كتاب : السلوك لمعرفة دول الملوك
المؤلف : المقريزي
وفيه سافر الأمير عمر شاه إلى الصعيد، وقد خرج سودى بن مانع وأخوه عن الطاعة، فأخذهما ووسطهما في عدة من أصحابهما، وعاد.
وفيه قدم أولاد قراجا بن دلغادر بتقادم، فأعيد كبيرهم إلى الإمرة.
وقدم الأمير فياض بن مهنا بقول جليل، فأكرم، وأجريت له الرواتب على العادة، فشفع في الشريف ثفبة، فأفرج عنه وعن أخيه وابن عمه مغامس فأقاموا مدة قليلة، ثم فر ثقبة إلى مكة، فطلب فلم يقدر عليه.
وفي سابع جمادى الأولى: أعيد تاج الدين محمد الأخنائي إلى قضاء المالكية، بعد موت نور الدين على السخاوى.
وفي يوم الأربعاء سادس جمادى الأخر: ولد للاصر شيخو ولد ذكر من أبنة السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فاحتفل احتفالاً زائد في عقيقته ومات الوليد بعد أيام، وعميت أمه عقيب ولادته. وفي خامس عشره قطعت يد الشريف المزور، وضرب أصحابه بالمقارع وشهروا، وكان في التزوير ومحاكاة الخطوط عجباً، وسجن بسبب ذلك مراراً.
وفيه سقط مطر في غير أوانه، عم الوجه البحري، ونزل معه برد قتل عدة أغنام كثيرة، بلغ وزد البردة أوقية وأوقيتين، ومنها ما نزل في قدر الرغيف الكبير. وتلف زرع كثير من السيل وهبت قبل هذه، المطرة ريح عاصفة غرق منها عدة مراكب.
وفي هذه السنة: ابتدأ الأمير صرغتمش في هدم مساكن بجوار الجامع الطولوني، واختط موضعها مدرسة في خامس رمضان، وكشف أوقاف الجامع بنفسه، ورم شعثها.
وقدم الخبر بأن في شهر ربيع الآخر أمطرت السماء بأرض الروم برداً أهلك منه نحو مائة وخمسين قرية، فجعلها دكاً، وكاد وزن البردة الواحدة نحو رطل وثلث بالحلبي، وذلك في شهر نيسان.
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكر شهاب الدين أحمد بن حسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي - موقع الحكم - في ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة، وكان عاقلاً ديناً فاضلاً.
وتوفي الشيخ الإمام قاضى القضاة بدمشق، تقي الدين أبو الحسن على بن زين الدين عبد الكافي بن على بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن سوار بن سليم الأنصاري السبكي بحزيرة النيل من شاطىء النيل خارج القاهرة، في ليلة الإثنين رابع جمادى الآخر. ومولده في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة بناحية سبك من المنوفية، أحد أعمال مصر. قرأ القراءات على التقى الصايغ، والتفسير على العلم العراقي، وسمع على الحافظ الدمياطي، وتفقه للشافعي، وولى قضاء دمشق بعد الجلال القزويني في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وانتهت اليه رياسة العلم.
وتوفي قاضى القضاة المالكي نور الدين أبو الحسن علي بن عبد النصير بن علي السخاوي المالكي، ليلة الإثنين رابع جمادى الأولى، ودفن بالقرافة.
وتوفي زين الدين أبو حفص عمر بن سعيد بن يحيى التلمساني المالكي، قاضي قضاة المالكية بحلب، عن نيف وستين سنة، منها في قضاء حلب نحو خمس سنين.
وتوفي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد المنعم بن عبد العزيز بن عبد الحق السعدي البارنباري، كاتب سر طرابلس، وله شعر جيد.
وتوفي الأديب الشاعر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد الله، يلقب بالضفدع، ويشهر بالخياط، الدمشقي في طريق الحجاز. قدم القاهرة، ومدح الأعيان، وجمع شعره في عدة أجزاء، وتكسب بتحمل الشهادة في دمشق. وكان لا يؤمن هجوه لطول لسانه وتعرضه لكل أحد.
وتوفي العلامة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن محمد الحلبي النحوي المقرىء، الفقيه الشافعي، المعروف بابن السمين في عاشر جمادى الآخرة. قرأ النحو على أبى حيان، والقراءات على التقى الصايغ، وسمع بآخره من يونس الدبابيسي، وتصدر للإقراء بجامع ابن طولون. وناب في الحكم بالقاهرة، وولى نظر الأوقاف، وصنف تفسير القرآن فأطال فيه جداً حتى جاء في عشرين سفراً كباراً، وصنف إعراب القرآن، وشرح التسهيل والشاطبية. وكان فقيهاً بارعاً في النحو والتفسير وعلم القراءات، وتكلم في علم الأصول، وكان خيراً ديناً.
وتوفي فخر الدين عثمان بن علم الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد الأنصاري النويري المالكي، في ذي الحجة. ومولده سنة ثلاث وستين وستمائة. وحفظ الموطأ، وسمع على جماعة. بمصر والشام والحرمين، وتفقه، ودرس وأفتى، وأحكم المذهب. وكان كثير الحج والمجاورة والتاله.
ومات الأمير قبلاى النائب، يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول.
ومات شهاب الدين، شاهد الجيش، يوم الإثنين ثالث عشرين صفر.
ومات زين الدين الخضر بن تاج الدين محمد بن زين الدين الخضر بن جمال عبد الرحمن بن علم الدين سليمان بن نور الدين على المعروف بابن الزين خضر في آخر ربيع الأول. ومولده سنة عشر وسبعمائة. سمع على الحجاز وقرأ في النحو وغيره، وكتب في الإنشاء ونوه به كاتب السر علاء الدين على بن فضل الله، واعتمد عليه، وأقره يكتب بين يدي نائب السلطة، وكان يكتب سريعاً من رأس القلم ما شاء، وكان ينطق بالجيم كافاً.
ومات الأمير ملك آص، في ثامن عشر رمضان بدمشق، وكان جاشنكير ثم ولى شاد الدواوين بدمشق، ونيابة جعبر، وسجن بالإسكندرية، ثم أقام بدمشق بطالا حتى مات.
ومات الأمير قردم بدمشق يوم الأحد تاسع عشر شهر رمضان. كان أمير أخور، ثم أخرج إلى دمشق بطالا، وقبض عليه، ثم صار بدمشق من جملة الأمراء حتى مات. والله تعالى أعلم بالصواب.
سنة سبع وخمسين وسبعمائةفيها ولى أويس بن الشيخ حسن بن أقبغا بن أيلكا لسطان بغداد بعد موت أبيه.
وولى كمال الدين أبو القاسم عمر بن الفخر، بن عمرو، عثمان بن هبة الله المعري، قضاء القضاة الشافعية بحلب، بعد وفاة نجم الدين محمد الزرعي.
وهجم على طرابلس الشام الفرنج في عدة شوانى، وأفسدوا ثم عادوا.
ووقع حريق بمدينة دمشق، فتلف منه عدة مواضع، ظاهر باب الفرج، منها ستمائة حانوت سوى البيوت، عدم فيها ما تزيد قيمته على ألف الف درهم. ثم وقع حريق آخر بالعقيبة - ثم حريق آخر بالصالحية، وحريق أخر داخل باب الصغير، مثل الحريق الذي بباب الفرج. ثم وقع في أماكن أخرى من البلد.
واستولى الفرنج على صيدا، وقتلوا وأسروا، وقتل منهم أيضاً جماعة وعادوا.
وفي شهر ربيع الأول: هبت بالقاهرة ومصر ريح غريبة، من أول النهار إلى المغرب، اصفر منها الجو، ثم احمر ثم اسود. واستمرت الريح إلى نصف الليل، فسقطت عدة أماكن، وامتلأت الأرض من تراب أصفر، ثم أمطرت السماء وسكن الريح.
وفي جمادى الأولى: ظهر كوكب له ذؤابة، وكان كبيراً مضيئاً.
وفيها كمل بناء مدرسة الأمير صرغتمش، بجوار جامع أحمد بن طولون. ورتب في تدريس الحنفية بها قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة الفارابي الأتقائي الحنفي، وقرر عنده عدة من طلبة الحنفية، وشرط أن يكونوا أفاقية، وعمل بها درسا للحديث النبوي، وحضر في يوم الثلاثاء تاسعه صرغتمش، ومعه الأمراء، والقضاة والمشايخ، فألقى القوام الدرس، ثم مد سماط جليل، وملئت البركة سكرا مذابا، فأكل الناس وشربوا، ثم انفضوا.
وفيها يقول العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصايغ الحنفي:
ليهنك يا صرغتمش ما بنيته ... لأخراك في دنياك من حسن بنيان
به يزدهي الرخيم كالزهر بهجة ... فلله من زهر ولله من بان
وقال النقيب صلاح الدين صلاح بن الزين لبيكم الرفاعي:
صَرْغَتمش قد شاد يا حبذا ... مدرسة بديعة فائقة
كأنها من حسنها جنة ... وقد غدت قبابها شاهقة
وقد حكى رخامها روضة ... أزهارها من طيبها عابقة
وقال الشهاب أحمد بن أبى حجلة:
فلها به فضل على الأقران ما ... بالبان في الأغصان فضل البان
وقد أنبت الترخيم في محرابها ... زاهراً كدر قلائد العقيان
فكأنه كسرى أنو شروان قد ... وضعوا عليه التاج في الإيوان
لو لم يبت وأبو حنيفة شيخها ... ماشبهت بشقائق النعمان
حبر يطوف بمصر بحر علومه ... حتى كأن الناس في طوفان
يثنى إليه العلم فضل زمانه ... وأبو حنيفتنا الإمام الثاني
وفيها أمر بإحضار الشيخ جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن نباتة المصري من دمشق، فقدم القاهرة، فلم ينجح سعيه وأقام خاملاً.
وفيها وقع حريق عظيم ببلاد الساحل، وأراضي كسروان من بلاد الشام، عم من بلاد طرابلس إلى معاملة بيروت، أتلف كثيراً من الوحش والأمتعة، وشجر الزيتون. وكان عجباً من العجب، فإن ورقة من شجرة سقطت في بيت فاحترق جميع ما فيها، واستمرت ثلاثة أيام، ثم وقع مطرا فأطفاه.
وفيها عمرت مدينة عمان من البلقاء للأمير صَرْغَتمش، ونقل إليها الولاية والقضاء من حسبان، وجعلت أم تلك البلاد. وهي بلد قديم من بناء عمان ابن أخي لوط، بناها بعد هلاك قوم لوط. وقيل هي مدينة دقيانوس الملك الذي أخرج منها أصحاب الكهف، والرقيم هناك موضع معروف، وبها ملعب سليمان بن داود عليهما السلام.
وفيها ولى شيخنا الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي وكالة بيت المال، بعد وفاة الشريف شرف الدين على نقيب الأشراف. وولى نقابة الأشراف الشريف شهاب الدين بن أبي الركب.
ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكرشرف الدين أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم المناوي الشافعي، في يوم الثلاثاء خامس شهر رجب، ناب في الحكم بالقاهرة، وتفقه، وشارك في الحديث، وأفتى ودرس، وشرح فرائض الرسيط.
وتوفى كمال الدين أبو محمد وأبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن مهدي النشائي الشافعي، في يوم الأحد حادي عشر صفر. ومولده في أوائل ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وستمائة. تفقه على أبيه وبرع ودرس بالجامع الخطيري ببولاق. وهو أول من ولى خطابته وإمامته وتدريسه. وصنف كتاب جامع المختصرات، وكتاب المنتقى، وعلق على التنبيه استدراكات.
ومات متملك بغداد الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا بن أيلكان التتري، سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو، وكانت مدته سبع عشرة سنة.
وتوفى الشريف شرف الدين أبو الحسن على بن حسين بن محمد الحسيني نقيب الأشراف، ووكيل بيت المال، ومحتسب القاهرة، في ثالث عشر جمادى الآخرة. مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة. حدث وتفقه للشافعي وقرأ النحو، ودرس بالمشهد الحسيني، والمدرسة الفخرية، وكتب توضيح الحاوي، وأقرأه بمكة في مجاورته سنة إحدى وخمسين.
وتوفي نجم الدين أبو عبد اللّه محمد بن فخر الدين عثمان بن أحمد بن عمرو بن محمد الزرعي الحلبي الفقيه الشافعي، قاضي القضاة الشافعية بحلب. فكانت مدته نحو ست سنين. وكان فاضلاً ممدحاً أديباً ماهراً في النثر مع معرفة بالفقه والأصول والنحو.
سنة ثمان وخسمين وسبعمائةفيها قبض على ابن الزبير ناظر الدولة، وعوقب حتى هلك.
وفى جمادى الآخر: خلع على شمس الدين محمد ابن الصاحب مدرس الصاحبية والشريفية. بمصر، واستقر محتسب القاهرة بعد وفاة علاء الدين علي بن الأطروش. واستقر شيخنا سراج الدين الهندي عوضه في قضاء العسكر.
وفي يوم الخميس ثامن شعبان: وثب قطا وقجا - ويقال باي قجا - أحد المماليك السلاح دارية على الأمير شَيْخُو وهو بدار العدل، وضربه بسيف ثلاث ضربات، في رأسه ووجهه وذراعه، فسقط وارتج المجلس. وقام السلطان عن كرسي الملك إلى قصره في خاصكيته، وتفرق الأمراء. وطار الخبر بأن الأمير شيخو قتل، فركب الأمير خليل ابن قوصون - ربيب شيخو ولبس، آلة الحرب، وساق في عدة وافرة إلى القلعة، وصعدها. بمن معه وهم ركاب، إلى رحبة دار العدل. وحمل شيخو على جنوية - على أنه قد مات - إلى إصطبله. وركب العسكر جميعهم إلى تحت القلعة بالسلاح. وركب الأمير صرغَتمش في عدة من الأمراء إلى الأمير شيخو، فوجدوا به رمقاً، فاعتذروا إليه مما وقع، وأنه لم يكن يعلم السلطان، وأنه قبض على الغريم وأمر بتسميره وتوسيطه. ثم قاموا فسمر المذكور، وطيف به على جمل، ثم وسط بعد ما قرر فلم يقر على أحد. وقال: قدمت له قصة لينقلني من الجامكية إلى الإقطاع فلم يفعل، فبقي في نفسي منه، وركب السلطان من الغد لعيادة شَيْخُو وحلف له أنه لم يعلم. بما جرى حتى وقع، ثم عاد. فمازال شيخو صاحب فراش حتى مات يوم الخميس خامس عشرين ذي القعدة، ودفن من الغد بخانكاته، وقبره بها، وكان قد قارب الستين سنة. وكان كثير المعروف، وهو أول من قيل له الأمير الكبير بمصر.
وفي شعبان: قدم رسل السلطان جانبك بن أزبك، فركب العسكر من الأمراء والمماليك والمقدمين وأجناد الحلقة إلى لقائهم بالزي الفاخر. وتمثلوا بين يدي السلطان، وقدموا معهم من الهدية، وهي عدة مماليك، وفرو سمور، وطيور جوارح. فكتب جوابهم وأعيدوا.
وفي هذا الشهر: حملت جارية بدمشق، من عتقاء الأمير تمر المهمندار، قريباً من سبعين يوماً، ثم طرحت أربعة عشر بنتاً وصبياً، يعرف الذكر من الأنثى في نحو أربعين يوماً.
ولما مات شيخو قبض السلطان على الأمير خليل بن قوصون، وغيره من أتباع شيخو، فيهم الأمير قجا السلاح دار أمير شكار، والأمير تقطاى الدوادار، والأمير قطلوبغا الذهبي، وأرغون الطرخاني، فنفي بعضهم إلى الشام، وسجن بعضهم بالإسكندرية، وانفرد الأمير صرغتمش بتدبير الدولة.
وفي يوم الجمعة: استقر الأمير تنكزبغا أمير مجلس والأمير أزدَمُر الخازندار أمير سلاح، والأمير كشتمر القاسمي حاجب الحجاب، والأمير علم دار دوادارا كبيراً. وأنعم على يلبغا العمري الخاصكي بإمارة طبلخاناه، وعلى مَنْكلى بُغا بإمرة طبلخاناه، وعلى أيْدَمُر بإمرة طبلخاناه، وعلى طَيبغا الطويل بإمر طبلخاناه. واستقر قطب الدين ابن عرب في حسبة القاهرة، بعد وفاة شمس الدين محمد ابن الصاحب فجأة وهو راكب على بغلته بين القصرين فسقط عنها، فلا يدرى أمات فسقط أو سقط فمات. واستقر تاج الدين بن الريشة في نظر الدولة.
ومات في هذه السنة من الأعيانقاضي قضاة الحنفية بدمشق، نجم الدين أبو إسحاق إبراهيم بن العماد أبي الحسن علي ابن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد الطرسوسي الحنفي، عن أربعين سنة. وكان مشكور السيرة، صنف كتاب رفع الكلفة عن الأخوان، في ذكر ما قدم القياس على الاستحسان، وكتاب الاختلافات الواقعة في المصنفات، وكتاب مناسك الحج - مطولاً - وكتاب محظورات الإحرام، وكتاب الإشارات في ضبط المشكلات، - عدة مجلدات - وكتاب الفتاوى في الفقه، وكتاب الإعلام في مصطلح الشهود والحكام وكتاب الفوايد المنظومة في الفقه.
ومات شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن العسجدي الشافعي، وقد قارب الثمانين.
ومات الأمير أرغون الكاملي بالقدس في تلك السنة، أصله من مماليك الكامل شعبان بن الناصر محمد فترقى في الخدم حتى صار من أمراء الألوف وولى نيابة حلب ونيابة دمشق، ثم قبض عليه وسجن، ثم نفي إلى القدس، فمات بها.
وتوفي الشيخ قوام الدين أبو حنيفة أمير بن كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي الفارابي الأتقاني في شوال، ولى تدريس مشهد الإمام أبى حنيفة - رحمه الله تعالى - ببغداد، ثم قدم إلى الشام، فاستدعى منها إلى القاهرة، واختص بالأمير صَرْغَتمش، وعمل له درساً بجامع المارديني ، ثم ولاه تدريس مدرسته.
وتوفى محب الدين أبو عبد اللّه محمود بن علاء الدين على بن إسماعيل بن يوسف القونوي الشافعي في يوم الأربعاء ثامن عشرين ربيع الآخر. درس بالمدرسة الشريفية من القاهرة، وبالجامع المارديني. وشرح كتاب ابن الحاجب في الأصول، وكتب تعليقه في الفقه، وكتب إعتراضات على شرح الحاوي في الفقه لأبيه.
وتوفي علاء الدين أبو الحسن على بن محمد بن الأطروش الحنفي، محتسب القاهرة، وقاضي العسكر في تلك السنة. حدث، وكان فيه كرم، وهو معدود من رجال الدنيا في معناه. وله منازعات مع الضياء الشامي، في نظر المارستان وحسبة القاهرة. وكان يلي هذا مرة وهذا مرة. وولى أولاً حسبة دمشق. وكان أبوه يبيع السقط.
سنة تسع وخمسين وسبعمائةأول المحرم: استقر محب الدين محمد بن نجم الدين يوسف بن أحمد بن عبد الدايم التيمي، المعروف بكاتب جانكلى، صاحب ديوان الأمير قجا السلاح دار، في نظر البيوت.
وفي هذا الشهر: أمر - بإشارة الأمير صَرْغتمش - أن تضرب فلوس زنة الفلس منها مثقال، فضرب منها عدة قناطير. ثم رسم أن يكون كل فلس من هذه الجدد بفلسين من العتق، وكل رطل من الفلوس العتق بدرهم ونصف، بعد ما كان الرطل منها بدرهمين. وركب والي القاهرة ووالي مصر ومحتسبيهما وأحمال الفلوس الجدد بين أيديهم. ونودي في الناس بأن يتعاملوا بها على ما ذكرنا. فاستمرت المعاملة بالفلوس الجدد، واستقرت أربعة وعشرون فلساً بدرهم فضة.
وعزل تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي عن قضاء دمشق، واستقر عوضه بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر السبكي الشافعي.
واستقر جمال الدين محمود بن أحمد بن مسعود القونوي - المعروف بابن السراج الحنفي - في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن فزارة الكفري.
واستقر شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن جمال الدين المسلاتي.
وأستقر شمس الدين محمد بن أحمد بن المخلطة في قضاء الإسكندرية، عوضاً عن ابن الريغي.
وفي يوم سار البريد بالقبض على الأمير طاز نائب حلب، فبلغ الخبر طاز، فسار من حلب في أصحابه كأنه يريد الحرب. وأخذ السلطان في تجهيز العساكر لقتاله، فلما قارب دمشق، أرسل إلى الأمير على النائب بأنه مملوك السلطان وفي طاعته، وما قصدت إلا أن يصل أهلي إلى دمشق في سلامة من نهب العربان والتراكمين. وسلم نفسه، فقبض نائب الشام على حاشيته وجهز سيوفهم إلى السلطان على العادة، وحمل طاز مقيداً إلى الكرك فبطلت تجريدة العساكر، ورسم بنقل طاز إلى الإسكندرية. وكتب باستقرار الأمير منجك في نيابة حلب، عوضاً عن طاز.
وتقدم مرسوم قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن جماعة ، بألا يشهد في المساطير المكتبة بمبلغ كبير من المال، وفي صدقات النساء التي مبلغها كبير إلا أربعة شهود، ولا يشهد على مريض بوصية إلا بإذن أحد القضاة الأربعة، أو أحد نواب الشافعي.
وفى يوم الخميس ثامن عشرين جمادى الآخر: صرف قاضي القضاة عز الدين بن جماعة عن القضاء، واستقر عوضه الشيخ بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عقيل العقيلي، فأبطل ما رسم به للشهود، وفرق من مال الصدقات في الفقراء نحو الستين ألف درهم في أيام ولايته، وفرق الفقهاء مائة وخمسين ألف درهم من وصية، واستناب زوج ابنته سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني وتاج الدين بن سالم وغيره من أصهاره.
وأنعم على الأمير شهاب الدين أحمد بن قشتمر حمص أخضر بإمرة مائة.
وكثر في شهر رمضان إكرام السلطان للأمير صَرْغَتْمش، وأمر فعمل له بثغر الإسكندرية قبانخ . فلما كان يوم الاحد تاسع عشره أصبح السلطان متوعك البدن، فلما دخل عليه صَرْغَتْمُش ليعوده ألبسه القبانخ ونزل إلى داره. ثم صعد من الغد يوم الإثنين عشرينه إلى القصر على عادته، وأمر ونهى على باب القصر وصرف أمور الدولة على عادته، ثم دخل. فلما استقر به الجلوس، وتكامل المركب، تقدم الأمير طيبغا الطويل، وقبض عليه، وأعانه الأمير منكلى بغا، ثم قبض على الأمير قشتمر القاعي حاجب الحجاب والأمير طقبغا صاروق الماجارى. وارتج القصر. بمن فيه، فركب الأمير أحمد بن قشتمر في عدة من المماليك، ولبس وهم آلة الحرب، ووقف تحت القلعة، فركب إليه الأمير عز الدين أزدمر الخازندار، والأمير يلبغا الخاصكي، والأمير تنكر بغا، والأمير طيبغا الطويل، والأمير منكلى بغا، في طائفة من المماليك السلطانية، وقاتلوه من بكرة النهار إلى العصر حتى هزموه ومن معه. وركب العامة أقفيتهم يرجمونهم بالحجارة، ثم امتدت أيديهم إلى بيت الأمير صَرْغتْمش فنهبوه، ونهبوا الحوانيت التي بالصليبة بجواره، وتتبعوا العجم، فإن صرغتمش كان يعنى بهم، ونوه باسمهم، وجعل مدرسته وقفاً عليهم. فكان يوماً مشهوداً عظيماً شناعته. واستمر الطلب على ابن قَشتَمُر حتى قيض عليه وعلى جماعته من أخر النهار، فقيدوا وحملوا إلى الإسكندرية - وفيهم صرغَتمش - فسجنوا بها.
وقبض على القاضي ضياء الدين يوسف بن أبى بكر محمد ناظر المارستان وأهين وأركب على حمار، ثم نفي بعد ضربه بالمقارع عرياً، ومصادرته. وعزل عامة من كان جهته صَرْغَتْمُش، فعزل قطب الدين بن عرب من حسبة القاهرة، واستقر عوضه الشيخ عبد الرحيم الإسنوي، وعزل ابن عقيل عن قضاء القضاة بعد اثنين وثمانين يوماً، وأعيد عز الدين بن جماعة في يوم الثلاثاء حادي عشرين شهر رمضان. وقبض على ناظر الخاص والجيش علم الدين عبد اللّه بن نقوله وصودر، واستقر عوضه في نظر الخاص تاج الدين بن الريشة مضافاً إلى الوزارة. وفي نظر الجيش محب الدين محمد بن نجم الدين يوسف بن أحمد بن عبد الدايم. واستقر عوض محب الدين في نظر البيوت فخر الدين بن السعيد. قبض على جرجى الأدريسي ونفي في عدة من الأمراء.
وأنعم السلطان على عدة من مماليكه بأمريات، أنعم على مملوكه الأمير يلبغا الخاصكي بتقدمة ألف، وعمله أمير مجلس عوضاً عن تنكز بغا. وأنعم على كل من الأميرين مَنكَلى بُغَا والأمير طَيبغا الطويل، والأمير أندَمُر الشامي والأمير ألجَاي اليوسفي بإمرة مائة وتقدمة ألف. وعمل أيْدَمر الشامي داودارا، وألحَا حاجباً ثانياً. وعمل الأمير عز الدين أزدمر الخازن دار أميراً كبيراً، مكان صَرْغَتمش، وولاه نظر المارستان المنصوري، ونظر وقف الصالح إسماعيل بقية المنصورية. وأنعم على عدة من مماليكه أيضًا بأمريات ما بين طبلخاناه وعشرات.
وفي يوم الأحد: المبارك ولد للسلطان ولد ذكر سماه قاسم، وأعطاه إمرة مائة.
ونقل الأمير مَنْجَك من نيابة حلب إلى نيابة الشام، عوضاً عن أمير علي. ونقل أمير علي إلى نيابة حلب.
وفيه خرجت تجريدة إلى برقة مع الأمير محمد باك القازاني.
وفي هذه السنة: كثر اختصاص قطب الدين هِرْماس بالسلطان، وصار يدخل عليه متى أراد بغير إذن، ويدخل معه أيضاً زوج ابنته صدر الدين. وكانت بين الهندي سراج الدين عمر الحنفي وبين الهرماس منافرة، فتقدم لقاضي القضاة جمال الدين عبد اللّه بن التركماني أن يعزله من نيابة الحكم، فصرفه وهجره، فأعرض عنه عامة فقهاء الحنفية. وفيه استقر التنيسي المالكي في قضاء الإسكندرية بعد وفاة ابن المختلطة وقدم الخبر بموت صرغَتمش في سجنه بالإسكندرية، فكانت مدة سجنه شهرين واثني عشر يوماً.
ومات في هذه السنة من الأعيانشرف الدين أبو البقاء خالد بن العماد إسماعيل بن محمد بن عبد اللّه بن محمد بن محمد بن خالد بن محمد بن نصر القَنسَراني، بدمشق عن نيف وخمسين سنة.
ومات الأمير الكبير سيف الدين صَرغَتْمش الناصري بسجن الإسكندرية مقتولاً في ذي الحجة. كان يكتب الخط الجيد، ويشارك في الفقه على مذهب أبى حنيفة، ويتعصب لمذهبه، ويجل العجم، ويختص بهم، ويتكلم أيضاً في العربية، ودبر أمر الدولة مدة. ومات أبو عنان فارس بن أبي الحسن علي بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق بن محيو بن جماعة المريني متملك المغرب وصاحب فاس.
وتوفي فخر الدين أبو العباس محمد بن أحمد بن عبد الله بن المُختَلطَة قاضي الإسكندرية، في يوم الجمعة سابع رجب.
وتوفي شمس الدين بن عيسى بن حسن بن كر الحنبلي إمام أهل الموسيقى، وله تأليف حسن في الموسيقى.
ومات الأمير سيف الدين تَنْكِزبغا المارديني، أمير مجلس، وزوج أخت السلطان حسن ومات الأمير الطواشي، صفي الدين جوهر الجَناحي، مقدم المماليك، وقد قارب المائة سنة.
وتوفى شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن داود بن نصر الهكاري الكردي الدمشقي الشافعي بدمشق، في ذي القعدة، ومولده سنة خمس وثمانين وست مائة. حدث عن التقي الواسلي، والشريف بن عساكر وتفقه وأفتى ودرس.
وتوفى أمير المدينة النبوية الشريف مانع بن علي بن مسعود بن جاز بن شيحة الحسيني. واستقر بعد ابن عمه فضل بن قاسم في ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين. وكثر تظاهره. بمذهبه. فلما قدم الحاج ولبس الخلعة على العادة وثب عليه فداويان، قتلاه في أواخر ذي الحجة، فثارت الفتنة بعد قتله، وتأذى بها كثير من الحجاج.
وتوفي إمام الحنابلة بمكة أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي الحنبلي، بعدما أم الناس ثلاثين سنة.
ومات قتيلاً الأمير سيف بن فضل بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضينة بن فضل في ذي القعدة. وكان جواداً، ولى إمرة آل فضل غير مرة.
ومات الأمير مَلَكتمُر السعيدي، في ثامن ذي القعدة.
سنة ستين وسبعمائةفي الأربعاء ثالث المحرم: قدم أمير على إلى دمشق وقد أعيد إلى نيابتها، وعزل الأمير مَنجَك عنها، وطلب إلى مصر، ففر من غزة ولم يُقف على خبره، فعوقب بسببه عدة من الناس.
واستقر الأمير سيف الدين بكتمر المؤمني في نيابة حلب، ثم صرف عنها، واستقر عوضه الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي.
وصرف أمير على عن نيابة الشام، واستقر عوضه الأمير سيف الدين أَسَنْدَمُر الزيني. وانتهت زيادة ماء النيل إلى أربع أصابع من عشرين ذراعاً، وثبت إلى أول شهر هاتور، فخرج الناس ودعوا حتى هبط، فكثرت الأمراض ببلاد الصعيد.
وفيها عقد لشمس الدين محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدكالي الأصل، المعروف بابن النقاش، الفقيه الشافعي، فجلس بين يدي قاضي القضاة عز الدين بإشارة الهرماس، وادعى عليه زين الدين عبد الرحيم العراقي أنه يفتي بغير مذهب الشافعي، فمنع من الإفتاء، وألا يتكلم في مجالس الوعظ، إلا من كتاب، فامتنع بعد ما حبس، ثم أفرج عنه.
وفيه أخرج الأمير عز الدين. أَزدَمر الخازندار إلى الشام، على إمرة بها، فانحط قدر الهرماس فإن أَزْدَمُر هذا كان عضده.
وفي شهر رجب: سارت الحجاج الرجبية من القاهرة، وسافر فيهم قاضي القضاة عز الدين بن جماعة، وقاضي القضاة موفق الدين الحنبلي، وقطب الدين الهرماس. وكان الشريف عجلان قد قدم من مكة، فعزله السلطان عن إمارتها وولى عوضه الشريفان محمد بن عُطفة وسند بن رُمَيثة، وقواهما بالأمير جرَكتمُر الحاجب والأمير قطلوبغا المنصوري، وناصر الدين أحمد بن أصلَم، ليقيموا بمكة، حتى يأتيهم البدل من مصر.
وعُوق الشريف عجلان بمصر، فاتصل - في غيبة الهرماس - بالسلطان، سراج الدين عمر الهندي قاضي العسكر، وشمس الدين محمد بن النقاش، ولازماه سفراً وإقامة، وبلغا منه منزلة مكينة، فأخذا في إغراء السلطان به حتى تنكر له، وتغير عليه، لقوادح رمياه بها.
ومات في هذه السنة من الأعيانجمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن الشهاب محمود بن سلمان بن فهد الحلبي كاتب سر حلب.
ومات الأمير عز الدين تُقطاي الداودار الصالحي بطرابلس منفياً، أصله من مماليك يلبغا اليحياوي، ثم انتقل إلى الملك الصالح فترقى حتى صار من الأمراء، ثم أخرج إلى الشام، فقدم دمشق في ربيع الآخر سنة تسع وخمسين، ومضى إلى طرابلس، فأقام لها حتى هلك.
وتوفى الشيخ خليل بن عبد الرحمن بن محمد بن عمر أبو الوفا المالكي.
ومات علم الدين محمد بن القطب أحمد بن مفضل، كاتب سر دمشق وناظر الجيش بها، وقد جاوز الستين.
ومات تقي الدين محمد بن أحمد بن شاس المالكي، في يوم الأربعاء رابع شوال، وقد ناب في الحكم وأفتى ودرس.
ومات تقي الدين محمود بن محمد بن عبد السلام بن عثمان القيسي، أبو المظفر الحموي، عرف بابن الحكيم الحنفي، قاضي حماة، وقد أناف على ستين سنة.
ومات الأمير سيف الدين بن فضل بن عيسى، قتله عمر بن موسى. وكان قد ولى إمرة العرب في أيام المظفر حاجى بعد أحمد بن مهنا، فلما مات أعيد أحمد بن مهنا. واللّه تعالى أعلم بالصواب.
سنة إحدى وستين وسبعمائةفيها استقر أًمين الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن نصر اللّه بن المظفر بن أسعد بن حمزة التميمي، المعروف بابن القلانسي الدمشقي، كاتب السر بدمشق، استقر صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، كاتب السر بحلب.
ولما قدم الحاج، كان السلطان بقصور سرياقوس توجه قاضي القضاة عز الدين ابن جماعة، وقاضي القضاة موفق الدين عبد اللّه الحنبلي، والشيخ قطب الدين الهرماس، وقد قدموا من الحج للسلام على السلطان، فأذن للقاضيين في الدخول على السلطان، فدخلا ومنع الهرماس من ذلك، فأقبل السلطان عليهما وألبسهما خلعتين، وخرجا إلى منازلهما بالقاهرة. وتبين للناس انحطاط رتبة الهرماس، وفساد حاله مع السلطان.
وفيه سار الأمير بيدمر نائب حلب بالعساكر إلى بلاد سيس، ففتح أذنة وطرسوس والمصيصة وعدة قلاع، وأقام بأذنة وطرسوس نائبين بعسكر معهما، وعاد بالغنائم إلى حلب، فنقل في شهر ربيع الأول إلى نيابة دمشق عوضاً عن أسندمر الزيني.
واستقر الأمير شهاب الدين أحمد بن القشتمري في نيابة حلب.
واستقر ناصر الدين محمد بن يعقوب بن عبد الكريم بن أبي المعالي الحلبي كاتب السر بحلب عوضاً عن الصلاح الصفدي، واستقر الأمير ألجاي اليوسفي صاحب الحجاب بدمشق.
وظفر المسلمون بغراب للفرنج فأسروا من فيه، وقدموا بهم القاهرة.
واستقر فخر الدين ماجد - ويدعى عبد الله بن أمين الدين خصيب - في الوزارة، بعد وفاة ابن الريشة. وكان خصيب من جملة الكتاب النصارى فأسلم وترقى ابنة ماجد في الخدم بالكتابة الديوانية حتى ولى الوزارة.
وفيها اشترى السلطان القصر المعروف بالبيسري من القاهرة، وقصر بشتاك المقابل له، وجدد عمارتهما.
وفي يوم الأحد: ركب السلطان من قلعة الجبل، وعبر من باب زويلة إلى المارستان المنصوري، وشقاق الحرير مفروشة ليمشي عليها، فزار أباه وجده. وقد زينت له القاهرة، واجتمع بالمدرسة المنصورية قضاة القضاة الأربع، ومشايخ العلم. بهاء الدين ابن عقيل، وزين الدين البسطامي الحنفي، وأكمل الدين الحنفي، وبهاء الدين السبكي، وسراج الدين الهندي، وسراج الدين البلقيني، وناصر الدين نصر اللّه الحنبلي، وشمس الدين بن الصايغ الحنفي، وشمس الدين محمد بن النقاش، وبدر الدين حسن الشجاع الحنفي، وعدة أخر. فأتاهم السلطان وهم بالإيوان القبلي، فجلس وهم حلقة بين يديه، وأداروا البحث في مسألة حتى انتهوا إلى غايتهم فيها. وقدمت عدة سجاجيد وغيرها للسلطان، فقبلها، وصار يرمي بها إلى الأمراء وهم يقبلون الأرض. ثم قام فركب من الباب، وركب معه ابن النقاش وسراج الهندي، حتى حاذى جامع الحاكم، فأمر بهدم دار الهرماس. ثم خرج من باب النصر وصعد إلى القلعة.
فهدمت دار الهرماس المجاورة للجامع، ونزل الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشي فقبض على الهرماس وولده، ونزع عنه ثيابه، وضربه بالمقارع قريباً من عشرة شيوب ، وداره تهدم وهو يشاهدها، ثم أخرج إلى مصياف من بلاد الشام منفياً.
وكان من الدهاء والمكر على جانب كبير. وفيه يقول العلامة شمس الدين محمد بن الصايغ الحنفي:
نال هرماس الخسارة ... من بعد ربح وجسارة
وحسب البهتان يبقى ... أخرب الله دياره
وقبض على الأمير منجك من داريا بالشرف الأعلى ظاهر مدينة دمشق، بعد ما أقام مختفياً نحو سنة، فحمل إلى مصر، وتمثل بين يدي السلطان وهو لابس بشتا من صوف، وقد أعتم. بميزر من صوف، فعفا عنه، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بالشام، ورسم أن يكون طرخانا، وأن يقيم حيث شاء من البلاد.
وكان النيل في هذه السنة مما يتعجب منه، فإن القاع جاء نحو اثنتي عشرة ذراعًا. وكان الوفاء يوم الخميس، وهو سادس مسرى، فكسر سد الخليج من الغد يوم الجمعة، ونودي عليه تسعة أصابع من عشرين ذراعاً. ثم بطل النداء عليه فبلغ نحو أربعة وعشرين ذراعاً، وخربت عدة مساكن، واستمر ثابتاً إلى خامس بابة، فخرج الناس من الغد، ودعوا اللّه، فهبط من يومه أربعة أصابع.
وسارت الحجاج الرجبية على العادة. وتوجه الأمير قُنْدش بدلاً من الأمير جركتمر. ورسم بتوجه جركتمر إلى الشام بعد الحج، وقد قطع خبزه. وكان الشريف ثقبة فيما مضى مقيماً بجدة، فلما خرج جركتمر من مكة بعد قضاء الحج، هجم ثقبة عليها، وأخذ خيول قُندسُ ومن معه، وحصرهم في المسجد، فأغلقوا عليهم أبوابه، وقاتلوا من أعلاه بالنشاب، فقتل الشريف مغامس، وانهزم قُندسُ بأصحابه، فقتل منهم وأسر جماعة، نودي عليهم. بمكة للبيع، فبيعوا بأبخس الأثمان. وأخذ قندس، فعذب عذابًا أشفى منه على الموت. ثم نودي عليه، وأبيع بدرهمين، فشفع إليه تقي الدين محمد بن أحمد ابن قاسم الحرازي قاضي مكة، حتى أخرج من مكة ومعه جميع الأتراك. وقد اقترض ما يبلغه إلى ينبع. وفر أيضاً الشريف محمد بن عُطيفة إلى ينبع، والتجأ الشريف سند بن رميثة إلى الشريف ثقبة وصار من جملته. فلما قدم الحاج من المدينة النبوية إلى ينبع، وجدوا بها الأمير قُنْدُس ومن بقي من المجردين ومحمد بن عُطَيْفَةَ، فساروا مع الحاج إلى القاهرة.
ومات في هذه السنة من الأعيانصلاح الدين خليل بن كيكلدي العلاي أبو سعيد الشافعي صاحب كتاب القواعد وغيره، في المحرم. ومولده سنة أربع وتسعين وستمائة. وكان حافظاً فقيهاً شافعياً، لم يخلف بعده في الحديث مثله. ودرس بالقدس سنتين.
ومات صدر الدين أبو الربيع سليمان بن داود بن سليمان بن محمد بن عبد الحق الحنفي، ناظر الأحباس، عن ثلاث وستين سنة.
ومات جمال الدين أبو محمد عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن عبد اللّه بن هشام النحوي في يوم الثلاثاء ثاني ذي القعدة، ومولده في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة. ومات الشريف زين الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد اللّه بن جعفر بن زيد بن جعفر بن محمد الممدوح الحسيني الحلبي، نقيب الأشراف بحلب.
ومات السلطان الملك الصالح صالح بن محمد بن قلاوون في محبسه من قلعة الحبل، سلخ ذي الحجة، ودفن بتربة عمه الصالح علي بن قلاوون قريباً من المشهد النفيسي. رحمه اللهّ تعالى.
وتوفى فخر الدين محمد بن محمد بن مسكين الشافعي، أحد نواب الحكم، ولى قضاء الإسكندرية وغيرها عن ثلاث وتسعين سنة، في يوم الاثنين سابع رجب رحمه اللّه ومات صدر الدين محمد بن قاضي القضاة تقي الدين أحمد بن عمر بن عبد اللّه بن عمر بن عوض الحنبلي، فاستقر عوضه في تدريس المدرسة المنصورية قاضي القضاة موفق الدين عبد اللّه الحنبلي. وفي تدريس المدرسة الأشرفية، ناصر الدين نصر اللّه الحنبلي.
ومات شرف الدين موسى بن كجك، الإسرائيلي الأصل، الطيب، في يوم الثلاثاء ثامن شوال. وكان بارعاً في الطب، مشاركاً في عدة علوم، وكتب بخطه الجيد كتباً كثيرة.
وتوفي شهاب الدين أحمد القسطلاني خطيب جامع عمرو بمصر وخطيب جامع القلعة، في يوم الجمعة خامس ذي الحجة.
وتوفي تاج الدين أحمد الزَركشي الشافعي مدرس المدرسة الفارسية، وخطيب الجامع الأخضر في يوم الإثنين ثامن ذي الحجة.
وتوفي سراج الدين عبد اللّه بن محمد بن معز، يوم الخميس حادي عشرين المحرم، عن ماية سنة، وولى حسبة الإسكندرية وشهادة بيت المال.
وتوفي ضياء الدين أبو المحاسن يوسف بن أبى بكر بن محمد المعروف بالضياء بن خطيب بيت الآبار الشامي، في ذي الحجة. ولى الحسبة، ونظر الدولة، ونظر المارستان، وغير ذلك، وكان ناهضاً أميناً. رحمه اللّه تعالى واللّه تعالى أعلم بالصواب.
وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.
سنة اثنتين وستين وسبعمائةأهلت والأمراض بالباردة فاشية في الناس، وقد ساءت أحوالهم لطول مدة أمراضهم. وفيها قدم الأمير بيدمر نائب الشام، ومعه الأمير جركتمر المارديني المجرد بالحجاز، وقد قبض عليه وعلى الأمير قطلوبغا المنصوري، وقدم الأمير منجك، وتمثل بين يدي السلطان.
وفيها عدى السلطان إلى بر الجيزة ونزل بناحية كوم برا قريباً من الأهرام.
وفيها قبض على الوزير الصاحب فخر الدين ماجد بن خصيب وعلى أخيه وحواشيه وأصهاره، وأحيط بدياره، وألزم بمال كبير. ثم نفي إلى مصياف من بلاد الشام، فأقام بها سنة ونيفاً ثم نقل إلى القدس، فأقام هناك أربع سنين. ومات وكان قد أظهر في وزارته من الترفع والتعاظم أمراً زائداً. من ذلك أنه ألزم جميع مباشري الدولة والخاص وعامة المشدين بالركوب معه إذا ركب، فإذا وصلوا بين يديه إلى رأس سوق الحريريين من القاهرة، نزل مقدم الدولة ومقدم الخاص ومضيا في ركابه إلى بين القصرين، ثم نزلت طائفة بعد طائفة، بحسب رتبهم، ومشوا بين يديه حتى لا يبقى أحد راكب سواه، إلى أن يصل إلى داره برأس حارة زويلة، فإن كان في داره بفم الخور على النيل نزل من ينزل من قنطرة قدادار ومشوا إلى داره وهو راكب، فإذا مضى إلى الصناعة بمدينة مصر، نزل الناس من باب مصر، وبقي هو وأخوه راكبين. بمفردهما إلى الصناعة، والناس جميعاً مشاة. وعنى بالأسمطة، فكان يطبخ دائماً في كل يوم بداره ألف رطل من اللحم، سوى الدجاج والأوز. وكان يبعث كل ليلة بعد عشائه إلى بين القصرين من القاهرة فيشترى له. بمبلغ مائتين وخمسين درهماً فضة ما بين قطا وسمان وفراخ وحمام وعصافير مقلوة. وتناهي في أنواع الأطعمة الفاخرة، واقترح علباً كبار للحلوى، عرفت بعده مدة سنين بالعلب الخصيبية. وأخبرني الوزير الصاحب تقي الدين عبد الوهاب بن الوزير فخر الدين ماجد بن أبي شاكر أنه كان في دارهم من جواري ابن خصيب جاريتين، تحسن كل واحدة منهما ثمانين لوناً من التقالى سوى بقية ألوان الطعام. وبلغت عدة جواريه سبعمائة جارية، بعد ما كان من أفقر الكتاب. وقد غلبه الدين، وأقام في السجن والترسيم على ديون الناس مدة شهر.
وفيها قدم فخر الدين ماجد بن قزوينة وزير دمشق إلى القاهرة باستدعاء فخلع عليه، واستقر في الوزارة ونظر الخاص عوضاً عن ابن خصيب. وفيها عزل الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي نفسه من حسبة القاهرة لمفاوضة حصلت كانت بينه وبين الصاحب فخر الدين ماجد بن قزوينة. واستقر عوضه برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أبى بكر الأخنائي أخو قاضي القضاة علم الدين محمد الأخنائي، فسار في الحسبة أحسن سيرة، وتصلحت عامة المعايش وفي يوم السبت سادس ربيع الآخر: سقطت إحدى منارتي مدرسة السلطان حسن، فهلك تحتها نحو ثلاثمائة من الأطفال الأيتام الذين كانوا بمكتب السبيل، وغير الأيتام، فتشاءم الناس بذلك، وتطيروا به لزوال السلطان، فكان كذلك، وزال ملكه في ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى وذلك أنه بلغه وهو بمنزله بكوم برا أن الأمير يلبغا الخاصكي يريد قتله، وأنه لا يدخل إلى الخدمة إلا وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه فاستدعى به، وهو مع حريمه في خلوة، وأمر فنزعت عنه ثيابه كلها، ثم كتفت يداه، فْشفعت فيه إحدى حظايا السلطان، حتى خلى عنه وخلع عليه، واعتذر إليه بأنه بلغه عنه أنه لا يدخل إلا بالسلاح مخفي في ثيابه. فخرج إلى مخيمه وقد اشتد حنقه، فلم يمض سوى ثلاثةّ أيام وبلغ السلطان أن يلبغا قد خامر وأظهر العصيان، وألبس مماليكه آلة الحرب، فبادر للركوب في طائفة من مماليكه ليكبسه على بغتة، ويأخذه من مخيمه، فسبق ذلك إلى يلبغا من الطواشي بشير الجمدار، وقيل بل من الحطة التي شفعت فيه. فركب بمماليكه من فوره بالسلاح، يوم الإثنين ثامن جمادى الأولى بعد العصر، ولقى السلطان وهو سائر إليه، وتوافقا حتى غربت الشمس، فحمل يلبغا. بمن معه يريد السلطان فانهزم من غير قتال، ومعه الأمير عز الدين أيدمر الدوادار، فتفرقت مماليكه في كل جهة، وتمادى السلطان في هزيمته إلى شاطىء النيل، وركب هو وأيدمر فقط في بعض المراكب، وترك ركوب الحراقة السلطانية، وصعد قلعة الجبل، وألبس من بها من المماليك، فلم يجد في الإصطبل خيولاً لهم، فإنها كانت مرتبطة على البرسيم لتربع على العادة، فاضطرب ونزل من القلعة ومعه أيْدَمُر وقد تنكرا ليسيرا إلى الشام فعرفهما بعض المماليك، فأنكر حالهما، وأخذهما ومضى بهما إلى بيت الأمير شرف الدين موسى بن المازْكَشي، فأواهما.
هذا، وقد مضى يلبغا وقت هزيمة السلطان في إسره فلم يظفر به، فركب الحراقة ومنع أن يعدى مركب بأحد من المماليك السلطانية إلى بر مصر، وعدى بَأصحابه في الليل إلى البر، فلقيه الأمير ناصر الدين محمد بن المحسني والأمير قشتمر المنصوري في عدة وافرة، فحاربهما وهزمهما، وتقدم فهزم طائفة بعد طائفة. ثم وجد الأمير أسنبغا ابن البوبكري في عدة وافرة فقاتله قريباً من قنطرة قديدار، قتالاً كبيراً، جرح فيه أسنبغا وانهزم من كان معه. ومضى يلبغا حتى وقف تحت القلعة، فبلغه نزول السلطان وأَيْدَمُر منكسرين. وبينما هو مفكر فيما يفعله، إذ أتاه قاصد ابن الأزْكَشي وأخبره بأن السلطان وأَيْدَمر عنده، فسار بعسكره إلى بيت ابن الأزْكَشي بالحسينية، وأحاط به، وأخذ السلطان والأمير أَيْدَمُر ومضى بهما إلى داره، قرب جبل الكبش فحبسهما بها، ووكل بهما من يثق به. ثم عاد إلى القلعة وقد امتنع بها طائفة من مماليك السلطان، ورموه بالنشاب، فأعلمهم بأنه قد قبض على السلطان وسجنه في داره، فانحلت عزائمهم، وفتحوا باب القلعة، فصعد يلبغا ومن معه إليها وملكها وأقام في السلطنة محمد بن المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون. ولم يوقف للسلطان حسن على خبر، فقيل إنه عاقبه عقوبة شديدة حتى مات ودفنه في مصبطة كان يركب عليها من داره بالكبش. وقيل دفنه بكيمان مضر وأَخفي قبره، فكان عمره دون الثلاثين سنة، منها مدة سلطنته هذه الثانية ست سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام. وترك عشرة أولاد ذكور، وهم أحمد وقاسم وعلي وإسكندر وشعبان وإسماعيل ويحيى وموسى ويوسف ومحمد، وست بنات. وكان من خيار ملوك الأتراك. أخبرني ثقتان من الناس أنهما سمعاه يحلف بالأيمان الحرجة، أنه ما شرب خمرًا ولا لاط منذ كان، إلا أنه شغف بنسائه وجواريه شغفاً زائداً، واشتهر في أمرهن، وأفرط في الإقبال عليهن، مع القيام بتدبير ملكه. وعزم على قطع دابر الأقباط والأتراك المماليك، فولى عدة وظائف كانت بيد الأقباط لجماعة من الفقهاء، منها وظيفة نظر الجيش ونظر بيت المال. وجعل عشرة من أولاد الناس أمراء ألوف، وهم ولداه أحمد وقاسم وأسنبغا بن البوبكري، وعمر بن أرغون النائب، ومحمد بن طرغاي ومحمد بن بهادر آص، ومحمد بن المحسني، وموسى بن أرقطاي، وأحمد بن آل ملك، وموسى بن الأزكشي. وأنعم على عدة منهم بإمريات طبلخاناه وعشرات. وولى ابن القَشتَمُري نيابة حلب، وابن صُبْح نيابة صفد. وقد وافق أباه في عدة أمور في اللقب الخاص بالملوك، فكلاهما لقب بالملك الناصر. وفي أنه خلع ثم أعيد كل منهما إلى السلطنة بعد الخلع، كان ذلك في ثاني شوال. وما منهما إلا من وزر له مُتعمم وصاحب سيف. وأقام مدة بغير وزير ولا نائب، وبنى المدرسة التي لم يبن في ممالك الإسلام بيت للّه مثلها في العظم والجلالة والضخامة.
السلطان صلاح الدين محمدالسلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون أقامه الأمير يلبغا في السلطنة. وذلك أنه لما قبض على السلطان حسن، وصعد إلى القلعة ومعه الأمير طيبغا الطويل أمير سلاح، والأمير مَلَكتمُر المارديني رأس نوبة الجمدارية، والأمير أَشَقتمر أمير مجلس، في بقية الأمراء اشتوروا فيمن يقام في السلطة، فذكر بعضهم الأمير حسين بن محمد بن قلاوون، وهو آخر من بقى من أولاد الملك الناصر محمد لصلبه، فلم يرضوه خشية من أن يستبد بالأمير دونهم ثم لا يبقى منهم أحداً. وذكر الأمير أحمد بن السلطان حسن فرأوا أن تقديمه - وقد عُمل بأبيه ما عُمل - سوء تدبير فإن الحال يلجئه لأن يأخذ بثأر أبيه، فأعرضوا عنه.
ووقع الطارق على محمد بن المظفر حاجى، فاستدعى الخليفة وقضاة القضاة، وأحضر ابن المظفر وعمره نحو أربع عشرة سنة، ففوض الخليفة إليه أمور الرعية، وركب والكافة بين يديه من باب الدار إلى الإيوان، حتى جلس على تخت الملك، وحلف له الأمراء على العادة، وهو لابس الثوب الخليفتي، وذلك في يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى، ولقب بالملك المنصور صلاح الدين. وهو أول من تسلطن من أولاد أولاد الملك الناصر محمد، فقام الأمير يلبغا بتدبير الدولة، و لم يبق للمنصور سوى الاسم. واستقر الأمير طَيبغا الطويل على عادته أمير سلاح، والأمير قطلُوبغا الأحمدي رأس نوبة كبير، والأمير مَلَكتمُر المارديني رأس نوبة الجمدارية، والأمير أشَقتمُر أمير مجلس، والأمير أرغون الأشعردي دوادارا، والأمير ألجاى اليوسفي حاجب الحجاب، والأمير قَشتمر المنصوري نائب السلطنة.
ودقت البشائر، ونودي بالقاهرة ومصر بسلطنة الملك المنصور، وكتب إلى الأعمال بذلك، فسارت البريدية.
وقبض على الأمير ناصر الدين محمد بن المحسني وسجن بالإسكندرية.
وأفرج عن الأمير طاز وقد سمل الناصر حسن عينيه، فلما مثل بين يدي السلطان وعلى عينيه شعرية توجع له وخلع عليه، فسأل الإقامة بالقدس وأجيب إلى ذلك، وأنعم له بإمرة طبلخاناه. فسار إلي القدس وأقام به.
وأفرج عن الأمير جركَتمر المارديني والأمير قَطْلُوبُغا المنصوري، والأمير قَشتَمُر القاسمي، والأمير مَلَكتمُر المحمدي، والأمير أَقتمُر عبد الغني، والأمير بَكتمر المؤمني، وأخيه طاز. واستقر قَشتَمُر القاعي نائب الكرك، ومَلَكتمُر المحمدي نائب صفد. وأخرج بَكتمُر المؤمني إلى أسوان منفياً. ونقلت رمة الأمير صَرْغَتمش من الإسكندرية، ودفنت بمدرسته المجاورة لجامع ابن طولون خارج القاهرة. وخلع على الشريف عجلان وأعيد إلى إمارة مكة.
وقدمت الأخبار في شهر رجب بخروج الأمير بَيدَمُر نائب الشام عن الطاعة، وموافقة جماعة من الأمراء له على ذلك، منهم أسَنْدَمُر أخو يَلبغا اليحياوي، والأمير مَنجَك وجماعة، وأنه قام لأخذ ثأر السلطان حسن، وأفتاه جماعة من الفقهاء بجواز قتال قاتله الذي تغلب على المُلك - يعني الأمير يَلْبُغا - ومنع البريد أن يمر من الشام. وجهز الأمير مَنجَك والأمير أَسَندَمُر الزيني في عسكر إلى غزة، فحاربوا نائبها وملكوها. فنصب الأمير يَلبُغا. السَنْجق السلطاني، وتقدم إلى الأمراء بالتجهيز للسفر، وأخرج الأمير قَشَتمر نائب السلطة إلى جهة الصعيد في عسكر ليحفظ تلك الجهة في مدة الغيبة بالشام.
وأقيم الأمير شرف الدين موسى بن الأزْكَشي نائب الغيبة، وخرجت طلاب الأمراء شيئاً بعد شيء. وركب السلطان في أول شهر رمضان من قلعه الجبل، ونزل خارج القاهرة، ثم رحل وصحبته الخليفة والأمراء، وتاج الدين محمد بن إسحاق المناوي قاضى العسكر، وسراج الدين عمر الندى قاضي العسكر. فرحل الأمير منجَك بمن معه من غزة، عائداً إلى دمشق. فنزل بها السلطان بعساكره وجلس الأمير يلبغا لعرض العسكر. ثم ساروا جميعاً إلى دمشق، وخيموا بظاهرها، فخرج إليهم أكثر أمراء دمشق وعسكرها راغبين في الطاعة، حتى لم يبق من الأمراء مع بَيْدَمُر سوى مَنجَك وأَسَنْدَمُر - وقد امتنعوا بالقلعة - فترددت القضاة بين الفريقين في الصلح حتى تقرر، وحلف لهم الأمير يَلُبغا على ذلك، فاطمأنوا إليه ونزلوا من القلعة.
فركب السلطان بعساكره صبح يوم الإثنين تاسع عشرين شهر رمضان، ودخل إلى دمشق وقبض على الأمير بيدمر والأمير منجك والأمير أَسَندَمُر، وقيدوا، فأنكر ذلك جمال الدين يوسف بن محمد المرداوي الحنبلي قاضي دمشق، وصار إلى الأمير يَلْبُغا، وقال له: لم يقع الصلح على هذا فاعتذر بأنه ما قصد إلا إقامة حرمة السلطان، ووعد بالإفراج عنهم. فلما انصرف بعث بهم إلى الإسكندرية، فسجنوا بها. وصعد السلطان إلى قلعة دمشق، وسكنها. واستبد الأمير يَلْبُغا بتدبير الأمور في الشام، على عادته في مصر. واستقر الأمير علاء الدين أمير على نائب الشام عوضاً عن الأمير بَيْدَمُر، واستقر الأمير قطْلُوبُغا الأحمدي رأس نوبة في نيابة حلب عوضاً عن الأمير أحمد بن القَشتمري.
ثم سار السلطان بعساكره من دمشق، في يوم الأحد، فلما قرب من القاهرة دُقت البشائر بقلعة الجبل، وزينت القاهرة ومصر زينة عظيمة، وصعد إلى قلعته في يوم الإثنين عشرين شوال.
وفيه قدم الأمير قَشْتَمُر النائب من الوجه القبلي.
وقدم الأمير حيار بن مهنا، فخلع عليه، واستقر في الإمرة عوضاً عن أخيه فياض ابن مهنا بعد موته.
واستقر علاء الدين على بن إبراهيم بن حسن بن تميم في كتابة سر حلب، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الكريم.
واتفق بحلب أن في يوم الإثنين سادس عشرين ربيع الأول جىء إلى النائب بمولود قد مات بعد ولادته بساعة، فإذا له على كل كتف رأس بوجه مستدير، وهما إلى جهة واحدة.
وفيها اتفق الأمير حسين بن محمد بن قلاوون مع الطواشي جوهر الزمردي نائب مقدم المماليك على أن يلبس المماليك السلطانية آلة الحرب ويتسلطن. وكان السفير بينهما نصر السليماني أحد طواشية الأمير حسين، فوشى بذلك إلى الأمراء. وكان السلطان بالشام، فبادر الأمير أَيْدَمُر الشمسي نائب الغيبة والأمير موسى بن الأزْكَشي وقبضا على جوهر ونصر وسجنا بخزانة شمايل بالقاهرة. فلما قدم السلطان والأمير يلبغا سمراً وشهراً، ثم نفيا إلى قوص في ذي القعدة.
ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكرشهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن خلف بن بدر، المعروف بابن بنت الأعز العلائي، الففيه الشافعي، ناظر بيت المال، وناظر الأحباس في يوم الخميس ثامن عشر ربيع الآخر.
والأمير بلبان السناني أستادار السلطان، وأحد مقدمى الألوف، بعد ما نفاه الناصر حسن ثم أعيد واستقر إلى القلعة، وهو من المماليك الناصرية محمد بن قلاوون.
ومات الشريف شهاب الدين حسين بن محمد بن حسين بن محمد بن حسين بن حسين بن زيد المعروف بابن قاضي العسكر الأرموي نقيب الأشراف بديار مصر، وكاتب السر بحلب، عن اثنتين وستين سنة، بالقاهرة.
ومات الشريف بدر الدين محمد بن علي بن حمزة بن علي بن الحسن بن زهرة بن الحسن بن زهرة نقيب الأشراف بحلب.
ومات شمس الدين محمد بن عيسى بن محمد بن عبد الوهاب بن دويب الآمدي الدمشقي المعروف بابن قاضي شهبة، الأديب الماهر، خطيب مدينة غزة، وكاتب الإنشاء بدمشق.
ومات شمس الدين محمد بن مجد الدين عيسى بن محمود بن عبد الضيف البعلبكي المعروف بابن المجد الموسوي في سلخ صفر. وكان قد ابتلى في الوسواس بأمر شديد، حتى أنه كان إذا توضأ من فسقية المدرسة الصالحية بين القصرين لايزال به وسواسه إلى أن يلقى نفسه في الماء بثيابه ويغطس شتاءً وصيفاً، زعماً منه أنه لا يسبغ الوضوء ما لم يفعل هذا. وكان جميل المعاشرة حسن المحاضرة، لا تمل مجالسته.
وتوفي الشيخ جمال الدين عبد اللّه بن الزيلعي الحنفي، في حادي عشرين المحرم، برع في الفقه والحديث، وخرج أحاديث الهداية في الفقه على مذهب أبي حنيفة، وخرج أحاديث الكشاف للزمخشري في تفسير القرآن، وبين ما وصلت إليه قدرته من أسانيدها، فأحسن ما شاء.
وتوفي الشيخ جمال الدين خليل بن عثمان بن الزولي في حادي عشرين المحرم، كان شافعياً ثم صار حنفياً، وكان تيمي الاعتقاد حتى مات. ولي خطابة جامع شيخو وإمامته، وتدريس الحديث بالخانكاه الشيخونية. وكان لشيخو فيه اعتقاد جيد، وله به اختصاص. وكان عبداً صالحاً كثير السكون، يكتب الخط الجيد.
وتوفي الحافظ علاء الدين مُغْلطَاي بن قليج بن عبد الله البَكْخَري الحنفي المحدث.
وتوفي الشيخ المعمر أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الحنْبلي، أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، في المحرم بمدينة حبراص من الشام. قدم إلى القاهرة، وكان قوياً في ذات اللّه، جريئاً على الملوك، أبطل مظالم كثيرة، وصحب شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية فانتفع به. وكان متقشفاً، وله وجاهة عند الخاصة والعامة، لزهده وورعه وتقواه. ولما قدم على الناصر محمد بقلعة الجبل، قال له: يا شيخ ما جئتنا بهدية! فقال: نعم، جراب ملآن حيات وعقارب. وأخرج جراباً فيه قصص مظالم، فرسم السلطان بإجابته إلى جميع ذلك. وعاد إلى دمشق، فأمضى النائب بعضها ودافع في البعض.
وتوفي الفقيه المنشىء الكاتب كمال الدين أبو عبد اللّه محمد بن شرف الدين أحمد ابن يعقوب بن فضل بن طرخان الزينبي الجعفري العباسي الدمشقي الشافعي، بضواحي القاهرة، عن بضع وخمسين سنة، في ربيع الأول.
وتوفي الخواجا عز الدين حسين بن داود بن عبد السيد بن علوان السلامي التاجر، في رجب بدمشق، وقد حدث عن ابن النجاري وغيره.
ومات الأمير سيف الدين المهمندار حاجب الحجاب بدمشق، في شوال.
والأمير سيف الدين برناق، نائب قلعة دمشق في شعبان.
ومات محيى الدين أبو زكريا يحيى بن عمر بن الزكي بن أبي القاسم الشافعي قاضي الكرك، في أوائل ذي القعدة بالقدس، معزولاً.
وتوفي الشريف ثُقبة بن رُميثَة في شوال، وانفرد أخوه عَجلان بعده بإمارة مكة.
وفيها قتل صاحب فاس ملك المغرب السلطان أبو سالم إبراهيم، ابن السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق في ليلة الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة. وأقيم بعده أبو عمر تاشفين بن السلطان أبي الحسن.
سنة ثلاث وستين وسبعمائةفي شهر الله المحرم: تزوج الأمير يَلْبُغا الأتابك بخوند طولونية زوج السلطان حسن.
وفي يوم الإثنين سادس صفر: خلع على الأمير الطواشي سابق الدين مثقال الآنوكي، واستقر مقدم المماليك عوضاً عن شرف الدين مختص الطَقتمُري بعد وفاته.
وخرج السلطان والأمير يَلبغَا إلى الصيد بالجيزة.
واستدعى جماعة من الفقهاء إلى مخيم الأمير يَلْبُغَا، فعين طائفة منهم، وعرضهم على السلطان في يوم الخميس ثاني عشرين صفر، فخلع على برهان الدين إبراهيم بن علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخنائي محتسب القاهرة، واستقر في قضاء القضاة المالكية عوضاً عن أخيه تاج الدين بعد موته. وخلع على صلاح الدين عبد الله بن عبد اللّه بن إبراهيم البردمي المالكي مدرس المدرسة الأشرفية، واستقر في حسبة القاهرةْ عوضاً عن البرهان الأخنائي. وخلع على تاج الدين محمد بن بهاء الدين شاهد الجمالي، واستقر في نظر المارستان المنصوري عوضاً عن البرهان الأخنائي.
وخلع على الشيخ شرف الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عسكر البغدادي المالكي، واستقر في نظر الخزانة الخاص، عوضاً عن التاج الأخنائي. وعدوا النيل إلى القاهرة، فكان يوماً مشهوداً. ثم عاد السلطان إلى قلعة الجبل.؟؟؟ وفي يوم الخميس تاسع شهر رجب: خلع على الأمير طُغاى تَمُر النظامي، واستقر حاجب الحجاب عوضاً عن الأمير ألجاي اليوسفي. واستقر أُلجاي أمير جندار.
وفي سابع عشريه: نفي الأمير موسى بن الأزكشي إلى حماة بطالاً، واستقر عوضه أستادار الأمير أروس المحمودي.
وفي يوم الإثنين خامس شعبان: خلع على الأمير قشتمر النائب، واستقر في نيابة الشام عوضاً عن أمير على بحكم استعفائه. وخلع على الشيخ بهاء الدين أحمد بن التقي السبكي، واستقر في قضاء دمشق، عوضاً عن أخيه تاج الدين عبد الوهاب.
واستقر التاج في وظائف أخيه، وهي تدريس المدرسة المنصورية، والخانكاه الشيخونية، والمدرسة الناصرية بجوار قبة الإمام الشافعي، وإفتاء دار العدل. وقد استدعى إلى القاهرة لكثرة شكواه.
وفي ثامنه: أنعم على الأمير قَطْلَقتمُر العلاي الجاشنكير بتقدمة ألف.
وفي يوم الخميس خامس شوال: خلع على الأمير أَشَقتمر المارديني أمير مجلس، واستقر في نيابة طرابلس.
وخلع على الأمير طُغَاى تَمر النظامي واستقر أمير مجلس عوضاً عن أَشقتمر، وخلع على الأمير أَسنبغا بن البوبكري واستقر حاجب الحجاب.
وفيه استقر الأمير عز الدين أَيْدَمُر الشيخي في نيابة حماة. واستقر الأمير مَنكَلى بغا الشمسي في نيابة حلب، عوضاً عن قطلوبغا الأحمدي. واستقر الأمير أَسندمر الطازي في نيابة ملطية فأكثر من الغارات على بلاد الروم، وأسرهم وقتلهم، فبعث إلية الأمير محمد بن أَرتَنَا صاحب قيصرية الروم عسكراً مع ابن دُلغَادر، فكسبه وهو يتصيد فقاتله قتالاً شديداً، ونجا بنفسه إلى ملطية. فكتب السلطان والأمير يلبُغا بخروج عساكر دمشق وطرابلس وحماة وحلب بآلات الحرب والحصار، صحبة الأمير قطْلُوبغا نائب حلب. فخرج من دمشق خمسة آلاف فارس، ومن بقية البلاد الشامية سبعة آلاف فارس. وتوجه نائب حلب في اثني عشر ألفاً ومعه المجانيق والنقابون، وجميع ما يحتاج إليه، فشنوا الغارات على بلاد الروم، ثم عادوا بغير طائل.
وفيها استدعى أبو عبد اللّه محمد بن الخليفة المعتضد باللّه أبي بكر، في يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى، إلى قلعة الجبل، وجلس مع السلطان بالقصر، وقد حضر الأمراء فأقيم في الخلافة بعد وفاة أبيه، ولقب بالمتوكل على اللّه، وخلع عليه، وفوض له نظر المشهد النفْيسي. ليستعين بما يحمل إليه من النذور على حاله، وركب إلى منزله، فهنأه الناس بالخلافة.
وفيها استقر جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين أبي العباس أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفري في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن والده في جمادى الأولى.
واستقر صدر الدين أحمد بن عبد الظاهر بن محمد الدميري في قضاء المالكية بحلب، عوضاً عن الشهاب أحمد بن محمد بن ياسين الرياحي في صفر.
واستقر كمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القسم النويري في قضاء مكة، عوضاً عن تقي الدين أبي اليمن محمد بن أبى العباس أحمد بن قاسم الحرازي، بعد عزله.
وفيها استقر جمال الدين عبد اللّه بن كمال الدين محمد بن عماد الدين إسماعيل بن تاج الدين أحمد بن السعيد بن الأثير في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الكريم الحلبي، بعد وفاته.
وفيها اشتد البرد بدمشق. وخرج ركب الحاج من القاهرة صحبة الأمير طَيبغَا الطويل، أمير سلاح، وهو في تجمل عظيم، فوصلت إليه الإقامات إلى عرفة، حملها إليه الأمير يَلبغا وفيها خلع صاحب فاس ملك المغرب أبو عمر تاشفين بن السلطان أبي الحسن على ابن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق في محرم. وولى ملك المغرب بعد أبو زيان محمد ابن الأمير أبى عبد الرحمن بن السلطان أبي الحسن.
وفيها اشتد البرد ببلاد الشام، وجمدت المياه حتى ماء الفرات، ومر المسافرون عليه بأثقالهم، فرأوا منه منظراً عجيباً. وهذا الأمر لم يعهد في هذه الأعصار مثله.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانالخليفة المعتضد باللّه أبو الفتح، واسمه أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان ابن الحاكم بأمر اللّه أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي بن الحسن بن الخليفة الراشد بن المسترشد، في يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى ومدة خلافته عشرة أعوام. وحج سنة أربع وخمسين وسنة ستين. وكان يلثغ في حرف الكاف، وعهد إلى ابنه محمد قبل وفاته بقليل.
وتوفي السلطان أبو سالم إبراهيم بن أبي الحسن علي بن أبي سعيد عثمان بن أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس من بلاد المغرب. وكان من خبره أن أباه السلطان - أبا الحسن - أقامه أميراً، فقدم هو وأخوه إلى غرناطة من الأندلس في العشرين من جمادى الآخرة سنة اثنتين وخمسين، فأقاما بها إلى أن مات أبو عنان في سنة تسع وخمسين، وأقيم بعده ابنه السعيد في الملك، فخرج أبو سالم من غرناطة ليلاً، ولحق بأشبيلية وبها سلطان قشتالة فطرح نفسه عليه، فوعده ولم يف له، فاجتمع الناس على منصور بن سليمان بن منصور بن عبد الواحد بن يعقوب بن عبد الحق، ونازل البلد الجديد، فخرج أبو سالم من إشبيلية بغير طائل، ومضى إلى الإفرنس فانضم إليه طائفة وأخدْ مدينة أصيلا وطنجة، فتلاحقت به جيوش منصور بن سليمان، وقد اختل أمره ففر. فسار أبو سالم بمن معه ودخل دار الإمارة، يوم الخميس النصف من شعبان، سنة تسع وخمسين، فلم يختلف عليه أحد إلى أن كانت هذه السنة ثار عليه ثقته ودعا إلى أخيه تاشفين. ففر الناس عنه، وخرج ليلاً فأخذ وذبح، فاضطربت الأمور من بعده. وكان وسيماً بديناً كثير الحياء مؤثراً للجميل، له معرفة بالحساب والنجوم، ومحبة في الراحة.
وتوفي الأمير طاز في العشرين من ذي الحجة بالشام.
وتوفي الشريف شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن محمد بن الحسين بن محمد المعروف بابن أبى الركب، نقيب الأشراف بالقاهرة، وإليه تنسب المدرسة الشريفية بحارة بهاء الدين.
وتوفي أبوه شهاب الدين في شعبان، سنة اثنتين وستين.
وتوفي شمس الدين أبو إمامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم، المعروف بابن النقاش الشافعي، الفقيه المحدث، المفسر الواعظ، في يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول.
وتوفي أمين الدين محمد بن الجمال أحمد بن محمد بن محمد بن نصر اللّه بن المظفر ابن أسعد بن حمزة المعروف بابن القلانس التميمي الدمشقي، وكان أحد أعيان دمشق، وباشر بها وكالة بيت المال وقضاء العسكر، ودرس الفقه، ثم ولي كتابة السر مدة، وعزل عنها.
وتوفي قاضي القضاة المالكية، تاج الدين أبو عبد الله محمد بن علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران الأخنائي المالكي، في ثامن عشر صفر بالقاهرة.
وتوفي ناصر الدين محمد بن أبي القاسم بن حمل المعروف بابن التونسي، أحد نواب القضاة المالكية، في يوم الجمعة حادي عشر صفر بالقاهرة.
ومات ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الكريم بن أبي المعالي الحلبي الشافعي. ولي كتابة السر بحلب ودمشق، ثلاَثاً وعشرين سنة، ودرس، وقال الشعر.
وتوفي صلاح الدين عبد اللّه بن محمد بن كثير التاجر النحوي المعروف بابن المعزى بمكة، في ذي القعدة. أخذ النحو بالقاهرة عن أبي الحسن والد الشيخ سراج الدين عمر بن الملقن. وكان عبداً صالحاً.
وتوفي الأمير أَيْنَبَك أخو الأمير بَكتمُر الساقي.
وتوفي الصاحب الطواشي صفي الدين جوهر الزمردي بقوص في شعبان.
وتوفي فتح الدين يحيى بن عبد اللّه بن مروان بن عبد اللّه بن قمر بن الحسن الفارقي الأصل الدمشقي الشافعي، في ربيع الآخر بدمشق. ومولده في القاهرة سنة اثنتين وسبعين وستمائة. وقد حدث، وكان صالحاً، ثقة، ثبتاً.
وتوفي والده في صفر سنة ثلاث وسبعمائة.
وتوفي شمس الدين محمد بن مفلح بن محمد بن مفرح الدمشقي الحنبلي، في رجب بدمشق، ومولده بعد سنة سبعمائة، برع في الفقه وغيره، وصنْف كتاب الفروع، وهو مفيد جداً. والله أعلم.
سنة أربع وستين وسبعمائةفي المحرم: عدى السلطان والأمير يَلْبغا النيل إلى بر الجيزة، وخيم قريباً من الأهرام، وفي يوم الإثنين: رابع عشر صفر قدم قاضي القضاة بهاء الدين أحمد بن السبكي على البريد من دمشق، باستدعاء، فاجتمع بالسلطان والأمير يلبغا ثم عاد إلى القاهرة. وفي تاسع عشر شهر ربيع الأول: عاد السلطان من السرحة بالجيزة، ومعه الأمير يَلْبُغَا.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه: خلع على تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي وأعيد إلى قضاء دمشق، وخلع على أخيه بهاء الدين وأعيد إلى إفتاء دار العدل، وبقية وظائفه. وخلع على الأمير أَقتمُر عبد الغنى واستقر حاجب الحجاب، عوضا عن أسنبغا بن البوبكري.
وفي جمادى الأولى: فشت الطواعين والأمراض الحادة في الناس بالقاهرة ومصر وعامة الوجه البحري، وتزايد حتى بلغ في شهر رجب عدة من يموت في اليوم ثلاثة آلاف. ولم تزل الأمراض بالناس إلى شهر رمضان.
وقدم الخبر بوقوع الوباء بدمشق وغزة وحلب، وعامة بلاد الشام، فهلك فيه خلائق كثيرة جدًا وفي يوم الإثنين رابع عشر شعبان: اقتضى رأى الأمير يَلبغَا خلع السلطان فوافقه الأمراء على ذلك، فخلعوه من الغد لاختلال عقله، وسجنوه ببعض الدور السلطانية من القلعة، فكانت مدة سلطنته سنتين وثلاثة أشهر وستة أيام، لم يكن له سوى الاسم فقط
السلطان زين الدين أبو المعاليالسلطان الملك الأشرف زين الدين أبو المعالي شعبان بن الأمجد حسين بن الناصر محمد بن قلاوون ولي السلطنة وعمره عشر سنين، ولم يل أحد من بني قلاوون واًبوه لم يل السلطنة سواه. وكان من خبره أن الأمير يلبغا جمع الأمراء بقلعة الجبل كما تقدم، حتى اتفقوا على خلع السلطان المنصور. ثم بكروا في يوم الثلاثاء النصف من شعبان إلى القلعة وأحضروا الخليفة أبا عبد اللّه محمد المتوكل على اللّه وقضاة القضاة الأربع، وأعلموهم باختلال عقل المنصور وعدم أهليته للقيام بأمور المملكة، وأن الاتفاق وقع على خلعه فخلعوه، وأحضروا شعبان بن حسين وأفاضوا عليه خلعة السلطنة، ولقبوه بالملك الأشرف زين الدين أبي المعالي، وأركبوه بشعار السلطة، حتى جلس على تخت الملك وحلفوا له، وقبلوا الأرض على العادة. وكتب إلى الأعمال بذلك فسارت البرد في أقطار المملكة، وخلع على أرباب الوظائف.
وفي يوم الخميس ثالث عشرين رمضان: عزل قاضي القضاة موفق الدين الحنبلي نفسه من القضاء من أجل أن الأمير يَلبغَا استدعاه، فوافاه القاصد وهو نايم، فلم يتمهل عليه حتى ينتبه، بل أمر به فأيقظ وقد انزعج، فغضب لذلك، وعزل نفسه، وأبى أن يجيب القاصد أو يجتمع به، فشق ذلك على الأمير يَلبغَا. ومازال يرسل إليه ويترضاه حتى رضي. ثم استدعى في يوم الإثنين سابع عشرينه إلى مجلس السلطان، وخلع عليه وأعيد إلى وظيفة القضاء على عادته. واستقر الأمير مَنْكَلى بُغَا الشمسي في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير قَشْتَمُر. واستقر الأمير أَشَقتمر المارديني في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير سيف الدولة قطلوبغا الأحمدي بعد موته.
واستقر الأمير أَزْدَمر الخازندار في نيابة طرابلس، واستقر عوضه في نيابة صفد الأمير قَشْتَمُر المنصوري نائب الشام ومصر. واستقر الأمير عمر شاه في نيابة حماة. واستقر الأمير أحمد بن القَشَتمُري في نيابة الكرك، والأمير أَرَنبُغا في نيابة غزة. واستقر الأمير أَرْغون الأحمدي الخازندار لالا السلطان واستقر عوضه خازندار الأمير يعقوب شاه. واستقر الشريف بَكتمُر بن علي الحسني والي قطا في ولاية القاهرة، عوضاً عن الأمير علاء الدين علي بن الكوراني بحكم استعفائه. وولي الأمير علاء الدين علي بن الطشلاقي والي دمياط ولاية قطيا. واستقر خليل بن الزيني في ولاية الغربية، عوضاً عن عمر بن الكركَنْد، وهي ولايته الثالثة. واستقر قَشْتَمُر أستادار طَقَزْدَمُرْ في ولاية الجيزة، ثم عزل عن قريب بموسى بن الديناري. واستقر أحمد بن جميل والي الأشمونين ومقبل السيفي والي منوف عوضاً عن محمد بن عقيل، ومحمد بن السميساطي والي دمياط. واستقر الحسام المعروف بالدم الأسود أستادار أيتمش في ولاية الفيوم عوضاً عن محمد بن طغاى. واستقر فتح الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم ابن أبي الكرم محمد بن الشهيد في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن الجمال عبد اللّه بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن سعيد بن الأثير.
وفي هده السنة: توقفت زيادة ماء النيل في أيام زيادته مدة أيام، ثم نودي عليه في يوم السبت سابع ذي القعدة وسادس عشرين مسرى زيادة إصبع لتتمة سبعة عشر إصبعاً من ستة عشر ذراعاً. ثم نقص ثلث ذراع، وتوقفت الزيادة حتى انقضت أيام مسرى وبعدها أيام النسىء. ثم زاد في آخر أيام النسىء إصبعاً واحداً، واستمر حتى كان الوفاء في يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي القعدة. وفتح الخليج، فتمادت زيادته حتى انتهت إلى أربعة أصابع من ثمانية عشر ذراعاً، ثم انهبط فتحرك سعر الغلال.
وفيها فرق الأمير يلبغا كثيراً من الغلال والأموال في الفقهاء والصوفية. وولى من ذلك جانباً موفوراً للقاضي محب الدين ناظر الجيش، فارتفق الناس بهذه الصدقات بحيث استغنى منها جماعة.
وفيها استقر الأمير بَكتمُر مملوك طاز - أحد الطبلخاناه - في نيابة الرحبة .
ومات فيها من الأعيان الشريف غياث الدين أبو إسحاق إبراهيم بن صدر الدين حمزة العراقي، والد الشريف مرتضى ومات شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي، مفتي دار العدل بدمشق في سابع عشرين شهر رمضان. برع في الفقه على مذهب الإمام الشافعي، وشارك في عدة فنون، وأفتى ودرس وقدم القاهرة.
وتوفي الشيخ مجد الدين أبو الفدا إسماعيل بن يوسف بن محمد الكفتي شيخ القراءات، في نصف شعبان. قرأ على الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن نمير بن السراج، وعلي التقي الصايغ، ونجم الدين عبد الله الواسطي، وتصدر للإقراء بجامع أحمد بن طولون، وعليه قرأ التقي البغدادي وشيخنا فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن البلبيسي ومات بَكتمر أمير علم ومات جَرْكَس النوروزي أحد أمراء الطبلخاناه.
وتوفي الفقير المعتقد حسن بن مسلم المسلمي، المقيم بجامع الفيلة وكان يجاهد الفرنج من جهة طرابلس المغرب، ويقيم حاله وحال من معه من الفقراء المسلمين مما يكون من الغنايم. وكان عنده أسد قد رباه وساسه حتى صار بين فقرائه بمنزلة الهر في البيوت. فلما مات أخذ السباعون الأسد، فتوحش عندهم، وعاد إلى ما جبل عليه.
وتوفي أبو حاتم بن بهاء الدين أحمد بن السبكي وتوفي الشيخ صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك الصفدي في ليلة الأحد عاشر شوال بدمشق. برع في عدة فنون من أدب وتاريخ وغيره، وأكثر من قول الشعر وإنشاء الكتب والرسائل ونحوها. وألف كتبا كثيرة مفيدة، منها كتاب الوافي بالوفيات في التاريخ، كبير جدا، وكتاب أعوان النصر في أعيان العصر، جدد فيه ما شاء، وكتاب شرح لامية العجم، طول فيه كثيرًا، وملأه بفوائد جليلة، وغير ذلك، وكتب الإنشاء بالقاهرة ودمشق وباشر كتابة سر حلب قليلاً.
وتوفي تقي الدين أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الرحيم بن أبي سالم، بن مراجل الدمشقي، ناظر الدولة بديار مصر، ووزير دمشق.
ومات شمس الدين عبد اللّه بن يوسف بن عبد اللّه بن يوسف بن أبي السفاح بالقاهرة.
ومات شمس الدين عبد الرحمن بن الضياء المناوي، في تاسع عشرين جمادى الآخر، وهو شاب وتوفي زين الدين عمر بن الشرف عيسى بن عمر الباريني الحلبي الفقيه الشافعي بحلب ومات الشيخ عماد الدين محمد بن الحسين بن علي بن عمر الإسنوي الشافعي، في ثامن عشرين جمادى الآخر بالقاهرة، برع في الفقه والأصول، ودرس، وناب في الحكم، وصْنف ومات ناصر الدين أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن الربوة القونوى، ثم الدمشقي، الحنفي، الفقيه الخطيب، المفتي. شرح كتاب السراجية في الفرائض، والمنار في الأصول، ودرس وخطب بجامع يَلْبُغَا.
ومات الأمير سيف الدين قطلوبغا الأحمدى، نائب حلب بها.
ومات تقي الدين محمد بن أحمد بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات الشافعي النحوي، موقع الحكم، في يوم السبت تاسع عشرين جمادى الآخرة، بالقاهرة. برع في العربية، وانفرد بمعرفة التواقيع الحكمية.
وتوفي ناصر الدين محمد بن صلاح الدين عبد اللّه بن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل اللّه العمري، أحد أمراء دمشق وتوفي محدث الشام أمين الدين محمد بن أحمد بن علي الجوخي، في ليلة السبت حادي عشر رمضان. حدث عن الفخر علي، وزينب بنت كامل، وسمع الناس عليه مسند الإمام أحمد.
وتوفي خطيب دمشق جمال الدين محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة ، في يوم الإثنين العشرين من رمضان.
ومات يزدار أمير شكار، وجوهر المظفري اللالا، وجماعة كثير جدا.
وتوفي حسين بن محمد بن قلاوون، ليلة السبت رابع ربيع الآخر.
سنة خمس وستين وسبعمائة
في المحرم: أنعم على الأمير طَيْدَمر البالسي بتقدمة الأمير قَندس الناصري. وقد كف بصره. وأنعم على الأمير علي بن قندس الناصري بإمرة طبلخاناه. واستقر الأمير أَرْغُون التاجى أمير جندار حاجب طرابلس، واستقر الأمير ألطنبُغَا فرفور جاشنكيرا. عوضا عن مَنْكُوتَمُر عبد الغني، وقد استعفي. واستقر الأمير آسن قُجَا على بك الجوكندار في نيابة ملطية في ثالث صفر واستقر الأمير عمر بن أرغون النايب في نيابة صفد عوضًا عن قَشْتَمر المنصور. واستدعى قَشْتَمُر إلى القاهرة. وأنعم عليه بتقدمهْ عمر ابن أرغون النايب. واستقر الأمير طَيْنال المارديني والي القلعة عوضاً عن أَلْطنْبُغا الشمسي آنوك، وقد استعفي.
وأنعم السلطان على جماعة بإمريات طبلخاناه، منهم تَمُرقُبا العمري، ومحمد بن قمارى أمير شكار، وأَلْطنبُغَا الأحمدي، وأقبغا الصفدي.
وأنعم على كل من إبراهيم بن الأمير صرغتمش، وقَشتمُر العلاي طاجار من عوض، وأروس بغا الخليلي، ورجب بن كَلَفتَ التركماني، بإمرة عشرة.
واستقر الأمير قمارى الحموي في نيابة طرسوس. واستقر الأمير قَشْتَمُر القاسمي في نيابة سلمية عوضاً عن الأمير طنيرق. واستمّر عمر بن الكَركَند في ولاية الغربية عوضاً عن خليل بن الزيني. واستقر فخر الدين عثمان الشرفي في ولاية الأشمونين.
وفيها ارتفع سعر الغلال، فبلغ القمح أربعين درهماً الأردب، ووقع الموت في الأبقار بأرض مصر وإفريقية.
وفي المحرم: قدم بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى السبكى إلى القاهرة من دمشق، معزولاً عن قضاياها.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر: خلع على علاء الدين على بن سديد الدين أبي محمد عبد الوهاب بن الفخر عثمادْ بن محمد بن هبة الله بن علي بن إبراهيم بن حسين بن عبد العظيم بن عبد الكريم بن عبد اللّه بن سليمان، بن عبد الوهاب بن سليمان بن خالد بن الوليد المعروف بابن عرب، واستقر محتسب القاهرة، عوضا عن الصلاح عبد اللّه بن عبد اللّه البرلسي، بعد وفاته.
وفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر: خلع على بهاء الدين أبي البقاء، واستقر قاضى العسكر ووكيل الخاص، عوضاً عن التاج محمد بن عبد الحق المناوى بعد وفاته. وخلع على السراج عمر الهندي الحنفي، واستقر قاضي العسكر أيضًا. وخلع على الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصايغ الحنفي، واستقر في إفتاء دار العدل، وهو أول حنفي ولي إفتاء دار العدل. وخلع على الشيخ سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي، واستقر في إفتاء دار العدل أيضًا. وأمر هؤلاء الأربعة مع الشيخ بهاء الدين بن السبكي بحضور دار العدل في أيام الخدمة.
وفي شوال: خلع على أبي البقاء، واستقر في نظر الأوقاف ونيابة الحكم، مضافا لما بيده وقدمت رسل متملك سيس في طلب تخفيف الضريبة المقررة عليهم، فهلك ملكهم وهم بمصر، فعادوا بغير طائل.
وكثر الجراد بالشام حتى شنع، وأتلف الزروع، فغلت الأسعار حتى بلغت الغرارة القمح بدمشق ماية وثمانين درهماً، ثم انحطت إلى مائة وعشرة دراهم، وفشت الطواعين والأمراض الحادة في الناس بدمشق. وفتح الأمير منكلى بغا الشمسي نائب الشام باب كيسان من مدينة دمشق بعد ما أقام مغلوقا زيادة على مائتي عام، منذ أيام الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي وعقد عليه قبوا كبيرًا، ونصب له جسرًا يمر الناس عليه، وأنشأ هناك جامعًا.
وفيها برز مرسوم السلطان.بمنع الوكلاء الذين. بمجالس القضاة.بمصر والشام لكثرة خداعهم ومكرهم وتحذلقهم فى تنوع الشرور.
وفيها حفر الأمير يَلبغَا الأتابك ترعة استجدها، من البدرشين بالجيزية، فكثر النفع بها.
وفى ثامن عشرين ذي الحجة: السلطان الملك الأشرف زين الدين أبو المعالي شعبان بن الأمجد حسين بن الناصر محمد بن قلا استقر الأمير قَطْلُبَك والأمير منوف.
ومات فى هذه السنة من الأعيانشهاب الدين أحمد بن الجمال محمد بن عمر بن أحمد بن هبة اللّه بن محمد بن هبة الّله بن أحمد بن يحيى بن أبى جرادة العقيلى الحلبى، المعروف بابن العديم الحنفْى، نائب شيزر، عن بضع وستين سنة.
وتوفي قاضى حماة نجم الدين عبد الرحيم بن شمس الدين إبراهيم بن هبة ا للّه بن عبد الرحيم بن اٍ براهيم بن المسَلْم بن هبة اللّه بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد بن البارزى الجهنى الحموى الشافعى، بعد ما أقام قاضيا شيئًا وعشرين سنة.
ومات الأمير قُطْلُوئغا الأحمدى. تقدم ذكره فى السنة التى قبلها، وهو نْائب حلب. ومات القاضى تاج الدين أبو عبد اللّه محمد بن بهاء الدين إسحاق بن إبراهيم ا!سَلَمى الممناوى الشافْعى، خْليفهْ الحكم، وقاضي العسكر، ووكيل الخاص في يوم الجمعهْ سادس ربيع الآخر، ودفن بالقرافة.
وتوفى صلاح الدين عبد ا للّه بن عبد ا للّه بن اٍبراهيم البرلسى المالكى، محتسب القاهرة، يوم الخميس خامس عشرين صفر، ودفن بالقرافة، وبيعت كتبه.بمائة ألف درهم ونيف. وفى حسبته أمر الموًذنين أن يقولوا مع قولهم فى ليالي الجمعة بعد أذان عشاء الآخرة، وفي السلام قبل الفجر السلام عليك يا رسول ا للّه، الصلاهْ والسلام عليك يا رسول ا لله . فاستمر ذلك.
وتوفى فتح الدين أبو عبد ا للّه محمد بن محمد بن أبى الحسن القلانسى الحنبلى. عاقد الأنكحة. فى ليلة الجمعة، رابع جمادى الأولى، عن سن عالية، وقد حدث بعلو إسناد عن جماعهَ.
وتوفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن إسحاق بن أحمد بن أسد بن قاسم المعروف بابن الحاج النميري الغرناطي، قدم إلى القاهرة حاجاً، وكتب الإنشاء بغرناطة وبجاية وقال الشعر.
وتوفي قاضي مكة، تقي الدين محمد بن أحمد بن قاسم العمري الحرازي الشافعي، معزولاً ومات الأمير أقبغا بوذ السيفي، أحد رءوس النوب.
ومات الأمير أرغون التاجي، أحد الطبلخاناه.
وتوفيت خوند طولباى التركية عتيقة السلطان حسن، وامرأة الأمير يلبغا الأتابك، في رابع عشرين ربيع الآخر، ودفنت بتربتها خارج باب البرقية.
وتوفي الملك الصالح صالح بن المنصور نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن أرسلان بن إيلغازى بن ألبى بن تمرداش بن إيلغازى بن أرتق. متملك ماردين ، فلما قدم الخبر بوفاته جهزت الخلعة بالسلطنة لولده الملك المنصور حسام الدين أحمد. وكان قد ملك أربعاً وخمسين سنة.
ومات بالمدينة النبوية الحافظ عفيف الدين أبو السيادة عبد اللّه بن محمد بن أحمد بن خلف المطري، في سادس عشرين ربيع الأول. واللّه تعالى أعلم.
سنة ست وستين وسبعمائةفي المحرمك استعفى الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي من وكالة بيت المال. حنقا من الوزير فخر الدين بن قزوينة، فأعفي، وخلع على علاء الدين علي بن عرب. واستقر عوضه في الوكالة والكسوة، مضافا إلى حسبة القاهرة.
وفيه خلع على شمس الدين محمد بن علي بن أبي رقيبة، واستقر في حسبة مدينة مصر والوجه القبلي، عوضاً عن بهاء الدين بن المفسر بعد عزله.
وفي رجب استقر الأمير جرجى الإدريسي أمير آخور في نيابة حلب، عوضاً عن أشقتمر المارديني.
وفي عشرين صفر: استقر جمال الدين محمد بن السراج أحمد بن مسعود القونوي - المعروف بابن السراج الحنفي - في قضاء الحنفية بدمشق، عوضا عن الجمال يوسف الكفري.
وفيها أسلم الشمس أبو الفرج المقسي وتسمى عبد الله، ولقب شمس الدين، واستقر مستوفي المماليك، ثم نقل إلى استيفاء الخاص.
واستقر الأمير يعقوب شاه أمير آخور عوضاً عن الأمير جرجى نائب حلب، بإمرة طبلخاناه وأنعم على كل من قَطلَوبُغا البلاني، وكمُشْبغا الحموي، وجنغرا السيفي، وأقبغا الجوهري بإمرة طبلخاناه، وعلى كل من سلجوك الرومي، وأروس السيفي، وسُنْقر السيفي بإمرة عشرة واستقر حسام الدين حسن بن علاء الدين علي بن ممدود الكوراني في ولاية المنوفية، عوضاً عن قَطْلُبَك السيفي، واستقر حسن بن الحرامي في ولاية قوص عوضاً عن بَكتمُر العلمي.
وفي أول شهر بيع الأول: قدم التاج عبد الوهاب بن السبكي قاضي دمشق إلى القاهرة، ثم عاد في عاشر جمادى الآخر إلى محل ولايته بدمشق.
وقدم الخبر بغلاء الأسعار بمكة، حتى بيعت الغرارة القمح - وهي مائة قدح مصري - بأربعمائة درهم وثمانين درهماً، وعز وجود الأقوات بها فهلك جماعة كثيرة جوعاً، ونزع أكثر أهلها عنها، فجهز الأمير يلبغا الأتابك في جمادى الأولى إلى مكة ألفي أردب قمحاً، وواصل الإرسال حتى حمل من مصر إليها اثني عشر ألف أردب. فرقت كلها في الناس، فعم النفع بها.
وكتب مرسوم بإسقاط ما يؤخذ من مكس الحاج بمكة، فيما يحمل إليها من البضائع، خلا مكس الكارم تجار اليمن، ومكس الخيل، ومكس تجار العراق، وعوض أمير مكة عن ذلك إقطاعاً. بمصر، وحمل إليه مبلغ أربعين ألف درهم فضة، عنها يومئذ نحو الألفي مثقال ذهباً.
واستقو آل ملك السيفي في ولاية الشرقية. وفخر الدين عثمان الشوفي ولاية البهنسا عوضاً عن الشهاب أحمد بن جميل. واستقر ابن جميل في ولاية الأشمونين. واستقر شمس الدين بن الديناري في ولاية الفيوم عوضاً عن علاء الدين العمري.
وفي يوم الإثنين سادس عشر جمادى الآخرة: عدى قاضي القضاة عز الدين بن جماعة النيل إلى بر الجيزة، وقد خيم بها السلطان على العادة، بكوم برا، وسأل الأمير يلبغا في إعفائه من القضاء، وتشفع إليه بمصحف معه، وعزل نفسه. وقام، وقد أقر الأمير يلبغا نواب الحكم على حالهم. فلما عدى السلطان النيل، وصعد القلعة في يوم الخميس تاسع عشره، وجه الأمير يلبغا بالأمير جرجي أمير آخور إلى ابن جماعة يدخل عليه في عوده إلى وظيفة القضاء، فامتنع غاية الامتناع. فبعث إليه بكاتب السر علاء الدين علي بن فضل اللّه فلم يجبه أيضاً. فركب الأمير يلبغا بنفسه في يوم السبت حادي عشرينه، وأتاه إلى منزله بالجامع الأقمر وألح في سؤاله وهو يمتنع. فلما أيس منه سأله أن يعين من يصلح، فأشار بولاية أبي البقاء، ثم صلى وراءه المغرب وانصرف. فاستدعى في يوم الإثنين ثالث عشرينه بأبي البقاء، وفوض إليه السلطان قضاء القضاة، عوضاً عن ابن جماعة، وخلع عليه، وأضاف إليه نظر وقف الأشراف وخلع معه على بهاء الدين أحمد بن السبكي واستقر في قضاء العسكر عوضاً عن أبى البقاء. وخلع على تاج الدين محمد بن بهاء الدين، واستقر في وكالة الخاص زيادة على ما بيده من نظر المارستان.
وفي يوم الخميس سادس عشرينه: خلع على عز الدين بن جماعة، واستقر في نظر جامع أحمد بن طولون، وتدريس الفقه، وتدريس الحديث به، ورتب له على بيت المال في كل شهر ألف درهم.
وفي أول شهر رجب: عزل فخر الدين أبو جعفر محمد بن الكُويك عن نظر الأحباس، واستقر عوضه ناصر الدين محمد القرشي موقع الدست.
وفي سابعه: استقر الأمير قُطلو أقتمر العلاى أمير جاندار في نيابة صفد، عوضاً عن الأمير عمر بن أرغون النائب، وأنعم على عمر بإمرة قُطلو أقتمر.
وفي حادي عشره: استقر الأمير أينال اليوسفي أمير جاندار.
واستقر ألطُنبغا البُشْتكي في نيابة غزة، عوضاً عن أربغا الكاملي.
واستقر الأمير جمال الدين عبد الله بن بَكتمُر الحاجب في نظر المشهد النفيسي، عوضاً عن الخليفة.
وأنعم على الأمير شعبان بن الأمير يلبغا الأتابك بتقدمة ألف.
وفي شهر رمضان: استقر الأمير أزدمر نائب طرابلس في نيابة صفد، عوضاً عن قطلو أقتمر.
واستقر الأمير قشْتَمُر المنصوري في نيابة طرابلس.
وأنعم على الأمير أَسَندمُر المظفري بتقدمة ألف.
وفي سادس عشرين شوال: استقر الأمير عبد اللّه بن بَكتمر الحاجب أمير شكار، عوضاً عن الأمير ناصر الدين محمد بن ألجيبغا. واستقر أَسَنْدمُر حرفوش حاجباً، عوضاً عن عبد الله بن بَكتمر.
وفي آخر ذي القعدة: استقر الأمير مَنْجَك اليوسفي في نيابة طرسوس، عوضاً عن قمارى الحموي، بعد وفاته.
وفيها توجه نائب حلب بالعسكر إلى نجدة ناصر الدين محمد بن باك بن أرتنا، وتوجه عز الدين عبد العزيز بن جماعة إلى مكة، صحبة الركب، وجاور بها.
وقدم السلطان حلى عبد الحكيم من المغرب فاراً، فأنعم السلطان عليه وأجرى له الرواتب السنية، فتزوج بإتفاق الصالحية امرأة الصاحب موفق الدين هبة اللّه بن إبراهيم، وتوجه حاجاً صحبة الركب في تجمل زايد. وتوجه أيضاً إلى الحج الأمير صلاح الدين خليل بن عرام متولي الإسكندرية، واستناب عنه في الثغر الأمير جنغرا، وكان أمير الحاج محمد بن قُندس
وفيها لخمس وعشرين من ذي القعدة قدم البريد من ناحية المشرق إلى دمشق بقماقم فيها ماء من عين هناك، من خاصيته أن يتبعه طير يسمى السمرمر، في قدر الزرزور ولونه، وفيه ريش أصفر، يأكل الجراد. فعلق بطارمة القلعة، وبمأذنة العروس وقبة النصر من الجامع الأموي، وكان الجراد قد كثر بأعمال دمشق، وأضر بمزارعها، فبعث الأمير منكلى بغا الشمسي نائب الشام لإحضار هذا الماء. فلما جيء به وعلق كثر السمرمر بدمشق، وأفنى ما كان الجراد هناك، حتى لم يبق منه شيئاً وأقامت قماقم الماء معلقة بتلك الأماكن إلى أن جف ما فيها، والطير موجود.
ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكرالشريف شمس الدين حسن بن محمد بن حسن بن علي بن حسن بن زهرة بن حسن بن زهرة الحسني، نقيب الأشراف بحلب.
ومات شمس الدين محمد بن عبد الهادي الفوَّى الفقيه الشافعي في يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى، وقد تصدر للتدريس.
وتوفي قطب الدين محمد بن محمد الرازي المعروف بالقطب التحتاني، بدمشق وقد أناف على الستين. وبرع في المنطق والنحو، وصنف شرح الشمسية والمطالع وحواشي على الكشاف، وغير ذلك.
وتوفي زين الدين محمد بن سراج الدين عمر بن محمود، المعروف بابن السراج الحنفي، أحد نواب الحكم بالقاهرة، في يوم السبت العشرين من ذي القعدة، عن بضع وسبعين سنة. وكان يحفظ الهداية في الفقه، ودرس وأعاد.
وتوفي بدر الدين محمد بن قطب الدين محمد بن محمد بن منصور، المعروف بابن الشامية، موقع الحكم، في يوم السبت ثاني شهر رمضان.
وتوفي شرف الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر المزي الدمشقي الحريري، بمصر، في شعبان، حدث عن سليمان بن حسن، والقاسم بن عساكر، وأبى نصر الشيرازي.
وتوفي قاضي القضاة الحنفية بدمشق، جمال الدين يوسف بن شرف الدين أحمد بن الحسين بن سليمان بن فزارة الكفري، الحنفي. كان بارعاً في الفقه والعربية، عارفاً بالأحكام.
ومات الأمير قمارى الحموي الحاجب. وهو على نيابة طرسوس، بها.
ومات الأمير آسن قجا بن عبد الله من على بك، أحد أمراء الطبلخاناه، بعد ما ولى نيابة البيرة ثم نيابة طرسوس، وبها مات.
وتوفي أبو محمد عبد السلام بن سعيد بن عبد العال القيرواني المالكي، بالمدينة النبوية. وكان قد برع في الفقه، ودرس زمانا.
وتوفي المسند شمس الدين أبو عبد اللّه محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن يعقوب بن إلياس، الأنصاري، الخزرجي، البياني المقدسي، الدمشقي، الشاهد عرف بابن إمام الصخرة، في تاسع عشرين ذي القعدة بالقاهرة. ومولده سنة ست وثمانين وستمائة. حضر على زينب بنت مكي في الثانية، وعلى الفخر بن البخاري. وابن القواس وغيرهم في الثالثة. وسمع من ابن عساكر وطائفة، وحدث، وخرج له ابن رافع مشيخة حدث بها.
سنة سبع وستين وسبعمائةفي المحرم: ولى قاضي القضاة زين الدين عمر بن عبد الرحمن البسطامي الحنفي خطابة جامع شَيْخُو خارج القاهرة، بعد وفاة شهاب الدين أحمد بن الشرف.
وفيه سرح السلطان على العادة إلى سرياقوس. وتوجه الأمير يلبغا الأتابك إلى بر الصيد بالعباسة فورد البر في يوم السبت رابع عشرينه. بمنازلة الفرنج الإسكندرية، وأنهم قدموا يوم الأربعاء حادي عشرينه. فسرح الطائر بذلك إلى الأمير يلبغا، فتوهم أن تكون هذه مكيدة يكاد بها، فبادر ودخل إلى داره خارج القاهرة، وتبعه السلطان، فصعد القلعة في يوم الأحد خامس عشرينه. فلما تحقق الأمير يلبغا الخبر، عدى النيل من ساعته إلى البر الغربي، وتلاحق به أصحابه، ونودي بالقاهرة: من تأخر من الأجناد غداً حل دمه وماله فخرج الناس أفواجاً، وسار السلطان بعساكره إلى الطرانة، وقدم عسكراً عليه الأمير قطلوبغا المنصوري والأمير كوكنداي، والأمير خليل بن قوصون ليدركوا أهل الثغر فقدر الله تعالى في ذلك أن أهل الثغر كان قد بلغهم منذ أشهر إهتمام الفرنج بغزوهم، فكتب بذلك الأمير صلاح الدين خليل بن عرام - متوفي الثغر - إلى السلطان والأمير يلبغا، فلم يكن من الدولة اهتمام بأمرهم. فلما توجه ابن عرام إلى الحج، واستناب عنه في الثغر الأمير جنغرا - أحد أمراء العشرات - وجاء أوان قدوم مراكب البنادقة من الفرنج لاح للناظور عدة قلاع في البحر. ثم قدم في عسكره يوم
الأربعاء حادي عشرينه إلى الميناء، ثمانية أغربة، وتلاها من الأغربة والقراقر ما بلغت عدتها ما بين سبعين إلى ثمانين قطعة. فأغلق المسلمون أبواب المدينة، وركبوا الأسوار بآلة الحرب، وخرجت طائفة إلى ظاهر البلد، وباتوا يتحارسون. وخرجوا بكرة يوم الخميس يريدون لقاء العدو، فلم يتحرك الفرنج لهم طول يومهم، وليلة الجمعة. فقدم بكرة يوم الجمعة طوايف من عربان البحيرة وغيرهم، ومضوا جهة المنار، وقد نزل من الفرنج جماعة في الليل بخيولهم، وكمنوا في الترب التي بظاهر المدينة. فلما تكاثر جمع المسلمين من العربان، وأهل الثغر، عند المنار، برز لهم غراب إلى بحر السلسلة، حتى قارب السور، فقاتله المسلمون قتالاً شديداً، قتل فيه عدة من الفرنج، واستشهد جماعة من المسلمين. وخرج إليهم أهل المدينة وصاروا فرقتين، فرقة مضت مع العربان، نحو المنار، وفرقة وقفت تقاتل الفرنج بالغراب. وخرجت الباعة والصبيان وصاروا في لهو، وليس لهم اكتراث بالعدو. فضرب الفرنج عند ذلك نفيرهم. فخرج الكمين وحملوا على المسلمين حملة منكرة. ورمى الفرنج من المراكب بالسهام، فانهزم المسلمون، وركب الفرنج أقفيتهم بالسيف. ونزل بقيتهم إلى البر فملكوه، بغير مانع وقدموا مراكبهم إلى الأسوار، فاستشهد خلق كثير من المسلمين، وهلك منهم في الازدحام عند عبور باب المدينة جماعة، وخلت الأسوار من الحماة، فنصب الفرنج سلالم ووضعوا السور، وأخذوا نحو الصناعة، فحرقوا ما بها، وألقوا النار فيها، ومضوا إلى باب السدرة، وعلقوا الصليب عليه، فانحشر الناس إلى باب رشيد، وأحرقوه، ومروا منه على وجوهم، وتركوا المدينة مفتوحة بما فيها للفرنج، وأخذ الأمير جنغرا ما كان في بيت المال، وقاد معه خمسين تاجراً من تجار الفرنج كانوا مسجونين عنده، ومضى هو وعامة الناس، إلى جهة دمنهور، فدخل وقت الضحى من يوم الجمعة، ملك قبرص - واسمه ربير بطرس بن ريوك - وشق المدينة وهو راكب، فاستلم الفرنج الناس بالسيف، ونهبوا ما وجدوه من صامت وناطق، وأسروا وسبوا خلائق كثيرة، وأحرقوا عدة أماكن، وهلك في الزحام، بباب رشيد، ما لا يقع عليه حصر، فأعلن الفرنج بدينهم، وانضم إليهم من كان بالثغر من النصارى، ودلوهم على دور الأغنياء، فأخذوا ما فيها، واستمروا كذلك، يقتلون، ويأسرون، ويسبون، وينهبون، ويحرقون، من ضحوة نهار الجمعة إلى بكر نهار الأحد، فرفعوا السيف، وخرجوا بالأسرى والغنايم إلى مراكبهم، وأقاموا بها إلى يوم الخميس ثامن عشرينه، ثم أقلعوا، ومعهم خمسة آلاف أسير، فكانت إقامتهم ثمانية أيام. وكانوا عدة طوائف، فكان فيهم من البنادقة أربعة وعشرون غراباً، ومن الجنوية غرابين، ومن أهل رودس عشرة أغربة، والفرنسيس في خمسة أغربة، وبقية الأغربة من أهل قبرص. وكان مسيرهم، عند قدوم الأمير يلبغا بمن، معه، فلما قدم عليه الأمير قطلوبغا المنصوري، لم يجد معه سوى عشرين فارساً، وعليه، إقامة مائة فارس، فغضب عليه، ووجد الأمر قد فات، فكتب بذلك إلى السلطان، فعاد إلى القلعة، وبعث بابن عرام، نائب الإسكندرية على عادته، بأمر الأمير يلبغا. بموارة من استشهد من المسلمين، ورم ما احترق، وغضب على جنغرا وهدده، وعاد فأخذ في التأهب لغزو الفرنج. وتتبعت النصارى، فقبض على جميع من بديار مصر، وبلاد الشام وغيرهما من الفرنج، وأحضر البطريق والنصارى، وألزموا بحمل أموالهم، لفكاك أسرى المسلمين من أيدي الفرنج، وكتب بذلك إلى البلاد الشامية، وتتبعت ديارات النصارى، التي بأعمال مصر كلها، وألزم سكانها بإظهار أموالهم وأوانيهم، وعوقبوا على ذلك. فكانت هذه الواقعة، من أشنع ما مر بالإسكندرية من الحوادث، ومنها اختلت أحوالها، واتضع أهلها، وقلت أموالهم، وزالت نعمهم. وكأن الناس في القاهرة، منذ أعوام كثيرة، تجرى على ألسنتهم جميعاً: في يوم الجمعة تؤخذ الإسكندرية، فكان كذلك. ومر بمن خرج من الإسكندرية في وقت الهزيمة، من العربان بلاء لا يوصف.
ولما استقر الأمير يلبغا، بعد عوده من الإسكندرية، أشار بالقبض على الأمير قطلوبغا المنصوري، فقبض عليه، ونفي إلى الشام. وأنعم على الأمير أرغون الأزقي، بتقدمته. واستقر الأمير يعقوب شاه اليحياوي حاجباً، عوضاً عن قطلوبغا المنصوري. واستقر الأمير طشتمر الحسني، أمير آخور، عوضاً عن يعقوب شاه.
وأخذ الأمير يلبغا، في تجهيز مولاي حلى، بعد عوده من الحج، للسفر إلى بلاده وخلع عليه السلطان فرجية حرير أطلس أحمر، من تحتها تحتانية أطلس أصفر، وعلى الفرجية تركيبة زركش، وطوق بعنبرانية. وألبس طرحة عن عمامته، وقلد بسيف محلى بالذهب في يوم الخميس، ثامن عشرين صفر. وسافر، فمات على تروجة، في أوائل شهر ربيع الأول.
وفيه قدم تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي قاضي دمشق باستدعاء. وقد شُكى، وأمر بالكاف عليه.
وقدم الخبر بكثرة فساد أولاد الكنز ، وطائفة العكارمة بأسوان، وسواكن وأنهم منعوا التجار، وغيرهم من السفر، لقطعهم الطريق، وأخذهم أموال الناس. وأن أولاد الكنز قد غلبوا على ثغر أسوان، وصحرا عيذاب وبرية الواحات الداخلة.
وصاهروا ملوك النوبة، وأمراء العكارمة، واشتدت شوكتهم. ثم قدم ركن الدين كرنبس من أمراء النوبة، والحاج ياقوت ترجمان النوبة، وأرغون مملوك فارس الدين، برسالة متملك دمقلة، بأن ابن أخته خرج عن طاعته، واستنجد ببني جعد من العرب، وقصدوا دمقلة فاقتتلا قتالاً كثيراً، قتل فيه الملك وانهزم أصحابه. ثم أقاموا عوضه في المملكة أخاه، وامتنعوا بقلعة الدو فيما بين دمقلة وأسوان. فأخذ ابن أخت المقتول دمقلة، وجلس على سرير المملكة، وعمل وليمة، جمع فيها أمراء بني جعد وكبارهم، وقد أعد لهم جماعة من ثقاته، ليفتكوا بهم، وأمر فأخليت الدور التي حوال دار مضيفهم، وملأها حطباً. فلما أكلوا وشربوا، خرجت جماعة بأسلحتهم، وقاموا، على باب الدار، وأضرم آخرون النار في الحطب، فلما اشتعلت، بادر العربان بالخروج من الدار، فأوقع القوم بهم، وقتلوا منهم تسعة عشر أمير في عدة من أكابرهم. ثم ركب إلى عسكرهم، فقتل منهم مقتلة كبيرة، وانهزم باقيهم، فأخذ جميع ماكان معهم واستخرج ذخائر دمقلة وأموالها، وأخلاها من أهلها. ومضى إلى قلعة الدو، وسألا أن ينجدهما السلطان، على العرب، حتى يستردوا ملكهما، والتزم بحمل مال في كل سنة إلى مصر. فرسم بسفر الأمير أقتمر عبد الغني، حاجب الحجاب، ومعه، الأمير ألجاي أحد أمراء الألوف وعشرة أمراء عشرات، وثمانية أمراء طبلخاناه منهم أمير خليل بن قوصون، وأسندمر حرفوش الحاجب، ومنكوتمر الجاشنكير، ودقماق بن طغنجى، ويَكتمر شاد القصر، وأمير موسى بن قرمان، وأمير محمد بن سرطقطاى، في عدة من المماليك السلطانية، وأخذوا في تجهيزهم من سادس عشر شهر ربيع الأول. وساروا في رابع عشرينه، وهم نحو الثلاثة آلاف فارس، فأقاموا بمدينة قوص ستة أيام، واستدعوا أمراء أولاد الكنز من ثغر أسوان ورغبوهم في الطاعة، وخوفوهم عاقبة المعصية، وأمنوهم. ثم ساروا من قوص، فأتتهم أمراء الكنوز طائعين عند عقبة أدفو، فخلع عليهم الأمير أَقتمر عبد الغني وبالغ في إكرامهم. ومضى بهم أسوان، فخيم بظاهره من البر الغربي، أربعة عشر يوماً، نقل ما كان مع العسكر في المراكب من الأسلحة وغيرها على البر، حتى قطعت الجنادل إلى قرية بلاق فأكمل نقل الأسلحة، والغلال، وغير ذلك، وطلعت المراكب من الجنادل، وأصلح ما فسد منها في طلوعها من الجنادل، وصارت من وراء الجنادل، وشحنت بالأسلحة والغلال، وبقية الأزواد، والأمتعة، ومرت في النيل. وسارت العساكر، تريد النوبة، على محازاتها في البر، يوماً واحداً، وإذا برسل متملك النوبة قد لاقتهم، وأخبروهم بأن العرب قد نازلوا الملك، وحصره بقلعة الدوه فبادر الأمير أقتمر عبد الغني لانتقاء العسكر، وسار في طائفة منهم جريدة، وترك البقية مع الأثقال. وجد في سيره، حتى نزل بقلعة أبريم، وبات بها ليلته، وقد اجتمع بملك النوبة، وعرب العكارمة، وبقية أولاد الكنز، ووافاه بقية العسكر. فدبر مع ملك النوبة على أولاد الكنز، وأمراء العكارمة، وأمسكهم جميعاً. وركب متملك النوبة في الحال، ومعه طائفة من المماليك. ومضى في البر الشرقي إلى جزيرة ميكائيل، حيث إقامة العكارمة. وسار الأمير خليل بن قوصون في الجانب الغربي، ومعه طائفة، فأحاطوا جميعاً بجزيرة ميكائيل عند طلوع الشمس، وأسروا من بها من العكارمة، وقتلوا منهم عدة بالنشاب والنفط. وفر جماعة نجا بعضهم، وتعلق بالجبال وغرق أكثرهم. وساق بن قوصون النساء والأولاد، والأسرى والغنائم، إلى عند الأمير أَقتمر، ففرق عدة من السبي في الأمراء، وأطلق عدة، وعين طائفة للسلطان. ووقع الاتفاق على أن يكون كرسي ملك النوبة بقلعة الدو، لخراب دمقلة، كما مر ذكره، ولأنه يخاف من عرب بني جعد أيضاً إن نزل الملك بدنقلة أن يأخذوه فكتب الأمير أقتمر عبد الغني محضراً برضاء ملك النوبة بإقامته بقلعة الدو، واستغنائه عن النجدة، وأنه أذن للعسكر في العود إلى مصر. ثم ألبسه التشريف السلطاني، وأجلسه على سرير الملك بقلعة الدو، وأقام ابن أخته بقلعة أبريم. فلما تم ذلك جهز ملك النوبة هدية للسلطان، وهدية للأمير يَلْبُغا الأتابك، ما بين خيل، وهجن، ورقيق، وتحف. وعاد العسكر ومعهم أمراء الكنز، وأمراء العكارمة في الحديد. فأقاموا بأسوان سبعة أيام، ونودى فيها بالأمان والإنصاف من أولاد الكنز. فرفعت عليهم عدة مرافعات، فقبض على عدة من عبيدهم
ووسطوا. ورحل العسكر من أسوان، ومروا إلى القاهرة، فقدموا في ثاني شهر رجب، ومعهم الأسرى، فعرضوا على السلطان، وقيدوا إلى السجن، وخلع على الأمير عبد الغني، وقبلت الهدية.ا. ورحل العسكر من أسوان، ومروا إلى القاهرة، فقدموا في ثاني شهر رجب، ومعهم الأسرى، فعرضوا على السلطان، وقيدوا إلى السجن، وخلع على الأمير عبد الغني، وقبلت الهدية.
وفيها حدثت وحشة بين السلطان أويس متملك بغداد وتوريز، وبين نائبه ببغداد، خواجا مرجان، فعصى عليه مرجان، وخطب ببغداد للسلطان الملك الأشرف. وبعث رسله بذلك، فقدموا في أوائل جمادى الأولى، ومعهم كتابه بأنه قد خلع أويس، وأقام الخطبة، وضرب السكة باسم السلطان الأشرف، وأخذ له البيعة على الناس ببغداد، وعزم على محاربة أويس وأنه نائب السلطان ببغداد، إن نصره اللّه عليه، وإن تكن الأخرى قدم إلى أبواب السلطان. فأكرمت رسله، وجهز له تشريف جليل وأعلام خليفتية وأعلام سلطانية، وكتب له تقليد بنيابة بغداد، وجهز أيضاً عدة خلع لأمرائه وأكابر دولته، وخلع على رسله، وأعيد.
وفي يوم الخميس ثالث عشره: خلع على تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي وأعيد إلى قضاء دمشق على عادته، وسافر في ثالث عشرينه، وهذه ولايته الثالثة.
وفي هذه المدة: اهتم الأمير يَلْبُغا الأتابك بعمل الشواني البحرية لغْزو الفرنج، فجمع من الأخشاب والحديد والآلات ما يجل وصفه، وشرع النجارون في عملها بجزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطى، وتولى عملها الوزير فخر الدين ماجد بن قزوينة، فقام في ذلك أتم قيام، وبذل همته، وأستفرغ وسعه، وتصدى له ليلاً ونهاراً، واستقر شاد العمل الأمير علاء الدين طيبغا العلاي أستادار الأمير يلبغا، وناظر العمل بهاء الدين بن المفسر، فقدم للعمل مائة شيني، ما بين غراب وطريدة، برسم حمل الخيل، فكان أمراً مهولاً. ونودي بالقاهرة ومصر بحضور البحارة والنفاطة، ومن يريد الجهاد في سبيل الله، إلى بيت الأمير يلبغا الأتابك للعرض وأخذ نفقة للسفر في المراكب. فاجتمع عدة من المغْاربة رجال البحر، وكتبت أسماؤهم، وقررت لهم المعاليم، وأقيمت لهم نقباء، وقاموا في مساعدة صناع المراكب. وكتب إلى طرابلس، ونحوها من بلاد الساحل، بإنشاء مراكب حربية، وجمع رجالها، فكان عملاً جليلاً.
وفي تاسع عشره: قدم الخبر بفرار تجار الفرنج من الإسكندرية في البحر، فلم يقدر عليهم.
وفي عشرينه: طلب نقباء أجناد الحركة، وألزموا بألا يخفوا أحداً من أجناد الحلقة، وهددوا إن أخفوا أحداً منهم، فكتب كل نقيب مضافيه وأحضروهم للعرض، فقطع الأمير يلبغا منهم جماعة.
وفي آخره: قدم قاضي تبريز في جماعة برسالة السلطان أويس أن مرجان قد عصى عليه، وأنه قصد المسير لقتاله، فلا يمكن - إذا فر - من دخوله إلى الشام ومصر، فأجيب بما لا يريد، وأنه إن أراد نجدة سيرنا إليه العساكر لنصرته، وأهين رسوله، وأعيد خائباً.
وفي حادي عشر جمادى الآخرة: أنعم على الأمير طيبغا العلاى - أستادار الأتابك يلبغا - بتقدمة ألف، عوضاً عن ملكَتمر المارديني بعد موته. وأنعم على الأمير أَيْنَبكَ البدري - أمير آخور يلبغا - بإمرة طبلخاناه، واستقر أستادار يلبغا عوضاً عن طيبغا. واستقر الأمير أرغون ططر رأس نوبة كبيراً، عوضاً عن ملكتمر المارديني.
وفي ثاني عشره: استقر الأمير أرغون الأزقي أستادار السلطان، عوضاً عن أروس المحمودي.
وفي خامس عشره: استقر الشريف بكتمر والي القاهرة في ولاية الإسكندرية، عوضاً عن صلاح الدين خليل بن عرام، وكانت ولاية حرب. فاستقر لبَكتَمُر نيابة بتقدمة ألف، وهو أول من باشرها نيابة سلطنة، وعمل معه حاجب أمير طبلخاناه ووالي حرب إمرية عشرة، وخمسمائة فارس بالثغر.
واستقر الأمير علاء الدين طيبغا أستادار كشلي في ولاية القاهرة. واستقر عوضه في ولاية مصر الأمير - حسام الدين حسين بن علاء الدين علي بن الكوراني.
واستقر ابن عرام في ولاية الفيوم ، عوضاً عن حسين بن الكوراني.
وكان الأمير طَيبغا الطويل أمير سلاح قد خرج إلى العباسة يتصيد، فبعث الأمير يلبغا إليه مرسوم السلطان في يوم الثلاثاء ثالث عشره مع الأمير أقبغا العمري الحاجب، بأن يتوجه إلى دمشق نائب السلطنة بها، وحمل معه التقليد والتشريف، فلم يوافق على ذلك، ورد الحاجب رداً غير جميل، وكان الأمير يلبغا بتربة مَلَكتمر المارديني مقيماً على قبره، فلما بلغه الحاجب جواب الأمير طيبغا، غضب، وبعث إليه الأمير أرغون الأسعردي الدوادار، والأمير أروس المحمودي، والأمير أرغون الأزقي، والأمير طيبغا العلاي بالتشريف وتقليد النيابة، وأكد عليهما في ترجيعه عن الفتنة، وإن لم يمض فليقبضوا عليه. فما هو إلا أن مضوا حتى أبعدوا قليلاً، فتأخر عدة من مماليك الأمير طَيبغا العلاي، ومماليك أرغون الأزقي، ووافى الأمير طيبغا، فامتنع من إجابتهم إلى السفر، وقال: ليس بيني وبينهم إلا السيف. فمال إليه أرغون الأسْعَردي والأمير أروس، وقبضوا على الأمير طيبغا العلاي، ففر أرغون الأزقي إلى الأمير يلبغا، وهو بالتربة، ثم لحق به الأمير طيبغا العلاي، وأخبراه بما وقع، فركب من فوره إلى قلعة الجبل، وأمر فدقت الكوسات حربياً. ولبس السلطان وعامة العسكر السلاح، وركبوا ليلة السبت سابع عشره، وعمل كميناً في خلف الجبل، قريباً من قبة النصر. فما طلع الفجر حتى وافى الأمير طيبغا الطويل قبة النصر، فاقتتل الفريقان، فاستظهر طيبغا الطويل على القوم، وكادت النصرة تتم له، فخرج الكمين من ورائه. وعاد الأمير يلبغا، بعد ما أبعد قليلاً، فانهزم طيبغا الطويل، وتفرق جمعه، فاختفي بالقاهرة.
وعاد السلطان إلى القلعة، ونودي بإحضار من وجد من المنهزمين، وهدد من أخفاهم، فلم يسر وإلى القاهرة، والنداء بين يديه، عن بين القصرين - من القاهرة - غير قليل، حتى دله بعض الناس، على طيبغا الطويل، فدخل خانكاه بيبرس وأخذه منها، وصعد به القلعة، فقيده وسجن. وظفر أيضاً في آخر النهار بالأمير أروس، وبالأمير أرغون الأسعردي، والأمير كَوْكَنداي أخي طيبغا الطويل، والأمير كليم. ثم قبض على الأمير جَرَكتمُر السيفي منجك الجوكندار، والأمير أرغون عبد الملك، شاد الشرابخاناه والأمير جمق الشيخوني، والأمير تلك، وأقبعا العمري البالسي، وقرا السلاح دار، والأمير أزكاه السيفي، وجرجى بن كوكندي، وأزرمق بن مصطفي، وطشتمر العلاي، فحملوا ثغر إلى الإسكندرية في النيل مقيدين، وسجنوا هناك. وأخرج الأمير حسين بن طوغان الساقي منفياً إلى الشام. وارتجع إقطاع ولدى طيبغا الطويل - وهما على وحمزة - وأنعم في يومه على الأمير طيْدمر البالسي، واستقر أمير سلاح عوضاً عن طيبغا الطويل. واستقر الأمير طيبغا البوبكري المهمندار، دوادارا بإمرة طبلخاناه.
وفي ثاني عشرينه: خلع على الأمير أرغون الأزقي، واستقر أستادار السلطان، عوضاً عن أروس. واستقر الأمير قطلوبغا الشعباني شاد الشرابخاناه، بإمرة طبلخاناه، عوضاً عن أرغون عبد الملك. واستقر الأمير تمرقيا العمري جوكندار، عوضاً عن جَرَكتمر السيفي. وأنعم على كل من الأمير أقبغا الأحمدي المعروف بالجلب، والأمير أسندمر الناصري بتقدمة ألف.
وفي يوم الأحد خامس عشرينه: نودي بزينة القاهرة ومصر، فزينتا أحسن زينة.
وفي يوم الإثنين سادس عشرينه: قدم ثمانية وثلاثين أميراً، منهم أمراء طبلخاناه: أقبغا الجوهري، وأرغون القَشْتَمُري، وأَيْنَبَك البدري، وعلى السيفي كُشلى - والي القاهرة - وطُغَاى تَمُر العثماني، وألطنبغا العزى، وقجماس السيفي طاز، وأرغون العزى كتك، وقَراتمر المحمدي، وأروس بغا الخليلي، وطاجار من عَوض، وقطْلُوبغا العزى، وأقْبُغا اليوسفي، وألطنبغا المارديني، ورسلان السيفي - واستقر حاجب الإسكندرية - ، وعلى بن قَشْتَمُر، وسودون القُطلُقتمُرى، وقطلوبغا الشعباني وطُغَاى تَمُر العزى، ومحمد الترجمان. وبقيتهم أمراء عشرات، وهم ككبغا السيفي وتنبك الأزقي، وأرغون الأحمدي، وأرغون الأرغوني، وسودون الشيخوني، وأزدمر العزى، وأروسِ النظامي، ويونس العمري، ودَرْتُ بُغا البالسي، وطُرحسن، وقرا بغا الصَرْغتْمُشي، وطاز الحسنِي، وقماري الجمالي، ويوسف شاه، وطقبغا العلاي، وفيرعلي وقرقماس الصَرْغتْمُشي وطاجار المحمدي. وخلع على الجميع، وألبسوا الشرابيش، ونزلوا جميعاً من دار العدل بالقلعة إلى المدرسة المنصورية، بين القصرين من القاهرة، حتى حلفوا كما هي العادة. ثم ركبوا إلى القلعة، وقد أقيمت لهم المغاني، في عدة مواضع من بين القصرين إلى القلعة، فكان يوماً مذكوراً، ثم أزيلت الزينة بعد ثلاث من نصبها.
وفي أول شهر رجب: قدم الخبر، بوصول رسل الفرنج إلى ميناء الإسكندرية، وأنهم طلبوا رهائن عندهم، حتى ينزلوا من مراكبهم ويردوا رسالتهم، فلم تؤمن مكيدتهم. واقتضى الحال إجابتهم، فأخرج من سجن الوافي - المعروف بخزانة شمايل - جماعة وجب قتلهم، وغسلوا بالحمام، وألبسوا ثياباً جميلة، وسفروا إلى الإسكندرية. فأكرمهم النايب، وأشاع أنهم من رؤساء الثغر، وبعث بهم إلى الفرنج، وشيع خلفهم نساء وصبيانا، يصيحون، ويبكون، كأنهم عيالهم، وهم يخافون الفرنج عليهم. فمشى ذلك على الفرنج، وعلى أهل الثغر لانتظام حال المملكة، وملاك أمرها، وجودة تدبيرها.
فتسلم الفرنج الجماعة ونزلت رسلهم من المراكب. وقدموا إلى قلعة الجبل، وقد عدى السلطان إلى سرحة كوم برا بالجيزة، فحملوا إلى هناك. وجلس لهم الأمير يلبغا الأتابك، وقام الأمراء والحجاب بين يديه وأدخلوا عليه فهالهم مجلسه، وطنوا أنه السلطان، فقيل لهم هذا مملوك السلطان. فكشفوا عن رءوسهم، وخروا على وجوههم يقبلون الأرض، ثم قاموا، ودنوا إليه وناولوه كتاب ملكهم، وقدموا هديته إليه، ففرق ذلك بحضرتهم فيمن بين يديه، واختار منه طشطا وأبريقاً من ذهب، وصندوقاً لم يعرف ما فيه. وتضمنت رسالتهم، أنهم في طاعة السلطان ومساعدوه على متملك قبرص، حتى ترد الأسرى، التي أخذت من الإسكندرية، ويعوض المال وسألوا تجديد الصلح، وأن يمكن تجارهم من قدوم الثغر، وأن تفتح كنيسة القيامة بالقدس، وكانت قد غلقت بعد واقعة الإسكندرية. فأجابهم، بأنه لابد من غزو قبرص، وتخريبها. ثم أخرجوا، فأقاموا بالوطاق ثلاثة أيام، وحملوا إلى دار الضيافة بجوار قلعة الجبل. فلما عاد السلطان من السرحة، وقفوا بين يديه، وقدموا هديتهم، وأدوا رسالتهم، فلم يجابوا، وأعيدوا إلى بلادهم خائبين.
وفي أول شعبان: أخرج الأمير جركس الرسول شاد العماير، منفياً إلى حلب، واستمْر عوضه الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص في شد العماير. ورسم بإحضار الأمير قشتمر المنصوري نايب طرابلس، واستقر عوضه الأمير أشَقتمُر المارديني. واستقر الأمير أسندمر الزيني في نيابة صفد. وكتب إلى الأمير جرجي نايب حلب، أن يسير لأخذ قلعة خرت برت من ديار بكر، وأخذ صاحبها خليل بن قراجا بن دُلغادر مقدم التركمان، فنازل قلعتها نحو أربعة أشهر، وعاد بغير طائل. لمنعتها وحصانتها. ثم إن ابن دلغادر طلب الأمان، فأمن، وقدم إلى القاهرة.
وفيه أخرج الأمير قطْلوبغا العمري الحاجب، والأمير أحمد بن أبي بكر بن أرغون النايب، بعد ما قطع لسان كل منهما، ونفي إلى الشام.
واستقر سعد الدين بن الريشة، ناظر الدولة. واستقر عوضه في نظر الخزانة الكبرى، فخر الدين بن السعيد. ثم أضيف إلى الفخر بن السعيد نظر البيوت، عوضاً عن تاج الدين موسى بن أبي شاكر.
وتوجه الأمير طقبغا رسولاً إلى قبرص، فأدى رسالته وعاد في أول شهر رمضان وفيه رسم بالإفراج عن الأمير طيبغا الطويل، فتوجه إليه الأمير خليل بن قوصون، وقدم به في يوم الثلاثاء ثامنه، فأخرج إلى القدس، بطالا.
وفيه عزل جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي، قاضي الحنابلة بدمشق. واستقر عوضه شرف الدين أحمد بن الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المعروف بابن قاضي الجبل. وعزل جمال الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن عبد الملك المسلاتي قاضي المالكية بدمشق، واستقر عوضه سرى الدين أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد هاني اللخمي الأندلسي وعزل شمس الدين محمد بن الحكري عن قضاء المدينة النبوية، واستقر عوضه شمس الدين محمد بن خطيب أبرود.
وفي يوم عيد الفطر: رسم بالإفراج عن الأمير أرغون الأسعردي، والأمير أروس المحمودي، وبقية الأمراء المسجونين، فأفرج عنهم وأخرجوا إلى الشام متفرقين.
وفي خامسه: قدم رسول الملك أرخان بن عثمان ملك الروم يخبر أنه جهز مائتي غراب بحرية نجدة للسلطان على متملك قبرص، فأجيب بالشكر والثناء، وأنه لا يتحرك حتى تقدم من ديار مصر الشواني.
وقدم الخبر بمسير السلطان أويس من توريز إلى بغداد، وقبضه على خواجا مرجان وسمل عينيه، وحبسه. وأَن حيار بن مهنا، لما خرج عن الطاعة، ثم فر إلى العراق، وطردت عربه من بلاد الشام، خدم أويس زيادة على سنتين، حتى خالف عليه خواجا مرجان ببغداد، وقبض عليه، فر منه بعض أمرائه إلى حيار. فلما طلبه منه أويس، لم يبعث به إليه، فبعث أويس يطرده من بلاده. فسار عنها، وسأل الأمير عمر شاه، نائب حماة، أن يشفع إلى السلطان فيه، ويسأله رد إقطاعه إليه. فكتب بذلك عمر شاه، فأجيب إلى قبول شفاعته، وأن يجهزه إلى الأبواب السلطانية صحبته. فقدم الأمير عمر شاه، ومعه الأمير حيار في يوم الخميس خامس عشره. وقدم عقيب ذلك رسول السلطان أويس بطلب الأمير الذي فر إلى حيار وألا يمكن أحداً فر من مملكته أن يعبر الشام ومصر، فلم يجب إلى قصده. وخلع على حيار وولده الأمير نعير، وخواصه وأعيد إلى الأمرة، وخلع على الأمير عمر شاه، وأعيدوا إلى محل ولايتهما.
وفي أول ذي القعدة: قدم رسول متملك ماردين بأن بيرم خجا التركماني تغلب على الموصل منذ سنين، وبلغ عسكره نحو الثلاثين ألفاً. فلما أخذ السلطان أويس نايبه مرجان بعث إلى الموصل جيشاً، ففر منه بيرم خجا إلى بلاد العجم، وملكها أويس، وقد عزم على أخذ ماردين، ومتى ملكها تعدى منها إلى حلب. وطلب نجدة فخرج من يكشف عن هذا الأمر.
وقدمت أيضاً رسل متملك جنوة بستين أسيراً من أهل الإسكندرية، وهدية للسلطان وللأمير يلبغا. وذكر أن هذه الأسرى كانت نصيبه، واعتذر بأنه لم يعلم بواقعة الإسكندرية إلا بعد وقوعها، وأنه مستمر على الصلح، ومتى قدر على متملك قبرص قبضه وقتله. فقبلت هديته وأثنى الأسرى عليه خيراً، وأن متملك قبرص لما عاد من الإسكندرية، قسم ما غنمه منها بين ملوك الفرنج، وبعث بهؤلاء إلى متملك جنوة، فعرضهم وتغمم لهم، وأحسن إليهم، وكساهم، وأجرى لهم الرواتب حتى بعث بهم.
وفيه استقر الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني وإلى القاهرة. واستقر الأمير الأكز الكشلاوي نايب الإسكندرية. ونقل الشريف بَكتمُر منها إلى ولاية البر بالشام. وقدم وزير متملك اليمن بهدية من جملتها فيل.
واستجد السلطان والياً بأسوان على إقطاع أولاد الكنز، ولم يعهد مثل ذلك. فيما سلف. وخلع على الحسام المعروف بالدم الأسود، وسلمه أولاد الكنز المسجونين بالقاهرة. وسار إلى قوص فسمرهم جميعاً، ومضى بهم مسمرين من قوص إلى أسوان، و وسطهم بها. فشق ذلك على أولادهم، وعبيدهم، واجتمعوا مع العكارمة، وأتوا. في جمع كبير إلى أسوان. فلقيهم الدم الأسود وقاتلهم، فهزموه، وجرحوا عدة من مماليكه ومالوا على أهل أسوان، يقتلون وينهبون، ويخربون الدور، ويحرقون بالنار، حتى أفنوا عدة من الناس، وأسروا النساء، وفعلوا كما فعلت الفرنج بالإسكندرية، وفيها قام بمملكة اليمن الملك الأفضل عباس بن المجاهد على بن المؤيد هزبر الدين داود المظفر يوسف بن عمر بن على بن رسول ، بعد موت أبيه. واستقر شيخنا ضياء الدين عبد الله بن سعد العفيفي المعروف بقاضي قرم في مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس من القاهرة، بعد موت الرضي.
ومات في هذه السنة من الأعيانشهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الظاهر المعروف بابن الشرف الحنفي. خطب جامع شيخو.
ومات الأمير بُطَا أحد أمراء الطبلخاناه. وقرأ على قبره ألف ختمة بوصيته.
ومات شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن أيوب العينتابي الحلبي قاضي العسكر بدمشق. برع في الفقه وشرح مجمع البحرين والمغنى في الأصول.
ومات الشيخ خليل الدين بن إسحاق المعروف بابن الجندي الفقيه المالكي، صاحب المختصر في الفقه في يوم الخميس ثاني عشر شهر ربيع الأول، ودفن خارج القاهرة. أخذ الفقه على مذهب مالك عن الشيخ عبد اللّه المنوفي، وبرع فيه. وصنف مختصراً في الفقه على طريقة الحاوي في الفقه على مذهب الشافعي. وشرح كتاب ابن الحاجب في الفقه. وتصدر بعد المنوفي. بمجلسه من المدرسة الصالحية بين القصرين. وكان يرتزق من إقطاع له بالحلقة، ثم قرره الأمير شيخو في تدريس المالكية بخانكاته ولم يزل بها حتى مات. وكان عبداً صالحاً.
وتوفي قاضي القضاة عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن البدر بن محمد بن إبراهيم ابن سعد اللّه بن جماعة الكناني الحموي بمكى، يوم الإثنين ثاني عشر جمادى الآخرة ومولده في محرم سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق. سمع الكثير عن جماعة كثيرة وحدث بأكثر مسموعاته. وقرأ الفقه والحديث، وأفتى، ودرس، وخطب وولي قضاء القضاة بديار مصر تسعاً وعشرين سنة بأحسن سيرة وأجل طريقة. ثم ترك ذلك تنزهاً وتعففاً، وجاور بمكة، فقضى بها نحبه. رحمه اللّه.
وتوفي الملك المجاهد سيف الدين على ابن المؤيد هزبر الدين داود ابن المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول، متملك اليمن.
وتوفي شمس الأئمة محمود بن خليفة مدرس الحنفية بالمدرسة الناصرية حسن.
وتوفي الرضي شيخ الخانكاه الركنية بيبرس، في ليلة الجمعة حادي عشرين رجب. ومات الأمير ملكتمر المارديني، رأس نوبة الجمدارية، أحد مقدمى الألوف، في يوم الأحد حادي عشر جمادى الآخرة.
ومات الأمير أرغون العزي بدمشق.
ومات الأمير أرغون البَكتمري، أحد رءوس النوب.
ومات الأمير أروس العزى أحد الطبلخاناه.
سنة ثمان وستين وسبعمائةفي يوم الخميس ثالث المحرم: قدمت رسل الملك الأفضل عباس بن المجاهد صاحب اليمن بهدية سنية على العادة، وهم وزيره شرف الدين حسين بن علي الفارقي، وأمير أخوره ناصر الدين. فوقفوا بين يدي السلطان وأدوا رسالتهم ثم أنزلوا في الميدان الكبير على شاطىء النيل، وقدموا هدية مرسلهم في يوم السبت خامسه. وفيها فرس ليس له، ذكر ولا أنثيين وإنما يبول من ثقب، فقبلت.
وفي تاسع صفر: استقر الأمير طَيبغا الطويل في نيابة حماة. واستدعى الأمير منكلى بغا الشمسي نائب الشام، فقدم في محفة لتوعك به، فأكرمه السلطان، وخلع عليه.
وفي يوم الخميس ثالث عشرين صفر: خلع على الأمير منكلى بغا الشمسي، واستقر في نيابة حلب عوضاً عن جرجي الإدريسي. فصارت نيابة حلب أكبر رتبة من نيابة دمشق، وأضيف من عسكر دمشق إلى حلب أربعة آلاف فارس. وخلع على الأمير أقتمُر عبد الغني، واستقر في نيابة دمشق. وخلع على الأمير طيبغا العلاي أستادار الأمير يلبغا الأتابك، واستقر حاجب الحجاب عوضاً عن أقتمر عبد الغني، ونزل الثلاثة بتشاريفهم من القلعة.
واستقر جمال الدين عبد الله بن نجم الدين عمر بن الجمال محمد بن الكمال عمر ابن أحمد بن عبد اللّه بن محمد بن هبة اللّه بن أحمد بن يحيى بن العديم الحنفي في قضاء الحنفية بحماة، بعد وفاة أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان. واستقر جمال الدين عبد اللّه بن الكمال محمد بن العماد إسماعيل بن التاج أحمد بن سعيد بن الأثير في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن فتح الدين أبي بكر محمد بن عثمان بن إبراهيم بن محمد ابن الشهيد.
ورسم للأمراء جميعاً بأن يسكنوا بقلعة الجبل، على ما جرت به العادة القديمة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون، فسكن بعضهم.
واستقر شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن عمر المعروف بابن زُبَيبَة الحنفي قاضياً بالإسكندرية، زيادة على قاضيها جمال الدين بن الربعي المالكي، و لم يعهد قبل ذلك بالإسكندرية قاضيان.
وفي يوم الإثنين تاسع عشر ربيع الأول: قبض الأمير يلبغا الأتابك على الأمير الطواشي سابق الدين مثقال الآنوكي، مقدم المماليك السلطانية، وضربه نحو ستماية ضربة بالعصى، وأخرجه إلى أسوان منفياً، لكلام نقل له عنه. وولى عوضه الطواشي ظهير الدين مختار المعروف بشاذروان مقدم المماليك.
وفيه استقر الأمير أرغون الأزقي في نيابة غزة عوضاً عن ألطبغا البشتكي.
وفي ثاني عشرينه: أخرج الأمير أرغون الأحمدي اللالا منفياً، وأخرج أيضاً الأمير تمرقيا العمري منفياً، فتوجها إلى الشام، وخلع على الأمير أقبغا حلب الأحمدي، واستقر لالا السلطان.
وفيه رسم للأمير طيبغا حاجب الحجاب بعرض أجناد الحلقة، فاستدعاهم وجلس لعرضهم جزيرة أروى حيث تعمل الشواني الحربية، وتشدد عليهم، وقطع منهم جماعة في عدة أيام، حتى عرض منهم نحو ثلثيهم، ثم كان ما يأتي ذكره. إن شاء الله تعالى. وفي تاسع عشرينه: استقر الأمير قُطْلُوبك السيفي والي قوص، عوضاً عن الأمير شهاب الدين قرطاي.
وفي هذا الشهر: كملت عمارة الشواني البحرية، وعدتها ماية قطعة ما بين غربان وطرايد، فاستخدم الأمير يلبغا لها من الرجال ما يكفيها، وجمعهم، ما بين مغاربة وتراكمين وصعايدة، ورتب لهم رؤوساء ونقباء، وأنفق فيهم المعاليم المقررة، وشحن الأغربة بالعدد الحربية، وجميع آلات السلاح. فلما تهيأت كلها فرقها الأمير يلبغا على الأمراء، فتسلم كل أمير ما خصه من الشواني وزينها بأعلامه، وأقام فيها الطبول والأبواق، وأنزل بها عدة من مماليكه وقد ألبسهم آلة الحرب، وأمرهم بالمسير فيها للغزو إذا سارت. ثم ركب السلطان والأمير يلبغا وسائر أمراء الدولة وأعيانها لرؤية الشواني، وقد كملت وتم أمرها، وتهيأت رحالها، وخرج الناس من أقطار المدينة، وأتوا من كل جهة في يوم السبت رابع عشرين ربيع الأول. فسار السلطان بعساكره من القلعة إلى جزيرة أروى، وركب الحراقة، وقد امتلأت تلك الأراضي بالناس. فقدمت الشواني، ولعبت رجالها بالآلات الحربية، كما يفعل عند لقاء العدو، ودقت كوساتها، ونفخت بوقاتها، وأفلتت النفوط، فكان أمراً مهولاً، ومنظراً جميلاً، وأمراً حسناً لو تم. فلما انقضى ذلك، توجه السلطان في الحراقة حتى نزل من بولاق التكروري، وخيم بمنزلته من بر الجيزة على العادة. ومضى الأمير يلبغا لتصيد في جزيرة القط، وأقيم الأمير عمر بن أرغون النايب بقلعة الجبل نايب الغيبة، وأقام الأمير طيبغا حاجب الحجاب بجزيرة أروى عند الشواني بعرض أجناد الحلقة، ثم مضى السلطان يريد الصيد بالبحيرة فنزل الطرانة.
وكان الأمير يلبغا - لأمر يريده الله تعالى - قد شحت نفسه وساءت أخلاقه فاجتمع مماليكه الأجلاب إلى رؤوس النوب، وشكوا ما يلقوه من الأمير يلبغا وأنه يجفوهم، ويهينهم، ويبالغ في معاقبة أحدهم على الذنب اليسير، حتى أنه ضرب عدة منهم بالمقارع، وقطع ألسنة جماعة، وأنهم قد صاروا يداً واحدة، يريدون قتله وقتل من لم يوافقهم على ذلك، فأشار الأكابر منهم عليهم بالتمهل قليلاً حتى يأخذوا ما عند الأمير يلبغا وحدثوه في شأنهم وانتدب منهم الأمير أسندمر الناصري، والأمير أقبغا جلب الأحمدي، والأمير قجماس الطازي، والأمير تغرى برمش العلاي، والأمير أقبغا جركس أمير سلاح، والأمير قرابغا الصرغتمشي، ومضوا إلى الأمير يلبغا، وحدثوه في أمر المماليك، وسألوه الرفق بهم، فجبههم، ورد عليهم رداً جافياً، وتهددهم، وحلف بالأيمان الحرجة أنه لابد من ضرب جماعة من مماليكه بالمقارع، وإشهارهم في الوطاق. فشق ذلك عليهم وخرجوا من بين يديه وقد توغرت صدورهم. وحدثوا إخوانهم من المماليك بما كان من الأمير يلبغا، واتففو جميعاً على الفتك به وتحالفوا على ذلك، ولبسوا سلاحهم في ليلة الأربعاء خامس ربيع الآخر، وكبسوا مخيم يلبغا وأحاطوا به ليأخذوه. فمضى إليه بعض خواصه منهم، وأعلمه الخبر. فبادر إلى الفرار على فرس وقصد بولاق التكروري في نفر من خاصته، وبعث إلى الأمير طيبغا حاجب الحجاب يعلمه بما هو فيه، فلم يشعر الحاجب، وقد جلس بكرة يوم الأربعاء لعرض الأجناد على عادته، وهم منه على تخوف أن يقطعهم كما فعل بغيرهم، إذ جاءه أحد مماليك يَلبغا وأسر إليه طويلاً. ثم قام عنه. وقد تغير حاله، فأمر الأجناد بالإنصراف، وأبطل عرضهم. وركب إلى داره، فلبس آلة الحرب هو ومماليكه. وعاد إلى الجزيرة، وتقدم بطلب أجناد الحلقة ومن تأخر بالقاهرة من الأمراء، فأتوه في السلاح، وقد ارتجت القاهرة بأهلها وخرجت العامة من كل موضع إلى الجزيرة، وما حولها، ومنع أرباب المراكب النيلية أن يعدوا بأحد النيل من البرين. وجمعت المراكب كلها إلى بر مصر، وضموا الشواني الحربية، وألقوا مراسيها في وسط النيل، وأخرجوا منها رجالها. وتقدم حاجب الحجاب إلى فتح الدين صدقة وليس الحراقة السلطانية أن يخرج الحراقة الذهبية من بر الجيزة، ولا يعدى إلا بالسلطان والأمير يلبغا فقط ومن يصحبهما. وكان الأمير عمر ابن النائب - نائب الغيبة - قد أغلق أبواب القلعة، وألبس من بها من مماليك السلطان السلاح، وأقامهم على الأسوار، واستعد.
وأما يلبغا فإنه سار ليلة من جزيرة القط إلى بولاق التكروري، فلم يأتها إلا عند نصف النهار من يوم الأربعاء. فلم يجد مركباً يعدى به النيل إلا الحراقة الذهبية، فعدى فيها، وقد عرفه الرايس صدقة حتى وافى حاجب بالجزيرة، ومن انضم إليه من الأمراء والأجناد، فأكد في المنع بالتعدية بأحد، من بر الجزيرة. وسار في جحفل كبير إلى القلعة، فمنعهم نايب الغيبة من دخولها، ورأوا منعتها عليهم بمن فوقها من المقاتلة، فعاد عنها يجمعه من منزله بالكبش، وظل فيه بقية نهاره، وبات ليلة الخميس، وقد رجع الأمير طيبغا حاجب الحجاب إلى الجزيرة لحراسة المعادي.
وأما المماليك لما بلغهم فرار يلبغا نادوا من أراد مخدومه يلبغا فليتبعه، ومن أراد السلطان فليقم معنا. فتبع يلبغا طايفة وتأخر أكثرهم، فأسرع القوم إلى من فارقهم وأخذوهم وقيدوهم واقتسموا جميع ما معهم. وتجمعوا بأسرهم عند وطاق السلطان ونزلوا عن خيولهم، ومثلوا بين يديه وقبلوا الأرض، وأعلموه بما كان من يلبغا في حقهم، وما رده من الكلام الجافي عليهم، وسألوه نصرتهم عليه، فوعدهم بخير، وقوى عزايمهم، فحلفوا له. ثم ساروا به إلى بولاق التكرووي في ليلة الأربعاء، حتى وافى شط النيل فلم يجد مراكب يعدى بها النيل، فخيم هناك بمن معه، ونودي بالإقامة ثلاثة أيام. وكتبت البطايق إلى الإسكندرية ودمياط ورشيد والبرلسي على أجنحة الحمام، بقدوم من بها من الأمراء والأجناد المركزين في اليزك على العادة لحفظ الثغور من الفرنج. وكتب بحضور من بالوجه القبلي والوجه البحري أيضاً، فقدموا شيئاً بعد شيء. وأخذ ولاة الجيزة في جمع المراكب من شاطىء النيل، فجمعوا منها عدة، ركب بها طائفة في الليل. وأخذوا كثيراً من الشواني الحربية التي في وسط النيل وضموا بها ما بقى منها، وصاروا بها جميعاً إلى بولاق التكروري، وفيها آلات الحرب، فما طلع النهار، حتى زينت ونصبت عددها، وعمرت بالرجال البحرية والمماليك السلطانية فكأن الأمير يلبغا إنما تعب فيها لتكون مقاتلة له ومزيلة نعمته، وسالبة لملكه.
فلما كان يوم الخميس: ركب الأمير يلبغا في عسكر موفور إلى الجزيرة، فبرزت إليه الشواني من بر الجيزة، حتى صارت في وسط النيل، ورمته المماليك السلطانية منها بالسهام، والنفط، فمازال القوم يترامون نهارهم ثم أمر يلبغا فجيء إليه بالخليفة، وآنوك ابن حسين بن محمد بن قلاوون. وطلب يلبغا من الخليفة أن يفوض إليه السلطة عوضاً عن أخيه شعبان بن حسين، فامتنع الخليفة من ذلك. واحتج بأن الشوكة للأشرف شعبان فأمر يلبغا بالكوسات فدقت، وأقام شعار السلطنة كله، وقال: أنا أعينه وأؤيده. ومن الشوكة غيري؟ فلم يجد الخليفة بداً من سلطة آنوك، فأقاموه سلطاناً، ولقبوه بالملك المنصور، وأركبوه بالشعار السلطاني.
واشتدت الحرب بين الفريقين يوم الخميس وليلة الجمعة. وجلس المنصور آنوك بكرة يوم الخميس وبين يديه أرباب الدولة من الأمراء وأرباب الأقلام على العادة. فلما انقضت الخدمة ركب بالعساكر مع الأمير يلبغا للحرب. واستمر الرمي من الشواني طول النهار إلى نصف نهار يوم السبت. ثم نزل عدة من الأشرفية في أربعة شواني يريدون جهة الروضة، فندب يلبغا جماعة من أصحابه إلى جهتهم حتى يمنعوهم الصعود إلى البر. ثم خرجت ثلاث طرايد أيضاً ومضت من بولاق التكروري تريد جهة جزيرة الفيل وشبرا، فسير إليهم يلبغا طائفة أخرى تمنعهم النزول إلى البر، ومنهم الأمير طغاي تمر النظامي، والأمير قرابغا البدري، والأمير طيبغا المجدي، فالتقوا قريباً من الوراق. وصار البدري والنظامي في جلة الأشرفية، فبعثوا بهما إلى بولاق التكروري. ونزل الأشرفية إلى ناحية شبرا في نحو ثلاثة آلاف، فملكوا البر الشرقي.
هذا وأسواق القاهرة طول هذه الأيام مغلقة، والأسباب متعطلة، وليس للناس شغل سوى التفرج في شاطىء النيل على المقاتلين من السلطانية واليلبغاوية، وصاروا يلهجون كثير بقولهم. السلطان الجزيرة ما يساوي شعيرة. يريدون أن أمر آنوك لا يتم، ويهزأون به، وصار الأمير قجماس الطازي يمر في قارب لطيف ومعه طائفة، حتى يقرب من البر، ويرمى بالنشاب، فيرموه أيضاً ويتسابقوا، وتعصبت العامة للسلطان، وعملوا لهم رايات، وسبحوا النيل إليه، وصاحوا عنده السلطان منصور فأخذ أمر يلبغا ينحل. فلما قدم البدري والنظامي على السلطان. وأعلماه بأخذ السلطانية البر الشرقي. وتفرق اليلبغاوية في طلب الشواني، وأشارا عليه بتعدية النيل. ركب في بقية الأغربة بمن معه، ومضى إلى جهة شبرا والعامة تحاذيه من البرين، وتستغيث بالدعاء له. حتى نزل شبرا، والتفت عليه جموعه، فسار يريد القلعة فتسلل أصحاب يلبغا عنه، طائفة بعد طائفة. فلم يجد يلبغا بداً من الفرار، وتوجه يريد القلعة. وقد فر عنه من كان قد بقي معه من الأمراء، وهم يعقوب شاه، وأرغون ططر،وبيبغا العلاي الدوادار، وخليل بن قوصون وأقبغا الجوهري، وكمشبغا، وبيبغا شقير، وأينبك. ولحقوا جميعهم بالسلطان، ولم يتأخر مع يلبغا سوى علاي الدين طيبغا حاجب الحجاب. وكان العامة قد لقبوه قنصا ونسن. وفر مماليكه شيئاً بعد شيء. فأيقن بالزوال. وبعث بسلطان الجزيرة آنوك إلى القلعة، وأصعد بكوساته إلى الطبلخاناه، ونزل عن فرسه تحت الميدان بسوق الخيل، وصلى ركعتين، وحل سيفه من وسطه. وأمر طيبغا حاجب الحجاب أن يمضي به، ثم ركب فرسه ومضى إلى داره بالكبش و لم يبق معه إلا دون المائة فارس، والعامة تهزأ به وتسبه، وترجمه بالحجارة حتى وصل داره.
وقدم السلطان إلى القلعة في عساكره، وعساكر يلبغا، وعالم كبير من العامة. فدخل من باب الإصطبل أول ليلة الأحد، فنزل عند بابه. والكوسات تدق، والعساكر واقفة تحت القلعة في الرميلة. ثم أمر بإحضار يلبغا، فأحضر إليه في الحال، مع عدة من الأمراء والمماليك المتوجهين إليه من قبل السلطان، وأحضر معه طيبغا حاجب الحجاب، فحبسا بالقلعة، فخشيت المماليك منه أن يفرج السلطان عنه، فيبيدهم، فصاروا بأجمعهم إلى أكابرهم والأعيان منهم، وهم الأمير أسنَدُمر، والأمير أَقبُغا حَلَب، والأمير قجْماس. ومازالوا بهم حتى طلبوا من السلطان أن يمكنهم منه، فخلاهم وإياه، فأخرجوه من السجن ومشوا به حتى قرب من باب السلسلة، قدم له فرس لركبه، فعندما أراد ركوبه، بدره من مماليكه قراتَمُر، ألقى رأسه عن بدنه، واقتحم بقيتهم عليه بسيوفهم، حتى أتلفوا شلوه. وحملوا رأسه إلى السلطان، وبين يديه مشعل قد أضرمت ناره وعلا لهبه، فألقوا الرأس في النار، ثم أخرجوه وغسلوه، فعرفه من هنالك بسلعة كانت تحت أذنه. وحملت جثته إلى خلف القلعة. فعند ذلك قام السلطان وصعد إلى قصره من القلعة، فأخذ الأمير طاش تَمُر - دوادار يلبغا - الرأس، وتتبع الجثة حتى وجدها في ليلته. ثم غسل الجميع، ودفنه بتربته المعروفة بتربة يَلْبُغا، خارج باب المحروق من القاهرة، وذلك ليلة الأحد عاشر شهر ربيع الآخر. واستمرت الكوسات تدق طول تلك الليلة، والعساكر واقفة تحت القلعة، حتى أصبح نهار الأحد، صعدوا إلى الخدمة بالقلعة، وقد تعين منهم الأمير أقبغا الجلب والأمير أسندمر، والأمير قجماس، وأخذوا في تدبير أمور الدولة، وقبضوا على الأمير قرابغا البدري، والأمير يعقوب شاه، والأمير يَلْبُغا الدوادار وقيدوهم وبعثوا بهم، فحبسوا بالإسكندرية، وألزم الأمير خليل ابن قوصون بأن يقيم في داره بطالا.
هذا وقد امتدت أيدي العامة وأسافل الأجناد إلى بيوت الأعيان فنهبوها بحجة أنهم من حواشي يلبغا، حتى شنع الأمر في ذلك. ونهبوا بيت الأمير فخر الدين ماجد بن قزوينة، وبيوت ألزامه وأتباعه، ونهبوا بيت الأمير علاي الدين والي القاهرة. وصار من يريد أن يبلغ عن عدوه ما يريد يقول عنه أنه يلبغاوي، فما هو إلا أن تسمع العامة عنه ذلك، وإذا بهم أتوا كأنهم جراد منتشر، فما يعفوا ولا يكفوا. وإن صدفوا في طريقهم أحداً سلبوه ثيابه. فحل بالناس من هذا بلاء لايمكن وصفه، وتخوف كل أحد أن يصيبه بلاؤهم. فتنهب داره ثم تخرب، وتتفرق آلاتها في الأيدي كما فعل بجاره أو قريبه أوصديقه. فلما تجاوز العامة في إفسادهم المقدار، ركب الأمير ضروط الحاجب، ومعه والي القاهرة في عشية النهار، ونودي بالأمان. وأن غريم السلطان قد أمسك، ومن تعرض لأحد من الناس أو نهب شيئاً حل ماله ودمه للسلطان وشق، فانكفوا عن فسادهم.
وفي يوم الاثنين حادي عشره: جلس السلطان بدار العدل من القلعة على العادة، وخلع على الأمير قشتمر المنصوري. واستقر حاجب الحجاب. وخلع على الأمير أيدَمر الشامي، واستقر مقدم ألف ناظر الأحباس دوادارا كبيراً، وعلى الأمير قجماس الطازي. واستقر أمير سلاح. وعلى الأمير ضروط، واستقر حاجباً، عوضاً عن يعقوب شاه. وعلى الأمير ناصر الدين محمد بن قماري. واستقر أمير شكار، عوضاً عن جمال الدين عبد الله بكتَمر الحاجب. وخلع على الوزير فخر الدين ماجد بن قزوينة، واستمر على عادته وقبض على الأمير أرغون العزي، والأمير أرغون الأرغوني، والأمير أزدَمُر العزي أبو دقن، والأمير يونس العمري الرماح، والأمير أقبغا الجوهري، والأمير كمشبغا الحموي الأمير نوبة يلبغا. وسجنوا بالقلعة ماعدا كمشبغا الحموي وأقبغا الجوهري فإنهما سجنا بخزانة شمايل.
وفي يوم الثلاثاء ثاني عشره: قبض على الأمير آَينبك البدري، فصالح عن نفسه بأن ينفق على المماليك الأجلاب من ماله، فأنفق فيهم، وكانوا ألفاً وثماني ماية مملوك، وعلى كل مملوك منهم ألف درهم فضة، عنها يومئذ زيادة على خمسين مثقالاً من الذهب، وحمل مالاً جزيلاً إلى الأمراء حتى أعيد إليه إقطاعه.
وفي ليلة الأربعاء ثالث عشره: توجه الأمير تغرى برمش بعدة من الأمراء والمماليك المقبوض عليهم إلى الإسكندرية، فسجنوا بها.
وفي الخميس رابع عشره: قدم الأمير ألطنبغا البشتَكي نائب غزة.
وفي ليلة السبت سادس عشره: أخرج كمشبغا الحموي وأقبغا الجوهري من خزانة شمايل، إلى الإسكندرية.
وفي يوم السبت: المذكور خُلع على الأمير طيدَمُر البالسي واستقر أستادار على الأمير قرابغا الصَرْغَتمشي أحد العشرات بتقدمة ألف.
وفي عشرينه: خلع على الأمير أَسنبغا القوصوني، واستقر لالا عوضاً الأحمدي، واستقر قراتمر المحمدي خازندار عوضاً عن ملكتمُر المحمدي.
وفيه قدم الطواشي سابق الدين مثقال الآنوكي من قوص، فقربه وأكرمه.
ونودي في الناس: من قطع طيبغا حاجب الحجاب خبزه وقت العرض فليحضر ويأخذه. فاجتمع كثير منهم في دار الأمير قَشْتَمُر حاجب الحجاب فرد إليهم أخبازهم.
وفيه كثرت المرافعات على الأمير آينبك، فرد إلى جماعة كبيرة ما كان أخذ منهم أيام يلبغا.
وفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى: خلع على الوزير فخر الدين ماجد ابن قزوينة، ولم يقدر على أخويه سعد الدين وعلم الدين إبراهيم. وعزل الأمير علاء الدين علي بن كلفت شاد الدواوين، وقبض عليه وعلى أخيه زين الدين رجب. وخلع على فخر الدين ماجد - ويدعى عبد الله بن التاج موسى، ويدعى مالك الرق، ابن أبي شاكر كاتب الأمير يلبغا، واستقر في الوزارة ونظر الخاص، عوضاً عن الفخر بن قزوينة. وخلع على الأمير صلاح الدين خليل بن عرام، واستقر شاد الدواوين، وسُلم ابن قزوينة للأمير قرابغا الصرغتمشي ليستخلص أمواله.
وفي سادس عشره: خلع على الطواشي سابق الدين مثقال الآنوكي، واستقر مقدم المماليك على عادته.
وفي يوم الخميس تاسع عشره: نزل جماعة الأمراء من القلعة إلى المدرسة المنصورية، فحلفوا بها، وخلع عليهم بالشرابيش على العادة، وركبوا إلى القلعة، وقد زينت القاهرة لهم، فكان يوماً مشهوداً.
القاهرة الشريف بكتمُر، فُسر الناس بعزله وزوال دولة يلبغا، وقبض ابن قزوينة، وأبقوا الزينة يومهم كله.
وفي ثامن عشره: قدمت رسل متملك جنوة من بلاد الفرنج، يسأل أن تمكن تجارهم في القدوم إلى الإسكندرية على عادتهم، فأجيبوا إلى ذلك.
وفي يوم الخميس سادس عشر شهر رجب: ركب الأمراء للحرب بالسلاح ووقفوا تحت القلعة، وكان قد أشيع أن الأجلاب اليلبغاوية يريدون الحرب، وقبض الأمراء، وأَول ما بدأوا به أن قبضوا على الأمير قرابغا الصرغتمشي وحبسوه، وأقاموا على تخوف، هذا وقد تفاحش أمر الأجلاب بحيث سلبوا الناس في الطرقات، وهجموا الحمامات على النساء، وأخذوهن بالقهر، وقصدوا أرباب الأموال بالأذى، حتى شمل الخوف الناس.
فلما كان يوم الثلاثاء حادي عشرينه: ركب الأمير تغرى بَرْمِش للحرب في جماعة كبيرة من الأجلاب، فركب الأمراء لحربهم، وقبضوا على تغرى برمش المذكور، وعلى الأمير آيْنَبَك البدري، والأمير قرابغا العزى، والأمير مُقبل الرومي، وإسحاق الرحبي، وبعثوا بهم إلى الإسكندرية، وقبضوا أيضاً عدة من الأجلاب ونفوهم من أرض مصر.
وفي سادس عشرينه: أنعم على الأمير أقطاى بتقدمة ألف، وعلى الأمير قطلوبُغا جركس بتقدمة ألف، وكان الأمير أسندمر قد صار في رتبة أستاذه يلبغا، وإليه تدبير أمور الدولة، وعنه يصدر ولاية أربابها وعزلهم، وسكن في دار يلبغا بالكبش.
فلما كان يوم الأحد سابع شوال: بلغ الأمير أسندَمُر أن جماعة من الأمراء قد اتفقوا على الفتك به وبالأجلاب، وهم أعضاده وبهم يصول. فخرج ليلاً من داره إلى دار الأمير قجماس الطازي، وبذل له مالاً كبيراً حتى استماله إليه. ثم فارقه، وفي ظنه أنه قد صار معه، و لم يكن كذلك. وعاد إلى منزله بالكبش واستدعى خواصه من اليلبغاوية، وقرر معهم أنه إذا ركب للحرب يقتل كل واحد منهم أميراً، أو يقبض عليه، وبذل لهم مالاً كبيراً حتى وافقوه، وما هو إلا أن خرج أسنَدمر من عند قجماس ليدبر ما قد ذكر مع الأجلاب. ركب قجماس إلى جماعة من الأمراء، وقرر معهم القبض على أسنَدمُر، فركبوا معه للحرب، ووقفوا تحت القلعة، فنزل السلطان في الحال إلى الإصطبل، ودقت الكوسات حربياً.
وأما أسندمر فإنه بات هذه الليلة في إصطبله، حتى طلعت الشمس، ركب من الكبش بمن معه من اليلبغاوية وغيرهم، ومضى نحو القرافة، ومر من وراء القلعة، حتى وافاهم من تحت دار الضيافة، ووقف تحت الطلبخاناه فالتقى مع الأمراء، واقتتلوا فهزمهم بمن كان قد دبر معهم من اليلبغاوية في الليل قبض الأمراء أو قتلهم. وثبت الأمير ألجَاي اليوسفي والأمير أرغون ططر، وقاتلا أسندمر إلى قبيل الظهر، فلما لم يجد معيناً ولا ناصراً انكسرا إلى قبة النصر، وانفض الجمع بعد ما قتل الأمير ضروط الحاجب، وجرح الأمير قجماس والأمير أقبغا الجلب، وكثير من الأجناد والعامة، فقبض الأمير أَسَندَمر على الأمير قجماس، والأمير أَقبغا الجلب والأمير أقطاي، والأمير قُطْلُوبغا جركس، وهؤلاء أمراء ألوف. وقبض من أمراء الطلبخاناه على قرابغا شاد الأحواش، واختفى كثير من الأمراء. ومرت مماليك أَسَندَمُر وطائفة من الأجلاب في خلق كثير من العامة، فنهبوا بيوت الأمراء، فكانت هذه الواقعة من أشنع حوادث مصر وأعظمها فساداً.
وفي يوم الثلاثاء: غد الواقعة، قبض على الأمير أيدمر الشامي الدوادار، فضربه الأمير أَسَندمر ضرباً مبرحاً، وعنفه على مخالفته عليه. ثم قيده مع بقية من قبض عليه.
وفيه أمسك أيضاً الأمير أُلْجاي اليوسفي أحد أمراء الألوف والأمير يلبغا شُقَير أحد الطبخاناه، فقيدوا وحمل الجميع إلى الإسكندرية. فسجنوا بها.
وفي يوم الأربعاء: قبض على الأمير طُغاى تَمُر النظامي - أحد الألوف - وعلى الأمير أرغون طَطَر - أحد الألوف - وعلى قُطلُوبغا الشعباني. وأيدَمُر الخطاي، وتمراز الطازي، وهم من الطلبخاناه. ثم قبض على الأمير ألطنبغا الأحمدي أحد مقدمي الألوف، وعلى طاجار من عوض، وآسن الناصري. وقراتمر المحمدي، وقرابغا الأحمدي، من الطلبخاناه. وعلى جماعة أخرى، فكانت عدة من قبض عليه أسندَمُر خمسة وعشرين أميراً.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه: استقر أَزْدَمُر العزى أبو دقن أمير سلاح، وجركَتَمر السيفي منجك أمير مجلس، وألطبغا اليلبغاوي أحد العشرات رأس نوبة كبير، وأنعم عليه بمأمرة ماية. واستقر قطلو أقتمر العلاي أمير جندار، وسلطان شاه حاجباً ثانياً. وأنعم على يبرم العزى أحد الأجناد بتقدمة ألف، وأعطى إقطاع طُغَاى تَمُر النظامي، وجميع ماله من خيل ومماليك وقماش ومال وغلال وغير ذلك، واستقر دواداراً كبيراً، وخلع عليهم وعلى الأمير خليل بن قوصون، وعلى الأمير قُنقُ العزى، والامير أرغون القَشْتَمُري، وعلى محمد بن طيطَق العلاي - واستقر - جوكندار - وعلى قَرْمش الصَرغَتْمشي وعلى الأمير مبارك الطازى، والأمير إينال اليوسفي، وعلى الأمير ملكتمر المحمدي - واستقر خازندار - وعلى الأمير بهادر الجمافي، واستقر شاد الدواوين عوضاً عن ابن عرام، وخلع على ابن عرام واستقر في نيابة الإسكندرية، وأنعم على كل من أرغون المحمدي الآنوكي الخازن، وبزلار العمري، وأرغون المارغوني، ومحمد بن طقبغا الماجاري، وباكيش السيفي يلبغا، وسودون الشيخوني، وأَقبغا آص الشيخوني، وكبك الصرغتمشي، وجلبان السعدي، وإينال اليوسفي، وكمشْبغا الطازي، وقماري الجمالي، وبكتمر العلمي، وأَرْسَلان خجا، ومبارك الطازي، وتَلَكتمُر الكشلاوي، وأسنبغا العزى، وقطلوبغا الحلبي، ومأمور القلمطاوي، بإمرة طلبخاناة، وارتجع عن أولاد يلبغا الأتابك تقادمهم وأنعم عليهم بطبلخاناه، وأنعم على كل من ألطُنْبُغا المحمودي، وقرابغا الأحمدي، وكَزَك الأرغوني، وحاجي بك بن شادي، وعلى بن بكتاش، ورجب بن خضر، وطيطق الرماح، بإمرة عشرة، فكان يوماً مشهوداً.
وقدم الخبر باتفاق الأمير طبغا الطويل نايب حماة، والأمير أشقتمُر نايب طرابلس، على المخامرة، فتجهز الأمير أسندمر الأتابك للسفر، وتقدم بتهيؤ الأمراء، وبعث القصاد للكشف عن ذلك على البريد، فعادوا باستمرار بقية النواب على الطاعة، ماعدا المذكورين. فكتب بالقبض عليهما، فقبضا وقبض معهما على إخوة طيبغا الطويل، وحملوا إلى الإسكندرية مقيدين.
واستقر أسندمر الزيني في نيابة طرابلس، وأعيد عمر شاه إلى نيابة حماة في أوائل ذي القعدة، واستقر أرغون الأزقي في نيابة صفد.
واستقر محمد بن أقوش الشجاعي في ولاية الغربية، وعلى العمري، في ولاية الأشمونين، واستقر بيبغا القوصوني أمير آخور عوضاً عن أقبغا الصفوي بعد موته. وبلغت زيادة ماء النيل إصبعين من عشرين ذراعاً، ثم زاد بعد ذلك، فلم يتَأذّى به. ومر بالحاج مشقة وعناء لقلة المياه، وموت فشا فيهم من شدة الحر والعطش.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانالأمير ألطنبغا العزى أحد الطلبخاناه في يوم الإثنين رابع شهر ربيع الآخر.
ومات الأمير أقبغا الأحمدي أحد اليلبغاوية ويعرف بالجلب، من أمراء الألوف الذين خامروا على يلبغا. فلم يمتنع بعده.
ومات الأمير أقبغا الصفوي أمير آخور، في يوم الإثنين سابع عشر ذي القعدة.
وتوفي بهاء الدين حسن بن سليمان بن أبي الحسن بن سليمان بن ريان، ناظر الجيش، بحلب عن ثمان وستين سنة بدمشق، وقد اعتزل الناس.
وتوفي الشيخ المعتقد عبد اللّه بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح الشافعي اليمني بمكة عن سبعين سنة. وله شعر ومصنفات في التصوف وغيره.
وتوفي نجم الدين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الحنبلي الأعمى، أحد شيوخ الحنابلة بالقاهرة، في يوم الخميس تاسع عشرين شهر ربيع الأول، وهو عم الشيخ صلاح الدين محمد بن الأعمى الحنبلي.
وتوفي قاضي حماة أمين الدين عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي، وقد برع في القراءات والعربية.
وتوفي نور الدين على الدِميري، الرجل الصالح، بالقاهرة في ليلة الإثنين حادي عشرين صفر، أفنى عمره في تعليم القرآن وبر الفقراء.
وتوفي شرف الدين عيسى الزنكلوني الشافعي، أحد نواب الحكم بالقاهرة في سابع عشرين رمضان.
ومات تقي الدين محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضيف البعلبكي، الشهير بابن المجد، الشافعي. ولي قضاء طرابلس وحمص وبعلبك، وقدم مصر وبغداد، وسمع الحديث، وبرع في الفقه، وشارك في عدة فنون.
وتوفي الأديب البارع جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن، بن أبي الحسن بن صالح بن علي بن يحيى بن طاهر بن محمد الخطيب، بن عبد الرحيم بن نباتة المصري، بالقاهرة، في ثامن صفر، ومولده في ربيع الأول سنة ست وثمانين وستمائة.
وتوفي الوزير الصاحب ناظر الخاص فخر الدين ماجد بن قزوينة، الأسلمي تحت العقوبة، في ثامن جمادى الآخر، وترك بالأهراء السلطانية ما ينيف على ثلاثمائة ألف أردب، وفي النواحي مغل سنتين، وكان يحمل إلى الأمير يلبغا بعد تكفية السلطان، وتكفية الأمير يلبغا وصرف الرواتب في كل شهر، ستين ألف دينار، وكان أميناً عارفاً مهاباً، عمر بيوت الأموال وخزائن الخاص بأنواع الأموال إلا أنه كان كثير الترفع حتى على الأمراء، فعذب عذاباً شنيعاً، وضرب غير مرة بالمقارع، ولفت أصابع يده اليمنى بالمشاق، وغمست في الزيت ثم أشعلت بالنار حتى احترقت يده كلها، وعمل في عنقه الحديد، وصار يمر بالأسواق وهو كذلك على حمار. ويذكر أن فقيراً قدم له في وزارته فمزقها وطرده، فدعا عليه، وخرج، فلم يمض سوى أيام حتى قبض عليه وعذب إلى أن مات.
وتوفي الأمير تمرتاش العلاي، خازندار يلبغا، أحد الطبلخاناه، في يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الآخر.
وتوفي الشيخ المسلك يوسف بن عبد اللّه بن عمر بن علي بن خضر الكوراني الكردي العجمي، مرَبي الفقراء، في يوم الأحد النصف من جمادى الأولى، بزاويته من القرافة.
وقتل صاحب فاس ملك المغرب، أبو زيان بن الأمير أبي عبد الرحمن بن أبي الحسن، في المحرم، وأقيم بعده عمه عبد العزيز بن أبي الحسن، رحمه الله.
سنة تسع وستين وسبعمائةفي المحرم: استقر الأمير بيدمر الخوارزمي في نيابة الشام، والأمير منجك في نيابة طرابلس، عوضاً عن أسندمر الزيني.
وفي أول صفر: ورد الخبر بوصول الفرنج إلى طرابلس، في ماية وثلاثين مركباً، ما بين شيني وقرقورة وغراب وطريدة، وشختور، عليها متملك قبرص، ومتملك رودس، والاسبتار، وكان النائب غائباً، فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً، حتى اقتحم العدو المدينة، ونهبوا من أسواقها، فتحامل المسلمون عليهم واشتدوا في قتالهم، حتى أخرجوهم بعد ما قتلوا منهم نحو الألف، واستشهد من المسلمين نحو الأربعين رجلاً. فركبوا سفنهم وانقلبوا خايبين، فمروا بمدينة إياس في ماية قطعة، فسار إليهم الأمير منكلى بغا نايب حلب، وقد فر أهل إياس منها، فدخلها الفرنج. فلما قدم نايب حلب جلوا عنها.
وفي يوم الإثنين ثانيه: خلع على ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح العسقلاني الكناني الحنبلي قضاء الحنابلة بديار مصر، بعد وفاة موفق الدين عبد اللّه بن محمد.
وفي يوم الجمعة سادسه: ركب المماليك الأجلاب اليلبغاوية لمحاربة الأمير أسنْدَمُر الناصري الأتابك، وطلبوه في أن يسلمهم بيرم وأزدمر أبو دقن، وجَرَكتمُر أمير مجلس في عدة أخرى. فلم يجد بداً من أن يبعث إلى الأمراء، فلما أتوه قبض على الأمير جَرَكتمُر والأمير أَزْدَمُر أبو دقن أمير سلاح، واِلأمير بيرم العزى الدوادار، والأمير يلبغا القوصوني أمير آخور، والأمير كَبَك الصرغتمُشي الجوكندار، وحملهم مقيدين إلى الإسكندرية. فلم يقنعهم ذلك، وباتوا بسلاحهم، وغدوا يوم السبت على حربهم، وطلبوا منه خليل بن قوصون، فسلمه إليهم، فافتدى نفسه منه بماية ألف درهم، عجل منها ربعها، ورسموا عليه لقوم بباقيها، وأهانه إهانة بالغة، ونزعوا السلاح، وفي باطنهم غل كثير، ثم تجمع أكابرهم في ليلة الأحد واتفقوا على قتل الأمير أسنْدَمُر، وقتل السلطان، وإقامة سلطان غيره، وتحالفوا على ذلك، وركبوا من ليلتهم وقصدوا القلعة، فأمر السلطان بالكوسات، فدقت ليجتمع الأمراء والعسكر، وأحضر الأمير خليل بن قوصون، وأركب معه المماليك السلطانية، وهم نحو المائتين، والأجلاب نحو الألف وخمسمائة، ونودي في القاهرة بركوب أجناد الحلقة، وحضور العامة لقتال الأجلاب. وكانت النفوس قد مقتتهم لقبح سيرتهم، وكثرة شرهم، وزيادة تعديهم.
فبادروا إلى تحت القلعة زمراً زمراً، وركب الأمير أسنبغا بن البوبكري، والأمير قشتَمر المنصوري وغيره، فتناولت العامة الأجلاب بالرجم من كل جهة، وتقدم إليهم المماليك السلطانية والأمراء والأجناد وقاتلوهم، فكسروهم. فمضوا في كسرتهم إلى الأمير أسَندَمر. بمنزله من الكبش، ومازالوا به حتى ركب معهم في موكب عظيم، ومر على القرافة، حتى أتى من وراء القلعة، كما فعل فيما تقدم، فلم تثبت له المماليك السلطانية، وانهزمت عند رؤيته، فثبتت العامة وحدها لقتاله، وتقدموا إليه ورموه بالحجارة رمياً متتابعاً، وهو ومن معه يرموهم بالنشاب، فكان بين الفريقين قتال شديد شنيع، قتل فيه جماعة منهما، وطالت المعركة بينهما، فعادت المماليك السلطانية والأمراء، وحملوا هم والعامة على أسندمر والأجلاب، حملة منكرة، فلم يثبت لهم، وولى الأدبار بمن معه، وامتنع بإصطبله من الكبش وفت الظهر، فقبض من أصحابه على الأمير قرمش الصرغتمشي والأمير أقبغا آص الشيخوني، والأمير أرسلان خجا، وسجنوا بخزانة شمايل من القاهرة.
وركب الوالي عن أمر السلطان، ونادى بالقاهرة ومصر وظواهرهما، من قدر على حد من الأجلاب فله سلبه، ويعطى كذا من المال إذا أحضره، فتتبعت العامة عند ذلك الأجلاب في الأزقة والحارات، وأخذوا منهم جماعة، وركب الأمير خليل بن قوصون إلى الأمير أسنَدمر، فأخذه من داره وطلع به إلى القلعة ليقيد ويسجن، فشفع فيه جماعة من الأمراء، وقرروا عليه مالاً لينفق في مماليك السلطان، فقبل السلطان شفاعتهم، وخلع عليه، وأقره على حاله، فنزل إلى داره في ليلة الإثنين، ومعه الأمير خليل بن قوصون مرسماً عليه، حتى يحضر من الغد بالمال. فخدع أسندمر بن قوصون ووعده بأن يقيمه في السلطة، فإنه ابن بنت السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فانخدع ابن قوصون ومال إليه وتحالفا على ذلك. فبعث أسندَمُر فجمع إليه الأجلاب، وبذل فيهم المال، ووعدهم ومناهم، فما طلع نهار يوم الإثنين حتى وكب أسندَمر وابن قوصون في جمع كبير، ووقفا تحت القلعة، فعادت الحرب وركب الأمراء والأجناد، وخرج عامة الناس، فكان الأمراء إذا رأوا ابن قوصون بجانب أسندمر انضموا إليه، ظناً منهم أنه سلطاني. فأمر السلطان فدُقت الكوسات، ونزل إلى الإصطبل بآلة الحرب، فاجتمع إليه الأمراء والمماليك السلطانية والعامة، وبعث إلى أسندَمُر وابن قوصون ليحضرا إليه، فامتنعا، وصرحا بأنهما يريدان نزع السلطان من الملك وإقامة غيره في السلطة لتخمد الفتنة. فلما عاد جوابهما إلى السلطان، بعث ثانياً يخوفهما عاقبة الغدر، فأظهرا أنهما أجابا، وهمّا بالحضور، ثم سَلا سيفيهما، ومرا ليفتكا بالسلطان، وقد ركب ووقف تحت الإصطبل، فتبعهما من معهما من الأجلاب، وهم شاهرون السلاح، ليفعلا فعلهما. فبادر السلطان بالنداء في العامة هؤلاء مخامرون فارجموهم. فصاحت العامة بأجمعهما مخامرين ورجموهم بالحجارة، ورمتهم المماليك السلطانية بالنشاب، فلم يكن غير ساعة حتى انكسر أسندمُر وابن قوصون، وقتل عدة من الأجلاب، فأخذتهم العامة في هزيمتهم، وأتوا بهم إلى السلطان أرسالاً وقد نزعوا ثيابهم وكشفوا رؤوسهم، ونالوا منهم ما شفي صدورهم. ثم قبضوا على خليل ابن قوصون من ناحية المطرية، وأتوا به. ثم أخذوا أسندمر من نحو وادي السدرة تجاه قبة النصر. وقبض على الأمير ألطبغا اليلبغاوي، والأمير سلطان شاه بن قرا، وهما من أمراء الألوف. وقبض على أحد عشر أمير سوى هؤلاء من اليلبغاوية، وقيدوا، ومضى بهم الأمير مَلَكتمُر، والأمير ألطنبغا العلاي، والأمير درت بغا البالسي إلى الإسكندرية ومات في هذا اليوم الأمير قنق أحد الألوف.
ونودي في آخر النهار بالأمان، فلا ينهب أحد شيئاً، فقد ظفر السلطان بغرمائه، فزينوا القاهرة ومصر، فزينتا أحسن زينة، وفرح الناس بزوال دولة الأجلاب.
وفي عاشره: رسم بالإفراج عن الأمير طغاى تَمُر النظامي والأمير ألجاي اليوسفي، والأمير أيدَمُر من صديق. وأنعم على الأمير مَلَكتمُر بن بركة، بتقدمة خليل بن قوصون.
وفي ثالث عشره: استقر الأمير أقبغا عبد الله دواداراً كبيراً بإمرة طبلخاناه.
وفي يوم الإثنين سادس عشره: استقر الأمير يلبغا آص المنصوري أميراً كبيراً أتابك شريكاً للأمير تَلكتَمر المحمدي. وأنعم على كل منهما بتقدمة ألف، وأجلسا بالإيوان. واشتد الطلب على المماليك اليلبغاوية، فقبض منهم على نحو الألف، وحبسوا، فبلغ السلطان أن الأميرين يلبغا آص وتلكتَمر يريدا إخراج المذكورين وسكنى بيت يلبغا في الكبش، وركوبهما بهم على السلطان وقتله، فبادر وقبض على يلبغا آص من الغد يوم الثلاثاء سابع عشره، وعلى تلكتمر المحمدي وجماعة من المماليك، وحمل الأميران إلى الإسكندرية، فسجنا بها.
وفيه قدم الأمير طُغاى تَمُر النظامي، والأمير أُلجاى اليوسفي، والأمير أيْدَمُر من صديق الخطاي من الإسكندرية، فخلع عليهم.
وفيه أنفق السلطان في مماليكه ماية دينار لكل واحد، وخلع على الأمير بكتمر المؤمني، واستقر أمير أخور عوضاً عن بيبغا القوصوني. وقدم الأمير أَقتمُر عبد الغني من الشام باستدعاء، فخلع عليه، واستقر حاجب الحجاب، وخلع على الأمير الأكز الكشلاوي، واستقر شاد الدواوين، عوضاً عن بهادر الجمالي.
وفي ليلة الخميس تاسع عشره: أغرق السلطان في النيل جماعة من المماليك اليلبغاوية الذين اتفقوا على قتله، وأمر بتقوية زينة القاهرة ومصر، فبالغ الناس في تحسينهما.
وفي بكرة يوم الخميس: هذا سمر من الأجلاب اليلبغاوية ماية من أعيانهم، ووسطهم، وأغرق جماعة منهم، ونفي باقيهم إلى الشام وإلى أسوان، فكان ممن نفي من اليلبغاوية برقوق وبركة، وألطنبغا الجوباني، وجركس الخليلي وأقبغا المارديني. تسلمهم الشريف بكتمر والي القاهرة، وأوقفهم في داره وقد جعلت أيديهم في الخشب، وحضر غداؤه فلم يطعمهم شيئاً. ورسم عليهم من توجه بهم إلى قطيا، فتسلمهم والي قطيا وبعث بهم إلى غزة، فأرسلهم نائبها إلى الكرك، فسجنوا بجب مظلم في قلعتها عدة سنين. ثم أفرج عنهم ومضوا إلى دمشق، فخدموا عند الأمير مَنْجَك نائب الشام حتى استدعى السلطان بالمماليك اليلبغاوية ليستخدمهم بديوان ولديه، فحضر برقوق وبركة وغيرهما إلى القاهرة، وخدم برقوق فيمن خدم عند ولدي السلطان حتى قتل السلطان بعد عوده من عقبة أيلة وقام الأمير أَيْنبَك بأمر الدولة، فصار برقوق من جملة أمراء الطبلخاناه، ومنها ملك الإصطبل، وأقام به حتى تسلطن. كما سيأتي ذلك كله في أوقاته مبسطاً إن شاء اللّه تعالى.
وفي هذا اليوم: أيضاً خلع على الأمير ألجاي اليوسفي واستقر أمير سلاح، عوضاً عن أزدَمُر الذي يقال له أبو دقن. وأمر بهدم بيت الأمير يلبغا الخاصكي بالكبش، فهدم جميعه حتى لم يبق منه سوى بعض سوره. وأفرج عن الأمير أرغون ططر، فقدم في يوم الخميس ثالث ربيع الأول، ومضى البريد لإحضار الأمير قُطْلُبغا الشعباني من الشام، فخلع على أرغون ططر، واستقر أمير شكار بتقدمة ألف، وقدم الشعباني في خامسه. وخرج البريد بطلب الأمير منكلى بغا الشمسي، فقدم، وخُلع عليه بالإيوان. واستقر نايب السلطان وأتابك العساكر، وأفرج عن الأمير طيبغا الطويل، واستقر في نيابة حلب، عوضاً عن منكلى بغا الشمسي، واستدعى أيضاً الأمير أزدَمُر الخازندار من الشام، فقدم.
وفي سابع عشره: استقر محيى الدين محمد بن الصدر عمر في حسبة القاهرة، عوضاً عن علاي الدين علي بن عرب، واستقر ابن عرب في نظر الخزانة، وخلع عليهما.
وفي رابع عشرينه: استقر الأمير أسنبغا بن البوبكري في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن عرام، وقدم الأمير أمير على من الشام، باستدعاء، خلع عليه واستقر نايب الشام في رابع عشر جمادى الأولى.
وفي خامس عشرينه: قدم من الإسكندرية نحو ماية وخمسين من الفرنج في الخشب، وذلك أنه ورد ميناء الإسكندرية عدة مراكب في هيئة أنها مراكب تحمل البضائع، فدخل منها إلى المدينة نحو ماية وخمسين رجلاً، فعوقهم الأمير أسنبغا النائب حتى يتبين له أمرهم، فسارت المراكب مقلعة وعادت من حيث أتت، فأمر بتخشيب أيدي المذكورين وحملهم إلى القاهرة، ليرى السلطان ما رأيه.
وفي يوم الإثنين ثاني جمادى الآخرة: قدم الأمير قطلوبغا المنصوري بإستدعاء، ورسم بمسك الأمير بيدمر نايب الشام، فقبض عليه، واستقر عوضه الأمير منْجَك، واستقر عوض منجك في نيابة طرابلس الأمير أيدَمُر الآنوكي الدوادار.
واستقر الأمير طَقتمُر الشريفي في نيابة غزة، واستقر علاي الدين علي بن الطشلاقي.
في ولاية قطيا، عوضاً عن ابن الدوادارى، واستقر الملك الصَرْغَتمُشي في ولاية بلبيس، واستقر الأمير علاي الدين علي بن بكتاش في ولاية القاهرة، عوضاً عن الشريف بكتمر، واستقر بكتَمر في ولاية الجيزة، واستقر الأمير شرف الدين موسى الأزكَشي الأستادار في البحيرة، عوضاً عن بدر الدين بن معين.
وفي ثامن عشره: خلع على الأمير أقتمر الصاحبي الحنبلي، واستقر دوادارا، عوضاً عن أقبغا عبد اللّه.
وفي يوم السبت ثامن عشرينه: استقر سراج الدين محمد بن رسلان بن نصير البلقيني قاضي قضاة الشام، عوضاً عن تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي، وخلع عليه، ومضى، إلى دمشق.
وفي يوم الخميس رابع رجب: تزوج الأمير الأتابك منكلى بغا الشمسي بأخت السلطان، وهي خوند سارة بنت حسين بن محمد بن قلاوون. وفيه خلع عليه، واستقر ناظر المارستان المنصوري.
واستقر الأمير الأكز الكشملاوي أستادار السلطان، عوضاً عن ألْطنبغا البَشْتَكي بعد وفاته، واستقر أَرغون الأحمدي لالا السلطان، عوضاً عن سودون الشيخوني. واستقر الأمير طغاى تمر النظامي شاد الشرابخاناه. واستقر الأمير بشتاك العمري رأس نوبة ثانياً، واستقر الأمير ككبغا السيفي خازندارا، ثم نفي بعد قليل، واستقر عوضه الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص، واستقر الأمير درت بغا البالسي خاصكيا بإمرة طبلخاناه.
وفي يوم الثلاثاء سادس عشره: أعيد علاي الدين علي بن عرب إلى حسبة القاهرة، وعزل ابن الصدر عمر، فمات بعد تسعة أيام من عزله، وفي ثالث عشرينه وقع حريق عظيم بداخل الدور السلطانية من قلعة الجبل، فدخل الأمراء حتى أطفوه.
وفي سابعِ شعبان: استقر الأمير عمر بن أرغون النايب في نيابة الكرك عوضاً عن ابن القشتمُري.
وفي يوم الإثنين حادي عشرينه: خلع على سراج الدين عمر بن إسحاق بن أحمد الهندي، واستقر في قضاء القضاة الحنفية، عوضاً عن جمال الدين عبد الله بن علي التركماني بعد وفاته، وخلع على بدر الدين محمد بن جمال الدين التركماني، واستقر في قضاء العسكر، عوضاً عن السراج الهندي، ونزلا جميعاً من القلعة، فكان يوماً مذكوراً.
وفي يوم الإثنين خامس رمضان: خلع على بدر الدين محمد بن علاي الدين علي بن فضل الله العمري، واستقر في كتابة السر، عوضاً عن أبيه، وقد اشتد مرضه. فلما رآه أبوه بالخلعة بكى.
وقدم الحاج محمد التازي المغربي رايس البحر، وقد تسلم من الشواني التي عمرها الأمير يلبغا غراباً، كمله بالعدد والآلات، وشحنه بالمقاتلة من رجال المغاربة، وأخذ غراباً آخر من الإسكندرية، متكملاً بالعدد والرجال، ومضى في البحر، وهجم على الفرنج، فملك منهم غراباً قتل منه جماعة وأسر باقيهم. وقدم في تاسع عشرين شعبان فتلقاه جماعة من الأمراء بتجمل عظيم، وخرج الناس إلى لقائه، وسروا به، فلما تمثل بين يدي السلطان خلع عليه، وأنعم عليه بجميع ما أحضره من الغنايم.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره: قبض على الأمير طغاي تمر النظامي، والأمير أرغون طَطر، واتهما بإثارة فتنة على السلطان.
وفي تاسع عشرينه: استقر الأمير أَرغون الأزقي رأس نوبة كبيراً، عوضاً عن تلكتُمر، واستقر تلكتمر أمير مجلس، عوضاً عن طغاي تمر النظامي، وخلع عليهما.
وفي العشرين من ذي القعدة: قدم سراج الدين عمر البلقيني من دمشق باستدعاء، واستقر أسنبغا بن البوبكري في نيابة حلب عوضاً عن طيبغا الطويل بعد موته، واستقر طَيْدَمُر البالسي في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن البوبكري، واستقر صلاح الدين خليل بن عرام حاجباً بالثغر، واستقر قطْلُوبغا المنصوري حاجباً ثانياً، عوضاً عن طَيدَمُر البالسي.
وفيه خلع على علم الدين إبراهيم بن قزوينة واستقر في الوزارة، عوضاً عن فخر الدين ماجد بن أبي شاكر، وخلع على ابن أبي شاكر، واستقر في نظر الخزانة الكبرى، عوضاً عن شمس الدين بن الموفق، وخلع على ابن الموفق، واستقر في نظر الإصطبل عوضاً عن شمس الدين بن الصفي، في ثالث عشرينه. وخلع على شمس الدين المقسي، واستقر في نظر الخاص عوضاً عن ابن أبي شاكر، وخلع على كريم الدين شاكر بن الغنام، واستقر في نظر البيوت، وخلع على الحاج محمد بن يوسف، واستقر مقدم الدولة، عوضاً عن المقدم عز، واستقر الأمير أشَقتمُر المارديني في نيابة طرابلس ثم عزل، واستقر الأمير أيدمر الشيخي في نيابة حماة، عوضاً عن عمر شاه، واستقر الأمير أيدمُر يانق في كشف الوجه القبلي، واستقر ابن الديناري في ولاية قوص، عوضاً عن قُرُطاى الكركي، واستقر محمد بن عقيل في ولاية الغربية، واستقر عثمان الشَرفي بالبهنساوية، ومحمد الكركى بالأشمونين، وأحمد الطرخاني بمنوف، عوضاً عن خاص ترك بن طغاى، واستقر قُطُلوبك بالفيوم، واستقر أمين الدين محمد بن علي بن الحسن الألفي في قضاء المالكية بحلب، عوضاً عن صدر الدين أحمد الدميري بعد وفاته، وأعيد فتح الدين أبو بكر محمد بن الشهيد إلى كتابة بدمشق، وقدم جمال الدين بن الأثير إلى القاهرة.
وقبض على الأمير أرغون القشُتَمري، وأخرج بطالا إلى القدس، ونفي أيضاً الأمير بَشْتَاك العُمري إلى الشام.
وفي حادي عشرين ذي الحجة: قدمت رسل السلطان أويس من بغداد، وكان قاع النيل أربعة أذرع وأربعة عشر إصبعاً.
وأنعم على كل من كَجَك بن أرطُق، وأزدَمر الخازندار، وأقتمر الحنبلي، وبكتمر المؤمني، والأكز الكشلاوى، وأرغون الأحمدي اللالا، بتقدمة ألف، وأنعم على كل من محمد بن طُرغاي، وإبراهيم الناصري، وصُراي العلاي، وبكتمر الأحمدي شاد القصر، وبشتاك العُمري، وتنبك الأزقي، ودْرت بغا البالسي، وككبُغا السيفي، وأقبغا عبد الله، وطغاى تمر عبد الله، ويوسف شاه بن يلو، وأروس السيفي، وأيدَمُر بن صديق، ومحمد ابن أقتمر عبد الغني، ويونس الشيخوني، وموسى بن أيتْمش، ومحمد ابن الدواداري، وسودون جركس أمير آخور، وبرسبغا، وقرابغا الأناقي، وعلي بن بكتاش ومحمد بن أمير علي المارديني، وصصلان الجمالي، وصراى تمر المحمدي، وأَسنبغا القوصوني، وخليل بن تنكزبغا، بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من قماري الجمالي، وعمر بن طقتمر، وصربغا السيفي، وجاني بك العلاي، وألطنبغا عبد المؤمن، وطقتُمر الحسني ومبارك شاه الرسولي، وجَرْقُطْلو، وجَرجي البالسي، ومحمد بن أزدمر الخازندار، وقدق الشيخوني، وكوجيا، وأبي بكر بن قنْدُس، وأَسنْبُغا البهادري، وأقتمر عبد الغني الساقي، ويلبغا الناصري، ومحمد بن قرابغا الأناقي، وألطنبغا النظامي، وقطلوبغا من بايزيد بإمرة عشرة.
وفي هذه السنة: فشت الأمراض الحادة، والطواعين بالناس في القاهرة ومصر، فمات في كل يوم ما ينيف على مائة ألف نفس.
ومات في هذه السنة من الأعيانالفقير المعتقد إبراهيم بن البرلسي وهو مجاور بالمدينة النبوية، وقد أناف على ماية سنة.
ومات الملك المنصور أحمد بن الصالح صالح بن المنصور غازي بن المظفر قرأ أرسلان ابن أرتق صاحب ماردين، فكانت مدته نحو ثلاث سنين، وقد جاوز ستين سنة.
وتوفي صدر الدين أحمد بن عبد الظاهر بن عبد الدميري، قاضي المالكية بحلب، وله نظم، وخمس البردة.
وتوفي شهاب الدين أحمد بن لؤلؤ بن عبد الله، المعروف بابن النقيب الشافعي، يوم الأربعاء رابع عشر شهر رمضان. ومولده سنة اثنين وسبعمائة. أخذ القراءات السبع عن جماعة، وقرأ النحو على أبي حيان، وبرع في الفقه، وكتب مختصراً حسناً في الفقه، واختصر الكفاية، وكتب النكت على المنهاج، وكتب قطعة على المهذب وقال الشعر، وتصدر بالمدرسة الحسامية، والمدرسة الأشرفية، وأم بالندقدارية، وكان جيد القراءة، حسن الصوت، ويقصد سماع قراءته في المحراب، ليالي شهر رمضان.
وتوفي شيخ الشيوخ بخانكاه سرياقوس شهاب الدين أحمد بن سلامة بن المقدسي الشافعي، وكان قبل ذلك شيخ خانكاه بَشتَاك وخطيب جامعه، وصنف كتاباً مفيداً في التصوف.
ومات الأمير عز الدين أزدمر الناصري الخازندار، أحد مقدمي الألوف ونائب طرابلس وصفد، في أول شهر ربيع الآخر.
ومات الأمير عز الدين أزدمر العزى أبو دقن أمير سلاح، منفياً بالشام، في صفر.
ومات الأمير سيف الدين أسنَدمُر الناصر أتابك العساكر بسجن الإسكندرية في يوم الأحد.
ومات الأمير أسندمر العلاي نايب الشام ونايب طرابلس في يوم الإثنين.
ومات الأمير أسندمر العلاى الخازن.
ومات الأمير ألطنبغا البشتكي نائب غزة، وأستادار السلطان، في رابع عشرين شعبان.
ومات الأمير أيدمر يانق كاشف الوجه القبلي، في ثامن عشرين ذي الحجة.
ومات الأمير بكتمر الأحمدي شاد الدواوين ومقدم المماليك.
ومات الأمير باكيش اليلبغاوي الحاجب في صفر.
ومات الأمير بيليك الفقيه الزراق، أحد مقدمي المماليك.
ومات الأمير بركان شاد الصندوق.
ومات الأمير تلكتمر المحمدي الخازندار، أحد الألوف، بسجن الإسكندرية.
ومات الأمير جرجي الإدريسي أمير آخور ونائب حلب، وهو بدمشق.
ومات الأمير جَرْقُطلو أمير جندار في صفر.
ومات الأمير جركتمر المارديني الحاجب، بعد عطلة طويلة.
وتوفي عز الدين حمزة بن قطب الدين موسى بن الضياء أحمد بن الحسين، المعروف بابن شيخ السلامية الحنبلي، وقد أناف على الستين بدمشق، في يوم الاثنين. وله شرح على المنتقى لابن تيمية.
وتوفي بهاء الدين خليل أحد نواب الحنفية، يوم الجمعة ثالث عشر شعبان.
وتوفي الأمير طيبغا البوبكري المهمندار، في تاسع عشر المحرم.
ومات الأمير طيبغا الطويل نائب حلب بها، في تاسع ذي القعدة.
وتوفي قاضى القضاة الحنبلي موفق الدين عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الجازي القدسي في يوم الخميس سابع عشرين المحرم، ومولده في أوائل سنة تسعين وستمائة.
وتوفي الشيخ بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الشافعي، في يوم الأربعاء ثالث عشرين شهر ربيع الأول.
وتوفي قاضى القضاة الحنفي جمال الدين عبد الله بن علاء الدين علي، بن فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن مصطفي بن سليمان المارديني التركماني، في ليلة الجمعة حادى عشر شعبان وتوفي جمال الدين عبد اللّه بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات موقع الحكم، في العشرين من شهر رمضان.
وتوفي فقيه المالكية بالمدينة النبوية، بدر الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن فرحون بن محمد بن فرحون.
وتوفي صلاح الدين عبد الله بن المحدث شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنائم بن واحد بن سعيد، المعروف بابن المهندس الصالحي الحلبي الحنفي، سمع كثيراً بالشام ومصر والحجاز، وكتب وجمع وحدث ووعظ، وقد أناف على السبعين.
وتوفي علاى الدين علي بن محيى الدين بن فضل الله بن مُجَلي، بن دعجان بن خلف بن منصور بن نصير العمري، كاتب السر، في يوم الجمعة تاسع شهر رمضان. وقد باشر كتابة السر نيفاً وثلاثين سنة، وخدم أحد عشر سلطاناً، وكتب الخط المنسوب، وقال الشعر الجيد.
وتوفي تقي الدين عمر بن نجم الدين محمد بن عمر بن أبي القاسم، بن عبد المنعم بن أبي الطب الدمشقي ناظر الخزانة بها في يوم الأربع.
ومات قنق العزى، الأمير.
وتوفي قاضي الحنابلة بدمشق جمال الدين محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي صاحب الحمارة.
وتوفي قاضي الحنفية بطرابلس بدر الدين محمد بن عبد الله بن الشبلي.
وتوفي جمال الدين محمد بن كمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الشريشي البكري الوايلي الدمشقي الشافعي.
وتوفي كمال الدين محمد بن جمال الدين إبراهيم بن الشهاب محمود بن سليمان بن فهد الحلبي، بالقاهرة.
وتوفي بدر الدين محمد، المعروف بابن الشجاع الحنفي، أحد نواب الحنفية، في يوم الأحد رابع رمضان.
وتوفي تقي الدين محمد بن يوسف أحد نواب المالكية في الحكم بالقاهرة، يوم الخامس من شوال.
وتوفي الفقيهَ موسى الضرير المالكي.
ومات محتسب القاهرة محيى الدين محمد بن الصدر عمر، في يوم الثلاثاء خامس عشرين رجب.
وتوفي ناظر الأحباس، فخر الدين أبو جعفر محمد بن عبد اللطيف بن الكويك في ثالث عشر رمضان.
ومات الأمير يبرم العزى الدوادار، بطالا الشام.
ومات الأمير أروس البَشْتَكي، رأس نوبة الجمدارية.
ومات الأمير أرغون الأحمدي أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير أرغون القَشْتَمُر أحد الألوف، بطالا بالقدس.
وتوفي قطب الدين أبو عبد الله محمد بن أبي البقاء محمود بن هرماس، بن مامضى المعروف بالهرماس المقدسي.
سنة سبعين وسبعمائةأهل المحرم يوم الأربعاء، وهو ثالث عشر مسرى من شهور قبط مصر، وفيه نودي بوفاء النيل ستة عشر ذراعاً، ففتح الخليج على العادة.
وفي أول ربيع الأول: قدم الأمير منجك نائب الشام بتقدمة سنية، فخلع عليه وقبل تقدمته، ثم أعيد بعد أيام إلى نيابته، وأعيد تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي إلى قضاء دمشق، عوضاً عن سراج الدين عمر البلقيني.
وفي ليلة عشرينه: ولد للسلطان ولد سماه أحمد، فدقت البشائر ثلاثة أيام.
وفي يومه: ولى الأمير قَشْتَمُر المنصوري نيابة حلب عوضاً، عن أسنبغا بن البوبكرى. وقدم رسول متملك القسطنطينية، وصحبته بطريق الملكانية.
وفي يوم الاثنين ثامن ربيع الآخر: استقر الأمير الأكز الكشلاوي وزيراً عوضاً عن علم الدين إبراهيم الحليق بن قزوينة، مضافاً إلى الإستادارية. واستقر ابن قزونية في نظر الخاص، عوضاً عن الشمس المقسي، واستقر المقسي في نظر الإصطبل، عوضاً عن شمس الدين بن الموفق، وخلع عليهم.
وفيه قدم الأمير الملا حيار بن مهنا، فخلع عليه وأكرم.
وفي يوم السبت ثالث عاشره: سار السلطان إلى ناحية طنان للصيد، ومضى إلى الإسكندرية، فدخلها يوم الجمعة، رابع جماد الأولى، وقد زينت زينة عظيمة القدر، وترجل جميع الأمراء من باب رشيد إلى باب البحر في ركابه، فرمى بالمجانيق بين يديه. ثم عاد من الباب الأخضر إلى دار السلطان، وجلس على التخت بها، ومدَّ السماط، فأكل الأمراء ثم رفع، فلما أذن العصر ركب السلطان ودخل إلى دار الطراز وصعد إلى القصر، ثم عاد إلى المخيم بباب رشيد من آخر النهار، وتوجه في يوم الأحد إلى القاهرة، فصعد قلعة الجبل.
وفي سابع عشرينه: جمع الأمراء وقضاة القضاة بالإيوان من القلعة، وعقد لخوند سارة أخت السلطان على الأمير بشتاك رأس نوبة، بصداق حملته خمسة عشر ألف دينار، وأربعماية ألف درهم فضة، عنها نحو العشرين ألف دينار. وكان الذي تولى عقد النكاح بينهما قاضي القضاة سراج الدين عمر الهندي الحنفي، وأنكر عليه بعض الفقهاء عقد النكاح من أجل أن الزوج قد مسه الرق، فألف في جواز ذلك كتاباً.
وفي ثامن عشرينه: قبض على الأمير الأكز الوزير، وعوق بقاعة الصاحب من القلعة.
وخلع على شمس الدين أبي الفرج المقسى، واستقر في الوزارة ونظر الخاص، وخلع على الوزير علم الدين إبراهيم بن قزوينة، واستقر في نظر الإصطبل، عوضاً عن المقسى، وأخرج الأمير آقبغا عبد الله الدوادار منفياً. وخلع على الأمير أقتمر الحنبلي، واستقر في نظر الخانكاه الناصرية بسرياقوس.
وفي رابع عشرين شهر رجب: قبض على أرغون العجمي الساقي - من المماليك السلطانية - ونفي إلى الشام من أجل أنه فقد للسلطان جواهر نفيسة القدر، فلم يعرف لها خبر، فأحضر بعض الفرنج منها حجراً رابعاً - يعرف بوجه الفرس - إلى الأمير مَنْجَك نائب الشام فعرفه، وسأل الفرنجى عن سبب وصوله إليه، فذكر أن أرغون هذا باعه إياه، فبعث به إلى السلطان وطالعه بالخبر، فقبض على أرغون فلم يوجد معه من ثمن الحجر المذكور كبير شيء، فعفا السلطان عنه، ونفاه.
وفي يوم الأثنين أول شهر رمضان: أعيد ابن عرام إلى نيابة الإسكندرية عوضاً عن طيدمر البالسي، بحكم استعفائه.
وفي يوم الخميس رابعه: خلع على الصاحب علم الدين إبراهيم الحليق بن قزوينة إلى الوزارة، واستقر المقسي على نظر الخاص فقط، وأضيف إليه نظر أملاك خوند بركة أم السلطان، وأوقافها.
وفي ليلية الجمعة خامسه: هبت بالقاهرة وأعمالها رياح عاصفة، سقط منها نخيل كثيرة، وأعالي عدة من الدور، وغرقت سفن متعددة، فهلك تحت الردم جماعة من الناس، وكان أمراً مهولاً عامة تلك الليلة.
وفي يوم السبت عشرينه: تنكر السلطان على الأمير أقتمر الحنبلي لكلام جرى بينه وبين الأمير ألجاي، وأمر بنفيه إلى الشام، واستقر عوضه دوادار الأمير منكوتَمُر عبد الغني بإمرة طبلخاناه، وخلع عليه في يوم الإثنين ثاني عشرينه، وخلع فيه أيضاً على الأمير بهادر الجمالي، واستقر أستادار، وأنعم عليه بتقدمة ألف.
وفي أول شوال: قدم البريد من حلب بأن الأمير قَشْتَمُر نائب حلب أخذ سيس من الأرمن، وعاد إلى حلب، فغلب الأرمن عليها، بعد عوده.
وفي أول شهر ذي القعدة: قبض الصاحب علم الدين إبراهيم بن قزوينة على كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، من أجل أنه بلغه أنه يسعى في الوزارة.
وفي رابع عشره: أخذ قاع النيل، فكان خمسة أذرع وعشرين إصبعاً.
وفي يوم الإثنين تاسع عشره: قدم الأمير بَيدمُر نايب الشام، صحبة الأمير ناصر الدين محمد بن قُمارى أمير شكار، وقد وكب البريد لإحضاره، فأمر به إلى الأمير علاى الدين علي بن محمد بن كَلَفْت، فسجنه بقاعة الصاحب، وألزمه بحمل ثلاثمائة ألف دينار وعصره، في يوم الأربعاء حادي عشرينه، فحمل منه ماية ألف دينار، و خرج إلى دمشق ليؤدي بقية ما ألزم به، ثم ينفى إلى طرسوس،. وكان قد استقر عوضه في نيابة الشام الأمير منجك.
وفي هذا الشهر: خرج ببلاد الشام جراد مضر، وكثر بها الفأر في البيادر، فتلفت الغلال، وفشا بها الوباء. وكثر الخوف ببلاد الساحل من الفرنج والعشمير. ووصل إلى صيدا عدة من مراكب الفرنج فحاربوا المسلمين، ورجعوا خايبين.
وفي يوم الجمعة ثالث عشرينه: تجمعت الغوغاء من زعر العامة بأراضي اللوق خارج القاهرة للشلاق، فقتل بينهم واحد منهم، فركب والي القاهرة الشريف بَكتمُر، وأركب معه الأمير علاى الدين على بن كَلَفت الحاجب، والأمير أقبغا اليوسفي الحاجب، وقصد المشالقين، ففروا منهم، وبقى من هناك من النظارة، فضرب عدة منهم بالمقارع. فتعصبت العامة، ووقفوا تحت القلعة في يوم الثلاثاء، وأصبحوا يوم الأربعاء ثامن عشرينه كذلك، وهم يستغيثون ويضجون بالشكوى من الوالي، فأجيبوا بأن السلطان يعزل عنكم هذا الوالي فأبوا إلا أن يسلمه إليهم هو والحاجبين. وكان الوالي قد ركب على عادته بكرة النهار يريد القلعة، فرجمته العامة حتى كاد يهلك فالتجأ منهم بالإصطبل، وظل نهاره فيه، والعامة وقوف تحت القلعة إلى قريب العصر، وكلما أمروا بأن يمضوا أبوا ولجوا، فركب إليهم الوالي في جمع موفور من مماليك الأمير بَكتمُر المومني، أمير آخور، ومن الأوجاقية، فثارت العامة ورجمتهم رجماً متداركاً حتى كسروهم كسرة قبيحة، فركبت المماليك السلطانية، والأوجاقية وحملوا على العامة، وقتلوا منهم جماعة، وقبضوا على خلائق منهم، وركب الأمير ألجاي اليوسفي، وقسم الخطط والحارات على الأمراء والمماليك، وأمرهم بوضع السيف في الناس، فجرت خطوب شنيعة، قتل فيها خلائق ذهبت دماؤهم هدراً، وأودعت السجون منهم طوائف، وامتدت أيدي الأجناد إلى العامة، حتى أنه كان الجندي يدخل إلى حانوت البياع من المتعيشين ويذبحه ويمضي. وحكى بعضهم أنه قتل بيده في هذه الواقعة من العامة سبعة عشر رجلاً.
وكانت ليلة الخميس تاسع عشرينه: من ليالي السوء، وأصبح الناس وقد بلغ السلطان الخبر، فشق عليه وأنكره، وقال للأمير بكتمر المومني عجلت بالأضحية على الناس وتوعده، فرجف فؤاده ونحب قلبه، وقام فلم يزل صاحب فراش حتى مات، وأمر السلطان بالإفراج عن المسجونين، ونودي بالأمان، وفتح الأسواق، ففتحت، وقد كان الناس قد أصبحوا على تخوف شديد لما مر بهم في الليل.
وفيه خلع على الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني والي مصر، واستقر في ولاية القاهرة، عوضاً عن الشريف بكتمر.
وأتفق في هذا الشهر: أيضاً أن ناصر الدين محمد بن مسلم - كبير تجار مصر - سافر للقاء بضائع قدمت له من الهند بقوص، فأشاع ولده في الناس موت أبيه، وعمل عزاه، واجتمع بالسلطان وسأله أن يقوم عوض أبيه في المتجر، ووعد بحمل خمسين ألف دينار، فخلع عليه، ونزل فأخذ في حمل ما وعد به حتى أتى على مبلغ كبير منه. فبينما هو في ذلك إذ قدم كتاب أبيه في بعض حاجاته، فسر أهله بحياته، وبعث إليه بما كان من مولده، فبادر إلى المجيء واجتمع بأهل الدولة، وبالسلطان، فاعتذروا إليه بما كان من ولده ورسم له أن يعتد له بما حمل ولده في نظير ما يرد له من البضائع، ويحاسب به مما عليه للديوان، وخلع عليه، فكان ذلك أيضاً من شنيع ما وقع.
واتفق أيضاً أن بني كلاب كثر فسادهم وقطعم الطريق فيما بين حماة وحلب، وأخذوا بعض الحجاج، فخرج إليهم الأمير قشتمر نائب حلب بالعسكر، حتى أتوا تل السلطان بظاهر حلب، فإذا عدة من مضارب عرب آل فضل، فاستاق العسكر جمالهم ومواشيهم ومالوا على بيوت العرب فنهبوها. فثارت العرب بهم وقاتلوهم، واستنجدوا من قرب منهم من بنى مهنا، وأتاهم الأمير حيار وولده نعير بجمع كبير، فكانت معركة شنيعة، قتل فيها الأمير قشتمر النايب وولده وعدة من عسكره، وانهزم باقيهم، فركب العرب أقفيتهم، فلم ينج منهم عرياناً إلا من شاء الله، فكان ذلك وهنا في الدولة، جره إليها طمع عساكرها.
وفي يوم الجمعة ثامن ذي الحجة: قدم الخبر بنزول أربع قطايع على الإسكندرية من الفرنج، وأنهم رموا على المدينة بمنجنيق، فخرج تلك الليلة ثلاثة وعشرون أميراً، منهم ثلاثة من الألوف وعشرة من الطبلخاناه وعشرة من أمراء العشرات، فقدم الخبر في عشية السبت أن المغاربة، والتركمان نزلوا في المراكب، وقاتلوا الفرنج، وقتلوا منهم نحو المائة، وغنموا منهم مركباً.
وفي خامس عشره: خرج على البريد الأمير قطلوبغا الشعباني ليسير بالأمير أشَقتمر المارديني إلى حلب، وكتب معه تقليده بالنيابة، وحملت إليه الخلعة، وأن يقلد الأمير زامل إمرة العرب، عوضاً عن حيار بن مهنا، فاستقر الأمير أَشَقتمر في نيابة حلب، ووجد العرب قد شرقوا.
وفيه توجه الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير سرتقطاى في الرسالة إلى أويس متملك بغداد.
واستقر جمال الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن عبد الملك المسلاني في قضاء المالكية بدمشق، عوضاً عن سرى الدين إسماعيل بن محمد بن محمد بن هاني الأندلسي، واستقر الأمير بيبغا القوصوني كاشف القليوبية، والأمير محمد بك الشيخوني في نيابة غزة، والشريف بكتمر في ولاية قطيا، عوضاً عن ابن الطشلاقي، والأمير بكتمر أستادار الطويل في ولاية قوص، والأمير أسندمر الخضري في البحيرة، عوضاً عن ابن معين، والأمير قطلوبك السيفي في ولاية مصر، وأنعم على الأمير محمد بن طرغاي بإمرة طبلخاناه، واستقر أستادار، وارتجع عن الأمير أَسَندَمر المظفري تقدمته، وعوض طبلخاناة، لعجزه عن الخدمة من مرض، وأنعم على كل من الأمير بَتْشَاك العمري، والأمير بهادر الجمالي بإمرة ماية تقدمة ألف، وعلى كل من الأمير بيبغا القوصوني، وصراي الإدريسي، وأحمد بن أقتمر عبد الغني، وأحمد بن قنغلى، وطَقتمُر الحسنى، وخليل بن قمارى، وأرغون شاه الأشرفي، وحسين بن الكوراني بإمرة طبلخاناه، وعلى كل من جلبان العلاى، ومحمد بن لاجين، وأسنبغا النظامي، ومحمد بن قطلوبغا المحمدي، وعمر بن أسن البوبكرى بإمرة عشرة.
وفي هذه السنة: حجت خوند بركة أم السلطان في تجمل عظيم، ومعها الكوسات والعصايب السلطانية، وعدة جمال، تحمل الخضر المزروعة، وفي خدمتها الأمير بشتاك العمري، والأمير بهادر الجمالي، وماية من المماليك السلطانية.
ومات في هذه السنة من الأعيانالأمير إبراهيم ابن الأمير صَرغَتْمش الناصري، أحد العشرات، في تاسع شوال، ودفن بمدرسة أبيه.
ومات الأديب الموالي أحمد بن محمد بن أحمد، المعروف بالفار طرنجي العالية.
ومات الأمير أرغون علي بك الأزقي نائب غزة وأحد أمراء الألوف رأس نوبة في أول جمادى الآخرة.
ومات تقي الدين حسن بن محمد بن فتيان، كاتب سر طرابلس.
ومات الأمير خليل بن علي بن الأمير سلار النائب، أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير الطواشي ناصر الدين شفيع، أحد العشرات، ونائب مقدم المماليك، في ثامن شعبان.
ومات الأمير طُغاى الفخري - أحد الطبلخاناه - غريقاً بالنيل.
ومات قاضي الحنفية بدمشق، جمال الدين محمود بن أحمد بن مسعود، أحد فقهاء الحنفية الأعيان.
ومات شمس الدين محمد بن خلف بن كامل الغزي، أحد نواب الحكم بدمشق، وأعيان الفقهاء الشافعية، وله رحلة إلى القاهرة.
وتوفي ناصر الدين محمد بن تقي الدين عبد القاهر بن الوزير الصاحب ضياء الدين أبي بكر بن عبد الله بن أحمد بن منصور بن أحمد النشابي، أحد موقعي الدست، في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي الحجة، عن اثنتين وخمسين سنة.
ومات عماد الدين محمد بن موسى بن سليمان بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن علي بن أحمد بن الشيرحي محتسب دمشق، وناظر الخزانة بها. ومات بدر الدين محمد بن الجمال محمد بن الكمال أحمد بن محمد بن الشريشي الشافعي، برع في الفقه واللغة، وقال الشعر.
ومات الأمير محمد بن الأمير طقبغا الماجاري صاووق، أحد الطبلخاناه.
ومات الأديب الشاعر شمس الدين محمد بن تقي الدين على الواسطي، في شهر رجب.
ومات الأمير ألطنبغا المؤمني الجوكندار، أحد العشرات، في صفر.
ومات الأمير أقَتمُر عبد الغني الصغير - أحد العشرات - في تاسع عشرين شهر رمضان.
ومات الأمير أزكا السيفي، أحد الطبلخاناه.
ومات متملك تونس أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى، في العشرين من رجب، بعد ما ملك تسع عشرة سنة وشهرين، فقام بعده ابنه أبو البقاء خالد.
سنة إحدى وسبعين وسبعمائةفي أول المحرم: ورد قاصد الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير طاز، ومعه أربعة وعشرون من الفرنج، أسرهم من ناحية الطينة، وكان مجرداً بها.
وفي يوم الأحد ثامنه: ورد البريد بطلب الأمير حيار الأمان، وكان القاصد بذلك الأمير سيف الدين بهادر أستادار الأمير منجك نائب الشام، ومعيقل حاجب حيار، فأجيب إلى ذلك.
وفي يوم الخميس ثامن عشره: خلع على كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، واستقر في الوزارة عوضاً عن علم الدين إبراهيم بن قزوينة باستعفائه، و لم يتعرض لابن قزوينة بسوء.
وفيه استقر عماد الدين إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح المعروف بابن الكشك الدمشقي في قضاء الحنفية بدمشق، بعد وفاة جمال الدين أبي الثناء محمود بن سراج الدين أحمد بن مسعود، المعروف بابن السراج.
وفي يوم السبت رابع عشر: ركب السلطان إلى لقاء والدته عند قدومها من الحج، ونزل بركة الحجاج ثم مضى إلى البويب. فلما قدمت في يوم الإثنين سادس عشره عاد إلى قلعة الجبل.
وفي يوم السبت حادي عشرينه: خلع على الأمير بهادر الجمالي، واستقر أمير أخور، عوضاً عن الأمير بَكتمُر المؤمني بعد وفاته، وخلع على الأمير تَلكتَمُر بن بركة، أستادار، عوضاً عن بهادر الجمالي، واستقر الأمير أرغون شاه الأشرفي أمير مجلس، عوضاً عن تلكتمر، وأنعم على الأمير جلبان العلاى بإمرة طبلخاناة.
وخرج البريد بطلب الأمير أَقتمُر الصاحبي الحنبلي من الشام، فقدم في رابع عشر صفر.
وفيه استقر كمال الدين - التنسي المالكي في قضاء الإسكندرية، عوضاً عن كمال الدين الريغي.
وفي أول شهر ربيع الأول: قدم الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن إلياس القونوي الحنفي، فخرج الأمير منكلى بغا الشمسي الأتابك إلى لقائه، وأنزله في بيت بالمارستان، فأتاه الناس من كل جهة. وكان منقطع القرين في الورع والصدع بالحق.
وفي ثالث ربيع الآخر: استقر الأمير كنجكجي المنصوري في نيابة حماة، عوضاً عن أيدمر الشيخي.
وفي رابعه: خلع على الصاحب شمس الدين أبي الفرج المقسي، واستقر في الوزارة، عوضاً عن كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، مضافاً إلى نظر الخاص.
وفي ثاني جمادى الآخرة: أخرج الأمير محمد بن قمار أمير شكار منفياً، واستقر عوضه الأمير جمال الدين عبد الله بن بَكتمر الحاجب أمير شكار، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن قيران الحسامي، المعروف بابن شرف الدين، واستقر أمير طبر، عوضاً عن شرف الدين موسى بن ديدار بن قرمان عند استعفائه، وخلع على الأمير نصرات، واستقر حاجباً عوضاً عن أسنبغا.
وفي ثالثه: استقر الأمير كنول رأس نوبة.
وفي يوم الخميس رابع عشرين رجب: استقر علاء الدين علي بن محمد بن علي ابن عبد اللّه بن أبي الفتح بن هاشم المقدسي في قضاء الحنابلة بدمشق، عوضاً عن شرف الدين أحمد بن شيخ الجبل بعد وفاته.
وفي تاسع عشرينه: رسم الأمير أسندَمُر حرفوش بالجلوس وقت الخدمة بالإيوان.
وفي ثامن عشر شعبان: استقر الشريف بكتمر بن علي الحسيني حاجباً، عوضاً عن أقبغا اليوسفي. واستقر الأمير أرغون شاه الأشرفي رأس نوبة، عوضاً عن الأمير بَشتاك العمري بعد وفاته، واستقر الأمير أرغون الأحمدي اللالا أمير مجلس، عوضاً عن أرغون شاه، وأنعم على الأمير طينال المارديني بتقدمة ألف، وعلى الأمير علم دار بتقدمة ألف، واستقر أستادارا، واستقر الأمير محمد بن سرتقَطَاي نقيب الجيش، عوضاً عن أرغون بن قيران. واستقر الأمير شرف الدين موسى بن الأزكَشي شاد الدواوين، عوضاً عن شرف الدين موسى بن الديناري، واستقر ابن الديناري حاجباً، عوضاً عن علاء الدين ابن كلفت، واستقر الأمير آقبغا بن مصطفى جاشنكيرا عوضاً عن الأمير ألطبغا العلاى فرفور، واستقر الأمير جركس الرسولي أستادارا ثانياً، عوضاً عن محمد بن طرغاي، واستقر الأمير طغاى تمر العثماني أمير جاندار، عوضاً عن الأمير أسندمر حرفوش، وخلع على الجميع.
واستقر الأمير تلكتَمُر من بركة في نيابة صفد، عوضاً عن الأمير جنتمر أخي طاز.
وقدم البريد بغلاء الأسعار بدمشق، وتجاوزت الغرارة القمح مائتي درهم، وفشت بها الآوبئة.
وفي يوم الإثنين ثالث عشرين شوال: توجه قاضي الحنابلة بدمشق علاء الدين على ابن محمد إلى محل ولايته.
وفي رابع ذي القعدة: استقر علاء الدين علي بن الرصاص في قضاء الحنفية بصفد، وخلع عليه، وتوجه إلى ولايته.
وفي يوم الخميس خامس عشرينه: خلع على الصاحب فخر الدين ماجد بن تاج الدين موسى بن أبي شاكر وأعيد إلى الوزارة، عوضاً عن شمس الدين أبي الفرج المقسي، وخلع على الأمير ناصر الدين محمد بن إياز الدواداري، واستقر كاشف الوجه البحري، واستقر علاى الدين السناني في ولاية الغربية، عوضاً عن قطلوبك صهر المزوق، واستقر بهادر والي العرب في ولاية البهنسا، واستقر ركن الدين عمر بن المعين والي البحيرة عوضاً عن أسَندَمُر الخضري.
وفي يوم الإثنين ثامن عشرينه: رسم بتسمير نصراني، اتهم أنه سحر خوند ابنة الأمير طاز وزوجة السلطان، فماتت بسحره، فسمر ووسط وأحرق بالنار.
واستقر نجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن الكشك في قضاء الحنفية بدمشق، عوضاً عن أبيه، برغبته له عن ذلك، واستقر برهان الدين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن على الصنهاجي في قضاء المالكية بحلب، عوضاً عن تقي الدين الأنفي.
وفي يوم الخميس تاسع ذي الحجة: استقر زين الدين أبو بكر على بن عبد الملك المازوني في قضاء الماليكة بدمشق، بعد وفاة جمال الدين المسلاتي.
وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه: قدم البريد بوفاة التاج عبد الوهاب بن السبكي قاضي القضاة بدمشق، فاستقر عوضه كمال الدين أبو القاسم عمر بن الفخر عثمان ابن هبة الله المعري قاضي حلب، واستقر في قضاء حلب عوض المعري قاضي طرابلس فخر الدين عثمان بن أحمد بن عثمان بن أحمد الزرعي.
وأعيد الأمير ألطبغا الشمسي إلى ولاية القلعة، وأخرج الأمير نصرات إلى الإسكندرية، وعمل بها حاجباً، وأنعم على كل من الأمير منكوتَمر عبد الغني والأمير يلبغا المجنون بتقدمة ألف، وعلى كل من الأمير يلبغا الناصري، والأمير ألطبغا الشمسي، والأمير قطلو أقتمر العثماني، والأمير آل ملك الصرغتمشي، والأمير عبد الرحيم بن الأمير منكلى بغا الشمسي، والأمير يَاوَرجي القوصوني، والأمير تغرى بردش بن ألجاي، والأمير تلكتَمُر الجمالي بإمرة طبلخاناه، وعلى كل من محمد بن قرا ابن كُلَيته، ورجب بن طيبغا المحمدي، وعبد الله بن محمد بن طرغاي، وصراي تمر المحمدي، ومنكلى بغا البلدي الأحمدي، ويلبغا المحمدي، وبكتمر العلمي، ومحمد شاه ابن الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص، وطيدمر الذهبي أمير شكار، وبكتاش بن قطليجا.
وفيها ولد للسلطان ولد ذكر سماه رمضان، وزينت القاهرة لولادته، ودقت البشاير، وذلك في شهر رمضان.
وكان أمير الحاج علاء الدين علي بن كَلَفْت، فأقام بمكة لعمارة مأذنة باب الحزورة، وعاد بالحاج الطواشي سابق الدين مثقال الآنوكي، مقدم المماليك.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانالوزير الصاحب علم الدين إبراهيم بن قزوينة، المعروف بالحليق، في ليلة الثلاثاء سابع شهر رجب.
وتوفي قاضي الحنابلة بدمشق شرف الدين أحمد بن قاضي الحنابلة بدمشق شرف الدين أبي الفضائل الحسن بن الخطيب شرف الدين أبي بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الدمشقي، المعروف بابن قاضي الجبل الحنبلي، علامة وقته في كثرة النقل وقفه الحنابلة، في يوم الثالث عشر من رجب.
وتوفي قاضى المالكية بحماة ودمشق أبو الوليد سرى الدين إسماعيل بن البدر محمد ابن محمد بن هانىء اللخمي الأندلسي بالقاهرة، برع في العربية واللغة والأدب، وشرح التلقين في النحو لأبي البقاء، وحدث بالموطأ.
ومات الأمير أروس بغا الخليلي أحد الطبلخاناه في آخر شهر رجب.
ومات الأمير أسندَمُر الكاملي زوج خوند القُرْدُمية وأحد أمراء الألوف.
ومات الأمير آسن الصرغتمشي أحد الطبلخاناه، منفياً بدمشق.
ومات الأمير أقبغا اليوسفي الحاجب، في شعبان بمدينة منفلوط، وقد توجه إلى لقاء هدية صاحب اليمن، وكان مشكور السيرة.
ومات الأمير ألطبغا العلاى الجاشنكيرى فرفور، أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير بكتمر المؤمني أمير آخور في يوم الثلاثاء سابع عشر المحرم.
ومات الأمير بكتمر الأحمدي أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير تنبك الأزقي أحد الطبلخاناه ورأس نوبة ثانياً. وكان من الأبطال.
ومات الأمير طيبغا المحمدي أحد أمراء الألوف، في صفر.
ومات قاضي قضاة دمشق تاج الدين عبد الوهاب بن قاضي قضاة دمشق تقي الدين على بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري السبكى، في يوم الثلاثاء سابع ذي الحجة بدمشق، عن أربع وأربعين سنة.
وتوفي قاضي القضاة الحنفية وعالمهم زين الدين عمر بن الكمال أبي عمر عبد الرحمن بن أبي بكر البسطامي، ليلة الجمعة خامس عشرين جمادى الآخرى بالقاهرة، ومولده في جمادى سنة أربع وتسعين وستمائة، ودفن بالقرافة عند جده لأمه قاضي القضاة شمس الدين محمد السروجي.
وتوفي زين الدين عبد الله بن القوصي، أحد نواب القضاة الشافعية، في ليلة الخميس سابع عشر جمادى الآخر.
وتوفي قاضى المالكية بدمشق جمال الدين محمد بن الزين عبد الرحيم بن علي بن عبد الملك المسلاتي بالقاهرة، في يوم السبت ثالث عشر ذي القعدة، ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر.
وتوفي قاضي العسكر بدر الدين محمد بن أبي الفتح محمد بن عبد اللطف بن يحيى بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي، بطريق القدس، أو قد توجه لزيارته.
وتوفي الفقيه النحوي شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد المالقي المغربي المالكي بدمشق، وله شرح التسهيل في النحو.
ومات الأمير محمد بن الأمير تنكز نايب الشام، أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير محمد بن الأمير طرغاي أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير محمد الترجمان، أحد الطبلخاناه.
ومات شمس الدين موسى بن التاج أبي إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم ناظر الجيش وناظر الخاص، بعد ما عزل، ووزر وزارة دمشق غير مرة. وهو من أبناء السبعين، بظاهر دمشق.
ومات الأمير الأكز الكشلاوي، الوزير الأستادار، وهو منفي بحلب في ربيع الأول.
سنة اثنتن وسبعين وسبعمائةفي يوم الاثنين ثاني عشر المحرم: استقر سعد الدين ماجد بن التاج أبي إسحاق في وزارة الشام.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره: سافر زين الدين أبو بكر بن علي بن عبد الملك المازوني - قاضي المالكية بدمشق - إلى محل ولايته.
وفي حادي عشرينه: أخرج الأمير يعقوب شاه الخازندار منفياً إلى ملطة.
وفي أول صفر: قدمت رسل الفرنج لطلب الصلح، فحلفوا على ألا يغدروا ولا يحزنوا، وخلع عليهم، وسافروا ومعهم من يحلف ملكهم، وأخذت منهم رهائن بالقلعة.
وفي شهر ربيع الأول عزل الأمير شهاب الدين أحمد بن قنغلى من ولاية الجيزة بسؤاله، وارتجعت عنه إمرة طبلخاناه، وأنعم على طيبغا العمري الفقيه بإمرة عشرة. واستقر محمد بن قرطاي الموصلي نقيب الجيش، عوضاً عن أرغون بن قيران، ثم أعيد أرغون واستدعى محمد بن قماري من غزة، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، واستقر أمير شكار على عادته.
وفي يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر: ركب السلطان للصيد، وعبر القاهرة من باب زويلة، ونزل إلى القبة المنصورية، فزار جده وجد أبيه، وركب فخرج من باب النصر، وتصيد، وعاد يريد التوجه إلى الوجه القبلي، فقدمت له أرباب الأدراك تقادم جليلة.
وفي ليلة الخميس الخامس من جمادى الأولى: ظهر بالسماء على القدس ودمشق وحلب، حمرة شديدة جداً كأنها الجمر، وصارت في خلل النجوم، كالعمد البيض حتى سد ذلك الأفق طول ليلة الخميس حتى طلع الفجر، فارتاع الناس، واشتد خوفهم، وباتوا يستغفرون الله ويذكرونه.
وفي آخره: خلع على الأمير سيف الدين طشتمر العلاى، واستقر دوادارا بإمرة طبلخاناه، نقل إليها من الجندية بعد وفاة منكوتمر عبد الغني الدوادار.
وفيه عادت رسل الفرنج ومعهم عدة ممن أسروهم من المسلمين نحو المائة.
وكان الوقت خريفاً، فكثرت الأمراض في الناس بالقاهرة، والوجه البحري، وتجاوز عدد الأموات بالقاهرة ثمانين في كل يوم.
وفي أول جمادى الآخرة: استقر شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي الحنبلي، في إفتاء دار العدل وتدريس مدرسة أم السلطان بخط التبانة، عوضاً عن بدر الدين حسن النابلسي بعد وفاته.
وفيه بعث الفرنج من بقي من أسرى المسلمين ببلادهم، وتم الصلح، وفتحت كنيسة القمامة بالقدس.
وفي ثالث عشرين شهر رجب: سار ركب الحجاج الرحبية إلى مكة.
وفي سابع شعبان: استقر بدر الدين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد الأخناي في إفتاء دار العدل، عوضاً عن تاج الدين محمد بن بهاء الدين بعد وفاته بعقبة أيلة صحبة الرجبية.
وفي تاسعه: استقر علم الدين صالح الإسنوي موقع الحكم، واستقر في وكالة الخاص، عوضاً عن ابن بهاء الدين، واستقر بدر الدين الأقفهسي شاهد الأمير ألجاي اليوسفي عوضه في شهادة الجيش، واستقر محب الدين السمسطاي في نظر المارستان عوض ابن بهاء الدين.
وفي يوم الإثنين رابع عشر شعبان: خلع على الصاحب شمس الدين أبي الفرج المقسي، واستقر وكيل الخاص عوضاً عن علم الدين صالح، مضافاً لما بيده.
وفي أول شهر رمضان: خلع على الأمير علم دار، واستقر في نيابة صفد عوضاً عن تَلَكتمُر الفقيه من بركة، وقدم تَلَكتمُر واستقر أستادارا عوضاً عن علم دار.
وفي عاشر شوال: خلع على الأمير أرغون شاه، واستقر رأس نوبة بعد موت الأمير بَشتَاك.
وفي سابع عشر ذي القعدة: خلع على الأمير طيدمر البالسي، واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن عرام، وأنعم على أبن عرام بإمرة طبلخاناه بالقاهرة.
وفي رابع عشرينه: خلع على بدر الدين بن السكري، واستقر في قضاء الحنفية بالإسكندرية بعد موت ابن الزبيبة، وخلع على محمد بن سرتُقطَاي، واستقر نقيب الجيش، عوضاً عن أرغون بن قيران.
وفيه خلع أبو البقاء، خالد بن إبراهيم بن أبي بكر متملك تونس، بعد إقامته في الملك سنة وتسعة أشهر تنقص يومين، وقام بعده ابن عمه أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم، في يوم السبت ثامن عشر ربيع الآخر.
ومات في هذه السنة ممن له ذكرمن الأعيان قاضي الحنفية بثغر الإسكندرية شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن عمر الصالحي، عرف بابن زْبيبّة - تصغير زبيبة - في خامس عشر ربيع الأول وهو أول من ولي من قضاء المدينة بالإسكندرية.
ومات الأمير أرغون بن قيران السلاري نقيب الجيش في جمادى الأولى.
ومات الأمير أسندمر حرفوش العلاى الحاجب، بعد ما أخرج إلى الشام، وأنعم عليه بإمرة ألف في دمشق.
ومات الأمير علي المارديني نائب الشام وديار مصر، في يوم الثلاثاء سابع المحرم، وكان مشكور السيرة.
ومات الأمير بَشْتَاك العمري رأس نوبة.
ومات الأمير جرجي نائب حلب، وهو أمير كبير بدمشق، في صفر.
ومات الأمير جرجي البالسي، أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير جرقطلو المظفري، أحد العشرات.
ومات بدر الدين حسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن النابلسي، الفقيه الحنبلي، مفتي دار العدل، ومدرس الحنابلة بمدرسة أم السلطان، في رابع عشر جمادى الآخرة، توفي بالقاهرة.
ومات شرف الدين سالم بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء، في يوم الخميس رابع عشر شوال، بالقاهرة.
ومات الشيخ عبد الرحيم جمال الدين أبو محمد بن الحسن بن علي بن عمر الأموي الإسنوي الشافعي، فجأة، ليلة الأحد ثامن جمادى الأولى، وقد انتهت إليه رياسة العلم. وأكثر من التصانيف في الفقه وغيره.
وتوفي قاضي الحنفية بالمدينة النبوية، نور الدين علي بن الفقيه عز الدين يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود الزرندي.
وتوفي علاء الدين على بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى، المعروف بابن الظريف، الفقيه المالكي، موقع الحكم، وأحد نواب المالكية، والمقدم في عمل المناسخات، في ليلة الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى.
ومات سراج الدين عمر بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات، موقع الحكم، في ليلة الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة.
ومات الأمير قُطْلو أَقتَمُر الناصري رأس نوبة، في ثامن عشر جمادى الأولى.
ومات تاج الدين محمد بن بهاء الدين المالكي، المعروف بابن شاهد الجمال، مفتي دار العدل، وشاهد الجيش، وناظر المارستان، ووكيل الخاص، في أول شعبان، بمنزل العقبة.
وتوفي شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي، أحد أعيان الفقهاء الحنابلة، في ليلة السبت رابع عشرين جمادى الأولى.
ومات الأمير منكوتمر عبد الغني الأشرفي الدودار، في يوم الجمعة ثالث عشرين جمادى الأولى.
ومات الشيخ أبو الظاهر تقي الدين محمد بن محمد إمام أهل الميقات، في يوم السبت حادي عشرين شهر رجب.
ومات الشيخ المجذوب المعتقد ذو الكرامات العجيبة، أبو زكريا يحيى بن علي بن يحيى الصنافيري الأعمى، في يوم الأحد سابع عشرين شعبان، وحزر الجمع الذين صلوا عليه بمصلى خولان من القاهرة، فكان ينيف على خمسين ألفاً.
وتوفي زين الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم، أحد قراء السبع، وشيخ خانكاه بكتمر بالقرافة، في سابع عشرين ربيع الآخر، أخذ القراءات عن التقي الصايغ. ومات الأمير أروس النظامي أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير أزْدَمُر الصفوي الجوكندار.
وتوفي الطيب الفاضل جمال الدين يوسف الشربكي، في تاسع عشر جمادى الأولى. والله تعالى أعلم.
سنة ثلاث وسبعين وسبعمائةفي أول المحرم: استقر الأمير أيدمر الدوادار في نيابة حلب، عوضاً عن أَشَقتمُر المارديني.
وفي صفر: طُلب شمس الدين محمد الركراكي المغربي من فقهاء المالكية إلى مجلس الأمير الكبير ألجاي، وادعى عليه بقوادح توجب إراقة دمه، فتعصب له قوم، وتعصب عليه آخرون.
وكثرت زيادة النيل، فنودي عليه في يوم الثلاثاء ثاني عشر شهر ربيع الأول، وهو خامس عشرين توت، أربعة أصابع لتتمة إصبعين من عشرين ذراعاً، ثم زاد بعد ذلك عدة أيام، فلم يناد عليه، فإنه فاض حتى تقطعت الطرقات، وتأخرت الزراعة، ثم نقص قليلاً، وثبت حتى مضى من هاتور عدة أيام، فاجتمع الناس بجامع عمرو من مدينة مصر، والجامع الأزهر بالقاهرة، ودعوا الله لهبوط النيل عدة مرار، فهبط وزرع الناس على العادة.
وركب السلطان للعب بالكرة في الميدان الكبير بشاطىء النيل خمس سبوت متوالية ولم يتقدمه لذلك أحد، وإنما العادة أن يكون الركوب بعد وفاء النيل إلى الميدان في ثلاثة سبوت متوالية.
وفي يوم الإثنين أول جمادى الأولى: ضرب عنق بعادة مشارف ديوان المواريث الحشرية، لقوادح أوجبت إراقة دمه شرعاً.
وفي هذا الشهر: تنجز لقاضي القضاة سراج الدين عمر الهندي الحنفي مرسوماً بأن يلبس الطرحة، ويستنيب عنه قضاة في أعمال مصر قبليهاوبحريها، ويفرد له مودعاً لأموال يتامى الحنفية، كما يفعل قاضي القضاة الشافعي، فشغله الله عن إتمام ذلك بمرض نزل به، فلزم الفراش حتى مات.
وفيه أيضاً جرى بين قاضي القضاة بهاء الدين أبي البناء الشافعي، وبين قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم الأخناي المالكي، كلام في مسألة، وكان أبو البقاء بحر علم لا يدركه الدلاء، والأخناي بضاعته في العلم مزجاة، فأنجز الكلام إلى أن قال أبو البقاء: لو كان مالك حياً لناظرته في هذه المسألة. فعد الأخناي ذلك خروجاً من بهاء الدين وقال: إيش أنت حتى تذكر مالكاً، والله لو كان غيرك لفعلت به كذا يعني القتل، وهجره. فاتفق عن قريب عزل أبي البقاء، فطار البرهان كل مطار، وعدى هو وأصحابه ذلك من كرامات الإمام، رحمه الله.
وفي يوم الإثنين ثامنه: كانت الخدمة السلطانية بدار العدل من القلعة، وحضر قضاة القضاة على العادة، ثم انقضت الخدمة، فمضى القضاة على عادتهم، وجلسوا بالجامع من القلعة، إذ أتاهم رجل من عند السلطان وأسر إلى أبي البقاء، ثم التفت إلى بقية القضاة وبلغهم عن السلطان، أنه قد عزل أبا البقاء، وأمره أن يلزم بيته، فانفضوا على ذلك، وخرج البريد بطلب خطيب القدس، برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم بن جماعة، فقدم في يوم الأحد خامس جمادى الآخرة، ودخل على السلطان، فبالغ في إكرامه وخلع عليه، وولاه قضاء القضاة، عوضاً عن أبي البقاء، فنزل وبين يديه حاجبين من حجاب السلطان. و لم يتقدم لأحد من القضاة، قبله أن تركب معه الأمراء، وركب معه أيضاً الأعيان، فكان يوماً مشهوداً.
وكانت مدة عطلة الناس من ولاية قاضي القضاة سبعة وعشرين يوماً، وقد وقع مثل ذلك في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون، تعطلت القاهرة من بعض قضاة القضاة بسبعة وعشرين يوماً.
ووقع نظير ذلك في سنة إحدى وسبعين وثمانمائة في الأيام الظاهرية خشقدم - يبقى الله عهده - عند عزله قاضي القضاة بدر الدين أبو السعادات محمد بن تاج الدين البلقيني الكناني الشافعي، وطلب السلطان الشيخ أبي يحيى زكريا السبكي الأنصاري الشافعي ليوليه وظيفة القضاء، فاختفي عند طلبه، وشغر منصب القضاء سبعة وعشرين يوماً، ثم ظهر بعد ذلك، وطلب إلى عند السلطان هو والشيخ كمال الدين محمد بن إمام الكاملية، وعرض عليهما وظيفة القضاء، وسألهما السلطان في ذلك، فأصرا على عدم الدخول في ذلك، وسعى جماعة فلم يجابوا إلى شيء، فاستشار السلطان الشيخ أمين الدين يحيى بن الأقصري الحنفي فيمن يوليه، فأشار بولاية الشيخ ولي الدين أبي الفضل أحمد بن أحمد السيوطي الشافعي، أحد خلفاء الحكم العزيز، وذكر الشيخ أمين المذكور أنه أصلح الموجودين، فطلب ولي الدين المذكور، وخلع عليه، واستقر في وظيفة القضاء، وسار سيرة حسنة بالسبة إلى مستنيبه القاضي المنفصل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وفي يوم الخميس رابع عشر شهر رجب: دار محمل الحاج على العادة في كل سنة، فاستدعى صدر الدين محمد بن جمال الدين عبد الله بن علاء الدين علي التركماني قاضي العسكر، وخلع عليه، واستقر قاضي القضاة الحنفية، عوضاً عن السراج عمر الهندي. ونزل والمحمل والقضاة وغيرهم وقوف بالرميلة تحت القلعة، كما هي العادة، فوقف معهم ثم مضى في موكب المحمل حتى انقضى دورانه، فكان يوماً مشهوداً.
وفي يوم الإثنين ثامن عشرة: خلع على الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن الصائغ الحنفي، واستقر قاضي العسكر عوضاً عن صدر الدين محمد التركماني، وأضيف إليه أيضاً تدريس الحنفية بالجامع الطولوني، عوضاً عن السراج الهندي، واستقر جلال الدين جار الله في تدريس الحنفية بالمدرسة المنصورية، عوضاً عن حميه السراج الهندي.
وفي شعبان: على الشيخ سراج الدين عمر البلقيني، واستقر في قضاء العسكر عوضاً عن الشيخ بهاء الدين أحمد بن السبكي بعد موته، واستقر في تدريس المدرسة الناصرية بجوار قبة الإمام الشافعي - رحمه الله - من القرافة، وتدريس الشافعية بالمدرسة المنصورية بين القصرين من القاهرة، قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء. واستقر في إفتاء دار العدل كمال الدين أبو البركات بن السبكي، وخلع عليه في يوم الخميس ثالث عشره، واستقر الشيخ ضياء الدين عبيد الله بن سعد القرمي في تدريس الشافعية بخانكاه شيخو، وحضر معه القضاة والأعيان، وعدة من الأمراء، منهم الأمير الكبير منكلى بغا الشمسي الأتابك والأمير أرغون اللالا، والأمير تلكتمر الفقيه أستادار السلطان، والأمير أرغون شاه رأس نوبة، والأمير طشتمر الدوادار، في آخرين، ومد سماط عظيم بالخانكاه، فكان يوم مشهوداً، ثم انفضوا بعد ما ألقى الدرس وأكلوا السماط.
وفي هذا الشهر: ألزم الأشراف بأن يتميزوا بعلامة خضراء في عمائم الرجال وأزر النساء، فعملوا ذلك واستمر، وقال: في ذلك الأديب شمس الدين محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي:
جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في كريم وجوهم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وقال الأديب المنشىء زين الدين طاهر بن حبيب الحلبي:
ألا قل لمن يبغي ظهور سيادة ... تملكها الزهر الكرام بنو الزهرا
لئن نصبوا للفخر أعلام خضرة ... فكم رفعوا للمجد ألوية حمرا
وفيها استقر شهاب الدين أحمد بن العماد محمد بن محمد بن المسلم بن علان القيسي في كتابة السر بحلب، بعد وفاة علاء الدين علي بن إبراهيم بن حسن بن تميم.
ومات فيها من الأعيان ممن له ذكرالشيخ بهاء الدين أبو حامد أحمد بن تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري السبكى الشافعي، بمكة، ليلة الخميس سابع رجب.
ومات الأمير أيدمر الشيخي، أحد أمراء الألوف ونائب حماة، بعد ما أقام بحلب.
ومات قاضي القضاة سراج الدين عمر بن إسحاق بن أحمد الغزنوي الهندي الحنفي، في ليلة الخميس سابع رجب، الليلة التي مات بها ابن السبكي بمكة.
ومات كمال الدين أبو الغيث محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر، المعروف بابن الصايغ، الأنصاري الدمشقي الشافعي، قاضي حمص، عن بضع وأربعين سنة.
ومات الأديب يحيى بن زكريا بن محمد بن يحيى بن الخباز العامري الحمري، وهو من أبناء الثمانين، بدمشق.
ومات تقي الدين أبو بكر بن محمد العراقي، أحد فقهاء الحنابلة، في ثامن عشرين جمادى الأولى.
ومات الفقير المعتقد عبد الله درويش، في سابع عشر رجب.
ومات الأمير أسنبغا التَلَكسي أحد العشرات.
ومات الأديب الشاعر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عثمان بن شيحان، المعروف بابن المجد البكري التيمي القرشي البغدادي، في عاشر شهر رمضان. بمنية بني خصيب. والله تعالى أعلم بالصواب.
سنة أربع وسبعين وسبعمائةوفيها استقر الأمير قُرُطاى الكركي شاد العماير في كشف الوجه القبلي، واستقر شاد العماير عوضه أسنبغا البهادري، واستقر محمد بن قيران الحسامي، في كشف الوجه البحري، عوضاً عن عثمان الشرفي، واستقر قطلوبغا العزى أمير علم. واستقر قرابغا الأحمد أمير جاندار، واستقر تمراز الطازي حاجباً صغيراً، واستقر شهاب الدين أحمد بن شرف الدين موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض المقدسي قاضي القضاة الحنابلة بحلب، عوضاً عن أبيه برغبته له، واستقر شمس الدين محمد بن أحمد بن مهاجر في كتابة السر بحلب، عوضاً عن ابن علان بعد وفاته.
وفيها فشت الطواعين ببلاد الشام مدة ستة أشهر.
وفيها استقر الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشي في نيابة غزة، عوضاً عن طيدَمُر البالسي.
وفي يوم الإثنين جمادى الأولى: ضرب البرهان الأخناي قاضي القضاة المالكية عنق رجل، لوقوعه فيما أوجب ذلك.
وفي عشرينه: تقدم الأمير الكبير ألجاي اليوسفي بألا يجلس في كل حانوت من حوانيت الشهود سوى أربعة، وأمر قضاة القضاة ألا يجلس كل قاض من الشهود إلا من كان على مذهبه، فانحصر الشهود من ذلك، ثم تنجزوا مرسوم السلطان بإعادتهم إلى ما كانوا عليه، فبطل ذلك.
وفي يوم الأحد أول جمادى الآخرة: قدم قود الأمير منجك نائب الشام وفيه أسدان، وضبع، وإبل، وثمانية وأربعون كلباً سلوقياً، وأربعون فرساً، وخمسون بقجة قماش، وقطاران بخاتى بقماشها الفاخر، وأربعة قط بخاتى بقماش دون قماش القطارين الأولين، وخمس جمال بخاتى، لكل واحد منها سنامان، وقماشها من حرير، وستة قطر جمال عراب، بقماشها، وأربعة وأربعون هجيناً، وثلاثة قباقيب نساوية من ذهب، فيها اثنان مرصعان بالجوهر، قيمتها مائة وخمسون ألف درهم، عنها نحو ثمانية آلاف مثقال من الذهب، وعدة قنادير من حرير مزركش، بتراكيب مرصعة من الجوهر من ملابس النساء، وعدة كنابيش زركش، وعرقيات زركش برسم الخيل وعدة عبي من حرير، وكثير من أحمال الحلاوات والفواكه والأشربة، والنخللات، فاستكثر ذلك. وفيه أنعم على الأمير منكلى بغا الإحمدي بتقدمة ألف، وعلى سلطان شاه بإمرة طبلخاناه، واستقر الأمير يلبغا الناصري الخازندار شاد الشراب خاناه، عوضاً عن منكلى بغا الأحمدي، واستقر تلكتَمُر خازندار.
وفي ثانيه: عرضت مماليك الأمير الكبير الأتابك منكلى بُغا الشمسي على السلطان بعد موته، وهم مائتان وواحد، فجعلهم في خدمة ولده أمير علي.
وفيه ورد قود الأمير أَشقتمر المارديني نائب طرابلس، وهو خمسة وعشرون فرساً، وخمسة وعشرون بقجة قماش، ولكل من ولدي السلطان - أمير علي وأمير حاجي - أربعة أَفراس وأربع بقج، فأنعم عليه بنيابة حلب، عوضاً عن الأمير عز الدين أزدَمُر الدوادار، ونقل أيدمر إلى نيابة طرابلس، واستقر الأمير ألجاي اليوسفي أتابك العساكر وناظر المارستان، عوضاً عن الأمير منكلى بغا الشمسي، فسأل قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة في التحدث عنه في نظر المارستان فلم يقبل، فولى الصاحب كريم الدين شاكر بن إبراهيم بن غنام في نيابة النظر عنه بالمارستان، كل ذلك والسلطان بسرحة البحيرة، على عادته في كل سنة.
فلما قدم السلطان من السرحة، وقع في ليلة الأحد تاسع عشرينه بالدور السلطانية من قلعة الجبل حريق عظيم تمادى عدة أيام، والخلائق في إطفائه، حتى قيل إنه صاعقة سماوية، وضاق صدر السلطان بسببه.
وفي يوم الثلاثاء أول شهر رجب: عرض الشريف فخر الدين محمد بن علي بن حسين - نقيب الأشراف - عامة الأشراف لتحدث الشريفي بدر الدين حسن بن النسابة بأن النقيب أدخل في الأشراف من ليس بشريف ثابت النسب، وقدح فيه بسبب ذلك، فرسم على النسابة حتى يثبت ما رمى به النقيب.
وفي ثالثه: استقر الأمير كَجَك أمير سلاح، عوضاً عن الأمير ألجاي اليوسفي.
وفيه خلع ما استجده السلطان عند قدومه كل سنة من سرحة البحرة من الخلع على الأمراء الألوف، وهى أقبية حرير بفرو سمور، وأطواق سمور بزركش، وعلى أمراء الطبلخاناه والعشرات أقبية حرير بطرز زركش، منها ما تحته فرو قاقم، ومنها ما فروه سنجاب. واستجد في هذه السنة خلعة للأمير سابق الدين مقدم المماليك، وهي قباء حرير أزرق بطرز زركش عريض، فخلع عليه ذلك، و لم يتقدم قبله لأحد من مقدمي المماليك مثل هذا.
واستقر الأمير أحمد بن جميل في ولاية الغربية، والأمير علم دار المحمدي في نيابة صفد، عوضاً عن موسى بن أرقطاى.
وفي يوم الخميس ثاني شعبان: استقر الأمير صلاح الدين خليل بن عرام في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن شرف الدين موسى بن الأزكشي.
وفي هذا الشهر: قصد الأمير ألجاي أن يجدد بالمدرسة المنصورية بين القصرين من القاهرة منبراً، ويقرر بها خطباً لتقام بها الجمعة، فأفتاه سراج الدين عمر البلقيني من الشافعية، وشمس الدين محمد بن الصايغ من الحنفية بجواز ذلك، وأنكره من عداهما من الفقهاء لقرب المدرسة الصالحية - وبها خطة للجمعة - بحيث يرى من المنصورية منبر الصالحية، وكثر الكلام في ذلك، فعقد مجلس في يوم السبت سادس عشرينه، اجتمع فيه القضاة والفقهاء بالمدرسة المنصورية لهذا، فجرى بينهم نزاع طويل، آل أمره إلى المنع من تجديد الخطة، وانفضوا على أحن في نفوس من أفتى بالجواز على من منع في الجواز.
وفي يوم الخميس تاسع عشر شوال: خلع على الشريف عاصم، واستقر نقيب الأشراف، عوضاً عن السيد فخر الدين، لما رمى به من أخذ الرشوة على إدخال من ليس بثابت النسب في جملة الأشراف، وذلك بعناية الأمير الكبير ألجاي بعاصم.
وفي الثلاثاء سادس عشر ذي القعدة: ركب السلطان من قلعة الجبل إلى رباط الآثار النبوية، خارج مدينة مصر للزيارة، ثم توجه لعيادة أمه بالروضة، فأقام عندها على شاطىء النيل حتى عاد إلى القلعة في يوم الخميس ثامن عشره.
وفيه استقر الأمير أرغون العزى شاد الدواوين، عوضاً عن شرف الدين موسى بن الديناري، واستقر أبو بكر القرماني في ولاية الغربية، عوضاً عن أحمد بن جميل، واستقر فخر الدين عثمان الشرفي والي الجيزة.
وفي يوم الإثنين عشرين ذي الحجة: أعيد الشريف فخر الدين إلى نقابة الأشراف، وعزل الشريف عاصم الحسيني، واستقر الصاحب كريم الدين شاكر بن إبراهيم بن غنام في الوزارة، عوضاً عن فخر الدين ماجد بن موسى بن أبي شاكر، وخلع عليه، واستقر علم الدين عبد الله بن الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام في نظر البيوت، عوضاً عن أبيه.
وفي ثالث عشرينه: خلع على الوزير كريم الدين بن الرويهب، واستقر في نظر الدولة، فرسم له الصاحب كريم الدين بن غنام أن يجلس مقابله بشباك قاعة الصاحب من القلعة إجلالاً له، فإنه جلس بالشباك المذكور وهو وزير، فصارا يجلسان معاً به.
وفيه خلع على جمال الدين عبد الرحيم بن الوراق الحنفي مؤدب ولدي السلطان، واستقر في نظر الخزانة الكبرى، وخلع على تاج الدين النشو المالكي، واستقر في استيفاء الصحبة.
وفي سابع عشرينه: أخرج الأمير محمد بن أياز الدواداري نقيب الجيش منفياً إلى الشام.
ومات في هذه السنة من الأعيانالصارم إبراهيم بن خليل بن شعبان الرمحدار في ذي القعدة.
وتوفي كاتب السر بحلب، شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن المسلم بن علاء القبيسي.
وتوفي من فقهاء الحنابلة بالقاهرة الشهاب أحمد العباسي سبط فتح الدين القلانسي المحدث، في حادي عشرين جمادى الأولى.
ومات من فقهاء الشافعية الشهاب أحمد بن عبد الوارث البكري، في سابع عشرين رمضان.
ومات الأمير أرغون ططر الناصري رأس نوبة، بعد ما نفي بحماة في المحرم.
وتوفي خطيب حلب، شهاب الدين أحمد بن محمد بن جمعة بن أبي بكر الأنصاري الحلبي، الفقيه الشافعي عن ست وسبعين سنة بحلب، وله رحلة إلى القاهرة.
وتوفي الشيخ عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن الخطيب شهاب الدين عمر بن كثير بن ضو بن كثير القرشي الشافعي، الإمام المفسر المحدث، الواعظ الفقيه، في يوم الخميس سادس عشر شعبان، بدمشق، عن أربع وسبعين سنة.
وتوفي بدر الدين حسن بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن علي، مستوفي ديوان الجيش، يقال إنه من لخم، في يوم العشرين من جمادى الأولى. كانت له مروءة غزيرة ومكارم مشهورة.
وتوفي الشيخ ولي الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم الملوي الدمياجي الشافعي ذو الفنون بالقاهرة، في ليلة الخميس خامس عشرين ربيع الأول، عن بضع وستين سنة، وحزر الجمع في جنازته بثلاثين ألف رجل.
وتوفي الشيخ العارف المُسَلك بهاء الدين محمد الكازروني، في ليلة الأحد خامس ذي الحج، بزاويته التي يقال لها المشتهي بالروضة، أخذ عن أحمد الحويري خادم ياقوت الحبشي خادم أبي العباس المرسي، عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي، وصحبه زماناً.
وتوفي تقي الدين محمد بن الجمال رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السلامي المصري، الفقيه الشافعي المحدث، عن سبعين سنة بدمشق، يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الأولى.
ومات الأديب البارع الفقيه شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي، بطرابلس، في جمادى الآخرة، عن خمس وسبعين سنة.
وتوفي ناظر الجيش بحلب، بدر الدين محمد بن محمد بن الشهاب محمود بن سليمان الحلبي، بها، عن خمس وسبعين سنة.
ومات الأمير منكلى بغا الشمسي الأتابك، في جمادى الأولى.
ومات الأمير موسى بن الأمير أرقطاي نائب صفد.
ومات الشيخ يحيى بن الرهوني المالكي، في ليلة الأربعاء، ثالث ذي القعدة.
ومات الأمير أَلطنبغا المارديني أحد العشرات.
ومات الفقيه المعتقد عبد الله بن عمر بن سليمان المغربي، المعروف بالسبطير، بالجامع الأزهر، في ثاني عشرين صفر.
ومات ناصر الدين محمد الزفتاوي، المعروف بسباسب، رئيس المؤذنين وقد اختص بالسلطان، في عاشر شهر وجب.
وتوفيت خوند بركة أم السلطان، في يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة، وهي التي بنت المدرسة المعروفة بمدرسة أم السلطان، بخط التبانة، قريباً من قلعة الجبل، وبنت الربع المعروف بربع أم السلطان، وقيسارية الجلود التي تحت الربع المذكور، بخط الركن المخلق، وكانا في جملة أوقاف مدرستها هذه حتى أخذهما الأمير جمال الدين يوسف الأستادار فيما أخذ من الأوقاف والأملاك، وهما الآن وقف على مدرسته التي أَنشأها بخط رحبة باب العيد، ومن غريب الاتفاق أن الأديب شهاب الدين أحمد السعدي قال في موتها:
في مستهل العشر من ذي الحج ... ة كانت صبيحة موت أم الأشرف
فالله يرحمها، ويعظم أجره ... يكون عاشورا موت اليوسفي
يعنى الأمير ألجاي اليوسفي زوجها، فكان كذلك، ومات يوم عاشوراء، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. أنشدني البيتين المذكورين صاحبنا صارم الدين إبراهيم ابن دقماق، قال: أنشدنيهما الأديب شهاب الدين أحمد الأعرج السعدي.
ومات ملك المغرب صاحب فاس، عبد العزيز بن السلطان أبي الحسن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني، ليلة الثاني والعشرين من ربيع الآخر، وأقيم بعده ابنه السعيد محمد بن عبد العزيز أبي الحسن.
سنة خمس وسبعين وسبعمائة
في أول المحرم: خلع على الأمير علاء الدين علي بن كَلَفت، واستقر حاجباً.
وكانت عادة الأمير ألجاي أنه يسكن الغور من القلعة، ويدخل إلى الأشرفية في كل يوم اثنين ويوم الخميس، وإليه أمور الدولة كلها، فلما ماتت زوجته خوند بركة أم السلطان انحطت منزلته، وتنكر ما بينه وبين السلطان، بسبب تركتها، وبلغه عن السلطان ما يكره، فامتنع في ليلة الثلاثاء سادسه من الطلوع للمبيت بالقلعة على عادته، واعتذر للسلطان عن ذلك، وأخذ في الاستعداد للحرب، وفرق السلاح في مماليكه، فألبس السلطان أيضاً مماليكه، وأمر بدق الكوسات حربياً، فدقت بعد العشاء من ليلة الأربعاء فركب الأمراء بالسلاح إلى القلعة، وباتوا مع السلطان على حذر، حتى طلع نهار يوم الأربعاء، برز الأمير ألجاي من إصطبله في جمع موفور من مماليكه وأتباعه، شاكين في السلاح، حتى وقفوا تحت القلعة، وبعث ليمنع الأمراء أن يخرجوا من بيوتهم، فنزلت إليه المماليك السلطانية من باب السلسلة، وقد لقيتهم أطلاب الأمراء، واقتتلوا مع ألجاي قتالاً شديداً، كانت فيه إحدى عشرة وقعة، قتل فيها من الفريقين، وجرح كثير منهم، فانهزم ألجاي يريد جهة الصليبة، فلقيه طلب الأمير طَشْتَمُر الدوادار، ومال معه عدة أطلاب على ألجاي، فمر على وجهه نحو باب القرافة، والطلب في أثره، حتى أتى بركة الحبش، ومر على الجبل المقطم، حتى خرج من جانب الجبل الأحمر خارج القاهرة، ونزل قريباً من قبة النصر، وقد ضرب له مخيماه، واجتمع عليه عدة من أصحابه، وبات ليلة الخميس، فبعث السلطان يرغبه في الطاعة، فذكر أنه مملوك السلطان، ولم يخرج عن طاعته، وإنما يريد بعض الأمراء الخاصكية، أن يسلمهم إليه أو يبرزوا لمحاربته، فمن انتصر كان هو المشار إليه، وإلا فإنه لا يموت إلا على ظهر فرسه، فبعث إليه ثانياً، يخوفه عاقبة البغي، ويعرض عليه أن يتخير من البلاد الشامية ما شاء، فلم يوافق، وترددت الرسل بينهما مراراً، وبعث إليه بتشريف نيابة حماة، فقال: لا أتوجه لذلك إلا ومعي جميع مماليكي، وقماشي، وكل ما أملكه. فلم يرض السلطان بذلك، واستدعى بالأمير عز الدين أَيْنَبَك - وكان في جملة ألجاي - فأتاه طايعاً، والتزم أن يستميل من مع ألجاي من اليلبغاوية، وهم مائة مملوك، فوعده السلطان بإمرة طبلخاناه، وانصرف إلى تربة أستاذه الأمير يلبغا واختفى بها بقية نهاره، فلما أقبل الليل، بعث غلامه إلى اليلبغاوية، فما زال بهم حتى أتوه زمراً زمراً إلى التربة، فصعد بهم جميعاً إلى السلطان، فرتبهم في خدمة ولده أمير علي، وتبعهم أكثر من كان مع ألجاي من الأمراء والمماليك، بحيث لم يطلع الفجر إلا ومعه دون الخمسمائة فارس. فتوج إلى قتاله الأمير أرغون شاه، في عدة وافرة، وخلائق من العامة. ومضى أيضاً الأمير منكلى بغا البلدي من طريق أخرى في جمع موفور وكثير من العامة. وسار الأمير ناصر الدين محمد بن شرف الدين، ومعه طائفة من المقاتلة، وطوائف من أهل الحسينية، وغيرهم من طريق ثالثة، فعندما رأى أُلجاى أوائل القوم، تأخر عن موضعه قليلاً قليلاً، حتى صار الأمير أرغون في مكانه من قبة النصر، وانضم إليه الأمراء، ومن معهم، وبعث طائفة منهم فلقيت ألجاي وقاتلته، فانكسر منهم، وأخذ في الفرار، فركب القوم قفاه، وقد تأخر عنه من بقي معه، حتى وصل إلى الخرقانية من القليوبية في ثلاثة فرسان، وابن شرف الدين في طلبه، فوقف على شاطئ النيل ظاهر قليوب، واقتحمه بفرسه فغرقا في النيل، واستدعى ابن شرف الدين بالغطاسين فأخرجوه ووضعوه على بر ناحية شبرا، وحملوه في تابوت إلى القاهرة، في بكرة يوم الجمعة يوم تاسوعاء، فدفن بمدرسته من سويقة العزى قريباً من القلعة، وكان الأمير أرغون قد عاد لما انهزم ألجاي وغرق، وعرف السلطان، فصعد إلى القلعة، وبقيت العساكر واقفة تحت القلعة يوم الخميس.
وقبض السلطان على الأمير طقتمر الحسني، والأمير صراي العلاى، وسلطان شاه بن قرا الحاجب، ونفاهم. وقبض على الأمير علاء الدين علي بن كلفت، وألزمه بحمل مال، وقبض على الأمير بيبغا القوصوني، والأمير خليل بن أقماري، ثم أفرج عنهما بشفاعة الأمير طشتمر الدوادار.
وفيه نودي من وجد مملوكاً من الألجيهية، وأحضره فله خلعة، وحذر من أخفاهم، فظهر السلطان منهم بعدة.
فلما دفن ألجاي، نزع الأمراء سلاحهم، وهنأوا السلطان بسلامته، وظفره بعدوه، ونودي بالأمان، وكتب إلى الأقطار بخير هذه الواقعة.
وفيه خرج على البريد الأمير بوري الأحمدي الخازن دار، لإحضار الأمير أيدمر الدوادار.
وفي يوم السبت عاشره: خلع على الأمير يعقوب شاه، واستقر نائب طرابلس، عوضاً عن الأمير أيدمر.
وفي يوم الإثنين ثالث عشره: استقر الأمير أرغون شاه، أميراً كبيراً، ورسم له أن يجلس بالإيوان في وقت الخدمة، واستقر الأمير صرغتمش الأشرفي، أمير سلاح، ورسم له أيضاً أن يجلس وقت الخدمة، واستقر الأمير أرغون الأحمدي اللالا أميراً كبيراً أيضاً، ورسم له أن يجلس وقت الخدمة بجانب الأمير أيدمر الشمسي، واستقر الأمير قطلوبغا الشعباني رأس نوبة ثانياً، وأنعم عليه بإمرة مائة بتقدمة ألف، واستقر الطواشي مختار الحسامي، مقدم الرفرف في تقدمة المماليك، عوضاً عن سابق الدين مثقال الأنوكي، وأمر سابق الدين أن يلزم بيته، واستقر الأمير أيدمر من صديق رأس نوبة رابعاً، وخلع على الجميع، واستدعى بأولاد ألجاي وأسكنا بالقلعة، ورتب لهم كفايتهم، ووقعت الحوطة على جميع مخلف ألجاي، فكان شيئاً كثيراً، ورتبت مماليكه في خدمة ولدي السلطان، وقبض على محمد شاه دوادار ألجاي، وعلى أقبغا البجمقدار خازن داره، وعلى مباشري ديوانه وألزامه، وألزموا بمال كبير، فحملوا بعض ما ألزموا به، وخلى عنهم.
وفيه استقر كَجَك من أرْطَق شاه في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن ابن عرام، واستقر كمال الدين الربغي في قضاء الإسكندرية، عوضاً عن الكمال بن التنسي، واستقر الأمير فخر الدين عثمان الشرفي أستادار ابن صبح في ولاية القاهرة، عوضاً عن الأمير بَكتَمُر السيفي، وقبض على بَكتَمُر، وصودر، واستقر الأمير شرف الدين موسى بن الديناري في ولاية الجيزة، عوضاً عن عثمان الشرفي، وخلع عليهم.
وفيه أنعم على كل من الأمير أقتمر الصاحبي الحنبلي والأمير تمر باي الحسني، والأمير أحمد بن يلبغا، وإينال اليوسفي، وبلوط الصَرغَتْمُشي، وأحمد بن الأمير بُهادر الجمالي، وألجنبغا المحمدي، وحاجي بك بن شادي، والطواشي مختار الحسامي بإمرة طبلخاناة، وعلى كل من طشتمر الصالحي، وألطبغا عبد الملك بإمرة عشرة.
وفي ثاني عشرينه: استقر الأمير قطلوبغا المنصوري في نيابة صفد، عوضاً عن علمدار المحمدي، واستقر الأمير تلكتمر من بركة، حاجباً ثانياً، عوضاً عن المنصوري.
وفي رابع صفر: قدم الأمير أيدمر الدوادار من طرابلس، فخلع عليه، واستقر أتابك العساكر، عوضاً عن ألجاي اليوسفي، واستقر تمراز الطازي في نيابة حمص، عوضاً عن آقبغا عبد الله، وأنعم على كل من آقبغا المذكور - وقد قدم من حمص - ويلبغا الناصري اليلبغاوي، بإمرة طبلخاناة.
وفي سابع عشره: استقر الأمير أسنبغا البهادري نقيب. الجيش، واستقر عوضه في شد العماير قطلوبغا الكوكاي.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه: خلع على الأمير أقتمر عبد الغني، حاجب الحجاب، واستقر نايب السلطان.
وفي هذا الشهر: اجتمع قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، والشيخ سراج الدين عمر البلقيني، بالسلطان، وعرفاه ما في ضمان المغاني من المفاسد، والقبايح، وما في مكس القراريط من المظالم - وهو ما يؤخذ من الدور إذا بيعت - فسمح بإبطالهما، وكتب بذلك مرسومين إلى الوجه القبلي والوجه البحري، بعد ما قرءا على منابر القاهرة ومصر، فبطل والحمد للّه ضمان هاتين الجهتين، وكان يتحصل منهما مال عظيم جداً، وزال بزواله منكر شنيع.
وفي آخره: نفي الأمير صلاح الدين خليل بن عوام، والأمير علاء الدين على بن كَلَفت، ومحمد شاه - دوادار ألجاي - وأقبغا البجمدار، فساروا إلى الشام، ونفي الأمير بَكتمُر السيفي إلى طرسوس.
وفيه استقر الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشي في ولاية قوص، وأضيف إليه الكشف أيضاً.
وفي هذه السنة: توقف ماء النيل عن الزيادة في أوانها حتى كان النوروز، ولم يبلغ ستة عشر ذراعاً، وتأخر منها ثمانية أصابع، فنودي في يوم النوروز - وهو يوم الإثنين تاسع شهر ربيع الأول - بزيادة إصبعين، ونودي من الغد يوم الثلاثاء بزيادة إصبعين، ونودي في يوم الأربعاء بزيادة إصبعين، وتأخر من ذراع الوفاء إصبعان، فلم يزد بعد ذلك شيئاً، ثم نقص في يوم الجمعة ثالث عشره، فقلق الناس لذلك، وتزايد قلقهم إلى يوم الثلاثاء سابع عشره، خرج القضاة والفقهاء وغيرهم إلى جامع عمرو بمصر، وضجوا بالدعاء إلى اللّه في إجراء النيل، ثم فتح الخليج من أخر النهار، وقد بقي من الوفاء خمسة أصابع، فهبط الماء من يومه ولم يعد.
وفي تاسع عشره: قدم الأمير حيار بن مهنا، فخلع عليه، واستقر في إمرة العرب على عادته، ولم يؤاخذ بما كان من قتله الأمير قشتمر، وعفي عنه.
وفي يوم الجمعة عشرينه: خرج القضاة والناس إلى رباط الآثار النبوية، خارج مدينة مصر، وغسلوها في النيل بالمقياس، وقرأوا هناك القرآن الكريم، وتضرعوا إلى الله تعالى في إجراء النيل، ورد ما نقص، ثم عادوا، فنزل حتى جفت الخلجان من الماء، فارتفع السعر، وبيع الإردب من القمح بستة وثلاثين درهماً سوى كلفه، وشرهت الأنفس، وتكالب الناس على طلب القوت، وغلب على الناس اليأس، فنودي يوم الأحد ثاني عشرينه في الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي، وصيام ثلاثة أيام، فصام من صام الإثنين، والثلاثاء، والأربعاء.
وخرج الناس في بكرة يوم الخميس سادس عشرينه إلى قبة النصر - خارج القاهرة - وهم حفاة بثياب مهنتهم، ومعهم أطفالهم، وكتب ممن خرج يومئذ، وقد نصب هناك منبر، ونزل الأمير أقتمر عبد الغني النائب، في عدة من الأمراء، فخطب ابن القْسِطلاني خطيب جامع عمرو خطبة الاستسقاء، وصلى صلاة الاستسقاء، وكشف رأسه عند الدعاء، وحول رداءه، فكشف الناس جميعاً رؤوسهم، وضجوا بالدعاء إلى الله تعالى، وارتفعت أصواتهم بالاستغاثة وهملت أعينهم بالبكاء، فكان مشهداً عظيماً، فلم يسقوا، وعادوا خائبين، فعز وجود الغلال.
وفيه تجمعت العامة تحت القلعة، وسألوا عزل ابن عرب عن الحسبة، وكانوا قد توعدوه، فاختفى، و لم يركب في هذا اليوم، ولا خرج إلى الاستسقاء.
وفيه نفي كريم الدين عبد الكريم بن الرويهب، ناظر الدولة إلى طرابلس، واستقر في نظر الدولة عوضه تاج الدين النشو المالكي، واستقر الطواشي سابق الدين مثقال الأنوكي، في تقدمة المماليك على عادته، وأعيد مختار كما كان مقدم الرفوف، وخلع على الجميع.
وفي يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن الأمير الحاج آل ملك في نيابة غزة، عوضاً عن طشبغا المظفري، وأنعم على كل من الأمير الطازي، والأمير سودُن جركس المنجكي، بإمرة مائة، وارتجع عن طينال المارديني تقدمته، وعوض إمرة طبلخاناه، وأنعم على الأمير جركتمر الخاصكي بطبلخاناه.
وفي يوم الجمعة حادي عشره: خلع على بهاء الدين محمد بن المفسر، واستقر في حسبة القاهرة، عوضاً عن علاى الدين علي بن عرب، باستعفائه منها.
وفي ليلة السبت ثاني عشره: أرعدت السماء وأبرقت، وسحت بأمطار غزيرة، عمت كثيراً من أراضي مصر، بحيث زرع بعضها لريها من هذه المطرة البرسيم، فسر الناس بذلك، وانحل سعر القمح خمسة دراهم الأردب، وكان قد بلغ أربعين درهماً. وفي آخره. خلع على بهاء الدين بن المفسر محتسب القاهرة، واستقر في وكالة بيت المال، ونظر كسوة الكعبة، عوضاً عن ابن عرب، مضافاً إلى الحسبة، وأخذ سعر الغلال يرتفع.
وفي خامس عشر جمادى الأولى - وهو سابع هاتور - : زاد النيل اثني عشر إصبعاً، وفي الغد، وبعد الغد ثمانية أصابع، ثم نقص، ولم يعهد مثل ذلك.
وفي يوم السبت خامس عشرينه: ركب الأمير منكلى بغا البلدي، إلى بيت الأمير أقتمر عبد الغني النائب، ليبلغه عن السلطان رسالة، فلما دخل عليه أمر بإمساكه، وأخرجه من باب سر داره، منفياً إلى الشام، فانفض من كان معه من المماليك، ولم يتحرك أحد منهم بحركة، ثم رسم له بنيابة مدينة الكرك، فتوجه إليها.
وبلغ سعر الأردب القمح إلى خمسين درهماً، والأردب من الشعير والفول إلى خمسة وعشرين درهماً، والحملة الدقيق - وهي ثلاثمائة رطل - إلى أربعة وثمانين درهماً.
وقدم الأمير بَيْدَمُر، ومعه تقادم جليلة، فأكرم وخلع عليه، في يوم الخميس أول جمادى الآخرة، واستقر في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير أشقتمر، وركب السلطان - وهو معه - فعدى النيل إلى الجيزة، وهو بتشريف النيابة، ثم عاد وتوجه إلى حلب، واستقر الأمير أشقتمر في نيابة صفد، عوضاً عن قطلوبغا المنصوري، واستقر المنصوري في نيابة غزة، عوضاً عن الأمير أحمد بن آل ملك، واستقر ابن آل ملك في نظر القدس، والخليل.
وفي ثامنه: خلع على علاى الدين على بن عرب وأعيد إلى وكالة بيت المال ونظر الكسوة، عوضاً عن ابن المفسر.
وفي خامس عشره: خلع على الطواشي جوهر الصلاحي - مقدم القصر - واستقر نائب مقدم المماليك، عوضاً عن نحتار الدمنهوري، وخلع على نحتار المذكور، ويعرف بشاذروان، واستقر مقدم مماليك ولدي السلطان، وأنعم عليه بإمرة عشرة.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: خلع على تاج الدين النشو المالكي، واستقر في الوزارة، عوضاً عن كريم الدين شاكر بن غنام، وخلع على ابن غنام، واستقر في نظر البيوت ونظر المارستان، ونظر دار الطراز، وأنعم على ناصر الدين محمد بن أقبغا آص بتقدمة ألف، عوضاً عن منكلى بغا البلدي، واستقر أستادار السلطان، وأنعم على الأمير ألطبغا العثماني طَطَق بتقدمة ألف، واستقر أمير سلاح، عوضاً عن طيدمر البالسي.
وفيه قدم شرف الدين حسين الفارقي وزير صاحب اليمن بكتابه وصحبته أمير آخوره ناصر الدين محمد، ومعهما هدية سنية.
وخلع على الأمير طُغَاى تَمُر دوادار الأمير يلبغا، واستقر دوادارا ثانياً بإمرة طبلخاناه، وخلع على الأمير قرطاي الكركي، واستقر في كشف الوجه البحري، عوضاً عن الأمير آل ملك الصرغتمشي.
وفيه شنقت المرأة الخناقة وزوجها جمعة الخناق، وكانا في تربة من ترب القاهرة، فيدوران بالقاهرة ومصر وظواهرهما، ويأخذان من أطفال الناس وأولادهم من قدروا عليه، ويخنقاه لأخذ ما عليه من ثياب الجميلة، ففقد الناس عدة أولاد، واشتد حزنهم عليهم، وكثر ذلك في الناس حتى ذعروا منه، ففضح الله جمعة هذا وامرأته، وقبض عليهما، وعوقبا، وأخذ ما وجد عندهما من على الأولاد وثيابهم، ثم شنقا، وكان يوماً مجموع له الناس بالقاهرة، خارج باب النصر منها.
وتقدم مرسوم السلطان بإقامة الأمير جَاوَرْجي القوصوني، والأمير أقبغا بن مصطفى، والأمير أسنبغا القوصوني، والأمير قرابغا الأحمدي، والأمير نصرات أخي بكتمر الساقي، في ثغر الإسكندرية، فساروا.
وفي يوم الخميس عشرين شهر رجب: خلع على الأمير قُطْلوبغا الكوكاي واستقر أستادارا، عوضاً عن الأمير نصرات، واستقر الأمير أسنبغا البهادري شاد العماير على عادته، واستقر الأمير آل ملك الصرغتمشي نقيب الجيش، وخلع على برهان الدين إبراهيم بن بهاء الدين بن الحِلىّ ناظر بيت المال، واستقر في نظر المارستان مضافاً لما بيده.
وفي سابع عشر شعبان: خلع على الأمير أرغون الأحمدي اللالا، واستقر نائب الإسكندرية، عوضاً عن الأمير كَجَك، واستقر كجك في نيابة غزة.
وفي يوم الخميس سابع عشرينه: خلع على بهاء الدين أبي البقاء، واستقر في قضاء دمشق، عوضاً عن كمال الدين عمر بن عثمان بن هبة الله المعري، واستقر المعري في قضاء حلب، عوضاً عن فخر الدين عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي. واستقر قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة في تدريس الشافعي، عوضاً عن أبي البقاء. وخلع عليه في يوم الأحد سلخه، وحضر الدرس به، فكان يوماً جليلاً جمعه.
واستقر شهاب الدين أحمد بن علاء الدين على بن محيى الدين يحيى بن فضل الله العمري في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن شيخنا فتح الدين أبي بكر بن الشهيد، واستقر الأمير ككبغا البيبغاوي في نيابة قلعة جعبر.
وفيه قدم الأمير آسَنقُر.
وأهل شهر رمضان بيوم الإثنين.
وفيه استجد السلطان عنده بالقصر من قلعة الجبل قراءة كتاب صحيح البخاري في كل يوم من أيام شهر رمضان، بحضرة جماعة القضاة ومشايخ العلم، تبركاً بقراءته، لما نزل بالناس من الغلاء، فاستمر ذلك، وتناوب قراءته شهاب الدين أحمد بن العرياني، وزين الدين عبد الرحيم العراقي، لمعرفتهما علم الحديث، فكان كل واحد يقرأ يوماً.
وفي يوم الإثنين حادي عشرينه: خلع على الأمير أَشَقتمُر، واستقر في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير بَيدَمُر الخوارزمي، واستقر بيدمر في نيابة الشام، عوضاً عن الأمير منجك، وركب الأمير يلبغا الناصري البريد لإحضار الأمير منجك ومملوكه جَرَكتمُر المنجكي، وصهره أروس المحمودي، وخلع على الأمير أقتمر عبد الغني النايب، واستقر في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير يعقوب شاه، واستقر يعقوب شاه حاجب الحجاب بدمشق، وخلع على الأمير طيدمر البالسي، واستقر في نيابة الكرك، عوضاً عن الأمير منكلى بغا البلدي، واستقر البلدي في نيابة صفد، واستدعى الأمير أحمد بن الحاج آل ملك من القدس، فلما قدم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وأنعم على الأمير جركتمر الأشرفي الخاصكي بتقدمة ألف، وعلى الأمير أقتمر الحنبلي بتقدمة ألف، واستقر رأس نوبة ثانياً، وارتجع عن الأمير آقبغا من مصطفى إقطاعه.
وفي خامس شوال: خلع على الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام، وأعيد إلى نظر المارستان، عوضاً عن ابن الخلى.
وفي خامس شوال: استقر الأمير شهاب الدين أحمد بن آل ملك حاجباً ثالثاً.
وفي يوم الإثنين ثالث ذي الحجة: قدم الأمير مَنجَك بأولاده ومملوكه الأمير جَرَكتمر المنجكي وصهره الأمير آروس المحمودي، فنزل بسرياقوس، وخرج إليه جميع أرباب الدولة من الوزير وقضاة القضاة والأمراء، بحيث لم يتأخر عنه سوى السلطان وولديه فقط، ثم ساروا جميعاً بين يديه حتى طلع القلعة، فلم يعهد لأمير موكب مثل موكبه. فمشى الأمراء من باب السر بين يديه وهو راكب بمفرده، وفيهم الأمير أيدمر الدوادار - أتابك العساكر - والأمير أرغون شاه، والأمير صَرْغَتمش، فلما دخل على السلطان ابتهج بقدومه، وبالغ في إكرامه، وخلع عليه خلعة نيابة السلطنة، وفوض إليه نظر الأحباس والأوقاف، وحسن إليه التحدث في الخاص والوزارة، وأن يخرج من إقطاعات الحلقة ما عبرته ستمائة دينار فما دونها، ويعزل من أرباب الدولة وأصحاب المناصب من شاء، ويولي منهم شاء، وأن يقرر في سائر أعمال المملكة من أراد، ويخرج إمريات الطبلخاناه والعشرات من البلاد الشامية ممن أحب، وينعم بها على من يريد وقرىء تقليده بالنيابة في الإيوان المعروف بدار العدل من القلعة بحضرة السلطان، والأمراء وسائر أرباب الدولة. وفيه أن السلطان قد أقامه مقام نفسه في كل شيء بيده، وفوض له ما فوض إليه الخليفة من سائر أمور المملكة، ثم خرج فجلس بدركاه باب القلة من القلعة، وجلس الوزير بين يديه، وقعد موقعو الدست لإمضاء ما يرسم به، ورفعت إليه القصص من ديوان الجيش وغيره، فنظر في الأمر نظر مستبد بها.
وفي سادسه: خلع على بَكتمُر العلمي حاجب الإسكندرية، واستقر نقيب الجيش، وأنعم على بيبغا السابقي الخاصكي بإمرة طبلخاناه، وعلى الأمير بيبغا القوصوني بإمرة طبلخاناه.
وفي هذا الشهر: فشت الأوبئة بثغر الإسكندرية وغيرها من بلاد الوجه البحري. ومات الأمير أرغون اللالا نايب الإسكندرية، فاستقر عوضه الأمير قطلوبغا الشعباني، واستقر محمد بن قرابغا - أحد العشرات - في ولاية أطفيح على إمرته.
وفي رابع عشرينه: خلع على الأمير يلبغا الناصري، واستقر حاجباً ثانياً أمير مائة مقدم ألف، وأنعم على الأمير بلاط السيفي بإمرة طبلخاناه، وعلى كل من مغلطاي الجمالي، وكبك الصرغتمشي بإمرة عشرة.
ومات صدر الدين محمد بن السكر قاضي الحنفية، بثغر الإسكندرية، فلم يستقر أحد عوضه.
وفيه تزايد سعر الغلة، فبيع الخبز أربعة أرطال بدرهم، بعد ما كان خمسة أرطال.
وفي ثالث عشر ذي الحجة: قبض على رجل مغربي كان يقف في الليل تحت القلعة، ويصيح اقتلوا سلطانكم ترخص أسعاركم ويجري نيلكم. فضربه والي القاهرة بالمقارع وتركه لحاله.
وفي رابع عشره: أنعم على الطواشي مختار شاذروان الدمنهوري بإمرة، واستقر نقيب المماليك، عوضاً عن محمد بن قرطاي الموصلي باستعفائه منها وقدم الأمير خليل ابن قوصون باستدعاء.
وقد الخبر بأن دجلة فاضت حتى علا ماؤها على سور بغداد، وأغرقها، فتهدم بها نحو الستين ألف دار، وعبرت المراكب من دجلة إلى الأزقة والأسواق، وأن الريح هبت بسنجار، فأحرقت أوراق الأشجار، وهلك بها كثير من الناس، وأمطرت ثعابين. بمدينة شيزر، وأن مدينة حلب أصابها سيل عظيم، خرب به نحو الأربعماية دار.
وفيه استقر جلال الدين جار الله في تدريس الحنفية بالمدرسة الصرغتمشية، بعد وفاة أرشد الدين محمود.
وفيها خلع على صاحب فاس وبلاد المغرب السعيد محمد بن عبد العزيز أبي الحسن، في ذي الحجة، وملك بعده السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم ابن أبي الحسن.
ومات في هذه السنة من الأعيان ممن له ذكرقاضي حلب، وقاضي المدينة النبوية، وأحد خلفاء الحكم بالقاهرة. بدر الدين إبراهيم ابن صدر الدين أبي البركات أحمد بن مجد الدين عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن ابن الخشاب المخزومي الشافعي، وهو عائد من المدينة النبوية قريباً من عينونة، ودفن بجزيرة سقر في صفر.
ومات الأمير أرغون اللالا الأحمدي نائب الإسكندرية، في خامس عشر ذي القعدة.
ومات الأمير أسندمر الجوباني، وكان خيراً يقبله القضاة.
ومات آقبغا بن مصطفى أحد الطلبخاناه، وهو مجرد بالإسكندرية، في ثالث عشر ذي القعدة.
ومات الأمير آل ملك الصرغتمشي الكاشف بالوجه البحري، ونقيب الجيش، في تاسع شوال.
ومات الأمير تَلَكتمُر الجمالي أحد الطبلخاناه بمنزلة قاقون من طريق الشام، في ذي الحجة ومات الأمير تمرقيا العمري أحد الطبلخاناه.
ومات الحاج صبيح الخازن، النوبي الجنس، في حادي عشر المحرم، وقد انتشر ذكره وعظم قدره، بحيث كان له من الحرمة ما لأعيان الأمراء، وترك دنيا عريضة ونعماً جليلة، وكان خازن الشراب خاناه السلطانية.
ومات الأمير طيبغا الفقيه العمري، أحد العشرات.
ومات مُهتار الطشتخاناه السلطانية، شهاب الدين أحمد بن كسيرات، في ثاني عشر المحرم، كان وافر الحرمة عريض الجاه، لم يزل من عهد الناصر محمد في خدمة الملوك، فعز جانبه وكثرت نعمته.
وتوفي قاضي المدينة النبوية تاج الدين محمد بن الكركي الشافعي، وهو ينوب عن القضاة بالقاهرة، في سادس عشرين شعبان.
ومات قاضي الحنفية بالإسكندرية صدر الدين محمد بن السكري، في أول ذي الحجة.
وتوفي الشيِخ أرشد الدين محمود بن قُطْلوشاه السيرامي، أحد أعيان الحنفية مدرس المدرسة الصَرغتُمِشيَّة، في يوم الثامن والعشرين من جمادى الآخر.
وتوفي سعد الدين ماجد بن التاج أبي إسحاق عبد الوهاب بن عبد الكريم، عن نيف وستين سنة، بمصر.
وتوفي نور الدين علي بن الحسن بن علي الإسناي، أخو الشيخ جمال الدين عبد الرحيم، في ثامن عشر رجب.
وتوفي شمس الدين شاكر، المعروف بابن البقري، ناظر الذخيرة، صاحب المدرسة النبوية بالقاهرة، في ثالث عشر شوال، وكان مشكوراً في أقباط مصر.
وتوفي سراج الدين عمر بن محمد السعودي شيخ خانكاه بَكتمُر الساقي، في سابع عشرين ذي الحجة.
وتوفي صلاح الدين بن مسعود المقرىء المالكي، أحد أصحاب التقي الصانع، في ثالث عشرين ذي الحجة.
ومات الأمير بيبغا حارس طير أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير تغرى برمش بن الأمير ألجاي اليوسفي، أحد أمراء الطبلخاناه.
ومات الأمير أسن قطلو الإبراهيمي.
ومات الأمير أرسلان خجا اليلبغاوي - أحد الطبلخاناه - قتيلاً، في واقعة الأمير ألجاي، في المحرم.
وتوفي الأمير آروس المحمودي الأستادار أحد الألوف، وزوج ابنة الأمير مَنجك النائب، في ثاني ذي القعدة.
وتوفي الأمير ألطبغا المارديني في ثاني جمادى الآخر.
وتوفي الأمير أقبغا العمري البالسي، أخو طيبغا الطويل، من أمراء الطبلخاناه، وهو منفي بالشام.
وتوفي الأمير أقبغا الناصري، نايب الكرك ونايب قلعة بهسنا، وبها مات.
وتوفي الأمير الكبير الأتابك ألجاي اليوسفي، أحد ممالك الناصري حسن. ترقى حتى صار حاجب الحجاب، ثم عزل في تاسع رجب سنة ثلاث وستين واستقر أمير جاندار، إلى أن كانت فتنة الأمير أَسنَدُمر والأجلاب، تولى حربه وقاتله قتالاً عظيماً، كانت بينهما فيه ست عشرة وقعة، فلما انتصر أَسنَدُمر قبض على ألجاي، وسجنه بالإسكندرية إلى أن زالت أيام أسندمر أفرج عنه وعمل أمير سلاح، ثم صار الأتابك وإليه أمور الدولة كلها، حتى مات في يوم عاشوراء، كما تقدم ذكره.
سنة ست وسبعين وسبعمائة
في أول المحرم: اتفق أمر غريب، قد وقع مثله فيما تقدم، وهو أن الأمير شرف الدين عيسى بن باب جك - والي الأشمونين - كان له ابنة، فلما أن تم لها من العمر خمس عشرة سنة، استد فرجها، وتدلى لها ذكر وأنثيان، واحتملت كما تحتلم الرجال، واشتهر ذلك بالحسينية - حيث سكنه - وبالقاهرة، حتى بلغ منجك، فاستدعى بها، ووقف على حقيقة خبرها، فأمر بنزع ثياب النسوان عنها، وألبسها ثياب الرجال من الأجناد، وسماها محمداً، وجعله من حملة مشاة خدمته، وأنعم عليه بإقطاع، فشاهده كل أحد.
وفي ثامنه: أخذ قاع النيل، فجاء أربعة أذرع واثني عشر إصبعاً.
وفي أول شهر ربيع الأول: شرع السلطان في التجهيز إلى الحج، وتقدم إلى الأمراء بتجهيز أمورهم أيضاً.
وفي تاسعه: كان وفاء ماء النيل ستة عشر ذراعاً، ويوافقه رابع عشرين مسرى، ففتح الخليج على العادة، واستمرت الزيادة حتى بلغت سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع، وثبت أوان ثباته، ثم انحط وقت الحاجة إلى هبوطه، فعم النفع والحمد للّه به، إلا أن الأسعار تزايدت، فبلغ القمح ماية درهم الأردب، والشعير ستين درهماً الأردب، والفول خمسين درهماً الأردب.
وفي أول شهر ربيع الآخر: ركب السلطان من قلعة الجبل إلى الميدان الكبير الناصري بشاطىء النيل، للعب بالكرة على العادة في كل سنة، وركب ولده أمير على قدامه بين يديه، وجعل على رأسه شطفة كما يجعل على رأس السلطان، وعين جماعة من الأمراء للمشي في ركابه، وخلع عليهم أقبية حرير بطرز زركش، وأركبهم الخيول المسومة بالسروج الذهب، وكنابيش زركش، وألبس أكابر مماليكه ومقدم مماليكه الطواشي شاذروان أيضاً الأقبية الحرير بالطرز.
وفيه أنعم على الأمير علاء الدين على بن كَلَفْت بإمرة طبلخاناه، وعلى الأمير ناصر الدين محمد بن محمد بن الأمير تنكز نايب الشام بإمرة عشرة، وخلع على الشريفّ بكتمر بن علي الحسيني، واستقر في ولاية منفلوط، وعلى الأمير محمد بن بهادر، واستقر في ولاية البهنسي، وأنعم على الأمير طشتمر الصالحي بإمرة طبلخاناه، وخلع على الأمير أحمد بن أرغون الأحمدي بإمرة عشرة.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرين جمادى الأولى: خلع على شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الملك الدميري المالكي، واستقر في حسبة القاهرة، عوضاً عن بهاء الدين محمد ابن المفسر، فأمطرت ليلة الثلاثاء مطراً عظيماً.
وفي يوم الأربعاء: وضع المحتسب الخبز على رؤوس عدة من الحمالين، وشق به القاهرة إلى القلعة وصنوج الخليلية تزفه، والطبول تضرب، ونودي عليه كل ثلاثة أرطال إلا ربع رطل بدرهم، وكان كل رطلين وثلث بدرهم، فسر الناس بذلك، إلا أن الخبز عز وجوده، وفقد من الأسواق خمسة أيام، والناس تتزاحم على أخذه من الأفران، واشتد شره النفوس، وكان يخامرها اليأس، فنودي بتكثير الخبز، وأن يباع بغير تسعير، فتزايدت الأسعار في ساير الغلال بعد تناقصها، حتى بلغ في أوائل جمادى الآخرة الأردب القمح بماية وعشرة دراهم، والأردب الشعير ستين درهماً، والأردب الفول خمسة وخمسين درهماً، والقدح الأرز بدرهمين، والقدح من العدس والحمص بدرهم وربع، وارتفع الزيت والشيرج، وأبيع الرطل من حب الرمان بعشرة دراهم ونصف، والرطل من لحم الضأن بدرهمين، ومن لحم البقر بدرهم وثلث، وقلت البهايم من الخيل والبغال والجمال والحمير والأبقار والأغنام لفنائها جوعاً، وبيع الزوج الأوز بعشرين درهماً، وكل دجاجة بأربعة دراهم.
وفي يوم الخميس ثالث عشره: ركب السلطان من قلعة الجبل وعبر القاهرة من باب زويلة، وخرج من باب النصر للسرحة على العادة في كل سنة.
وفي نصف جمادى الآخر: هذا ابتدأ الوباء في الناس في القاهرة ومصر، وكثر موت الفقراء والمساكين بالجوع، فكنت أسمع الفقير يصرخ بأعلى صوته: للّه، لبابة قدر شحمة أذني، أشمها وخذوها فلا يزال كذلك حتى يموت هذا، وقد توقفت أحوال الناس من قلة المكاسب، لشدة الغلاء، وعدم وجود ما يقتات به، وشح الأغنياء وقلت رحمتهم، ومع ذلك فلم يزداد أجر العمال من البناة والفعلة والحمالين ونحوهم من أرباب الصنايع شيئاً، بل استقر على ما كانت عليه قبل الغلاء، فمن كان يكتسب في اليوم درهماً يقوم بحاله ويفضل له منه شيء، صار الدرهم لا يجدي شيئاً، فمات ومات أمثاله من الأجراء والعمال والصناع والفلاحين والسؤال من الفقراء.
وفي يوم الجمعة ثالث شهر رجب: عدى السلطان النيل من بر الجيزة، عائداً من السرحة، فزار الآثار النبوية، وصلى الجمعة بجامع عمرو بمدينة مصر، وركب إلى القلعة.
وفي يوم السبت خامس عشرينه: قبض على الوزير الصاحب تاج الدين النشو المالكي، وخلع على الصاحب كريم الدين شاكر بن الغنام، وأعيد إلى الوزارة، وتسلم المالكي، واستخلص منه، ثمانين ألف مثقال من الذهب، وهدم داره بمدينة مصر إلى الأرض، وأخرجه على حمار منفياً إلى الشام.
وفيه خلع على الأمير قرطاي الكركي، واستقر شاد العماير بإمرة عشرة، واستقر الأمير بَكتمر العلمي في كشف الوجه البحري، عوضاً عن قرطاي، واستقر محمد بن قرابغا الأناقي في نقابة الجيش، عوضاً عن بكتمر، واستقر الأمير فخر الدين عثمان الشرفي كاشفاً بالوجه القبلي من حدود الجيزة إلى أسوان.
وفي شهري رجب وشعبان: اشتد الغلاء، فبلغ الأردب القمح ماية وخمسة وعشرين درهماً، والإردب الشعير تسعين درهماً، والأردب الفول ثمانين درهماً، والبطة الدقيق زنة خمسين رطلا بأربعة وثلاثين درهماً وشفع الموت في الفقراء من شدة البرد والجوع والعري، وهم يستغيثون فلا يغاثون، وأكل أكثر الناس خبز الفول والنخال، عجزاً عن خبز القمح، وبلغ الخبز الأسود كل رطل ونصف بدرهم، وكثر خطف الفقراء له، ما قدروا عليه من أيدي الناس، ورمى طين بالسجن لعمارة حايط به، فأكله المسجونون من شدة جوعهم، وعز وجود الدواب لموتها جوعاً.
وفي رابع عشرين شعبان: انتدب الأمير منجك نايب السلطان لتفرقة الفقراء على الأمراء وغيرهم، فجمع أهل الحاجة والمسكنة، وبعث إلى كل أمير من أمراء الألوف ماية فقير، وإلى من عدا أمراء الأولوف على قدر حاله، وفرق على الدواوين والتجار وأرباب الأموال كل واحد عدداً من الفقراء ثم نودي في القاهرة ومصر بألا يتصدق أحد على حرفوش، وأي حرفوش شحذ صلب، فآوى كل أحد فقراءه في مكان، وقام لهم من الغذاء بما يمد رمقهم على قدر همته وسماح نفسه، ومنعهم من التطواف لسؤال الناس، فخفت تلك الشناعات التي كانت بين الناس، إلا أن الموات عظم، حتى كان يموت في كل يوم من الطرحاء على الطرقات ما يزيد على خمسمائة نفر، ويطلق من ديوان المواريث ما ينيف على مائتي نفس، وتزايد في شهر رمضان مرض الناس وموتهم، ونفدت الأقوات، واشتد الأمر، فبلغت عدة من يرد اسمه للديوان في كل يوم خمسمائة، وبلغت عدة الطرحاء زيادة على خمسمائة طريح، فقام بمواراة الطرحاء الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير أقبغا آص، والأمير سودن الشيخوني، وغيرهما، وكان من أتى بميت طريح أعطوه درهماً، فأتاهم الناس بالأموات، فقاموا بتغسيلهم وتكفينهم ودفنهم أحسن قيام، بعد ما شاهد الناس الكلاب تأكل الموتى من الطرحاء.
فلما فني معظم الفقراء، وخلت دور كثيرة خارج القاهرة ومصر لموت أهلها، فشمت الأمراض من أخريات شهر رمضان في الأغنياء، ووقع الموت فيهم، فازداد سعر الأدوية، وبلغ الفروج خمسة وأربعين درهماً، ثم فقدت الفراريج حتى خرج البريد في الأعمال بطلبها للسلطان، وبلغت الحبة الواحدة من السفرجل خمسين درهماً، والحبة من الرمان الحامض عشرة دراهم، والرمانة الواحدة من الحلو بستة عشر درهماً، والبطيخة الواحدة من البطيخ الصيفي تسعين درهماً، وكل رطل منه بثلاثة دراهم، واشتد الأمر في شوال إلى الغاية.
وفي خامس عشر شوال: قدمت أم سالم الدكري أمير التركمان بنواحي الأبلستين، ومعها أحمد بن همز التركماني أحد الأبطال، وكان قد أقام دهراً يقطع الطريق على قوافل العراق يأخذ أموالهم ويقتل رجالهم، وأعيا النواب بالممالمك أمره، وهدروا دمه، فتشتت شمله، وضاقت عليه تلك البلاد، حتى اضطره الحال إلى الدخول في الطاعة، وقدم بأم سالم لتشفع فيه، فقبل السلطان شفاعتها، وأنعم عليه بإقطاع، وجعله من جملة من مقدمي المماليك، وأنعم على أم سالم وردها إلى بلادها مكرمة.
وفيه استقر الأمير أحمد الطرخاني في ولاية الأشمونين، عوضاً عن الأمير شرف الدين يحيى بن قرمان.
وفي يوم الإثنين ثاني عشرينه: استقر في قضاء الحنابلة بدمشق شمس الدين محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله المقدسي، المعروف بابن تقي المرداوي، عوضاً عن علاء الدين علي بن محمد بن علي العسقلاني.
وفي أول ذي القعدة: وصلت تراويج القمح الجديد، فانحل السعر، حتى أبيع الأردب بستين درهماً بعد مائة وثلاثين، وأبيع الأردب الشعير بعشرين درهماً، والأردب الفول بدون العشرين درهماً، وأبيع الخبز أربعة أرطال بدرهم، ثم تناقصت الأسعار، واتفق أنه أبيع في بعض الأيام الأردب القمح بماية وعشرين درهماً، ثم أبيع في أثناء النهار بتسعين، ثم أبيع بستين، ثم أبيع من آخر النهار بثلاثين درهماً.
وفي الخميس ثالثه: أنعم على الأمير بيبغا السابقي الخاصكي بتقدمة ألف.
وفي تاسع عشره: سقط الطائر بالبشارة بفتح سيس بعث به الأمير بيدمر نائب الشام، ثم قدم من الغد البريد من النواب بذلك، فدقت البشائر بقلعة الجبل ثلاثة أيام، وحمل إلى الأمير أشَقتمُر نائب حلب تشريف جليل، وذلك أنه توجه بعساكر حلب إليها فنازلها، وحصر التكفور متملكها مدة شهرين حتى طلب الأمان، من فناء أزودتهم، وعجزهم عن العسكر، فتسلم الأمير أشَقتمُر قلعتها، وأعلن في مدينة سيس بكلمة التوحيد، ورتب بها عسكراً، وأخذ التكفور وأمراءه، من أجناد وعاد إلى حلب، وجهزهم إلى القاهرة، فبعث السلطان الأمير يعقوب شاه لنيابة سيس، وأزال الله منها دولة الأرمن عباد الصليب، وقال الأدباء في ذلك شعراً كثيراً، ذكرنا بعضه في ترجمة الأمير أشقتمر من تاريخنا الكبير المقفا.
واستقر الأمير صرغتمش الخاصكي في نظر المارستان، بعد وفاة الأمير أيدمر الدوادار.
وفيه عين قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، لقضاء الحنفية بديار مصر، بعد وفاة صدر الدين محمد بن التركماني شرف الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد أبي العز الدمشقي، فسار البريد لإحضاره.
وقدم البريد بغلاء الأسعار بحلب، حتى أبيع المكوك القمح بمائة وخمسين درهماً، وأن الشيخ أويس بن الشيخ حسن متملك بغداد مات، واستقر في السلطنة بعده ابنه حسين بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا بن إيلكين.
واستقر في قضاء القضاة بحلب فخر الدين عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان الزرعي الشافعي، عوضاً عن كمال الدين عمر بن عثمان بن هبة الله المعري، واستقر سرى الدين إسماعيل بن محمد بن محمد بن هاني الأندلسي في قضاء المالكية بحلب، عوضاً عن برهان الدين إبراهيم بن محمد بن على الصنهاجي الشاذلي، واستقر الطواشي ياقوت الشيخي زمام الدور في تقدمة المماليك، بعد وفاة الأمير سابق الدين مثقال الآنوكي، واستقر الطواشي سابق الدين مثقال الجمالي الساقي شاد الحوش زمام الدور، وخلع عليهما. واستقر الأمير منكلى بغا البلدي في نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير أَقتمُر عبد الغني، واستقر أقتمر عبد الغني في نيابة صفد، وخرج البريد بإحضار يعقوب شاه نايب سيس، واستقر عوضه الأمير أقبغا عبد الله.
وفي آخره: فشت الأمراض في الناس بالطاعون، وقل وجود الأموات الطرحاء، وأبيع الأردب الشعير من عشرين درهماً إلى ستة وعشرين درهماً.
وفي رابع ذي الحجة: قطع الدميري المحتسب سعر الخبز ثمانية أرطال بدرهم، وقد كان خمسة أرطال وثلث بدرهم، فامتنع الطحانون أن يشتروا القمح إلا بثمانية عشر درهماً، فأبي تجار الغلال الجلابة بيع القمح بهذا، وعادوا بمراكب الغلال من حيث أتوا، فعز وجود القمح وبلغ أربعة وثلاثين درهماً الأردب، وتعذر وجود الخبز في الأسواق عدة أيام، وأبيع أقل من ستة أرطال بدرهم.
وفي يوم الإثنين خامسه: قدم الأمير يعقوب شاه على البريد من سيس، فخلع عليه واستقر في نيابة الإسكندرية، عوضاً عن قطلوبغا الشعباني.
وفي يوم النحر: تناقص الوباء.
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشره: قدم الشيخ شرف الدين أحمد بن منصور الحنفي من دمشق، فنزل بمدرسة السلطان حسن. ثم استدعى في يوم الخميس خامس عشره إلى القلعة، فأجلس بباب القصر، ثم أمر أن يجلس على باب خزانة الخاص بجوار القصر، فجلس حتى خرج الأمراء من الخدمة بالقصر، وفيهم الأمير طشتمر الدوادار، فسلم عليه وسار به إلى منزله، وباسطه، وأطعمه معه من غذائه. وكان عنده الشيخ سراج الدين عمر البلقيني، والشيخ ضياء الدين القرم، فتجابذوا أطراف البحث في فنون العلم. ثم أمره الأمير طشتمر أن يستمر حيث نزل إلى أن يطلبه السلطان، فمضى وقد عاق القوم أمره.
وتحدث الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص في ولاية الجلال رسولاً بن أحمد بن يوسف التباني الرومي - مدرس الحنفية بمدرسة الأمير ألجاي - قضاء الحنفية. فاستدعاه السلطان وعرض عليه ولاية قضاء القضاة، فامتنع من قبوله، واعتذر بأن العجم ليس لها معرفة بإصطلاح أهل مصر، فقبل السلطان عذره، وصرفه مكرماً. فتحدث بعض الأمراء في ولاية مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم، وكاد أمره يتم، ثم بطل. فتحدث بعض أهل الدولة لنجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن محمد بن أبي العز، المعروف بابن الكشك، في ولايته، فأجيب إلى ذلك وخرج البريد يطلبه من دمشق.
وفي يوم الاثنين تاسع عشره: قبض على الصاحب كريم الدين شاكر بن الغنام، وعلى حواشيه، وعلى مقدم الدولة الحاج سيف وشريكه عبيد البازدار، وعلى الأمير شرف الدين حمزة شاد الدواوين، وأبطل الوزارة، وأمر فأغلق شباك الوزارة بقاعة الصاحب من قلعة الجبل، فخلع على الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشي أطلسين، واستقر مشير الدولة بإمرة طبلخاناه، ورسم له أن يحمل الدواة والمرملة كما هي عادة الوزراء، وخلع على سعد الدين بن الريشة، وعلى أمين الدين أمين، واستقرا في نظر الدولة، ورسم لهما أن يجلسا من وراء شباك الوزارة وهو مغلق. وخلع على كريم الدين صهر النشو وعلى فخر الدين بن علم الطويل، واستقرا في استيفاء الدولة.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: أفرج عن المقدم سيف، ونوابه، وخلع عليه، فإنه التزم أن يستخرج للسلطان ستمائة ألف من مال السلطان، وأفرج أيضاً عن كريم الدين شاكر ابن غنام، على مال التزم به، فنزل على حمار، حتى باع أثاثه وخيوله.
وفي يوم الجمعة ثالث عشرينه: عزل قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة نفسه من القضاء، من أجل أنه منع بعض موقعي الحكم من التوقيع، فألح عليه بعض أهل الدولة في الإذن له، فغضب من الاعتراض عليه، وأغلق بابه، واعتزل عن الحكم هو ونوابه، فشق ذلك على السلطان، وبعث إليه بالأمير ناصر الدين محمد أقبغا آص يسأله في العودة إلى الحكم، فنزل إليه في يوم السبت، وسأله عن السلطان، وتضرع إليه وترفق، فأبي من العود إلى الولاية. ورجع الأمير إلى السلطان، فأرسل إليه بالأمير بهادر الجمالي، أمير آخور، آخر النهار، فألح في مسألته وأكثر من الترقق له، فلم يقبل منه، وصمم على الامتناع. فلما أيس منه قال له: مولانا السلطان يسلم عليك، وقد حلف إن لم تقبل عنه الولاية، ولم تركب إليه، ليركبن إليك، حتى يأتيك في هذه الليلة إلى منزلك، حتى تقبل عنه ولاية القضاء، وحلف له الأمير بهادر بالطلاق، أنه سمع السلطان، وهو يحلف بالطلاق على هذا. فلم يجد القاضي عند ذلك بداً من أن قال: أنا أجتمع بالسلطان، ثم ركب بثياب جلوسه، وصعد إلى القلعة، فعرض عليه السلطان العود إلى ولاية القضاء، ولاطفه. فأجاب بعد جهد: إني أستخير الله تعالى هذه الليلة، ثم يكون ما يقدره الله. فرضي منه السلطان بذلك، وقام عنه وأجل الأمراء من يسعد بتقبيل يده، حتى أتى منزله. وركب من الغد يوم الأحد خامس عشرينه إلى القلعة، واشترط على السلطان شروطاً كثيرة، التزم له بها حتى قبل الولاية. ولبس التشريف الصوف، ونزل عليه من المهابة ما يكان بشق الصدور، فكان يوماً مشهوداً. وفي هذا الشهر: استقر جلال الدين جار الله في تدريس الحنفية بالجامع الطولوني، بعد وفاة ابن التركماني. واستقر الأمير قارا بن مهنا، في إمرة العرب، بعد موت أخيه حيار بن مهنا.
وفي يوم الثلاثاء سابع عشرينه: ركب السلطان إلى عيادة الأمير منجك في مرضه، فقدم له عشرة مماليك، وعشرة بقج قماش، وعدة من الخيل، فقبل ذلك، ثم أنعم به عليه، ولم يرزأه منه شيئاً، وقد فرش له عدة شقاق من حرير مشى عليها بفرسه في داره، ثم عاد إلى القلعة.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانخلائق لا يحصيها إلا خالقها، فمن الأعيان: الأمير أسنبغا القوصوني اللالا أحد الطبلخاناه، وهو مجرد بالإسكندرية، في ثالث عشر المحرم.
ومات الأمير أسنبغا البهاوري شاد العماير، ونقيب الجيش، في آخر شهر رجب.
ومات شهاب الدين أحمد، عرف بطبيق، ابن الفقيه بدر الدين حسن، أحد فقهاء الحنفية، في رابع ذي القعدة.
ومات شهاب الدين أحمد بن السقا أحد فضلاء الميقاتية، في تاسع عشر شوال.
ومات شهاب الدين أحمد بن براغيث، في خامس عشرين شوال.
ومات قاضي الحنفية بدمشق، شرف الدين أحمد بن شهاب الدين حسين بن سليمان بن فزارة الكفري، بعد أن كف بصره، عن خمس وثمانين سنة.
ومات قاضي الشافعية بحلب وطرابلس، شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف بن أيوب الحموي، عن بضع وسبعين سنة، بحماة.
ومات الإمام النحوي شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي العنابي الدمشقي، عن بضع وستين سنة بدمشق. أخذ النحو بالقاهرة عن أبي حيان، وشرح كتاب سيبويه.
ومات الأديب البارع شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد، المعروف بابن أبي حجلة التلمساني الحنفي، شيخ صهريج منجك، في يوم الخميس أول ذي الحجة بالقاهرة، عن إحدى وخمسين سنة.
ومات الإمام المحدث شهاب الدين أحمد بن الزيلعي شيخ الإقراء بخانكاه شيخو، في يوم الأربعاء سابع ذي الحجة.
ومات الأمير ألطنبغا النظامي الجوكندار.
ومات سلطان بغداد وتوريز القان أويس ابن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا بن أيلكان، عن نيف وثلاثين سنة، منها في السلطنة تسع عشرة سنة، وكان قد اعتزل قبل موته، وأقام عوضه في المملكة ابنه الشيخ حسين لمنام رأه نعيت إليه نفسه، وعين له يوم موته، فتخلى عن الملك، وأقبل يتعبد، فمات كما ذكر له في نومه.
ومات الأمير أيدمر الدوادار الآنوكي الناصري، أتابك العساكر، في يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة، وكان مهاباً، سيوساً، حازماً، يبدأ الناس بالسلام، ويتبع الأحكام الشرعية.
وتوفي شيخ خانكاه سعيد السعداء بدر الدين حسين بن قاضي دمشق، علاء الدين علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي الشافعي، في يوم السبت، سادس عشر شعبان، وهو ينوب في الحكم عن قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، ويدرس في المدرسة الشريفية ومات الأمير حيار بن مهنا بن عيسى. بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضية بن فضل بن ربيعة، أمير آل فضل بنواحي سَلَمية، عن بضع وستين سنة.
ومات الأمير سلطان شاه بن قرا الحاجب من أَمراء الطبلخاناه.
وتوفي الشيخ جمال الدين عبد اللّه بن محمد بن أحمد الحسيني النيسابوري الشافعي، وهو من أبناء التسعين بحلب، بعد ما أقام بالقاهرة زماناً، وبرع في العربية والأصول.
وتوفي قاضي القضاة الحنابلة بدمشق علاء الدين على بن محمد بن علي بن عبد اللّه ابن أبي الفتح العسقلاني المصري، أحد أعلام الحنابلة، في ثامن عشر شوال بدمشق.
ومات قاضي حلب، علاء الدين علي بن الفخر عثمان بن أحمد بن عمرو بن محمد الزرعي الشافعي، عن خمس وثمانين سنة بدمشق، وقد باشر بها وكالة بيت المال وكتابة الإنشاء.
ومات الأمير قرقماس الصَرْغَتْمُشي، أحد العشرات.
ومات الأمير كَبَكَ الصَرْغَتْمُشي، أحد أمراء الطبلخاناه.
وتوفي قاضي العسكر مفتي دار العدل، أحد الفقهاء الحنفية، وشيخ العربية والأدب، شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن الصايغ الحنفي، في يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان.
وتوفي قاضي القضاة صدر الدين محمد بن قاضي القضاة جمال الدين عبد اللّه بن قاضي القضاة علاء الدين على بن فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني، المعروف بابن التركماني الحنفي، في ليلة الجمعة رابع ذي القعدة، عن نحو أربعين سنة، بمنزله من ناحية كوم الريش، خارج القاهرة، وقد أقام في قضاء الحنفية ثلاث سنين وأشهر، وأوصى أن يكتب على قبره من شعره.
إن الفقير الذي أضحى بحفرته ... نزيل رب كثير العفو ستار
يوصيك بالأهل والأولاد تحفظهم ... فهم عيال على معروفك الساري
وتوفي مفتي الشام جمال الدين محمد بن الحسن بن محمد بن عمار، المعروف بابن قاضي الزبداني الحارثي الدمشقي، عن سبع وثمانين سنة.
وتوفي أمين الدين محمد بن قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن إبراهيم بن عبد الحق الحنفي، بدمشق، عن بضع وستين سنة.
وتوفي المحدث شمس الدين محمد بن الأنصاري المعروف بابن العلاف، عن نحو مائة سنة.
وتوفي رئيس التجار ناصر الدين محمد بن مسلم في يوم الجمعة ثاني عشر شوال، وإليه ينسب المدرسة المسلمية بمصر.
ومات الأمير منجك اليوسفي نائب السلطنة، في يوم الخميس تاسع عشرين ذي الحجة، ودفن من الغد بخانكاته تحت القلعة.
وتوفي الوزير الصاحب ناظر الخاص فخر الدين ماجد، ويدعى عبد الله، بن تاج الدين موسى بن علم الدين أبي شاكر بن سعيد الدولة، في يوم الجمعة عاشر ذي القعدة، وأبوه حي.
ومات الأمير موسى بن أيدمر الخطيري، أحد أمراء العشرات.
ومات الأمير الطواشي سابق الدين مثقال الآنوكي مقدم المماليك، وأحد أمراء الطبلخاناه، في يوم الجمعة سابع عشر ذي القعدة، وإليه تنسب المدرسة السابقية بالقاهرة.
وتوفي المسند زين الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد بن هارون، بن محمد بن هارون، المعروف بابن القارئ التغلبي، في نصف ذي القعدة، حدث بصحيح عن الشهاب أحمد بن إسحاق بن المؤيد الأبرقوهي، وهو آخر من حدث عنه، وله مشيخة، حدث بها أيضاً.
وتوفي أحد فقهاء المالكية ناصر الدين محمد الهاروني أبو جابر بمصر، في يوم الأربعاء سادس شعبان.
وتوفي كمال الدين أبو البركات السبكي الشافعي مدرس الحديث بالشيخونية، ومفتي دار العدل، في يوم الإثنين ثاني عشرين شوال.
وتوفي شيخ كتاب المنسوب عز الدين أيبك بن عبد الله التركي، عتيق طرغاي الجاشنكير الناصري في يوم الأحد بالقاهرة، وكتب على الفخر السنباطي، وجاد، وتصدر للكتابة بالجامع الأزهر دهراً، فكتب الناس عليه وانتفع به جماعة، وكان خيراً ديناً.
ومات الأمير يلبغا الناصري، أحد مقدمي الألوف، في ليلة الجمعة آخر ذي الحجة. ومات الشيخ مجد الدين محمد بن الشيخ مجد الدين أبي بكر بن إسماعيل بن عبد العزيز الزنكلوني الشافعي، في سابع شوال.
ومات ناصر الدين محمد بن محمد بن محمد بن الكتناني، أحد فضلاء الميقاتية، في يوم الثلاثاء خامس عشرين رمضان.
ومات شرف الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين أبي جابر المالكي، أحد نواب المالكية بمصر، في سادس عشر شوال.
ومات شمس الدين محمد بن ثعلب المالكي، مدرس المدرسة القمحية بمصر، في تاسع شوال.
ومات شرف الدين حسن بن صدر الدين بن قاضي القضاة تقي الدين أحمد المقدسي الحنبلي، أحد كتاب الإنشاء ومدرس الحنابلة بالجامع الحاكمي، في يوم الأربعاء سادس عشر ذي القعدة.
ومات الأمير بيبغا العلاى الدوادار، وهو منفي بطرابلس.
وتوفي صلاح الدين يوسف بن محمد، عرف بابن المغربي، رئيس الأطباء، في يوم الأربعاء ثامن عشر جمادى الآخرة، عن سن عال، وإليه ينسب جامع ابن المغربي، بشاطىء الخليج الناصري بجانب بركة قرموط.
سنة سبع وسبعين وسبعمائةفي ثالث المحرم: خلع على نجم الدين بن الشهيد موقع الدَست، واستقر كاتب السر بسيس.
وفي يوم الأحد تاسعه: ختن السلطان ولديه أمير علي وأمير حاجي، وعملت الأفراح مدة سبعة أيام ليلاً ونهاراً.
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره: قدم قاضي الحنفية بدمشق نجم الدين أبو العباس أحمد، ابن قاضي دمشق عماد الدين إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز وهيب بن عطا بن جبير بن وهيب الأذرعي الدمشقي، المعروف بابن أبي العز، ودخل على الأمير طشتمر الدوادار، والأمير ناصر الدين محمد بن آقبغا آص، ومحب الدين محمد، ناظر الجيش، وقاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، ونزل بصهريج منجك تحت القلعة، وأقبل الأعيان للسلام عليه.
وفيه قدم قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم الأخناي المالكي من الحج وسلم على السلطان، فخلع عليه وأكرمه.
وفي آخره: استدعى نجم الدين بن أبي العز إلى القلعة، وفوض إليه السلطان قضاء القضاة الحنفية بديار مصر، وخلع عليه، وقرر عوضه في قضاء الحنفية بدمشق ابن عمه صدر الدين علي بن علي بن محمد بن محمد بن أبي العز صالح بن أبي العز، فنزل قاضي القضاة نجم الدين في موكب جليل إلى المدرسة الصالحية بين القصرين على العادة.
وفي رابع عشرينه: أنعم على الأمير طيْبغُا الجمالي الصفوي بإمرة طبلخاناه، وخلع على شرف الدين بن منصور، واستقر في قضاء العسكر، عوضاً عن ابن الصايغ.
وفيه قدم النشو الملكي الوزير من الشام باستدعاء، ولزم بيته، وأنعم على الأمير سراي تمر الخاصكي بتقدمة ألف.
وفي نصف صفر: ابتدأ السلطان بعمارة مدرسة بالصوة تجاه الطبلخاناه من قلعة الجبل، وشرع في هدم بيت الأمير سُنقر الجمالي، ليضيفه إليها.
وفي هذا الشهر: وجد في قصر الحجازية من القاهرة - حيث كان باب الزمرد أحد أبواب القصر الفاطمي - تجاه رحبة باب العيد، عمودان عظيمان إلى الغاية تحت ردم، فرسم بسحبهما إلى عمارة السلطان، فأعيا العتالون أمرهما وعجزوا عن شحطهما لكبرهما، فانتدب ابن عايد رايس الخلافة، وإليه أمر الحراقة السلطانية لذلك، وعمل حركات هندسية، فانجرا مع تلك الحركات بطول شارع القاهرة إلى تحت القلعة حيث العمارة، في عدة أيام، كان للعامة فيها اجتماعات بطبولهم وزمورهم، وقالوا من نزهاتهم في جر العامود غناء تداولته ألسنتهم عدة سنين، واقترحوا بالإسكندرية قماشاً سموه جر العامود، للبس النساء، من الحرير. فلما وصل العمودان إلى العمارة انكسر أكبرهما نصفين.
وفي خامس شهر ربيع الأول: خلع على الأمير تمرباي التمرتاشي، واستقر في نيابة الكرك، عوضاً عن طَيدَمُر البالسي.
وفي سادسه: قبض على الأمير تمرباي أمير مجلس، والأمير كزَل وسجنا.
وفي يوم الإثنين ثامن عشرينه: خلع على الصاحب تاج الدين النشو المالكي وأَعيد إلى الوزارة بعد إبطالها، وخلع على أمين الدين أمين، واستقر في نظر الدولة بمفرده، وعزل الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشي من الإشارة.
وفي يوم الإثنين سادس عشرين شهر وبيع الاخر: خلع على الأمير أقتمر الصاحبي الحنبلي، واستقر نائب السلطان، عوضاً عن الأمير سيف الدين منجك بحكم وفاته، فخرج وجلس بدار النيابة من قلعة الجبل على العادة، وأمضى الأمور وحكم بين المتخاصمين.
وفيه استقر ولي الدين أبو محمد عبد اللّه بن أبي البقاء في قضاء القضاة بدمشق بعد موت أبيه، وحمل إليه التقليد والخلعة على البريد.
وفي هذا الشهر: ارتفع سعر اللحم، فأبيع الرطل من لحم الضأن بدرهم ونصف، والرطل من لحم البقر بدرهم وثمن.
وفي سابع عشر شهر جمادى الأولى: قدم الأمير قطلوبغا المنصوري من الشام، باستدعاء.
وفي يوم الخميس خامس جمادى الآخرة: خرج قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن أبي العز من القاهرة عائداً إلى دمشق، من غير أن يعلم به أحد، شبه الفأر، وذلك أنه لم تعجبه القاهرة ولا أهلها، فكان إذا دخل عليه أحد وجلس، قال نقيب الحكم بسم الله يشير إليه أن قم فينفض من في مجلسه، وأكثر من التضجر والقلق، ومازال يسأل في الإعفاء، وأن يستقر ابن عمه صدر الدين عوضاً عنه، حتى أجيب، فاغتنم ذلك وسافر.
وفي نصفه: قبض على الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام، وأدخل قاعة الصاحب على مال يحمله، ثم أفرج عنه بعد ثلاثة أيام، فاختفى، ولم يقدر عليه، فأوقع الملكي الحوطة على داره، وقبض على أتباعه ومعارفه، وصادرهم، ونودي عليه بالقاهرة ومصر، وهدد من أخفاه، وجاء المالكي ليهدم داره، بالقرب من الجامع الأزهر فلم يتهيأ له ذلك، فإنه وجد بها محراباً، فصارت مدرسة إلى اليوم.
وفي يوم الأربعاء رابع شهر رجب: قدم صدر الدين علي بن علي بن محمد بن محمد أبي العز الحنفي من دمشق باستدعاء، فخلع عليه من الغد يوم الخميس خامسه، واستقر في قضاء الحنفية بدمشق.
وفي يوم الخميس ثاني عشرينه: خلع على بدر الدين عبد الوهاب بن كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين محمد بن أبي بكر الأخناي، واستقر في قضاء القضاة المالكية بالقاهرة، بعد وفاة البرهان إبراهيم الأخناي، وخلع على الأمير قطلوبغا المنصوري، واستقر حاجب الحجاب، وسافر ركب الحجاج الرجبية على العادة.
وفي أول شعبان: قدم الأمير آشقتمر نائب حلب بهدية جليلة، قدمها للسلطان، فقبلها.
وخلع على ابن عرام، وأعيد إلى نيابة الإسكندرية، عوضاً عن جركتَمُر المنجكي بعد وفاته، وعلى الطواشي مختار شاذروان الدمنهوري، واستقر مقدم المماليك بعد وفاة افتخار الدين ياقوت الشيخي، وعلى الطواشي ظهير الدين مختار الحسامي مقدم القصر، واستقر مقدم الأسياد ولدى السلطان بإمرة عشرة، عوضاً عن مختار شاذروان.
وقدمت رسل صاحب إصطنبول بهدية فيها صهرج محمل بحركات هندسية، فإذا مضت ساعة من الليل والنهار خرجت ثماثيل بنى آدم، وضربت بصنوج في أيديها، وأنواع من آلات الملاهي معها، وإذا مضت درجة سقطت بندقة.
وفي خامس عشره: سافر الأمير أشقتمر على نيابة حلب بعد ما خلع عليه، وقدم صاحب سنجار بعد ما سلمها لنواب السلطان، فخلع عليه وأكرم، وخرج الأمير أرغون العثماني لإحضار الأمير بيدمر نائب الشام.
وفي خامس عشرينه خلع على الأمير ناصر الدين محمد بن علي بن الطواشي، واستقر في توقيع الدست، عوضاً عن ناصر الدين محمد بن القرشي بعد وفاته، وخلع على علم الدين يحيى كاتب الأمير شرف الدين موسى بن الديناري بعد ما أسلم، واستقر في نظر الخزانة الكبرى، عوضاً عن القرشي، وخلع على شمس الدين محمد الدميري المحتسب، واستقر في نظر الأحباس، عوضاً عن القاضي القرشي.
وفي تاسع عشرينه: خلع على الأمير طيبغا الصفوي، وأستقر لالا إخوة السلطان، وعلى الأمير ناصر الدين محمد بن قرطاي الكركي، واستقر في ولاية قوص، عوضاً عن ركن الدين عمر بن المعين.
وفي تاسع شهر رمضان: خلع على شرف الدين أحمد بن علي، ابن منصور، واستقر في قضاء القضاة الحنفية، عوضاً عن صدر الدين علي بن أبي العز، وسافر ابن أبي العز إلى دمشق، وخلع على مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم التركماني الحنفي، واستقر في قضاء العسكر، عوضاً عن شرف الدين أحمد بن منصور.
وفي تاسع عشرينه: قدم الأمير بيدمر نائب الشام، ومعه هدية للسلطان لم يعهد مثلها للنائب قبله، منها مائتان وخمسون فرساً، وأهدى لجميع الأمراء والأعيان عدة هدايا، ونزل بالميدان الكبير على النيل، حتى سافر في ثالث عشر شوال بعد ما خلع عليه.
وفي ليلة السبت ثالث عشرينه: طلق السلطان نساءه الثلاث، وهن خوند صاحبة القاعة ابنة عمه السلطان حسن، وابنة الأمير تنكزبغا، وابنة الأمير طغاى تمر النظامي.
وقدم ابن عرام نائب الإسكندرية باستدعاء، وقدم طيدمر البالسي من القدس باستدعاء، وظهر الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام من اختفائه، فخلع عليه، واستقر في نظر البيوت.
وفي يوم الأحد ثاني عشرين ذي القعدة: عزل الملكي من الوزارة، وخلع من الغد يوم الإثنين ثالث عشرينه على أمين الدين أمين، واستقر في نظر الدولة، بغير وزير، فانفرد الصاحب شمس الدين أبو الفرج المقسي ناظر الخاص بالتدبير، وخلع عليه، واستقر مشير الدولة، وخلع على أمين الدين جعيص، واستقر مستوفي الدولة.
وقدم البريد بغلاء الأسعار بدمشق، وأن الغرارة القمح بلغت نحو خمسمائة درهم، وأبيع الخبز بحلب كل رطل حلبي بستة دراهم، والمكوك القمح بثلاثمائة درهم ونيف، وأكلت الميتات والكلاب والقطاط، ومات خلق كثير من المساكين، وانكشف عدة من الأغنياء، وعم الغلاء ببلاد الشام كلها، حتى أكلت القطاط وبيعت الأولاد بحلب وأعمالها.
وفيه استناب قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، صهره سرى الدين محمد ابن قاضي المالكية جمال الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي المسلاتي في الحكم بالقاهرة، بعد ما انتقل عن مذهب مالك إلى مذهب الشافعي، واستقر البرهان أبو سالم إيراهيم بن محمد بن علي الصنهاجي، في قضاء المالكية بحلب، عوضاً عن ناصر الدين أبي عبد اللّه محمد بن سرى الدين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن محمد بن هاني الأندلسي، واستقر بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مزهر في كتابة السر بدمشق، عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن فضل الله بعد وفاته.
وكان أمير الحاج في هذه السنة الأمير بوري الخاصكي، فخرج على الحاج بطريق المدينة النبوية قطاع الطريق، وقتلوا منهم طائفة.
ومات في هذه السنة ممن له ذكر من الأعيانقاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السعدي الهذباني الأخناي المالكي، في ليلة الثلاثاء ثاني شهر رجب، وكانت مدة ولايته قضاء خمس عشرة سنة.
وتوفي ناظر بيت المال برهان الدين إبراهيم بن بهاء الدين الحلى، في يوم الأربعاء خامس المحرم.
وتوفي الفقير المجذوب المعتمد أحمد بن عبد الله، ويسمى مسعود، بخط المريس فيما بين القاهرة ومصر، يوم الخميس تاسع شهر رمضان، كان أسود اللون، ويؤثر عنه كرامات، وربما غاب عقله مدة ثم حضر.
وتوفي كاتب السر بدمشق شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علاء الدين على بن محيى الدين يحيى بن فضل الله العمري، وقد أناف على الثلاثين.
ومات الأمير أرغون المحمدي الآنوكي، أحد الطبلخاناه.
ومات الأمير سيف الدين أسنبغا بن بكتمر البوبكري، أحد أمراء الألوف، في يوم الأربعاء خامس المحرم، وإليه تنسب المدرسة البوبكرية بالقاهرة.
ومات الأمير جركتمر المنجكي أمير مجلس، وقد ولي قلعة المسلمين حتى مات بها.
ومات الأمير طقبغا العمري، أحد الطبلخاناه.
وتوفي الشيخ عبد اللّه بن محمد بن أبي بكر بن خليل بن إبراهيم بن يحيى بن أبي عبد اللّه يحيى بن إبراهيم بن سعيد بن طلحة بن موسى بن إسحاق، بن عبد اللّه بن محمد بن عبد الرحمن بن أبان بن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، في يوم الأحد ثالث جمادى الأولى، بخلوته من سطح جامع الحاكم، وكانت له جنازة عظيمة جداً، ومولده سنة أربع وتسعين وستمائة. كان فقيهاً شافعياً صاحب فنون، قدم من مكة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة إلى القاهرة، وأخذ الفقه عن التقي السبكي والعلاء القونوي، والنحو عن أبي حيان، والأصفهاني، وعاد إلى مكة بعد سبع سنين، ثم قدم منها بعد سنتين إلى البلاد الشامية، سمع من جماعة كالبرهان بن سباع، وابن عبد الدايم، ثم استوطن القاهرة، ودرس الحديث بالمدرسة المنصورية، وباشر عدة وظائف تنزه عنها، وانقطع للعبادة بسطح الجامع الحاكمي حتى مات، وليس له نظير في حفظه ودينه. وتوفي كمال الدين أبو حفص عمر بن التقي إبراهيم بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن بن العجمي الحلبي، الفقيه الشافعي المحدث بحلب، وقدم إلى القاهرة.
وتوفي زين الدين عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن أمين الدولة، الحنبلي الحلبي، عن بضع وستين سنة، بحلب، وقدم إلى القاهرة.
ومات الشريف عجلان بن رميثة بن أبي نمى محمد بن أبي سعد علي بن الحسن بن قتادة ابن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجور بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليهم السلام، بعد ما وفي إمارة مكة شريكاً لأخيه ثقبة، ثم انفرد بالإمارة بعد موت أخيه، حتى رغب عنها لولده أحمد بن عجلان، واعتزل حتى مات في ليلة الإثنين حادي عشر جمادى الأولى.
وتوفي قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء محمد بن سديد الدين أبي محمد عبد البر ابن القاضي صدر الدين أبي زكريا يحيى بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام ابن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان الأنصاري السبكي الشافعي، في يوم الخميس ثاني عشرين شهر ربيع الآخر بدمشق، ومولده سنة سبع وسبعمائة.
وتوفي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن خطيب بيروت الدمشقي الشافعي، في شوال بدمشق، ومولده سنة إحدى وسبعمائة، قدم القاهرة وسكنها مدة، ودرس بالشافعي، وولي قضاء المدينة النبوية.
وتوفي كمال الدين محمد بن زين الدين أبي القاسم عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي بالقاهرة، عن أربع وسبعين سنة، وهو أخو شيخنا زين الدين طاهر.
وتوفي تقي الدين محمد بن كمال الدين الشهاب محمود، أحد موقعي الدست بالقاهرة عن أربع وسبعين سنة.
وتوفي الشيخ محمد بن شرف عادي - بعين مهملة - الكلائي الشافعي الفرضي النحوي المقرىء، في يوم الثلاثاء تاسع شهر رجب، بالمدرسة القطبية من القاهرة، ودرس الفرائض زماناً، وصنف فيها، ومَهُر به جماعة.
ومات الأمير ناصر الدين محمد بن الأمير قيران الحسامي، أحد الطبلخاناه.
وتوفي صلاح الدين محمد بن صوره، مدرس المعزية، بمدينة مصر، وأحد نواب الحكم الشافعية، في ليلة الثلاثاء سابع عشرين ربيع الآخر.
وتوفي قاضي الإسكندرية كمال الدين التنسي المالكي، أحد فقهاء المالكية، في يوم الإثنين عاشر المحرم بالقاهرة.
وتوفي ناصر الدين محمد بن القرشي موقع الدست، وناظر الأحباس، وناظر الخزانة الكبرى، في يوم الإثنين حادي عشرين شعبان.
وتوفي التاجر ناصر الدين محمد بن سلام الإسكندري بها، في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر رجب.
وتوفي الشريف نجم الدين حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر، أحد نواب المالكية، وهو عائد من الحج بمنزلة رابع في ذي الحجة.
وتوفي موقع الحكم علم الدين صالح بن أحمد بن عبد الله الإسنوي في ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى، وقد انتهت إليه رياسة جليلة، ورزق حظاً وافراً من الأمراء وغيرهم بغير علم، وفيه قيل وقد ولى إعادة.
ومعيد لو كتبت له حروفاً ... وقلت أعد علي تلك الحروف
لقصر في إعادته عليها ... فكيف يعيد في العلم الشريف
وتوفي تاج الدين أبو غالب الكلبشاوي الأسلمي ناظر الذخيرة، في نصف شوال، وإليه تنسب المدرسة المعروفة بمدرسة أبي غالب تجاه باب الخوخة من ظاهر القاهرة، وكان مشكوراً في مسالمة الكتاب.
وتوفي الأمير خليل بن الأمير أرغون الكاملي، في ثاني عشرين رجب.
وتوفي شيخ الكتاب المجودين بالقاهرة، شهاب الدين غازي بن قطلوبغا التركي، في يوم الثلاثاء تاسع رجب، وقد تصدى لتعليم الناس كتابه المنسوب دهراً طويلاً، وتخرج به جماعة، وكتب على محتسب مصر شمس الدين محمد بن أبي رقيبة، وكتب ابن أبي رقيبة على ابن العفيف.
وتوفي شمس الدين محمد بن سالم بن عبد الرحمن الجبلي الدمشقي الحنبلي الأعمى، والد شيخنا صلاح الدين محمد بن الأعمى، في يوم السبت سادس عشرين شعبان، وقد درس الفقه بمدرسة حسن وغيرها.
وتوفي نور الدين علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن أحمد الكناني العسقلاني، الشهير بابن حجر. والد أخينا في الله الحافظ شهاب الدين أبي الفضل قاضي القضاة أحمد بن حجر الشافعي،في يوم الأربعاء عاشر شهر رجب، وكان تاجراً بمدينة مصر، تفقه للشافعي وحفظ كتاب الحاوي، وأخذ الفقه عن البهاء محمد بن عقيل، وقال الشعر، وكثر فضله وأفضاله، ومن شعره يشير إلى صناعة أبيه فإنه كان يبيع البز بالإسكندرية.
إسكندرية كم ذا ... يسمو قماشك عزا
فطمت نفسي عنها ... فلست أطلب بزا
وتوفي الطواشي افتخار الدين ياقوت الشيخي مقدم المماليك.
وتوفيت خوند ابنة الأمير منكلى بغا الشمسي، زوجة السلطان.
//سنة ثمان وسبعين و سبعمائة في أول المحرم: وقف صوفية خانكاة سعيد السعداء إلى السلطان وشكوا من شيخهم جلال الدين جار الله، فرسم بعزله، وعين لمشيختها علاء الدين السراني وكان بالحجاز.
وفيه طلب قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة دوادار الأمير آقتمر الحنبلي نائب السلطان، وأنكر عليه، ونهره في مجلس حكمه، ووضع من أستاذه بسبب ما يجري من أحكامه بين الناس، فإنه بلغه عنه أنه ضرب رب دين بحضرة مديونه، فترقق له وتلطف به في المداراة حتى خلص من مجلسه، وقد ملىء قلبه منه خوفًا.وفيه أخرج الوزير المالكي إلى الكرك منفيا، وخرجت النجب في أول صفر إلى مكة إحضار الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام، وكان قد جاور بها.
وفي ثامن عشرينه: خلع على الشريف بكتمر، واستقر في كشف الوجه البحري عوضاً عن الأمير علي خان، وخلع على الأمير بكتمر السيفي، واستقر في ولاية القاهرة، عوضاً عن حسين بن الكوراني، وأنعم على الأمير أروس النظامي، بإمرة في حلب.
وفي يوم الخميس ثامن عشر ربيع الأول: أعيد الأمير حسين بن الكوراني إلى ولاية القاهرة بعد وفاة الأمير بكتمر.
وفي أوائل هذا الشهر: انقطع مقطع من الخليج قريبا من قناطر الأوز؛ سببه أن شهاب الدين بن أحمد بن قايماز - أستادار ابن آقبغا آص الأستادار - عمر بركة بجوار الخليج من شرقيه؛ ليجتمع فيها السمك، وفتح لها من جانب الخليج كوة يدخل منها الماء، فقوي الماء واتسع الخرق حتى فاض الماء وأغرق ما في تلك الجهة من الدور في يوم الجمعة تاسعه، فخربت عدة حارات كان فيها ما ينيف على ألف دار، وصارت ساحة، وتعب الأمير حسين بن الكوراني تعباً كبيراً حتى سد المقطع خشية أن تغرق الحسينية بأسرها، وأنفق فيها زيادة على ثلاثة آلاف درهم في ثمن أخشاب ونحوها واستمرت تلك الديار خرابا إلى يومنا، وعمل موضع بعضها بساتين، وموضع بعض برك ماء.
وفي يوم الجمعة ثاني عشره: قدم الصاحب كريم الدين شاكر بن غنام من الحجاز.
وفي أخريات هذا الشهر: استجد السلطان عدة خاصكية من مماليكه، وأسكنهم في بيت الأمير أنوك بجوار باب الدار من القلعة، وقدم عليهم الطواشي شرف الدين مختص الأشرفي، وأمره أن يوقفهم بين يديه، ولا يدع أحدا منهم يجلس، فصاروا مضافيه ، منهم الأمير بشتاك عبد الكريم الخاصكي.