الأخذ ، وكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور ، فيحتمل أنه بناء منهما على أن الملك يكون مراعى ، وأن الموصى له إذا قبل ثبت ملكه من حين الموت ، أما إن قلنا : إن الملك لا يثبت إلا حين القبول ، فيعتبر التقويم إذاً ، وإلى هذا جنح أبو البركات ، مع زيادة تحقيق ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، ويحتمل أن هذا الحكم جار على جميع الوجوه ، وهو مقتضى كلام أبي محمد ، فإنه حكى الخلاف في الأصل ، ثم ذكر هذه المسألة ، وقال : لا أعلم فيها خلافاً . وقال أبو العباس : إن قول الخرقي هو قول قدماء الأصحاب ، وإنه أوجه من قول جده ، يعني بالبناء ، فعلى هذا الاعتبار في التقويم بحال الموت سعراً وصفة ، فعلى هذا إذا قوم الموصى به حال الموت ، فخرج من الثلث ، كان للموصى له ، وإن زاد حين القبول ، حتى لم يخرج من الثلث ، ولو لم يخرج من الثلث حال الموت ، كان له منه بقدر الثلث ، وإن زاد سعره أو صفته ، حتى خرج من الثلث حال القبول ، وذلك لأن تأخير القبول حصل بتفريط من الموصى له ، فهو كتأخير المشتري قبض المبيع المعين ، [ بعد التمكن من قبضه ، والمذهب أن مجرد التمكن من القبض في المبيع المعين ] ونحوه ينقل الضمان ، فكذلك التمكن من القبول في الوصية ، إذ القبول فيها بمنزلة القبض في غيرها ، وإن قلنا بالرواية الأخرى في البيع ونحوه ، وأن الضمان لا ينتقل إلا بالقبض ، فهذا في المعاوضات على ضعف ، أما الشركة ونحوها فنفس التمييز كاف ، ولأن الموصى به مباح للموصى له ، وقد امتنعت الورثة من التصرف فيه وإن قلنا الملك لهم أو للميت لأجل حق الموصى به ، فأشبه العبد الجاني ، والتركة المستغرقة بالدين ، وإن قلنا : انتقلت إلى الورثة ، فإنه لو أخر استيفاء حقه حتى نقص العبد أو التركة كان النقص عليه ، ولم يكن له حق في غير ذلك ، كذلك ها هنا ، وقد قال أبو الخطاب في الانتصار وطائفة من الأصحاب : وإن تعلق حق الغرماء بالتركة لتعلق الموصى له بالموصى به هل يمنع من الانتقال ؟ على روايتين ، ولأن الموصى له وإن لم يملك ، لكن له حق التملك ، فأشبه ربح المضاربة قبل القسمة ، إن قلنا : لا يملك إلار بها . على رواية ، ونصف الصداق بعد الطلاق ، إن قلنا : لا يدخل في ملك الزوج إلا باختياره على وجه ، والمغانم قبل القسمة إن قلنا : لا تملك إلا بها . على وجه أيضاً ، فإن جميع هذه الصور الضمان على من له حق التملك ، كذلك ها هنا ، ولا يقال : القبول ها هنا بمنزلة القبول في الهبة والبيع ، لأن التملك في الوصية حق ثابت ، لا يمكن أحداً فسخه بعد الموت ، فهو كربح المضاربة ، وقبول البيع والهبة حق غير ثابت ، لإِمكان إبطاله ، ولهذا قال الخرقي : إن خيار القبول في الوصية ينتقل إلى الورثة وإن كان خيار قبل البيع والهبة لا ينتقل اتفاقاً .
وأيضاً فإن العدل الشرعي أن لا تفضل الوصايا على الورثة بزيادة على الثلث ، لا في الملك ، ولا في القبض ، فإذا أوصى بعبد ، وله عبدان آخران ، فالعدل أن نقص العبدين كما هو على الورثة ، كذلك نقص العبد على الموصى له لا يقال : يلزم على هذا أن الملك مع الزيادة يكون للورثة والضمان على الموصى له ، لأنا نقول : ليس هذا ببدع . كما نقول : ضمان الثمر على الشجر على البائع ، والزيادة للمشتري ، والعين المؤجرة ضمانها على المؤجر ، والربح للمستأجر . انتهى ، وقال أبو البركات : إن قلنا : إن الملك يتبين ثبوته للموصى له من حين الموت ، فإن الموصى به يقوم بسعره يوم الموت ، على أدنى صفاته من حين الموت ، إلى حين القبول ، وإن قلنا : إن الملك لا يثبت إلا عقب القبول ، وأنه قبل للورثة أو للميت . اعتبر التقويم وقت القبول سعراً وصفة ، وبيان ذلك أما السعر فلأنه إنما اعتبر حال الموت على الأول ، لأنا تبينا بالقبول دخوله في ملكه حين الموت ، وإذاً تكون زيادة السعر ونقصها عليه ، لأن زيادة السعر ونقصه لا تضمن مع بقاء العين المستحقة ، وإن ضمنت العين ، كما في الغصب وغيره على المشهور ، وأما على الوجهين الآخرين ، فلأن الملك إنما حصل له بالقبول ، فقبل القبول لا يقوم عليه ، كما قبل الموت اتفاقاً ، وأما نقص الصفة أما على الوجهين الآخريهن فواضح ، لأن الملك للورثة أو للميت ، والزيادة لهما ، فكذلك النقص عليهما ، إذ الخراج بالضمان ، وأما على الوجه الأول فلأن الموصى له لا يضمن إلا بالقبول ، كما أن غيره لا يضمن إلا بالتمكين من القبض أو بحقيقة القبض على الخلاف ، وذلك لأن القبول لا يرد إلاعلى عين موجودة ، لأنه وإن أثبت الملك من حين الموت ، فلا بد من بقائه إلى حينه ، إذ ثبوت الملك قبله تبع لثبوته في حينه فما ليس بموجود لا يقبل ، لتعذر الملك فيه ، ولهذا لو تلفت العين الموصى بها قبل القبول ، امتنع القبول فيها ، فكذلك إذا تلف بعضها ، ولا ضمان أيضاً على الورثة ، بحيث يحسب من الثلثين ، لأن الورثة لم يملكوا ذلك ، فأشبه ما لم يمكنهم قبضه وأولى .
فإن قيل : يلزم على هذا أن تكون الزيادة للموصى له ، والنقص ليس عليه . قلنا : كذا ما اشترى بصفة أو رؤية متقدمة ، هو مضمون على البائع ، حتى يتبين أنه على ما رؤي أو وصف ، فلو زاد في هذه المدة كانت الزيادة للمشتري ، وقد ذكر أبو البركات نحو هذا في الصداق أيضاً ، إذل تعذر الرجوع في نصف عينه ، فإنه يرجع بنصف قيمته يوم الفرقة ، على أدنى صفاته من يوم العقد ، إلى يوم القبض ، إلا المتميز إذا قلنا : يضمنه بالعقد ، فتعتبر صفته وقت العقد ، وذلك لأن مع التعذر إنما يستحق نصف القيمة يوم الفرقة ، فيعتبر السعر إذاً ، وأما صفة المقوم فإن كان قد زاد بعد العقد وقبل القبض لم يستحق نصف قيمة الزيادة ، لحدوثها على ملك الزوج ، وإن كان قد نقص فهو مضمون عليها ، لعدم التمكن من القبض ، المقتضي لضمان الزوج .
قال أبو العباس : واعلم أن تحرير هذه العبارة هنا ، وفي الصداق ، له دون غيره ، وإن كان قد ذكره غير واحد متفرقاً في الصداق ، ويؤخذ من تعليل بعضهم هنا ، قال : وهو متوجه في الصداق ، أما هنا ففيه نظر ، لأن المملوك بالوصية ، كالمملوك بالإِرث ، لا يتوقف تمام الملك فيهما لى قبض ، وإن تلف تلف من ضمانهما ، بخلاف المملوك بالعقود ، كالبيع ونحوه ، لا يتم الملك فيها إلا بالتمكن من القبض ، وإذا تلفت تلفت من ضمان الذي خرجت من ملكه ، وأيضاً فإن بالقبول يتبين أن الملك كان للموصى له ، وإذاً يكون التالف قبل القبول من ملكه ، إذ لم يفت فيه إلا بالقبض ، والقبض غير مؤثر ، بدليل ما لو قبل وأخر القبض . والله أعلم .
قال : وإذا أوصى بوصايا وفيها عتاق ، فلم يف الثلث بالكل ، تحاصوا في الثلث ، وأدخل النقص على كل واحد بقدر ما له في الوصية .
ش : هذا هو المشهور ، المختار للأصحاب من الروايتين ، للاشتراك في سبب الاستحقاق ، ولا مزية لأحدهم على الآخر ، فعلى هذا لو وصى لرجل بثلث ماله ، ولآخر بمعين قيمته مائة ، وبعتق عبد قيمته خمسون ، وثلثه مائة درهم ، فإنك إذا نسبت الثلث إلى مجموع الوصايا ، وجدته خمسيها ، فكل من له شيء له خمساه ، ( والرواية الثانية ) يقدم العتقد ، لترجحه بما فيه من حق الله تعالى ، وحق الآدمي وتشوف الشارع إليه ، ولو لم يكن في الوصايا عتاقة تحاصوا فيها بلا نزاع . والله أعلم .
قال : وإذا أوصى بفرس في سبيل الله ، وألف درهم تنفق عليه ، فمات الفرس ، كانت الألف للورثة ، وإن أنفق بعضها رد الباقي إلى الورثة .
ش : لتعذر العمل بالوصية في الجميع أو في البعض ، وإذاً يرجع إلى الورثة ، لأن سبب استحقاقهم قائم ، وإنما منعوا لمعارض وقد زال ، ويحتمل أن تنفق الألف على فرس آخر في السبيل ، إذ المقصود من مثل هذه الوصية الجهة ، لا ذات الفرس ، وصار كما لو وصى بألف في الحج ، فإنه يصرف في حجة بعد أخرى حتى ينفد ، والله سبحانه أعلم .

كتاب كتاب الفرائض

ش : الفرائض جمع فريضة ، وهي في الأصل مصدر من : فرض وافترض . وحدها في الاصطلاح : العلم بقسمة المواريث .
2241 والأصل فيها ما روى أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله : ( تعلموا الفرائض وعلموها الناس ، فإنه نصف العلم ، وهو ينسى ، وهو أول شيء ينزع من أمتي ) رواه ابن ماجه والدارقطني .
2242 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله قال : ( العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فهو فضل ، آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة ) رواه أبو داود وابن ماجه .
قال : ولا يرث أخ ولا أخت لأب وأم ، أو لأب مع ابن ، ولا مع ابن ابن وإن سفل ، ولا مع أب .
ش : ولا مع ابن ابن وإن سفل ، ولا مع أب .
ش : يسقط ولد الأبوين أو الأب ذكرهم وأنثاهم بلاثة ، الابن ، وابنه ، والأب بالإِجماع ، حكاه ابن المنذر ، وقد قال سبحانه 19 ( { يستفتونك ، قل الله يفتيكم في الكلالة ، إن امرؤ هلك ، ليس له ولد ، وله أخت ، فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } ) وهو يقتضي أن الأخ والأخت لا يرثان مع وجود الولد ، وهو شامل للولد وولد الابن ، ( والكلالة ) من لا ولد له ولا والد ، والمراد الأخ والأخت من الأبوين أو الأب بلا نزاع ، وإنما خص الحجب بالولد الذكر ، وإن كانت الآية الكريمة تشمل الأنثى لما سيأتي من أن الأخوات مع البنات عصبة ، وإذاً فالآية الكريمة مخصوصة بالذكر ، ويزيد ولد الأب على حجبه ، بالثلاثة أنه يحجب بالأخ من الأبوين ، وقد أشعر كلام الخرقي بهذا في قوله : والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم ، إذا لم يكن أخوات لأب وأم
2243 وذلك لما روى علي رضي الله عنه ، أن رسول الله قضى بالدين قبل الوصية ، وأن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات ، يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه ، دون أخيه لأبيه . رواه أحمد والترمذي ، وابن ماجه .
قال : ولا يرث أخ ولا أخت لأم مع ولد ، ذكراً كان أو أنثى ، ولا مع ولد ابن ، ولا مع أب ، ولا مع جد .
ش : ولد الأم ذكرهم وأنثاهم يسقط بأربعة الولد ، وولد الابن ، والأب ، والجد أبي الأب ، في قول العامة ، لقوله تعالى : 19 ( { وإن كان رجل يورث كلالة ، أو امرأة ، وله أخ أو أخت } ) والمراد بالأخ والأخت من الأم بالإِجماع ، والكلالة في قول الجمهور من ليس له ولد ولا والد ، والولد يشمل الولد ، وولد الابن ، والوالد يشمل الأب ، والجد . والله أعلم .
قال : والأخوات مع البنات عصبة ، لهن ما فضل ، وليست لهن معهن فريضة مسماة .
ش : العصبة في الاصطلاح ؟ وحكمه أنه يرث بلا تقدير ، ثم تارة ينفرد فيحوز جميع المال ، وتارة تستغرق الفروض المال فيسقط ، وتارة لا تستغرق فيأخذ الفاضل ، إذا تقرر هذا فالأخوات مع البنات عصبة ، لهن الفاضل عن فروض البنات ، وليست لهن مع البنات فريضة مسماة .
2244 لما روي أن أبا موسى الأشعري سئل عن ابنة ، وابنة ابن ، وأخت ، فقال : للابنة النصف ، وللأخت النصف . فسئل ابن مسعود ، وأخبر بقول أبي موسى ، فقال : لقد ( ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ) أقضي فيها بما قضى النبي ، للبنت النصف ، ولابنة الابن السدس ، تكلمة الثلثين ، وما بقي فللأخت . فأخبر أبو موسى بقول ابن مسعود فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم . رواه البخاري وغيره ، والمراد بالأخوات الأخوات لأبوين ، أو لأب ، لأنه قد تقدم له أن الأخوات للأم لا يرثن مع الولد .
قال : وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات .
ش : هذا إجماع ، ويشهد له عموم قوله تعالى : 19 ( { يوصيكم الله في أولادكم } ) الآية وولد البنين أولاد ، قال الشاعر :
( بنونا بنو أبنائنا )
.
[ أي بنو أبنائنا بنونا ] ، وقوله : بمنزلتهن . أي عند عدمهن ، في إرثهن ، وحجبهن لمن تحجبه البنات ، وفي كون الأخوات معهن عصبة ، وغير ذلك .
قال : فإن كن بنات وبتات ابن ، فللبنات الثلثان ، وليس لبنات الابن شيء إلا أن يكون معهن ذكر ، فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
ش : البنات لهن الثلثان بالإِجماع ، وسنده قوله تعالى : 19 ( { فإن كن نساء فوق اثنين فلهن ثلثا ما ترك } ) وكذلم البنتان لهما الثلثان بالإِجماع .
2245 ولا عبرة برواية شذت عن ابن عباس ، و 19 ( { فوق } ) في الآية الكريمة قيل : زائدة للتوكيد .
2246 ويؤيد ذلك ويوضحه ما روى جابر رضي الله عنه ، قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله بابنتيها من سعد ، فقالت : يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع ، قتل أبوهما معك في أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما مالًا ، ولا ينكحان إلا بمال . فقال : ( يقضي الله في ذلك ) فنزلت آية الميراث ، فأرسل رسول الله إلى عمهما ، فقال : ( اعط ابنتي سعد الثلثين ، وأمهما الثمن ، وما بقي فهو لك ) رواه الخمسة . وهذا بيان الآية الكريمة ، وأيضاً قوله تعالى : 19 ( { يستفتونك ، قل الله يفتيكم في الكلالة ، إن امرؤ هلك ليس له ولد ، وله أخت ، فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان } ) وهذا يدل بطريق التنبيه على أن للبنتين الثلثين ، لأنهما أقرب من الأختين ، ولا شك أن دلالة التنبيه أقوى من دلالة مفهوم الشرط ، بل قد قال بعض العلماء : إنها أقوى من دلالة النص ، وأيضاً قوله تعالى : 19 ( { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } ) وإذا كان معنا ذكر وأنثى ، فللأنثى الثلث ، وللذكر الثلثان مثل حظ الأنثيين ، .
إذا تقرر هذا فإذا كان في المسألة بنتان فصاعداً ، وبنات ابن ، فللبنتين فصاعداً الثلثان ، وتسقط بنات الابن بالإِجماع ، ولأن الثلثين لجهة البنات ، وقد استوعبه بنات الصلب ، فسقط بنات الابن ، لأنهن دونهن في الدرجة ، اللهم إلا أن يكون معهن في درجتين ذكر من بني الابن كأخيهن ، أو ابن عمهن ، فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، لعموم قوله تعالى : 19 ( { يوصيكم الله في أولادكم } ) الآية ، وهؤلاء أولاد ، وكذلك لو كان الذكر من ولد الابن أنزل منهن ، كابن أخيهن ، أو ابن عمهن ، أو ابن ابن ابن عمهن ، لما تقدم ، والله أعلم .
قال : فإن كانت ابنة واحدة وبنات ابن ، فلابنة الصلب النصف ، ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين ، إلاأن يكون معهن ذكر ، فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
ش : لا نزاع بين العلماء أن للبنت الواحدة النصف ، وقد شهد لذلك قوله تعالى : 19 ( { وإن كانت واحدة فلها النصف } ) ولا نزاع أيضاً بينهم أنه إذا كانت بنت وبنت ابن ، أو بنات ابن ، أو بنت ابن وبنات ابن ابن أن للبنت النصف ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر السدس تكملة الثلثين ، لما تقدم من قصة أبي موسى ، وحديث ابن مسعود ، فإن كان مع بنات الابن ذكر ، عصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، لما تقدم من الآية الكريمة .
وقول الخرقي في هذه المسألة والتي قبلها : إلا أن يكون معهن ذكر . يشمل ما إذا كان في درجتهن ، أو أسفل منهن ، وصرح بذلك أبو البركات ، وقال في المغني في الأولى : إذا كان معهن أو أنزل منهن . وقال في الثانية : إذا كان معهن في درجتهن . وظاهره أن من أنزل منهن لا يعصبهن .
قال : والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم ، إذا لم يكن أخوات لأب وأم ، فإن كان أخوات لأب وأم وأخوات لأب ، فللأخوات من الأب والأم الثلثان ، وليس للأخوات من الأب شيء إلا أن يكون معهن ذكر ، فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
ش : فرض الأخت من الأب والأم النصف ، وفرض الأختين فصاعداً الثلثان ، لقوله تعالى : 19 ( { يستفتونك ، قل الله يفتيكم في الكلالة ، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك ، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان } ) الآية .
2247 وعن جابر رضي الله عنه ، قال قلت : يا رسول الله كيف أصنع في مالي ، ولي أخوات ؟ قال : فنزلت آية الميراث : 19 ( { يستفتونك } ) الآية . . . رواه أبو داود .
2248 ويروى أنه كان له سبع أخوات ، والأخوات من الأب بمنزلة الأخوات من الأب والأم ، لدخولهن في الآية الكريمة ، لكن بشرط عدم الأخوات لأب وأم ، فالأخوات لأب يسقطن بالأخوات لأبوين ، وقد تقدم ذلك ، ويتفرع على هذا إذا كان له أخوات لأب وأم ، وأخوات لأب ، فإن للأخوات للأب والأم الثلثين ، وتسقط الأخوات للأب ، ويستثنى من ذلك صورة واحدة ، وهو ما إذا كان مع الأخوات للأب ذكر ، فإنه يعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، لعموم قوله تعالى : 19 ( { وإن كانوا إخوة رجالًا ونساء ، فللذكر مثل حظ الأنثيين } ) .
قال : وإن كانت أخت واحدة لأب وأم ، وأخوات لأب ، فللأخت من الأب والأم النصف ، وللأخوات من الأب واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين ، إلاأن يكون معهن ذكر ، فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
ش : أما كون النصف للأخت من الأبوين فبنص الكتاب ، وقدمت على الأخوات للأب لأنها أقوى منهن ، وأما كون باقي الثلثين للأخوات من الأب ، فلأن فرض الأخوات الثلثان ، وقد أخذت الأخت للأبوين النصف ، فيكون الباقي منهما وهو السدس للأخوات للأب ، إلا أن يكون معهن والحال هذه ذكر ، فيعصبهن فيما بقي ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، لعموم قوله تعالى : 19 ( { وإن كانوا إخوة رجالًا ونساء ، )9 ( فللذكر مثل حظ الأنثيين } ) وشرط من يعصبهن هنا ، وفي التي قبلها أن يكون أخاهن ، فلا يعصبهن ابنه ، بخلاف بنات الابن ، كما تقدم ، لأن ابن الأخ ليس بأخ ، وابن الابن ابن . والله أعلم .
قال : وللأم إذا لم يكن إلا أخ واحد ، أو أخت واحدة ، ولم يكن ولد ، ولا ولد ابن الثلث ، فإن كان له ولد ، أو ولد ابن ، أو أخوان ، أو أختان ، فليس لها إلا السدس .
ش : ذكر الخرقي رحمه الله تعالى هنا للأم حالتين ( إحداهما ) لها الثلث ، وهي مع عدم الولد ، أو ولد الابن ، والاثنين من الإِخوة والأخوات ، لقوله تعالى : 19 ( { فإن لم يكن له ولد ، وورثه أبواه ، فلأمه الثلث ، فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ) فجعل لها الثلث مع عدم الولد ، وهو شامل للولد وولد الابن ، ولم ينقلها إلى السدس إلا مع وجود الإخوة ، وليس الإخوة بأخ ( الحال الثاني ) لها السدس ، وهو مع وجود الولد ، ذكراً كان أو أنثى ، [ أو ولد ابن ] ، أو اثنين من الإِخوة والأخوات ، لقوله تعالى : 19 ( { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ) وهو شامل للولد وولد الابن ، وللذكر والأنثى ، وقوله تعالى : 19 ( { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ) .
2249 وإنما صرف عن ظاهره ، ولم يعتبر في حجبها ثلاثة إخوة ، لما روي أن ابن عباس قال لعثمان رضي الله عنه : ليس الأخوان إخوة في لسان قومك ، فلم تحجب بهما الأم ؟ فقال : لا أستطيع أن أرد شيئاً كان قبلي ، ومضى في البلدان ، وتوارث الناس به . وهذا من عثمان رضي الله عنه يدل على أن الذي منعه من أعمال ظاهر الآية الإِجماع السابق ، ثم إن هذا عرف القرآن في الإِخوة قال سبحانه : 19 ( { فإن كانوا إخوة رجالًا ونساء ، فللذكر مثل حظ الأنثيين } ) وهذا ثابت بلا نزاع في الاثنين فصاعداً ، وبقي للأم ( حال ثالث ) يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . والله أعلم .
قال : وليس للأب مع الولد الذكر أو ولد الابن إلا السدس .
ش : هذا إجماع ، وقد قال الله تعالى : 19 ( { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ) والولد كما تقدم يشمل الولد وولد الابن .
قال : فإن كن بنات كان له ما فضل .
ش : أي فإن كن الأولاد بنات ، كان له ما فضل ، يعني بعد فرض السدس ، لأن الأب واحلال هذه يرث بالفرض السدس ، لقوله تعالى : 19 ( { ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } ) والولد يشمل الذكر والأنثى ، وما بقي بعد أخذ ذي الفرض فرضه يأخذه بالتعصيب ،
23250 لقوله : ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ) . وإلا لو حمل كلام الخرقي على إطلاقه اقتضى أن يسقط فيما إذا كان معنا بنتان ، وزوج ، وأبوان ، فإن البنتيت إذاً لهما الثلثان ، والزوج له الربع ، والأم لها السدس ، ولا يفضل للأب شيء ، وليس كذلك ، بل له السدس ، فأصل المسألة من اثني عشر ، وتعول إلى خمسة عشر ، وإذاً يبقى له حال ثالث ، وهو إذا لم يكن ولد أصلًا ، فإنه يأخذ الفاضل بالتعصيب ليس إلا للحديث . والله أعلم .
قال : وللزوج النصف إذا لم يكن ولد ، فإن كان لها ولد فله الربع .
ش : هذا مما لا خلاف فيه بحمد الله ، وقد شهد له قوله تعالى : 19 ( { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد } ) الآية ، وهو شامل للولد ذكراً أو أنثى ، ولولدها وولد ابنها . والله أعلم .
قال : وللمرأة الربع واحدة كانت أو أربعاً ، إذا لم يكن ولد ، فإن كان له ولد فلهن الثمن .
ش : هذا أيضاً إجماع لقوله تعالى : 19 ( { ولهن الربع مما تركتم } ) إلى قوله : 19 ( { توصون بها أو دين } ) وهو أيضاً شامل للولد وولد الابن .
قال : وابن الأخ للأب والأم أولى من ابن الأخ للأب ، وابن الأخ من الأب أولى من ابن ابن الأخ للأب والأم ، وابن الأخ وإن سفل إذا كان لأب أولى من الم ، وابن العم للأب والأم ، أولى من ابن العم للأب ، وابن العم للأب أولى من ابن ابن العم للأب والأم ، وابن العم وإن سفل أولى من عم الأب .
ش : هذا إشارة إلى ميراث العصبة ، وتنبيه بذكر حكم بعضهم على البقية ، والعصبة قد تقدم بيانهم ، وحكمهم ، والكلام الآن في أولادهم بالميراث ، وأولاهم به أقربهم إلى الميت ، ويسقط به من بعده ، لما تقدم من قوله : ( ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي هو لأولى رجل ذكر ) متفق عليه ، وأقربهم الابن ، ثم ابنه وإن سفل ، ثم الأب ثم أبوه وإن علا ، ثم بنوا الأب وهم الإِخوة للأبوين ، أو للأب ، يقدم الأخ للأبوين على الأخ للأب ، وإن كانوا في درجة واحدة ، لقوة قرابته بالأم ، ثم بنوهم وإن سفلوا الأقرب منهم فالأقرب على ما تقدم ، فيقدم ابن الأخ للأب والأم ، عى ابن الأخ للأب ، وابن الأخ للأب ، على ابن ابن الأخ للأب والأم ، لأن ابن الأخ لأب أعلى درجة من ابن ابن الأخ للأبوين ، وعلى هذا أبداً ، ثم بعد بني الإِخوة العم ، ثم ابنه وإن سفل على ما تقدم ، إن استوت درجتهم قدم من هو لأبوين ، وإن اختلفت قدم الأعلى وإن كان لأب ، ثم عم الأب ، ثم بنوه . ثم عم الجد ، ثم بنوه على ما تقدم بيانه .
قال : وإذا كان زوج وأبوان ، أعطي الزوج النصف ، وللأم ثلث ما بقي ، وما بقي فللأب ، وإن كانت زوجة وأبوان ، أعطيت الزوجة الربع ، وللأم ثلث ما بقي ، وما بقي فللأب .
2251 لأن عمر رضي الله عنه قضى فيهما بذلك ، وتبعه على ذلك عثمان ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، ويروى ذلك عن علي رضي الله عنهم ، فاعتمد أحمد رضي الله عنه وعامة العلماء على ذلك .
2252 اتباعاً لسنة الخلفاء الراشدين ، المأمور باتباعهم رضي الله عنهم .
قال : وإذا كان زوج ، وأم ، وإخوة من أم ، وإخوة لأب وأم ، فللزوج النصف ، وللأم السدس ، وللإِخوة من الأم الثلث ، وسقط الإِخوة من الأب والأم ، وهذه المسألة تسمى الحمارية .
ش : لا نزاع في أن للزوج النصف ، وللأم السدس ، واختلف في أن الثلث الباقي ، هل هو للإِخوة من الأم ، وتسقط الإِخوة من الأبوين ، أو يشرك فيه بين الجميع ، والمشهور المعروف من مذهبنا هو الأول .
2253 وهو مروي عن علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي بن كعب رضي الله عنهم ، لأن الإِخوة من الأم أصحاب فرض ، بدليل قوله تعالى : 19 ( { وإن كان رجل يورث كلالة ، أو امرأة ، وله أخ أو أخت ، فلكل واحد منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ) والإِجماع على أن المراد بالإِخوة هنا الإِخوة من الأم ، والقاعدة أن يبدأ بصاحب الفرض ، فإن استوعبت المال سقط العاصب ، بدليل قول النبي : ( ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ) وأيضاً فإن ظاهر قوله تعالى : 19 ( { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ) يقتضي أن الإِخوة من الأم يشتركون في جميع الثلث ، ومن شرك بين الجميع أنقصهم من الثلث ، ولم يعمل بظاهر قوله تعالى : 19 ( { وإن كانوا إخوة رجالًا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } ) .
2254 وعن أحمد أنه يشرك بين الجميع ، وهو مروي عن عمر ، وعثمان ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم . لأنهم ساووا ولد الأم في القرابة التي يرثون بها ، لأنهم جميعاً من ولد الأم ، فيجب أن يساووهم في الميراث ، وقرابة الأب إن لم تزدهم قرباً ، لم تزدهم بعداً .
2255 ولهذا قال بعض الصحابة أو بعض ولد الأبوين لعمر رضي الله عنه : هب أن أباهم كان حماراً ، فما زادهم إلا قرباً . فشرك بينهم ، ولهذا سميت هذه المسألة المشركة والحمارية ، والله أعلم .
قال : وإذا كان زوج ، وأم ، وإخوة وأخوات لأم ، وأخت لأب وأم ، وأخوات لأب ، فللزوج النصف ، وللأم السدس ، وللإِخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم بالسوية ، وللأخت من الأب والأم النصف ، وللأخوات من الأب السدس .
ش : أما كون للزوج النصف ، فلما تقدم من الآية الكريمة ، إذ ليس في المسألة ولد ، وأما كون الأم لها السدس ، فلقوله سبحلانه : 19 ( { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } ) وأما كون الإِخوة والأخوات من الأم لهم الثلث بينهم بالسوية ، فلما تقدم من قوله تعالى : 19 ( { فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } ) وأما كون الأخت من الأبوين لها النصف ، فلقوله سبحانه : 19 ( { إن امرؤ هلك ليس له ولد ، وله أخت فلها نصف ما ترك } ) وأما كون الأخوات من الأب لهن السدس فلأنهن مع الأخت بمنزلة بنات الابن مع البنت ، وقد تقدم ذلك ، وإنما مراد الخرقي والله أعلم بذكر هذه المسألة بيان دخول العول في الفرائض .
ومعنى العول أن تزيد العروض على المال كهذه المسألة ، فإن فيها نصفاً ، ونصفاً ، وثلثاً ، وسدساً ، وسدساً ، فيدخل النقص على الجميع ، ويقسم المال بينهم على قدر فروضهم ، كما يقسم مال المفلس بين غرمائه بالحصص ، لضيق ماله عن وفائهم ، فأصل هذه المسألة من ستة ، وتعول إلى عشرة ، وليس في الفرائض ما يعول مثلها سواها ، ولهذا لقبت بذات الفروخ تشبيهاً للأصل بالأم ، وعولها بفروخها ، وتسمى أيضاً ذات الفروج بالجيم ، لكثرة الفروج فيها ، والله أعلم .
قال : وإذا كان ابناً عم أحدهما أخ لأم ، فللأخ من الأم السدس ، وما بقي بينهما نصفين .
ش : لأن الأخ للأم له السدس إذا لم يكن ابن عم ، فكذلك إذا كان ابن عم ، اعتماداً على الأصل ، وإذا أخذ السدس كان الباقي بينهما بالسوية ، لاستوائهما في التعصيب . والله أعلم .
باب أصول سهام الفرائض التي تعول

ش : معنى ( أصول سهام الفرائض ) المخارج التي تخرج منها فروضها ، وقد تقدم معنى العول ، وعكسه الرد ، وهو أن يفضل المال عن الفروض والعدل تساوي المال والفروض .
قال : وما فيه نصف وسدس ، أو نصف وثلث ، أو نصف وثلثان ، فأصله من ستة ، وتعول إلى سبعة ، وإلى ثمانية ، وإلى تسعة ، وإلى عشرة ، ولا تعول أكثر من ذلك .
ش : أي والذي فيه من المسائل نصف وسدس ، إلى آخره ، وإنما كان أصل ذلك من ستة ، لأن مخرج السدس من ستة ، ومخرج النصف من اثنين ، وهما داخلان في الستة ، ومخرج الثلث والثلثين من ثلاثة ومخرج النصف من اثنين وإذا ضربت اثنين في ثلاثة بلغ ستة ، وأمثلة ذلك بنت ، وأم ، وعم ، أصلها من ستة ، ومنها تصح ، للبنت النصف ، وللأم السدس ، والباقي للعم ، زوج ، وأم وأخ ، أصلها من ستة أيضاً ، ومنها تصح ، للزوج النصف وللأم الثلث ، وما بقي للأخ ، زوج ، وأختان من أبوين ، أو من أب ، أو إحداهما لأبوين ، والأخرى لأب ، أصلها [ من ستة ، وتعول إلى سبعة ، أو زوج ، وأخت لأبوين أو لأب ، وجدة ، زوج ، وأخت ، وأم ، أصلها ] من ستة ، وتعول إلى ثمانية ، زوج ، وأم وثلاث أخوات متفرقات ، تعول إلى تسعة ، عول عشرة أم الفروخ وقد تقدمت ، وطريق العمل في العول ، أن تأخذ الفروض من أصل المسألة ، وتضم بعضها إلى بعض ، فما بلغت السهام فإليه انتهت المسألة ، فتقول في : زوج وأخت ، وأم . أصلها من ستة ، للزوج النصف ثلاثة وللأخت كذلك ، وللأم الثلث اثنان ، المجموع ثمانية .
قال : وما فيه ربع وسدس ، أو ربع وثلث ، أو ربع وثلثان ، فأصلها من اثني عشر ، وتعول إلى ثلاثة عشر ، وإلى خمسة عشر ، وإلى سبعة عشر ، ولا تعول إلى أكثر من ذلك .
ش : إنما كان أصل ذلك من اثني عشر ، لأن مخرج الربع من أربعة ، ومخرج السدس من ستة ، وبينهما موافقة ، بالأنصاف ، فإذاً تضرب نصف أحدهما في كامل الآخر ، فيبلغ اثني عشر ، وكذلك تضرب مخرج الربع في مخرج الثلث والثلثين وهو ثلاثة ، لعدم الموافقة بينهما ، فيصير اثني عشر ، مثال ذلك زوج ، وأبواه ، وخمسة بنين ، للزوج الربع ثلاثة ، وللأبوين السدسان أربعة ، والباقي للبنين ، وهو خمسة أسهم ، لكل ابن سهم ، امرأة وأختان لأبوين أو لأب ، وعصبة ، أمثلة عول ذلك : زوج ، وابنتان وأم ، أصلها من اثني عشر ، وتعول إلى ثلاثة عشر ، زوج ، وأبواه ، وابنتان ، تعول إلى خمسة عشر ، ثلاث نسوة ، وجدتان ، وأربع أخوات لأم ، وثمان لأب ، تعول إلى سبعة عشر ، ولا يعول هذا الأصل إلى أكثر من هذا . والله أعلم .
قال : وما فيه ثمن وسدس ، أو ثمن وسدسان ، أو ثمن وثلثان ، فأصلها من أربعة وعشرين ، وتعول إلى سبعة وعشرين ، ولا تعول إلى أكثر من ذلك .
ش : لأن مخرج الثمن من ثمانية ، ومخرج السدس من ستة ، وبينهما موافقة بالأنصاف ، فإذا ضربت وفق أحدهما في كامل الآخر انتهى إلى أربعة وعشرين ، وكذلك إذا ضربت مخرج الثمن ، في مخرج الثلثين وهو ثلاثة ، يبلغ أربعة وعشرين ، ولم يقل : ثلث وثمن . لعدم اجتماعهما ، إذ الثمن لا يكون إلا للزوجة مع الولد ، وإذاً ينتفي الثلث ، إذ هو فرض الإِخوة من الأم ، والولد يسقطهم ، وفرض الأم ، والولد يحجبها عنه إلى السدس ، ومثال المسألة امرأة وأبوان ، وابن ، للمرأة الثمن ، وللأبوين ، السدسان ، والباقي وهو ثلاثة عشر سهماً للابن ، امرأة ، وابنتان ، وأم ، وعصبة ، للمرأة الثمن ، وللبنتين الثلثان ، وللأم السدس ، والباقي وهو سهم للعصبة ، مثال عولها : امرأة ، وأبوان ، وابنتان ، تعول إلى سبعة وعشرين ، ولا تعول إلى أكثر من ذلك ، ولهذا سميت البخيلة ، لأنها أقل الأصول عولًا ، وتسمى المنبرية .
2256 لأن علياً رضي الله عنه سئل عنها على المنبر فقال : صار ثمنها تسعاً . ومضى في خطبته ، يعني أن المرأة كان لها الثمن ثلاثة من أربعة وعشرين ، صار لها بالعول ثلاثة من سبعة وعشرين ، وهي التسع ، والله أعلم .
قال : ويرد على على كل أهل الفرائض على قدر ميراثهم ، إلا الزوج والزوجة .
ش : قد تقدم معنى الرد ، وهو أن يفضلالمال عن الفروض ، كما إذا لم يخلف الميت إلا بنات ، أو جدات ، ونحو ذلك ، ولا نزاع بين أهل العلم أنه لا يرد على الزوج والزوجة .
2257 إلا ما روي عن عثمان أنه رد على زوج ، وأول على أنه كان عصبة ، أو ذا رحم ، إذا العمدة في الرد قوله تعالى : 19 ( { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } ) والزوجة ليس سببها ذا رحم ، واختلف هل يرد على غيرهما من ذوي الفروض ؟ ومشهور مذهبنا الذي عليه الأصحاب القول بالرد مطلقاً ، للآية الكريمة ، إذ هؤلاء من ذوي الأرحام ، فيكونون أولى من غيرهم بنص الكتاب .
2258 وفي الصحيح أن النبي قال : ( من ترك مالًا فلورثته ، ومن تكر كلا فإليّ ) وهو عام في جميع المال ، ( وعن أحمد ) : لا رد مطلقاً . والفاضل عن ذوي الفروض لبيت المال ، وقد تقدم الكلام على ذلك ، والإِشارة إلى دليله ، فيما إذلا أوصى بجميع ماله ،
2259 ونقل عنه ابن منصور : لا يرد على ولد الأم مع الأم ، ولا على الجدة مع ذي سهم ، ولعله تبع في ذلك أثراً ، والله أعلم .
قال : وإذا كانت أخت لأب وأم ، وأخت لأب ، وأخت لأم فللأخت للأب والأم النصف ، وللأخت للأب السدس ، وللأخت للأم السدس ، وما بقي يرد عليهم على قدر سهامهن ، فصال المال بينهن على خمسة أسهم ، للأخت للأب والأم ثلاثة أخماس المال ، وللأخت للأب الخمس ، وللأخت للأم الخمس .
ش : هذا مثال للرد ، وهو واضح وطريق العمل فيه أنك تأخذ سهام أهل الرد من أصل مسألتهم ، وهي أبدا تخرج من ستة ، إذ ليس في الفروض مالًا يخرج منها إلا الربع والثمن ، وليسا لغير الزوجين ، وليسا من أهل الرد ، ثم تجعل عدد سهامهم أصل مسألتهم ، كما صارت السهام في المسألة العائلة ، هي المسألة التي تضرب فيها العدد الذي انكسرت عليه سهامه ، وكذلك هنا إذا انكسرت على فريق منهم ضربته في عدد سهامهم ، لأن ذلك صار أصل مسألتهم ، ومن أمثلة المسألة ، جدة ، وأخ من أم ، لكل واحد منهما السدس ، أصلها اثنان ، فتقسم المال عليهما ، لكل واحد منهما نصف المال ، فإن كانت الجدات ثلاثاً فلهن السهم ، لا ينقسم عليهن ، فتضرب عددهن في أصل المسألة ، وهي اثنان ، تصير ستة ، للأخ من الأم النصف ثلاثة ، ولكل جدة سهم ، وفي مثال الخرقي لو كن الأخوات من الأب أربعاً ، فإنك تضرب عددهن في أصل مسألتعم وهو خمسة ، تصير عشرين ، للأخت للأب والأم ثلاثة أخماسها اثنا عشر ، وللأخت من الأم الخمس أربعة ، وللأخوات للأب كذلك ، لكل واحدة سهم ، بنت وأربع بنات ابن ، وثلاث جدات ، أصلها أيضاً من خمسة وتصح من ستين ، إذ سهم الجدات لا ينقسم عليهن ، وكذلك سهم بنات الابن ، والرؤوس متباينة ، فإذا ضربت عدد أحدهما في الآخر كان اثني عشر ، ثم إذا ضرب ذلك في خمسة بلغ ستين ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
باب الجدات

قال : وللجدة إذا لم تكن أم السدس .
ش : ترث الجدة السدس بالإِجماع .
2260 وقد شهد له ما روى قبيصة بن ذؤيب رضي الله عنه قال : جاءت الجدة إلى أبي بكر ، فسألته عن ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، وما علمت لك في سنة رسول الله شيئاً ، فارجعي حتى أسأل الناس . فسأل الناس ، فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رسول الله أعطاها السدس . فقال : هل معك غيرك ؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال : مثل ما قال المغيرة ، فأنفذه لها أبو بكر ، قال : ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر بن الخطاب ، فسألته ميراثها ، فقال : ما لك في كتاب الله شيء ، ولكن هو ذلك السدس ، فإن اجتمعتما فهو بينكما ، وأيكما خلت به فهو لها . رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه الترمذي ، وتحجبها الأم من أيلا جهة كانت ، كما اقتضاه كلام الخرقي ، وهو إجماع أيضاً .
2261 لما روى بريدة رضي الله عنه أن النبي جعل للجدة السدس إذا لم تكن دونها أم ، رواه أو داود ، والله أعلم .
قال : وكذلك إن كثرن لم يزدن على السدس فرضاً .
ش : الجمع من الجدات لهن السدس كما لواحدة ، لما تقدم عنعمر رضي الله عنه .
2262 وعن أبي بكر نحوه ، فروى سعيد : ثنا سفيان وهشيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، قال : جاءت الجدتان إلى أبي بكر ، فأعطى أم الأم الميراث دون أم الأب ، فقال له : عبد الرحمن بن سهل بن حارثة وكان شهد بدراً : يا خليفة رسول الله أعطيت التي إن ماتت لم يرثها ، ومنعت التي لو مات ورثها ، فجعل أبو بكر السدس بينهما . مع أن هذا أيضاً قد حكي إجماعاً ، وقول الخرقي : لم يزدن على السدس فرضاً . يحترز به مما تقدم له من الرد ، فإنهن يأخذن في الرد زيادة على السدس ، والله أعلم .
قال : وإن كان بعضهن أقرب من بعض كان الميراث لأثربهن .
ش : أما إن كانتا من جهة واحدة ، كما إذا كانت إحداهما أم الأخرى فالإِجماع على أن الميراث للقربى ، وتسقط البعدى ، وأما إن كانتا من جهتين ، والقربى من جهة الأم ، فبالإِتفاق أيضاً ، لكن عندنا على أن الميراث لها دون البعدى ، لأن الأقرب يحجب الأبعد ، دليله الآباء والأبناء ، أما إن كانت القربى من جهة الأب فهل تحجب البعدى من جهة الأم ؟ فيه روايتان ، ( إحداهما ) وهو ظاهر كلام الخرقي ، ونصره أبو محمد تحجبها لما تقدم ، ( والثانية ) وبها قطع القاضي في جامعه ، وصححها ابن عقيل في التذكرة ، وهي المنصوصة عنه ، حتى أن القاضي في الروايتين لم يذكر الرواية الأولى إلا عن الخرقي ، ولم يستشهد لها بنص لا تحجبها ، لأن الأب الذي تدلى به الجدة ، لا يحجب الجدة من قبل الأم ، فالتي تدلي به أولى أن لا تجبها ، وبهذا فارقت القربى من قبل الأم ، فإنها تدلي بالأم ، وهي تحجب جميع الجدات ، ومثال ذلك أم أم ، وأم أم الأب ، المال للأولى بلا نزاع عندنا ، أم أب ، وأم أم أم ، المال للأول في قول الخرقي ، ولهما على المنصوص ، والله أعلم .
قال : والجدة ترث وابنها حي .
ش : هذا إحدى الروايتين عن أحمد ، واختيار القاضي ، وابن عقيل ، وأبي محمد وغيرهم .
2263 لما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : أول جدة أطعمها رسول الله السدس أم أب أمع ابنها ، وابنها حي . رواه الترمذي . ولأن الجدات أمهات ، يرثن ميراث الأم ، لا ميراث الأب ، فلا يحجبن به كأمهات الأم ( والرواية الثانية ) لا ترث مع حياته ، بل يحجبها .
2264 وهو قول زيد بن ثبات ، لأنها تدلي به ، فلا ترث معه ، كأم الأم مع الأم ، ومحل الخلاف إذا كان الابن أبا للميت أو جده ، أما لو كان عماً للميت فإنه لا يحجبها رواية واحدة ، بل قال ابن عقيل : بالإِجماع . ومثال المسألة أم أب وأب ، فعلى الأولى لها السدس والباقي له ، وعلى الثانية الكل له ، أم أب ، وأم أم ، وأب ، فعلى الأولى السدس بينهما ، وعلى الثانية السدس لأم الأم على الصحيح ، وقيل : بل نصفه والباقي للأب ، والله أعلم .
قال : والجدات المتحاذيات أن تكون أم أم أم ، وأم ، وأم أم أب ، وأم أبي أب ، وإن كثرن فعلى ذلك .
ش : لما تقدم له رحمه الله أن الجدات يرثن السدس وإن كثرن ، وأن القربى تسقط البعدى ، أراد أن يبين الجدات المتحاذيات ، أي المتساويات في الدرجة ، وإلا مع عدم التساوي ترث القربى دون البعدى ، والجدات التمحاذيات كما ذكر الخرقي ، لأن الجميع استووا في أن بينهن وبين الميت درجتين ، ولا يتصور التحاذي في الثلاث إلا على ما ذكر ، فأما في الأربع فأم أم أم أم ، وأم أم أم أب ، وأم أم أبي أب ، وأم أبي أبي أب .
وقول الخرقي : وإن كثرن فعلى ذلك . يحتمل أن يريد أنه يرث أكثر من ثلاث جدات مع تحاذيهن ، فعلى هذا يرث في الدرجة الخامسة خمس : أم أم أم أم أم وأم أم أم أم أب ، وأم أم أم أبي أب ، وأم أم أبي أبي أب ، وأم أبي أبي أبي أب ، وفي السادسة ستة وعلى هذا أبداً ، ويحتمل هذا أيضاً إطلاق الخرقي المتقدم في قوله : وكذلك إن كثرن لم يزدن على السدس . وأظنه رواية محكية ، وذلك لأن الزائدة على الثلاث جدة أدلت بوارث ، فوجب أن ترث كإحدى الثلاث ، والمعروف والمشهور في قول أحمد ومذهبه أنه لا يرث أكثر من ثلاث جدات ، وهن اللاتي ذكرهن الخرقي ، أم الأم وإن علت درجتها ، وأم الأب وإن علت درجتها ، وأم الجد وأمهاتها ، ولا ترث أم أب الأم بالإِجماع ، لإِدلائها بغير وارث ، ولا أم أبي الجد عندنا .
2265 والأصل في حصر الإِرث في الثلاث السابقات ما روى عن عبد الرحمن بن يزيد رضي الله عنه قال : أعطى رسول الله ثلاث جدات السدس ، ثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم ، رواه الدارقطني [ هكذا ] مرسلًا ، والأصل عدم توريث ما زاد على ذلك ، ما لم يقم عليه دليل .
2266 وقد روى سعيد ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يورثون من الجدات ثلاثاً ، ثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم . والله أعلم .
باب من يرث من الرجال والنساء

قال : ويرث من الرجال عشرة الابن ، ثم ابن الابن ، وإن سفل ، والأب ، والجد وإن علا ، والأخ ، وابن الأخ ، والعم ، ثم ابن العم ، والزوج ، ومولى النعمة ، ومن النساء سبع ، البنت ، وبنت الابن ، والأم ، والجدة ، والأخت ، والزوجة ومولاة النعمة .
ش : هؤلاء مجمع على توريثهم ، وقد شهد لغالبهم الكتاب والسنة ، فالابن في قوله تعالى : 19 ( { يوصيكم الله في أولادكم } ) وابنه ولد ، فيدخل في ذلك ، والأب في قوله : 19 ( { ولأبويه لكل واحد منهما السدس } ) والجد يدخل في ذلك أيضاً ، والأخ من الأم في قوله تعالى : 19 ( { وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة ، وله أخ أو أخت ، فلكل واحد منهما السدس } والأخ للأبوين أو للأب في قوله : { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } ) وابن الأخ ، والعم ، وابنه في قوله : ( ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فهو لأولى رجل ذكر ) وشرط ابن الأخ والعم ، وابنه أن لا يكونوا من الأم ، لأنهم إذاً ليسوا بعصبة ، والزوج في قوله تعالى : 19 ( { ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن له ولد ، فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن ، من بعد وصية يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ، فإن كان لكن ولد فلهن الثمن مما تركتم } ) ومولى النعمة في قوله عليه السلام : ( الولاء لمن أعتق ) والبنت ، وبنت الابن ، والأم ، والأخت ، والزوجة ومولاة النعمة فيما تقدم من الكتاب والسنة ، والجدة فلأن النبي أطعمها السدس . والله أعلم .
باب ميراث الجد

قال : ومذهب أبي عبد الله رحمه الله في الجد قول زيد ابن ثابت رضي الله عنه .
ش : يعني في توريث الإِخولا مع الجد ، وفي كيفية توريثهم معه ، أما الأول وهو توريث الإِخوة مع الجد فهو المذهب المعروف ، المشهور عند عامة الأصحاب .
2267 وهو قول علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم لأن توريث الإِخوة ثبت بنص الكتاب ، فلا يمنعون إلا بنص ، أو إجماع ، أو قياس ، ولم يرد شيء من ذلك ، ولأن الأخوة والجدودة في درجة واحدة ، إذ الجد أب الأب ، والأخ ابنه ، وقرابة البنوة لا تنقص عن قرابة الأبوة ، بل تعصيب البنوة أقوى .
2268 ولهذا مثله زيد رضي الله عنه بواد خراج منه نهر ، تفرق منه جدولان ، كل واحد منهما إلى الآخر أقرب منه إلى الوادي ، ونحو ذلك عن علي رضي الله عنه .
وعن أحمد رضي الله عنه رواية أخرى ، اختارها أبو حفص أظنه البرمكي أن الجد يسقط الإِخوة كما يسقطهم الأب .
2269 وهو مذهب أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
2270 ويروى عن ثلاثة عشر صحابياً ، منهم عثمان ، وعائشة ، وعبد الله بن الزبير ، وابن عباس ، ولأنه والد ، بدليل قوله تعالى : 19 ( { واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق } ) .
2271 وقال عليه السلام : ( ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان رامياً ) والوالد والوالد لا ترث الإِخوة معه شيئاً ، قال تعالى : 19 ( { يستفتونك ، قل الله يفتيكم في الكلالة } ) والكلالة من لا ولد له ولا والد .
2272 ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما : ألا يتقي الله زيد ، يجعل ابن الابن ابناً ، ولا يجعل أبا الأب أبا . ولأن النبي قال : ( ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر ) والجد أولى من الأخ ، لأن له إيلاداً ، ولو ازدحمت الفروض سقط الأخ دونه ، ولأنه كالأب في أنه لا يقتل بابن ابنه ، ولا يحد بقذفه ، ولا يقطع بسرقة ماله ، وتجب عليه نفقته ، ويمنع من دفع زكاته إليه ، فكذلك هنا ، ثم نقول : لا شك أن أمر الجد قد اشتبه على أكابر الصحابة .
2273 وقد روى الإِمام أحمد عن الحسن ، 16 ( أن عمر سأل عن فريضة رسول الله في الجد ، فقام معقل بن يسار المزني فقال : قضى فيها رسول الله ، )6 ( قال ماذا ؟ قال : السدس . قال : مع من ؟ قال : لا أدري . قال : لا دريت ، قال : فما مُغْني إذاً وإذا اشتبه الأمر كان المرجع إلى أكثر الصحابة وأقدمهم وأعلمهم أولى ) .
ولا تفريع على هذا القول ، أما على الأول فاختلفوا في كيفية توريثهم معه ، ومذهبنا في ذلك بلا نزاع مذهب زيد رضي الله عنه ، كما يذكره الخرقي رحمه الله .
2274 وإنما اعتمد أحمد رحمه الله في ذلك على قول زيد ، لما روى أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، وأصدقها حباً عثمان ، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أبيّ ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ، ولكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) رواه أحمد والنسائي ، والترمذي وصححه ، وابن ماجه ، والحاكم ، وقال : إنه على شرط الشيخين ، وقال كثير من أهل العلم بالحديث : إن الصحيح أنه مرسل عن أبي قلابة ، عن النبي كذا قال الدارقطني ، والخطيب ، وقال ابن عبد البر : إن أكثر الرواة على هذا . واتفق الكل أن المسند منه ( لكل أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) وكذلك أخرجه الشيخان ، دون بقية الحديث .
2275 وقد روي هذا الحديث من رواية جابر ، أخرجه الطبراني ، ومن رواية أبي سعيد الخدري ، رواه قاسم بن أصبغ ، ومن رواية ابن عمر ، أخرجه أبو يعلى الموصلي ، لكن في أسانيدها كلام ، وأقربها ، وأحسنها حديث أنس ، وبها إن كان مرسلًا يتقوى ، ويصير حجة عند العامة ، والله أعلم .
قال : وإذا كان إخوة ، وأخوات ، وجد ، قاسمهم الجد بمنزلة أخ ، حتى يكون الثلث خيراً له ، فإذا كان الثلث خيراً له ، أعطي ثلث جميع المال .
ش : الكلام في الإِخوة والأخوات للأبوين أو للأب ، أما للأم فإن الجد يسقطهم بلا نزاع ، فإذا كان إخوة ، وأخوات ، وجد ، ولم يكن في المسألة ذو فرض ، فإن للجد الأحظ من شيئين ، المقاسمة كأخ ، أو ثلرث جميع المال ، فمع أخ ، أو أختين المقاسمة أحظ له ، ومع ثلاثة إخوة أو ست أخوات ، الثلث أحظ له ، ومع أخوين ، أو أربع أخوات يستوي الأمران ، والله أعلم .
قال : وإذا كان مع الجد والإِخوة والأخوات أصحاب فرائض ، أعطي أصحاب الفرائض فرائضهم ، ثم ينظر فيما بقي ، فإن كانت المقاسمة خيراً للجد من ثلث ما بقي ، ومن سدس جميع المال ، أعطي المقاسمة ، وإن كان ثلث ما بقي خيراً له من المقاسمة ، ومن سدس جميع المال أعطي ثلث ما بقي وإن كان سدس جميع المال أحظ له من المقاسمة ، ومن ثلث ما بقي أعطي سدس جميع المال .
ش : إذا كان مع الجد والإِخوة ذو فرض ، فللجد بعد أخذ ذي الفرض فرضه الأحظ من ثلاثة أشياء . ( المقاسمة ) كأخ ، كما لو لم يكن ذو فرض ، ( أو ثلث ما بقي ) كما مع عدم ذي الفرض ، إذ ما أخذ بالفرض كأنه ذهب من المال ، فثلث الباقي بمنزلة ثلث جميع المال ، ( أو سدس جميع المال ) لأنه غاية الإِخوة أن يكونوا بمنزلة الولد ، وهو لا ينقص عن السدس مع الولد ، فعلى هذا متى زادت الفروض عن النصف ، فلاحظ له في ثلث الباقي ، وإن نقصت عن النصف فلا حظ له في سدس جميع المال ، ثم تارة تكون المقاسمة خيراً له ، كما إذا اجتمع والحال هذه مع أخ ، وتارة يكون ثلث الباقي خيرأُ له ، كما إذا كانت الإِخوة ثلاثة ، والله أعلم .
قال : ولا ينقص الجد أبداً عن سدس جميع المال أو تسميته إذا زادت السهام .
ش : قد تقدمت الإِشارة إلى أن الجد لا ينقص عن السدس ، لأنه لا ينقص عن السدس مع البنين ، فمع الإِخوة أولى .
2276 وعن عمران بن حصين أن رجلًا أتى النبي فقال : إن ابن ابني مات ، فما لي من ميراثه ؟ قال : ( لك السدس ) فلما أدبر دعاه فقال : ( لك سدس آخر ) فلما أدبر دعاه فقال : ( إن السدس الآخر طعمة ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه .
وقوله : أو تسميته إذا زادت السهام . يعني إذا كانت المسألة عائلة ، فإنه يسمى له السدس ، وإن نقص عن سدس جميع المال ، مثاله زوج ، وأم وابنتان ، وجد ، للزوج الربع ، وللأم السدس ، وللابنتين الثلثان ، وللجد السدس ، أصل المسألة من اثني عشر ، وتعول إلى خمسة عشر ، وتعول إلى خمسة عشر ، للجد منها [ السدس ] سهمان ، وهما ثلثا الخمس ، وهما أربعة أخماس ما [ كان ] يحصل له ، إذ الخمسة عشر إذا قسمت على الإِثني عشر ، خص كل سهم واحد وربع ، فالسهمان من الإِثني عشر ، سهمان ونصف من الخمسة عشر ، وقد حصل له منها سهمان ، فنقص عليه الخمس .
قال وإذا كان أ لأب وأم ، وأخ لأب ، وجد ، قاسم الجد الأخ للأب والأم ، والأخ للأب على ثلاثة أسهم ، ثم رجع الأخ للأب والأم على ما في يد أخيه لأبيه فأخذه .
ش : هذه قاعدة في الجد ، وهو أنه إذا اجتمع معه ولد أبوين ، وولد أب ، فإن ولد ، الأبوين يعادون الجد بولد الأب ، ثم ما حصل لولد الأب أخذه منهم ولد الأبوين ، ففي الصورة التي ذكرها الخرقي تستوي للجد المقاسمة وثلث جميع المال ، فيكون المال بينهم على ثلاثة أسهم ، للجد سهم ، ولكل أخ سهم ، ثم يرجع الأخ للأبوين على الأخ للأب ، فيأخذ ما في يده ، إذ لا ميراث لولد الأب مع ولد الأبوين .
قال : وإذا كان أخ وأخت لأب وأم أو لأب ، وجد ، كان المال بين الجد والأخ والأخت على خمسة أسهم ، للجد سهمان ، وللأخ سهمان ، وللأخت سهم .
ش : المقاسمة هنا أحظ للجد من الثلث فتتعين .
قال : وإذا كانت أخت لأب وأم ، وأخت لأب ، وجد ، كانت الفريضة بين الجد والأختين على أربعة أسهم للجد سهمان ، ولكل أخت سهم ، ثم رجعت الأخت للأب والأم على أختها لأبيها فأخذت ما في يدها لتستكمل النصف .
ش : قد تقدم أصل هذا ، وأن المقاسمة إذا كانت أحظ للجد أخذها ، وأن ولد الأبوين يعادون الجد بولد الأب ، ثم يأخذون منهم ما حصل لهم ، فتأخذ الأخت للأبويين ما في يد الأخت من الأب ليكمل لها النصف ، لأن الأخت للأب لا تأخذ شيئاً إلا إذا أخذت الأخت للأبوين النصف .
قال : فإن كان مع التي من قبل الأب أخوها ، كان المال بين الجد والأخ والأختين على ستة أسهم ، للجد سهمان ، وللأخ سهمان ، ولكل أخت سهم ، ثم رجعت الأخت من الأب والأم ، على الأخ والأخت من الأب ، فأخذت مما في أيديهما ، لتستكمل النصف ، فتصح الفريضة من ثمانية عشر سهماً ، للجد ستة أسهم ، وللأخت للأب والأم تسعة أسهم ، وللأخ سهمان ، وللأخت سهم .
ش : المقاسمة والثلث هنا سيان ، فيكون كما ذكره الخرقي رحمه الله تعالى ، ثم تأخذ الأخت تمام النصف ، وهذه القاعدة فيها ، وهو أن ولد الأبوين يأخذ ما في يد ولد الأب ، إلا أن يكون ولد الأبوين أختاً [ واحدة ] ، فتأخذ تمام النصف ، وما فضل يكون لولد الأب ، ففي هذه المسألة الفاضل عن النصف سهم ، بين الأخ وأخته على ثلاثة ، فتضرب ثلاثة في أصل المسألة وهو ستة ، تبلغ ثمانية عشر ، ثم يكون كما ذكر الخرقي ، والله أعلم .
قال : وإذا كان زوج ، وأم ، وأخت ، وجد ، فللزوج النصف ، وللأم الثلث ، وللأخت النصف ، وللجد السدس ، ثم يقسم نصف الأخت ، وسدس الجد ، بينهما على ثلاثة أسهم ، للجد سهمان ، وللأخت سهم ، فتصح الفريضة من سبعة وعشرين سهماً ، للزوج تسعة أسهم ، وللأم ستة ، وللجد ثمانية ، وللأخت أربعة .
ش : هذا مذهب زيد رضي الله عنه ، وقيل : إنه لم يصرح بذلك ، وإنما أصحابه قاسوها على أصوله ، وأصل هذه المسألة من ستة ، وتعول إلى تسعة ، ثم يقسم نصف الأخت ، وسدس الجد بينهما ، وذلك أربعة على ثلاثة ، لا تصح ولا توافق ، فتضرب ثلاثة في تسعة ، تصير سبعة وعشرين ، ثم كل من له شيء مضروب في ثلاثة ، فللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة ، وللأم اثنان في ثلاثة بستة ، وللجد والأخت أربعة في ثلاثة باثني عشر ، مقسومة بينهما ، للكر مثل حظ الأنثيين فللجد ثمانية ، وللأخت أربعة .
قال : وتسمى هذه الأكدرية ، ولا يفرض للجد مع الأخوات إلا في هذه المسألة .
ش : قيل : سميت بذلك لأنها كدرت على زيد أصوله ، فإنه أعالها ، ولا عول عنده في مسائل الجد مع الإِخوة ، وفرض للأخت معه ، ولا يفرض للأخت في غير هذه الصورة ، وجمع سهامه وسهامها فقسمهما بينهما ، ولا نظير لذلك .
2277 وقيل : سميت بذلك لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلًا اسمه أكدر ، فأفتى فيها على مذهب زيد وأخطأ فيها ، فنسبت إليه ، وإنما فرض للأخت مع الجد ، وأعيلت المسألة لأنه لو لم يفرض لها لسقطت ، وليس في الفريضة من يسقطها ، وهذا كله على المذهب المعروف ، ولنا قويل آخر أنها تسقط ، ويكون الباقي بعد نصف الزوج ، وثلث الأم ، وهو السدس للجد بالفرض ، كسائر المسائل التي لا يفضل فيها إلا السدس ، وإنما ضم نصفها إلى سدسه ، وقسم بينهما ، لأنها لا تستحق معه إلا بحكم المقاسمة ، والله أعلم .
قال : وإذا كانت أم ، وأخت ، وجد ، فللأم الثلث ، وما بقي بين الجد والأخت على ثلاثة أسهم ، للجد سهمان ، وللأخت سهم .
ش : الباقي بعد الثلث سهمان ، بين الجد ، والأخت على ثلاثة ، فتضرب ثلاثة في ثلاثة ، تصح من تسعة ، للأم ثلاثة أسهم ، وللجد أربعة ، وللأخت سهمان ، وتسمى هذه المسألة الخرقاء ، لكثرة اختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيها ، كأن الأقوال خرقتها ، قيل : اختلف الصحابة فيها على سبعة أقوال ، ولهذا أيضاً سميت المسبعة ، وتسمى المسدسة ، لأن معنى السبعة ترجع إلى ستة .
2278 وسأل الحجاج الشعبي عنها ، فقال : اختلف فيها خمسة من أصحاب رسول الله ، ذكر له عثمان ، وعلياً ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس .
قال : وإذا كانت بنت ، وأخت ، وجد ، فللبنت النصف ، وما بقي فبين الجد والأخت على ثلاثة أسهم ، للجد سهمان ، وللأخت سهم .
ش : المقاسمة هنا أحظ للجد من ثلث الباقيد ومن سدس جميع المال ، فيأخذها وأصل المسألة من اثنين ، للبنت سهم ، ويبقى سهم على ثلاثة ، لا تصح ، فتضرب ثلاثة في اثنين ، تصير ستة ، للبنت نصفها ثلاثة ، وللجد سهمان ، وللأخت سهم .
باب ميراث ذوي الأرحام

ذوو الأرحام في أصل الوضع الشرعي واللغوي كل من انتسب إلى الميت بقرابة ، سواء كانت القرابة من قبل الأب أو من قبل الأم .
2279 ولهذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستدل على ميراث العصبة بقوله سبحانه : 19 ( { وألوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } ) ولا نزاع أن الآية الكريمة تتناول العصبة وأصحاب الفروض ، وإنما النزاع في تناولها للرد ، ولذوي الأرحام ، وكذلك قوله تعالى : 19 ( { واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام } )9 ( { وتقطعوا أرحامكم } ) تتناول كل قريب ، ولهذا قال إمامنا وأصحابنا وغيرهم : إذا أوصى لذوي رحمه ، أو وقف عليهم ، تناول كل قرابة له ، من جهة الأب والأم .
وذوو الأرحام في العرف الإِصطلاحي هنا : كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة ، لأن الوارث لما كانوا ثلاثة أقسام ، ( منهم ) من له شيء مقدر ، فسمي صاحب فرض ، لأن الفرض في اللغة التقدير ، ( ومنهم ) من يأخذ المال إذا انفرد ، ويأخذ ما بقي مع ذي الفرض ، وهو العصبة ، ولما اختص هذان القسمان الشريفان باسمين ، بقي ( القسم الثالث ) وهو أدنى الأقسام ، وهو من لا فرض له ولا تعصيب ، فخص بالاسم العام ، طلباً للتمييز بين الأقسام ، وهذا كما أن الحيواتن يشمل الناطق والبهيم ، [ فلما امتاز الناطق باسمه الخاص وهو الإِنسان ، اختص الاسم العام وهو الحيوان بأدنى نوعيه ، وهو البهيم ] .
وإذا تقرر أن ذوي الأرحام في الإِصطلاح الطاريء اسم لمن يرث بلا فرض ولا تعصيب ، فهم أحد عشر صنفاً ، ولد البنات ، وولد الأخوات ، وبنات الإِخوة ، وبنات الأعمام ، وبنوا الإِخوة من الأم ، والعم من الأم ، والعمات ، والأخوال ، والخالات ، وأبو الأم ، وكل جدة أدلت بأب بين أمين ، أو بأب أعلى من الجد . والله أعلم .
قال : ويورث ذووا الأرحام .
ش : هذا المذهب المعروف ، المشهور في نص أحمد ، وقول أصحابه ، وهو مذهب جمهور الصحابة ، لقول الله سبحانه : 19 ( { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } ) هؤلاء من أولي الأرحام ، فيكونون أولى بنص الكتاب .
2280 وفي الدارقطني [ عن ابن عباس رضي الله عنه ] أن النبي آخى بين أصحابه ، فكانوا يتوارثون ، بالنسب .
2281 وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه ، عن النبي قال : ( من ترك مالًا فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له ، أعقل عنه وأرثه ، والخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ويرثه ) رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، وحسنه أبو زرعة .
2282 وعن أبي أمامة بن سهل رضي الله عنه ، أن رجلًا رمى رجلًا بسهم فقتله ، وليس له وارث إلا خال ، فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح ، إلى عمر رضي الله عنه ، فكتب إليه عمر أن النبي قال : ( الله ورسوله مولى من لا مولى له ، والخال وارث من لا وارث له ) رواه أحمد ، وابن ماجه ، وللترمذي منه المرفوع وحسنه .
2283 وعن بريدة قال : مات رجل من خزاعة ، فأتي النبي بميراثه ، فقال : ( التمسوا له وارثاً ، أو ذا رحم ) فلم يجدوا له وارثاً ، ولا ذا رحم ، فقا النبي : ( أعطوه الكبر من خزاعة ) رواه أبو داود .
2284 وعن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، أن رسول الله ركب إلى قباء ، يستخير الله في العمة والخالة ، فأنزل الله عليه : لا ميراث لهما ، ولكن يرثان للرحم . رواه أبو داود هكذا مرسلًا ، ولأن ذا الرحم امتاز على سائر المسلمين بالقرابة التي بينه وبين الميت ، فكان أولى بماله كالعصبة .
وما يقال من أراد المراد : أن من ليس له إلا خال فلا وارث له ، كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له . والجوع ليس بزاد ، كذلك الخال مردود بأن في الحديث ( يرثه ويعقل عنه ) وبأن الصحابة رووا الحديث ، وفهموا منه إثبات الإِرث ، وفهمهم موافق للحديث ، فهو حجة بلا ريب ، وقوله في الحديث ( وارث من لا وارث له ) أي من لا وارث له معروف ، وهم أصحاب الفروض والعصبة ، ويؤيد هذا الحديث المرسل ( لا ميراث لهما ) يعني مقداراً ، ولكن يورثون للرحم .
وعن أحمد رواية أخرى : لا يرثون مع بيت المال ، بل يقدم بيت المال عليم ، بناء على أنه عاصب ، وقد تقدم نصه على ذلك في الوصية بجميع المال ، وأنه تبع في ذلك زيد بن ثابت رضي الله عنه .
2285 واستدل بعضهم لها بما روى عطاء بن يسار ، أن رسول الله ركب إلى قباء يستخير الله في العمة والخالة ، فأنزل الله عليه أن لا ميراث لهما ، رواه سعيد بن منصور في سننه ، وهو مردود بالزيادة التي رواها أبو داود ، والله أعلم .
قال : فيجعل من لم تسم له فريضة بمنزلة من سميت له ممن هو نحوه ، فيجعل الخال بمنزلة الأم ، والعمة بمنزلة الأب ، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه جعلها بمنزلة العم ، وبنت الأخ بمنزلة الأخ ، وكل ذي رحم لم تسم له فريضة فهو على هذا النحو .
ش : كيفية توريثهم ، وأشار أولًا إلى تعريفهم وبيانهم فقال : إنهم من لم تسم له فريضة . وفيه قصور ، لأن ذوي الأرحام كما تقدم من لا فريضة له ولا تعصيب ، ثم بين كيفية توريثهم ، بأنهم يرثون بالتنزيل ، وهو المذهب المشهور المعروف ، حتى أن عامة الأصحاب لم يحكوا فيه خلافاً .
2286 وروي نحو ذلك عن عمر ، وعلي ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم ، وناهيك بهم ، وذلك لأنهم إنما ورثوا فرعاً على غيرهم ، فوجب إلحاقهم بذلك الغير .
وحكى الشيرازي والسامري رواية أنهم يرثون بالقرب ، وهذا مذهب الحنفية ، فعلى هذا أولادهم من كان من ولد الميت ، وأن سفلوا ثم ولد أبويه أو أحدهما ، وإن سفلوا ، ثم ولد أبوي أبويه وإن سفلوا كذلك أبداً ، لا يرث بنوا أب أعلى وهناك بنو أب أقرب منهم ، وإن نزلت درجتهم .
ولا تفريع على هذا القول عندنا ، إنما التفريع على الأول ، وبيانه كما ذكر الخرقي : أن يجعل من لم تسم له فريضة على منزلة من سميت له ممن هو نحوه . فقوله : على منزلة . أي بمنزلة ، أو استقر وعلا على منزلة من سميت له الفريضة ، وقوله : ممن هو نحوه . ( من ) لبيان الجنس ، أي بيان من سميت له فريضة ، و ( من ) موصول ، راجع إلى المسمى له فريضة ، وهو راجع إلى من لم تسم له فريضة ، والنحو الجهة أي تجعل الذي لم تسم له فريضة بمنزلة الذي سميت له فريضة ، أي فريضة قال : من الذي لم تسم له جهته والضمير في جهته راجع إلى الموصول الراجع إلى من سميت له فريضة ، وإيضاح ذلك فقال : فتجعل الخالة بمنزلة الأم ، والعمة أي مطلقاً ، سواء كانت لأبوين ، أولأب أو لأم بمنزلة الأب .
2287 وقد روي هذا عن عمر ، وعلي ، وعبد الله في العمة ، ونحوه عنهم في الخال ، وهذا إحدى الروايات عن أحمد رحمه الله ، واختيار القاضي في التعليق ، وأبي محمد وغيرهما .
2288 لما روى الزهري أن رسول الله قال : ( العمة بمنزلة الأب ، إذا لم يكن بينهما أب ، والخالة بمنزلة الأم ، إذا لم تكن بينهما أم ) ولأن الأب أقوى جهات العمة ، فوجب تنزيلها منزلته ، كبنت الأخ ، وبنت العم تنزلان منزلة أبويهما ، لا أخويهما ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن العمة بمنزلة العم ، لأنه أخوها ، فنزلت منزلته .
2289 وهو إحدى الروايتين عن علي ، واختيار أبي بكر عبد العزيز ، قال القاضي في تعليقه بعد أن حكى الرواية مطلقة : وينبغي أن تكون بمنزلة العم من الأبوين ، لأنا لو نزلناها منزلة العم من الأب سقطت مع بنت العم من الأبوين ، ولو نزلت منزلة العم من الأم نزلت بغير وارث ، وتبعه على ذلك أبو الخطاب ، وأبو البركات وغيرهما ، ( وعنه ) رواية ثالثة أن العمة لأبوين أو لأب كالجد ، لأنه أبوهما ، والفرع يتبع أصله ، قال أبو البركات : فعلى هذه العمة لأم ، والعم لأم كالجدة أمهما .
واعلم أن الرواية والله أعلم إنما وردت في العمة ، كما ذكر الخرقي ، كذا حكاها القاضي وغيره ، وكذلك خص أبو محمد الخلاف بها في الكافي ، وقطع في العم للأم أنه كالأب ، وكذلك الشيرازي ، لكنه قطع في العم للأم أنه كالعم ، وحكى أبو البركات الخلاف فيهما . انتهى .
وتنزل بنت الأخ بمنزلة أبيها وهو الأخ ، وعلى هذا كل من كان من ذوي الأرحام ، ينزل منزلة من يدلي به ، وهو معنى قول الخرقي : ولك ذي رحم لم تسم له فريضة ، فهو على هذا النحو . أي المثل ، مثال ذلك بنت بنت ، وبنت بنت ابن ، بنت البنت بمنزلة البنت ، وبنت بنت الابن بمنزلة بنت الابن ، فيكون المال بينهما على أربعة بالفرض والرد ، كأصلهما ، فلو كان معهما بنت أخ كانت بمنزلة أبيها ، فالباقي لها ، والمسألة من ستة ، فلو كان معهم خالة فهي بمنزلة الأم ، فيكون لها السدس ، ولبنت البنت النصف ، ولبنت بنت الابن الصدس تكملة الثلثين ، والباقي وهو السدس لبنت الأخ ، فإن كان مكان الخالة عمة فمن نزلها منزلة الأب أسقط بها بنت الأخ ، كما يسقط الأخ بالأب ، ومن نزلها منزلة العم أسقطها ، كما يسقط العم بالأب ، ومن نزلها جداً ، قاسم الباقي بينها وبين بنت الأخ ، كما يقاسم بين الأخ في هذه المسألة .
قال : وإذا كان وارث غير الزوج والزوجلا ممن قد سميت له فريضة ، أو مولى نعمة ، فهو أحق بالمال من ذوي الأرحام .
ش : لما ذكر الخرقي رحمه الله أن ذوي الأرحام يرثون ، أراد أن يبين شرط توريثهم فقال : شرط توريثهم أن لا يكون معهم وارث سميت له فريضة ، أو مولى نعمة وأراد أن يبين بهذا أن الرد والولاء يقدمان بالميراث على الرحم ، ولا نزاع عندنا فيما أعلم أن الرد يقدم على ذي الرحم ، لقوله عليه السلام : ( الخال وارث من لا وارث له ) وهذا له وارث .
2290 قال ابن مسعود : 16 ( ذو السهم أولى ممن لا سهم له ) . ولأن الرحم التي في ذي الفرص أولى من الرحم التي لا فرض لها ، أما الولاء فالمعمول عليه عندنا أيضاً أنه يقدم على الرحم للحديث .
2291 وقوله عليه السلام : ( الولاء لحمة كلحمة النسب ) ( وعنه ) : تقدم الرحم عليه ، لانتفاء الرحم فيه .
واستثنى الخرقي من أصحاب الفرائض الزوج والزوجة ، فإن ذوي الأرحام يرثون معهما ، لما تقدم من أنه لاحظ للزوجين في الرد ، ولا نزاع أن الزوجين يأخذان فرضهما من غير حجب ولا عول ، ثم يقسم الباقي بين ذو الأرحام كما لو انفردوا ، نص عليه ، وعليه جمهور الأصحاب ، وقيل : يقسم بينهم كما يقسم بين من أدلوا به ، وهو الذي جزم به القاضي في التعليق ، فعلى هذا لو خلف زوجاً ، وبنت بنت ، وبنت أخ ، للزوج النصف ، والباقي بينهما نصفين على المنصوص ، وتصح من أربعة ، وعلى الثاني : الباقي بينهما بعد النصف على ثلاثة أسهم . كما يقسم بين من أدلوا به ، إذ الزوج يرث مع البنت الربع ، ويبقى الباقي بينهما وهو النصف والربع على ثلاثة ، فلما أخذ الزوج هنا النصف ، كان الباقي بينهما على ثلاثة ، وتصح من ستة ، للزوج ثلاثة ، ولبنت البنت سهمان ، ولنت الأخ سهم ، ولو كان مكان الزوج زوجة ، فعلى الأول تصح من ثمانية ، للزوجة الربع اثنان ، ولكل واحد منهما ثلاثة ، وعلى الثاني تصح من ثمانية وعشرين ، للزوجة الربع سبعة ، والباقي بينهما على سبعة ، لبنت البنت أربعة أسباع باثني عشر ، ولبنت الأخ ثلاثة أسباع بتسعة . والله أعلم .
قال : ويورث الذكور والإِناث من ذوي الأرحام بالسوية ، إذا كان أبوهم واحداً ، وأمهم واحدة ، إلا الخال والخالة ، فإن للخال الثلثين ، وللخالة الثلث .
ش : ضابط هذا إذا أدلى جماعة بوارث واحد واستوت منازلهم منه ، وهو الذي احترز عنه الخرقي بقوله : إذا كان أبوهم واحداً وأمهم واحدة ، فنصيبه بينهم بالسوية ذكرهم وأنثاهم ، على المشهور من الروايات ، والمختار لجمهور الأصحاب ، قال أبو الخطاب : عليها عامة شيوخنا . لأنهم يرثون بالرحم المجردة ، فاستوى ذكرهم وأنثاهم [ كولد الأم ] ( والرواية الثانية ) للذكر مثل حظ الأنثيين ، إلاولد ولد الأم ، لأنهم فرع على ذوي الفروض والعصبات ، فثبت فيهم حكمهم ، وخرج ولد ولد الأم ، لأنهم فرع على من ذكره وأنثاه سواء ، فغايته أن يثبت للفرع ما للأصل ، ( والرواية الثالثة ) يسوى بينهم إلا الخال والخالة ، وهو اختيار الخرقي ، والشيرازي ، وابن عقيل في التذكرة ، وقال : استحساناً . يعني أن مقتضى الدليل التسوية ، خرج منه الخال والخالة على سبيل الاستحسان ، ولم يذكر دليله ، لكن إن كان لهذا أصل فيعكر على تنزيل الخال بمنزلة الأم .
2292 وذكر بعضهم أنه روي عن النبي أنه قال : ( الخال والد إذا لم يكن دونه أم ، والخالة أم إن لم يكن دونها أم ) وقد أشار أبو محمد إلى ضعف هذا القول ، وقال : لا أعلم له وجهاً . قال القاضي : لم أجد هذا بعينه عن أحمد . ومثال المسألة ابن أخت مع أخته ، أو ابن بنت مع أخته ، المال بينهما نصفين على الأول ، وأثلاثاً على الثاني .
واحترز بقوله : إذا كان أبوهم واحداً ، وأمهم واحدة . عما لو اختلف أبوهم وأمهم ، كابن بنت ، وبنت بنت أخرى ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، واحترزنا بقولنا : ولم يتفاضلوا بالسبق . عما لو خلف بنت بنت ، وبنت بنت بنت ، فإن المال لبنت البنت ، ولهذه المسألة مزيد تحقيق ، ليس هذا موضعه ، والله أعلم .
قال : وإذا كان ابن أخت ، وبنت أخت أخرى ، أعطي ابن الأخت حق أمه النصف ، وبنت الأخت حق أمها النصف .
ش : هذا الذي احترز عنه الخرقي فيما تقدم بقوله : إذا كان أبوهم واحداً وأمهم واحدة . وهذا هو القاعدة ، وهو أن الجماعة إذا أدلوا بجماعة ، جعلت كل واحد منهم بمنزلة أقرب وارث إليه أدلى به ، في إرثه ، وحجبه ، والحجب به ، ففي مسألتنا ابن الأخت يدلي بأمه ، وبنت الأخت الأخرى تدلي بأمها ، فيكون المال بينهما نصفين كأميهما بغير خلاف . .
قال : وإذا كان ابن وبنت أخت ، وبنت أخت أخرى ، فللابن وابنة الأخت النصف بينهما نصفين ، ولبنت الأخت الأخرى تدلي بأمها ، فيكون المال بينهما نصفين كأميهما بغير خلاف . .
قال : وإذا كان ابن وبنت أخت ، وبنت أخت أخرى ، فللابن وابنة الأخت النصف بينهما نصفين ، ولبنت الأخت الأخرى النصف .
ش : هذا أيضاً مما تقدم ، فللابن وأخته النصف ، حق أمهما ، بينهما نصفين ، عى مختاره ومختار الجمهور ، وعلى الوراية الأخرى : يكون بينهما على ثلاثة ، ولبنت الأخت الأخرى النصف حق أمها وتصح المسألة من أربعة على رأي الجمهور ، وعلى الرواية الأخرى من ستة والله أعلم .
قال : وإذا كن ثلاث بنات أخوات متفرقات ، كان لبنت الأخت من الأب والأم ثلاثة أخماس المال ، ولبنت الأخت من الأم الخمس ، ولبنت الأخت من الأب الخمس ، جعلن مكان أمهاتهن .
ش : هذا أيضاً مما تقدم ، وقد صرح الخرقي رحمه الله بأنهن جعلن مكان أمهاتهن ، فبنت الأخت من الأبوين مكان أمها فلها النصفل ، وبنت الأخت من الأب مكان أمها ، لها السدس تكملة الثلثين ، وبنت الأخت من الأم مكان أمها ، لها السدس ، فأصل المسألة من ستة ، وترجع بالرد إلى خمسة فيقسم المال بينهم على ذلك ، والله أعلم .
قال : وكذلك إن كن ثلاث عمات متفرقات .
ش : هذا مبني على قاعدة ، وهو أن الجماعة إذا أدلوا بواحد ، واختلفت منازلهم منه ، فإن نصيبه يقسم بينهم ، على حسب ميراثهم منه لو ورثوه ، ففي مسألتنا العمات يدلين بالأب على المذهب ، ومنازلهم منه مختلفة ، فإحداهن أخته لأبويه ، والأخرى لأبيه ، والأخرى لأمه ، فتقسم نصيبه بينهن على حسب ميراثهن منه ، وميراثهن منه لأخته لأبيه وأمه النصف ، ولأخته لأبيه السدس تكملة الثلثين ، ولأخته لأمه السدس ، فتقسم نصيبه بينهن على خمسة ، ونصيبه والحال هذه جميع المال ، إذ لا وارث له معنا غيرهن ، والله أعلم .
قال : فإن كن ثلاث بنات إخوة متفرقين ، فلبنت الأخ من الأم السدس ، وما بقي فلبنت الأخ من الأب والأم .
ش : هذا أيضاً مبني على ما تقدم قبل ، ولو ذكره رحمه الله قبل مسألة العمات لكان أولى ، إذ بنات الإِخوة ينزلن منزلة الإِخوة ، ولو مات رجل وخلف ثلاثة إخوة متفرقين ، سقط الأخ من الأب بالأخ من الأبوين ، وكان للأخ من الأم السدس ، والباقي للأخ من الأبوين ، فكذلك هنا ، لبنت الأخ من الأم السدس ، والباقي لبنت الأخ من الأبوين ، والله أعلم .
قال : وإذا كن ثلاث بنات عمومة متفرقين ، فالمال لبنت العم من الأب والأم ، لأنهن أقمن مقان آبائهن .
ش : هذ أيضاً مبني على ما تقدم ، وقد نص أحمد رحمه الله على ذلك ، وقد علله الخرقي رحمه الله ، بأنهن أقمن مقام آبائهن ، فبنت العم من الأبوين بمنزلة أبيها ، وبنت العم من الأب بمنزلة أبيها ، وبنت العم من الأم بمنزلة أبيها ، ولو مات شخص وخلف ثلاثة أعمام ، متفرقين ، كان الميراث للعم للأبوين ، إذ لا ميراث للعم لأب مع العم للأبويه ، والعم للأم من ذوي الأرحام .
واعلم أن المنصوص وكلام الخرقي فيهذه المسألة يلتفت إلى أن العمومة ليست جهة ، وبيانه أنا إذا لم نجعلها جهة فالعمومة من جهة الأبوة ، والقاعدة أن الوارث من ذوي الأرحام إذا اجتمعوا من جهة واحدة ، فمن سبق إلى الوارث ورث وأسقط غيره ، وبنت العم للأبوين ، وبنت العم للأب قد سبقنا بنت العم للأم إلى الوراث ، فتسقط بهما ، ثم بنت العم للأب تسقط ببنت العم للأبوين ، وأثبت أبو الخطاب العمومة جهة ، فلزم على قوله أن المال يكون لبنت العم من الأم إذا نزلناها أبا ، على المشهور ، وبيانه أن ذوي الأرحام إذا اجتمعوا من جهتين ، فإنك تنزل البعيد حتى يلحق بمن جعل بمنزلته ، وإن سقط به القريب ، ففي صورتنا إذا جعلنا العمومة جهة ، فبنت العم من الأبوين بمنزلة أبيها ، وكذلك بنت العم للأب ، وجهتهما واحدة ، وبنت العم للأم بمنزلة الأب ، فكأن الميت مات وخلف أباه وعمه ، ولا عبرة بالسبق إلى الوارث لاختلاف الجهة ، وإذا خلف الميت أباه وعمه ، كان المال للأب دون العم ، فلزم أن المال لبنت العم من الأم ، لتنزيلها أباً ، دون بنت الأبوين ، لتنزيلها عماً ، وقد بعد هذا القول ، والله أعلم .
قال : فإن كن ثلاث خالات متفرقات ، وثلاث عمات متفرقات ، فالثلث بين الثلاث خالات على خمسة أسهم ، والثلثان بين العمات على خمسة أسهم ، فتصح من خمسة عشر سهماً ، للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم ، وللخالة التي من قبل الأب سهم ، وللخالة التي من قبل الأم سهم ، وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم ، وللعمة التي من قبل الأب سهمان ، وللعمة التي من قبل الأم سهمان .
ش : إنما كان كذلك لأن الخالات بمنزلة الأم ، والعمات بمنزلة الأب ، ولو خلف الشخص أباه وأمه ، كان لأمه الثلث ، والباقي لأبيه ، ثم القاعدة أن الجماعة إذا أدلوا بواحد ، فنصيبه بينهم على حسب ميراثهم منه ، والخالات يدلين بالأم ، فنصيبها بينهن على حسب ميراثهن منها ، وميراثهن منها أن لأختها لأبويها النصف ، ولأختها لأبيها السدس تكملة الثلثين ، ولأختها لأمها السدس ، أصل مسألتهن من ستة ، وترجع بالرد إلى خمسة ، فتقسم الثلث بينهم على خمسة ، والقول في العمات كالقول في الخالات سواء ، وإذا أردت تصحح المسألة قلت : أصل المسألة من ثلاثة ، للأم الثلث واحد على خمسة ، لا يصح ولا يوافق ، وللأب الثلثان اثنان على خمسة ، لا يصح أيضاً ولا يوافق ، والأعداد متماثلة ، إذ هي خمسة وخمسة ، فتجتزيء بأحد العددين ، وتضربه في أصل المسألة يصير المجموع خمسة عشر ، للخالات الثلاث خمسة أسهم ، بينهن على خمسة ، للتي من قبل الأبوين ثلاثة ، وللتي من قبل الأب سهم ، وللتي من قبل الأم سهم ، وللعمات الثلثان ، عشرة أسهم على خمسة ، للتي من قبل الأبوين ستة ، وللتي من قبل الأب سهمان ، وللتي من قبل الأم سهمان ، والله أعلم .
باب مسائل شتى في الفرائض

ش : يعني متفرقة ، لأنه جمع في هذا الباب مسائل مختلفة ، قال الله تعالى : 19 ( { تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى } ) أي مفترقين وقال تعالى : 19 ( { إن سعيكم لشتى } ) أي مختلفاً .
قال : والخنثى المشكل يرث نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى .
الخنثى : الذي له ذكر وفرج امرأة ، ثم إن لم يتبين هل هو رجل أو امرأة ، وأشكل علينا فهو مشكل ، يرث نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى ، إعمالًا لحالتيه ، وحذاراً من ترجيح إحداهما بلا مرجح ، وصار هذا كما لو ادعي نفسان داراً بأيديهما ، ولا بينة لهما ، فإنها تقسم بينهما ، كذلك هنا .
2293 وأيضاً فإن هذا قول ابن عباس ، ولا يعرف له مخالف في الصحابة ، وطريق العمل في ذلك أن تعمل المسألة على أنه ذكر ، ثمعلى أنه أنثى ، ثم تضرب إحداهما في الأخرى إن تباينتا ، أو وفقها إن توافقتا ، وتجتزيء بإحداهما إن تماثلثتا ، ثم كل من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى أو في وفقها ، أو يجمع ما له منهما إنما تماثلتا ، فتقول في رجل خلف ابنا ، وبنتا ، وولداً خنثى ، مسألة الذكورية من خمسة ، ومسألة الأنوثية من أرب ، ة ، وهما متباينتان ، فتضرب إحداهما في الأخرى ، تبلغ عشرين ، ثم تضربها في اثنين ، تبلغ أربعين ، ثم تقول : الابن له من مسألة الذكورية سهمان ، وتضرب في مسألة الأنوثية أربعة بثمانية ، وله من مسألة الأنوثية سهمان ، تضرب في مسألة الذكورية خمسة بعشرة ، مجموع ذلك ثمانية عشر ، وللأنثى من مسألة الذكورية سهم ، يضرب في أربعة بأربعة ، ومن مسألة الأنوثية سهم ، في خمس بخمسة ، المجموع تسعة ، وللخنثى من مسألة الذكورية سهمان في أربعة بثمانية ، ومن مسألة الأنوثية سهم ، في خمسة بخمسة ، المجموع ثلاثة عشر سهماً ، والله أعلم .
قال : فإن بال فسبق البول من حيث يبول الرجل فليس بمشكل ، وحكمه في الميراث وغيره حكم رجل ، وإن كان من حيث تبول المرأة فله حكم المرأة .
ش : قد تقدم أن الخنثى الذي له ذكر رجل وفرج امرأة ، فيعتبر بمباله ، فءن بال من ذكره فهو رجل ، حكمه حكم الرجال في جميع الأحكام ، وإن بال من رجه فهو امرأة ، حكمه حكم النساء في جميع الأحكام ، وقد حكى ابن المنذر هذا إجماعاً .
2294 وروى عن علي ومعاوية .
2295 وروى أيضاً عن النبي ، وإن بال من ذكره وفرجه اعتبر أسبقهما ، فإن سبق البول من ذكره فهو رجل ، وإن سبق من فرجه فهو امرأة ، وهذه الصورة التي ذكرها الخرقي ، وهي تدل على الأولى بطريق التنبيه ، لأن السبق له مزية ، فتترجح إحدى العلامتين به ، وقول الخرقي : وإن كان من حيث . أي وإن كان السبق ، وإن خرج منهما معاً اعتبرنا أكثرهما ، فجعلنا الحكم له ، إذ الكثرة لها مزية ، وإن استويا وقف أمره حتى يبلغ ، فإن ظهرت فيه علامات الرجال من نبات لحيته ، وخروج المني من ذكره فهو رجل ، وإن ظهرت فيه علامات النساء من الحيض والحمل ونحوه فهو امرأة ، فإن لم يظهر شيء . من ذلك فهو المشكل ، حكمه ما تقدم ، والله أعلم .
قال : وابن الملاعنة ترثه أمه وعصبتها ، فإن خلف أما وخالا ، فلأمه الثلث وما بقي فللخال .
ش : إذا رمى رجل امرأته بالزنا ، وانتفى من ولدها ، ولاعنها ، فإن الولد ينتفي عنه بشرطه ، فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته ، وترث أمه وذووا الفرض منه فروضهم ، بلا نزاع ، ثم اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله بعد ذلك ، فروى عنه أبو الحارث ومهنا أنها هي عصبته ، فإن لم تكن فعصبتها عصبته .
2296 لما روى واثلة بن الأسقع أن رسول الله قال : ( تحوز المرأة ثلاثة مواريث ، عتيقها ، ولقيطها ، وولدها الذي لاعنت عليه ) رواه أبو داود ، والترمذي .
2297 وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ، ثم لورثتها من بعدها . رواه أبو داود . ( وروى عنه الأثرم وحنبل ) أن عصبتها عصبته ، وهو اختيار الخرقي ، والقاضي ، وغيرهما ، لعموم قوله عليه السلام : ( ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ) متفق عليه ، وعصبة الأمم هم أولى رجل ذكر .
2298 وعن عمر رضي الله عنه أنه ألحق ولد الملاعنة بعصبة أمه .
2299 ولا شك أن الصحابة عنهم قولان ، فلذلك عن أحمد روايتان ، ( وعنه رواية ثالثة ) حكاها القاضي : إن كان له ذو فرض رد عليهم ، وإن لم يكن ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه ، والذي حكاه أبو محمد عن القاضي أنه فسر الرواية بهذا ، ويتفرع على الخلاف إذا خلف أمه وخاله ، فلأمه الثلث ، وما بقي للخال على الرواية الثانية ، وعلى الأولى والثالثة الكل للأم ، لكن على الأولى تأخذ الباقي بعد فرضها بالتعصيب ، وعلى الثالثة تأخذه بالرد ، ولو خلف أخته وابن أخيه ، فلأخته النصف ، والباقي لابن أخيه على الرواية الأولى والثانية ، وعلى الثالثة الباقي للأخت بالرد .
( تنبيه ) حكم ولد الزنا حكم الولد المنفي باللعان على ما تقدم ، وقولنا : إن الأم عصبة الملاعن ، أو إن عصبتها عصبته . هذا في الميراث خاصة ، فلا يتعدى إلى غيره من ولاية النكاح ، والعقل ، وغير ذلك ، والله أعلم .
قال : والعبد لا يرث ، ولا له مال فيورث عنه .
ش : العبد لا يورث بالإِجماع ، إذ لا مال له فيورث عنه ، لأنه لا يملك ، وإن قلنا يملك ، فملكه ملك ناقص ، يزول إلى سيده بزوال ملكه إلى رقبته .
2300 بدليل قوله عليه السلام : ( من باع عبداً وله مال ، فماله للذي باعه ، إلا أن يشترطه المبتاع ) وكما أنه لا يورث لا يرث كالمرتد ، بجامع النقص الذي فيه ، وحكم المدبر ، والمعلق عتقه بصفة ، وأم الولد حكم القن ، أما المكاتب فيحث حكم بحريته بأداء الجميع ، أو بأداء الثلاثة الأرباع ، أبو بملك الوفاء ، فحكمه حكم الأحرار ، وإلا فحكمه حكم الأرقاء ، والله أعلم .
قال : ومن كان بعضه حراً ، يرث ويورث ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية .
ش : المعتق بعضه يرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية ، ويورث عنه ما كسب بجزئه الحر .
2301 والأصل في ذلك ما روى عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي قال : ( إذا أصاب المكاتب حداً أو ميراثاً ، ورث بحسب ما عتق منه ، وأقيم عليه الحد بحسب ما عتق منه ) رواه الدارقطني ، وأبو داود ولفظه ( إذا أصاب المكاتب حداً ، أو ورث ميراثاً ، يرث على قدر ما عتق منه ) ورواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي قال : ( المكاتب يعتق بقدر ما عتق منه ) ورواه الترمذي وحسنه ، قال أبو العباس : وهو إسناد جيد ، يجب العمل به . وهذا الحديث دل على شيئين ( أحدهما ) أن المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ( والثاني ) أن المعتق بعضه يحد ، ويودي ، ويرث بقدر ما عتق منه .
230( فالحكم الأول ) عارضه حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي أنه قال : ( المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم ) فصار الجمهور من العلماء إليه ، وكأنهم رأوا أنه ناسخ لما تقدم ، أما ( الحكم الثاني ) فلم يعارضه معارض فوجب العمل به ، ولا يلزم من نسخ عتقه بأداء البعض ، نسخ حكم آخر في المعتق بعضه ، لأن هذا حكم مستقل ، يكون في المكاتب وفي غيره ، واتفق أنه إذا ذاك كان في المكاتب ، وأكثر ما في هذا ارتفاع بعض أنواع المعتق بعضه ، لا ارتفاع حكم المعتق بعضه .
2303 ثم يؤيد هذا أن علياً وابن عباس فيما أظن أفتيا بهذا ، وهما راويا الحديث ، فدل على تقرر ذلك عندهما ، وأنهما فهما منه ما قلناه ، وأيضاً فإنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه ، كما لو لكان الآخر مثله ، وإلا لا ترجيح لأحد البعضين على الآخر .
إذا تقرر هذا فقال : إنه يرث ، ويحجب على مقدار ما فيه من الحرية . ومثال ذلك إذا قلنا مات شخص وخلف أماً ، وبنتاً نصفهما حر ، وأباً ، فإنك تقول : للبنت بنصف حريتها نصف ميراثها ، وهو الربع ، وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث ، فقد حجبتها بحريتها عن السدس ، فبنصف حريتها تحجبها عن نصف السدس ، يبقى لها الربع ، لو كانت حرة فلها بنصف حريتها نصفه وهو الثمن ، والباقي للأب ، وتصح المسألة من ثمانية ، للبنت الربع سهمان ، وللأم الثمن سهم ، والباقي للأب ، ولو كانت بنت نصفها حر ، وأم ، وعم ، فللبنت بنصف حريتها نصف النصف وهو الربع ، وبنصف حريتها حجبت الأم عن نصف السدس ، فبقي للأم الربع ، والباقي للعم ، وتصح من أربعة ، وعلى هذا .
( تنبيه ) قال بعض أصحابنا : إن ما يرثه المعتق بعضه مثل كسبه ، إن لم يكن بينه وبين سيده مهايأة كان بينهما ، وإن كانت مهايأة فهل هو لمن الموت في نوبته ، أو بينهما ؟ على وجهي الأكساب النادرة ، قال أبو العباس : والصواب الذي عليه جمهور الأصحاب أن ميراثه له ، لا حق للسيد فيه مطلقاً ، والله أعلم .
قال : وإذا خلف ابنين ، فأقر أحدهما بأخ ، فللمقر له ثلث ما في يد المقر ، وإن كان أقر بأخت فلها خمس ما في يده .
ش : إذا أقر بعض الورثة بوارث للميت ، لزمه من إرثه بقدر حصته ، لإِقراره له به ، فإذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ ، فله ثلث ما في يده ، لأنهم إذا كانوا ثلاثة كان المال بينهم أثلاثاً ، فالمقر في يده النصف ، والذي يستحقه بمقتضى إقراره الثلث ، فالفاضل عنه السدس ، وهو ثلث ما في يده ، يدفعه إلى المقر له ، كما تضمنه إقراره ، وإن أقر بأخت فلها خمس ما في يده ، لأنه والحال هذه المال بينهم أخماساً ، وفي يد المقر النصف خمسان ونصف ، والذي يستحقه الخمسان ، فالفاضل عنهما نصف خمس جميع المال ، وهو خمس النصف الذي في يده ، فيدفعه لها ، ونبه الخرقي رحمه الله بذكر هذه المسألة على مذهبي أبي حنيفة والشافعي رحمهما الله ومن وافقهما ، فإن أبا حنيفة يقول : يدفع الابن المقر إلى الابن المقر به نصف ما في يده ، لأنه يقر أنهما سواء ، و الشافعي يقول : لا يدفع إليه شيء ، إذ شرط الإِرث ثبوت النسب ولم يوجد .
قال : والقاتل لا يرث المقتول ، عمداً كان القتل أو خطأ .
ش : القاتل لا يرث المقتول في الجملة .
2304 لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي [ قال : ( لا يرث القاتل شيئاً ) .
2305 وعن أبي هريرة ، أن رسول الله ] قال : ( القاتل لا يرث ) رواه الترمذي .
2306 وعن عمر رضي الله عنه : سمعت النبي يقول : ( ليس للقاتل ميراث ) رواه مالك في الموطأ ، وأحمد ، وابن ماجه .
2307 وقد عمل عمر رضي الله عنه على ذلك ، فأعطى دية ابن قتادة المدلجي لأخيه دون أبيه ، وقد كان حذفه بسيف فقتله ، ومثل هذا يشتهر ، ولم ينكر فكان إجماعاً ، ولأن التوريث يفضي إلى تكثير القتل المطلوب عدمه ، لأنه ربما استعجل قتل مورثه ليرثه .
إذا تقرر هذا فكلام الخرقي رحمه الله عام في كل قتل ، سواء تعلق به مأثم ، كقتل العامد ، والباغي العادل ، أو لم يتعلق به ، كقتل الخطأ ونحو ذلك ، وسواء كان القتل مضموناً بقصاص ، أو دية ، أو كفارة ، أو لم يكن ، كالقتل قصاصاً ، أو حداً ، أو دفعاً ، وقتل العادل الباغي والباغي العادل ، إن لم يضمن الباغي ، وهو الصحيح ، والمتفق عليه عندنا في ذلك ، القتل المضمون ، وإن كان خطأ لا إقم فيه ، سداً للذريعة ، وطلباً للتحرز عنه ، أما غير المضمون كما تقدم فيه ثلاث روايات ( إحداها ) لاة إرث مطلقاً ، وهو مقتضى عموم كلام الخرقي ، وعموم الأحاديث ، وهو أمشى على سد الذريعة ( والثانية ) لا يمنع مطلقاً ، صححه أبو الخطاب في الهداية ، لأن مضمونيته تدل على المؤاخذة به ، [ وذلك يناسب عدم الإِرث عقوبة له ، وعدم مضمونيته تدل على نفي الحرج عنه ] ، وذلك يناسب الإِرث ، ( والثالثة ) لا يرث الباغي العادل ، ويرث من عداه ممن لم يضمن قتله ، جزم به القاضي في الجامع الصغير ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، وأبو محمد في المغني ، في قتال أهل البغي ، لأن الباغي آثم ظالم ، فناسب أن لا يرث ، مع دخوله في عموم النص والمعنى ، والعادل ، والقاتل قصاصاً أو حداً ، ونحوهم ، مأذون لهم في الفعل ، مثابون عليه ، وذلك لا يناسب نفي الإِرث ، بل الإِرث طلباً لإِقامة الحدود ونحوها ، المطلوب إقامتها شرعاً ، فمنع الإِرث ثم سد لوقوع القتل المطلوب عدمه ، ومنع الإِرث هنا مفض إلى سد المطلوب وقوعه شرعاً ، فهو عكسه ، والله أعلم .
قال : ولا يرث مسلم كافراً ، ولا كافر مسلماً ، إلا أن يكون معتقاً فيأخذ ماله بالولاء .
ش : لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم .
2308 لما في الصحيحين وغيرهما عن أسامة أن رسول الله قال : ( لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ) .
2309 وفي الصحيحين أيضاً عن أسامة ، أنه قال : يا رسول الله أين تنزل غداً في دارك بمكة ؟ فقال : ( وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور ؟ ) وكان عقيل ورث أبا طلب ، ولم يرثه جعفر ، ولا عليّ شيئاً ، لأنهما كانا مسلمين ، وكان عقيل وطالب كافرين .
2310 وكان عمر يقول : 16 ( لا يرث المؤمن الكافر ) .
2311 وعن محمد بن الأشعث ، أن عمة له يهودية أو نصرانية توفيت ، فذكر محمد ذلك لعمر بن الخطاب ، وقال : من يرثها ؟ فقال له عمر : يرثها أهل دينها . ثم أتى عثمان بن عفان فسأله عن ذلك ، فقال له عثمان : أتراني نسيت ما قال لك عمر بن الخطاب ؟ يرثها أهل دينها . رواه مالك في الموطأ ، مع أن هذا قد حكي إجماعاً ، أما في إرث الكافر من المسلم فبلا نزاع ، وأما في المسلم من الكافر فقال أحمد : ليس فيه بين الناس اختلاف . وحكي فيه خلاف ضعيف .
واستثنى الخرقي رحمه الله ما إذا أعتق المسلم كافراً ، أو الكافر مسلماً ، فإنه يرثه بالولاء وهو إحدى الروايتين عن أحمد .
2312 واحتج بأن علياً قال : الولاء شعبة من الرق . انتهى فكما أن الرق يثبت مع اختلاف الدين ، كذلك الولاء يثبت مع اختلاف الدين ، وفي هذا الإِستدلال نظر ، فإنه لا نزاع في ثبوت الولاء ، إنما النزاع في ثبوت الإِرث به ، ولعل أحمد رحمه الله فهم أن المراد بقول عليّ الإرث .
2313 وكذا حكي عن علي الإرث . 2314 وقد استدل لذلك بما روي عن جابر ، أن النبي قال : ( لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته ) رواه الدارقطني ، وروي موقوفاً عن جابر ، ويكون المراد [ بالعبد ] من كان عبده مجازاً ، وإلا فالعبد لا يورث بالإِجماع ، ( وبالجملة ) هذه الرواية اختيار عامة الأصحاب ، حتى أن القضي في الجامع الصغير ، والشريف في خلافه ، والشيرازي ، وابن عقيل في التذكرة ، وابن البنا في الخصال ، لم يذكروا غيرها ، وقال أبو الخطاب في هدايته : إنها الأظهر . ( والرواية الثانية ) لا يتوارثان ، لما تقدم من قوله عليه السلام : ( لا يرث الكافر المسلم ) وغير ذلك .
2315 ولأنه عليه السلام شبه الولاء بالنسب ، بقوله : ( الولاء لحمة كلحمة النسب ) وإذا لم يثبت الإرث مع اختلاف الدين في النسب ، ففي الولاء أجدر ، وهذه الرواية اختيار أبي محمد ، وعليها إن كان للمعتق عصبة على دين المعتق ورثوه ، لأن وجود المعتق في نظر الشارع والحال هذه كالعدم ، وإن أسلم الكافر من المعتق ، أو المعتق ورث المعتق ، رواية واحدة لزوال المانع . انتهى .
ومفهوم كلام الخرقي أن المسلم يرث المسلم ، وهو واضح ، وأن الكافر يرث الكافر ، ولا نزاع في ذلك إذا اتفق الدين والدار ، وهو مقتضى ما تقدم من الحديث ، وقصة عقيل وطالب ، وقصة عمر رضي الله عنه
2316 وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي قال : ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ) رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه وللترمذي مثله من حديث جابر ، ولم يقل : شتي ، ومفهومه أن أهل الملة الواحدة يتوارثون ، أما إن اختلفت مللهم فهل يتوارثون ؟ فيه روايتان ( إحداهما ) يتوارثون اختارها الخلال ، وهي مقتضى كلام الخرقي ، لأن الله تعالى ذكر مثراث الآباء من الأبناء ، والأبناء من الآباء ، وغيرهم من الأقارب ذكراً عاماً ، فلا يترك ذلك إلا فيما تيقن خروجه والذي تيقن خروجه بالنص أو الكافر لا يرث المسلم ، والمسلم لا يرث الكافر ، إذ قوله عليه السلام : ( لا يتوارث أهل ملتين ) يحتمل أن يحمل على ذلك ، إذ هو المتيقن ، ويعضد هذا قوله تعالى : 19 ( { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ) ( والثانية ) لا يتوارثون ، اختارها أبو بكر ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما ، لظاهر قوله عليه السلام : ( لا يتوارث أهل ملتين ) ومثله يصلح للتخصيص ، وأما إن اختلفت الدار واتفق الدين ، كالذمي مع الحربي وعكسه ، فالمنصوص وهو اختيار أبي محمد التوارث ، عملًا بظاهر الحديث ، ومنع القاضي وكثير من الأصحاب التوارث ، لانتفاء الموالاة بينهما ، وعكس ذلك لو اتفقت الدار واختلف الدين ، كحربيين اختلف دينهما ، فإن القاضي قال : يتوارثان . وخالفه أبو محمد ، وهو أوفق للمنصوص ، والله أعلم .
( تنبيه ) قال القاضي وعامة الأصحاب : إن الكفر ثلاث ملل ، اليهودية ، والنصرانية ، ومن عداهم ، لأن من عداهم يشملهم أنه لا كتاب لهم . قال أبو محمد : ويحتمل كلام أحمد أن يكون الكفر مللًا كثيرة ، فيكون المجوس ملة ، وعبدة الأوثان ملة ، وعباد الشمس ملة ، قال : وهذا أصح إن شاء الله تعالى ، لظاهر قوله عليه السلام : ( لا يتوارث أهل ملتين شتى ) قال : ولم نسمع عن أحمد تصريحاً بتقسيم الملل ، قلت : وظاهر نقل أبي البركات أن أحمد نص على أنهم ثلاث ملل ، والله أعلم .
قال : والمرتد لا يرث أحداً إلا أن يرجع قبل قسمة الميراث .
ش : المرتد لا يرث أحداً لا من المسلمين ولا من الكفار ، أما من المسلمين فلما تقدم من قوله عليه السلام : ( لا يرث المسلم الكافر ) الحديث ، وأما من الكفار فلأنه لم يثبت له حكم ملتهم ، بدليل أنه لا يقر على كفره ، ولا تحل ذبيحته ، ولا نكاحه ، إن كان امرأة ، فإن مات له موروث فرجع قبل أن يقسم الميراث ، وكان ممن يقبل رجوعه ، فحكمه حكم الكافر الأصلي إذا أسلم قبل الميراث ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
قال : وكذلك من أسلم على ميراث قبل أن يقسم قسم له .
ش : هذا أشهر الروايتين عن أحمد ، واختيار الشريف ، وأبي الخطاب في خلافيهما .
2317 لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : ( كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم ، وكل قسم أدركه قسم الإِسلام فإنه على قسم الإِسلام ) رواه أبو داود وابن ماجه .
2318 وروى سعيد في سننه من طريقين ، عن عروة وابن أبي مليكة عن النبي أنه قال : ( من أسلم على شيء فهو له ) .
2319 ويروى أن عمر وعمثان رضي الله عنهما قضيا بذلك مختصر ، رواه ابن عبد البر في التمهيد ، والحكمة في ذلك والله أعلم الترغيب له ، والحث على الإِسلام ، فعلى هذا إن أسلم قبل قسم البعض ورث ما بقي ، فإن كان الوارث واحداً فتصرفه في التركة وحيازتها بمنزلة قسمها ، ذكر ذلك أبو محمد ( والرواية الثانية ) لا شيء له ، لظاهر قوله عليه السلام : ( لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم ) وهذا حين الموت كان كافراً ، فلا يرث بمقتضى ظاهر الحديث .
ولو زال مانع الرق قبل القسمة فقال التميمي : يخرج إرثه على الإِسلام قبل القسمة ، وليس بشيء ، فإن أحمد نص على التفرقة في رواية محمد بن الحكم ، فامتنع الإِلحاق ، ثم إن الأصل هو المنع ، لقيام المانع حال الموت ، خرج منه الإِسلام ترغيباً فيه ، فبقي ما عداه على الأصل ، إذ لا أثر فيه ، ولا هو في معنى ما فيه الأثر ، إذ لا شيء من الطاعات يقاوم الإِسلام ، ثم العتق ليس من فعل العبد فلا يرغب فيه ، والله أعلم .
قال : ومن قتل على ردته فماله فيء .
ش : هذا المشهور من الروايات ، والمختار عند القاضي وأصحابه وعامة الأصحاب ، لأنه لا يرث أقاربه المسلمون ، لقوله عليه السلام : ( لا يرث المسلم الكافر ) ، وقوله : ( لا يتوارث أهل ملتين ) ولا أقاربه الذين اختاد ديهم ، لأنه لا يرثهم ، فلا يرثونه ، لما تقدم من أنه لم يثبت له حكم ملتهم ، وإذا امتنع إرث الفئتين منه ، تعين كون ماله فيئاً ، لعدم الوارث له شرعاً ( والرواية الثانية ) يرثه ورثته من المسلمين ، جعلا للردة بمنزلة الموت ، لأنها إما أن تزيل أملاكه ، وإما أت تزلزلها ، وتصيره كالمريض المخوف عليه ، فيتعلق حق ورثته إذاً ، ولا يزول حقهم إلا بنص ، ولا نص .
2320 وقد روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر رضي الله عنه عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين . قال الخلال : وهذه الرواية أشبه بقوله . ( والرواية الثالثة ) يكون لقرابته الذين اختار دينهم ، بشرط أن لا يكونوا مرتدين ، لمفهوم ( لا يرث الكافر المسلم ) مفهومه أن الكافرين يتوارثان ، وقد رجع أحمد عن هقا القول في رواية ابن منصور وقال : كنت أقول : يرثه أهل ملته . ثم جبنت عنه ، والله أعلم .
قال : وإذا غرق المتوارثان ، أو كانا تحت هدم ، فجهل أولهما موتاً ، ورث بعضهم من بعض .
2321 ش : نص أحمد على ذلك ، معتمداً على أنه قول عمر ، وعلي ، وشريح ، وإبراهيم ، والشعبي ، انتهى .
2322 قال الشعبي : وقع الطاعون بالشام عام عمواس ، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم ، فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب عمر : أن ورثوا بعضهم من بعض . ومعنى توريث بعضهم من بعض ، أن يقدر أحدهما مات أولًا ، ويورث الآخر من تركته ، ثم يقسم إرثه منها على ورثته الأحياء ، ثم تصنع بالآخر وتركته كذلك ، فعلى هذا لو غرق أخوان أحداهما مولى زيد ، والآخر مولى عمرو ، صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر ، ولو غرق أخ وأخت ، وخلفا أماً ، وعماً ، وزوجاً ، فيقدر الأخ مات أولًا ، وقد خلف زوجته وأمه وأخته ، وعمه ، فللزوجة الربع وللأم الثلث ، وللأخت النصف ، ولا شيء للعم ، أصل مسألتهم من اثني عشر ، وتعول إلى ثلاثة عشر ، للزوجة ثلاثة ، وللأم أربعة ، وللأخت ستة ، مقسومة على الأحياء من ورثتها ، وهم زوجها ، وأمها ، وعمها ، مسألتهم من ستة ، وسهامها ستة فتصح المسألتان من ثلاثة عشر ، للزوجة ثلاثة ، وللأم ستة ، أربعة من ابنها واثنان من ابنتها ، وللزوج ثلاثة ، وللعم سهم ، ثم تقدر الأخت ماتت أولًا ، وقد خلفت أخاها ، وزوجها ، وأمها ، وعمها ، للزوج النصف ، وللأم الثلث ، والباقي للأخ وهو سهم ، ولا شيء للعم ، المسألة من ستة ، والحاصل للأخ سهم ، مقسوم على ورثته الأحياء ، وهم زوجته ، وأمه ، وعمه ، مسألتهم من اثني عشر ، وسهم عليها لا يصح ، ولا يوافق ، فاضرب اثني عشر في ستة ، تبلغ اثنين وسبعين ، للزوج ثلاثة في اثني عشر ، بستة وثلاثين ، وللأم سهمان في اثني عشر ، بأربعة وعشرين ، المجموع ستون ، والباقي اثنا عشر بين زوجة الأخ ، والأم ، والعم ، للزوجة ثلاثة ، وللأم أريعة ، وللعم خمسة ، وعلى هذا .
وخرج أبو الخطاب ومن تبعه منع توارث بعضهم من بعض ، وإليه ميل أبي محمد .
2323 لما روى سعيد في سننه عن يحيى بن سعيد ، أن قتلى اليمامة ، وقتلى صفين ، والحرة ، لم يورثوا بعضهم من بعض ، وورثوا عصبتهم الأحياء . ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث ، وهو غير معلوم ، فامتنع التوارث للشك في شرطه ، ولأن توريثهما مع الجهل خطأ يقيناً ، لأنه لا يخلو إما أن يسبق أحدهما ، أو يموتا معاً ، وتوريث السابق بالموت ، والميت معه خطأ يقيناً بالإِجماع ، فكيف يعمل به ، فإن قيل : ففي قطع التوريث قطع توريث المسبوق بالموت ، وهو خطأ أيضاً . قلنا : هذا غير متيقن ، لأنه يحتمل موتهما جميعاً .
وعلى هذا يكون مال كل واحد من المعتقين لمولاه في المسألة الأولى ، وفي الثانية تكون مسألة الأخ من اثني عشر ، للأم الثلث أربعة ، وللزوجة الربع ثلاثة ، والباقي للعم ، ومسألة الأخت من ستة ، للأم الثلث اثنان ، وللزوج النصف ثلاثة ، والباقي للعم انتهى .
ولو تحقق الورثة السابق ، وجهلوا عينه ، فالحكم كما تقدم ، قاله القاضي وأبو البركات ، وقال أبو محمد : يعطى كل وارث اليقين ، ويقف الباقي حتى يتبين الأمر ، أو يصطلحوا عليه ، ولو علموا السابق ثم أنسوه ، فالحكم كما لو جهلوه أولفا ، وقال القاضي في خلافه : لا يمتنع أن نقول هنا بالقرعة . ولو علم موتهما معاً فلا توارث ، ولو ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر ، وتعارضت بينتاهما ، أو لم تكن بينة ، تحالف الورثة ، لإِسقاط الدعوى ، ولم يتوارثا ، نص عليه ، وقاله الخرقي وغيره ، وقال ابن أبي موسى : يعين السابق بالقرعة ، وقال أبو الخطاب وغيره : يتوارثان ، كما لو جهل الورثة حالهما . ومن هذه المسألة خرج أبو الخطاب منع التوارث مع الجهل . والله أعلم .
قال : ومن لم يرث لم يحجب .
ش : يعني من لم يرث لانتفاء أهليته كالرقيق ، والكافر ، والقاتل لم يحجب ، لأنه معدوم شرعاً ، أشبه المعدوم حساً ، أما من لم يرث لحجب غيره ، فإنه يحجب ولا يرث ، كالإِخوة مع الأب ، يحجبون الأم من الثلث إلى السدس ، ولا يرثون ، لحجبهم بالأب ، لا لانتفاء أهليتهم ، واختلف في المحجوب حجب مزاحمة ، لا حجب منع ، كالجدة أم الأب مع ابنها ، وأم الأم إذا قلنا يحجبها ابنها ، ويستثنى من ذلك المحجوب حجب مزاحمة من العصبات ، فإنه يحجب غيره ، وإن لم يرث ، كولد الأب في باب الجد ، فإن ولد الأبوين يعادونه بهم ، وهم مع ذلك محجوبون بولد الأبوين . والله أعلم .
كتاب الولاء

( الولاء ) بفتح الواو ممدوداً ولاء العتق ، ومعناه إذا أعتق نسمة صار لها عصبة في جميع أحكام التعصيب ، عند عدم العصبة من النسب ، في الميراث ، وولاية النكاح ، وغير ذلك ، وثبوته في الجملة بالإِجماع ، وقد قال : ( الولاء لمن أعتق ) .
2324 وعن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ( الولاء لحمة كلحمة النسب ، لا يباع ولا يوهب ) رواه أبو يعلى الموصلي ، وأبو حاتم البستي ، وتكلم فيه البيهقي وغيره ، ورواه الطبراني من رواية نافع عن ابن عمر ، ورواه الخلال عن عبد الله بن أبي أوفي .
قال : والولاء لمن أعتق ، وإن اختلف دينهما .
2325 ش : صح أن النبي قال : ( الولاء لمن أعتق ) وفي رواية مسلم وغيره ( إنما الولاء لمن أعتق ) وللبخاري في رواية ( الولاء لمن أعطى الورق ، وولي النعمة ) وعموم هذه الألفاظ يقتضي بأن الولاء لكل معتق ، وإن اختلف الدين ، ولا نزاع في ذلك ، ويرشخه قول علي رضي الله عنه : 16 ( الولاء شعبة من الرق ) ، والله أعلم .
قال ؛ ومن أعتق سائبة لم يكن له الولاء .
ش : لما كان كلام الخرقي أولا عاماً في كل عتق ، استثنى من ذلك العتق سائبة أن يعتقه ولا ولاء له عليه ، وأصله من : تسييب الدواب . ولا نزاع في صحة العتق ، وإنما النزاع في ثبوت الولاء للمعتق ، وفيه روايتان ، حكاهما الشيخان ، المشهور منهما والمختار للأصحاب ، حتى أن القاضي في الجامع الصغير ، والشريف ، وأبا الخطاب في خلافيهما ، والشيرازي ، وابن عقيل في التذكرة ، وابن البنا وغيرهم ، لم يذكروا خلافاً أنه لا ولاء له .
2326 لأن ابن عمر رضي الله عنه أعتق سائبة ، فمات ، فاشترى ابن عمر بماله رقابا فأعتقهم ، وعلله أحمد بأنه جعله لله ، فلا يجوز له أن يرجع إليه منه شيء ( والرواية الثانية ) له عليه الولاء ، اختاره أبو محمد ، للعمومات المتقدمة .
2327 وعن هزيل بن شرحبيل قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : إني أعتقت عبداً ، وجعلته سائبة ، ومات وترك مالا ، ولم يدع وارثاً . فقال عبدالله : إن أهل الإِسلام لا يسيبون ، وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون ، وأنت ولي نعمته ، ولك ميراثه ، وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال . رواه البرقاني على شرط الصحيح ، وللبخاري منه : إن أهل الإِسلام لا يسيبون ، وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون .
2328 وقال سعيد : حدثنا هشيم ، عن منصور ، أن ابن عمر وابن مسعود قالا في ميراث السائبة : هو للذي أعتقه . والله أعلم .
قال : وإن أخذ من ميراثه شيئاً جعله في مثله .
ش : لما قال : إن المعتق سائبة لا ولاء له عليه . بين حكم ميراثه ، والمعروف المشهور أنه يصرف في مثله من الرقاب ، اتباعاً لما تقدم عن ابن عمر ، ونظرا إلى أنه جعله محضاً لله تعالى ، فتختص به هذه الجهة ، وعلى هذا هل ولاية الإِعتاق للسيد لأنه المعتق أو للإِمام لأنه النائب عن الله ؟ فيه روايتان ، وظاهر كلام الخرقي أنه خير السيد بين أخذ المال وصرفه في مثله ، وبين تركه ، ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن ماله لبيت المال ، لأنه لا وارث له ، فيكون ماله لبيت المال ، ويتفرع على هذا إذا مات السائبة ، وخلفه بنته ، ومعتقه ، فعلى القول بأن له عليه الولاء المال بينهما نصفين ، لها النصف بالفرض ، وللمعتق النصف بالولاء ، وعلى القول بأن ماله لبيت المال ، الجميع للبنت بالفرض والرد ، إذ الرد مقدم على بيت المال ، وعلى القول بأن ميراثه يصرف في [ مثله للبنت النصف ، والباقي يصرف في ] العتق ، إذ جهة العتق هي المستحقة للولاء ، والله أعلم .
قال : ومن ملك ذا رحم محرم عتق عليه .
2329 ش : روى الحسن عن سمرة ، أن النبي قال : ( من مالك ذا رحم محرم فهو حر ) رواه الخمس إلا النسائي ، وفي لفظ لأحمد ( فهو عتيق ) ولأبي داود عن عمر بن الخطاب موقوفاً مثل حديث سمرة ، ( وعن أحمد ) رواه أخرى لا يعتق إلا عمود النسب ولا عمل عليها ، ( وقول الخرقي ) : ومن ملك ذا رحم . أي ذا قرابة ، فيخرج غير القريب وإن كان محرماً عليه ، كالأم ونحوها من الرضاعة ، والربيبة ، وأم الزوجة ، فإنهم لا يعتقون للحديث .
2330 وقد روي عن الزهري أنه قال : 16 ( جرت السنة أن يباع الأخ والأخت من الرضاع ) .
وقوله : محرم . يخرج ذا الرحم غير المحرم ، كابن العم ونحوه ، فإنه لا يعتق إذا ملكه للحديث ، وضابط ذلك أن تقدر أحدهما رجلًا ، والآخر امرأة ، ثم تنظر فإن حرم النكاح فإنه من الرحم المحرم ، وإلا فلا ، ومقتضى كلام الخرقي أنه لو مالك ولده من الزنا لم يعتق عليه ، لانقطاع نسبه عنه ، فليس برحم له شرعاً ، وهو المنصوص ، وعليه الأصحاب ، وحكى أبو الخطاب في الهداية احتمالًا بالعتق ، على قياس قوله : في تحريم نكاحها ، فرق ابن عقيل بأن التحريم يثبت مع الشبهة الواقعة بين الأشخاص ، والعتق بخلافه ، فلو اشترى عبدا من بين أعبد فيهم أخوه ، لم يعتق ، حتى يتيقن أنه أخوه ، ولو اشترى أمه من إماء فيهن أخته ، لم يجز له وطؤها ، لجواز أن تكون أخته . والله أعلم .
قال : وكان له ولاؤه .
ش : إذا ملك ذا الرحم المحرم عتق عليه ، وكان له ولاؤه ، لأنه عتق من ماله بتسبب فعله ، أشبه ما لو باشر عتقه .
قال : وولاء المكاتب والمدبر إذا عتقا لسيدهما .
ش : ولاء المدبر لمدبره ، لأنه معتقه ، فيدخل تحت قوله عليه السلام : ( الولاء لمن أعتق ) وولاء المكاتب لمكاتبه ، بدليل قصة بريرة ، فإن مواليها أبوا أن يبيعوها إلا أن يكون لهم الولاء ، فقال النبي لعائشة ( اشتريها ، واشترطي لهم الولاء ) وهذا يدل على أن الولاء لهم لو لم تشترها منهم عائشة ، وذكر الخرقي رحمه الله هذه الصورة إشارة إلى خلاف بعض العلماء ، والله أعلم .
قال : ومن أعتق عبده عن رجل حي بلا أمره ، أو عن ميت فولاؤه للمعتق .
ش : أما إذا أعتقه عن حي بلا أمره فإن العتق والولاء يقعان للمعتق ، بلا خلاف نعلمه عندنا ، لأن شرط صحة العتق الملك ، ولا ملك للمعتق عنه ، فالولاء تابع للملك .
وأما إن أعتقه عن ميت ، فلا يخلو إما أن يكون عن واجب عليه أم لا ، ( فإن كان ) في واجب عليه فإن العتق يقع عنه ، لمكان الحاجة إلى ذلك ، وهي الاحتياج إلى براءة ذمته ، أما الولاء فقال أبو البركات تبعاً للقاضي : يثبت الولاء أيضاً له . قال أبو العباس : بناء على أن الكفارة ونحوها ليس من شرطها الدخول في ملك المكفر عنه . وأطلق الخرقي وأكثر الأصحاب أن الولاء للمعتق ، قال أبو العباس بناء على أنه يشترط دخول الكفارة ونحوها في ملك من ذلك عليه .
( وإن كان ) في غير واجب كانا للمعتق لانتفاء ما تقدم إذاً ، والله أعلم .
قال : وإن أعتقه عنه بأمره فالولاء للمعتق عنه بأمره .
ش : إذا أعتق عبده عن غيره بأمره ، فله ثلاث حالات قد شملها كلام الخرقي ، ( إحداها ) إذ قال : أعتقه عني وعلي ثمنه . فهذا يكون العتق والولاء له بلا نزاع ، كأنه استدعى منه بيعه له بثمن مثله ، ووكله في عتقه ، وسيصرح الخرقي بذلك . ( الثاني ) إذا قال : أعتقه عني . وأطلق ، فهل يلزمه العوض كما لو صرح بذلك إذ الغالب في انتقالات الأملاك أن يكون بعوض أو لا يلزمه ذلك لأنه إلزام ما لا يلزمه ، وغايته أن طلب العتق عنه يستدعي الملك ، والملك قد يكون بغير عوض كالهبة ؟ فإن قلنا : يلزمه العوض . فحكمه حكم ما لو صرح بلزومه على ما تقدم ، وإن قلنا : لا يلزمه فحكمه حكم ما لو صرح بنفيه على ما سيأتي . ( الثالث ) إذا قال أعتقه عني مجاناً . فهنا لا يلزمه العوض بلا نزاع ، ثم هل يكون العتق والولاء للسائل وهو ظاهر كلام الخرقي ، واختيار القاضي في التعليق ، نظرا إلى أن العتق عنه يستدعي الملك ، وذلك كما يحصل بالبيع يحصل بالهبة ، فكأنه طلبها منه فأجابه إلى ذلك ، أو نقول : العتق عنه لا تتوقف صحته منه على الملك ، بل على الإِذن في ذلك أو يكونان للمسؤل ، نظراً إلى أنه لا بد من الملك ، وأن الملك لا يحصل بذلك ؟ والله أعلم .
قال : ومن قال : أعتق عبدك عني وعلي ثمنه . فالثمن عليه ، والولاء للمعتق عنه .
ش : قد تقدمت هذه المسألة ، قال أبو محمد : ولا نعلم فيه خلافاً .
قال : ولو قال : أعتقه والثمن علي . كان الثمن عليه ، والولاء للمعتق .
ش : إنما لزم الثمن للقائل لأنه جعل جعلًا لمن عمل عملًا وهو العتق ، وقد عمل ذلك العمل ، فيلزمه الجعل ، وإنما كان الولاء للمعتق لدخوله تحت قوله عليه السلام : ( الولاء لمن أعتق ) والمسؤول هو المعتق ، لا السائل ، لأنه لم يطلب العتق عنه ، والله أعلم .
قال : ومن أعتق عبداً له أولاد من مولاة لقوم ، جر معتق العبد ولاء أولاده من مولاة لقوم ، جر معتق العبد ولاء أولاده .
ش : صورة هذه المسألة إذا أعتق أمته ، وزوجها بعبد ، فولدت منه أولاداً ، فإنهم يكونون أحراراً ، ويكون ولاؤهم لمولى أمهم ، لأنه المنعم عليهم ، حيث عتقوا بعتق أمهم ، ثم إن أعتق العبد سيده بعد ذلك فله ولاؤه ، وجر ولاء أولاده عن مولى أمهم .
2331 في قول الجمهور من الصحابة وغيرهم ، لأن الولاء مشبه بالنسب ، والأنساب إلى الأب ، فكذلك الولاء ، بدليل ما لو كانا حرين ، وإنما ثبت الولاء لموالي الأم لضرورة عدم ثبوته لموالي الأب ، وقد زال المانع ، فيعمل المقتضي عمله ، وصار هذا كولد الملاعن ، لما تعذر انتسابه إلى الأب لانقطاع نسبه عنه باللعان ، انتسب إلى الأم وعصباتها ، فكانوا عصبته ، ولو استلحقه الأب بعد ذلك لحقه ، وصار عصبته له ، وزال التعصيب عن الأم وعصباتها .
2332 وقد روي عن الزبير أنه لما قدم خيبر رأى فتية لعسا ، فأعجبه ظرفهم وجمالهم ، فسأل عنهم ، فقيل له : موالي رافع بن خديج ، وأبوهم رقيق لآل الحرقة ، فاشترى الزبير أباهم فأعتقه ، وقال لأولاد : انتسبوا إلي ، فإن ولاءكم لي . فقال رافع بن خديج : الولاء لي ، فإنهم عتقوا بعتقي أمهم . فاحتكموا إلى عثمان رضي الله عنه ، فقضى بالولاء للزبير ولم ينقل إنكار ذلك ، فيكون بمنزلة الإِجماع ، واللعس سواد في الشفتين تستحسنه العرب .
وقد خص الخرقي الجر بعتق الأب ، فظاهر كلامه لا يحصل بعتق الجد ، وهو المشهور والمختار للأصحاب من الروايات إذ الأصل بقاء الولاء لموالي الأم ، خولف ذلك لقضاء الصحابة ، فيبقى فيما عداه على الأصل ( والثانية ) يجره ، ثم إن عتق الأب بعد أن جر الولاء إليه منه ، وإلا بقي له ، لأن الجد كالأب في التعصيب ، وأحكم النسب ، فكذلك في الولاء . ( والرواية الثالثة ) إن عتق والأب ميت جر الولاء ، وإن عتق والأب حي لم يجرخه بحال ، حكاها الخلال ، لأن الجد والحال ما تقدم تحقق قيامه مقام الأب في الإِرث ، وولاية النكاح ، وغيرهما ، فكذلك في الولاء ، بخلاف ما لو كان حياً ، ( وعنه رواية رابعة ) يجر الولاء إن عتق والأب ميت ، وإن عتق والأب حي لم يجره حتى يموت الأب قنا ، فيجره من حين موته ، حكاها أبو بكر في الشافي ، انتهى .
وحيث قيل بالجر فلا فرق بين الجد القريب والبعيد ، قال أبو محمد : ومقتضى هذا أن العبيد إذا جر الولاء ، ثم عتق من هو أقرب منه جر الولاء إليه ، ثم إن عتق الأب جر الولاء ، لأن كل واحد يحجب من فوقه ، ولو لم يعتق الجد ، [ بل كان حراً ] وولده مملوك ، فتزوج مولاة لقوم ، فولاء أولاده لمولى أمهم ، وعلى القول بجر الجد الولاء يكون لمولى الجد ، فلو كان الجد حر الأصل لا مولى ، فلا ولاء على ولد ابنه ، فإن عتق ابنه بعد لم يعد على ولده ولاء ، لأن الحرية تثبت له من غير ولاء . والله تعالى أعلم .
باب ميراث الولاء

ش : أي باب الميراث بالولاء ، إذ من قاعدة الخرقي رحمه الله على ما سيأتي إن شاء الله تعالى أن الولاء لا يورث ، وإنما يورث به ، فيكون من باب إضافة الشيء إلى سببه ، لأن سبب الميراث الولاء كما يقال : دية قتل العمد . وقد يجري لفظه على ظاهره ، إذ أصل كلامه : باب حك ميراث الولاء وهو سيبين أن حكمه عنده أنه لا يورث . انتهى . ولا نزاع في ثبوت الميراث بالولاء في الجملة ، وقد استفاضت السنة بذلك ، والله أعلم .
قال : ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ، أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ، وقد روي عن أحمد رحمه الله في بيت المعتق خاصة أنها ثرث ، لما روي عن النبي أنه ورث ابنه حمزة من الذي أعتقه حمزة .
ش : الرواية الأولى هي المشهورة عن أحمد ، واختيار أبي بكر ، وأبي محمد ، وغيرهما ، وغالى أبو بكر فوّهم أبا طالب في الرواية الثانية .
2333 وذلك لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن رسول الله قال : ( ميراث الولاء للأكبر من الذكور ، ولات يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ) ولأن هذا قول عامة العلماء من الصحابة ، والتابعين ، والأئمة إلا شريحاً .
2334 وقد روي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وزيد ، وابن عمر ، وأبي مسعود البدري ، وأسامة بن زيد ، وأبّي بن كعب ، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ، فكان إجماعاً أو حجة ، ولأن الولاء مشبه بالنسب ، فالمولى المعتق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه ، فأولاد المولى المنعم بمنزلة أولاد أخي المعتق ، أو أولاد عمه ، وأولاد الأخ ، وأولاد العم لا يرث منهم إلا الذكور [ خاصة ] ، ( والرواية الثانية ) اختارها أبو الخطاب في خلافه ، وإليه ميل أبي البركات في المنتقى ، ونص عليها أحمد رحمه الله في رواية أبي طالب .
2335 محتجاً بحديث بنت حمزة ، [ وهو ما روى جابر بن زيد ، عن ابتن عباس رضي الله عنهم ، أن مولى لحمزة ] مات وترك ابنته وابنه حمزة ، فأعطى النبي ابنته النصف ، وابنة حمزة النصف . رواه الدارقطني ، وقد اعترض على هذا بأن المولى إنما كان لبنت حمزة ، كذا قال أحمد في رواية ابن القاسم ، وسأله : هل كان المولى لحمزة أو لابنته ؟ فقال : لابنته .
2336 وقد روى ابن ماجه ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن عبد الله بن شداد ، عن بنت حمزة ، ، وهي أخت ابن شداد لأمه قالت : مات مولى لي وترك ابنته ، فقسم رسول الله ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ، ولها النصف ، وأجيب بأن ابن أبي ليلى فيه ضعف ، وإن صح فمن المحتمل تعدد الواقعة فلا تعارض ، ولو سلم الإِتحاد فيحتمل أنه أضيف مولى الوالد إلى الولد ، بناء على أن الولاء ينتقل إليه ، أو أنه يرث به .
إذا تقرر هذا فمحل الخلاف في غير ما أعتقنه ، أو أعتقه من أعتقنه ، أو كاتبنه ، أو كاتبه من كاتبنه ، أما في هذه الأشياء فيرثن بلا نزاع ، كما تضمنه الدليل السابق ، وقصة بريرة مع عائشة رضي الله عنها ، فإن عائشة اشترطت الولاء ، وقال النبي في ذلك : ( إنما الولاء لمن أعتق ) والسبب مراد من لعموم بلا ريب ، ويستثنى أيضاً عتقاء ابنها إذا كانت ملاعنة ، على القول بأنها عصبته ، ولنذكر أمثلة لمحل الخلاف ، فمنها إذا مات المعتق وخلف ابن معتقه ، وبنت معتقه ، فالمال لابن معتقه ، دون أخته على الرواية الأولى ، وعلى الثانية بينهما أثلاثاً ، ولو خلف بنت معتقه ، وابن عم معتقه ، فلا شيء للبنت ، وجميع المال لابن عم المعتق على الأولى ، وعلى الثانية للبنت النصف ، والباقي لابن العم ، ولو خلف المعتق بنته ، وبنت معتقه ، فالمال جميعه لابنته على الأولى بالفرض والرد ، وعلى الثانية لابنته النصف ، ولابنة معتقه النصف ، لقضية النص في بنت حمزة ، ولو كان بدل بنت معتقه أخت معتقه ، فلا شيء لها رواية واحدة ، والله أعلم .
قال : والولاء لأقرب عصبة المعتق .
ش : الميراث بالمولاء ثابت ومستقر للمعتق ، ثم لأقرب عصبته من بعده .
2337 لما روى الإِمام أحمد عن سعيد بن المسيب ، أن رسول الله قال : ( المولى أخ في الدين ، ومولى نعمة ، يرثه أولى الناس بالمعتق ) ولأن عصبات الميت يرث منهم الأقرب فالأقرب ، فكذلك عصبات المولى ، فعلى هذا لو مات المعتق وخلف ابنه وأخاه ، كان الولاء لابنه ، ولو خلف أخاه وعمه ، كان الولاء لأخيه ، وعلى هذا ، يرث الأقرب فالأقرب من العصبات ، ولا يرث منه ذو فرض إلا ما يستثنى ، ولا ذو رحم ، والله أعلم .
قال : وإذا مات المعتق وخلف أبا معتقه ، وابن معتقه ، فلأبي معتقه السدس ، وما بقي فللابن .
ش : هذا كالإِستثناء مما تقدم ، وقد نص عليه أحمد وهو المشهور ، تشبيهاً لهما في إرث المعتق بإرث معتقه ، وقيل : لا يفرض للأب والحال هذه شيء ، بل الجميع للابن ، لما تقدم ممن أن الولاء لأقرب العصبة . انتهى . وحكم الجد حكم الأب ، وحكم ابن الابن حكم الابن ، وقد يدخل ذلك في كلام الخرقي ، والله أعلم .
قال : وإن خلف أخاً معتقه ، وجد معتقه ، فالولاء بينهما نصفين .
ش : لأنهما يرثان المعتق كذلك ، فيرثان مولاه كذلك ، ولو كثرت الإِخوة كما لو كانوا ثلاثة فأكثر فإنه يفرض للجد السدس ، لأنه أحظ له ، والباقي لهم ، بناء على ما تقدم في قاعدة الجد مع الإِخوة ، هذا هو المشهور ، وعلى القول الثاني في التي قبلها لا يفرض له معهم أصلًا ، بل يكون كأحدهم وإن كثروا ، ويعادونه ، بولد الأب ، لأنه يرث منفرداً ، ولا يعادونه بالأخوات ، لأنهن لا يرثن منفردات ، وهذا مقتضى قول أبي محمد في الكافي والمغني ، وهذا كله إذا ورثنا الإِخوة مع الجد ، أما إذا لم نورثهم معه وجعلنا الجد كالأب فالولاء للجد دون الأخ . والله أعلم .
قال : وإذا هلك رجل عن ابنين ومولى ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات المولى ، فالولاء لابن معتقه ، لأن الولاء للكبر ، ولو هلك الابنان بعده وقبل مولاه ، وخلف أحدهما ابنا ، وخلف الآخر تسعة ، كان الولاء بينهم على عددهم ، لكل واحد منهم عشرة .
ش : هذا مبني على أصل قد أشار إليه الخرقي رحمه الله وهو أن الولاء يورث به ولا يورث ، وهذا معنى كونه للكبر ، يعني أنه يرث به أقرب عصبة السيد إليه يوم مات عتيقه ، لا يوم مات السيد ، وهذا المختا رللأصحاب ، والمشهور من الروايتين ، حتى أن أبا بكر غلط من روى الثانية ، وقد قال أحمد في رواية ابنته صالح : حديث عمر عن النبي : ( ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان ) هكذا يرويه عمرو بن شعيب .
2238 وقد روي عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد ، وابن مسعود ، أنهم قالوا : 16 ( الولاء للكبر ) . فهذا الذي يذهب إليه ، وهو قول أكثر الناس . انتهى وقد أبان أحمد رحمه الله عنه حجته في ذلك ، وهو قول هؤلاء الذين هم أكابر الصحابة ، وقد رواه مالك في الموطأ عن عثمان ، ورواه سعيد عن الأربعة الباقين .
2339 وحكي أيضاً عن ابن عمر ، وأبّي بن كعب ، وأبي مسعود البدري ، وأسامة بن زيد رضي الله عنهم أجمعين ، ولما تقدم من قوله عليه السلام : ( المولى أخ في الدين ، ومولى نعمة ، يرثه أولى الناس بالمعتق ) ولأن الولاء مشبه بالنسب ، والنسب يورث به ولا يورث ، فكذلك الولاء .
2340 وعن أحمد رواية أخرى : يورث الولاء كما يروث المال ، وهو قول شريخ ، ويحكى عن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، والمشهور عن عمر وعلي خلاف ذلك .
2341 ومعتمد هذه الرواية ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : تزوج رياب بن حذيفة بن سعد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحية ، فولدت له ثلاثة فتوفيت أمهم ، فورثها بنوها رباعها ، وولاء مواليها ، فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام ، فماتوا في طاعون عمواس ، فورثهم عمرو ، وكان عصبتهم ، فلما رجع عمرو جاء بنوا معمر بن حبيب ، يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب ، فقال : أقضي بينكم بما سمعت رسول الله يقول : ( ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان ) فقضى لنا به ، وكتب لنا كتاباً فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف ، وزيد بن ثابت ، رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي ، وابن المديني ، وقال : هو من صحيح ما يروي عن عمر . وقد ينازع في الاستدلال بهذا الحديث ، فإن الحجة في قوله عليه السلام ، وقوله عليه السلام : ( ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته ) وهذا صحيح ، فإ ما أحرزه من المال فهو لعصبته ، أما الولاء فإنه لم يحرزه ، بل هو باق للميت ، والعاصب يرث به .
2342 وما فهمه عمر رضي الله عنه قد نقل عنه خلافه ، كما حكى ذلك الإِمام أحمد والشعبي ، ويعضد هذا التأويل أو يعينه قول عامة الصحابة والعلماء ، وقول العامة إن لم يكن إجماعاً على الأشهر ، فهو حجة على الأظهر .
إذا تقرر هذا الأصل وهوأن الولاء يورث به ولا يورث ، انبنى عليه المسألتان اللتان ذكرهما الخرقي ( إحداهما ) إذا مات رجل عن ابنين ومولى ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات المولى ، فالولاء لابن معتقه ، لأن ابن المعتق هو أقرب الناس إليه يوم مات العتيق ، وقد نص أحمد على ذلك في رواية أبي طالب ، وعلى الرواية الأخرى يكون الولاء بين ابن المعتق وبين ابن ابنه الآخر نصفين ، نص عليه في رواية حنبل ، لأنه لما مات المولى المنعم ورث ابناه الولاء بينهما نصفين ، فإذا مامت أحدهما انتقل نصيبه لابنه . ( المسألة الثانية ) إذا هلك الابنان بعد أبيهما ، وقيل موت العتيق ، وخلف أحدهما ابنا ، وخلف الآخر تسعة ، فعلى المذهب ونص عليه أحمد في رواية ابن منصور الولاء بينهم على عددهم ، لكل واحد عشرة ، لأن الجميع في القرب إلى السيد يوم مات العتيق على حد سواء ، وعلى الرواية الأخرى ونص عليه أحمد هنا في رواية بكر بن محمد لابن الابن النصف إرثا عن أبيه ، والنصف الآٌّ خر بين بني الابن الآخر على تسعة ، وتصح من ثمانية عشر ، والله أعلم .
قال : ومن أعتق عبداً فولاؤه لابنه ، وعقله على عصبته .
ش : يعني إذا أعتق عبداً ثم مات المعتق ، فإن ولاءه لابن سيده ، إذا لم يكن له وارث سواه من النسب ، وعقله على عصبة سيده ، لأن العقل على العصبة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان هؤلاء العصبة ، والولاء لأقرب العصبة ، والابن أقربهم .
2343 وقد روى إبراهيم قال : اختصم علي والزبير في مولى صفية ، فقال علي : مولى عمتي ، وأنا أعقل عنه ، وقال الزبير : مولى أمي ، وأنا أرثه ، فقضى عمر للزبير بالميراث ، وقضى على علي بالعقل ، رواه سعيد في سننه ، وذكره الإِمام أحمد ، ( وقول الخرقي ) : إن الولاء للابن ، والعقل على الصعبة ، مبني على أن الابن ليس من العاقلة ، وهو مقتضى كلام الخرقي ثم ، ومن جعل الابن من العاقلة كالرواية الأخرى يقول : الولاء له ، والعقل عليه ، ومن يجعل الابن عاقلة للأب دون الأم كمختار أبي البركات يقيد هذه المسألة بما إذا كان المعتق امرأة ، كما قيدها أبو محمد . والله أعلم .
كتاب الوديعة

( الوديعة ) فعيلة بمعنى مفعولة ، من الودع وهو الترك ، أي متروكة عن المودع .
2344 وفي مسلم عن النبي : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ) [ أي عن تركهم الجمعات ] .
2345 وفي النسائي عنه : ( اتركوا الترك ما تركوكم ، ودعوا الحبشة ما ودعوكم ) ( وهي جائزة ) بازِجماع ، وسند ذلك قوله تعالى : 19 ( { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات } ) الآية .
2346 وعن أبي هريرة عن النبي : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) رواه أبو داود ، والترمذي وحسنه .
قال : وليس على المودع ضمان إذا لم يتعد .
ش : ليس على المودع ضمان إذا لم يتعد ، لأنه محسن ، فيدخل في قوله تعالى : 19 ( { ما علي المحسنين من سبيل } ) .
2347 وأمين ، فيدخل في قوله : ( لا ضمان على مؤتمن ) رواه الدارقطني ثم لو قيل بالضمان لا نتفى هذا المرفق العظيم ، لامتناع العاقل من الدخول فيما يتمحض ضرراً ، ولا فرق بين أن تتلف مع ماله ، أو دون ماله على المذهب ، ( وعنه ) إن تلفت دون ماله ضمنها .
2348 لأنه يروى أن عمر رضي لله عنه ضمن أنساً وديعة تلفت دون ماله ، وينبغي أن يكون محل هذه الرواية فيما إذا ادعى التلف والحال هذه ، فاءنه لا يقبل منه ، لمكان التهمة ، أما إن ثبت التلف فإنه ينبغي انتفاء الضمان رواية واحدة ، أما إن تعدى فإنه خرج من حيز الأمانة ، إلى حيز الخيانة فيضمن بلا نزاع ، والله أعلم .
قال : فإن خلطها بماله وهي لا تتميز ، أو لم يحفظها كما يحفظ ماله ، أو أودعها غيره فهو ضامن .
ش : لما ذكر أنه إذا تعدى فيها ضمن ، ذكر ثلاث صور من صور التعدي ، ( إحداها ) إذا خلط الوديعة بماله والحال أنها لا تتميز مع ما خلط به ، كما لو خلط زيتا بزيت أو بشيرج ، أو برا ببر ، أو دراهم بدراهم ، ونحو ذلك ، لأنه صيرها في حكم التالف ، وفوت على نفسه ردها ، فضمنها كما لو ألقاها في لجة بحر ، وعن أحمد في رجل أعطى رجلًا درهما يشتري له به شيئاً ، فخلطه مع درهمه فضاعا ، قال : ليس عليه شيء . ذكرها القاضي في ما انتقاه من رواية عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، وحكم خلطها بمال غيره حكم خلطها بمال نفسه ، وإنما ذكر الخرقي ماله اعتماداً على الغالب .
( الصورة الثانية ) : إذا لم يحفظها كما يحفظ ماله أن يحرزها في حرز مثلها ، أو أعلى منه ، ويذكر ذلك إن شاء الله تعالى في القطع في السرقة ، وهذا إذا لم يعين له المالك حرزاً ، أما إن عين له حرزاً فإنه يمتثل وإن كان دون حرزها ، فإن خالفة فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى .
( الصورة الثالثة ) : إذا أودعها عند غيره ، وله حالتان ( إحداهما ) : أن يفعل ذلك لغير عذر ، ولا إشكال في تضمينه إذاً لأنه متعد ، إذ لفظ مالكها إنما تضمن أن يحفظها بنفسه لا بغيره ، قلت : ويخرج عدم الضمان إذا لم ينهه ، بناء على رواية جواز توكيل الوكيل ، وليس من أيداعها لغيره دفعها لمن جرت عادته بدفعها إليه ، كزوجته وعبده ، لأن ذلك مما يحفظ به ماله ، فهو داخل فيما تقدم ، وهذا منصوص أحمد ، عليه الأصحاب ، وفيه وجه آخر : بلى فيضمن . ذكره ابن أبي موسى ، ( الحالة الثانية ) إذا أودعها عند غيره لعذر ، كما إذا أراد سفراً غير مأمون ، أو كان الترك أحرز لها ، أو استوى الأمران في وجه ، أو خاف عليها من حريق أو ظالم ونحو ذلك ، ولم يجد ربها ولا وكيله ، فيجوز ، ولا ضمان عليه لمكان العذر ، ثم هل يتعين الحاكم مع القدرة عليه وهو المذهب المقطوع به للأصحاب أو لا يتعين ، ويكفي إيداعها ثقة وهو احتمال لأبي محمد في المغني ؟ فيه قولان ، قال القاضي : وقد أطلق أحمد القول في رواية الأثرم ، وإبراهيم بن الحارث : لا يودعها لغيره إذا خاف عليها . قال : وهذا محمول على المقيم في البلد ، والمسافر إذا وجد حاكماً فعدل عنه . والله أعلم .
قال : وإذا كانت علة فخلطها في صحاح ، أو صحاحاً فخلطها في علة ، فلا ضمان عليه .
ش : العلة هي المكسرة ، فإذا خلطها في صحاح أبو بالعكس فلا ضمان عليه ، لأنها تتميز ، فلا يتعذر ردها ، وهذا هو المذهب ، والمنصوص في رواية أبي طالب ، ونقل عنه بن منصور فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ، فأجر ذلك صاحب التلخيص وغيره في كل ما يتميز ، وخصها أو محمد بصورة النص ، لاحتمال كسبها سواداً فيتغير لونها فتنقص .
قال : ولو أمره أن يجعلها في منزله ، فأخرجها عن المنزل لغشيان نار ، أو سيل ، أو شيء الغالب منه التوى فلا ضمان عليه .
ش : إذا أمره أن يجعل الوديعة في محل فجعلها فيه فلا ضمان عليه ، وإن كان دون حرز مثلها ، لأنه ممتثل غير مفرط ، وإن أخرجها عن ذلك المحل لشيء نزل بها من نار ، أو سيل ، ونحو ذلك مما الغالب منه الهلاك فلا ضمان عليه ، لأنه مأمور بحفظها ، وحفظها في إخراجها إذاً فلا تفريط ، وهل يتعين الإِخراج بحيث إذا تركه ضمن ؟ لا يخلو من ثلاثة أحوال ( أحدها ) : أن يعين له الحرز ولا ينهاه عن الإِخراج كصورة الكتاب ، فهنا يتعين عليه الإِخراج والحال ما تقدم ، بحيث لو تركه ضمن ، وإن تلفت بغير ذلك الحادث ، لأنه يعد إذاً مفرطاً ، فيضمن لتفريطه . ( الثانية ) : عين له الحرز ، وقال له : لا تخرجها وإن خفت عليها . فأخرجها والحال ما تقدم ، أو تركها ، فلا شيء عليه ، لأنه إن أخرجها فقد زاده خيراً بحفظها ، إذ المقصود من هذا الكلام المبالغة في حفظها ، وإن تركها فلا شيء عليه ، لأن ربها صرح له بتركها مع الخوف ، فكأنه رضي بإتلافها ، ( الثالثة ) : عين له الحرز ، ونهاه عن الإِخراج ، ولم يقل : وإن خفت عليها . فيجوز له الإِخراج مع الخوف بلا ريب ، وهل يضمن إذ ترك ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) : لا ضمان عليه ، لامتثاله أمر صاحبها ( الثاني ) : وهو مقتضى ما جزم به صاحب التلخيص ، وأورده في الكافي مذهباً عليه الضمان ، لأن النهي للإِحتياط عليها ، والإِحتياط إذاً نقلها ، فإذا تركها فقط فرط فيضمن انتهى .
ومفهوم كلام الخرقي أنه متى أخرجها بلا خوف عليها ، مع تعيين المالك الحرز لها ضمنها ، ولا نزاع في ذلك إن أخرجها لحرز دون الذي عينه مالكها ، وفيما إذا أخرجها لمثله أو أعلى منه ثلاثة أوجه ( أحدهما ) : يضمن مطلقاً ، كما هو ظاهر كلام الخرقي ، وظاهر كلام أحمد أيضاً ، قال في رواية حرب وغيره : إذا خالف في الوديعة فهو ضامن ، وذلك لأنه خالف أمر صاحبها من غير حاجة ، أشبه ما لو نهاه ، ( والثاني ) : لا يضمن مطلقاً ، قاله القاضي ، وابن عقيل ، ون مثل الشيء يساوي ذلك الشي ، فيعطي حكمه ، ( والثالث ) : إن نقلها إلى أعلى لمن يضمن ، ولأنه زاده خيراً ، وإن نقلها إلى المساوي لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل ، وبين تلفها بغيره ، وعندي أنه إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن .
( تنبيه ) : ( الغشيان ) مصدر : غشي الشيء غشيانا . نزل به ، ( والتوى ) مقصوراً الهلاك .
قال : وإذا أودعه شيئاً ، ثم سأله دفعه إليه في وقت أمكنه ذلك ، فلم يفعل حتى تلف فهو ضامن .
ش : إذا أودعه شيئاً ثم سأله دفعه إليه لزمه ذلك ، لأمر الله سبحانه ورسوله بذلك ، فإن لم يفعل حتى تلف مع إمكان الرد ضمن ، لمخالفة الأمر ، وانتفاء عذر المودع في الإِمتثال ، فأشبه الغاصب ، أما إن لم يمكن ردها لبعدها ، أو لمخافة في طريقها ، ونحو ذلك فلا ضمان عليه ، لأنه لا يتوجه الأمر إليه والحال هذه ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق ، وإذا لم يتوجه الأمر إليه فلا ضمان ، لانتفاء تعديه ، أما إن أخر لحاجة له مع إمكان الرد كما إذا كان في الحمام ، أو على طعام فأخر إلى الفراغ فظاهر كلام الخرقي وجوب الضمان ، وصرح به في التلخيص ، إناطة للحكم بإمكان الرد ، وفي لحوق المأثم له والحال هذه وجهان ، وظاهر كلام أبي محمد في المغني انتفاء الضمان ، لأنه قال : إذا قال : أمهلوني حتى أقضي صلاتي ، أو آكل فإني جائه ، أو أنام فإني ناعس ، أو ينهضم الطعام عني فإني ممتليء . أمهل بقدر ذلك والله أعلم .
قال : وإذا ما وعنده وديعة لا تتميز من ماله فصاحبها غريم بها .
ش : إذا مات إنسان وقد ثبت أن عنده وديعة ، بإقراره أو ببينة ، ولم تتميز من ماله ، فصاحبها غريم بها ، لأنه قد ثبت بإقراره أو بالبينة استحقاق ردها ، وقد تعذر ، فيجب بدلها ، وإذا وجب بدلها كان غريماً بها ، كسائر الحقوق ، أما إن ثبت أنه كان عنده وديعة في حياته ، ثم مات ولم توجد بعينها ، ولم يعلم بقاؤها ولا تلفها ، فوجهان ( أحدهما ) : وقال في المغني : إنه المذهب وجوب الضمان ، [ اعتماداً على أصل وجوب الرد ما لم يعلم ما يزيله ، ( والثاني ) لا ضمان ، نظراً إلى أن الأصل عدم إتلافها والتعدي فيها ، فينتفي الضمان ] ولا فرق فيما تقدم بين أن يوجد جنس الوديعة ، في ماله أو لم يوجد ، قاله أبو محمد ، وقال في التلخيص : إذا أوصى وأجمل ولم يعرف ضمن نص عليه ، وإن ذكر جنسها بأن قال : عندي وديعة عمامة ، أو سراويل ، أو نحو ذلك ، ولم يوجد ذلك في تركه فلا ضمان ، لاحتمال التلف قبل الموت ، والله أعلم .
قال : ولو طالبه بالوديعة فقال : ما أودعتني . ثم قال : ضاعت من حرز . كان ضامناً ، لأنه خرج من حال الأمانة .
ش : إذا طالبه بالوديعة فأنكر أصل الإِيداع ، بأن قال : ما أودعتني . فثبت الإِيداع ببينة أو إقرار ، فادعى ما يسقط وجوب الضمان عنه من ضياعها ، أو تلفها ، أو ردها لم يسمع منه ، وجوب عليه الضمان ، وإن أتى ببينة ، لأنه إن ادعى ذلك قبل الجحود ، فهو بدعواه الأولى مكذب لدعواه الثانية أو لبينته ، فينتفيان ، وقيل : يسمع منذ ذلك بالبينة ، وإن ادعى ذلك بعد الجحود ، فقد خرج عن حال الأمانة ، فصارت يده يدا ضامنة لا يد أمانة ، فثبوت التلف أو الضياع لا ينفي عنه الضمان ، نعم إن ادعى الرد بعد الجحود سمع منه كالغاصب ، فيثبت بالبينة ، ويحلف خصمه مع عدمها ، والله أعلم .
قال : ولو قال : مالك عندي شيء . ثم قال : ضاعت من حرز . كان القول قوله ولات ضمان عليه .
ش : أي ولو طالبه بالوديعة ، فلم ينكر أصل الإِيداع ، وإنما قال : ما لك عند شيء . ثم ثبت أنه أودعه ، فادعى الضياع ، أو التلف ، ونحو ذلك سمع منه ، لعدم تنافي دعواه الأولى والثانية ، إذ مع الضياع أو التلف ليس له عنده شيء ، فهو صادق في قوله ، فأمانته باقية ، ودعواه مقبولة ، ولا فرق بين قبل الجحود وبعده ، على ظاهر إطلاق جماعة ، وقال القاضي في المجرد : وقد قيل : إن شهدت البينة بالتلف بعد الجحود فعليه الضمان ، لأنه قد كذبها بالجحود ، وإن شهدت بالتلف قبل الجحود سمعت ولا ضمان عليه ، والله أعلم .
قال : ولو كانت في يده وديعة فادعاها نفسان ، فقال : أودعني أحدهما ولا أعرفه عينا ، أقرع بينهما ، فمن تقع له القرعة حلف أنها له وأعطي .
ش : إذا كانت في يده وديعة فادعاها نفسها ، وكل واحد منهما يدعي أنه الذي أودعها ولا بينة ، فلا يخلو من خمسة أحوال ( أحدها ) أن يقر بها لأحدهما دون الآخر ، فهي له مع يمينه ، لأن اليد كانت للمودع ، وقد نقلها إلى المدعي ، فصارت اليد له ، ومن اليد له القول قوله مع يمينه ، وعلى المدعي اليمين للمدعي الآخر ، لأنه منكر لما ادعاه عليه ، فإن حلف برئ وإن نكل قضي عليه بغرمها ، ( الثاني ) أن يقر بها لهما ، فهي بينهما يقتسمانها ، مع تحالفهما ، كما لو كانت بأيديهما وتداعياها ، وعليه اليمين لكل واحد منهما في نصفها ، فإن نكل لزمه عوضها يقتسمانه أيضاً ، ( الثالث ) : أن يقر بها لواحد منهما غير معين ، وهذه مسألة الخرقي ، فإن صدقاه في عدم العلم فلا يمين عليه ، ويقرع بينهما ، لتساويهما في الحق ، أشبها العبدين إذا أعتقهما في مرضه ، وإن أكذباه أو أحدهما ، لزمه يمين واحدة بأنه لا يعلم عين صاحبها ، لأن المدعي يدي عليه العلم بعين صاحبها ، وهو ينكره ، فإن حلف أقرع بينهما كما تقدم ، وإن نكل لزمه غرمها ، قال في التلخيص : ثم إن اتفقا على أن العين وقيمتها بشتركان فيها فلا كلام ، وإن تشاحاها أقرع بينهما ، فدفعت العين للقارع ، ومقتضى كلام أبي البركات أنه مع نكوله يقرع بينهما ، فيأخذ القارع العين ، ويطلب الآخر البدل ، ( الرابع ) جحدهما فالقول قوله ، لأن اليد له ، وعليه لكل واحد يمين ، فإن نكل لزمه لهما العين وعوضها ، يقترعان عليهما ، قال أبو البركات : ويحتمل أن يقتسماهما ( الخامس ) : أقر بها لغيرهما ، وله تقاسيم ليس هذا موضعها ، والله أعلم .
قال : ومن أودع شيئاً فأخذ بعضه ثم رده أو مثله فضاع الكل ، لزمه مقدار ما أخذ .
ش : إذا أودع إنسان إنساناً شيئاً ، فأخذ بعضه ثم رده ، فضاع الجميع أو تلف ، لزمه مقدار ما أخذ فقط ، لأنه القدر الذي تعدي فيه ، هذا هو المشهور من الروايتين ، حتى أن القاضي في تعليقه ، وأبا البركات وأبا محمد في الكافي والمغني ، لم يذكروا غيرها ( والرواية الثانية ) يضمن الجميع ، حكاها صاحب التلخيص وغيره ، لأنها وديعه ، قد تعدى فيها فضمنها ، كما لو أخذ الجميع انتهى .
وإن لم يرد ما أخذ بل رد بدله ، فللأصحاب في ذلك طرق ( إحداها ) : أنه لا يلزمه إلا مقدار ما أخذ ، سواء كان البدل متميزاً أو غير متميز ، وهذا مقتضى كلام الخرقي ، وبه قطع القاضي في التعليق ، وذكر نص أحمد على ذلك من رواية الجماعة ، وحكي عنه من رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع ، وأنه قال : إنه قول سوء . وذلك لأنه الضمان منوط بالتعدي ، والتعدي إنما حصل في المأخوذ ، فيختص الضمان به ، ( الطريقة الثانية ) : أنه إنه تميز البدل ضمن قدر ما أخذ فقط ، وإن لم يتميز فعلى روايتين ، وهذه طريقة أبي محمد في المغني والكافي ، وأبي البركات ، ( الطريقة الثالثة ) : أن المسألة على روايتين فيهما ، وهي ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية ، ( الطريقة الرابعة ) أنه إن تميز البدل فعلى روايتين ، وإن لم يتميز ضمن الجميع رواية واحدة ، قالها صاحب التلخيص ، ويقرب من هذه الطريقة قول أبي محمد في المقنع ، وكلام القاضي على ما حكى عنه أبو محمد في المغني ومنبى هذه الطريقة على أن المردود باق على ملكه ، فقد خلط ملكه بالوديعة ، فيجري فيه ما تقدم ، وقد فرق أبو محمد بأن المردود يجب رده مع الوديعة ، فلم يفوت على نفسه إمكانه الرد ، بخلاف ثم ، فإنه فوت على نفسه ، إمكان رد الوديعة ، وقد يقال : مسلم أنه يجب عليه الرد ، لكن لا يجب عليه رد هذا المخلوط بعينه ، فهو باق على ملكه ، فإذا خلطه بالوديعة ولم يتميز فقد فوت على نفسه إمكان رد باقيها ، وبالجملة هذه الطريقة وإن كانت حسنة لكنها مخالفة لنصوص أحمد ، وقد يقال : إن نصوصه هنا مقوية لرواية لرواية البغوي ثم .
واعلم أن شرط هذه المسألة عند أبي محمد ، وأبي البركات ، أن تكون الدراهم ونحوها غير مختومة ولا مشدودة ، أما إن كانت مختومة أو مشدودة فحلّ الشد ، أو فك الختم ، فإنه يضمن الجميع بلا نزاع ، لتهتك الحرز ، وهذا الصحيح عند القاضي ، وقال : إنه قياس قول الأصحاب فيما إذا فتح قفصاً عن طائر فطار . ولم يذكر عن أحمد بذلك نصاً ، ونقل مهنا عن أحمد ما يقتضي أنه لا يضمن إلا ما أخذ ، فقال في رجل استودع رجلًا عشرة دنانير في صرة فأخذ منها المستودع ديناراً فأنفذه ، ثم رد مكانه ديناراً ، فضاعت العشرة يغرم الدينار ، وليس عليه التسعة ، وفي التلخيص أيضاً أن البغوي روى عن أحمد ما يدل على ذلك ، وينبني على ذلك لو خرق الكيس ، فإن كان من فوق الشد لم يضمن إلا أرش الخرق فقط ، وإن كان من تحت الشد ضمن الجميع ، على المشهور عند الأصحاب .
وقوة كلام الخرقي تقتضي أنه لا يضمن بمجرد نية التعدي ، وهو المذهب المجزوم به ، لرفع المؤاخذة عن ذلك ما لم يتكلم أو يعمل ، ولهذا لو أخرجه إلى السوق بنية الإِنفاق ثم ردها ، ضمنها على أصح الوجهين ، لوجود العمل ، قال القاضي : وقد قيل : إنه يضمن بالنية ، لاقترانها بالإِمساك ، وهو فعل ، وقد ينبني هذا الوجه على أن الذي لا يؤاخذ به هو الهم ، أما العزم فيؤاخذ به على أحد القولين ، والله أعلم .
باب قسم الفيء والغنية والصدقة

ش : ( الفيء ) في الأصل مصدر : فاء يفيء فيئة وفيئاً . إذا رجع ، ثم أطلق على ما أخذ من الجهات الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى ، لأن الله تعالى أفاءه على المسلمين ، أي رده عليهم من الكفار ، فإن الأصل أن الله إنما خلق الأموال إعانة على عبادته ، لأنه إنما خلق الخلق لعبادته ، والكافر ليس من أهل عبادته ، فرجوع المال عنه رده إلى أصله .
والأصل فيه قوله تعالى : 19 ( { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } ) الآية ( والغنيمة ) أصلها من الربح والفضل ، والأصل فيها قوله تعالى : 19 ( { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ) الآية ، أضاف الغنيمة لهم ، ثم جعل خمسها لغيرهم ، فدل على أن الأربعة الأخماس الباقية لهم ، وقيل : إنها كانت أولًا للرسول بدليل قوله تعالى : 19 ( { يسألونك عن الأنفال ، قل الأنفال لله والرسول } ) وهي من خصائص هذه الأمة .
2349 قال : ( وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ) متفق عليه .
2350 وفي الصحيح ( أن النار كانت تنزل من السماء فتأكلها ) ( والصدقة ) هنا المراد بها الصدقة المفروضة وهي الزكاة .
قال : والأموال ثلاثة ، فيء ، وغنيمة ، وصدقة .
ش : أي الأموال التي مرجعها للإِمام ، التي يتولى أخذها وتفريقها ، والله أعلم .
قال : فالفيء ما أخذ من مال مشرك ، ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، والغنيمة ما أوجف عليه .
ش : هذان تعريفان شرعيان للفيء والغنيمة ، والركاب الإِبل ، والإِيجاف أصله التحريك ، والمراد هنا الحركة في السير إليه .
2351 قال قتادة في قوله تعالى : 19 ( { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتهم عليه من خيل ولا ركاب } ) : ما قطعتم وادياً ، ولا سيرتم إليها دابة ، إنما كانت حوائط بني النضير ، أطعمها الله رسول الله . والخرقي رحمه الله لحظ الآية الكريمة ، كما هو دأبه ، فأتى بألفاظها ، فكان ما أخذ من مال مشرك بغير إيجاف ، كالذي تركه فزعا من المسلمين ، وكالجزية ، والعشر من تاجر أهل الحرب ، ونصفه من تأجر أهل الذمة ، ومال من مات منهم ولا وارث له ، وخراج أرض صالحناهم عليها .
وما أجاف عليه المسلمون فساروا إليه ، وقاتلوا عليه ، فهو غنيمة ، سواء أخذ بالسيف ، أو بالحصر والاستنزال بأمان .
2352 فإن النبي افتتح حصون خيبر بعضها عنوة ، وبعضها استنزل أهله بأمان ، وكلها كانت غنيمة .
قال : فخمس الفيء والغنيمة مقسوم على خمسة أسهم . ش : قد دل كلام الخرقي رحمه الله من جهة إشارة النص على أن الفيء والغنيمة يخمسان ، ( أما الغنيمة ) فلا نزاع في تخميسها بحمد الله في الجملة ، وقد دل عليها قوله تعالى : 19 ( { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ) الآية .
2353 وفي الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن النبي قال لوفد عبد القيس ( آمركم أن تؤدوا خمس ما غنمتم ) وقد اختلف في أشياء من الغنيمة هل تخمس كالسلب ، والنفل ، وأشياء أخر ، ونذكر ذلك إن شاء الله تعالى في غير هذا الموضع ( وأما الفيء ) فالمنصوص عن أحمد في رواية أبي طالب بأنه لا يخمس ، لأن الله سبحانه قال : 19 ( { ما أفاء الله على رسوله إلى قوله والذين جاؤوا من بعدهم } ) الآيات ، فدل على أنه كله لهؤلاء ، ولم يذكر خمساً .
2354 وفي النسائي من حديث مالك بن أوس ، عن عمر رضي الله عنه في حديث طويل ، أنه قال : 19 ( { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ، وللرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين } ) هذا الهؤلاء 19 ( { إنما الصدقات للفقراء ، والمساكين ، والعاملين عليها ، والمؤلفة قلوبهم . وفي الرقاب ، والغارمين ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل } ) هذه لهؤلاء ، 19 ( { وما أفاء الله على رسوله منهم ، فما أوجفتهم عليه من خيل ، ولا ركاب } ) قال الزهري : قال عمر : هذه لرسول الله خاصة وكذا [ 19 ( { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله ، والرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين } ) و 19 ( { للفقراء المهاجرين ، الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } )9 ( { والذين تبوئوا الدار والإيمان من قبلهم } )9 ( { والذين جاؤوا من بعدهم } ) ] فاستوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق رجل ممن المسلمين إلا وله من هذا المال حق أو قال حظ إلا بعض من تملكون من أرقائكم ، ولئن عشت ليأتين على كل مسلم حقه أو قال حظه . ورواه أبو داود عن الزهري قال : قال عمر : 19 ( { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } ) وذكر مثل رواية النسائي وهذا من عمر تفسير للآية الكريمة وهو كالنص في عدم التخميس ، وتفسير الصحابي إذا وافق ظاهر النص [ كان ] حجة بلا ريب .
وقال الخرقي : إنه يخمس . قال القاضي : لم أجد بما قال نصاً . ووجهه أنه مال مشرك مظهور عليه ، فوجب أن يخمس كالركاز ، والغنيمة ، دل كلامه من جهة دلالة النص على أن خمس الفيء والغنيمة يقسمان على خمسة أسهم ، وذلك لقوله تعالى : 19 ( 19 ( 19 ( 19 ( { واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } ) الآية .
2355 وسهم الله والرسول واحد ، كذا قال عطاء ، والشعبي .
2356 وعن بعضهم أن ذكر الله تعالى لافتتاح الكلام تبركا به .
2357 وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت علياً يقول : ولاني رسول الله على خمس الخمس فوضعته مواضعه حياته ، وحياة أبي بكر ، وحياة عمر ، فأتي عمر بمال آخر حياته ، فدعاني فقال : خذه . فقلت : لا أريده . فقال : خذه فأنتم أحق به . قلت : قد استغنينا عنه . فجعله في بيت المال . رواه أبو داود ، وفي رواية : إن رأيت أو تولينا حقنا من هذا الخمس في كتاب الله . وهذا يدل على أن الخمس كان يخمس خمسة أسهم ، لا أقل منها ولا أكثر .
( تنبيه ) : الغنيمة التي تخمس هي ما وجد بعد دفع السلب لمستحقه ، وبعد دفع ما وجد فيها لمسلم أو معاهد له ، وبعد إعطاء أجرة من حفظها أو نقلها ، وجعل من دل على حصن أو ماء ، ونحو ذلك ، ولهذه تفاصيل ليس هذا موضع بيانها ، وبعد ما أكل منها من طعام ، أو علف ، على ما يذكر في موضعه ، واختلف في ما إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب فغنموا ، كقول الإِمام : من جاء بعشرة أرؤس فله منها رأس ونحو ذلك ، ولهذه تفاصيل ليس هذا موضع بيانها ، وبعد ما أكل منها من طعام ، أو علف ، على ما يذكر في موضعه ، واختلف في ما إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب فغنموا ، هل يخمس ما غنموه ؟ على روايتين ، واختلف أيضاً في النفل ، كقول الإِمام : من جاء بعشرة أرؤس فله منها رأس ونحو ذلك ، فقال أبو البركات : يخمس ، وقال أبو محمد : الظاهر أنه لا يخمس . والله أعلم .
قال : سهم للرسول مصروف من الكراع ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( والسلاح ، ومصالح المسلمين .
ش : سهم رسول الله مصروف في الكراع ، والسلاح ، ومصالح المسلمين .
ش : سهم رسول الله باق بعد موته لم يسقط ، اعتماداً على الأصل ، وهو ثبوته .
2358 وفي حديث جبير بن مطعم أنه قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله ، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله ، وكان عمر يعطيهم ، ومن كان بعده منه ، مختصراً رواه البخاري .
2359 وعن عمرو بن عبسة قال : صلى بنا رسول الله إلى بعير من المغنم فلما صلى أخذ وبرة من المغنم ثم قال : ( لا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم ) رواه أبو داود ، وروى نحوه . النسائي عن عبادة بن الصامت ، وعمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، وهو شامل لحال حياته ، وحال وفاته ، ومصرفه مصالح المسلمين ، كالفيء على المشهور ، ولما تقدم من قوله علي السلام : ( وهو مردود فيكم ) ( وعن أحمد ) رواية أخرى يصرف في السلاح والكراع والمقاتلة خاصة .
2360 لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، فكانت للنبي ، فكان ينفق على أهله نفقة سنة ومن لفظ : يحبس لأهله قوت سنتهم ويجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سيبل الله . متفق عليه .
( تنبيه ) : ( الوبرة ) واحدة الوبر للإِبل ، كالصوف للضأن ، والشعر للمعز ، قال الله تعالى : 19 ( { ومن أصوافها ، وأوبارها ، وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين } ) ( والكراع ) الخيل .
قال : وخمس مقسوم في صلبية بني هاشم ، وبني المطلب ، ابني عبد مناف ، حيث كانوا ، للذكر مثل حظ الأثنيين .
ش : قوله : في صلبية بني هاشم . يعني أولاد هاشم ، دون من يعد منهم من مواليهم ، وحلفائهم ، وقد دل كلام الخرقي رحمه الله على خمس مسائل ( إحداها ) : أن سهم ذوي القربى ثابت بعد موت النبي ، وهذا مذهبنا ، لأنه سبحانه ذكرهم في كتابه من ذوي السهام ، والأصل البقاء ما لم يعارضه معارض .
2361 وعن جبير بن معطم قال : مشيت أنا وعثمان إلى النبي فقلت : يا رسول الله أعطيت بني المطلب ، وتركنا ، ونحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال رسول الله : ( إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد ) وفي رواية : فقلنا : أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا . وزاد : قال جبير : ولم يقسم النبي لبني عبد شمس ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( ولا لبني نوفل شيئاً . وقال ابن إسحاق : عبد شمس ، وهاشم ، والمطلب أخوة لأم ، وأمهم عاتكة بنت مرة ، وكان نوفل أخاهم لأبيهم . هذه رواية البخاري .
2362 وفي رواية أبي داود : أن رسول الله لم يكن يقسم لبني عبد شمس ، ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً ، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب ، قال : وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله ، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله ، وكان عمر يعطيهم ومن بعده . وفي رواية : وعثمان بعده . فهذان عمر وعثمان أعطيا بعد موته ، ومنع أبي بكر لعله لمانع قام عنده ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال .
2363 وعن يزيد بن هرمز قال : كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذوي القربى لمن هو ؟ قال يزيد بن هرمز : فأنا كتبت كتاب ابن عباس إلى نجده ، كتب إليه : كتبت تسألني عن سهم ذوي القربى لمن هو ؟ وهو لنا أهل البيت ، وقد كان عمر دعانا إلى أن ينكح منه أيمنا ، ويجدي منه عاملنا ، ويقضي منه عن غارمنا ، فأبينا إلا أن يسلمه إلينا فتركناه عليه . رواه أبو داود ، والنسائي ، وأحمد واحتج به وهذا لفظه .
( الثانية ) : أن ذا القربى بنو هاشم وبنو المطلب ابني عبد مناف ، دون مواليهم ، وغير مواليهم ، لما تقدم من حديث جبير رضي الله عنه ، والمعتبر الأب ، لأن النسب له ، فإن الهاشمي وإن لم تكن أمه هاشمية يستحق ، وابن الهاشمية لا يستحق إذا كان أبوه غير هاشمي . ( الثالثة ) : أنه يجب تعميمهم ، وتفرقته بينهم حيث كانوا حسب الإِمكان ، لأنه سهم مستحق بالقرابة ، أشبه الميراث ، فعلى هذا يبعث الإِمام إلى عماله في الأقاليم ، وينظر ما حصل من ذلك ، فإن استوت الأخماس فرق كل خمس فيمن قاربه ، وإن اختلفت أمر بحمل الفضل ليدفع إلى مستحقه ، قال أبو محمد : والصحيح إن شاء الله تعالى أنه لا يجب التعميم ، لأنه يتعذر أو يشق ، فلم يجب كالمساكين ، والإِمام ليس له حكم تإلا في قليل من بلاد الإسلام ، فعلى هذا يفرقه كل سلطان فيما أمكن من بلاده ، قلت : ولا أطن الأصحاب يخالفون أبا محمد في هذا . ( الرابعة ) : أن القسم بينهم يكون للذكر مثل حظ الأنثيين ، وهو إحدى الروايتين ، وبه جزم أبو محمد في المقنع ، لأنه سهم استحق بقرابة الأب شرعاً ، ففضل فيه الذكر على الأنثى كالميراث ، وخرج ولد الأم والوصية ( والرواية الثانية ) يسوى بين ذكرهم وأثناهم ، لأنهم أعطوا باسم القرابة ، والذكر والأنثى فيها سواء ، وأشبه ما لو وصى لقرابة فلان ، يحققه أن الجد يأخذ مع الأب ، وابن الابن يأخذ مع الابن ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( وهذا خلاف الميراث ، ( الخامسة ) : أن غنيهم وفقيرهم فيه سواء ، على عموم كلام الخرقي ، وهو المشهور المعروف ، لعموم قوله تعالى : 19 ( { ولذي القربى } ) .
2364 وفي الصحيحين في حديث طويل أن العباس وعلياً جاءا يطلبان أن عمر يقضي بينهما ، فقال عمر : 16 ( إن الله كان خص رسوله بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره ) ، فقال : 19 ( { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } ) قال : فقسم رسول الله بينكم أموال بني النضير ، فوالله ما استأثر بها عنكم ، ولا أخذها دونكم انتهى والعباس كان من الأغنياء ، وقال أبو إسحاق بن شاقلا : يختص به فقراؤهم ، لما تقدم عن عمر .
( تنبيه ) : ( الحرورية ) طائفة من الخوارج ، نسبوا إلى ( حروراء ) اسم بلدة ، تمد وتقصر ، كل أول مجتمعهم بها ، وتحكيمهم فيها ، ( ويحذي ) يعطي ( والغارم ) المديون ، والاستئثار الاستبداد بالشيء والانفراد به ، والله أعلم .
قال : والخمس الثالث في اليتامى .
ش : قد شهد النص بذلك ، واليتيم من لا أب له ، وإن كان له أم ، ولم يبلغ الحلم .
2365 قال النبي : ( لا يتم بعد البلوغ ، ولا صمات يوم إلى الليل ) . وظاهر كلام الخرقي أنه لا يشترط فقرهم ، وإليه ميل أبي محمد ، نظراً لإِطلاق الآية الكريمة واشترطه جمهور الأصحاب ، لأن ذا الأب لا يدفع إليه ، والمال أنفع من الأب ، قال أبو محمد : قال الأصحاب : ويفرق على جميع أيتام البلاد ، قال : والقول فيه كالقول في سهم ذي القربى ، والله أعلم .
قال : والخمس الرابع في المساكين .
ش : للنص ، ويدخل فيهم الفقراء ، إذ كل موضع ذكر فيه أحد الصنفين دخل الآخر ، وحيث أريدا ذكراً كما في الزكاة ، قال أبو محمد : قال أصحابنا : ويعم جميعهم في جميع البلاد . قال : وقد تقدم قولنا في ذلك ، والله أعلم .
قال : والخمس الخامس لابن السبيل .
ش : للنص ، وسيأتي بيان ابن السبيل إن شاء الله تعالى ، فإن اجتمع في واحد أسباب ، كمسكين هو ابن سبيل ، يتيم فإنه يعطى بكل منها ، فإن أعطي فزال فقره لم يعط له شيئاً ، والله أعلم .
قال : وأربعة أخماس الفيء لجميع المسلمين ، بالسوية بينهم ، غنيهم وفقيرهم فيه سواء ، إلا العبد .
ش : لما قال : إن الفيء يخمس . قال : إن أربعة أخماسه بينهم ، غنيهم وفقيرهم فيه سواء ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( إلا العبد .
ش : لما قال : إن الفيء يخمس . قال : إن أربعة أخماسه للمسلمين . وعلى المنصوص جميعه للمسلمين ، ولا نزاع أن العبيد لا حق لهم في القيء ، وقد تقدم عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لم يبق رجل من المسلمين إلا وله في هذا المال حق ، إلا بعض من تملكون من أرقائكم ، ومن عدا العبيد من المسلمين لهم حق في الفيء في الجملة ، فيصرف في مصالح المسلمين ، إذ نفعها يعود على جميعهم ، ويبدى بالأهم فالأهم ، من سد الثغور ، وكفاية أهلها وغيرهم من جند المسلمين ، ثم الأهم فالأهم ، من سد البثوق ، وعمل القناطر ، وأرزاق القضاة ، والمفتين ، والمؤذنين ، ونحوهم ، من كل ذي نفع عام ، وما فضل منه قسم بين المسلمين غنيهم وفقيرهم ، على قول الخرقي ، والمشهور ، لما تقدم عن عمر أنه قال : لم يبق رجل من المسلمين إلا وله في هذا المال حق ، وقرأ 19 ( { ما أفاء الله على رسوله } ) إلى قوله : 19 ( { والذين جاؤا م بعدهم } ) وعن أحمد يقدم ذووا الحاجات .
2366 لما روى مالك بن أوس قال : [ ذكر عمر يوماً الفيء فقال ] : ما أنا بأحق بهذا الفيء منكم ، وما منا من أحد بأحق به من أحد إلا أنا على منازلنا من كتاب الله عز وجل ، وقسمه رسول الله ، فالرجل وقدمه ، والرجل وبلائه ، والرجل وحاجته ، رواه أبو داود ، وقال القاضي : أهل الفيء هم أهل الجهاد ، ومن يقوم بمصالحهم ، ومن لا يعد نفسه للجهاد ، فلا حق له فيه . وهو يلتفت إلى أن الفيء كان لرسول الله ، لحصول النصرة والصلحة به ، فلما مات صارت المصلحة للجند ، وما يحتاج إليه المسلمون ، فصار ذلك لهم دون غيرهم .
2367 ويشهد لذلك قصة عمر المتقدمة : أن الله تعالى كان خص رسول الله بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره ، فقال تعالى : 9 ( { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } ) قال : فقسم رسول الله بينكم أموال بين النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ، ولا أخذها دونكم ، حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي أسوة المال . وفي رواية : ثم يجعل ما بقي بجعل مال الله . والأول يلتفت إلى أن الفيء لم يكن ملكاً له ، وإنما كان يتصرف فيه بالأمر ، فهو لجميع المسملين .
2368 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ( ما أعطيكم ولا أمنكم ، إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت ) رواه البخاري انتهى يبدأ عند العطاء بالمهاجرين ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( ثم بالأنصار ، ثم بسائر المسلمين ، ويبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله ، وهل يفاضل بينهم ؟ حكى أبو محمد فيه روايتين ، واختار أن ذلك موكول إلى رأي الإِمام واجتهاده ، وقال أبو البركات : وفي جواز التفضيل بينهم بالسابقة روايتان . فخص الخلاف .
2369 وقد روي عن أبي بكر وعلى رضي الله عنهما أنهما سويا ، فيروى أن أبا بكر سوى ، فقال له عمر : يا خليفة رسول الله أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، وهجروا ديارهم كمن إنما دخلوا في الإِسلام كرها ؟ فقال أبو بكر : 6 ( إنما عملوا لله ، وإنما أجورهم على الله ، وإنما الدنيا بلاغ ) .
2370 وعن عمر وعثمان أنهما فضلا .
2371 وعن نافع أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلالف ؟ فقال : إنما هاجر به أبوه ، يقول : ليس هو ممن هاجر بنفسه .
2372 وعن قيس بن أبي حازم قال : كان عطاء البدريين خمسة آلاف ، خمسة آلاف وقال عمر : لأفضلنهم على من بعدهم . رواهما البخاري .
2373 وعن عوف بن مالك قال : كان رسول الله إذا أتاه الفيء قسمه في يومه ، فأعطى الآهل حظين ، وأعطى الأعزب حظا . زاد في رواية : فدعينا ، وكنت أدعى قبل عمار ، فدعيت فأعطاني حظين ، وكان لي أهل ، ثم دعي بعدي عمار بن ياسر فأعطي حظاً واحداً . رواه أبو داود ، وأحمد وحسنه ، والله أعلم .
قال : وأربعة أخماس الغنيمة لمن شهد الوقعة .
2374 ش : كذا قال عمر رضي الله عنه ، وهو إجماع في الجملة ، وقد دل عليه قوله تعالى : 19 ( { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } ) الآية ، كما تقدم تقريره ، وقوله : لمن شهد الوقعة ، يشمل من قاتل ، ومن لم يقاتل ، ممن قصده الجهاد ، كالتجار ، والصناع ، ويستثنى من الشاهدين صور ليس هذا موضع استثنائها .
قال : وللراجل سهم ، وللفارس ثلاث أسهم ، إلا أن يكون الفارس على هجين ، فيكون له سهمان ، سهم له وسهم لهجينه .
ش : لما ذكر الخرقي رحمه الله أن الغنيمة تخمس ، ذكر أن أربعة أخماسها لشاهدي الوقعة ، وذكر ذلك في كتاب الجهاد مستوفى ، وهو محله واللائق به ، فلنؤخره إلى هناك إن شاء الله تعالى .
قال : والصدقة لا يتجاوز بها الثمانية الأصناف التي سمى الله تعالى .
ش : أي الصدقة المفروضة ، وقد تقدمت هذه المسألة في الزكاة ، فلا حاجة إلى إعادتها .
قال : ( الفقراء ) وهم الزمنى ، والمكافيف ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( الذين لا حرفة لهم ، والحرفة الصنعة ، ولا يملكون خمسين درهماً ، أو قيمتها من الذهب ، ( والمساكين ) وهم السؤآل وغير السؤآل ، ومن لهم الحرفة إلا أنهم لا يملكون خمسين درهماً ، أو قيمتها من الذهب . .
ش : لما ذكر رحمه الله أن الصدقة لا يجاوز بها الثمانية الأصناف التي ذكرها الله تعالى طفق يبينها ، وقد تقدم أن الفقراء والمساكين صنف واحد في غير الزكاة ، وأنهما في الزكاة صنفان ، وقد أشعر كلام الخرقي بل نصه على أن الفقر أشد من المسكنة ، لأنه جعل الفقراء هم الزمنى ، والمكافيف أي العميان ، الذين لا حرفة لهم ، احترازاً ممن له منهم حرفة ، كمن ينفخ في الكير ، ونحو ذلك ، وجعل المساكين السؤال وهو حرفه ، أو من له منهم حرفة غير السوال ، وقد أومأ أحمد إلى ذلك ، وعليه الأصحاب ، وينقل عن الأصمعي ، وابن الأنباري ، وذلك لأن الله سبحانه بدأ بالفقراء ، والعادة البداءة بالأهم ، لا يقال : فالغارم أسوأ حالا من الفقير ، لأنه اجتمع عليه الدين مع الفقر ، لأنه نقول : الغارم قد يكون غنياً ، كالغارم لإِصلاح ذات البين ، فلذلك أخر ، وأيضاً قوله تعالى : 19 ( { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } ) فسماهم مساكين ، مع أن لهم سفينة ، لا يقال : سماهم مساكين لضعفهم عن الدفع عن سفينتهم ، بدليل 19 ( { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا } ) لأنا نقول : إطلاق المساكين يقتضي الحاجة دون الدفع ، فيكون هذا هو الظاهر ، والحمل على الظاهر متعين ، ما لم يعارضه ما هو أقوى منه .
2375 ولأن النبي استعاذ من الفقر .
2376 وسأل المسكنة فقال : ( اللهم أحيني مسكيناً ، وأمتني مسكيناً ، واحشرني من زمرة المساكين ) .
2377 وما يقال : إنه إنما استعاذ من فقر القلب ، بذلك ( ليس الغنى عن كثرة العرض ، وإنما الغني غنى النفس ) ويجاب عنه بما تقدم ، والحق أن الظاهر أنه إنما استعاذ من فقر القلب ، لأنه هو المذموم ، المطلوب عدمه ، إذ من افتقر قلبه لا يزال حزيناً ذليلًا ، وإن حصل له من الدنيا ما عسى أن يحصل ، أما من افتقر في المال ، وحصل له غنى النفس ، فهو راض بما أعطاه ربه ، محب له ، صابر ، فهو الفقير الصابر ، [ وهذا أمر في الحقيقة مطلوب ، فكيف يستعاذ منه ، والظاهر أن سؤاله المسكنة إنما هي الصفة التي يخرج بها عن هيئة المتكبرين ، والمتطاولين ، فيكون ] خاضعاً لربه ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( ذليلًا له ، وهو مقام العبودية .
2378 وفي الأثر 16 ( أنه سبحانه أوحى إلى موسى : إذا قمت بين يدي فقدم مقام الذليل الحقير . وكذلك أوحى إلى موسى : إذا قمت بين يدي فقم مقام الذليل الحقير . وكذلك أوحى إلى عيسى عليهما الصلاة والسلام ) انتهى .
وأيضاً فالاشتقاق يناسب ما قلناه ، إذ ( الفقير ) مشتق من : فقر الظهر . فعيل بمعنى مفعول ، أي مفقور ، وهو الذي نزعت فقرة ظهره ، فانقطع صلبه ، ( والمسكين ) مفيل من السكون ، وهو الذي أسكنته الحاجة ، ومن كسر صلبه أشد حالًا من الساكن ، ذكر ذلك ابن الأنباري ، وأما قوله سبحانه : 19 ( { أو مسكيناً ذا متربة } ) أي الملتصق بالتراب ، المطروح عليه ، فقال ابن الأنباري : لما نعته الله بهذا علمنا أنه ليس كل مسكين بهذه الصفة ، بل الأغلب عليه أن يكون له شيء ، فنعته بذلك أخرجه عن بقية المساكين . انتهى . أو يقال ) : المراد بالمسكين هنا الفقير ، إذ كل منهما يسمى فقيراً ومسكيناً نظراً للحاجة .
إذ تقرر هذا فضابط ( الفقير ) من لا شيء له أصلًا ، أو له شيء لا يقع موقعاً من كفايته ، كمن كفايته درهمان ، ويحصل له نصف درهم ، ونحو ذلك ، ( والمسكين ) من يحصل له ما يقع موقعاً من كفايته ، كمن يحصل درهماً في صورتنا ، أو درهماً ونصفا ، وشرط جواز الدفع إليهما عند الخرقي أن لا يملكا خمسين درهماً ، أو قيمتها من الذهب ، بناء على ما تقدم له من أن من ملك [ ذلك فهو غني ، والغني لا تحل له الصدقة ، لكن قد يقال : إن ظاهر كلام الخرقي رحمه الله أن من له حرفة ولا يملك خمسين درهماً ، أو من يملك ] ، دون الخمسين درهماً ولا حرفة له ، أن له أخذ الزكاة ، وإن كان ذلك يقوم بكفايته ، وليس كذلك ، إذ من حصلت له الكفاية بصناعة أو غيرها ، ليس له أخذ الزكاة بلا ريب ، وإن لم يملك شيئاً ، وكلام الخرقي فيما إيماء لذلك ، إذ لفظ ( الفقير والمسكين ) يشعران بالحاجة ، ومن له كفاية فليس بمحتاج ، والله أعلم .
قال : 19 ( { والعاملين عليها } ) وهم الجباة والحافظون لها .
ش : العمال على الزكاة هم الذين يبعثهم الإِمام لجباية الصدقة ، وحفظها ، وكتابتها ، وحسبها ، ونقلها ، ومن في معناهم ، وهم السعاة .
2379 وقد بعث النبي جماعة ، فبعث عمر ، ومعاذا ، وأبا موسى ، ورجلًا من بني مخزوم ، وغيرهم ، وذكر أبو محمد من العمال الكيال ، والوزان ، والعداد ، وقال في التلخيص : ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( إن أجرة الكيال والوزان على المالك ، وهو حسن ، لأن ذلك من تمام التسليم الواجب على المالك ، وقد يقال : مراد أبي محمد إذا احتيج إلى الكيال والوزان بعد ذلك ، ويشترط للعامل البلوغ والعقل ، والأمانة ، لأنها ضرب من الولاية ، والولاية يشترط فيها ذلك ، ولعدم صحة قبض الصبي ، والمجنون ، وخوف ذهاب المال في يد الخائن ، وفي اشتراط إسلامه ، وكونه من غير ذوي القربى روايتان تقدمتا ، ولا يشترط حريته ، ولا فقره ، ولا فقهه ، والله أعلم .
قال : 19 ( { والمؤلفة قلوبهم } ) وهم المشركون المتألفون على الإِسلام .
ش : قد تقدم الكلام في المؤلفة ، وأن حكمهم باق ، وهم السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم ، وهم ضربان ، مسلمون ومشركون ، وهم قسمان ، ( قسم ) يرجى إسلامه ، وهو الذي ذكره الخرقي ، فيعطى لتقوى نيته في الإِسلام ، ويميل إليه .
2380 فعن أنس بن مالك رضي الله عنه 16 ( أن رسول الله لم يكن يسأل شيئاً على الإِسلام إلا أعطاه ، قال : فأتاه رجل فسأله ، فأمر له بشاء كثيرة بين جبلين ، من شاء الصدقة ، فرجع إلى قومه ، وقال : يا قوم أسلموا ، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة ) . رواه أحمد ، ( وقسم ) يخشى شره ، فيعطى لكف شره وشر غيره معه .
2381 فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن قوما كانوا يأتون النبي ، فإن أعطاهم مدحوا الإِسلام ، وقالوا : هذا دين حسن . وإن منعهم ذموا وعابوا . وأما المسلمون فعلى أربعة أضرب ( الأول ) : قوم من سادات المسلمين ، لهم نظراء من الكفار ، إذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم فيعطون .
2382 لأن أبا بكر رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم والزبرقان مع حسن نياتهما . ( الثاني ) : سادات يرجى بعطيتهم قوة إيمانهم ، فيعطون .
2383 لأن النبي أعطى عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، وغيرهما .
2384 وعن عمرو بن تغلب ، أن رسول الله أعطى أناساً ، وترك أناساً ، فبلغه عن الذين ترك أنهم عتبوا ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( إني أعطي ناساً ، وأدع ناساً ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، أعطي أناساً لما في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأكل أناساً لما في قلوبهم من الغنى والخير ، منهم عمرو بن تغلب ) .
2385 وعن أنس قال : حين أفاء الله على رسوله أموال هوازن ، طفق رسول الله يعطي رجالًا من قريش مائة من الإِبل ، فقال أناس من الأنصار : يغفر الله لرسول الله يعطي رجالًا من قريش مائة من الإِبل ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( فقال أناس من الأنصار : يغفر الله لرسول الله ، يعطي قريشاً ويمنعنا ، وسيوفنا تقطر من دمائهم ، فقال رسول الله : ( إني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر ، أتألفهم ) متفق عليه .
( الثالث ) : قوم في طرف بلاد الإِسلام إذا أعطوا دفعوا عن من يليهم من المسلمين ، ( الرابع ) : قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيهم إلا أن يخاف .
( تنبيهان ) : ( أحدهما ) : يقبل قوله في ضعف نيته في الإِسلام ، ولا يقبل قوله في أنه مطاع في قومه إلا ببينة ( الثاني ) : ( الشاء ) جمع شاة ( والهلع ) تفسيره في قوله سبحانه : 19 ( { إن الإِنسان خلق هلوعا ، إذا مسه الشر جزوعا ، وإذا مسه الخير منوعا } ) .
2386 يروى عن الأصمعي أنه سئل عن تفسير الهلوع ، فقال للسائل : اقرأ الآية . ( والحديث العهد ) بالشيء القريب منه .
قال : 19 ( { وفي الرقاب } ) ، وهم المكاتبون ، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله رواية أخرى أنه يعتق منها .
ش : اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في المراد بالرقاب ، ( فروي عنه ) واختاره الخلال أنهم المكاتبون فقط ، ورجع عن القول بالعتق ، قال في رواية صالح : كنت أذهب إلى أن يعتق ثم جبنت عنه . لأنه يجر ولاءه ، ويكون له منفعته ، وقال في رواية محمد بن موسى : كنت أقوله ثم هبته . وقال في رواية ابن القاسم وسندي : قد جبنت . وذلك لأن ظاهر الآية الكريمة يقتضي كونهم على صفة يوضع سهمهم فيها ، وهذا في المكاتبين ، لأن سهمهم يدفع إليهم ، وما يقال من أن تقدير الآية : وفي حرية الرقاب . يقال : هذا فيه إضمار والأصل عدمه ، ( وروى عنه ) أنه العتق فقط ، لأن الظاهر من إطلاق الرقبة الرقبة الكاملة ، وحقيقة ذلك في العتق ، لأن المكاتب وجد فيه سبب الحرية ، ( وروي عنه ) واختاره القاضي في التعليق وغيره أن المراد من الرقاب المكاتبون ، وافتداء الأسرى ، والعتق ، لأن قوله : 19 ( { وفي الرقاب } ) يدخل تحته المكاتبون ، والعبد القن .
2387 وعن ابن عباس رضي الله عنه : 16 ( لا بأس أن يعتق من زكاة ماله ) ، ذكره عنه أحمد والبخاري .
2388 وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي فقال : دلني على عمل يقربني من الجنة ، ويباعدني من النار ، فقال : ( أعتق النسمة ، وفك الرقبة ) فقال : ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( يا رسول الله أوليسا واحداً ؟ قال : ( لا ، عتق النسمة أن تنفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ) رواه أحمد ، والدارقطني ، وإذا ثبت الحكم في المكاتب ، والعبد القن ، ففي افتداء الأسير بطريق الأولى ، لأنه تخليص رقبته من يد كافر ، وهو أولى من تخليص الرقبة من يد مسلم .
وشرط المكاتب أن يكون مسلماً ، وأن لا يجد وفاء ، ويجوز الدفع إليه قبل حلول النجم ، على أشهر القولين ، وشرط المعتق أن لا يعتق بالشراء ، نص عليه أحمد رحمه الله والله أعلم .
قال : فما رجع من الولاء رد في مثله .
ش : يعني يعتق به أيضاً ، وقد تقدم حكم هذه المسألة فيما إذا أعتق عبداً سائبة ، إذ المسألتان حكمهما واحد ، والله أعلم .
قال : 19 ( { والغارمين } ) وهم المدينون ، العاجزون عن وفاء دينهم .
ش : المدين العاجز عن وفاء دينه غارم بلا ريب ، وشرط الدفع إليه أن يكون غرمه في مباح ، أما إذا كان في محرم فلا يجوز الدفع إليه قبل التوبة بلا ريب ، حذارا من الإِعانة على المعصية ، وفيما بعد التوبة وجهان ، ( الجواز ) وهو المذهب ، اختاره القاضي ، وابن عقيل ، وأبو البركات ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم ، نطراً إلى زوال أثر الذنب بالتوبة ، إذ التوبة تجب ما قبلها ، ( والمنع ) حسما للمادة ، لاحتمال العود ثقة بالوفاء .
ومن الغارمين ضرب غرم لإِصلاح ذات البين ، وهو أن يقع بين الحيين أو أهل القريتين عداوة ، يتلف فيها نفس أو مال ، ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك ، فيتحملها إنسان ، فيجوز الدفع إليه وإن قدر على الوفاء ، لأن إعطاءه لمصلحتنا .
2389 وفي مسلم ، وسنن أبي داود ، والنسائي عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال : تحملت حمالة ، فأتيت رسول الله أسأله فيها ، فقال : ( أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ) ثم قال : ( يا قبيصة إن المسألة لا تحل لأحد إلا لأحد ثلاثة ، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجائحة اجتاحت ماله ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً عن عيش أو قال : سداداً من عيش ورجل أصابته فاقة ، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلاناً فاقة . فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال : سداداً من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا ) انتهى . أما من تحمل لضمان أو كفالة ، فحكمه حكم من غرم لمصلحة نفسه ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( فلا يعطى مع الغنى ، وقيل : بل حكمه حكم من غرم لإِصلاح ذات البين ، فيعطى وإن كان غنياً ، بشرط أن يكون الأصل معسرا .
( تنبيهان ) : ( أحدهما ) : إذا أراد الدفع إلى الغارم فهل يجب الدفع إليه ليقضي دينه ، أو يجوز الدفع إلى غريمه وفاء عن الدين ؟ فيه روايتان ، أنصهما الجوز ( الثاني ) ( الحمالة ) بفتح الحاء ، والله أعلم .
قال : وسهم في سبيل الله ، وهم الغزاة ، يعطون ما يشترون به الدواب والسلاح وما يتقوون به على العدو ، وإن كانوا أغنياء .
ش ؛ لا خلاف أن الغزاة من السبيل ، اعتماداً على العرف في ذلك ، ونظراً إلى أن عامة ما ورد في القرآن كذلك ، ويجوز الدفع إليهم وإن كانوا أغنياء كما تقدم ، ويشترط كونهم من غير أهل الديوان ، ويقبل قوله في إرادة الغزو ، وهل يجوز للمزكي أن يشتري الدواب ، والسلاح ، ونحوهما ، ويدفعها إليه ، أو يجب أن يدفع إليه المال ، ليشتري هو بنفسه ؟ فيه روايتان ، أشهرهما الثانية ، والله أعلم .
قال : ويعطي أيضاً في الحج ، وهو ممن سبيل الله تعالى .
ش : هذا منصوص أحمد في رواية الميموني ، والمروذي ، وعبد الله ، واختاره القاضي في التعليق وجماعة .
2390 لما روي عن أم معقل الأسدية رضي الله عنها ، أن زوجها جعل بكرا في سبيل الله ، وأنها أرادت العمرة ، فسألت زوجها البكر ، فأبى ، فأتت النبي ، فذكرت ذلك له ، فأمره أن يعطيها ، وقال رسول الله : ( الحج والعمرة في سبيل الله ) رواه أحمد .
2391 وعن أبي لاس الخزاعي رضي الله عنه ، قال : حملنا النبي على إبل الصدقة إلى الحج . رواه أحمد ، وذكره البخاري تعليقاً .
2392 وعن ابن عمر أنه قال : 16 ( الحج من سبيل الله ) . وعن ابن عباس نحوه ، ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن الحج ليس من السبيل ، اختارها أبو محمد ، اعتماداً على أن العرف في إطلاق السبيل إرادة الغزو ، ونظراً إلى أن المعطى من الأصناف إما لمصلحته كالفقير ، والمسكين ، والمكاتب والغارم لقضاء دينه ، أو لمصلحتنا كالعامل ، والغازي ، والمؤلف ، والغارم لإِصلاح ذات البين ، والحج لا نفع للمسلمين فيه ، ولا للفقير ، لعدم وجوب الحج عليه ، وأجاب القاضي بأن له فيه مصلحة ، لأنه يسقط به فرضاً ماضياً أو مستقبلًا . انتهى ، وقد يقال : إنه من مصلحتنا ، لما فيه من الاهتمام بهذا الشعار العظيم .
( تنبيه ) : إذا قلنا : يعطى في الحج . فشرط المدفوع إليه الفقر ، على ما جزم به الشيخان وغيرهما ، وهو أحد احتمالي صاحب التلخيص ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( وأبو البركات ، وغيرهم ، والله أعلم .
قال : ( وابن السبيل ) وهو المنقطع به ، وله اليسار في بلده ، فيعطى من الصدقة ما يبلغه .
ش : ابن السبيل المسافر الذي ليس معه ما يوصله إلى بلده ، وإن كان له اليسار في بلده ، هذا هو المذهب المنصوص المعروف ، اعتماداً على حقيقة اللفظ ، إذ حقيقة اللفظ أن ابن السبيل هو المسافر ، لملازمته للسبيل ، دون منشيء السفر من بلده ، فإنه إنما يصير ابن السبيل في المآل ، ( وعن أحمد ) رحمه الله ما يدل على جواز الدفع لمن أراد إنشاء السفر نظراً إلى أنه إنما يأخذ لسفر مستقبل ، إذ الماضي قد انقضى حكمه ، فإن كان ابن السبيل مجتازاً ، يريد بلداً غير بلده ، فظاهر كلام الخرقي وهو قول عامة الأصحاب أنه يجوز أن يدفع إليه ما يكفيه في مضيه إلى مقصده ، ورجوعه إلى بلده ، بشرط كون جائزاً ، إما قربة كالحج ونحوه ، وإما مباحاً كالتجارة ونحوها ، ولا يجوز الدفع في سفر المعصية ، وفي سفر النزهة وجهان ، ( الجواز ) لعدم المعصية ، ( والمنع ) لعدم الحاجة إليه ، واختار أبو محمد منع الإعطاء لمن أراد غير بلده ، لأن احتياجه إلى بلده آكد ، فلا يلحق به غيره ، والله أعلم .
قال : وليس عليه أن يعطي لكل هؤلاء الأصناف ، وإن كانوا موجودين ، وإنما عليه أن لا يجاوزهم .
ش : قد تقدمت هذه المسألة وحكمها في الزكاة ، فلا حاجة إلى إعادته ، ونزيد هنا أنه إذا اجتمع في واحد سببان ، جاز له الأخذ بكل منها ، كغارم وفقير ، يعطى لغرمه ، ثم ما يغنيه ، والله أعلم .
قال : ولا يعطى من الصدقة المفروضة لبني هاشم ، ولا لمواليهم ، ولا للوالدين وإن علوا ، ولا للولد وإن سفل ، ولا للزوج ، ولا للزوجة ، ولا لمن تلزمه مئنته ، ولا لكافر ، ولا للمملوك ، إلا أن يكونوا من العاملين ، فيعطون بحق ما عملوا ، ولا لغني ، وهو الذي يملك خمسين درهماً ، أو قيمتها من الذهب .
ش : قد تقدمت هذه المسائل مستوفاة في الزكاة ، فلا حاجة إلى إعادتها ، والله أعلم .
قال : وإذا تولى الرجل إخراج زكاته سقط العاملون .
ش : قد تقدمت هذه المسألة أيضاً ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
هـ رسول الله ، فالرجل وقدمه ، والرجل وبلائه ، والرجل وحاجته ، رواه أبو داود ، وقال القاضي : أهل الفيء هم أهل الجهاد ، ومن يقوم بمصالحهم ، ومن لا يعد نفسه للجهاد ، فلا حق له فيه . وهو يلتفت إلى أن الفيء كان لرسول الله ، لحصول النصرة والصلحة به ، فلما مات صارت المصلحة للجند ، ) ) ) 19 ( 19 ( 19 ( وما يحتاج إليه المسلمون ، فصار ذلك لهم دون غيرهم .
2367 ويشهد لذلك قصة عمر المتقدمة : أن الله تعالى كان خص رسول الله بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره ، فقال تعالى : 19 ( { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } ) قال : فقسم رسول الله بينكم أموال بين النضير ، فوالله ما استأثر بها عليكم ، ولا أخذها دونكم ، حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي أسوة المال . وفي رواية : ثم يجعل ما بقي بجعل مال الله . والأول يلتفت إلى أن الفيء لم يكن ملكاً له ، وإنما كان يتصرف فيه بالأمر ، فهو لجميع المسملين .
2368 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ( ما أعطيكم ولا أمنكم ، إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت ) رواه البخاري انتهى يبدأ عند العطاء بالمهاجرين ، ثم بالأنصار ، ثم بسائر المسلمين ، ويبدأ بالأقرب فالأقرب من رسول الله ، وهل يفاضل بينهم ؟ حكى أبو محمد فيه روايتين ، واختار أن ذلك موكول إلى رأي الإِمام واجتهاده ، وقال أبو البركات : وفي جواز التفضيل بينهم بالسابقة روايتان . فخص الخلاف .
كتاب النكاح


ش : النكاح في كلام العرب الوطء قاله الأزهري ، وسمي التزويج نكاحاً لأنه سبب الوطء ، قال أبو عمر غلام ثعلب : الذي حصلناه عن ثعلب عن الكوفيين ، والمبرد عن البصريين أن النكاح في أصل اللغة هو اسم للجمع بين الشيئين . قال الشاعر :
أيها المنكح الثريا سهيلا

عمرك الله كيف يجتمعان

وقال الجوهري : النكاح الوطء ، وقد يكون العقد . وعن الزجاجي : النكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعاً ، وقال ابن جني عن شيخه الفارسي : فرقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء ، فإذا قالوا : نكح امرأته أو زوجته . لم يريدوا إلا المجامعة . ( قلت ) وظاهر هذا الاشتراك كالذي قبله ، وأن القرينة تعين .
وأما في الشرع فقيل : العقد ، فعند الاطلاق ينصرف إليه ، اختاره ابن عقيل ، وابن البنا ، وأبو محمد ، والقاضي في التعليق ، في كون المحرم لا ينكح ، لما قيل له : إن النكاح حقيقة في الوطء قال : إن كان في اللغة حقيقة في الوطء ، فهو في عرف الشرع للعقد ، وذلك لأنه الأشهر في الكتاب والسنة ، ولهذا ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلا قوله : 19 ( { حتى تنكح زوجا غيره } ) على المشهور ، ولصحة نفيه عن الوطء ، فيقال . هذا سفاح وليس بنكاح . وصحة النفي دليل المجاز . قال القاضي في المجرد : الأشبة بأصلنا أنه حقيقة في العقد والوطء جميعاً ، لقولنا بتحريم موطوءة الأب من غير تزويج ، لدخولها في قوله سبحانه : 19 ( { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ) الآية وذلك لورودهما في الكتاب العزيز ، والأصل في الاطلاق الحقيقة ، وقال القاضي في العدة ، وأبو الخطاب ، وأبو يعلى الصغير : هو حقيقة في الوطء ، مجاز في العقد ، وذلك لما تقدم عن الأزهري ، وعن غلام ثعلب ، والأصل عدم النقل ، قال أبو الخطاب : وتحريم من عقد عليها الأب استفدناه بالإجماع والسنة .
وهو مشروع بالإجماع القطعي في الجملة ، وسنده قول الله سبحانه : 19 ( { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } ) وقوله : وأنكحوا الأيامى منكم ، والصالحين من عبادكم وإمائكم .
2393 وفي الصحيحين وغيرهما عن علقمة قال : كنت أمشي مع عبد الله بمنى ، فلقيه عثمان فقام معه يحدثه ، فقال له عثمان : يا أبا عبد الرحمن ألا نزوجك جارية شابة ، لئن قلت ذلك ، لقد قال لنا رسول الله : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ) وغير ذلك مما لا يحصى كثرة .
ثم النكاح على الطريقة المشهورة تارة يجب ، كما إذا خاف الزنا بتركه ، وتارة يسن علي المشهور من الروايتين ، كالأمن من السابق ، والثانية واختاره أبو بكر والبرمكي يجب ، وتارة يباح على رواية ، اختارها القاضي في النكاح من المجرد ، وابن عقيل في التذكرة ، وابن البنا ، ويستحب على أخرى ، واختاره القاضي في الطلاق من المجرد ، وهو إذا لم يتق إليه لكبر ، أو مرض أو غير ذلك ، وللأصحاب طرق غير ذلك ، ومن أحسنها قول القاضي أبي يعلى الصغير أنه فرض كفاية ، وحيث قيل بالوجوب هل يندفع بالتسري ؟ فيه وجهان .
( تنبيه ) في الباءة أربع لغات ، ( باءة ) بالمد ، مثال ( باعة ) ( وباء ) بالمد أيضاً بلا هاء ( وباهة ) بلا مد ، وبالهاء والتاء ، و ( باه ) بلا مد مقصوراً أيضاً ، وأصل الباه في اللغة المنزل ، ثم قيل لعقد النكاح ، لأن من تزوج امرأة بوأها منزلًا ، وقد يسمى النكاح نفسه باه ، والمراد في الحديث والله أعلم الأول وإلا فلا حاجة إلى الصوم ( والوجاء ) بكسر الواو ممدوداً رض الأنثيين ، أي أن الصوم قاطع لشهوة النكاح كالوجاء ، والله أعلم .
قال ولا ينعقد النكاح إلا بولي .
ش : هذا هو المذهب المنصوص ، والمعروف عند الأصحاب ، لا يختلفون في ذلك .
2394 وذلك لما روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال : إن النبي قال : ( لا نكاح إلا بولي ) رواه الخمسة إلا النسائي ، وصححه ابن المديني وغيره ، وهو نفي للحقيقة الشرعية ، أي لا نكاح شرعي ، أو موجود في الشرع ، إلا بولي .
2395 وعن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ( أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، وقال المروذي : سألت أحمد ويحيى عن حديث سليمان بن موسى : ( لا نكاح إلا بولي ) فقالا صحيح ، ولأن ذلك قول جمهور الصحابة .
2396 روي معنى ذلك عن علي ، وأبي هريرة رواه الدارقطني ، وعن عمر ، وابن عباس ، وحفصة ، رواه الشالنجي ، وعن أبي سعيد الخدري ، رواه أبو بكر ، وعن ابن مسعود ، وابن عمر ، وادعى القاضي أنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم .
وحكى طائفة من الأصحاب عن أحمد رواية بعدم اشتراط الولي مطلقاً ، وأبو محمد خص الرواية بحال العذر ، كما إذا عدم الولي والسلطان ، واختلف في مأخذ الرواية ، فابن عقيل أخذها من قول 16 ( أحمد ) في دهقان القرية : يزوج من لا ولي لها ، إذا احتاط لها في المهر والكفؤ ، وغلطة أبو العباس في ذلك ، قلت لأن دهقان القرية هو كبيرها ، فهو بمنزلة حاكمها ، والقائم بأمرها ، وأخذها ابن أبي موسى من رواية أن المرأة تزوج أمتها ومعتقتها .
وبالجملة استدل لعدم الاشتراط بقوله تعالى : 19 ( { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن } ) فأضاف النكاح إليهن ، ونهى عن منعهن منه ، وظاهره أن المرأة يصح أن تنكح نفسها ، ونحوه قوله تعالى : 19 ( { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره } ) وقوله تعالى : 19 ( { فإذا بلغن أجلهن فلا نكاح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف } ) فأباح سبحانه فعلها في نفسها من غير شرط الولي .
2397 يؤيده قوله : ( ليس للولي مع الثيب أمر ) .
2398 وأيضاً روي أن النبي لما خطب أم سلمة قالت : ليس أحد من أوليائي حاضراً . فقال : ( ليس من أوليائك حاضر ولا غائب إلا ويرضاني ) فقالت لابنها عمر بن أبي سلمة وكان صغيراً : قم فزوج رسول الله . فتزوج رسول الله بغير ولي ، وإنما أمرت ابنها بالتزويج على وجه الملاعبة ، إذ قد نقل أهل العلم بالتأريخ أنه كان صغيراً قبل ست سنين ، وبالإجماع لا تصح ولاية مثل ذلك ، ولهذا قالت : ليس أحد من أوليائي حاضراً .
2399 وأيضاً قصة صاحب الإزار فإنه قال له : ( زوجتكما ) ولم يسأل هل لها ولي أم لا .
واعترض على حديث أبي موسى بأن محمد بن الحسن روى عن أحمد أنه سئل عن النكاح بغير ولي يثبت فيه شيء عن النبي ؟ فقال : ليس يثبت عندي فيه شيء عن النبي ، ثم هو محمول على نفي الكمال ، ثم يقال بموجبه ، وأن نكاح المرأة نفسها نكاح بولي ، والنكاح بغير ولي نكاح المجنونة والصغيرة ، إذ لا ولاية لهم على أنفسهم ، وعن حديث عائشة بأن راويه سليمان بن موسى وقد ضعفه البخاري ، وقال النسائي : في حديثه شيء ، وقال أحمد في رواية أبي طالب : حديث عائشة : ( لا نكاح إلا بولي ) ليس بالقوي ، وقال في رواية المروذي : ما أراه صحيحاً ، لأن عائشة فعلت بخلافه ، قيل له : فلم تذهب إليه ؟ قال : أكثر الناس عليه . ثم إن ابن جريج نقل عن الزهري أنه أنكر الحديث ، قال أحمد في رواية أبي الجارث : لا أحسبه صحيحاً ، لأن إسماعيل قال : قال ابن جريج : لقيت الزهري فسألته فقال : لا أعرفه . ويقوي الإنكار أن الزهري قال بخلاف ذلك قاله أحمدوغيره ، ثم مفهوم الحديث أنه يصح نكاحها بإذن وليها ، واعترض على إجماع الصحابة بفعل عائشة ، كما تقدم عن أحمد ، وقال في رواية أخرى : لا يصح الحديث عن عائشة ، لأنها زوجت بنات أخيها .
2400 وقد روى الشالنجي بإسناده عن القاسم قال : زوجت عائشة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر من ابن الزبير ، فقدم عبد الرحمن فأنكر ذلك ، وقال : مثلي يفتات عليه ؟ فقالت عائشة : أو ترغب عن ابن الحواري .
وأجيب عن الآية الأولى بأنها حجة لنا ، لأنه سبحانه خاطب الأولياء ، ونهاهم عن العضل وهو المنع ، وهو شامل للعضل الحسي والشرعي ، لأنه اسم جنس مضاف ، وهذا يدل على أن العضل يصح منهم دون الأجانب .
2401 ثم الآية نزلت في معقل بن يسار ، حين امتنع من تزويج أخته ، فدعاه النبي فزوجها ، ولو لم يكن لمعقل ولاية ، وأن الحكم متوقف عليه ، لما عوتب في ذلك ، وإضافة النكاح إليها لتعلقه بها ، وكذلك الجواب عن الآية الثانية ، ثم سياقها في أنها لا تحل للزوج الأول إلا بعد نكاح ، وعن الثالثة بأن الفعل بالمعروف أن يكون بولي ، وقوله : ( ليس للولي مع الثيب أمر ) نقول به ، إذ لا أمر له معها ، إذ حقيقة الأمر ما وجب على المأمور امتثاله ، والثيب لا تجبر على النكاح ، وافتقار نكاحها إلى الولي لا يقتضي أن يكون له عليها أمر ، وأما تزوجه بأم سلمة فمن خصائصه ، قال أحمد في رواية الميموني ، وقد سئل : من زوج النبي ؟ فقال : يقولون : النجاشي . فقيل له : يقولون : النجاشي أمهرها ؟ وأراد الذي سأله بهذا حجة على من قال بالولي ، فتغير وجه أبي عبد الله ، وقال : يقوم مقام النبي في هذا أحد ؟ 19 ( { النبي أولى بالمؤمنين } ) وهو في المكاح ليس كغيره ، وقضية صاحب الإزار قضية عين ، محتمل أنه علم أنه لا ولي لها .
واعتراضاتهم أما على حديث أبي موسى فالصحيح المشهور عن أحمد تثبيته وتصحيحه ، والحمل على نفي الكمال خلاف الظاهر ، إذ الأصل والظاهر في النفي إنما هو لنفي الحقيقة ، وهي هنا الشرعية ، أي لا نكاح موجود في الشرع ، وإطلاق الولي ينصرف إلى الذكر يقال : ولي وولية إذ هو فعيل بمعنى فاعل ، فيفرق بين مذكره ومؤنثه .
2402 مع أن الخلال روى في كتاب العلل ( أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها ) وهذا يبين أن المراد بالولي غير المنكوحة ، وأما حديث عائشة رضي الله عنها فسليمان بن موسى ثقة كبير ، قال الترمذي : لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري وحده ، لأحاديث انفرد بها ، ومثل هذا لا يرد به الحديث ، ولهذا كان المشهور ، عن أئمة الحديث تصحيحه ، وما نقل من إنكار الزهري فقد قال 16 ( أحمد ) و يحيى : لم ينقل هذا عن ابن جريج غير ابن علية ، قال ابن عبد البر : وقد أنكر أهل العلم ذلك من روايته ، ولم يعرجوا عليها ، ولو ثبت ذلك لم يقدح في الحديث ، إذا رواه عنه ثقة ، على المشهور من قولي العلماء ، إذ النسيان لم يعصم منه إنسان .
2403 قال : ( نسي آدم فنسيت ذريته ) ورد أحمد له كذلك هو على الرواية غير المشهورة عنه ، من أن نسيان الراوي قادح ، ولهذا كان المشهور عنه تصحيحه والأخذ به ، ثم قد قيل : إنه كان في الحديث زيادة ذكرها سليمان بن موسى ، فسئل الزهري عنها فقال : لا أحفظها ، ولم يرد به أصل الحديث ، ذكر ذلك ابن المنذر والأثرم في العلل ، وكون الزهري و عائشة قالا بخلافه لا يضر ، لجواز النسيان أو التأويل ، إذ الاعتبار بما روى لا بما رأى ، وتضعيف أحمد له كذلك هو أيضاً على خلاف المشهور عنه ، والمعروف عن علماء الحديث .
2404 ثم قد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا أرادت أن تزوج أرسلت ستراً وقعدت وراءه وتشهدت ، فإذا لم يبق إلا النكاح قالت : يا فلان أنكح ، فإن النساء لا ينكحن ، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله هذا الحديث ؟ فقال : روى ابن جريج قال : أخبرت عن عبد الرحمن . مرسلًا كذا ، وابن إدريس يقول عن ابن جريج ، عن عبد الرحمن عن القاسم ، لا يقول : أخبرت . وقول الراوي : إذا أرادت أن تزوج . أي تشهد النكاح ، لأجل المشاورة ، وقوله : قالت : يا فلان أنكح . أي في إمائها ونحو ذلك .
( تنبيه ) ( اشتجروا ) التشاجر الخصومة ، والمراد به والله أعلم المنع من العقد ، دون المشاحة في العقد ، إذ مع المشاحة فيه يقدم الأقرب فالأقرب ، ومع الاستواء العقد لمن سبق ، وتقديم أحدهم بالقرعة ، تقديم أولوية على الصحيح ، والله أعلم .
قال : وشاهدين من المسلمين .
ش : أي لا ينعقد إلا بشاهدين من المسلمين ، وهذا هو المشهور عن أحمد ، رواه الجماعة ، واختاره الأصحاب .
2405 لأن في بعض طرق حديث عائشة ( أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل ) ذكره الدارقطني عن عيسى بن يونس ، عن ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي .
2406 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال : ( البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة ) رواه الترمذي وقال : لم يرفعه غير عبد الأعلى ، ووقفه مرة ، والوقف أصح . قال بعض الحفاظ : وعبد الأعلى ثقة ، فيقبل رفعه وزيادته .
2407 وروى مالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة ، فقال : هذا نكاح السر ، ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمته وخص النكاح والله أعلم باشتراط الشهادة ، دون غيره من العقود ، لما فيه من تعلق حق غير المتعاقدين ، وهو الولد .
وعن 16 ( أحمد ) رواية أخرى : ونعقد بدون شهادة ، ذكرها أبو بكر في المقنع ، وجماعة .
2408 لأن النبي أعتق صفية ، وتزوجها بغير شهود ، وقال للذي تزوج الموهوبة ( زوجتكها بما معك من القرآن ) ولم ينقل أنه أشهد .
2409 واحتج أحمد بأن ابن عمر زوج بلا شهود ، ويروى ذلك أيضاً عن ابن الزبير ، والحسن بن علي رضي الله عنهم ، ولأنه عقد معاوضة ، أشبه البيع ، وما تقدم من الحديث ، قال أحمد في رواية الميموني : لم يثبت عن النبي في الشاهدين شيء ، وكما قال ابن المنذر .
ويجاب بأن تزويجه بلا شهود من خصائصه كما تقدم في الولي ، وقضية الموهوبة قضية عين ، والأحاديث يتقوى بعضها ببعض ، واعلم أن النص في هذه الرواية عن أحمد مطلق ، ولذلك أطلقه الجمهور ، وقيده أبو البركات بما إذا لم يكتموه ، فإذاً مع الكتم تشترط الشهادة رواية واحدة ، وهو والله أعلم من تصرفه ، وكذلك جعله ابن حمدان قولًا .
وقول الخرقي : من المسلمين . يقتضي اشتراط الإسلام في الشاهدين ، وذلك لقول الله تعالى : 19 ( { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } ) وخرج بذلك شهادة أهل الذمة وإن كانت المرأة ذمية وهو المنصوص والمشهور عند الأكثرين ، وقيل : إن قبلنا شهادة بعضهم على بعض صح بشهادة أهل الذمة ، وقد يخرج أيضاً بقوله شهادة النساء ، وليس بالبين ، وبالجملة المذهب أن شهادتهن لا تعتبر في النكاح .
2410 قال الزهري : مضت السنة من رسول الله أن لا تجوز شهادة النساء في الحدود ، ولا في النكاح ، ولا في الطلاق . رواه أبو عبيد في كتاب أدب القضاة قاله القاضي ونقل عنه حرب إذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز ، فإن كان معهن رجل فهو أهون . فأثبت ذلك القاضي وجماعة من أصحابه رواية ، ومنع ذلك أبو حفص العكبري وقال : قوله : هو أهون . يعني في اختلاف الناس ، ( ودخل ) في كلام الخرقي العبد والأعمى وهو كذلك ، وكذلك الأخرس ، وهو صحيح إن قبل الأداء منه بالخط وإلا فلا ، لعدم إمكان الأداء ، ( ودخل ) أيضاً مستور الحال ، وهو المشهور من الوجهين ، وإن لم نقبله في الأموال ، قطع به القاضي في المجرد ، وفي التعليق في الرجعة ، وابن عقيل حاكياً له عن الأصحاب ، والشيرازي وابن البنا وأبو محمد وغيرهم لتعذر البحث عن عدالة الشهود في الباطن غالباً ، لوقوع النكاح في البوادي ، وبين عوام الناس ( والوجه الثاني ) : لا بد من العدالة الباطنة كغيره ، وهو احتمال للقاضي في التعليق بعد أن أقر أنه لا يعرف الرواية عن الأصحاب ، ( ودخل ) أيضاً الفاسق لأنه مسلم ، وهو رواية عن 16 ( أحمد ) ، والمنصوص عنه أنه لا ينعقد بفاسقين ، وتعجب من قول أبي حنيفة في ذلك ( ودخل ) أيضاً في كلامه عدو الزوج أو المرأة أو الولي أو متهم لرحم من أحدهم ، وهو أحد الوجهين في الجميع ، ( وقد يدخل ) في كلامه المراهق وهو إحدى الروايتين ، والمذهب اشتراط البلوغ ، ولا يرد عليه الطفل والمجنون والأصم ، لخروجهم عقلًا وعرفاً ، وقد يقال : قول الخرقي : شاهدين . أحال فيه على الشهادات وأنه لا بد من شروط الشهادة المعتبرة أيضاً ، لكن يبقى قوله : من المسلمين . ضائعاً .
( تنبيه ) : البغايا الزواني ، والله أعلم .
قال : وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها .
ش : هذا هو المذهب بلا ريب ، لأنه أكمل نظراً ، وأشد شفقة ، ولهذا اختص بولاية المال ، وجاز شراؤه من مال ولده وبيعه له من ماله بشرطه ، ولأن الولد موهوب لأبيه ، قال الله تعالى : 19 ( { ووهبنا له يحيى } ) وقال إبراهيم عليه السلام : 19 ( { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق } ) .
2411 وقال النبي : ( أنت ومالك لأبيك ) وإذاً تقديم الأب الموهوب له على الابن الموهوب أولى من العكس ، وحكى ابن المنى في تعليقه قولًا بتقديم الابن على الأب كما في الميراث والله أعلم .
قال : ثم أبوه وإن علا .
ش : هذا أشهر الروايتين ، وهو المذهب عند العامة ، الخرقي ، وأبي بكر ، والقاضي ، وجمهور أصحابه وغيرهم ، لأن له إيلاداً وتعصيباً أشبه الأب ، ( والرواية الثانية ) تقديم الابن عليه ، اختارها ابن أبي موسى ، والشيرازي ، كما في الميراث ، وعلى هذه هل يقدم الجد على الأخ لامتيازه بالإيلاد ، أو الأخ على الجد لإدلائه بالبنوة ، وهي والحال هذه مقدمة على الأبوة في الجملة ، أو هما سواء ، لامتياز كل واحد منهما بمرجح ؟ فيه ثلاث روايات ، أما على الأولى فالجد مقدم على الأخ بلا ريب ، والله أعلم .
قال : ثم ابنها وابنه وإن سفل .
ش : وذلك لأنه يقدم على الأخ ومن بعده في الميراث ، فكذلك هنا ، وقد فهم من كلام الخرقي أن للابن ولاية ، وقد نص عليه أحمد في رواية الجماعة .
2412 لحديث أم سلمة لما بعث إليها النبي يخطبها قالت : ليس أحد من أوليائي شاهداً . فقال رسول الله : ( ليس أحد من أوليئك شاهد ولا غائب يكره ذلك ) رواه أحمد والنسائي فقوله : ( ليس أحد من أوليئك شاهد ) يدل على أن لها ولياً شاهداً أي حاضراً في الجملة ، وقول أم سلمة : ليس أحد من أوليائي أنها قالت ذلك لأن وجوده كالعدم لعدم مباشرته للعقد ، لأنه كان صغيراً ، فإن النبي تزوجها سنة أربع ، وقال ابن الأثير : كان عُمْرُ عُمَرَ حين مات النبي تسع سنين . وأنه ولد سنة اثنين من الهجرة . وعلى هذا يكون عمره حين التزويج سنتين ، أو ثلاث سنين ، وقول أحمد في رواية الأثرم وقد سأله : أليس كان صغيراً قال : ومن يقول كان صغيراً ؟ ليس فيه بيان ، يحتمل أنه إنما أنكر أن يكون في الحديث بيان ، والبيان قد يكون في حديث آخر ، والله أعلم .
قال : ثم أخوها لأبيها وأمها .
ش : قياساً على الميراث والله أعلم .
قال : والأخ للأب مثله .
ش : هذا منصوص أحمد في رواية صالح وحرب وأبي الحارث ، وهو المذهب عند الجمهور الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي ، والشريف ، وأبي الخطاب ، وابن عقيل ، والشيرازي ، وابن البنا وغيرهم ، لأنهما استويا في الجهة التي تستفاد منها الولاية وهي العصوبة التي من جهة الأب ، فاستويا في النكاح ، كما لو كانا من أب ، وقرابة الأم لا ترجح ، لأنها لا مدخل لها في النكاح .
وعن أحمد رواية أخرى حكاها طائفة من الأصحاب وصححها أبو محمد أن الأخ للأبوين يقدم على الأخ للأب ، قياساً على الميراث ، وعلى استحقاق الميراث بالولاء ، فإنه يقدم فيه الأخ من الأبوين على الأخ من الأب ، وإن كان النساء لا مدخل لهن فيه ، واعلم أن القاضي وكثيراً من أصحابه حكوا ذلك عن أبي بكر ، ولم يذكروا عن أحمد نصاً .
( تنبيه ) هذا الخلاف جار في بني الإخوة والأعمام ، فإن ابن الأخ للأبوين مقدم على ابن الأخ للأب على الثاني ، مساو له على الأول ، أما إذا كانا ابني عم أحدهما أخ لأم فقال القاضي وطائفة من أصحابه هما على متا تقدم من الخلاف في ابن عم من أبوين وابن عم من أب ، وقال أبو محمد هما سواء ، لأنهما استويا في التعصيب ، والإرث به ، وجهة الأم والحال هذه يورث بها منفردة ، وما ورث به منفرداً لا يرجح به ، والله أعلم .
قال : ثم أولادهم وإن سفلوا ، ثم العمومة ، ثم أولادهم ، ثم عمومة الأب .
ش : ملخصه أنه يقدم بعد الإخوة الأقرب فالأقرب من العصبات ، على ترتيب الميراث ، قياساً عليه ، إذ الولاية مبناها على النظر والشفقة ، ومظنة ذلك القرابة ، والأحق بالميراث هو الأقرب ، فيكون أحق بالولاية . والله أعلم .
قال : ثم المولى المنعم ، ثم أقرب عصبته .
ش : وذلك لأنهم عصبات يرثون ويعقلون ، فكذلك يزوجون ، وقدم عليهم المناسبون كما في الميراث والأقرب هنا هو الأقرب في الميراث ، فيقدم ابن المعتق على أبيه وإنما قدم الأب المناسب ثم على الابن لزيادة شفقته ، وكمال نظره ، وهنا النظر لأقوى العصبة . والله أعلم .
قال : ثم السلطان .
ش : لحديث عائشة رضي الله عنها : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) ، والسلطان هو الإمام أو من فوض إليه ذلك كالحاكم ونوابه ، واختلف في والي البلد ( فعنه ) لا يزوج ، وهو الأشهر ( وعنه ) يزوج عند عدم القاضي إلا أن القاضي حمل الرواية على أنه أذن له في التزويج ، وأبو العباس حملها على ظاهرها نظراً للضرورة .
وقد دل كلام الشيخ وعامة الأصحاب أنه لا ولاية لغير من ذكر ، فيدخل في ذلك من أسلمت المرأة على يديه لا يلي نكاحها ، وهو المشهور من الروايتين ( والثانية ) يليه على أنه يرثها .
( تنبيه ) إذا لم يكن للمرأة ولي ( فعنه ) وهو ظاهر كلام الأصحاب أنه لا بد من الولي مطلقاً حتى أن القاضي أبا يعلى الصغير قال في رجل وامرأة في سفر ليس معهما ولي ولا شهود : لا يجوز أن يتزوج بها وإن خاف الزنا بها ، قال أبو محمد : ( وعنه ) ما يدل على أنه يزوجها رجل عدل ، وأخذ ذلك من نصه في دهقان القرية وقد تقدم ( قلت ) : وهو إنما يدل على أنه يزوج كبير البلدة ، وهو شبيه بقوله : يزوج والي البلد إذا لم يكن قاض ، لكن ينبغي أن يكون الوالي مقدماً على هذا ، لأنه ذو سلطان . والله أعلم .
قال : ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضراً .
ش : لأنه نائبه وقائم مقامه فعلى هذا يقوم مقامه في الإجبار وعدمه ، وقد تضمن هذا صحة التوكيل في النكاح ولا إشكال في ذلك ، فقد وكل النبي أبا رافع في تزويج ميمونة ، ووكل عمرو بن أمية الضمري في تزويج أم حبيبة وظاهر إطلاق الخرقي يقتضي أن لا يشترط إذن المرأة في التوكيل ، ولا نزاع في ذلك إن كان الولي مجبراً ، وكذا إن لم يكن مجبراً على اختيار الشيخين وغيرهما ، وخرجه ابن عقيل في الفصول تبعاً لشيخه في المجرد على روايتي توكيل من غير إذن الموكل والله أعلم .
قال : وإذا كان الأقرب من عصبتها طفلًا أو عبداً أو كافراً زوجها الأبعد من عصبتها .
ش : إذا كان الأقرب من عصبتها طفلًا زوج الأبعد ، لأن الولاية تثبت نظراً للمولي عليه ، عند عجزه عن النظر لنفسه ، ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ، ولا يلي لنفسه ، فغيره أولى ، وفي معنى ذلك من لا عقل له لكبر كالشيخ إذا أفند ، أو لجنون مطبق ، أما من يخنق في الأحيان فلا تزول ولايته ، لزوال ذلك عن قرب ، وكذلك المغمى عليه بطريق الأولى ، وهو الذي قطع بع أبو محمد ، لأن مدته يسيرة ، أشبه النوم ، ولذلك لا تثبت الولاية عليه ، ويجوز على الأنبياء عليهم السلام وحكى ابن حمدان وجهاً بزوالها . انتهى .
وقول الخرقي : طفلًا يحتمل أن يريد به غير المميز ، وهو ظاهر العرف ، فعلى هذا تصح ولاية المميز ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، مقيداً له بابن عشر ، لأنه تصح وصيته وعتقه وطلاقه ، على الصحيح في الجميع ، فأشبه البالغ ، ويحتمل أن يريد الخرقي غير البالغ ، وهو ظاهر قوله تعالى : 19 ( { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم } ) وهو الرواية الثانية ، وهي المشهورة نقلًا واختياراً ، لأن الولاية يعتبر لها الكمال ، ومن لم يبلغ قاصر ، لثبوت الولاية عليه . انتهى .
وإذا كان الأقرب من العصبة عبداً وإن كان مدبراً أو مكاتباً زوج الأبعد أيضاً بلا خلاف نعلمه ، لأنه لا تثبت له الولاية على نفسه ، فعلى غيره أولى ، ولا يرد المكاتب يزوج أرقاءه في وجه ، لأن ذلك ولاية بالملك ، وهذه بالشرع ، وولايات الشرع يعتبر لها الكمال ( وكذلك ) إن كان كافراً زوج الأبعد ، لقوله تعالى : 19 ( { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ) مفهومه أن الكافر لا يكون ولياً لمسلمة ، وقد حكى ذلك ابن المنذر إجماعاً وكذلك الحكم في العكس .
وبالجملة يشترط في الولي أن يتفق دينه ودين موليته في الجملة ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى وخرج أبو العباس في اليهودي هل يكون ولياً لنصرانية وبالعكس روايتين من الروايتين في توارثهما .
وقول الخرقي : من عصبتها ، فيه إشعار بأن الولي لا يكون إلا من العصبة ، وهو صحيح نص عليه أحمد في رواية الجماعة .
2413 لقول علي رضي الله عنه : إذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى . يعني إذا أدركن رواه أبو عبيد في الغريب . ( وعن أحمد ) أن المرأة تلي بالعتق فقط ، لأنها والحال هذه عصبة ترث بالتعصيب ، فأشبهت الرجل المعتق ، قلت : ويخرج في الملاعنة ونحوها كذلك انتهى ، وقد علم من كلام الخرقي أنه يشترط للولي شروط ( أحدها ) العصوبة ( والثاني ) البلوغ ، ( والثالث ) الحرية ، ( والرابع ) اتفاق الدين ، وفي البلوغ من كلامه تردد ، ويشترط له أيضاً الرشد في العقد ، بأن يعرف مصالح العقد ومضاره ، فلا يضعها عند من لا يحفظها ولا يكافئها ، إذ المقصود من الولاية ذلك ، ( وهل ) تشترط له العدالة ؟ فيه روايتان ( إحداهما ) لا ، فيلي الفاسق ، وهو ظاهر إطلاق الخرقي ، لأنه يلي نكاح نفسه فكذلك غيره ، ( والثانية ) وهي أنصهما ، واختيار ابن أبي موسى ، وابن حامد ، والقاضي ، وأصحابه وغيرهم نعم .
2414 لما روى الشالنجي بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد ، أو سلطان . وروي معناه مرفوعاً من رواي جابر ، رواه البرقاني ولأنها إحدى الولايتين ، فنافاها الفسق كولاية المال ، وعلى هذه يكتفى بمستور الحال ، على ما جزم به أبو البركات ، وأبو محمد في الكافي ، وكثير من الأصحاب أطلق العدالة ، فجعل ابن حمدان ذلك طريقتين ، ثم حكى رواية ثالثة أن الفاسق يلي نكاح عتيقته فقط ، قلت : كما قَبْلَ العتق ، وقال أبو العباس : إذا قلنا : إن الولاية الشرطية تبقى مع الفسق ويضم إليه أمين فالولاية الشرعية أولى ، وفيه نظر ، إذ الولاية الشرطية يلحظ فيها حظ الموصي ونظره ، فلنا حاجة إلى بقاء الموصى إليه ، بخلاف هنا ، فإنه لا حاجة بنا إلى بقاء الولاية ، وكأن أبا العباس رحمه الله نظر إلى أنا إذا أبقينا وصية الأجنبي مع فسقه فالقريب أولى ، لما انطوى عليه من الشفقة ، لكن لا يطرد له هذا في الحاكم ونحوه .
وظاخر إطلاق المصنف أنه لا يشترط للولي النطق ، وهو صحيح بشرط أن يفهم ويفهم ، ولا البصر ، وهو أصح الوجهين ، لأن شعيباً زوج ابنته وهو أعمى ، والله أعلم .
قال : ويزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها .
ش : هذا المذهب المختار من الروايات ، صححه القاضي ، وقطع به أبو الخطاب في الهداية ، لأن الأصل كون الولاية لها ، لأنها مالها ، وإنما امتنعت في حقها لانتفاء عبارتها في النكاح ، وإذاً تثبت لأوليائها كولاية نفسها ، وإنما قلنا : لا عبارة لها في النكاح وهو المذهب بلا ريب .
2415 لما احتج به أحمد عن أبي هريرة قال : لا تنكح المرأة نفسها ، ولا تنكح من سواها .
2416 وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ) رواه ابن ماجه والدارقطني وقال : حديث حسن صحيح . والنهي دليل الفساد .
2417 ويعضده أنه قول جمهور علماء الصحابة حكي عن ابن عمر وابن عباس وأبي موسى ، وأبي هريرة ، وحفصة ، واختلف عن عائشة . ولأن مباشرتها لعقد النكاح يشعر برعونتها ووقاحتها وذلك ينافي حال أهل المروءة . انتهى وإنما اشترط إذنها لوليها لأن الأمة مالها ، ولا يجوز التصرف في مال الفرد بغير إذنه ، فلو لم تكن رشيدة زوجها من يلي مالها إن رأى الحظ لها في ذلك .
( تنبيه ) يعتبر في الإذن هنا النطق وإن كانت بكراً ، قاله أبو محمد وغيره ، إذ الصمات إنما اكتفي به في تزويجها نفسها لحيائها ، وهي لا تستحيي في تزويج أمتها . انتهى ( والرواية الثانية ) يزوج أمة المرأة أي رجل أذنت له سيدتها ، ولا تباشر هي العقد لأن سبب الولاية الملك ، وإنما امتنعت المباشرة لنقص الأنوثية ، فملكت التوكيل كالرجل المريض والغائب ( والرواية الثالثة ) يجوز مباشرتها للعقد ، لما تقدم في صدر المسألة ، ويلتزم أن لها عبارة في النكاح من قول أحمد في المعتقة : إن زوجتها أي عتيقتها لم يفسخ النكاح ، فتكون الأمة أولى ، لما تقدم في صدر المسألة ، ويلتزم أن لها عبارة في النكاح ، لحديث عائشة رضي الله عنها ( أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها ) الحديث وهذه الرواية أخذت من قول أحمد في رواية محمد ابن الحكم : إذا كان للمرأة جارية فأعتقتها كان من أحبت أن تزوجها جعلت أمرها إلى رجل يزوجها ، لأن النساء لا يلين العقد ، فإن زوجتها لم يفسخ النكاح . قال القاضي : وظاهر هذا عدم الاستحباب وصحة العقد ، وي أخذ رواية من هذا نظر ، فإنه منع من المباشرة ، ومنعه من الفسخ يحتمل أنه لوقوع الخلاف فيه وتعلق حق الغير ، مع عدم دليل قاطع في المسألة ، لكن عامة المتأخرين على إثباتها رواية ، وعليها فرع أبو الخطاب وأبو البركات ومن تبعهما أن للمرأة عبارة في النكاح ، فتزوج نفسها وغيرها بإذن الولي ، ويكون تزويجها بدون إذنه كالفضولي ، قال أبو العباس : وفرق القاضي وعامة الأصحاب على هذه الرواية بين تزويج أمتها وتزويج نفسها وغيرها بأن التزويج على الملك لا يحتاج إلى أهلية الولاية ، بدليل تزويج الفاسق مملوكته ، وتبعهم هو أيضاً ، وجعل التخريج غلطاً ، قلت : النص عن أحمد كما تقدم في المعتقة ، ولا ملك لها إذاً إلا أن يقال : استصحب فيها حكم الملك كما تقدم في الرواية التي حكاها ابن حمدان ، ووافق أبو محمد على التخريج في تزويج نفسها وغيرها ، ومنعه في تزويجها بدون إذن الولي أنه يكون كتزويج الفضولي ، وليس بشيء . والله أعلم .
قال : ويزوج مولاتها من يزوج أمتها .
ش : يزوج معتقة المرأة من يزوج أمتها ، وهو على ما قال الخرقي ولي السيدة ، وظاهره أنه يقدم فيه الأب على الابن ، وقد تقدم في الولاء بالعتق أنه يقدم الابن على الأب ، وصرح به أبو محمد ، وقال أبو البركات : إن قلنا : يلي عليها . اشترط إذنها ، وجرت فيها الروايات الثلاث في مولاتها الرقيقة ، وإن قلنا لا يلي للملك ، كما تقدم في الرواية التي حكاها ابن حمدان زوج بدون إذنها أقرب عصبتها ، وذلك لأن التزويج هنا مستفاد بالتعصيب بالإرث ، وهو مناف لظاهر كلام الخرقي ، لأن إن حمل كلامه على أن لها ولاية أشكل عدم اشتراط إذن المعتقة ، وإن حمل على أنها لا ولاية لها وهو ظاهر كلامه المتقدم أشكل تقديم الأب على الابن قلت : ويمكن توجيه كلام الخرقي على أن لها ولاية ، حيث قال : ويزوج مولاتها من يزوج أمتها ، فدل على أن هنا قدر مشترك ، وأما اشتراط الإذن فيكون تركه له لدلالة ما قبله عليه ، وهو قوله : ويزوج أمة المرأة بإذنها من يزوجها . فيصير التقدير : ويزوج مولاتها بإذنها من يزوج أمتها ، والله أعلم . وقد تبع أبو الخطاب في الهداية الخرقي على ذلك ، وقد اضطرب كلام الأصحاب في هذه المسألة اضطراباً كثيراً ، وليس هذا موضع استقصاء ذلك ، وعلى كل حال فلا بد من عدم العصبة المناسب بلا نزاع ومن رضى المعتقة على الصحيح المقطوع به عند الشيخين وغيرهما ، وقيل : يملك إجبارها من يملك إجبار سيدتها التي أعتقتها ، وهو بعيد ، والله أعلم .
قال : ومن أراد أن يتزوج امرأة هو وليها جعل أمرها إلى رجل يزوجها منه بإذنها .
ش : هذه مسألة تولي طرفي العقد في النكاح ، ولها ثلاث صور ( إحداها ) الجواز بلا نزاع ، وهو ما إذا كان الولي مجبراً من الطرفين ، كما إذا زوج أمته بعبده الصغير ، أو زوج الوصي في النكاح صغيرة بصغير كلاهما في حجره ، ونحو ذلك ، إذ لا إذن فيشترط ، وقيل : يختص الجواز بما إذا زوج عبده أمته ، لأنه يتصرف بحكم الملك ، وَجَوَّد أبو العباس هذا ، وقد حكي الإجماع عليه ، ( الصورة الثانية ) عدمه بلا نزاع ، وهو ما إذا كان ولياً لامرأة مجبرة كعتيقته وبنت عمه المجنونتين ، فإنه لا يجوز أن يتزوجهما ، لشدة التهمة في ذلك ، لتعذر الإذن منهما ، فهو كوصي اليتيم يشتري من ماله ، فعلى هذا لا يملك أن يتزوجهما إلا بولي غيره من العصبة إن كان ، وإلا فبولاية الحاكم ، ولا يملك ذلك بوكيله على الأصح ، لأنه قائم مقامه ، ونائب منابه ، ( الصورة الثالثة ) ما عدا ذلك وهو ما إذا كانت المرأة لها إذن معتبرة ، فهل لوليها أن يتزوجها بإذنها وولايته ، أو لا بد أن يوكل في أحد طرفي العقد ؟ فيه روايتان ، ( أشهرهما ) وأنصهما وهي التي اختارها الخرقي ، وابن أبي موسى ، وأبو حفص البرمكي ، والقاضي في تعليقه ، والشريف ، وأبو الخطاب ، في خلافيهما ، ونص عليها أحمد في رواية ثمانية من أصحابه لا يجوز .
2418 لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الملك بن عمير أن المغيرة بن شعبة أمر رجلًا أن يزوجه امرأة المغيرة أولى بها منه .
2419 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله : ( لا بد في النكاح من أربعة الولي ، والزوج ، والشاهدين ) رواه الدارقطني ، ومع تولي الطرفين لم يحضره إلا ثلاثة ، ( والثانية ) : يجوز ذلك أومأ إليها في رواية طائفة من أصحابه ، واختارها القاضي في الجامع الصغير ، وفي المجرد ، وأبو محمد لظاهر قول الله تعالى : 19 ( { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى } ) الآية مفهومه إذا لم يخف يجوز له أن يتزوجها ، وإن لم يول غيره .
2420 وروى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي قال لرجل : ( أترضى أن أزوجك فلانة ) قال : نعم . وقال للمرأة : ( أترضين أن أزوجك فلاناً ؟ ) قالت : نعم . فزوج أحدهما صاحبه ، فدخل بها ولم يفرض لها صداقاً ، ولم يعطها شيئاً ، وكان ممن شهد الحديبية ، له سهم بخيبر ، فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول الله زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقاً ولم أعطها شيئاً ، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر . فأخذت سهماً فباعته بمائة ألف درهم . رواه أبو داود .
2421 وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لأم حكيم بنت قارظ : أتجعلين أمرك إلي ؟ قالت : نعم . فقال : قد تزوجتك . ذكره البخاري في صحيحه . ولعموم ( لا نكاح إلا بولي ) وهذا ولي ، أما حديث ( لا بد في النكاح من أربعة ) فضعيف ، وعلى تقدير صحته فالواحد يقوم مقام الاثنين ، وقصة المغيرة بن شعبة لا إشكال في جواز مثلها إنما النزاع هلى يتحتم ذلك ، وكذلك الخلاف فيمن اجتمع له تولي الطرفين بغير ذلك ، كزوج وكله الولي ، أو ولي وكله الزوج ، أو وكيل من الطرفين ، أو ولي فيهما ، كمن زوج ابنه الصغير ، ببنت أخيه ونحو ذلك ، وقيل : يجوز تولي الطرفين إلا إذا كان الولي هو الإمام فقط ، ذكره أبو حفص البرمكي ، لأنه لا أحد أكفأ منه ، ولأنه كالأب بالنسبة إلى الرعية .
وحيث جاز تولي الطرفين فيكفي أن يقول : زوجت فلانة فلاناً . أو تزوجتها ، فيما إذا كان هو الزوج ، على المشهور من الوجهين ، لأن ذلك قائم مقام إيجاب وقبول ( والوجه الثاني ) لا بد من تصريح بإيجاب وقبول ، فيقول : زوجت فلاناً فلانة ، وقبلت له النكاح . وزوجت نفسي فلانة ، وقبلت هذا النكاح .
( تنبيه ) إذا قيل بجواز تولي الطرفين للزوج بإذن موليته فلا بد أن تأذن في تزويجها من نفسه ، أما لو أذنت في النكاح وأطلقت فإنه لا يجوز له أن يتزوجها من نفسه على الصحيح ، وقيل : يجوز ، بناء على الوكيل في البيع يبيع من نفسه بشرطه ، فعلى الأول وهو المذهب هل له أن يزوجها لولده أو والده أو مكاتبه ؟ فيه وجهان ، والله أعلم .
قال : ولا يزوج كافر مسلمة بحال .
ش : قد تقدمت هذه المسألة ، وأن الكافر القريب لا ولاية له ويزوج البعيد ، ونزيد هنا بأن قوله : بحال . ليدخل من ولايته بالملك ، كمن أسلمت أم ولده أو مكاتبته ونحو ذلك ، وهذا أحد الوجهين ، واختيار أبي محمد ، لعموم ما تقدم من الآية والإجماع ، ( والوجه الثاني ) وبه قطع أبو الخطاب في خلافه ، وابن البنا في خصاله ، أنه يلي والحال هذه ، إذ ولاية الملك لا يشترط لها الأهلية ، بدليل الفاسق يزوج أمته .
ومفهوم كلام الخرقي أن الكافر يزوج الكافرة ، وهو صحيح ، للآية الكريمة ، وتعتبر فيه الشروط المعتبرة في المسلم ، حتى في عدالته إن اشترطت في المسلم ، والعدل منهم من لم يرتكب محظوراً في دينه ، وعموم المفهوم يقتضي أن الكافر يلي على موليته الكافرة وإن أرادت التزويج بمسلم ، وهو اختيار أبي الخطاب في الهداية ، والشيخين ، وقال ابن أبي موسى ، والقاضي في التعليق ، والشريف ، وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي : لا يليه على مسلم ، بل تثبت الولاية للحاكم ، وزعم القاضي أنه ظاهر كلام الإمام ، معتمداً على قوله في رواية حنبل : لا يعقد يهودي ولا نصراني عقد نكاح لمسلم ولا لمسلمة . وهو إنما يدل على أنه يمنع من المباشرة ، ولهذا جعل أبو البركات الخلاف في مباشرته العقد ، هل يباشره أو يباشره بإذنه مسلم ، أو الحاكم خاصة ، ثلاثة أوجه ، وجزم بأن له الولاية ، والله أعلم .
قال : ولا مسلم كافرة إلا أن يكون المسلم سلطاناً ، أو سيد أمته .
ش : لا يزوج المسلم الكافرة ، لقوله تعالى : 19 ( { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } ) نعم إن كان المسلم سلطاناً زوج ، لأن له ولاية عامة على أهل دار الإسلام ، والكافر والحال هذه من أهل الدار ، والحاجة داعية إلى ذلك ، وكذلك إن كان سيد أمته ، لأنه عقد على منافعها ، أشبه إجارتها ، والله أعلم .
قال : وإذا زوجها من غيره أولى منه وهو حاضر ولم يعضلها فالنكاح فاسد .
ش : قد تقدم بيان الأولى بالتقديم من الأولياء ، فإذا زوج غير الأولى كالأخ مع وجود الأب ، أو العم مع حضور الأخ ، والحال أنه لا عضل من الأب ولا من الأخ ، فالنكاح فاسد ، على المشهور المختار للأصحاب من الروايتين .
2422 لحديث عائشة رضي الله عنها : ( أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ) رواه أبو داود وهذه نكحت بغير إذن وليها ، إذ هذا لا ولاية له والحال هذه .
2423 وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : ( إذا نكح العبد بغير إذن مولاه فنكاحه باطل ) رواه أبو داود ، لكن قال : إنه ضعيف ، وإنه موقوف على ابن عمر ولأن أحكام النكاح المختصة به من الحل والنفقة والطلاق والتوارث لا تثبت فيه بمجرده ، أشبه نكاح المعتدة ، ( والرواية الثانية ) يقف النكاح والحال هذه على الإجازة ، ولا يحكم بفساده .
2424 لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكراً أتت النبي فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي ، رواه أبو داود وابن ماجه ولو فسد بما كان للتخيير فائدة ، وقد اعترض عليه بأن أبا داود رواه أيضاً مرسلًا عن عكرمة عن النبي ، قال : وكذا رواه الناس مرسلًا . وكذا قال البيهقي : الصواب أنه مرسل . قال البيهقي : ولو صح فكأنه كان وضعها في غير كفؤ ، فلذلك خيرها النبي ، قلت : ودعوى الإرسال إن سلم لا تضر على قاعدتنا ، وأما الحمل على أنه وضعها في غير كفؤ فبعيد ، إذ يقتضي أن يترك من الحديث ما الحكم منوط به ، ويذكر فيه ما لا إناطة به ، مع أنه غير منوط به ، هذا تجهيل وعلى هذه الرواية الحكم في الإجازة منوط بالولي الأقرب ، إن أجازه جاز ، وإن رده بطل ، ولا نظر للحاكم على الصحيح ، وقيل : إن كان الزوج كفواً أمر الحاكم الولي بالإجازة ، فإن أجازه وإلا صار عاضلًا فيجبره الحاكم ، كذا أجاب أبو محمد ، وفيه نظر إن كان لها ولي غير الحاكم وإذاً ينبغي أن ينتقل الحق في الإجازة إليه كما في العضل في النكاح على المذهب ، انتهى . ولو كانت المزوجة بغير إذن أمة فخرجت عن ملكه قبل الإجازة إلى من تحل له انفسخ النكاح ، لطريان إباحة صحيحة على موقوفة ، أشبه طريان الملك على النكاح ، وفيه شيء ، إذ الإباحة التي حصلت للثاني كالإباحة التي كانت للأول سواء ، انتهى . أما إن انتقلت إلى من لا تحل له كامرأة أو جماعة فقيل : إن الحكم كذلك ، وقيل : بل الإجازة والحال هذه إلى المالك الثاني ولو أعتق من له الإجازة الأمة فهل يبطل حقه منها ويمضي النكاح ، أم يبقى حقه فيها قبل العتق ؟ فيه احتمالان ، وتعتبر الشهادة حين العقد ، لا حين الإجازة ، لاستناد الملك إلى حال العقد ومن ثم لو وطىء قبل الإجازة ثم أجيز لم يجب إلا مهر واحد ، ولا تثبت فيه قبل الإجازة الأحكام المختصة بالنكاح الصحيح ، من الحل والنفقة ، ونفوذ الطلاق ، والتوارث وغير ذلك ، قاله ابن عقيل وغيره ، وقيل : يثبت التوارث إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه انتهى ، يثبت التوارث إن كان مما لو رفع إلى الحاكم أجازه انتهى ، وكذلك الروايتان في تزويج الأجنبي ، وفي تزويج المرأة المعتبر إذنها بدونه على رواية الوقف ، فإجازة الثيب بالنطق ، أو ما يدل على الرضى من وطء ونحوه ، وإجازة البكر بالسكوت ، كإذنها قبل العقد .
وقد دل مفهوم كلام الخرقي أن الولي الأقرب لو لم يكن حاضراً لم يفسد النكاح ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى ، ( ودل أيضاً ) على أن الأقرب إذا عضل فزوج الأبعد أن النكاح لا يفسد ، وهذا ( إحدى الروايتين ) عن أحمد أعني أن الولاية تنتقل عند عضل الأقرب إلى الأبعد ، وهو المذهب ، اختاره القاضي وابن عقيل ، وأبو محمد وغيرهم ، لأن الولاية قد تعذرت من الأقرب ، فانتقلت إلى الأبعد ، كما لو جن الأقرب أو فسق ( والثانية ) تنتقل الولاية إلى الحاكم وهي اختيار أبي بكر ، لظاهر قوله : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) ولأنه حق عليه امتنع من أدائه ، فقام الحاكم مقامه فيه كالدين ، ويجاب بالقول بموجب الحديث ، فإنه قال : ( من لا ولي له ) وهذه لها ولي ، ثم ظاهره أن الكل اختلفوا وامتنعوا ، لقوله : ( فإن اشتجروا ) وإذاً يتعين الحاكم ، والتزويج حق له ، بخلاف الدين فإنه حق عليه ، على أنه قد قيل : إنه يفسق بالعضل ، فتزول ولايته ، كما لو فسق بغيره .
( تنبيه ) العضل في الأصل المنع ، وهو هنا منع المرأة من تزويجها بكفئها إذا طلبت ذلك ، ورغب كل من الزوجين في صاحبه .
2425 قال معقل بن يسار رضي الله عنه كانت لي أخت تخطب إلي فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه ، ثم طلقها طلاقاً له رجعة ، ثم تركها حتى انقضت عدتها ، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها ، قلت : لا والله لا أنكحكها أبداً . قال : ففي نزلت هذه الآية : 19 ( { وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا } ) الآية قال : فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه . رواه البخاري ، وأبو داود ، والترمذي والنسائي وسواء رضيت بمهر مثلها أو دونه إن كانت رشيدة ، إذ المهر خالص حقها ، ولو رضيت بغير كفؤ كان للولي الامتناع ولا عضل ، أما إن عينت كفواً وعين الولي كفواً غيره فإن تعيينها يقدم عليه ، حتى أنه يعضل بالمنع ، ثم حيث يكون عاضلًا ، فظاهر كلام أبي محمد أنه يفسق بمجرد ذلك ، ونظير ذلك ما قاله ابن أبي موسى أن الولي إذا زوج بغير كفؤ يفسق وتفسق المرأة بذلك إن رضيت ، وقال ابن عقيل في العضل : لا يفسق إلا أن يتكرر الخطاب وهو يمنع ، أو يعضل جماعة من مولياته دفعة واحدة فإذاً تصير الصغيرة في حكم الكبيرة ، وينبغي أن يقال في التزويج بغير كفؤ كذلك ، ثم لا بد من تقييد ذلك في الموضعين بالعلم ، وقد ذكر أبو العباس من صور العضل إذا امتنع الخطاب من خطبتها لشدة الولي ، والله أعلم .
قال : وإذا كان الولي غائباً في موضع لا يصل إليه الكتاب أو يصل فلا يجيب عنه زوجها من هو أبعد منه من عصبتها ، فإن لم يكن فالسلطان .
ش : إذا غاب الولي الأقرب الغيبة المعتبرة زوج الأبعد من العصبة ، فإن لم يكن فالسلطان على المنصوص ، وعليه الأصحاب ، لقوله : ( فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ) وهذه لها ولي مناسب ، فيزوج بحكم الحديث ، ولأن البعيد يرجح بقرب نسبه والقريب بقرب محله فتساويا ، ومن ثم قال ابن عقيل : ليس معنى قولنا تنتقل الولاية إلى الأبعد سلب لولاية القريب ، لكن اشتراك بينهما ، بدليل أنه لو زوج القريب الغائب في مكانه أو وكل صح ، وكذا لو وكل ثم غاب ، بخلاف ما لو وكل ثم جن فإن وكالته تنفسخ ، وأما شيخه في التعليق فقال : إذا زوج أو وكل في الغيبة فالولاية باقية ، لانتفاء الضرر وإلا سقطت ، ثم قال : وقد قيل . . . . وحكى كقول تلميذه ، انتهى ، وخرج أبو الخطاب ومن تبعه كأبي البركات رواية أن الحاكم يزوج كما في العضل ، إذ الأبعد محجوب بالأقرب ، والولاية باقية ، فقام الحاكم مقامه فيها ، ولم يعرج أبو محمد على التخريج ، وقد ذكر ابن المنى في إلحاق الغيبة بالعضل تسليماً ومنعاً ، وقد يقال في وجه المنع أنه لو سلم أن التزويج حق على الولي حتى يقوم الحاكم مقامه فيه ، فذلك إذا امتنع ، وفي الغيبة لا امتناع ، وفي معنى الغائب لو كان الولي مأسوراً ، ولا يمكن مراجعته ، أو محبوساً يتعذر استئذانه ، قاله أبو محمد ، وزاد أبو العباس : لو كان الولي مجهولًا لا يعرف أنه عصبة ثم عرف بعد العقد .
والغيبة المعتبرة التي معها يزوج الأبعد قال الخرقي : أن لا يصل إليه الكتاب ، كمن هو في أقصى بلاد الهند ، أو يصل فلا يجيب عنه ، وهذا يحتمل لبعده ، وهو الظاهر ، ويحتمل وإن كان قريباً ، فيكون في معنى العاضل ، وبالجملة قد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الأثرم ، قال : المنقطع الذي لا تصل إليه الأخبار ، وذلك لأن مثل ذلك يتعذر مراجعته ، فيلحق الضرر بانتظاره ، ومنصوص أحمد في رواية عبد الله أنه ما لا يقطع إلا بكلفة ومشقة ، وهو اختيار أبي بكر والشيخين ، لأن أهل العرف يعدون ذلك مضراً ، وقال القاضي في تعليقه وتبعه أبو الخطاب في خلافه الصغير : هو ما لا تقطعه القافلة في السنة إلا مرة ، كسفر الحجاز ، وعن ابن عقيل : ما تستضر به المرأة من فوات الكفو الراغب ، وقيل : يكتفى بمسافة القصر ، لأن أحمد اعتبر البعد في رواية ابن الحارث وأطلق ، انتهى . وكل موضع لا توجد الغيبة المعتبرة فإن الولي ينتظر ويراسل ، حتى يقدم أو يوكل .
وظاهر كلام الخرقي أن الشرط لتزويج الأبعد الغيبة المذكورة ، فلو لم يعلم أقريب أم بعيد لم يزوج الأبعد ، وهو ظاهر إطلاق غيره ، وقال أبو محمد في المغني : يزوج الأبعد والحال هذه ، قال : وكذلك إذا علم أنه قريب ولم يعلم مكانه وهو حسن ، مع أن كلام الخرقي لا يأباه ، وفي قول الخرقي : زوج من هو أبعد من عصبتها . إشعار بأن هذا الحكم في الحرة ، وهو صحيح ، إذ لو غاب سيد الأمة فطلبت النكاح في حال غيبته فإن الحاكم يزوجها ، قاله القاضي في تعليقه مدعياً أنه قياس المذهب ، والله أعلم .
قال : وإذا زوجت من غير كفو فالنكاح باطل .
ش : الكفاءة شرط لصحة النكاح ، على المنصوص والمشهور ، والمختار لعامة الأصحاب ( من الروايتين ) .
2426 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( إذا خطب المسلم ممن ترضون دينه وخلقه ، فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) رواه الترمذي ، وروي مرسلًا ، قال بعضهم : وهو أصح ومفهومه أنه إذا لم يرض دينه ولا خلقه لا يزوج .
2427 وروى الدارقطني بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لأمنعن فروج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء .
2428 وعن أبي إسحاق الهمداني قال : خرج سلمان وجرير في سفر ، فأقيمت الصلاة ، فقال جرير لسلمان : تقدم . فقال سلمان : بل أنت تقدم ، فإنكم معشر العرب لا نتقدم في صلاتكم ولا ننكح نساءكم ، لأن الله تعالى فضلكم علينا بمحمد . احتج بهما أحمد في رواية أبي طالب .
2429 وفي مراسيل أبي داود عن الحسن قال : نهى رسول الله أن يتزوج الأعرابي المهاجرة . ولأنه تصرف في حق من يحدث من الأولياء بغير إذنه فلم يصح ، كما لو زوجت بغير رضاها ( والرواية الثانية ) الكفاءة شرط للزوم النكاح دون صحته ، اختاره أبو الخطاب في خلافه الصغير ، وأبو محمد ، وابن حمدان ، لظاهر قول الله تعالى : 19 ( { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ) .
2430 وقد زوج النبي ابنتيه من عثمان ومن أبي العاص ، ونسبه من فوق نسبهما .
2431 وفي الصحيحين أنه أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة ابن زيد مولاه ، رضي الله عنه وهلي قرشية .
2432 وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند حجم النبي في اليافوخ ، فقال النبي : ( يا بني بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه ) وقال : ( إن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة ) رواه أبو داود . وبنو بياضة من الأنصار ، وأبو هند حجام من مواليهم . وزاد أبو داود في المراسيل عن الزهري فقالوا : يا رسول الله نزوج بناتنا من موالينا ؟ فأنزل الله عز وجل : 19 ( { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى } ) الآية قال الزهري : نزلت في أبي هند خاصة . قال عبد الحق الإشبيلي : وقد أسند هذا والمرسل أصح .
2433 وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : جاءت فتاة إلى رسول الله فقالت : إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بين خسيسته . قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء . رواه ابن ماجه ، ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة عن عائشة .
2434 وقد روي الجواز أيضاً عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم وحديث أبي هريرة إن صح نقول بموجبه ، إذ مقتضاه أنه لا يجب علينا تزويجه ، وكذا نقول ، ومراسيل الحسن من أضعف المراسيل ، وقصة عمر وسلمان إن ثبتتا يحتمل أن ذلك منهما على سبيل الاختيار ، يدل على ذلك أن عمر قال : لأمنعن . ولو كان هذا أمراً متحتماً لمنع قطعاً .
ومن نصر الأولى أجاب عن تزويجه بنتيه لعثمان ولأبي العاص بأنهما من العرب ، والعرب لا تتفاضل على رواية ، وكذلك قال أحمد في رواية أبي طالب وغيره في الجواب عن حديث أسامة ، وأسامة عربي جرى عليه الرق ، وعلى رواية التفاضل هم من قبيلة النبي ، لأنهما من قريش ، وعن قصة أبي هند بأن أحمد ضعفه وأنكره في رواية أبي طالب وغيره ، وكذلك بقية الآثار ، قال المروذي : قلت لأبي عبد الله قول النبي : ( يا بني بياضة أنكحوا أبا هند ) فأنكره إنكاراً شديداً ، وأنكر الأحاديث الذي فيها نكاح غير الأكفاء ، وقال مهنا : سألته عن هذه الأحاديث أن عمر أراد أن يزوج سلمان ، والأحاديث التي جاءت : فلان تزوج فلانة ، وفلانة تزوجت فلاناً . قال : ليس لها إسناد وأما حديث بريدة فالتزم القاضي في التعليق في الجواب عنه بأن المبطل عدم الكفاءة في النسب فقط ، قال : والذي فقد هنا يحتمل أنه الدين ، أو الصناعة ، وقال ابن أبي موسى : هذا الرجل كان كفؤاً لأنه ابن عمها وهو مسلم ، ويحتمل أنه كان أعور أو أعرج ، أو فقيراً ، وذلك ليس بنقص في الكفء ، قلت : إذا لم يكن نقصاً في الكفء فلم خيرها النبي . انتهى .
فعلى ( الرواية الأولى ) الكفاءة حق لله تعالى وللمرأة والأولياء حتى من يحدث ، ولا يتصور العلم برضى الجميع ، فيبطل النكاح ، ( وعلى الثانية ) حق للمرأة والأولياء فقط ، فعليها يمكن العلم بالرضا ، ويتوقف على من هو له ، فإذا رضيت المرأة والأولياء بغير كفؤ صح النكاح ، لأن الحق لهم ، وإن عقده بعضهم ولم يرض الباقون ، فهل يقع العقد باطلًا من أصله ، أو صحيحاً ؟ على روايتين ، حكاهما القاضي في الجامع الكبير ، أشهرهما الصحة ، لحديث الفتاة التي جاءت إلى رسول الله ، وعلى هذه لمن لم يرض من المرأة والأولياء المستوين الفسخ ، وهل للأبعد الفسخ مع رضى الأقرب ، لما يلحقه من العار بفقد الكفاءة ، أو لا فسخ له ، لأنه كالمعدوم ولحجبه بالأقرب ؟ فيه روايتان ، أشهرهما الأولى ، حتى أن القاضي في الجامع الكبير قال : لا تختلف الرواية في ذلك .
( تنبيهان ) أحدهما إذا حدثت الكفاءة وقت العقد ، كما إذا أوجب النكاح لعبد ، فقال السيد : قبلت النكاح له وأعتقته . فقال أبو العباس : قياس المذهب الصحة ، قال : ويتخرج عدمها من رواية إذا أعتقا معاً ( الثاني ) حسب الإنسان ما يعده من مفاخر آبائه ، وقيل : شرف النفس وفضلها ، ( والكفؤ ) المثل ، ( واليافوخ ) وسط الرأس ، والله أعلم .
قال : والكفؤ ذو الدين والمنصب .
ش : لما قال : إن الكفاءة شرط لصحة النكاح . أراد أن يبين الكفاءة ما هي فقال : إنها الدين والمنصب ، وهذا ( إحدى الروايتين ) عن أحمد وإليها ميل أبي محمد ، ( أما في الدين ) فلقول الله سبحانه وتعالى : 19 ( { أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون } ) ويلتزم أن نفي الاستواء يقتضي نفي الاستواء من كل وجه ، كما قد صرح به القاضي وغيره من أصحابنا ، ولأن الفاسق مردود الشهادة والرواية ، غير مأمون ، مسلوب الولاية ، ناقص عند الله وعند خلقه ، فلا يكون كفؤاً لعفيفة .
2435 ( وأما في المنصب ) وهو النسب فلأن في حديث عمر المتقدم قال : قلت : وما الأكفاء ؟ قال : في الحسب . رواه أبو بكر بإسناده ولأن العرب يعدون الكفاءة في النسب ، ويأنفون من نكاح الموالي ، ويرون ذلك نقصاً وعاراً ( والرواية الثانية ) تعتبر الكفاءة في خمسة أشياء ، الشيئين المذكورين ، والحرية والصناعة ، واليسار ، اختارها القاضي في تعليقه ، والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما ، وأبو البركات ، وصححها أبو محمد في الحرية والشيرازي في اليسار .
2436 وذلك ( أما في الحرية ) فلأن النبي خير بريرة حين عتقت وإذا ثبت الخيار في الإستدامة ففي الإبتداء أولى ، ( وأما في الصناعة ) فلأن ذلك نقص في عرف الناس ، أشبه نقص النسب .
2437 وقد روي ( العرب بعضهم لبعض أكفاء ، قبيلة لقبيلة ، وحي لحي ، ورجل لرجل ، إلا حائك أو حجام ) ذكره ابن عبد البر في التمهيد وهو ضعيف ، وقد بالغ ابن عبد البر فقال : إنه منكر موضوع . لكن أحمد قال : العمل عليه . لما قال له مهنا وقد قال : الناس أكفاء إلا الحائك والحجام : تأخذ بالحديث وأنت تضعفه ؟ قال : العمل عليه . ( وأما في اليسار ) فلأن في عرف الناس التفاضل بذلك .
2438 وقد قال لفاطمة بنت قيس حين أخبرته أن معاوية خطبها ( أما معاوية فصعلوك لا مال له ) .
تنبيهات ( أحدها ) قد تقدم أن الكفاءة هل هي شرط للصحة أو للزوم ؟ على روايتين ، وأن الكفاءة هل تعتبر في اثنين أو في خمسة ؟ على روايتين أيضاً ، واختلف طرق الأصحاب هل روايتا الصحة واللزوم في الخمسة أو في بعضها ، فقال القاضي في الجامع الكبير وهو ظاهر كلامه في التعليق ، وأبو الخطاب في الهداية ، وأبو محمد وطائفة : هما في الشرائط الخمسة ، وقال في المجرد : محلهما في الدين والمنصب فقط ، أما الثلاثة الباقية فلا تبطل ، رواية واحدة ، وجمع أبو البركات الطريقتين ، فجعل في المسألة ثلاث روايات ، الثالثة : يختص البطلان بالمنصب والدين فقط ، وقال القاضي في المجرد : يتوجه اختصاص البطلان بالنسب فقط ، وهذه طريقته في الروايتين وفي التعليق ، التزاماً كما تقدم ، وقال أبو العباس : لم أجد عن أحمد نصاً ببطلان النكاح لفقر أو رق ، ولم أجد عنه نصاً بإقرار النكاح مع عدم الدين والمنصب ، ونص على التفريق بالحياكة في رواية حنبل وعلي بن سعيد ، وهذه طريقة خامسة .
( الثاني ) الكفاءة ( في الدين ) أن لا يزوج العفيفة عن المُحَرم المفسق بفاسق من جهة فعل أو اعتقاد ، وفي كون من شرب مسكراً ولم يسكر كفواً لمن تقدم روايتان ، حكاهما ابن أبي موسى ( والمنصب ) هو النسب ، فلا تزوج عربية بعجمي ، والعرب بعضهم لبعض أكفاء ، وسائر الناس بعضهم لبعض أكفاء ، على إحدى الروايتين أو الروايات عن أحمد رحمة الله ، واختيار أبي محمد في العمدة ، لما تقدم من أن النبي زوج ابنتيه عثمان وأبا العاص ، وهما من بني عبد شمس ، وزوج أسامة فاطمة بنت قيس وهي من قريش .
2439 وزوج على عمر ابنته أم كلثوم ، وهذا يدل على أن العرب كلهم في رتبة واحدة .
2440 وفي مسند البزار عن خالد بن معدان ، عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله : ( العرب بعضهم لبعض أكفاء ، والموالي بعضهم لبعض أكفاء ) إلا أن خالداً لم يسمع من معاذ ، وحكى القاضي في الجامع الكبير ، وأبو الخطاب والشيخان وغيرهم عن أحمد رواية أخرى أن القرشية لا تزوج لغير قرشي ، والهاشمية لا تزوج لغير هاشمي ، إذ العرب فضلت بقية الناس برسول الله ، وقريش أخص به من سائر العرب ، وبنو هاشم أخص به من قريش .
2441 وعنه أنه قال : ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى من كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم ) ورد أبو العباس هذه الرواية ، وقال : ليس في كلام أحمد ما يدل عليها ، وإنما المنصوص عنه في رواية الجماعة أن قريشاً بعضهم لبعض أكفاء ، قال : وكذلك ذكر ابن أبي موسى ، والقاضي في خلافه ، وحكى رواية مهنا : قريش أكفاء بعضهم لبعض ، والعرب أكفاء بعضهم لبعض ، وموالي القوم منهم ، قال أبو العباس : ومن قال : إن الهاشمية لا تتزوج بغير هاشمي ، بمعنى أنه لا يجوز فهو مارق من دين الإسلام ، إذ قصة تزويج الهاشميات من بنات النبي وغيرهن بغير الهاشميين ثابت في السنة ثبوتاً لا يخفى ، فلا يجوز أن يحكى هذا خلافاً في مذهب أحمد ، وليس في لفظه ما يدل عليه . انتهى ، ( قلت ) وكذلك حكى القاضي الرواية في الروايتين على نحو ما في الخلاف ، وصححها ، وحكى ابن عقيل في التذكرة النسألة على ثلاث روايت ، فجمع شيخه في الجامع وفي الخلاف .
( تنبيه ) يجوز للعجمي تزوج موالي بني هاشم ، نص عليه في رواية أبي طالب .
2442 وقال النبي : ( مولى القوم من أنفسهم ) هو في الصدقة ، ويحتمل رواية مهنا المتقدمة ( مولى القوم منهم ) المنع .
أما ولد الزنا فلا يكون كفواً لمن له أبوان في الإسلام ، نص عليه ، وكيف لا والصحابة أفضل الأمة وأكفاء للتابعين ، بلا تردد ، ( أما السلامة ) من العيوب فلا يبطل عدمها قولًا واحداً ، نعم للمرأة الفسخ للعيب ، لا لفوات الكفاءة انتهى ( والكفاءة في الحرية ) أن لا تزوج حرة بعبد قلت : ولا بمن بعضه رقيق ، واختلف فيمن مسه أو مس أباه الرق ، هل يكون كفواً لحرة الأصل ؟ كلام أحمد يدل على روايتين ، والجواز اختيار ابن أبي موسى وأبي محمد ، وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار ، والمنع اختيار ابن عقيل ، واختلف أيضاً في موالي القوم هل هم أكفاء لهم ؟ فعنه أنهم أكفاء لهم .
2443 لما روي أبو رافع مولى رسول الله أن رسول الله بعث رجلًا من بني مخزوم على الصدقة ، فقال لأبي رافع : أصحبنا كيما تصيب منها . قال : لا حتى آتي رسول الله فأسأله . فانطلق فسأله فقال : ( إن الصدقة لا تحل لنا ، وإن مولى القوم من أنفسهم ) رواه أبو داود والنسائي ، والترمذي وصححه ، قوله : ( من أنفسهم ) يشمل في الصدقة وفي غيرها ، ( وعنه ) واختاره القاضي في الروايتين وأبو محمد ليسوا بأكفاء لهم ، قصراً على السبب وهو الصدقة ، ولأنه إذا كافى سيدته كافى من تكافيه سيدته ، فيبطل اعتبار المنصب .
( وأما الكفاءة ) في الصناعة فتعتبر في الحجامة بلا خلاف نعلمه في المذهب ، فلا تزوج بنت بزاز بحجام ، وكذلك في الكساحة نص عليه ، فلا تزوج بنت باني وهو صاحب العقار ، وقيل : الكثير المال بكساح ، وهل تعتبر في الحياكة ؟ فيه روايتان ، وما عدا هذه الثلاثة من الصنائع الرديئة كالحارس والمكاري والمزين والكباش والحمامي ونحوهم فلا نص فيه عن أحمد ، قاله ابن عقيل ، ثم من الأصحاب من قصر الحكم على الثلاثة مدعياً بأن الشرع لم يرد بغيرها ، وأن القياس لا مدخل له هنا ، ومنهم وهو القاضي في الجامع ، وأبو محمد من عدى ذلك إلى كل صناعة رديئة ، قياساً على الحجامة ، ( قلت ) والظاهر أن الشرع لم يرد في الكساحة بشيء ، فنص أحمد عليها دليل على لحظ المعنى .
ومعنى الكفاءة بالمال أن يكون بقدر المهر والنفقة ، قاله القاضي وأبو محمد في المغني ، ولأن هذا الذي يحتاج إليه في النكاح ، ولم يعتبر أبو محمد في الكافي إلا النفقة فقط ، واعتبر ابن عقيل أن يكون بحيث لا يغير عليها عادة كانت عند أبيها في بيته .
( الثالث ) الكفاءة المعتبرة في الرجل دون المرأة ، إذ النبي لا مكافئ له ، وقد تزوج من أحياء العرب وتسرى .
2444 وقال : ( من كانت عنده جارية فعلمها وأحسن تعليمها ، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ) متفق عليه ، والمعنى في ذلك أن الولد يشرف بشرف أبيه لا بأمه .
( الرابع ) قال أبو العباس : ينبغي أن يكون الخيار في الفسخ على التراخي ، في ظاهر المذهب ، لأنه لنقص في المعقود عليه ، فعلى هذا يسقط خيارها بما يدل على الرضى من قول وفعل ، ولا يسقط خيار الأولياء إلا بالقول ، وقال : إن قياس المذهب افتقار الفسخ إلى حاكم .
( الخامس ) إذا كانت الكفاءة المعتبرة حال العقد موجودة ثم زالت بعده ، فإن النكاح لا يبطل بذلك قولًا واحداً ، لكن هل للمرأة والأولياء الفسخ ، كما لو كانت معدومة قبل العقد ويعزى ذلك لأبي الخطاب ، ويحتمله كلام شيخه في التعليق ، أو لا يثبت لواحد منهما ، أو يثبت ذلك للمرأة دون الولي ، وهو الذي أورده المجد مذهباً ؟ على ثلاثة أوجه ، والله أعلم .
قال : وإذا زوج الرجل ابنته البكر فوضعها في كفاية فالنكاح ثابت وإن كرهت ، كبيرة كانت أو صغيرة .
ش : لا نزاع بين أهل العلم فيما نعلمه في أن للأب تزويج ابنته البكر التي لم تستكمل تسع سنين وإن كرهت ، بشرط أن يضعها في كفاية ، وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً ودل علهي قوله سبحانه : 19 ( { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر ، واللائي لم يحضن } ) أي فعدتهن كذلك [ أو على التقديم والتأخير ، والتقدير : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ، واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر ، وعلى كل حال يدل ] على أن الصغيرة تزوج وتطلق ، لوقوع العدة عليها ، ولا إذن لها معتبرة والحال هذه .
2445 وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي تزوجها وهي بنت ست سنين ، وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعاً ، متفق عليه ، وفي رواية لأحمد ومسلم : تزوجها وهي ابنة تسع . ولا إذن لها إذاً معتبرة .
2446 وروى الأثرم أن قدامة بن مظعون ابنة الزبير حين نفست ، فقيل له . فقال : ابنة الزبير إن مت ورثتني ، وإن عشت كانت امرأتي .
واختلفت الرواية عن إمامنا أحمد في من استكملت تسع سنين ، فروي عنه كذلك وإن بلغت ، وهي اختيار الخرقي وجمهور الأصحاب ، القاضي وولده أبي الخطاب في خلافه ، والشريف وابن البنا وأبي محمد وغيرهم .
2447 لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال : ( الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر ، وإذنها سكوتها ) رواه مسلم وغيره ، وفي رواية في الصحيح ( يستأمرها أبوها ) فتقسيم النساء قسمين ، وإثبات الحق لأحدهما دليل على نفيه عن الآخر ، وهي البكر ، فيكون وليها أحق منها ، وإلا فلا فائدة من التفرقة ، لا يقال : الفائدة التفرقة في صفة الإذن ، لأنا نقول : ظاهر الحديث أن الذي فرق فيه حق الولي ، ألا ترى أنه ذكر صفة الإذن بعد ، وعلى هذا فالإذن في حقها على سبيل الاستحباب ، وعلى هذا فالعلة في الإجبار البكارة .
( وروي عنه ) : لا يجبرها مطلقاً ، وهي أظهر ، وقد قال الشريف : إنها المنصوص عنه .
2448 لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ) قالوا : يا رسول الله كيف إذنها ؟ قال : ( أن تسكت ) .
2449 وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله تستأمر النساء في أبضاعهن ؟ قال : ( نعم ) قلت : فإن البكر تستأمر فتستحي ؟ فقال : سكاتها إذنها ) متفق عليهما .
2450 وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكراً أتت رسول الله فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي ، رواه أحمد وأبو داود . والعلة على هذا القول البكارة مع صغر مخصوص . ( وعنه ) : تجبر ابنة تسع سنين ، حكاها ابن أبي موسى وغيره لما تقدم ، ولا تجبر البالغة ، لأنها جائزة التصرف في مالها ، أشبهت الثيب الكبيرة ، والعلة على هذا القول الصغر والبكارة ، وظاهر كلام ابن عقيل أن العلة على هذا القول الصغر ، ومن نصر الأول حمل ما ورد من استئذان البكر على الإستحباب ، أو على غير الأب ، وأجابوا عن حديث ابن عباس بأن أبا داود وأبا حاتم وغيرهما أعلوه بالإرسال ، ثم يحتمل أن أباها زوجها من غير كفو فخيرت لذلك ، وفي هذه الأجوبة نظر ، أما الأول فظواهر الأحاديث تخالفه ، ومثل هذا الظاهر لا يترك إلا بأقوى منه ، وأما الثاني فالمرسل عندنا حجة على الصحيح ، لا سيما وقد اعتضد بظواهر الأحاديث ، وأما الثالث فالذي رتب عليه الحكم من دعا له رسول الله بالفقه وعلم التأويل هو الكره لا غيره ، وأما قوله : ( الثيب أحق بنفسها ، والبكر تستأمر ) فالمراد والله أعلم في الرد والإجابة في الخطبة ، فالولي ليس له مع الثيب أمر في ذلك ، ولهذا قال : ( تستأمر ) أي يطلب أمرها ، بخلاف البكر فإنه لا مدخل لها في العادة في ذلك ، وإنما تستأذن في الرضا بالنكاح فقط .
تنبيهات ( أحدها ) قد تقدم التنبيه على علة الإجبار ، وسيأتي أن لنا وجهاً أن الثيب الصغيرة تجبر مطلقاً ، وعلى هذا فالعلة في الإجبار الصغر ، عكس الأول ، لكن لا أعرف قائلًا بذلك ، وإنما أبو بكر يقول بإجبار ثيب لم تبلغ تسعاً ، فالعلة عنده صغر مخصوص ، وأبو البركات ينتظم من كلامه أن في علة الإجبار ثلاث روايات ، الصغر ، البكارة ، أحدهما ، ويتلخص من مجموع ذلك ثلاثة أقوال .
( الثاني ) إذا قلنا لا تجبر المميزة بعد التسع هنا وفيما سيأتي فهل لها إذن صحيح فتزوج به ؟ فيه روايتان ، أنصهما وأشهرهما عن أحمد نعم ، وبها جزم القاضي في تعليقه ، وفي جامعه ، ومجرده ، وابن عقيل في فصوله وتذكرته ، وأبو الخطاب في خلافه ، والشريف وابن البنا ، ونصبها الشيرازي ، وهي ظاهر كلام أبي بكر كما سيأتي ، لظاهر قول الله تعالى : 19 ( { وإن خفتم لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم } ) الآية ، مفهومه أنا إذا لم نخف لنا تزويج اليتيمة .
2451 وقد فسرته عائشة رضي الله عنها بذلك ، واليتيمة من لم تبلغ ، ولا أيب لها ، ومن هذه حالها لا تزوج إلا بإذنها .
2452 وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها ) رواه الخمسة إلا ابن ماجة .
2453 وعن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي قال : ( تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فقد أذنت ، وإن أبت لم تكره ) رواه أحمد ، وهذا يفيد أنها تزوج بإذنها وأن لها إذناً معتبراً .
2454 وإنما قيدنا ذلك ببنت تسع لقول عائشة رضي الله عنها : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة . رواه أحمد ، وروي مرفوعاً عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي . ومعناه : في حكم المرأة ، ولأنها تصلح بذلك للنكاح ، وتحتاج إليه ، أشبهت البالغة ( وعن أحمد ) رواية أخرى لا إذن لها صحيح ، فلا تزوج حتى تبلغ كإذنها في المال .
وقول الخرقي : فوضعها في كفاية . مفهومه أنها إذا لم يضعها في كفاية أن النكاح غير ثابت ، فيحتمل بطلانه ، وهو مقتضى كلامه السابق ، إذ من مذهبه أن الكفاءة شرط للزوم ففي تزويج الأب والحال هذه روايتان ( إحداهما ) بطلان النكاح رأساً ، لأنه نكاح محرم ، أشبه نكاح المحرمة والمعتدة ونحوهما . ( والثانية ) لا تبطل ، لأن النهي لحق آدمي ، وقد أمكن تداركه بثبوت الخيار له ، فأشبه تلقي الركبان ونحوه على المذهب ، وقيل : إن علم بفقد الكفاية لم يصح للتحريم ، وإلا صح في الحال ، كالوكيل يشتري معيباً لم يعلم عيبه ، وقيل : يصح إن كانت كبيرة ، لاستدراك الضرر في الحال بثبوت الخيار لها ، وإلا لم يصح ، ومتى لم يبطل العقد فلها الخيار إن كانت كبيرة ، دفعا للضرر الحاصل لها قاله أبو محمد ، ولا خيار لأبيها ، لإسقاط حقه باختياره وإن كانت صغيرة فهل عليه الفسخ ، لأنه لحظها أو لا فسخ له ، ويمنع الزوج من الدخول بها حتى يصح إذنها ، دفعا للضرر الحاصل لها ، فتختار ؟ فيه وجهان ، ولغير الأب من الأولياء الفسخ على الصحيح من الروايتين وقد تقدمتا ، وعلى كل حال فلا يحل له أن يزوج من غير كفو ، ولا من معيب .
وقول الخرقي : في كفاية . يحتمل أن يريد به الكفو ، ويحتمل أن يريد ما هو أعم منه ، فيدخل فيه المعيب ( الثالث ) : نفست المرأة . إذا ولدت ، بضم النون وفتحها مع كسر الفاء فيهما ، أما إن حاضت فبفتح النون لا غير ، والله أعلم .
قال : وليس هذا لغير الأب .
ش : أي ليس لغير الأب من الأولياء تزويج البكر بدون إذنها ، صغيرة كانت أو كبيرة ، لما تقدم من قوله : ( تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها ) ونحو ذلك مما يقتضي أن اليتيمة لا تزوج إلا بعد الإذن ، وهو يدل بطريق التنبيه على أن البالغة لا تزوج إلا بعد الإذن ، وهو يدل بطريق التنبيه على أن البالغة لا تزوج إلا بإذنها ، إذا تقرر هذا فالطفلة لا إذن لها بالإتفاق وإذاً يمتنع تزويجها لفوات الشرط ، أما إن بلغت تسع سنين ففيها الروايتان المتقدمتان ، والمذهب منهما صحة إذنها ، وتزويجها به كما تقدم ، ولا عبرة بقول ابن المنجا أن المذهب أنها لا تزوج ، لأنه اعتمد في ذلك على تقديم أبي محمد ، وما استدل به من قصة قدامة بن مظعون ، وقوله : ( هي يتيمة ولا تزوج إلا بإذنها ) دليل عليه ، لأن ظاهره أن اليتيمة لها إذن صحيح تزوج به ، انتهى ، أما إن بلغت فلا إشكال في صحة إذنها وتزويجها به ( وعن أحمد ) رواية أخرى أن لغير الأب من الأولياء تزويج الصغيرة ، ولها الخيار إذا بلغت ، لظاهر قول الله تعالى : 19 ( { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } ) الآية مفهومه أنه إذا لم نخف لنا تزويج اليتيمة ، وهو شامل لمن لها دون التسع ، ويفيد النكاح على هذه الرواية الحل والإرث ، قاله أبو البركات ، فيكون النكاح على هذه الرواية الحل والأرث ، قاله أبو البركات ، فيكون النكاح صحيحاً ، وخيارها كخيار المعتقة تحت عبد ، وظاهر كلام ابن أبي موسى أنه لا يفيدهما ، لأنه جعله موقوفاً ، ثم قال : فإذا بلغت تسع سنين فأجازته جاز ، وإن ردته بطل ، ولم يقل انفسخ ، ويؤيد هذا أن الأصحاب أخذوا من هذه الرواية وقف النكاح على الإجازة ، وقد علم أن النكاح الموقوف على الإجازة لا يفيد حلًا ولا إرثاً كما تقدم انتهى .
والمراد بالبلوغ البلوغ المعتاد ، على ظاهر كلام أحمد ، وهو قياس رواية عدم صحة إذن بنت تسع سنين ، وقياس المذهب في صحة إذن ابنة تسع أنه بلوغ تسع سنين ، وهو الذي قطع به ابن أبي موسى ، والشيرازي ، والله أعلم .
قال : ولو استأذن البكر البالغة والدها كان حسناً .
ش : خروجاً من الخلاف ، وتطيباً لقلبها ، ولهذا استحب استئذان المرأة في ابنتها .
2455 قال : ( آمروا النساء في بناتهن ) وقد يقال من هذا أن ظاهر كلام الخرقي أنه لا إذن لابنة تسع ، وإلا لاستحب استئذانها ، وقد يقال : استضعف الخلاف فيها فلم يعرج عليه ، والله أعلم .
قال : وإن زوج ابنته الثيب بغير إذنها فالنكاح باطل وإن رضيت بعد .
ش : الضمير راجع للأب ، ولا ريب أنه ليس له تزويج الثيب الكبيرة بدون إذنها ، لما تقدم من قوله : ( الثيب أحق بنفسها من وليها ) ونحوه ، مع أن 16 ( أحمد ) قال في رواية عبد الله : ليس بين الناس اختلاف في الثيب الكبيرة أنها لا تزوج إلا بإذنها . واختلف هل له تزويج الثيب الصغيرة بدون إذنها ؟ على قولين مشهورين ، الذي عليه عامة الأصحاب ابن بطة ، وصاحبه أبو الخطاب ، وابن عقيل ، والشيرازي ، وأبو محمد لا ، لعموم ما تقدم ( والثاني ) نعم ، لعموم الآية ، إن قيل بعدم صحة إذن ابنة تسع ، وقياساً على إجبار الصغير الذي لم يبلغ ، قال ابن عقيل : أصل الوجهين في الثيب الصغيرة ما تقدم في الروايتين في البكر البالغ ، إن قلنا : هناك لا تجبر البالغ مع البكارة . قلنا هنا : وهذا الذي اقتضى والله أعلم لأبي الخطاب في الانتصار وأبي البركات حكاية الخلاف على روايتين ، وأرادا مخرجتين ، وإلا فعامة الأصحاب على حكاية وجهين .
( وهنا شيء آخر ) وهو أن أبا البركات إنما حكى الخلاف في ابنة تسع ، وجعل من لم تبلغها تجبر بلا خلاف ، وهذه طريقة أبي الخطاب في الانتصار ، فإنه قال بعد ذكر الخلاف : وهذا إنما نقوله في حق المراهقة ، ومن تستلذ بالوطء ، لأنا نعلل بالاختيار ومن لا تستلذ لا تجبر ، وعامة الأصحاب يطلقون الخلاف ، فيشمل من لم تبلغ التسع ، ويعين جريان الخلاف في ذلك أن أبا بكر قال في الخلاف : الثيب إذا كان لها دون تسع سنين لا يزوجها أحد إلا الأب يزوجها ولا يستأمرها ، قال القاضي : فعلى قوله تجبر على النكاح إلا أن تبلغ سناً يصح إذنها فيها ، وهو تسع سنين ، والقاضي وأصحابه ينصبون الخلاف معه ، وإذا كان هو إنما يقول بإجبار من لم تبلغ تسعاً ، فهم يقولون : لا تجبر . ثم إن أبا بكر ظاهر كلامه أن الثيب إذا بلغت تسعاً زوجت بإذنها ، والأصحاب يوافقونه على هذا ، وهذا في غاية الجودة ، ولا يأباه طريقة أبي البركات ، وبه يحصل الجمع بين الآية والأحاديث ، إذ قوله تعالى : 19 ( { واللائي لم يحضن } ) يشمل الثيب ، فيحمل على من لم تبلغ تسعاً ، وقوله : ( الثيب أحق بنفسها من وليها ) ( ليس للولي مع الثيب أمر ) وغير ذلك يحمل على من بلغتها ، وإلا لو قيل بإجبار الثيب غير البالغة مطلقاً لزم خروج الأب من الأحاديث رأساً ، ولو قيل بعدم إجبارها لزم خروجها من الآية رأساً ، ولا يخفى أن الحمل على ما تقدم أقل تخصيص وأظهر في المعنى ، وينتظم من هذا وما تقدم في البكر أن المرجح أن للأب تزويج من لم تبلغ تسعاً مطلقاً وكذلك من بلغتها بإذنها كغيره من الأولياء .
وقول الخرقي : وإن رضيت بعد . بناء على المذهب من أن النكاح لا يقف على الإجازة ، وقوله : بغير إذنها . مفهومه أنه إذا زوجها بإذنها أنه يصح ، وهو يعتمد أن يكون لها إذن ، وذلك في البالغة بلا نزاع ، وفي ابنة تسع على الصحيح ، وحكم غير الأب كالأب في ذلك .
( تنبيه ) لم يصرح الخرقي بذكر المجنونة ، وحكمها أن الأب يجبر لو كانت عاقلة بلا نزاع بطريق الأولى ، وهل يجبر من لا يجبرها لو كانت عاقلة ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) وهو اختيار القاضي والشيخين وغيرهما يجبرها ، لأنها أسوأ حالًا من الصغيرة . ( والثاني ) وهو قول أبي بكر في الخلاف ، وظاهر عموم قول الخرقي في هذه المسألة لا يجبرها ، لظاهر ( ليس للولي مع الثيب أمر ) وغير ذلك ، وحكم وصي الأب في النكاح حكم الأب ، أما غير الأب من الأولياء فقيل وهو اختيار أبي الخطاب والشيخين : لهم تزويجها بشرط أن يظهر منها الميل إلى الرجال ، لحاجتها إذاً لدفع ضرر الشهوة ، وصيانتها عن الفجور ، مع ما فيه من مصلحة تحصيل المهر والنفقة وغير ذلك ، قال أبو محمد : وكذلك ينبغي أن تزوج إذا قال أهل الطب إن علتها تزول بتزويجها ، لأن ذلك من أعظم مصالحها ، وقيل وهو ظاهر كلام الخرقي : ليس لهم ذلك ، لأن هذه ولاية إجبار ، فلا تثبت لغير الأب كالعاقلة ، وقيل : يملك ذلك الحاكم ، لكمال نظره ، وولايته العامة ، بخلاف غيره من الأولياء ، ومحل الخلاف إذا لم يكن وصي في النكاح ، أما مع وجوده فحكمه حكم الأب على ما تقدم . والله أعلم .
قال : وإذن الثيب الكلام . وإذن البكر الصمات .
ش : للأحاديث السابقة ، فإنها نص في أن إذن البكر الصمات ، وظاهرة في أن إذن الثيب الكلام ، إذ تخصيص البكر بالصمات ظاهر في أن الثيب إذنها النطق .
2456 وقد روى الأثرم عن عدي الكندي ، عن رسول الله أنه قال : ( الثيب تعرب عن نفسها ، والبكر رضاها صمتها ) وقد دخل في كلام الخرقي من ثابت بزنا ، وصرح به الأصحاب ، لعموم الحديث ، ولأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البكر مباضعة الرجال ومخالطتهم ، وهذا موجود في المصابة بالزنا ، ولهذا قال الأصحاب : إن البكارة لو زالت بإصبع أو وثبة فهو كما لو لم تزل ، في بقاء إذن البكر ، لعدم المباضعة والمخالطة ، وعكس هذا لو عادت بكارتها بعد زوالها بوطء ، هي في حكم الثيب ، ذكره أبو الخطاب أنه محل وفاق لوجود المباضعة .
وعموم كلام الخرقي يشمل الأب وغيره ، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني ، وصرح به أبو الخطاب في الإنتصار ، وشيخه في الجامع الكبير ، وفي التعليق في موضع ، وأبو محمد وغيرهم ، وقال القاضي في التعليق في مسألة إجبار البالغة : من أصلنا أن إذن البكر في حق غير الأب النطق . وقال ذلك أيضاً فيمن رأى عبده يتجر فسكت ، وكذلك قال في المجرد في نكاح الكفار ، والمذهب الأول لقول النبي : ( إذن البكر صماتها ) وهو عام ، وقال : ( تستأمر اليتيمة ، فإن سكتت فهو إذنها ) وفي لفظ ( فقد أذنت ) واليتيم من لا أب له .
( تنبيه ) قال أبو العباس : يعتبر في الاستئمار تسمية الزوج على وجه تقع المعرفة به ، ولا تشترط تسمية المهر على الصحيح ، والله أعلم .
قال : وإذا زوج ابنته بدون صداق مثلها فقد ثبت النكاح .
ش : هذا هو المنصوص والمختار لعامة الأصحاب .
2457 لما روى أبو رضي الله عنه قال : خطبنا عمر فقال : 16 ( ألا لا تغالوا في صدق النساء ، فإنه لو كان مكرمة في الدنيا ، أو تقوى في الآخرة ، كان أولاكم بها النبي ، ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ) . رواه الخمسة وصححه الترمذي ، وهذا قاله بمحضر من الصحابة ، ولم ينقل مخالفته ، فينزل منزلة الإجماع ، وظاهره أن كل أحد يصح أن يزوج موليته على مثل هذا المهر ، وإن كان مهر مثلها أكثر ، وإنما خصصنا ذلك بالأب لأنه الذي له الولاية التامة ، ولما سيأتي .
2458 وعن سعيد بن المسيب أنه زوج ابنته بدرهمين ، وهو من سادات قريش شرفاً وعلماً وديناً ، ومن متموليهم أيضاً ، ومن المعلوم أنه لم يكن مهر مثلها ، ولأن المقصود من النكاح السكن ، ووضع المرأة عند من يصونها ، ويحسن عشرتها ، لا العوض ، والظاهر من الأب مع تمام شفقته أنه لا ينقص ابنته عن مهر مثلها إلا لهذه المعاني أو بعضها ، لا سيما وهو غير متهم ، وبهذا خرج سائر الأولياء ، وخرج أيضاً بيع الأب لسلعتها ، لأن المقصود تحصيل العوض لا غيره ، فلذلك لم يجز أن يبيع بدون ثمن المثل ، وظاهر كلام ابن عقيل في الفصول اختصاص هذا الحكم بالأب المجبر ، قال : وإذا زوج الأب ابنته التي يملك إجبارها وهي الصغيرة رواية واحدة ، والبكر البالغة في إحدى الروايتين بدون مهر مثلها يثبت المسمى ، وللقاضي في تعليقه احتمال بأن حكم الأب مع الثيب الكبيرة حكم غيره من الأولياء ، وحكى ابن حمدان في رعايتيه قولًا أن على الزوج بقية مهر المثل ، وأطلق .
وكلام الخرقي يشمل وإن كرهت ، ونص عليه أحمد والأصحاب ، وقد يستشكل بأن من لا يملك إجبارها إذا قالت : أذنت لك أن تزوجني على مائة درهم لا أقل ، فكيف يصح أن يزوجها على أقل من ذلك ، وقد يقال : إذنها في المهر غير معتبر فيلغى ، ويبقى أصل إذنها في النكاح ، والله أعلم .
قال : وإن فعل ذلك غير الأب ثبت النكاح ، وكان لها مهر مثلها .
ش : إذا زوج غير الأب موليته بدون مهر مثلها فإن النكاح صحيح ، لأن قصاراه أن التسمية فاسدة ، والنكاح لا يبطل بفساد التسمية ، ويجب مهر المثل ، جريا على القاعدة بأن التسمية إذا فسدت وجب مهر المثل .
وظاهر كلام الخرقي وهو المذهب عند أبي الخطاب وأبي محمد وغيرهما أن جميع مهر المثل على الزوج ، وذلك لأن التسمية لما فسدت لعدم الإذن فيها شرعاً وجب على الزوج مهر المثل ، إذ هو بدل البضع ، كما لو زوجها الولي على محرم ، وحكى أبو البركات وغيره رواية أن تمام مهر المثل على الولي ، لأنه مفرط ، أشبه الوكيل في البيع إذا باع بدون ثمن المثل أو بدون ما قدر له وصححنا على المنصوص ، وأخذ ذلك والله أعلم من قول 16 ( أحمد ) : أخاف أن يكون ضامناً وظاهره أن الوكيل يضمن ما نقص من مهر المثل ، وفهم أبو محمد من هذا النص أن الولي يضمن الزوج ، فقطع في المغني بوجوب مهر المثل على الزوج ، وجعل الولي ضامناً له ، وليس بالبين .
واعلم أنه قد يطلب الفرق على المذهب بين هذا وبين الوكيل ، وقد يفرق بأن القاعدة عندنا أن النهي يقتضي الفساد ، فالولي لما خالف ما أمر به فسدت التسمية ، وإذا فسدت لم يفسد العقد ، كما هو مقرر في موضعه ، ووجب الرجوع إلى مهر المثل ، ويجب جميعه على الزوج إذ القاعدة أن العوض يجب على من حصل له المعوض ، والمعوض حصل للزوج ، فوجب استقرار العوض عليه ، ( أما في البيع ) فمن راعى هذين الأصلين من غير نظر إلى معنى آخر كأبي محمد أبطل البيع ، ( وأما على المنصوص ) فنقول : النهي إذا كان لحق آدمي معين ، وأمكن تداركه ، لا يبطل العقد ، كتلقي الركبان ونحوه ، وهنا كذلك ، لأنه أمكن زوال المفسدة التي لأجلها ورد النهي بأن يجعل على الوكيل ضمان النقص لتفريطه ، ولا يمكن أن يجعل على المشتري ، لأنه زيادة على الثمن الذي وقع العقد عليه مع صحة الثمن ، ولا أن تلغى التسمية ، لأن العقد إذاً يفسد ، والأصل تصحيح كلام المكلف مهما أمكن والله أعلم .
قال : ومن زوج غلاماً غير بالغ أو معتوهاً لم يجز إلا أن يزوجه والده أو وصي ناظر له في التزويج .
ش : للأب أن يزوج ابنه الذي لم يبلغ على المذهب المنصوص .
2459 لما روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه زوج ابنه وهو صغير ، فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعاً ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية ، فكان له تزويجه كابنته الصغيرة .
وظاهر كلام الخرقي وكثيرين أنه لا يشترط حاجة الصغير ، وقال القاضي في المجرد : الصغير كالمجنون ، إن كان محتاجاً إلى النكاح زوجه وإلا فلا ، فإن أراد الحاجة إلى النكاح وهو الذي فهمه ابن عقيل لأنه قال : هذا إنما يتصور في المراهق فظاهر كلام أحمد والأصحاب خلافه ، وإن أراد الحاجة مطلقاً فغير مخالف لأن الأب وغيره تصرفهم منوط بالمصلحة . انتهى ، وللأب أيضاً أن يزوج ابنه المعتوه أي المجنون ، وهذا ظاهر كلام أحمد ، واختيار أبي الخطاب والشيخين وغيرهما ، لأنه غير مكلف ، أشبه الصغير بل أولى ، لأنه يتوقع منه النظر عند الحاجة إليه ، بخلاف المجنون ، وشرط القاضي لذلك أن يظهر منه أمارات الشهوة من تتبع النساء ونحو ذلك ، وحمل كلام أحمد والخرقي على ذلك ، إذ تزويجه مع عدم ذلك إضرار به ، لالتزامه حقوقاً لا مصلحة في التزامها ، ومنع أبو بكر في الخلاف من تزويج البالغ مطلقاً ، لأنه بالغ محجور عليه ، أشبه المفلس .
ومحل الخلاف في المجنون المطبق ، أما من يخنق أحياناً فلا يزوج إلا بإذنه ، ومن زال عقله ببرسام ونحوه إن رجي زوال علته فكالمخنق ، وإلا فكالمجنون . انتهى .
ووصي الأب في النكاح قائم مقامه ، فيزوج الصغير والمجنون كالأب ، لأنه قائم مقامه ، ونائب منايه ، وهذا يعتمد أصلًا ، وهو أن ولاية النكاح تستفاد بالوصية ، ( وهو إحدى الروايات ) عن أحمد ، والمختار لجمهور الأصحاب ، القاضي وولده أبي الحسين ، والشريف وأبي الخطاب ، وابن عقيل والشيرازي ، وابن البنا وأبي وغيرهم ، لأنها ولاية ثابتة ، فجازت الوصية بها كولاية المال ، ولأن له أن يستنيب في حياته ، فكذلك بعد مماته كالمال ، ( وعنه ) واختاره أبو بكر لا يستفاد بذلك ، لأنها ولاية تنتقل إلى غيره ، فلم تجز الوصية بها كالحضانة ، يحققه أنه لا ضرر على الوصي في وضعها عند من لا يكافيها ، فهو كالأجنبي .
2460 واستدل لها بما روى ابن عمر رضي الله عنه قال : توفي عبد الله بن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم ، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون ، قال عبد الله : وهما خالاي . قال : فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عبد الله بن مظعون فزوجنيها ، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها ، فأبيا حتى ارتفع أمرهما إلى رسول الله ، فقال قدامة بن مظعون : يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلي ، فزوجتها ابن عمتها ، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ، ولكنها امرأة ، وإنما حطت إلى هوى أمها . قال : فقال رسول الله : ( هي يتيمة ، ولا تنكح إلا بإذنها ) قال : فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها ، فزوجوها المغيرة بن شعبة ، رواه أحمد والدارقطني . ولو استفاد ولاية النكاح بالوصية لملك الإجبار كالأب ، ولم يكن لها معه إذن ، وحمله القاضي على أنه كان ولياً في المال ، ويرده تعليله بقوله : ( هي يتيمة ) ولم يقل : ولايتك في المال ، لا في النكاح ، لكن قد يقال : إن هذه واقعة عين فيحتمل أن هذه اليتيمة كانت ابنة تسع ، وهو الظاهر من القصة ، ويلتزم أن ابنة تسع لا يزوجها أبوها إلا بإذنها ، وكذلك وصيه في النكاح ، بل قد يقال إن هذا الحديث يستدل به على أن ولاية النكاح تستفاد بالوصية ، لأنه زوج بذلك ، ولم ينكر عليه النبي ذلك ، وقد يقال : إنما لم ينكر عليه لأن له ولاية بالعمومة ضائعاً .
( وعن أحمد ) رواية ثالثة حكاها القاضي في الجامع الكبير ، وهي اختيار ابن حامد إن كان ثم عصبة لم تستفد ، حذاراً من إسقاط حقهم ، وإلا استفيدت ، لعدم ذلك ، وشرط الخرقي أن يكون وصياً في النكاح ، فلو كان وصياً في المال لم تكن له ولاية التزويج ، لأنها إحدى الوصيتين ، فلا تملك بها الأخرى ، كوصية النكاح ، لا يملك بها المال .
ثم ظاهر كلام المصنف والإمام والأصحاب أنه لا خيار للصبي والحال هذه إذا بلغ ، قال القاضي : ووجدت في رقعة بخط أبي عبد الله جواب مسألة إذا زوجه نظراً للصغير وهو وصي ، ثبت نكاحه وتوارثاً ، فإذا بلغ فله الخيار . انتهى وليس لغير الأب والوصي من حاكم ووصي تزويج الصغير والمجنون ، لأنه إذا لم يكن لهما تزويج الصغيرة فالصغير أولى ، وهذا ظاهر كلام أبي الخطاب كما اقتضاه كلام الخرقي ، وإليه ميل أبي محمد ، وأجاز ذلك ابن حامد للحاكم خاصة ، بشرط ميل المجنون للنساء ، بأن يتتبعهن ونحو ذلك ، وألحق أبو محمد بذلك ما إذا قال أهل الخبرة إن علته تزول بتزويجه ، وتبع القاضي في المجرد ، وأبو البركات ابن حامد بغير شرط ، لأنه يلي ماله ، أشبه الأب ، ومن هنا يخرج لنا قول أن الجد يزوج الصغير إن قلنا يلي ماله .
( تنبيهان ) أحدهما كلام الخرقي فيما تقدم يشمل الأب الكافر ، وصرح به القاضي ، لأن الحظ والشفقة موجودة فيه ، فأشبه المسلم ، ولنا وجه في الكافر أنه لا يلي مال ولده الكافر ، فيخرج هنا كذلك ( الثاني ) إطلاق الخرقي يقتضي أن للأب تزويج ابنه الصغير بأربع ، وصرح به القاضي في الجامع الكبير ، لأنه قد يرى المصلحة في ذلك ، قلت : وقال في المجرد : قياس المذهب أنه لا يزوجه بأكثر من واحدة ، إذ حاجته تندفع بذلك . والله أعلم .
قال : وإذا زوج أمته بغير إذنها لزمها النكاح وإن كرهت ، كبيرة كانت أو صغيرة .
ش : هذا هو المذهب المعروف ، المجزوم به عند الأصحاب ، لأن النكاح عقد على منفعتها ، وهي مملوكة له أشبه إجارتها ونقل أبو عبد الله النيسابوري عن أحمد أنه سئل هل يزوج الرجل جاريته من غلامه بغير مهر ؟ فقال : لا يعجبني إلا بمهر وشهود . قيل : فإن أبت هي ، وقالت : لا أتزوج . فللسيد أن يكرهها على ذلك ؟ قال : لا إلا بإذنها . قال أبو العباس : ظاهر هذا أن السيد لا يجبر الأمة الكبيرة ، بناء على أن منفعة البضع ليست بمال ، بدليل أن المعسرة لا تلزم بالتزويج ، ولا تضمن باليد اتفاقاً ، وملك السيد لها كملكه لمنفعة بضع زوجته ، والقاضي ذكر هذا النص في الجامع الكبير ، فيما إذا وجد أحدهما بالآخر عيباً به مثله ، وقال : ظاهر هذا أنه لم يجعل للسيد إجبار أمته على نكاح العبد ، وإن كان مساوياً لها فيقتضي أن المساواة في النقص لا يمنع الفسخ ، قال أبو العباس : وفي هذا نظر ، إذ الرق من باب عدم الكفاءة ، ولو زوجت المرأة بمن يكافئها في النسب ونحوه لم يكن لها فسخ بحال ، قلت : وتمام هذا أن العبد والحال أنه لا فسخ لها لوجود المكافأة ، وإنما لها الفسخ للعيب وهو الرق ، إذ ليس للولي أن يزوج موليته بمعيب ، كما هو مقرر في موضعه .
وقد شمل كلام الخرقي المدبرة ، والمعلق عتقها بصفة ، وأم الولد ، والمكاتبة ، وهو صحيح فيما عدا المكاتبة ، لمساواتهن للأمة فيما تقدم ، أما المكاتبة فليس له إجبارها على النكاح ، لأنها قد ملكت منافعها عليه ، ولهذا لا يجوز له وطؤها ولا إجارتها . والله أعلم .
قال : وإذا زوج عبده وهو كاره ، لم يجز إلا أن يكون صغيراً .
ش : لا يملك السيد إجبار عبده الكبير على النكاح ، نص عليه أحمد ، وقاله الأصحاب ، لأنه مكلف يملك الطلاق ، فلا يجبر على النكاح كالحر ، لأن النكاح خالص حقه ، ونفعه له فأشبه الحر ، وكذلك الصغير على وجه ، قاله أبو الخطاب في الإنتصار ، والمذهب وهو المنصوص أن له إجباره قياساً على الابن الصغير بل أولى ، لثبوت الملك له عليه ، والحكم في العبد المجنون كالحكم في الصغير قاله الشيخان ، والله أعلم .
قال : وإذا زوج الوليان فالنكاح للأول منهما .
2461 ش : لما روى الحسن عن سمرة عن النبي قال : ( أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما ، وأيما رجل باع بيعين من رجلين فهو للأول منهم ) رواه الخمسة وحسنه الترمذي . . وروى الأثرم بسنده عن إبراهيم أن عليا قضى بذلك ، لكن في سماع الحسن من سمرة خلاف . وقد شمل كلام الخرقي وإن لم يعلم الثاني ، ودخل بها ، وهو كذلك خلافاً لمالك ، لعموم الحديث .
وقول الخرقي : زوج الوليان يعني بشرطه ، وهو أن تأذن لهما في نكاحها ، ويتساويان في الدرجة كالابنين والأخوين ونحوهما ، وهذا قد علم مما تقدم . والله أعلم .
قال : فإن دخل بها الثاني وهو لا يعلم أنها ذات زوج فرق بينهما ، وكان لها عليه مهر مثلها .
ش : إذا زوج الوليان فدخل بها الثاني ، والحال أنه لا يعلم أنها مزوجة ، فإنه يفرق بينهما ، لترد إلى زوجها ، وهذا تفريق حسي من غير فسخ ، لبطلان النكاح ، قاله أبو محمد ، وكذلك قال ابن أبي موسى نزل عنها من غير طلاق ، واستشكل بأن مالكاً رحمه الله قال : تصير زوجة الثاني بالدخول ، وإذاً يجب الطلاق كالأنكحة الفاسدة ، وأجيب بأن الإباحة حصلت بالوطء لا بالعقد . انتهى . ويجب لها عليه المهر ، لأنه وطء شبهة ، أشبه المنكوحة بغير ولي .
2462 ودليل الأصل قوله عليه الصلاة والسلام ( أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ) الحديث ،
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15