كتاب : السلوك لمعرفة دول الملوك
المؤلف : المقريزي
وفي حادي عشره: صُرف الشريف مرتضى عن نيابة نظر وقف الأشراف برغبته عنه، واستقر عوضه صدر الدين عمر بن رزين، أحد خلفاء الحكم.
وفي ثاني عشره: قدم الأمير بلوط تقدمة سنية.
وفي خامس عشره: ضرب قاضي المالكية عنق رجل على الردة عن الإسلام.
وفي سابع عشره: خلع على بلوط خلعة الإستمرار على نيابة الإسكندرية وتوجه إليها، وكتب بالقبض على الأمير طغاي تمر الجركتمري، والأمير ألطنبغا السابقي، وكانا مجردين بالإسكندرية.
وفيه أخرج الأمير إياس السيفي - من العشرات - إلى دمشق، على إمرة بها. وأنعم على كل من سودن العلاي، وإينال الجركسي بإمرة طبلخاناة، وعلى حسن قجا الأسن قجاوي بإمرة عشرة. وقدم البريد بأن الأمير يلبغا الناصري نائب حلب توجه منها بالعسكر في طلب التركمان، فوافاه في أثناء طريقه غالب تركمان الطاعة، فخلع عليهم، وسار حتى وصل دربند بغراص وقدم طائفة من العسكر، فلقيهم التركمان وقاتلوهم، فقتل نائب بغراص، وجرح جماعة، فعاد إلى حلب. ثم قدم البريد بأن الأمير قرا محمد - حاكم الموصل - قد اتفق مع ضياء الملك بن بوز دوغان على محاربة سالم الدكري ؛ لما كان منه من قطع الطريق على حجاج الموصل وذبحهم وأخذ أموالهم، وأن الأمير يلبغا الناصري لما بلغه ذلك سار من حلب بالعسكر إلى البيرة، وعدى الفرات في المراكب إلى الرها، فوجد قرا محمد وضياء الملك قد ركبا في زيادة على اثني عشر ألف فارس على سالم، وضربا بيوته، فأخذا مالا يحد كثرة منها، قدر ثلاثين ألف حمل وكان بينهم وقعة عظيمة، قتل فيها من الفريقين خلق كثير، وفر سالم إلى جهة قلعة المسلمين، وقرا محمد في إثره، فلم ينج إلا في نفر قليل، فنهب عسكر قرا محمد تلك النواحي، وأفسدوا، فلم مجد سالم بدا من الترامي على الأمير يلبغا الناصري، وكفنه في عنقه، وعاد به إلى حلب، فكتب بتجهيزه إلى مصر.
وفي عشرينه: أخرج الأمير مقبل الرومي منفيا، وكان قد قدم من الشام، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة فلم يقبلها.
وفي نصف شهر ربيع الآخر: قدمت طائفة من الفرنج إلى الطينة ، وأسروا منها سبعة، وقتلوا رجلاً واحداً، فمروا على دمياط وباعوا بها الأسرى السبعة.
وفيه قدم أمير أسد الكردي - أحد أمراء الألوف بحلب - في الحديد، لشكوى بعض التجار عليه أنه أخذ له مملوكا غصبا، فحبس أياما، ثم أفرج عنه، وأخرج على إمرة بطرابلس.
وفيه استقر الأمير تمرباي الدمرداشي في نيابة صفد. وأنعم على الأمير أينال اليوسفي بتقدمة بدمشق.
وفيه استعفي الأمير يلو من نيابة حماة، فأعفي.
وفي تاسع عشره: قدم سالم الدكري من حلب، فأكرمه السلطان، وخلع عليه، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة بحلب.
وفيه أخذ قاع النيل فكان ثمانية أذرع سواء.
وفي يوم الإثنين حادي عشر جمادى الأولى: استقر جمال الدين محمود العجمي المحتسب، في نظر الأوقاف كلها. واستقر الأمير قديد القلمطاوي - شاد الأوقاف - رفيقا له، وخلع عليهما، فشق ذلك على قضاة القضاة.
وفي عشرينه: قدم الخبر بأن سلام ابن التركية عملت له مبارد في رباب أحضرت له، وطلب سواسي خام ليفصلها له تمصانا، فبرد شبابيك البرج الذي هو مسجون فيه، وتدلى منها في تلك السواسي وهرب، فلم يقدر عليه، فغضب السلطان على نائب الإسكندرية، وأمر بإحضاره، ثم أعفي عنه..
وفي خامس عشرينه: أنعم على دمر خان بن موسى بن قرمان، بطبلخاناة أبيه بعد موته.
وكان النيل في أول مسرى على اثني عشر ذراعاً، وأربع أصابع، فزاد في رابعه - وهو سادس عشرين جمادى الأولى - أربعين أصبعا، وفي الغد أربعة وثلاثين أصبعا، ثم زاد أربعا، فوفى ستة عشر ذراعا، وزاد أصبعين من سبعة ذراعا، فركب السلطان في نهاره - وهو خامس مسرى - وفتَح الخليج على العادة، و لم يعهد بعد الملك الظاهر بيبرس ملك ركب حتى خلق المقياس، وفتح الخليج سوى السلطان برقوق.
وفي هذا الشهر: اتفق بناحية برما من الغربية أن طائفة من مسلمة النصارى،صنعوا عُرسًا جمعوا فيه عدة من أرباب الملاهي، فلما صعد المؤذن ليسبح اللّه تعالى " في الليل على العادة، سبوه وأهانوه، ثم صعدوا إليه وأنزلوه، بعدما ضربوه فثار خطيب الجامع بهم، ليخلصه منهم، فأوسعوه سباً ولعناً وهموا بقتله وقتل من معه، فقدم إلى القاهرة في طائفة، وشكوا أمرهم إلى الأمير سودن النائب، فبعث بهم إلى الأمير جركس الخليلي، من أجل أن ناحية وبرما من جملة إقطاعه، فلم يقبل قوالهم، وسجن عدة منهم، فمضى من بقي منهم إلى أعيان الناس، كالبلقيني وأمثاله، وتوجه الحافظ المعتمد ناصر الدين محمد فيق إلى الخليلي، وأغلظ عليه حتى أفرج عمن سجنه، فغضب كثير من أهل برما واستغاثوا بالسلطان، فأنكر على الخليلي ما وقع منه. وبعث الأمير أبدكار الحاجب للكشف عما جرى في برما، فتبين له قبح سيرة المسألة فحملهم معه إلى السلطان، فأمر بهم وبغرمائهم أن يتحاكموا إلى قاضي القضاة المالكية، فادعى عليهم بقوادح، وأقيمت البينات بها فسجنهم.
واتفق أن الخليلي وقع - في شونة قصب له - نار أحرقها كلها وفيها جملة من المال، وحدث به ورم في رجله، اشتد ألمه فلم يزل به حتى مات وذلك عقوبة له لمساعدة أهل الزندقة.
وفي أول جمادى الآخرة: قدم البريد بأن الأمير تمربادي الدمرداشي نائب صفد قدمها وأقام بها خمسة أيام، ومات فيها. وفيه استقر الأمير صنجق السيفي في نيابة حماة، عوضا عن يلو.
وفيه قدمت رسل الفرنج.
وقدم البريد من الكرك بأن نائبها الأمير طغاي تمر،صالح الأمير خاطر حتى اطمأن له، ودخل إليه ومعه إبناه، فقبض عليهم، وذبحهم ثلاثتهم.
وفي تاسعه: استقر الأمير كْمُشبغا الحموي في نيابة صفد.
وفي رابع عشرينه: أعيد ابن وزير بيته إلى نظر الإسكندرية، واستقر جمال الدين عبد اللّه بن عزيز الإسكندراني - تاجر السلطان - بها.
وفي يوم الخميس سادس عشرينه: اجتمع الأمير سودن النائب، وقضاة القضاة الأربع، بشباك المدرسة الصالحية بين القصرين، وقدمت رسل مسلمة أهل برمة - وهم ستة - وضربت أعناقهم على الزندقة، ثم غسلوا وكفنوا، ودفنوا. بمقابر المسلمين.
وفي يوم الإثنين أول شهر رجب :طلع الأمير صلاح الدين محمد بن محمد بن تكنز - نائب الشام - بالسلطان، ونقل له عن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد اللّه محمد أنه اتفق مع الأمير قُرُط بن عمر التركماني والأمير إبراهيم بن الأمير قُطْلو أَقتمر العلاي أمير جاندار، وجماعة قرط من التركمان والأكراد، وهم نحو الثماني مائة فارس، على أن السلطان إذ نزل من القلعة إلى الميدان في يوم السبت للعب بالكرة، وترجل الأمراء والمماليك كلهم، ومشوا في ركاب السلطان على العادة، عند قربه من الميدان، خرجوا جميعاً وقتلوا السلطان والأمراء، وأركبوا الخليفة، وصعدوا به إلى القلعة، ومكنوه من القيام بالسلطنة، فإن عارضه معارض، فر به قرط إلى الفيوم، ودعا عربان الصعيد للقيام بنصرته، وأن الخليفة قد كتب إلى بدر الدين بن سلام أن يقوم له في البحيرة بالدعوة. فحلف السلطان ابن تنكز على صحة ما نقله، فحلف له. والتزم أنه يحاققهم على ما نقل عنهم. فبعث السلطان إلى الخليفة، وإلى قرط، وإبراهيم بن قطلو أقتمر، فأحضرهم إليه، واستدعى أيضاً الأمير سودن النائب، وحدثه. بما بلغه عن الخليفة وقرط وإبراهيم، فأخذ ينكر ذلك، ويستبعد وقوعه منهم، فأمر السلطان بالثلاثة، فحضروا بين يديه، وأخذ يذكر لهم ما نقل عنهم، فأنكروا إلا قرط، فإنه لما اشتد عليه السلطان، وخاف تهديده، قال: " إن الخليفة طلبني، وقال لي هؤلاء ظلمة، وقد استولوا على هذا الأمير بغير رضائي، وأني لم أقلد برقوق أمر السلطنة إلا غصبا، وقد أخذ أموال الناس بالباطل وطلب مني أن أقوم معه للّه، وأنصر الحق، وأزيل هذه الدولة الظالمة. والتزم أنه يبطل المكَوس جميعها، ولا يفعل إلا الحق. فأجبته إلى ذلك، ووعدته المساعدة، وأن أجمع له ثماني مائة فارس من الأكراد والتركمان، وأقوم بأمره " . فقال السلطان للخليفة: " ما قولك في هذا " . فقال. " ليس لمقاله صحة " . فسأل إبراهيم بن قطلو أقتمر عن ذلك، فقال: " ما كنت حاضرا هذا الأمر والاتفاق، لكن الخليفة استدعاني إلى بيته بجزيرة الفيل، وأخبرني بهذا الكلام، وقال لي إن هذا مصلحة، ورغبني في موافقته والقيام للّه تعالى، ونصرة الحق. فأنكر الخليفة ما قاله إبراهيم، وأخذ إبراهيم يحاققه، ويذكر له أمارات، والخليفة يحلف أن هذا الكلام ليس له صحة، فاشتد حنق السلطان، واستل السيف ليضرب به عنق الخليفة، فقام الأمير سودن النائب وحال بينه وبينه، وما زال به حتى سكن بعض غضبه. فأمر بقرط وإبراهيم أن يسمرا، واستدعى القضاة ليفتوه بقتل الخليفة، فلم يفتوه بقتله، وقاموا عنه. فأخذ الخليفة وسجن في موضع بالقلعة، وهو مقيد. وسمر قرط وإبراهيم، وشهرا في القاهرة ومصر. ثم أوقفا تحت القلعة بعد العصر. فنزل الأمير أيد كار الحاجب، وسار بهما ليوسطا خارج باب المحروق من القاهرة. وابتدأ بقرط فوسطه. وقبل أن يوسط إبراهيم جاءت عدة من المماليك بأن الأمراء قد شفعوا في إبراهيم، ففكت مساميره، وسجن بخزانة شمايل.
وطلب السلطان زكريا وعمر ابني إبراهيم عم المتوكل، فوقع اختياره على عمر بن الخليفة المستعصم بالله أبي إسحاق إبراهيم بن المستمسك باللّه أبي عبد اللّه محمد بن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي إسحاق ابن علي القبي ، فولاه الخلافة، وخلع عليه، فتلقب بالواثق باللّه.
وفي يوم الثلاثاء ثانيه: قبض على حسين بن قرط، وعمر ابن أخي قرط فسجنا بخزانة شمايل وخلع على الأمير سَبرج الكُمُشبغاوي، واستقر والي قلعة الجبل، بإمرة طبلخاناة، عوضا عن طَشتمر المظفري. وقبض على علي ابن بدر والي أطفيح وقيد، واستعمل مع المقيدين في نقل التراب ونحوه بالقلعة. وكتب بولاية عثمان بن قارة إمرة العرب، عوضا عن نعير بن حيار بن مهنا ، وتوجه به وبالتشريف الأمير بجمان المحمدي، وقلده الإمارة. وركب هو والأمير يلبغا الناصري نائب حلب، وكبسوا نعير ابن حيار. وكانت بينهم وبينه وقعة عظيمة انهزم فيها نعير، ونهب له ما لا يوصف، فمما أخذ له ثلاثون ألف بعير. ووجد له بسط تحمل الفردة الواحدة منها على بعير، وسبى حريمه. فكان هذا أيضاً من أعظم أسباب الفساد في الدولة، ومن أكبر أسباب خراب الشام.
وفي يوم السبت سادسه: قدم البريد بخبر هذه الواقعة.
وفيه ركب السلطان إلى الميدان على العادة.
وفي ثامنه: خلع على الطواشي بهادر الشهابي، واستقر مقدم المماليك، عوضا عن جوهر الصلاحي. وخلع على الأمير كمشبغا الخاصكي، واستقر رأس نوبة ثالثا بعد وفاة أيدمر من صديق. وخلع على الأمير بكلمش الطازي العلاي، واستقر رأس نوبة خامسا،عوضا عن بجمان المحمدي، وخلع على الأمير حسن قجا الأسن قجاوي، واستقر شاد الشراب خاناه، عوضا عن كمشبغا الخاصكي.
وفي يوم السبت ثالث عشره: ركب السلطان إلى الميدان ثاني مرة.
وفي ثامن عشره: خلع على كرجي بولاية الأشمونين، عوضا عن قطلوبغا حاجي،وفيه دار المحمل بالقاهرة ومصر على العادة في كل سنة، واستجد له ثوب حرير أصفر بشمسات زركش، فيها اسم السلطان، وعملت له رصافيات فضة، مطلية بذهب، فجاء أحسن ما عهد قبل ذلك. وفيه عرضت كسوة الكعبة، وقد استجد فيه أيضاً أن عمل طرازها الدائر بأعلاها من قصب.
وفي يوم السبت عشرينه: ركب السلطان إلى الميدان ثالث مرة.
وفي يوم السبت سابع عشرينه: ركب السلطان إلى خارج القاهرة، وعبر من باب النصر، ونزل بالبيمارستان المنصوري، ثم ركب منه إلى القلعة.
وبلغ النداء على النيل أربع أصابع من عشرين ذراعا، ثم زاد بعد ذلك حتى انتهى إلى أصابع من أحد وعشرين ذراعا، فغرقت مواضع عديدة، وتهدمت عدة دور وانتهبت، وانتدب عدة من الأمراء لسد مقاطع الماء.
وفيه قدم عدة من رجال نائب سنجار، ومن تكريت وقيصرية الروم، يسألوا أن تكون مضافة إلى مملكة مصر، فكتبت تقاليد الثلاثة، وحملت لهم التشاريف وخرج السلطان إلى السرحة بسرياقوس على العادة في كل سنة.
وفي أول شعبان: قدم الخبر بحركة الفرنج، فرسم بخروج اليزك إلى الساحل، فتجهزوا وساروا في ليلة الخميس سابع عشره، فتوجه الأمير أحمد بن يلبغا الخاصكي إلى ثغر رشيد وتوجه الأمير أيدكار الحاجب إلى ثغر دمياط.
وقدم الخبر بأن سلام ابن التركية جمع عليه كثيرا من العربان، ونهب نواحي الفيوم. وقد لحق به إبراهيم بن اللبان في زي أنه من جهة الخليفة، ولحق به أحمد بن الزعلي متولي قليوب - وقد فر من الشكوى عليه - فخرج أربعة أمراء في طلب ابن التركية، ففر منهم إلى جهة الصعيد الأعلى، واستقر في ولاية قليوب قُطْليجا الصفوي. واستقر أوناط اليوسفي في ولاية الشرقية، عوضا عن علي القرمي.
وقدم البريد بخروج الأمير يلبغا الناصري من حلب بالعسكر للقاء الفرنج، وقد وردت شوانيهم في البحر لقصد إياس، ونزوله بالعمق لقربه من البحر. فورد عليه كتاب نائب اللاذقية بوصول الفرنج إلى بيروت، وأنهم نزلوا إلى البر، وملكوا بعض أبراجها. فأدركهم العسكر الشامي في طائفة من رجّالة الأكراد، وقاتلوهم، فأيد الله المسلمين، حتَى قتلوا من الفرنج نحو خمسمائة رجل، وانهزم باقيهم إلى مراكبهم، وساروا، وعادت العساكر إلى الشام.
وأن الأمير يلبغا الناصري ألقى الفتنة بين التركمان الأجقية والقنقية، فرمى طائفة القنقية على الأخرى، وكتب إليهم بالنزول على باب الملك مفتتح البلاد السيسية حيث مقام الأجقية لإيقاع سيف الفتنة بينهم.
وفيه استقر تقي الدين أبو محمد عبد اللّه ابن قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف، ابن قاضي القضاة شرف الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفري في قضاء الحنفية بدمشق، عوضا عن نجم الدين أبي العباس أحمد بن أبي العز.
وفي يوم الخميس تاسع شهر رمضان: حضر سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الخاص، الخدمة على العادة، وقد اجتمع نساؤه في داره لفرح عندهم، وعليهن من اللؤلؤ والجوهر والذهب وثياب الحرير ما تجل قيمته، والخمور بينهن دائرة، والمغاني تغنيهن، فنزل الأمير قُرقُماس الخازندار والأمير بهاء الدين بهادر الأستادار، وأحاطا بداره، وأخذ النساء والغلمان، وحملا جميع ما في الدار، فبلغت قيمته زيادة على مائتي ألف دينار، وقبض على ابن البقري بالقصر، وعمل في الحديد، وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، ولا علم له.بما كان في داره.
وخلع على الوزير الصاحب شمس الدين إبراهيم كاتب أرلان بنظر الخاص، فاستعفي من ذلك وقال: " هذه خلعة الاستمرار " ، فلم يكلف لولايتها. وطلب موفق الدين أبو الفرج عبد اللّه الذي أسلم، وخلع عليه، واستقر في نظر الخاص.
وفي سادس عشره: قبض الوزير على عبيد البازدار - مقدم الدولة - وأخذ منه مائة ألف درهم، وأقام عوضه محمد بن عبد الرحمن في تقدمة الدولة، ثم جعل معه شريكا له عبد اللّه بن محمد بن يوسف.
وفي عشرينه: خرجت تجريدة إلى دمياط، فيها ستون مملوكا، وخرجت تجريدة إلى الإسكندرية، وإلى رشيد.
وفيه أخرجن إقطاعات المماليك الأشرفية عنهم إلى مماليك السلطان .
وفيه اشتدت عقوبة ابن البقري بالمقارع، وألزم بحمل خمسمائة ألف درهم، بعد ما أخذ منه ما يقارب الثلاثمائة ألف دينار.
وفي هذا الشهر ركب السلطان للصيد عدة مرار.
وفيه كتبت أسماء الذين في سجن القضاة على الديون، وصولح غرماؤهم عمالهم عليهم من الدين.بمال أخرجه السلطان على يد الأمير جركسالخليلي، وأفرج عنهم.
وفيه شفع الأمراء في الخليفة، وتقدم منهم الأمير أَيتمش، والأمير ألطنبُغا الجوباني، وقبلا الأرض، وسألا السلطان في العفو عنه، وترفقا في سؤاله، فعدد لهما ما أراد أن يفعله من قتله وقتلهم، فكفا عن مساءلته.
ثم سأله بعد ذلك الأمير سودن النائب فيه، فأمر بقيده، ففك عنه.
وفي يوم الأحد ثالث شوال: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وعاد من يومه، وأمر بتتبع المماليك الأشرفية والمماليك البطالين، فأخذوا، وعملوا في الحديد، ونفوا من مصر.
وفي ثاني عشره: عدى السلطان النيل إلى الجيزة وتصيد، ثم عاد إلى مخيمه تحت الأهرام، فمر على خيمة الأمير قُطْلو أقتمر أمير جاندار فوقف عليها، وخرج إليه قطلو أقتمر وقبل له الأرض، وقدم له أربعة أفراس فلم يقبلها، فقبل الأرض ثانيا، وسأل السلطان أن يقبلها، فأجاب سؤاله وقبلها. وتوجه السلطان إلى مخيمه، واستدعى في الحال بإبراهيم بن قطلو أقتمر من خزانة شمايل، وخلع عليه، وأركبه فرساً بسرج ذهب وكنبوش زركش، وأعطاه ثلاثة أروس أخر، وهي التي قدمها أبوه، وأذن له أن يمشي في الخدمة، ووعده برزق، وأرسله إلى أبيه، فسر به سرورا كبيرا وكان في هذه المدة لم يحدث السلطان، ولا أحدا من الأمراء في أمر ولده، فأتاه اللّه بالفرج من حيث لا يحتسب.
ورحل السلطان إلى سسرحة بالبحيرة على العادة، وعاد في يوم الخميس سادس ذي القعدة إلى القلعة. وخلع على قاضي العسكر بدر الدين محمد بن البلقيني الشافعي، وشمس الدين محمد القرمي الحنفي.
وفي يوم السبت ثامنه: جمع السلطان القضاة، واشترى الأمير أيتمش البجاسي من ورثة الأمير جَرجي نائب حلب بحكم أن جرجي لما مات لم يكن أيتمش البجاسي ممن أًعتقه، بل كان في رقه، فأخذه بعد جرجي بجاس وأعتقه من غير أن يملكه بطريق صحيح، فلم يصادف عتقه محلا، وأثبتوا ذلك على القضاة. فلما اشتراه السلطان منهم بمائة ألف درهم أعتقه وأنعم عليه بأربعمائة ألف درهم فضة، وبناحية سفط رشين ثم خلع على القضاة والموقعين الذين أسجلوا قضية البيع والعتق.
وفي تاسعه: ركب السلطان إلى بركة الحجاج، وعاد فدخل من باب الفتوح وشق القاهرة إلى باب زويلة، وصعد إلى القلعة.
وفي عاشره: خلع على كاتب السر أوحد الدين لقراءته عتاقة الأمير أيتمش الظاهري. وخلع على نقيب الأشراف السيد الشريف جمال الدين عبد اللّه عبد الرحيم الطباطبي، واستقر في نظر وقف الأشراف، عوضا عن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، فخرج من حينئذ نظر الأشراف عن القضاة، و لم يعد إليهم. وأنعم على الأمير ألطنبغا السلطاني بإمرة طبلخاناة.
وفي سابع عشره: ضرب ابن البقري بين يدي السلطان ضربا مبرحا.
وفيه خلع على المحتسب جمال الدين محمود العجمي خلعة الاستمرار، وقد أرجف بعزله.
وفيه كتب باستقرار قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، في قضاء القضاة بدمشق، بعد وفاة ولي الدين عبد اللّه بن أبي البقاء، وحمل إليه تقليده وتشريفه فلم يقبل، فخوف عاقبة ذلك، فأجاب وتوجه من القدس إلى دمشق.
وفي يوم الثلاثاء تاسع ذي الحجة: أفرج عن الخليفة المتوكل، ونقل من سجنه بالبرج إلى دار بالقلعة، وطلع إليه عياله.
وفيه قدم البريد بمحاربة التركمان. وكان من خبر ذلك أنه كتب بتجريد عسكر دمشق وطرابلس وحماة وحلب ونواب الثغور وتركمان الطاعة وأكرادها، إلى جهة التركمان العصاة بالبلاد السيسية، كالصارم بن رمضان نائب أدنه وبني أوزر، وابن برناص من طائفة الأجقية لمقاتلتهم على تعديهم طريقهم، وقطعهم الطرقات، ونهبهم حجاج الروم، ولاتفاقهم مع الأمير علاء الدين علي بك بن قرمان - صاحب لارندة على اقتلاع بلاد سيس، فتأهبت العساكر لذلك ووافت حلب، فتقدمها الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، وركب من حلب في ثاني ذي القعدة يريد العمق، وكتب إلى بني أوزر وبقية التركمان العصاة، ينذرهم، ويحذرهم التخلف عن الحضور إلى الطاعة، ويخوفهم بأس العساكر، وإنهم إن أذعنوا وأطاعوا كانوا آمنين على أنفسهم وأموالهم، ومن تخلف كان غنيمة للعساكر. وسار حتى نزل تحت عقبة بغراس، فعرض العساكر، وترك الثقل وتوجه مخفا، وجاوز عقبة بغراس، وترك بها نائبي عين تاب وبغراس بخيالتهما ورجالهما، حفظا للدربند، إلى أن تصل العساكر الشامية. وجد السير إلى أن نزل باب إسكندرونه بجانب البحر، وأراح الخليل يسيرا. وقدم أمامه من أمراء الألوف بحلب دمرداش وكَشلى ليملكا جسر المصيصة قبل أن يفطن التركمان بوصول العساكر فيقطعونه ولا يمكن جوازه إلا بعد تعب زايد. ثم ركب في الثلث الأول من ليلة الأحد خامس عشره وسار مجدا، فوصل المصيصة عصر نهار الأحد فوجد الأميرين قد ملكا الجسر بعد أنْ هدم التركمان بعضه، وقطعوا منه جانبا لا يمنع الاجتياز، وتوقدت بينهم نار الحرب. وعدت العساكر نهر جاهان إلى جانب بلاد سيس، واقتفوا آثار من كان بالمصيصة من التركمان فأدركوا بعض البيوت، فانتهبوها، فتعلق الرجال بشعف الحبال، ثم حضرت قصاد التركمان - على اختلاف طوائفهم - يسألون الأمان، فأجاب الأمير يلبغا الناصري سؤالهم، وكتب لهم أمانا. ولما أحس الصارم بن رمضان بالعساكر، ترك أذنة وفر إلى الجبال التي لا تسلك. ووصلت الأطلاب والثقل إلى المصيصة في سابع عشره، فقدم من الغد ثامن عشره قاصد الأمير طَشبُغا العزي - نائب سيس - بخبر وصول ابن رمضان إلى أطراف البلاد السيسية، وأنه ركب في أثره ومعه طائفة من التركمان القرمانيين، فأدركوا بيوته، فانتهبوها، وأمسكوا أولاده وحريمه، ونجا بنفسه، ولحق بالتركمان البياضية مستجيرا بهم، فأجمعت الآراء على التوجه بالعساكر إلى جهتهم وإمساكه. فقدم الخبر من نائب سيس في أخر النهار بأنه استمر في طلب ابن رمضان إلى أن أدركه وأمسكه، وأمسك معه أخاه قرا محمد وأولاده وأمه وجماعته وعاد إلى سيس، فسرت العساكر بذلك سروراً زائداً.
ورحلت في تاسع عشره تريد سيس، وأحاطت بطائفة من التراكمين اليراكية، فانتهبت كثيرا من خيل ومتاع وأثاث ثم أمنوهم بسؤالهم ذلك وتفرقت جموع التركمان بالجبال ومرت العساكر إلى جهة سيس. وأحضر ابن رمضان، وأخوه قرا محمد، ومن أمسك معهما، فوسطوا، وعاد العسكر يريد المصيصة. وركب الأمير يلبغا الناصري بعسكر حلب، وسلبهم جبلا يسمى صاروجا شام، وهو مكان ضيق حرج وعر، به جبال شوامخ وأودية عظام، مغلقة بالأشجار والمياه والأوحال، وبه دربندات خطرة، لا يكاد الراجل يسلكه، فكيف بالفارس وفرسه الموفرين حملا باللبوس وإذا هم بطائفة من التركمان اليراكرية، فجرى بينهم القتال الشديد. فقتل بين الفريقين جماعة، وفقد الأمير يلبغا الناصري، وجماعة من أمراء حلب، وإذا بهم قد تاهوا في تلك الأودية. ثم تراجع الناس وقد فقد منهم طائفة. وداخل العسكر رعب شديد، وخوف كاد يذهب منه أرواحهم. ووصلهم الخبر بأن التركمان قد أحاطوا بدربند باب الملك، فالتجأوا إلى مدينة إياس. ثم قدم يلبغا الناصري إلى إياس بعد انقطاع خبره، فتباشروا بقدومه، وأقاموا عليها أياما، ثم رحلوا، فلقيهم التركمان في جمع كبير. فكانت بينهم وقعة لم يمر لهم مثلها. قتل فيها خلق كثير، وانجلت عن كسرة التركمان بعد ما أبلى فيها الناصري بلاء عظيماً. وارتحل العسكر يوم عيد الأضحى إلى جهة بإياس، فما ضربت خيامهم بها حتى أحاط بهم التركمان وأنفذوا فرقة منهم إلى باب الملك، فوقفوا على دربنده ومنعوا عنهم الميرة، فعزت الأقوات عند العسكر، وجاعت الخيول، وكثر الخوف وأشرفوا على الهلاك، إلا أن الله تداركهم بخفي لطفه، فقدم عليهم الخبر بوصول الأمير سودن المظفري - حاجب الحجاب بحلب - في عدة من الأمراء. وقد استخدم من أهل حلب ألف راجل من شبان بانقوسا، ودفعوا إليهم مائة درهم كل واحد. وخرج العلماء والصلحاء وغالب الناس، وقد بلغهم ما نزل بالعسكر. ونودي بالنفير العام، فتبعهم كثير من الرجالة والخيالة، والأكراد ببلد القصير والجبل الأقرع وغيره من أعمال حلب. فقام بمؤنتهم الحاجب ومن معه من الأمراء، وهجموا على باب الملك، فملكوه وقتلوا طائفة ممن كان به من التركمان، وهزموا بقيتهم. ففرح العسكر بذلك فرحاً كبيراً، وساروا إلى باب الملك حتى جاوزوا دربنده ونزلوا بغراس ، ثم رحلوا إلى أنطاكية وقدموا حلب. فكانت سفرة شديدة المشقة، بلوا فيها من كثرة تتابع الأمطار الغزيرة، وتوالى هبوب الرياح العاصفة، وكثرة الخوف، ومقاساة آلام الجوع، ما لا يمكن وصفه..
وفي سادس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بأن الشريف سعد بن أبي الغيث الحسني - الذي كان أمير ينبع - نزل على الحاج المغاربة، بوادي العقي ، وسألهم أن يعطوه شيئا، فأمسكوه وربطوا كتفيه، وأخذوا فرسه، وأخذوه معهم ماشيا، فأتاهم كثر من عربه وقاتلوهم، فقتل من المغاربة عدد كثير، وأفلت منهم سعد فأدركهم حجاج التكرور وقاتلوهم، فقتل كثير من التكرور، وأخذت أموالهم وأموال من كان معهم من الصعايدة وغيرهم. وأن حاج العراق أخبروا بأن حاج شيراز والبصرة والحسا خرج عليهم قريش ابن أخي زامل في ثمانية آلاف نفس، فأخذوا ما معهم من اللؤلؤ وغيره - وكان شيئا له مبلغ عظيم - وقتلوا منهم خلقاً كثيرًا. فرد من بقي منهم ماشياً عاريًا، وقدم بعضهم إلى مكة كذلك صحبة حاج بغداد. وأن ركب العراق جبى منهم عشرون ألف دينارا عراقية، حسابا عن كل جمل خمسة دنانير، حتى أمكنهم التوجه إلى مكة. وأن حاج اليمن تعذر حجهم لفتنة باليمن، شغل فيها سلطانهم عن تجهيز المحمل.
وفي هذه السنة: كثر الرخاء بالقاهرة، وأبيع لحم الضأن السليخ، كل عشرة أرطال بثمانية دراهم، ولحم البقر كل رطل بنصف درهم، والقمح كل أردب من ثمانية دراهم إلى خمسة عشر درهما، والشعير من ستة دراهم الأردب إلى ثمانية دراهم.
وفي هذا الشهر. استقر شرف الدين مسعود بن شعبان بن إسماعيل في قضاء الشافعية بحلب، عوضا عن الشهاب أحمد بن عمر بن أبي الرضا. ثم بعد قليل أعيد ابن أبي الرضا.
وفيها ولى الأمير فخر الدين عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثه بن غضبة بن حازم بن فضل بن ربيعة، إمرة آل فضل، عوضا عن الأمير ناصر الدين محمد بن نعير بن حيار بن مهنا.
وفيها أنشىء حوض للسبيل عند باب المعلا.بمكة، باسم السلطان. ووصل الماء إلى القدس من قناة العروب، بعدعمارتها بأمر السلطان.
وفيها قتل محمد بن مكي كبير الرافضة بدمشق، لتظاهره بزي النصرية، ضربت عنقه تحت القلعة.
ومات في هذه السنة من الأعيانالأديب شهاب الدين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن مر بن فضل اللّه بن سعد بن ساعد المعروف بالأعرج السعدي رحمه اللّه.
ومات الأمير أرغون دوادار الأمير طَشتَمُر أحد الطبلخاناة.
ومات الأمير أَيْدمَر الخطابي من صديق، وهو مجرد بالإسكندرية.
ومات الأمير بلاط السيفي الصغير، أمير سلاح، وهو بطرابلس، في جمادى الأولى.
ومات الأمير تمرباي نائب صفد في جمادى الأولى، بها.
ومات علم الدين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن أبي الفتح " بن هاشم العسقلاني، أحد أعيان الفقهاء الحنابلة، في ثالث عشرين جمادى الآخرة. ومات قاضي قضاة دمشق ولى الدين عبد الله ابن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن على تمام السبكي الشافعي بها.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن أيبك الفافا، أحد العشرات.
ومات شرف الدين موسى بن البدر محمد بن محمد بن الشهاب محمود الحلبي، أحد موقعي الدست،.بمدينة الرملة عائداً من القاهرة إلى دمشق في رابع عشرين صفر عن ثلاث وأربعين سنة. ومن شعره:
يا طيف دونك ناظري ... خذ نوره إن جئت زائر
ياطيف دونك ناظري ... خذ نوره إن جئت زائر
أخشى عليك لشقوتي ... من أن تعثر في المحابر
ومات الأمير شرف الدين موسى بن دينار بن قرمان، أحد الطبلخاناة في ليلة الأربعاء عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير قُطْلوبغا الكوكاي، أحد أمراء الألوف، في سادس المحرم.
ومات مستوفي المرتجع أمين الدين عبد اللّه بن جعيص الأسلمي، في ثالث عشر المحرم.
ومات الشيخ نهار المجنوب المغربي بالإسكندرية وكان يتحدث بالمغيبات، وله كرامات.
سنة ست وثمانين وسبعمائةفي يوم الخميس ثاني المحرم: استقر طشتتمُر السيفي في ولاية دمياط، عوضا عن الأمير قطلوبغا أبو درقة.
وفي ثامن عشره: استقر أبو درقة في ولاية الفيوم وكشفها، وكشف البهنساوية، والأطفيحية، عوضاً عن محمد بن قرابغا.
وفي عشرينه: قدم محمل الحاج.
وفيه رسم برمي الإقامات بالصعيد لسفر السلطان.
وفي حادي عشرينه: رسم بعمارة برجي ثغر دمياط وعمارة جسر السبيل البنهاوي.
وفيه قدم البريد بأن السيل هجم على دمشق، وخرب بها عدة دور، فلم يعهد بها سيل مثله.
وفي يوم السبت ثالث صفر: قبض على الأمير يلبغا الصغير الخازندار ، وسبعة من المماليك، وشيء بهم أنهم قصدوا الفتك بالسلطان، وضربوا ثم نفوا إلى الشام.
وفي خامس عشرينه: درس شيخنا أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون بالمدرسة القمحية بمصر، عوضا عن علم الدين سليمان البساطي بعد موته، وحضر معه بها الأمير ألطنبغا الجوباني، والأمير يونس الدوادار، وقضاة القضاة والأعيان.
وفي يوم الإثنين عاشر ربيع الأول: قدم الأمير بَيدمُر الخوارزمي نائب الشام، فجلس بدار العدل فوق الأمير سودن النائب.
وفي ثالث عشره خُلع عليه وقيد له من الإصطبل ثمانية جنائب من الخيل، بقماش ذهب، جرها الأوجاقية خلفه.
وفي يوم الجمعة رابع عشره: كان عقد السلطان على فاطمة ابنة الأمير مَنجك اليوسفي وقبل النكاح كاتب السر أوحد الدين عبد الواحد، وخلع عليه وعلى ناظر الخاص، وقضاة القضاة الأربع، وموقعي الحكم وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره :نزل السلطان إلى عيادة الأمير الطنبغا الجوباني أمير مجلس وقد مرض وفيه طلع الأمير بيدمُر نائب الشام بتقدمة جليلة، تشتمل على عشرين مملوكًا منتخبة، وثلاثة وثلاثين حمالا عليها أنواع الثياب من الحرير والصوف والفرو بأنواعه، وثلاثة عشر كلبًا سلوقيا، وثمانية عشر فرسا عليها جلال الحرير، وخمسين فحلا، واثنين وثلاثين حجرة ومائة أكديش لتتمة مائتي فرس، وثماني قطر هجن بقماش ذهب، وخمسة وعشرين قنطارا من الهُجن بُعبي، وبكيران ساذجة، وأربعة قطر جمال بخاتي، لكل جمل منها سنمان وثمانين جملا عرايا. وباسم ولد السلطان سيدي محمد عشرين فرسا وخمس عشرة حمَّالا ثيابا وغيرها.
وفي عشرينه: خلع عليه خلعة السفر، وتوجه إلى محل ولايته.
وقى رابع عشرينه: أذن السلطان لنواب القاضي الحنفي أن يستمروا على حكمهم، بعد موت قاضيهم صدر الدين بن منصور.
وفي خامس عشرينه: نزل السلطان لعيادة الجوباني مرة ثانية، ففرش له الجوباني شقاق الحرير السكندري، وشقاف الحرير الشامي، وشقاق نخ من باب اصطبله إلى حيث هو مضجع، فمشى عليها بفرسه، ثم بقدميه، ونثرت عليه الدنانير والمراهم، وقدّم له الجوباني جميع ما عنده من الخيل والمماليك، فلم يرزأه شيئا منها.
وفي يوم الأحد سلخه: حمل جهاز فاطمة ابنة الأمير منجك - زوجة السلطان - إلى القلعة، وقيمته مائة ألف مثقال ذهبا، يحمله ثلاثمائة حمال، وعشرة أطباق مملوءة زركش، وسبعون بغلاً. والأمير أيدكار الحاجب ماش أمام الجهاز، هو والأمير بهادر الأستدار. والأمير قُردُم الحسي رأس نوبة، والأمير يونس الدوادار، والأمير قرقماس الخازندار، فكان يوما مشهودًا.
وفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر: بنى عليها السلطان.
وفي سابعه: قدم البرهان إبراهيم الدمياطي من الحبشة، وخلع عليه.
وفي تاسعه: قدم الخبر بنزول مركبين من مراكب الفرنج على رشيد، فخرج الأمير يونس الدوادار، والأمير ألطنبغا المعلم، فلم يدركوهم.
وفي ثامن عشره: ركب الأمير ألطنبغا الجوباني إلى الخدمة السلطانية، وقد عوفي مما كان به.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: استدعى شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي - أحد نواب الحكم الحنفية - وخلع عليه، واستقر قاضي القضاة الحنفية، عوضا عن صدر الدين محمد بن منصور بعد وفاته.
وقد شغر منصب القضاة بعد موته أحدا وأربعين يوماً، وسعى فيه غير واحد، فلم يتهيأ إلا للطرابلسي بسفارة أوحد الدين كاتب السر.
وفي سادس عشرينه: توفي للسلطان ولد ذكر، فدفن بتربة الأمير يونس الدوادار خارج باب النصر.
وفي تاسع عشرينه: نزل السلطان لزيارة قبره، وعبر من باب النصر، فمرّ في القاهرة وعاد إلى القلعة.
وفي يوم الأربعاء ثامن جمادى الأولى: قرىء تقليد قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي بالمدرسة الناصرية، بين القصرين على العادة، وحضره القضاة والأعيان، وتكلم على قوله تعالى: " يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " وفي ثالث عشره: غضب السلطان على ناظر الجيش تَقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد الشافعي، بسبب إقطاع زامل أمير آل فضل، وقد رادَّه فيه، فضربه بالدواة، ثم أمر به، فضرب بين يديه، نحو ثلاثمائة ضربة بالعصى. وكان ترفا، فحمل في محفة إلى داره بالقاهرة، فلزم الفراش حتى مات ليلة الخميس سادس عشره.
وفي خامس عشره: قدم الأمير جمال الدين عبد الله بن بكَتمُر الحاجب من سفره، وهو مريض في محفة، فمات من يومه. وأنعم بإقطاعه على الأمير بورى، صهر الأمير أيتمش الأتابك.
وفي يوم الخميس سادس عشره: خلع على ناظر الخاص موفق الدين أبي الفرج الأسلمي، واستقر في نظر الجيش، عوضا عن تقي الدين، مضافا إلى نظر الخاص، ونظر الذخيرة، واستيفاء الصحبة.
وفيه أخرج الشريف بَكتمُر الوالي منفيا إلى الشام، وأنعم بإمرته على الأمير ناصر.
وفي يوم السبت ثالث جمادى الآخرة: عزلا قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن ابن خير المالكي، من أجل أنه حكم في قضية خطّأه فيها فقهاء المالكية.
وكان قاع النيل في هذه السنة ثمانية أذرع وأربع أصابع، وزاد على العادة حتى كان الوفاء في يوم الخميس ثامنه، ورابع مسرى. فركب السلطان إلى المقياس حتى خُلّق بين يديه، ثم فتح الخليج بحضرته على العادة، وعاد إلى القلعة.
وفي يوم الجمعة سادس عشره: صلى الشيخ أكمل الدين صلاة الجمعة مع السلطان بقلعة الجبل، وترضاه. وذلك أنه كان عزل مدرس المالكية شمس الدين محمد الركراكي المغربي من تدريس الشيخونية، فبعث السلطان إليه عدة من الأمراء ليعيدوا الركراكي، فلم يقبل شفاعته، فتغيظ عليه بسبب ذلك، فصمم على منع الركراكي، وترضي السلطان.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: استدعى شيخنا أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون إلى قلعة الجبل، وعرض عليه السلطان ولاية قضاء المالكية، وخلع عليه، ولقب ولي الدين. فاستقر قاضي القضاة المالكية، عوضًا عن جمال الدين عبد الرحمن بن خير، وذلك بسفارة الأمير ألطنبغا الجوباني أمير مجلس، وقرئ في المدرسة الناصرية بين القصرين على العادة، وتكلم على قوله تعالى: " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال " وفي تاسع عشرينه ولي الشيخ أكمل الدين تدريس المالكية بخانكاة شيخو، تاج الدين بهرام، عوضاً عن شمس الدين الركراكي، وحضر معه الدرس بها قضاة القضاة والفقهاء.
وفي آخره ركب الأمير سودن بن النائب، ومعه قضاة القضاة إلى الكنيسة المعلقة بقصر الشمع من مدينة مصر الفسطاط، وكشفها، وهدم ما استجده النصارى بها من البناء.
وفي يوم السبت تاسع رجب: - ورابع أيام النسيء - ركب السلطان إلى الميدان للعب بالكرة مع الأمراء على العادة في كل سنة.
وفيه قدم عليه رسل التركمان، فعفا عنهم. وكان من خبرهم أن الأمير يلبغا الناصري نائب حلب بلغه أن التركمان الأجقية والبوزقية استولوا على مدينة مرعش واقتلعوها، وكسروا تركمان الطاعة المقيمين بها. فركب في أوائل ربيع الآخر بفرقة من العسكر، ونزل مرعش، وقتل عدة من المذكورين، وجرح كثيرا، وهزم باقيهم إلى الجبال، فأخذ أموالهم، وحرق بيوتهم، وأقام. بمرعش أياماً، فأتاه الخبر بأن خليل ابن دلغادر - عدو الدولة - اتفق مع القاضي إبراهيم حاكم سيواس وأرزنجان ومع التتار، وسار بهم أطراف بلاد درندة دوركي ، فنهبوا وعاثوا، فركب من مرعش، وسار إلى أبلستين ، وبعث كشافته في طلب القوم، فإذا بهم قد تفرقوا، فأقام عليها أياما - على نهر جاهان - ثم رحل يريد ابن دلغادر. وقد بلغه نزوله بالقرب من سيواس، فبلغه ذلك، ففر، وعاد الناصري. ثم سار إلى رأس العين من عمل ماردين، ثم عاد إلى حران في طلب التركمان، فأقام عليها أياما ثم عاد.
وفي أثناء شهر رجب: استبدل السلطان خان الزكاة من ورثة الناصر محمد بن قلاوون، بقطعة أرض، وأقام الأمير جركس الخليلي أمير آخور على عمارة موضعه مدرسة، فابتدى بهدمه في يوم الأحد رابع عشرينه.
وفي آخره: عزل السلطان قضاة حلب الأربع، وأعيد محب الدين محمد بن الشحنة إلى قضاء الحنفية بحلب، عوضا عن الجمال إبراهيم بن العديم.
واستقر جمال الدين عبد الله النحريري في قضاء المالكية، عوضا عن أبي يزيد عبد الرحمن بن رشد.
واستقر شهاب الدين أحمد بن محمد بن قاضي القضاة شرف الدين أبي البركات موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض المقدسي الصالحي في قضاء الحنابلة بها، عوضا عن عمه شهاب الدين أحمد بن شرف الدين موسى بن فياض.
واستقر ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن تقي الدين بن أبي حفص عمر بن نجم الدين بن أبي عبد الله محمد بن زين الدين عمر بن أبي الطيب الدمشقي في كتابة السر بحلب، عوضا عن شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر، وولى شهاب الدين أحمد بن عبد اللّه النحريري قضاة المالكية بطرابلس، عوضا عن ناصر الدين محمد بن قاضي القضاة سرى الدين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن هاني اللخمي الأندلسي. وأعاد علم الدين القفصي إلى قضاء المالكية بدمشق، عوضا عن البرهان إبراهيم الشاذلي.
وفي يوم الإثنين ثاني شعبان: مات تحت الهدم بخان الزكاة جماعة من الفعلة.
وفي خامسه: ركب السلطان إلى عمارته، فدخل من باب النصر، وخرج من باب زويلة، فدخل إلى بيت الأمير الأتابك أيتمش ، وعاد إلى القلعة.
وفي تاسعه: سار السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة في كل سنة، ونزل بالقصور.
وفي يوم السبت رابع عشره ورابع بابة: ابتدأ نقص ماء النيل، وقد بلغت زيادته إلى عشر أصابع من عشرين ذراعا.
وفي سادس عشره: ضُرب بهادر كاشف الوجه البحري بالمقارع ستين شيبا، ثم خلع عليه، واستمر على الكشف.
وفي ثالث عشرينه: عاد السلطان من السرحة. للقبض على سعد الدين نصر اللّه ابن البقري، وألزم.بمال، وقبض على نسائه، فدلت امرأته على موضع أخذ منه سبعة آلاف درهم فضة ومائتا دينار.
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان: ركب السلطان وشق القاهرة.
وفي حادي عشره: خلع على تمرباي الحسني نائب أبلستين، وعلى دمرداش القشتمُري نائب الكرك وعلى أيدمر الشمسي أبو زلطة، نائب الوجه القبلي، وعلى ابن رمضان التركماني نائب البيرة. وحملت خلعة لأركماس حاجب طرابلس بنيابة صفد، وخلعة لطغاي تمر القبلاوي بنيابة سيس. وخلع على الشريف سعد بن أبي الغيث، واستقر شريكا لابن عمه محمد بن مسعود في إمارة ينبع.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره: نزل السلطان لعيادة الشيخ أكمل الدين في مرضه، ثم نزل حتى يصلى عليه في يوم الخميس ثامن عشره. وظهر أنه أغمي عليه ولم يمت، فعاد السلطان. فلما كان يوم الخميس تاسع عشره نزل السلطان حتى صلى عليه بمصلى المؤمني تحت القلعة، ومشى على قدميه إلى الخانكاة الشيخونية مع الناس في الجنازة، بعدما أراد أن يحمل النعش، فحمله الأمراء عنه، وما زال على القبر حتى دفن، ثم عاد إلى القلعة.
وفيه خلع على بكتمُر الطرخاني، واستقر في ولاية الأشمونين، عوضا عن كَرْجي.
وفيه عُزل البرهان إبراهيم الدمياطي رسول الحبشة بالحبس من أجل أنه قال: " لا رحم الله أكمل الدين فإن موته فتح،.
وفي ثاني عشرينه: عدَّى السلطان إلى بر الجيزة للصيد، وعاد من يومه.
وفي سابع عشرينه: خلع على عز الدين يوسف بن محمود الرازي العجمي الأصم، واستقر في مشيخة خانكاه شيخو، عوضا عن أكمل الدين بعد وفاته وخلع على الشرف الأشقر - واسمه عثمان بن سليمان بن رسول بن أمير يوسف بن خليل ابن نوح الكرادي العجمي الحنفي - إمام السلطان، واستقر في مشيخة خانكاه بيبرس، عوضا عن الرازي واستقر جمال الدين محمود المحتسب في تدريس الحديث بالقبة المنصورية، عوضا عن الرازي ، وأعيد الركراكي إلى تدريس المالكية بخانكاه شيخو، عوضا عن بهرام، واستَقر أوحد الدين عبد الواحد كاتب السر محدثا في نظر خانكاه شيخو، بعد أكمل الدين، بحكم أن النظر له لرأس نوبة، بشرط الواقف.
وفي ثامن عشرينه: عدى السلطان النيل إلى الجيزة، فتَصيد وعاد من يومه.
واستقر شرف الدين مسعود بن شعبان بن إسماعيل في قضاء الشافعية بحلب، عوضا عن شهاب الدين أحمد بن عمر بن أبي الرضا.
وقدم كبيش بن الشريف عجلان بالقود من جهة أخيه الشريف أحمد بن عجلان أمير مكة على العادة في كل سنة.
وفيه استقر شهاب الدين أحمد بن ظُهيرة في قضاء مكة، عوضاً عن كمال الدين أبي الفضل محمد النويري بعد وفاته، بعناية أوحد الدين كاتب السر، وحمُل إليه تقليده و تشريفه.
وقدمت هدية متملك قيصرية الروم.
وفي يوم السبت سادس شوال: عدى السلطان النيل إلى بر الجيزة، يريد سرحة البحيرة على العادة كل سنة.
وفي حادي عشره: قدم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، فعدى إلى السلطان.
وفي رابع عشره: خرج محمل الحاج على العادة في كل سنة، صحبة الأمير بهادر الجمالي المشرف.
وفي يوم الخميس أول ذي القعدة: قدم السلطان من سرحة البحيرة.
وفي خامسه: خلع على الأمير يلبغا الناصري خلعة السفر، وتوجه إلى حلب.
وفي سادسه: ركب السلطان إلى بركة الحجاج، وعاد فشق القاهرة إلى القلعة.
وفي يوم الخميس ثامنه: أسست المدرسة الظاهرية موضع خان الزكاة، بخط بين القصرين من القاهرة.
وفي ثالث عشره: عدى السلطان إلى الجيزة، وعاد من يومه.
وفي ليلة الأربعاء رابع عشرة: قدم الخبر.بموت الأمير بهادر أمير الحاج.بمنزلة عينونة ، فقام الأمير عبد الرحمن بن الأمير منكلي بغا الشمسي بإمرة الحاج.
وفي سادس عشره: خلع على الأمير أبي بكر بن الأمير سنقُر الجمالي، وأنعم عليه بتقدمة عمه الأمير بهادر، واستقر أمير الحاج، فسار إلى الحجاز في ليلة السبت سابع عشره. وأنعم على أمير عمر بن بهادر الجمالي بإمرة عشرة وهو أعمى.
وفي رابع عشرينه: خلع على محمد بن طاجار بولاية الغربية، عوضا عن أمير فرج بن أيدمر وفي تاسع عشرينه: خلع على علي خان بولاية البحيرة.
وفي يوم الإثنين رابع ذي الحجة: نزل الأمير يونس الدوادار إلى بيت بدر الدين محمد بن فضل اللّه العمري، وتوجه به إلى القلعة، فخلع عليه السلطان وأعاده إلى كتابة السر بعد وفاة أوحد الدين، فنزل إلى داره، ومعه عدة من الأمراء والأعيان.
وفي حادي عشره: قدم رسل الخان طَقتمش بن أزبك - متملك بلاد الدشت فخرج الأمير سودن النائب، والأمير يونس الدوادار، وأنزلوهم بالميدان الكبير على النيل، ثم أحضروا إلى الخدمة بالإيوان في يوم الإثنين ثامن عشره، ومعهم هديتهم، وهي سبعة سناقر من الطيور الجوارح، وسبع بقج قماش، وعدة مماليك. فلما قرئ كتابهم ظهر أنهم رسل متملك بلاد القرم. فقطع راتبهم وكان في كل يوم خمسمائة رطل لجم، ورأس بقر، ورأسا من الخيل برسم الذبح، ومبلغ ألف درهم. وأخرجوا من الميدان إلى موضع بالقلعة، وخلع عليهم في حادي عشرينه وأعيدوا.
وفي عشرينه: أخرج محمد بن طاجار - والي الغربية - منفيا إلى طرابلس.
وفي خامس عشرينه: أخرج محمد بن طيبغا الدمرداش منفيا إلى صفد، وتوجه الأمير كمشبغا الخاصكي بخلعة قرابلاط الأحمدي نائب البحيرة ليستقر في نيابة ثغر الإسكندرية، عوضا عن بلوط الصَرْغَتمشُي. واستقر جَمُق السيفي في ولاية البهنسا والإطفيحية ، عوضا عن أبي درقة.
وفي ثامن عشرينه: استجد لقرافة مصر والي بإمرة عشرة، واستقر فيها سليمان الكردي، وأخرجت عن والى مدينة مصر. ولم يعهد هذا فيما سلف.
وفي سلخه: خلع على خان بولاية البهنسي، عوضا عن جَمُق. واستقر الأمير كمشبغا الحموي في نيابة طرابلس، عوضا عن مأمور القلمطاوي.
وفيه أخذ بقطيا مكس ستين ألف نصفية ، قدمت من بغداد، سوى الثياب البغدادية والموصلية والحموية والدمشقية، وهي أضعاف ذلك.
وفيها خُلع ملك المغرب صاحب فاس أبو العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني ومَلَكَ فاس عوضه موسى بن أبي عنان ، في العشرين من ربيع الأول.
وأعيد الأمير نعير بن حيار إلى إمرة آل فضل، عوضًا عن الأمير فخر الدين عثمان بن قارا بن مهنا. ونقل الأمير سيف الدين سودن المظفري من نيابة حماة إلى نيابة حلب، عوضاً عن الأمير يلبغا الناصري.
ومات في هذه السنة من الأعيانشهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الفيشي ناظر المواريث، وناظر الأهرام، في سادس رجب.
ومات الأمير بهادر الجمالي، المعروف بالمشرف، أمير الحاج، أحمد الألوف، في ذي القعدة بعينونة من طريق الحجاز، وبها دفن.
وتوفي قاضي القضاة علم الدين أبو الربيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن غانم بن محمد الطاي البساطي المالكي، وهو معزول، في يوم الجمعة سادس عشر صفر، وقد أناف على الستين ومات الأمير طبج المحمدي - أحد أمراء الألوف - وقد أُخرج إلى دمشق.
وتوفي كاتب السر أوحد الدين عبد الواحد بن تاج الدين إسماعيل بن ياسين الحنفي، في يوم السبت ثاني ذي الحجة.
وتوفي ناظر الجيش تَقي الدين عبد الرحمن بن ناظر الجيش محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدايم التيمي، الحلبي الأصل، الشافعي، في ليلة الخميس سادس جمادى الأولى.
وتوفي الأمير جمال الدين عبد اللّه بن الأمير بَكتمُر الحاجب - أحد الطبلخاناة - في يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى.
ومات الأمير علاي الدين علي بن أحمد بن السايس الطيبرسي - أستادار خوند بركة أم الأشرف شعبان - في سادس شوال.
ومات قاضي القضاة صدر الدين محمد بن علاء الدين على بن منصور الحنفي، وهو قاضي، في يوم الإثنين عاشر ربيع الأول. وقد أناف على ثمانين سنة، وفاق في علم الفقه أهل زمانه.
ومات الشيخ أكمل الدين محمد بن محمد بن محمود الرومي البابرتي الحنفي، شيخ الخانكاة الشيخونية، وعظيم فقهاء مصر، في ليلة الجمعة تَاسع عشر رمضان. شرح الهداية في الفقه، وكتب تفسير القرآن، وشرح تلخيص المفتاح، وأخذ عن شمس الدين الأصفهاني، وأبي حيان.
ومات قاضي مكة وخطبها كمال الدين أبو الفضل محمد بن شهاب الدين أحمد بن علي العقيلي النويري المصري بمكة، في ليلة الأربعاء ثالث عشر رجب.
ومات عالم بغداد شمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني ،ثم البغدادي الشافعي، شارح البخاري، في المحرم، بطريق الحجاز، فحمل إلى بغداد ودفن بها. ومولده في جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة. قدم مصر والشام.
ومات صائم الدهر محمد بن صديق التبريزي الصوفي، في ليلة الإثنين خامس عشر رمضان، بالقاهرة.
وأقام نيفًا وأربعين سنة، يصوم الدهر، ويفطر دائما على حمص بفلس، لا يخلطه إلا بالملح فقط ويقسّم أوقاته كلها للعبادة ، ما بين صلاة وذكر وتلاوة، ومطالعة كتب العلم. وكان شديدًا في ذات اللّه.
ومات تاج الدين موسى بن أبي شاكر بن سعيد الدولة أحمد ويعرف.بمالك الرق. والد الوزير فخر الدين ماجد بن أبي شاكر، في أول ذي القعدة.
ومات ناظر الخاص تاج الدين موسى بن سعد الدين أبي الفرج، عرف بابن كاتب السعدي، وهو معزول.
وتوفي الطواشي شبل الدولة كافور الهندي الزمردي الناصري، صاحب التربة بالقرافة، في ثامن ربيع الأول، وقد عمَر طويلا.
ومات يحيى بن الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، في ليلة الأحد سابع عشرين شوال.
ومات تاج الدين بن وزير بيته الأسلمي، ناظر الإسكندرية بها، في ربيع الآخر.
ومات أمين الدين محمد بن علي بن الحسن الأنفي، قاضي المالكية بحلب، في شوال، وقد ناهز السبعين. ومولده سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.
ومات الأمير سيف الدين طَشتَمُر العلاي الدوادار. كان خيراً محسنًا، له مشاركة في فهم العلوم، محبًا لأهل العلم، كثير الاجتماع بهم، ويعرف الكتابة، ويحب الأدب وأهله، ولا يهمل وقتاً بغير فائدة، مع الديانة. وباشر الدوادارية في الأيام الأشرفية، ثم نيابة الشام، ثم صار أتابك العساكر والله تعالى أرحم بهم أجمعين.
ومات الأمير معيقل بن فضل بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة، أمير آل فضل، شريكا لابن عمه زامل.
سنة سبع وثمانين وسبعمائة.في يوم الإثنين ثاني المحرم: خلع على الطواشي شمس الدين صواب الشهابي شَنكَل،واستقر نائب المماليك، عوضا عن نصر البلسي. وخلع على ناصر الدين محمد بن أبي الطيب ، واستقر كاتب السر بحلب. واستقر الأمير سودُن المظفري، حاجب حلب، في نيابة حماة، عوضا عن صَنجَق، واستقر صنجق من أمراء طرابلس.
وفي ثامنه : أخرج الأمير بلُوط الصَرغُتمشى - نائب الإسكندرية - منفيا إلى الكرك.
وفي تاسعه: خلع على الأمير قطلوبغا الأسَن قُجَاوي - الذي يقال له أبو درقَة - استقر نائب الوجه البحري، عوضا عن قرابلاط الأحمدي، واستقر قرابلاط في نيابة الإسكندرية.
وفي يوم الإثنين سادس عشره: فرش الإيوان، الذي يقال له دار العدل من قلعة الجبل، ببسط جدد، كان الملك الأشرف شعبان بن حسين قد رسم بعملها بالكرك عند توجهه إلى الحج، فأهمل عملها بعد قتله، حتى عرف السلطان برقوق بها فبعث في تجهيزها، فحملت إليه.
وفيه بسط دهليز القصر من القلعة، ورسم للأمراء ألا يدخل أحد منهم إلى القصر،ومعه من مماليكه غير مملوك واحد وتقف مماليكهم بأسرها خارج القصر، فامتثل الأمراء ذلك، واستمر.
وفي سابع عشره: ضرب الأمير على خان والي البهنسي، وأُخذ منه عشرة آلاف درهم وأخرج من القاهرة منفياً.
وفي تاسع عشره: خُلع على الأمير مبارك شاه متولي أسوان، واستقر والي البهنسي.
وفيه قدمت رسل الخان طَقتمُش خان بن أُزبك فخرج الأمراء وأجناد الحلقة إلى لقائهم، ومثلوا بين يدي السلطان، وقدموا هديتهم.
وفي سادس عشرينه: قدم البريد من حلب بورود سولى بن دلغادر طائعا، فخلع على القاصد، وأنعم عليه بثلاثة آلاف درهم.
وفي نصف شهر ربيع الأول: قدم البريد من حلب بأن سولى بنا دلغادر التركماني لما قدم طائعاً بعدما حلف له الأمير يلبغا الناصري ،أقام بحلب حتى ورد مرسوم السلطان بالقبض عليه، فسجن بالقلعة من حلب، ثم رسم بإحضاره إلى مصر، فتسلمه حاجب حلب، وأنزله إلى الميدان فهرب منه ليلاً، فركب الأمير يلبغا الناصري في طلبه حتى عدى الفرات، فلم يقدر عليه.
وفي خامس عشرينه: خُلع على بيليك السيفي بولاية أشموم الرمان، عوضًا. عن بَيْرم.
وفي سلخه: خُلع على محمد بن العادلي، واستقر في ولاية أطفيح، عوضاً عن قُطْلوشاه.
وفي يوم السبت ثاني ربيع الآخر: ركب السلطان، وشق القاهرة لرؤية عمارته، ودخل إلى بيت الأمير الطنبُغا الجوباني مسلما عليه، ثم عاد إلى القلعة.
واستقر جمال الدين بن بشارة وزير دمشق في نظر الجيش بها، عوضًا عن ناصر الدين بن مشكور مضافاً إلى الوزارة. وأعيد الأمير نُعير بن حيا بن مهنا إلى إمرة آل فضل، بعد موت عثمان بن قارا، وحمل إليه تقليده وتشريفه، وحمل إلى الأمير يلبغا الناصري نائب حلب تشريف بالاستمرار على نيابته.
وفيه اشترى السلطان تُمُربُغا الأفضلي، المعروف. بمنطاش، أخو الأمير تمرباي، وأعتقه.
وفي ثامن عشره: توجهت شواني الأمير ألطنبغا الجوباني من ساحل مصر نحو دمياط. وقد أنشأها وشحنهما بالعدد والمقاتلة ليغزو بلاد الفرنج.
وخلع على الأمير بجمان، واستقر في نيابة الإسكندرية، بعد موت قرا بلاط الأحمدي.
وفي حادي عشرينه: أخرج جوبان العمري - من أمراء العشرات - منفيا إلى الشام.
وفي يوم السبت سابع جمادى الأولى: خلع على جمال الدين عبد الرحمن بن خير، وأعيد إلى قضاء القضاة المالكية، عوضا عن ولي الدين أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون.
وفي عاشره: أخذ قاع النيل، فكان ست أذرع وأربع أصابع.وأنعم على أزدمر الشرفي بإمرة جوبان العمري.
وفي ثاني عشرينه: قرىء تقليد ابن خير بالمدرسة الناصرية على العادة.
وفي يوم الأربعاء سابع عشر جمادى الآخرة :قدم الخبر بأن شواني الأمير ألطنبغا الجوباني سارت من ثغر دمياط في بحر الملح، فوجدوا مركبا فيه الفرنج الجنوية، فأخذوه وأسروا منهم خمسة وثلاثين رجلا، وقتلوا غ منهم جماعة.
وفي حادي عشرينه: قدمت الشواني إلى شاطىء النيل ببولاق - خارج القاهرة - بالأسرى والغنيمة، فعرضت الأسرى من الغد على السلطان.
وفي يوم الجمعة ثالث رجب - وثامن عشر مسرى - : كان وفاء النيل ست عشر ذراعا.
وتوجه الأمير حسن قجا على البريد؛ لإحضار الأمير يلبغا الناصري، نائب حلب.
وفي عشرينه: سار كُمشبغا الخاصكي على البريد، لنقل سودُن المظفري من نيابة حماة إلى نيابة حلب.
وقدم الخبر بأن أولاد الكنز هجموا على ثغر أسوان، وقتلوا معظم أهله، ونهبوا الناس، وأن الوالي فر منهم. فخلع على حسين بن قرط بن عمر التركماني، واستقر في ولاية أسوان. ورُسم أن يتوجه معه الكاشف وابن مازن.وخلع على مُقبل مملوك الأزقي، واستقر في ولاية أشموم الرمان، بعد موت بيليك.وفيه قدم الأًمير يلبغا الناصري إلى بلبيس، فقيد وحمل إلى الإسكندرية فسجن بها.
وفي يوم السبت ثالث شعبان: سار الأمير جمال الدين محمود شاد الدواوين على البريد؛ لاستخلاص أموال الأمير يلبغا الناصري من حلب، وحملها.
وفي ليلة الثلاثاء ثالث عشره: زلزلت القاهرة مرتين، زلزالاً قليلاً.
واتفقت في هذا الشهر حادثة يتعجب منها، وهي أن امرأة رأت في منامها رسول اللّه وهو ينهاها عن لبس الشاش وهو عصبة أحدثها النساء من نحو سنة ثمانين وسبعمائة صارت تشبه أسنمة البخت، وسمينها، الشاش، يكون أوله على جبين المرأة، وآخره عند ظهرها، فمنه ما يبلغ طوله ممتداً نحو الذراع في ارتفاع دون الربع ذراع فلم تنته عن لبسه ؛ فرأته - مرة ثانية في منامها، وهو يقول لها: " قد نهيتك عن لبس الشاش فلم تسمعي، ولبستيه ما تموتي إلا نصرانية " فأتت بها أمها إلى شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، حتى قصت رؤياها عليه، فأمرها أن تذهب إلى كنيسة النصارى، وتصلي بها ركعات، وتسأل الله تعالى لعله يرحمها، ثم تأتيه حتى يدعو لها. فمضت بها أمها من مجلس البلقيني إلى الكنيسة، فصلت ثم خرت ميتة لوقتها، فتركتها أمها وانصرفت عنها، فدفنها النصارى عندهم. نعوذ باللّه من سوء عاقبة القضاء.
وفيه قدم رسل متملك مدينة اصطنبول بهديته وكتابه، يتضمن. أن تمكن تجارهم من القدوم إلى بلاد مصر والشام، وأن يقام لهم قنصل بثغر الإسكندرية أسوة بغيرهم من طوائف الفرنج، فأجيب إلى ذلك.
وفي أول شهر رمضان: استرجع عن الخليفة المتوكل ناحية أَبو رجْوَان.
وفي هذا الشهر: ولدت امرأة ابنة لها رأسان كاملان، على صدر واحد ويدين، ومن تحت السرة تنقسم إلى شكل نصفين، في كل نصف رجلان كاملتان، فلم تعش وفي يوم الإثنين عاشر شهر رمضان: ألبس السلطان المقدم عبيد البازدارزي الأجناد من الكَلْفتاه والقباء والخف.
وفي سابع عشرينه: خلع على همام الدين عبد الواحد السيواسي العجمي، نائب الحسبة بالقاهرة، واستقر في قضاء الحنفية بالإسكندرية، ونظر أوقافها،. بمساعدة جمال الدين محمود العجمي المحتسب.
وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال: عدّى السلطان النيل إلى الجيزة، وسار إلى سرحة البحيرة على العادة.وفيه قدم مصر خُجا أخو بيرم خجا، عم قرا محمد أمير الموصل بعد بيرم خجا، برسالة ابن أخيه قرا محمل يسأل إن دهمه عدو أن يُمكن من الانتماء إلى الدولة وعبور الشام.
وفيه رُسم بعمارة شواني حربية، فابتدىء بعملها في أول ذي القعدة، تجاه المقياس.
وفي يوم الخميس ثالثه: عاد السلطان من سرحة البحيرة.
وفي ثامن عشرينه: كسفت الشمس من قبل نصف النهار إلى العصر.وفيه حمل الأمير جركس الخليلي قمحًا كثيرًا إلى مكة والمدينة، ليعمل منه في كل يوم.بمكة خمسمائة رغيف، وبالمدينة في كل يوم خمسمائة رغيف، تفرق في السؤال ونحوهم من الفقراء. وألا يقرر منها لأحد راتبًا، بل يأخذ من حضر ولا يراعي أحد في التفرقة، فعم النفع بها. و لم يبق بالحرمين من يسأل عن جوع.
وفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ذي الحجة: خسف القمر من آخر الليل.
وفي ثامن عشره: خلع على أمير حاج بولاية الأشمونين، عوضا عن بَكتمُر الشهابي.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه: قبض على الأمير أَلْطنبُغا الجوباني أمير مجلس وقُيد،ثم أفرج عنه بعد أيام، وخلع عليه بنيابة الكرك، عوضاً عن دمرداش القَشتَمُري. وتوجه إليها في تجمل زائد كبير.
وفي هذا الشهر: قدمت رسل تيمورلنك - القائم ببلاد الشرق - بكتابه فأعيدوا بجوابه.وفيه استقر محب الدين أبو المعالي محمد بن الكمال محمد بن محمد بن الشحنة في قضاء الحنفية بحلب، بعد وفاة جمال الدين إبراهيم بن محمد بن العديم. واستقر جمال الدين عبد اللّه النحريري في قضاء المالكية بحلب بعد وفاة زين الدين عبد الرحمن بن رشد. واستقر شهاب الدين أحمد بن محمد بن موسى بن فياض بن عبد العزيز المقدسي الصالحي في قضاء الحنابلة بحلب، عوضا عن عمه شهاب الدين أحمد ابن موسى بن فياض. واستقر شهاب الدين أَحمد بن السلاوي في قضاء الشافعية بطرابلس، عوضاً عن ابن وهيبة.واستقر شهاب الدين أحمد بن عبد الله النحريري في قضاء المالكية بطرابلس عوضا عن ناصر الدين محمد بن سرى الدين إسماعيل بن محمد بن هانىء الأندلسي.
وفي هذه السنة: تزايد سعر الغلال بتوقف النيل، فأبيع الأردب القمح بثلاثين درهما، والأردب الشجر بعشرين درهما، والأردب الفول بثمانية عشر درهما. فلما دخل شهر ذي الحجة أُبيع الأردب القمح بخمسين درهما.
وفيه كثرت رماية القمح على الطحانين بالثمن الغال، والتكلف للأعوان.وهذا أيضاً مما أحدث ونشأ منه مفاسد كثيرة.
وحج بالناس في هذه السنة الأمير أبو بكر بن سُنقُر الجمالي. وحج الأمير أحمد بن الأمير يلبغا الخاصكي. وكان الحجاز رخى السعر.
وفيها كان بحلب وباء، بلغ عدة من مات في كل يوم ألف إنسان وزيادة.
ومات فيها من الأعيانقاضي الحنفية بحلب، تاج الدين أحمد بن محمد بن محبوب، المحدث المسند الفاضل الأديب، عن سن عالية بدمشق.
ومات جمال الدين إبراهيم بن قاضي حلب ناصر الدين محمد بن قاضي حلب كمال الدين عمر بن قاضي حلب عز الدين أبي البركات عبد العزيز بن الصاحب محيى الدين أبي عبد الله محمد، ابن قاضي القضاة نجم الدين أبي الحسن أحمد، ابن قاضي القضاة جمال الدين أبي الفضل هبة اللّه، ابن قاضي حلب مجد الدين أبي غانم محمد، ابن قاضي حلب جمال الدين هبة الله، ابن قاضي حلب نجم الدين أحمد، ابن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد اللّه بن محمد بن عامر أبي جرادة بن ربيعة بن خويلد بن عوف ابن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، المعروف بابن العديم الحلبي الحنفي. عن نيف وسبعين سنة.حدث عن ابن الشحنة.
وتوفي كبير التجار، زكي الدين أبو بكر بن علي الخروبي،.بمصر، في يوم الخميس تاسع عشر المحرم.
ومات الأمير بيليك، والي الأشمونين.
وتوفي قاضي المالكية بحلب، زين الدين عبد الرحمن بن رشد.
ومات الأمير عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا، أمير آل فضل، في ربيع الأول.
ومات نائب الإسكندرية الأمير قرابلاط الأحمدي اليلبغاوي، في نصف ربيع الآخر.
ومات شمس الدين محمد بن أحمد بن سبع العبسي، أحد الأدباء ومستوفي ديوان الأحباس، في ثامن عشر شعبان.
ومات الأمير أقبغا الدوادار، في شهر ربيع الآخر. ومات شيخ الشام نجم الدين أحمد ابن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن، المعروف بابن الجابي الياسوفي الدمشقي الشافعي، في جمادى الآخرة، بعد عوده من مصر.
وتوفي الشيخ محيى الدين عبد القادر بن الإمام شمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن سيف الدين يحيى بن أحمد بن محمد بنَ عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني.
ومات السيد الشريف شمس الدين أبو المجد محمد ابن النقيب شهاب الدين أحمد ابن النقيب شمي الدين محمد بن أحمد الحسيني الحراني الحلبي، عن تسع وأربعين سنة، بحلب،ولم يل وظيفة.
مات شيخ الشيوخ بحلب نجم الدين عبد اللطيف بن محمد بن موسى بن أبي الفتوح بن أبي سعيد فضل اللّه بن أبي الخير الخراساني ثم الحلبي، عن بضع وسبعين سنة، بحلب.
وتوفي شرف الدين أبو بكر بن زين الدين عمر بن مظفر بن عمر، ابن الوردي، المعرى الحلبي، الفقيه الأديب، عن بضع وسبعين سنة ؛ بحلب. واللّه أعلم.
سنة ثمان وثمانين وسبعمائةأهلت بيوم الجمعة.
في سادسه: قدم مبشرو الحاج، وقد تأخروا عن عادتهم.وفيه أخرج الأمير جوبان العمري، منفياً إلى صفد. وأُنعم بإمرته على أرسبغا السيفي.
وفي تاسعه: عقد السلطان على هاجر ابنة الأمير منكلى بغا الشمسي، وأمها أخت الملك أشرف شعبان.
وفي ثامن عشره: قدم الأمير أحمد بن يلبغا العمري الخاصكي من الحجاز، ومعه الركب الأول.
وفي حادي عشرينه: قدم الأمير أبو بكر بن سنقر. بمحمل الحاج.
وفيه قبض على عدة من المماليك، وضربوا ضربًا مبرحًا بالمقارع، لكلام بلغ السلطان عنهم من الفتك به. وقبض على الأمير تمُربُغا الحاجب، وسُمر ومعه عشرة مماليكِ، وأركب كل مملوكين على جمل، ظهر أحدهما إلى ظهر الآخر، وسُمرا بالحديد وأفرد تمربغا على جمل. وشهروا ونساؤهم حاسرات، يصحن ويلطمن خدودهن، ثم وسطوا، فكان أمرا شنيعا.
وفي خامس عشرينه: قبض على ستة عشر من مماليك الأمير الكبير أَيْتمش ونفوا إلى الشام، وتتبع من بقي من المماليك الأشرفية، فقبض على كثير منهم، ونفوا من مصر.
وفي سلخه: قدم الأمير إبراهيم بن قَراجا بن دلغادر طائعا، فخلع عليه، ورسم له بإمرة طبلخاناة بديار مصر.
وفي يوم الإثنين ثالث صفر: نقل الشريف هيازع بن هبة الله الحسيني، أخو جماز أمير المدينة النبوية، من سجنه بقلعة الجبل إلى الإسكندرية، فسجن بها.
وكان قد قبض عليه، وسجن نحو سنة و نصف، ثم أفرج عنه في ذي، الحجة من السنة الماضية ، ثم قبض عليه في هذه السنة وسجن..
وقدم الخبر ماردين باستيلاء تيمورلنك على مدينة تبريز ، وقتل أهلها وتخريبها.
وفي ليلة السبت تاسع عشرينه: دخل إلى القاهرة نحو ستين رجلاً، يقال أنهم تدلوا من السور ونهبوا سوق الجمالين بالقرب من جامع الحاكم، وقتلوا نفرين. فركب الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني - والي القاهرة - وقبض على ثلاثة منهم في بعض الضواحي ومعهم بعض ما نهبوه، فعاقبهم حتى دلوه على بقيتهم.
وفي يوم الأحد سلخه: وقع حريق بالجسر، قريب قنطرة الحاجب ، تلف فيه عدة بيوت، ونزل عدة من الأمراء حتى أطفوه.
وفي أول شهر ربيع الأول: أبيع اللحم البقري كل رطلين ونصف بدرهم وأبيع اللحم الضأن السميط كل رطلين بدرهم.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره: رُسم بالإفراج عن الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، ونقله من سجنه بالإسكندرية إلى إقامته بدمياط. وأُذن له أن يركب ويتنزه بها.
وفي خامس عشره: سُمر من رجال المنسر ثمانية عشرة على جمال، وثلاثة سمرت أيديهم في الخشب، وألبسوا في أَرجلهم قباقيب خشَب، ثم سمرت أرجلهم فيها. وأكرهوا حتى مشوا وهم مسمرون كذلك، وشهروا جميعا بالقاهرة، ثم وسطوا إلا واحد منهم، وأبقي عليه ليدل على بقيتهم.
وفي يوم الثلاثاء أول ربيع الآخر: أَخرق السلطان بالأمير بَهادُر المنجكي الأستادار، وقبض عليه ثم أفرج عنه.
وفيه قدم البريد من حلب برأس الأمير خليل بن قراجا بن دلغادر، فقبض في الحال على أخيه عثمان بن قراجا، وعلى ابن أخيه إبراهيم.
وفيه غضب السلطان على موفق الدين أبي الفرج - ناظر الجيش - ، وضربه نحو مائة وأربعين ضربة بالعصى.
وقدم الخبر بوقوع الوباء بالإسكندرية، وأنه تجاوز عدة من يموت بها في كل يوم مائة إنسان.
وفيه استقر محمد بن عيسى - شيخ عرب العائد بالشرقية - كاشف الحسور بإمرة طبلخاناة. واستقر أخوه مهنا في مشيخة العائد.
وفي تاسع عشرينه: ماتت للسلطان ابنة، فأدفنت بالعمارة بين القصرين قبل أن تكمل، وكانت جنازتها حَفلَة.
وفي يوم الخميس أول جمادى الأولى: خُلع على الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن مكانس، واستقر في نظر الدولة بعد موت علم الدين يحيى.
وفي خامسه: خلع على الوزير الصاحب علم الدين سن إبرة، واستقر في نظر الأسواق، عوضا عن شرف الدين محمد بن الدماميني وفي ثاني: قدم الأمير أقبُغُا الجوهري - أحد أمراء الألوف بحلب - وقدم أمير زه ابن ملك الكُرْج راغبًا في الإسلام، فأسلم بحضرة القضاة بين يدي السلطان، وسمى عبد الله، وأنعم عليه بإمرة عشرة، وأنزل بقصر الحجازية من رحبة باب العيد بالقاهرة.
وفي حادي عشرينه: - وهو سادس عشرين بؤونة - أخذ قاع النيل على العادة في كل سنة، فكان ستة أذرع سواء.
وفي ثاني عشرينه: خلع على عُبَيد البازدار، وأعيد إلى تقدمة الدولة، على ما كان عليه، وفي سادس عشرينه: خلع على محمد بن أشَقتمُر، واستقر والي منفلوط.وفيه عزل شهاب الدين أحمد بن ظهيرة عن قضاء مكة وخطابتها، بمكاتبة الشريف أحمد بن عجلان أمير مكة فيه، وكُتب بنقل محب الدين محمد بن.، أبي االفضل، النويري من قضاء المدينة النبوية وخطابتها إلى قضاء مكة وخطابتها. وخلع على شيخ الحديث زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي واستقر في قضاء المدينة النبوية وخطابتها.
وفيه كملت عمارة ثمانية غربان حربية، وشحنت بالأسلحة والعدد والمقاتلة.
وفي سلخه: قدمت هدية أحمد بن أويس، صاحب بغداد. وقدم الشريف ثابت بن نعير الحسيني من المدينة النبوية،.بموت ابن عمه محمد بن عطية - أمير المدينة - فقبض عليه، وحمل إلى الإسكندرية، وسجن بها.
وفيه قدم الشريف عنان بن مَغَامس الحسني من مكة، فارًا من سجن ابن عمه الشريف أحمد بن عجلان أمير مكة.
وفي أول جماى الآخرة: قدم البريد من حلب.بمسير عساكر الشام لمحاربة التركمان، وكانت بينهم وقعة عظيمة، قتل فيها سبعة عشر أميراً، منهم سودن العلاي نائب حماة. وقتل من الأجناد خلق كثير، وانكسر بقية العسكر.
وفيه كملت عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين.
وفي يوم الخميس رابع عشره: نُقلت رمم أولاد السلطان الخمسة من مدافنهم إلى القبة بالمدرسة الظاهرية المستجدة، ونقلت رمة الأمير آنص والد السلطان، عشاء، والأمراء مشاة قدامه، حتى دفن بالقبة المذكورة.
وفي يوم الإثنين ثامن عشره: زلزلت القاهرة في الساعة الرابعة زلزلة خفيفة.
وفي ثامن عشرينه: استقر سودن العثماني الساقي في نيابة حماة، عوضاً عن سودن العلاي.
وفي سلخه: قدمت رسل الفرنج بهدية جليلة القدر.
وفي يوم الثلاثاء ثالث شهر رجب - وسابع مسرى: - كان وفاء النيل ستة عشر ذراعا، فركب الأمير قُرْدُم الحسني رأس نوبة، والأمير يونس الدوادار إلى المقياس، حتى خُلق العمود بحضرتهما على العادة، ثم فتح الخليج.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره: نزل الأمير جركس الخليلي إلى المدرسة الظاهرية المستجدة، وهيأ بها الأطعمة والحلاوات والفواكه، فركب السلطان من الغد يوم الخميس ثاني عشره من القلعهّ، بأمرائه ومماليكه ونزل بها، وقد بسطت. واجتمع فيها قضاة القضاة والفقهاء والأعيِان، فمد سماط أوله عند المحراب وآخره عند البحرة التي في وسط المدرسة، مملوء كله بأنواع الأطعمة الفاخرة، والأشوية من الخيل والخراف والأوز والدجاج والغزلان، فأكل القضاة والأعيِان أولا، ثم أكل الأمراء والمماليك، وتناهب الناس بقيته. ثم مُد سماط الحلاوات الفواكه، وملئت البحرة من مشروب السكر. فلما انقضى الأكل والشرب، خلع على علاء الدين علي السيرامي الحنفي، وقد استدعاه السلطان من بلاد المشرق، واستقر مدرس الحنفية وشيخ الصوفية. وفرش له الأمير جركس الخليلي السجادة بنفسه، حتى جلس عليها. ثم خلع على الأمير جركس، وعلى المعلم شهاب الدين أحمد الطولوني المهندس، وأركبا فرسين بقماش ذهب، وخلع على خمسة عشر من مماليك الخليلي، وأنعم على كل منهم بخمسمائة درهم. وخُلع على مباشري العمارة وشاديها، وعلى المهندسين والبنائين. وتكلم العلاء السيرامي على قوله تعالى: " قل اللهم ملك الملك " ثم قرأ القارئ عشرا من القرآن، ودعا. وقام السلطان وركب إلى القلعة، فكان يوما مشهوداً.
وفي يوم الخميس تاسع عشره: دار محمل الحاج القاهرة ومصر، على العادة في كل سنة.
وفي يوم الإثنين أول شعبان: خلع على الأمير اًحمد بن الأمير يلبغا العمري الخاصكي، واستقر أمير مجلس، عوضا عن الأمير ألطُنْبُغا الجوباني.
وفي يوم السبت سادسه: ركب السلطان إلى الميدان على العادة، ولعب بالكرة مع الأمراء.
وفيه أنعم على أحمد بن هُمز التركماني، بإمرة طبلخاناة، عوضا عن علي بن الأمير منجك، بعد وفاته.
وفي ثماني عشرينه: خُلع على سودن الطُرنطاي الخاصكي - أحد أمراء العشرات - واستقر رأس نوبة صغيرا. وأنعم على مُقْبل الرومي الطويل بإمرة عشرة، عوضا عن أحمد بن همز.
وفي ثالث عشرينه: أسلم ميخائيل الصبان - من نصارى مدينة مصر - خلع عليه، وأركب بغلة سلطانية، واستقر ناظر المتجر السلطاني.
وانتهت زيادة ماء النيل إلى عشرين ذراعا، وثبت إلى عيد الصليب، ثم هبط بعده بيِومين.
وفي ثامن عشرينه: خُلع على أمير موسى بن سلار - من الطبر دارية - واستقر أمير طبر بإمرة عشرة.
وفي أول شهر رمضان: عُزل ناصر الدين أحمد التنسي من قضاء الإسكندرية، وركب طاش البريدي البريد للقبض على الأمير بيدمر نائب الشام، وعلى جميع ألزامه، وإيقاع الحوطة على موجوده. وركب الأمير تمربغا المنجكي البريد، لتقليد الأمير أشقتَمُر المارديني نيابة الشام، وحمله من القدس إلى دمشق، وحمل إليه التقليد والتشريف.
وقدم الشريف محمد بن مبارك بن رميثة الحسني من مكة، وأَخبر بموت الشريف أحمد بن عجلان أمير مكة، وأن ابنه محمد بن أحمد أقيم بعده، وقام بإمرة عمه كُبيش بن عجلان. وقدم الخبر من المدينة النبوية أن الشريف جماز بن هبة حضر المدينة بحشده، فحاربه على بن عطية، وهزمه عنها.
وفي سادسه: ركب السلطان إلى بركة الحاج، وعاد إلى القاهرة من باب النصر، ونزل بمدرسته، ثم مضى إلى القلعة.
وفي يوم الجمعة عاشره: أقيمت الجمعة بالمدرسة الظاهرية المستجدة بين القصرين، وخطب بها جمال الدين محمود العجمي المحتسب، بثياب بيض.
وفي يوم الجمعة سابع عشره: نزل من قلعه الجبل أحد أمراء الدولة بسواد الخطبة إلى المدرسة الظاهرية، فلبسه جمال الدين محمود، وخطب بثياب السواد على العادة وصلى بالناس الجمعة. فلما انقضت الصلاة أَخرج له الأمير المذكور خلعة سلطانية، وأفاضها عليه ،فسار إلى منزله في موكب جليل وقدم الخبر بأن كبيش بن عجلان سمل أعين جماعة من بني حسن، وهم: أحمد وحسن ابنا ثقبة، ومحمد بن عجلان، وابن أحمد بن ثقبة وعمره نحو اثنتا عشرة سنة، فتغير السلطان على كبيش وابن أخيه محمد بن عجلان.
وفي سلخه: أنعم على ناصر الدين محمد بن الأمير جُلبان العلاي بطبلخاناة أبيه، بعد موته.
وارتفع سعر لب الفستق، حتى بلغ خمسة وثلاثين درهما الرطل، وعنها يومئذ قريب من مثقال ونصف، ولم يعهد مثل ذلك فيما سلف.
وفيه خلع على الشريف عنان بن مُغامس، واستقر أمير مكة.
وفي يوم الإثنين رابع شوال: ركب السلطان وتوجه إلى سرحة سرياقوس على العادة في كل سنة.
واستقر شيخنا سراج الدين عمر بن الملقن في مشيخة دار الحديث الكاملية عوضاً عن زين الدين عبد الرحيم العراقي، بحكم انتقاله إلى قضاء المدينة النبوية.وفيه أخرج السلطان خمسة من مماليكه، على إمريات بدمشق.
وفيه ضرب شهاب الدين أحمد بن الجندي الشافعي - من فقهاء ناحية دمنهور من أجل أنه أنكر على الضمن ما يأخذه من المكوس، وألزم بألا يسكن دمنهور. ثم بلغ السلطان ما هو عليه من الورع وكثرة العلم، فاعتذر إليه، وخلع عليه، وأعاده إلى دمنهور مكرمًا.
وفي يوم الأحد عاشره: حضر المدرسون بالمدرسة الظاهرية المستجدة، وهم سبعة، أربعة مدرسين الفقه على المذاهب الأربعة، ومدرس تفسير، ومدرس حديث، ومُصدر لإقراء القراءات السبع.
وفي ثامن عشره: سار محمل الحاج صحبة الأمير أقبغا المارديني، وحج أيضاً الأمير جركس الخليلي بتجمل كثر. وحج من الأمراء أيضاً كُمُشبُغا الخاصكي، ومحمد بن تنكربُغا، وجركس المحمدي. وكنب لنواب الشام باستخدام المماليك البطّالين الذين نفوا من الأشرفية وغيرهم.
وفي حادي عشرينه عاد السلطان من سرحه سرياقوس.
وفي يوم الإثنين خامس عشرينه: استدعى السلطان زكريا بن الخليِفة المعتصم بالله أبي إسحاق إبراهيم بن المستمسك باللهّ أبي عبد الله محمد بن الحاكم بالله أحمد وأعلمه أنه يريد أن ينصبه خليفة، عوضًا عن الخليفة الواثق بالله عمر بن المعتصم إبراهيم بعد وفاته. ثم استدعى بقضاة القضاة وأهل الدولة، فلما اجتمعوا أظهر زكريا عهد عمه - المعتضد بالله أبي الفتح أبي بكر إليه بالخلافة، فخلع عليه خلعة الخلافة، ونزل إلى داره. فلما كان يوم الخميس ثامن عشرينه طلع الخليفة زكريا إلى القصر من قلعة الجبل، وحضر أعيان الأمراء وقضاة القضاة الأربع، وشيِخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وصدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي مفتي دار العدل - وبدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر، ونجم الدين محمد الطنْبَدي - وكيل بيت المال - فبدأ شيخ الإسلام بالكلام مع السلطان في مبايعة زكريا على الخلافة، فبايعه السلطان أولا، ثم بايعه من حضر على مراتبهم. ونعت نفسه بالمستعصم بالله أبي يحيى. ثم أشهد عليه الخليفة أنه قلد السلطان أمور العباد والبلاد وأقامه في ذلك مقام نفسه، فخلع عليه خلعة الخلافة، وخلع على عامة من حضر، وركب القضاة بين يدي الخليفة إلى منزله، فكان يوماً مشهوداً.
وفي سلخه: قدمت رسل أحمد بن أويس - متملك بغداد - بكتابه، يتضمن أن تيمورلنك نزل قرا باغ، ليشتي بها ثم يعود، وحذر منه.
وفي يوم الإثنين ثالث ذي القعدة: خُلع على الخليفة المستعصم بالقصر، واستقر في نظر مشهد السيدة نفيسة. وخلع على شهاب الدين أحمد الأنصاري واستقر في مشيخة خانكاه سعيد السعداء، عوضا عن برهان الدين إبراهيم الأبناسي، بواسطةَ الأمير سُودن النائب. وذلك أنه التزم أن يعمّر أوقاف الخانكاه من ماله ،بمبلغ ثلاثين ألف درهم ،ولا يتناول معلوم المشيخة، بل يقنع.بماله من معلوم التصوف، فإنه كان من جملة صوفيتَها.على أنه لا يستجد بها صوفيا، وأنه يوفر نصيب من مات منهم، حتى تُعمر أوقافها.
وفي سادسه: خلع على رسل ابن أويس وسافروا.
وفي ثامنه: عدّى السلطان النيل، ونزل تحت الأهرام، فأقام في سرحته حتى وصل إلى ناحية دلنجة ، ثم عاد فطلع إلى القلعة في عشرينه.
وفي هذا الشهر أخرج الوزير الصاحب شمس الدين إبراهيم كاتب أرنان مائة ألف وثمانية عشر ألف أردب قمحًا، طرحه على التجار، كل أربعة أرادب بثلاثة وتسعين درهما - عنها أربعة دنانير - سعر كل دينار ثلاثة وعشرون درهما وربع درهم. فمن هذه الأربعة أرادب، إردب بسبعة وعشرين درهما، وإردب بستة وعشرين درهما، وإردب بأحد وعشرين درهما؛ وإردب بتسعة عشر درهما، فيجيء معدل كل إردب بدينار.
وفيه خلع على قوزي السيفي، واستقر في ولاية قوص، عوضا عن مقبل الطيبي. وخلع على سعد الدين نصر الله بن البقري، واستقر ناظر الديوان المفرد الذي استَجده السلطان، وناظر ديوان المماليك. واستقر برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي في قضاء المالكية بدمشق، عوضا عن علم الدين محمد بن محمد القفصي. واستقر في قضاء الحنفية بحلب موفق الدين، عوضا عن محب الدين محمد بن الشحنة.
وفي أول ذي الحجة: أحضر من دمشق بأربعة من الفقهاء في الحديد، اتهموا أنهم سعوا في نقض المملكة، والدعاء لإمام قرشي، فسجنوا. ثم أحضروا في يوم الأربعاء رابع عشرينه إلى بين يدي السلطان وتقدم كبيرهم - أحمد بن البرهان - فكلم السلطان عما سأله عنه، وصدع بالإنكار عليه، وأنه غير أهل للقيام بأمر المسلمين، وعدد له ما هو عليه من أخذ المكوس ونحو ذلك، وأنه لا يقوم بأمر المسلمين إلا إمام قرشي. فأمر به وأصحابه أن يعاقبوا حتى يعترفوا. بمن معهم من أمراء الدولة، فتولى عقوبتهم الأمير حسام الدين حسين والي القاهرة، ثم سجنهم بخزانة شمايل.
وفي خامس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وفيهم بطا الخاصكي، وأخبروا أن أقبغا المارديني - أمير الحاج - لما قدم مكة في أول ذي الحجة خرج الشريف محمد بن أحمد عجلان لتلقيه على العادة، وقبل الأرض، ثم خُفَّ الجمل. وعندما انحنى ليقبل عقب الرمح، وثب عليه فداويان ضربه أحدهما بخنجر في جنبه، وضربه الآخر بخنجر في عنقه، وهما يقولان: " غريم السلطان " فخر ميتا وترك نهاره ملقى، ثم حمله أهله، وواروه، وكان كبيش على بعد، فقتل الفداوية رجلا يظنوه كبيشا، ففر كبيش، وأقام الأمراء لابسين السلاح سبعة أيام، خوفا من الفتنة. فلم يتحرك أحد ولبس الشريف عنان خلعته، وتسلم مكة، وخطب له بها.
وفي تاسع عشرينه: قدمت رسل الحبشة بكتاب ملكهم الحطي، واسمه داود بن سيف أرعد، ومعهم هدية على أحد وعشرين حمالا، فيها من ظرائف بلادهم، ومن جملتها قد ملئت قد صيغ على قدرالحمص.
ومات في هذه السنة من الأعيانأديب مصر بدر الدين أحمد بن الشرف محمد بن الوزير الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا ، في يوم الجمعة تاسع عشرين جمادى الآخرة.بمدينة مصر، عن نيف وسبعين سنة.
وتوفي الشريف أبو سليمان أحمد بن عجلان بن رميثة بن أبي نمي محمد بن أبي سعد الحسني أمير مكة، في حادي عشرين شعبان عن نيف وستين سنة.بمكة، ودفن بالمعلا، وكان حسن السيرة.
وتوفي الشيخ المعتقد شهاب الدين أحمد بن شرف الدين عبد الهادي بن الشيخ أبي العباس أحمد الشاطر الدمنهوري ، الأديب الشاعر ذو الفنون، في المحرم وهو عائد من الحج.
وتوفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن على الزركشي - أمن الحكم - فجأة في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الأول. واتهم أنه سم نفسه، فإنه نقص من مال الأيتام عليه نحو خمسمائة ألف درهم، ذهبت كأمس الذاهب.
ومات أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاون، في ليلة الخميس رابع عشر جمادى الآخرة، ودفن.بمدرسة أبيه، وكان أسن أولاده.
وتوفي عماد الدين إسماعيل بن الزمُكحُل الناسخ، أحد الأفراد، كان يكتب سورة " قل هُو اللّه أَحَدْ " بكمالها على حبة أرز، كتابة بينة لا يطمس فيها واوا، إلى غير ذلك من بدائعه.
ومات الأمير جلبان الحاجب، أحد أمراء الطبلخاناه، في أخريات شهر رمضان. وكان مشكور السيرة.
ومات الأمير خليل بن قراجا بن دلغادر، كبير التركمان البزوقية، وأمير أبلستين ، قتيلا في الحرب، مع الصارم إبراهيم بن همز التركماني، قريبا من مدينة مرعش، عن نيف وستين سنة.
ومات الأمير سودن العلاي، نائب حماة، قتيلا في محاربة التركمان.
وتوفي المقرىء فتح الدين عبد المعطي بن عبد الله في سادس عشر رمضان، وقد أسن. أخذ القراءات عن أثير الدين أبي حيان.
وتوفي الشريف محمد بن عطيفة بن منصور بن جماز بن شيحة الحسيني، أمير المدينة النبوية.
وتوفي أحد الأفراد في العبادة والزهد والورع، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان القرمي بالقدس، في صفر. ومولده في ذي الحجة سنة ست وعشرين وسبعمائة. كان لا يزال يتلو القرآن، فيقال إنه قرأ في اليوم والليلة ثماني ختمات، وقدم القاهرة.
وتوفي الشديد في الله، الورع، شمس الدين محمد بن يوسف بن إلياس القونوي الحنفي، بدمشق، عن نيف وسبعين سنة. قدم القاهرة غير مرة. وأقسم باللّه أنه إذا رأى منكرا يحُمُّ.
وتوفي قاضي الحنابلة بدمشق شمس الدين أبو عبد الله محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد ابن محمود بن أحمد بن عزاز الحنبلي، المعروف بابن التقي.
وتوفي شيخ أهل الميقات ناصر الدين محمد بن الخطائي في يوم الأربعاء ثالث عشرين شعبان.
وتوفي قرينه في العلم بالميقات شمس الدين محمد بن الغزولي، في رابع رجب.
وتوفي زين الدين أبو بكر بن نور الدين علي بن تقي الدين محمد بن يوسف السعدي الخزرجي الأنصاري، المعروف بالسندوبي، أحد موقعي الدست، في يوم الخميس ثالث ربيع الأخر، وهو أحد من أدركناه من الأفراد، في الجود و الكرم.
وتوفي شرف الدين موسى بن الفافا، أستادار الأمير أَيتمش الأتابك، في تاسع شوال، وكان من رءوس الظاهرية.
وتوفي الشريف هيازع بن هبة بن جماز بن هبة بن جماز بن منصور الحسيني ، أمير المدينة النبوية، في سجنه بالإسكندرية، لأيام من شهر ربيع الأول.
وتوفي شيخ القادرية شرف الدين صدقة ويدعى محمد بن عمر بن محمد بن محمد العادلي، في سادس عشر جمادى الآخرة بالفيوم، وأحرم مرة بالحج من القاهرة.
وتوفي ناظر الدولة علم الدين يحيى بن فخر الدولة، المعروف بكاتب ابن الديناري؛في يوم الأربعاء تاسع شهر ربيع الأخر بالقاهرة، كان أولا نصرانيا ثم أسلم، وهو في خدمة الأمير شرف الدين موسى بن الديناري شاد الدواوين. وصاهر المقسي ناظر الخاص. ثم ولي نظر الدولة، وتمذهب لأبي حنيفة، رحمه اللّه.وسمع الحديث، وجمع عنده الفقهاء، وأفضل عليهم وجمع كتبا كثيرة. وكان غاية في الترف، يقول عن نفسه أن بدنه يحتاج في كل يوم إلى ثمانين درهما، عنها نحو أربعة مثاقيل ذهبا، يصرفها فيما يأكله ويشربه خاصة. وترك أواني وقماشا وأثاثا أبيعت بجملة كبيرة، وخلف من الكتب النفيسة عدة يحل ثمنها، مع كثرة شكواه الفقر.
ومات ملك المغرب صاحب فاس موسى بن السلطان أبي عنان فارس بن أبي الحسن المريني في جمادى، وأقيم بعده المنتصر بالله محمد بن أبي العباس أحمد المخلوع ابن أبي سالم ثم خلع بعد قليل، وأقيم الواثق محمد بن أبي الفضل بن السلطان أبي الحسن كل ذلك بتدبير الوزير مسعود بن رحوب ماساي واللّه تعالى أعلم.
سنه تسع وثمانين وسبعمائةفي يوم السبت سابع عشر صفر: قدم الأمير ألطُنْبغا الجوباني من الكرك باستدعاء، فبالغ السلطان في إكرامه، وألبسه لنيابة دمشق تشريفا سنيا، في تاسع عشره، عوضا عن أشَقتمُر المارديني.
وفيه استقر جمال الدين ميخائيل الأسلمي في نظر الإسكندرية، وعزل علم الدين توما، وكان ميخائيل هذا قد أسلم يوم الثلاثاء عشرين شعبان من السنة الماضية، بحضرة السلطان، وخلع عليه وأركب بغلة رائعة، وعمل تاجر الخاص.
وفيه استقر الأمير زين الدين مبارك شاه - متولي البهنسا - في نيابة الوجه القبلي، عوضا عن أيدمر الشمسي، الذي يقال له أبو زلطة. واستقر ناصر الدين محمد ابن الحسام في ولاية البهنسا.
وفيه استقر سعد الدين عبد الله بن بنت الملكي الوزير في استيفاء الإسكندرية.
وفي سابع عشرينه: استقر شمس الدين بن مشكور، ناظر الجيش بدمشق، عوضا عن ابن بشارة.
وفي يوم الجمعة أول شهر ربيع الأول: برز الأمير ألطنبغا الجوباني، ليسافر إلى دمشق، بعد ما خلع عليه، وحمل إليه مبلغ ثلاثمائة ألف درهم فضة. وقيد إليه فرس بسرج وكنفوش ذهب. وأرسل إليه الأمير الكبير أَيتمش مائة ألف درهم، وعدة بقج ثياب، قيمتها نحو السبعين ألف درهم، وعين مُسَفِّره قُرقُماس الظاهري، وخرج بتجمل عظيم.
وفي رابعه رأى السلطان من قلعة الجبل خيمة قد ضربت على شاطىء النيل فبعث للكشف عنها، فوجد فيها كريم الدين بن مكانس، وشمس الدين أبو البركات، فأحضرا إليه، وقد كانا يتعاقران الخمر في خواصهما، فضربهما بالمقارع، وألزم ابن مكانس.بمائة ألف درهم، وأبا البركات بخمسين ألفا.
وفيه استقر عمر بن إلياس - قريب قرُط - في ولاية الشرقية، عوضاً عن أُوناط اليوسفي.
وعزم السلطان على عرض أجناد الحلقة، وشرع فيه، فتحدث معه شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني في إعفائهم من ذلك، فأجابه وعفا عنهم.
وفي عاشر ربيع الآخر: ابتدأ السلطان في اللعب بالرمح، وألزم المماليك بذلك، فاستمر.
وكثرت المرافعات في ميخائيل، فعزل عن نظر الإسكندرية، وقبض عليه الأمير جمال الدين محمود شاد الدواوين السلطانية وحبسه، فأثبت أهل الثغر عليه أنه زنديق، وشهد عليه في المحضر بذلك تسعة وأربعون نفسا، فضربت رقبته بالثغر، يوم السبت ثالث عشره وفي هذا الشهر: ضربت فلوس بإشارة الأمير جركس الخليلي في قلعة الجبل، وجعل اسم السلطان في دائرة، فتطير الناس بذلك، وقالوا: هذا يؤذن بأن السلطان تدور عليه الدوائر، ويحبس، فبطل ذلك، و لم يتم.
وورد البريد بنزول الفرنج على طرابلس، فحاربهم المسلمون، وغنموا منهم ثلاثة مراكب، وقتلوا جماعة كثيرة.
وورد الخبر بأن على بن عطيفة الحسني ، طرق المدينة النبوية ونهبها، وقتل منها أناسا، وأخذ ما كان لجماز بن هبة اللّه من المال، فأفرج عن ثابت بن نعير، وقلد إمارة . المدينة النبوية.
وقدم البريد بارتفاع الأسعار بالشام، وأن الخبز وصل بدمشق كل رطل بدرهم، والجرة الماء في القدس بنصف درهم
وقدم الخبر من مكة بأن كبيش بن عجلان حصر مكة، وأخذ من جدة ثلاثة مراكب للتجار.
وقدم البريد. بمحاربة ابن همز نائب أبلستين ، مع ابن دلغان.
وفي ثالث جمادى الآخرة: أخذ قاع النيل، فكان سبعة أذرع، وأربع أصابع.
وفي سادسه: استقر الأمير ناصر الدين بن مبارك حفيد المهمندار في نيابة حماة، عوضا عن سودن العثماني. واستقر سودن في إقطاع ابن المهمندار بحلب.
وفي سادس عشره - وهو تاسع أبيب: - توقف ماء النيل عن الزيادة ونقص، فاضطرب الناس. ثم أنه رد النقص وزاد في رابع عشرينه.
وفي ليلة ثامن عشرينه: ظهر كوكب في جهة الشمال عظيم القدر، ممتد إلى جهة الغرب، له ثلاث شعب، في أحديها ذنب طويل بقدر الرمح، وله ضوء زايد على نور القمر، ثم أنه تحول امتداده من الغرب إلى الجنوب، وسمع له صوت مرعب، وذلك بعد عشاء الآخرة بقدر ساعة.
وفي آخره: ورد البريد بأن تمرلنك كبس قرا محمد وكسره، ففر منه في نحو مائتي فارس، ونزل قريب ملطية. ونزل تمرلنك على آمد، فاستدعى السلطان القضاة والفقهاء والأمراء وتحدث في أخذ الأوقاف من الأراضي الخراجية، فكثر النزاع، وآل الأمر إلى أنه يأخذ متحصل الأوقاف لسنة.
ورسم السلطان بتجهيز أربعة من الأمراء - الألوف، وهم الأمير ألطنبغا المعلم أمير سلاح، والأمير قردم الحسني، والأمير يونس الدوادار، والأمير سودن باق، وسبعة من أمراء الطبلخاناة، وخمسة من أمراء العشرات. فتجهزوا، وعين معهم من أجناد الحلقة ثلاثمائة فارس، وخرجوا من القاهرة في أول رجب، فساروا إلى حلب، وبها يومئذ في نيابة السلطنة سودن المظفري.وقدم الخبر بوقعة بين قرا محمد وولد تمرلنك، انكسر فيها ابن تمرلنك.
وفي تاسع عشر رجب: رسم للقاضي جمال الدين محمود، محتسب القاهرة بطلب التجار وأرباب الأموال، وأخذ زكوات أموالهم، وأن يتولى قاضي القضاة الحنفية شمس الدين محمد الطرابلسي تحليفهم على ما يدعون أنه ملكهم فعمل ذلك يوم واحد ثم رد عليهم ما أخذ منهم، وبطل، فإن الخبر ورد برجوع تمرلنك إلى بلاده. وبعث نائب دمشق رجلا تركيا اتهم أنه جاسوس لتمرلنك، فعوقب حتى أقر بأنهم ثلاثة قدموا إلى دمشق، فسجن، وكتب بطلب المذكورين.
وفي سادس عشرينه - وهو تاسع عشر مسرى - : كان وفاء النيل ستة عشر ذراعا.
وفي يوم الإثنين رابع شعبان :استدعى السلطان الشيخ ناصر الدين محمد ابن بنت ميلق ، وولاه قضاء القضاة الشافعية بديار مصر، بعد ما امتنع وصلى ركعتي الاستخارة، وعزل بدر الدين محمد بن أبي البقاء.
وفي سادس عشرينه: استقر في الوزارة علم الدين عبد الوهاب بن القسيس كاتب سيدي، عوضا عن الصاحب شمس الدين إبراهيم كاتب أرنان نقل من استيفاء المرتجع إلى الوزارة، بوصية كاتب أرنان.
وفي ثاني رمضان: عزل كريم الدين بن مكانس من نظر الدولة، واستقر عوضه أمين الدين بن ريشة، واستقر حسن السيفي أمير أخور في ولاية قطيا، عوضا عن ابن الطَشلاقي، فلم يقم سوى أيام، واعيد ابن الطَشلاقي.
وفي تاسعه: استقر جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني في إفتاء دار العدل، برغبة أخيه بدر الدين محمد له عن ذلك.
واستقر زوج أخته بهاء الدين محمد بن البرجي فيما كان باسمه من توقيع الدست، وصار بيد أخيه بدر الدين قضاء العسكر.
وانتهت زيادة ماء النيل إلى ثمانية عشر ذراعا، وأربعة عشر أصبعا، وثبت إلى خامس بابة، أحد شهور القبط.
وفي يوم الأحد ثامن عشرينه: جلس السلطان بالميدان تحت القلعة للحكم بين الناس، بعد ما نودي قبل ذلك بيومين: " من كانت له ظلامة فعليه بالإصطبل السلطاني يوم الأحد والأربعاء " . فداخل أعيان الناس من ذلك خوف شديد واجترأ أسافل الناس على الأكابر.
وفيه قدم الشريف على بن عجلان يريد إمارة مكة.
وورد الخبر بأن الشريف عنان بن مغامس اقتتل مع كبيش، فقتل كبيش في عدة من بني حسن، وعاد عنان مظفراً، فشق على المجاورين.
وفي خامس عشرينه: استقر نجم الدين محمد الطنبدي - وكيل بيت المال - في حسبة القاهرة، عوضا عن جمال الدين محمود، على خمسين ألف درهم فضة يقوم بها، عنها ألف دينار مصريهَ. واستقر جمال الدين في قضاء العسكر، عوضا عن شمس الدين محمد القرمي بعد وفاته.
وفي ثالث شوال: استقر شمس الدين محمد النويري في قضاء طرابلس، مسئولا بها. وورد الخبر بوصول العسكر إلى حلب في أول شهر رمضان.
وقدم الأمير جبرائيل الخوارزمي، والأمير ناصر الدين محمد بن بيدَمُر نائب الشام، فسلما إلى الأمير علاء الدين علي بن الكوراني والي القاهرة، ليخلص منهما مبلغ ألفي ألف درهم.
وفي نصفه: استقر الشريف على بن عجلان في إمارة مكة، شريكا لعنان.
وفي عاشره: توجه السلطان إلى سرحة سرياقوس على العادة. واستدعى الأمير يلبغا الناصري من دمياط فوصل إلى المخيم بسرياقوس في حادي عشرينه، فأكرمه السلطان، وأنعم عليه. بمائة فرس، ومائة جمل، وسلاح، ومال وثياب، قيمة ذلك خمسمائة ألف درهم فضة. وبعث إليه سائر الأمراء.
وعاد السلطان من سرياقوس أول ذي القعدة، وخلع على يلبغا الناصري في خامسه وأعاده لنيابة حلب، عوضا عن سودن المظفري. واستقر سودن أتابك العسكر بحلب، ثم خلع عليه خلعة السفر في ثامنه، وسار من القاهرة في تاسعه لنيابة حلب.
وفي ثاني عشره: قدم البريد بأن تمربغا الأفضلي منطاش نائب ملطية خامر، ووافقه القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، وقرا محمد التركماني، والماجاري نائب البيرة ، ويلبغا المنجكي، وعدة من الأشرفية.
وفي ثالث عشره: عدى السلطان إلى بر الجيزة، وتصيد.
وفي عشرينه: استقر قُطلَيجا الصفوي في ولاية قليوب، عوضا عن الصارم إبراهيم الباشقردي وفي سادس عشرينه: عاد السلطان من الصيد بالجيزة إلى القلعة.
وفي تاسع عشرينه: جاءت رأس بدر بن سلام، فعلقت على باب القلعة.
وكان قد فر وفسدت أحواله بالبحيرة، والسلطان يعمل فكره في قتله، إلى أن قتله بعض أتباعه، وأحضر رأسه إلى الكاشف، فحملها، وكفى السلطان شره.
وفيه استقر نجم الدين أبو العباس أحمد بن قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل بن شرف الدين محمد بن أبي العز صالح المعروف بابن الكِشك قضاء الحنفية بدمشق، وعوضا عن تقي الدين الكُفْري.
وفي رابع ذي الحجة: استقر زين الدين أمير حاج ابن مغْلطاي، في نيابة الإسكندرية، وعزل الأمير بجمان المحمدي. واستقر أمير حاج بن أيدمر والي الأشمونين، وعزل الصارم إبراهيم الشهابي القازاني.
وفي خامس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا أن عنان بن مغامس لم يقابل الأمير قُرقُماس الطَشتمري الخازندار أمير الحاج، وتوجه من مكة إلى نخلة ، فدخل علي بن عجلان إليها، وقرئ تقليده بالحرم، وتسلم مكة، ثم خرج في طلب عنان ففر منه.
وفْيه خلع الواثق محمد بن أبي الفضل بن أبي الحسن، وأعيد السلطان المخلوع أبو العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن، فملك فاس في " خامس " رمضان، وحمل الواثق إلى طنجة، فسجن بها ثم قتل.
ومات في هذه السنة من الأعيانالوزير الصاحب شمس الدين إبراهيم المعروف بكاتب أرلان، ليلة الثلاثاء سادس عشرين شعبان. وأصله من نصارى مصر، وأظهر الإسلام. وخدم في دواوين الأمراء، حتى تعلق بخدمة الملك الظاهر - وهو أمير - فولاه نظر ديوانه. ثم فوض إليه الوزارة لما صارت إليه سلطنة مصر، فنفذ الأمور، ومشى الأحوال أحسن تمشية، مع الغاية في وفور الحرمة، ونفوذ الكلمة، والتقلل في ملبسه ومركبه وسائر أسبابه، بحيث كان كهيئة أوساط الكتاب. ودخل في الوزارة، وأحوال الوزارة غير مستقيمة، وليس للدولة حاصل من عين ولا غلة، وقد استأجر الأمراء النواحي بأجر قليلة عجلوها، فكف أيدي الأمراء عن النواحي، وضبط المتحصل، ومشى على القواعد القديمة، والقوانين المعروفة، فهابه الخاص والعام. وجدد مطابخ السكر، ودواليب النقود ومات والحاصل ألف ألف درهم فضة وثلاثمائة ألف وستون ألف أردب غلة، وستة وثلاثون ألف رأس من الغنم، ومائة ألف طائر من الأوز والدجاج، وألف قنطار من الزيت، وأربعمائة قنطار ماء ورد، قيمة ذلك كله خمسمائة ألف دينار.
ومات الأمير تاج الدين إسماعيل بن مازن الهواري، وترك أموالا جزيلة.
ومات القاضي شهاب الدين أحمد بن الجمال إبراهيم بن إسحاق الغزاوي الشافعي، خطيب المدرسة الصالحية، وشاهد الإصطبلات السلطانية في تاسع عشر صفر.
ومات الأمير سيف الدين بهادر أستادار طبج، كاشف الوجه البحري، في نصف رمضان.
ومات الشيخ صدر الدين سليمان بن يوسف بن مُفلح الياسوفي بدمشق، معتقلا بقلعتها. وكان من أعيان فقهائها الشافعية وأكابر محدثيها. واشتهر بالزهد والعفة، واتهم بأنه ممن مالىء الفقهاء الظاهرية، فاعتقل بسبب ذلك.
ومات الأمير سيف الدين طيْنال المارديني، عتيق الناصر محمد بن قلاون، ترقى في الخدم من الأيام الناصرية، حتى صار من أمراء الألوف في أيام الناصر حسن، ثم نفاه إلى دمشق، فأقام بها إلى أن استبد الأشرف شعبان، أحضره إلى القاهرة، وأعطاه إمرة مائة، ثم نزعها منه، وأعطاه إمرة طبلخاناه، ثم جعله والي قلعة الجبل، فباشر ذلك مدة، ثم أعطى إمرة عشرة، وتُرك طرخانا، حتى مات في شهر رمضان.
ومات الأمير سيف الدين طقتمش الحسني، أحد المماليك اليلبغاوية، وأمير طبلخاناة. مات في تاسع عشرين رجب.
ومات زين الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن الحفيد بن رُشْد السجلماسي المغربي المالكي، سمع بغلناطة أبا البركات محمد بن إبراهيم البلفيقي، وبمكة ضياء الدين أبا الفضل محمد بن خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر بن حسن القسطلاني، وبالمدينة النبوية عفيف الدين المطري. وبرع في الفقه وغيره. وأقام بالقاهرة زمانا. وولى قضاء المالكية بحلب، فسار في الناس سيرة عسوف، فعزل. وأقام بغزة حتى مات. ومولده في ثاني عشرين شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة.
ومات الرئيس نور الدين على بن عنان التاجر بالخاص، في ليلة الجمعة ثامن عشر شوال.
ومات الخطيب ناصر الدين محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم، بن عبد الواحد بن عشاير الحلبي، بالقاهرة، في ليلة الأربعاء سادس عشرين ربيع الآخر. وكان فقيها شافعيا، عارفا بالفقه والحديث، والنحو والشعر وغيره. ولي هو وأبوه خطابة حلب. وقدم إلى القاهرة، فلم تطل مدته بها، حتى مات.
ومات القاضي فتح الدين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن ابن عقيل الشافعي، موقع الدرج، في حادي عشرين صفر - ومات الشيخ شمس الدين محمد بن الحافظ محب الدين عبد الله بن أحمد ابن المحب الحنبلي الدمشقي بها. وكان إماما في الحديث والورع والزهد.
ومات الشيخ أمين الدين محمد بن محمد بن محمد النسفي الخوارزمي البلغاري المعروف بالخلوتي، في سابع عشرين شعبان خارج القاهرة.
ومات القاضي شمس الدين محمد القرمي الحنفي، قاضي العسكر، في سابع عشرين ربيع الآخر.
ومات القاضي شمس الدين محمد بن علي بن الخشاب الشافعي في تاسع عشرين شعبان. حدث بصحيح البخاري عن وزيره والحجار. وناب في حسبة القاهرة، وعمر.
ومات القاضي شمس الدين محمد بن الوحيد الدمشقي، باشر نظر المواريث ونظر الأوقاف. بمدينة مصر، وشهادة الجيش، مات في سابع ربيع الأول.
ومات الشيخ شمس الدين محمد بن قطب البكري الشافعي، في خامس عشر شوال. تصدر للإشتَغال بالفقه مدة.
سنة تسعين وسبعمائةفي المحرم: قدم قاصد من الأمير منطاش،، يخبر أنه باق على الطاعة، فقدم البريد من حلب أنه خارج عن الطاعة، وقصد بهذا المدافعة عنه،َ حتى يدخل فصل الربيع، وتذوب الثلوج. فسير السلطان الأمير سيف الدين تُلَكتمُر الدوادار بعشرة آلاف دينار للأمراء المجردين، تقوية لهم وتوسعة عليهم، وليعرف حقيقة أمر منطاش وقدم الأمير جُمُق بن الأتابك أيْتمش من حلب، وقد قلد الناصري النيابة بها.
وفي يوم السبت حادي عشرينه: قدم الأمير قُرقُماس - أمير الحاج - بالمحمل، والحاج، بعد ما أصابهم سيل عظيم في ترعة حامد - فم وادي القباب - فمات فيه عدد كبير، غرق منهم جمع ودفن مائة وسبعة، وتلف من الأمتعة شيء لا يعبر عنه كثرة، وذلك في ليلة التاسع عشر منه.
وفيه سمر علي بن نجم أمير عرب الفيوم، ومعه عشرون رجلا، ووسطوا كلهم، بسبب قتلهم محمد وعمر ابني شادي.
واستقر الأمير علاء الدين أقبغا المارداني كاشف الجيزة.
وقدم رسل ابن عثمان ملك بُرصا، فأنزلوا بالميدان الكبير بخط موردة الجبس.
واستقر عمر بن الخطاب في ولاية الفيوم وكشفها، وكشف البهنسا وأطفيح، عوضا عن أمير أحمد بن الركن.
وفي أول صفر استقر أيدمر أبو زلطة نائب الوجه البحري. وعزل قطلوبغا أبو درقة. واستقر أبو درقة كاشف الوجه البحري.
وفي ثامن عشره: أحضر ترسل ابن عثمان إلى الخدمة بالقلعة، وقدموا هدية مرسلهم.
وقدم الخبر برحيل تمرلنك عن توريز إلى سمرقند وأن الأسعار ارتفعت بسائر بلاد الشام، وأبيعت الغرارة القمح في بلد الرملة بثلاثمائة درهم فضة، فنقل الناس الغلال من ديار مصر إليها.
وقدم الخبر بأن الشريف عنان بن مغامس اقتتل مع الشريف علي بن عجلان، وانهزم من علي. ثم قدم مقاصده يسأل السلطان العفو عنه.
وقدم البريد بأن مِنْطاش خرج من ملطية إلى سيواس، فسار البريد بالخلع والأموال. لتفرق في تَلك البلاد.
وفيه فرق نجم الدين محمد الطنبدي محتسب القاهرة عدق فقراء الفقهاء على الباعة بسائر الأسواق، ليعلموهم من القرآن ما لا بد منه في الصلاة، فاستمر ذلك، وقرر لكل معلم على كل حانوت فلسين في كل يوم.
وفي ربيع الأول: منع قراء الأجواق عامة من التهنيك وأن يكون عوضه الصلاة على النبي.
وفي هذا الشهر: وقع بالقاهرة، ومصر وضواحيهم طاعون وحميات حادة، وفشى الموت بذلك في الناس.
وفيه عمل السلطان المولد النبوي بالقصر على العادة، وأقيم السماع بإبراهيم بن الجمال وأخيهخليل يشبب.
وفي ليلة الأربعاء ثماني عشره: حضر ابنا الجمال المذكورين عند بعض أهل مصر مولدا. فلما أقيم السماع سقط البيت. بمن فيه، فمات ابنا الجمال في ستة أنفس، وسلم من عداهم.
ومن الاتفاق الغريب أنه كان يغني بهذه الأبيات:
تغنيت في حبكم ... ولا فادني منه .فن
وخضت بحار الهوى ... وجزت بوادي محن .
وقالوا به جنة ... ومثلي بكم من يجن.
فؤادي بكم هايم ... وعقلي بكم مفتن
أغني ولي فيكم ... فؤاد كثير الشجن
سيطرب من في الحمى ... ويرقص حتى السكن.
فلما وصل في غنائه إلى قوله " ويرقص حتى السكن " سقط البيت على من فيه وتتمة هذه الأبيات :
لقد جئت مستِعذرا ... لكم يا أهيل المحن.
فجودوا على عبدكم ... وإن لم تجودوا فمن
وفي هذه الليلة: عمل الشيخ المعتقد إسماعيل بن يوسف الإنبابي المولد على عادته في زاويته بناحية منبوبة من الجيزة تجاه بولاق، فكان فيه من الفساد ما لا يوصف، إلا أنه وجد من الغد في المزارع مائة وخمسون جرة فارغة من جرار الخمر التي شربت - تلك الليلة في الخيم، سوى ما حكى عن الزنا واللياطة، فجاءت ريح كادت تقتلع الأرض.بمن عليها، وامتنع الناس من ركوب النيل فتأخروا هناك.
واتفق في هذا الشهر موت خمسة من المشهورين، لم يخلفوا بعدهم مثلهم في مغناهم، وهم: علم الدين سليمان القرافي المادح، مات ليلة الخميس تاسعه وإبراهيم ابن الجمال المغني، وأخوه خليل المشبب، في ليلة الأحد ثاني عشره. وعلي بن الشاطر رئيس المؤذنين بالجامع الأزهر، في ليلة الإثنين ثالث عشره. والمعلم إسماعيل الدجَيجاتي، في ليلة الأربعاء خامس عشره.
وفيه ورد الخبر بدخول العسكر المصري إلى بلاد ملطية، لقتال منطاش.
وفي يوم السبت ثالث ربيع الآخر: استقر جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد اللّه الحميدي في قضاء الحنفية بالإسكندرية، وعزل همام الدين عبد الواحد السواسي العجمي.
وسار الشريف حسن بن عجلان من القاهرة إلى مكة، وسار معه جماعة يريدون العمرة والمجاورة بمكة.
وتزايد الموت، وطلب البطيخ الصيفي للمرضى، فأبيعت البطيخة بخمسين درهما فضة، وأبيع الرطل من الكمثرى بعشرة دراهم.
وفيه ندب قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن بنت ميلق، جماعهَ، فقرأو بالجامع الأزهر صحيح البخاري، ودعوا الله تعالى في رفع الطاعون. واجتمعوا أيضاً في يوم الجمعة سادس عشره بالجامع الحاكمي، وفعلوا ذلك. ثم اجتمعوا مرة ثالثة بالجامع الأزهر، بعد عصر يوم الإثنين تاسع عشره، ومعه كثير من الأطفال الأيتام، فكان جمعا موفوراً.
وفي سادس عشرينه: استقر الأمير أيدكار العمري، حاجب الحجاب بديار مصر، عوضا عن الأمير قطلوبغا الكوكاي، وكانت هذه الوظيفة متوفرة نحو أربع سنين بعد وفاة الكوكاي، وأضيف إليه نظر الخانقاة الشيخونية. واستقر الأمير سيف الدين المعروف بسيدي أبو بكر بن سنقر الجمالي حاجب ميسرة بإمرة مائة، عوضا عن أيدكار بحكم انتقاله حاجب الحجاب.
وفي ثامن عشرينه: قدم الأمير بلّوط الصَرغَتمُشى.
وفي تاسع عشرينه: مات الأمير سُبْرج والي باب قلعة الجبل. وكثر الموت في المماليك بالقلعة، فكان يموت منهم في كل يوم زيادة على عشرين نفسا.
وفي أَول جمادى الأولى: بلغت عدة الأموات الواردين على الديوان إلى مائتين وخمسة وثلاثين، سوى من يموت بالمارستَان، وسوى الطرحاء على الطرقات.
وفي رابعه: استقر بحاس النوروزي نائب باب القلعة، وتزايدت عدة الموتى.
وفي رابع عشره: استقر فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس في نظر الدولة، عوضا عن أمين الدين عبد اللّه بن ريشة بعد موته.
وفي حادي عشرينه: ورد صراي تَمُر - دوادار الأمير يونس الدوادار، ومملوك نائب حلب - على البريد بأن العسكر توجه إلى سيواس، وقاتل عسكرها، وقد استنجدوا بالتتر، فأتاهم منهم نحو الستين ألفا، فحاربوهم يوما كاملا، وهزموهم، وحصروا سيواس بعدما قتل كثير من الفريقين، وجرح معظمهم، وأن الأقوات عندهم عزيزة فجهز السلطان إلى العسكر مبلغ خمسين ألف دينار مصرية، وسار بها تُلَكتمُر الدوادار في سابع عشرينه.
ثم أن العسكر تحركوا للرحيل عن سيواس، فهجم عليهم التتار من ورائهم فبرز إليهم الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، وقتل منهم خلقا كثير، وأسر نحو الألف، وأخذ منهم العسكر نحو عشرة آلاف فرس، وعادوا سالمين إلى جهة حلب.
وفي حادي عشرينه: استقر كل من جَركس وقُطْلوبَك السيفي أمير جاندار عوضا عن يَلْبُغا المحمدي وألطنبغا عبد الملك بعد موتهما. وقدم البريد بقتل الصارم إبراهيم بن شهري نائب دوركي على سيواس.
وفي يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة: استقر الأمير جمال الدين محمود بن على شاد الدواوين في أستادارية السلطان، بعد موت الأمير بهادر المنجكي، واستقر ناصر الدين محمد بن الحسام لاجين الصقري أستادار الأمير سودن باق في شد الدواوين.
وفي يوم الخميس خامس جمادى الآخرة: أنعم على كل من بَلُوط الصَرْغَتْمشىُ ونوغيه العلاي، وناصر الدين محمد بن الأمير محمود بإمرة طبلخاناة. وعلى كل من داود ابن دلغادر، وناصر الدين محمد بن الحسام الصقري الشاد بإمرة عشرة.
وفيه استقر الأمير محمود الأستادرار مشير الدولة، وخلع عليه، فتحدث في الدولة، والخاص، والديوان المفرد، وصار عزيز مصر. وحضر عنده الصاحب علم الدين كاتب سيدي، وموفق الدين أبو الفرج ناظر الخاص، وائتمرا بأمره.
وفي ثامنه: ارتفع الوباء بعدما تجاوز الثلاثمائة في كل يوم.
وفي عاشره: قدم البريد من الأمير يونس ومن نائب حلب بخبر وقعة سيواس التي ذكرناها، وعود العسكر إلى ملطية، فكتب بإحضار الأمير يونس الدوادار على البريد.
وفي ثاني عشره: خلع على الصاحب علم الدين خلعة استمرار، بعقب غضب السلطان عليه.
وفي رابع عشره - الموافق سادس عشرين بؤونة: - أخذ قاع النيل فجاء ستة أذرع وثمانية أصابع.
وفيه قدم الفقيه قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون الأشبيلي المغربي من الحجاز إلى القاهرة.
وفي تاسع رجب: قدم الأمير تُلَكتمر الدوادار، وأخبر بأن منطاش قد فر من سيواس خوفا من القاضي برهان الدين أحمد صاحبها أن يقبض عليه.
وفي خامس عشره: استقر الأمير قُطلوبُغا الأسَنْقجاوي أبو درقة كاشف الوجه البحري، عوضا عن ركن الدين عمر بن إلياس بن أخلا قُرطُ.
وفي خامس عشرينه: استقر مُقْبل الطيبي والي قوص ملك الأمراء بالوجه القبلي، وعزل مبارك. واستقر الصارم إبراهيم الشهابي في ولاية قوص.
وفي أول شعبان: أوفي النيل، ووافق ثالث عشر مسرى.
وفي ثالثه: قدم العسكر المجرد والأمراء من سيواس إلى قلعة الجبل بغير طائل، فخلع على الأمراء وأركبوا خيولا بقماش ذهب، فكانت غيبتهم عن. القاهرة سنة، أياما.
وفي عاشره: استقر بتخاص السودوني - حاجب طرابلس - في نيابة صفد بعد موت أركماس .
وفي خامس عشره: طلب السلطان الطواشي بهادُر مقدم المماليك، فلم يوجد بالقلعة، فأحضره سكرانا من بيت على البحر، فاشتد حنق السلطان عليه، ونفاه إلى صفد، وأعطى بها إمرة عشرة. واستقر عوضه الطواشي شمس الدين صواب السعدي - المعروف بشنكل الأسود - مقدم المماليك في سابع عشره. واستقر الطواشي سعد الدين بشير الشرفي عوضا عن شنكل في نيابة المقدم.
وفيه قدمت رسل الفرنج بجنوة في الحديث بسبب من قبض عليه من الفرنج. وذلك أنه ورد الخبر أن بعض أقارب السلطان قدموا من بلاد الجراكسة في البحر، فأخذهم الفرنج، فقبض على من بالإسكندرية منهم، وختم على أموالهم.
وفي ثالث عشرينه: قدم البريد.بموت قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة بدمشق، فصلى عليه صلاة الغائب بجوامع القاهرة ومصر، في يوم الجمعة خامس عشرينه.
وفيه عُقد عقد القاضي جمال الدين محمود القيصري - قاضي العسكر - على ابنة ناصر الدين محمد بن المعلم شهاب الدين أحمد الطيلُوني في بيت الأمير يونس الدوادار، فكان يوما مشهودا.
وفيه استقر القاضي سرى الدين أبو الخطاب محمد ابن قاضي القضاة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن زين الدين أبي محمد عبد الرحيم بن علي بن عبد الملك السُّلمي المسَّلاتي في قضاء القضاة بدمشق، عوضا عن البرهان بن جماعة، وحمل إليه التشريف والتقليد إلى دمشق، مسئولا بذلك.
وفي ثامن رمضان: خلع على الصاحب علم الدين عقب عافيته من مرضه، وعلى الفخر بن مكانس ناظر الدولة، وابن الحسام الشاد، وعلى محمد بن صدقة الأعسر، واستقر والي الأشمونين، عوضا عن أمير حاج بن أيدمر ونقل أمير حاج إلى ولاية الفيوم وكشفها وكشف البهنسا وأطفيح عوضا عن عمر بن خطاب.
واستقر محمد بن الهذباني في ولاية البهنسا، وعزل قُوزي.
وفي تاسع عشره: قبض على سعد الدين نصر الله بن البقري ناظر الديوان المفرد،وسلم لشاد الدواوين، وألزم بخمسة آلاف دينار، فباع أملاكه. وقبض على سعد الدين ابن قارورة مستوفي الدولة - وألزم بثلاثين ألف درهم.
وفي رابع عشرينه: قبض على الصاحب الوزير علم الدين عبد الوهاب بن القسيس، المعروف بكاتب سيدي. واستدعى الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وخلع خلعة الوزارة، وسلم إليه كاتب سيدي، فألزمه.بمال حمل منه ثلاثمائة ألف درهم، بعد ما قبض على حواشيه، والحاج عبيد البزدار، مقدم الدولة.
وفي يوم الخميس - سادس شوال: قدم من حلب الأمير قرادمراش باستدعاء.
وفي تاسعه: قدم من الحجاز الشريف عنان بن مغامس أمير مكة، واستجار بالأمير الكبير أَيتمش، ونزل عنده، فشفع فيه، وأحضره إلى السلطان، فعفا عنه.
وفي عاشره: استقر شمس الدين محمد بن أخي الجار النيسابوري في مشيخة سعيد السعداء، عوضا عن شهاب الدين أحمد الأنصاري.
وخرج الحاج على العادة، وأمير الركب الأول جركس الخليلي أمير آخور، وأمير الركب الثاني أقبغا المارداني، صحبة المحمل.
وقدم الخبر من أمراء دمشق.بمخامرة أَلطُنبُغا الجوباني نائب دمشق، وأنه ضرب طُرنُطاي حاجب الحجاب، واستكثر من استخدام المماليك، فبلغ الجوباني ذلك، فاستأذن في الحضور، فأذن له، فركب البريد من دمشق ونزل سرياقوس - خارج القاهرة - ليلة الخميس سابع عشرينه، فبعث إليه السلطان الأمير فارس الصَرْغَتْمشُى الجوكندار، فقيده وسار به إلى الإسكندرية، فسجنه بها. وقبض بقلعة الجبل في يوم السبت تاسع عشرينه على الأمير أَلْطُنْبغا المعلم أمير سلاح، وقردُم الحَسَنيِ - رأس نوبة - وقيدا، وحملا إلى سجن الإسكندرية، مع أَلْجبُغا الجمالي الدوادار.
واستقر الأمير سيف الدين طرنطاي حاجب دمشق في نيابتها، عوضا عن الجوباني، وحمل إليه التشريف والتقليد من قلعة الجبل إلى دمشق، مع سودن الطرنطاي. وكتب بقبض الأمير كمشبغا الحموي نائب طرابلس، فقدم سيفه في عاشر ذي القعدة.
وفي حادي عشره: استقر الأمير ألجبُغا الجمالي الدوادار خازندارا ثانيا.
وتوجه الأمير شيخ الصفوي بتقليد أسندمر المحمودي حاجب طرابلس نيابة طرابلس.
ونفي كُمُشبغُا الأشرفي الخاصكي رأس نوبة إلى طرابلس، فسار من دمياط لأنه كان في اليزك بها.
وفي خامس عشرينه: عزل أَيدمر نائب الوجه البحري، ثم أعيد من يومه.
وفي سادس عشرينه: قدم البريد بعشرين سيفا من سيوف الأمراء الذين قبض عليهم ببلاد الشام. وكتب بالقبض على الأمراء البطالين ببلاد الشام فقبض عليهم. وأعيد سودن العثماني على نيابة حماة. واستقر كشلي القلمطاوي نائبا.بملطية.
وفي يوم الخميس ثاني ذي الحجة: قدم الأمير سودن الطرنطاي من الشام بعدما قلد نائب دمشق، وقبض على الأمراء، فاستقر في ثامنه رأس نوبة ثانيا عوضا عن قُردُم الحسني.
وفيه قدمت رسل الأمير قرا محمد التركماني بكتابه، يخبر أنه أخذ مدينة تبريز، وضرب بها السكة باسم السلطان، ودعا له على منابرها، وسير دنانير ودراهم ضربت بالسكة السلطانية. وسأل أن يكون بها نائبا عن السلطة، فأجيب بالشكر والثناء. واستقر جمق السيفي في ولاية الفيوم وكشفها، عوضا عن أمير حاج بن أَيدَمُر. وقدم الأمير شيخ الصفوي من طرابلس.
وفي ثاني عشرينه: استقر شمس الدين محمد بن عيسى أمير عرب العائد في كشف الشرقية وولايتها، عوضا عن قُطْلُوبُغا التركماني.
وفي سادس عشرينه: قدم مبشرو الحاج، وأخبروا بالأمن والسلامة.
وقدم البريد من الإسكندرية بوصول خواجا علي أخي الخواجا عثمان، ومعه جميع من أسرهم الفرنج من أقارب السلطان. واستقر تقي الدين أبو محمد عبد اللّه ابن قاضي القضاة جمال الدين أبي المحاسن يوسف ابن قاضي القضاة شرف الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكُفْري في قضاء الحنفية بدمشق، عوضا عن نجم الدين أحمد بن أبي العز بن الكشك. واستقر شمس الدين محمد بن الشهاب أحمد بن المهاجر الحلبي في قضاء القضاة الشافعية بحلب، عوضا عن شرف الدين مسعود. وأعيد محب الدين محمد بن الكمال محمد بن الشحنة إلى قضاء القضاة الحنفية بحلب، عوضا عن موفق الدين.
و استقر علاء الدين علي بن أحمد بن عبد الله بن المقارعي في قضاء القضاة الحنابلة بحلب، عوضا عن شهاب الدين أحمد بن فياض.
وكان الحاج من مصر خاصة سبعة ركوب من كثرتهم، سوى ركبي المغاربة والتكاررة، لتتمة تسعة ركوب.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانقاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم ابن سعد الله بن جماعة الكناني الشافعي، بدمشق، ليلة الجمعة ثامن عشر شعبان، ومولده سنة خمس وعشرين وسبعمائة. ولم يخلف بعده مثله.
ومات الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الأسيوطي الشافعي بمكة، في ثاني شهر رجب. وقد أسن وأفتى ودرس، وأسمع صحيح مسلم وغيره.
ومات الأمير شهاب الدين أحمد بن عمر بن قليج والي الفيوم. كان أبوه أحد أمراء الألوف، وكاشف الوجه القبلي.
ومات الشيخ المعتقد إسماعيل بن يوسف الإنبابني، بزاويته بناحية منبابة، في سلخ شعبان.
ومات عماد الدين إسماعيل بن علي، المعروف بابن المشرف، أستادار الأمير جركس الخليلي، في العشرين من ذي القعدة.
ومات الأمير سيف الدين بهادر المنجكي، أستدار السلطان، وأحد الأمراء الألوف،في أول جمادى الآخرة.
ومات الوزير الصاحب علم الدين بن القسيس، المعروف بكاتب سيدي، الأسلمي،في آخر ذي الحجة.
ومات القاضي أمين الدين عبد الله بن مجد الدين فضل الله بن أمين الدين عبد الله بن ريشة القبطي الأسلمي، ناظر الدولة، في ليلة الأربعاء سادس جمادى الأولى.
ومات الأمير سيف الدين جلبان الحاجب، في خامس عشرين رمضان، وكان خيرا متدينا عارفا.
ومات الأمير سيف الدين سُبْرج الكمشبغاوي، نائب قلعة الجبل، في تاسع عشرين ربيع الآخر.
ومات الشيخ علاء الدين أحمد بن محمد، المعروف بالعلاء السيرامي العجمي، شيخ المدرسة الظاهرية المستجدة بين القصرين، في ثالث جمادى الأولى. وكان فاضلا في الفقه على مذهب أبي حنيفة، مشاركا في غيره، مشكور السيرة.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن قطلوبغا المحمدي، المعروف بقشقلدق ، أحد أمراء العشرات، في ثاني جمادى الآخرة.
ومات القاضي عز الدين أبو اليمن محمد بن عبد اللطف بن الكُوَيك الربعي الشافعي، في ثاني عشر جمادى الأولى، عن خمس وستين سنة، وقد أسمع الحديث مدة.
ومات القاضي تقي الدين محمد بن محمد بن أحمد بن شاس المالكي موقع الدست، في سابع عشر شعبان. وقد عين لكتابة السر.
سنة إحدى وتسعين وسبعمائةأهلت بيوم الخميس.
ففي خامس المحرم: استقر قطلوبك السعدي البريدي والي الشرقية، عوضا عن الأمير شمس الدين محمد بن عيسى العايدي. واستقر ابن عيسى كاشف الشرقية.
وفي ثامنه: قدمت رسل ابن قَرَمان بهدية، فقبلها السلطان، وخلع عليهم.
وفي تاسع عشره: قدمت رسل فرنج جنوة بالخواجا علي وأقارب السلطان ومعه هدية ملكهم، فقبلت، وخلع عليهم.
وفيه قدم الأمير جركس الخليلي من الحجاز بإخوة السلطان.
وفي ثالث عشرينه: قدم البريد من سيس بأن خليل بن دلغادر، ونائب سيس، جمعا تركمان الطاعة وحاربوا سولى بن دلغادر ومنطاش، وقتلوا كثيرا من أصحابهما، وهزماهما، وغنما ما معهما من الأموال والحريم.
وفيه قدم الأمير أقبغا المارداني بالمحمل وبقية الحاج.
وفيه استقر الشيخ جلال الدين نصر الله البغدادي الحنبلي في تدريس المدرسة الظاهرية المستجد بدرس الحديث النبوي، عوضا عن الشيخ أحمد بن أبي يزيد المعروف بمولانا زاده السيرامي. واستقر قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن ابن خلدون عوضه في تدريس الحديث بالمدرسة الصَرْغُتمشية، خارج القاهرة.
وفي هذا الشهر: أشيع أن الأمير يلبغا الناصري - نائب حلب - وقع بينه وبين الأمير سودُن المظفري، وكاتب كل منهما في الآخر، فلهج العامة في كل وقت بقولهم: " من غلب صاحب حلب " ، حتى لا تكاد تجد صغيرًا ولا كبيراً إلا ويقول ذلك، حتى كان من غلب الناصري نائب حلب ما يأتي ذكره، فكان هذا من غرائب الاتفاقات.
وفي يوم الأحد خامس صفر: جمع السلطان الأمراء الخاصكية في الميدان تحت القلعة، وشرب معهم القمز ، وقرر لشربه يومي الأحد والأربعاء.
وفي سابعه: استقر سيف الدين أبو بكر بن شرف الدين موسى بن الديناري في ولاية قوص، عوضا عن الصارم إبراهيم الشهابي.
وفي عاشره: بعث السلطان هدية الأمير يلبغا الناصري، فيها عدة خيول بقماش ذهب وقباء واستدعاه ليحضر. فلما قدم ذلك عليه خشي أن يفعل به كما فعل بالأمير ألطنبغا الجوباني، فكتب يعتذر عن الحضور بحركهَ التركمان ومنطاش، والخوف على حلب منهم، فلم يقبل السلطان عذره، وكثر تخيله منه. وبعث الأمير تلكتمر المحمدي الدوادار إلى حلب، وعلى يده مثالين ليلبغا الناصري وسودُن المظفري أن يصطلحا بحضرة الأمراء والقضاة. وسير معه خلعتين يلبسانهما بعد صلحهما. وحمله في الباطن عدة ملطفات إلى سودن المظفري، وغيره من الأمراء، بقبض الناصري وقتله إن امتنع من الصلح. وكان مملوك الناصري قد تأخر عن السفر ليفرق كتبًا من أستاذه على الأمراء، يدعوهم إلى موافقته على الثورة بالسلطان. وأخر السلطان جواب الناصري الوارد على يده ليسبقه تلكتمر إلى حلب، فبلغ المملوك ما على يد تلكتمر من الملطفات، وأخذ الجواب، وسار على البريد وجد في السوق حتى دخل حلب قبل تلكتمر. وعرف الناصري الحال كله، ويقال إن تلكتمر كان بينه وبين الشيخ حسن - رأس نوبة الناصري - مصاهرة، فلما قرب من حلب بعث يخبره.بما أتى فيه، فتنبه الناصري لما أخبره الشيخ حسن برسالة تلكتمر، واحترز لنفسه. وخرج حتى لقي تلكتمر على العادة، وأخذ منه المثال، وحضر به إلى دار السعادة، وقد اجتمع الأمراء والقضاة وغيرهم لسماع المثال السلطاني. وتأخر سودُن المظفري عن الحضور والرسل تستدعيه، حتى حضر وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه. فعندما دخل الدهليز جس قازان البرقشي - أمير آخور الناصري - كتفه، فوجد السلاح وقال: " يا أمير، الذي يريد الصلح يدخل لابس آلة الحرب. " فسبه المظفري، فسل قازان عليه السيف وضربه، وأخذته السيوف من الدين رتبهم الناصري من مماليكه حتى برد ، فجرد ممالكيه أيضاً سيوفهم، وقاتلوا مماليك الناصري، فقتل بينهم أربعة. وثارت الفتنة، فقبض الناصري على حاجب الحجاب وأولاد المهمندار، وعدة ممن يخافهم، وركب إلى القلعة وتسلمها. واستدعى التركمان والعربان، وقدم عليه الأمير منطاش معاونا له، وداخلاً في طاعتة. وبعث تلكتمر إلى السلطان، فقدم في خامس عشره وأعلم السلطان بخروج الناصري عن الطاعة، واجتمع الناس معه، وكتب السلطان في سابع عشره إلى الأمير سيف الدين أينال اليوسفي أتابك دمشق بنيابة حلب، وجهز إليه التشريف والتقليد. وطلب السلطان في ثامن عشره القضاة والأعيان وأهل الدولة من الأمراء وغيرهم، وحدثهم بعصيان الناصري واستشارهم في أمره، فوقع الاتفاق على إرسال عسكر لقتاله، فحلف الأمراء كلهم ، ثم خرج السلطان إلى القصر الأول، وحلف أكابر المماليك على الطاعة.
وفي تاسع عشره: ضربت خيمة كبيرة بالميدان تحت القلعة، وضرب بجانبها عدة صواوين برسم الأمراء، ونزل السلطان إلى الخيمة، وحلف الأمراء وسائر المماليك. ثم مد لهم سماطاً جليلا، فأكلوا وانفضوا.
وفي رابع عشرينه: قدم البريد من دمشق بأن قرا بغا فرج الله، وبزلار العمري، ودمرداش اليوسفي، وكمشبغا الخاصكي الأشرف، وأقبغا حنجق، اتجمع معهم عدة كبيرة من المماليك المنفيين، وقبضوا على الأمير سيف الدين أسندمر نائب طرابلس، وقتلوا من الأمراء صلاح الدين خليل بن سنجر وابنه وقبضوا على جماعة، ودخلوا في طاعة الناصري.
وفيه عرض السلطان المماليك، وعين منهم أربعمائة وثلاثين للسفر ورسم لمن يذكر من الأمراء بالسفر، وهم: الأمير الكبير أيتمش الأتابك، والأمير جركس الخليلي أمير آخور، والأمير شهاب الدين أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير يونس الدوادار، والأمير أيدكار حاجب الحجاب، وهؤلاء أمراء ألوف. ومن أمراء الطبلخانات فارس الصَرْغَتْمُشى، وبَكْلمش رأس نوبة، وجركس المحمدي، وشاهين الصرغتمشى، وأقبغا الصغير السلطاني، وأينال الجركسي أمير آخور، وقديد القلمْطاوي. ومن أمراء العشراوات خضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي، وناصر الدين محمد بن محمد بن أقبغا آص وحمل إلى الأمير أيتمشِ مائتا ألف درهم فضة، وعشرة آلاف دينار ذهباً مصرية. وإلى كل من أمراء الألوف مائة ألف درهم وخمسة آلاف دينار ما خلا أيدكار، فإنه حُمل له مبلغ ستين ألف درهم مع الذهب نظيرهم. ولمن عداهم من الأمراء لكل منهم بلغ خمسين ألف درهم، وألف دينار، وأربعمائة دينار.
وفي سادس عشرينه: قدم البريد بأن مماليك الأمير سيف الدين سودن العثماني - نائب حماة - هموا بقتله، ففر إلى دمشق، وأن الأمير سيف الدين بيرم العزي الحاجب بحماة دخل في طاعة الناصري، وملك حماة، فعرض السلطان المماليك وعين منهم أربعة وسبعين، لتتم جملة من يسافر من المماليك خمسمائة.
وورد الخبر باستيلاء الفرنج على جزيرة جَربة.
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه: رسم للأمير بجاس والي باب القلعة ، فتوجه إلى الخليفة المتوكل، ونقله إلى برج وضيق عليه ،ومنع الناس من الدخول إليه خوفاً من الناصري أن يدس من يأخذه، فإنه - أي الناصري - شنع على السلطان بأمور أكبرها سجن الخليفة. فبات الخليفة به ليلة واحدة، ثم أعيد إلى مكانه. ورسم للطواشي مقبل الزمام بالتضييق على الأسياد أولاد الملوك الناصرية، ومنع من يتردد إليهم، والفحص عن أحوالهم، ففعل ذلك.
وفي يوم الإثنين ثاني ربيع الأول: خرج البريد بتقليد الأمير سيف الدين طُغاي تَمُر القبلاوي - أحد أمراء دمشق - نيابة طرابلس.
وفي خامسه: قدم قاصد خليل بن دلغادر بكتاه، يخبر أن سُنْقُر - نائب سيس - توجه إلى الناصري ودخل في طاعته، فلما عاد قبض عليه، وبعث سيفه، فخلع على قاصده.وفيه أنفق في المماليك نفقة ثانية، فالأولى لكل واحد من الخمسمائة مملوك ألف درهم فضة، والثانية أيضاً ألف درهم، سوى الخيل والجمال والسلاح، فإنه فرق في أرباب الجوامك لكل واحد جملان، ولكل اثنين من أرباب الأخباز ورتب لهم اللحم والجرايات والعليق، فرتب لكل من رءوس النوب في اليوم ست عشرة عليقة، ولكل من أكابر المماليك في اليوم عشر علائق، ولكل من أرباب الجوامك خمس علائق. ورسم لكل مملوك في دمشق.بمبلغ خمسمائة درهم.
وفي رابع عشره: استدعى السلطان شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني إلى مسجد رُديني داخل القلعة، واستدعى الخليفة المتوكل على الله فقام إليه وتلقاه، وأخذ في ملاطفته والاعتذار إليه، وتحالفا. ومضى الخليفة إلى موضعه، فبعث إليه السلطان عشرة آلاف درهم، وعدة بقج، فيها صوف وثياب سكندرية، وفرو، لتتمة القيمة عن الجميع ألف دينار. فبعث الخليفة بجزء وافر من ذلك إلى شيخ الإسلام، وإلى والي القلعة.
وتواترت الأخبار بدخول سائر أمراء الشام والمماليك اليلبغاوية والأشرفية، وسولى أمير التركمان، ونعير أمير العربان، في طاعة الناصري على محاربة السلطان. وأنه أقام سناجق خليفتيه، وأخذ جميع القلاع، خلا دمشق وبعلبك والكرك، فكثر الاضطراب بالقاهرة وقلعة الجبل. وخرج الأمراء والمماليك في يوم السبت رابع عشره إلى الريدانية خارج القاهرة بتجمل عظيم واحتفال زائده، فإن الدولة كانت لم تطرق والبلد لم يتغير حاله، والناس في عافية بلا محنة.
وأقاموا في التبريز إلى يوم الإثنين سادس عشره، فكانت أياما مشهودة .
وفيه قدم البريد من صفد بأن وقعة كانت بها من أجل مخامرة بعض الأمراء.
وفيه أنعم على قرابغا الأبو بكري بإمرة صراي الرجي الطويل، وأنعم بإقطاعه على طغايَ تمُر الجَرَكتمُرى.
وفي سابع عشره: عزل موفق الدين أبو الفرج من نظر الجيش، واستقر عوضه جمال الدين محمود القيسري قاضي العسكر الحنفي، واستقر الشيخ شرف الدين عثمان الأشقر إمام السلطان في قضاء العسكر. واستقر القاضي سراج الدين عمر الحنفي العجمي محتسب القاهرة في تدريس التفسير بالقبة المنصورية، عوضاً عن جمال الدين ، برغبته له عنه.
وقدم البريد من دمشق بأن سودن العثماني - نائب حماة - جدد له بركا بدمشق، وأقام عسكرا وسار معه الأمير صارم الدين إبراهيم بن هُمُزْ التركماني يريد أخذ حماة، فلقيه الأمير منطاش بعسكر حلب، وقاتله وهزمه إلى حمص، ومعه ابن هُمُز. وفيه أمر السلطان بإبطال الرماية والسلَف على البرسيم والشعير، وإبطال قياس الفصب والقلقاس، والإعفاء بما على ذلك من المقرر السلطاني.
وفي سلخه: عزل مُقْبل الطيبي عن نيابة الوجه القبلي، وأعيد مبارك شاه.
وفي يوم الثلاثاء أول ربيع الآخر: قدم البريد من دمشق بأن كُمُشْبُغا المنجكي - نائب بعلبك - دخل في طاعة الناصري.
وفي خامسه: قدم البريد بأن ثلاثة عشر من أمراء دمشق خرجوا. بمماليكهم إلى حلب نصرة للناصري، فواقعهم النائب بمن معه، وجرح منهم عدة، وساروا إلى حلب. وأن الأمير جركس الخليلي لما قدم إلى غزة، أحس.بمخامرة الأمير علاء الدين أقبغا الصفوي نائب غزة، فقبض عليه، وبعثه إلى الكرك، وأقر في نيابة غزة الأمير حسام الدين حسن ابن باكيش.
وفي عاشره: أنعم على بلاط المنجكي بإمرة عشرين، عوضا عن نوغاي العلاي بعد موته.
وفي حادي عشره: عزل ناصر الدين محمد بن العادلي، واستقر عوضه في ولاية منوف أقبغا البَشْتَكي. وعزل الصارم إبراهيم الباشقردي من ولاية أشموم الرمان، واستقر عوضه علاء الدين علي بن المقدم.
وفي تاسع عشره: عزل قنُق السيفي عن كشف الفيوم وولايتها، وكشف البهنسا وأطفيح، واستقر شاهين الكلبكي عوضه. وعزل محمد بن صدقة بن الأعسر من الأشمونين، واستقر عوضه عز الدين أيدَمُر المظفري.
وفي عشرينه: قدم رسول قرا محمد التركماني، ورسول الملك الظاهر صاحب ماردين، بقدومهما إلى الخابور ، ويستأذنان في محاربة الناصري، فأجيا بالثناء والشكر، وأنهما ادخرا لأهم من هذا. ودخل العسكر المصري إلى دمشق يوم الإثنين سابع ربيع الآخر، فتلقاه الأمير حسام الدين طُرُنطاَي النائب، واتفقوا على إرسال طائفة من أعيان الفقهاء إلى الناصري ليدخلوا بينه وبين السلطان في الصلح، فساوا في ثاني عشره بكتب الأمراء وهو فيما بين قارا والنبك فلما وصل الجماعة إليه تلقاهم ووعدهم بالجميل وأنزلهم في مكان، ووكل بهم من يحفظهم. وقد سار من حلب.بمن معه يريد دمشق. وقد أقبل المماليك السلطانية على الفساد بدمشق، واشتغلوا باللهو حتى نزل عليهم الناصري، في يوم السبت تاسع عشره، خان لاجين - خارج دمشق - فخرج في يوم الأحد ويوم الإثنين حادي عشرينه عساكر مصر ودمشق إلى برزة والتقوا بالناصري علي خان لاجين وقاتلوه قتالا شديداً، انكسر فيه مرتين من المماليك السلطانية. فعندما تنازلوا في المرة الثانية أقلب الأمير أحمد بن يلبغا رمحه، وصاح " فرج الله " ، ولحق بعسكر الناصري، ومعه مماليكه، وتبعه الأمير أيدكار والأمير فارس الصرْغَتْمُشى والأمير شاهين أمير آخور،.بمن معهم، وقاتلوا المماليك ومن بقي من أمراء مصر ودمشق، معاونة للناصري، فثبتوا لهم ساعة، ثم انهزموا. فهجم مملوك من عسكر الناصري يقال له يلبغا الزيني الأعور، وضرب الأمير جركس الخليلي فقتله، وأخذ سلبه ، وترك رمته بالعراء عارية مدة، إلى أن كفنته امرأة ودفنته. ومدت التراكميين أيديهم ينهبون من انهزم، ويأسرون من ظفروا به. ولحق الأمير أيتَمش بدمشق، وتحصن بقلعتها. وتمزق سائر العسكر، ودخل الناصري دمشق في يومه بعساكره وجموعه، ونزل بالقصر من الميدان، وتسلم القلعة بغير قتال. وأوقع الحوطة على سائر ما للعسكر.
وقيد أيْتَمش وطُرُنَطاي نائب دمشق، وسجنهما بالقلعة. وتتبع بقية الأمراء والمماليك، فقبض من يومه على الأمير بَكلَمش العلاي في عدة من المماليك، واعتقلهم. ومدت الأجناد والتركمان أيديهم إلى النهب، وتبعهم أوغاد الناس، فما عفوا ولا كفوا، وتمادوا على هذا عدة أيام.
وفي رابع عشرينه: عزل سُنْقُر السيفي عن ولاية دمياط واستقر عوضه ركن الدين عمر بن إلياس، قريب قُرُط.
وفي سادس عشرينه: استقر قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون في مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس، عوضا عن شرف الدين عثمان الأشقر بعد موته.
وفي سابع عشرينه: ورد الخبر من غزة بكسرة الأسراء والممالك في محاربة الناصري، واستيلائه على دمشق، وقتل الخليلي، والقبض على الأمير أيتمش وغيره، فاضطربت الناس بالقاهرة ومصر وظواهرهما اضطرابا عظيما، وغلقت الأسواق، وانتهبت الأخباز، وشغب الزعر، وتجمع أهل الفساد. وكان في البلد وباء، والناس في شغل بدفن موتاهم، فاشتد الخوف، وتزايد الإرجاف، وشنعت القالة.
وفي ثامن عشرينه: صرف سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي العجمي عن حسبة مدينة مصر، واستقر في قضاء العسكر عوضا عن شرف الدين عثمان الأشقر. استقر عوضا عنه في حسبة مصر همام الدين العجمي. واستقر الشيخ شمس الدين محمد بن علي البلالي الحلبي في مشيخة سعيد السعداء، عوضاً عن الشيخ شمس الدين محمد ابن أخي جار الله النيسابوري بعد موته. واستقر شمس الدين محمد القليجي في إفتاء دار العدل عوضا عن النيسابوري.
وفيه خرج السلطان إلى الإيوان، واستدعى المماليك واختار منهم خمسمائة، وأنفق فيهم ذهبا حسابا عن ألف درهم فضة ة ليتوجهوا إلى دمشق صحبة الأمير سودن الطرنطاي.
وفي تاسع عشرينه: أنفق في خمسمائة مملوك ثم في أربعمائة، لتتمة ألف وأربع مائة مملوك. ثم أنفق في المماليك الكتابية، لكل مملوك مائتي درهم فضة.
وفي يوم الأربعاء أول جمادى الأولى: أنعم على كل من قرابغا الأبو بكري وبجاس النوروزي والي القلعة ،وشيخ الصفوي وقرقماس الطشتمري بإمرة مائة وتقدمة ألف ، انقلوا إليها من إمرة الطبلخاناه وأنعم على كل من ألجبغا الجمالي الخازندار، وألطنبغا العثماني رأس نوبة، ويونس الأسْعَردي الرماح، وقنق باي الألجاوي اللالا، وأسن بغا الأرغون شاهي، وبغداد الأحمدي، وأرسلان السيفي اللفاف، وأحمد الأرغوني، وجرباش الشيخي، وألطنبغا شادي، وأروس بغا المنجكي، وإبراهيم بن طَشْتمُر العلاي، وقراكسك السيفي، بإمرة طبلخاناه، نقلوا إليها من إمرة العشرة. وأنعم على كل من السيد الشريف بكتمُر الحسني والي القاهرة - كان - وقنق باي الأحمدي بإمرة عشرين. وعلى كل من سيف الدين بطا الطولو تمري، ويلبغا السودوني، وسودن اليحياوي، وتانى بك اليحياوي، وأرغون شاه البيدمري وأقبغا الجمالي الهذباني، وقوزى الشعباني، وتعزي بردي، وبكبلاط السونجي وأردبغا العثماني، وشكرباي العثماني، وأسنبغا السيفي، بإمرة عشرة، وكانوا من جملة المماليك.
وفيه قدم البريد من قطا بأن الأمير أينال اليوسفي، والأمير أينال أمير آخور، وإياس أمير آخور، دخلوا إلى غزة في عسكر، فاشتد الاضطراب، وكثر الخوف، وبدا على السلطان سيماء الزوال. وفي يومه استدعى السلطان القضاة والأعيان وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني.
وبعث الأمير سودن الطُرُنْطاي والأمير قُرقُماس الطَشتمُري، فأحضرا الخليفة المتوكل على الله، فقام إليه السلطان وتلقاه وأجلسه، وأشار إلى القضاة فحلفوا كلا منهما للآخر، فحلفا على الموالاة والمناصحة، وخلع على الخليفة، وقيد إليه حجرة شهباء بسرج وكنبوش وسلسلة ذهب، فركب ونزل من القلعة إلى داره، وبين يديه الأمير بجاس النوروزي، وغيره، في موكب جليل إلى الغاية، فكان يوماً مشهوداً. وأًعيدت إقطاعاته ورواتبه، وأخلى له بيت بالقلعة ليسكنه، فنقل إليه حرمه، وسكنه، وصار يركب وينزل لداره، ويسير حيث شاء، من غير ترسيم، إلا أنه لا يبيت إلا.بمنزله من القلعة وأفرج فيه أيضاً عن الأمير أسَنْبُغا السيفي ألجاي من خزانة شمايل، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وخيل وجمال وثياب وسلاح كبير.
وفيه عرض السلطان المماليك، وهم لابسين آلة الحرب، وقد ركبوا على خيولهم، وتفقد ما يحتاجون إليه، وأنعم عليهم به.
وفي يوم الجمعة: ثالثه قدم الأمير شهاب الدين أحمد بن بقر، أمير عرب الشرقية - ومعه هجان الأمير جركس الخليلي، وحدث السلطان بتفصيل وقعة الأمراء مع الناصري، وأنه فر مع الأمير يونس الدوادار في خمس نفر، فعارضه الأمير عَنْقاء بن شَطِّى أمير آل مرا بالقرب من الخربة ، وأخذ يونس الدوادار وقتله، وبعث برأسه إلى الناصري، ووقع الأمير أينال اليوسفي بيد حسن بن باكيش بالقرب من غزة، فبعث به إلى الكرك مقيدا. ففت ذلك في عضد السلطان، واشتد قلقه، وانحط قدره، وزالت مهابته، واستشعر كل أحد ذهاب ملكه منه.
وفي رابعه: نودي في القاهرة ومصر بإبطال سائر المكوس، فتفرق الكتاب وأرباب الشرط من مقاعدهم التي كانوا يجلسون بها لأخذ المكوس.
وفي سادسه: ركب الخليفة المتوكل على الله والأمير سودن الشيخوني - نائب السلطة - وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، فكان الموكب للخليفة وبجانبه شيخ الإسلام وبين يديه النائب والحجاب والقضاة والأعيان، وداروا، ورجل على فرس أمامهم يقرأ من ورقة، أن السلطان قد أزال المظالم، وهو يأمر الناس بتقوى الله، ولزوم الطاعة، وأنا قد سألنا العدو الباغي في الصلح، فأبى وقد قوي أمره، فاحفظوا دوركم وأمتعتكم، وأقيموا الدروب على الحارات والسكك، وقاتلوا عن أنفسكم وحريمكم فتزايد خوف الناس وقلقهم، وشرعوا في عمل الدروب وشراء الأقوات، والاستعداد للقتال والحصار.وكثر كلام العامة وانتقاصهم للدولة، وتجمع الزعر والدُعَّار ينتظرون قيام الفتنة، لينتهبوا الناس. وألزم الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام مباشري جهات المكس بإحضار مكوس المبيعات، فاعتلوا بأن الناس امتنعوا من إعطاء المكس إعمادا على المناداة بإبطال المكوس، فألزمهم. بمطالبة الباعة.بمكس ما أبيع، فكثر بسبب ذلك اضطراب الناس، وتزايد طعنهم وهزؤهم بالدولة، وتناجوا فيما بينهم، وأكثروا من الجهر بقولهم: " السلطان من عكسه عاد في مكسه " . وبدا من الأمير قرا دمرداش وغيره تخذيل السلطان عن الحركة، وأنه يحصن القلعة، ويقاتل من ورائها. هذا وقد انقطعت الأخبار عن مصر، فإن مأمور نائب الكرك، وابن باكيش - نائب غزة - دخلا في طاعة الناصري ومنعا أحداً أن يرد إلى مصر، فكثر الكلام إلى أن قدم أحد مماليك السلطان الذين حضروا الوقعة، وأخبر.بما أخبر به ابن بقر، وذلك في سابعه، فزال الشك وتيقن كل أحد إدبار أمر السلطان.
وفي تاسعه: دمت طوائف من هوارة نجدة للسلطان، ونزلوا تحت القلعة ووقع الشروع في حفر خندق القلعة، ومرمة أسوارها، وتوعير طريق باب القلعة المعروف بياب القرافة، وتوعير باب الحوش، وباب الدرفيل وسدت خوخة أيدغمش حتى صار لا يدخل منها راكب فرس. ونودي بإبطال مكس النشا، ومكس النحاس، ومكس الجلود.
وفي عاشره - وهو يوم الجمعة: - دعى في الخطة بجوامع القاهرة ومصر، للخليفة المتوكل على اللّه قبل السلطان.
وفي ثاني عشره: اجتمع القضاة بالمشهد النفيسي لقراءة تقليد ولد الخليفة المتوكل بنظر المشهد المذكور، ثم توجهوا إلى رباط الآثار النبوية، وقرأوا صحيح البخاري، ودعوا الله تعالى للسلطان، وسألوه إخماد الفتنة.
وفي ثالث عشره: استقر قرا دمرداش أتابك العساكر، عوضا عن أَيتَمش البجاسي، وسودن باق أمير سلاح، وقرقماش الطشتمري الخازندار دوادار عوضاً عن يونس، وقرا بغا الأبو بكري أمير مجلس، عوضا عن أحمد بن يلبغا، وأقبغا المارداني حاجب الحجاب، عوضا عن أيدكار، وتمربغا المنجكي أمير آخور، عوضا عن جركس الخليلي، وخلع عليهم كلهم.
وأنعم على صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز بإمرة طبلخاناه وعلى جلبان الكمشبغاوي الخاصكي بإمرة طبلخاناة.
وفيه كثر الاهتمام بتحصين قلعة الجبل، ونقل الأحجار إليها ليرمى بها في المنجنيق، وأمر سكان القلعة بادخار القوت لشهرين، ورسم بجمع الحجارين لسد فم وادي السدرة بجوار الجبل الأحمر، وأن يبني حائط بين باب الدرفيل وسور القلعة، وأن يبنى أيضاً حائط من جوار باب الدرفيل إلى الجبل.
وفيه أيضاً نودي بأن يركب من له فرس من أجناد الحلقة للحرب، ويخرج من ليس له فرس بنشاب يرمي به مع العسكر، أو يصعد إلى القلعة حتى يرمي من بين شرفاتها، فكثر الهرج، وشنع الكلام، وتزايد القلق، وصارت الشوارع كلها ملآنة بالخيول الملبسة آلة الحرب. وطلبت آلات القتال بكل ثمن، فكسب أربابها مالا جزيلا، وتحاكى الناس عدة منامات روأها، تدل على زوال دولة السلطان، ولهجوا بذلك.
وفي ثامن عشره: استقر الأمير قرا دمرداش الأتابك في نظر المارستان المنصوري بالقاهرة، وخلع عليه، ونزل إليه على العادة وتتبعت عدة طرق تفضي إلى القلعة فسدت.
وفي سادس عشرينه: استقر فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس بمفرده في نظر الدولة من غير شريك، بعد وفاة رفيقه تاج الدين بن ريشة.
وفى سابع عشرينه: قدم الأمير علاء الدين الطَشلاقي والي قطيا منهزماً من عساكر الناصري، فرسم للأمير حسام الدين حسين بن على بن الكوراني والي القاهرة، فسد الباب المحروق والباب الحديد - من أبواب القاهرة - وسد باب الدرفيل بجوار القلعة والباب المجاور للقلعة المعروف قديماً بباب سارية ويعرف اليوم بباب المدرج، تحت دار الضيافة. وسد عدة خوخ وأزقة، يتوصل منها إلى القلعة. وركب عند قناطر السباع ثلاثة دروب، أحدهما من جهة مصر، وأخر من طريق قبر الكرماني، وأخر بالقرب من الميدان، وعمل عدة دروب أخر، وحفر خنادق كثيرة. هذا والموت بالطاعون فخبر في الناس.
وأما الناصري فإنه لما استقر بدمشق، نادى في جميع بلاد الشام وقلاعها ألا يتأخر أحد عن الحضور إلى دمشق من النواب والأجناد، ومن تأخر - سوى من عين لحفظ البلاد - قطع خبزه، وسلبت نعمته. فاجتمع الناس إليه بأسرهم، وأنفق فيهم، وخرج من دمشق بعساكر كثيرة جداً، في يوم السبت حادي عشر جمادى الأولى، وأقر في نيابة دمشق الأمير جَنتمُر أخاطاز وسار حتى نزل قطيا، ففر إليه من أمراء السلطان في ليلة الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى سيف الدين طُغيتَمنُر الجركتمري، وأرسلان اللفاف، وأزدبغا العثماني، في عدة من المماليك، ولحقوا بالناصري بعد ما صدفوا الأمير عز الدين أندَمُر أبو درقة - ملك الأمراء بالوجه البحري - وقد سار لكشف الأخبار، فضربوه، وأخذوا جميع ما معه، وساقوه معهم، وفرت عنه مماليكه.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرينه: أنفق السلطان بالإيوان في العسكر، فأخذ كل من المماليك السلطانية ومماليك الأمراء الألوف وأجنادهم خمسمائة درهم فضة، واستدعاهم طائفة طائفة، وأعطى كل أحد بيده، وسار يحرضهم على القتال معه، وبكى بكاء كثيراً، وفرق جميع الخيول - حتى خيل الخاص - في الأمراء والأجناد.
وفي أثناء ذلك كثرت الشناعة في القاهرة بوصول الناصري ومنطاش، فتزاحم الناس في شراء الخبز، وغلقت الأسواق، ولبس جميع الأمراء آلة الحرب، وركبوا إلى القلعة، ووقفوا بالرميلة، وحمل إلى الأمير أقبغا المارداني جملة مال من السلطان، ليفرق ذلك في الزعر وحملة السلاح من العامة؛ تقوية لهم ليقاتلوا مع العسكر، فاشتد خوف الناس من النهاية وصارت لهم اجتماعات وعصبيات. وافترقوا عدة أحزاب لكل حزب كبير وصاروا يخرجون إلى ظاهر القاهرة ويقتتلون بالحديد والمقاليع، ومن انفردوا من الناس أخذوا ثيابه، فتعطلت الأسواق وشغل كل أحد. مما يترقبه من الخوف والنهب. واستعد الكافة للحصار، وأكثروا من شراء البقسماط والدقيق والدهن ونحو ذلك، ونقل من ذلك ومن الأغنام إلى القلعة شيء كثير جداً. وفي ليلة الأربعاء حضر بهادر والى العرب، وأخبر نزول الناصري إلى الصالحية، ومن معه من العساكر في جهد. وقد وقف لهم في الرمل عدة خيول، واًنه لما وجد الصالحية خالية من العسكر، سر بذلك وسجد للّه شكراً، فإنه كان بحال لو تلقاه عسكر لما وجد فيمن معه منعة يلقى بها، وأن عرب العايد تلقاه بهم الأمير شمس الدين محمد بن عيسى وخدموا على العادة، وأحضروا الشعير وغيره من الإقامات. فرسم للأمير قرا دمرداش أن يتوجه لكشف الأخبار من جهة بركة الحبش؛ خشية أن يأتي أحد من قبل أطفيح، فسار لذلك. ورتب السلطان عسكره نوبتين، نوبة للحفظ بالنهار ونوبة للحفظ بالليل، وسير عدة من الأمراء إلى جهة مرج الزيات طليعة تكشف الخبر.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه: أنفق في مماليك أمراء الطبلخاناة والعشراوات، فأعطى كل واحد أربعمائة درهم فضة، وأنفق في الحطبردارية والبزدارية والأوجاقية، وأعطاهم القسى والنشاب، ورتب كثيراً من الأجناد البطالين بين شرفات القلعة ومعهم القسى والنشاب وأنفق فيهم المال، واستدعى رماة قسى الرجل من الإسكندرية فحضروا، وأنفق فيهم، ورتبهم بالقلعة في يوم الأربعاء.
وفيه عاد الأمير سيف الدين قجماس ابن عم السلطان، ومن معه من مرج الزيات، ولم يقفوا على خبر، فخرج ليلة الخميس الأمير سودن الطرنطاي في عدة من الأمراء إلى قبة النصر للحرس، وسارت طائفة أخرى إلى بركة الحبش. وبات السلطان بالإصطبل ساهراً لم ينم، ومعه النائب سودن وقرا دمردش، وعدة من المماليك والأمراء.
وفي يوم الخميس أول جمادى الآخرة: توجه الأمير قرا بغا الأبو بكري إلى قبة النصر، وعاد و لم يقف على خبر. وظل الأمراء نهارهم لابسين آلة الحرب، وهم على ظهور خيولهم بسوق الخيل تحت القلعة، ومعهم مماليكهم، ففر من مماليك السلطان اثنان، ومن ممالك الأمراء نحو الخمسين ولحقوا بالناصري. ودارت النقباء على أجناد الحلقة، فحضروا إلى بيتي الأمير سودن النائب، والأمير أقبغا حاجب الحجاب، ففرقوا على أبواب القاهرة، ورتبوا بها لحفظها. وندب الأمير ناصر الدين محمد بن الدواداري - أحد أمراء الطبلخاناه - ومعه جماعة لحفظ قياسر القاهرة وأسواقها. وأغلق والي القاهرة باب البرقية، وأمر الناس بحفظ الدروب والخوخ، ورتبت النفطية على برج الطبلخاناه وغيره بالقلعة.
وقدم الخبر بنزول طليعة الناصري بلبيس، ومقدمها الطواشي تُقْطاي الطَشْتَمُري. وفي يوم الجمعة ثانيه نزلت عساكر الناصري البير البيضاء ، فتسلل إليه العسكر أولاً بأول. فكان أول من يخرج إليه من القاهرة الأمير جبرائيل الخوارزمي، ومحمد بن بَيْدَمُر نائب الشام، والأمير بجمان المحمدي نائب الإسكندرية، وغريب الخاصكي، وأحمد ابن أرغون الأحمدي اللالا.
فنصبت الصناجق السلطانية على برج القلعة، ودقت الكوسات الحربية، فاجتمع الأمراء والمماليك السلطانية والأجناد. وركب السلطان والخليفة المتوكل على الله من القلعة بعد العصر، ووقفا خلف دار الضيافة، وجميع من بقي من العسكر لابسون السلاح. واجتمع حوله من العامة ما لا يقع عليه حصر، ثم سار إلى الإسطبل، وجلس فيه. وصعد الخليفة إلى منزله بالقلعة وقد نزلت الذلة بالدولة، وظهر من جزع السلطان وبكائه ما أبكى الناس شفقة له ورحمة. فلما غربت الشمس صعد إلى القلعة.
وفي يوم السبت ثالثه: نزل الأمير يلبغا الناصري بركة الجب ظاهر القاهرة، ومعه من الأمراء الأمير سيف الدين تمُربغا الأفضلي المدعو منطاش، والأمير سيف الدين بزلار، والأمير سيف الدين كُمُشبغا، والأمير أحمد بن يلبغا الخاصكي، والأمير مأمور، والأمير أيدكار، في آخرين وتقدمت الطلائع إلى مرج الزيات والي مسجد تبر، فغلقت أبواب القاهرة كلها، إلا باب زويلة، وغلقت جميع الدروب والخوخ، وسد باب القرافة، وماج الناس، وانتشر الزعر وأهل الفساد في أقطار المدينة، وأفسدوا.
ونزل السلطان والخليفة من القلعة إلى تحت دار الضيافة، فقدم من الإسكندرية رماة قسى الرجل بالقسى محملة على الجمال، وهم نحو الثلاثمائة رام. ففرق فيهم مائة درهم لكل واحد، ورتبهم في عدة أماكن. ونودي في القاهرة ومصر بإبطال جميع المكوس وفرقت دراهم على العامة. وخرج كثير من العامة إلى بركة الجب، حتى شاهدوا عسكر الناصري وحدثوهم. مما فعله السلطان من تحصين القلعة وغيرها.
وقدم الخبر باًن طليعة الناصري وصلت إلى الخراب طرف الحسينية فلقيهم كشافة السلطان وكسروهم، فسار الأمراء إلى قبة النصر، ونزل السلطان في بعض الزوايا عند دار الضيافة إلى أخر النهار، ثم عاد إلى الإسطبل وعاد إليه الأمراء والمماليك، والكوسات تدق، وهم جميعاً على أهبة اللقاء، ومدافع النفوط لا تفتر، والرميلة قد امتلأت بالزعر والعامة ومماليك الأمراء، فلم يزالوا على ذلك حتى أصبحوا يوم الأحد، فإذا بالأمير علاء الدين أقبغا المارداني - حاجب الحاجب - والأمير جُمق بن الأمير أيتَمُش، والأمير صار الدين إبراهيم بن الأمير طشتمر الدوادار، قد فروا في الليل، ومعهم خمسمائة من مماليك السلطان، ومماليك الأمراء، ولحقوا بالناصري.
وفي يوم الأحد رابعه: فر الأمير قرْقُمَاش الطشتَمُري الدوادار، والأمير ترا دمرداش الأحمدي، والأمير سودن باق، صاروا في جملة الناصري، في عدة وافرة، بحيث لم يتأخر مع السلطان إلا طائفة من خاصكيته، من الأمراء، وابن عمه الأمير قَجْماس، وسودن الشيخوني نائب السلطنة، وسودن الطُرُنطاي، وتَمُربغا المنجكي، وسيدي أبو بكر بن سُنْقُر، وبيبرس التمان تَمُري، وشَنْكل المقدم، وشَيْخ الصفوي.
وفيه أغلق باب زويلة وجميع الدروب والخوخ ، وتعطلت الأسواق، وغصت القاهرة بالزعر، واشتد فسادهم، وتلاشت الدولة، واضمحل أمرها. وخاف والي القاهرة على نفسه، فقام من خلف باب زويلة، وسار بمن معه إلى منزله واختفى. وبقي الناس فوضى، فطمع المسجونون بخزانة شمايل، وكسروا قيودهم، وأتلفوا باب الخزانة، وخلصوا على حمية جملة واحدة، فتشبه بهم أهل سجن الديلم والرحبة، وخرجوا أيضاً. واشتد الأمر حتى داخل الخوف كل أحد من الناس على نفسه وماله وأهله، وأمر السلطان من عنده من المماليك، فوقفوا تحت الطبلخاناه، ومنعوا العوام من التوجه إلى يلبغا الناصري؛ لما بلغه من فعلهم بالأمس، فرجمهم العامة بالحجارة، فرماهم المماليك بالنشاب، وقتلوا منهم عدة تزيد على العشرة.
وأقبلت طليعة الناصري، فقاتلهم قجماس ابن عم السلطان، وكثر الرمي عليهم من فوق القلعة بالسهام والنفط والحجارة في المقاليع، وهم يوالون الكر والفر، وأمر السلطان في إدبار، وأصحابه تتفرق عنه شيئاً بعد شيء، وتصير إلى الناصري. وكان السلطان قد فرق في كل من الأمراء الكبار عشرة آلاف دينار، وفي كل من الطبلخاناه خمسة آلاف دينار، وفي كل من العشراوات ألف دينار، وأعطى الأمير قرا دمرداش في ليلة واحدة ثلاثين ألف دينار، وحلفهم ألا يغدروا به، فما أغنى عنه ذلك شيئاً، وفروا عنه، وصاروا مع عدوه عليه، و لم يتأخر عنده إلا من لا غنى فيه. وتكاثر الزعر يريدون نهب القاهرة لكثرة ما كان فيها من حواصل الأمراء، فقاتلهم أهل الحارات والدروب، ومنعوهم، فكان يوماً في غاية الشناعة. فلما كان أخر النهار أراد السلطان أن يسلم نفسه، فمنعه من بقي عنده، وهم قجماس ابن عمه، وسودن النائب، وسودن الطرنطاي، ومحمود الأستادار، وبعض المماليك، وقالوا: " نحن نقاتل بين يديك حتى نموت " . فلم يثق بذلك منهم، لكنه شكرهم على قولهم.
وقدم بعد العصر من عسكر الناصري الطواشي طُقْطاي الطَشْتُمري، والأمير بزلار العمري، والأمير ألطنبغا الأشرفي، في نحو الألف وخمسمائة فارس، يريدون القلعة، فبرز إليهم الأمير بُطا الخاصكي، والأمير شكربيه في عشرين فارساً، فكسروهم إلى قبة النصر. فلم يغتر السلطان بذلك وعلم أن أمره قد زال، فدبر لنفسه، وبعث الأمير المعروف بسيدي أبو بكر بن سُنقر الحاجب، والأمير بَيْدَمُر المجدي - شاد القصر - بالمنجاة إلى الناصري، ليأخذ له منه الأمان، فساروا في خفية، واجتمعا بالناصري خلوة، فأمنه على نفسه، وأمره بالاختفاء حتى يدبر له أمراً، فإن الفتنة الآن قائمة، والكلمة غير متفقة، فعادا إليه بذلك. فلما صلى العشاء الآخرة قام الخليفة إلى منزله بالقلعة، وبقى في قليل من أصحابه، فأذن لسودن النائب في التوجه إلى منزله، والنظر لنفسه، وفرق البقية، فمضى كل أحد لسبيله. واستقر حتى نزل من الإسطبل، فلم يعرف له خبر، وانفض ذلك الجمع من الأسوار وسكن دق الكوسات، ورمى مدافع النفط. ووقع النهب في حواصل الإسطبل، فاًخذوا منه نحو الألفي أردب من الشعير، ومائتي ألف درهم من الفلوس الجدد، وسائر ما كان فيه. ونهبوا أيضاً ما كان فيه.
ونهبوا أيضاً ما كان بالميدان من الغنم الضأن، وعدتها نحو الألفي رأس. ونبت طباق المماليك بالقلعة، واشتد بأس الزعر، وتخطفوا من مر بهم من المماليك والأجناد، وأخذوا ما عليه وأحاط أصحاب الناصري بالقلعة، وأعلموا الناصري بفرار السلطان، فثبت مكانه.
وزالت دولة الملك الظاهر كأن لم تكن، فكانت مدة تحكمه منذ قبض على الأمير طَشْتَمُر الدوادار في تاسع ذي الحجة سنة تسع وسبعين وسبعمائة، إلى أن جلس على تخت الملك وتلقب بالملك الظاهر في تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة، أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام.
ويقال له في هذه المدة الأمير الكبير أتابك العساكر. ومن حين تسلطن إلى أن اختفي ست سنين، وثمانية أشهر، وسبعة عشر يوماً فيكون مدة حكمه أميراً وسلطاناً إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوماً. وترك ملك مصر وله نحو الألفي مملوك اشتراهم، سوى المستخدمين. وكانت له في مدته هذه آثار فاضلة، منها: إبطاله ما كان يؤخذ من أهل البرلس، وشورى، وبلطيم من أعم المصر شبه الجالية في كل سنة، وهو مبلغ ستين ألف درهم فضة، وما كان يؤخذ على القمح بثغر دمياط من المكس، وما كان يؤخذ من معمل الفراريج بالنحريرية وأعمال الغربية بديار مصر، وما كان يؤخذ على الملح من المكس بعين تاب، وما كان يؤخذ على الدقيق بالبيرة من المكس، وما كان يؤخذ في طرابلس عند قدوم النائب إليها من قضاة البر وولاة الأعمال، عن كل واحد مبلغ خمسمائة درهم، في ثمن بغلة، ويقال لذلك " مقرر النائب " ، وما كان يحمل في كل سنة من الخيل والجمال والبقر والغنم من أهل الشرقية بديار مصر إلى من يسرح إلى العباسة؛ وما كان يؤخذ من مكس الدريس والحلفاء خارج باب النصر من القاهرة، وضمان المغاني بالكرك والشوبك من البلقاء ومنية بني خصيب، وزفتي بديار مصر. وأبطل رمي الأبقار عند فراغ عمل الجسور على أهل النواحي. وأنشأ من العمائر المدرسة بخط بين القصرين من القاهرة. ولم يعمر داخل القاهرة مثلها، ولا بأرض مصر والشام نظيرها، بعد مدرسة السلطان حسن، ولا أكثر معلوماً منها، بعد خانكاة شيخو. وله أيضاً السبيل من الصهريج بقلعة الجبل من أحسن المباني، والسبيل تجاه الإيوان بالقلعة، والطاحون بالقلعة أيضاً، وجسر الشريعة على نهر الأردن، وطوله مائة وعشرون ذراعاً في عرض عشرين ذراعاً. وجدد خزائن السلاح بالإسكندرية، وسور دمنهور بالبحيرة. وعمر الجبال الشرقية بالفيوم، وزريبة البرزخ بدمياط، وقناة بالقدس. وبنى بحيرة برأس وادي بني سالم، قريباً من المدينة النبوية.
وكان حازماً، مهاباً، محباً لأهل الخير والعلم، إذا أتاه أحد منهم قام إليه، و لم يعرف قبله أحد من ملوك الترك يقوم لفقيه، وقل ما كان يمكن قام إليه، وقل ما كان يمكن أحد من تقبيل يديه، إلا أنه كان محباً لجمع المال. وحدث في أيامه تجاهر الناس بالبراطيل، فلا يكاد أن يلي أحد وظيفة ولا عملاً إلا بمال، فترقى للأعمال الجليلة والرتب السنية الأراذل، وفسد بذلك كثير من الأحوال. وكان مولعاً بتقديم الأسافل، وحط ذوي البيوتات، وغيَّر ما كان للناس من الترتيب، وعادى أكابر التركمان والعربان ببلاد الشام ومصر والحجاز.
واشتهر في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة: إتيان الذكران، حتى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان، لينفق سوق فسوقهن، وذلك لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان، وتهمته وتهمة أمرائه بعمل الفاحشة فيهم. والتظاهر بالبراطيل التي يستأديها، واقتدى الولاة به في ذلك، حتى صار عرفاً غير منكر البتة.
وكساد الأسواق وقلة المكاسب، لشحه وقلة عطائه. وبالجملة فمساوئه أضعاف حسناته. ولقد بعت العبد الصالح جمال الدين عبد الله السَكسيوي المغربي يخبر أبي - رحمهما اللّه - أنه رأى في منامه أن قرداً صعد منبر الجامع الحاكمي، وخطب ثم نزل، ودخل المحراب ليصلي بالناس الجمعة، فثار الناس عليه في أثناء صلاته بهم، وأخرجوه من المحراب. وكانت هذه الرؤيا في أخريات سلطة الملك الأشرف شعبان ابن حسين، وفي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة. فكان تقدمه على الناس وسلطنته تأويل هذه الرؤيا، فإنه كان متخلقاً بكثير من أخلاق القردة، شحاً وطمعاً وفساداً ورذالة، ولكن اللّه يفعل ما يريد.
السلطان الملك الصالح المنصور حاجيابن الملك الأشرف بن حسين بن محمد بن قلاون ولما اختفى الملك الظاهر برقوق في الليل، سار الأمير منطاش بكرة يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة إلى باب القلعة، فنزل إليه الخليفة، وسار معه إلى الأمير يلبغا الناصري بقية النصر خارج القاهرة، وقد انضمت أوغاد العامة وزعرانها إلى التركمان من أصحاب الناصري، وتفرقوا على بيوت الأمراء وحواصلهم، فانتهبوا ما وجدوا، وشعثوا الدور، وأخذوا أبوابها وكثيراً من أخشابها، وتطرقوا إلى منازل الناس خارج القاهرة، فانتهبوا كثيراً منها.
وقدم ناصر الدين محمد بن الحسام أستادار أرغون هزكه والي البهنسا، كان من قبل الناصري على أنه والي القاهرة، فوجد باب النصر مغلوقاً، فدخل بفرسه راكباً من الجامع الحاكمي إلى القاهرة، وفتح بابي النصر والفتوح.
واقتحم كثير من عسكر الناصري المدينة، وعاثوا فيها، ومعهم من الزعر وأراذل العامة عالم عظيم، وحاصروا الدروب والحارات والأزقة ليدخلوا إليها و ينهبوها، فمنعهم الناس وقاتلوهم جهدهم، فغلب الزعر وأشباههم على حواصل الأمير محمود الأستادار، بالقرب من الجامع الأزهر، وأخذوا منه شيئاً كثيراً، وغلبوا على عدة حوانيت للتجار بشارع القاهرة، ونهبوها، فقاتلهم الناس، وقتلوا منهم أربعة. فمر بالناس من الأهوال ما لا يوصف. وبلغ الخبر الناصري، فندب سيدي أبو بكر أمير حاجب وتنكز بغا رأس نوبة إلى حفظ القاهرة، فدخلا، ونودي بالأمان، وأن من ينهب شيئاً، فلا يلومن إلا نفسه، ونزل تنكز بغا عند الجملون وسط شارع القاهرة، ونزل سيدي أبو بكر عند باب زويلة، فسكن الحال. وعندما أقبل الخليفة إلى وطاق الناصري، قام إليه، وتلقاه، وأجلسه بجانبه، وحضر قضاة القضاة والأعيان للهناء. وأُمر الخليفة فصار إلى خيمة، وأخرج القضاة إلى خيمة أخرى.
واجتمع عند الناصري من معه من الأمراء لتدبير أمرهم، وإقامة أحد في السلطنة، فأشار بعضهم بسلطنة الناصري، فامتنع من ذلك، وانفضوا بغير طائل، فتقدم الناصري بكتابة مرسوم عن الخليفة، وعن الأمير الكبير يلبغا الناصري، بالإفراج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية، وهم ألطنبغا الجوبانى، وقردم الحسني، وألطنبغا المعلم، وإحضارهم إلى قلعة الجبل وسار البريد بذلك، وأمر بالرحيل من قبة النصر، وركب في عالم كبير من العساكر القادمين معه، وعدتهم فيما يقال نحو الستين ألفاً، وأن عليق جماله في كل ليلة ألف وثلاثمائة أردب. وسار إلى القلعة، فنزل بالإسطبل السلطاني ونزل الخليفة بمنزله من القلعة، ونزلت الأمراء في منازل أمراء الظاهر برقوق، ففي الحال حضر إلى الناصري الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام وموفق الدين أبو الفرج ناظر الخاص، وجمال الدين محمود ناظر الجيش، وفخر الدين عبد الرحمن بن مكانس ناظر الدولة، والأمير ناصر الدين محمد ابن الحسام شاد الدواوين، وبدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر، وسائر أرباب الوظائف وقاموا بخدمته، فتقدم إلى ابن الحسام بتحصيل الأغنام لمطابخ الأمراء. وإذا بالناس تصرخ تحت القلعة، وتشكوا من كثرة نهب التراكمين والزعر، فأمر الناصري الأمير منكلي الحاجب، وسيدي أبو بكر حاجب الحاجب، وأقبغا المارداني، وبلوط، فنزلوا إلى القاهرة ونودي بأن من نهب من الترك والتركمان والعامة فاقتلوه. ووقف ابن الحسام متولي القاهرة عند باب زويلة لمنع من يدخل إلى القاهرة، وقبض على ثلاثة من التركمان، وسجنوا بخزانة شمايل، فخف الأمر. ونزل أيضاً طائفة من الأمراء لحراسة القاهرة وظاهرها. ورسم للأمير تنكز بغا رأس نوبة بتحصيل مماليك الظاهر برقوق، فأخذ في تتبعهم.
وأصبح الناس يوم الثلاثاء في هرج ومرج وقالات كثيرة في الظاهر برقوق. واستدعى الناصري الأمراء وشاورهم فيمن ينصب في السلطنة، حتى استقر الرأي على إقامة الملك الصالح حاجي بن الأشرف، فإنه خلعه برقوق بغير موجب، فصعدوا من الإصطبل إلى الحوش بالقلعة واستدعوه، وأركبوه بشعار السلطنة من الحوش إلى الإيوان، وأجلسوه على تخت الملك به، ولقبوه بالملك المنصور، وقلده الخليفة أمور الناس على العادة، وقبل الأمراء الأرض بين يديه. ودقت البشاير، وقام إلى القصر وسائر أرباب الدولة بين يديه. ونودي في الحال بالقاهرة بالأمان والدعاء للملك المنصور، والأمير الكبير يلبغا الناصري، وتهديد من نهب، فاطمأن الناس.
ورتب الناصري عند الملك المنصور بالقصر من الأمراء علاء الدين ألطنبغا الأشرفي، وأرسلان اللفاف، وقراكسك، وأردبغا العثماني.
ورسم بمنع الأتراك والتركمان من دخول القاهرة. ونزل سيدي أبو بكر بن سنقر الجمالي، وتنكز بغا رأس نوبة، ونودي بين أيديهما بتهديد من نهب شيئاً، وأقام تنكز بغا عند الجملون وسط القاهرة، وأبو بكر بن سنقر عند باب زويلة، وأخرجا من كان في القاهرة من المماليك والتركمان.
وطلب الأمير حسين بن الكوراني، وخلع عليه عند الناصري باستمراره على ولاية القاهرة، ونزل وقد سر الناس ولايته، فنادى بالأمان، والبيع والشراء، والدعاء للسلطان والأمير الكبير وتعين الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس مشير الدولة، وتعين أخوه فخر الدين عبد الرحمن لنظر الدولة على عادته، وأخوهما زين الدين نصر الله في ديوان الأمير الكبير يلبغا الناصري. فاستدعى الفخر ابن مكانس مباشري الجهات، وأعاد جميع المكوس التي أبطلها الملك الظاهر، فأخذت من الناس على العادة. ونودي بأمان الجراكسة، وأن جميع المماليك والأجناد على حالهم لا يغير على أحد منهم شيء مما هو فيه، ولا يخرج عنه إقطاعه.
وفي يوم الأربعاء سابعه: قدم الجوباني وقردم وألطنبغا المعلم من الإسكندرية على البريد إلى الأمير الكبير، ونودي بأن من ظهر من المماليك الظاهرية فهو باق على إقطاعه، ومن اختفى بعد هذا النداء حل ماله ودمه للسلطان. ورسم لسودن النائب بلزوم بيته بطالاً. وصار الأمير محمود الأستادار إلى ابن مكانس المشير، وترامى عليه، فأصلح حاله على مال يحمله إلى الأمير الكبير، وجمع بينهما، فأمنه الأمير الكبير.
وفي ثامنه: اجتمع الأمراء وغيرهم في القلعة للخدمة السلطانية، فأغلق باب القلعة، وقبض على تسعة من الأمراء المقدمين وهم الأمير سودُن الفخري الشيخوني نائب السلطنة، وسودن باق، وسودن الطرنطاي، وشيخ الصفوي، وقجماس الصالحي ابن عم الظاهر برقوق، وأبو بكر بن سنقر الحاجب، وأقبغا المارديني حاجب الحاجب، وبجاس النوروزي، ومحمود بن على الأستادار، وقبض من أمراء الطبلخاناه على عبد الرحيم بن منكلي بغا الشمسي، وبوري الأحمدي، وتمربغا المنجكي، ومنكلي الشمسي الطرخاني، ومحمد جمق بن الأمير أيتمش، وطوجي، وقرمان المنجكي، وحسن خجا، وبيرس التمان تمري، وأحمد الأرغوني، وأسنبغا الأرغون شاهي، وقنق باي السيفي الجاي، وجرباش الشيخي، وبغداد الأحمدي، ويونس الرماح الأسعردي، وأروس بغا الخليلي، وبطا الطولوتمري، وقوص المحمدي، وتنكز العثماني، وأرسلان اللفاف، وتنكز بغا السيفي، وألطنبغا شادي، وأقبغا اللاشيني، وبلاط المنجكي، وبجمان المحمدي، وألطنبغا العثماني، وعلى بن أقتمر عبد الغني، وإبراهيم بن طشتمر العلاي، وخليل بن تنكزبغا، ومحمد بن الدواداري، وسليمان بن يوسف الشهرزوري، وحسام الدين حسين بن على الكوراني الوالي، وبلبل الرومي الطويل، والطواشي صواب السعدي شنكل المقدم، ومقبل الدواداري الزمام. ومن أمراء العشراوات أزدمر الجوكاني، وقمارى الجمالي، وحلبان أخو مامق، وقلم طاي ابن ألجاي اليوسفي، وأقبغا توز الشيخوني وصلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز، وعبدوق العلاي، ويمنشاه الشيخوني، وطولو بغا الأحمدي، ومحمد بن أرغون الأحمدي، وإبراهيم بن الشيخ على ابن قرا، وغريب ابن حاجي، وأسَنْبُغَا السيفي، وأحمد بن حاجي بك بن شادي، وأقبغا الجمالى الهذباني، وأمير زاه بن ملك الكرج، وحلبان الكمشبغاوى، وموسى بن أبى بكر بن سلار أمير طبر، وقنق باي الأحمدي، وأمير حاج بن أيدغمش وكمشبغا اليوسفي، ومحمد بن أقتمر الصاحبي الحنبلي النائب، وأقبغا الناصري حطب، ومحمد بن سنقر المحمدي، وبهادر القجاوي، ومحمد بن طغاي تمر النظامي، ويونس العثماني، وعبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي، وعمر بن يعقوب شاه، وعلى بن بلاط الكبير، ومحمد بن أحمد بن أرغون النائب، ومحمد بن بكتمر الشمسي، وألجبغا الدوادار، ومحمد ابن يونس الدوادار، وخليل بن قرطاي شاد العماير، ومحمد بن قرطاي نقيب الجيش، وقطلربك أمير جندار. وقبض على جماعة من المماليك.
وسفر قجُمْاس ابن عم الظاهر برقرق إلى طرابلس على البريد. وأفرج عن شَنكل المقدم، ومقبل الزمام، وشيخ الصفوي، ومحمد بن يونس الدوادار، وإبراهيم بن طشتمر للدوادار، وعبد الرحيم وعبد الرحمن ابني منكلي بغا، ومحمد بن الدواداري، وخليل ومحمد ابني قرطاي، ويمن شاه، وقماري، وحسين بن الكوراني، وعلي بن أقتمر عبد الغني، وتنكز بغا، وبجمان، وبوري، وأقبغا اللاشيني، وخليل بن تنكزبغا، وسليمان بن يوسف الشهرزوري، وأزدمر الجوكاني، وجامان، وقماري الجمالي، وابن ألجاي اليوسفي، وابن أقتمُر الحنبلي، وابن أيْدَغْمُش، وأحمد بن حاجي بك، وموسى أمير طبر. وسجن البقية بالزردخاناه.
وفيه نودي بالقاهرة ومصر وظواهرهما من أحضر السلطان برقوق وكان عامياً خلع عليه، وأعطى ألف دينار، وإن كان جندياً أعطي إمرة عشرة، واٍ ن كان أمير عشرة أعطي طبلخاناة، وإن كان أمير طبلخاناة، أعطي إمرة مائة، ومن أخفاه بعد النداء شنق، وحل ماله للسلطان، فكثر كلام العامة في ذلك.
وفي ليلة الجمعة: حمل الأمراء المسجونون في الحراريق إلى سجن الإسكندرية خلا الأمير محمود. وعدتهم تسعة وعشرون أميراً، ونفي المماليك.
وفي يوم الجمعة تاسعه: قبض على ابن بقر، وابن عيسى العايدي، وابن حسن السلطاني، وطولبوا بمال قرر عليهم، ثم أطلقوا.
وفي عاشره: أفرج عن أقبغا المارداني بشفاعة صهره أحمد بن يلبغا، فأعيد من الحراقة ومعه محمد بن تنكز، ورسلان اللفاف.
وورد الخبر باجتماع طائفة كبيرة من المماليك الظاهرية بناحية أطفيح، فتوجه إليهم الأمير منطاش، وعاد ولم يلقهم.
وفيه نودي ثانياً على الملك الظاهر، وهدد من أخفاه، فكثر الدعاء من العامة له، وعظم الأسف على فقده وثقلت وطأة أصحاب الناصري على الناس، ونفروا منهم، فصار العامة يلهجون كثيراً، بقولهم: " راح برقوق وغزلانه وجاء الناصري وثيرانه " .
وفيه قبض على الأمير محمود وولده محمد، وقيد بقيد زنته أربعون رطلاً، وقوائمه عشرة أرطال. وجعل في عنقه ثلاث باشات.
وفي حادي عشره: استقر الشريف بكتمر بن على الحسينى في كشف الجيزة، وابن الطشلاقى في ولاية قطيا على عادته. وقبض على الطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، كان وقد حضر مع الناصري، وختم على حواصله. وذلك أنه اتهم بأنه أخفى السلطان الملك الظاهر، وأخرج منفيا إلى قلعة المرقب، هو وأسنبغا المجنون.
وفي ثاني عشره: سجن الأمير محمود بالزردخاناه، وهو مقيد. وقبض على شيخ الصفوي، وسجن. وألزم حسين بن الكوراني الوالي بطلب المماليك الظاهرية، فنادى عليهم بالقاهرة ومصر، وهدد من أخفاهم.
وفيه أمر الوالي تجار القاهرة بنقل قماشهم من الحوانيت، وخوفهم من النهب، فاضطرب الناس، وكثر كلامهم، وتوهموا اختلاف الدولة، وقيام الفتنة، وأخذوا في الاحتراز.
وفيه كثر فساد التركمان، وأخذوا النساء من الطرقات، ومن بعض الحمامات، وسلبوا من انفردوا به ثيابه، من غير أن يتجاسر أحد على منعهم.
وكثر أيضاً ضرر الزعر وإخافتهم الناس.
وفيه أمر العسكر بنزع السلاح، وكانوا في هذه الأيام لا يزالوا بالسلاح عليهم وعلى خيولهم، فلا ترى أميراً ولا مملوكاً ولا جندياً إلا لابس آلة الحرب.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره: غُمز على الملك الظاهر برقوق. وذلك أنه لما نزل من الإصطبل في الليل مختفياً مضى إلى بيت أبى يزيد - أحد أمراء العشراوات - واختفي بداره، فلم يعرف خبره، والطلب له يشتد، وهجم على عدة بيوت بسببه، فلم يوجد. ونكر النداء عليه، فخاف أن يؤخذ باليد، فلا يُبقي عليه، فأعلم الأمير ألطبغا الجوباني بمكانه، فصار إليه، وقيل إنه نزل من الإسطبل ومعه أبو يزيد لا غير، فتبعه نعمان مهتار الطشت خاناه إلى الرميلة، فرده. ومضى هو وأبو يزيد إلى أن أَخلى له مكاناً اختفى فيه. وأخذ الناصري يتتبع أثره حتى سأل المهتار نعمان عنه، فأخبره أنه نزل ومعه أبو يزيد، وإنه لما تبعه رده، فأمر حينئذٍ حسين بن الكوراني بإحضار أبي يزيد، فشدد في طلبه، وهجم بيوتاً كثيرة، فلم يقف له على خبر، فقبض جماعة ممن يعرفه وقررهم، فلم يجد عندهم علماً به. وما زال يفحص حتى دله بعضهم على مملوك أبي يزيد، فقبض على امرأة المملوك وعاقبها، فدلته على أبي يزيد، وعلى الملك الظاهر، وأنهما في بيت رجل خياط بجوار بيت أبي يزيد، فمضى إلى البيت، وبعث إلى الناصري يعلمه، فأرسل إليه الأمراء. وقيل إنه لما نزل من الإسطبل كان نحو نصف ليلة الاثنين، فسار إلى النيل وعدى إلى الجيزة، ونزل عند الأهرام، وأقام ثلاثة أيام ثم عاد إلى بيت أبي يزيد، فأقام عنده إلى يوم الثلاثاء ثالث عشره، حضر مملوك أبي يزيد إلى الناصري، وأعلمه بأن الظاهر في داره أستاذه، فأحضر أبا يزيد وسأله، فاعترف أنه عنده، فأخذه الأمير ألطنبغا الجوباني، وسار به إلى حيث الظاهر، فأوقف الجوباني من معه، وصعد إليه وحده. فلما رآه الظاهر قام له، وهّم أن يقبل يده، فاستعاذ بالله من ذلك. وقال: " يا خوند أنت أستاذنا، ونحن مماليكك " . ثم ألبسه عمامة وطيلسة، ونزل به وأركبه وشق به الصليبة نهاراً، حتى مر في الرميلة، إلى أن صعد به إلى الناصري في الإصطبل، فحبس بقاعة الفضة من القلعة. وألزم أبو زيد بإحضار ما للظاهر عنده، فأحضر كيساً فيه ألف دينار، فأنعم به عليه، وخلع عليه، وخلى عنه. ورتب لخدمة الظاهر مملوكان وغلامه المهتار نعمان، وقيد بقيد ثقيل.
وفي خامس عشره: أفيض على الخليفة المتوكل تشريف جليل. وخلع على بدر الدين محمد بن فضل الله عند قراءة عهد الملك المنصور، وألبس الأمراء الذين قدموا مع الناصري أقبية مطرزة بذهب. واستقر حسام الدين حسن بن على الكجكني في نيابة الكرك، عوضاً عن مأمور القلمطاوي. وأُنعم على مأمور بإمرة مائة، بديار مصر.
وفي سابع عشره: توجه حسن لنيابة الكرك.
وفي تاسع عشره: قدم البريد من دمشق بأن الأمير أقبغا الصغير، والطنبغا استادار جَنتمُر، اجتمع عليهما نحو الأربعمائة من المماليك الظاهرية ليركبوا على جَنتمُر نائب دمشق، ويملكوا منه البلد. فلما بلغ جَنتمُر ذلك، ركب وكبسهم على حين غفلة، فلم يفلت منهم إلا اليسير، وفيهم أَقْبُغا الصغير.
وفيه أنعم على من يذكر من الأمراء، وخلع عليهم وهم: الأمير سيف الدين بزلار العمري استقر في نيابة دمشق، والأمير سيف الدين كمشبغا الحموي في نيابة حلب، وسيف الدين صنجق السيفي نائب طرابلس، وشهاب الدين أحمد بن محمد ابن المهندار في نيابة حماة.
وفي حادي عشرينه: عرض الأمير ألطُنْبُغا الجوباني المماليك الظاهرية، وأخرج من المستخدمين مائتين وثلاثين لخدمة المنصور، وسبعين من المشتروات، نزلهم بالطباق من القلعة وفرق من عداهم من الأمراء.
وكان الغرض بالإصطبل، وأنعم على كل من أقبغا الجمالي الهذباني أمير أخور ويلبغا السودوني، وتاني بك اليحياوي، وسودن اليحياوي، بإمرة عشرة في حلب، ورسم بسفرهم مع النائب.
وفي ليلة الخميس ثاني عشرينه: رسم بسفر الملك الظاهر بروق إلى الكرك فأخرج من قاعة الفضة ثلث الليل إلى باب الفرافة - أحد أبواب القلعة - ومعه الأمير ألطنبغا الجوباني، فأركبه هجيناً، وعين معه من مماليكه ثلاثة مماليك صغار وهم: سوُدن، وقُطلوبغا، وأقباي. وسار به إلى قبة النصر خارج القاهرة، وأسلمه إلى الأمير شمس الدين محمد بن عيسى العائدي، فتوجه على عجرود إلى مدينة كرك الشوبك، وسلمه إلى الأمير حسام الدين حسن الكجكني نائبها، فأنزله بالقلعة في قاعة النحاس. وكانت ابنة الأمير يلبغا العمري - امرأة مأمور - بالكرك، فقامت له. مما يحتاج إليه من الفرش والآلات. وقدمت له أسمطة تليق به واعتنى حسن الكجكني بخدمته أيضاً، وكان الناصري قد أوصاه له، وقرر معه إن رابه أمر من شيء يبلغه عن منطاش فليفرج عن الظاهر، فاعتمد ذلك، وصار يتلطف به ويعده بالتوجه معه إلى التركمان، فإن له فيهم معارف. وحصن القلعة، وصار لا يبرح عنه، ويأكل معه، حتى أنس به، وركن له، واطمأن إليه.
وفي يوم الخميس: خلع على نواب الشام خلع السفر.
وفيه استقر سيف الدين قُطْلوبُغا الصفوي في نيابة صفد، وسيف الدين بُغاجُق السيفي في نيابة ملطية.
وفيه نودي بالقاهرة ومصر أن المماليك الظاهرية يخدموا مع نواب الشام، وألا يقيم أحد منهم بديار مصر، ومن تأخر بعد النداء حل دمه وماله، ونودي بذلك من الغد.
وفي رابع عشرينه: برز النواب بالريدانية خارج القاهرة للسفر.
وفي سادس عشرينه: أخلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر أتابك العساكر، وعلى الأمير ألطُنْبُغا الجوباني واستقر رأس نوبة النوب، وعلى الأمير سيف الدين قرا دمرداش الأحمدي، واستقر أمير سلاح، وعلى الأمير شهاب الدين أحمد بن يلبغا واستقر أمير مجلس، وعلى الأمير سيف الدين تمرباي الحسني، واستقر حاجب الحجاب.
وخلع على قضاة القضاة الثلاثة: جال الدين عبد الرحمن بن خير المالكي، وشمس الدين محمد الطرابلسي الحنفي، وناصر الدين نصر الله الحنبلي. وخلع على صدر الدين محمد المناوي مفتي دار العدل، وعلى بدر الدين محمد بن على بن فضل الله العمري كاتب السر، وعلى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وعلى موفق الدين أبي الفرج ناظر الخاص، وعلى جمال الدين محمود القيصري ناظر الجيش، وعلى فخر الدين عبد الرحمن بن مكانس ناظر الدولة، وعلى ناصر الدين محمد بن الحسام شاد الدواوين، وعلى مقدمي الدولة والخاص، باستمرارهم على وظائفهم.
وفيه أعيد السيد الشريف شرف الدين علي بن السيد فخر الدين إلى نقابة الأشراف. وصرف السيد جمال الدين عبد الله الطباطبي. واستقر كُمُشمْبغا الأشرفي الخاصكي نائب قلعة الروم. ولم يخلع على قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن بنت ميلق، لتوعكه وانقطاعه.
وفيه رحل النواب من الريدانية، وسافروا إلى البلاد الشامية، وسافر معهم كثير من التركمان وأجناد الشام وأمرائها.
وفيه نودي ألا يتأخر بديار مصر أحد من المماليك الظاهرية، إلا أن يكون في خدمة السلطان أو الأمراء، ومن تأخر شُنق.
وفيه أخذ قاع النيل، فجاء خمسة أذرع وعشرون إصبعاً. ونودي في يومي الأربعاء والخميس أن التركمان والعربان يرجعوا إلى الشام.
وأخلع يوم الخميس تاسع عشرينه على قاضي القضاة ناصر الدين محمد ابن بنت ميلق، وعلى بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام البلقيني قاضي العسكِر وعلى أخيه جلال الدين عبد الرحمن مفتي دار العدل، وعلى شهاب الدين أحمد الدَّفري مفتي دار العدل المالكي، وعلى نجم الدين محمد الطَنْبَدي محتسب القاهرة، وعلى همام الدين العجمي محتسب مصر، وعلى شمس الدين محمد الدميري ناظر الأحباس، وعلى بقيه أرباب الوظائف، باستمرارهم على وظائفهم. وأخلع أيضاً على الأمير علاء الدين أقبغا الجوهري واستقر أستادار السلطان، وعلى الأمير آلابغا العثماني واستقر دواداراً كبيراً، وعلى الأمير علاء الدين ألطنبغا الأشرفي واستقر رأس نوبة ثانياً، وعلى الأمير سيف الدين جُلْبان العلاي واستقر حاجباً، وعلى سيف الدين بلاط العلاي واستقر حاجباً، وعلى سيف الدين قطلوبك السيفي واستقر أمير جاندار بإمرة طبلخاناه، وعلى ابن شهري واستقر نائب دُوْركي.
وفيه قدم البريد بوصول الأمير نعير بن حيار بن مهنا أمير العربان إلى دمشق، قاصداً رؤية الملك المنصور. ولم يحضر قط في الأيام الظاهرية.
وفيه قدم فتح الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن الشهيد، كاتب سر دمشق.
وفي سلخه: فرق الناصري المثالات على الأمراء، وجعلهم أربعة وعشرين تقدمة. ونودي في القاهرة ومصر بالأمان، ومن ظُلم أو غُبن، أو قُهر من مدة عشرين سنة فعليه بباب الأمير الكبير يَلبغا أو حاجب الحجاب، حتى يأخذ حقه.
وفيه كُبست بيوت الأسرى، وأُخذ منها جرار الخمر، وكسرت تحت القلعة.
وفي يوم السبت أول شهر رجب: زعق زامر على باب السلسلة تحت الإسطبل - حيث سكن الأمير الكبير - فاجتمع الأمراء والممالك، ولم يعهد هذا الزمر قط بمصر، وذكروا أنها العادة في بلاد حلب، فلما اجتمع العسكر ركب الأمير الكبير يلبغا وسار إلى جهة البحر وعاد.
وفيه عقد مجلس بالمدرسة الصالحية بين القصرين، وحضر القضاة والفقهاء، وجيء بابن سبع من السجن. وقد شُهد عليه بأشياء شَنِعة، وأرد أخصامه إراقة دمه عند القضاة المالكية، فكثر سعيه بالمال حتى فوض أمره للقضاة الشافعية، ليحكموا بحقن دمه، ثم أعيد إلى السجن.
وفي ثالثه: استقر الأمير حسام الدين حسين بن باكيش في نيابة غزة على عادته، وسيف الدين بوري الأحمدي لالا السلطان، وبهاء الدين أرسلان اللفاف السيفي، وسيف الدين قراكسك، وسيف الدين أردبغُا العثماني، رؤوس نوب، واًخلع عليهم.
وفيه رسم أن يكون رؤوس نواب السلحدارية والسقاة والجمدارية ستة لكل طائفة، على ما كانوا أولاً، قبل أن يستقر الملك الأشرف شعبان بهم ثمانية، في سنة ست وسبعين، بزيادة اثنين في كل طائفة. واستقر قُطْلُوبَك السيفي في ولاية قلعة الجبل، عوضاً عن بَجَاس. واستقر زين الدين مْرج السيفي أمير جاندار بإمرة طبلخاناه. وولى شهاب الدين أحمد بن زين الدين عمر القرشي الواعظ قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن سري الدين محمد بن المسلاتي، وأضيف إليه نظر الجامع الأموي، وخلع على الجميع.
وفي خامسه: قدم الأمير نعَيْر، وخرج الأمير الكبير إلى لقائه، ومعه سائر الأمراء، وقدم سرى الدين المسلاتي معه.
وفي سادسه: صعد الأمير نُعَيْر إلى القلعة، وقبل الأرض بحضرة السلطان فخلع عليه، وأنزل بالميدان الكبير تحت القلعة.
وفيه أخلع على الأمير ألابغا الدوادار، واستقر في نظر الأحباس، وعلى قُرْقُماس الطَشْتَمُري، واستقر خازندارا.
وفيه عُقد عند الأمير الكبير مجلس بسبب ابن سبع، وحضر القضاة والفقهاء، وكثر الكلام إلى أن قال قاضي القضاة ولي الدين أبو زيد بن خلدون للأمير الكبير. " يا أمير، أنت صاحب الشوكة، وحُكمك ماضٍ في الأمة، ومهما حكمت به نُفذ " . فحكم الأمير الكبير بحقن دمه وإطلاقه، فأفرج عنه، و لم يعهد قط أن أحداً من أمراء الترك ولا ملوكهم حكم في شيء من الأمور التي من عادة القضاة الحكم فيها، إلا أن قضية ابن سبع هذا كانت قد شَنُعت وطال أمرها، وكثر التعصب فيها، فقوم يريدون قتله، وقوم يريدون إطلاقه، وجبن القضاة عن إمضاء شيء من ذلك، حتى عُمل ما ذكر، وهى من غريب ما وقع.
وفي ثامنه: أُخلع على الأمير نعير خلعة السفر.
وفي ثالث عشره: أنعم على الطواشي صواب السعدي شنكل بإمرة عشرة، وأخذت منه إمرة الطبلخاناه. و لم يقع مثل ذلك، أن يكون مقدم الممليلك بإمرة عشرة قط. وقبض على الأمير سيف الدين بَهَادُر الأعسر القجاوي المهندار، ونفي إلى غزة.
وفيه أخْلَع الملك المنصور على شخص، وعمله خياط السلطان، فطلبه الأمير الكبير وأخذ منه الخلعة وضربه ضرباً مبرحاً، وأسلمه إلى شاد الدواوين، ثم أفرج عنه بشفاعة أحمد بن يلبغا، فشق ذلك على المنصور وقال: " إذا لم ينفذ مرسومي في خياط، فما هذه السلطنة؟ " وسكت على مضض.
وفي خامس عشره: قبض على الأمير سيف الدين قراكسك، ونفى.
وفي سابع عشره: رُسم بالإفراج عن الأمراء المسجونين بثغر الإسكندرية، لشفاعة الأمير نُعَيْر فيهم.
وفي ليلة الثلاثاء ثامن عشره: توجه أربعون أميراً من المقدمين والطبلخاناه والعشراوات إلى الشرقية للكبس على العربان الزهيرية، وقد كثر عبثهم، وعظم فسادهم في الريف، وصارت لهم جموع يذبح لهم في بعض الأوقات أربعمائة رأس من الغنم و البقر، حتى يكفيهم أكلة واحدة من كثرتهم.
فسار الأمراء، وفيهم الأمير ألطُنْبُغا، الجوماني ومنطاش، وقرا دمرداش، وشنوا الغارات في السباخ وبلاد أشموم الرمان، وقتلوا جماعة، وأخذوا نحو الثلاثمائة رجل وألف فرس، وعادوا بهم، فسمر منهم في خامس عشرينه نحو الثمانين رجلاً، وطيف بهم على الجمال ومشاة، ثم أفرج عنهم.
وفي سابع عشرينه: استقر طَغَنْجى في نيابة البيرة، وسافر، واستقر بدر الدين محمود الكلُسْتاني السراي في قضاء العسكر، عوضاً عن سراج الدين عمر العجمي. واستقر إمام الدين محمد بن العلاف - وكان مؤدب أطفال مصر ثم اتصل بالناصري بحلب، فصار إمام الأمير الكبير - في حسبة مصر، عوضاً عن همام الدين.
وفي أول شعبان: أُمر المؤذنون بالقاهرة ومصر أن يزيدوا في الآذان لكل صلاة بعد الفراغ منه " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " عدة مرار.
وسبب هذا أن رجلاً من الفقراء المعتقدين جمع في ليلة الجمعة بعد أذان العشاء الآخرة " الصلاة على النبي " صلى الله عليه وسلم؛ فأعجبه ذلك، وقال لأصحابه. " أتحبون أن يعمل هذا في كل أذان؟ " . قالوا " نعم " فبات وأصبح، وقد زعم أنه رأى رسول صلى الله عليه وسلم في منامه يأمره أن يقول لنجم الدين الطنْبَدي المحتسب بأمر المؤذنين أن يصلوا عليه عقيب كل أذان، فمضى إلى الطنبَدي - وكان في غاية الجهل - فسره قول هذا الرأي، وأمر بذلك، فاستمر إلى يومنا من سنة عشرين وثمانمائة.
وفي يوم الاثنين ثاني شعبان: استقر علاء الدين على البيري الحلبي - موقع الأمير الكبير - في توقيع الدست، وأخلع عليه. واستقر قطلوبك النظامي، نائب الوجه القبلي، عوضاً عن مبارك شاه. واستقر أَرَسبغا المنجكي كاشف الوجه القبلي، عوضاً عن أبو درقة. واستقر قطلوبغا التركماني والي الفيوم عوضاً عن شاهين العلاي. واستقر تمراز العلاي والي البحيرة، عوضاً عن أَيْدَمُر الشمسي أبو زلطة.
وفيه نودي على النيل ثلاثين إصبعاً.
واستقر مقبل الطيبي والي قوص، عوضاً عن أبي بكر بن موسى بن الديناري. وقبض على أقبغا اللاجيني ونفي إلى الشام. واستقر أمير مَلَك - قريب جَنتمر أخي طاز - في نيابة الرحبة، بتقدمة ألف.
وفيه أنزل بالمماليك السبعين، الذين رتبوا في الطاق بالقلعة، وفرقوا على الأمراء. ورُسم أيضاً بإبطال المقدمين والسوَّاقين والطواشية ونحوهم، وأنزلوا من القلعة، فاتضع أمر الملك المنصور.
وفيه حضر من الإسكندرية الأمير أبو بكر بن سنقر، ومنكلي الطرخاني وطرجي الحسمي، وعبد الرحمن بن منكلي بغا، فسفِّر الطرخاني وطرجي إلى الشام بغير خُبز. ولزم أبو بكر وعبد الرحمن منزلهما بطالين.
وفي خامسه: استقر أقبغا الفيل في ولاية الشرقية، عوضاً عن قطْلُوبك السعدي.
وفي سادسه: نودي بوفاء النيل ستة عشر ذراعاً، وهو سادس مسري أيضاً، ففتح الخيج على العادة.
وفي ثاني عشره: أخلع على الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس، واستقر مشير الدولة. وعلى أخيه زين الدين نصر الله لنظر الإسطبل، واستقر صاحب ديوان الأمير. الكبير، ونزلا وبين أيديهما زامر يزمر، و لم يعهد مثل هذا. بمصر قط.
وفمه أُشيع أن منطاش تنكر مع الأمير الكبير، وتأخر عن الخدمة، وأظهر أنه متضعف؛ ففطن الأمير الكبير بأنه يريد عمل مكيدة، ولم ينزل لعيادته.
وبعث إليه الأمير ألطنْبغا الجوباني في يوم الاثنين سادس عشره، فدخل عليه وقضى حق العيادة، وهمَّ بالقيام، فقبض عليه، وعلى عشرة من مماليكه، وضرب قرقُماس دواداره، فمات من ذلك بعد أيام. وركب منطاش حال مسكه الجوباني في أصحابه إلى باب السلسلة، وأخذ جميع الخيول التي كانت واقفة هناك. وأراد اقتحام الباب ليأخذ الناصري على غفلة، فلم يتمكن من ذلك، وأغلق الباب. ورمى عليه مماليك الناصري من أعلى السور، فعاد ومعه الخيول إلى داره وهى قريب من الرميلة، بجوار مدرسة السلطان حسن، ونهب بيت الأمير أقبغا الجوهري، وأخذ خيله وقماشه، وأصعد إلى مدرسة السلطان حسن الأمير تنكزبغا رأس نوبة، والأمير أَزْدَمُر الجوكاني دوادار الظاهر برقوق في عدة مماليك، وحمل إليها النشاب والحجارة، فرموا على من في الرميلة من أصحاب الناصري من أعلى المأذنتين وجوانب القبة.
وألبس الناصري مماليكه السلاح، وتلاحقت المماليك الأشرفية والظاهرية بمنطاش، وصار في فارس، بعد ما كانت عدة من معه أولاً نحو السبعين فارساً. وأتاه من العامة عالم كبير، فترامى الفريقان واقتتلا.
ونزل الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني والي القاهرة، والأمير مأمور الحاجب، من عند الأمير الكبير. ونودي في الناس بنهب مماليك منطاش والقبض على من قدروا عليه، وإحضاره إلى الأمير الكبير، فخرج عليهما طائفة من المنطاشية، وضربوهما وهزموا من معهما، فعادوا إلى الناصري. ولحق الوالي بالقاهرة، وأغلق أبوابها. واشتدت الحرب، وتقرب منطاش من العامة ولاطفهم، وأعطاهم، فتعصبوا له، وتزاحموا على التقاط النشاب الذى يرمي به أصحاب الناصري على منطاش، وأتوه به، وبالغوا في المخاطرهَ معه، حتى كان الواحد بعد الواحد منهم يثب في الهواء، ويختطف السهم وهو مار، ويأتي به منطاش.
ولا يزالون في نقل الحجارة إلى مأذن مدرسة حسن. وأقبل الليل وهم على ذلك، فبات منطاش ليلة الثلاثاء على باب مدرسة حسن، والرمي لا يبطل، وأتاه طوائف من الظاهرية حتى أصبح يوم الثلاثاء، وقد زادت أصحابه على الأف فارس، فأتاه مماليك الأمراء وغيرهم شيئاً بعد شيء، حتى خشن جانبه، واشتد بأسه. فبعث الناصري بالأمير بجمان والأمير قرابُغا الأبو بكري في طائفة كبيرة، ومعهم المعلم أحمد بن الطولوني، وكثير من الحجارين، لينقبوا بيت منطاش من ظهره حتى ينحصر. فبعث إليهم عدة من جماعته قاتلوهم، وأخذوا بجمان والأمير قرابغا وهزموا من معهما، فرتب الناصري عدة رماة على الطبلخاناة، وعلى مدرسة الأشرف، فرموا على منطاش بالمدافع والنشاب، فقتل عدة من العوام، وجرح كثير، ونزل الأمير أحمد بن يلبغا والأمير جمق بن أيمش في جمع كبير، وطردوا العامة، وقتلوا منهم وجرحوا عدداً كبيراً، فحملت العامة في فرسان منطاش عليهم حملة واحدة، وهزموهم أقبح هزيمة.
واستمر ذلك بينهما حتى انقضى النهار، وأقبل إلى منطاش الأمير أقبغا المارداني بطلبه، وصار من جماعته، فتسلل الأمراء عند ذلك واحداً واحداً بعد ذلك، وأتوه. وكل من يأتيه من الأمراء يوكل به من يحفظه، ويبعث به في داره، ويأخذ مماليكه، يقاتل بهم. فلما رأى حسين الكوراني جانب الناصري قد انهضم، خاف واختفى، فطلب منطاش ناصر الدين محمد بن ليلى نائب حسين بن الكوراني، وولاه ولاية القاهرة، وألزمه بتحصيل النشاب. ونزل إلى القاهرة وحمل إليه كثيراً من النشاب. ونادى في القاهرة بالأمان والبيع والشراء وإبطال المكوس والدعاء للأمير منطاش بالنصر، فبعث الناصري الخليفة المتوكل إلى منطاش، فحدثه في الصلح وإخماد الفتنة، فقال: " أنا في طاعة السلطان، وموافقة الأمراء. لكن الناصري غريمي، فإنه حلف لي وأنا بسيواس، وحلف لي بحلب وبدمشق، أننا نكون شيئاً واحداً، وأن السلطان يتحكم كيف يشاء. فمنع السلطان من التصرف واستبد هو بالأمر، وأخرج بزلار إلى الشام، وبعثني إلى قتال الفلاحين، و لم يعطني شيئاً من المال، سوى مائة ألف درهم. وأخذ لنفسه أحسن الإقطاعات، وأعطاني أضعفها، تعمل في السنة ستمائة ألف درهم. ووالله ما أنا براجع عنه حتى أقتله أو يقتلني، أو يقيم سلطاناً يستبد بالأمور " .
فقام الخليفة وأعاد الجواب على الناصري، فركب. بمن معه ونزل في جمع كبير لقتال منطاش، فبرز إليه وقاتله وكسره، فقوى. وأتاه من الأمراء عبد الرحيم بن منكلي بغا، وصلاح الدين محمد بن تنكز ومعه خمسة أحمال نشاباً، وثمانون حمالاً عليها المآكل، وعشرون ألف درهم، فنزل الأمير قرا دمرداش وأحمد بن يلبغا، وألطنبغا المعلم، ومأمور، في جمع موفور لقتال منطاش، فقاتلهم، واشتد الرمي عليهم من أعلى مدرسة حسن، فرجعوا خائبين. وأتاه العوام بنشاب كثير مما التقطوا من الرميلة، فترقق لهم، وقال أنا واحد منهم ونحو ذلك، وهم يبذلون نفوسهم في خدمته. هذا والرمي شديد من القلعة على مدرسة حسن، ومنها على القلعة. وظفر منطاش بحاصل لجركس الخليلي، وبحاصل لِبَكلمش، فأخذ منهما نشاباً كثيراً، تقوى به.
ونزل إليه الأمير مأمور، وكشلي، وجُمُق بن أيتمش في عدة كبيرة، فبرز إليهم العامة، وأكثروا من رميهم بالحجارة حتى كسروهم مرتين، إلا أن الرمي من القلعة اشتد على من بأعلى المدرسة، وأصاب حجر من حجارة المدافع القبة، خرقها، وقتل مملوكاً من المنطاشية، فبعث منطاش من أحضر إليه ناصر الدين محمد بن الطرابلسي، وكان أستاذاً في الرمي بمدافع النفط. فلما جاءه جرده من ثيابه ليوسطه من أجل تأخره عنه، فاعتذر إليه، ومضى في طائفة من الفرسان، وأحضر الآلات، وصعد أعلى مدرسة حسن، ورمى على الإسطبل حيث سكن الناصري، حتى أحرق جانباً من الخيمة، وفرق ذلك الجمع، وفر السلطان والناصري إلى موضع امتنعا فيه.
ولم يمض النهار حتى بلغت فرسان منطاش نحو الألفين، وبات الفريقان لا يبطلان الرمي، حتى أصبحا في يوم الأربعاء وقد جاء كثير من مماليك الأمراء إلى منطاش، وأتاه الأمير تَمُرباي الحسني حاجب الحجاب، والأمير قُرْدِمُ الحسني في جماعة من الأمراء، وصاروا في جملته. وانتدب لقتاله الأمير قرا دمرداش وأحمد بن يلبغا فهزمهما مراراً عديدة. وفي كل ساعة يتسلل طائفة من أصحاب الناصري إلى منطاش، وتعبث العامة بالأتراك، وصاروا من وجدوه منهم قالوا " ناصرى أو منطاشى؟ " فإن قال " منطاش، تركوه وأتوه به إلى منطاش، وإن قال " ناصري " أنزلوه عن فرسه وأخذوا ما عليه وسجنوه حتى يأتوا به إلى منطاش. وتكاثروا على بيت الأمير أيدكار حتى أخذوا أيدكار وساقوه إلى منطاش، فأكرمه وأتاه الأمير ألطبغا المعلم أيضاً، فعين لهما جهة يقفا بها ويقاتلا هناك. وبعث إليه الأمير قرا دمرداش يستأذنه في الحضور إليه طائعاً فلم يأذن له وأتاه الأمير بَلوط الصرغتمشي بعدما حاربه عدة مرار، وحضر أيضاً جمق بن أيتمش طائعاً فاعتذر فقبل عذره. فلما أذن العصر اختل أمر الناصري وصار في عدد قليل، فلم يثبت وفر هو وقرا دمرداش، وأقبغا الجوهري، وابن يلبغا، وألابغا الدوادار، وكشلي، في نفر من المماليك، بعد ما أغلق باب الإسطبل. وصعد إلى القلعة وخرج من باب القرافة، فبعث أهل القلعة إلى منطاش بذلك، فسار بمن معه وصعد إلى الإسطبل، ووقع النهب فيه، فأخذ منه من الخيل والقماش والمال شيء كبير جداً. وتفرق الزعر والعامة إلى دور المنهزمين يريدون نهبها، فأخذوا ما قدروا عليه، ومنعهم الناس من عدة مواضع.
وبات منطاش بالإصطبل. وأصبح يوم الخميس تاسع عشره، فصعد القلعة إلى السلطان، وأعلمه أنه في طاعته، وممتثل سائر ما يرسم به، وتقدم إلى رؤوس النوب بجمع المماليك وإنزالهم في الطاق على العادة. ونزل إلى الإسطبل، فأحضر إليه بالأمير أحمد ابن يلبغا، والأمير مأمور، فحبسهما بقاعة الفضة. وأخرج الأمير بجمان المحمدي إلى الإسكندرية، فسجن بها. وكتب بإحضار الأمير سردن الفخري النائب. واستدعى الوزير الصاحب كريم الدين بن الغنام، وبقية المباشرين، وأرباب الدولة، فأتوه. وقبض على كريم الدين بن مكانس، فوكل به من يحفظه، وقبض على الأمير يَلْبُغا الناصري من ناحية سرياقوس، فسجن بقاعة الفضة من القلعة.
وفي العشرين منه: قبض على الأمير قرا دمرداش.
وفيه استقر الأمير سيف الدين دمرداش القَشتَمُري في نيابة الكرك، وخلع عليه، ثم انتقض ذلك من يومه. وقبض أيضاً على الأمير ألطنبغا المعلم، وكشلي القلمطاوي، وأقبغا الجوهري، وألطُنبُغا الأشرفي، وألابغا العثماني، وتمرباي السيفي، وتمرباي الأشرفي، وفارس الصرَغَتْمُشى، وكُمَشبغا شيخ اليوسفي، وعبدوق العلاي، وبعثهم بأجمعهم إلى الإسكندرية.
وفي حادي عشرينه: أنعم على الأمير إبراهيم بن قطلو أقتمر أمير جاندار بإمرة مائة، واستقر أمير مجلس.
وفيه سار البريد بإحضار الأمير قطلوبغا الصفوي نائب صفد، والأمير أسنَدْمُر الشرفي بن يعقوب شاه، والأمير تمان تمر الأشرفي، وعين لكل منهم إمرة مائة.
وفيه ضرب كريم الدين بن مكانس، وعصر مرتين بخزانة شمايل، فحمل مالاً كبيراً من حاصل لجركس الخليلي.
وفي ثاني عشرينه: قبض على الأمير تمرباي الحسني حاجب الحاجب، ويلبغا المنجكي، وإبراهيم بن قطلو أفتمر، أمير مجلس.
وفيه استقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية القاهرة، وخلع عليه، وأخرج الطواشي تُقْطَاي الطَشنتَمُري إلى الشام، على إمرة طبلخاناه.
وفي ثالث عشرينه: قبض على الأمير أرسلان اللفاف، وقراكَسَك السيفي، وأيدكار العمري، وقْرْدم الحسني، وأقبغا المارداني، وعدة مماليك.
وفي خامس عشرينه: ظهر فخر الدين بن مكانس ناظر الدولة، والتزم بمال، فخلى عنه، واستمر على وظيفته، وقبض على الطواشي مقبل الدواداري الزمام، وجوهر اليلبغاوي لالا الملك المنصور.
وفيه أنعم على ألطنبغا دوادار الناصري بإمرة في صفد، وعلى بكتمر دواداره أيضاً بإمرة في طرابلس، وعلى رأس نوبته بإمرة في حلب.
وفى سادس عشرينه: نقل قطلوبَكَ النظامي من نيابة الوجه القبلي إلى نيابة صفد، عوضاً عن قطلوبغا الصفوي، وأعيد الأمير مبارك شاه إلى نيابة الوجه القبلي. وأنعم على إبراهيم بن قطلو أقتمر أمير جاندار بإمرة تقدمة في حلب، وأخرج إليها من يومه. وأخرج قراكسك إلى طرابلس على إمرة.
وفيه عذب الطواشي زين الدين صندل المنجكي على ذخائر الملك الظاهر، وعصر مراراً حتى دل عليها. واستقر شمس الدين بن الرويهب في نظر الدولة، رفيقاً للفخر بن مكانس وخلع عليهما.
وفيه ألزم كتاب الدولة بمال فوزع على كل أحد بحسبه. وأعيد همام الدين إلى حسبة مصر، عوضاً عن إمام الدين، وأعيد سراج الدين عمر العجمي إلى قضاء العسكر.
وفي ثامن عشرينه: وصل الأمير سودن النائب من الإسكندرية، فأمر بلزوم داره.
وقدم من الشام الأمير منكلي الشمسي الحاحب، وطوجي الحسني، فأخرجا إلى مدينة قوص منفيين. وحبس الأمير ألطنبغا الجوباني في قاعة الفضة بالقلعة.
وفيه أنفق الأمير منطاش على من قاتل معه، فأعطى مائة منهم ألف دينار لكل واحد، وأعطى جماعة عشرة آلاف لكل منهم، ودونهم لكل واحد خمسة آلاف درهم، ودونهم طائفة لكل منهم ألف درهم، وطائفة لكل واحد خمسمائة درهم، وطائفة لكل منهم مائتي درهم.
وفي تاسع عشرينه: خلع على زين الدين نصر الله بن مكانس، واستمر على نظر الإسطبل. بمال يحمله.
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رمضان: استدعى منطاش المماليك الظاهرية وأغلق عليهم باب السلسلة، وقبض على نحو مائتي منهم. وبعث بالأمير جلبان الحاجب، والأمير بلاط الحاحب، فقبضا على كثير من الظاهرية.
وأخذ منطاش خيولهم، وقيدوا الجميع، وسجنوا في البرج بالقلعة ونودي " من أحضر مملوكاً من مماليك برقوق فله كذا " ، وهدد من أخفي أحداً منهم، وتتبعت أسبابهم وأتباعهم وألزموا بهم. وقبض أيضاً على الأمير أقبغا المارداني، وقيد بعد ما خلع عليه بولاية الوجه القبلي، عوضاً عن مبارك شاه، ثم عصر حتى يقر على المماليك الظاهرية.
وفي ثالثه: قبض على الأمير سودُن النائب وأُلزم. ممال يحمله، وقبض على الأمير تُردُم الحسني بعد ما أفرج عنه، وقبض على بوري الأحمدي، وأرغون السلامي، وشاهين أمير أخور، وبهادر فطيس أمير أخور، وجماعة من المماليك، واشتد الطلب على الظاهرية. وفي رابعه: ضرب الأمير أقبغا المارداني، وضرب عبد الرحيم ابن الصاحب كريم الدين بن مكانس فحمل مالاً. وألزم سودن النائب بحمل ستمائة ألف درهم، أنعم عليه بها في الأيام الظاهرية.
وفيه نودي بتجهيز الناس للحج مع الأمير أبي بكر بن سنْقُر.
وفيه وقف الناس تحت القلعة، وطلبوا إعادة حسين بن الكوراني إلى الولاية، فإن الزعر اشتدت شوكتهم، وشنع ضررهم، فإن منطاش كان قد استدعاهم، وأنفق فيهم ستين ألف درهم، وجعل عليهم عرفاء.
فأجابهم إلى ذلك، وبعث إليه أماناً، فحضر إليه من اختفائه، واستقر في الولاية، وخلع عليه فنزل في موكب عظيم.
وفي خامسه: نودي على الظاهرية، وهدد من أخفي أحداً منهم، وقبض حسين الوالي على جماعة منهم، وقيدهم، وسجنهم. وتتبع أيضاً الزعر وأخذ ثمانية من كبارهم، ثم أخذ ستة أيضاً، وقطع أيديهم في يوم الأحد سابعه، وشهرهم. وأحضر خفراء الحارات وألزمهم بإحضار الزعر، فأخذوا من كل موضع، وسجنوا بخزانة شمايل، فسكن شرهم.
وفيه قبض على عدة من الظاهرية والناصرية وسجنوا.
وفي ثامنه: قدم الأمير قطلوبغا الصفوي نائب صفد، والأمير أسندَمُر الشرفي بن يعقوب شاه، فأنعم عليهما بالإمرة.
وفيه قبض على من كان في خدمة الأمراء من الناصرية، ومن كان بطالاً، فأخذوا بأجمعهم من البيوت والإصطبلات، وحبسوا بخزانة شمايل في القيود.
وفيه ظفر منطاش بذخيرة للظاهر، كانت بجوار الجامع الأزهر من القاهرة.
وفيه أُفرج عن الأمير محمود الأستادار، وخُلع عليه، وخلى لسبيله.
وفي تاسعه: قبض على الشريف عنان بن مَغَاس، وحبس مقيداً.
وفيه ورد البريد بخروج الأمير نُعير عن الطاعة، غضباً للأمير يلبغا الناصري، واتفق هو وسولي بن دلغادر التركماني، ونهبوا عدة من البلاد الحلبية، وأن الأمير بزلار نائب دمشق خرج عن الطاعة أيضاً.
وفيه استقر أبو بكر بن المزوَّق في ولاية الشرقية، وعزل أقبغا الفيل.
وفي عاشره: قدم من الإسكندرية في النيل إلى بولاق ساحل القاهرة عدة من الأمراء المسجونين، فرسم الأمير منطاش بأن يتوجه منهم ألطنبغا العثماني، وبطا الطولوتَمُري، وألطنبغا شادي، وعبدوق العلاي، إلى دمياط. ويتوجه منهم تمربُغا المنجكي، وقرمان المنجكي، وقُنُق باي السيفي، وبيبرس التمَّان تَمُري، وطوجي الحسني، وقوصون المحمدي، وحسن خُجا، ومُقبل الرومي، وبغداد الأحمدي، ويونس الأسعَردي، وبلاط المنجكي، وطولوبغا الأحمدي، وتتمة خمسة عشر، إلى قوص.
وفيه حمل الأمير سودُن النائب مالاً، واستمر الطلب عليه.
وفي حادى عشره: قبض على الأمير أرغون البحمقدار العثماني، بعد ما كان أخص الناس. منطاش، وقُيد وعُصر.
وفي ثالث عشره: أخرج الطواشي صواب السعدي شَنْكل من القلعة، وأعبد الطواشي جوهر إلى تقدمة المماليك عوضه، واستقر صارم الدين إبراهيم بن بلُرغي في ولاية القلعة، عوضاً عن حمُلْبان أخي مامُق.
وفيه أنعم على كل من يذكر بإمرة مائة وتقدمة ألف وهمِ قُطلوبغا الصفوي، وناصر الدين محمد بن الأمير منطاش، وأسندَمُر بن يعقوب شاه وتمَّان تَمُر الأشرفي، وأيدكار العمري، وأسندمر الشرفي - رأس نوبة منطاش، وجنتمر الأشرفي، ومنكلي بيه الأشرفي، وتُكا الأشرفي، ومنكلي بغا خازندار منطاش، وصراي تَمُر دوادار منطاش. وتمَربُغا الكريمي، وألطبغا الحلبي، ومبارك شاه.
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة طبلخاناه وهم: الشريف بَكتمُر بن على الحسني، وأبو بكر سُنْقُر الجمالي، ودمرداش القَشْتَمُري، وعبد الرحمن بن منكلي بغا، وجُلْبَان السعدي وأروس بغا سلنغر السيفي، وإبراهيم بن طَشتَمُر، وصُربغا الناصري، وتنكز الأعور الأشرفي، وصراي تمَرُ الأشرفي، وأقبغا المنجكي، وتَلَكْتمُر المحمدي، وقرابغا السيفي، وقُطْلُوبُغا الزيني، وتمربغا المنجكي، وأرغون شاه السيفي، ومُقْبل السيفي، ومنطاش أمير سلاح، وطَيْبرَس السيفي رأس نوبة، وبَيْرم خُجا الأشرفي، وألْطبغا الجُرْبغاوي، ومَنْجَك الزيني، وبُزلار الخليلي، ومحمد بن أَسَنْدَمُر العلاي، وطالق بغا السيفي، وإلياس الأشرفي، وقُطْلُوبغا السيفي، وشَيْخو الصرغَتْمُشي وجُلبان السيفي وألطُنبغا الطازي، وإسماعيل السيفي، وحسين بن الكوراني.
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرين، وهم: غريب خطاي، وياينجي الأشرفي، ومنكلي بغا الجوبانى، وقرابغا الأحمدي، وأق كَبَك السيفي، وفرج شاد الدواوين، ورمضان السيفي، ومحمد بن مُغْلَطاي المسعودي والي مصر.
وأنعم على كل ممن يذكر بإمرة عشرة وهم: صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز، وخضر بن عمر بن بَكتمُر الساقي، ومحمد بن يونس الدوادار، وعلى الجركتمري، ومحمد بن رجب بن محمد التركماني، ومحمد بن منكوتَمُر عبد الغني، وجوهر الصلاحي، وإبراهيم بن يوسف بن بلرغي، ولؤلؤ العلاي، وتنكز العثماني، وصُراي تَمُر الشرفي، ومنكلي بغا المنجكي وشيخون الأرغون شاهي، وأقسنقر الأشرفي، وتمربُغا النظامي، وطاز الأشرفي وجركس القرا بغاوي، وأسنبغا التاجي، وسنقر السيفي، وكزل الجوباني، وقرابُغا الشهابي، وقطلوبغا الزيني، وألطنبغا أمير سلاح، وبَكْ بلاط الأشرفي، وكمُشبغا الطشَتُمرى، وبَمبغا العلاى، ويلبغا التركمانى، ورُاسْبُغا الأشرفي، وحاجي اليْلبغاوي، وأرغون الزيني، ويلبغا الزيني، وتمر الأشر وجنبغا الشرفي، وجمق السيفي، وأرغون شاه البكْلَمشي، وألطنبغا الأشقر، وصُراي تمَرُ السيفي، وألطبغا الإبراهيمي، وأقبغا الأشرفي، وألجُبغا السيفي.
وفي خامس عشره: نودي على الزعر، من حمل منهم سيفاً، أو سكيناً، أو شالق بحجر، وُسّط، وتتبعوا، فقطع الوالي في ثامن عشره أيدى ستهَ منهم.
وفي تاسع عشره: قدم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء من دمشق.
وفيه استقر عمر بن خطاب في ولاية الغربية، عوضاً عن أمير فرج بن أيدمر، بحكم انتقاله إلى كشف الوجه البحري: وقبض على الأمير محمود.
وفي عشرينه: قدم البريد باًن الأمير بزلار نائب دمشق قبض عليه الأمير جَنتمُر أخو طاز.
وفيه نزع الأمير منطاش عنه آلة الحرب، وأمر العسكر والأمراء بنزعها فنزعوها. وفي هذه المدة كلها كانوا بأجمعهم لابسين آلة الحرب.
وفي حادى عشرينه: قبض على جمق بن أيتمش، وبيرم العلاي رأس نوبة أيتمش.
وفيه قدم سيف بَزْلار نائب دمشق. وكان من خبره أن منطاش لما غلب على الأمر، كتب يستدعيه في ثلاثة سروج على البريد، فأجاب: " لا أحضر إليه إلا في ثلاثين ألفاً " فكتب إلى الأمير جَنتمُر، بولاية دمشق أن اقبض عليه. ثم سير إليه التشريف والتقليد، وكتب إليه بأن يكون محمد شاه بن بيدمر أتابك دمشق، وجبرائيل حاجب الحاجب، فتعاون الجماعة عليه وقبضوه، ففر دواداره وأظهر الخلاف، وانضم إليه طائفة كبيرة خارج دمشق.
وفيه قدم البريد من غزة بأن الملك الظاهر برقوق خلص من السجن، واستولى على مدينة الكرك، ووافقه حسن الكجكني النائب، وقام في خدمته وقد حضر إليه ابن خاطر أمير بني عقبة - عرب الكرك - ودخل في طاعته، فاضطرب منطاش.
وكان من خبر الظاهر أن منطاش لما تحكم بمصر بعث شخصاً يعرف بالشهاب البريدي إلى الكرك، ومعه كُتب إلى الأمير حسام الدين حسن الكجكني بقتل الظاهر. وكان هذا الشاب من أهل الكرك، وتزوج بابنة عماد الدين أحمد بن عيسى المقيري قاضي الكرك، ثم شجر بينهما، فما زال به حتى طلقها، وزوجها بغيره. وكانت جميلة، فشق عليه فراقها، وخرج من الكرك. وضرب الدهر ضرباته، فكان من قيام منطاش ما قد ذكرنا، فاتصل به، ووعده بأنه يقتل له الملك الظاهر برقوق. فكتب معه إلى الأمير حسن الكجكني بمعاونته على قتل الظاهر، وأن ينزله بالقلعة، فمضى على البريد ونزل بالمقير، بلد القاضي عماد الدين. ولم يكتم ما في نفسه من الحقد، وقال: " والله لأخربن دياره، وأزيد في احكار أملاكه، وأملاك أقاربه بالمقير، فأوحش قلوب الناس منه. وقام في الليل يريد دخول مدينة الكرك، وبعث إلى النائب من يصيح به من تحت السور، فمنعه من ذلك وأحس بالشر. فلما أصبح، أحضره إلى دار السعادة، وقرأ كتاب السلطان، وكتاب الأمير منطاش بأمور أخر. فلما انفض الناس أخرج إليه الكتاب بقتل الظاهر، فقام من فوره ودخل على الملك الظاهر بعد أن أنزل الشهاب في مكان بالقلعة - اختاره قريباً من الموضع الذي فيه الظاهر - وأوقفه على الكتاب، فكاد أن يهلك من الجزع، فحلف عند ذلك بكل يمين أنه لا يسلمه أو يموت. وما زال به حتى سكن روعه.
هذا، وقد اشتهر في المدينة مجيء الشهاب، وكثر الكلام فيه، وثقل على الناس، وخافوا شره. وأخذ يلج في العجلة بقتل الظاهر، والنائب يدافعه إلى أن قال له: " هذا ما أفعله بوجه حتى أكتب إلى مصر بما أعرفه " .
وبعث البريد بأنه لا يدخل في هذا الأمر، ولكن يحضر إليه من يتسلمه منه، ويفعل فيه ما يرسم له به.
وكان في خدمة الظاهر غلام من أهل الكرك يقال له عبد الرحمن، فنزل إلى جماعة من أوغاد المدينة، وأعلمهم أن الشهاب حضر لقتل الملك الظاهر، فأنفقوا من ذلك، وقاموا إلى القلعة، وهجموا على الشهاب وقتلوه، وجروه برجله إلى باب القاعة التي فيها الظاهر، فلم يشعر - والنائب عنده، وقد ابتدأوا في الإفطار ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان - إلا وجماعة قد اقتحموا عليه، وهم يدعون له بالنصر، وأخذوه بيده حتى أخرجوه، وقالوا: " دس بقدمك على رأس عدوك " . وأروه الشهاب مقتولاً، ونزلوا به إلى المدينة، فدهش النائب و لم يجد بداً من القيام في خدمته، وتجهيزه. وتسامع به أهل البلاد، فأتوه من كل ناحية.
وفي ثاني عشرينه: استقر محمد بن أسندمر العلاي في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن أمير حاج بن مُغْلطاي، واستقر ابن مُغلطاوي أحد الأمراء المقدمين بالقاهرة.
وفيه استقر تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري في قضاء القضاة المالكية بالقاهرة ومصر، بعد وفاة جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن خير الإسكندراني.
وفيه بلغت زيادة ماء النيل إلى ثمانية أصابع من عشرين ذراعاً، وهو يوم عيد الصليب.
وفي خامس عشرينه: قبض منطاش على الأمير قُرقماس الطشتَمُري الخازندار، وعلى الأمير شاهين الصَرْغَتْمُشي أمير أخور، وقُطلوبَك أستادار الأمير أيتمش، وعلى عدة من المماليك الظاهرية. وقَبض على الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام شاد الدواوين، وضربه ضرباً كثيراً.
وفيه استقر جلال الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني في قضاء العسكر، بعد وفاة أخيه بدر الدين محمد.
وفي تاسع عشرينه: نودي على المماليك الظاهرية، وهدد من أخفي أحداً منهم.
ونودي أيضاً بسفر أجناد غزة من القاهرة إليها.
وفي سلخه: أحضر حسام الدين حسن بن باكيش مملوكاً وبدوياً، حضرا إليه من الكرك تجهيز الإقامات للملك الظاهر وملاقاته، فسحنا بخزانة شمايل.
وفي يوم الأربعاء أول شوال: - وهو عيد الفطر - نزل الملك المنصور وصلى صلاة العيد بالميدان، وحمل الأمير قطلو أقتمر القبة على رأسه.
وفي ثالثه: أفرج عن كريم الدين بن مكانس بعد أن حمل أربعمائة ألف درهم فضة، وانساق حاصل الأمير منطاش على ثلاثماية ألف دينار، وخمسة وثلاثين ألف دينار مصرية، سوى الدراهم وغير ما أنفقه.
وفي خامسه: سُمّر الذين أحضرهما ابن باكيش من الكرك، ونودي ألا يسافر أحد إلى الحجاز من الخاص والعام إلا بورقة فيها إذن الأمير الكبير منطاش.
وفي سادسه: رُسم بسفر أربعة آلاف فارس إلى غزة، وأربعة أمراء هم: أسنَدمُر اليوسفي، وقُطلوبغا الصفوي، ومنكلي بيه الأشرفي، وتَمُر بُغا الكريمي، وأُنفق في كل أمير ماية ألف درهم.
وفيه استقر ناصر الدين محمد بن العادلي في ولاية منوف، وعمر بن قادوس والي أكوم الرمان، وعزل علي بن المقدم.
وفيه عين مائة مملوك للسفر صحبة أمير الركب إلى الحجاز.
وفي سابعه: خُلع بحضرة الملك المنصور على الأمير منطاش، وفوض إليه تدبير الأمور، وصار أتابك العساكر. وعلى قطلوبُغا الصفوي واستقر أمير سلاح. وعلىَ تمان تَمُر الأشرفي، واستقر رأس نوبة النوب. وعلى أسندمر بن يعقوب شاه، واستقر أمير مجلس. وعلى ألطنبُغا الحلبي، واستقر دواداراً. وعلى تكَا الأشرفي، واستقر رأس نوبة. واستقر إلياس الأشرفي أمير أخور بإمرة طبلخاناه، وأرغون شاه السيفي رأس نوبة أيضاً، وتمُربغا المنجكي رأس نوبة رابعاً، وقطلوبغا الأرغوني أستاداراً، وجقمق السيفي شاد الشراب خاناه.
وفي ثامنه: خلع على الأميرَ تمّان تمر رأس نوبة لنظر المارستان المنصوري، وعلى الأمير أَلْطنبغا الحلبي الدوادار لنظر الأحباس.
وفيه بطل أمر التجريدة خوفاً من المماليك أن يخامروا ويذهبوا إلى الملك الظاهر.
وفي تاسعه: استقر الأمير أيدكار العمري حاجب الحجاب، والأمير أصر حاج بن مغلطاي حاجباً ثانياً.
وفيه استدعى الصاحب شمس الدين عبد الله المقسي، وعرض عليه الأمير الكبير منطاش الوزارة ونظر الخاص، وأحضر التشريف ليلبسه فامتنع، واعتذر بأن يديه ورجليه قد بطلت من ضَرَبان المفاصل، وكان قد عصبهما، ولم يحضر إلا محمولاً، فقبل عذره وخلِّى عنه. واستدعى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وقرر عليه مال، وخلع عليه بالاستمرار. وخلع أيضاً على موفق الدين أبي الفرج ناظر الخاص، وألزم بمال يحمله.
وفيه سُمر أربعة من الأمراء وهم: سودُن الرماح أمير عشرة رأس نوبة وألطبغا أمير عشرة. وأيران من الشام، ووسطوا.
وفي عاشره: أفرج عن ناصر الدين محمد بن الحسام، شاد الدواوين.
وفي حادي عشره: ضرب نجم الدين محمد الطنبدي محتسب القاهرة عند الأمير الكبير، وألزم بمال يحمله.
وفي ثاني عشره: أعيد سراج الدين عمر إلى حسبة القاهرة.
وفيه حمل جهاز خوند بنت الملك الأشرف وأخت الملك المنصور إلى القلعة، لتزف على الأمير الكبير منطاش - وقد عقد عليها - فكان على خمسمائة حمال، وعشرة قُطر بغال. ومشى الحجاب والعسكر معه، فخلع عليهم كلهم. وبنى عليها من ليلته، واهتم للعرس اهتماماً زائداً. وعندما زفت إليه خوند، علق بشربوشها ديناراً زنته مائتا مثقال، ثم ديناراً زنته مائة مثقال. وفتح للقصر باباً من الإسطبل بجوار باب السر.
وفي ثالث عشره: استقر شمس الدين محمد السلاوي الدمشقي في قضاء المدينة النبوية، عوضاً عن الشيخ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي شيخ الحديث.
وقدم البريد بدوادار بزلار نائب دمشق الثائر بها، ومعه أمير أخر، فسجنا.
وفيه استقر تنكز الأعور نائب حماة، عوضاً عن طُغاي تمَرُ القبلاوي.
وأخرج عدة من الظاهرية إلى قوص. وعزل عمر بن قُرُط عن ولاية أسوان، واستقر عوضه أبو درقة.
وفيه قدم البريد بأن الأمراء المقيمين. ممدينة قوص خرجوا عن الطاعة، وقبضوا على الوالي، فندب إلى الخروجَ تمُربغا الناصري، وبيرم خجا، وأروس بغا، من أمراء الطبلخاناه.
وفيه انتهت زيادة ماء النيل إلى تسعة عشر ذراعاً وثمانية عشر أصبعاً، ولم يسمع بمثل ذلك إلا في النادر. وثبت إلى تاسع بابه، ثم انحط.
وفي ثالث عشرينه: قُبض على نور الدين على الحاضري وضُرب، وعُصر وسجق، بسبب تحدثه بمجيء كتب الملك الظاهر، وأنه هو الذى ينتصر.
وفيه قدم البريد بخروج الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب عن الطاعة، وأنه حارب إبراهيم بن قُطلو أَقتمُر أمير جاندار، وقبض عليه ووسطه - هو وشهاب الدين أحمد بن عمر بن أبي الرضا الشافعي قاضي حلب - بعد أن قاتلوه ومعهم أهل بانقوسا فلما ظفر بهم قتل عدة كبيرة منهم.
وفيه استقر الأمير أق كَبك السونجة أمير علم بإمرة طبلخاناه.
وفي خامس عشرينه استقر في نظر الخاص الوزير الصاحب كريم الدين بن الغنبم، عوضاً عن موفق الدين أبي الفرج. واستقر عوضه في الوزارة موفق الدين أبو الفرج، وخلع عليهما.
وفيه قدم البريد بأن الأمير حسام الدين حسن بن باكيش نائب غزة، جمع العشير وسار لمحاربة الملك الظاهر.
وقدم البريد بقوة شوكة الأمراء الخارجين بالصعيد، فخرج الأمير أسندمر بن يعقوب شاه في نحو الخمسمائة فارس، وسار في ثامن عشرينه.
وفي سادس عشرينه: أفردت بلاد من الخاص، وتحدث فيها ناصر الدين محمد بن الحسام، فحنق من ذلك الصاحب كريم الدين بن الغنام، واستعفى، فقبض عليه وسجن بقاعة الصاحب من القلعة، وأخذ خطة بثلاثمائة ألف درهم فضة، وقبض على بعض حواشيه.
وفيه استقر أمير علي بن القرماني في ولاية الجيزة وعزل قراجا العلاي. واستقر طشبغا القَشْتَمُري والي دمياط.
وفيه ورد الخبر باتفاق الولاة مع الأمراء بالصعيد. وكان من خبرهم أنه لما استقر أبو درقة في ولاية أسوان سار إلى ابن قرط، واتفقا على المخامرة، وسارا إلى قوص وأفرجا عن الأمراء، وعدتهم زيادة على ثلاثين أميراً في عدة كبيرة من المماليك. فلما بلغ ذلك الأمير مبارك شاه نائب الوجه القبلي - وقد اجتمع معه نحو الثلاثمائة من الظاهرية - وافقهم على المخامرة، واستمال عرب هوارة، وعرب ابن الأحدب، فواقوه واستولوا على البلاد. فلما خرجت التجريدة الأولى من قلعة الجبل، انتهت إلى أسيوط ، فقبض عليهم مبارك شاه، وأفرج عمن كان معهم من المماليك الظاهرية، فخرج ابن يعقوب شاه، كما تقدم ذكره، وسار في الشرق.
وفي سابع عشرينه: أضيف نظر الخاص إلى الوزير موفق الدين أبي الفرج، وأفرج عن الصاحب كريم الدين بن الغنام، واستقر في نظر الإسطبلات.
وفيه عين خمسة أمراء من مقدمة الألوف، وثلاثمائة مملوك. ليسيروا إلى الكرك.
وفي ثامن عشرينه: استقر أمير على بن المكَلَلْة في ولاية منفلوط، وعزل محمد أَشَقْتمر.
وفيه ورد الخبر بأن الأمير أسندمر بن يعقوب شاه. ممن معه وصل أخميم، فلقبهم الخارجون عن الطاعة وكسروهم، فرسم بخروج نجدة من المماليك وأجناد الحلقة، ثم عوقوا.
وفي سلخه: استدعى القاضي صدر الدين محمد بن إبراهيم المناوي - مفتي دار العدل - واستقر في قضاء القضاة بديار مصر، عوضاً عن الشيخ ناصر الدين محمد ابن بنت الميلق، وخلع عليه، فنزل ومعه الأمير الدوادار والحجاب إلى المدرسة الصالحية على العادة، وسر الناس بولايته.
وخرج الأمير بلوط الصرغتمشي، والأمير غريب، لكشف أخبار الملك الظاهر.
وفي يوم السبت ثماني ذي القعدة: استقر قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي. واستَقر قاضي القضاة سري الدين محمد بن المسلاني خطيب الجامع الأموي، وشيخ الشيوخ بدمشق واستقر موفق الدين بن العجمي في قضاء الحنفية بحلب، عوضاً عن محب الدبن محمد بن محمد بن محمد الشحنة. واستقر بدر الدين محمود السراي الكُلُسْتانى في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن نجم الدين الكفري.
وفي ثالثه: توجه قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي إلى مدينة مصر، في موكب جليل على العادة.
وفي سادسه: حضر الأمير حسين بن أخي قرط طائعاً، واعتذر، فقبل عذره، وخلع عليه لولاية قوص، عوضاً عن مقبل الطيبي.
وفي عاشره: قرئ تقليد قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي، فكان الجمع موفوراً.
وفي ثاني عشره: أحضر بالأمير مبارك شاه الكاشف مقيداً، فسجن بخزانة شمايل.
وفي هدا الشهر: كثرت الإشاعات، وقويت الأراجيف، واختلفت الأقوال في الملك الظاهر برقوق، وكان من خبره أنه لما قتل الشهاب بالكرك، وأنزل عوام البلد الملك الظاهر من قلعتها، وقاموا بخدمته، أتته العربان وصار في طائفة، فلم تجد أكابر مدينة الكرك بداً من الموافقة، إلا أنهم قد سقط في أيديهم، وخافوا سوء العاقبة. فلما كثر جمع الظاهر عزم على الخروج من المدينة، وبرّز أثقاله. فاجتمع الأعيان عند العماد أحمد بن عيسى المقيري، قاضي الكرك، وأحالوا الرأي، وخشوا من السلطنة بمصر، فاتفقوا على القيام عليه، وقبضه، وإعلام أهل مصر بذلك، وأنه لم يخرج إلا باجتماع السفهاء منهم، ليكون ذلك خلاصاً لهم من معرة معاداة الدولة. وبعثوا ناصر الدين محمد أخا القاضى، فأغلق باب المدينة، وصار الظاهر وقد حيل بينه وبين أثقاله وعامة أصحابه فلما قام. ليركب ويخرج، بلغه ذلك.
وكان علاء الدين على - أخو القاضى - مباشر الإنشاء بالكرك، فكتب للظاهر في مدة خروجه وخدمه. فلما رأى ما نزل بالظاهر، عندما بلغه اتفاق أهل المدينة في بيت أخيه على قبض الظاهر، حدثه وقوّى جأشه، وسار به، حتى وصل باب المدينة، فإذا به مغلوق، وأخوه ناصر الدين قائم عنده، فما زال به حتى فتح الباب وخرج بالظاهر من المدينة، والتحق ببقية أصحابه من المماليك الذين وصلوا اٍ ليه، والعربان التى اجتمعت عليه، وأخلاط أهل مدينة الكرك. فأقام بالثنية خارج الكرك يومين، ورحل في ثامن عشرين شوال، وسار بهم يريد دمشق - وبها الأمير جَنتمُر أخو طاز، متولي نيابتها - وقد وصل إليه الأمير ألْطُنْبغا الحلبي الدوادار من مصر نائباً على حلب بحكم عصيان كمشبغا الحموي. فاستعدا لقتال الظاهر، وتوجه إليهما الأمير حسام الدين حسين بن باكيش - نائب غزة - بعساكرها وعشيرها.
وأقبل الظاهر. ممن معه، فخرجوا إليه وقاتلوه بشقحب - قريبا من دمشق - قتالاً شديداً، كسروه فيه غير مرة، وهو يعود إليهم ويقاتلهم، إلى أن كسرهم، وانهزموا منه إلى دمشق. وقتل منهم ما ينيف على الألف، فيهم خمسة عشر أميراً، وقتل من أصحابه نحو الستين، ومن أمرائه سبعة. وركب اًقفية المنهزمين، فامتنع جَنتمُر بالقلعة، وتوجه بالقلعة، وتوجه من أمراء دمشق ستة وثلاثون أميراً، ومعهم نحو الثلاثمائة وخمسين فارساً، قد أثخنوا بالجراحات. وأخذوا نائب صفد، وقصدوا ديار مصر. فلم يمض غير يوم واحد حتى وصل ابن باكيش بجمائعه، فقاتله الظاهر وهزمه، وأخذ جميع ما كان معه، فقوي به قوة كبيرة. وأتاه عدة من مماليكه، ومن أمراء الشام، فصار في عسكر كبير، وأقبل إليه الأمير جبرائيل حاجب الحجاب بدمشق، وأمير علي بن أسندمر الزيني، وجَقمَق، ومقبل الرومي، طائعين له، فصاروا في جملته.
ونزل السلطان بوقوق على قبة يلبغا ظاهر دمشق، وقد امتنع أهلها بها، وبالغوا في تحصينها، فحصرها، وأحرق القبيبات، وخربها، وأهلك في الحريق خلقاً كثيراً، وجد أهل المدينة في قتاله، وأفحشوا في سبه، وهو لا يفتر عن قتالهم، فأمده الأمير كمشبغا من حلب بثمانين فارساً من المماليك الظاهرية، فأخرج إليهم الأمير جَنتمُر خمسمائة فارس من دمشق، ليحولوا بينهم وبين الظاهر، فقاتلوهم، فكسرهم الظاهرية، واستولوا على جميع ما معهم.
وأتوا إلى الظاهر، فأقبل الأمير نعير بعربانه، يريد محاربته، فحاربه وكسره فانهزم عنه، وتقوى. مما صار إليه في هذه الوقائع. وصار له برك ويرق، بعدما كان بهيئة رثة، لا يكنه من المطر إلا خيمة صغيرة، ومماليكه في أخصاص كل منهم هو الذى يتولى خدمة فرسه بنفسه.
واستمر الظاهر برقوق على حصار دمشق وقتال أهلها، فورد الخبر بذلك إلى منطاش في خامس عشر ذى القعدة، فتقدم في سابع عشره إلى الصاحب موفق الدين أبي الفرج بتجهيز الملك المنصور للسفر، فلم يجد في الخزائن ما يجهزه به، واعتذر بأن المال انتهب وتفرق في هذه الوقائع، فقبل ذلك، واستدعى القضاة، وسأل قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي أن يقرضه مال الأيتام، فامتنع من ذلك ووعظه، فلم تنجح فيه المواعظ، وختم في يومه على موادع الأيتام، وكانت إذ ذاك عامرة بالأموال. ورسم لحاجب الحجاب وناصر الدين بن قُرطُاى - نقيب الجيش - بتفرقة النقباء على أجناد الحلقة، وحثهم على التجهيز للسفر بعد العرض.
وفي تاسع عشره: قدم البريد بكسرة ابن باكيش وأخذ الملك الظاهر جميع ما كان معه، فاشتد اضطراب الناس، وكثر الإرجاف، ووقع الاجتهاد في الحركة للسفر، وأزعج أجناد الحلقة. واستدعى الأمير منطاش الخليفة المتوكل على اللّه، وقضاة القضاة، وشيخ الإسلام، وأعيان أهل العلم، فرتبوا صورة فتيا في أمر الملك الظاهر، وانفضوا من غير شيء.
وفيه قدم البريد بواقعة صفد، و كَان من خبرها أن مملوك من المماليك الظاهرية - يعرف بيلبغا السالمي - أسلمه الملك الظاهر للطواشي بهادر الشهابي مقدم المماليك، فرتبه خازنداره. واستمر على ذلك إلى أن نفي المقدم كما تقدم ذكره، فخدم يلبغا الطواشي، صواب السعدي شنكل المقدم، وصار دواداره الصغير. فلما قبض الناصري على شنكل، خدم يلبغا عند الأمير قطلوبك النظامي صفد دواداراً، وسار معه إلى صفد، فتحبب إلى الناس بالإحسان إليهم وملاطفتهم، إلى أن قدم إلى صفد خبر مسير الملك الظاهر من الكرك إلى دمشق. وجع النظامي العسكر ليصير إلى نائب دمشق. وقام يلبغا في طائفة من المماليك الذين استمالهم، وأفرج عن الأمير أينال اليوسفي، الأمير قجماس ابن عم الظاهر، ونحو المائتين من المماليك الظاهرية من سجن صفد. ونادى بشعار الملك الظاهر يريد القبض على النظامي. فلم يثبت وفر من صفد في مملوكين، فاستولى يلبغا. ممن معه على مدينة صفد وقلعتها، وصار الأمير أينال قائماً بأمر صفد، ووقف يلبغا في خدمته، وقد تقووا بثقل النظامي وبركة. فلما ورد هذا الخبر، عظم اضطراب الأمير منطاش، وزاد قلقه، وكثرت قالة الناس، وتوالت الأخبار ذلك.
وفي حادي عشرينه: استقر الشريف بَكتمُر في ولاية البحرة ونقل تمراز العلاي إلى كشف الوجه البحري، ورسم لهما بجمع عرب البحيرة لقتال الظاهر.
وفيه قدم الخبر بوصول نائب صفد ونائب حماة، وحمد بن بيدمر أتابك دمشق، في تتمة خمسة وثلاثين أميراً، وجمع كثير من المماليك، وقد انهزموا من الظاهر، فرسم بدخولهم.
وفيه استدعى الخليفة والقضاة والفقهاء بسبب الفتيا، فكتب ناصر الدين محمد بن الصالحي - موقع الحكم - فتيا تتضمن السؤال عن رجل خلع الخليفة والسلطان، وقتل شريفاً في الشهر الحرام والبلد الحرام وهو محرم، واستحل أخذ أموال الناس وقتل الأنفس، وجعلها عشر نسخ.
وفي ثالث عشرينه: قدم سواق من سواقي البريد، وبدوي، وبشرا منطاش بأن الظاهر بعد ما ملك دمشق كبس في الليل، وهرب، فمشى ذلك عليه، وأنعم عليهما. وفيه رسم بفتح سجن قديم بالقلعة، وقد ارتدم، وسجن به عدة مماليك وسجن كثير منهم بأبراج القلعة، وضيق عليهم.
وفيه وجدت ذخيرة بالقاهرة، في بيت عماد الدين إسماعيل بن المشرف أستادار جركس الخليلي، فيها ستمائة ألف درهم، ونحو الخمسين ألف درهم، فأخذها الأمير منطاش، وأخذ لابن جركس الخليلي أيضاً نحو ثلاثمائة ألف دينار مصرية.
وفيه قدم الأمراء والمماليك المنهزمون من الظاهر، وهم: قطلوبك النظامي نائب صفد، وتنكز الأعور نائب حماة، ومحمد بن بيدمر أتابك دمشق، ويلبغا العلاي أحد المقدمين بدمشق، وأقباي الأشرفي نائب قلعة المسلمين، ومن أمراء الطبلخاناة دمرداش الأطروش والي الولاة، وشكر اًحمد، وجوبان الخاصكي، وقطلوبغا جَبْجَق، وجبرائيل. ومن العشرينات أقبغا الوزيري، وأزدمر الأشقَتمري، وقُنُق الزيني، ومنكلي بغا الناصري، وبَمبغا، وطومان، وأقبغا الإينالي، وأحمد بن يانوق.
ومن العشراوات بيبغا العلاي، وطغاي تمر الأشرفي، ومصطفي البيدمري، ويوسف الأطروش، وأقتمر الأشقتمري، وأرغون شاه - دوادار يلبغا المنجكي - وألطنبغا البيدمري، وقر ابغا السيفي.
ومن أمراء صفد تغري بردي الأشرفي، ومنجك الخاصكي، وقجقار السيفي.
ومن أمراء حماة جَنتمُر الأسعردي، وألطبغا المارديني، وبكلمق الأرغوني، وطيبغا القرمي، وأسنبغا الأشرفي، وحسين الأيتمشي.
ومن المماليك عدة مائتين وأحد وعشرين.
وفيه أفرج عن الأمير قرقماس الطشتمري، واستقر خازندارا على عادته.
وأفرج عن شيخ الصفوي الخاصكي، وأرغون السلامي، ويلبغا اليونسي، ونزلوا إلى دورهم.
وفيه رسم على مباشري الأمراء المنفصلين ليجهزوا الأمراء المستجدين للسفر، فلم يسمع بمثل هذا.
وفيه نودي أن الفقهاء والكتاب لا يركب أحد منهم فرساً عربياً، وأن الكتاب الكبار أرباب الوظائف السلطانية، وكتاب الأمراء يركبون البغال.
وفيه أخذت أكاديش الحمالين المعدة للحمل عليها، وأخذت خيرل الطواحين الجياد، وتتبعت المماليك الجراكسة، وطلبهم حسين والي القاهرة، وأخذهم من كل موضع، فقبض منهم على رجل شيخ يقال له يُلوا الأحمدي، وضرب، وأخذ منه مبلغ خمسين ألف درهم فضة، وأفرج عنه وعن طُرنطاي الخطيري، وطولو بغا الأحمدي، واًقبغا البشتكي، ومسافر، لأجل أن لكل منهم في مصر نحو الستين سنة.
وفيه خشبت أيدى المماليك المسجونين، وأرجلهم.
وفي خامس عشرينه: اجتمع الأمراء وأهل الدولة مع الأمير الكبير منطاش، واتفقوا على استبداد السلطان الملك المنصور، وأثبتوا رشده بحضرة القضاة والخليفة. فرسم السلطان بتعليق الجاليش بالطبلخاناة، ليعلم الناس بالسفر إلى الشام، وأفرج عن الأمير محمود الأستادار، وأمر بعرض أجناد الحلقة والمماليك السلطانية، ونودي أن العامة لا يركب أحد منهم فرساً أصيلاً وأن المكارية لا تحمل على أكديش حملاً.
وفيه أحضرت نسخ الفتوى في الملك الظاهر، وزيد فيها: " واستعان بالكفار على قتال المسلمين " وحضر الخليفة المتوكل وقضاة القضاة الأربع وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وولده جلال الدين عبد الرحمن قاضي العسكر، وقاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، وولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن خلدون المالكي، وسراج الدين عمر بن الملقن الشافعي، وعدة دون هؤلاء؛ بالقصر الأبلق من القلعة بحضرة الملك المنصور والأمير الكبير منطاش، وقدمت إليهم الفتوى، فكنبوا عليها بأجمعهم وانصرفوا. وفيه نودي على أجناد الحلقة بالعرض، وهدد من تأخر منهم.
وفيه كتب لعرب البحيرة بالحضور للسفر مع العسكر إلى الشام.
وفيه استقر الأمير قُطلبوبغا الزيني أمير جاندار، شريكاً لطوغان العمري.
واستقر أمير حاج بن مُغْلطاي الحاحب أستادار السلطان. وأنعم على كل من أرغون شاه السيفي، وقطلوبغا السيفي بإمرة مائة. وأنعم على الأمراء القادمين من الشام بفرس بقماش ذهب، وخمسين ألف درهم فضة لكل أمير مائة، ولمن عداهم من الأمراء بأقبية مغرية. ورتب لهم اللحم والجرايات والعليق وفيه أعيد مبارك شاه في نيابة الوجه القبلي وخلع عليه.
وفي سابع عشرينه: أخليت خزانة الخاص بالقلعة، وسدت شبابيكها وبابها، وفتح من سقفها طاق، وعملت سجنا.
وفي يوم السبت أول في ذي الحجة: قدم البريد من الصعيد بأن العسكر المجرد مع الأمير أسندمر بن يعقوب شاه واقع الأمراء الخارجين عن الطاعة بمدينة قوص، وقبضوا عليهم كلهم، فدقت البشاير ثلاثة أيام بالقلعة.
وفيه قبض على الصاحب كريم الدين بن الغنام، وألزم بحمل ثلاثمائة ألف درهم فضة، وخمسين فرساً.
وفيه أنفق على كل من الأمراء الألوف مائة ألف درهم فضة، وعلى كل من أمراء الطبلخاناة خمسون ألف درهم.
وفيه سد باب الفرج - أحد أبواب القاهرة - وخوخة أيدغمش، وغير ذلك.
وفي ثالثه: قبض على متى بطرك النصارى، وألزم بمال، وقبض على رئيس اليهود، وألزم بمال. فتقرر على البطرك مائة ألف درهم، وعلى رئيس اليهودي خمسون ألف درهم جبوها وحملوها.
وفيه طلب الشيخ شمس الدين محمد الركراكي المالكي، وألزم بالكتابة على الفتوى في الملك الظاهر، فامتنع، فضرب مائة ضربة، وسجن بالإصطبل.
وفي رابعه: أفرج عن ابن غنام.
وفي سادسه: فتحت خوخة أَيْدُغْمُش.
وفيه خرجت تجريدة إلى الصعيد خوفاً منأخذ العرب الأمراء المماليك الظاهرية المقبوض عليهم.
وفي سابعه: دقت البشائر لكذبة نمقت، وهى أن إينال اليوسفي سار من صفد. ممن معه، فقاتله أهل دمشق، وقتلوه، وجرح الملك الظاهر.
وفي ثالث عشره: تولى الأمير تمان تمر الأشرفي رأس نوبة عرض المماليك السلطانية، وكثرت في أمر الظاهر والأرجاف، تارة بنصرته وتارة بهزيمته، وتحدث كل أحد على مقتضى غرضه.
وفي خامس عشره: عرض الأمير تمان تمر أجناد الحلقة، مَنْ إقطاعه عبرة أربعمائة دينار فما فوقها، وعين جماعة منهم للسفر، وجماعة لحراسة القلعة، وجماعة لحراسة القاهرة وجماعة لحراسة مصر، وعرض مقدمي المماليك، وعرض البحرية والمفاردة.
وفيه برز الأمراء الشاميون بظاهر القاهرة، للتوجه إلى الشام.
وفيه قبض على الخليفة المخلوع زكريا، وأخذ منه العهد الذي عهده إليه أبوه بالخلافة، وأشهد عليه أنه لا حق له في الخلافة.
وفيه قدمت التجاريد من بلاد الصعيد بالخارجين عن الطاعة في القيود، فغرق جماعة من المماليك في النيل ليلاً، وأخرج بستة من الجب بالقلعة، موتى.
وفي سادس عشره: أحضر بالقادمين من الصعيد مع الأمير أسندمر بن يعقوب شاه إلى القلعة، وهم: تمرباي الحسني، وقرابغا الأبو بكري، وبجمان المحمدي، ومنكلي الشمسي، وفارس الصرغتمشي، وتمربغا المنجكي، وطوجي الحسني، وقرمان المنجكي، وبيبرس التمان تمرى، وقراكسك السيفي، وأرسلان اللفاف، ومقبل الرومي، وطوغاي تمر الجركتمري، وجرباش الشيخي، وبغداد الأسعدي، ويونس الأسعردي، وأردبغا العثماني وتنكز العثماني، وبلاط المنجكي، وقراجا السيفي، وكمشبغا اليوسفي، وأقبغا حطب، وقرابغا المحمدي، وعيسى التركماني، وبك بلاط السونجي، فأوقفوا في القيود زماناً ثم سجنوا. وأفرج عن جماعة ممن حضر وهم: قُنُق بيه اللالا، وأقبغا السيفي، وتمرباي الأشرفي، وعز الصرغتمشي، وخلع عليهم. وأفرج أيضاً عن بك بلاط السونجي.
وفيه سجن بخزانة الخاص الأمير محمود، والأمير أقبغا المارداني، وأيدمر أبو زلطة، وشاهين الصرغتمشي أمير أخور، وجُمُق بن أيتمش، وبطا الطولوتمرى، وبهادر الأعسر، وعدة كبيرة من الأمراء والمماليك.
وفيه ألزم سائر مباشري الدواوين بأن يحمل كل واحد خمسمائة درهم ثمن فرس، وقرر ذلك على الوظائف لا على الأشخاص، على أن من كان له عشر وظائف في عدة دواوين تحمل كل وظيفة خمسمائة درهم، فنزل بالناس ما لم يعهدوه، فتوزعوا ذلك بعد أن جبى منهم عدة خيول، فجاء جملة الحمل من المباشرين خيلاً وعينا ألف فرس.
وفيه أحضر من ألزم بالسفر من أجناد الحلقة، وأعفوا من السفر، على أن يحضر كل منهم فرساً جيداً، فأحضروا خيولهم، فأخذ جيادها، ورد ما عداها. وألزم من لم يحضر فرساً بألف درهم عن ثمن فرس، فتضرروا من ذلك، فاستقرت خمسمائة درهم جبيت منهم. وألزم رؤوس نوب الحجاب بحمل كل منهم خمسين ألف درهم، وعدتهم أربعة، ثم استقر على كل واحد أربعة عشر ألف درهم، حملها وأفرج عنه.
وفيه أنفق على مماليك الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير منطاش، لكل واحد ألف درهم.
وفي يوم الاثنين سابع عشره: نزل الملك المنصور والأمير الكبير منطاش من قلعة الجبل بالعساكر إلى الريدانية خارج القاهرة. واستدعى قاضي القضاة صدر الدين محمد المناوي إلى الريدانية، وألزم بالسفر فامتنع وسأل الإعفاء، فأعفى. واستقر قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء على أنه يعطى مال الأيتام ويحمل من ماله مائة ألف درهم فضة، ثم خلع عليه وعبر إلى القاهرة من باب النصر.
وفيه استقر عبيد الله العجمي في قضاء العسكر، وعزل سراج الدين عمر.
وفيها اعتقل الخليفة المخلوع زكريا، والأمير سودن النائب، بقاعة الفضة من القلعة. وفيه تقرر على سائر المماليك البحرية والمفاردة وأولاد الأمراء المقيمين بالقاهرة - ممن تعين لحفظها وحفظ القلعة ومصر في مدة غيبة السلطان - خيولاً يحملونها إلى الريدانية، وتقرر على موقعي الإنشاء أيضاً خيولاً، وعلى بقية أرباب الوظائف من المتعممين، وأزعجوا بسبب ذلك، فمنهم من قاد العشرة أرءوس، ومنهم من قاد دونها، على قدر ما لزمه، كما تقدم في الكتاب، فاشتد غم الناس، وكثرت حركاتهم، ونزل بهم ما لم يروا مثله.
وفي تاسع عشره: ركب الأمير تُمان تَمُر رأس نوبة في عدة مماليك إلى الرميلة تحت القلعة، وقبض على كل من رآه راكباً على فرس من المتعممين وغيرهم، وأخذ خيولهم ومضى بها إلى داره.
وفيه اشتد الطلب على الأجناد وغيرهم بسبب جباية الخيول وأثمانها، وسلم كثير منهم للأمير حسام الدين حسين بن الكوراني - الوالي - ليخلص ذلك منهم بالعقوبة وفيه نزل الوزير موفق الدين أبو الفرج والأمير ناصر الدين محمد بن الحسام إلى خان مسرور بالقاهرة، حيث مودع الأيتام، وأخذا منه ثلاثمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بالقاهرة أن يحمل تتمة خمسمائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم. ممصر أن يحمل مائة ألف درهم، وألزم أمين الحكم بالحسينية أن يحمل مائة ألف درهم قرضاً، حسب إذن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء في ذلك.
وفيه استدعى قضاة القضاة الأربع إلى الريدانية بكرة النهار، فأجلسوا في خيمة، وتركوا بغير أكل إلى قريب العصر. ثم طلبوا إلى عند السلطان، فعقدوا عقده على خوند بنت أحمد بن السلطان حسن، بصداق مبلغه ألف دينار وعشرون ألف درهم، وعقدوا عقد الأمير قطلوبغا الصفوي على ابنة الأمير أيدمر الدوادار.
وفي عشرينه: رحل طليعة العسكر أربعة أمراء وهم: أسندمر بن يعقوب شاه، والكريمي، وثمان تمر رأس نوبة، وقطلوبغا الصفوي.
وفي ثاني عشرينه: رحل الأمير منطاش في عدة من الأمراء، ثم رحل السلطان والخليفة والقضاة وبقية العسكر، وقد أقيم نائب الغيبة بالقلعة الأمير تكا، ومعه الأمير دمرداش القشتمري، وبالإسطبل الأمير سرايَ تمُر، وبالقاهرة الأمير قُطلوبغا الحاجب، وجعل أمر العزل والولاية إلى الأمير سراي تمر.
وفيه نقل الأمير سودن النائب إلى بيت بالقلعة.
وفيه ألزم قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء الشافعي بإحضار عشرة أروس من الخيل. وطلب من كل الأمراء من المقدمين المقيمين عشرة أروس، ومن كل أمير طبلخاناة أربعة أروس، ومن كل أمير عشرة فرسان، فأخذ ذلك من الجميع. وكلب من سائر الولاة المستقرين بأعمال ديار مصر والمعزولين، الخيل. وقرر على كل واحد منهم بحسب حاله، وطلب من سائر الخدام الطواشية خيول، ثم أعفوا.
وفيه استقر الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني في ولاية مصر، مضافة إلى ولاية القاهرة، فاستناب في مصر ابن أخيه أمير عمر بن ممدود.
واستقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية الجيزة، عوضاً عن قرطاي التاجي بحكم انتقاله لكشف التراب بالجيزية.
وفي ثالث عشرينه: استقر قُطلوبغا السيفي أمير حاجب ثانياً، عوضاً عن أمير حاج ابن مغلطاي. ورسم لفراج السيفي بإمرة عشرة. وأنعم على كل من قراكسك، وأرسلان اللفاف، وبك بلاط السونجي بقباء بفرو، وشق.
وفيه قدم نجاب من الحجاز بموت الطواشي مثقال الساقي الزمام، ببدر.
وفيه رحل السلطان من العكرشا إلى بلبيس، فتقنطر عن الفرس، فتطير الناس من ذلك بأنه يرجع مقهوراً، وكذا كان.
وفي سلخه: سد الأمير صراي تمر باب القصر الذي بالإصطبل، وسد شبابيك الشراب خاناة.
وانقضت هذه السنة والناس في مصر والشام بشر كبير.
واتفق أيضاً في هذه السنة. وقوع حادثة عظيمة ببلاد خراسان، وهى أنه هبت بمدينة نيسابور رياح عاصفة في شهر صفر، ارتجت الأرض من شدة هبوبها، وحدثت زلزلة مهولة، تحركت الأرض منها حركة عنيفة، حتى كان الإنسان وغيره يرتفع عن موضعه قامتين وأكثر، وصارت الأرض تنتقل من موضع إلى موضع، فلم يبق شيء في جميع أقطار المدينة من البيوت والأسواق والمدارس ونحوها إلا واهتز اهتزازاً عظيماً، واستمر الحال كذلك إلى ضحوة نهار اليوم الرابع، فسكنت الزلزلة، وأمن الناس واطمأنوا، وإذا بريح عظيمة هبت في الحال، ثم تحركت الأرض أقوى مما تحركت قبل ذلك، وانقلبت بأهلها، فصار عاليها سافلها، وخربت المدينة، وهلك أهلها، فلم يسلم منهم إلا النادر. وسلم سكان الفوقانيات، وهلك سكان التحتانيات، وسلم قوم كانوا في بعض الحمامات، وقد خرجوا إلى الدهاليز فاحتوى من بقي من الأراذل على أموال من قد هلك من الأماثل، وترأسوا بعدهم. ثم بعد أشهر عمر من بقي عمارات بالقرب من المدينة التي هلكت، وعملوا عاليها من الخشب والخيام.
ومن غريب ما وقع في هذه الحادثة أن قرية انتقلت من مكانها إلى مكان قرية أخرى، فصارت فوقها بحيث لم يبق للتي كانت أولاً أثر يعرف فكانت بين أهل القريتين عدة خصومات ومحاربات.
واتفق أيضاً أن رجلاً كان في بيته، فسقط البيت إلا الموضع الذي فيه الرجل فإنه لم يسقط، وسلم الرجل. وكانت امرأة في الحمام، وقد أخذت لقمة وضعتها في فمها، فسقط الحمام عليها، فهلكت فيمن هلك، فلما نبش عنها، وجدت واللقمة في فيها لم تبلعها، وولدها في حضنها، ومئزرها في وسطها، وقد أدخلت إحدى رجليها في داخل الحمام، ورجلها الأخرى من خارج، لم تهمل حتى تدخلها بل هلكت قبل ذلك، وسلم مع ذلك الوقاد في أتون الحمام، فإنه ممن ألقته الأرض عنها، فحدفته إلى العلو، وصار بالبعد عن موضعه، فسلم. وقد اشتهر عند أهل نيسابور أنها خربت بالزلازل سبع مرات، فكانت هذه المرة أشنع مما مضى؛ لأنها تركت المدينة عاليها سافلها. ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
ومات في هذه السنةعالم كبير بالطاعون والسيف، فممن له ذكر من الأعيان: الأمير صارم الدين إبراهيم بن الأمير سيف الدين قُطلو أَقتمُر العلاي، أمير جاندار بحلب، قتله الأمير كُمشبغا الحموي، وقد عصى كمشبغا. وقام إبراهيم بنصرة منطاش، واستمال جماعة وحارب كُمُشبغا، فانتصر عليه ووسطه في شوال.
ومات شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أبي الرضا قاضي القضاة الشافعي بحلب. ثار على كمشبغا نائب حلب، وجع أهل بانقوسا وقاتله، وظفر بهم كمشبغا وقتل كثيراً منهم، وفر ابن أبي الرضا، فأخذ قريباً من المعرة. وقتل وعمره زيادة على أربعين سنة. وكان إماماً في عدة علوم، شهماً، صارماً، مهاباً، محباً للحديث وأهله.
ومات برهان الدين إبراهيم بن على المعروف بابن الحلواني، الشامي الأصل، المصري، الواعظ بالقاهرة، في عاشر صفر، و لم يُر بعده من يعمل المواعيد مثله في حسن أدائه، وكان لا يعظ إلا من كتاب.
ومات الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي يزيد بن محمد، ويعرف بمولانا زاده السرائي العجمي، في يوم الأربعاء حادي عشرين المحرم بالقاهرة. وكان فاضلاً في عدة علوم، وهو أول من ولى درس الحديث بالظاهرية المستجدة بين القصرين.
ومات الأمير أرنبغا، مقدم البريدية، وأحد أمراء العشراوات بالقاهرة، في صفر.
ومات الأمير تلكتمر، أحد أمراء الطبلخاناه، وكاشف الجسور. مات بالطاعون في جمادى الأولى.
ومات الأمير جركس الخليلي، أمير أخور. قُتل في محاربة الناصري خارج دمشق، يوم الاثنين حادي عشرين ربيع الآخر. وكان مهاباً، عارفاً، خبراً بالأمور، حسن السياسة، عاقلاً، خيراً. وله بالقاهرة خان يعرف به وقفه على بر يعمل بمكة.
ومات الأمير سيف الدين بزلار العمري نائب دمشق. كان من مماليك الناصر حسن. ربي مع أولاده وتأدب ومهر في الكتابة، وشارك في العلوم، سيما الفلكيات وعلم النجوم. وتقدم في الفروسية، وأتقن أنواع الثقافة، وكان ذكياً فطناً شجاعاً، ولي نيابة الإسكندرية، وتنقل في الرتب. ثم نفي إلى طرابلس. وقدم مع الأمير يلبغا الناصري إلى القاهرة، وولى نيابة دمشق. ثم قبض عليه واعتقل بقلعتها حتى مات، وقد أناف على الخمسين.
ومات الأمير حسام الدين حسن بن الأمير علاء الدين على ابن الأمير سيف الدين قَشْتمر، أحد العشراوات. مات بالطاعون في القاهرة.
ومات الشيخ حسين الخبَّاز، الواعظ المعتقد. صحب الشيخ ياقوت الشاذلي، وتلقن منه، وتزوج ابنته، وترك بيع الخبز، وانقطع بزاويته خارج القاهرة، وجلس للوعظ، فاشتهر، وصار له عدة أتباع، حتى مات في حادي عشرين ربيع الآخر، ودفن بالقرافة ومات الأمير سودن المظفري، مقتولاً بحلب. وكان مشكوراً، فيه خير وبر ومحبة للفقراء، وملازماً للعبادة، وقلة الكلام مع المعرفة، وأصله من مماليك الأمير قُطلوبُغا المظفري، أحد أمراء حلب. وبها نشأ وترقى إلى أن صار خازندار الأمير جرجي الإدريسى نائب حلب. ثم صار أحد الحجاب، وانتقل إلى نيابة حماة، ثم ولي نيابة حلب، وعزل منها، وصار أتابك حلب، إلى أن قتل، وقد أناف على الستين.
ومات الأمير سراي الطويل الرحبي أحد المماليك اليلبغاوية، والأمراء الطبلخاناه. مات خارج القاهرة، ثالث عشر ربيع الأول.
ومات قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن خير الإسكندري المالكي، في يوم الأربعاء سابع عشر رمضان.
نشأ بالإسكندرية، وبرع في الفقه، واشتهر بحسن السيرة، فطلب لقضاء المالكية بديار مصر، وباشره أحسن مباشرة.
ومات جمال الدين عبد الله بن الشيخ علاء الدين مغلطاي في ثامن عشرين ربيع الآخرة، بالقاهرة.
ومات الشيخ شرف الدين عثمان بن سليمان بن رسول ابن أمير يوسف بن خليل بن نوح الكراني التركماني الحنفي، المعروف بالأشقر. قدم إلى القاهرة، واتصل بالأمير الكبير برقوق، وحظي عنده، وصار يؤاكله، فلما ولي السلطنة رتبه إماماً يؤم به في الصلوات. ثم ولاه مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس، وقضاء العسكر حتى مات، في رابع عضرين ربيع الآخر بالطاعون.
ومات الأمير أشقتمر المارديني نائب حلب، مات بطالاً بالقدس.
ومات علم دار بن عبد الله الناصري بدمشق. وكان خيراً، له مثار جميلة بمصر والشام.
ومات الطواشي سابق الدين مثقال الجمالي الساقي زمام الدور. كان من خدام المجاهد صاحب اليمن، فلما حج نهب وأبيع، فاشتراه حسين بن الناصر محمد، فترقى في الخدم، وصار من الجمدارية. ثم ولى شد الأحواش. فلما مات سابق الدين مثقال الآنوكي، نقل افتخار الدين ياقوت الزمام إلى تقدمة المماليك، وولى مثقال هذا زمام الدور عوضه، ثم صرف بمقبل الدوادري فسافر إلى الحجاز وجاور بالحرمين حتى مات ببدر، ليلة الجمعة تاسع عشر ذي القعدة.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن بزلار، أحد العشراوات. مات بالطاعون في القاهرة.
ومات الشيخ بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي، قاضي العسكر، في يوم الجمعة سابع عشرين شعبان، ودفن بمدرسة أبيه من حارة بهاء الدين بالقاهرة، وكان مفتياً في عدة علوم، حاد المزاج، مفرط الذكاء، منهمكاً في اللذات التي تهواها النفوس، متمتعاً بالجاه والمال.
ومات الشيخ شمس الدين بن محمود بن عبد الله النيسابوري، المعروف بابن أخي جار الله الحنفي، في سابع عشرين جمادى الأولى، عن قريب من خمسين سنة. ولي إفتاء دار العدل ومشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السعداء، وعدة تداريس، وكان خيراً.
ومات الشيخ منهاج الدين العجمي في رابع عشر ربيع الأول. درس فقه الحنفية بالجامع الطولوني، وبمدرسة أم الأشرف. وكان قليل العلم جداً، لا يزيد في الدرس على سماع ما يقرأ عليه.
ومات الشيخ محب الدين أحمد السبتي المعتقد، في العشرين من صفر.
ومات الأمير علاء الدين مغلطاي والي القاهرة، في المحرم.
ومات شهاب الدين أحمد بن موسى بن علي، عرف بابن الوكيل الشافعي المكي، بالقاهرة في نصف صفر.
ومات الأمير سيف الدين نوغاي، أحد أمراء العشرينات، وأمير علم.
ومات القاضي تاج الدين ابن ريشة ناظر الدولة في سادس عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير شرف الدين يونس النوروزي الدوادار، أصله من مماليك الأمير جرجي الإدريسي نائب حلب. واستقر من جملة المماليك اليلبغاوية، وصار دوادار الأمير الكبير أسندمر الأتابك. فلما ملك الظاهر برقوق جعله داودارا كبيراً. وكان أخص أمرائه حتى خرج إلى محاربة الناصري وانهزم، فقتله عنقاء بن شطي أمير آل مرا، قريباً من خربة اللصوص، في يوم الثلاثاء ثاني عشرين ربيع الآخر، عن نيف وستين سنة. وكان خيراً، كثير المعروف، صاحب نسك من صوم كثير وصلاة في الليل، مع وفور الحرمة، وقوة المهابة، والإعراض عن سائر الهزل، ومحبة أهل العلم والدين وإكرامهم. وله بالقاهرة قيسارية وربع، وله تربة بقبة النصر، وتربة خارج باب الوزير، ومدرسة خارج دمشق، وخاناً حليلاً خارج غزة، وعدة أحواض سبيل بديار مصر والشام.
وماتت خوند شقراء ابنة الملك الناصر حسن زوجة الأمير أروس، في ثامن عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير قرا محمد صاحب الموصل قتيلاً.
ومات الأمير زامل بن مهنا أمير آل فضل في السنة المذكورة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
سنة اثنتين وتسعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الاثنين، وديار مصر والشام من الفرات إلى أسوان في غاية الاضطراب وترقب الشر.
وفي ثانيه: وصل السلطان الملك المنصور إلى مدينة غزة بعساكر مصر، وجميعهم السلاخ، أبدانهم وخيولهم.
وفي سادسه: عدى الأمير صراي تمر نائب الغيبة بحر النيل إلى بر الجيزة، وأحاط بخيول الناس المرتبطة على البرسيم للربيع، وأخذها كلها - ولم يكن بذاك الكبير - وأدخلها في الجشارات السلطانية. وتتبعت الخيول، فأخذت خيول الأمراء وأولاد الناس وخيول عربان البحيرة والغربية والشرقية.
وشرع الناشب في تجهيز الشعير والزاد إلى العسكر لغلاء السعر معهم.
وفي سابعه: دقت البشائر بالقلعة وأبواب الأمراء ثلاثة أيام، لكذب أشاعوه من جمرار الملك الظاهر، وتابعوا الإشاعات بفلك. ورسم بزينة القاهرة ومصر، فزينتا في ثامنه.
وفيه استقر قُرُطاي التاجي في ولاية الفيوم وكشفها، وكشف البهنساوية والأطفيحية، عوضاً عن أمير حاج بن أيدمر.
وفي حادي عشره: قُبض على ستة مماليك بالبرقية من القاهرة، وقد لبسوا السلاح وأعدوا عندهم كثيراً من السلاح، فأقروا أن معهم جماعة من مماليك نائب الغيبة، ومماليك غيره من الأمراء قد اتفقوا على أنهم يثوروا يوم الجمعة ثاني عشره، وتأخذ كل طائفة أميراً، ويملكوا الإصطبل والقلعة.
فأمسك الأمير صراي تمر نائب الغيبة من مماليكه خمسة وثلاثين رجلاً، وقبض الأمير تكا على عشرين، وقبض الأمير مقبل أمير سلاح على سبعة. وضرب الجميع فأقروا على جماعة، قبض منهم يونس من أمراء العشراوات، وناصر البدري الأستادار، وقطلوبك، وفراج. ونزل والي القاهرة حسين بن الكوراني، والأمير قطلوبغا الحاجب إلى الحار البيسرية بالقاهرة، وبها أخوات الملك الظاهر، فأخفوا بيبرس ابن أخت الظاهر برقوق وأفحش حسين الوالي في سب أخوات الظاهر، وبالغ في إهانتهن، وذم الظاهر، حتى ألجأهن إلى الخروج حاسرات مع الجنادرة، يسحبن في طول القاهرة، حتى قدم مرسوم نائب الغيبة بردهن من باب زويلة، فكان هذا أعظم الأسباب في هلاك حسين، كما يأتي ذكره إن شاء اللّه تعالى.
وفيه استقر عمر بن خطاب في ولاية المنوفية عوضاً عن محمد بن العادلي.
وفي ثاني عشره: قلعت الزينة.
وفيه نزل قطلوبغا الحاجب، وفتش البيسرية، فلم يجد فيها أحداً من المماليك الظاهرية فدخل المدرسة الظاهرية برقوق، وفتش سائر بيوت فقهائها فلم يجد أحداً، فقبض على رجلين من التجار العجم، أحدهما خواجاً إسماعيل، وعملهما في الحديد، وسار بهما إلى القلعة.
وفيه ألزم أرباب المراكب ألا يعدوا بفرس من بر الجيزة إلى بر مصر والقاهرة.
وفيه نودي على الممالك الظاهرية أن من أحضر منهم مملوكاً، أخذ ألفي درهم.
وأما الملك المنصور والأمير منطاش فإن الأخبار أتتهما بأن الأمير كُمُشبغا لم يزل يبعث من حلب يمد الملك الظاهر بالعساكر والأزواد والآلات وغير ذلك، حتى صار له برك كبير، ثم إنه قدم لنصرته بعساكر حلب، وقاتل معه، فجد الملك المنصور من غزة في المسير، وبلغ ذلك الملك الظاهر فترك قتال أهل دمشق، وأقبل نحوهم، فنزل العسكر المصري على قرية المليحة - وهى عن شقحب بنحو بريد - وأقاموا بها يومهم. وبعثوا كشافتهم، فوجدوا الظاهر برقوق على شقحب، فكان اللقاء يوم الأحد رابع عشره، وقد وافاهم الظاهر برقوق، فوقف الأمير منطاش في الميمنة، وحمل على ميسرة الظاهر، فحمل أصحاب ميمنة الظاهر على ميسرة المنصور، وبذل كل من الفريقين جهده، وكانت حروب شديدة، انهزمت فيها ميمنة الظاهر وميسرته، وتبعهم منطاش بمن معه، وثبت الظاهر في القلب، وقد انقطع عنه خبر أصحابه، وأيقن بالهلاك. ثم حمل على المنصور بمن بقي معه، فأخذ المنصور والخليفة المتوكل والقضاة والخزاين، ومالت الطائفة التي ثبتت معه على الأثقال، فأخذتها عن أخرها، وكانت شيئاً يخرج عن الحد في الكثرة، ووقع الأمير قُجماس ابن عم الظاهر في قبضة منطاش، ومر في أثر المنهزمين حتى وصل إلى دمشق، وبها يومئذ الأمير جَنتمُر أخو طاز، فقال له: " قد كسرنا برقوق، وفي غد يقدم الملك المنصور، فاخرج إلى ملاقاته " . فمشى ذلك عليه واستعد، وخرج في يوم الاثنين خامس عشره والأمير منطاش ومن معه.
وأما الظاهر وأصحابه، فإن الأمير كُمشبغا نائب حلب كان ممن انهزم على شَقْحب، فتم في الهزيمة إلى حلب، وتبعه الأمير حسام الدين حسن الكجكني نائب الكرك، ومن بقى من عساكر حلب، فاستولى عليها، وانهزم أهل الكرك إليها، فلم يصلوا حتى مرت بهم شدائد. و لم يتأخر مع الظاهر إلا نحو الثلاثين، وقد تمزقت عساكره وعساكر مصر، فلم يقصد إلا المنصور، فأخذه بمن معه، وجرح قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبى البقاء الشافعي، وقاضي القضاة شمس الدين محمد بن الطرابلسي الحنفي. وسلب النهاية جميع القضاة والمتعممين، ما عدا قاضي القضاة ناصر الدين نصر اللّه الحنبلي، فإنه كان لم يركب وقت الحرب، فسلم من النهب، هو وولده برهان الدين إبراهيم. وقتل خلق كثير. ومضى بدر الدين محمد بن فضل الله كاتب السر، وأخوه عز الدين حمزة، وجمال الدين محمود ناظر الجيش، وشمس الدين محمد بن الصاحب موقع الإنشاء، وتاج الدين عبد الرحيم - ابن الوزير فخر الدين بن أبى شاكر صاحب ديوان منطاش، في طائفة كبيرة إلى دمشق. ووقف الظاهر تحت العصائب السلطانية، والمنصور والخليفة بجانبيه، فتلاحق به عدة من أصحابه. وبات ليلته على ظهر فرسه.
ووكل بالمنصور والخليفة من يحفظهما، وهو في قتل من خالفه، ولم من غاب من أصحابه، أو أطاعه من عسكر مصر، حتى أصبح في نهار يوم الاثنين وقد صار في عسكر كثيف. وأقبل منطاش في عالم كبير من عوام دمشق وعساكرها ومن كان معه، فدارت بينه وبين الظاهر في هذا اليوم منذ شروق الشمس إلى آخره حروب لم يعهد بمصر والشام في هذه الأعصر مثلها، وبعث الله ريحاً ومطراً في وجه منطاش ومن معه، فكانت من أكبر أسباب خذلانه. ولم تغرب الشمس حتى فني من الفريقين خلق كثير من الفرسان والعامة. وانهزم منطاش إلى دمشق. وعاد الظاهر إلى منزلته فأقام بها سبعة أيام. وعزت عنده الأقوات، حتى أبيعت البشماطة بخمسة دراهم فضة، وأبيع الفرس بعشرين درهماً، والجمل بعشرة دراهم لكثرة الدواب وقلة العلف. ثم طُلب من يشتري الجمال فلم يوجد، وغنم أصحاب الظاهر أموالاً جزيلة، استغنى به منهم عدة، بعد فقرهم.
وفي أثناء إقامته، أمر الظاهر فجمع كل من معه من الأعيان وأشهد على المنصور حاجي أنه خلع نفسه، وحكم بتلك القضاة. ثم بويع الظاهر، وأثبت القضاة بيعته. فولى الظاهر الأمير فخر الدين إياس الجرجاوي نيابة صفد، والأمير سيف الدين قديد القَمطاي الكرك، والأمير علاء الدين أقبغا الصغير غزة. ورحل الظاهر، فأتاه عند رحيله منطاش بعسكر الشام، ووقف على بعد، فاستعد الظاهر إلى لقائه فولى عنه، وعاد إلى دمشق. وسار الملك الظاهر عن معه يريد ديار مصر، وبعث إلى غزة يأمر منصور الحاجب بالقبض على حسام الدين حسن بن باكيش، فقبض عليه، واستولى على غزة. وبعث بابن باكيش إلى السلطان الظاهر برقوق فضربه بالمقارع وهو بالرملة. وسار الظاهر، إلى غزة، فضربه بها ضرباً مبرحاً، يوم دخلها مستهل صفر.
وأما أمر ديار مصر، فإنه أشيع كسرة الظاهر لمنطاش، في رابع عشر المحرم يوم الوقعة.
وفيه استقر الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام أستادار الأمير منطاش، قرره في ذلك الأمير صراي تمر، وخلع عليه.
وفي خامس عشره: أفرج عن الأمير ناصر الدين ناصر البدري، وصُراي تمُر الشرفي، وبييرس ابن أخت الظاهر، في جماعة أخر.
وفيه قدم من الفيوم محضر - يقال إنه مفتَعل - بأن حائطاً سقط على الأمراء المحبوسين بالفيوم، فقتلهم، وهم: تمُر باي الحسني، وقرابغا الأبو بكري، وطغاي تمر الجركتمري، ويونس الأسعردي، وقازان السيفي وتنكز العثماني، وأردبغا العثماني، وعيسى التركماني.
وفي ثاني عشرينه: قدم المحمل والحاج، وكانوا ركباً واحداً.
وفي خامس عشرينه: قدم سواق بكتب مزورة، تتضمن أن الملك المنصور ملك دمشق، وفر الظاهر، فدقت البشائر ثلاثة أيام، وعمل الأمير حسين بن الكوراني وليمة عظيمة، وأظهر فرحاً زائداً، فلم يمش هذا على أكثر الناس.
وفي ثامن عشرينه: كثرت الإشاعات بكسرة منطاش، واستيلاء الظاهر على المنصور والخليفة، وأنه متوجه إلى القاهرة.
وفي يوم الأربعاء أول صفر: قدم البريد من غزة وعلى يده كتاب مفتعل، بدخول المنصور دمشق، وهرب الظاهر. هذا والفتنة قائمة بين الأمير صُراي تمُر نائب الغيبة، وبين الأمير تكا المقيم بالقلعة، وكل منهما ينافس الآخر، ويحترز منه، حتى اشتهر هذا.
واتفق أن الأمراء والمماليك الذين سجنوا بخزانة الخاص من القلعة زرعوا بصلاً في قصريتين فخار وسقوه، فنجب بصل إحدى القصريتين و لم ينحب الآخر، فرفعوا القصرية التي لم ينحب بصلها، فإذا هي مثقوبة من أسفلها، وتحتها حجر يخرج من شقوق ما بينه وبين حجر آخر هواء، ففكوا الطاقة ورفعوه فوجدوا تحتَه خلوا، فما زالوا حتى اتسع، وأفضى بهم إلى سرداب، مشوا فيه حتى صعدوا الأشرفية، من القلعة.
وكان منطاش قد سد بابها الذي ينزل منه إلى الإسطبل، فعاد الذين مشوا في السرادب وأعلموا أصحابهم، فقاموا بأجمعهم - وهم نحو الخمسمائة رجل - ومشوا فيه ليلة الخميس ثاني صفر. هذا وقد ترأس عليهم الأمير بطا الطولوتمري، وحاولوا باب الأشرفية حتى فتحوه، فثار بهم الحرس الموكلون بحفظ الباب، وضربوا مملوكاً يقال له تمربغا قتلوه، فبادر بطا ليخرج فضربوه ضربة سقط منها إلى الأرض. ثم قام وضرب بقيد الرجل صرعه، وفر البقية، فصرخ المماليك صرخة واحدة، وخرجوا، وقد جعلوا قيودهم سلاحاً يقاتلون به، وصار الحرس يصيحون في هروبهم " تكا، يا منصور " فانتبه الأمير صريتمر فزعاً، وهو لا يشك أن تكا ركب عليه ليأخذه، واستخفه الفزع، فنزل من الإسطبل، وصار إلى بيت الأمير قطلوبغا الحاجب - وكان قريباً من الإسطبل، فملك بطا الإسطبل، واحتوى على ما فيه من قماش صراي تمر وأثاثه، وقبض على المنطاشية، وأفرج عن المعوقين به، وأخذ الخيول التي كانت هناك، وأمر فحقت الكوسات حربياً من نحو ثلث الليل الأول إلى أن أصبح الناس يوم الخميس، فرماهم الأمير تكا من الرفرف والقصر، وساعده الأمير مقبل أمير سلاح، ودمرداش القَشْتَمُري " بيمن معهم.
هذا، وقد تسامعت المماليك الظاهرية، وخرجوا من كل مكان، ولحقوا ببطا، وبعثوا بهم! خزانة شمايل بالقاهرة، وكسروا بابها، وأخرجوا من كان فيها من المماليك الظاهرية واليلبغاوية ويخربهم. وكسروا أيضاً سجني الديلم والرحبة، وأفرجوا عن المسجونين. فخاف الأمير حسين بن الكوراني وهرب. وركب الأمير صراي تمر، والأمير قطلوبغا الحاجب في جمع لقتال بطا وأصحابه، فنزل إليهم وقاتلهم، وقد اجتمع معه من العوام خلق كثير لمعاونته، فخامر أكثر من معهما، وصاروا إلى بطا، فانكسرا ودخلا إلى مدرسة حسن. فلما رأى الأمير تكا جمع بطا يزداد، وصُراي تمر قد انكسر، نزل من القلعة إلى الطبلخاناة، ورمى على بطا، فمضى طائفة منهم، وملكوا بيت قطلوبغا الحاجب، ونقبوا منه حتى ملكوا المدرسة الأشرفية، ورموا على من في الطبلخاناة، فانهزموا، وملكوا الطبلخاناة، وحاصروا مدرسة حسن، وكان بها طائفة من التركمان أعدهم منطاش لحفظها، فسألوا الأمان لشدة الرمي عليهم. بمكاحل النفط، فانهزم عند ذلك من كان على باب القلعة من الرماة، فسارت الظاهرية إلى بيوت الأمراء ونهبوها، والناس في القاهرة مع هذا في أمن، لم يقع بها نهب ولا شر، مع عدم من يحميها. ولم يمض النهار حتى تجاوز عدد الظاهرية الأ!ف، وأمدهم ناصر الدين ناصر - أستادار منطاش - بمائة ألف درهم فضة وأذن بطا لناصر الدين محمد بن العادلي أن يتحدث في ولاية القاهرة، فدخلها ونادى بالأمان، والدعاء للملك الظاهر برقوق، فسر الناس سيروراً زائداً، بزوال الدولة المنطاشية.
وفي بكرة يوم الجمعة - ثالثه - : سلم الأمير تكا قلعة الجبل إلى الأمير سودن النائب.
وفيه أقام الأمير بطا منجك المنجكي في ولاية القاهرة، عوضاً عن ابن العادلي، فدخلها ونادى بالأمان.
وفيه نزل الأمير سودن النائب من قلعة الجبل، ومعه تكا ودمرداش القَشْتَمري، ومقبل السيفي إلى عند الأمير بطا فقبض عليهم، وقيدهم. وبالغ في إكرام الأمير سودن، وبعثه إلى الأمير صُراي تمر، فما زال به حتى كف عن الرمي. ونزل هو وقُطلوبُغا الحاجب إليه، فتكاثرت العامة تريد قتَلهما، والأمير سودن يمنعهم من ذلك أشد المنع، فلم يلتفتوا إليه، ورجوهما رجماً متتابعاً، كاد يهلك الجميع، فاحتاجوا إلى الرمي بالنشاب عليهم، وضربهم بالسيوف، فقتل منهم جماعة. وصار سودن بهما وبمن كان معهما إلى الإسطبل، فقيدهما بطا، وسجنهما، وأمر بمن في المدرسة من المقاتلة، فأنزلوا كلهم، وأذهب اللّه الدولة المنطاشية من مصر. وركب الأمير سودن النائب، وعبر إلى القاهرة، والمنادي بين يديه ينادي بالأمان والاطمئنان، والدعاء للسلطان الملك الظاهر. وبعث إلى خطباء الجوامع، فدعوا في خطة الجمعة.
وفيه أفرج الأمير بطا عن الخليفة المخلوع زكريا والشيخ شمس الدين محمد الركراكي المالكي، وسائر من كان بالفلعة من المسجونين، وتتبع المنطاشية.
وفيه قدم أحمد بن شكير الخليل، وأشاع في القاهرة أن الملك الظاهر قادم إلى القاهرة.
وقدم أيضاً جلبان العيسوي الخاصكي، وأخبر برحيل الملك الظاهر من غزة يوم الخميس ثاني صفر، فدقت البشائر، وتخلق الظاهرية بالزعفران.
وكتب بطا إلى السلطان يخبره بما اتفق لهم، وأنهم ملكوا ديار مصر، وأقاموا الخطبة باسمه، واستولوا على القلعة والإسطبل، وقبضوا على سائر الأمراء المنطاشية. وبعثوا به الشريف عنان بن مغامس ومعه أقبغا الطولو تمري، المعروف باللكاش - أحد المماليك الظاهرية - فسارا ليلة السبت رابعه.
وفيه استقر ناصر الدين محمد بن ليلى في ولاية القاهرة، عوضاً عن منجك، فنزل القاهرة بخلعته، ونادى بالأمان والدعاء للملك الظاهر، وكتب بطا إلى ولاة الأعمال بإحضار المنطاشية، والإفراج عن الظاهرية، وتجهيزهم إلى قلعة الجبل.
وفيه طلب الأمير حسين بن الكوراني إلى الإسطبل. فلما حضر أراد المماليك الظاهرية قتله لقبيح ما فعله فيهم، فشفع فيه الأمير سودن النائب.
وفيه قبض على ألطبغا الطازي كاشف الجيزية، وقيده، واستقر الأمير مبارك شاه عوضه.
وفي خامسه: خلع بطا على الأمير حسين بن الكوراني، وأعيد إلى ولاية القاهرة، وأمره أن يحصل المنطاشية كما حصل الظاهرية، فنادى: " من أحضر مملوكاً من الأشرفية أو من مماليك منطاش، فله كذا.
وفيه قبض بطا على الأمير قطلوبغا اللالا، والأمير بيدمر شاد القصر والأمير بوري صهر منطاش، والأمير صلاح الدين محمد بن تنكز وسجنهم بالقلعة.
وفيه حُصنت القلعة والإسطبل، ومدرسة حسن، ومدرسة الأشرف تحصيناً زائداً، ورتب الرماة والمقاتلة والنفطية، حتى ظن الناس أن بطا يمنع الملك الظاهر من القلعة، وكثر الكلام في هذا.
وفيه أمر الأمير بطا فخر الدين بن مكانس ناظر الدولة بعمل السماط بالإسطبل، فصارت الأمراء والمماليك بأجمعهم تحضر السماط في كل يوم عند الأمير بطا، ورتب لهم على الدولة اللحوم وغيرها.
وفيه أفرج بطا عن الصارم بن بلرغي والي القلعة، وأعاده إلى ولايته.
وفيه قدم الأمير سيف الدين بن محمد بن عيسى العائدي بكتاب الملك الظاهر إلى الأمير بطا، بتجهيز الإقامات، والإخبار بما من الله عليه، وأن يواصل الأخبار في كل يوم.
وفي سادسه: حضر زيد بن عيسى العائدي، وأخبر بتفصيل الوقعة.
وقدم البريد من قطا بكتاب المالك الظاهر إلى الأمير علاء الدين الطشلاقي والي قطيا، بحفظ الدرب، والقبض على من انهزم، وإعلامه بالنصرة على منطاش، وفراره. وكل هذا و لم تطمئن النفوس، ولا ارتفع الشك، بل كان بطا يخشى أن يكون هذا من مكايد منطاش، وهو ينتظر جواب كتابه.
وفي سابعه: استقر الأمير بُطا بالصارم إبراهيم الباشقردي في ولاية البهنسا، عوضاً عن محمد بن الأعسر.
وفي ثامنه: استقر بالأمير بَكتمُر الطرخاني في ولاية الأكونين، عوضاً عن أبي بكر بن بدر، واستقر بأحمد السيفي في ولاية قوص.
وفيه قدم أقبغا اللكاش، وقد ألبسه الملك الظاهر خلعة سنية، شق بها القاهرة، وكتب على يده كتاباً إلى الأمير بطا، فتحقق الناس نصرة السلطان الملك الظاهر، ونودي في الناس بالأمان، ومن ظلم أو قهر فعليه بالأمير بطا.
وفيه قُبض على الأمير حسين بن الكوراني، وقيد بقيد ثقيل جداً، ونهبت داره. واستقر الصارم عوضه في ولاية القاهرة. وفي غده سلم إلى الصارم، فأخذه في الحديد، كما تؤخذ اللصوص، وضربه وعصره، ثم نقل من عند الصارم الوالي إلى الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص - شاد الدواوين - فعاقبه أشد العقوبة.
وفي تاسعه: قدم البريد بكتاب السلطان إلى الأمراء والمماليك بالسلام عليهم، فتزايدت مسرات الناس بنصرة الملك الظاهر، وكثر فرحهم، حتى قل بيت لم يداخل أهله السرور بذلك.
وفيه قدم تاني بك - المعروف بتنم الحسني - من الإسكندرية، المتوجه برسالة بطا إلى الإسكندرية، وقد امتنع نائبها من الإفراج عن الأمراء إلا بكتاب السلطان.
وفيه ألزم الفخر بن مكانس ناظر الدولة بتجهيز الإقامات السلطانية، وتجهيز الشقق الحرير، لتفرش تحت فرس السلطان عند قدومه.
وفيه قدم من دمياط الأمير شيخ الصفوي، وقُنُق باي السيفي، ومقبل الرومي الطويل، وألطبغا العثماني، وعبدون العلاي، وطوجي الحسني، وأربعة أخر.
وفي عاشره: شد العذاب على حسين بن الكوراني، وألزم بمائة ألف درهم فضة، ومائة فرس، ومائة لبس حربي.
وفي حادي عشره: استقر قطلو شاه - نائب والي الجيزة - في ولاية الجيزة، واستقر بوري القَلَنْجَقي في ولاية الفيوم وكشفها، وكشف البهنساوية والأطفيحية، عوضاً عن قرطاي التاجي.
وقدم البريد بنزول السلطان إلى الصالحية فخرج الناس إلى لقائه.
وفي ثاني عشره: ورد مرسوم السلطان على حسين بن الكوراني، بعمل شيء من الأمور السلطانية، ظناً أنه مستمر على ولاية القاهرة، فأمر الأمير بطا بالإفراج عنه، فخرج لسبيله.
وفيه نودي بزينة القاهرة ومصر وظواهرهما، فاهتم الناس في الزينة، وتناظروا في التفاخر بها، رغبة منهم في الدولة الظاهرية، حتى لم نعهد زينة نظيرها.
وفي ثالث عشره: نزل السلطان بالعكرشا، قريباً من سرياقوس.
الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد برقوقابن أنص الجركسي رحمه اللّه تعالى سلطنته الثانية في بكرة نهار يوم الثلاثاء رابع عشر صفر، نزل الملك الظاهر بالريدانية خارج القاهرة، فخرج إلى لقائه الأشرف، مع السيد على نقيب الأشراف، وخرجت طوائف الفقراء بصناجقها، وخرجت العساكر بلبوسها الحربية.
وكانت العساكر منذ خرج بطا وأصحابه لابسة السلاح ليلاً ونهاراً. وخرجت اليهود بالتوراة، والنصارى بالإنجيل، ومعهم شموع كثيرة مشعلة. وخرج من عامة الناس رجالهم ونساؤهم ما لا يحصيه إلا اللّه، وعندهم من الفرح والسرور شيء زائد، وهم يضجون بالدعاء للسلطان، حتى لقوه وأحاطوا به، وقد فرشت الشقق الحرير من الترب إلى باب السلسة. فلما وصل إليها تنحى بفرسه عنها، وقدم الملك المنصور حاجي بن الأشرف حتى مشى بفرسه عليها، ومشى بجانبه، فصار كأن الموكب للمنصور، فوقع هذا من الناس موقعاً عظيماً، ورفعوا أصواتهم بالدعاء والابتهال له لتواضعه مع المنصور في حال غلبته وقهره له، وأنه معه أسير، وعد هذا من فضائله. وصارت القبة والطير أيضاً على رأس المنصور الخليفة راكب بين أيديهما، وقضاة القضاة بين يدي الخليفة. فإذا تقدم الفرس عن شقة إلى أخرى تناهبها العامة من غير أن يمنعهم أحد. وكانت العادة أن الشقق الحرير لجمدارية السلطان، لكنه قصد بفلك التحبب للعامة، فإنه صاحب كيد ودهاء. وكذلك لما نثر عليه الذهب والفضة تناهبه العامة. وعندما وصل إلى باب القلعة نزل عن فرسه، ومشى راجلاً تجاه فرس المنصور - وهو راكب - حتى نزل، فأخذ يعضده وأنزله، فحسن هذا منه إلى الغاية. وأخذ في المبالغة في تعظيمه ومعاملته. مما يعامل به الأمراء سلطانهم، إلى أن أدخله داره بالقلعة ثم تفرغ لشأنه. واستَدعى الخليفة وشيخ الإسلام وقضاة القضاة وأهل الدولة، وهو بالإصطبل. وجدد عقد السلطنة وتجديد التفويض الخليفتي، فشهد بفلك القضاة على الخليفة ثانياً، وأفيضت التشاريف الخليفتية على السلطان، ثم أفيضت التشاريف السلطانية على الخليفة. وركب السلطان من الإصطبل، وصعد القلعة، وتسلم قصوره، وقد عاد إليها حرمه وجواريه، فحقت البشائر. واستمرت التهاني والأفراح بالقلعة ودور الأمواء وأهل الدولة، ونودي بالأمان والدعاء للسلطان، فسر الناس في هذا اليوم مسرة كبيرة جداً.
وفي يوم الأربعاء خامس عشره: خلع السلطان على الفخر عبد الرحمن بن مكانس ناظر خلعة الدولة خلعة الاستمرار. واستدعى كريم الدين عبد الكريم بن عبد العزيز صاحب ديوان الجيوش، واستقر به في نظر الجيش، عوضاً عن جمال الدين محمود العجمي القيصري. وخلع على الوزير الصاحب موفق الدين أبى الفرج، واستقر به في الوزارة ونظر الخاص. وخرج البريد إلى الإسكندرية بإحضار الأمراء المسجونين بها.
وفي سادس عشره: خلع على الامير حسام الدين حسين بن الكورني، وعلى الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا؛ آص شاد الدواوين خلعة الاستمرار.
وأنعم على الأمير بُطا بإمرة مائة، وعين للدوادارية. واستقر الأمير قرقماس الطشتمري أستاداراً. واستقر شمس الدين محمد بن عبد العزيز في صحابة ديوان الجيش.
وفي سابع عشره: وصل الأمراء من الإسكندرية إلى بر الجيزة فباتوا به، وعدوا في ثامن عشره إلى القلعة، وهم سبعة عشر أميراً: يلبغا الناصري، وألطبغا الجوباني، وألطبُغا المعلم، وقرا دمرداش الأسعدي، وأحمد بن يلبغا العمري، وقُرْدُم الحسني، وسودُن باق، وسودُن الطُرنطاي، وأقبغا المارداني، وأقبغا الجوهري، وكَشْلي القلمطاوي، وبَجَاس النوروزي، ومأمور القلمطاوي، وألطُنبُغا الأشرفي، ويُلبغا المنجكي، ويونس العثماني، وألابغا العثماني، فقبلوا الأرض وعادوا إلى منازلهم من غير أن يؤاخذ أحد منهم بفعله، فعد هذا من جميل الأفعال.
وفي تاسع عشره: أعيد الشريف جمال الدين عبد اللّه الطاطبي إلى نقابة الأشراف، وصرف الشريف علي.
وفي يوم الاثنين عشرينه: جلس السلطان بالإيوان المعروف بدار العدل من القلعة، في الموكب السلطاني، وحضر أهل الدولة للخدمة على العادة، فأخلع على الأمير سودن الفخري الشيخوني، واستقر نائب السلطنة على عادته وعلى الأمير كُمشبغا الأشرفي الخاصكي، واستقر أمير مجلس. وعلى الأمير إينال اليوسفي، واستقر أميراً كبيراً أتابك العساكر. وعلى الأمير يلبغا الناصري واستقر أمير سلاح. وعلى الأمير الجوباني، واستمر رأس نوبة النوب. وعلى الأمير بطا، واستقر دواداراً. وعلى الأمير طوغان العمري، واستقر أمير جاندار. وعلى الأمير سودن النظامي واستقر والي القلعة، فكان يوماً عظيماً.
وفي حادي عشرينه: أعيد نجم الدين محمد الطنبدي إلى حسبة القاهرة، وصرف سراج الدين عمر العجمي، واستقر الأمير بَكْلَمش العلاي أمير أخور، وسكن بالإسطبل السلطاني.
وفي يوم الخميس ثالث عشرينه: قرئ عهد السلطان بدار العدل، وخلع على الخليفة المتوكل على الله، وكان حاضر القراءة.
وفيه استقر علاء الدين على بن عيسى المقيري الكركي في كتابة السر، عوضاً عن بدر الدين محمد بن فضل الله. واستقر الأمير سيف الدين بدخاص السودوني - نائب صفد - حاجباً ثانياً.
وفي رابع عشرينه: قدم من دمياط جماعةُ محْتَفظ بهم، كان منطاش بعثهم في بدر الملح من جهة طرابلس - قبل وقعة شقحب - إلى غزة، خوفاً من أخذهم في البر، حتى إذا وصلوا غزة ركبوا البريد إلى القاهرة، ومعهم كتب بقتل الأمراء المسجونين عن أخرهم. فلما وصلوا غزة بلغهم نصرة السلطان، فساروا في البحر يريدون طرابلس، فألقاهم الريح بدمياط، فسجنوا.
وفي سادس عشرينه: قبض على حسين بن الكورا وعُذب.
وفيه عرض السلطان المماليك.
وفيه قدم البريد من صفد بفرار الأمير طُغاي تمر القبلاوي من دمشق إلى حلب في مائتين من المنطاشية. وقدم منهم إلى صفد ثلاثمائة مملوك، وشكوا من سوء حال أهل دمشق بمنطاش.
وفي سابع عشرينه: استقر الأمير جمال الدين محمود بن على الأستادار، مشير الدولة.
وفيه سلم الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن مكانس إلى الأمير بَكْلمش أمير أخور، فضربه بالمقارع، وألزمه. مما أخذ من دواوينه في أيام الناصري، وأطلقه بعد ما ضمن عليه.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرينه: جلس السلطان بالميدان تحت القلعة للنظر في المظالم والحكم بيِن الناس على عادته، فهرع الناس إليه، وأكثروا من الشكايات، فكثر خوف الأكابر وفزعهم، وترقب كل منهم أن يشتكي إليه.
وفي يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول: قدم الأمير أَسْبُغا التاجي، ونحو العشرين مملوكاً، ومعهم عدة من المباشرين فروا من دمشق.
وفي حادي عشره: هرب كريم الدين عبد الكريم بن مكانس عندما طلب، فلم يوقف له على خبر، فأخذ كثير من أقاربه وحواشيه وقبض على أخويه فخر الدين عبد الرحمن ناظر الدولة، وزين الدين نصر اللّه.
وفي ثاني عشره: استقر نور الدين علي بن عبد الوارث البكري في حسبة مصر، عوضاً عن همام الدين.
وفي ثامن عشره: استقر شمس الدين محمد الركراكي في قضاء القضاة المالكية، عوضاً عن تاج الدين بهرام الحميري.
وفيه استقر سعد الدين أبو الفرج بن تاج الدين موسى - المعروف بابن كاتب السعدي - في نظر الخاص، عوضاً عن صاحب موقف الدين، وانفرد الموفق أبو الفرج بالوزارة.
وفيه عزل شرف الدين محمد بن الدمامني عن حسبة الإسكندرية، بجمال الدين بن خلاص. ونقل الشيخ علاء الدين علي بن عصفور الشامي المكتب من توقيع الدرج إلى توقيع الدست.
وفي خامس عشرينه: استقر الأمير علاء الدين ألطبغا الجوباني - رأس نوبة النوب - في نيابة دمشق، والأمير سيف الدين قرا دمرداش الأسعدي نائب طرابلس، ورسم لهما بمحاربة منطاش. واستقر علاء الدين علي الكركي كاتب السر في نظر المدرسة الظاهرية المستجدة، ونظر الخانكاة الشيخونية.
وفي ثامن عشرينه: طلب الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الغنام، وفخر الدين عبد الرحمن بن مكانس إلى القصر السلطاني، وضربا بالمقارع، فضرب ابن الغنام سبعة شيوب، وضرب ابن مكانس نحو الخمسين شيباً.
وفي يوم السبت أول ربيع الآخر: استقر الأمير مأمور القلمطاوي في نيابة حماة، وأرغون العثماني في نيابة الإسكندرية، وألابغا العثماني حاجب الحجاب بدمشق، وأسندَمُر السيفي حاجب الحجاب بطرابلس.
وفيه أنعم على كل من: ألطبغا الأشرفي، وسودُن باق، وبجْمان المحمدي بإمرة في دمشق، ورسم أن يخرجوا مع النواب.
وفي ثالثه: استقر شرف الدين مسعود في قضاء القضاة بدمشق، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن عمر القرشي.
وفي رابعه: استقر الشريف عنان بن مغامس الحسني شريكاً لعلي بن عجلان في إمارة مكة.
وفي ثامنه: استقر جمال الدين عبد الله السكسيوي المغربي في قضاء المالكية بدمشق.
وفي عاشره: قدم جماعة من المنطاشية فارين من دمشق.
وفي سادس عشره: قبض على الوزير موفق الدين أبو الفرج.
وفي سابع عشره: استقر في الوزارة سعد الدين سعد اللّه بن البقري، واستقر الصاحب علم الدين عبد الوهاب سن إبرة في نظر الدولة بمفرده، عوضاً عن الفخر ابن مكانس، وشمس الدين بن الرويهب.
وفي ثامن عشره: عوقب الصاحب موفق الدين أبو الفرج.
وفي عشرينه: استقر تاج الدين عبد الله بن الصاحب سعد الدين سعد اللّه بن البقري في نظر البيوت، مع ما بيده من استيفاء الصحبة.
وفي رابع عشرينه: قبض على الأمير يدكار العمري، وسُربغَا الظاهري، وتلَكتمُر الموادار، وطاش بغا الحسني، وقرا بُغا، وأرغون الزيني.
وفيه استقر الأمير الدين جُلْبان الكمشبغاوى رأس نوبة كبيراً، عوضاً عن حسن خجا بعد وفاته.
وفي خامس عشرينه: قدم البريد بأن تجريدة خرجت من دمشق المحاصرة صفد، مع الأمير قطلوبغا الصفوي، فدخلوا بأجمعهم في الطاعة، وتوجهوا إلى مصر، فدق البشائر بالقلعة.
وفي سابع عشرينه: استقر الحاج عبيد بن محمد بن عبد الهادي الهويدي نقيب الجوندارية في مقدمة الدولة، عوضاً عن المقدم عبيد البازدار، شريكا للمقدم ثُنيتين، ولبس عبيد البزدار بالتركي، وخدم أستادار بعض الأمراء.
وفيه قتل ابن سبع الذي كان شهد عليه بالكفر، قتله بعض عبيده بالحمام، فأوقع الأمير قرقماس الأستادار الحوطة على موجوده، فوجد له من النقد ألف ألف وستون ألف درهم، ما بين ذهب وفضة وفلوس، ووجد له من الجمال والبقر والجاموس والأغنام ثمانون ألف رأس، غير عدة دواليب.
وفيه خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر مقدم العساكر المتوجهة لقتال منطاش، وخلع على نواب الشام خلع السفر، وأنعم على جماعة بإمريات في الشام، ورسم لجماعة من أمراء مصر للسفر مع النواب، وألزم من له إقطاع في شيء من بلاد الشام بالسفر مع العسكر.
وفي عاشره: برزت أطلاب نواب الشام والأمراء إلى الريحانية خارج القاهرة.
وفي ثالث عشره: قدم الأمير قطلوبغا الصفوي. بمن معه، فكان يوماً مشهوداً.
وفيه قدم البريد من صفد بأن منطاش لما بلغه مخامرة الصفوي ومن معه قبض على الأمير جنتمر أخي طاز وولده، وألطبغا أستاداره، أحمد بن جرجي، وأحمد بن جبجق، وكمشبغا المنجكي نائب بعلبك، وشهاب الدين أحمد بن عمر القرشي قاضي دمشق، وعلى عدة من الأمراء والأعيان، واًن طرنطاي بن ألجاي قدم في سبعين فارساً إلى صفد راغباً في الخدمة السلطانية.
وفيه قدم زيادة على عشرين من مماليك الأمير يلبغا الناصري، فارين من دمشق.
وفي عشرينه: قدم طرنطاي بن ألجاي بمن معه، ثم قدم أيضاً نحو المائتي مملوك.
وقدم البريد بأن منطاش أخذ بعلبك بعد أن حاصرها محمد بن بيدمر أربعة أشهر، وأنه وسط ابن حنش وأربعة معه.
وفي ثاني عشرينه: توجه الشريف عنان إلى مكة، وقد استخدم عدة أتراك.
وفي ثامن عشرينه: ألزم شمس الدين محمد الدميري ناظر الأحباس بعمل حساب الأمير قجماس ابن عم الظاهر، فإنه كان شاهد ديوانه.
وفي تاسع عشرينه: استقر الأمير جمال الدين محمود بن على المشير، في أستادارية السلطان، على عادته، عوضا عن الأمير قرقماس، بعد وفاته.
وفي يوم الثلاثاء أول جمادى الأولى: قدم البريد من صفد بنزول إبراهيم بن دُلغادر بجمائع التركمان على حلب، وأنه كسر تمان تمر الأشرفي.
وفي ثانيه: قدم رسول الأمير محمد شاه بن بيدَمُر مترامياً على السلطان، يسأله العفو عنه، فأجيب إلى ذلك، وجُهز إليه أمان وتشريف.
وفي ثامنه: قدم البريد من صفد بأن الأمير قَشتمر الأشرفي حضر على عسكر من قبل منطاش، فقاتله أهل صفد فانكسروا منه، ثم إِن جماعة من المنطاشية حضروا إلى صفد طائعين وقاتلوا مع عسكر صفد، فأنكر قَشْتمُر، وقُتل كثير ممن معه، وأخذت أثُقالهم.
وفي ثاني عشره: عزل شمس الدين محمد الدميري عن نظر الأحباس، واستقر عوضه القاضي تاج الدين محمد بن محمد بن محمد المليجي.
وفيه استقر تاج الدين بن الرملي في نظر الأسواق.
وفي رابع عشره: أنعم على الأمير قطلوبغا الصفوي بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضاً عن الأمير قرقماس الطَشْتَمُري، وأنعم بإقطاعه على الأمير سودن الطرنطاي.
وفي سادس عشره: قدم البريد من صفد بأن نواب الممالك لما وصلت بالعساكر إلى بحيرة قَلسَ حضر إليهم ولد الأمير نُعير وعدة من الأمراء المنطاشية.
وفي سابع عشره: قدم البريد من دمشق بأن منطاش لما بلغه قدوم العساكر برز من دمشق، وأقام بقبة يلبغا، ثم رحل نصف ليلة الأحد ثالث عشر جمادى الآخرة بخواصه، وهم نحو الستمائة فارس، ومعه نحو السبعين حملاً ما بين ذهب ودراهم وقماش، وتوجه نحو قارا والنبك، بعد أن قتل المماليك الظاهرية، والأمير ناصر الدين محمد بن المهمندار، وأن الأمير الكبير أيتمش خرج من سجنه بقلعة دمشق وأفرج عمن بها، وملك القلعة، وبعث إلى النواب يعلمهم، وسير كتابه إلى السلطان بذلك، فسار النواب إلى دمشق وملكوها بغير حرب، ففرح السلطان فرحاً زائداً، وتخلق الأمراء وأهل الدولة، ونودي بذلك في القاهرة ومصر، وأن تزين الأسواق وغيرها. ودقت البشائر ثلاثة أيام بالقلعة، وتباهى الناس في تحسين الزينة إلى الغاية، وأقامت القاهرة ومصر مزينتين عشرة أيام.
وفي تاسع عشره: قدم البريد من دمشق بثلاثة عشر سيفاً من سيوف الأمراء المنطاشية الذين قبض عليهم بدمشق.
وفي حادي عشرينه: قدم البريد بثمانية سيوف أيضاً.
وفيه أمر الناس بتقوية الزينة، فبالغوا فيها، ونصبوا عدة قلاع تزيد على عشرين قلعة، وكثر اللعب، وتوالت الأفراح، وأنفق الناس مالاً كبيراً.
وفيه قدم أيضاً البريد بسبعة سيوف، منهم سيف الأمير ألطنبغا الحلبي، وسيف الأمير دمرداش اليوسفي. وذلك أن منطاش كان قد بعث بإحضْار عسكر طرابلس ليقاتل بهم العساكر المصرية، فَقَبْل حضور عسكر طرابلس فر من دمشق، وقدم العسكر بعد ذلك من غير أن يعلم بفراره، فقبض عليه بكماله.
وفي ثاني عشرينه: قدم البريد بأن الأمير محمد بن أينال اليوسفي حضر إلى الطاعة بدمشق ومعه من عسكر منطاش نحو المائتي فارس، وأن منطاش توجه إلى الأمير نعير، ومعه عنقا بن شطى أمير آل مرا.
وفي ثالث عشرينه: قدم البريد بأن الأمير نعير بن حيار قبض على منطاش، فزينت القلعة، ودقت البشائر ثم تبين كذب هذا الخبر.
وفي سابع عشرينه: حضر الأمراء المقبوض عليهم بدمشق، وهم أرسلان اللفاف، وقرا دمرداش، وألطنبغا الجربغاوي، وطنبرق رأس نوبة منطاش، وأسنبغا الأرغون شاهي. فأفرج عن أسنبغا، وحُبس البقية.
وفي تاسع عشرينه: قُلِعت الزينة.
وفي يوم الخميس ثاني رجب: قدم عماد الدين أحمد بن عيسى قاضي الكرك وقد خرج الأعيان إلى لقائه، وصعد إلى القلعة، فقام السلطان عند رؤيته ومشى إليه، وعانقه، وأجلسه، وتحادثا ساعة. ونزل إلى دار أعدت له بالقاهرة.
وفيه أُخذ قاع النيل، فجاء خمسة أذرع وثمانية أصابع.
وفي ثاني عشره: حضر من دمشق بدر الدين محمد بن فضل اللّه العمري كاتب السر، وجمال الدين محمود القيصري ناظر الجيوش، ونزلا في بيوتهما من غير أن يجتمعا بالسلطان.
وفي ثالث عشره: استقر عماد الدين أحمد بن عيسى الكركي في قضاء القضاة بديار مصر، عوضاً عن بدر الدين محمد أحمد بن أبي البقاء؛ ونزل بالتشريف في موكب جليل إلى الغاية.
وفي رابع عشره: استقر علاء علي بن الطبلاوي شاد المارستان المنصوري في ولاية القاهرة، عوضاً عن الصارم، واستقر علم الدين سليمان والي القرافة في ولاية مصر، عوضاً عن محمد بن مُغلطاوي.
وفي سادس عشره: دار المحمل على العادة، فحجب الوزير الصاحب سعد الدين سعد اللّه بن البقري، قاضي القضاة عماد الدين أحمد الكركي لخصوصيته بالسلطان، و لم تكن العادة، إلا أن الوزير يكون هو صاحب الموكب والقضْاة بين يديه.
وفيه استقر شرف الدين موسى بن العماد أحمد بن عيسى في قضاء الكرك، عوضاً عن أبيه.
وفيه قدم البريد من حلب بأن الأمير كمشبغا الحموي لما انهزم من شقحب، دخل حلب وأقام بها، فجهز إليه منطاش من دمشق - بعد توجه السلطان إلى ديار مصر - عسكراً، عليه الأمير تمانُ تمُر الأشرفي، فدخل إليه واجتمع عليه أهل بانقوسا، وقد امتنع كُمُشبغا بالقلعة، فحصره تمان تمر أربعة أشهر ونصف، وأحرق الباب والجسر، ونقب القلعة من ثلاثة مواضع فنقب كُمشبغا أحد النقوب حتى خرقه، ورمى على المقاتة من داخل النقب بمكاحل النفط، واختطفهم بالكلاليب الحديد، وصار يقاتلهم من النقب فوق السبعين يوما، وهو في ضوء الشمع، بحيث لا ينظر شمسا ولا قمرا ولا يعرف الليل من النهار، إلى أن بلغ تمان تمر فرار منطاش من دمشق، فضعف وفر، فثار عليه أهل بانقوسا ونهبوه. وحضر حجاب حلب إلى الأمير كمشبغا وأعلموه بذلك، فعمر الجسر في يوم واحد ونزل وقاتل أهل بانقوسا يومين، وقد أقاموا رجلاً يعرف بأحمد بن الحرامي. فلما كان اليوم الثالث وقت العصر انكسر أحمد بن الحرامي وقُبض عليه وعلى أخيه، ونحو الثمانمائة من الأتراك والأمور والبانقوسية، فوسطوا بأجمعهم، وخربت بانقوسا حتى صارت دكا، ونهب جميع ما كان بها، وأن كمشبغا بالغ في تحصين حلب وعمارة قلعتها، وأعد بها مؤنة عشر سنين. وأنه جمع من أهل حلب مبلغ ألف ألف درهم، وعمر سور مدينة حلب، وكان منذ خربه هولاكو خراباً، فجاء في غاية الإتقان، وعَمَل له بابين، وفرغ منه في نحو الشهرين وبعض الثالث، وكان أكثر أهل حلب تعمل فيه، واًن الأمير شهاب الدين أحمد بن محمد بن المهمندار، والأمير طُغنجي نائب دوركي كان لهما بلاء كبير في القتال لأهل بانقوسا. ويقال إنه قتل في هذه الواقعة بحلب عشرات الآلاف من الناس، حيث لم يمكن عدهم لكثرتهم. وفيه أُلزم أمير حاج بن مغُلطاي بلزوم بيته بطالاً.
وفي ثامن عشره: خرج البريد بإحضار الأمير كمشبغا من حلب.
وفيه قدم الأمير طغاي تمر القبلاوي، نائب حماة.
وفيه كثرت القالة بأن الأمير بطا الدوادار يريد إثارة فتنة، فتحرز الأمراء وأعدوا للحرب، إلى أن كان يوم الاثنين: عشرينه جلس السلطان بدار العدل على العادة، وصار بعد انقضاء الخدمة إلى القصر ومعه الأمراء، فتقدم الأمير بطا، وقال للسلطان: قد سمعت ما قيل عني وها أنا وحل سيفه وعمل في عنقه منديلا كالمستسلم للموت، فشكره السلطان، وسأل الأمراء عما ذكره الأمير بطا، وأظهر إنه لم يسمع شيئا من ذلك، فذكروا أن الأمير كُمشبغا رأس نوبة تنافس مع الأمير بَكْلَمش أمير أخور، وجرى أيضا بين الأمير بطا والأمير محمود الأستادار مخاشنة، فأشاع الناس ما أشاعوا، فجمعهم السلطان وحلفهم وحلف المماليك أيضا، وطيب خواطر الجميع بلين كلامه ودهائه. وأحضر مملوك اتهم أنه هو الذي أشاع الفتنة، فضرب ضرباً مبرحاً، وسمر على جمل وشهر ثم سجن بخزانة شمايل، فلم يعرف له خبر. وقبض على بَكْبُغا - أحد العشراوت - وسمر وشهر أيضاً، ونودي عليه هذا جزاء من يرمي الفتن بين الأمراء. فسكنت الفتنة بعد أن كادت الحرب أن تقوم.
وفيه قدم البريد بأن منطاش ونعيرا جمعا جمعاً كبيراً من العربان والأشفية والتركمان، وساروا لمحاربة النواب، فخرج الأمير يلبغا الناصري والأمير ألطبغا الجوباني بالعساكر من دمشق إلى سليمة.
وفي حادي عشرينه: قدم البريد من طرابلس بأن ابن أيمان التركماني توجه إلى طرابلس من قبل منطاش في ثمانية آلاف فارس، وحاصرها حتى ملكها.
وفي سلخه: رسم لأمير حاج بن مغلطاي بالمشي في الخدمة مع الأمراء، فواظب الركوب للخدمة.
وفيه نفي تنكز بغا السيفي - كاشف التراب بالبهنسا - إلى قوص وفي ثاني شعبان: اجتمع البَيْدَمُرية والطازية والجنتمرية في طوائف من العامة بدمشق، يريدون أخذها، فسرح الأمير الكبير أيتمش الطائر من القلعة إلى سليمة يعلم الأمير يلبغا الناصري بذلك، فركب ليلا في طائفة من العسكر، وقدم دمشق وقاتلهم ومعه ألابغا العثماني حاجب الحجاب بدمشق، فقتل بينهما خلق كثير من الأتراك والعوام وكسرهم، وقبض على جماعة ووسطهم تحت قلعة دمشق وحبس جماعة، وقطع أيدي سبعمائة رجل، وعاد إلى سليمة. وافترقت جمائع منطاش وعساكر الشام ثلاث فرق، وتولى الأمير يلبغا الناصري محاربة الأمير نعير، فكسره، وقتل جمعا من عربانه، وركب قفا نعير إلى منازله. وحارب الأمير قرا دمرداش منطاش ومن معه من التركمان، فضرب كل منهما الآخر، فوقعت الضربة بكتف منطاش، جرحته وقطعت أصابع قرا دمرداش. وخامر جماعة من الأشرفية على منطاش وصاروا في جملة الأمير ألطبغا الجوباني، فأحسن إليهم وقربهم، فلما وقعت الحرب اتفق الأشرفية المذكورون مع بعض مماليكه وقتلوه، وقبضوا على الأمير مأمور ووسطوه، وقتلوا الأمير أَقْبُغا الجوهري وعدة من الأمراء، فكانت حروباً شديدة، قتل فيها بين الفرف الثلاث خلق لا يحصى عددهم إلا خالقهم - سبحانه وتعالى - ونهبت العرب والعشير جميع ما كان مع العسكرين.
وقدم البريد بذلك في ثامنه، وأن منطاش انكسر، فأقام الأشرفية بدله ألطبغا الأشرفي. فحضر منطاش من الغد وأراد قتله، فلم تمكنه الأشرفية من ذلك، وأن الناصري لما رجع من محاربة نعير جع العساكر وعاد إلى دمشق، ثم خرج بعد يومين وأغار على آل علي، ووسط منهم مائتي نفس، ونهب كثيراً من جمالهم، وعاد إلى دمشق.
وفي ثاني عشره: نودي على المماليك والأجناد البطالين بالحضور لأخذ النفقة، والسفر لقتال نعير، ومنطاش.
وفي رابع عشره: طرحت الغلال على التجار، وأرباب الأموال، وتفرقت الأعوان في طلبهم.
وقدم البريد بأن الأمير جبق السيفي خرج من دمشق لكشف أخبار طرابلس، فأخذه العرب، وحملوه إلى منطاش فقتله، وأنعم بإقطاعه على الأمير سودن الطرنطاي.
وفيه سار الأمير أبو يزيد على البريد بتقليد الأمير يلبغا الناصري دمشق، عوضاً عن ألطنبغا الجوباني، ومعه التشريف ومبلغ عشرين ألف دينار برسم النفقة في العساكر، وتوجه معه الشيخ شمس الدين محمد الصوفي لكشف الأخبار.
وفي حادي عشرينه: أو في النيل ستة عشر ذراعاً، وفتح الخليج على العادة.
وفي ثالث عشرينه: أنعم على الأمير بجاس النوروزي بإقطاع سودن الطرنطاي.
وفيه قدم البريد من حلب بنزول نعير على سرمين ليقسم مغلها، وأن الأمير شهاب الدين أحمد بن المهندار، والأمير طُغنجي قاتلاه في عسكر كبير من التركمان وأهل حلب، وأسروا ولده عليًا في نحو المائتي رجل، وقتلوا جماعة كبيرة وهزموه، وساقوا أبنه وأصحابه إلى حلب، فقتلهم كمشبغا النائب، وسجن ابن نعير وجماعة.
وفيه سار الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام الصقري إلى الصعيد، ليحضر الخيل والجمال والرقيق وغير ذلك من العربان وأهل البلاد.
وفي يوم السبت ثامن رمضان: عزل الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص من شدّ الدواوين، وأُلزم بحمل مائتي ألف درهم فضة، واستقر عوضه الأمير ناصر الدين محمد ابن رجب بن كلفت.
وفيه قدم البريد من الصعيد أَن ابن التركية خرج على ابن الحسام، وأخذ جميع ما حصَّله، فخرجت إليه التجريدة.
وفي خامس عشره: استقر الأمير ألطبغا المعلم نائب الإسكندرية، عوضاً عن أرغون البجمقدار العثماني، واستقر على بن غَلْبَك والي منفلوط، عوضاً عن أبي بكر ابن الكناني.
وفيه قدم البريد بنزول عدة مراكب للإفرنج على طرابلس، فعندما أشرفوا على الميناء: بعث اللّه عليهم ريحاً أغرقت مركباً، وفرقت البقية، وكانت نحو السبعين، فردوا خائبين.
وفي سابع عشره: استقر مجد الدين أبو الفدا إسماعيل بن إبراهيم الحنفي في قضاء الحنفية، عوضاً عن شمس الدين محمد بن أحمد بن أبى بكر الطرابلسي.
ونزل معه الأمير شيخ الصفوي القائم بالسعي له في عدة من الأمراء إلى المدرسة الصالحية على عادة القضاة، ثم عاد إلى معتكفه بالمدرسة الطيبرسية بجوار الجامع الأزهر. ولم يول أحدًا من نواب الحنفية ولا عُقّاد الأنكحة، ووعدهم إلى العيد فثقل عليهم ذلك.
وفي العشرين: منه أعيد الصاحب موفق الدين أبو الفرج إلى الوزارة، وقبض على ابن البقري وولده، وأوقعت الحوطة على دورهما، وجميع حواشيهما.
وفي حادي عشرينه: قدم البريد من دمشق بأن الأمير قَشْتَمُر الأشرفي، الحاكم بطرابلس من جهة منطاش، سلمها من غير قتال، وأن حماة وحمص أيضاً استولت العساكر السلطانية عليهما.
وفي ثاني عشرينه: قدم محمد بن على بن أبى هلال بهدية أبى العباس المتوكل على الله بن الأمير أبي عبد اللّه محمد بن أبي يحيى بن أبي بكر بن أبى حفص صاحب تونس، ومعه كتابه يتضمن الهناء بالعود إلى المملكة، فخرج الأمير محمود الأستادار إلى لقائه بالجيزة، وأُحضر بين يدي السلطان في سادس عشرينه، فأكرمه السلطان، وأمر به فأنزل بدار، ورتب له في كل يوم مائة درهم.
وفي يوم الإثنين أول شوال: قدم البريد من حلب بعبد الرحمن حاجب الأمير نعير، ومعه كتابه يعتذر عما وقع منه ويسأل الأمان، فكتب اٍليه الأمان، فجهز إليه تشريف وتقليد بعوده إلى إمرة آل فضل على عادته.
وفي ثانيه: قدم البريد من دمشق بفرار منطاش عن أرض حلب، ومعه عنقاء بن شطي، خوفاً على نفسه من نعير، وأنه توجه في نحو سبعمائة فارس من العرب، أخذهم على أنه يكبس التركمان ويأخذ أعناقهم، فلما قطع الدربند أخذ خيول العرب، وسار إلى مرَعش، وترك العرب مشاه، فعادوا.
وفيه قدم الخبر من الإسكندرية بأن الفرنج الذين مزقت الريح مراكبهم على طرابلس، ساروا إلى إفريقية وحاصروا المهدية، وبها ولد أبي العباس صاحب تونس، فكانت حروباً شديدة، انتصر فيها المسلمون على الفرنج، وقتلوا كثيراً منهم.
وفيه ضرب الأمير ألطنبغا الجربغاوي بالمقارع، على مال أخذه لجركس الخليلي، وأعيد بعد الضرب إلى السجن بالبرج.
وفي عاشره: قدم فقيه المغرب أبو عبد اللّه محمد بن محمد بن عرفه المالكي، يريد الحج.
وفي ثالث عشره: قدم البريد بأن أسَنْدَمُر اليوسفي وجماعة من المنطاشية دخلوا في الطاعة.
وفي ثالث عشرينه: رحل الحاج من بركة الحجاج، وأميرهم عبد الرحمن بن منكلي بغا الشمسي. وحج الأمير محمد بن أبى هلال الرسول، والفقيه محمد بن عرفة، وخلق كثير جداً، وحملت خوند أم بيبرس وهي عائشة أخت السلطان، كسوة للحجرة النبوية، بالغت في تحسينها، وعملت بابها مطرزا بالذهب. ولما وصل الحاج عجرود، أصابهم عطش شديد، بحيث أبيعت قربة الماء بنحو المائة درهم، ورجع كثير من الحجاج.