كتاب : الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد
بن حنبل
المؤلف : علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي
الصالحي
قال يعني المصنف ولو جعله صداقا أو عوضا عن خلع انبنى على الوجهين في الأخذ بالشفعة انتهى.
وقدم في الرعاية سقوطها بإجارة وصدقة.
الثانية: لو أوصى بالشقص فإن أخذ الشفيع قبل القبول بطلت الوصية واستقر الأخذ ذكره المصنف والشارح والحارثي وغيرهم.
وإن طلب ولم يأخذ بعد بطلت الوصية أيضا ويدفع الثمن إلى الورثة لأنه ملكهم وإن كان الموصى له قبل قبل أخذ الشفيع أو طلبه فكما مر في الهبة تنقطع الشفعة بها على المذهب.
قال الحارثي: وعلى المحكى عن أبي بكر وإن كان لا يثبت عنه لا تنقطع وهو الحق انتهى.
وهو مقتضى إطلاق المصنف في المغني.
قوله: "وإن باع فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء".
هذا المذهب بلا ريب والمشهور عند الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقال ابن أبي موسى: يأخذه ممن هو في يده وهو ظاهر كلام ابن عقيل في التذكرة لأنه قال إذا خرج من يده وملكه كيف يسلم.
وقيل: البيع باطل. وهو ظاهر كلام أبي بكر في التنبيه قاله في القاعدة الرابعة والعشرين.
وقال في آخر القاعدة الثالثة والخمسين: وذكر أبو الخطاب أن تصرف المشتري في الشقص المشفوع يصح ويقف على إجازة الشفيع.
قوله: "وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة فللشفيع أخذه إذا تقايلا الشقص ثم علم المشتري إن قلنا الإقالة بيع فله الأخذ من أيهما شاء".
فإن أخذ من المشتري نقض الإقالة ليعود الشقص إليه فيأخذ منه وإن قلنا فسخ فله الشفعة أيضا على الصحيح من المذهب.
قال الحارثي: ذكره الأصحاب القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والمصنف في آخرين انتهى.
وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والنظم والمغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال الحارثي: ثم ذكر القاضي وابن عقيل والمصنف في كتابيه أنه يفسخ الإقالة ليرجع الشقص إلى المشتري فيأخذ منه.
قال المصنف: لأنه لا يمكنه الأخذ معها.
وقال ابن أبي موسى: للشفيع انتزاعه من يد البائع.
قال الحارثي: والأول أولى لأن الاستشفاع الانتزاع من يد المشتري وهذا معنى قوله: "لا يمكن الأخذ معها".
وقد نص الإمام احمد رحمه الله في رواية بن الحكم على بطلان الشفعة.
وحمله القاضي على أن الشفيع عفا ولم يطالب وتبعه ابن عقيل.
قال في المستوعب: وعندي أن الكلام على ظاهره ومتى تقايلا قبل المطالبة بالشفعة لم تجب الشفعة وكذا قال صاحب التلخيص وزاد فيكون على روايتين.
قال الحارثي: والبطلان هو الذي يصح عن الإمام أحمد رحمه الله.
فائدة: لو تقايلا بعد عفو الشفيع ثم عن له المطالبة ففي المجرد والفصول إن قيل الإقالة فسخ فلا شيء له وإن قيل هي بيع تجددت الشفعة وأخذ من البائع لتجدد السبب فهو كالعود إليه بالبيع الصريح واقتصر عليه الحارثي.
وإن فسخ البيع بعيب قديم ثم علم الشفيع وطالب مقدما على العيب فقال المصنف هنا له الشفعة كذا قال الأصحاب القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل في آخرين.
وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمغني والشرح والنظم والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والتلخيص والفروع وغيرهم.
وعنه ليس له الأخذ إذا فسخ بعيب. ذكره في المستوعب والتلخيص أخذا من نصه في رواية بن الحكم في المقايلة.
وأكثرهم حكاه قولا ومال إليه الحارثي.
فوائد
منها: لو باع شقصا بعبد ثم وجد العبد معيبا فقال في المغني والمجرد والفصول وغيرهم له رد العبد واسترجاع الشقص ولا شيء للشفيع واختار الحارثي ثبوت الشفعة له انتهى.
قال الأصحاب: وإن أخذ الشفيع الشقص ثم وجد البائع العيب لم يملك استرداد الشقص لأنه يلزم عنه بطلان عقد آخر.
قلت: فيعايى بها.
ولكن يرجع بقيمة الشقص والمشتري قد أخذ من الشفيع قيمة العبد فإن ساوت قيمة العبد فذاك وإن زادت إحداهما على الأخرى ففي رجوع باذل الزيادة من المشتري والشفيع على صاحبه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح.
أحدهما: يرجع بالزيادة وهو الصحيح من المذهب اختاره القاضي وابن عقيل والمجد.
وجزم به في الكافي، وصححه في الفروع.
والوجه الثاني: لا يرجع.
وإن عاد الشقص إلى المشتري بعد دفع قيمته ببيع أو إرث أو هبة أو غيرها ففي المجرد والفصول لا يلزمه الرد على البائع ولا للبائع استرداده.
قال في المغني والشرح: ليس للشفيع أخذه بالبيع الأول انتهيا.
وإن أخذ البائع الأرش ولم يرد فإن كان الشفيع أخذ بقيمته صحيحا فلا رجوع للمشترى عليه وإن أخذ بقيمته معيبا فللمشتري الرجوع بما أدى من الأرش ذكره الأصحاب.
ولو عفا البائع مجانا بالقيمة صحيحا. ففي المغني والشرح لا يرجع الشفيع على المشتري بشيء واقتصر عليه الحارثي.
وقيل: يرجع على المشتري بالأرش وأطلقهما في الفروع.
ومنها: لو اشترى شقصا بعبد أو بثمن معين وظهر مستحقا فالبيع باطل ولا شفعة وعلى الشفيع رد الشقص إن أخذه وإن ظهر البعض مستحقا بطل البيع فيه وفي الباقي روايتا تفريق الصفقة.
ومنها: لو كان الشراء بثمن في الذمة ونقده فخرج مستحقا لم يبطل البيع والشفعة بحالها ويرد الثمن إلى مالكه وعلى المشتري ثمن صحيح فإن تعذر لإعسار أو غيره ففي المغني والشرح للبائع فسخ البيع ويقدم حق الشفيع.
ومنها: لو كان الثمن مكيلا أو موزونا فتلف قبل قبضه بطل البيع وانتفت الشفعة فإن كان الشفيع أخذ الشفعة لم يكن لأحد استرداده ذكره المصنف والشارح.
ومنها: لو ارتد المشتري وقتل أو مات فللشفيع الأخذ من بيت المال قاله الشارح واقتصر عليه الحارثي.
قوله: "أو تحالفا".
يعني إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن ولا بينة وتحالفا وتفاسخا فلا يخلو إما أن يكون قبل أخذ الشفيع أو بعده.
فإن كان قبل أخذ الشفيع وهي مسألة المصنف فللشفيع الأخذ هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
قال الحارثي: ويتخرج انتفاء الشفعة من مثله في الإقالة والرد بالعيب على الرواية المحكية وأولى.
فعلى المذهب: يأخذه بما حلف عليه البائع لأنه مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه ومقر له بالشفعة وإن وجد التفاسخ بعد أخذ الشفيع أقر بيد الشفيع وكان عليه للبائع ما حلف عليه.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإن أجره أخذه الشفيع وله الأجرة من يوم أخذه".
أن الإجارة لا تنفسخ ويستحق الشفيع الأجرة من يوم أخذه بالشفعة وهو أحد الوجوه.
جزم به في الشرح وشرح ابن منجا والنظم.
قال الحارثي: وفيه إشكال.
والوجه الثاني: تنفسخ من حين أخذه وهو المذهب جزم به في المحرر والمنور وتذكرة بن عبدوس وقدمه في الفروع والرعايتين.
قال في الفروع، وفي الإجارة في الكافي الخلاف في هبة انتهى وأطلقهما في الحاوي الصغير.
والوجه الثالث: للشفيع الخيار بين فسخ الإجارة وتركها.
قال في القاعدة السادسة والثلاثين: وهو ظاهر كلام القاضي في خلافه في مسألة إعارة العارية قال وهو أظهر انتهى.
قال الحارثي: ويتخرج من الوجه الذي نقول تتوقف صحة الإجارة على إجازة البطن الثاني في الوقف إجازة الشفيع هنا إن أجازه صح وإلا بطل في حقه بالأولى قال وهذا أقوى انتهى.
وأطلق الأوجه الثلاثة في القواعد. ولم يذكر الوجه الثالث في الفروع.
قوله: "وإن استغله فالغلة له" بلا نزاع.
وإن أخذه الشفيع وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجداد يعني بلا أجرة وهذا المذهب.
قال المجد في شرح الهداية: هذا أصح الوجهين لأصحابنا وجزم به في المغني والشرح وشرح ابن منجا والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والنظم وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي.
وقيل: تجب في الزرع الأجرة من حين أخذ الشفيع واختاره بن عبدوس في تذكرته.
قال ابن رجب في القواعد: وهو أظهر.
قلت: وهو الصواب.
وهذا الوجه ذكره أبو الخطاب في الانتصار.
قال في الفروع: فيتوجه منه تخريج في الثمرة.
قلت: وهو ظاهر بحث ابن منجا في شرحه.
قال الحارثي لما علل بكلامه في المغني وهذا بالنسبة إلى وجوب الأجرة للشفيع في
المؤجر مشكل جدا فينبغي أن يخرج وجوب الأجرة هنا من وجوبها هناك.
تنبيه: مفهوم قوله: "أو ثمرة ظاهرة".
أن ما لم يظهر يكون ملكا للشفيع وذلك كالشجر إذا كبر والطلع إذا لم يؤبر ونحوهما وهو كذلك قاله الأصحاب منهم القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول والمصنف في الكافي والمغني والشرح وغيرهم.
فائدة: لو تأبر الطلع المشمول بالبيع في يد المشتري كانت الثمرة له على الصحيح من المذهب قطع به في المغني والشرح وغيرهما وقدمه الحارثي وفيه وجه: هي للشفيع.
قوله: "وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ويملكه أو يقلعه ويضمن النقص".
إذا أبى المشتري أخذ غرسه وبنائه كان للشفيع أخذ الغراس والبناء والحالة هذه وله القلع وضمان النقص على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الانتصار: أو أقره بأجرة فإن أبى فلا شفعة.
قال الحارثي: إذا لم يقلع المشتري ففي الكتاب تخيير الشفيع بين أخذ الغراس والبناء بالقيمة وبين قلعه وضمان نقصه وهذا ما قاله القاضي وجمهور أصحابه.
قال: ولا أعرفه نقلا عن الإمام أحمد رحمه الله وإنما المنقول عنه روايتان التخيير من غير أرش.
والأخرى وهي المشهورة عنه إيجاب القيمة من غير تخيير وهو ما ذكره الخرقي وابن أبي موسى وابن عقيل في التذكرة وأبو الفرج الشيرازي وهو المذهب.
زاد ابن أبي موسى: ولا يؤمر المشتري بقلع بنائه انتهى.
قال في الفروع: ونقل الجماعة له قيمة البناء ولا يقلعه.
ونقل سندي: أله قيمة البناء أم قيمة النقص قال لا قيمة البناء.
فائدة: إذا أخذه بالقيمة قال الحارثي يعتبر بذل البناء أو الغراس بما يساويه حين التقويم لا بما أنفق المشتري زاد على القيمة أو نقص ذكره أصحابنا انتهى.
وقال في المغني وتبعه الشارح لا يمكن إيجاب قيمته باقيا لأن البقاء غير مستحق ولا قيمته مقلوعا لأنه لو كان كذلك لملك القلع مجانا ولأنه قد يكون لا قيمة له إذا قلع.
قالا: ولم يذكر أصحابنا كيفية وجوب القيمة.
والظاهر: أن الأرض تقوم مغروسة ومبنية ثم تقوم خالية فيكون ما بينهما قيمة الغرس والبناء وجزم بهذا ابن رزين في شرحه.
قال المصنف والشارح: ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه انتهيا.
قوله: "فإن اختار أخذه فأراد المشتري وهو صاحبه قلعه فله ذلك إذا لم يكن فيه ضرر".
هذا أحد الوجهين اختاره المصنف والشارح.
وجزم به الخرقي وابن عقيل في التذكرة والآدمي البغدادي وابن منجا في شرحه وصاحب الوجيز.
والصحيح من المذهب: أن له القلع سواء كان فيه ضرر أو لا وعليه أكثر الأصحاب.
قال الحارثي: ولم يعتبر القاضي وأصحابه الضرر وعدمه.
قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الأكثرين بل الذي جزموا به له ذلك سواء أضر بالأرض أو لم يضر انتهى.
وقدمه في الفروع والتلخيص والفائق.
تنبيه: قال الحارثي وهذا الخلاف الذي أورده من أورده من الأصحاب مطلقا ليس بالجيد بل يتعين تنزيله إما على اختلاف حالين وإما على ما قبل الأخذ وإنما أورده القاضي وابن عقيل في الفصول على هذه الحالة لا غير.
وحيث قيل باعتبار عدم الضرر ففيما بعد الأخذ وهو ظاهر ما أورده في التذكرة.
فائدتان
إحداهما: لو قلعه المشتري وهو صاحبه لم يضمن نقص الأرض على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وغيره.
قال في الفروع: لا يضمن نقص الأرض في الأصح وقدمه في الشرح والفائق وجزم به في الكافي وعلله بانتفاء عدوانه مع أنه جزم في باب العارية بخلافه.
وقيل: يلزمه وهو ظاهر كلام الخرقي ومال إليه الحارثي. وقال: والكلام في تسوية الحفر كالكلام في ضمان أرش النقص وأطلقهما في القاعدة الثامنة والسبعين.
الثانية: يجوز للمشتري التصرف في الشقص الذي اشتراه بالغرس والبناء في الجملة وهو ظاهر كلام الأصحاب.
قال في رواية سندي: ليس هذا بمنزلة الغاصب.
وقال في رواية حنبل: لأنه عمر وهو يظن أنه ملكه وليس كما إذا زرع بغير إذن أهله.
قال الحارثي: إنما هذا بعد القسمة والتمييز ليكون التصرف في خالص ملكه أما قبل القسمة فلا يملك الغرس والبناء وللشفيع إذا قلع الغرس والبناء مجانا للشركة لا للشفعة فإن أحد الشريكين إذا انفرد بهذا التصرف كان للآخر القلع مجانا.
قال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل غرس نخلا في أرض بينه وبين قوم مشاعا قال إن كان بغير إذنهم قلع نخله انتهى.
قلت: وهذا لا شك فيه.
قوله: "وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين".
وهو المذهب. اختاره أبو الخطاب وبن عبدوس في تذكرته.
قال الحارثي: هذا أظهر الوجهين.
وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة.
والثاني: تسقط اختاره القاضي في المجرد وأطلقهما في التلخيص والمحرر والشرح والرعاية والفروع والفائق.
فعلى المذهب: للبائع الثاني وهو الشفيع أخذ الشقص من المشتري الأول.
فإن عفا عنه: فللمشتري الأول أخذ الشقص من المشتري الثاني.
فإن أخذ منه: فهل للمشتري الأخذ من الثاني على الوجهين وهو قوله: "وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين" وهو المذهب صححه المصنف والشارح والناظم وصاحب الفائق وجزم به في الوجيز.
والوجه الثاني: لا شفعة له وأطلقهما في شرح الحارثي.
وعلى الوجه الثاني في المسألة الأولى: لا خلاف في ثبوت الشفعة للمشتري الأول على المشتري الثاني في مبيع الشفيع لسبق شركته على المبيع واستقرار ملكه.
تنبيه: مفهوم كلامه إن الشفيع لو باع ملكه بعد علمه أن شفعته تسقط وهو صحيح لا خلاف فيه أعلمه.
لكن لو باع بعضه عالما ففي سقوط الشفعة وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والفائق.
أحدهما: تسقط.
والثاني: لا تسقط لآنه قد بقي من ملكه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد فكذلك إذا بقي.
قال الحارثي: وهو أصح إن شاء الله تعالى لقيام المقتضى وهو الشركة.
وللمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني في المسألة الأولى.
وفي الثانية: إذا قلنا بسقوط شفعه البائع الأول وإن قلنا لا تسقط شفعة البائع فله أخذ الشقص من المشتري الأول.
وهل للمشتري الأول شفعة على المشتري الثاني فيه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح.
أحدهما: له الشفعة.
قال المصنف في المغني: وهو القياس.
والوجه الثاني: لا شفعة له.
فعلى الأول: للمشتري الأول الشفعة على المشتري الثاني سواء أخذ منه المبيع بالشفعة أو لم يأخذ وللبائع الثاني إذا باع بعض الشقص الأخذ من المشتري الأول في أحد الوجهين وأطلقهما في المغني والشرح.
فائدة: لو باع بعض الحصة جاهلا فإن قيل بالشفعة فيما لو باع الكل في هذه الحال فلا كلام وإن قيل بسقوطها فيه فهنا وجهان أوردهما القاضي وابن عقيل.
وجههما: ما تقدم في أصل المسألة.
قال الحارثي: والأصح جريان الشفعة بالأولى.
قوله: "وإن مات الشفيع بطلت الشفعة إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه".
إذا مات الشفيع فلا يخلو: إما أن يكون قد مات قبل طلبها أو بعده.
فإن مات قبل طلبها: لم يستحق الورثة الشفعة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه مرارا.
قال في القواعد الفقهية: لا تورث مطالبة الشفعة من غير مطالبة ربها على الصحيح من المذهب وله مأخذان.
أحدهما: أنه حق له فلا يثبت بدون مطالبته ولو علمت رغبته من غير مطالبته لكفى في الإرث ذكره القاضي في خلافه.
والمأخذ الثاني: أن حقه سقط بتركه وإعراضه لا سيما على قولنا: إنها على الفور.
فعلى هذا: لو كان غائبا فللورثة المطالبة وليس ذلك على الأول انتهى.
وقيل: للورثة المطالبة وهو تخريج لأبي الخطاب.
ونقل أبو طالب: إذا مات صاحب الشفعة فلولده أن يطلبوا الشفعة لمورثهم.
قال في القواعد: وظاهر هذا أن لهم المطالبة بكل حال انتهى.
وإن مات بعد أن طالب بها: استحقها الورثة وهو المذهب وعليه الأصحاب ولا أعلم فيه خلافا.
وقد توقف في رواية ابن القاسم وقال وهو موضع نظر.
وتقدم نظير ذلك في آخر فصل خيار الشرط.
قال الحارثي: ثم من الأصحاب من يعلل بإفادة الطلب للملك فيكون الحق موروثا بهذا الاعتبار وهي طريقة القاضي وأبي الخطاب ومن وافقهما على إفادة الملك.
ومنهم من يعلل بأن الطلب مقرر للحق ولهذا لم تسقط بتأخير الأخذ بعده وتسقط قبله وإذا تقرر الحق وجب أن يكون موروثا وهي طريقة المصنف ومن وافقه على أن الطلب لا يفيد الملك وهو مقتضى كلام الإمام أحمد رحمه الله.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الشفيع لا يملك الشقص بمجرد المطالبة وهو أحد الوجوه فلا بد للتملك من أخذ الشقص أو يأتي بلفظ يدل على أخذه بعد المطالبة بأن يقول: "قد أخذته بالثمن" أو "تملكته بالثمن" ونحو ذلك وهو اختيار المصنف والشارح وقدمه الحارثي ونصره.
وقال: اختاره المصنف وغيره من الأصحاب.
وقيل: يملكه بمجرد المطالبة إذا كان مليئا بالثمن وهو المذهب اختاره القاضي وأبو الخطاب وبن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع والمستوعب والرعايتين والحاوي الصغير.
قال الحارثي: وهو قول القاضي وأكثر أصحابه وصاحب التلخيص.
فيصح تصرفه قبل قبضه فيه.
وقيل: لا يملكه إلا بمطالبته وقبضه.
وقيل: لا يملكه إلا بحكم حاكم اختاره ابن عقيل وقطع به في تذكرته.
قال الحارثي: ويحصل الملك بحكم الحاكم أيضا ذكره بن الصيرفي في نوادره وقال به غير واحد انتهى.
وقيل: لا يملكه الا بدفع ثمنه ما لم يصبر مشتريه واختاره ابن عقيل أيضا حكاه في المستوعب والتلخيص.
قال في القواعد: ويشهد له نص الإمام أحمد رحمه الله إذا لم يحضر المال مدة طويلة،
بطلت شفعته.
وقال في الرعاية: الأصح أن له التصرف قبل قبضه وتملكه.
وقال في التلخيص والترغيب: للمشتري حبسه على ثمنه لأن الملك بالشفعة قهري كالميراث والبيع عن رضى.
ويخالفه أيضا في خيار الشرط. وكذا خيار مجلس من جهة شفيع بعد تملكه لنفوذ تصرفه قبل قبضه بعد تملكه بإرث.
تنبيه: قوله: "ويأخذ الشفيع بالثمن الذي وقع عليه العقد".
قال الحارثي: فيه مضمر حذف اختصارا وتقديره مثل الثمن أو قدره لأن الأخذ بعين الثمن المأخوذ به للمشتري غير ممكن فتعين الإضمار.
وإذن فالظاهر إرادة الثاني وهو القدر لأنه تعرض لوصف التأجيل والمثلية والتقويم فيما بعد فلو كان المثل مرادا لكان تكريرا لشمول "المثل" للصفة والذات انتهى.
فوائد
منها: تنتقل الشفعة إلى الورثة كلهم على حسب ميراثهم ذكره غير واحد منهم المصنف والشارح والسامري وابن رجب وغيرهم.
ومنها: لا فرق في الوارث بين ذوي الرحم والزوج والمولى وبيت المال فيأخذ الإمام بها صرح به الأصحاب قاله في القاعدة التاسعة والأربعين بعد المائة.
ومنها: إشهاد الشفيع على الطلب حالة العذر يقوم مقام الطلب في الانتقال إلى الورثة.
ومنها: شفيعان في شقص عفا أحدهما وطالب الآخر ثم مات فورثه العافي له أخذ الشقص بالشفعة ذكره المصنف وغيره.
قال المصنف: وكذا لو قذف رجل أمهما الميتة فعفا أحدهما وطالب الآخر ثم مات فورثه العافي كان له استيفاء الحد بالنيابة عن أخيه إذا قيل بوجوب الحد بقذفها.
قوله: "وإن عجز عنه أو عن بعضه سقطت شفعته".
ولو أتى برهن أو ضامن لم يلزم المشتري ولكن ينظر ثلاثا على الصحيح من المذهب "حتى يتبين عجزه".
نص عليه. وجزم به في الرعاية الصغرى والمحرر والحاوي الصغير والنظم وتذكرة بن عبدوس وقدمه في الفروع والحارثي.
وعنه: لا ينظر إلا يومين جزم به في المغني والشرح والتلخيص والمستوعب.
وعنه: يرجع في ذلك إلى رأي الحاكم.
قلت: وهذا الصواب في وقتنا هذا.
فإذا مضى الأجل: فسخ المشتري على الصحيح من المذهب اختاره القاضي والمصنف.
قال الحارثي: وهو أصح وقدمه في الفروع.
وقيل: إنما يفسخه الحاكم قدمه في الشرح والرعاية والفائق.
وقيل: يتبين بطلانه اختاره ابن عقيل.
قال الحارثي: والمنصوص من رواية الحمال بطلان الشفعة مطلقا وهو ما قال في التلخيص والمحرر.
فوائد
الأولى: المذهب أن الأخذ بالشفعة نوع بيع لأنه دفع مال لغرض التملك ولهذا اعتبر له العلم بالشقص وبالثمن فلا يصح مع جهالتهما ذكره المصنف وغيره.
قال: وله المطالبة بالشفعة مع الجهالة ثم يتعرف مقدار الثمن وذكر احتمالا بجواز الأخذ مع جهالة الشقص بناء على جواز بيع الأعيان الغائبة.
الثانية: قال المصنف وغيره إذا أخذ بالشفعة لم يلزم المشتري تسليم الشقص حتى يقبض الثمن وقاله في التلخيص وغيره وفرق بينه وبين البيع.
الثالثة: لو تسلم الشقص والثمن في الذمة فأفلس فقال المصنف وغيره المشتري مخير بين الفسخ والضرب مع الغرماء بالثمن كالبائع إذا أفلس المشتري.
الرابعة: في رجوع شفيع بأرش على مشتري عفا عنه بائع وجهان وأطلقهما في الرعاية والفروع.
قلت: الصواب عدم الرجوع وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب ثم وجدته في المغني والشرح وشرح ابن رزين والحارثي قطعوا بذلك.
وتقدم ذلك بعد قوله: "وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة".
قوله: "وإن كان مؤجلا أخذه الشفيع بالأجل إن كان مليئا وإلا أقام كفيلا مليئا وأخذ به".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب. ونص عليه.
لكن شرط القاضي في الجامع الصغير وغيره وولده أبو الحسين والقاضي يعقوب وأبو الحسن بن بكروس وصف "الثقة" مع "الملاءة" فلا يستحق بدونهما.
قال الحارثي: وليس ببعيد من النص.
فائدة: لو أخذ الشفيع بالأجل ثم مات هو أو المشتري وقلنا يحل الدين بالموت حل الثمن عليه ولم يحل على الحي منهما ذكره المصنف وغيره.
فائدة: قال الحارثي: إطلاق قول المصنف "إن كان مؤجلا أخذه بالأجل إن كان مليئا" يفيد ما لو لم يتفق طلب الشفيع إلا عند حلول الأجل أو بعده أن يثبت له استئناف الأجل وقطع به ونصره.
قوله: "وإن كان الثمن عرضا أعطاه مثله إن كان ذا مثل وإلا قيمته".
اعلم إن الثمن لا يخلو إما أن يكون مثليا أو متقوما فإن كان مثليا انقسم إلى نقد وعرض وأيا ما كان فالمماثلة فيه تتعلق بأمور.
أحدها: الجنس فيجب مثله من الجنس كالذهب والفضة والحنطة والشعير والزيت ونحوه وإن انقطع المثل حالة الأخذ انتقل إلى القيمة كما في الغصب حكاه بن الزاغوني محل وفاق.
وفي أصل المسألة رواية: أنه يأخذ بقيمة المكيل والموزون تعذر المثل أولا.
وأما المذروع كالثياب فقال ابن الزاغوني في شروطه: القول فيه كالقول في المكيل والموزون إلا أن القول فيه هنا مبني على السلم فيه فحيث صححنا السلم فيه أخذ مثلها إلا على الرواية في أنها مضمونة بالقيمة فيأخذ الشفيع بالقيمة.
وحيث قلنا: لا تصح بأخذ القيمة والأولى القيمة انتهى.
قال الحارثي: والقيمة اختيار المصنف وعامة الأصحاب.
وأما المعدود كالبيض ونحوه فقال ابن الزاغوني: ينبني على السلم فيه إن قيل بالصحة ففيه ما في المكيل والموزون وإلا فالقيمة.
الثاني: المقدار فيجب مثل الثمن قدرا من غير زيادة ولا نقص فإن وقع العقد على ما هو مقدر بالمعيار الشرعي فذاك وإن كان بغيره كالبيع بألف رطل من حنطة فقال في التلخيص: ظاهر كلام أصحابنا: أنه يكال ويدفع إليه مثل مكيله لأن الربويات تماثلها بالمعيار الشرعي وكذلك إقراض الحنطة بالوزن.
قال: يكفي عندي الوزن هنا إذ المبذول في مقابلة الشقص وقدر الثمن: معياره لا عوضه انتهى.
تنبيه: تقدم في الحيل إذا جهل الثمن ما يأخذ.
الثالث: الصفة في الصحاح والمكسرة والسود ونقد البلد والحلول وضدها فيجب مثله صفة.
وإن كان متقوما كالعبد والدار ونحوهما فالواجب اعتباره بالقيمة يوم البيع. وقال في الرعاية: يأخذ الشفيع الشقص بما استقر عليه العقد من ثمن مثلى أو قيمة غيره وقت لزوم العقد.
وقيل: بل وقت وجوب الشفعة انتهى.
فائدة: لو تبايع ذميان بخمر إن قلنا: ليست مالا لهم فلا شفعة بحال اختاره القاضي وابن عقيل والمصنف وغيرهم واقتصر عليه الحارثي.
وإن قلنا: هي مال لهم فأطلق أبو الخطاب وغيره وجوب الشفعة وكذا قال القاضي وغيره.
ثم قال في المستوعب والتلخيص: يأخذ بقيمة الخمر كما لو اتلف على ذمي خمرا.
قوله: "وإن اختلفا في قدر الثمن فالقول قول المشتري إلا أن يكون للشفيع بينة".
وهذا بلا نزاع. وعليه الأصحاب.
لكن لو أقام كل واحد من الشفيع والمشتري بينة بثمنه فقال القاضي وابنه أبو الحسين وأبو الخطاب وابن عقيل والشريف أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي وصاحب المستوعب تقدم بينة الشفيع.
قال الحارثي: ويقتضيه اطلاق الخرقي والمصنف هنا وجزم به في الرعايتين والحاوي الصغير والمستوعب والهداية والمذهب والخلاصة.
وقيل: تتعارضان. وهو احتمال في المغني وقدمه ابن رزين في شرحه.
وقيل باستعمالهما بالقرعة. وأطلقهن في الفروع.
ووجه الحارثي قولا: أن القول قول المشتري لأنه قال: قول الأصحاب هنا مخالف لما قالوه في بينة البائع والمشتري حيث قدموا بينة البائع لأنه مدع بزيادة وهذا بعينه موجود في المشتري هنا فيحتمل أن يقال فيه بمثل ذلك انتهى.
فوائد
إحداها: لو قال المشتري لا أعلم قدر الثمن فالقول قوله ذكره الأصحاب القاضي وابن عقيل والمصنف وغيرهم.
قال القاضي وابن عقيل: فيحلف أنه لا يعلم قدره لأن ذلك وفق الجواب وإذن لا شفعة لأنها لا تستحق بدون البدل وإيجاب البدل متعذر للجهالة.
ولو ادعى المشتري جهل قيمة العرض فكدعوى جهل الثمن ذكره المصنف وغيره.
وتقدم التنبيه على ذلك بعد ذكر الحيل أول الباب.
الثانية: لو قال البائع الثمن ثلاثة آلاف وقال المشتري ألفان وقال الشفيع ألف وأقاموا البينة فالبينة للبائع على ما تقدم لدعوى الزيادة.
الثالثة: لو كان الثمن عرضا واختلف الشفيع والمشتري في قيمته فإن وجد قوم. وإن تعذر: فالقول قول المشتري مع يمينه قاله المصنف وغيره.
وإن أقاما بينة بقيمته قال الحارثي: فالأظهر التعارض ويحتمل تقديم بينة الشفيع.
قوله: "وإن قال المشتري اشتريته بألف وأقام البائع بينة أنه باعه بألفين فللشفيع أخذه بالألف" بلا نزاع.
"فإن قال المشتري: غلطت" أو نسيت أو كذبت "فهل يقبل قوله مع يمينه على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والفروع والفائق.
أحدهما: يقبل قوله.
قال القاضي: قياس المذهب عندي يقبل قوله كما لو أخبر في المرابحة ثم قال غلطت بل هنا أولى لأنه قد قامت بينة بكذبه.
قال الحارثي: هذا الأقوى.
قال في الهداية لما أطلق الوجهين بناء على المخبر في المرابحة إذا قال "غلطت".
وقد تقدم أن أكثر الأصحاب قبلوا قوله في ادعائه غلطا في المرابحة وصححه هنا في التصحيح والنظم وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
والوجه الثاني: لا يقبل قدمه ابن رزين في شرحه وجزم به في الكافي واختاره ابن عقيل.
وهذا المذهب على ما اصطلحناه.
ونقل أبو طالب في المرابحة: إن كان البائع معروفا بالصدق قبل قوله وإلا فلا.
قال الحارثي: فيخرج مثله هنا.
وقال: ومن الأصحاب من أبي الإلحاق بمسألة المرابحة.
قال ابن عقيل: عندي أن دعواه لا تقبل لأن مذهبنا أن الذرائع محسومة وهذا فتح لباب الاستدراك لكل قول يوجب حقا.
ثم فرق بأن المرابحة كان فيها أمينا حيث رجع إليه في الإخبار بالثمن وليس المشتري أمينا للشفيع وإنما هو خصمه فافترقا.
وقال في الرعاية الكبرى: وقيل يتحالفان ويفسخ البيع ويأخذه بما حلف عليه البائع لا المشتري.
قوله: "فإن ادعى أنك اشتريته بألف فقال بل اتهبته فالقول قوله مع يمينه بلا نزاع".
فإن نكل عنها أو قامت للشفيع بينة فله أخذه ويقال للمشتري إما أن تقبل الثمن وإما أن تبرئ منه.
اعلم أنه إذا ادعى الشفيع على بعض الشركاء دعوى محررة بأنه اشترى نصيبه فله أخذه بالشفعة وأنكر الشريك وقال إنما اتهبته أو ورثته فالقول قوله مع يمينه.
فإن نكل عن اليمين أو قامت بينة للشفيع بالشراء فللشفيع أخذه ودفع الثمن إليه.
فإن قال: لا أستحقه فجزم المصنف هنا أن يقال للمشتري: إما أن تقبل الثمن وإما أن تبرئ منه كالمكاتب إذا جاء بالنجم قبل وقته وهذا أحد الوجوه.
اختاره القاضي وبن عبدوس في تذكرته وجزم به في النظم والرعايتين والحاوي الصغير على ما يأتي قريبا.
وقيل: يبقى في يد الشفيع إلى أن يدعيه المشتري فيدفعه إليه.
قال المصنف والشارح: وهذا أولى.
قال الحارثي: ونقل غيره أنه المذهب.
وقيل: يأخذه الحاكم يحفظه لصاحبه إلى أن يدعيه فمتى ادعاه المشتري دفع إليه وأطلقهن في المغني والشرح والفروع والفائق وأطلق الأخيرتين في التلخيص.
تنبيه: محل الخلاف عند المصنف والشارح وصاحب الفروع والفائق وغيرهم حيث أصر على الهبة أو الإرث وقامت بينة بالشراء.
ومحل الخلاف عند صاحب الرعايتين والنظم والحاوي الصغير وتذكرة بن عبدوس على قول القاضي فقطع هؤلاء بأن يقال: إما أن تقبل الثمن أو تبرئ فإن أبى من ذلك فيأتي الخلاف وهو أنه هل يكون عند الشفيع أو الحاكم؟.
فقدم في الرعايتين والحاوي الصغير والنظم: أنه يكون عند الشفيع.
وقطع ابن عبدوس: أنه يكون عند الحاكم يحفظه له.
قوله: "وإن كانت عوضا في الخلع أو النكاح أو عن دم العمد".
فقال القاضي: يأخذه بقيمته.
قال القاضي وابن عقيل: قياس قول ابن حامد الأخذ بقيمة الشقص وهو الصحيح اختاره بن عبدوس في تذكرته وصاحب الفائق وصححه في النظم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير وقطع به في الهداية.
وقال غيره: يأخذه بالدية ومهر المثل اختارها بن حامد حكاه عنه الشريف أبو جعفر وغيره.
ومقتضى قول المصنف: أن غير القاضي من الأصحاب قال ذلك وفيه نظر.
وأطلقهما في المحرر والفروع والزركشي.
تنبيه: هذا الخلاف مفرع على القول بثبوت الشفعة في ذلك وهو قول بن حامد وجماعة على ما تقدم في أول الباب.
وتقدم التنبيه أيضا على الخلاف هناك.
وأما على الصحيح من المذهب: فلا يأتي الخلاف.
فائدة: تقويم الشقص أو تقويم مقابله على كلا الوجهين: معتبر في المهر بيوم النكاح وفي الخلع بيوم البينونة.
وإن كان متعة في طلاق فعلى الأول يأخذ بقيمته وعلى الثاني يأخذ بمهر المثل قاله المصنف والشارح كما في الخلع به.
قال الحارثي: ويحتمل أن يأخذ بمتعة مثلها قال: وهو الأقرب.
قوله: "ولا شفعة في بيع الخيار قبل انقضائه".
نص عليه وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد في الفائدة الرابعة: وأما الشفعة فلا تثبت في مدة الخيار على الروايتين عند أكثر الأصحاب ونص عليه في رواية حنبل.
فمن الأصحاب من علل بأن الملك لم يستقر.
وعلل القاضي في خلافه بأن الأخذ بالشفعة يسقط حق البائع من الخيار ولذلك لم تجز المطالبة في مدته.
فعلى هذا: لو كان الخيار للمشتري وحده ثبتت الشفعة. انتهى.
ويحتمل أن تجب مطلقا وهو تخريج لأبي الخطاب يعني إذا قلنا بانتقال الملك.
وقيل: تجب في خيار الشرط إذا كان الخيار للمشتري وهو مقتضى تعليل القاضي في خلافه كما قاله في الفوائد عنه.
وتقدم ذلك في الخيار في البيع بعد قوله: "وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد".
فائدة: حكم خيار المجلس حكم خيار الشرط قاله في الفروع وغيره.
قوله: "وإن أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري فهل تجب الشفعة على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والفائق.
أحدهما: تجب وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم ونصره المصنف والشارح واختاره القاضي وابنه وابن عقيل وبن بكروس واختاره أبو الخطاب وبن الزاغوني.
وقال في المستوعب: هذا قياس المذهب ذكره شيوخنا الأوائل.
قال: ولأن أصحابنا قالوا إذا اختلف البائع والمشتري في الثمن تحالفا وفسخ البيع وأخذه الشفيع بما حلف عليه البائع.
فاثبتوا له الشفعة مع بطلان البيع في حق المشتري انتهى.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في التلخيص والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع.
والوجه الثاني: لا تجب اختاره الشريفان أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي - قال في التلخيص: اختاره جماعة من الأصحاب.
قال الحارثي: وهذا أقوى.
فعلى المذهب: يقبض الشفيع من البائع.
وأما الثمن: فلا يخلو إما أن يقر البائع بقبضه أو لا فإن لم يقر بقبضه فإنه يسلم إلى البائع والعهدة عليه ولا عهدة على المشتري قاله الأصحاب. منهم القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول والمصنف في المغني والشارح وصاحب المحرر والفروع والوجيز والزركشي وغيرهم.
قال الحارثي: وهذا يقتضي تلقي الملك عنه وهو مشكل.
وكذلك أخذ البائع للثمن مشكل لاعترافه بعدم استحقاقه عليه.
ثم قال القاضي وابن عقيل والمصنف وجماعة: ليس للشفيع ولا للبائع محاكمة المشتري ليثبت البيع في حقه وتجب العهدة عليه لأن مقصود البائع الثمن وقد حصل من الشفيع ومقصود الشفيع أخذ الشقص وضمان العهدة وقد حصلا من البائع فلا فائدة في المحاكمة انتهى.
وقد حكى في التلخيص وجها بأن يدفع إلى نائب ينصبه الحاكم عن المشتري.
قال: وهو مشكل لأن إقامة نائب عن منكر: بعيد.
وإن كان البائع مقرى بقبض الثمن من المشتري وبقي الثمن على الشفيع لا يدعيه أحد ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها: يقال للمشتري إما أن تقبضه وإما أن تبرئ منه قياسا على نجوم الكتابة إذا قال السيد هي غصب اختاره القاضي وابن عقيل وجزم به في النظم.
والوجه الثاني: يبقى في ذمة الشفيع قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
والوجه الثالث: يأخذه الحاكم عنه وهي كالمسألة التي قبلها حكما وخلافا وأطلقهن في المغني والشرح وشرح الحارثي.
قال المصنف والشارح وغيرهما: وفي جميع ذلك متى ادعاه البائع أو المشتري دفع إليه لأنه لأحدهما.
قال الحارثي: وفيه نظر وبحث.
وإن ادعياه جميعا وأقر المشتري بالبيع وأنكر البائع القبض: فهو للمشتري.
فائدة: قوله: "وعهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع". وهذا بلا نزاع.
لكن يستثنى من ذلك: إذا أقر البائع بالبيع وأنكر المشتري وقلنا بثبوت الشفعة على ما تقدم فإن العهدة على البائع لحصول الملك له من جهته قاله الزركشي وهو واضح.
و"العهدة" فعلة من العهد وهي في الأصل كتاب الشراء.
وتقدم الكلام على ضمان العهدة وعلى معناها في باب الضمان.
والمراد هنا: رجوع من انتقل الملك إليه على من انتقل عنه بالثمن أو بالأرش عند استحقاق الشقص أو عيبه فيكون وثيقة للبيع لازمة للمتلقى عنه فيكون عهدة بهذا الاعتبار.
فلو علم المشتري العيب عند البيع ولم يعلمه الشفيع عند الأخذ فلا شيء للمشتري وللشفيع الرد والأخذ بالأرش على الصحيح من المذهب.
وذكر المصنف وجها بانتفاء الأرش.
وإن علمه الشفيع ولم يعلمه المشتري: فلا رد لواحد منهما ولا أرش قدمه الحارثي.
وفي الشرح وجه بأن المشتري يأخذ الأرش وهو ما قال القاضي وابن عقيل والسامري.
فعليه: إن أخذه سقط عن الشفيع ما قابله من الثمن تحقيقا لمماثلة الثمن الذي استقر العقد عليه.
وإن علماه فلا رد لواحد منهما. ولا أرش.
وفي صورة عدم علمهما: إن لم يرد الشفيع فلا رد للمشتري وإن أخذ الشفيع ارشه من المشتري أخذه المشتري من البائع وإن لم يأخذه الشفيع ففي أخذ المشتري الوجهان.
وعلى الوجه بالأخذ: إن لم يسقطه الشفيع عن المشتري سقط عنه بقدره من الثمن وإن أسقطه توفر على المشتري.
قوله: "فإن أبى المشتري قبض المبيع أجبره الحاكم عليه".
وهو المذهب اختاره القاضي وابنه أبو الحسين والشريفان أبو جعفر وأبو القاسم الزيدي والقاضي يعقوب والشيرازي وأبو الحسن بن بكروس وغيرهم وقدمه في الخلاصة والشرح والنظم والفروع وشرح ابن منجا.
وقال أبو الخطاب في الهداية: قياس المذهب أن يأخذه الشفيع من يد البائع واختاره المصنف وقال: هو قياس المذهب.
قال الحارثي: وهو الأصح لأن الأصح أو المشهور لزوم العقد في بيع العقار قبل قبضه وجواز التصرف فيه بنفس العقد والدخول في ضمانه به وأطلقهما في المذهب والمستوعب والتلخيص.
قوله: "ولا شفعة لكافر على مسلم".
نص عليه من وجوه كثيرة وهو المذهب وعليه الأصحاب وهو من مفردات المذهب.
وقيل: له الشفعة ذكره ناظم المفردات.
تنبيه: مفهوم كلام المصنف ثبوت الشفعة لكافر على كافر وسواء كان البائع مسلما أو كافرا وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي وغيرهما.
قال في التلخيص: هذا قياس المذهب.
وقيل: لا شفعة له إذا كان البائع مسلما.
وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية. وأطلقهما في التلخيص والرعاية.
ومفهوم كلامه أيضا: ثبوتها للمسلم على الكافر وهو من باب أولى.
فائدة: لو تبايع كافران بخمر وأخذ الشفيع بذلك لم ينقض ما فعلوه.
وإن جرى التقابض بين المتبايعين دون الشفيع وترافعوا إلينا: فلا شفعة له على الصحيح من المذهب كما لو تبايعا بخنزير وعليه أكثر الأصحاب.
وقال أبو الخطاب: إن تبايعوا بخمر وقلنا هي مال لهم حكمنا لهم بالشفعة.
وتقدم التنبيه على بعض ذلك قبل قوله: "وإن اختلفا في قدر الثمن".
قوله: "وهل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أو لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة على وجهين".
ذكر المصنف هنا مسألتين.
إحداهما: هل تجب الشفعة للمضارب على رب المال أم لا؟.
مثال ذلك: أن يكون للمضارب شقص فيما تجب فيه الشفعة ثم يشتري من مال المضاربة شقصا من شركة المضارب فهل تجب للمضارب شفعة فيما اشتراه من مال المضاربة؟.
أطلق المصنف فيه وجهين. وأطلقهما تخريجا في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص.
واعلم أن في محل الخلاف طريقتين للأصحاب.
إحداهما: أنهما جاريان سواء ظهر ربح أم لا وسواء قلنا يملك المضارب حصته بالظهور أم لا وهي طريقة أبي الخطاب في الهداية وصاحب المذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمصنف هنا وغيرهم وقدمها الحارثي.
أحدهما: لا تجب الشفعة له وهو الصحيح من المذهب صححه في الخلاصة والتصحيح واختاره أبو الخطاب في رؤوس المسائل وأبو المعالي في النهاية.
والوجه الثاني: تجب خرجه أبو الخطاب من وجوب الزكاة عليه في حصته قال الحارثي وهو الأولى.
قال ابن رجب في القواعد بعد تخريج أبي الخطاب فالمسألة مقيدة بحالة ظهور الربح ولا بد انتهى.
الطريق الثاني: وهي طريقة المصنف والشارح والناظم وجماعة إن لم يظهر ربح في المال أو كان فيه ربح وقلنا: لا يملكه بالظهور فله الأخذ بالشفعة لأن الملك لغيره فكذا الأخذ منه.
وإن كان فيه ربح وقلنا يملكه بالظهور ففي وجوب الشفعة له وجهان بناء على شراء العامل من مال المضاربة بعد ملكه من الربح على ما سبق في المضاربة بعد قوله: "وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا".
وصحح هذه الطريقة في الفروع وقدم عدم الأخذ ذكر ذلك في باب المضاربة.
المسالة الثانية : هل تجب الشفعة لرب المال على المضارب فيما يشتريه للمضاربة؟.
مثاله: أن يشتري المضارب بمال المضاربة شقصا في شركة رب المال.
فأطلق المصنف فيه وجهين. وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص وشرح ابن منجا والحارثي.
أحدهما: لا تجب الشفعة وهو الصحيح من المذهب صححه أبو المعالي في نهايته وخلاصته والناظم وصاحب التصحيح وغيرهم.
قال الحارثي: اختاره القاضي وأبو الخطاب وقدمه في الفروع ذكره في المضاربة.
والوجه الثاني: تجب فيه الشفعة اختاره بن عبدوس في تذكرته.
وبنى المصنف والشارح والحارثي وغيرهم هذين الوجهين على الروايتين في شراء رب المال من مال المضاربة.
وتقدم الخلاف في ذلك وأن الصحيح من المذهب أنه لا يصح في باب المضاربة.
فوائد
إحداها: لو بيع شقص من شركة مال المضاربة فللعامل الأخذ بها إذا كان الحظ فيها فإن تركها فلرب المال الأخذ لأن مال المضاربة ملكه ولا ينفذ عفو العامل.
ولو كان العقار لثلاثة فقارض أحدهم أحد شريكيه بألف فاشترى به نصف نصيب الثالث فلا شفعة فيه في أحد الوجهين لأن احدهما مالك المال والآخر عامل فيه فهما كشريكين في مشاع لا يستحق أحدهما على الآخر شفعة ذكره في المغني والشرح والحارثي.
قلت: وهو الصواب.
والوجه الآخر: فيه الشفعة.
قالوا: ولو باع الثالث بقية نصيبه لأجنبي ثبتت الشفعة بينهم أخماسا للمالك خمساها وللعامل مثله ولمال المضاربة خمسها بالسدس الذي له جعلا لمال المضاربة كشريك آخر.
الثانية: لو باع المضارب من مال المضاربة شقصا في شركة نفسه لم يأخذ بالشفعة لأنه متهم فأشبه الشراء من نفسه ذكره المصنف وغيره.
الثالثة: تثبت الشفعة للسيد على مكاتبه ذكره القاضي والمصنف وغيرهما لأن السيد لا يملك ما في يده ولا يزكيه ولهذا جاز أن يشتري منه. وأما العبد المأذون له فإن كان لا دين عليه فلا شفعة بحال لسيده وإن كان عليه دين. فالشفعة عليه تنبني على جواز الشراء منه على ما تقدم في أواخر الحجر والله أعلم بالصواب.
وتقدم أخذ المكاتب والعبد المأذون له بالشفعة قبل قوله: "فإن كانا شفيعين فالشفعة بينهما".
باب الوديعة
فائدة: "الوديعة" عبارة عن توكل لحفظ مال غيره تبرعا بغير تصرف قاله في الفائق.
وقال في الرعاية الصغرى: وهي عقد تبرع بحفظ مال غيره بلا تصرف فيه.
وقال في الكبرى: والإيداع توكيل أو استنابة في حفظ مال زيد تبرعا ومعانيها متقاربة.
ويعتبر لها أركان الوكالة. وتبطل بمبطلاتها.
ولو عزل نفسه فهي بعده أمانة شرعية حكمها في يده حكم الثوب إذا أطارته الريح إلى داره يجب رده إلى مالكه.
وقال القاضي في موضع من خلافه في مسألة الوكالة: الوديعة لا يلحقها الفسخ بالقول وإنما تنفسخ بالرد إلى صاحبها أو بأن يتعدى المودع فيها.
قال في القاعدة الثانية والستين: فإما أن يكون هذا تفريقا بين فسخ المودع والمودع أو يكون منه اختلافا في المسألة والأول: أشبه انتهى.
وقال في الرعاية: إن بطل حكم الوديعة بقي المال في يده أمانة فإن تلف قبل التمكن من رده فهدر وإن تلف بعده فوجهان.
وقال أيضا: يكفي القبض قولا واحدا وقيل: لا.
قوله: "وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في اصح الروايتين".
يعني إذا لم يتعد وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال الحارثي: هذا اختيار أكثر الأصحاب وصرح المصنف في آخرين أنه أصح.
قال القاضي: هذا أصح.
قال الزركشي: هذا المذهب.
قال في الكافي: هذا أظهر الروايتين وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح ابن منجا والحارثي وغيرهم.
والرواية الثانية: يضمن نص عليها.
قال الزركشي: ينبغي أن يكون محل الرواية إذا ادعى التلف أما إن ثبت التلف فإنه ينبغي انتفاء الضمان رواية واحدة.
فائدة: لو تلفت مع ماله من غير تفريط فلا ضمان عليه بلا نزاع في المذهب وقد تواتر النص عن الإمام أحمد رحمه الله بذلك.
وإن تلفت بتعديه وتفريطه ضمن بلا خلاف.
قوله: "ويلزمه حفظها في حرز مثلها".
يعني: عرفا كالحرز في السرقة على ما يأتي إن شاء الله تعالى هذا إذا لم يعين له صاحبها حرزا.
قوله: "فإن عين صاحبها حرزا فجعلها في دونه ضمن".
هذا المذهب مطلقا. أعني سواء ردها إلى حرزها الذي عينه له أو لا جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والحاوي الصغير وغيرهم من الأصحاب.
وقيل: إن ردها إلى حرزها الذي عينه له فتلفت لم يضمن حكاه في الفروع.
قال في الرعاية الكبرى: فإن عين ربها حرزا فأحرزها بدونه ضمن. قلت: ولم يردها إلى حرزه انتهى.
قوله: "وإن أحرزها بمثله أو فوقه لم يضمن".
هذا الصحيح من المذهب اختاره القاضي وابن عقيل وجزم به في الوجيز والكافي وغيرهما وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب في المسألة الأولى.
وقدمه فيهما في الفروع والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق. وجزم به في الثانية في الهداية والمذهب والمستوعب.
وقيل: يضمن فيهما إلا أن يفعله لحاجة ذكره الآمدي وأبو حكيم وهو رواية في التبصرة.
قال المصنف: وهو ظاهر كلام الخرقي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية حرب وجزم به في المنور وقدمه في المحرر.
وقيل: يضمن إن أحرزها بمثله ولا يضمن إن أحرزها بأعلى منه ذكره أبو الخطاب وغيره.
وقال في الرعاية الكبرى: وهو أقيس وأطلقهن فيهما.
تنبيه: قال الحارثي لا فرق فيما ذكر بين الجعل أو لا في غير المعين وبين النقل إليه.
قال في التلخيص: وأصحابنا لم يفرقوا بين تلفها بسبب النقل وبين تلفها بغيره.
وعندي: إذا حصل التلف بسبب النقل كانهدام البيت المنقول إليه ضمن.
قوله: "وإن نهاه عن إخراجها فأخرجها لغشيان شيء الغالب فيه التوى لم يضمن".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب ولا أعلم فيه خلافا.
لكن إذا أخرجها فلا يحرزها إلا في حرز مثلها أو فوقه فإن تعذر والحالة هذه ونقل إلى أدنى فلا ضمان ذكره المصنف في المغني واقتصر عليه الحارثي لأنه إذن أحفظ وليس في الوسع سواه.
قلت: فيعايى بها.
قوله: "وإن تركها فتلفت ضمن".
هذا المذهب. لأنه يلزمه إخراجها والحالة هذه.
قال في الكافي: هذا المذهب.
قال الحارثي: هذا أصح.
قال في الفروع: لزمه إخراجها في الأصح.
قال في الفائق: ضمن في أصح الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وغيرهم.
وقدمه في المغني والشرح والرعاية الكبرى وغيرهم.
وقيل: لا يضمن لأنه امتثل أمر ربها.
فائدة: لو تعذر الأمثل والمماثل والحالة هذه فلا ضمان ذكره المصنف في المغني.
قوله: "وإن أخرجها لغير خوف ضمن".
هذا المذهب. وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الفروع: ويحرم إخراجها لغير خوف في الأصح وجزم به في الوجيز وشرح الحارثي وغيرهما وقدمه في المغني والشرح وغيرهما.
وقيل: لا يضمن اختاره القاضي قاله في المغني والشرح.
قوله: "وإن قال لا تخرجها وإن خفت عليها فاخرجها عند الخوف أو تركها لم يضمن".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم منهم صاحب المغني والشرح والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وشرح الحارثي والوجيز والفائق والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل: إن وافقه أو خالفه ضمن.
قلت: وهو ضعيف جدا.
تنبيه: ظاهر كلامه أنه لو أخرجها من غير خوف أنه يضمن وهو صحيح صرح به الأصحاب.
قوله: "وإن أودعه بهيمة فلم يعلفها حتى ماتت ضمن".
هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل: لا يضمنها وهو احتمال في المغني.
قلت: لكن يحرم ترك علفها ويأثم حتى ولو قال له لا تعلفها على ما يأتي.
فوائد
منها: لو أمره بعلفها لزمه ذلك مطلقا على الصحيح من المذهب.
وقيل: لا يلزمه إلا مع قبوله وهو احتمال في المغني.
ومنها: لو نهاه عن علفها انتفى وجوب الضمان بالنسبة إلى حظ المالك.
وأما بالنسبة إلى الحرمة: فلا أثر لنهيه والوجوب باق بحاله.
قال في الحاوي الصغير: ويقوى عندي أنه يضمن.
ومنها: إن كان إنفاقه عليها بإذن ربها فلا كلام وإن تعذر إذنه فأنفق بإذن حاكم رجع به وإن كان بغير إذنه فإن كان مع تعذره وأشهد على الإنفاق فله الرجوع.
قال الحارثي: رواية واحدة حكاه الأصحاب.
وإن كان مع إمكان إذن الحاكم ولم يستاذنه بل نوى الرجوع فقط: لم يرجع على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع هنا وهو ظاهر ما جزم به في المحرر في باب الرهن والمنور.
وقيل: يرجع جزم به في المنتخب واختاره بن عبدوس في تذكرته وصححه الحارثي وصاحب الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق.
قلت: وهو الصواب.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والتلخيص والرعاية الكبرى.
وظاهر الفروع في باب الرهن: إطلاق الخلاف.
وقال في القاعدة الخامسة والسبعين: إذا أنفق المودع على الحيوان المستودع ناويا للرجوع فإن تعذر استئذان مالكه رجع وإن لم يتعذر فطريقتان.
إحداهما: أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى لأن للحيوان حرمة في نفسه توجب تقديمه على قضاء الدين أحيانا وهي طريقة صاحب المغني.
والثانية: لا يرجع قولا واحدا وهي طريقة صاحب المحرر متابعة لأبي الخطاب انتهى.
وهذه الطريقة: هي المذهب وهي طريقة صاحب التلخيص والفروع والوجيز وغيرهم.
وتقدم حكم المسألة في كلام المصنف في باب الرهن أيضا.
ومنها: لو خيف على الثوب العث وجب عليه نشره فإن لم يفعل وتلف ضمن.
قوله: "وإن قال اتركها في كمك فتركها في جيبه لم يضمن".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
ويتخرج على الوجه المتقدم بالضمان بالإحراز فيما فوق العين وجوب الضمان هنا قاله الحارثي.
قوله: "وإن تركها في يده احتمل وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والهادي والتلخيص والشرح والرعايتين والنظم والحاوي الصغير والفائق.
إحداهما: لا يضمن.
قال الحارثي وهو الأظهر عند القاضي وابن عقيل وجزم به في الوجيز.
والثاني: يضمن وهو الصحيح صححه في التصحيح وقدمه في الكافي.
قال الحارثي: وإليه ميل المصنف في كتابيه وقدمه في إدراك الغاية.
وفي التلخيص وجه ثالث: إن تلفت بأخذ غاصب لم يضمن لأن اليد بالنسبة إليه أحرز.
وإن تلفت لنوم أو نسيان: ضمن لأنها لو كانت في الكم مربوطة لما ذهبت.
فوائد
الأولى: وكذلك الحكم والخلاف لو قال اتركها في يدك فتركها في كمه قال في الفروع وغيره وقال القاضي اليد أحرز عند المغالبة والكم احرز عند عدم المغالبة.
فعلى هذا: إن أمره بتركها في يده فشدها في كمه في غير حال المغالبة فلا ضمان عليه وإن فعل ذلك عند المغالبة: ضمن.
الثانية: لو جاءه إلى السوق وأمره بحفظها في بيته فتركها عنده إلى مضيه إلى منزله: ضمن.
جزم به في المستوعب والتلخيص وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره.
قال الحارثي: فقال الأصحاب يضمن مطلقا.
وقيل: لا يضمن والحالة هذه وهو احتمال في المغني ومال إليه.
قال الحارثي: وهذا الصحيح إن شاء الله تعالى.
قال في الفروع: وهو الأظهر.
قلت: وهو الصواب.
الثالثة: لو دفعها إليه وأطلق ولم يعين موضعا فتركها بجيبه أو يده أو شدها في كمه أو ترك في كمه ثقلا بلا شد أو تركها في وسطه وشد عليها سراويله لم يضمن جزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي وكذا لو شدها على عضده وهذا المذهب في ذلك كله. قدمه في الفروع.
قال القاضي: إن شدها على عضده من جانب الجيب لم يضمنها وإن شدها من الجانب الآخر: ضمن.
وقال ابن عقيل في الفصول: إن تركها في جيب أو كم ضمن على الرواية التي تقول: إن الطرار لا يقطع.
وقال أيضا: إن تركه في رأسه أو غرزه في عمامته أو تحت قلنسوته احتمل أنه حرز مثله.
الرابعة: إذا استودعه خاتما وقال اجعله في الخنصر فلبسه في البنصر: فلا ضمان ذكره الأصحاب: القاضي وابن عقيل والمصنف وغيرهم لأنها أغلظ فهي أحرز.
وفيه الوجه المخرج المتقدم.
لكن إن انكسر لغلظها ضمن ذكره الأصحاب أيضا.
وإن قال: اجعله في البنصر فجعله في الخنصر ضمن ذكره القاضي وابن عقيل واقتصر عليه الحارثي أيضا.
وإن جعله في الوسطى وأمكن إدخاله في جميعها لم يضمن ذكره في الكافي واقتصر عليه الحارثي أيضا.
وإن لم يدخل في جميعها. فجعله في بعضها: ضمن لأنه أدنى من المأمور به.
الخامسة: لو قال: احفظها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فخالف وتلفت بحرق أو غرق أو سرقة غير الداخل ففي الضمان وجهان.
أحدهما: لا يضمن اختاره القاضي.
والثاني: يضمن اختاره ابن عقيل والمصنف ومال إليه الشارح.
قوله: "وإن دفع الوديعة إلى من يحفظ ماله كزوجته وعبده لم يضمن".
وكذا خادمه وهذا المذهب بلا ريب ونص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والتلخيص والرعاية والفروع والفائق والحارثي ونصره وغيرهم.
وقيل: يضمن ذكره ابن أبي موسى.
قال الحارثي: وأورده السامري عن ابن أبي موسى وجها ولم أجده في الإرشاد.
فوائد
منها: ألحق في الروضة الولد ونحوه بالزوجة والعبد.
قلت: إن كان ممن يحفظ ماله فلا إشكال في إدخاله وإلا فلا في الجميع حتى الزوجة والعبد والخادم فلا حاجة إلى الإلحاق وكذلك قال الحارثي.
وقوله: "إلى من يحفظ ماله كزوجته وعبده" اعتبار لوجود وصف الحفظ لماله فيمن ذكر على ما تقدم فإن لم يوجد ضمن إذا دفع إليه وهو كما قال انتهى.
ومنها: لو رد الوديعة إلى من جرت العادة بأن يحفظ مال المودع بكسر الدال كزوجته وأمته وعبده فتلفت لم يضمن نص عليه.
وقيل: يضمن حكاه ابن أبي موسى وجها.
قال الحارثي: وهو الصحيح وتقدم نظير ذلك في العارية.
ومنها: لو دفعها إلى الشريك ضمن كالأجنبي المحض.
ومنها: له الاستعانة بالأجانب في الحمل والنقل وسقي الدابة وعلفها ذكره المصنف وغيره واقتصر عليه الحارثي.
قوله: "وإن دفعها إلى أجنبي أو حاكم ضمن وليس للمالك مطالبة الأجنبي وقال القاضي له ذلك".
إذا أودع المودع بفتح الدال الوديعة لأجنبي أو حاكم فلا يخلو فإما أن يكون لعذر أو غيره فإن كان لعذر جاز على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب في الجملة.
وقال في الفروع: ويتوجه تخريج رواية من توكيل الوكيل له الإيداع بلا عذر وإن كان لغير عذر لم يجز ويضمن على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل: يجوز إيداعها للحاكم مع الإقامة وعدم العذر.
وتقدم تخريجه في الفروع فهو أعم.
فعلى المذهب: إن كان الثاني عالما بالحال استقر الضمان عليه وللمالك مطالبته بلا نزاع وإن كان جاهلا: لم يلزمه.
وقدم المصنف هنا: أنه ليس له مطالبته أي تضمينه وهو اختيار القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وقالا: إنه ظاهر كلامه.
قال في المذهب ومسبوك الذهب: ليس للمالك مطالبة الأجنبي، على المنصوص. وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والفائق واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
قال في التلخيص: وهو ضعيف.
وقال القاضي: له ذلك يعني مطالبته.
قال في المغني: ويحتمل أن له تضمين الثاني ايضا لكن يستقر الضمان على الأول وهو رواية في التعليق الكبير ورءوس المسائل وهذا المذهب.
قال في التعليق: هذا المذهب واختاره المصنف في المغني.
قال الشارح: وهذا القول أقرب إلى الصواب.
قال الحارثي: اختاره أبو الخطاب وعامة الأصحاب وهو الصحيح انتهى وقدمه في التلخيص والمحرر والفروع.
فقال في الفروع: وإن أودعها بلا عذر ضمنا وقراره عليه فإن علم الثاني فعليه.
وعنه: لا يضمن الثاني إن جهل اختاره شيخنا كمرتهن في وجه واختاره شيخنا انتهى.
قوله: "وإن أراد سفرا أو خاف عليها عنده ردها إلى مالكها".
وكذا إلى وكيله في قبضها إن كان.
"فإن لم يجده: حملها معه إن كان أحفظ لها".
مراده: إذا لم ينهه عن حملها معه.
اعلم أنه إذا أراد سفرا. وكان مالكها غائبا ووكيله فله السفر بها إن كان أحفظ لها ولم ينهه عن حملها.
وإن كان حاضرا أو وكيله في قبضها فظاهر كلام المصنف هنا أنه لا يحملها إلا بإذن فإن فعل ضمن وهو أحد الوجهين.
قال في المغني: ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع المقدرة على مالكها أو نائبه بغير إذن أنه مفرط عليه الضمان انتهى.
قلت: وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم وهو الصواب.
والوجه الثاني: له السفر بها إن كان أحفظ لها ولم ينهه عنها وهو المذهب نص عليه واختاره القاضي وابن عقيل وقدمه في الفروع والمغني والشرح ونصراه.
تنبيهان
أحدهما: ظاهر قوله "فإن لم يجده حملها معه إن كان أحفظ لها" أن له السفر بشرطه ولا يضمن وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقال القاضي في رؤوس المسائل: إذا سافر بها ضمن.
الثاني: ظاهر كلام المصنف أنه إذا استوى عنده الأمران في الخوف مع الإقامة والسفر أنه لا يحملها معه وهو أحد الوجهين وظاهر النص.
قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو الصواب.
قال في المبهج: لا يسافر بها إلا إذا كان الغالب السلامة.
والوجه الثاني: له حملها وأطلقهما في التلخيص والرعايتين والنظم وشرح الحارثي والفروع والفائق والحاوي الصغير.
فوائد
منها: جواز السفر بها مشروط بما إذا لم ينهه عن حملها معه فإن نهاه امتنع وضمن إن خالف اللهم إلا أن يكون السفر بها لعذر كجلاء أهل البلد وهجوم عدو أو حرق أو غرق فلا ضمان.
وهل يجب الضمان بالترك تقدم نظيره في كلام المصنف وأن الصحيح أنه يضمن إذا ترك فعل الأصلح والحالة هذه.
ومنها: لو أودع مسافرا فسافر بها وتلفت في السفر فلا ضمان عليه.
ومنها: لو هجم قطاع الطريق عليه فألقى المتاع إخفاء له وضاع فلا ضمان عليه.
ومنها: له الرجوع بما أنفق عليها بنية الرجوع ذكره القاضي وقدمه في الفروع.
وقال: ويتوجه فيه كنظائره ويلزمه مؤنته.
وفي مؤنة رد من بعد خلاف في الانتصار قاله في الفروع.
قوله: "وإلا دفعها إلى الحاكم".
يعني إذا خاف عليها بحملها ولم يجد مالكها ولا وكيله فالصحيح من المذهب: أنه يتعين عليه دفعها إلى الحاكم إن قدر عليه قدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
قال الحارثي: وعليه الأصحاب.
قال الزركشي: قطع به الأصحاب.
وقيل: يجوز دفعها إلى ثقة حكاه المصنف في المغني وذكره الحلواني رواية.
قال في الفائق: ولو خاف عليها أودعها حاكما أو أمينا.
وقيل: لا تودع انتهى.
قلت: الصواب هنا أن يراعي الأصلح في دفعها إلى الحاكم أو الثقة فإن استوى الأمر فالحاكم.
فائدة: الودائع التي جهل ملاكها يجوز التصرف فيها بدون حاكم نص عليه وكذا وان فقد ولم يطلع على خبره وليس له ورثة يتصدق بها نص عليه ولم يعتبر حاكما.
ويحتمل أنه ليس له الصدقة بها إلا إذا تعذر إذن الحاكم ذكره القاضي.
وتقدم نظير ذلك في الغصب وآخر الرهن.
ويلزم الحاكم قبول الودائع والغصوب ودين الغائب والمال الضائع على الصحيح من المذهب.
قال في التلخيص: الأصح اللزوم في قبول الوديعة والغصوب والدين.
وقيل: لا يلزمه وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفروع.
قوله: "وإن تعذر ذلك".
يعني إذا تعذر دفعها إلى الحاكم "أودعها ثقة".
هذا الصحيح من المذهب.
قال في الخلاصة والفروع: دفعها إلى ثقة في الأصح وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
وقيل: لا تودع لغير الحاكم وقطع به أبو الخطاب في رؤوس المسائل.
قال القاضي وابن عقيل ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله: أنه لا يجوز الدفع إلى غير الحاكم لعذر أو غير عذر.
ثم أولا ذلك على الدفع لغير حاجة أو مع القدرة على الحاكم.
قال الحارثي: وفيه نظر بل النص صريح في ذلك وذكره.
وقيل: لا تودع مطلقا ونقله الأثرم نصا.
قال في الرعاية: ونصه منعه وهو ظاهر ما قدمه في الهداية والمستوعب وقدمه في المذهب.
وقال في النوادر: وأطلق الإمام أحمد رحمه الله الإيداع عند غيره لخوفه عليها وحمله القاضي على المقيم لا المسافر.
فائدة: حكم من حضره الموت حكم من أراد سفرا على ما تقدم من أحكامه إلا في أخذها معه.
قوله: "أو دفنها وأعلم بها ثقة يسكن تلك الدار".
يعني إذا تعذر دفعها إلى الحاكم: فهو بالخيرة بين دفعها إلى ثقة، وبين دفنها وإعلام ثقة
يسكن تلك الدار بها.
قال الحارثي: وقاله القاضي وابن عقيل وغيرهما وقطع به في الشرح وشرح ابن منجا.
قال في الفروع: وإن دفنها بمكان واعلم بها ساكنه فكإيداعه.
وقال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق ولو دفنها بمكان وأعلم الساكن فعلى وجهين وقيل إعلامه كإيداعه انتهوا.
وأطلق في ضمانها إذا دفنها وأعلم بها ثقة وجهين في الهداية والمذهب والمستوعب.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره من الأصحاب أنه إذا تبرم بالوديعة فليس له الدفع إلى غير المودع أو وكيله سواء قدر عليهما أو لا وسواء الحاكم وغيره وهو كذلك ونص على المنع من إيداع الغير واختاره القاضي وابن عقيل وغيرهما وقدمه الحارثي.
وقال في الكافي: إن لم يجد المالك دفع إلى الحاكم واختاره صاحب التلخيص.
قوله: "وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ولبس الثوب وأخرج الدراهم لينفقها". أو لشهوة رؤيتها "ثم ردها أو جحدها ثم أقر بها أو كسر ختم كيسها". وكذا لو حله: ضمنها.
إذا تعدى فيها ففعل ما ذكر غير جحودها ثم إقراره بها فالصحيح من المذهب: أنه يضمنها وعليه الأصحاب وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في التلخيص والفروع والفائق وغيرهم.
وقال في الفائق: ونقل البغوي ما يدل على نفي الضمان.
وقيل: لا يضمن إذا أخرج الدراهم لينفقها أو لشهوة رؤيتها ثم ردها اختاره بن الزاغوني.
وعنه: لا يضمن إذا كسر ختم كيسها أو حله.
فعلى المذهب: لا يعود عقد الوديعة بغير عقد متجدد.
وأما إذا جحدها ثم أقر بها فالصحيح من المذهب: أنه يضمنها من حيث الجملة جزم به في الفروع وغيره وقدمه في الفائق وغيره وقال ونقل البغوي ما يدل على نفي الضمان.
قوله: "أو خلطها بما لا تتميز منه: ضمنها".
وهو المذهب. وعليه الأصحاب.
قال في التلخيص: ومع عدم التمييز يضمن رواية واحدة وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقال: ظاهر نقل البغوي لا يضمن ولم يتأوله في النوادر.
وذكره الحلواني ظاهر كلام الخرقي.
وجزم به في المنثور عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال: لأنه خلطه بماله.
وجزم به في المبهج في الوكيل. كوديعته في أحد الوجهين.
قال الحارثي وعن الإمام أحمد لا يضمن بخلط النقود ونقله عبد الله البغوي.
فعلى هذه الرواية: لو تلف بعض المختلط بغير عدوان جعل التلف كله من ماله وجعل الباقي من الوديعة نص عليه.
فائدة: لو اختلطت الوديعة بغير فعله ثم ضاع البعض جعل من مال المودع في ظاهر كلامه ذكره المجد في شرحه.
وذكر القاضي في الخلاف: أنهما يصيران شريكين.
قال المجد: ولا يبعد على هذا أن يكون الهالك منهما ذكره في القاعدة الثانية والعشرين.
قوله: "وإن خلطها بمتميز لم يضمن".
هذا الصحيح من المذهب. نص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه: يضمن وحمله المصنف على نقصها بالخلط.
قوله: "وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده".
هذا الصحيح من المذهب نص عليه وجزم به الخرقي وصاحب التعليق والفصول والمغني والكافي والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم.
وهو عجيب من الشارح. إذ الكتاب المشروح حكى الخلاف لكنه تبع المغني وصححه في الفروع وغيره.
وعنه: يضمن الجميع وأطلقهما في التلخيص والفائق.
وقيل: يضمنه وحده إن لم يفتح الوديعة.
وقيل: لا يضمن شيئا.
قوله: "وإن رد بدله متميزا فكذلك".
يعني: أن الحكم فيه كالحكم فيما إذا رد المأخوذ بعينه جزم به في الفصول والفروع وشرح ابن منجا وغيرهم.
وكذا الحكم لو أذن صاحبها له في الأخذ منها فأخذ ثم رد بدله بلا إذنه.
قوله: "وإن كان غير متميز ضمن الجميع".
وهو المذهب جزم به في المجرد والفصول والتلخيص وغيرهم وقدمه في الفروع: "ويحتمل إن لا يضمن غيره".
وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وجزم به القاضي في التعليق وذكر أن الإمام أحمد نص عليه في رواية الجماعة.
وحكى عنه من رواية الأثرم: أنه أنكر القول بتضمين الجميع وأنه قال هو قول سوء.
وهذا ظاهر كلام الخرقي.
وقطع به ابن أبي موسى والقاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس وغيرهم واختاره أبو بكر وقدمه الحارثي في شرحه وقال: هو المذهب.
ومال إليه في المغني. وأطلق الروايتين في المحرر.
فعلى الرواية الثانية: إن لم يدر أيهما ضاع ضمن نقله البغوي وذكره جماعة واقتصر عليه في الفروع.
فائدة: لو كان الدرهم أو بدله غير متميز وتلف نصف المال فقيل يضمن نصف درهم ويحتمل أن لا يلزمه شيء لاحتمال بقاء الدرهم أو بدله ولا يجب مع الشك قاله الحارثي.
تنبيهات
الأول: قال الزركشي: إذا رد بدل ما أخذ فللأصحاب في ذلك طرق:
أحدها: لا يلزمه إلا مقدار ما أخذ سواء كان البدل متميزا أو غير متميز.
وهذا مقتضى كلام الخرقي. وبه قطع القاضي في التعليق وذكر أن الإمام أحمد رحمه الله نص عليه في رواية الجماعة.
وأنكر في رواية الأثرم على من يقول بتضمين الجميع.
والطريق الثاني: إن تميز البدل ضمن قدر ما أخذ فقط وإن لم يتميز: فعلى روايتين. وهي طريقة المصنف في المغني والكافي والمجد.
والطريق الثالث: في المسألة روايتان فيهما وهي ظاهر كلام أبي الخطاب في الهداية.
والطريق الرابع: إن تميز البدل فعلى روايتين وإن لم يتميز ضمن رواية واحدة قاله في التلخيص.
ويقرب منه كلام المصنف في المقنع وكلام القاضي على ما حكاه في المغني.
وبالجملة: هذه الطريقة وإن كانت حسنة لكنها مخالفة لنصوص الإمام أحمد رحمه الله انتهى.
الثاني: شرط القاضي في المجرد وابن عقيل وأبو الخطاب وأبو الفرج الشيرازي والمصنف والمجد والشارح وجماعة أن تكون الدراهم ونحوها غير مختومة ولا مشدودة فلو كانت كذلك فحل الشد أو فك الختم ضمن الجميع قولا واحدا.
قال القاضي في التعليق: هو قياس قول الأصحاب مما إذا فتح قفصا عن طائر فطار وقاله أبو الخطاب في رؤوس المسائل.
قال الحارثي: ولا يصح هذا القياس لأن الفتح عن الطائر إضاعة له فهو كحل الزق.
ونقل مهنا: أنه لا يضمن إلا ما أخذ.
قال في التلخيص: وروى البغوي عن الإمام أحمد رحمه الله ما يدل على ذلك.
وينبني على ذلك: لو خرق الكيس فإن كان من فوق الشد لم يضمن إلا الخرق وإن كان من تحت الشد ضمن الجميع على المشهور عند الأصحاب قاله الزركشي.
الثالث: قوة كلام المصنف وغيره تقتضي أنه لا يضمن بمجرد نية التعدي بل لا بد من فعل أو قول وهو صحيح وهو المقطوع به عند الأصحاب.
وقال القاضي وقد قيل: إنه يضمن بالنية لاقترانها بالإمساك وهو فعل كملتقط نوى التملك في أحد الوجهين.
وفي الترغيب قال الحارثي: وحكى القاضي في تعليقه وجها بالضمان.
قال الزركشي: وقد ينبني على هذا الوجه على أن الذي لا يؤاخذ به هو الهم أما العزم فيؤاخذ به على أحد القولين انتهى.
وتأتي مسألة اللقطة في بابها عند قوله: "ومن أمن نفسه عليها".
قوله: "وإن أودعه صبي وديعة ضمنها ولم يبرأ إلا بالتسليم إلى وليه".
إن كان الصبي غير مميز: فالحكم كما قال المصنف.
وكذا أن كان مميزا، ولم يكن مأذونا له.
وإن كان مأذونا له: صح إيداعه فيما أذن له بالتصرف فيه قاله المصنف والشارح.
فائدة: لو أخذ الوديعة من الصبي تخليصا لها من الهلاك على وجه الحسبة.
فقال في التلخيص: يحتمل أن لا يضمن كالملك الضائع إذا حفظه لصاحبه وهو الأصح ويحتمل أن يضمن لأنه لا ولاية له عليه.
قال: وهكذا يخرج إذا أخذ المال من الغاصب تخليصا ليرده إلى مالكه انتهى.
واقتصر الحارثي على حكاية كلامه وقدم ما صححه في التلخيص وفي الرعاية وقطع به في الكافي.
قوله: "وإن أودع الصبي وديعة فتلفت بتفريطه لم يضمن وكذلك المعتوه".
وهذا الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح والتلخيص والوجيز والفائق وشرح الحارثي وغيرهم.
وفيه وجه آخر: أنه يضمن وأطلقهما في الفروع في أول باب الحجر.
قوله: "وإن أتلفها: لم يضمن".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الهداية والمستوعب والتلخيص وقال غير القاضي من أصحابنا: لا يضمن انتهوا.
قال الحارثي: قال بن حامد هذا قياس المذهب وإليه صار القاضي آخرا وذكره ولده أبو الحسين ولم يذكر القاضي في رؤوس المسائل سواه.
وكذا قال القاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس.
قال ابن عقيل: وهو أصح عندي وقدمه في الخلاصة.
وقال القاضي: يضمن اختاره المصنف والشارح.
قال الحارثي: واختاره أبو علي بن شهاب ولم يورد الشريفان أبو جعفر والزيدي وأبو المواهب الحسين بن محمد العكبري والقاسم بن الحسن الحداد سواه انتهى وصححه الناظم.
وهذا المذهب على ما اصطلحناه.
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والرعايتين والحاوي الصغير والمحرر والفروع.
فائدة: المجنون كالصبي وكذا السفيه عند المصنف والشارح وجماعة ففيه الخلاف.
وقيل: إتلافه موجب للضمان كالرشيد وقطع به القاضي في المجرد وصاحب التلخيص.
قال الحارثي: وإلحاقه بالرشيد أقرب.
قلت: وهو الصواب.
قوله: "وإن أودع عبدا وديعة فأتلفها ضمنها في رقبته".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة وشرح ابن منجا وقدمه في المستوعب والتلخيص.
قال الحارثي: وبه قال الأكثرون من الأصحاب أبو الخطاب وابن عقيل وأبو الحسين والشريفان أبو جعفر والزيدي وبن بكروس والسامري وصاحب التلخيص انتهى.
والوجه الثاني: يضمنها في ذمته وأطلقهما في المغني والمحرر والشرح والفروع.
ولنا وجه في المذهب ذكره القاضي في المجرد وغيره بعدم الضمان مطلقا تخريجا من مثله في الصبي ورده الحارثي.
تنبيه: قيل إن الوجهين اللذين في العبد مبنيان على الوجهين في الصبي وهو قول المصنف والشارح والقاضي وصاحب الفائق ورده الحارثي.
وقال في المستوعب والتلخيص: ويضمن ويكون في رقبته سواء كان محجورا عليه أو مأذونا له.
قال الحارثي: صرح به غير واحد وهو مقتضى إطلاق المصنف كما في الجناية على النفس انتهى.
وهي طريقته في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم.
فائدة: المدبر والمكاتب والمعلق عتقه على صفة وأم الولد كالقن فيما تقدم قاله الحارثي وغيره.
قوله: "والمودع أمين والقول قوله فيما يدعيه من رد وتلف".
يعني: مع يمينه هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع.
قال في التلخيص وغيره: هذا المذهب.
وعنه: إن دفعها المودع بكسر الدال إلى المودع بفتح الدال ببينة لم تقبل دعوى الرد إلا ببينة نص عليه في رواية أبي طالب وابن منصور.
قال الحارثي: وهذا ما قاله ابن أبي موسى في الإرشاد.
وخرجها ابن عقيل على أن الإشهاد على دفع الحقوق الثابتة بالبينة واجب فيكون تركه تفريطا فيجب فيه الضمان.
وقيل: لا يحتاج إلى يمين مع دعوى التلف.
قال الحارثي: المذهب لا يحلف مدعي الرد والتلف إذا لم يتهم.
وتأتي المسألة قريبا بأتم من هذا.
تنبيه: محل هذا إذا لم يتعرض لذكر سبب التلف فإن تعرض لذكر سبب التلف فإن أبدى سببا خفيا من سرقة أو ضياع ونحوه قبل أيضا ذكره الأصحاب.
وإن أبدى سببا ظاهرا من حريق منزل أو غرقه أو هجوم غارة ونحو ذلك فالصحيح من المذهب أنه لا يقبل قوله إلا ببينة بوجود ذلك السبب في تلك الناحية وعليه جماهير الأصحاب منهم ابن أبي موسى والقاضي وابن عقيل والمصنف في الكافي، وصاحب
التلخيص والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله ما يشعر به.
قال في التلخيص وغيره: ويكفي في ثبوت السبب الاستفاضة وقاله في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقال في المغني وجماعة من الأصحاب: يقبل قوله أيضا.
وتقدم نظير ذلك في الوكالة.
فائدة: لو منع المودع بفتح الدال صاحب الوديعة منها أو مطله بلا عذر ثم ادعى تلفا لم يقبل إلا ببينة لخروجه بذلك عن الأمانة.
قوله: "وأذن في دفعها إلى انسان".
يعني إذا قال المودع بفتح الدال للمودع أذنت لي في دفعها إلى فلان فدفعتها فأنكر الإذن فالقول قول المودع بفتح الدال على الصحيح من المذهب كما قال المصنف ونص عليه في رواية ابن منصور.
وقطع به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والتلخيص والشرح والمحرر والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وهو من مفردات المذهب.
وقيل: لا يقبل قوله.
قال الحارثي: وهو قوى.
وقيل: ذلك كوكالة في قضاء دين.
ولا يلزم المدعى عليه للمالك غير اليمين ما لم يقر بالقبض.
وذكر الأزجي: إن ادعى الرد إلى رسول موكل ومودع فأنكر الموكل: ضمن لتعلق الدفع بثالث. ويحتمل لا.
وإن أقر وقال: قصرت لترك الإشهاد: احتمل وجهين.
قال: واتفق الأصحاب أنه لو وكله بقضاء دينه فقضاه في غيبته وترك الإشهاد: ضمن. لأن مبنى الدين على الضمان ويحتمل إن أمكنه الإشهاد فتركه ضمن. انتهى.
قال في الفروع: كذا قال.
فائدتان
إحداهما: لو ادعى الأداء إلى وارث لمالك لم يقبل إلا ببينة قاله في التلخيص واقتصر عليه الحارثي وكذا دعوى الأداء إلى الحاكم.
الثانية: لو ادعى الأداء على يد عبده أو زوجته أو خازنه فكدعوى الأداء بنفسه.
قوله: "وما يدعى عليه من خيانة أو تفريط".
يعني: القول قوله وهذا بلا نزاع.
فائدة: هل يحلف مدعى الرد والتلف والإذن في الدفع إلى الغير ومنكر الجناية والتفريط ونحو ذلك؟.
قال الحارثي: المذهب لا يحلف إلا أن يكون متهما نص عليه من وجوه كثيرة وكذا قال الخرقي وابن أبي موسى في الوكيل.
وأطلق المصنف في كتابيه وكثير من الأصحاب: وجوب التحلف.
قال: ولا أعلمه عن الإمام أحمد رحمه الله نصا ولا إيماء. انتهى.
والمذهب عند أكثر الأصحاب المتأخرين: ما قاله المصنف وغيره.
وتقدم التنبيه على بعضه قريبا.
قوله: "وإن قال لم يودعني ثم أقر بها أو ثبتت ببينة فادعى الرد أو التلف لم يقبل وإن أقام بذلك بينة".
نص عليه. مراده إذا ادعى الرد أو التلف قبل جحوده بأن يدعي عليه الوديعة يوم الجمعة فينكرها ثم يقر أو تقوم بينة بها فيقيم بينة بأنها تلفت أو ردها يوم الخميس أو قبله مثلا فالمذهب في هذا كما قال المصنف من أنه لا يقبل قوله ولا بينته نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع وغيرهما والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
ويحتمل أن تقبل بينته.
قال الحارثي: وهو المنصوص من رواية أبي طالب وهو الحق.
وقال: وهذا المذهب عندي وأطلقهما في المغني والشرح.
وأما إن ادعى الرد أو التلف بعد جحوده بها بأن يدعي عليه يوم الجمعة فينكر ثم يقر وتقوم البينة به فيقيم بينته بتلفها أو ردها يوم السبت أو بعده مثلا فهذا تقبل فيه البينة بالرد قولا واحدا.
وتقبل في التلف على الصحيح من المذهب. جزم به في المحرر والوجيز.
قال في الفروع: والأصح وتسمع بتلف.
وقيل: لا تقبل وهو ظاهر كلام المصنف هنا وأبي الخطاب والسامري وصاحب التلخيص والمنتخب والزركشي وجماعة لأنهم أطلقوا.
قلت: وهو الصواب.
واقتصر في المحرر على قبول قوله إذا ادعى ردا متأخرا.
فظاهره: أنه إذا ادعى تلفا متأخرا: لا يقبل وكذا قال في الرعايتين والحاوي الصغير والمنور وصرح به في شرح المحرر وتذكرة ابن عبدوس.
فائدتان
إحداهما: لو شهدت بينة بالتلف أو الرد ولم تعين هل ذلك قبل جحوده أو بعده واحتمل الأمرين لم يسقط الضمان.
قلت: ويحتمل السقوط لأنه الأصل.
الثانية: لو قال لك وديعة ثم ادعى ظن بقائها ثم علم تلفها أو ادعى الرد إلى ربها فأنكره ورثته فهل يقبل قوله فيه وجهان وأطلقهما في الفروع وأطلقهما في الأولى في الرعاية الكبرى.
أحدهما: لا يقبل قوله في المسألة الأولى.
وقدمه في المغني عند قول الخرقي "وإذا قال: عندي عشرة دراهم ثم قال وديعة".
وقدمه الشارح في باب ما إذا وصل بإقراره ما يغيره وهو ظاهر كلام ابن رزين في شرحه.
وقال القاضي: يقبل قوله لأن الإمام أحمد رحمه الله قال في رواية بن منصور إذا قال لك عندي وديعة دفعتها إليك صدق انتهى.
قلت: وهذا الصواب.
وأما إذا ادعى الرد إلى ربها وأنكره ورثته فالصحيح أنه يقبل قوله كما لو كان حيا.
ثم وجدته في الرعاية الكبرى قطع بأنه لا يقبل إلا ببينة.
قوله: "وإن قال ما لك عندي شيء قبل قوله في الرد والتلف". بلا نزاع.
لكن إن وقع التلف بعد الجحود وجب الضمان لإستقرار حكمه بالجحود فيشبه الغاصب ذكره الشارح واقتصر عليه الحارثي.
وقال: والإطلاق هنا محمول عليه.
وقال الزركشي: يقبل قوله في الرد والتلف.
ولا فرق بين قبل الجحود وبعده على ظاهر إطلاق جماعة.
وقال القاضي في المجرد: وقد قيل: إن شهدت البينة بالتلف بعد الجحود فعليه الضمان وإن شهدت بالتلف قبله فلا ضمان.
قوله: "فإن مات المودع فادعى وارثه الرد لم يقبل إلا ببينة". بلا نزاع.
وكذا حكم دعوى الملتقط ومن أطارت الريح إلى داره ثوبا الرد إلى المالك.
قال في القواعد: ويتوجه قبول دعواه في حالة لا يضمن فيها بالتلف لأنه مؤتمن شرعا في هذه الحالة.
ولو ادعى الوارث أن مورثه ردها لم يقبل أيضا إلا ببينة عند الأصحاب.
قال الحارثي: وقد يتخرج لنا قول بالقبول من أحد الوجهين فيما إذا كان عنده وديعة في حياته لم توجد بعينها ولا يعلم بقاءها لأن الأصل عدم الحصول في يد الوارث وكذلك ما لو ادعى التلف في يد مورثه. انتهى.
قال في القاعدة الرابعة والأربعين: ولا حاجة إلى التخريج إذن لأن الضمان على هذا الوجه منتف سواء ادعى الوارث الرد أو التلف أو لم يدع شيئا.
قوله: "وإن تلفت عند الوارث قبل إمكان ردها لم يضمنها" بلا نزاع "وبعده يضمنها في أحد الوجهين".
وهو المذهب. صححه في التصحيح والنظم وشرح الحارثي.
قال في القاعدة الثالثة والأربعين: والمشهور الضمان وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والوجيز وغيرهم وقدمه في التلخيص وقال ذكره أكثر الأصحاب وقدمه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
والوجه الثاني: لا يضمنها.
قال الحارثي: وهذا لا أعلم أحدا ذكره إلا المصنف.
قلت: قد أشار إليه في التلخيص وغيره.
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي وابن منجا والرعاية الكبرى.
وقيل: لا يضمنها إن لم يعلم بها صاحبها جزم به في المحرر وتذكرة ابن عبدوس.
وقال في الرعاية الصغرى: وهو أولى وأطلقهن في الفروع والفائق.
فائدة: إذا حصل في يده أمانة بدون رضى صاحبها: وجبت المبادرة إلى ردها مع العلم بصاحبها والتمكن منه ودخل في ذلك اللقطة.
وكذا الوديعة والمضاربة والرهن ونحوها إذا مات المؤتمن وانتقلت إلى وارثة.
وكذا لو أطارت الريح ثوبا إلى داره لغيره.
ثم إن كثيرا من الأصحاب قالوا هنا الواجب الرد.
وصرح كثير منهم بأن الواجب أحد شيئين: إما الرد أو الإعلام كما في المستوعب والمغني والمحرر والشرح وذكر نحوه ابن عقيل وهو مراد غيرهم.
ثم إن الثوب: هل يحصل في يده لسقوطه في داره من غير إمساك أو لا؟.
قال القاضي: لا يحصل في يده بذلك وخالف ابن عقيل.
والخلاف هنا منزل على الخلاف فيما إذا حصل في أرضه من المباحات: هل يملكها بذلك أم لا على ما تقدم في كتاب البيع.
وكذا حكم الأمانات إذا فسخها المالك كالوديعة والوكالة والشركة والمضاربة يجب الرد على الفور لزوال الائتمان صرح به القاضي في خلافه وسواء كان الفسخ في حضرة الأمين أو غيبته.
وظاهر كلامه: أنه يجب فعل الرد.
وعلى قياس ذلك: الرهن بعد استيفاء الدين والعين المؤجرة بعد انقضاء المدة.
وذكر طائفة من الأصحاب في العين المؤجرة: لا يجب على المستأجر فعل الرد ومنهم من ذكر في الرهن كذلك.
ذكر معنى ذلك في القاعدة الثانية والأربعين.
وأما إذا مات المودع ولم يبين الوديعة ولم تعلم: فهي دين في تركته.
تقدم ذلك في كلام المصنف في أواخر المضاربة.
فائدة جليلة: تثبت الوديعة بإقرار الميت أو ورثته أو بينته.
وإن وجد خط موروثة "لفلان عندي وديعة" وعلى كيس "هذا لفلان" عمل به وجوبا على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: ويعمل به على الأصح.
قال الحارثي: هذا المذهب نص عليه من رواية إسحاق بن إبراهيم في الوصية ونصره ورد غيره.
وقال: قاله القاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس وقدمه في المستوعب والتلخيص وهو الذي ذكره القاضي في الخلاف.
وقيل: لا يعمل به ويكون تركة.
اختاره القاضي في المجرد وابن عقيل والمصنف وقدمه الشارح ونصره وجزم به في الحاوي الصغير والنظم.
وإن وجد خطه بدين له على فلان: حلف الوارث ودفع إليه قطع به في المغني،
والشرح والفروع وشرح الحارثي وإعلام الموقعين.
وإن وجد خطه بدين عليه فقيل لا يعمل به ويكون تركة مقسومة.
اختاره القاضي في المجرد وجزم به في الفصول والمذهب وقدمه في المغني والشرح.
وقيل: يعمل به ويدفع إلى من هو مكتوب باسمه.
قال القاضي أبو الحسين: المذهب وجوب الدفع إلى من هو مكتوب باسمه أومأ إليه وجزم به في المستوعب.
وهو الذي ذكره القاضي في الخلاف هو ظاهر ما قطع به في إعلام الموقعين وقدمه في التلخيص وصححه في النظم وهو المذهب عند الحارثي فإنه قال والكتابه بالديون عليه كالكتابة بالوديعة كما قدمنا حكاه غير واحد منهم السامري وصاحب التلخيص انتهى.
وتقدم كلامه في المسألة الأولى. وأطلقهما في الفروع والرعاية.
قوله: "وإن ادعى الوديعة اثنان فأقر بها لأحدهما فهي له مع يمينه". بلا نزاع أعلمه.
لكن قال الحارثي: وهذا اللفظ ليس على ظاهره من جهة أنه مشعر بأن كمال الاستحقاق يتوقف على اليمين وهي إنما تفيد الاستحقاق حال ردها على المدعي عند من قال به أو حال تعذر كمال البينة وما نحن فيه ليس واحدا من الأمرين.
لا يقال: المودع شاهد ولو كان كذلك لاعتبرت له العدالة وصيغة الشهادة والأمر بخلافه فتعين تأويله على حلفه للمدعي انتهى.
قوله: "ويحلف المودع بفتح الدال أيضا للمدعى الآخر".
على الصحيح من المذهب جزم به هنا في المغني والشرح وشرح الحارثي والرعاية والوجيز والفائق وغيرهم.
قال في المحرر والفروع: حلف في الأصح ذكراه في باب الدعاوي.
وقيل: لا يلزمه يمين.
فعلى المذهب: إن نكل فعليه البدل للثاني بلا نزاع.
فائدتان
إحداهما: لو تبين للمقر بعد الاقتراع أنها للمقروع: فقال الإمام أحمد رحمه الله قد مضى الحكم أي لا تنزع من القارع وعليه القيمة للمقروع.
الثانية: لو دفع الوديعة إلى من يظنه صاحبها ثم تبين خطؤه: ضمنها لتفريطه صرح به القاضي.
وخرج في القواعد وجها بعدم الضمان عليه وإنما هو على المتلف وحده.
قوله: "وإن أقر بها لهما فهي لهما ويحلف لكل واحد منهما". بلا نزاع أعلمه.
فإن نكل فعليه بذل نصفها لكل واحد منهما ويلزم كل واحد منهما الحلف لصاحبه كما تقدم.
ولم يذكره المصنف. وكأنه اكتفى بالأول.
قوله: "فإن قال لا أعرف صاحبها حلف أنه لا يعلم".
يعني يمينا واحدة.
إذا أقر بها لأحدهما وقال: لا أعرف عينه.
فلا يخلو: إما أن يصدقاه أو لا فإن صدقاه فلا يمين عليه إذ لا اختلاف وعليه التسليم لأحدهما بالقرعة مع يمينه ذكره في التلخيص واقتصر عليه الحارثي وقال هو المذهب ونصوص أحمد تقتضيه.
وإن لم يصدقاه. فلا يخلو: إما أن يكذباه أو يسكتا فإن لم يكذباه قبل قوله بغير يمين.
ذكره غير واحد منهم: أبو الخطاب وأبو الحسين والشريف أبو جعفر واقتصر عليه الحارثي.
وذكر عن الشافعية وجها آخر وعلله.
قال الحارثي: وهذا بمجرده حق إن لم يقم دليل على اعتبار صريح الدعوى لوجوب اليمين انتهى.
ثم قال القاضي وغيره: يقرع بين المتداعيين فمن أصابته القرعة حلف أنها له وأعطى.
وإن كذباه: حلف أنه لا يعلم كما قال المصنف.
قال الحارثي: وهو قول القاضي ومن بعده من الأصحاب.
وتقدم ان المذهب: لا يمين على مدعى التلف ومنكر الجناية والتفريط ونحوه، إلا أن يكون متهما وهذا كذلك فلا يمين على المذهب نظرا إلى أن المالك ائتمنه.
وعلى القول بالحلف: يحلف يمينا واحدة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الحارثي: خلافا لأبي حنيفة لتغاير الحقين كما في إنكار أصل الإيداع قال وهذا قوي انتهى.
وإذا تحرر هذا، فيقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذ كما قال المصنف ونص عليه في أصل المسألة من وجوه كثيرة.
وإن نكل المودع عن اليمين فقال في المجرد يقضي عليه بالنكول فيلزمه الحاكم بالإقرار لأحدهما.
فإن أبى فقياس المذهب: يقرع بينهما ولم يذكر غرما.
وقال في التلخيص: يقوى عندي أن من جملة القضايا لنكول غرم القيمة فيغرم القيمة.
قال الحارثي: وكذا قال غيره وجزم به في الفائق والزركشي.
فعلى هذا: يؤخذ بالقيمة مع العين فيقترعان عليها أو يتفقان.
هذه طريقة صاحب المحرر وجماعة وقدمها الحارثي وقال في كلام المحرر ما يقتضي الاقتراع على العين فمن أخذها بالقيمة تعينت القيمة للآخر قال وهو أولى لأن كلا منهما يستحق ما يدعيه في هذه الحالة أو بدله عند التعذر والتعذر لا يتحقق بدون الأخذ فتعين الاقتراع. انتهى.
قال في التلخيص: كذلك إذا قال "أعلم المستحق ولا أحلف".
ويأتي الكلام بأتم من هذا في باب الدعاوي والبينات في القسم الثالث إن شاء الله تعالى.
فائدة: إذا قامت البينة بالعين لأخذ القيمة سلمت إليه وردت القيمة إلى المودع ولا شيء للقارع.
قوله: "وإن أودعه اثنان مكيلا أو موزونا فطلب أحدهما نصيبه سلمه إليه".
مراده: إذا كان ينقسم وهو معنى قول بعض الأصحاب "لا ينقص بتفرقة" وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير وشرح الحارثي وغيرهم.
وقيل: لا يلزمه الدفع إلا بإذن شريكه أو الحاكم اختاره القاضي والناظم.
وكذا الحكم لو كان الشريك حاضرا وامتنع من المطالبة بنصيبه والإذن في التسليم إلى صاحبه.
قوله: "وإن غصبت الوديعة فهل للمودع المطالبة بها على وجهين".
وأطلقهما في المذهب والمغني والشرح والفائق والحاوي الصغير.
أحدهما: له المطالبة بها وهو المذهب اختاره أبو الخطاب في الهداية وصححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والرعايتين.
والوجه الثاني: ليس له ذلك اختاره القاضي وصححه في البلغة وقدمه في المستوعب والخلاصة والتلخيص ومال إليه الحارثي.
فوائد
إحداها: حكم المضارب والمرتهن والمستأجر في المطالبة إذا غصب منهم ما بأيديهم حكم المودع قاله أكثر الأصحاب وقدم في الخلاصة أنه ليس له المطالبة في الوديعة وجزم بالجواز في المرتهن والمستأجر ومال إليه الحارثي.
وقال المصنف في المضارب: لا يلزمه المطالبة مع حضور رب المال.
الثانية: لو أكره على دفع الوديعة لغير ربها لم يضمن قاله الأصحاب ذكره الحارثي.
قلت: منهم القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول والمصنف في المغني وصاحب التلخيص والشارح وغيرهم.
قال المجد في شرحه: المذهب لا يضمن انتهى.
وفي الفتاوى الرجبيات عن أبي الخطاب وابن عقيل: الضمان مطلقا لأنه افتدى به ضرره.
وعن ابن الزاغوني: إن أكره على التسليم بالتهديد والوعيد: فعليه الضمان ولا إثم وإن ناله العذاب فلا إثم ولا ضمان ذكره في القاعدة السابعة والعشرين.
وإن صادره السلطان: لم يضمن على الصحيح من المذهب اختاره أبو الخطاب وقدمه في الفروع.
وقال أبو الوفاء: يضمن إن فرط.
وإن أخذها منه قهرا: لم يضمن عند أبي الخطاب وقطع به في التلخيص والفائق.
وعند أبي الوفاء: إن ظن أخذها منه بإقراره كان دالا ويضمن.
وقال القاضي في الخلاف وأبو الخطاب في الانتصار يضمن المال بالدلالة وهو المودع.
وفي فتاوى ابن الزاغوني: من صادره سلطان ونادى بتهديد من عنده وديعة فلم يحملها إن لم يعينه أو عينه وتهدده ولم ينله أثم وضمن وإلا فلا انتهى.
قال الحارثي وإذا قيل: التوعد ليس إكراها فتوعده السلطان حتى سلم. فجواب أبي الخطاب وابن عقيل وابن الزاغوني: وجوب الضمان ولا إثم وفيه بحث.
وإذا قيل: إنه إكراه فنادى السلطان: من لم يحمل وديعة فلان عمل به كذا وكذا فحملها من غير مطالبة أثم وضمن وبه أجاب أبو الخطاب وابن عقيل في فتاويهما.
وإن آل الأمر إلى اليمين ولا بد: حلف متأولا.
وقال القاضي في المجرد: له جحدها.
فعلى المذهب: إن لم يحلف حتى أخذت منه وجب الضمان للتفريط وإن حلف ولم يتأول أثم.
وفي وجوب الكفارة روايتان. حكاهما أبو الخطاب في الفتاوى.
قلت: والصواب وجوب الكفارة مع إمكان التأويل وقدرته عليه وعلمه بذلك ولم يفعله.
ثم وجدت في الفروع في باب جامع الأيمان قال: ويكفر على الأصح إن أكره على اليمين بالطلاق.
فأجاب أبو الخطاب: بأنها لا تنعقد كما لو أكره على إيقاع الطلاق.
قال الحارثي: وفيه بحث وحاصله إن كان الضرر الحاصل بالتغريم كثيرا يوازي الضرر في صور الإكراه فهو إكراه لا يقع وإلا وقع على المذهب. انتهى.
وعند ابن عقيل: لا يسقط لخوفه من وقوع الطلاق بل يضمن بدفعها افتداء عن يمينه.
وفي فتاوى ابن الزاغوني: إن أبى اليمين بالطلاق أو غيره فصار ذريعة إلى أخذها وكإقراره طائعا وهو تفريط عند سلطان جائر نقله في الفروع في باب جامع الأيمان.
الثالثة: لو أخر رد الوديعة بعد طلبها بلا عذر ضمن وبعذر لا يضمن كالخوف في الطريق والعجز عن الحمل وعن الوصول إليها لسيل أو نار ونحو ذلك.
وفي معنى ذلك: إتمام المكتوبة وقضاء الحاجة وملازمة الغريم يخاف فوته ويمهل لأكل ونوم وهضم طعام والمطر الكثير والوحل الغزير أو لكونه في حمام حتى يخرج على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
قال في المغني وغيره: إن قال أمهلوني حتى آكل فإني جائع أو أنام فإني ناعس أو ينهضم الطعام عني فإني ممتلئ أمهل بقدر ذلك.
قال الحارثي: وهو الصحيح قال والظاهر من كلام غير واحد منع التأخير اعتبارا بإمكان الدفع.
قلت: وهو ظاهر كلام الخرقي.
وقال في الترغيب والتلخيص: إن أخر لكونه في حمام أو على طعام إلى قضاء غرضه: ضمن وإن لم يأثم على وجه.
واختاره الأزجي فقال: يجب الرد بحسب العادة إلا أن يكون تأخيره لعذر ويكون سببا للتلف فلم أر نصا ويقوى عندي أنه يضمن لأن التأخير إنما جاز بشرط سلامة العاقبة انتهى.
الرابعة: لو أمره بالرد إلى وكيله فتمكن وأبى ضمن على الصحيح من المذهب ولو لم يطلبها وكيله قاله في التلخيص والفروع.
وقيل: لا يضمن إلا إذا طلبها وكيله وأبى الرد.
وإذا دفعها إلى الوكيل ولم يشهد ثم جحد الوكيل لم يضمن بترك الإشهاد بخلاف الوكيل في قضاء الدين فإنه يضمن بترك الإشهاد لأن شأن الوديعة الإخفاء قاله في التلخيص وغيره.
وتقدم إذا ادعى الإذن في دفعها إلى إنسان في كلام المصنف وهناك ما يتعلق بهذا.
الخامسة: لو أخر دفع مال أمر بدفعه بلا عذر ضمن كما تقدم نظيره في الوديعة وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقيل: لا يضمن واختاره أبو المعالي بناء على اختصاص الوجوب بأمر الشرع.
قلت: الأمر المجرد عن القرينة هل يقتضي الوجوب أم لا؟.
فيه خمسة عشر قولا للعلماء.
من جملتها: أن أمر الشارع للوجوب دون غيره كما اختاره أبو المعالي.
والصحيح من المذهب: أنه للوجوب مطلقا.
ذكر الأقوال ومن قال بكل قول في القواعد الأصولية في القاعدة الثالثة والأربعين.
السادسة: لو قال: خذ هذا وديعة اليوم لا غدا وبعده يعود وديعة فقيل لا تصح الوديعة من أصلها.
وقيل: تصح في اليوم الأول دون غيره.
وقيل: تصح في اليوم الأول وفي بعد الغد.
قال القاضي في التعليق: هي وديعة على الدوام ذكره عنه الحارثي وأطلقهن في الفروع.
وإن أمره برده في غد وبعده تعود وديعة: تعين رده.
السابعة: لو قال له: كلما خنت ثم عدت إلى الأمانة فأنت أمين صح لصحة تعليق الإيداع على الشرط كالوكالة صرح به القاضي قاله في القاعدة الخامسة والأربعين.
باب احياء الموات
قوله: "وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت".قال أهل اللغة: "الموات من الأرض هي التي لم تستخرج ولم تعمر".
قال الحارثي: وظاهر إيراد المصنف: تعريف "الموات" بمجموع أمرين: الاندراس وانتفاء
العلم تحصيلا للمعنى المتقدم عن أهل اللغة أنه الذي لم يستخرج ولم يعمر وعليه نص الإمام أحمد رحمه الله وذكره.
قال: ولو اقتصر المصنف على ما قالوا لكان أولى وأبين فإن الدثور يقتضي حدوث العطل بعد أن لم يكن حيث قالوا قدم ودرس وذلك يستلزم تقدم عمارة وهو مناف لانتفاء العلم بالملك.
قال: ويحتمل أن يريد بالداثرة: التي لم تستخرج ولم تعمر وهو الأظهر من إيراده لقوله بعده: "فإن كان فيها آثار الملك".
فعلى هذا يكون وصف "انتفاء العلم بالملك" تعريفا لما يملك بالإحياء من الموات لا لماهية الموات وذلك حكم من الأحكام.
ثم ما يملك بالإحياء لا يكفي فيه ما قال فإن حريم العامر وما كان حمى أو مصلى: لا يملك مع أنه غير مملوك.
ويرد أيضا على ما قال: ما علم ملكه لغير معصوم فإنه جائز الإحياء.
قال: والأضبط في هذا: ما قيل "الأرض المنفكة عن الاختصاصات وملك المعصوم" فيدخل كل ما يملك بالإحياء. ويخرج كل ما لا يملك به. انتهى.
قوله: "فإن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك فعلى روايتين".
إن كان الموات لم يجر عليه ملك لأحد ولم يوجد فيه أثر عمارة ملك بالإحياء بلا خلاف ونص عليه مرارا.
وإن علم له مالك بشراء أو عطية والمالك موجود هو أو أحد من ورثته. لم يملك بالإحياء بلا خلاف بل هو إجماع حكاه بن عبد البر وغيره.
وإن كان قد ملك بالإحياء ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا فهذا أيضا لا يملك بالإحياء كذلك إذا كان لمعصوم.
وإن علم ملكه لمعين غير معصوم فإذا أحياه بدار الحرب واندرس كان كموات أصلي يملكه المسلم بالإحياء قاله في المحرر وقدمه الحارثي.
وقال القاضي وابن عقيل وأبو الفرج الشيرازي: لا يملك بالإحياء.
قال الحارثي: ويقتضيه مطلق نصوصه.
وإن كان لا يعلم له مالك. فهو أربعة أقسام:
أحدها: ما أثر الملك فيه غير جاهلي كالقرى الخربة التي ذهبت أنهارها ودرست آثارها وقد شملها كلام المصنف ففي ملكها بالإحياء روايتان وأطلقهما الحارثي وغيره.
إحداهما: لا تملك بالإحياء.
والرواية الثانية: تملك بالإحياء وصححه في الحاوي الصغير والفائق والنظم وأطلقوا.
والصحيح من المذهب: التفرقة بين دار الحرب ودار الإسلام كما يأتي قريبا.
تنبيه: لفظ المصنف وغيره يقتضي تعميم الخلاف في المندرس بدار الإسلام وبدار الحرب.
وقد صرح به في كل منهما القاضي وابن عقيل والقاضي أبو الحسين وأبو الفرج الشيرازي والمصنف في المغني والشارح وغيرهم.
قال الحارثي: وبالجملة فالصحيح المنع في دار الإسلام وكذا قال الأصحاب.
بخلاف دار الحرب. فإن الأصح فيه الجواز ولم يذكر ابن عقيل في التذكرة سواه.
قال في الرعايتين: وتملك بالإحياء على الأصح قرية خراب لم يملكها معصوم.
وإذا قيل بالمنع في دار الإسلام: كان للإمام إقطاعه قاله الأصحاب القاضي في الأحكام السلطانية وصاحب المستوعب والتلخيص وغيرهم.
القسم الثاني: ما أثر الملك فيه جاهلي قديم كديار عاد ومساكن ثمود وآثار الروم وقد شملها أيضا كلام المصنف وكذا كلام القاضي وابن عقيل وغيرهم من الأصحاب.
ولم يذكر القاضي في الأحكام السلطانية خلافا في جواز إحيائه وكذلك المصنف في المغني وهو الصحيح من المذهب وهي طريقة صاحب المحرر والوجيز وغيرهما.
قال الحارثي: وهو الحق والصحيح من المذهب فإن الإمام أحمد رحمه الله وأصحابه لا يختلف قولهم في البئر العادية وهو نص منه في خصوص النوع.
وصحح الملك فيه بالإحياء: صاحب التلخيص والفائق والشرح والفروع والتصحيح وغيرهم.
القسم الثالث: ما لا أثر فيه جاهلي قريب وقد شمله كلام المصنف والصحيح من المذهب أنه يملك بالإحياء قاله الحارثي وغيره.
والرواية الثانية: لا يملك.
القسم الرابع: ما تردد في جريان الملك عليه وفيه روايتان ذكرهما ابن عقيل في التذكرة والسامري وصاحب التلخيص وغيرهم.
وقالوا: الأصح الجواز.
والرواية الثانية: عدم الجواز.
فائدتان
إحداهما: لو ملكها من له حرمة أو من يشك فيه ولم يعلم لم يملك بالإحياء على الصحيح من المذهب لأنها فيء.
قال الزركشي: وهو المشهور عنه وهو مقتضى كلام الخرقي واختيار أبي بكر والقاضي وعامة أصحابه كالشريف وأبي الخطاب والشيرازي انتهى.
وصححه في التصحيح وغيره. وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه: تملك بالإحياء.
قال في الفائق: ملكت في أظهر الروايات.
وعنه تملك مع الشك في سابق العصمة. اختاره جماعة قاله في الفروع منهم صاحب التلخيص وأطلقهن في الرعايتين والحاوي الصغير والنظم.
الثانية: لو علم مالكها ولكنه مات ولم يعقب فالصحيح من المذهب: أنها لا تملك بالإحياء.
وعنه تملك بالإحياء. وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة.
فعلى المذهب: للإمام إقطاعها لمن شاء.
قوله: "ومن أحيا أرضا ميتة فهي له مسلما كان أو كافرا بإذن الإمام أو غير إذنه في دار الإسلام وغيرها إلا ما أحياه مسلم في أرض الكفار التي صولحوا عليها وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لم يملك بالإحياء".
ذكر المصنف هنا مسائل:
إحداها: ما أحياه المسلم من الأرض الميتة فلا خلاف في أنه يملكه بشروطه الآتية.
الثانية: ما أحياه الكفار وهم صنفان:
صنف أهل ذمة فيملكون ما أحيوه على الصحيح من المذهب نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في الخلاصة وغيرها.
قال الزركشي: هو المنصوص وعليه الجمهور وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والشرح والفروع والفائق وشرح الحارثي. وغيرهم.
وقيل: لا يملكه وهو ظاهر قول ابن حامد.
لكن حمل أبو الخطاب في الهداية ومن تبعه ذلك على دار الإسلام.
قال الحارثي: وذهب فريق من الأصحاب إلى المنع منهم ابن حامد أخذا من امتناع شفعته على المسلم ورد وفرق الأصحاب بينهما.
وقيل: لا يملكه بالإحياء في دار الإسلام. قال القاضي: هو مذهب جماعة من الأصحاب منهم ابن حامد.
قال في المذهب ومسبوك الذهب: يملكه الذمي في دار الشرك وفي دار الإسلام وجهان.
فعلى المذهب المنصوص: إن أحيا عنوة لزمه عنه الخراج وإن أحيا غيره فلا شيء عليه على الصحيح من المذهب.
قال الزركشي: هذا أشهر الروايتين.
وعنه. عليه عشر ثمره وزرعه.
والصنف الثاني: أهل حرب فظاهر كلام المصنف أنهم كأهل الذمة في ذلك كله وهو ظاهر كلام جماعة منهم صاحب الوجيز وهو أحد الوجهين.
والصحيح من المذهب: أنه لا يملكه بالإحياء وهو ظاهر كلامه في المغني والشرح والرعايتين وغيرهم وقدمه في الفروع.
قلت: ويمكن حمل كلام من أطلق على أهل الذمة وأن الألف واللام للعهد لأن الأحكام جارية عليهم.
لكن يرد على ذلك: كون المسألة ذات خلاف فيكون الظاهر موافقا لأحد القولين.
ويرده كون المصنف لم يحك في كتبه خلافا.
قال الحارثي: والكافر على إطلاقه صحيح في أراضي الكفار لعموم الأدلة وهو الصواب.
الثالثة: إن كان الإحياء بإذن الإمام فلا خلاف أنه يملكه بذلك.
وإن كان بغير إذنه: ملكه أيضا على الصحيح من المذهب كما جزم به المصنف هنا فلا يشترط إذنه في ذلك وعليه جماهير الأصحاب.
قال الزركشي: عليه الأصحاب نص عليه وجزم في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: لا يملكه إلا بإذنه وهو وجه في المبهج ورواية في الإقناع والواضح.
الرابعة: ما أحياه المسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها على أنها لهم فهذه لا تملك بالإحياء على الصحيح من المذهب كما قطع به المصنف هنا وعليه الأصحاب.
وفيه احتمال: أنها تملك بالإحياء كغيرها.
الخامسة: ما قرب من العامر وتعلق بمصالحه كطرقه وفنائه ومسيل مائه ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته ومرعاه ومحتطبه وحريم والبئر والنهر ومرتكض الخيل ومدفن الأموات ومناخ الإبل ونحوها.
فهذا لا يملك بالإحياء وعليه الأصحاب ونص عليه من رواية غير واحد ولا يقطعه الإمام لتعلق حقه به وقيل: لملكه له.
تنبيه: ظاهر قول المصنف "في دار الإسلام وغيرها" أن موات أرض العنوة كغيره وهو صحيح وهو المذهب جزم به في المستوعب.
وقدمه في المغني والمحرر والشرح والفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم واختاره بن عبدوس في تذكرته.
قال الحارثي: وهو أقوى.
وعنه: لا تملك بالإحياء لكن تقر بيده بخراجها كما لو أحياها ذمي.
قال الحارثي: وهو المذهب عند ابن أبي موسى وأبي الفرج الشيرازي.
قال أبو بكر في زاد المسافر: وبه أقول انتهى.
وعنه: إن أحياه مسلم فعليه عشر ثمره وزرعه.
وعنه: على ذمي أحيا غير عنوة عشر ثمره وزرعه.
وقيل: لا موات في أرض السواد. وحمله القاضي على عامره.
قال في الرعاية الكبرى: وقيل لا موات في عامر السواد وقيل: ولا غامرة.
فائدة: هل يملك المسلم موات الحرم وعرفات بإحيائه يحتمل وجهين وأطلقهما في التلخيص والرعاية والفروع.
قلت: الأولى أنه لا يملك ذلك بالإحياء ثم وجدت الحارثي قال: هذا الحق.
قوله: "وإن لم يتعلق بمصالحه فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والمحرر وغيرهم.
إحداهما: يملكه بالإحياء وهو الصحيح من المذهب.
قال في الكافي: هذا المذهب وصححه في المستوعب والتلخيص والنظم والتصحيح والحارثي وغيرهم.
قال الزركشي: هي أنصهما وأشهرهما عند الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
والثانية: لا يملكه بإحيائه.
وقيل: يملكه صاحب العامر دون غيره.
فوائد
إحداها: حكم إقطاع ذلك حكم إحيائه.
الثانية: قال في الفروع: لو اختلفوا في الطريق وقت الإحياء جعلت سبعة أذرع للخبر.
ولا تغير بعد وضعها. وإن زادت على سبعة أذرع لأنها للمسلمين نص عليه.
واختار بن بطة أن الخبر ورد في أرباب ملك مشترك أرادوا قسمته واختلفوا في قدر حاجتهم.
قلت: قال الجوزجاني في المترجم عن قول الإمام أحمد رحمه الله: "لا بأس ببناء مسجد في طريق واسع إذا لم يضر بالطريق" عنى الإمام أحمد رحمه الله من الضرر بالطريق: ما وقت النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الأذرع.
قال في القاعدة الثامنة والثمانين: كذا قال قال ومراده أنه يجوز البناء إذا فضل من الطريق سبعة أذرع والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع" في أرض مملوكة لقوم أرادوا البناء وتشاحوا في مقدار ما يتركونه منها للطريق وبذلك فسره بن بطة وأبو حفص العكبري والأصحاب وأنكروا جواز تضييق الطريق الواسع إلى أن يبقى سبعة أذرع. انتهى.
وقدم ما قدمه في الفروع: في التلخيص وغيره.
الثالثة: إذا نضب الماء عن جزيرة فلها حكم الموات لكل أحد إحياؤها بعدت أو قربت ذكره ابن عقيل والمصنف والشارح والحارثي وغيرهم ونص عليه.
قال الحارثي: هذا مع عدم الضرر ونص عليه انتهى.
الرابعة: ما غلب الماء عليه من الأملاك واستبحر باق على ملك ملاكه لهم أخذه إذا نضب عنه نص عليه قاله الحارثي وغيره.
وقال في الفروع: ولا يملك ما نضب ماؤه وفيه رواية.
تنبيهان
أحدهما: مفهوم قوله: "ولا تملك المعادن الظاهرة".
كالملح والقار: والنفط والكحل والجص وكذلك الماء والكبريت والموميا والبرام والياقوت ومقاطع الطين ونحوه أن المعادن الباطنة تملك وهو وجه واحتمال للمصنف وهو ظاهر كلام جماعة.
قال الحارثي: ونص عليه في رواية حرب.
والصحيح من المذهب: أنها كالمعادن الظاهرة فلا تملك.
قال المصنف والشارح وصاحب الفروع والفائق وغيرهم هذا ظاهر المذهب.
قال الحارثي: قال الأصحاب لا يملك بذلك ولا يجوز إقطاعه وجزم به في الوجيز وغيره.
فائدة: حكم المعادن الباطنة إذا كانت ظاهرة حكم المعادن الظاهرة الأصل.
التنبيه الثاني: مفهوم قوله عن المعادن الظاهرة "وليس للإمام إقطاعه" أن للإمام إقطاع المعادن الباطنة وهو اختيار المصنف والشارح.
وذكر الحارثي أدلة ذلك وقال: هذا قاطع في الجواز فالقول بخلافه باطل وصححه المصنف وغيره وقد هداهم الله إلى الصواب انتهى.
قال في الفائق: ولا يجوز إقطاع ما لا يملك من المعادن نص عليه.
وقال الشيخ: يجوز فظاهر عبارته إدخال الظاهرة والباطنة في اختيار الشيخ.
والصحيح من المذهب: أنه ليس للإمام إقطاعه كالمعادن الظاهرة.
قال المصنف والشارح: قاله أصحابنا.
وكذا قال الحارثي. وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما.
تنبيه: مثل المصنف وجماعة رحمهم الله من المعادن الظاهرة بالملح.
قال الحارثي: وليس على ظاهره فإن منه ما يحتاج إلى عمل وحفر وذلك من قبيل الباطن.
والصواب: أن المائي منه من الظاهر وكذا الظاهر من الجبل وما احتاج إلى كشف يسير وأما المحتاج إلى العمل والحفر: فمن قبيل الباطن.
قوله: "فإن كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء".
هذا المذهب. قال في الفروع والأصح أنه يملكه محييه.
قال في الرعاية والفائق والحاوي الصغير ملك بالإحياء في أصح الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والوجيز وغيرهم.
وقيل: لا يملك بالإحياء.
قوله: "وإذا ملك المحيي ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة".
إذا ملك الأرض بالإحياء ملكها بما ظهر فيها من المعادن ظاهرا كان أو باطنا.
قاله الأصحاب. منهم القاضي وابن عقيل والمصنف والشارح والحارثي وصاحب الفروع وغيرهم.
قال الحارثي: وعبارة المصنف هنا لا تفي بذلك فإنه اقتصر في موضع الجامد على لفظ "الباطن" وهي عبارة القاضي في المجرد. فيحتمل أن يريد به ما قاله في المغني وغيره. وفي
الإيراد قرينة تقتضيه وهو جعل الجاري قسيما للباطن.
ويحتمل إرادة الظاهر دون الباطن مما هو جامد لا يدخل في الملك انتهى.
قوله: "وإن ظهر فيه عين ماء أو معدن جار أو كلأ أو شجر فهو أحق به وهل يملكه على روايتين".
إذا ظهر فيه عين ماء فهو أحق بها وهل يملكه أطلق المصنف فيه روايتين وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب.
إحداهما: لا يملك وهو الصحيح من المذهب صححه في المغني والشرح والتصحيح وغيرهم.
وهذه عند المصنف وكثير من الأصحاب: أصح.
قال في الهداية: وعنه في الماء والكلأ لا يملك وهو اختيار عامة أصحابنا وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع وغيرهما.
والرواية الثانية: يملك قدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة واختاره أبو بكر عبد العزيز.
قال الحارثي: وهو الحق.
قال في القواعد: وأكثر النصوص تدل على الملك.
وإذا ظهر فيه معدن جار فهو أحق به. وهل يملك بذلك فيه الروايتان.
قال الحارثي: مأخوذتان من روايتي ملك الماء ولهذا صححوا عدم الملك هنا لأنهم صححوه هناك انتهى.
وهذا المذهب أعني عدم ملكه بذلك وصححه من صححه في عدم الملك وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر وغيرهما.
وعنه: يملك قال الحارثي وهو الصحيح وجزم به في الهداية والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
قال الحارثي: وهذا المنصوص فيكون المذهب.
وإن ظهر كلأ أو شجر فهو أحق به وهل يملكه؟.
أطلق المصنف فيه روايتين. وأطلقهما في المذهب.
إحداهما: لا يملك وهو المذهب نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم. قال في الهداية: عليه عامة أصحابنا.
قال الحارثي: وهذا أصح عند الأصحاب منهم المصنف والشارح. قاله في البيع من كتابه
الكبير. ولم يورد أبو الفرج الشيرازي سواه وصححه في الشرح والتصحيح وغيرهما وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر وغيرهما.
والرواية الثانية: يملكه قدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة.
قوله: "وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره".
هذا الصحيح لكن بشرط أن لا تجد البهائم ماء مباحا ولم يتضرر بذلك وهو من مفردات المذهب.
واعتبر القاضي وابن عقيل وصاحب المستوعب والتلخيص والرعاية وجماعة: اتصاله بالمرعى.
وظاهر كلام المصنف هنا وأبي الخطاب والمحرر وغيرهم عدم اشتراط ذلك وقدمه في الفروع وهو المذهب.
وبذل ما فضل من مائه لزوما من مفردات المذهب.
قوله: "وهل يلزمه بذله لزرع غيره على روايتين".
وأطلقهما في المذهب والخلاصة والمحرر والشرح.
إحداهما: يلزمه. وهو المذهب.
قال في الفروع: يلزمه على الأصح لكن قال الإمام أحمد رحمه الله: إلا أن يؤذيه بالدخول أو له فيه ماء السماء فيخاف عطشا فلا بأس أن يمنعه.
وقدمه في الهداية والمستوعب.
قال الحارثي: هذا الصحيح واختيار أكثر الأصحاب منهم أبو الخطاب والقاضي أبو الحسين والشيرازي والشريفان أبو جعفر والزيدي وهو من مفردات المذهب.
قال الإمام أحمد: ليس له أن يمنع فضل ماء يمنع به الكلأ للخبر.
قال في القاعدة التاسعة والتسعين: هذا الصحيح.
والرواية الثانية: لا يلزمه صححه في التصحيح والقاضي في الأحكام السلطانية وابن عقيل.
قال الحارثي: ومال إليه المصنف وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
وقال في الروضة: يكره منعه فضل مائه ليسق به للخبر.
فوائد
الأولى: حيث قلنا لا يلزمه بذله جاز له بيعه بكيل أو وزن معلوم ويحرم بيعه مقدرا بمدة معلومة خلافا لمالك.
ويحرم أيضا بيعه مقدرا بالري أو جزافا قاله القاضي وغيره واقتصر عليه في الفروع.
قال القاضي: وإن باع آصعا معلومة من سائح: جاز كماء عين لأنه معلوم.
وإن باع كل الماء لم يجز لاختلاطه بغيره.
الثانية: إذا حفر بئرا بموات للسابلة فالناس مشتركون في مائها والحافر كأحدهم في السقي والزرع والشرب قاله الأصحاب ومع الضيق يقدم الآدمي. ثم الحيوان قاله الأصحاب منهم صاحب الرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير وغيرهم ثم زاد في الفائق ثم الزرع وهو مراد غيره.
وقال في التلخيص: ومع الضيق للحيوان ومع الضيق للآدمي والظاهر أن النسخة مغلوطة.
الثالثة: لو حفرها ارتفاقا كحفر السفارة في بعض المنازل وكالأعراب والتركمان ينتجعون أرضا فيحتفرون لشربهم وشرب دوابهم فالبئر ملك لهم ذكره أبو الخطاب وقدمه الحارثي وقال هو أصح وهو الصواب.
وقال القاضي، وابن عقيل والمصنف وجماعة: لا يملكونها وهو المذهب.
قال في الفروع: فهم أحق بمائها ما أقاموا.
وفي الأحكام السلطانية: وعليهم بذل الفاضل لشاربه فقط وتبعه في المستوعب والتلخيص والترغيب والرعاية وغيرهم.
وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين.
فإن عاد المرتفقون إليها فهل يختصون بها أم هم كغيرهم؟ فيه وجهان.
وأطلقهما في التلخيص والحارثي في شرحه والفروع.
أحدهما: هم كغيرهم واختاره القاضي في الأحكام السلطانية.
والوجه الثاني: هم أحق بها من غيرهم اختاره أبو الخطاب في بعض تعاليقه.
قال السامري: رأيت بخط أبي الخطاب على هامش نسخة من الأحكام السلطانية قال محفوظ يعني نفسه الصحيح أنهم إذا عادوا كانوا أحق بها لأنها ملكهم بالإحياء وعادتهم أن يرحلوا في كل سنة ثم يعودون فلا يزول ملكهم عنها بالرحيل انتهى.
قلت: وهو الصواب.
وقدمه في الرعاية الكبرى، والفائق.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير: فهو أولى بها في أصح الوجهين.
الرابعة: لو حفر تملكا أو بملكه الحي: فنفس البئر ملك له جزم به الحارثي وغيره. وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الرعاية: ملكها في الأقيس.
قال في الأحكام السلطانية: إن احتاجت طيا: ملكها بعده وتبعه في المستوعب وقال هو وصاحب التلخيص وإن حفرها لنفسه تملكها فما لم يخرج الماء فهو كالشارع في الإحياء وإن خرج الماء استقر ملكه إلا أن يحتاج إلى طي فتمام الإحياء بطيها انتهيا.
وتقدم: هل يملك الذي يظهر فيها أم لا؟.
قوله: "وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها ماء أو يحفر فيها بئرا".
مراده بالحائط: أن يكون منيعا وظاهر كلامه أنه سواء أرادها للبناء أو للزرع أو حظيرة للغنم والخشب ونحوهما وهذا هو الصحيح من المذهب نص عليه وقطع به الخرقي وابن أبي موسى والقاضي والشريف أبو جعفر قاله الزركشي وصاحب الهداية والخلاصة والوجيز وغيرهم وقدمه في المستوعب والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل: إحياء الأرض: ما عد إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء أو إجراء ماء وهو رواية عن الإمام أحمد اختاره القاضي وابن عقيل والشيرازي في المبهج وبن الزاغوني والمصنف في العمدة وغيرهم.
وعلى هذا قالوا: يختلف باختلاف غرض المحيي من مسكن وحظيرة وغيرهما فإن كان مسكنا اعتبر بناء حائط بما هو معتاد وأن يسقفه.
قال الزركشي: وعلى هذه الرواية: لا يعتبر أن يزرعها ويسقيها ولا أن يفصلها تفصيل الزرع ويحوطها من التراب بحاجز ولا أن يقسم البيوت إذا كانت للسكنى في أصح الروايتين وأشهرهما.
والأخرى: يشترط جميع ذلك ذكرها القاضي في الخصال انتهى.
وذكر القاضي رواية بعدم اشتراط التسقيف وقطع به في الأحكام السلطانية.
قال الحارثي: وهو الصحيح.
قال في المغني والشرح: لا يعتبر في إحياء الأرض للسكنى نصب الأبواب على البيوت.
وقيل: ما يتكرر كل عام كالسقي والحرث فليس بإحياء وما لا يتكرر فهو إحياء.
قال الحارثي: ولم يورد في المغني خلافه.
تنبيه: قوله: "أو يجري لها ماء". يعني إحياء الأرض: أن يجري لها ماء إن كانت لا تزرع إلا بالماء.
ويحصل الإحياء أيضا بالغراس ويملكها به.
قال في الفروع: ويملكه بغرس وإجراء ماء نص عليهما.
فائدة: فإن كانت الأرض مما لا يمكن زرعها إلا بحبس الماء عنها كأرض البطائح ونحوها فإحياؤها بسد الماء عنها وجعلها بحال يمكن زرعها وهذا مستثنى من كلام المصنف وغيره ممن لم يستثنه.
ولا يحصل الإحياء بمجرد الحرث والزرع.
وقيل: للإمام أحمد رحمه الله فإن كرب حولها قال لا يستحق ذلك حتى يحيط.
قوله: "وإن حفر بئرا عادية ملك حريمها خمسين ذراعا وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعا".
يعني من كل جانب فيهما وهذا المذهب فيهما نص عليه في رواية حرب وعبد الله.
قال المصنف والشارح: اختاره أكثر الأصحاب.
قال في التلخيص: هذا المشهور.
قال الحارثي: هذا المشهور عن أبي عبد الله وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي: نص عليه.
واختاره الخرقي والقاضي في التعليق والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما والشيرازي والشيخان وغيرهم.
وهو من مفردات المذهب. قال ناظمها:
بحفر بئر في موات يملك ... حريمها معها بذرع يسلك
فخمسة تملك والعشرون ... وإن تكن عادية خمسون
وعنه: التوقف في التقدير نقله حرب قاله القاضي وأبو الخطاب ومن تبعهم.
قال الحارثي: وهو غلط قال ولو تأملوا النص بكماله من مسائل حرب والخلال لما قالوا ذلك.
وعند القاضي: حريمها قدر مد رشائها من كل جانب.
واختاره ابن عقيل في التذكرة. وذكر: أنه الصحيح.
قال في التلخيص: اختاره القاضي وجماعة.
قال الحارثي: وأخشى أن يكون كلام القاضي هنا ما حكيناه في المجرد الآتي الموافق لاختيار أبي الخطاب.
وقيل: قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها.
واختاره القاضي في المجرد وأبو الخطاب في الهداية.
قال المصنف في المغني والكافي والشارح وقال القاضي وأبو الخطاب ليس هذا الذرع المذكور على سبيل التحديد بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه من ترقية مائها منها فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور أو غيره وإن كان بساينة فقدر طول البئر وإن كان يستقى منها بيده فقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل: إن كان قدر الحاجة أكثر: فهو حريمها.
وإن كان التحديد المذكور أكثر: فهو حريمها ذكره القاضي في الأحكام السلطانية.
واختاره القاضي أبو الحسين وأبو الحسن بن بكروس.
وعند أبي محمد الجوزي: إن حفرها في موات فحريمها خمسة وعشرون ذراعا من كل جانب وإن كانت كبيرة فخمسون ذراعا.
فائدة: البئر العادية بتشديد الياء هي القديمة نقله بن منصور منسوبة إلى عاد ولم يرد "عادا" بعينها لكن لما كانت "عاد" في الزمن الأول وكانت لها آبار في الأرض نسب إليها كل قديم.
وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله العادية: هي التي أعيدت.
ونقل حرب وغيره: العادية هي التي لم تزل وأنه ليس لأحد دخوله لأنه قد ملكه.
فوائد
منها: حريم العين خمسمائة ذراع نص عليه من رواية غير واحد وقاله القاضي في الأحكام السلطانية وابنه أبو الحسين وبن بكروس وصاحب التلخيص وغيرهم قاله الحارثي وقدمه في الرعايتين والفروع والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
وقيل: قدر الحاجة ولو كان ألف ذراع اختاره القاضي في المجرد وأبو الخطاب والمصنف في الكافي وغيرهم.
قال في الفروع: اختاره جماعة.
ومنها: حريم النهر من جانبيه ما يحتاج إليه لطرح كرايته وطريق شاويه وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر.
قال في الرعاية: وإن كان بجنبه مسناة لغيره ارتفق بها في ذلك ضرورة.
وله عمل أحجار طحن على النهر ونحوه وموضع غرس وزرع ونحوهما. انتهى.
وقال في الرعاية الصغرى: ومن حفر عينا: ملك حريمها خمسمائة ذراع.
وقيل: بل قدر الحاجة.
قلت: وكذا النهر.
وقيل: بل ما يحتاجه لتنظيفه. انتهى.
ومنها: حريم القناة. والمذهب أنه كحريم العين خمسمائة ذراع قاله الحارثي وقال واعتبره القاضي في الأحكام السلطانية بحريم النهر.
ومنها: حريم الشجر قدر مد أغصانها قاله المصنف وغيره.
ومنها: حريم الأرض التي للزرع ما يحتاجه في سقيها وربط دوابها وطرح سبخها وغير ذلك.
وحريم الدار من موات حولها: مطرح التراب والكناسة والثلج وماء الميزاب والممر إلى الباب.
ولا حريم لدار محفوفة بملك الغير.
ويتصرف كل واحد في ملكه وينتفع به على ما جرت العادة عرفا فإن تعدى: منع.
فائدتان
إحداهما: قال في المغني ومن تابعه إن سبق إلى شجر مباح كالزيتون والخروب فسقاه وأصلحه فهو أحق به كالمتحجر الشارع في الإحياء فإن طعمه ملكه وحريمه تهيؤه لما يراد منه.
الثانية: لو أذن لغيره في عمله في معدنه والخارج له بغير عوض: صح لقول الإمام أحمد رحمه الله "بعه بكذا. فما زاد فلك".
وقال المجد: فيه نظر لكونه هبة مجهول.
ولو قال: على أن يعطيهم ألفا مما لقي أو مناصفة فالبقية له فنقل حرب أنه لم يرخص فيه.
ولو قال: على أن ما رزق الله بيننا فوجهان وأطلقهما في الفروع والمغني والشرح.
أحدهما: لا يصح قدمه ابن رزين في شرحه.
قال الحارثي: أظهرهما الصحة.
قال القاضي: هو قياس المذهب ولم يورد سواه وذكر فيه نص الإمام أحمد رحمه الله إذا قال صف لي هذا الزرع على أن لك ثلثه أو ربعه: أنه يصح انتهى.
والوجه الثاني: لا يصح.
قوله: "ومن تحجر مواتا لم يملكه".
هذا الصحيح من المذهب. نص عليه.
قال الحارثي: المشهور عن الإمام أحمد رحمه الله عدم الاستقلال انتهى وعليه الأصحاب.
قال الحارثي: وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية أنه ما أفاده الملك وهو الصحيح انتهى.
قوله: "وهو أحق به ووارثه بعده ومن ينقله إليه". بلا نزاع.
وقوله: "وليس له بيعه".
هو المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي وابن منجا والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل: يجوز له بيعه وهو احتمال لأبي الخطاب وأطلقهما في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير.
تنبيه: قال الحارثي عن القول الذي حكاه المصنف قد يراد به إفادة التحجر للملك وقد يراد به الجواز مع عدم الملك وهو ظاهر إيراد الكتاب وإيراد أبي الخطاب في كتابه.
قال: والتجويز مع عدم الملك مشكل جدا وهو كما قال.
فائدة: تحجر الموات هو الشروع في إحيائه مثل أن يدير حول الأرض ترابا أو أحجارا أو يحيطها بجدار صغير أو يحفر بئرا لم يصل إلى مائها نقله حرب وقاله الأصحاب.
أو يسقي شجرا مباحا ويصلحه ولم يركبه فإن ركبه ملكه كما تقدم وملك حريمه وكذا لو قطع مواتا لم يملكه على ما يأتي في كلام المصنف.
قوله: "فإن لم يتم إحياءه".
يعني وطالت المدة كما صرح به القاضي وابن عقيل والمصنف في المغني وغيرهم فيقال له إما أن تحييه أو تتركه فإن طلب الإمهال أمهل الشهرين والثلاثة وهكذا قال في المستوعب والشرح وشرح ابن منجا والفروع.
وقال في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق ويمهل شهرين وقيل: ثلاثة.
وقال في الهداية والمذهب والخلاصة والمغني والتلخيص وجماعة: أمهل الشهر والشهرين.
قال الحارثي: عليه المعظم.
قال في الوجيز: ويمهل مدة قريبة بسؤاله. انتهى.
قلت: فلعل ذلك يرجع إلى اجتهاد الحاكم.
ثم وجدت الحارثي قال: وتقدير مدة الإمهال يرجع إلى رأي الإمام من الشهر والشهرين والثلاثة بحسب الحال.
قال: والثلاثة انفرد بها المصنف هنا وكأنه ما راجع المستوعب والشرح.
تنبيه: فائدة الإمهال: انقطاع الحق بمضي المدة على الترك.
قال في المغني: وإن لم يكن له عذر في الترك قيل له إما أن تعمر وإما أن ترفع يدك فإن لم يعمرها كان لغيره عمارتها.
قال الحارثي: وهذا يقتضي أن ما تقدم من الإمهال مخصوص بحالة العذر أو الاعتذار أما إن علم انتفاء العذر فلا مهلة.
قال: وينبغي تقييد الحال بوجود متشوف إلى الإحياء أما مع عدمه فلا اعتراض سوى ترك لعذر أو لا. انتهى.
قوله: "فإن أحياه غيره فهل يملكه على وجهين".
يعني لو بادر غيره في مدة الإمهال وأحياه وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والتلخيص والمحرر والشرح وشرح ابن منجا والحارثي والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والقواعد الفقهية.
إحداهما: لا يملكه صححه في المذهب والنظم والتصحيح. وجزم به في الوجيز.
والوجه الثاني: يملكه اختاره القاضي وابن عقيل قال الناظم: وهو بعيد.
فائدتان
الأولى: لو أحياه غيره قبل ضرب مدة المهلة لم يملكه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وقيل: يملكه.
قال المصنف والشارح: حكم الإحياء قبل ضرب مدة المهلة حكم الإحياء في مدة المهلة على ما تقدم ويحتمله كلام المصنف.
وأما إذا أحياه الغير بعد انقضاء المهلة فإنه يملكه لا أعلم فيه خلافا وتقدم ذلك.
الثانية: قال في الفروع بعد أن ذكر الخلاف المتقدم ويتوجه مثله في نزوله عن وظيفته لزيد هل يتقرر غيره فيها؟
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن نزل له عن وظيفة الإمامة لا يتعين المنزول له ويولي من إليه الولاية من يستحق التولية شرعا.
وقال ابن أبي المجد: لا يصح تولية غير المنزول له فإن لم يقرره الحاكم وإلا فالوظيفة باقية للنازل انتهى.
قلت: وقريب منه: ما قاله المصنف وتبعه الشارح وغيره فيما إذا آثر شخصا بمكانه فليس لأحد أن يسبقه إليه لأنه قام مقام الجالس في استحقاق مكانه أشبه ما لو تحجر مواتا ثم آثر به غيره.
وقال ابن عقيل: يجوز لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل فكان السابق إليه أحق به كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره والصحيح الأول.
ويفارق التوسعة في الطريق لأنها جعلت للمرور فيها كمن انتقل من مكان فيها لم يبق له حق حتى يؤثر به والمسجد جعل للإقامة فيه ولذلك لا يسقط حق المنتقل منه إذا انتقل لحاجة وهذا إنما انتقل مؤثرا لغيره فأشبه النائب الذي بعثه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له. انتهى.
قلت: الذي يتعين ما قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله إلا إذا كان المنزول له أهلا ويوجد غير أهل فإن المنزول له أحق مع أن هذا لا يأباه كلام الشيخ تقي الدين.
قوله: "وللإمام إقطاع موات لمن يحييه ولا يملكه بالإقطاع بل يكون كالمتحجر الشارع في الإحياء".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب.
قال الحارثي: وقال مالك رحمه الله: يثبت الملك بنفس الإقطاع يبيع ويهب ويتصرف ويورث عنه قال وهو الصحيح إعمالا لحقيقة الإقطاع وهو التمليك.
فائدتان
إحداهما: للإمام إقطاع غير الموات تمليكا وانتفاعا للمصلحة دون غيرها.
الثانية: قسم الأصحاب الإقطاع إلى ثلاثة أقسام إقطاع تمليك وإقطاع استغلال وإقطاع إرفاق.
وقسم القاضي إقطاع التمليك: إلى موات وعامر ومعادن.
وجعل إقطاع الاستغلال على ضربين: عشر وخراج.
وإقطاع الإرفاق: يأتي في كلام المصنف.
قوله: "وله إقطاع الجلوس في الطرق الواسعة ورحاب المسجد ما لم يضيق على الناس فيحرم ولا تملك بالإحياء" بلا نزاع "ويكون المقطع أحق بالجلوس فيها ما لم يعد فيه الإمام".
تنبيه: تجويز المصنف إقطاع الجلوس برحاب المسجد اختيار منه لكونها ليست مسجدا لامتناع ذلك في المسجد واختيار الخرقي والمجد. قاله الحارثي.
وتقدم: هل رحبة المسجد من المسجد أو لا في باب الاعتكاف.
قوله: "فإن لم يقطعها فلمن سبق إليها الجلوس فيها ويكون أحق بها ما لم ينقل قماشه عنها". هذا المذهب.
أعني: أنها من المرافق وأن له الجلوس فيها ما بقي قماشه.
قال في الفروع: ومع عدم إقطاع: للسابق الجلوس على الأصح ما بقي قماشه وجزم به في المغني والشرح والوجيز والرعاية وغيرهم.
وعنه: ليس له ذلك وعنه له ذلك إلى الليل.
قال الحارثي: ونقل القاضي في الأحكام السلطانية رواية بالمنع من الجلوس في الطرق الواسعة للتعامل فيها فلا تكون من المرافق.
قال: والأول أصح.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يفتقر في الجلوس في هذه الأمكنة إلى إذن الإمام في ذلك وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
قال في القواعد: هذا قول الأكثر.
قال الحارثي: هذا المذهب.
وقيل: يفتقر إلى إذن وهو رواية حكاها في الأحكام السلطانية ذكره في القاعدة الثامنة والثمانين وأطلقهما في الفروع.
فائدتان
إحداهما: لو أجلس غلامه أو أجنبيا ليجلس هو إذا عاد إليه فهو كما لو ترك المتاع فيه لاستمرار يده بمن هو في جهته ولو آثر به رجلا فهل للغير السبق إليه فيه وجهان.
أحدهما: لا اختاره المصنف.
والثاني: نعم.
قال الحارثي: وهو أظهر.
قلت: وهو الصواب.
وتشبه هذه المسألة ما ذكرنا في آخر باب الجمعة "لو آثر بمكانه شخصا فسبقه غيره" على ما تقدم هناك.
الثانية: له أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وكساء ونحوه وليس له أن يبني دكة ولا غيرها.
قوله: "فإن أطال الجلوس فيها فهل يزال على وجهين".
وأطلقهما في المذهب والكافي والمغني والمحرر والشرح والفائق والفروع.
أحدهما: لا يزال صححه في التصحيح والنظم وجزم به في الوجيز وهو ظاهر ما جزم به في المنور.
قال الحارثي: وهذا اللائق بأصول الأصحاب حيث قالوا بالإقطاع.
والوجه الثاني: يزال.
قال الحارثي: هذا أظهرهما عندهم.
قال في الخلاصة والرعاية الصغرى والحاوي الصغير: منع في أصح الوجهين.
قال في القواعد: وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية حرب وقدمه في الهداية والمستوعب والتلخيص والرعاية الكبرى وشرح ابن رزين.
قوله: "فإن سبق اثنان أقرع بينهما".
هذا المذهب بلا ريب وجزم به في الخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم.
وقدمه في الهداية والمستوعب والمحرر والنظم والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وشرح الحارثي والقواعد الفقهية وتجريد العناية وغيرهم.
قال الحارثي: هذا المذهب.
"وقيل: يقدم الإمام من يرى منهما".
وهو وجه حكاه القاضي فمن بعده. وأطلقهما في التلخيص والمذهب والشرح.
وكذا الحكم لو استبقا إلى موضع في رباط مسبل أو خان أو استبق فقيهان إلى مدرسة أو صوفيان إلى خانقاه ذكره الحارثي وتبعه في القواعد وقال هذا يتوجه على أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما في المدارس والخوانق المختصة بوصف معين لأنه لا يتوقف الاستحقاق فيهما على تنزيل ناظر.
فأما على الوجه الآخر وهو توقف الاستحقاق على تنزيله فليس إلا ترجيحه له بنوع من الترجيحات.
وقد يقال: إنه يترجح بالقرعة مع التساوي انتهى.
قوله: "ومن سبق إلى معدن فهو أحق بما ينال منه".
هذا المذهب. جزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: من أخذ من معدن فوق حاجته منع منه ذكره في الرعاية الكبرى.
قال في المغني والشرح: فإن أخذ قدر حاجته وأراد الإقامة فيه بحيث يمنع غيره منع من ذلك.
قوله: "وهل يمنع إذا طال مقامه". يعني الآخذ "على وجهين".
أطلقهما في المغني والمحرر والشرح والرعاية الكبرى والفروع والفائق.
أحدهما: لا يمنع وهو الصحيح من المذهب.
قال في المستوعب والتلخيص والصحيح: أنه لا يمنع ما دام آخذا.
قال الحارثي: أصحهما لا يمنع وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز.
والوجه الثاني: يمنع وقدمه في الهداية والرعاية الصغرى والحاوي.
وقيل: يمنع مع ضيق المكان.
قال الحارثي: قطع به ابن عقيل.
فائدة: لو استبق اثنان فأكثر إلى معدن مباح فضاق المكان عن أخذهم جملة واحدة فالصحيح من المذهب: أنه يقرع بينهم.
قال في الرعاية الصغرى: وإن سبق إليه اثنان معا وضاق بهما اقترعا وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والقواعد الفقهية.
وقيل: يقدم الإمام من شاء وهو احتمال في المغني والشرح.
وقيل: بالقسمة.
قال في المغني والشرح: وذكر القاضي وجها رابعا وهو أن الإمام ينصب من يأخذ ويقسم بينهما.
وقال القاضي أيضا: إن كان أحدهما للتجارة هايأها الإمام بينهما باليوم أو الساعة بحسب ما يرى لأنه يطول.
وإن كان للحاجة. فاحتمالات أحدها: القرعة والثاني ينصب من يأخذ لهما ثم يقسم والثالث يقدم من يراه أحوج وأولى.
وقال في الرعاية الكبرى: وإن سبق أحدهما قدم فإن أخذ فوق حاجته منع وقيل لا.
وقيل: إن أخذه للتجارة هايأ الإمام بينهما وإن أخذه لحاجة فأربعة أوجه المهايأة والقرعة وتقديم من يرى الإمام وأن ينصب من يأخذه ويقسمه بينهما. انتهى.
وذكر في الفروع الأوجه الأربعة من تتمة قول القاضي.
قوله: "ومن سبق إلى مباح كصيد وعنبر وسمك ولؤلؤ ومرجان وحطب وثمر وما ينتبذه الناس". رغبة عنه "فهو أحق به".
وكذا لو سبق إلى ما ضاع من الناس مما لا تتبعه الهمة وكذا اللقيط وما يسقط من الثلج والمن وسائر المباحات فهو أحق به وهذا بلا نزاع.
قوله: "وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما".
هذا المذهب قال في الفروع: وهو الأصح واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم.
قال في القواعد الفقهية: فأما أن وقعت أيديهما على المباح فهو بينهما بغير خلاف وإن كان في كلام بعض الأصحاب ما يوهم خلاف ذلك فليس بشيء وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: يقترعان. وقدمه في الفروع.
وقيل: يقدم الإمام أيهما شاء.
وقال الحارثي: ثم إن أبا الخطاب في كتابه قيد اقتسامهما بما إذا كان الأخذ للتجارة.
ثم قال: وإن كان للحاجة احتمل ذلك أيضا واحتمل أن يقرع بينهما واحتمل أن يقدم الإمام من يرى منهما.
وتابعه عليه السامري وصاحب التلخيص وغيرهما.
وهذا عندي غلط فإن المباح إذا اتصل به الأخذ: استقر الملك عليه ولا بد لوجود السبب المفيد له مع أن القرعة لم ترد في هذا النوع ولا شيء منه.
وكيف يختص به أحدهما مع قيام السبب بكل واحد منهما؟.
نعم: قد يجري ما قال فيما إذا ازدحما عليه ليأخذاه.
ثم قال: والصواب ما اقتصر عليه المصنف من الاقتسام مع عدم الفرق بين التجارة والحاجة. انتهى.
تنبيه: فعلى المذهب قال الحارثي: إنما يتأتى هذا في المنضبط الداخل تحت اليد كالصيد والسمك واللؤلؤ والمرجان والمنبوذ.
أما ما لا ينضبط كالشعر أو ثمر الجبل فالملك فيه مقصور على القدر المأخوذ قل أو كثر انتهى.
فائدة: وكذا الحكم في السبق إلى الطريق قاله في الفروع وغيره.
وقال الأدمى البغدادي: بالقسمة هنا.
فائدتان
إحداهما: لو ترك دابته بفلاة أو مهلكة ليأسه منها أو عجزه عن علفها: ملكها آخذها على الصحيح من المذهب نص عليه من رواية صالح وابن منصور. وعليه جماهير الأصحاب.
وقطع به في المحرر وغيره وقدمه في الفروع وشرح الحارثي وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
وقيل: لا يملكها وهو وجه خرجه ابن أبي موسى كالرقيق وترك المتاع عجزا بلا نزاع فيهما.
ويرجع بالنفقة على الرقيق وأجرة حمل المتاع على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: لا يرجع وهو وجه ذكره القاضي أخذا من انتفاء الأخذ في اللقطة وهو رواية في العبد ذكرها أبو بكر.
الثانية: لو ألقى متاعه في البحر خوف الغرق فقال الحارثي نص الإمام أحمد في المتاع يقتضي أن ما يلقيه ركاب السفينة مخافة الغرق باق على ملكهم انتهى وهو أحد الوجهين.
وقيل: يملكه آخذه قدمه في الفائق وهو احتمال في المغني وصححه في النظم. وقدمه في الرعايتين وذكره في آخر اللقطة وأطلقهما في الفروع والحاوي الصغير.
فعلى الوجه الأول: لآخذه الأجرة على الصحيح وقيل لا أجرة له.
قوله: "وإذا كان الماء في نهر غير مملوك كمياه الأمطار فلمن في أعلاه أن يسقي ويحبس حتى يصل الماء إلى كعبه ثم يرسل إلى من يليه".
الماء إذا كان جاريا وهو غير مملوك لا يخلو: إما أن يكون نهرا عظيما كالنيل والفرات ودجلة وما أشبهها أو لا.
فإن كان نهرا عظيما: فهذا لا تراحم فيه ولكل واحد أن يسقي منه ما شاء متى شاء كيف شاء.
وإن كان نهرا صغيرا يزدحم الناس فيه ويتشاحون في مائه أو سيلا يتشاح فيه أهل الأرضين الشاربة منه فإنه يبدأ بمن في أول النهر فيسقي ويحبس الماء حتى يصل إلى كعبه نص عليه ثم يرسل إلى من يليه كذلك وعلى هذا إلى أن تنتهي الأراضي كلها فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثاني أو من يليهم: فلا شيء للباقين.
فإن كانت أرض صاحب الأعلى مختلفة منها ما هو مستعمل ومنها ما هو مستفل: سقى كل واحدة منهما على حدتها قاله في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم وقطعوا به.
وقال في الترغيب: إن كانت الأرض العليا مستقله سدها إذا سقى حتى يصعد إلى الثاني.
فائدتان
إحداهما: لو استوى اثنان في القرب من أول النهر: اقتسما الماء بينهما إن أمكن وإن لم يمكن أقرع بينهما فيقدم من قرع.
فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما: سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من الماء ثم يتركه للآخر وليس له أن يسقي بجميع الماء لمساواة الآخر له وإنما القرعه للتقدم بخلاف الأعلى مع الأسفل فإنه ليس للأسفل حق إلا في الفاضل عن الأعلى قاله المصنف وغيره وهو واضح.
وإن كانت أرض أحدهما أكثر من أرض الآخر: قسم الماء بينهما على قدر الأرض.
الثانية: لو احتاج الأعلى إلى الشرب ثانيا قبل انتهاء سقي الأراضي لم يكن له ذلك قدمه الحارثي ونصره.
وقال القاضي: له ذلك.
قوله: "فإن أراد إنسان إحياء أرض بسقيها منه جاز ما لم يضر بأهل الأرض الشاربة منه".
إذا كان لجماعة رسم شرب من نهر غير مملوك أو سيل فجاء إنسان ليحيي مواتا أقرب إلى رأس النهر من أرضهم لم يكن له أن يسقي قبلهم على المذهب.
واختار الحارثي: أن له ذلك قال وظاهر الأخبار المتقدمة وعمومها يدل على اعتبار السبق إلى أعلى النهر مطلقا.
قال: وهو الصحيح.
وهل لهم منعه من إحياء ذلك الموات على وجهين وأطلقهما في المغني والشرح والفروع والفائق.
أحدهما: ليس لهم منعه من ذلك.
قال الحارثي: وهو أظهر وقدمه ابن رزين في شرحه وجزم به في الكافي.
والوجه الثاني: لهم منعه.
قال الحارثي: وهو المفهوم من إيراد الكتاب.
فعلى الأول: لو سبق إلى مسيل ماء أو نهر غير مملوك فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا آخر فوقه ثم أحيا ثالث فوق الثاني كان للذي أحيا السفل أولا ثم الثاني ثم الثالث فيقدم السبق إلى الإحياء على السبق إلى أول النهر وعلى ما اختاره الحارثي ينعكس ذلك.
فائدة: لو كان الماء بنهر مملوك كمن حفر نهرا صغيرا ساق إليه الماء من نهر كبير فما حصل فيه ملكه على الصحيح من المذهب.
ويجيء على قولنا: "إن الماء لا يملك" أن حكم هذا الماء في هذا النهر: حكمه في نهر غير مملوك.
قلت: وفيه نظر لأنه بدخوله في نهره كدخوله في قريته وراويته ومصنعه.
وعند القاضي، ومن وافقه: أن الماء باق على الإباحة كما قبل الدخول إلا أن مالك النهر أحق به.
فعلى المذهب: لو كان لجماعة فهو بينهم على حسب العمل والنفقه.
فإن كفى جميعهم: فلا كلام وإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته بالمهايأة أو غيرها جاز.
فإن تشاحوا في قسمته: قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم.
فيأخذ خشبة صلبة أو حجرا مستوي الطرفين والوسط فيوضع على موضع مستوى من الأرض في مصدم الماء فيه حزوز أو ثقوب متساوية في السعة على قدر حقوقهم يخرج من حز أو ثقب إلى ساقية مفردة لكل واحد منهم فإذا حصل في ساقيته فله أن يسقي به ما شاء من الأرض سواء كان لها رسم شرب من هذا النهر أو لم يكن وله أن يعطيه من يسقي به هذا الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح ونصراه.
وقدمه أيضا في المحرر والمغني والنظم والفروع وغيرهم في باب القسمة.
ويأتي بعض ذلك مصرحا به في كلام المصنف في باب القسمة.
وقال القاضي: ليس له سقي أرض لها رسم شرب من هذا الماء. انتهى.
ولكل واحد من الشركاء أن يتصرف في ساقيته المختصة به بما أحب: من عمل رحى عليها أو دولاب أو عبارة وهي خشبة تمد على طريق النهر أو قنطرة يعبر الماء فيها وغير ذلك من التصرفات.
فأما النهر المشترك: فليس لواحد منهم أن يتصرف فيه بشيء من ذلك.
قاله المصنف وابن عقيل والقاضي والشارح وغيرهم.
وقال القاضي وابن عقيل: هل له أن ينصب عبارة يجري الماء فيها من موضع آخر على روايتين نص عليهما فيمن أراد أن يجري ماءه في أرض غيره ليسقي زرعه وكان به حاجة إليه هل يجوز على روايتين.
زاد ابن عقيل: الأصح المنع وكذا قال المصنف.
قال المصنف والشارح والصحيح أنه لا يجوز هنا ولا يصح قياس هذا على إجراء الماء في أرض غيره.
قوله: "وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم: فليس لأحد نقضه". بلا نزاع.
وسواء كان النبي صلى الله عليه وسلم حماه لنفسه أو لغيره. وهذا مع بقاء الحاجة إليه ومن أحيا منه شيئا لم يملكه.
لكن لو زالت الحاجة إليه. فهل يجوز نقضه فيه وجهان.
أحدهما: لا يجوز وهو الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وصححه المصنف والشارح وصاحب الفائق.
وقيل: يجوز نقضه والحالة هذه.
قوله: "وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والتلخيص والشرح والرعايتين والحاوي الصغير.
أحدهما: يجوز نقضه وهو الصحيح من المذهب صححه في التصحيح والفائق واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر والفروع.
والوجه الثاني: لا يجوز نقضه.
فعلى هذا الوجه: يملكه محييه على الصحيح صححه في الفائق وجزم به في الكافي.
قال الشارح: وهو أولى.
وقيل: لا يملكه وأطلقهما في المغني والمحرر والفروع والرعاية.
قال في الفروع: ويتوجه في نقض الإطلاقات الخلاف.
ونقل حرب: القطائع جائز وأنكر شديدا قول مالك رحمه الله: لا بأس بقطائع الأمراء.
وقال: يزعم أنه لا بأس بقطائعهم.
وقال في رواية يعقوب: قطائع الشام والجزيرة من المكروهة كانت لبني أمية فأخذها هؤلاء.
ونقل محمد بن داود: ما أدري ما هذه القطائع يخرجونها ممن شاؤوا.
قال أبو بكر: لأنه يملكها من أقطعها فكيف تخرج منه؟
باب الجعالة
فائدة: قوله: "وهي أن يقول من رد عبدي أو لقطتي أو بنى لي هذا الحائط فله كذا".قال في الرعاية: وهي أن يجعل زيد شيئا معلوما لمن يعمل له عملا معلوما أو مجهولا مدة مجهولة.
قال الحارثي: وهي في اصطلاح الفقهاء جعل الشيء من المال لمن يفعل أمر كذا.
قال: وهذا أعم مما قال المصنف لتناوله الفاعل المبهم والمعين وما قال لا يتناول المعين انتهى.
قلت: لكنه يدخل بطريق أولى.
تنبيه: قوله: "من رد عبدي" يقتضي صحة العقد في رد الآبق.
وسيأتي آخر الباب: أن لرد الآبق جعلا مقدرا بالشرع.
فالمستفاد إذن بالعقد: ما زاد على المقدر المشروع.
فوجود الجعالة يوجب أكثر الأمرين من المقدر والمشروط قاله الحارثي.
وظاهر كلام الأكثر: أنه لا يستحق إلا ما شرطه له وإن كان أقل من دينار وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
فائدة: الجعالة نوع إجارة لوقوع العوض في مقابلة منفعة وإنما تميز بكون الفاعل لا يلتزم الفعل وبكون العقد قد يقع مبهما لا مع معين ويجوز في الجعالة الجمع بين تقدير المدة والعمل على الصحيح من المذهب.
وقيل: لا كالإجارة.
وتقدم ذلك في الإجارة أيضا.
قوله: "فمن فعله بعد أن بلغه الجعل استحقه". بلا نزاع.
فإن كانوا جماعة فهو بينهم بالسوية.
وإن بلغه في أثنائه: استحق بالقسط.
فإن تلف الجعل: كان له مثله إن كان مثليا وإلا قيمته على الصحيح من المذهب.
وقال في التبصرة: إذا عين عوضا ملكه بفراغ العمل فلو تلف فله أجرة المثل.
فائدة: لو رده من نصف الطريق المعينة أو قال من رد عبدي فرد أحدهما فله نصف الجعل وإن رده من ثلث الطريق استحق الثلث ومن ثلثي الطريق: استحق الثلثين.
فيستحق إذا رده من أقرب من الموضع الذي عينه بالقسط.
وإن رده من مسافة أبعد من المعينة فله المسمى لا غير ذكره في التلخيص وتبعه في الرعاية وغيره واقتصر عليه في الفروع.
قوله: "وتصح على مدة مجهولة وعمل مجهول إذا كان العوض معلوما".
يشترط أن يكون العوض معلوما كالأجرة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال المصنف في المغني: ويحتمل أن تصح الجعالة مع الجهل بالعوض إذا كان الجهل لا يمنع التسليم نحو أن يقول: "من رد عبدي الآبق فله نصفه ومن رد ضالتي فله ثلثها".
قال الإمام أحمد رحمه الله: إذا قال الأمير في الغزو "من جاء بعشرة رؤوس فله رأس" جاز.
وقالوا: إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار كجارية بعينها جاز فيخرج هنا مثله: انتهى.
وقال الحارثي: يشترط كون الجعل معلوما.
فإن شرط عوضا مجهولا فسد العقد.
وإن قال: فلك ثلث الضالة أو ربعها صح على ما نص عليه في الثوب ينسج بثلثه والزرع يحصد والنخل يصرم بسدسه لا بأس به وفي الغزو من جاء بعشرة أرؤس فله رأس: جاز.
وعند المصنف: لا يصح وللعامل أجرة المثل والأول المذهب.
وذكر المصنف في أصل المسألة وجها بجواز الجهالة التي لا تمنع التسليم ونظر بمسألة الثلث واستشهد بنصه الذي حكيناه في الغزو وبما إذا جعل جعلا لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولا كجارية يعينها للعامل قال فيخرج هنا مثله. انتهى.
وقد قطع في الرعايتين والحاوي الصغير مع اشتراطهم أن يكون الجعل معلوما فظاهره أن جعل جزء مشاع من الضالة: ليس بمجهول.
فائدة: إذا كانت الجهالة تمنع التسليم لم تصح الجعالة قولا واحدا ويستحق أجرة المثل مطلقا وكذا إن كانت لا تمنع التسليم على المذهب كما تقدم وله أجرة المثل.
فائدة: لو قال: "من داوى لي هذا حتى يبرأ من جرحه أو مرضه أو رمده فله كذا" لم يصح مطلقا على الصحيح من المذهب قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم. واختاره القاضي.
وقيل: تصح جعالة اختاره ابن أبي موسى والمصنف نقله الزركشي في الإجارة.
وقيل: تصح إجارة.
قوله: "وإن اختلفا في أصل الجعل أو قدره فالقول قول الجاعل".
هذا المذهب في قدره. وعليه جمهور الأصحاب.
قال القاضي: هذا قياس المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل: يتحالفان في قدر الجعل قياسا على اختلاف الأجير والمستأجر في قدر الأجرة وهذا احتمال للقاضي وتبعه من بعده على ذلك وهو تخريج في الرعاية.
فعليه: يفسخ العقد وتجب أجرة المثل.
تنبيه: قال الحارثي في شرحه في قول المصنف "فالقول قول الجاعل" تجوز منه. فإنه
ليس بجاعل فيما إذا اختلفا في أصل الجعالة. انتهى.
قلت: إنما حكم بكونه جاعلا في المسألتين في الجملة.
أما في اختلافهم في قدر الجعل: فهو جاعل بلا ريب.
وأما في اختلافهم في أصل الجعل فليس بجاعل بالنسبة إلى نفسه وهو جاعل بالنسبة إلى زعم غريمه.
فعلى الأول: يكون من باب إطلاق اللفظ المتواطئ إذا أريد به بعض محاله وهو كثير شائع في كلامهم على ما تقدم في كتاب الطهارة.
فائدة: وكذا الحكم لو اختلفا في قدر المسافة.
تنبيه: ظاهر قوله: "ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له".
ولو كان العمل تخليص متاع غيره من فلاة ولو كان هلاكه فيه محققا أو قريبا منه كالبحر وفم السبع وهو قول القاضي في المجرد وله احتمال بذلك في غير المجرد وهو ظاهر كلام جماعة من الأصحاب.
والصحيح من المذهب المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله: أنه يستحق أجرة مثله في ذلك بخلاف اللقطة وعليه الأصحاب.
وكذلك لو انكسرت السفينة. فخلص قوم الأموال من البحر فإنه يجب لهم الأجرة على الملاك ذكره في المغني والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم.
وألحق القاضي وابن عقيل والمصنف وجماعة بذلك: العبد إذا خلصه من فلاة مهلكة وقدمه في الفروع وغيره.
ذكره في باب إحياء الموات.
وتقدمت الإشارة إلى ذلك هناك.
وحكى القاضي احتمالا في العبد: بعدم الوجوب كاللقطة.
وأورد في المجرد على نص الإمام أحمد رحمه الله فيمن خلص من فم السبع شاة أو خروفا أو غيرهما أنه لمالكه الأول ولا شيء للمخلص.
وقال المجد في مسودته: وعندي أن كلام الإمام أحمد رحمه الله على ظاهره في وجوب الأجرة على تخليص المتاع من المهالك دون الآدمي لأن الآدمي اهل في الجملة لحفظ نفسه.
قال في القاعدة الرابعة والثمانين: وفيه نظر فقد يكون صغيرا أو عاجزا وتخليصه أهم وأولى من المتاع وليس في كلام الإمام أحمد تفرقة. انتهى.
فائدتان
إحداهما: لو تلف ما خلصه من هلكة لم يضمنه منقذه على الصحيح من المذهب.
وقيل: يضمنه حكاه في التلخيص.
قال في القاعدة الثالثة والأربعين: وفيه بعد.
الثانية: متى كان العمل في مال الغير إنقاذا له من التلف المشرف عليه كان جائزا كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته صرح به في المغني والشرح، وشرح ابن رزين وغيرهم واقتصر عليه في آخر القاعدة الرابعة والسبعين وقال ويفيد هذا أنه لا يضمن ما نقص بذبحه.
تنبيه: مراد المصنف وغيره بقولهم: "ومن عمل لغيره عملا بغير جعل فلا شيء له" غير المعد لأخذ الأجرة.
فأما المعد لأخذها: فله الأجرة قطعا كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال ونحوهم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل فإذا عمل استحق أجرة المثل نص عليه.
وتقدم بعض ذلك في باب الإجارة.
قوله: "إلا في رد الآبق".
هذا الصحيح من المذهب. وعليه الأصحاب ونص عليه.
وعنه: لا شيء لراده من غير جعالة اختاره المصنف وقال: هو ظاهر كلام الخرقي.
ونازع الزركشي المصنف في كون هذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أو أنه ظاهر كلام الخرقي.
قوله: "فإن له بالشرع دينارا أو اثني عشر درهما".
هذا المذهب قال في الرعاية وشرح الحارثي وغيرهما: وسواء كان يساويهما أو لا وسواء كان زوجا أو ذا رحم في عيال المالك أو لا قاله الحارثي وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاوي الصغير والفروع وغيرهم.
وعنه: إن رده من خارج المصر: فله أربعون درهما قربت المسافة أو بعدت.
قال المصنف وتبعه الشارح والفائق: اختاره الخلال.
وعنه: من المصر: عشرة. قال الخلال: استقرت عليه الرواية.
قال القاضي: هذه رواية واحدة وجزم به بن البنا في خصاله وصاحب عيون المسائل وقال الرواية الصحيحة من خارج المصر دينار أو عشرة دراهم.
قال في الفائق: ولو رد الآبق فله بغير شرط عشرة دراهم.
وعنه: اثنى عشر.
وعنه: أربعون درهما من خارج المصر.
قال الزركشي: في المغني إذا رده من المصر دينار أو عشرة دراهم وفي الكافي دينار أو اثني عشر درهما وفي رواية اخرى: دينار.
وفي خلافي الشريف وأبي الخطاب والجامع الصغير: دينار أو اثني عشر درهما في رواية وفي أخرى عشرة دراهم انتهى.
وتقدم كلام القاضي وبن البنا والحلواني.
وقال الحارثي: إذا رده من داخل المصر فله عشرة دراهم قولا واحدا نص عليه في رواية حرب وقال لا أعلم نصا بخلافه.
وفي كتاب الروايتين للقاضي: لا تختلف الرواية أنه إذا جاء به من المصر أن له عشرة دراهم.
وقاله ابن أبي موسى في الإرشاد.
ونقله أبو بكر في زاد المسافر، والتنبيه.
وقاله القاضي أيضا في المجرد وابن عقيل في الفصول ولم يوردوا سواه.
قال: فأما في المقنع والهداية والمستوعب والفروع لأبي الحسين والأعلام لابن بكروس والمحرر وغيرهم من التقدير بالدينار أو اثني عشر وفي داخل المصر كما في خارجه فلا يثبت.
وأصل ذلك كله: قول القاضي في الجامع الصغير "من رد آبقا: استحق دينارا أو اثني عشر درهما سواء جاء به من المصر أو خارج المصر في إحدى الروايتين. والأخرى: إن جاء به من المصر استحق عشرة دراهم وإن جاء به من خارج المصر استحق أربعين درهما".
فمنهم: من حكى ذلك كله ومنهم: من اختص العشرة في المصر بناء على أنها معنى الدينار وأن الدينار قد يقوم بالعشرة والإثني عشر فيكون داخلا في الرواية الأولى.
قال: وهذا الذي قاله القاضي من استحقاق الدينار أو الاثني عشر في المصر لا أصل له في كلام الإمام أحمد رحمه الله ألبتة ولا دليل عليه انتهى كلام الحارثي.
قلت: وفيه نظر لأن ناقل هذه الرواية هو القاضي وهو الثقة الأمين في النقل بل هو ناقل غالب روايات المذهب ولا يلزم من عدم اطلاع الحارثي على هذه الرواية أن لا تكون نقلت عن الإمام أحمد خصوصا وأنه قد تابعه هؤلاء الأعلام المحققون.
تنبيه: دخل في عموم كلام المصنف: لو رده الإمام وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
ونقل حرب: إن رده الإمام فلا شيء له وجزم به ابن رجب في قواعده.
وقال: وذلك لانتصابه للمصالح وله حق في بيت المال على ذلك.
وكذا قال الحارثي. وقطع به. وتقدم نظيرها في عامل الزكاة.
قوله: "ويأخذ منه ما أنفق عليه في قوته".
هذا المذهب نص عليه وسواء قلنا: باستحقاق الجعل أم لا جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال ابن رجب في قواعده: وجزم به الأكثرون من غير خلاف.
قال الزركشي: هذا المشهور.
وخرج المصنف قولا: بأنه لا يرجع.
وقيل لا يرجع إلا إذا أنفق بنية الرجوع واختاره في الرعاية.
واشترط أبو الخطاب والمجد في المحرر العجز عن استئذان المالك وضعفه المصنف رحمه الله.
ولا يتوقف الرجوع على تسليمه بل لو أبق قبل ذلك فله الرجوع بما أنفق عليه نص عليه في رواية عبد الله وصرح به الأصحاب.
فوائد
إحداها: علف الدابة كالنفقة.
الثانية: لو أراد استخدامه بدل النفقة ففي جوازه روايتان حكاهما أبو الفتح الحلواني في الكفاية كالعبد المرهون وذكرهما في الموجز والتبصرة.
والصحيح من المذهب: أنه لا يجوز ذلك في العبد المرهون فكذا هنا بطريق أولى والله أعلم.
تنبيه: أفادنا المصنف جواز أخذ الآبق لمن وجده وهو صحيح لأنه لا يؤمن عليه أن يلحق بدار الحرب ويرتد أو يشتغل بالفساد في البلاد بخلاف الضوال التي تحفظ نفسها.
إذا علم ذلك فهو أمانة في يده إذا أخذه إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا اعترف العبد أنه سيده أو أقام به بينة.
فإن لم يجد سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه. فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فيه.
وليس لواجده بيعه، ولا تملكه بعد تعريفه لأنه ينحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل ذكره المصنف والشارح.
وقولهما: "ينحفظ بنفسه" دليل على أنهما أرادا الكبير. لأن الصغير لا ينحفظ بنفسه.
ويأتي في باب اللقطة.
فإن باعه الإمام أو نائبه لمصلحة رآها فجاء سيده فاعترف أنه كان أعتقه: قبل قوله على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح وشرح ابن رزين.
وقيل: لا يقبل. وهو احتمال في المغني والشرح.
وأطلقهما في الفروع والحارثي ذكره في اللقطة.
الثالثة: العبد وغيره أمانة في يده لا ضمان عليه إلا أن يتعدى نص عليه على ما تقدم.
الرابعة: أم الولد والمدبر كالقن فيما تقدم إذا جاء بهما إلى السيد.
فإن مات قبل وصولهما إليه: فلا جعل لأنهما يعتقان بالموت فالعمل لم يتم بخلاف النفقة فإنه يرجع بما أنفق حال الحياة والله أعلم بالصواب.
وتقدم أن المنصوص: أنه يستحق الأجرة بتخليص متاع غيره من مهلكه.
باب اللقطة
فائدة: قوله: "وهي المال الضائع من ربه".هو تعريف لمعناها الشرعي وكذا قال غيره.
قال الحارثي: وعلى هذا سؤالان.
أحدهما: قد يكون الملتقط غير ضائع كالمتروك قصدا لأمر يقتضيه ومنه المال المدفون والشيء الذي يترك ثقة به كأحجار الطحن والخشب الكبار.
والثاني: أنهم اختلفوا في التقاط الكلب المعلم.
فعلى القول بالتقاطه: يكون خارجا عما ذكر.
ومن قال من الأصحاب لا يلتقط: إنما قال لأجل كونه ممتنعا بنابه لا لأنه غير مال.
قال الحارثي: ويعصم من السؤال: أن يضاف إلى الحد "ما جرى مجرى المال".
قوله: "وتنقسم ثلاثة أقسام أحدها ما لا تتبعه الهمة".
يعني: همة أوساط الناس ولو كثر وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب. وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
ومثله المصنف "بالسوط والشسع والرغيف".
ومثله في الإرشاد وتذكرة ابن عقيل والهداية والمذهب والمستوعب وجماعة بالتمرة والكسرة وشسع النعل وما أشبهه.
ومثله في المغني "بالعصا والحبل" وما قيمته كقيمة ذلك.
قال الحارثي: "ما لا تتبعه الهمة" نص الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله، وحنبل:
أنه ما كان مثل التمرة والكسرة والخرقة وما لا خطر له فلا بأس.
وقال في رواية ابن منصور: الذي يعرف من اللقطة كل شيء إلا ما لا قيمة له.
وسئل الإمام احمد رحمه الله في رواية حرب: الرجل يصيب الشسع في الطريق أيأخذه قال إذا كان جيدا مما لا يطرح مثله فلا يعجبني أن يأخذه وإن كان رديئا قد طرحه صاحبه فلا بأس.
قال الحارثي: فكلام الإمام أحمد رحمه الله لا يوافق ما قال في المغني ولا شك أن الحبل والسوط والرغيف يزيد على التمرة والكسرة.
قال: وسائر الأصحاب على ما قال الإمام أحمد رحمه الله في ذلك كله ولا أعلم أحدا وافق المصنف إلا أبا الخطاب في الشسع فقط. انتهى.
قال في الرعاية: وما قل كتمرة وخرقة وشسع نعل وكسرة وقيل ورغيف انتهى.
فحكى في الرغيف: الخلاف.
وقيل: هو ما دون نصاب السرقة.
قال في الكافي: ويحتمل أن لا يجب تعريف ما لا يقطع فيه السارق.
وقيل: هو ما دون قيراط من عين أو ورق اختاره أبو الفرج في المبهج والإيضاح ورده المصنف.
وذكر القاضي وابن عقيل: لا يجب تعريف الدانق.
قال الحارثي: والظاهر أنه عنى دانقا من ذهب.
وكذا قال صاحب التلخيص.
قال في الرعاية: وقيل: بل ما فوق دانق ذهب.
وقال أيضا: وعنه يعرف الدرهم فأكثر.
فائدة: لو وجد كناس أو نخال أو مقلش قطعا صغارا متفرقة ملكها بلا تعريف وإن كثرت.
قوله: "فيملك بأخذه بلا تعريف".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
وعنه: يلزمه تعريفه ذكرها أبو الحسين.
وقيل: يلزمه تعريفه مدة يظن طلب ربه له اختاره في الرعاية.
فوائد
منها: ما قاله في التبصرة: إن الصدقة بذلك أولى.
ومنها: أنه لا يلزمه دفع بدله إذا وجد ربه على الصحيح من المذهب.
وقوة كلام المصنف هنا: تقتضيه لقوله فيملك بأخذه بلا تعريف وقدمه في الفروع.
وقال في التبصرة: يلزمه.
قال في الفروع: وكلامهم فيه يحتمل وجهين.
وقيل: للإمام أحمد رحمه الله في التمرة يجدها أو يلقيها عصفور، أيأكلها؟ قال: لا قال أيطعمها صبيا أو يتصدق بها قال لا يعرض لها.
نقلها أبو طالب وغيره واختاره عبد الوهاب الوراق.
ومنها: لا يعرف الكلب إذا وجده بل ينتفع به إذا كان مباحا على الصحيح من المذهب.
وقيل: يعرف سنة ويأتي قريبا.
قوله: "الثاني الضوال التي تمتنع من صغار السباع كالإبل والبقر والخيل والبغال والظباء والطير والفهود ونحوها فلا يجوز التقاطها". بلا نزاع
فوائد
منها: الصحيح من المذهب أن الحمر مما يمتنع من صغار السباع وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف والشارح وغيرهما: قاله الأصحاب.
قال الحارثي: هو قول القاضي في آخرين وجزم به في الرعايتين وغيرهما وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما.
وألحق المصنف الحمر بالشاة ونحوها.
قال الحارثي: وهو أولى.
ومنها: قال الحارثي اختلف الأصحاب في الكلب المعلم فأدخله المصنف فيما يمتنع التقاطه كما اقتضاه ظاهر لفظه هنا وصريح لفظه في المغني اعتبارا بمنعته بنابه.
وجوز التقاطه القاضي وغيره وهو أصح لأنه لا نص في المنع وليس في معنى الممنوع وفي أخذه حفظه على مستحقه أشبه الأثمان وأولى من جهة أنه ليس مالا فيكون أخف.
وعلى هذا: هل ينتفع به بعد حول التعريف؟ فيه وجهان وفيهما طريقان.
إحداهما: بناء الخلاف على الخلاف في تملك الشاة بعد الحول وهي طريقة القاضي.
والأخرى: بناء الانتفاع على التملك لما يتملك بعد الحول وبناء منع الانتفاع: أنه لا يضمن لما ضاع منه بالقيمة لو تلف لانتفاء كونه مالا فيؤدي إلى الانتفاع مجانا، وهو خلاف
الأصل. انتهى كلام الحارثي.
ومنها: يجوز للإمام ونائبه: أخذ ما يمتنع من صغار السباع وحفظه لربه ولا يلزمه تعريفه قاله الأصحاب.
ولا يكتفي فيها بالصفة قاله المصنف وغيره واقتصر عليه في الفروع.
ولا يجوز لغيرهما أخذ شيء من ذلك لحفظه لربه على الصحيح من المذهب.
وقال المصنف ومن تبعه: يجوز أخذها إذا خيف عليها كما لو كانت في أرض مسبعة أو قريبا من دار الحرب أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو في برية لا ماء فيها ولا مرعى ولا ضمان على آخذها لأنه إنقاذ من الهلاك.
قال الحارثي: وهو كما قال وجزم به في تجريد العناية.
قلت: لو قيل بوجوب أخذها والحالة هذه: لكان له وجه.
ومنها: قطع المصنف والشارح بجواز التقاط الصيود المتوحشة التي إذا تركت رجعت إلى الصحراء بشرط أن يعجز عنها صاحبها واقتصر عليه الحارثي.
قلت: فيعايى بها.
وظاهر ما قدمه في الفروع: عدم الجواز.
قلت: وهو ضعيف لكنه إنما حكى ذلك عنه في طير متوحشة.
وكلام المصنف أعم من ذلك.
ومنها: قال ابن عقيل في الفصول والمصنف والشارح والزركشي وجماعة أحجار الطواحين والقدور الضخمة والأخشاب الكبيرة ونحوها ملحقة بالإبل في منع الالتقاط.
قال المصنف والشارح: بل أولى.
قال الحارثي: فظاهر كلام غير واحد من الأصحاب جواز الالتقاط وكذا نصة في رواية حنبل.
وهو ظاهر ما جزم به في الفروع في الخشبة الكبيرة.
قوله: "ومن أخذها ضمنها".
يعني: إذا تلفت ويضمن نقصها إذا تعيبت.
لكن إتلافها لا يخلو: إما أن يكون قد كتمها أو لا.
فإن كان ما كتمها وتلفت: ضمنها كغاصب.
وإن كان كتمها حتى تلفت: ضمنها بقيمتها مرتين على المذهب نص عليه في رواية بن منصور إماما كان أو غيره.
واختاره أبو بكر وغيره وجزم به في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم.
قال الحارثي: وقال به غير واحد.
قال في الفروع: ويضمنه كغاصب ونصه وقاله أبو بكر يضمن ضالة مكتومة بالقيمة مرتين للخبر.
فائدتان
إحداهما: قوله: "فإن دفعها إلى نائب الإمام زال عنه الضمان" بلا نزاع.
قال الحارثي هذا ينبني على أن لنائب الإمام أخذها ابتداء للحفظ وهو شيء قاله متأخرو أهل المذهب: القاضي وابن عقيل والسامري والمصنف وغيرهم.
وكذا لو أمره بردها إلى موضعها وردها: بريء قاله في الفروع وغيره.
الثانية: إذا أخذها الإمام أو نائبه منه لم يلزمه تعريفها قاله الأصحاب.
قوله: "الثالث سائر الأموال كالأثمان والمتاع والغنم والفصلان والعجاجيل والأفلاء".
يعني: يجوز التقاطها. وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال في الفائق: قلت: وكذا مريض لا ينبعث ولو كان كبيرا.
وعنه في شاة وفصيل وعجل وفلو لا يجوز التقاطه ذكرها المصنف وغيره.
قال الزركشي: وعنه لا يلتقط الشاة ونحوها إلا الإمام وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب.
وذكر أبو الفرج في العرض رواية لا يلتقطه.
تنبيه: شمل كلام المصنف: العبد الصغير والجارية وهو صحيح.
قال في الرعاية: والعبد الصغير كالشاة وكذا كل جارية تحرم على الملتقط وجزم به في الوجيز.
قال الحارثي: وصغار الرقيق مطلقا يجوز التقاطه ذكره القاضي وابن عقيل واقتصر على ذلك.
وقيل: لا يملك بالتعريف.
قال القاضي: هذا قياس المذهب.
قال المصنف في المغني: وهذه المسألة فيها نظر فإن اللقيط محكوم بحريته فإن كان ممن لا يعبر عن نفسه فأقر بأنه مملوك: لم يقبل إقراره لأن الطفل لا قول له ولو اعتبر قوله في ذلك
لاعتبر في تعريفه سيده انتهى.
وتقدم كلام المصنف في آخر الباب الذي قبله وفيه إشارة إلى أن الصغير يملك بالتعريف.
قوله: "ومن أمن نفسه عليها وقوي على تعريفها فله أخذها والأفضل تركها".
هذا المذهب. نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وهو من المفردات.
وعند أبي الخطاب: إن وجدها بمضيعة فالأفضل أخذها.
قال الحارثي: وهذا أظهر الأقوال.
قلت: وهو الصواب.
وخرج بعض الأصحاب من هذا القول: وجوب أخذها وهو قوي في النظر.
تنبيه: ظاهر قوله: "وقوى على تعريفها" أن العاجز عن التعريف ليس له أخذها.
وهو صحيح. وكذا الحكم إن لم يأمن نفسه عليها.
ولا يملكها بالتعريف على الصحيح من المذهب وفيه وجه يملكها ذكره في المغني وغيره.
فائدة: لو أخذها بنية الأمانة ثم طرأ قصد الخيانة قال في التلخيص: يحتمل وجهين.
أحدهما: لا يضمن كما لا يضمن لو كان أودعه.
قال الحارثي: وهذا اختيار المصنف وهو الصحيح انتهى.
والثاني: يضمن.
قال في التلخيص: وهو الأشبه بقول أصحابنا في التضمين بمجرد اعتقاد الكتمان ويخالف المودع فإنه مسلط من جهة المالك انتهى.
وتقدم نظير ذلك في الوديعة قبل قوله: "وإن أودعه صبي وديعة".
وأطلقهما في الفروع حكاية عن صاحب الترغيب.
قوله: "ومتى أخذها ثم ردها إلى موضعها أو فرط فيها: ضمنها".
اعلم أنه إذا التقطها ثم ردها إلى موضعها فلا يخلو إما أن تكون مما يجوز التقاطه أو لا.
فإن كانت مما يجوز التقاطه: ضمنها إلا أن يأمره الحاكم أو نائبه بذلك فإنه لا يضمن بلا نزاع كما تقدم.
وإن كانت مما لا يجوز التقاطه إذا رده فلا يخلو: إما أن يكون بإذن الإمام أو نائبه أو لا.
فإن كان بإذن أحدهما: لم يضمن.
وإن كان بغير إذن: فالصحيح من المذهب أنه يضمن وقدمه في الفروع.
وقيل: لا يضمن وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح.
فعلى المذهب: يزول عنه الضمان لو أخذها ودفعها إلى الإمام أو نائبه.
فائدة: لو أخذ من نائم شيئا لم يبرأ منه إلا بتسليمه له بعد انتباهه وكذلك الساهي.
قوله: "وهي على ثلاثة أضرب أحدها حيوان فيخير بين أكله وعليه قيمته وبين بيعه وحفظ ثمنه وبين حفظه والإنفاق عليه من ماله".
قال المصنف وتبعه الشارح: لم يذكر أصحابنا له تعريفا ومراده إذا استوت الثلاثة عنده.
أما إذا كان أحدهما أحظ: فإنه يلزمه فعله.
قال في الفروع: ويفعل الأحظ لمالكه.
قال الحارثي: وفي المجرد والفصول في باب الوديعة: أن كل موضع وجب عليه نفقة الحيوان فحكمه حكم الحاكم إن رأى من المصلحة بيعها وحفظ ثمنها أو بيع البعض في مؤنة ما بقي أو أن يستقرض على المالك أو يؤجر في المؤنة: فعل. انتهى.
وقال في الترغيب: لا يبيع بعض الحيوان.
وأفتى أبو الخطاب وبن الزاغوني بأكله بمضيعة بشرط ضمانه وإلا لم يجز تعجيل ذبحه لأنه يطلب.
وقال أبو الحسين وابن عقيل في الفصول وابن بكروس: لا يتصرف قبل الحول في شاة ونحوها بأكل ولا غيره رواية واحدة ونحوه قول أبي بكر.
قال في زاد المسافر: وضالة الغنم إذا أخذها يعرفها سنة وهو الواجب فإذا مضت السنة ولم يعرف صاحبها كانت له مثل ما التقط من غيرها.
قال الحارثي: وقد قال الشريفان أبو جعفر والزيدي لا تملك الشاة قبل الحول رواية واحدة.
وكذا حكى السامري، قال: إن كانت اللقطة حيوانا يجوز أخذه كالغنم وما حكمه حكمها لم يملكها قبل الحول.
قال الزركشي: وظاهر كلام الخرقي: أن الحيوان يعرف كغيره وهو مقتضى كلام صاحب التلخيص وأبي البركات وغيرهما.
قال الحارثي: وهذا ينفي اختيار الأكل لأنه تملك عاجل وهذا أعني الحفظ من غير تخيير هو الصحيح فكان قبل ذلك أولى الأمور الحفظ مع الإنفاق ثم البيع وحفظ ثمنه ثم الأكل وغرم القيمة انتهى.
وقال ناظم المفردات:
والشاة في الحال ولو في المصر ... تملك بالضمان إن لم يبرى
قوله: "وهل يرجع بذلك؟ على وجهين".
وهما روايتان في المجرد والفصول والمغني والشرح والمستوعب وغيرهم وأطلقهما في المغني والشرح والمستوعب والزركشي.
أحدهما: يرجع إذا نوى الرجوع وهو المذهب نص عليه وصححه في التصحيح.
قال الحارثي: والأصح الرجوع والرجوع هو المنصوص في الآبق والآبق من نحو الضالة وجزم به في الوجيز والإرشاد.
قال أبو بكر: يرجع مع ترك التعدي فإن تعدى يحسب له.
والوجه الثاني: لا يرجع. قال في القاعدة الخامسة والسبعين: إن كانت النفقة بإذن حاكم رجع وإن لم تكن بإذنه ففيه الروايتان.
يعني: اللتين فيمن أدى حقا واجبا عن غيره بغير إذنه ونوى الرجوع.
والصحيح من المذهب: الرجوع على ما تقدم في باب الضمان فكذا هنا.
قال ابن رجب: ومنهم من رجح هنا عدم الرجوع لأن حفظها لم يكن متعينا بل كان مخيرا بينه وبين بيعها وحفظ ثمنها.
وذكر ابن أبي موسى: أن الملتقط إذا أنفق غير متطوع بالنفقة فله الرجوع بها وإن كان محتسبا ففي الرجوع روايتان.
قال في المستوعب: إن كان بإذن حاكم فله الرجوع وإن أنفق بغير إذنه ولم يشهد بالرجوع فهو متطوع وإن أنفق محتسبا بها وأشهد على ذلك فهل يملك الرجوع على روايتين.
قوله: "الثاني: ما يخشى فساده فيخير بين بيعه وأكله".
يعني: إذا استويا وإلا فعل الأحظ كما تقدم.
قال في الفروع: وله أكل الحيوان وما يخشى فساده بقيمته قاله أصحابنا.
وقال في المغني: يقتضي قول أصحابنا "إن العروض لا تملك" أنه لا يأكل ولكن يخير بين الصدقة وبين بيعه وذكر نصا يدل على ذلك. انتهى.
قال الحارثي: ما لا يبقى.
قال المصنف فيه والقاضي وابن عقيل يتخير بين بيعه وأكله كذا أوردوا مطلقا.
وقيد أبو الخطاب بما بعد التعريف فإنه قال: عرفه بقدر ما يخاف فساده ثم هو بالخيار.
قال: وقوله: "بقدر ما يخاف فساده" وهم. وإنما هو بقدر ما لا يخاف.
قلت: وتابع أبا الخطاب على هذه العبارة في المذهب والمستوعب والتلخيص وجماعة.
ومشى على الصواب في الخلاصة. فقال: عرفه ما لم يخش فساده.
قال الحارثي: والمذهب الإبقاء ما لم يفسد من غير تخيير على ما مر نصه في الشاة وهو الصحيح فإذا دنا الفساد فروايتان.
إحداهما: التصدق بعينه مضمونا عليه.
والثانية: البيع وحفظ الثمن.
قلت: وهو الصواب وأطلقهما الحارثي.
وقال ابن أبي موسى: يتصدق بالثمن انتهى.
ومع تعذر البيع أو الصدقة يجوز له أكله. وعليه القيمة.
تنبيه: حيث قلنا: يباع فإن البائع الملتقط على الصحيح من المذهب سواء كان يسيرا أو كثيرا تعذر الحاكم أو لا.
وعنه يبيع اليسير ويرفع الكثير إلى الحاكم.
وعنه: يبيعه كله إن فقد الحاكم وإلا رفعه إليه.
فائدة: لو تركه حتى تلف ضمنه.
قوله: "إلا أن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه".
أي من التجفيف والبيع والأكل وصرح به المصنف في المغني والكافي.
ولم يجعل له القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والسامري: الأكل لأنه يملك قبل انقضاء التعريف فيما يبقى وهو خلاف الأصل واقتصروا على الأحظ من التجفيف والبيع.
قال الحارثي: وهو الأقوى.
وقال: وظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله من رواية مهنا وإسحاق التسوية بين هذا النوع والذي قبله.
وكذا كلام ابن أبي موسى. قال: فيجرى فيه ما مر من الخلاف. انتهى.
قوله: "ويعرف الجميع" يعني: وجوبا "بالنداء عليه في مجامع الناس كالأسواق وأبواب المساجد في أوقات الصلوات حولا كاملا من ضاع منه شيء أو نفقه".
وهذا بلا نزاع في الجملة.
ووقت التعريف: النهار. ويكون في الأسبوع الأول في كل يوم.
قال في الترغيب والتلخيص والرعاية وغيرهم ثم مرة في كل أسبوع من شهر ثم مرة في كل شهر.
وقيل: على العادة بالنداء وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
قلت: وهو الصواب ويكون ذلك على الفور.
وقيل: يعرفها بقرب الصحراء إذا وجدها فيها.
قال في الرعاية الكبرى: قلت في أقرب البلدان منه.
تنبيه: شمل قوله "ويعرف الجميع" الحيوان وغيره وهو أحد القولين.
وتقدم: أن أبا بكر وأبا الحسين وابن عقيل وبن بكروس والشريفين وغيرهم قالوا لا يتصرف في شاة ولا في غيرها قبل الحول رواية واحدة.
ونقل أبو طالب: تعرف الشاة وذكره أبو بكر وغيره.
وقال في الفروع: أكثر الأصحاب لم يذكروا للحيوان تعريفا.
وتقدم أيضا: أن ما يخشى فساده يعرف بمقدار ما لا يخاف فساده عند أبي الخطاب وبن الجوزي والسامري وصاحب التلخيص والخلاصة وغيرهم.
قال الحارثي: والأصح أنها تعرف حولا.
تنبيه: ظاهر قوله "وأبواب المساجد" أنه لا يعرفها في نفس المساجد وهو صحيح بل يكره على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقال في عيون المسائل: يحرم. وقاله بن بطة في إنشادها.
فائدة: لو أخر التعريف عن الحول الأول مع إمكانه: أثم وسقط التعريف على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وخرج عدم السقوط من نصه على تعريف ما يوجد من دفن المسلمين وهو وجه ذكره في المغني.
قال الحارثي: وهو الصحيح.
فيأتي به في الحول الثاني أو يكمله إن أخل ببعض الأول.
وعلى كلا القولين: لا يملكها بالتعريف فيما عدا الحول الأول وكذا لو ترك التعريف في بعض الحول الأول لا يملكها بالتعريف بعده.
وفي الصدقة به الروايتان اللتان في العروض.
أما إن ترك التعريف في الحول الأول لعجزه عنه كالمريض والمحبوس أو لنسيان ونحوه أو ضاعت فعرفها الثاني في الحول الثاني فقيل يسقط التعريف ولا يملكها قدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وشرح ابن رزين.
وقيل: يملكها ولا يسقط التعريف وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق.
قوله: "وأجرة المنادي عليه".
يعني على الملتقط وهذا المذهب نص عليه وعليه جمهور الأصحاب.
قال الحارثي: هذا المذهب مطلقا وجزم به في المنتخب وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق والفروع والرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
قوله: "وقال أبو الخطاب ما لا يملك بالتعريف وما يقصد حفظه لمالكه يرجع بالأجرة عليه".
قلت: وهو الصواب.
وقال ابن عقيل "ما لا يملك بالتعريف" يرجع عليه بالأجرة.
وذكر في الفنون: أنه ظاهر كلام أصحابنا.
وقيل: على ربها مطلقا.
وعند الحلواني وابنه: الأجرة من نفس اللقطة كما لو جفف العنب ونحوه.
وقيل: من بيت المال. فإن تعذر أخذها الحاكم من ربها.
قوله: "فإن لم تعرف دخلت في ملكه بعد الحول حكما كالميراث".
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه.
قال في عيون المسائل: هذا الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وصححه في النظم وغيره.
قال الزركشي: نص عليه في رواية الجماعة واختاره الجمهور.
قال الحارثي: المذهب أن الملك قهرى يثبت عند انقضاء الحول كالإرث.
وقدمه في الكافي، وشرح ابن رزين والشرح والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير،
والفروع وغيرهم وجزم به في العمدة والوجيز والمنور وغيرهم.
وعند أبي الخطاب: لا يملكه حتى يختار وهو رواية ذكرها في الواضح فيتوقف على الرضى كالشراء وأطلقهما في المحرر.
تنبيه: قدم المصنف أن لقطة الحرم كغيرها وهو الصحيح من المذهب.
قال الحارثي: عدم الفرق هو المشهور في المذهب واختيار أكثر الأصحاب ونص عليه.
قال الزركشي: هو اختيار الجمهور وقدمه في المحرر والشرح والفروع وغيرهم واختاره ابن أبي موسى والمصنف والشارح وصاحب النهاية وغيرهم وهو ظاهر كلام الخرقي.
وعنه لا تملك لقطة الحرم بحال. اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره من المتأخرين.
قال في الفائق أيضا: وهو المختار.
قال الحارثي: وهو الصحيح وأطلقهما في المحرر.
قال في الانتصار: ونقل عنه ما يدل على أن اللقطة لا تملك مطلقا.
قال الزركشي: قلت وهو غريب لا تفريع عليه ولا عمل. وعنه يتملكها فقير غير ذوي القربى.
قال في الفائق: وعنه لا يملك لكن يأكله بعد الحول مع فقره نقله حنبل وأنكره الخلال.
تنبيه: قدم المصنف أن غير الأثمان كالأثمان وهو إحدى الروايتين وهو ظاهر كلام الخرقي.
قال في عيون المسائل: هذا الصحيح من المذهب وصححه الناظم واختاره ابن أبي موسى والمصنف وغيرهما.
قال في الفائق: وهو المختار.
قال ابن رزين: هذا الأظهر.
وقدمه في الكافي والمحرر والشرح والفروع وغيرهم وجزم به في العمدة والوجيز والمنور.
"وعن الإمام أحمد: لا يملك إلا الأثمان وهي ظاهر المذهب".
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والفائق وغيرهم.
قال في الرعاية الكبرى: هذا أشهر.
قال في الخلاصة والرعاية الصغرى: وتملك الأثمان. ولا تملك العروض على الأصح انتهيا.
واختاره أبو بكر والقاضي وابن عقيل وغيرهم.
قال المصنف والشارح والحارثي وصاحب الفروع: اختاره أكثر الأصحاب.
قال القاضي: نص عليه في رواية الجماعة وقدمه في الرعاية والحاوي الصغير والفائق وغيرهم وجزم به ناظم المفردات فقال:
ملتقط الأثمان مذ عرفها ... حولا فقهر ذا الغنى يملكها
قال الزركشي: وعنه وهي المشهور في النقل والمذهب عند عامة الأصحاب أن الشاة ونحوها تملك دون العروض انتهى.
قوله: "وهل له الصدقة بغيرها على روايتين".
يعني على القول بأنه لا يملك غير الأثمان.
وعلى هذا قال الأصحاب القاضي وابن عقيل والسامري وصاحب التلخيص وغيرهم إن شاء سلم إلى الحاكم وبرئ وإن شاء لم يسلم وعرفها أبدا.
قال في الفروع: وظاهر كلام جماعة لا تدفع إليه وهل له الصدقة بها على روايتين.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والنظم والمغني والشرح وشرح ابن منجا وشرح الحارثي هنا.
إحداهما: له الصدقة به بشرط الضمان وهو المذهب.
قال الخلال: كل من روى عن الإمام أحمد رحمه الله روى عنه أنه يعرفها سنة ويتصدق بها.
قال في الفائق: هو المنصوص أخيرا وقدمه في المستوعب والفروع.
قال في القاعدة السادسة بعد المائة: يتصدق عنه على الصحيح من المذهب.
والرواية الثانية: ليس له ذلك بل يعرفها أبدا نقله عنه طاهر بن محمد. واختاره أبو بكر في زاد المسافر وابن عقيل وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
قال الحارثي في الغصب عند قوله: "وإن بقيت في يده غصوب" والمذهب أنه لا يتصدق انتهى.
لكن قال الخلال: هذا قول قديم رجع عنه وكل من روى عنه روى عنه أنه يعرفها سنة ويتصدق بها.
وذكر أبو الخطاب رواية: أنه إن كان يسيرا باعه وتصدق به وإن كان كثيرا رفعه إلى السلطان وقال نقله مهنا ورده المجد ذكره في القاعدة السابعة والتسعين.
وتقدمت هذه المسألة في كلام المصنف ونظائرها في أواخر الغصب عند قوله: "وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها".
تنبيه: تلخص لنا مما تقدم في هذه المسألة أن الصحيح من المذهب: أن اللقطة تدخل في
ملكه قهرا كالميراث حيث قلنا تملك وأن الصحيح من المذهب: التسوية بين لقطة الحرم وغيرها.
وأن أكثر الأصحاب قالوا: لا يملك غير الأثمان وهو المشهور عنه وهو المذهب.
لكن على المصطلح الذي تقدم في الخطبة يكون المذهب الملك في الكل قهرا.
فائدة: قال في الفروع يتوجه الروايتان المتقدمتان اللتان في الصدقة في غير الأثمان أن يأتيا فيما يأخذه السلطان من اللصوص إذا لم يعرف ربه.
فائدتان
إحداهما: لو التقط اثنان وعرفا ملكاها.
وعلى القول بالاختيار: لو اختار أحدهما فقط ملك النصف ولا شيء لصاحبه.
الثانية: لو رأى اللقطة اثنان فقال أحدهما للآخر هاتها فأخذها لنفسه فهي للآخذ وأن أخذها للآمر فهي له أعني للآمر كما في التوكيل في الاصطياد ذكر ذلك المصنف وغيره.
قوله: "ولا يجوز التصرف في اللقطة حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها ويستحب ذلك عند وجدانها".
الأولى: معرفة ذلك عند التقاطها.
وإن أخر معرفة ذلك إلى مجيء صاحبها جاز.
فإن لم يجئ وأراد التصرف فيها بعد الحول لم يجز حتى يعرف صفتها.
وكذلك إن أراد خلطها بماله على وجه لا تتميز.
وقال في المغني: تجب حالة الأخذ وجوبا موسعا وحالة إرادة التصرف وجوبا مضيقا.
فائدة: "الوعاء" هو ظرفها و"الوكاء" هو الخيط الذي تشد به و"العفاص".
قال في المستوعب: هو الشد والعقد وقيل هو صمام القارورة.
وذكر ابن عقيل في التذكرة: أنه الصرة وهو ظرفها.
قال الزركشي: هو الوعاء الذي تكون فيه من خرقة أو غيرها.
قال في الرعاية الكبرى "الوكاء" ما يشد به. و"العفاص" هو صفة شده وعقده.
وقيل: بل سدادة القارورة وقيل بل الوعاء انتهى.
قال الحارثي "العفاص" مقول على الوعاء وورد "احفظ عفاصها ووعاءها".
و"العفاص" في هذه الرواية: صمام القارورة أي الجلد المجعول على رأسها يقال عليه
أيضا. فيتعرف الوعاء: كيسا هو أو غير ذلك وهل هو من خرق أو جلود أو ورق؟.
وقال ابن عقيل ويتعرف: هل هو إبريسم أو كتان؟.
وإن كان ثيابا: تعرف لفائفها أو مائعا تعرف ظرفه خرق أو خشب أو جلد.
ويتعرف "الوكاء" وهو ما يربط به سير أم خيط أم شرابه؟.
قال القاضي وابن عقيل وغيرهما ويتعرف الربط هل هو عقدة أو عقدتان وأنشوطة أو غيرها؟.
قوله: "والإشهاد عليها".
يعني يستحب الإشهاد عليها ويكونان عدلين وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي: قاله كثير من الأصحاب.
قال الزركشي: هو المشهور وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز وغيرهم ونصره المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل: يجب الإشهاد واختاره أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى.
قال الحارثي: وهو الصحيح.
قال في الفائق: وهو المنصوص.
تنبيه: يكون الإشهاد عليها لا على صفتها على الصحيح من المذهب.
وقيل: يكون عليها وعلى صفتها ويحتمله كلام المصنف.
قوله: "فمتى جاء طالبها فوصفها لزمه دفعها إليه".
يعني: من غير بينة ولا يمين بلا نزاع وسواء غلب على ظنه صدقه أو لا على الصحيح من المذهب نص عليه.
وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل: لا يدفعها إليه إذا وصفها إلا مع ظن صدقة وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقال في المبهج والتبصرة: جاز الدفع.
ونقل بن هانئ، ويوسف بن موسى: لا بأس به.
تنبيه: محل الخلاف فيما إذا وصفها فقط.
أما إذا قامت له بينة بذلك: لزمه دفعها وهو واضح.
فائدة: قال الحارثي إذا قلنا بوجوب الدفع إذا وصفها فقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب والقاسم بن الحسن بن الحداد في كتبهم الخلافية إذا وصف العفاص والوكاء والعدد لزم الدفع ونص عليه في رواية بن مشيش.
وقال أبو الفرج الشيرازي: إذا جاء بالصفة والوزن جاز الدفع إليه.
قوله: "وزيادتها المنفصلة لمالكها قبل الحول ولواجدها بعده في أصح الوجهين".
وهو المذهب وصححه في المغني والشرح وشرح ابن منجا والنظم والرعايتين والفائق والفروع وغيرهم وقدمه في الكافي.
والوجه الثاني: تكون لصاحبها أيضا اختاره ابن أبي موسى وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وهما روايتان في الترغيب والتلخيص.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر وشرح الحارثي.
قال في الهداية وتبعه في المستوعب بعد أن أطلق الوجهين بناء على الأب إذا استرجع العين الموهوبة.
وقال أبو الخطاب أيضا عن الوجه الثاني بناء على المفلس.
وقال الحارثي: هما مبنيان على الخلاف في مثله في المبيع المرتجع من المفلس والموهوب المرتجع من الولد انتهى.
قلت: أما الزيادة المنفصلة في العين الموهوبة إذا رجع فيها الأب فإنها للولد على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب على ما يأتي في الهبة. وأما الزيادة المنفصلة في المبيع المأخوذ من المفلس فالخلاف فيها قوي.
والمذهب: أنها للبائع.
واختار المصنف وغيره: أنها للمفلس على ما تقدم.
وأما الزيادة المتصلة: فهي لمالكها على كل حال.
قوله: "وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها".
مراده: إذا لم يفرط فيها لأنها أمانة في يده.
"وإن كان بعده ضمنها". ولو لم يفرط.
هذا المذهب. وعليه الأصحاب ونصروه.
وعنه: لا يضمنها إذا تلفت.
حكى ابن أبي موسى عن الإمام أحمد رحمه الله أنه لوح في موضع إذا أنفقها بعد الحول والتعريف: لم يضمنها لحديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
وقيل: لا يردها إن كانت باقية.
تنبيه: محل هذا إذا قلنا يملكها بعد الحول.
فأما على القول بعدم الملك: فإنه لا يضمنها إذا لم يفرط بل حكمها حكم الحول الأول.
فوائد
الأولى: لو قال مالك اللقطة بعد التلف للملتقط أخذتها لتذهب بها وقال الملتقط بل لأعرفها فالقول قول الملتقط ذكره المجد في شرحه نقله عنه الحارثي في آخر الباب.
الثانية: إذا تصرف في اللقطة بعد الحول فإن كانت مثلية ضمنها بمثلها وإن لم تكن مثلية ضمنها بقيمتها يوم عرف ربها على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وبن عبدوس وغيرهما وجزم به في المحرر وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يضمنها بقيمتها يوم ملكها قطع به ابن أبي موسى وصاحب التلخيص وصححه في الفائق وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وأطلقهما الحارثي في شرحه.
وقيل: يضمنها بقيمتها يوم غرم بدلها.
الثالثة: لو أدركها ربها بعد الحول مبيعة أو موهوبة فليس له إلا البدل كما في التلف ولو أدركها في زمن الخيار فوجهان.
أصحها: وجوب الفسخ والرد إليه قاله الحارثي وجزم به في الكافي والرعاية.
والوجه الثاني: عدم الوجوب وهو قوي في النظر لأن الملك ينتقل إلى المشتري زمن الخيار على الصحيح من المذهب.
ولو كان عاد إليه بفسخ أو شراء أو غير ذلك أخذه المالك قطع به الحارثي.
ولو أدركه مرهونا: ملك انتزاعه لقيام ملكه وانتفاء إذنه في الرهن قاله الحارثي.
قلت: ويتوجه عدم الانتزاع لتعلق حق المرتهن به.
والرابعة: تدخل اللقطة في ملك الملتقط من غير عوض يثبت في الذمة وإنما يتجدد وجوب العوض بظهور المالك كما يتجدد به زوال الملك عن العين ذكره المصنف والشارح وقدمه الحارثي ونصره.
وقال القاضي: إنما يملك بعوض كالقرض.
ثم قال: إنما تجب القيمة بحضور المالك.
قال الحارثي: وهذا تناقض.
وقال ما قاله القاضي وكثير من أصحابه قاله الزركشي.
قوله: "وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين".
وكذا قال في المذهب وصححه في التصحيح.
واختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والنظم والحاوي الصغير والقواعد في القاعدة الثامنة والتسعين.
"وفي الأخرى يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها".
وهو المذهب.
قال الحارثي: والمذهب القرعة ودفعها إلى القارع مع يمينه نص عليه.
وذكره المصنف في كتابيه.
وبه جزم القاضي وابن عقيل كما في تداعي الوديعة.
قال الشارح: وهذا أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا عينا في يد غيرهما انتهى.
وجزم به في الوجيز. وقدمه في الكافي والمغني وصححه ابن رزين في شرحه وقال هذا أقيس.
قلت: وهو الصواب.
وأطلقهما في الفروع والفائق والقواعد الفقهية في القاعدة الستين بعد المائة.
تنبيه: محل هذا إذا وصفاها معا أو وصفها الثاني قبل دفعها إلى الأول.
أما إذا وصفها واحد ودفعت إليه ثم وصفها آخر: فإن الثاني لا يستحق شيئا على الصحيح من المذهب قطع به في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره وعليه الأصحاب.
وقال أبو يعلى الصغير: إن زاد في وصفها احتمل تخريجه على بينة النتاج والنساج فإن رجحنا به هناك رجحنا به هنا.
فائدتان
إحداهما: لو ادعاها كل واحد منهما فوصفها أحدهما دون الآخر حلف وأخذها ذكره الأصحاب.
قال في الفروع: ومثله وصفه مغصوبا ومسروقا ذكره في عيون المسائل والقاضي،
وأصحابه على قياس قوله إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن الدار فمن وصفه فهو له.
وقيل: لا كوديعة وعارية ورهن وغيره لأن اليد دليل الملك ولا تتعذر البينة.
الثانية: يلزم مدعي اللقطة مع صفتها أن يقيم بينة بالتقاط العبد لها على الصحيح من المذهب لأن إقرار العبد لا يصح فيما يتعلق برقبته صححه في المستوعب وقدمه في الفروع وغيره وقيل لا يلزمه.
قوله: "وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف فإن تلفت ضمنها من شاء من الواصف أو الدافع إليه". وهو الملتقط "إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه".
إن دفعها إلى الواصف بحكم حاكم فلا ضمان عليه قولا واحدا.
وإن لم يكن بحكم حاكم فقدم المصنف أنه مخير بين تضمين الواصف والدافع وهو أحد الوجهين.
قال الحارثي: هو قول كثير من الأصحاب.
قلت: منهم القاضي ذكره في القواعد وجزم به في الوجيز وقدمه في المغني والشرح.
فإن ضمن الدافع رجع على الواصف إلا أن يكون قد أقر له بالملك قاله في القواعد وغيره.
وقيل: لا يلزم الملتقط شيء إذا قلنا بوجوب الدفع إليه وهو تخريج في المغني والشرح وهو المذهب.
قال الحارثي: وهو الصحيح لأنه فعل ما أمر به ولا مندوحة عنه كما لو كان بقضاء قاض وقدمه في المحرر والرعاية والفروع وإليه ميل المصنف والشارح.
تنبيه: قوله: "ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف".
مراده: إذا لم يعترف له بالملك.
فأما إن اعترف له بالملك: فإنه لا يرجع عليه ألبته.
قوله: "ولا فرق بين كون الملتقط غنيا أو فقيرا مسلما كان أو كافرا عدلا أو فاسقا يأمن نفسه عليها".
وهذا المذهب. جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمستوعب والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والفروع.
قال ابن منجا في شرحه: هذا المذهب.
قال في الخلاصة: فإن كان الفاسق لا يؤمن على تعريفها ضم إليه أمين انتهى.
وقيل: يضم إلى الفاسق أمين في تعريفها وحفظها.
وقطع به القاضي وابن عقيل وأبو الحسن بن البنا وأبو الفرج الشيرازي والمصنف في المغني والكافي وصاحب المحرر.
وقال في الفائق: ويضم إلى الفاسق أمين في أصح الوجهين وقدمه الحارثي.
قال المصنف في المغني والشارح: وإن علم الحاكم أو السلطان بها أقرها في يده وضم إليه مشرفا يشرف عليه ويتولى تعريفها.
وقيل: يضم إلى الذمي عدل.
قال في المغني والشرح: إن علم بها الحاكم أقرها في يده وضم إليه مشرفا عدلا يشرف عليه ويعرفها.
قال الحارثي: ولا بد من مشرف يشرف عليه.
وقيل: تنزع لقطة الذمي من يده وتوضع على يد عدل وهو احتمال في المغني والشرح.
قوله: "وإن وجدها صبي أو سفيه قام وليه بتعريفها فإذا عرفها فهي لواجدها".
وكذا المجنون قاله في المغني والشرح والمنتخب والترغيب والتبصرة والحارثي وغيرهم.
فائدتان
إحداهما: قال الأصحاب يضمن الولي إن أبقاها بيد الصبي بعد علمه وإن تلفت في يد أحدهما بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن تلفت بتفريطه ضمنها في ماله نص عليه في صبي كإتلافه وجزم به في المغني والشرح وقدمه في الفروع وغيره وفي المنتخب وغيره لا يضمن.
الثانية: لو كان الصبي مميزا فعرف قال الحارثي فظاهر كلامه في المغني عدم الإجزاء.
والأظهر الإجزاء لأنه يعقل التعريف فالمقصود حاصل واقتصر على كلامهما في القواعد الأصولية.
قوله: "وإن وجدها عبد فلسيده أخذها منه وتركها معه ويتولى تعريفها إذا كان عدلا".
للعبد أن يلتقط وأن يعرفها مطلقا على الصحيح من المذهب.
قال في الرعايتين والحاوي الصغير والفروع له ذلك في الأصح.
وجزم به في المغني والكافي والشرح.
قال الزركشي: يصح التقاطه على المذهب وقدمه في المستوعب والفائق وشرح الحارثي.
وقيل: ليس له ذلك بغير إذن السيد اختاره أبو بكر وهو رواية ذكرها الزركشي وغيره وجزم به في البلغة.
قال الحارثي: وعن أبي بكر يتوقف التقاطه على إذن السيد ذكره السامري أخذا من قوله في التنبيه: "إذا التقط العبد فضاعت منه أو أتلفها ضمنها".
قال: فسوى بين الإتلاف والضياع ولم يفرق بين الحول وبعده فدل على عدم الصحة بدون إذن.
قال الحارثي: وفي استنباط السامري نظر.
قوله: "فإن أتلفها قبل الحول فهي في رقبته بلا نزاع وإن أتلفها بعده فهي في ذمته".
هذا أحد القولين نص عليه وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وشرح ابن منجا ومنتخب الأدمى وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وغيرهم.
قال في تجريد العناية: إذا أتلفها بعد الحول ففي ذمته على الأظهر.
ويأتي كلام الزركشي على هذا القول.
وقيل: إن أتلفها بعد الحول فإن قلنا يملكها فهي في ذمته وإن قلنا لا يملكها فهي في رقبته.
هذا المذهب على ما يأتي.
واعلم أن العبد: هل يحصل له الملك من غير تمليك سيده أم لا فيه خلاف سبق في أول كتاب الزكاة عند الفوائد التي ذكرت هناك.
فمتى أتلفها أو فرط حتى تلفت فإن كان قبل الحول فهي في رقبته نص عليه وعلى السيد الفداء أو التسليم.
وإن كان بعده فإن قلنا يملكها فهي في ذمته وإن قلنا لا يملكها فهي في رقبته هذا المذهب نص عليه وجزم به في المغني والمحرر والنظم وقدمه في الشرح والفروع.
قال الحارثي: وهذا إنما يتجه على تقدير أن السيد لم يملك لكونه لم يتملك استنادا إلى توقف الملك على التملك وفيه بعد.
وقال في الشرح أيضا: ويصلح أن ينبني على استدانة العبد هل تتعلق برقبته أو ذمته على روايتين.
قال الحارثي: وهو تخريج حسن لشبه الغرم بعد الإنفاق بأداء المقترض.
وقال أبو بكر في زاد المسافر: لأبي عبد الله في ضمان ما أتلفه العبد قولان أي روايتان.
إحداهما: في رقبته كالجناية.
والأخرى: في ذمته وبالأول أقول.
قال السامري: ولم يفرق قبل الحول وبعده.
وقال ابن عقيل: لا يتجه الفرق في التعلق بالرقبة بين ما قبل الحول وبعده.
قال الحارثي: وهذا ضعيف جدا انتهى.
وقال الزركشي عن كلام المصنف هنا ومن تابعه كلامهم متوجه إن قلنا إن العبد يملك وإن قلنا الملك للسيد كما صرح به أبو محمد واقتضاه كلام صاحب التلخيص وغيره فالجناية على مال السيد فلا تتعلق بذمته ولا برقبته بل الذي ينبغي أن تتعلق بذمة السيد وإن قيل إن العبد لا يملك ولا السيد تعين التعلق برقبته كجنايته انتهى.
وقال في الكافي: وإن أتلفها العبد فحكم ذلك حكم جنايته انتهى.
ونقل ابن منصور: جنايته في رقبته وإن خرق ثوب رجل فهو دين عليه.
قوله: "والمكاتب كالحر بلا نزاع".
والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأم الولد كالعبد بلا نزاع أيضا.
قوله: "ومن بعضه حر فهي بينه وبين سيده إلا أن يكون بينهما مهايأة فهل تدخل في المهايأة على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والشرح وشرح ابن منجا والحارثي والفائق.
أحدهما: لا تدخل في المهايأة بل تكون بينه وبين سيده وهو المذهب صححه في التصحيح وقدمه في المحرر والرعايتين والفروع والحاوي الصغير.
والوجه الثاني: تدخل في المهايأة فإذا وجدها في نوبة أحدهما فهي له جزم به في الوجيز وقدمه في الخلاصة وتجريد العناية.
فائدة: وكذا الحكم في النادر من كسب المعتق بعضه كالهبة والهدية والوصية ونحوها خلافا ومذهبا.
تنبيه: الخلاف هنا مبني على الخلاف في دخول نوادر الأكساب كالوصية والهدية ونحوهما والركاز قاله الحارثي.
فوائد
منها: لو وجد لقطة في غير طريق مأتي فهي لقطة على الصحيح من المذهب قدمه في الفائق.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله: أنه كالركاز.
واختاره في الفائق وجعله في الفروع: توجيها له.
ومنها: لو أخذ متاعه أو ثوبه وترك له بدله فالصحيح من المذهب أنه لقطة نص عليه في رواية ابن القاسم وبن بختان.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي وابن رزين والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل: لا يعرفه مع قرينة سرقة وهو احتمال للمصنف.
قلت: وهو عين الصواب.
قال الحارثي: وهذا حسن.
وقال: قد يقال فيه بمعنى مسألة الظفر.
ومذهب الإمام أحمد رحمه الله: منع الأخذ فيها.
فعليها: هل يتصدق به بعد تعريفه؟.
إن قلنا: يعرفه أو يأخذ حقه بنفسه أو بإذن حاكم فيه أوجه.
وأطلقهن في المغني والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق وتجريد العناية.
قال المصنف وتابعه الشارح: القول بأخذ حقه بنفسه أقرب إلى الرفق بالناس.
قال الحارثي: وهذا قوي على أصل من يرى أن العقد لا يتوقف على اللفظ.
أما على التوقف: فلا يكتفى بمثل هذا.
قال: وبالجملة فالأظهر الجواز رجحه المصنف.
ومنها: لو وجد في جوف حيوان درة أو نقدا فهو لقطة لواجده. على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وشرح الحارثي وصححه.
ونقل ابن منصور: تكون لقطة للبائع إن ادعاه إلا أن يدعي المشتري أنه أكله عنده فهو له.
فأما إن كانت الدرة غير مثقوبة في السمكة فهي للصياد لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها.
ومنها: لو وجد لقطة بدار الحرب وهو في الجيش عرفها ثم وضعها في المغنم نص عليه.
وإن كان دخل بأمان عرفها ثم هي له إلا أن يكون في جيش فهي كالتي قبلها.
وإن دخل متلصصا عرفها ثم هي كالغنيمة على الصحيح من المذهب.
ويحتمل أن تكون له من غير تعريف ذكره المصنف.
قلت: وهذا هو الصواب وكيف يعرف ذلك؟.
ومنها: مؤنة رد اللقطة على ربها على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقاله القاضي في التعليق وأبو الخطاب في الانتصار لتبرعه.
ومعناه في شرح المجد: في عدم سقوط الزكاة بتلف المال قبل التمكن.
وقال في الترغيب والرعاية مؤنة الرد على الملتقط.
ومنها: ضمانها بموته كالوديعة.
وقيل: به بعد الحول ووارثه كهو.
ومنها: الالتقاط يشتمل على أمانة واكتساب.
قال الحارثي: وللناس خلاف في المغلب منهما منهم من قال الكسب ووجه بأنه مآل الأمر.
ومنهم من قال: الأمانة وهو الصحيح لأن المقصود إيصال الشيء إلى أهله ولأجله شرع الحفظ والتعريف أولا والملك آخرا عند ضعف الترجي للمالك.
ومنها: لو استيقظ فوجد في ثوبه دراهم لا يعلم من صرها فهي له ولا تعريف.
وللإمام احمد رحمه الله: نص يوجب التعريف وينفي الملك.
ومنها: لو ألقت الريح إلى داره ثوب إنسان فإن جهل المالك فلقطه فإن علمه دفعه إليه فإن لم يفعل ضمن بحبس مال الغير من غير إذن ولا تعريف.
ومنها: لو سقط طائر في داره فقال في المغني لا يلزمه حفظه ولا إعلام صاحبه لأنه محفوظ بنفسه وهذا ما لم ينقطع عنه.
أما إن انقطع: وجب حفظه والدفع إليه لأنه ضائع عنه.
باب اللقيط
فائدة: قوله: "وهو الطفل المنبوذ".قال الحارثي: تعريف "اللقيط" بالمنبوذ يحتاج إلى إضمار لتضاد ما بين اللقط والنبذ كما بين.
ومع هذا فليس جامعا لأن الطفل قد يكون ضائعا. لا منبوذا.
ومنهم: من عرف بأنه الضائع وفيه ما فيه.
وقال في الرعايتين والوجيز هو كل طفل نبذ أو ضل.
تنبيه: قوله: "وهو الطفل".
يعني: في الواقع في الغالب وإلا فهو لقيط إلى سن التمييز فقط على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعاية الكبرى والحارثي.
وقيل: والمميز أيضا إلى البلوغ.
قال في الفائق: وهو المشهور.
قال الزركشي: هذا المذهب.
قال في التلخيص: والمختار عند أصحابنا أن المميز يكون لقيطا لأنهم قالوا إذا التقط رجل وامرأة معا من له أكثر من سبع سنين أقرع بينهما ولم يخير بخلاف الأبوين.
قوله: "وهو حر".
يعني في جميع أحكامه هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل: إلا في القود ومثله دعوى قاذفة رقة على ما يأتي.
فائدة: يستحب للملتقط الإشهاد عليه وعلى ما معه على الصحيح من المذهب.
وقيل: يجب وتقدم نظيره في اللقطة.
تنبيه: قوله: "ينفق عليه من بيت المال إن لم يكن معه ما ينفق عليه" بلا نزاع.
لكن إن تعذر اقترض الحاكم عليه قاله الحارثي.
فإن تعذر: فعلى من علم حاله الإنفاق فهي فرض كفاية كالتقاطه.
وهذا الإنفاق يجب مجانا عند القاضي وجماعة منهم صاحب المستوعب والتلخيص واختاره صاحب الموجز والتبصرة وقالا له أن ينفق عليه من الزكاة وقدمه في الرعاية.
قال الحارثي: وهو أصح.
وقال: وكلام المصنف في المغني يقتضي ثبوت العوض للمنفق إن اقترن بالإنفاق قصد الرجوع وقدمه في الفروع لأنه جعل الإنفاق عليه بنية الرجوع كمن أدى حقا واجبا عن غيره على ما تقدم في باب الضمان.
وقال في القاعدة الخامسة والسبعين: نفقة اللقيط خرجها بعض الأصحاب على الروايتين فيمن أدى حقا واجبا عن غيره على ما تقدم في باب الضمان.
ومنهم من قال: يرجع هنا قولا واحدا وإليه ميل صاحب المغني لأن له ولاية على اللقيط.
ونص الإمام أحمد رحمه الله: أنه يرجع بما أنفقه على بيت المال انتهى.
وقال الناظم: إن نوى الرجوع واستأذن الحاكم رجع على الطفل بعد الرشد وإلا رجع على بيت المال.
قال الحارثي: وناقض السامري وصاحب التلخيص فقالا بعد تعذر الاقتراض على بيت المال وامتناع من وجب عليه الإنفاق مبلغا وإن أنفق الملتقط رجع على اللقيط في إحدى الروايتين.
والأخرى: لا يرجع ما لم يكن الحاكم أذن له في الإنفاق زاد في التلخيص والأصح أنه يرجع انتهى.
قال الحارثي: والوجوب مجانا واستحقاق العوض لا يجتمعان وإنما ذلك والله أعلم ما إذا كان للقيط مال تعذر إنفاقه لمانع أو ينتظر حصوله من وقف أو غيره.
قوله: "ويحكم بإسلامه" بلا نزاع "إلا أن يوجد في بلد الكفار ولا مسلم فيه فيكون كافرا".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب: قال الحارثي: فالمذهب عند الأصحاب الحكم بكفره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والمحرر والشرح وشرح الحارثي والفروع والفائق وغيرهم.
قال المصنف والشارح: وقال القاضي يحكم بإسلامه أيضا لأنه يحتمل أن يكون فيه مؤمن يكتم إيمانه.
قال الحارثي: وحكى صاحب المحرر وجها بأنه مسلم اعتبارا بفقد أبويه.
فائدة: لو كان في دار الإسلام بلد كل أهلها أهل ذمة ووجد فيها لقيط حكم بكفره وإن كان فيها مسلم حكم بإسلامه قولا واحدا فيهما عند المصنف والشارح وغيرهم.
وقيل: يحكم بإسلامه إذا كان كل أهلها أهل ذمة.
قال الحارثي: اختاره القاضي وابن عقيل.
قوله: "فإن كان فيه مسلم فعلى وجهين".
يعني: إذا كان في بلد الكفار مسلم ولو واحدا قاله في التلخيص وشرح الحارثي وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والرعايتين والحاوي الصغير وشرح الحارثي والكافي وشرح ابن منجا.
أحدهما: يحكم بكفره وهو المذهب جزم به في المنور وقدمه في المحرر والفروع والفائق.
والوجه الثاني: يحكم بإسلامه جزم به في الوجيز.
فائدتان
إحداهما: قال الحارثي مثل الأصحاب في المسلم هنا بالتاجر والأسير واعتبروا إقامته زمنا ما حتى صرح في التلخيص أنه لا يكفي مروره مسافرا.
وقال في الرعاية: وإن كان فيها مسلم ساكن فاللقيط مسلم.
الثانية: قال في الفائق لو كثر المسلمون في بلد الكفار فلقيطها مسلم.
وقاله ابن عبدوس في تذكرته وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير وغيرهم.
ومثل مسألة الخلاف في الرعاية بالمسلم الواحد.
قوله: "وما وجد معه من فراش تحته أو ثياب أو مال في جيبه أو تحت فراشه أو حيوان مشدود ببابه فهو له" وهذا بلا نزاع.
وقال المصنف في المغني والكافي والشارح وابن رزين في شرحه وغيرهم وكذا لو كان مدفونا في دار أو خيمة تكون له.
وظاهر كلام المجد وجماعة خلافه.
قوله: "وإن كان مدفونا تحته يعني إذا كان الدفن طريا أو مطروحا قريبا منه فعلى وجهين".
ذكر المصنف هنا مسألتين.
إحداهما: إذا كان مدفونا تحته والدفن طريا فأطلق فيه وجهين.
وأطلقهما في المذهب والرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير وشرح الحارثي والشرح.
أحدهما: يكون له وهو المذهب.
صححه في التصحيح وقطع به ابن عقيل وصاحب الخلاصة والمحرر والوجيز والمنور وتذكرة ابن عبدوس.
قلت: وهو الصواب.
والوجه الثاني: لا يكون له قدمه في الهداية والمستوعب والكافي والتلخيص والنظم وشرح ابن رزين وهو المذهب على المصطلح في الخطبة.
وحكى في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق وجها أنه له ولو لم يكن الدفن طريا وهو ظاهر كلام المصنف هنا وهو بعيد جدا.
ولم يذكره في المغني والشرح والفروع وشرح الحارثي.
الثانية: إذا كان مطروحا قريبا منه فأطلق المصنف فيه الوجهين.
وأطلقهما في المذهب والكافي والشرح وشرح الحارثي وابن منجا والرعايتين والحاوي الصغير والفروع والفائق والنظم.
أحدهما: يكون له وهو الصحيح من المذهب صححه في المغني والشرح والفائق والتصحيح وجزم به في الخلاصة والمحرر والوجيز والمنور.
والوجه الثاني: لا يكون له قدمه في الهداية والمستوعب والتلخيص وشرح ابن رزين واختاره ابن البناء.
ولنا قول ثالث في أصل المسألتين بالفرق بين الملقى قريبا منه وبين المدفون تحته فيكون الملقى القريب: له دون المدفون تحته قاله في المجرد وقطع به.
قال الحارثي: ويقتضيه إيراده في المغني.
قلت: قدم في الكافي والنظم أنه لا يملك المدفون.
وأطلق في الملقى القريب الوجهين كما تقدم.
قوله: "وله الإنفاق عليه مما وجد معه بغير إذن حاكم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به بن حامد والمصنف في الكافي والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه: ما يدل على أنه لا ينفق إلا بإذنه.
وهو وجه في شرح الحارثي ورد هذه الرواية المجد في شرحه ذكره في القواعد والمصنف نقله الزركشي.
وتقدم قريبا: إذا أنفق عليه من ماله ونوى الرجوع.
فوائد
منها: وكذا الحكم في حفظ ماله قطع به في المغني وغيره.
وقال في التلخيص: يحتمل اعتبار إذن الحاكم فيه.
ومنها: قبول الهبة والوصية.
قال الحارثي: مقتضى قوله في المغني أنه للملتقط.
ومقتضى كلام صاحب التلخيص: أنه للحاكم.
قلت: كلام صاحب المغني موافق لقواعد المذهب في ذلك.
قوله: "وإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا واللقيط مسلم أو بدويا ينتقل في المواضع أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده".
يشترط في الملتقط: أن يكون عدلا على الصحيح من المذهب.
وقد قال المصنف قبل ذلك: أولى الناس بحضانته واجده إن كان أمينا.
اختاره القاضي وقال: المذهب على ذلك واختاره أبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم.
قال في الفائق: وتشترط العدالة في أصح الروايتين.
وجزم باشتراط الأمانة في الملتقط في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
وقطع في الوجيز والمحرر وغيرهما أنه لا يقر بيد فاسق.
وقدمه في الكافي والشرح والنظم والفروع وغيرهم.
وقيل: يقر بيد الفاسق إذا كان أمينا وقدمه في الرعاية في موضع وابن رزين في شرحه وهو ظاهر كلام الخرقي.
فإنه قال: وإن لم يكن من وجد اللقيط أمينا منع من السفر به.
فظاهره: أنه إذا أقام به كان أحق به وإن كان فاسقا.
وأجراه صاحب التلخيص والفروع وغيرهما على ظاهره.
وقال المصنف وتبعه الشارح على قوله ينبغي أن يضم إليه من يشرف عليه ويشهد عليه ويشيع أمره ليؤمن من التفريط فيه.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإن كان فاسقا لم يقر في يده" أن مستور الحال يقر في يده وهو صحيح وهو المذهب.
وجزم به في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق وغيرهم.
لكن لو أراد السفر به: فهل يقر بيده فيه وجهان.
وأطلقهما في المغني والشرح والنظم والزركشي وشرح الحارثي والفائق وغيرهم.
احدهما: لا يقر بيده جزم به في الكافي وقدمه ابن رزين في شرحه.
والثاني: يقر في يده.
واما الرقيق: فليس له التقاطه إلا بإذن سيده اللهم إلا أن لا يجد من يلتقطه فيجب التقاطه لأنه تخليص له من الهلكة.
أما مع وجود من هو أهل للالتقاط فقطع كثير من الأصحاب بمنعه من الأخذ معللا بأنه لا يقر في يده أو بأنه لا ولاية له.
قال الحارثي: وفيه نظر فإن أخذ اللقيط قربة فلا يختص بحر وعدم الإقرار بيده دواما لا يمنع أخذه ابتداء.
فعلى المذهب: إن أذن له سيده فهو نائبه وليس له الرجوع في الإذن قاله ابن عقيل.
واقتصر عليه في المغني والشرح وشرح الحارثي وجزم به في الفروع.
فائدة: المدبر وأم الولد والمعلق عتقه كالقن لقيام الرق والمكاتب كذلك قاله في المغني والشرح وشرح الحارثي.
ومن بعضه رقيق كذلك لأنه لا يتمكن من استكمال الحضانة.
وأما الكافر: فليس له التقاط المسلم ولا يقر بيده ومراده بالكافر هنا الذمي وإن كان الحربي بطريق أولى.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الكافر إذا التقط من حكم بكفره أنه يقر بيده وهو صحيح صرح به القاضي وغيره من الأصحاب.
لكن لو التقطه مسلم وكافر فقال الأصحاب هما سواء وهو المذهب.
وقيل: المسلم أحق اختاره المصنف والناظم.
قال الحارثي: وهو الصحيح بلا تردد.
ويأتي ذلك في عموم كلام المصنف قريبا.
فائدتان
إحداهما: يشترط في الملتقط أيضا أن يكون مكلفا فلا يقر بيد صبي ولا مجنون.
الثانية: يشترط الرشد فلا يقر بيد السفيه جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص وغيرهم وقدمه في الرعاية.
ثم قال قلت: والسفيه كالفاسق انتهى.
لأنه لا ولاية له على نفسه فأولى أن لا يكون وليا على غيره.
وظاهر كلام المصنف هنا وصاحب المحرر وغيرهما أنه يقر بيده لأنه أهل للأمانة والتربية.
قال الحارثي: وهذا أصح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
قلت: وهو الصواب.
وأما إذا التقطه البدوي الذي ينتقل في المواضع فجزم المصنف هنا أنه لا يقر في يده وهو أحد الوجهين وهو المذهب وجزم به في الوجيز والمنور وشرح ابن منجا.
قال الحارثي: هذا أقوى.
والوجه الثاني: يقر قدمه ابن رزين.
قلت: وهو الصواب.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والشرح والمحرر والفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير والنظم وغيرهم وقال في الترغيب والتلخيص متى وجده في فضاء خال فله نقله حيث شاء.
وأما إذا التقطه من في الحضر فأراد نقلته إلى البادية فجزم المصنف: أنه لا يقر في يده وهو الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به الحارثي في شرحه وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر وشرح ابن رزين والوجيز والزركشي وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل: يقر وأطلقهما في المغني والشرح.
وتقدم كلام صاحب الترغيب.
قوله: "وإن التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر فهل يقر في يده على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والمحرر والشرح والفائق وشرح الحارثي وابن منجا والرعايتين والحاوي الصغير والزركشي.
أحدهما: لا يقر في يده وهو الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وشرح ابن رزين.
والوجه الثاني: يقر وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز وصححه الناظم وصاحب التصحيح.
فوائد
إحداها: وكذا الحكم لو نقله من بلد إلى قرية فيه الوجهان قاله القاضي في المجرد وغيره.
الثانية: وكذا الحكم لو نقله من حلة إلى حلة.
تنبيه: يستثنى من هذه المسائل لو كان البلد وئيبا كغور بيسان ونحوه فإنه يجوز النقل إلى البادية لتعين المصلحة في النقل قاله الحارثي.
قلت: فيعايى بها.
الثالثة: حيث يقال بانتزاعه من الملتقط فيما تقدم من المسائل فإنما ذلك عند وجود الأولى به.
أما إذا لم يوجد فإقراره: بيده أولى كيف كان لرجحانه بالسبق إليه.
قوله: "وإن التقطه اثنان قدم الموسر منهما على المعسر والمقيم على المسافر".
لا أعلم فيه خلافا وظاهر كلامه أن البلدي وضده والكريم وضده وظاهر العدالة وضده في ذلك على حد سواء وهو كذلك قدمه في الفروع وقاله القاضي وابن عقيل.
وقال في التلخيص والترغيب يقدم البلدي على ضده.
وقال في المغني ومن تبعه: وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر ينبغي أن يقدم الجواد على البخيل انتهى.
وقيل: يقدم ظاهر العدالة على ضده وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح وأطلق الوجهين الحارثي.
فائدة: الشركة في الالتقاط أن يأخذاه جميعا ولا اعتبار بالقيام المجرد عنده لأن الالتقاط حقيقة الأخذ فلا يوجد بدونه إلا أن يأخذه الغير بأمره فالملتقط هو الآمر لأن المباشر نائب عنه فهو كاستنابته في أخذ المباح.
تنبيه: دخل في كلام المصنف لو التقطه مسلم وكافر وهو كذلك وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل: المسلم أولى اختاره المصنف والحارثي والناظم وغيرهم وتقدم ذلك أيضا.
قوله: "فإن تشاحا أقرع بينهما".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم منهم صاحب المغني والشرح والقواعد والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وشرح الحارثي.
وقيل: يسلمه الحاكم إلى من شاء منهما أو من غيرهما.
وقال الحارثي: ذكر صاحب المحرر في باب الحضانة أن الرقيق إذا كان بعضه حرا تهايأ في حضانته سيده ونسيبه.
وحكى ذلك عن أبي بكر عبد العزيز.
قال: فيخرج هنا مثله والمذهب الأول انتهى.
تنبيه: قوله: "وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة". بلا نزاع.
فإن كان لكل واحد منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا قاله في المغني والشرح والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي وغيرهم.
وإن اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى تعارضتا وهل يسقطان أو يستعملان فيه وجهان.
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح الحارثي وغيرهم.
أحدهما: يسقطان فيصيران كمن لا بينة لهما.
وجزم به فيما إذا تساويا في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
والثاني: يستعملان ويقرع بينهما فمن قرع صاحبه كان أولى به.
قال في الكافي: وإن تساويا في اليد أو عدمها سقطتا وأقرع بينهما فقدم بها أحدهما وجزم به ابن رزين في شرحه.
ومحلهما: إذا لم يكن في يد أحدهما.
قال الحارثي: وفي بينة المال وجه بتقديم المطلقة على المؤرخة وهو ضعيف بل الأولى تقديم المؤرخة. انتهى.
ويأتي ذلك في باب الدعاوى محررا.
فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينة الخارج فيه وجهان مبنيان على الروايتين في دعوى المال على ما يأتي في بينة الداخل والخارج.
وقال في الفروع: يقدم رب اليد مع بينة وفي يمينه وجهان.
قوله: "فإن لم يكن لهما بينة قدم صاحب اليد". بلا نزاع.
لكن هل يحلف معها فيه وجهان وأطلقهما في الكافي والفروع.
أحدهما: لا يحلف وهو ظاهر كلام المصنف هنا واختاره ابن عقيل والقاضي وقال هو قياس المذهب.
وقدمه ابن رزين في شرحه.
والوجه الثاني: يحلف قاله أبو الخطاب ونصره المصنف والشارح، قال الحارثي: وهو الصحيح.
فائدتان
إحداهما: قوله: "فإن كان في أيديهما أقرع بينهما فمن قرع سلم إليه مع يمينه".
على الصحيح من المذهب قاله في المغني والشرح وقالا وعلى قول القاضي لا تشرع اليمين هنا ويسلم إليه بمجرد وقوع القرعة له وأطلقهما في الكافي.
الثانية: لو ادعى أحدهما أنه أخذه منه قهرا وسأل الحاكم يمينه قال في الفروع فيتوجه أحلافه.
وقال في المنتخب: لا يحلف كطلاق ادعى على الزوج.
قوله: "وإن لم يكن لهما يد فوصفه أحدهما".
يعني: بعلامة مستورة في جسده قدم هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز وشرح الحارثي والمحرر والقواعد الفقهية في القاعدة الثامنة والتسعين وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وذكر القاضي في الخلاف وصاحب المبهج والمنتخب والوسيلة أنه لا يقدم واصفه.
وذكره في الفنون وعيون المسائل عن أصحابنا وإليه ميل الحارثي فإنه نظر على تعليل الأصحاب.
فائدة: لو وصفاه جميعا أقرع بينهما.
قال في التلخيص: واقتصر عليه الحارثي.
قوله: "وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما أو من غيرهما".
يعني: إذا لم يكن في أيديهما ولا في يد واحد منهما ولا بينة لهما ولا لأحدهما ولا وصفاه ولا أحدهما وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الحارثي: قال الأصحاب والمصنف هنا يسلمه القاضي إلى من يرى منهما أو من غيرهما انتهى.
قال في القواعد: قال القاضي والأكثرون لا حق لأحدهما فيه ويعطيه الحاكم لمن شاء منهما أو من غيرهما انتهى واختاره أبو الخطاب وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال المصنف: والأولى أن يقرع بينهما كما لو كان في أيديهما.
فائدة: من أسقط حقه منه سقط.
قوله: "وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وذكر ابن أبي موسى في الإرشاد: أن بعض شيوخه حكى رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن الملتقط يرثه واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى ونصره وصاحب الفائق قال الحارثي وهو الحق.
قوله: "وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب وقطع به أبو الخطاب في الهداية وغيره.
وذكر في التلخيص وجها: أنه لا يجب له حق الاقتصاص وأن أبا الخطاب خرجه.
قال: ووجهه أنه ليس له وارث معين فالمستحق جميع المسلمين وفيهم صبيان ومجانين فكيف يستوفى؟.
قال: وهذا يجري في قتل كل من لا وارث له انتهى.
قوله: "وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه".
يعني: مع رشده هذا المذهب.
قال الحارثي: هذا الصحيح المشهور في المذهب.
قال في الفروع: والأشهر ينتظر رشده إذا قطع طرفه.
وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الشرح وغيره.
وعنه: للإمام استيفاؤه قبل البلوغ نص عليه في رواية ابن منصور.
قال في الفائق: وهو المنصوص المختار وأطلقهما في الفائق.
قوله: "إلا أن يكون فقيرا مجنونا فللإمام العفو على مال ينفق عليه".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة، والمغني والشرح والفروع وغيرهم من الأصحاب وصححه القاضي وغيره.
وحكاه المجد عن نص الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل: ليس له ذلك.
قال في المقنع في باب استيفاء القصاص فإن كانا محتاجين إلى النفقة يعني الصبي والمجنون فهل لوليهما العفو على الدية يحتمل وجهين.
فعلى هذا: يجب على الإمام فعل ذلك لأن عليه رعاية الأصلح والتعجيل هنا هو الأصلح قدمه الحارثي في شرحه وهو الصواب.
وقال القاضي وابن عقيل: يستحب ذلك ولا يجب.
تنبيه: دخل في عموم قوله: "انتظر بلوغه" أنه لو كان فقيرا عاقلا فليس للإمام العفو على مال ينفق عليه وهو أحد الوجهين وهو ظاهر ما قطع به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
وجزم به في الشرح هنا والفصول والمغني هنا.
والوجه الثاني: للإمام ذلك. وهو الصحيح من المذهب.
قال القاضي والمصنف في باب القود عند قول الخرقي: "إذا اشترك جماعة في القتل" هذا أصح.
وكذا قال في الكافي في باب العفو عن القصاص وصححه في الشرح في باب استيفاء القصاص.
وحكاه المجد عن نص الإمام احمد رحمه الله.
وفي بعض نسخ المقنع هنا: "إلا أن يكون فقيرا أو مجنونا" بأو لا بالواو.
وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب استيفاء القصاص فإن كانا محتاجين إلى النفقة يعني الصبي والمجنون فهل لوليهما العفو عن الدية يحتمل وجهين.
وكذا قال أبو الخطاب في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم هناك وأطلقهما أيضا في الفروع والرعاية.
ودخل أيضا في عموم كلامه: لو كان مجنونا غنيا فليس للإمام العفو على مال بل تنتظر إفاقته وهو المذهب.
قال الحارثي: هذا المذهب وقطع به في الشرح.
وذكر في التلخيص وجها: للإمام ذلك وجزم به في الفصول والمغني وهو ظاهر كلامه في الوجيز وأطلقهما في الفروع والرعاية.
تنبيه: حيث قلنا ينتظر البلوغ أو العقل فإن الجاني يحبس إلى أوان البلوغ والإفاقة. وحيث قلنا: بالتعجيل وأخذ المال لو طلب اللقيط بعد بلوغه وعقله القصاص ورد المال لم يجب ذكره في التلخيص وغيره وفرقوا بينه وبين الشفعة.
قوله: "وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه فكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط". وهو المذهب.
قال الحارثي: هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي والفائق وغيرهم.
ويحتمل أن القول قول القاذف قاله المصنف.
قال الحارثي: وذكر صاحب المحرر في قتل من لا يعرف إذا ادعى رقه وجها أن القول قوله.
وعن القاضي في كتاب الخصال أنه جزم به لأن الرق محتمل والأصل البراءة.
وذكر صاحب المحرر في قذف من لا يعرف إذا ادعى رقه رواية بقبول قوله لأن احتمال الرق شبهة والحد يدرأ بالشبهات والأصل البراءة.
فائدة: لو كان اللقيط مميزا يطأ مثله وجب الحد على قاذفه على الصحيح من المذهب نص عليه.
وخرج وجه بانتفاء الوجوب وقيل هو رواية.
فعلى المذهب: يشترط لإقامته المطالبة بعد البلوغ وليس للولي المطالبة ذكره المصنف وغيره ويأتي ذلك في اوائل باب القذف.
قوله: "وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل" قوله: "إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه".
إذا ادعى إنسان أنه مملوكه فلا يخلو إما أن يكون له بينة أو لا.
فإن لم يكن له بينة فلا يخلو إما أن يكون في يده أو لا.
فإن لم يكن في يده فلا شيء له.
وإن كان في يده فلا يخلو: إما أن يكون الملتقط أو غيره، فإن كان هو الملتقط فلا شيء له أيضا ذكره في التلخيص وغيره. وإن كان غير الملتقط هو صدق قاله الحارثي وقاله في التلخيص وغيره لدلالة اليد على الملك.
قال الحارثي: ومقتضى كلام المصنف في المغني والكافي وجوب يمينه وهو الصواب لإمكان عدم الملك فلا بد من يمين تزيل أثر ذلك.
ثم إذا بلغ وقال: "أنا حر" لم يقبل.
وإن كان له بينة فلا يخلو إما أن تشهد بيده أو بملكه أو بسبب ملكه.
فإن شهدت بيده فإن كان غير الملتقط حكم له بها والقول قوله مع يمينه في الملك ذكره المصنف والشارح والقاضي أيضا لدلالة اليد على الملك.
زاد القاضي: وأنه ضل عنه أو ذهب أو غصب.
وإن شهدت: أن أمته ولدته في ملكه فعند الأصحاب هو له.
وإن اقتصرت على أن أمته ولدته ولم تقل: "في ملكه" فقدم المصنف أنه لا بد أن تشهد أن أمته ولدته في ملكه وهو المذهب قدمه في الفروع وصححه الناظم وجزم به في منتخب الأدمى وقطع به المصنف في هذا الكتاب في أثناء كتاب الشهادات.
ويحتمل أن لا يعتبر قول البينة في ملكه بل يكفي الشهادة بأن أمته ولدته.
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغني والشرح والمحرر وشرح الحارثي والرعايتين والحاوي الصغير.
وإن شهدت له أنه ملكه أو مملوكه أو عبده أو رقيقه ثبت ملكه بذلك على الصحيح من المذهب.
قطع به في المغني والكافي والشرح والقاضي وابن عقيل وصاحب المحرر وغيرهم.
وفيه وجه آخر: لا بد من ذكر السبب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وأبي الخطاب في الهداية وصاحب المذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم لاحتمال التعويل على ظاهر اليد وأطلقهما الحارثي في شرحه.
وفيه وجه ثالث: بأن البينة لا تسمع من الملتقط وتسمع من غيره لاحتمال تعويلها على يد الملتقط ويده لا تقبل الملك اختاره صاحب التلخيص.
فائدة: قال في المغني إن شهدت البينة بالملك أو باليد لم يقبل إلا رجلان أو رجل وامرأتان.
وإن شهدت بالولاء: قبل امرأة واحدة أو رجل واحد لأنه مما لا يطلع عليه الرجال.
وقال القاضي: يقبل فيه شاهدان وشاهد وامرأتان ولا يقبل فيه النساء. قال الحارثي: وهو أشبه بالمذهب.
قوله: "وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل".
إذا أقر اللقيط بالرق بعد البلوغ فلا يخلو إما أن يتقدمه تصرف أو إقرار بحرية أو لا.
فإن لم يتقدم إقراره تصرف ولا إقرار بحرية بل أقر بالرق جوابا أو ابتداء وصدقه المقر له فالصحيح من المذهب: أنه لا يقبل إقراره بالرق والحالة هذه صححه المصنف في المغني وحكاه القاضي وجها.
وقطع صاحب المحرر بأنه يقبل قوله واختاره في التلخيص ومال إليه الحارثي وقدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في الشرح.
وإن تقدم إقراره بالرق تصرف ببيع أو شراء أو نكاح أو إصداق ونحوه فهذا لا يقبل إقراره بالرق على الصحيح من المذهب وعليه الأكثر وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه: يقبل اختاره ابن عقيل في التذكرة.
وقال القاضي: يقبل فيما عليه رواية واحدة.
وهل يقبل في غيره على روايتين.
قال الحارثي: وحكى أبو الخطاب في كتابه والسامري عن القاضي اختصاص الروايتين بما تضمن حقا له أما ما تضمن حقا عليه فيقبل رواية واحدة.
قال: وحكاه المصنف هنا مطلقا عنه.
وإن تقدم إقراره بالحرية ثم أقر بالرق لم يقبل قوله قولا واحدا. ولو أقر بالرق لزيد فلم يصدقه: بطل إقراره.
ثم إن أقر لعمرو وقلنا: بقبول الإقرار في أصل المسألة ففي قبوله له وجهان وأطلقهما الحارثي والفروع وذكرهما القاضي وغيره.
أحدهما: يقبل اختاره المصنف وغيره.
والثاني: لا يقبل.
قوله: "وإن قال إني كافر لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد".
إذا بلغ اللقيط سنا يصح منه الإسلام والردة فيه على ما يأتي في باب الردة فنطق بالإسلام فهو مسلم ثم إن قال إني كافر فهو مرتد بلا نزاع.
وإن حكمنا بإسلامه تبعا للدار وبلغ وقال إني كافر وهي مسألة المصنف لم يقبل قوله وحكمه حكم المرتد وهو الصحيح من المذهب.
قال الحارثي: هذا الصحيح وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والمحرر والرعايتين والفروع والفائق والحاوي الصغير وغيرهم.
والوجه الثاني: يقر على ما قاله القاضي قال إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله.
قال المصنف والشارح: وهو وجه بعيد.
فعلى هذا الوجه: قال القاضي وأبو الخطاب وغيرهما إن وصف كفرا يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة وأقر في الدار وإن لم يبدلها أو كان كفرا لا يقر عليه ألحق بمأمنه.
قال في المغني: وهو بعيد جدا.
قوله: "وإن أقر إنسان أنه ولده ألحق به مسلما كان أو كافرا رجلا كان أو امرأة حيا كان اللقيط أو ميتا".
إذا أقر به حر مسلم يمكن كونه منه لحق به بلا نزاع ونص عليه في رواية جماعة.
وإن أقر به ذمي: ألحق به نسبا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب. وهو داخل في عموم نص الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل: لا يلحق به أيضا في النسب ذكره في الرعاية.
إذا علمت ذلك: فلا يلحقه في الدين بلا نزاع على ما يأتي في كلام المصنف.
ويأتي حكم نفقته في النفقات.
قال القاضي وغيره: وإذا بلغ فوصف الإسلام حكمنا بأنه لم يزل مسلما.
وإن وصف الكفر فهل يقر فيه الوجهان المذكوران في المسألة التي قبلها.
قوله: "ولا يتبع الكافر في دينه إلا أن يقيم بينة أنه ولد على فراشه".
هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره.
قال الشارح: هذا قول بعض أصحابنا وقياس المذهب لا يلحقه في الدين إلا أن تشهد
البينة: أنه ولد بين كافرين حيين لأن الطفل يحكم بإسلامه بإسلام أحد أبويه أو موته انتهى.
قال الحارثي قال الأصحاب: إن أقام الذمي بينة بولادته على فراشه لحقه في الدين أيضا لثبوت أنه ولد بين ذميين فكما لو لم يكن لقيطا.
وهذا مقيد باستمرار أبويه على الحياة والكفر وقد أشار إليه في الكافي لأن أحدهما لو مات أو أسلم لحكم بإسلام الطفل فلا بد فيما قالوا من ذلك انتهى.
"وإن أقرت به امرأة ألحق بها".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي: هذا المذهب عند الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
فعلى هذا قال الأصحاب: لا يسري اللحاق إلى الزوج بدون تصديقه أو قيام بينة بولادته على فراشه.
وعنه: لا يلحق بامرأة من وجه.
لا يلحق بامرأة لها نسب معروف أو إخوة.
وقيل لا يلحق بامرأة بحال وهو احتمال للمصنف وحكاه بن المنذر إجماعا.
تنبيه: شمل كلام المصنف لو أقر به عبد أنه يلحق به وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي: استلحاق العبد كاستلحاق الحر في لحاق النسب قاله الأصحاب انتهى.
ولا تجب نفقته عليه ولا على سيده لأنه محكوم بحريته وتكون نفقته من بيت المال.
تنبيه آخر: شمل قوله: "أو امرأة" لو أقرت أمه به وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي: والأمة كالحرة في دعوى النسب على ما ذكرنا قاله الأصحاب.
إلا أن الولد لا يحكم برقه بدون بينة حكاه المصنف ونص عليه من رواية ابن مشيش.
فوائد
إحداها: المجنون كالطفل إذا أمكن أن يكون منه وكان مجهول النسب.
الثانية: كل من ثبت لحاقه بالاستلحاق لو بلغ وأنكر لم يلتفت إليه قاله الأصحاب نقله الحارثي.
ويأتي حكم الإرث في باب الإقرار بمشارك في الميراث وكتاب الإقرار.
الثالثة: لو ادعى أجنبي نسبه ثبت مع بقاء ملك سيده ولو مع بينة بنسبه.
قال في الترغيب وغيره: إلا أن يكون مدعيه امرأة فتثبت حريته وإن كان رجلا عربيا فروايتان وفي مميز وجهان.
أحدهما: صحة إسلامه واقتصر على ذلك في الفروع.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإن ادعاه اثنان أو أكثر لأحدهم بينة قدم بها فإن تساووا في بينة أو عدمها عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما وإن ماتا".
سماع دعوى الكافر ولو لم يكن له بينه وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وفي الإرشاد وجه: لا تسمع دعوى الكافر بلا بينة.
وقال في التلخيص: إن كان لأحدهما يد غير يد الالتقاط وكان قد سبق استلحاقه فإنه يقدم على مستلحقه من بعد.
وإن لم يسمع استلحاقه إلا عند دعوى الثاني ففي تقديمه بمجرد اليد احتمالان انتهى.
فائدتان
إحداهما: لو كان في يد أحدهما وأقام كل واحد منهما بينة قدمت بينة الخارج على الصحيح من المذهب والروايتين وتقدم ذلك أيضا.
ويأتي في الدعاوي والبينات.
الثانية: لو كان في يد امرأة قدمت على امرأة ادعته بلا بينه على الصحيح من المذهب وتقدم التنبيه على ما هو اعم من ذلك.
تنبيه: قوله: "عرض معهما على القافة أو مع أقاربهما إن ماتا".
وذلك: مثل الأخ والأخت والعمة والخالة وأولادهم.
تنبيه: ظاهر قوله: "فإن ألحقته بأحدهما لحق به".
أنها لو توقفت في إلحاقه بأحدهما ونفته عن الآخر: أنه لا يلحق بالذي توقفت فيه وهو صحيح وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو المذهب وظاهر ما قدمه في الفروع.
وقال في المحرر: يلحق به وتبعه جماعة.
قوله: "وإن ادعاه أكثر من اثنين فألحق بهم لحق بهم وإن كثروا".
هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في رواية جماعة.
قال في الفائق: اختاره القاضي.
وجزم به في الوجيز ونظم المفردات. وقدمه في المغني والشرح وشرح الحارثي ونصروه والمحرر والفروع.
وهو من مفردات المذهب قاله ناظمها.
وقال الحارثي: وقال أبو حنيفة والثوري يلحق بأكثر من اثنين لكن عنده لا يلحق بأكثر من خمسة.
وقال ابن حامد: لا يلحق بأكثر من اثنين.
وعنه: يلحق بثلاثه فقط نص عليه في رواية مهنا. واختاره القاضي وغيره.
وذكر في المستوعب وجها: أنهم إذا ألحقوه بأكثر من ثلاثة لا يلحق بواحد منهم لظهور خطئهم.
فائدة: يرث كل من لحق به ميراث ولد كامل ويرثونه ميراث أب واحد ولهذا لو أوصي له قبلوا له جميعا ليحصل له.
وإن مات وخلف أحدهم فله ميراث أب كامل لأن نسبه كامل من الميت نص عليه.
ولأمي أبويه اللذين لحق بهما مع أم أم نصف السدس ولأم الأم نصفه.
قلت: فيعايى بها.
فائدة أخرى: امرأة ولدت ذكرا وأخرى أنثى وادعت كل واحدة أن الذكر ولدها دون الأنثى فقال في المغني والشرح يحتمل وجهين.
أحدهما: العرض على القافة مع الولدين.
قال الحارثي قلت: وهذا المذهب على ما مر من نصه من رواية ابن الحكم.
والوجه الثاني: عرض لبنها على أهل الطب والمعرفة فإن لبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته.
وقيل: لبن الذكر ثقيل ولبن الأنثى خفيف فيعتبران بطبعهما وزنتهما وما يختلفان به عند أهل المعرفة.
قال الحارثي: وهذا الاعتبار إن كان مطردا في العادة غير مختلف فهو إن شاء الله أظهر من الأول فإن أصول السنة قد تخفى على القائف.
قال في المغني: فإن لم يوجد قافة اعتبر باللبن خاصة.
وإن كان الولدان ذكرين أو أنثيين وادعتا أحدهما تعين العرض على القافة.
قوله: "وإن نفته القافة عنهم أو أشكل عليهم أو لم يوجد قافة". أو اختلف قائفان "ضاع نسبه في أحد الوجهين".
وهو المذهب. نص عليه في المسألة الأولى وجزم به في العمدة والوجيز واختاره أبو بكر.
قال المصنف: قول أبي بكر أقرب.
قال الحارثي: وهو الأشبه بالمذهب وقدمه في الفروع.
وفي الآخر: يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهم.
قال القاضي: وقد أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله.
واختاره ابن حامد. وقطع به في العمدة والتلخيص وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير والفائق.
قال الحارثي: ويحتمل أن يقبل من مميز أيضا تفريعا على وصيته وطلاقه وعلى قبول شهادته على رواية والمذهب خلافه.
وذكر ابن عقيل وغيره: هو لمن يميل بطبعه إليه لأن الفرع يميل إلى الأصل لكن بشرط أن لا يتقدمه إحسان.
وقيل: يلحق بهما. اختاره في المحرر.
ونقل ابن هانئ: يخير بينهما ولم يذكر قافة.
وعنه يقرع بينهما. فيلحق نسبه بالقرعة.
وذكرها في المغني في كتاب الفرائض نقله عنه في القواعد.
فوائد
منها: على قول ابن حامد ومن تابعه لو ألحقته القافة بعد انتسابه بغير من انتسب إليه بطل انتسابه.
ومنها: ليس له الانتساب بالتشهي بل بالميل الطبيعي الذي تثيره الولادة.
ومنها: يستقر نسبه بالانتساب فلو انتسب إلى أحدهما ثم عن له الانتساب إلى الثاني أو الانتفاء من الأول لم يقبل.
ومنها: لو انتسب إليهما جميعا لميله لحق بهما قاله الحارثي وغيره.
ومنها: لو بلغ ولم ينتسب إلى واحد منهما لعدم ميله ضاع نسبه لانتفاء دليله ولو انتسب إلى من عداهما وادعاه ذلك المنتسب إليه لحقه.
ومنها: وجوب النفقة مدة الانتظار عليهما لإقراره بموجبها وهو الولادة وكذلك في مدة انتظار البينة أو القافة.
تنبيه: قوله: "أو لم يوجد قافة". حقيقة العدم العدم الكلي فلو وجدت بعيدة ذهبوا إليها.
ومنها: لو قتله من ادعياه قبل أن يلحق بواحد منهما فلا قود على واحد منهما. ولو
رجعا لعدم قبوله ولو رجع أحدهما انتفى عنه وهو كشريك الأب على ما يأتي في آخر كتاب الجنايات.
قوله: "وكذلك الحكم إن وطى ء اثنان امرأة بشبهة أو جارية مشتركة بينهما في طهر واحد أو وطئت زوجة رجل أو أم ولده بشبهة وأتت بولد يمكن أن يكون منه فادعى الزوج أنه من الواطئ أري القافة معهما".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والفروع والفائق وغيرهم.
وسواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما ذكره القاضي وغيره.
وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة: أن يدعي الزوج أنه من الشبهة.
فعلى قوله: إن ادعاه لنفسه اختص به لقوة جانبه. وفي الانتصار: رواية مثل ذلك.
ونقل أبو الحارث في امرأة رجل غصبت فولدت عنده ثم رجعت إلى زوجها كيف يكون الولد للفراش في مثل هذا إنما يكون له إذا ادعاه وهذا لا يدعيه فلا يلزمه.
وقيل: إن عدمت القافة فهو لرب الفراش.
ويأتي في آخر اللعان: هل للزوج أو للسيد نفيه إذا ألحق به أو بهما؟.
قوله: "ولا يقبل قول القائف إلا إن يكون ذكرا عدلا مجربا في الإصابة".
يشترط في القائف: أن يكون عدلا مجربا في الإصابة بلا نزاع.
ومعنى كونه عدلا مجربا في الإصابة على ما قاله القاضي ومن تابعه بأن يترك الصبي بين عشرة رجال من غير من يدعيه ويريهم إياه فإن ألحقه بواحد منهم: سقط قوله لتبين خطئه وإن لم يلحقه بواحد منهم أريناه إياه مع عشرين فيهم مدعيه فإن ألحقه به لحقه.
ولو اعتبر بأن يرى صبيا معروف النسب مع قوم فيهم أبوه أو أخوه فإن ألحقه بقريبه عرفت إصابته وإن ألحقه بغيره سقط قوله: جاز.
وهذه التجربة عند عرضه على القافة للاحتياط في معرفة إصابته ولو لم نجربه بعد أن يكون مشهورا بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة جاز.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط حرية القائف وهو المذهب وهو ظاهر كلامه في الكافي والوجيز والمنور والهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم.
ذكروه فيما يلحق من النسب وقدمه في الفروع.
قال الحارثي: وهذا أصح.
وقيل: تشترط حريته.
وجزم به القاضي وصاحب المستوعب والمصنف والشارح وذكره في الترغيب عن الأصحاب.
قال في القواعد الأصولية: الأكثرون على أنه كحاكم فتشترط حريته وقدمه في الرعاية الكبرى والحاوي الصغير.
وأطلقهما في المحرر والنظم والرعاية الصغرى والفائق والزركشي.
فعلى الأول: يكون بمنزلة الشاهد وعلى الثاني يكون بمنزلة الحاكم.
وجزم به في الترغيب: أنه تعتبر فيه شروط الشهادة.
فوائد
الأولى: يكفي قائف واحد على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية أبي طالب وإسماعيل بن سعيد.
واختاره القاضي وصاحب المستوعب وصححه في النظم.
وقدمه في الرعايتين والفروع والحاوي الصغير.
وعنه: يشترط اثنان نص عليه في رواية محمد بن داود المصيصي والأثرم وجعفر بن محمد.
وقدمه في الفائق وشرح ابن رزين.
وأطلقهما في القواعد الأصولية والحارثي في شرحه والكافي والزركشي وظاهر الشرح: الإطلاق.
وخرج الحارثي الاكتفاء بقائف واحد عند العدم من نصه على الاكتفاء بالطبيب والبيطار إذا لم يوجد سواه وأولى فإن القائف أعز وجودا منهما.
تنبيه: هذا الخلاف مبني عند كثير من الأصحاب على أنه هل هو شاهد أو حاكم؟.
فإن قلنا: هو شاهد اعتبرنا العدد وإن قلنا هو حاكم فلا.
وقال جماعة من الأصحاب: ليس الخلاف مبنيا على ذلك بل الخلاف جار سواء قلنا القائف حاكم أو شاهد لأنا إن قلنا هو حاكم فلا يمتنع التعدد في الحكم كما يعتبر حاكمان في جزاء الصيد.
وإن قلنا: شاهد فلا تمتنع شهادة الواحد كما في المرأة حيث قبلنا شهادتها وشهادة الطبيب والبيطار.
وقالت طائفة من الأصحاب: هذا الخلاف مبني على أنه شاهد أو مخبر.
فإن جعلناه شاهدا: اعتبرنا التعدد وإن جعلناه مخبرا لم نعتبر التعدد كالخبر في الأمور الدينية.
الثانية: القائف كالحاكم عند أكثر الأصحاب قاله في القواعد الأصولية والحارثي وقطع به في الكافي.
وقيل: هو كالشاهد وهو الصحيح على ما تقدم.
وأكثر مسائل القائف مبنية على هذا الخلاف.
الثالثة: هل يشترط لفظ "الشهادة" من القائف؟.
قال في الفروع بعد القول باعتبار الاثنين ويعتبر منهما لفظ "الشهادة" نص عليه وكذا قال في الفائق.
قال في القواعد الأصولية: وفيه نظر إذ من أصلنا قبول شهادة الواحد في مواضع.
وعلى المذهب: يعتبر لفظ الشهادة انتهى.
قلت: في تنظيره نظر لأن من نقل عن الأصحاب كصاحب الفروع وغيره إنما نقلوا ذلك عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقد روى الأثرم أنه قال: لا يقبل قول واحد حتى يجتمع اثنان فيكونا شاهدين.
وإذا شهد اثنان من القافة أنه لهذا: فهو له.
وكذا قال في رواية محمد بن داود المصيصي.
فالذي نقل ذلك قال: يعتبر من الاثنين لفظ "الشهادة" وهو موافق للنص ولا يلزم من ذلك أنه لا يعتبر لفظ "الشهادة" في الواحد ولا عدمه.
غايته: أنه اقتصر على النص فلا اعتراض عليه في ذلك.
وقال في الانتصار: لا يعتبر لفظ "الشهادة" ولو كانا اثنين كما في المقومين.
الرابعة: لو عارض قول اثنين قول ثلاثة فأكثر أو تعارض اثنان سقط الكل.
وإن اتفق اثنان وخالف ثالث أخذ بقول الاثنين نص عليه ولو رجعا. فإن رجع أحدهما: لحق بالآخر.
قال في المنتخب: ومثله بيطاران وطبيبان في عيب.
الخامسة: يعمل بالقافة في غير بنوة كأخوة وعمومة عند أصحابنا.
وعند أبي الخطاب: لا يعمل بها في غير البنوة كإخبار راع بشبه.
وقال في عيون المسائل في التفرقة بين الولد والفصيل لأنا وقفنا على مورد الشرع ولتأكد النسب لثبوته مع السكوت.
السادسة: نفقة المولود على الواطئين فإذا لحق بأحدهما رجع على الآخر بنفقته.
ونقل صالح وحنبل: أرى القرعة والحكم بها.
يروى عنه عليه أفضل الصلاة والسلام "أنه أقرع في خمس مواضع فذكر منها: إقراع علي رضي الله عنه في الولد بين الثلاثة الذين وقعوا على الأمة في طهر واحد" ولم ير هذا في رواية الجماعة لاضطرابه.
وقال ابن القيم رحمه الله في الهدى: القرعة تستعمل عند فقدان مرجح سواها: من بينة أو إقرار أو قافة.
قال: وليس ببعيد تعيين المستحق في هذه الحال بالقرعة لأنها غاية المقدور عليه من ترجيح الدعوى ولها دخول في دعوى الأملاك التي لا تثبت بقرينة ولا أمارة فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرد الشبه الخفي المستند إلى قول قائف: أولى.
تم بحمد الله طبع الجزء السادس من كتاب الإنصاف في مطابع دار إحياء التراث العربي الزاهرة بيروت أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة والحمد لله رب العالمين.
المجلد السابع
كتاب الوقف
باب الوقف
...بسم الله الرحمن الرحيم.
كتاب الوقف :
قوله: "وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة".
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والرعايتين والحاوي الصغير والوجيز والفائق وغيرهم.
قال الزركشي وأراد من حد بهذا الحد مع شروطه المعتبرة وأدخل غيرهم الشروط في الحد انتهى.
وقال في المطلع وحد المصنف لم يجمع شروط الوقف وحده غيره فقال تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقف في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقربا إلى الله تعالى انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله وأقرب الحدود في الوقف أنه كل عين تجوز عاريتها.
فأدخل في حده أشياء كثيرة لا يجوز وقفها عند الإمام أحمد رحمه الله والأصحاب يأتي حكمها.
قوله: "وفيه روايتان إحداهما أنه يحصل بالقول والفعل الدال عليه".
كما مثل به المصنف وهذا المذهب.
قال المصنف والشارح وصاحب الفائق وغيرهم هذا ظاهر المذهب.
قال الحارثي مذهب أبي عبد الله رحمه الله انعقاد الوقف به وعليه الأصحاب انتهى.
وجزم به في الجامع الصغير ورءوس المسائل للقاضي ورءوس المسائل لأبي الخطاب والكافي والعمدة والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
والرواية الأخرى لا يصح إلا بالقول وحده كما مثل المصنف ذكرها القاضي في المجرد واختاره أبو محمد الجوزي.
ومنع المصنف دلالتها وجعل المذهب رواية واحدة وكذلك الحارثي.
فائدة: قال في المطلع السقاية بكسر السين الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها عن ابن عباد قال والمراد هنا بالسقاية البيت المبني لقضاء حاجة الإنسان سمي بذلك تشبيها بذلك.
قال ولم أره منصوصا عليه في شيء من كتب اللغة والغريب إلا بمعنى موضع الشراب وبمعنى الصواع انتهى.
قال الحارثي أراد بالسقاية موضع التطهر وقضاء الحاجة بقيد وجود الماء قال ولم أجد ذلك في كتب اللغويين وإنما هي عندهم مقولة بالاشتراك على الإناء الذي يسقى به وعلى موضع السقي أي المكان المتخذ به الماء غير أن هذا يقرب ما أراد المصنف بقوله: "وشرعها" أي فتح بابها وقد يريد به معنى الورود انتهى.
قلت لعله أراد أعم مما قالا فيدخل في كلامه لو وقف خابية للماء على الطريق ونحوه وبنى عليها ويكون ذلك تسبيلا له وقد صرح بذلك المصنف في المغنى وغيره.
قال الزركشي لو وقف سقاية ملك الشرب منها لكن يرد على ذلك قوله: "ويشرعها لهم".
تنبيه: قوله: "مثل أن يبني مسجدا".
أي يبنى بنيانا على هيئة المسجد.
"ويأذن للناس في الصلاة فيه".
أي إذنا عاما لأن الإذن الخاص قد يقع على غير الموقوف فلا يفيد دلالة الوقف قاله الحارثي.
قوله: "وصريحه وقفت وحبست وسبلت".
وقفت وحبست صريح في الوقف بلا نزاع وهما مترادفان على معنى الاشتراك في الرقبة عن التصرفات المزيلة للملك.
وأما "سبلت" فصريحة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الحارثي والصحيح أنه ليس صريحا لقوله عليه الصلاة والسلام "حبس الأصل وسبل
الثمرة".
غاير بين معنى "التحبيس" و"التسبيل" فامتنع كون أحدهما صريحا في الآخر.
وقد علم كون الوقف هو الإمساك في الرقبة عن أسباب التملكات والتسبيل إطلاق التمليك فكيف يكون صريحا في الوقف انتهى.
قوله: "وكنايته تصدقت وحرمت وأبدت".
أما "تصدقت وحرمت" فكناية فيه بلا خلاف أعلمه.
وأما "أبدت" فالصحيح من المذهب أنها من ألفاظ الكناية وعليه جماهير الأصحاب وقطع به الأكثر.
وذكر أبو الفرج أن "أبدت" صريح فيه.
قوله: "فلا يصح الوقف بالكناية إلا أن ينويه" بلا نزاع.
"أو يقرن بها أحد الألفاظ الباقية".
يعني الألفاظ الخمسة من الصريح والكناية.
أو حكم الوقف فيقول تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة أو لاتباع ولا توهب ولا تورث.
وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وذكر أبو الفرج أن قوله: "صدقة موقوفة أو مؤبدة أو لا يباع كناية".
وقال الحارثي إضافة التسبيل بمجرده إلى الصدقة لا يفيد زوال الاشتراك فإن التسبيل إنما يفيد ما تفيده الصدقة أو بعضه فلا يفيد معنى زائدا.
وكذا لو اقتصر على إضافة التأبيد إلى التحريم لا يفيد الوقف لأن التأبيد قد يريد به دوام التحريم فلا يخلص اللفظ عن الاشتراك قال وهذا الصحيح انتهى.
وقد قال المصنف والشارح وغيرهما لو جعل علو بيته أو سفله مسجدا صح وكذا لو جعل وسط داره مسجدا ولم يذكر الاستطراق صح كالبيع.
قال في الفروع فيتوجه منه الاكتفاء بلفظ يشعر بالمقصود وهو أظهر على أصلنا فيصح جعلت هذا للمسجد أو في المسجد ونحوه وهو ظاهر نصوصه.
وصحح في رواية يعقوب وقف من قال قريتي التي بالثغر لموالي الذين به ولأولادهم قاله شيخنا.
وقال إذا قال واحد أو جماعة جعلنا هذا المكان مسجدا أو وقفا صار مسجدا ووقفا بذلك وإن لم يكملوا عمارته.
وإذا قال كل منهم جعلت ملكي للمسجد أو في المسجد ونحو ذلك صار بذلك حقا للمسجد انتهى.
فائدتان:
إحداهما: إذا قال تصدقت بأرضي على فلانا وذكر معينا أو معينين والنظر لي أيام حياتي أو لفلان ثم من بعده لفلان كان مفيدا للوقف وكذا لو قال تصدقت به على فلان.
ثم من بعده على ولده أو على فلان أو تصدقت به على قبيلة كذا أو طائفة كذا كان مفيدا للوقف لأن ذلك لا يستعمل فيما عداه فالشركة منتفية.
الثانية: لو قال تصدقت بداري على فلان ثم قال بعد ذلك أردت الوقف ولم يصدقه فلان لم يقبل قول المتصدق في الحكم لأنه مخالف للظاهر.
قلت فيعايي بها.
قوله: "ولا يصح إلا بشروط أربعة أحدها: أن يكون في عين يجوز بيعها ويمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها".
يعني في العرف كالإجارة وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
واعتبر أبو محمد الجوزي بقاء متطاولا أدناه عمر الحيوان.
قوله: "كالعقار والحيوان والأثاث والسلاح".
أما وقف غير المنقول فيصح بلا نزاع.
وأما وقف المنقول كالحيوان والأثاث والسلاح ونحوها.
فالصحيح من المذهب صحة وقفها وعليه الأصحاب ونص عليه.
وعنه لا يصح وقف غير العقار نص عليه في رواية الأثرم وحنبل.
ومنع الحارثي دلالة هذه الرواية وجعل المذهب رواية واحدة.
ونقل المروذي لا يجوز وقف السلاح ذكره أبو بكر.
وقال في الإرشاد لا يصح وقف الثياب.
قوله: "ويصح وقف المشاع".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة.
وفي طريقة بعض الأصحاب ويتوجه من عدم صحة إجارة المشاع عدم صحة وقفه.
فائدة: قال في الفروع يتوجه أن المشاع لو وقفه مسجدا ثبت فيه حكم المسجد في الحال فيمنع من الجنب ثم القسمة متعينة هنا لتعينها طريقا للانتفاع بالموقوف انتهى.
وكذا ذكره ابن الصلاح.
قوله: "ويصح وقف الحلي للبس والعارية".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال المصنف وغيره هذا المذهب.
قال الحارثي هذا الصحيح.
وذكره صاحب التلخيص عن عامة الأصحاب.
واختاره القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل والمصنف والشارح في آخرين ونقلها الخرقي وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع في الحلي وغيره.
وعنه لا يصح اختاره ابن أبي موسى ذكره الحارثي وتأولها القاضي وابن عقيل.
قال في التلخيص وهذه الرواية مبنية على ما حكيناه عنه في المنع في وقف المنقول وأطلقهما في الرعاية.
فائدة: لو أطلق وقف الحلي لم يصح قطع به في الفائق.
قلت لو قيل بالصحة ويصرف إلى اللبس والعارية لكان متجها وله نظائر.
قوله: "ولا يصح وقف غير معين كأحد هذين".
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب.
وقال في التلخيص ويحتمل أن يصح كالعتق.
ونقل جماعة عن الإمام أحمد رحمه الله فيمن وقف دارا ولم يحدها قال يصح وإن لم يحدها إذا كانت معروفة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
فعلى الصحة يخرج المبهم بالقرعة قاله الحارثي وصاحب الرعاية وغيرهما.
قوله: "ولا يصح وقف مالا يجوز بيعه كأم الولد والكلب".
أما أم الولد فالصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أنه لا يصح وقفها قطع به في المغنى والشرح وشرح الحارثي والفروع وغيرهم.
وقيل يصح قاله في الفائق.
وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
قلت فلعل مراد القائل بذلك إذا قيل بجواز بيعها أو أنه يصح ما دام سيدها حيا على قول يأتي.
ثم وجدت صاحب الرعاية الكبرى قال وفي أم الولد وجهان.
قلت إن صح بيعها صح وقفها وإلا فلا انتهى.
لكن ينبغي على هذا أن يصح وقفها قولا واحدا.
وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله لا يصح وقف منافع أم الولد في حياته.
فائدتان:
إحداها: قال الحارثي المكاتب إن قيل بمنع بيعه فكأم الولد.
وإن قيل بالجواز كما هو المذهب فمقتضى ذلك صحة وقفه ولكن إذا أدى هل يبطل الوقف يحتاج إلى نظر انتهى.
الثانية: حكم وقف المدبر حكم بيعه على ما يأتي في بابه ذكره في الرعايتين والزركشي وغيرهم.
وأما الكلب فالصحيح من المذهب أنه لا يصح وقفه وعليه الأصحاب لأنه لا يصح بيعه.
وقال الحارثي في شرحه وقد تخرج الصحة من جواز إعارة الكلب المعلم كما خرج جواز الإجارة لحصول نقل المنفعة والمنفعة مستحقة بغير إشكال فجاز أن تنقل.
قال والصحيح اختصاص النهى عن البيع بما عدا كلب الصيد بدليل رواية حماد بن سلمة عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور إلا كلب الصيد والإسناد جيد فيصح وقف المعلم لأن بيعه جائز.
وفي معناه جوارح الطير وسباع البهائم الصيادة يصح وقفها ويجوز بيعها بخلاف غير الصيادة.
ومر في المذهب رواية بامتناع بيعها أعنى الصيادة فيمتنع وقفها والأول أصح انتهى.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح وقف الكلب المعلم والجوارح المعلمة وما لا يقدر على تسليمه.
قوله: "ولا مالا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان".
إذا وقف الأثمان فلا يخلو إما أن يقفها للتحلي والوزن أو غير ذلك.
فإن وقفها للتحلي والوزن فالصحيح من المذهب أنه لا يصح ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله وهو ظاهر ما قدمه في المغنى والشرح.
قال الحارثي وعدم الصحة أصح.
وقيل يصح قياسا على الإجارة.
قال في التلخيص إن وقفها للزينة بها فقياس قولنا في الإجارة أنه يصح.
فعلى هذا إن وقفها وأطلق بطل الوقف على الصحيح.
وقيل يصح ويحمل عليهما.
وإن وقفها لغير ذلك لم يصح على الصحيح من المذهب.
وقال في الفائق وعنه يصح وقف الدراهم فينتفع بها في القرض ونحوه اختاره شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في الاختبارات ولو وقف الدراهم على المحتاجين لم يكن جواز هذا بعيدا.
فائدتان:
إحداهما لو وقف قنديل ذهب أو فضة على مسجد لم يصح وهو باق على ملك ربه فيزكيه على الصحيح من المذهب.
وقيل يصح فيكسر ويصرف في مصالحه اختاره المصنف.
قلت وهذا هو الصواب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو وقف قنديل نقد للنبي صلى الله عليه وسلم صرف لجيرانه صلى الله عليه وسلم قيمته.
وقال في موضع آخر النذر للقبور هو للمصالح ما لم يعلم ربه وفي الكفارة الخلاف وإن من الحسن صرفه في نظيره من المشروع.
ولو وقف فرسا بسرج ولجام مفضض صح نص عليه تبعا.
وعنه تباع الفضة وتصرف في وقف مثله.
وعنه ينفق عليه.
الثانية: قال في الفائق ويجوز وقف الماء نص عليه.
قال في الفروع وفي الجامع يصح وقف الماء قال الفضل سألته عن وقف الماء فقال إن كان شيئا استجازوه بينهم جاز.
وحمله القاضي وغيره على وقف مكانه.
قال الحارثي هذا النص يقتضي تصحيح الوقف لنفس الماء كما يفعله أهل دمشق يقف أحدهم حصة أو بعضها من ماء النهر وهو مشكل من وجهين.
أحدهما: إثبات الوقف فيما لم يملكه بعد فإن الماء يتحدد شيئا فشيئا.
الثاني: ذهاب العين بالانتفاع.
ولكن قد يقال بقاء مادة الحصول من غير تأثر بالانتفاع يتنزل منزلة بقاء أصل العين مع الانتفاع.
ويؤيد هذا صحة وقف البئر فإن الوقف وارد على مجموع الماء والحفيرة فالماء أصل في الوقف وهو المقصود من البئر ثم لا أثر لذهاب الماء بالاستعمال لتجدد بدله فهنا كذلك فيجوز وقف الماء كذلك انتهى.
قوله: "والمطعوم والرياحين".
يعني لا يصح وقفها وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو تصدق بدهن على مسجد ليوقد فيه جاز وهو من باب الوقف وتسميته وقفا بمعنى أنه وقف على تلك الجهة لا ينتفع به في غيرها لا تأباه اللغة وهو جار في الشرع.
وقال أيضا يصح وقف الريحان ليشمه أهل المسجد.
قال وطيب الكعبة حكمه حكم كسوتها فعلم أن التطييب منفعة مقصودة لكن قد تطول مدة التطيب وقد تقصر ولا أثر لذلك.
قال الحارثي وما يبقى أثره من الطيب كالند والصندل وقطع الكافور لشم المريض وغيره فيصح وقفه على ذلك لبقائه مع الانتفاع وقد صحت إجارته لذلك فصح وقفه انتهى.
وهذا ليس داخلا في كلام المصنف.
والظاهر أن هذا من المتفق على صحته لوجود شروط الوقف.
قوله: "الثاني: أن يكون على بر".
وسواء كان الواقف مسلما أو ذميا نص عليه الإمام أحمد رحمه الله كالمساكين والمساجد والقناطر والأقارب وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل يصح الوقف على مباح أيضا.
وقيل يصح على مباح ومكروه.
قال في التلخيص وقيل المشترط أن لا يكون على جهة معصية سواء كان قربة وثوابا أو لم يكن انتهى.
فعلى هذا يصح الوقف على الأغنياء.
فعلى المذهب اشتراط العزوبة باطل لأن الوصف ليس قربة ولتمييز الغنى عليه.
وعلى هذا هل يلغو الوصف ويعم أو يلغو الوقف أو يفرق بين أن يقف ويشترط أو يذكر الوصف ابتداء فيلغى في الاشتراط ويصح الوقف.
يحتمل أوجها قاله في الفائق.
فائدتان:
إحداهما أبطل ابن عقيل وقف الستور لغير الكعبة لأنه بدعة وصححه ابن الزاغوني فيصرف لمصلحة نقله ابن الصيرفي عنهما.
وفي فتاوى ابن الزاغوني المعصية لا تنعقد.
وأفتى أبو الخطاب بصحته وينفق ثمنها على عمارته ولا يستر لأن الكعبة خصت بذلك كالطواف.
الثانية: يصح وقف عبده على حجرة النبي صلى الله عليه وسلم لإخراج ترابها وإشعال قناديلها وإصلاحها لا لإشعالها وحده وتعليق ستورها الحرير والتعليق وكنس الحائط ونحو ذلك ذكره في الرعاية.
قوله: "مسلمين كانوا أو من أهل الذمة".
يعني إذا وقف على أقاربه من أهل الذمة صح وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة.
تنبيهان:
أحدهما: قد يقال مفهوم كلام المصنف أنه لا يصح الوقف على ذمي غير قرابته وهذا أحد الوجهين وهو مفهوم كلام جماعة منهم صاحب الوجيز والتلخيص وقدمه في الرعايتين ومال إليه الزركشي.
وقيل يصح على الذمي وإن كان أجنبيا من الواقف وهو الصحيح من المذهب جزم به في المغنى والكافي والمحرر والشرح والمنتخب وعيون المسائل وغيرهم.
قال في الفائق ويصح على ذمي من أقاربه نص عليه وعلى غيره من معين في أصح الوجهين دون الجهة انتهى.
وهو ظاهر ما قطع به الحارثي.
وأطلق الوجهين في الحاوي الصغير.
وقال الحلواني يصح على الفقراء منهم دون غيرهم.
وصحح في الواضح صحة الوقف من ذمي عليه دون غيره.
الثاني: قال الحارثي قال الأصحاب إن وقف على من ينزل الكنائس والبيع من المارة والمجتازين صح.
قالوا لأن هذا الوقف عليهم لا على البقعة والصدقة عليهم جائزة وصالحة للقربة وجزم به في المغنى والشرح وغيرهما.
قال الحارثي إن خص أهل الذمة فوقف على المارة منهم لم يصح انتهى.
وقال في الفروع وفي المنتخب والرعاية يصح على المارة بها منهم يعنى من أهل الذمة.
وقاله في المغنى في بناء بيت يسكنه المجتاز منهم.
ولم أر ما قال عنه صاحب الرعاية فيهما في مظنته بل قال ويصح منها على ذمي بهما أو ينزلهما أو يجتاز راجلا أو راكبا.
قوله: "ولا يصح على الكنائس وبيوت النار".
وكذا البيع وهذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه في الكنائس والبيع.
وفي الموجز رواية على الكنيسة والبيعة كمار بهما.
فوائد:
الأولى الذمي كالمسلم في عدم الصحة في ذلك على الصحيح من المذهب فلا يصح وقف الذمي على الكنائس والبيع وبيوت المنار ونحوها ولا على مصالح شيء من ذلك كالمسلم نص عليه وقطع به الحارثي وغيره.
قال المصنف لا نعلم فيه خلافا.
وصحح في الواضح وقف الذمي على البيعة والكنيسة.
وتقدم كلامه في وقف الذمي على الذمي.
الثانية: الوصية كالوقف في ذلك كله على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقيل من كافر.
وقال في الانتصار لو نذر الصدقة على ذمية لزمه.
وذكر في المذهب وغيره يصح للكل وذكره جماعة رواية.
وذكر القاضي صحتها بحصير وقناديل.
قال في التبصرة إن وصى لما لا معروف فيه ولا بر ككنيسة أو كتب التوراة لم يصح وعنه يصح.
الثالثة: لو وقف على ذمي وشرط استحقاقه ما دام كذلك فأسلم استحق ما كان يستحقه قبل الإسلام ولغى الشرط على الصحيح من المذهب وقطع به كثير من الأصحاب وصحح ابن عقيل في الفنون هذا الشرط.
وقال لأنه إذا وقفه على الذمي من أهله دون المسلم لا يجوز شرط لهم حال الكفر فأي فرق.
قوله: "ولا على حربي أو مرتد".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وأكثرهم قطع به منهم صاحب المغنى والرعاية والفروع وغيرهم من الأصحاب.
وقال الحارثي هذا أحد الوجهين.
قال في المجرد في كتاب الوصايا إذا أوصى مسلم لأهل قريته أو قرابته لم يتناول كافرهم إلا بتسميته.
قال في المحرر والوقف كالوصية في ذلك كله.
قال الحارثي فصححه على الكافر القريب والمعين قال وهو الصحيح لكن بشرط أن لا يكون مقاتلا ولا مخرجا للمسلمين من ديارهم ولا مظاهرا للأعداء على الإخراج انتهى.
وقواه بأدلة كثيرة.
قوله: "ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين".
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام الخرقى.
قال في الفصول هذه الرواية أصح.
قال الشارح هذا أقيس.
قال في الرعايتين ولا يصح على نفسه على الأصح.
قال الحارثي وهذا الأصح عند أبي الخطاب وابن عقيل والمصنف وقطع به ابن أبي موسى في الإرشاد وأبو الفرج الشيرازي في المبهج وصاحب الوجيز وغيرهم.
نقل حنبل وأبو طالب ما سمعت بهذا ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه الله تعالى.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع وشرح ابن رزين والحاوي الصغير.
والرواية الثانية: يصح نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم ويوسف بن أبي موسى والفضل بن زياد.
قال في المذهب ومسبوك الذهب صح في ظاهر المذهب.
قال الحارثي هذا هو الصحيح.
قال أبو المعالي في النهاية والخلاصة يصح على الأصح.
قال الناظم يجوز على المنصور من نص الإمام أحمد رحمه الله.
وصححه في التصحيح وإدراك الغاية.
قال في الفائق وهو المختار.
واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
ومال إليه صاحب التلخيص وجزم به في المنور ومنتخب الأدمى.
وقدمه في الهداية والمستوعب والهادي والفائق وغيرهم.
وقدمه المجد في مسودته على الهداية وقال نص عليه.
قال المصنف وتبعه الشارح وصاحب الفروع اختاره ابن أبي موسى.
وقال ابن عقيل هي أصح.
قلت الذي رأيته في الإرشاد والفصول ما ذكرته آنفا ولم يذكر المسألة في التذكرة فلعلهما اختاراه في غير ذلك لكن عبارته في الفصول موهمة.
قلت وهذه الرواية عليها العمل في زماننا وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة وهو الصواب وفيه مصلحة عظيمة وترغيب في فعل الخير وهو من محاسن المذهب.
وأطلقهما في المغنى والكافي والمحرر وشرح ابن منجا والبلغة وتجريد العناية.
فعلى المذهب هل يصح على من بعده على وجهين بناء على الوقف المنقطع الابتداء على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قال الحارثي ويحسن بناؤه على الوقف المعلق.
فائدة: إذا حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم.
فقال في الفروع ظاهر كلامهم ينفذ الحكم ظاهرا وفيه في الباطن الخلاف.
وفي فتاوى ابن الصلاح إذا حكم به حنفي وأنفذه شافعي للواقف نقضه إذا لم يكن الصحيح من مذهب أبي حنيفة وإلا جاز نقضه في الباطن فقط بخلاف صلاته في المسجد وحده حياته لعدم القربة والفائدة: فيه ذكرها ابن شهاب وغيره.
قوله: "وإن وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته صح".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به في المغنى والشرح وشرح الحارثي وابن منجا والمحرر والوجيز والقواعد وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية.
وهو من مفردات المذهب وقيل لا يصح.
فائدتان:
إحداهما وكذا الحكم لو استثنى الأكل مدة معينة.
وكذا لو استثنى الأكل والانتفاع لأهله أو يطعم صديقه قاله المصنف والشارح والحارثي وغيرهم.
قال في الفروع ويصح شرط غلته له أو لولده مدة حياته في المنصوص.
قال في المستوعب وكذلك إن شرط لأولاده أو لبعضهم سكنى الوقف مدة حياتهم جاز.
وقيل لا يصح إذا شرط الانتفاع لأهله أو شرط السكنى لأولاده أو لبعضهم ذكره في الفائق وغيره.
فعلى المذهب لو استثنى الانتفاع مدة معينة فمات في أثنائها فقال في المغنى ينبغي أن يكون ذلك لورثته كما لو باع دارا واستثنى لنفسه السكنى مدة فمات في أثنائها.
واقتصر عليه الحارثي.
وعلى المذهب أيضا يجوز إيجارها للموقوف عليه ولغيره.
الثانية: لو وقف على الفقراء ثم افتقر أبيح له التناول منه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في رواية المروذي.
قال في التلخيص هذا ظاهر كلام أصحابنا.
قال الحارثي هذا الصحيح.
قال في الفروع والرعاية شمله في الأصح.
قال في القواعد الأصولية والفقهية يدخل على الأصح في المذهب.
وقيل لا يباح ذلك وهو احتمال في التلخيص.
قال في القواعد الأصولية والظاهر أن محل الخلاف في دخوله إذا افتقر على قولنا فإن الوقف على النفس يصح.
وأما على القول بأنه لا يصح فلا يدخل في العموم إذا افتقر جزما لأنه لا يتناول بالخصوص فلا يتناول بالعموم بطريق الأولى.
وأما إذا وقف داره مسجدا أو أرضه مقبرة أو بئره ليستقى منها المسلمون أو بنى مدرسة لعموم الفقهاء أو لطائفة منهم أو رباطا للصوفية ونحو ذلك مما يعم فله الانتفاع كغيره.
قال الحارثي له ذلك من غير خلاف.
قوله: "الثالث أن يقف على معين يملك ولا يصح على مجهول كرجل ومسجد" بلا نزاع.
وكذا لا يصح لو كان مبهما كأحد هذين الرجلين على الصحيح من المذهب وعليه
جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل يصح ذكره في الرعاية احتمالا.
وقيل يصح إن قلنا لا يفتقر الوقف إلى قبول مخرج من وقف إحدى الدارين وهو احتمال في التلخيص.
فعلى الصحة يخرج المبهم بالقرعة قاله في الرعاية.
قلت وهو مراد من يقول بذلك.
وتقدم نظيره فيما إذا وقف أحد هذين.
قوله: "ولا على حيوان لا يملك كالعبد".
لا يصح الوقف على العبد على الصحيح من المذهب مطلقا نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في القواعد الفقهية الأكثرون على أنه لا يصح الوقف على العبد على الروايتين لضعف ملكه.
وجزم به في المغنى وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يصح إن قلنا يملك وهو ظاهر كلام المصنف هنا حيث اشترط لعدم الصحة عدم الملك.
قال في الرعاية ويكون لسيده.
وقيل يصح الوقف عليه سواء قلنا يملك أو لا ويكون لسيده واختاره الحارثي.
فائدتان:
إحداهما: لا يصح الوقف على أم الولد على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
واختار الحارثي الصحة.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح الوقف على أم ولده بعد موته.
وإن وقف على غيرها على أن ينفق عليها مدة حياته أو يكون الريع لها مدة حياته صح فإن استثناء المنفعة لأم ولده كاستثنائها لنفسه.
وإن وقف عليها مطلقا فينبغي أن يقال إن صححنا الوقف على النفس صح لأن ملك أم ولده أكثر ما يكون بمنزلة ملكه.
وإن لم نصححه فيتوجه أن يقال هو كالوقف على العبد القن.
ويتوجه الفرق بأن أم الولد لا تملك بحال وفيه نظر.
وقد يخرج على ملك العبد بالتمليك فإن هذا نوع تمليك لأم ولده بخلاف العبد القن.
فإنه قد يخرج عن ملكه فيكون ملكا لعبد الغير.
وإذا مات السيد فقد تخرج هذه المسألة على مسألة تفريق الصفقة لأن الوقف على أم الولد يعم حال رقها وعتقها فإذا لم يصح في إحدى الحالين خرج في الحال الأخرى وجهان.
فإن قلنا إن الوقف المنقطع الابتداء يصح فيجب أن يقال ذلك.
وإن قلنا لا يصح فهذا كذلك انتهى.
الثانية: لا يصح الوقف على المكاتب على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به في المغنى والشرح والتلخيص والبلغة والمستوعب وشرح ابن رزين وغيرهم.
وقيل يصح ويحتمله مفهوم كلام المصنف وقد يشمله قوله: "أن يقف على معين يملك".
واختاره الحارثي وأطلقهما في المحرر والفروع والرعايتين والفائق والحاوي الصغير وغيرهم.
قوله: "والحمل".
يعني لا يصح الوقف على الحمل وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
منهم ابن حمدان وصاحب الفائق والوجيز والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم.
وصحح ابن عقيل جواز الوقف على الحمل ابتداء واختاره الحارثي.
قال في الفروع ولا يصح على حمل بناء على أنه تمليك إذا وأنه لا يملك وفيهما نزاع.
تنبيه: إيراد المصنف في منع الوقف على الحمل يختص بما إذا كان الحمل أصلا في الوقف.
أما إذا كان تبعا بأن وقف على أولاده أو أولاد فلان وفيهم حمل أو انتقل إلى بطن وفيهم حمل فيصح بلا نزاع لكن لا يشاركهم قبل ولادته على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال في القاعدة الرابعة والثمانين هو قول القاضي والأكثرين وجزم به الحارثي وغيره.
وقال ابن عقيل يثبت له استحقاق الوقف في حال كونه حملا حتى صحح الوقف على الحمل ابتداء كما تقدم.
وأفتى الشيخ تقي الدين رحمه الله باستحقاق الحمل من الوقف أيضا.
فائدة: لو قال وقفت على من سيولد لي أو من سيولد لفلان لم يصح على الصحيح
من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وجزم به القاضي في خلافه وغيره وقدمه في الفروع وغيره وصححه المصنف في المغنى وغيره.
وذكره المصنف في مسألة الوصية لمن تحمل هذه المرأة.
وقال المجد ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله صحته ورده ابن رجب.
قوله: "والبهيمة".
يعني لا يصح الوقف عليها وهو المذهب وعليه الأصحاب.
واختار الحارثي الصحة وقال وهو الأظهر عندي كما في الوقف على القنطرة والسقاية وينفق عليها.
قوله: "الرابع: أن يقف ناجزا فإن علقه على شرط لم يصح".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل يصح واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق والحارثي وقال الصحة أظهر ونصره.
وقال ابن حمدان من عنده إن قيل الملك لله تعالى صح التعليق وإلا فلا.
قوله: "إلا أن يقول هو وقف من بعد موتي".
فيصح في قول الخرقي وهو المذهب.
اختاره أبو الخطاب في خلافة الصغير والمصنف والشارح والحارثي والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وغيرهم.
قال المصنف والشارح وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
وجزم به في الكافي والخلاصة والمنور ومنتخب الأزجي وغيرهم.
وقدمه في المحرر والفروع والنظم وغيرهم.
قال في القواعد وهو أصح لأنها وصية والوصايا تقبل التعليق.
وقال أبو الخطاب في الهداية لا تصح.
واختاره ابن البنا والقاضي وحمل كلام الخرقي على أنه قال قفوا بعد موتي فيكون وصية بالوقف وأطلقهما في المذهب.
فعلى المذهب يعتبر من الثلث.
فوائد:
منها قال الحارثي كلام الأصحاب يقتضي أن الوقف المعلق على الموت أو على شرط في الحياة لا يقع لازما قبل وجود المعلق عليه لأن ما هو معلق بالموت وصية والوصية في قولهم لا تلزم قبل الموت والمعلق على شرط في الحياة في معناها فيثبت فيه مثل حكمها في ذلك.
قال والمنصوص عن الإمام احمد رحمه الله في المعلق على الموت هو اللزوم.
قال الميموني في كتابه سألته عن الرجل يوقف على أهل بيته أو على المساكين بعده فاحتاج إليها أيبيع على قصة المدبر فابتدأنى أبو عبد الله بالكراهة لذلك فقال الوقوف إنما كانت من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يبيعوا ولا يهبوا.
قلت فمن شبهه وتأول المدبر عليه والمدبر قد يأتي عليه وقت يكون فيه حرا والموقوف إنما هو شيء وقفه بعده وهو ملك الساعة.
قال لي إذا كان يتأول.
قال الميموني وإنما ناظرته بهذا لأنه قال المدبر ليس لأحد فيه شيء وهو ملك الساعة وهذا شيء وقفه على قوم مساكين فكيف يحدث به شيئا.
فقلت هكذا الوقوف ليس لأحد فيها شيء الساعة هو ملك وإنما استحق بعد الوفاة كما أن المدبر الساعة ليس بحر ثم يأتي عليه وقت يكون فيه حرا انتهى.
فنص الإمام أحمد رحمه الله على الفرق بين الوقف بعد الموت وبين المدبر.
قال الحارثي والفرق عسر جدا.
وتابع في التلخيص المنصوص فقال أحكام الوقف خمسة.
منها لزومه في الحال أخرجه مخرج الوصية أم لم يخرجه وعند ذلك ينقطع تصرفه فيه.
وشيخنا رحمه الله في حواشي المحرر لما لم يطلع على نص الإمام أحمد رد كلام صاحب التلخيص وتأوله اعتمادا على أن المسألة ليس فيها منقول مع أنه وافق الحارثي على أن ظاهر كلام الأصحاب لا يقع الوقف والحالة هذه لازما.
قلت كلامه في القواعد يشعر أن فيه خلافا هل هو لازم أم لا.
قاله في القاعدة الثانية والثمانين في تبعية الولد.
ومنها المعلق وقفها بالموت إن قلنا هو لازم وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية الميموني انتهى.
فظاهر قوله: إن قلنا هو لازم يشعر بالخلاف.
ومنها لو شرط في الوقف أن يبيعه أو يهبه أو يرجع فيه متى شاء بطل الشرط والوقف في أحد الأوجه وهو الصحيح من المذهب نص عليه.
وقدمه في الفروع وشرح الحارثي والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
قال المصنف في المغنى لا نعلم فيه خلافا.
وقيل يبطل الشرط دون الوقف وهو تخريج من البيع وما هو ببعيد.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله يصح في الكل نقله عنه في الفائق.
ومنها لو شرط الخيار في الوقف فسد نص عليه وهو المذهب وحرج فساد الشرط وحده من البيع.
قال الحارثي وهو أشبه.
ومنها لو شرط البيع عند خرابه وصرف الثمن في مثله أو شرطه للمتولى بعده فقال القاضي وابن عقيل وابن البنا وغيرهم يبطل الوقف.
قلت وفيه نظر.
وذكر القاضي وابن عقيل وجها بصحة الوقف وإلغاء الشرط ذكر ذلك الحارثي.
قلت وهو الصواب.
قال في الفروع وشرط بيعه إذا خرب فاسد في المنصوص نقله حرب وعلل بأنه ضرورة ومنفعة لهم.
قال في الفروع ويتوجه على تعليله لو شرط عدمه عند تعطيله.
وقيل الشرط صحيح.
قوله: "ولا يشترط القبول إلا أن يكون على آدمي معين ففيه وجهان".
إذا وقف وقفا فلا يخلو إما أن يكون على آدمي معين أو غيره.
فإن كان على غير معين فقطع المصنف هنا أنه لا يشترط القبول وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وذكر الناظم احتمالا أن نائب الإمام يقبله.
وإن كان الموقوف عليه آدميا معينا زاد في الرعايتين أو جمعا محصورا فهل يشترط قبوله أم لا يشترط.
فيه وجهان أطلقهما المصنف هنا.
أحدهما: لا يشترط وهو المذهب.
قال في الكافى هذا ظاهر المذهب قال الشارح هذا أولى.
قال الحارثي هذا أقوى وقطع به القاضي وابن عقيل.
قال في الفائق لا يشترط في أصح الوجهين وصححه في التصحيح.
وجزم به في الوجيز والمنور.
وقدمه في الكافي والمحرر والفروع.
والوجه الثاني: يشترط.
قال في المذهب والخلاصة يشترط في الأصح.
قال الناظم هذا أقوى.
وقدمه في الهداية والمستوعب والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
وأطلقهما في مسبوك الذهب والتلخيص وشرح ابن منجا والرعاية الكبرى والزركشي وتجريد العناية.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وأخذ الريع قبول.
تنبيه: أكثر الأصحاب يحكي الخلاف من غير بناء.
وقال ابن منجا في شرحه بعد تعليل الوجهين والأشبه أن ينبني ذلك على أن الملك هل ينتقل إلى الموقوف عليه أم لا.
فإن قيل بالانتقال قيل باشتراط القبول وإلا فلا.
قال الحارثي وبناه بعض أصحابنا المتأخرين على ذلك.
قال في الرعايتين قلت إن قلنا هو لله تعالى لم يعتبر القبول وإن قلنا هو للمعين والجمع المحصور أعتبر فيه القبول.
قال الحارثي وفي ذلك نظر فإن القبول إن أنيط بالتمليك فالوقف لا يخلو من تمليك سواء قيل بالامتناع أو عدمه انتهى.
قال الزركشي والظاهر أن الخلاف على القول بالانتقال إذ لا نزاع بين الأصحاب أن الانتقال إلى الموقوف عليه هو المذهب مع اختلافهم في المختار هنا.
فعلى المذهب لا يبطل برده فرده وقبوله وعدمهما واحد كالعتق.
جزم به في المغنى والشرح.
وقال أبو المعالي في النهاية إنه يرتد برده كالوكيل إذا رد الوكالة وإن لم يشترط لها القبول.
قال الحارثي وهذا أصح.
وعلى القول بالاشتراط قال الحارثي يشترط اتصال القبول بالإيجاب فإن تراخى عنه بطل كما يبطل في البيع والهبة.
وعلله ثم قال وإذا علم هذا فيتفرع عليه عدم اشتراط القبول من المستحق الثاني والثالث ومن بعد تراخى استحقاقهم عن الإيجاب ذكره بعض الأصحاب.
قال وهذا يشكل بقبول الوصية متراخيا عن الإيجاب انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله إذا اشترط القبول على المعين فلا ينبغي أن يشترط المجلس بل يلحق بالوصية والوكالة فيصح معجلا ومؤجلا بالقول والفعل فأخذ ريعه قبول.
وقطع واختار في القاعدة الخامسة والخمسين أن تصرف الموقوف عليه المعين يقوم مقام القبول بالقول.
قوله: "فإن لم يقبله أو رده بطل في حقه دون من بعده".
وهذا مفرع على القول باشتراط القبول.
فجزم المصنف هنا أنه كالمنقطع الابتداء على ما يأتي بعد ذلك فيأتي فيه وجه بالبطلان وهذا أحد الوجهين.
أعني كونه كالمنقطع الابتداء.
وجزم به في المغنى والشرح.
وقيل يصح هذا وإن لم تصحح في الوقف المنقطع وهو الصحيح.
قال في الفروع وهو أصح كتعذر استحقاقه لفوت وصف فيه.
قال الحارثي هذا الصحيح.
فعلى هذا يصح هنا قولا واحدا.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله ليس كالوقف المنقطع الابتداء بل الوقف هنا صحيح قولا واحدا.
قوله: "وكان كما لو وقف على من لا يجوز ثم على من يجوز".
هذا الوقف المنقطع الابتداء وهو صحيح على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
قال الحارثي جزم به أكثر الأصحاب.
وبناه في المغنى ومن تابعه على تفريق الصفقة فأجرى وجها بالبطلان.
قال وفيه بعد.
فعلى المذهب يصرف في الحال إلى من بعده كما قال المصنف وهذا الصحيح من المذهب.
قال الحارثي وهو الأقوى.
وقدمه في المحرر والفروع والفائق والرعايتين والحاوي الصغير.
وفيه وجه آخر أنه إن كان من لا يجوز الوقف عليه يعرف انقراضه كرجل معين صرف إلى مصرف الوقف المنقطع يعني المنقطع الانتهاء على ما يأتي.
صرح به الحارثي إلى أن ينقرض ثم يصرف إلى من بعده.
واختاره ابن عقيل والقاضي وقال هو قياس المذهب.
وقيل يصرف إلى أقارب الواقف قاله في الفائق.
قوله: "وإن وقف على جهة تنقطع ولم يذكر له مالا أو على من يجوز ثم على من لا يجوز انصرف بعد انقراض من يجوز الوقف عليه إلى ورثة الواقف وقفا عليهم في إحدى الروايتين".
وهو المذهب قال في الكافي هذا ظاهر المذهب.
وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والرعايتين والحاوي الصغير.
فعليها يقسم على قدر إرثهم جزم به في الفروع وغيره.
قال الحارثي قاله الأصحاب.
قال القاضي فللبنت مع الابن الثلث وله الباقي وللأخ من الأم مع الأخ للأب السدس وله ما بقي.
وإن كان جد وأخ قاسمه وإن كان أخ وعم انفرد به الأخ وإن كان عم وابن عم انفرد به العم.
وقال الحارثي وهذا تخصيص بمن يرث من الأقارب في حال دون حال وتفضيل لبعض على بعض.
وهو لو وقف على أقاربه لما قالوا فيه بهذا التخصيص والتفضيل.
وكذا لو وقف على أولاده أو أولاد زيد لا يفضل فيه الذكر على الأنثى وقد قالوا هنا إنما ينتقل إلى الأقارب وقفا انتهى.
فظاهر كلامه أنه مال إلى عدم المفاضلة وما هو ببعيد.
قال في الفائق وعنه في أقاربه ذكرهم وأنثاهم بالسوية ويختص به الوارث انتهى.
والرواية الأخرى يصرف إلى أقرب عصبته.
قال في الفروع وعنه يصرف إلى عصبته ولم يذكر أقرب وأطلقهما ابن منجا في شرحه.
فعليهما يكون وقفا على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقطع به القاضي وأبو الخطاب والمجد وغيرهم.
وقدمه في النظم والفروع والزركشي والفائق وغيرهم.
وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
قال في المغنى نص عليه.
قال الحارثي وإنما حذف ذكر الوقف في الرواية الثانية اختصارا واكتفاء بذكره المتقدم في رواية العود إلى الورثة انتهى.
وقال ابن منجا في شرحه مفهوم قوله: في الورثة يكون وقفا عليهم على أنه إذا انصرف إلى أقرب العصبة لا يكون وقفا.
ورده الحارثي فقال من الناس من حمل رواية العود إلى أقرب العصبة في كلام المصنف على العود ملكا.
قال لأنه قيد رواية العود إلى الورثة بالوقف وأطلق هنا وأثبت بذلك وجها.
قال وليس كذلك فإن العود إلى الأقرب ملكا إنما يكون بسبب الإرث ومعلوم أن الإرث لا يختص بأقرب العصبة.
وأيضا فقد حكى خلافا في اختصاص العود بالفقراء بهم ولو كان إرثا لما اختص بالفقراء مع أن المصنف صرح بالوقف في ذلك في كتابيه وكذلك الذين نقل من كتبهم كالقاضي وأبي الخطاب انتهى.
وعنه يكون ملكا.
قال في الفائق وقيل يكون ملكا اختاره الخرقي.
قال في المغنى ويحتمله كلام الخرقي.
قال في الفائق وقال ابن أبي موسى إن رجع إلى الورثة كان ملكا بخلاف العصبة.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله وهذا أصح وأشبه بكلام الإمام أحمد رحمه الله.
وعلى الروايتين أيضا "هل يختص به فقراؤهم على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والرعاية الكبرى وغيرهم.
أحدهما: عدم الاختصاص وهو المذهب.
قال الحارثي هذا الأصح في المذهب.
قال الناظم هذا الأقوى وجزم به في المحرر وغيره.
قال الزركشي هو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله والخرقي.
وقدمه في الخلاصة والفروع والفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير.
والوجه الثاني: يختص به فقراؤهم اختاره القاضي في كتاب الروايتين.
فائدة: متى قلنا برجوعه إلى أقارب الواقف وكان الواقف حيا ففي رجوعه إليه أو إلى عصبته وذريته روايتان.
حكاهما ابن الزاغونى في الإقناع رواية.
إحداهما يدخل قطع به ابن عقيل في مفرداته قاله في القاعدة السبعين.
وكذا لو وقف على أولاده وأنسالهم على أن من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه فتوفي أحد أولاد الواقف عن غير ولد والأب الواقف حي فهل يعود نصيبه إليه لكونه أقرب الناس إليه أم لا تخرج على ما قبلها قاله ابن رجب.
والمسألة ملتفتة إلى دخول المخاطب في خطابه.
تنبيه: لو لم يكن للواقف أقارب رجع على الفقراء والمساكين على الصحيح جزم به ابن عقيل في التذكرة والمصنف والشارح وصاحب التلخيص وغيرهم وقدمه في الفائق.
وقال ابن أبي موسى يباع ويجعل ثمنه في المساكين.
وقيل يصرف إلى بيت المال لمصالح المسلمين نص عليه في رواية ابن إبراهيم وأبي طالب وغيرهما.
وقطع به أبو الخطاب وصاحب المحرر وغيرهما.
وقدمه الزركشي.
وفي أصل المسألة ما قاله القاضي في موضع من كلامه أنه يكون وقفا على المساكين.
والموضع الذي قاله القاضي فيه هو في كتابه الجامع الصغير قاله الحارثي وهو رواية ثالثة عن الإمام أحمد رحمه الله.
اختارها جماعة من الأصحاب منهم الشريفان أبو جعفر والزيدي والقاضي أبو الحسين قاله الحارثي.
واختاره المصنف أيضا وصححه في التصحيح.
قال الناظم هي أولى الروايات.
قال الحارثي وهذا لا أعلمه نصا عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال المصنف إن كان في أقارب الواقف فقراء فهم أولى به لا على الوجوب وعنه رواية رابعة يصرف في المصالح جزم به في المنور وقدمه في المحرر والفائق وقال نص عليه قال ونصره القاضي وأبو جعفر.
قال الزركشي أنص الروايات أن يكون في بيت المال يصرف في مصالحهم فعلى هاتين الروايتين يكون وقفا أيضا على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وعنه يرجع إلى ملك واقفه الحي.
ونقل حرب أنه قبل ورثته لورثه الموقوف عليه.
ونقل المروذي إن وقف على عبيده لم يستقم قلت فيعتقهم قال جائز.فإن ماتوا