كتاب : الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد
بن حنبل
المؤلف : علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي
الصالحي
كان أو مضروبا على الصحيح من المذهب: وعليه الجمهور منهم المصنف والمجد والشارح وغيرهم وقال بعض الأصحاب ويتوجه أنه لا يجزئه إلا المضروب لأن الدينار اسم للمضروب خاصة واختاره الشيخ تقي الدين قال في الفروع وهو أظهر.
الحادية عشر لا يجزئ إخراج القيمة على الصحيح من المذهب: قال ابن تميم وصاحب مجمع البحرين: هو في إخراج القيمة كالزكاة وقدمه في الرعاية الكبرى: قال ابن نصر الله الأظهر لا يجزئ كزكاة وقيل: يجزئ كالخراج والجزية صححه في الفائق وقدمه ابن رزين: في شرحه وأطلقهما في المغني والشرح وابن عبيدان والفروع فعلى الأولى: يجزئ إخراج الفضة عن الذهب على الصحيح من المذهب: صححه في المغني والشرح والفائق وقدمه ابن رزين: في شرحه وقطع به القاضي محب الدين ابن نصر الله في حواشيه وقال محل الخلاف في غيرهما وليس كما قال وقيل: لا يجزئ حكاه في المغني وغيره وقال في الرعاية هل الدينار هنا عشرة دراهم أو اثنا عشر يحتمل وجهين قال في الفروع ومراده إذا أخرج دراهم كم يخرج وإلا فلو أخرج ذهبا لم تعتبر قيمته بلا شك انتهى.
قوله: "وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين.
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه أقله عشر سنين وهو احتمال في مختصر ابن تميم وعنه أقله اثنتا عشرة سنة واختار الشيخ تقي الدين أنه لا أقل لسن الحيض.
فائدة: حيث قلنا أقل سن تحيض له كذا فهو تحديد فلا بد من تمام تسع سنين أو عشرة أو اثنتي عشرة سنة إن قلنا به وهذا هو الصحيح جزم به في المستوعب والفصول والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وابن تميم والإفادات والزركشي والفائق وتجريد العناية وابن عبيدان في الإرشاد والمبهج والهداية والفصول ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي والمغني والمقنع والهادي والمحرر والنظم والوجيز والحاويين والمنور والمنتخب والنهاية والفائق وإدراك العناية وحمل عليه كلام المصنف عليه وغيرهم قال في الهداية والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم تحيض قبل تمام تسع سنين وقيل: تقريبا وصرح به في المستوعب والرعايتين ومختصر ابن تميم والبلغة ومجمع البحرين: وتجريد العناية والزركشي وغيرهم وقيل: تقريبا.
قلت: والنفس تميل إليه وأطلقها في الفروع بقيل وقيل.
قوله: "وأكثره خمسون سنة".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذاهب ومسبوك الذهب والمذهب الأحمد والطريق الأقرب والهادي والخلاصة والترغيب ونظم نهاية ابن رزين: والإفادات ونظم المفردات وهو منها قال ابن الزاغوني هو اختيار عامة المشايخ قال في البلغة: هذا أصح
الروايتين وصححه في تصحيح المحرر قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب قال في مجمع البحرين: هذا أشهر الروايات قال في نهاية ابن رزين: أكثره خمسون في الأظهر وقدمه في المبهج والتلخيص والمستوعب وشرح الهداية للمجد والنظم والرعايتين والحاويين وتجريد العناية وإدراك الغاية قال الزركشي اختارها الشيرازي وعنه أكثره ستون سنة جزم به في الإرشاد والإيضاح وتذكرة ابن عقيل وعمدة المصنف والوجيز والمنور والمنتخب والتسهيل وقدمه أبو الخطاب في رؤوس المسائل وابن تميم واختاره ابن عبدوس في تذكرته قال في النهاية وهي اختيار الخلال والقاضي وأطلقهما في المغني والشرح والمحرر والفروع وشرح ابن عبيدان: وعنه ستون في نساء العرب قال في الرعاية وعنه الخمسون للعجم والنبط وغيرهم والستون للعرب ونحوهم وأطلقهن الزركشي وعنه بعد الخمسين حيض إن تكرر ذكرهما القاضي وغيره وصححهما في الكافي.
قلت: وهو الصواب.
قال في المغني في العدد والصحيح أنه متى بلغت خمسين سنة فانقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التي كانت تراه فيها فهو حيض في الصحيح وعليه فللمصنف في هذه المسألة اختيارات وعنه بعد الخمسين مشكوك فيه فتصوم وتصلي اختاره الخرقي وناظمه قال القاضي في الجامع الصغير هذا أصح الروايات واختارها أبو بكر الخلال وجزم به في الإفادات فعليها تصوم وجوبا على الصحيح قدمه ابن تميم والرعاية وعنه استحبابا ذكرها ابن الجوزي واختار الشيخ تقي الدين أنه لا حد لأكثر سن الحيض.
قوله: "والحامل لا تحيض".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه أنها تحيض ذكرها أبو القاسم والبيهقي واختارها الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق قال في الفروع وهي أظهر.
قلت: وهو الصواب وقد وجد في زمننا وغيره أنها تحيض مقدار حيضها قبل ذلك ويتكرر في كل شهر على صفة حيضها وقد روي أن إسحاق ناظر أحمد في هذه المسألة وأنه رجع إلى قول إسحاق رواه الحاكم.
فعلى المذهب تغتسل عند انقطاع ما تراه استحبابا نص عليه وقيل: وجوبا وذكر أبو بكر وجهين.
فائدة: لو رأت الدم قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة وقيل: بيومين فقط فهو نفاس ولكن لا يحسب من الأربعين وهو من مفردات المذهب ويعلم ذلك بأمارة من المخاض ونحوه أما مجرد رؤية الدم من غير علامة فلا تترك له العبادة ثم إن تبين قربه من الوضع بالمدة المذكورة:
أعادت ما صامته من الفرض فيه ولو رأته مع العلامة فتركت العبادة ثم تبين بعده عن الوضع أعادت ما تركته فيه من واجب فإن ظهر بعض الولد اعتد بالخارج معه من المدة في الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب وقدمه المجد في شرحه وابن عبيدان قال الزركشي وإن خرج بعض الولد فالدم الخارج معه قبل انفصاله نفاس يحسب من المدة وخرج أنه كدم الطلق انتهى قال في الرعاية وإن خرج بعض الولد فالدم الخارج معه نفاس وعنه بل فساد وأطلقهما ابن تميم وصاحب الفائق قال في الفروع وغيره وأول مدته من الوضع ويأتي هذا أيضا في النفاس.
قوله: "وأقل الحيض يوم وليلة.
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم أبو بكر في التنبيه: وعنه يوم اختاره أبو بكر قاله في مجمع البحرين: وغيره قال الخلال مذهب أبي عبد الله الذي لا اختلاف فيه أن أقل الحيض يوم قال في الفصول وقد قال جماعة من أصحابنا إن إطلاقه اليوم يكون مع ليلته فلا يختلف المذهب على هذا القول في أنه يوم وليلة انتهى.
قلت: منهم القاضي في كتاب الروايتين واختيار الشيخ تقي الدين أنه لا يتقدر أقل الحيض ولا أكثره بل كل ما استقر عادة للمرأة فهو حيض وإن نقص عن يوم أو زاد على الخمسة عشر أو السبعة عشر ما لم تصر مستحاضة
قوله: "وأكثره خمسة عشر يوما".
هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال الخلال مذهب أبي عبد الله أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما لا اختلاف فيه عنده وقيل: خمسة عشر وليلة وعنه سبعة عشر يوما وقيل: وليلة وتقدم اختيار الشيخ تقي الدين.
قوله: "وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما".
هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال الزركشي هو المختار في المذهب وهو من المفردات وقيل: خمسة عشر وهو رواية عن أحمد قال أبو بكر في روايتيه هاتان الروايتان مبنيتان على الخلاف في أكثر الحيض فإذا قيل أكثره خمسة عشر فأقل الطهر بينهما خمسة عشر وإن قيل أكثره سبعة عشر فأقل الطهر بينهما ثلاثة عشر وقطع به القاضي في التعليق وقال قاله أبو بكر في كتاب القولين والتنبيه: وقاله ابن عقيل في الفصول ورده المجد وغيره والمشهور والمختار عند اكثر الأصحاب ما قلنا أولا أن أكثر الحيض خمسة عشر وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر وإنما يلزم ما قالوا لو كانت المرأة تحيض في كل شهر حيضة لا تزيد على ذلك ولا تنقص والواقع قطعا بخلاف ذلك وقيل: أقل الطهر بين الحيضتين:
خمسة عشر وليلة وعنه لا حد لأقل الطهر رواها جماعة عن أحمد قاله أبو البركات واختاره بعض الأصحاب.
قلت: واختاره الشيخ تقي الدين وهو الصواب.
قال الزركشي لا عبرة بحكاية ابن حمدان ذلك قولا ثم تخطئته وعنه لا توقيت فيه إلا في العدة يعني إذا ادعت فراغ عدتها في شهر فإنها تكلف البينة بذلك على الأصح.
فائدة: غالب الطهر بقية الشهر.
قوله: "المبتدأة أي المبتدأ بها الدم تجلس".
اعلم أن المبتدأة إذا ابتدأت بدم أسود جلسته وإن ابتدأت بدم أحمر فالصحيح من المذهب: أنه كالأسود وهو ظاهر كلام المصنف وأكثر الأصحاب وصححه المجد في شرحه وابن تميم وصاحب الفائق قال في الفروع والأصح أن الأحمر إذا رأته تجلسه كالأسود وقيل: لا تجلس الدم الأحمر إذا ما قدر وإن أجلسناها الأسود اختاره ابن حامد وابن عقيل وقدمه في الرعاية قال ابن عقيل لا يحكم ببلوغها إذا رأت الدم الأحمر.
وإن ابتدأت بصفرة أو كدرة فقيل إنها لا تجلسه وهو ظاهر كلام أحمد وصححه المجد في شرحه وقدمه ابن تميم والرعاية الكبرى: والفائق ومجمع البحرين: وابن عبيدان وصححه عند الكلام على الصفرة والكدرة وقيل: حكمه حكم الدم الأسود وهو المذهب اختاره القاضي ويحتمله كلام المصنف هنا وجزم به في المغني والشرح وابن رزين عند الكلام على الصفرة والكدرة وصححه في الرعاية الكبرى: عند أحكام الصفرة والكدرة فناقض وأطلقهما في الفروع والزركشي.
تنبيه: ظاهر قوله: "والمبتدأة تجلس أنها تجلس بمجرد ما تراه وهو صحيح وهو المذهب نقله الجماعة عن أحمد وعليه الأصحاب قاطبة ووجه في الفروع احتمالا أنها لا تجلس إلا بعد مضي أقل الحيض.
قوله: "تجلس يوما وليلة".
هذا المذهب بلا ريب نص عليه في رواية عبد الله وصالح والمروذي وعليه جمهور الأصحاب قال الزركشي وهو المختار للأصحاب قال في الفروع والشرح والمغني وغيرهم هذا ظاهر المذهب فعليه تفعل كما قال المصنف ثم تغتسل وتصلي فإن انقطع دمها لأكثره فما دون اغتسلت عند انقطاعه وذكر أبو الخطاب في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الأربع.
إحداها تجلس يوما وليلة وهي المذهب كما تقدم والثانية: تجلس غالب الحيض والثالثة: تجلس عادة نسائها والرابعة: تجلس إلى أكثره اختاره المصنف وصاحب الفائق.
تنبيه: أثبت طريقة أبي الخطاب في هذه المسألة أعني أن فيها الروايات الأربع أكثر الأصحاب منهم أبو بكر وبن أبي موسى وبن الزاغوني والمصنف في المغني والكافي والمجد في شرحه والشارح وابن تميم وصاحب الفروع والفائق والرعاية الصغرى والزركشي وصاحب مجمع البحرين: قال المجد في شرحه وابن تميم وهي أصح وجعل القاضي وابن عقيل في التذكرة والمجد في المحرر وصاحب الرعاية الكبرى: والحاويين وغيرهم وهو الذي قدمه المصنف وابن رزين في شرحه أن المبتدأة تجلس يوما وليلة رواية واحدة وأطلقهما في التلخيص والبلغة.
وجلوسها يوما وليلة قبل انقطاعه من مفردات المذهب.
قوله: "وتفعل ذلك ثلاثا فإن كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وانتقلت إليه".
الصحيح من المذهب: أنها لا تجلس ما جاوز اليوم والليلة إلا بعد تكراره ثلاثا وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات فتجلس في الرابعة: على الصحيح وقيل: تجلسه في الثالثة: قاله القاضي في الجامع الكبير وعنه يصير عادة بمرتين قدمه في تجريد العناية فتجلسه في الثالث على الصحيح عليها وقيل: في الثاني واختاره الشيخ تقي الدين وقال إن كلام أحمد يقتضيه قال القاضي في الجامع الكبير إن قلنا تثبت العادة بمرتين جلست في الثاني وإن قلنا بثلاث جلست في الثالث.
قوله: "وأعادت ما صامته من الفرض فيه".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب واختار الشيخ تقي الدين لا تجب الإعادة.
فائدتان
إحداهما: وقت الإعادة بعد أن تثبت العادة على الصحيح من المذهب: وعليه الأكثر وقيل: قبل ثبوتها احتياطا وهو رواية في الفروع.
الثانية: يحرم وطؤها في مدة الدم الزائد عما أجلسناها فيه قبل تكراره على الصحيح من المذهب: ونص عليه احتياطا وعليه الأصحاب وعنه يكره ذكرها في الرعايتين وقدمها في الرعاية الصغرى وأطلق ابن الجوزي في المذهب في إباحته روايتين وقال في المستوعب وغيره هي كمستحاضة انتهى.
ويباح وطؤها في طهرها يوما فأكثر قبل تكراره على الصحيح من المذهب: وقدمه الشارح وابن رزين في شرحه والرعاية الكبرى: واختاره المجد وعنه يكره إن أمن العنت وإلا فلا وجزم به في الإفادات وقدمه في الرعاية الصغرى وابن تميم في موضع وأطلقهما
ابن تميم في موضع وابن عبيدان والمغني والحاويين والفروع فإن عاد الدم فحكمه حكم ما إذا لم ينقطع على ما تقدم وعنه لا بأس به قال في الرعاية وعنه يكره.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإن جاوز دمها أكثر الحيض فهي مستحاضة" فإن كان دمها متميزا بعضه ثخين أسود منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الأسود أنها تجلس الدم المتميز الأسود إذا صلح أن يكون حيضا من غير تكرار وهو صحيح وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو المذهب قال الشارح: هو ظاهر كلام شيخنا هنا وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي واختيار ابن عقيل قال في الفروع ولا يعتبر تكراره في الأصح قال ابن تميم لا يفتقر التمييز إلى تكراره في أصح الوجهين واختاره المصنف والشارح وابن رزين في شرحه وجزم به في الوجيز ومجمع البحرين وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي إنها تجلس من التمييز إذا تكرر ثلاثا أو مرتين على اختلاف الروايتين فيما تثبت به العادة وقدمه في المغني والرعايتين وابن عبيدان وابن رزين وأطلقهما المجد في شرحه والزركشي قال في الفروع وتثبت العادة بالتمييز لثبوتها بانقطاع الدم ويعتبر التكرار في العادة كما سبق في اعتباره في التمييز خلاف ثان فإن لم يعتبر فهل يقدم وقت هذه العادة على التمييز بعدها فيه وجهان وهل يعتبر في العادة التوالي فيه وجهان قال بعضهم وعدمه أشهر انتهى وقال في الرعاية الكبرى: ولا يعتبر في العادة التوالي في الأشهر ويأتي نظير ذلك في المستحاضة المعتادة فإنهما سواء في الحكم قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم ويأتي قريبا هل يعتبر في جلوس من لم يكن دمها متميزا تكرار المستحاضة أم لا؟.
فائدتان
إحداهما: تجلس المميزة زمن الدم الأسود أو الدم الثخين أو الدم المنتن بشرط أن يبلغ أقل الحيض ولم يجاوز أكثره على الصحيح في ذلك وذكر أبو المعالي أنه يعتبر اللون فقط وقيل: ولم ينقص غيره عن أقل الطهر وجزم به ابن تميم والناظم وغيرهما ولو جاوز التمييز أكثر الحيض بطلت دلالة التمييز على الصحيح من المذهب: وعنه لا تبطل دلالته بمجاوزته أكثر الحيض فتجلس أكثر الحيض وتأولها القاضي وأطلقهما ابن تميم.
فعلى المذهب لو رأت دما أحمر ثم أسود وجاوز الأسود أكثر الحيض جلست من الدم الأحمر على الصحيح قدمه في الفروع وغيره وصححه المجد وغيره وقيل: تجلس من الأسود لأنه شبيه بدم الحيض جزم به في المغني والشرح وشرح ابن رزين: والمستوعب وغيرهم وأطلقه ابن تميم ففي اعتبار التكرار الوجهان المتقدمان ولو رأت دما أحمر ستة عشر يوما ثم رأت دما أسود بقية الشهر جلست الأسود فقط على الصحيح وقيل: وتجلس من الأحمر أقل الحيض لإمكان حيضة أخرى ذكره القاضي وغيره.
الثانية: لا يعتبر عدم زيادة الدمين على شهر على الصحيح من المذهب: وصححه الزركشي واعتبره القاضي وابن عقيل قاله في الفائق وغيره وقال في الفروع ولا تبطل
دلالة التمييز بزيادة الدمين على شهر في الأصح.
قوله: "وإن لم يكن متميزا قعدت من كل شهر غالب الحيض".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب قال في الفروع وغيره هذا ظاهر المذهب قال المجد في شرحه وتبعه ابن عبيدان: وصاحب مجمع البحرين: هذا الصحيح من الروايات واختاره الخرقي وبن أبي موسى والقاضي وأكثر أصحابه والمصنف والشارح والمجد وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم وجزم به في العمدة والوجيز والمنور والمنتخب والإفادات وغيرهم وعنه أقله اختارها أبو بكر وابن عقيل في التذكرة وغيرهما وقدمه في الرعايتين والحاويين وعنه أكثره وعنه عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها وأطلقهن في المستوعب والتلخيص والبلغة والهداية والمذهب.
تنبيهان
أحدهما: ظاهر قوله: "وعنه عادة نسائها إطلاق الأقارب وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب قال بعض الأصحاب القربى فالقربى منهم ابن تميم وبن حمدان.
قلت: وهو أولى ويكون تبينا للمطلق من كلامهم فلو اختلفت عادتهن جلست الأقل قاله القاضي وقدمه في الرعاية وقبل الأقل والأكثر سواء نقله ابن تميم وقال في الفروع تبعا لابن حمدان وقيل: تجلس الأكثر وأطلقهما في الفروع وابن تميم وابن عبيدان وقال أبو المعالي تتحرى انتهى فإن لم يكن لها أقارب ردت إلى غالب عادة نساء العالم وهي الست أو السبع على الصحيح وقال بعض الأصحاب من نساء بلدها منهم ابن حمدان.
قلت: وهو أولى
الثاني لم يعز المصنف في الكافي نقل الروايات الأربع في المبتدأة المستحاضة غير المميزة إلا إلى أبي الخطاب.
والحاصل أن الروايات فيها من غير نزاع بين الأصحاب عند أبي الخطاب وغيره لم يختلف فيه اثنان وإنما الخلاف في إثبات الروايات في المبتدأة أول ما ترى الدم كما تقدم قال الزركشي وهو سهو من المصنف.
قلت: ليس في ذلك كبير أمر غايته أن الأصحاب نقلوا الخلاف عن أحمد في المصنف فعزى النقل إلى أبي الخطاب واعتمد على نقله ولا يلزم من ذلك أن لا يكون غيره نقله.
فائدتان
إحداهما: غالب الحيض ست أو سبع لكن لا تجلس أحدهما: إلا بالتحري على الصحيح من المذهب: وقيل: الخيرة في ذلك إليها فتجلس أيهما شاءت ذكره القاضي في موضع من كلامه جزم به في الفصول وقال كوجوب دينار أو نصفه في الوطء في الحيض..
قلت: وهو ضعيف جدا وهو مفض إلى أن لها الخيرة في وجوب العادة الشرعية وعدمه.
الثانية: يعتبر في جلوس من لم يكن دمها متميزا تكرار الاستحاضة على الصحيح من المذهب: نص عليه واختاره القاضي وقدمه في المغني والشرح وشرح ابن رزين: وصححه في الفروع قال في الرعاية الكبرى: هذا أشهر فتجلس قبل تكرره أقله ولا ترد إلى غالب الحيض أو غيره إلا في الشهر الرابع وعنه لا يعتبر التكرار اختاره المجد في شرحه قال الشارح: وهو أصح إن شاء الله تعالى قال في مجمع البحرين: تثبت بدون تكرار في أصح الوجهين قال في الفروع اختاره جماعة وقدمه في الرعاية الصغرى فعليها تجلس في الشهر الثاني وأطلقهما ابن تميم وابن عبيدان والزركشي.
تنبيه: مثل ذلك الحكم للمستحاضة المعتادة غير المتحيرة قاله في الفروع وقال ابن تميم في المستحاضة المعتادة ويثبت ذلك بدون تكرار الاستحاضة وفيه وجه تفتقر إلى التكرار كالمبتدئة ويأتي حكم تكرار الاستحاضة في المستحاضة المتحيرة.
قوله: "وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها وإن كانت مميزة".
اعلم أنه إذا كانت المستحاضة لها عادة تعرفها ولم يكن لها تمييز فإنها تجلس العادة بلا نزاع وإن كان لها تمييز يصلح أن يكون حيضا ولم يكن لها عادة أو كان لها عادة ونسيتها عملت بالتمييز بلا نزاع على ما تقدم ويأتي وإن كان لها عادة وتمييز فتارة يتفقان ابتداء وانتهاء فتجلسهما بلا نزاع وتارة يختلفان إما بمداخلة بعض أحدهما: في الآخر أو مطلقا فالصحيح من المذهب: أنها تجلس العادة وعليه جماهير الأصحاب قال المصنف والشارح وابن عبيدان هو ظاهر كلام الإمام أحمد وقول أكثر الأصحاب قال الزركشي هو اختيار الجمهور وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وصححه المجد وغيره وعنه يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي وقدمه في الرعاية الكبرى: وقال في الفروع واختار في المبهج إن اجتمعا عمل بهما إن أمكن وإن لم يمكن سقطا وقال ابن تميم واختار شيخنا أبو الفرج يعني به ابن أبي الفهم العمل بهما عند الاجتماع إذا أمكن.
فائدة: لا تكون معتادة حتى تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها وشهرها عبارة عن المدة التي لها فيه حيض وطهر صحيحان [ولو نقصت عادتها ثم استحيضت في الشهر الآخر جلست مقدار الحيض الأخير ولا غير قطع به المجد وغيره.]
قوله: "وإن نسيت العادة عملت بالتمييز".
بلا نزاع كما تقدم لكن بشرط أن لا ينقص عن أقل الحيض ولا يزيد على أكثره على الصحيح من المذهب: وعليه الجمهور جزم به في الوجيز والإفادات وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية والفائق وغيرهم ودل على ذلك كلامه في المغني وشرح الهداية للمجد وقال ابن تميم وابن عبيدان والزركشي وصاحب مجمع البحرين: وأن لا ينقص الأحمر عن أقل الطهر حتى يمكن أن يكون طهرا فاصلا بين حيضتين فإذا رأت خمسة
أسود ثم مثلها أحمر ثم الأصفر بعدها فالأسود هو الحيض والأحمر مع الأصفر استحاضة وإن رأت خمسة أحمر ثم بعدها الأصفر فالأحمر حيض لأن حيضها أقوى ما تراه من دمها بالنسبة إلى بقيته وذكر أبو المعالي أنه يعتبر في التمييز اللون فقط وعنه لا تبطل دلالة التمييز بمجاوزة الأكثر فتجلس الأكثر وتأولها القاضي وتقدم ذلك في المبتدأة المستحاضة وتقدمت الأمثلة على المذهب والمبتدأة والمعتادة المستحاضتين في تلك الأمثلة سواء فليعاود.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يعتبر للتمييز تكرار بل متى عرفت التمييز جلسته وهو صحيح وهو المذهب وعليه الجمهور وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي قال في الفروع ولا يعتبر تكراره في الأصح قال ابن تميم ولا يفتقر التمييز إلى تكراره في أصح الوجهين وجزم به في الوجيز وغيره واختاره ابن عقيل والمصنف والشارح وابن رزين وغيرهم وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي يعتبر التكرار مرتين أو ثلاثا على اختلاف الروايتين وقدمه في المغني والرعايتين وابن عبيدان وأطلقهما المجد في شرحه والزركشي وتقدم ذلك في المبتدأة المستحاضة المميزة.
قوله: "فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض".
يعني إذا نسيت العادة ولم يكن لها تمييز وهذه تسمى المتحيرة عند الفقهاء ولها ثلاثة أحوال وفي هذه الأحوال الثلاثة لا تفتقر استحاضتها إلى تكرار على أصح الوجهين بخلاف غير المتحيرة على الصحيح على ما تقدم
أحدها أن تنسى الوقت والعدد وهو مراد المصنف هنا فالصحيح من المذهب: أنها تجلس غالب الحيض وعليه جماهير الأصحاب قال المصنف والشارح وغيرهما هذا ظاهر المذهب قال الزركشي هو المختار للأصحاب قال ابن عبيدان: وبن رجب وهو الصحيح قال في مجمع البحرين: هذا أقوى الروايتين وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وعنه أقله قدمه في الرعايتين والحاويين وجعلها المصنف في الكافي تخريجا وحكى القاضي في شرحه الصغير فيها وجها لا تجلس شيئا بل تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ويمنع وطؤها وتقضي الصوم الواجب.
وخرج القاضي رواية ثالثة من المبتدأة تجلس عادة نساءها وأثبتها في الكافي رواية فلذلك قال الزركشي لما حكى في الكافي الرواية الثانية: تخريجا وتخريج القاضي رواية وهو سهو بل الثانية: رواية ثابتة عن أحمد والثالثة: مخرجة وقيل: فيها الروايات الأربع يعني التي في المبتدأة المستحاضة إذا كانت غير مميزة وهي طريقة القاضي وخرج فيها روايتي المبتدأة وقدمها في الحاويين وجزم به في نهاية ابن رزين: ونظمها وهي طريقة ضعيفة عن الأصحاب وفرقوا بينها وبين المبتدأة بفروق جيدة وقدم في الفروع هذه الطريقة لكن قال المشهور انتفاء رواية الأكثر وعادة نسائها وحيث أجلسناها عددا ففي محله الخلاف الآتي.
تنبيه: محل جلوسها غالب الحيض إن اتسع شهرها لأقل الطهر وكان الباقي غالب الحيض فأكثر وإن لم يتسع لذلك أجلسناها الزائد عن أقل الطهر فقط كأن يكون شهرها حيضها وطهرها ثمانية عشر يوما فإنها لا تجلس إلا خمسة أيام وهو الباقي عن أقل الطهر بين الحيضتين ولا ينقص الطهر عن أقله وإن لم يعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد غالب الحيض.
قوله: "وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين وهذا الحال الثاني من أحوال الناسية وهو نوعان".
أحدهما: هذا وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم قال في الفروع اختاره الأكثر قال الزركشي وهو المشهور قال في الحاويين هو قول غير أبي بكر وكذا قال في الهداية وغيرها وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وغيرهم وقدمه في المحرر والرعايتين والفروع والفائق وتجريد العناية وغيرهم وفي الآخر تجلسه بالتحري.
قلت: وهو الصواب وجزم به في الإفادات واختاره أبو بكر وبن أبي موسى وقدمه في نهاية ابن رزين: ونظمها وأطلقهما في الشرح وشرح ابن منجا والشرح والحاويين وقيل: تجلس من تمييز لا تعتد به إن كان لأنه أشبه بدم الحيض.
قلت: وهو قوي وذكر المجد في شرحه وتبعه صاحب مجمع البحرين: وغيرهما إن ذكرت أول الدم كمعتادة انقطع حيضها أشهرا ثم جاء الدم خامس يوم من الشهر مثلا أو استمرت وقد نسيت العادة ففيها الوجهان الأخيران ووجه ثالث تجلس من خامس كل شهر قال المجد وهو ظاهر كلام أحمد واختاره قال في مجمع البحرين: وهو أصح اختار المجد وصاحب مجمع البحرين: أيضا أنه إن طال عهدها بزمن افتتاح الدم ونسيته أنها تتحرى وقت جلوسها وقال ابن حامد والقاضي في شرحيهما فيمن علمت قدر العادة وجهلت موضعها إنها لا تجلس شيئا وتغتسل كلما مضى قدرها وتقضى من رمضان بقدرها والطواف ولا توطأ وذكر أبو بكر رواية لا تجلس شيئا.
تنبيه: كل موضع أجلسناها بالتحري أو بالأولية فإنها تجلس في كل شهر حيضة.
فائدة: إذا تعذر أحد الأمرين من الأولية أو التحري عملت بالآخر قطع به المجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين: وغيرهما وقدمه في الفروع قال ولما ذكر أبو المعالي الوجهين في أول كل شهر أو التحري قال وهذا إذا لم تعرف ابتداء الدم فإن عرفت فهو أول دورها وجعلناه ثلاثين يوما لأنه الغالب قال وإن لم تذكر ابتداء الدم لكن تذكرت أنها طاهرة في وقت جعلنا ابتداء حيضها عقب ذلك الطهر انتهى.
وإن تعذر التحري بأن يتساوى عندها الحال ولم تظن شيئا وتعذرت الأولية أيضا بأن قالت حيضي في كل عشرين يوما خمسة أيام وأنسيت زمن افتتاح الدم والأوقات كلها في
نظري سواء ولا أعلم هل أنا الآن طاهر أو حائض فقال المجد وتبعه في مجمع البحرين: لا أعرف لأصحابنا في هذه كلاما وقياس المذهب لا يلزمها سلوك طريق اليقين بل يجزئها البناء على أصل لا يتحقق معه فساد في صومها وصلاتها وإن كان محتملا فتصوم رمضان كله وتقضي منه خمسة أيام وهو قدر حيضها وهو الذي يتحقق فساده وما زاد عليه لم يتحقق فيه ذلك فلا تفسده وتوجب قضاءه بالشك وأما الصلاة فتصليها أبدا لكنها تغتسل في الحال غسلا ثم عقيب انقضاء قدر حيضها غسلا ثانيا وتتوضأ لكل صلاة فيما بينهما وفيما بعدهما بقدر مدة طهرها فإن انقضت لزمها غسلان بينهما قدر الحيضة وكذلك أبدا كلما مضى قدر الطهر اغتسلت غسلين بينهما قدر الحيضة انتهى قال في الفروع كذا قال والمعروف خلافه.
فائدة: متى ضاعت أيامها في مدة معينة فما عدا المدة طهر ثم إن كانت أيامها نصف المدة فأقل حيضها بالتحري أو من أولها وإن زاد ضم الزائد إلى مثله مما قبله فهو حيض بيقين والشك فيما بقي.
فائدة: ما جلسته الناسية من الحيض المشكوك فيه فهو كالحيض المتيقن في الأحكام وما زاد على ما تجلسه إلى الأكثر فقيل هي فيه كالمستحاضة في الأحكام الآتية فيها وقيل: هو كالطهر المشكوك فيه قاله القاضي واقتصر عليه ابن تميم وجزم به في الرعاية قال في المستوعب هو طهر مشكوك فيه وحكمه حكم الطهر بيقين في جميع الأحكام إلا في جواز وطئها فإنها مستحاضة وأطلقها في الفروع.
تنبيه: قولنا في الوجه الثاني: هو طهر مشكوك فيه.
اعلم أن الطهر المشكوك فيه حكمه حكم الطهر المتيقن على الصحيح قدمه في الفروع وجزم به في مجمع البحرين: وغيره من الأصحاب وتقدم كلامه في المستوعب وجزم الأزجي في النهاية بمنعها مما لا يتعلق بتركه إثم كمس المصحف ودخول المسجد والقراءة خارج الصلاة ونفل الصلاة والصوم ونحوه قال ويحتمل أن تمنع عن سنة راتبة انتهى وقيل: تقضي ما صامته فيه وقيل: يحرم وطؤها فيه وقبله في مبتدأة استحيضت وقلنا لا تجلس الأكثر.
تنبيه: قوله: "وكذا الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز مثل المبتدأة إذا لم تعرف ابتداء دمها ولا تمييز لها".
قوله: "وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول جلستها فيه إما من أوله أو بالتحري".
على اختلاف الوجهين المتقدمين فيما إذا علمت عدد أيامها ونسيت موضعها وهي المسألة بعينها لأنها هناك علمت عدد أيامها ونسيت موضعها وهنا كذلك إلا أن هذه محصورة في جزء من الشهر وفيها من الخلاف ما تقدم.
وهذا النوع الثاني من الحال الثاني.
قوله: "وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله.
على اختلاف الروايتين المتقدمتين فيما إذا لم تكن المستحاضة المعتادة عادة ولا تمييز كما تقدم والحكم هنا كالحكم هناك خلافا ومذهبا وقد علم ذلك هناك وهذا الحال الثالث.
وتقدم أن الاستحاضة يعتبر تكرارها إذا كان دمها متميزا على الصحيح وإن كان غير متميز فهل يعتبر تكرار التمييز أم لا؟.
قوله: "وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة حتى يتكرر ثلاثا أو مرتين".
على اختلاف الروايتين المتقدمتين في المبتدأة إذا رأت الدم أكثر من يوم وليلة وتقدم المذهب من الروايتين وهذا هنا هو المذهب كما قال نص عليه وعليه جماهير الأصحاب بل كل المتقدمين وهو من مفردات المذهب قال المصنف هنا "وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار".
قلت: وهو الصواب وعليه العمل ولا يسع النساء العمل بغيره قال ابن تميم وهو أشبه قال ابن عبيدان: وهو الصحيح قال في الفائق وهو المختار واختاره الشيخ تقي الدين وإليه ميل الشارح وأومأ إليه في رواية منصور قال المجد وروى عن أحمد مثله ورواه ابن رزين: في شرحه وقال الشيح أبو الفرج إن كانت الزيادة متميزة لم تحتج إلى تكرار.
فعلى المذهب لا تلتفت إلى الخارج عن العادة قبل تكراره فتصوم وتصلي في المدة الخارجة عن العادة ولا يقربها زوجها فيها وتغتسل عقب العادة وعند انقضاء الدم على الصحيح من المذهب: وعنه لا يجب الغسل عقب الخارج عن العادة وهو قول في الفائق وعنه لا يحرم الوطء ولا تغتسل عند انقطاعه فإذا تكرر ذلك مرتين أو ثلاثا صار عادة وأعادت ما فعلته من واجب الصوم والطواف والاعتكاف وعنه يحتاج الزائد عن العادة إلى التكرار ولا يحتاج إلى التكرار في التقدم والتأخر وقال أبو الفرج الشيرازي إن كانت الزيادة متميزة لم تحتج إلى تكرار
فائدة: لو ارتفع حيضها ولم يعد أو يئست قبل التكرار لم تقض على الصحيح من المذهب: وقيل: تقضي وقال في الفروع ويحتمل لزوم القضاء كصوم النفاس المشكوك فيه لقلة مشقته بخلاف صوم المستحاضة في طهر مشكوك وهو قول في الفائق.
قوله: "وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت".
هذا المذهب فحكمها حكم الطاهرات في جميع أحكامها على الصحيح من المذهب: وعنه يكره الوطء اختاره المجد في شرحه ذكره عنه ابن عبيدان: في النفاس وقدمه ابن تميم هناك وخرجه القاضي وابن عقيل على روايتين من المبتدأة على ما تقدم وقال في الانتصار: هو
كنقاء مدة النفاس في رواية وفي أخرى النفاس آكد لأنه لا يتكرر فلا مشقة وعنه يجب قضاء واجب صوم ونحوه إذا عاودها الدم عادتها قال الزركشي ولم يعتبر ابن أبي موسى النقاء الموجود بين الدمين وأوجب عليها فيه قضاء ما صامته فيه من واجب ونحوه قال لأن الطهر الكامل لا يكون أقل من ثلاثة عشر يوما.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت أنه سواء كان الطهر قليلا أو كثيرا وهو صحيح قال المصنف في المغني ولم يفرق أصحابنا بين قليل الطهر وكثيره انتهى قال بعض الأصحاب إذا رأت علامة الطهر مع ذلك قال في الفروع وأقل الطهر زمن الحيض أن يكون نقاء خالصا لا تتغير معه القطنة إذا احتشت بها في ظاهر المذهب ذكره صاحب المحرر وجزم به القاضي وغيره وعن بكر هي طاهر إذا رأت البياض قال شيخنا إنه قول أكثر أصحابنا إن كان ساعة وعنه أقله ساعة انتهى.
واختار المصنف أنها لا تعتد بما دون اليوم إلا أن تدرك ما يدل عليه وخرجه من الرواية التي في النفاس قال ابن تميم وهو أصح.
قوله: "فإن عاودها الدم في العادة فهل تلتفت إليه على روايتين".
وأطلقهما ابن عبيدان: والزركشي والفائق والشرح والكافي والمغني.
إحداهما: تلتفت إليه بمجرد العادة فتجلسه وهو المذهب قال في الكافي وهو الأولى: قال في مجمع البحرين: هذا أظهر الروايتين واختاره القاضي في روايته وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وتجريد العناية والإفادات ونظم نهاية ابن رزين وغيرهم وصححه في التصحيح والنظم وقدمه في الفروع والمحرر والرعايتين والحاويين وابن رزين في شرحه.
والرواية الثانية: لا تلتفت إليه حتى يتكرر وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن أبي موسى قال أبو بكر وهو الغالب عن أبي عبد الله في الرواية وعنه مشكوك فيه فتصوم وتصلي وتقضي الصوم للفرض على سبيل الاحتياط كدم النفساء العائد في مدة النفاس.
تنبيه: محل الخلاف إذا عاد في العادة ولم يتجاوزها فأما إن جاوز العادة فلا يخلو إما أن يجاوز أكثر الحيض أو لا فإن جاوز أكثر الحيض فليس بحيض وإن انقطع لأكثر الحيض فما دون فمن قال في المسألة الأولى: ليس العائد بحيض فهنا أولى أن لا يكون حيضا ومن قال هو حيض هناك وهو المذهب فهنا ثلاثة أوجه.
أحدها أن الجميع ليس بحيض إذا لم يتكرر وهو الصحيح جزم به في الكافي وقدمه في مجمع البحرين.
والوجه الثاني: جميعه حيض بناء على الوجه الذي ذكرنا أنه اختيار المصنف في أن الزائد على العادة حيض ما لم يعبر أكثر الحيض وأطلقهما في الرعايتين والحاويين.
والوجه الثالث ما وافق العادة فهو حيض وما زاد عليها فليس بحيض وأطلقهن
ابن عبيدان: والزركشي والشرح والمغني وابن رزين في شرحه وابن تميم.
واما إذا عاودها بعد العادة فلا يخلو إما أن يمكن جعله حيضا أو لا فإن أمكن جعله حيضا بأن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيهما أكثر من خمسة عشر يوما فتلفق إحداهما: إلى الأخرى ويجعلان حيضة واحدة إذا تكرر أو يكون بينهما أقل الطهر ثلاثة عشر يوما على المذهب وكل من الدمين يصلح أن يكون حيضا بمفرده فيكونان حيضتين إذا تكرر وإن نقص أحدهما: عن أقل الحيض فهو دم فاسد إذا لم يمكن ضمه إلى ما بعده.
وإن لم يمكن جعله حيضا لعبوره أكثر الحيض وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر فهو استحاضة سواء تكرر أو لا.
ويظهر ذلك بالمثال فنقول إذا كانت العادة عشرة أيام مثلا فرأت منها خمسة دما وطهرت الخمسة الباقية ثم رأت خمسة دما وتكرر ذلك فالخمسة الأولى: والثالثة: حيضة واحدة تلفق الدم الثاني إلى الأول وإن رأت الثاني ستة أو سبعة لم يمكن أن يكون حيضا ولو كانت رأت يوما دما وثلاثة عشر يوما طهرا ثم رأت يوما دما وتكرر هذا كانا حيضتين لوجود طهر صحيح بينهما ولو كانت رأت يومين دما ثم اثنتي عشر طهرا ثم يومين دما فهنا لا يمكن جعلها حيضة واحدة لزيادة الدمين مع ما بينهما من الطهر على أكثر الحيض ولا جعلهما حيضتين على المذهب لانتفاء طهر صحيح فيكون حيضها منهما ما وافق العادة والآخر استحاضة.
فائدتان
إحداهما: اختلف الأصحاب في مراد الخرقي بقوله: "فإن عاودها الدم فلا تلتفت إليه حتى تجيء أيامها فقال أبو الحسن التميمي والقاضي وابن عقيل مراده إذا عاودها بعد العادة وعبر أكثر الحيض بدليل أنه منعها أن تلتفت إليه مطلقا ولو أراد غير ذلك لقال حتى يتكرر وقدمه ابن رزين: في شرحه قال القاضي ويحتمل أنه أراد إذا عاودها بعد العادة ولم يعبر فإنها لا تلتفت إليه قبل التكرار وقال أبو حفص العكبري أراد معاودة الدم في كل حال سواء كان في العادة أو بعدها لأن لفظه مطلق فيتناول بإطلاقه الزمان قال المصنف في المغني وهذا أظهر قال الزركشي وهو الظاهر اعتمادا على الإطلاق وسكت عن التكرار لتقدمه له فيما إذا زادت العادة أو تقدمت وعلى هذا إذا عبر أكثر الحيض لا يكون حيضا انتهى واختاره الأصفهاني في شرحه وصححه ابن رزين: في شرحه.
الثانية: إذا عاودها الدم في أثناء العادة وقلنا لا تحتاج إلى تكرار وجب قضاء ما صامته في الطهر وطافته فيه ذكره ابن أبي موسى وقال ابن تميم وقياس قول أحمد في مسألة النفاس لا يجب قضاء ذلك قال وهو أصح.
قوله: "والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض".
يعني في أيام العادة وهذا المذهب وعليه الأصحاب وحكى الشيخ تقي الدين وجها أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض مطلقا.
فائدة: لو وجدت الصفرة والكدرة بعد زمن الحيض وتكررتا فليستا بحيض على الصحيح من المذهب: صححه الناظم وابن تميم وبن حمدان وغيرهم وهو ظاهر كلام المصنف هنا وصاحب الوجيز وتذكرة ابن عبدوس واختاره الشيخ تقي الدين وغيره وجزم به ابن رزين: وناظم المفردات وقدمه في الفروع والفائق وشرح المجد ومجمع البحرين: وابن عبيدان ونصره وقال الزركشي وهو المنصوص وهو من المفردات وزاد صاحب المفردات أنها لا تغتسل بعده فقال ليس بحيض ذا ولو تكرر وغسلها ليس بذا تقررا وعنه إن تكرر فهو حيض اختاره جماعة منهم القاضي وابن عقيل وصاحب التلخيص.
قلت: وهو الصواب.
وأطلقهما ابن تميم والرعايتين والحاويين وشرط جماعة من الأصحاب اتصالها بالعادة وقطع في المغني والشرح أن حكمها مع اتصال العادة حكم الدم الأسود قال ابن تميم فعلى رواية أنه حيض إذا تكرر لو رأته بعد الطهر وتكرر لم تلتفت إليه في أصح الوجهين وصححه في الرعاية وذكر الشيخ تقي الدين في الصفرة والكدرة وجهين هل هما حيض مطلقا أو لا يكونان حيضا مطلقا؟.
تنبيه: محل الخلاف في ذلك كله إذا لم يجاوز أحدهما: أكثر الحيض قاله ابن تميم وبن حمدان وصاحب الحاوي وغيرهم.
قوله: "ومن كانت ترى يوما دما ويوما طهرا فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا والباقي طهرا".
هذا قاله على سبيل ضرب المثال وإلا فمتى رأت دما متفرقا يبلغ مجموعه أقل الحيض ونقاء فالنقاء طهر والدم حيض وهذا الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم قال المجد في شرحه هذا قول أصحابنا وعنه أيام النقاء والدم حيض اختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وقيل: إن تقدم دم يبلغ الأقل على ما نقص عن الأقل فهو حيض تبعا له وإلا فلا.
فعلى الأول والثالث تغتسل وتصلي وتصوم في الطهر ولا تقضي ويأتيها زوجها وهذا الصحيح من المذهب: وعليه الأكثر وفيه وجه لا تحتاج إلى غسل حتى ترى من الدم ما يبلغ أقل الحيض وقال في الفروع ومتى انقطع قبل بلوغ الأقل ففي وجوب الغسل أيضا وجهان انتهى وكذا قال المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين: وابن عبيدان والحاويين وقيل: تغتسل بعد تمام الحيض في أنصاف الأيام فأقل قال في الرعاية الكبرى: وهو أولى وقيل: بل بعد تمام الحيض من الدم في المبتدأة وقيل: إن نقص النقاء عن يوم لم يكن طهرا تغتسل عنه,
ولا تجلس غير الدم الأول.
فعلى المذهب يكره وطؤها زمن طهرها ورعا قدمه في الرعاية وعنه يباح.
قوله: "إلا أن يجاوز أكثر الحيض فتكون مستحاضة".
هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب وجزم به كثير منهم وعند القاضي كل ملفقة غير معتادة لم يتصل دمها المجاوز الأكثر بدم الأكثر فالنقاء بينهما فاصل بين الحيض والاستحاضة وأطلق بعض الأصحاب أن الزائد استحاضة.
تنبيهان
أحدهما: ظاهر قوله: "والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة أنه لا يلزمها إعادة شده وغسل الدم لكل صلاة إذا لم تفرط وهو صحيح وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب وقدمه في الفروع وغيره وجزم به المصنف والشارح وغيرهما وصححه المجد في شرحه وابن عبيدان وصاحب مجمع البحرين: والفائق وغيرهم وقيل: يلزمها ذلك وأطلقهما ابن تميم وبن حمدان وقيل: يلزمها إن خرج شيء وإلا فلا.
الثاني مراده بقوله: "وتتوضأ لوقت كل صلاة إذا خرج شيء بعد الوضوء فأما إذا لم يخرج شيء فلا تتوضأ على الصحيح من المذهب: جزم به في المغني والشرح وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره ونص عليه فيمن به سلس البول وقيل: يجب.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف وكثير من الأصحاب فيعايى بها.
قوله: "وتتوضأ لوقت كل صلاة".
وكذا قال في المغني والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم فلا يجوز الفرض قبل وقته على الصحيح من المذهب: وعليه الأصحاب وقيل: يجوز حكاه في الرعاية
إذا علمت ذلك فيحتمل أن يقال إن ظاهر كلامهم أنه لا يبطل طهرها إلا بدخول الوقت ولا يبطل بخروجه وهذا أحد الوجهين قال المجد في شرحه وهو ظاهر كلام أحمد قال وهو أولى وكذا قال: في مجمع البحرين وجزم به ناظم المفردات فقال
وبدخول الوقت طهر يبطل ... لمن بها استحاضة قد نقلوا
لا بالخروج منه لو تطهرت ... للفجر لم تبطل بشمس ظهرت
وهي شبيهة بمسألة التيمم والصحيح فيه أنه يبطل بخروج الوقت كما تقدم وقال القاضي يبطل بدخول الوقت وبخروجه أيضا قال في الرعاية الكبرى: فإن توضأت قبل الوقت لغير فرض الوقت وقبل أوله بطل بدخوله وتصلي قبله نفلا ثم قال وإن توضأت فيه له أو
لغيره بطل بخروجه في الأصح كما لو توضأت لصلاة الفجر بعد طلوعه ثم طلعت الشمس انتهى وهو ظاهر ما جزم به في المغني والشرح في مكانين وقدمه في المستوعب وابن تميم وهو ظاهر كلام المصنف على ما قدمه في الفروع وأطلقهما ابن تميم وابن عبيدان والزركشي.
قوله: "وتصلي ما شاءت من الصلوات".
هذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وعنه لا تجمع بين فرضين قال في الفروع أطلقهما غير واحد وهي ظاهر كلامه في المستوعب وغيره وقيدها بعض الأصحاب فقال لا تجمع بين فرضين بوضوء للأمر بالوضوء لكل صلاة ولخفة عذرها فإنها لا تصلي قائمة بخلاف المريض وقال ابن تميم وظاهر كلام السامري أن الاستحاضة لا تبيح الجمع انتهى.
قلت: قال في المستوعب والواجب عليها أن تتوضأ لوقت كل صلاة ولها أن تصلي بتلك الطهارة ما شاءت من صلاة الوقت والفوائت والنوافل وتجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما: ذكره القاضي في المجرد وقال إن توضأت ودخل عليها وقت صلاة أو خرج وقت صلاة بطلت طهارتها وذكر الخرقي وبن أبي موسى أنها تتوضأ لكل صلاة.
وظاهر قولهما أنه لا يجوز لها أن تصلي صلاتين في وقت واحد لا أداء ولا قضاء وقد حمل القاضي قول الخرقي لكل صلاة على أن معناه لوقت كل صلاة وعندي أنه محمول على ظاهره فيكون في المسألة روايتان كما في التيمم انتهى قال في المغني والزركشي وغيرهم ظاهر كلام الخرقي تتوضأ لكل فريضة قال القاضي في الخلاف وغيره تجمع بالغسل لا تختلف الرواية فيه نقله المجد في شرحه وابن تميم وغيرهما وقال في الجامع الكبير: وإنما تجمع في وقت الثانية وقدمه في الرعاية الكبرى.
فوائد
إحداها لها أن تطوف مطلقا على الصحيح من المذهب: نص عليه وقدمه ابن تميم وبن حمدان ونقل صالح لا تطوف إلا أن تطول استحاضتها قال أبو حفص البرمكي في مجموعه لعله غلط.
الثانية: الأولى: لها أن تصلي عقيب طهارتها فإن أخرت لحاجة من انتظار جماعة أو لسترة أو توجه أو تنفل ونحوه أو لما لا بد منه جاز وإن كان لغير ذلك جاز أيضا على الصحيح من المذهب: صححه المجد في شرحه وابن تميم وفي مجمع البحرين: وقدمه في الفروع وقيل: لا يجوز وأطلقهما في الرعايتين والفائق.
الثالثة: لو كان لها عادة بانقطاعه في وقت يتسع لفعل الصلاة فبذا تعين فعل الصلاة فيه على الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب وعنه لا عبرة بانقطاعه اختاره جماعة منهم المجد وصاحب الفائق.
الرابعة: لو عرض هذا الانقطاع لمن عادتها الاتصال أبطل طهارتها فإن وجد قبل الدخول في الصلاة لم يجز الشروع فيها فإن خالفت وشرعت واستمر الانقطاع زمنا يتسع للوضوء والصلاة فيه فصلاتها باطلة وإن عاد قبل ذلك فطهارتها صحيحة وفي إعادة الصلاة وجهان وأطلقهما في المغني والشرح قال في الفروع وإن عرض هذا الانقطاع لمن عادتها الاتصال ففي بقاء طهرها وجهان أحدهما: يجب إعادتها وهو الصحيح صححه المجد وقدمه ابن تميم والزركشي وفي مجمع البحرين: وقدمه ابن رزين: والوجه الثاني: لا تجب الإعادة.
الخامسة: لو عرض هذا الانقطاع المبطل للوضوء في أثناء الصلاة أبطلها مع الوضوء ولزمها استئنافهما على الصحيح من المذهب: صححه المجد وقدمه ابن تميم وابن عبيدان والزركشي وفيه وجه آخر تخرج تتوضأ وتبني وذكر ابن حامد وجها ثالثا لا يبطل الوضوء ولا الصلاة بل تتمهما قال الشارح: انبنى على المتيمم يجد الماء في الصلاة ذكره ابن حامد واقتصر عليه الشارح وفرق المجد بينهما بأن الحدث هنا متجدد ولم يوجد عنه بدل وتقدم ذلك ونظيره في التيمم عند قوله: "ويبطل التيمم بخروج الوقت".
السادسة: مجرد الانقطاع يوجب الانصراف على الصحيح من المذهب: اختاره الأصحاب إلا أن تكون لها عادة بانقطاع يسير وقيل: لا تنصرف بمجرد الانقطاع اختاره المجد في شرحه فقال وعندي لا تنصرف ما لم تمض مدة الاتساع واختاره في مجمع البحرين: وأطلقهما ابن تميم والرعايتين والحاويين فعلى المذهب لو خالفت ولم تنصرف بل مضت فعاد الدم قبل مدة الاتساع فعند الأصحاب فيه الوجهان في الانقطاع قبل الشروع على ما تقدم.
السابعة: لو توضأت من لها عادة بانقطاع يسير فاتصل الانقطاع حتى اتسع أو برأت بطل وضوءها إن وجد منها دم معه أو بعده وإلا فلا.
الثامنة: لو كثر الانقطاع واختلف بتقدم وتأخر وقلة وكثرة ووجد مرة وعدم أخرى ولم يكن لها عادة مستقيمة باتصال ولا بانقطاع فهذه كمن عادتها الاتصال عند الأصحاب في بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة دون ما دونه وفي سائر ما تقدم إلا في فصل واحد وهو أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة والمضي فيها بمجرد الانقطاع قبل تبين اتساعه وقال المجد في شرحه والصحيح عندي هنا أنه لا عبرة بهذا الانقطاع بل يكفي وجود الدم في شيء من الوقت قال وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أحمد ابن القاسم واختاره الشارح واختاره في مجمع البحرين: قال ابن تميم وهو أصح إن شاء الله تعالى.
التاسعة: لا يكفيها نية رفع الحدث لأنه دائم ويكفي فيه الاستباحة فأما تعيين النية للفرض فلا يعتبر على ظاهر كلام أصحابنا قاله ابن عبيدان: والظاهر أنه كلام المجد.
قوله: "وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ والرعاف الدائم".
بلا نزاع لكن عليه أن يحتشي نقله الميموني وغيره ونقل ابن هانئ لا يلزمه فائدة: لو قدر على حبسه حال القيام لأجل الركوع والسجود لزمه أن يركع ويسجد كالمكان النجس وهو المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قال في الفروع ويتخرج أنه يؤمر وجزم به أبو المعالي لأن فوات الشرط لا بدل له وقال أبو المعالي أيضا ولو امتنعت القراءة أو لحقه السلس إن صلى قائما صلى قائما وقال أيضا لو كان لو قام وقعد لم يحبسه ولو استلقى حبسه صلى قائما أو قاعدا لأن المستلقى لا نظير له اختيارا ويأتي قريبا من ذلك ستر العورة بعد قوله: "وإن وجد السترة قريبة منه".
قوله: "وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والشرح وابن منجا في شرحه.
إحداهما: لا يباح وهو المذهب وعليه الأصحاب مع عدم العنت قال في الكافي والفروع اختاره أصحابنا وجزم به ناظم المفردات وغيره وهو منها.
الثانية: يباح قال في الحاويين ويباح وطء المستحاضة من غير خوف العنت على أصح الروايتين وعنه يكره فعلى المذهب لو فعل فلا كفارة عليه على الصحيح من المذهب: وقيل: هو كالوطء في الحيض وعلى الثانية: والثالثة: لا كفارة عليه قولا واحدا وفي الرعاية احتمال بوجوب الكفارة وإن قلنا إنه غير حرام.
تنبيهان
أحدهما: شمل قوله: "خوف العنت الزوج أو الزوجة أو هما وهو صحيح صرح به الأصحاب".
الثاني ظاهر كلام المصنف أنه إذا خاف العنت يباح له وطؤها مطلقا وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل: لا يباح إلا إذا عدم الطول لنكاح غيرها قاله ابن عقيل في روايتيه وقدمه في الرعاية الكبرى: وقال الشبق الشديد كخوف العنت.
فائدتان
إحداهما: يجوز شرب دواء مباح لقطع الحيض مطلقا مع أمن الضرر على الصحيح من المذهب: نص عليه وقال القاضي لا يباح إلا بإذن الزوج كالعزل.
قلت: وهو الصواب قال في الفروع يؤيده قول أحمد في بعض جوابه والزوجة تستأذن زوجها وقال ويتوجه يكره وقال وفعل الرجل ذلك بها من غير علم يتوجه تحريمه لإسقاط حقها مطلقا من النسل المقصود وقال ويتوجه في الكافور ونحوه له لقطع الحيض.
قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه.
قال في الفائق ولا يجوز ما يقطع الحمل ذكره بعضهم.
الثانية: يجوز شرب دواء لحصول الحيض ذكره الشيخ تقي الدين واقتصر عليه في الفروع إلا قرب رمضان لتفطره ذكره أبو يعلى الصغير.
قلت: وليس له مخالف والظاهر أنه مراد من ذكر المسألة ويأتي في أثناء النفاس إذا شربت شيئا لتلقي ما في بطنها.
قوله: "وأكثر النفاس أربعون يوما".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وعنه ستون حكاها ابن عقيل فمن بعده وقال الشيخ تقي الدين لا حد لأكثر النفاس ولو زاد على الأربعين أو الستين أو السبعين وانقطع فهو نفاس لكن إن اتصل فهو دم فساد وحينئذ فالأربعون منتهى الغالب وتقدم إذا رأته قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة وابتداء المدة من أي وقت عند قوله: "والحامل لا تحيض فليعاود.
فعلى المذهب لو جاوز الأربعين فالزائد استحاضة إن لم يصادف عادة ولم يجاوزها فإن صادف عادة ولم يجاوزها فهو حيض وإن جاوزها فاستحاضة إن لم يتكرر إذا لم يجاوز أكثر الحيض.
قلت: وكذا ينبغي أن يكون الحكم بعد الستين على القول به ولا فرق وإنما اقتصر الأصحاب على ذلك بناء على المذهب.
قوله: "ولا حد لأقله".
يعني لا حد بزمن وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه أقله يوم ذكرها أبو الحسين وعنه أقله ثلاثة أيام ذكرها أبو يعلى الصغير لقوله: "في رواية أبي داود وقد قيل له إذا طهرت بعد يوم فقال بعد يوم لا يكون ولكن بعد أيام فعلى المذهب لو وجد فأقله قطرة جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وابن تميم وغيرهم وقدمه في الرعايتين وقيل: مجة قدمه في الحاويين وصححه وقيل: قدر لحظة وقال في الرعاية الكبرى: بعد أن حكى هذه الأقوال ورواية أن أقله يوم وقيل: لا حد لأقله ولم يذكر في الرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم أنه لا حد لأقله.
قوله: "ويستحب أن لا يقربها زوجها في الفرج حتى تتمم الأربعين".
يعني إذا طهرت في أثناء الأربعين فلو خالف وفعل كره له على الصحيح من المذهب: مطلقا وعليه الجمهور ونص عليه وهو من المفردات أيضا وقيل: يحرم مع عدم خوف العنت وقيل: يكره إن أمن العنت وإلا فلا وعنه لا يكره وطؤها ذكره الزركشي وغيره.
قوله: "وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس".
على إحدى الروايتين اختارها المصنف والمجد وابن عبدوس في تذكرته قال في الفائق فهو نفاس في أصح الروايتين وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب والإفادات.
وقدمه في المذهب الأحمد والمحرر وابن تميم والرعايتين والحاويين وابن رزين في شرحه والكافي والهادي وعنه أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض وهو المذهب نص عليه وعليه جمهور الأصحاب قال في الفروع نقله واختاره الأكثر وجزم به في الفصول وأبو الخطاب والشريف أبو جعفر في رؤوس مسائلهما وغيرهم وقدمه في الهداية والمستوعب والفروع وإدراك الغاية وغيرهم وصححه في الخلاصة وغيره قال المصنف والشارح وابن عبيدان وغيرهم هذا أشهر وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والشرح والنظم وابن عبيدان ومجمع البحرين: وقال القاضي في المجرد إن كان الثاني يوم وليلة فهو مشكوك فيه وإن كان أقل من ذلك فهو دم فساد تصوم وتصلي معه ولا تقضي قال المجد في شرحه وهذا لا وجه له وقال القاضي أيضا إن كان العائد يوما أو يومين فإنها تقضي ما وجب فيهما من صوم وطواف وسعي واعتكاف احتياطا نقله ابن تميم.
فائدتان
إحداهما: لو ولدت من من غير دم ثم رأت الدم في أثناء المدة فالصحيح من المذهب: أنه مشكوك فيه قال في الفروع مشكوك فيه في الأصح وقدمه في الرعاية وقيل: هو نفاس قال ابن تميم يخرج هذا الدم على روايتين هل هو مشكوك فيه أو نفاس قال فإن صلح العائد أن يكون حيضا وصادف العادة لم يبق مشكوكا فيه سواء كان زمن الانقطاع طهرا كاملا أو لا ذكره بعض أصحابنا وسائرهم أطلق انتهى.
الثانية: الطهر الذي بين الدمين طهر صحيح على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وعنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم الواجب ونحوه وحكى عن ابن أبي موسى وعنه تقضي الصوم مع عوده ولا تقضي الطواف اختارها الخلال.
تنبيه: ظاهر قوله: "وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها" أن الطهر الذي بينهما سواء كان قليلا أو كثيرا طهر صحيح وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه إن رأت النقاء أقل من يوم لا تثبت لها أحكام الطاهرات ومنها خرج المصنف في النقاء المتخلل بين الحيض فيما إذا انقطع في أثناء العادة ثم عاد فيها.
فائدتان
إحداهما: يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة ذكره في الوجيز وقدمه في الفروع وقال ابن الجوزي في أحكام النساء يحرم وقال في الفروع وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح قال وله وجه انتهى وقال الشيخ تقي الدين والأحوط أن المرأة لا تستعمل دواء يمنع نفوذ المني في مجاري الحبل.
الثانية: من استمر دمها يخرج من فمها بقدر العادة في وقتها وولدت فخرجت المشيمة. ودم النفاس من فمها فغايته ينقض الوضوء لأنا لا نتحققه حيضا كزائد على العادة أو كمني.
خرج من غير مخرجه ذكره في الفنون.
قوله: "وإن ولدت توأمين فأول النفاس من الأول وآخره منه".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب فعليها لو كان بين الولدين أربعون يوما فلا نفاس للثاني نص عليه بل هو دم فساد وقيل: تبدأ للثاني بنفاس اختاره أبو المعالي والأزجي وقال لا يختلف المذهب فيه وعنه أنه من الأخير يعني أن أول النفاس من الأول وآخره من الأخير فعليها تبدأ للثاني بنفاس من ولادته فلو كان بينهما أربعون يوما أو أكثر فهما نفاسان قاله في الرعاية الكبرى: والتلخيص وعنه نفاس واحد وهو الصحيح على هذه الرواية قال ابن تميم وقال غير صاحب التلخيص الكل نفاس.
قلت: فيعايى بها.
وقيل: إن كان بينهما طهر تام والثاني دون أقل الحيض فليس بنفاس قاله في الرعاية الكبرى: وعنه أوله وآخره من الثاني فما قبله كدم الحامل إن كان ثلاثة أيام فأقل نفاس وإن زاد ففاسد وقيل: بل نفاس لا يعد من غير مدة الأول.
فائدتان
إحداهما: أول مدة النفاس من الوضع إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة بأمارة من المخاض ونحوه فلو خرج بعد الولد اعتد بالخارج معه من المدة على الصحيح من المذهب: وعليه الجمهور وخرج المجد في شرحه أنه كدم الطلق وأطلقهما ابن تميم وفي الفائق.
وتقدم ذلك محررا عند قوله: "والحامل لا تحيض". فليعاود.
الثانية: يثبت حكم النفاس بوضع شيء فيه خلق الإنسان على الصحيح من المذهب: ونص عليه قال ابن تميم وبن حمدان وغيرهما ومدة تبيين خلق الإنسان غالبا ثلاثة أشهر وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب العدد وأقل ما يتبين به الولد واحد وثمانون يوما فلو وضعت علقة أو مضغة لا تخطيط فيها لم يثبت لها بذلك حكم النفاس نص عليه وقدمه في الفروع والمجد في شرحه وصححه وابن تميم والفائق وعنه يثبت بوضع مضغة وهما وجهان مطلقان في المغني والشرح وابن عبيدان وغيرهم وعنه وعلقة وهو وجه في مختصر ابن تميم وغيره وقيل: يثبت لها حكم النفساء إذا وضعته لأربعة أشهر قدمه في الرعاية الكبرى: قال في الفروع ويتوجه أنه رواية مخرجة من العدة قال في الرعاية الصغرى ودم السقط نفاس دون دونه في الأصح أي دم السقط نفاس دون من وضع لدون أربعة أشهر صرح به في الرعاية الكبرى: وصححه أيضا وقال في الحاويين ودم السقط نفاس.
كتاب الصلاة
باب الصلاة
...كتاب الصلاة :
فائدتان
إحداهما: للصلاة معنيان معنى في اللغة ومعنى في الشرع فمعناها في اللغة الدعاء وهي في الشرع عبارة عن الأفعال المعلومة من القيام والقعود والركوع والسجود وما يتعلق به من القراءة والذكر مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم قال الزركشي هي عبارة عن هيئة مخصوصة مشتملة على ركوع وسجود وذكره انتهى وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء وهذا هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأهل العربية وغيرهم.
وقال بعض العلماء إنما سميت صلاة لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلى من السابق في الخيل وقيل: سميت صلاة لما يعود على صاحبها من البركة وتسمى البركة صلاة في اللغة وقيل: لأنها تفضي إلى المغفرة التي هي مقصودة بالصلاة وقيل: سميت صلاة لما تتضمن من الخشوع والخشية لله مأخوذ من صليت العود إذا لينته والمصلي يلين ويخشع وقيل: سميت صلاة لأن المصلي يتبع من تقدمه فجبريل أول من تقدم بفعلها والنبي صلى الله عليه وسلم تبعا له ومصليا ثم المصلون بعده وقيل: سميت صلاة لأن رأس المأموم عند صلوى إمامه و الصلوان عظمان عن يمين الذنب ويساره في موضع الردف ذكر ذلك في النهاية إلا القول الثاني فإنه ذكره في الفروع.
الثانية: فرضت الصلاة ليلة الإسراء وهو قبل الهجرة بنحو خمس سنين وقيل: ستة وقيل: بعد البعثة بنحو سنة.
تنبيه: دخل في عموم قوله: "وهي واجبة على كل مسلم من أسلم قبل بلوغ الشرع له كمن أسلم في دار الحرب ونحوه وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به الأكثر قال في الفروع ويقضيها مسلم قبل بلوغ الشرع وقيل: لا يقضيها ذكره القاضي واختاره الشيخ تقي الدين بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم قال في الفائق وخرج روايتان في ثبوت حكم الخطاب قبل المعرفة انتهى وقيل: لا يقضي حربي قال الشيخ تقي الدين والوجهان في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع كمن لم يتيمم لعدم الماء لظنه عدم الصحة به أو لم يزك أو أكل حتى تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود لظنه ذلك أو لم تصل مستحاضة ونحوه قال والأصح لا فرضا قال في الفروع ومراده ولم يقض وإلا أثم وكذا لو عامل بربى أو نكح فاسدا ثم تبين له التحريم.
قوله: "وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل إلا الحائض والنفساء" يعني لا
تجب الصلاة عليهما وهو الصحيح من المذهب: مطلقا وعليه الأصحاب ولنا وجه أن النفساء إذا طرحت نفسها لا تسقط الصلاة عنها وأطلق الخلاف جماعة منهم ابن تميم.
قوله: "وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر أو إغماء أو شرب دواء".
اما النائم فتجب الصلاة عليه إجماعا ويجب إعلامه إذا ضاق الوقت على الصحيح جزم به أبو الخطاب في التمهيد وقيل: لا يجب إعلامه وقيل: يجب ولو لم يضق الوقت بل بمجرد دخوله وهذه احتمالات مطلقات في الرعاية والفروع.
وأما من زال عقله بسكر فالصحيح من المذهب: وجوب الصلاة مطلقا عليه وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم وكذا من زال عقله بمحرم واختار الشيخ تقي الدين عدم الوجوب في ذلك كله وقال في الفتاوى المصرية تلزمه بلا نزاع وقيل: لا تجب إذا سكر مكرها وذكره القاضي في الخلاف قياس المذهب.
وتجب على من زال عقله بمرض بلا نزاع فعلى المذهب لو جن متصلا بكره ففي وجوبها عليه زمن جنونه احتمالان وأطلقهما في الفروع وهي لأبي المعالي في النهاية.
قلت: الذي يظهر الوجوب تغليظا عليه كالمرتد على ما يأتي قريبا وقال ابن تميم ويباح من السموم تداويا ما الغالب عنه السلامة في أصح الوجهين الثاني لا يباح كما لو كان الغالب منه الهلاك وهو احتمال في المغني والذي قدمه وصححه فيه ما صححه ابن تميم وغيره
وأما المغمى عليه فالصحيح من المذهب: وجوبها عليه مطلقا نص عليه في رواية صالح وبن منصور وأبي طالب وبكر بن محمد كالنائم وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات وقيل: لا تجب عليه كالمجنون واختاره في الفائق.
وأما إذا زال عقله بشرب دواء يعني مباحا فالصحيح من المذهب: وجوب الصلاة عليه وعليه جماهير الأصحاب وهي من المفردات وقيل: لا تجب عليه وذكر القاضي وجها أن الإغماء بتناول المباح يسقط الوجوب والإغماء بالمرض لا يسقطه لأنه ربما امتنع من شرب الدواء خوفا من مشقة القضاء فتفوت مصلحته وقال المصنف في المغني ومن تبعه من شرب دواء فزال عقله به فإن كان زوالا لا يدوم كثيرا فهو كالإغماء وإن تطاول فهو كالجنون.
قوله: "ولا تجب على كافر".
الكافر لا يخلو إما أن يكون أصليا أو مرتدا فإن كان أصليا لم تجب عليه بمعنى أنه إذا أسلم لم يقضها وهذا إجماع وأما وجوبها بمعنى أنه مخاطب بها فالصحيح من المذهب: أنهم مخاطبون بفروع الإسلام وعليه الجمهور وعنه ليسوا بمخاطبين بها وعنه مخاطبون بالنواهي دون الأوامر قال في الرعاية ولا تلزم كافرا أصليا وعنه تلزمه وهي أصح انتهى ومحل ذلك أصول الفقه.
وإن كان مرتدا فالصحيح من المذهب: أنه يقضي ما تركه قبل ردته ولا يقضي ما فاته زمن ردته قال القاضي وصاحب الفروع وغيرهما هذا المذهب واختاره ابن حامد والشارح وقدمه المجد في شرحه وابن عبيدان ونصراه وقدمه ابن تميم وبن حمدان في رعايته الصغرى مع أن كلامه محتمل قال في الفائدة: السادسة: عشر والصحيح عدم وجوب العبادة عليه في حال الردة وعدم إلزامه بقضائها بعد عوده إلى الإسلام انتهى وعنه يقضي ما تركه قبل ردته وبعدها وجزم به في الإفادات في الصلاة والزكاة والصوم والحج وقدمه في الفروع لكن قال المذهب الأول كما تقدم وقدمه في الرعاية الكبرى: وابن عبيدان ونصره وعنه لا يقضي ما تركه قبل ردته ولا بعدها وهو ظاهر كلام الخرقي قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب قال في التلخيص والبلغة هذا أصح الروايتين واختاره وأطلقهن في المغني والشرح والفائق واختار الأخيرة وقدم في الحاويين أنه لا قضاء عليه فيما تركه حالة ردته وأطلق الوجهين في وجوب ما تركه قبل الردة وقال في المستوعب ويقضي ما تركه قبل ردته رواية واحدة وقد قال المصنف في هذا الكتاب في باب حكم المرتد وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما تركه من العبادات في ردته على روايتين قال في القواعد الأصولية إذا أسلم المرتد فهل يلزمه قضاء ما تركه من العبادات زمن الردة على روايتين المذهب عدم اللزوم بناهما ابن الصيرفي والطوفي على أن الكفار هل يخاطبون بفروع الإسلام أم لا قال وفيه نظر من وجهين وذكرهما.
فائدة: في بطلان استطاعة قادر على الحج بردته ووجوبه باستطاعته في ردته فقط هاتان الروايتان نقلا ومذهبا فعلى القول بالقضاء في أصل المسألة لو طرأ عليه جنون في ردته فالصحيح من المذهب: أنه يقضي ما فاته في حال جنونه لأن عدمه رخصة تخفيفا قدمه في الفروع ومختصر ابن تميم وابن عبيدان وغيرهم واختاره أبو المعالي ابن منجا وغيره
قلت: فيعايى بها وقيل: لا يقضي كالحائض.
تنبيه: الخلاف المتقدم في قضاء الصلاة جار في الزكاة إن بقي ملكه على ما يأتي وكذا هو جار في الصوم فإن لزمته الزكاة أخذها الإمام وينوي بها للتعذر وإن لم تكن قربة كسائر الحقوق والممتنع من الزكاة كالممتنع من أداء الحقوق ذكره الأصحاب وإن أسلم بعد أخذ الإمام أجزأته ظاهرا وفيه باطنا وجهان وأطلقهما في الفروع.
قلت: الصواب الإجزاء.
وقيل: إن أسلم قضاها على الأصح ولا يجزيه إخراجه حال كفره زاد غير واحد من الأصحاب وقيل: ولا قبله قاله في الفروع.
ولم أفهم معناه إلا أن يريد أن أخرجها قبل الردة مراعى فإن استمر على الإسلام أجزأت وإن ارتد لم تجزه كالحج ويحتمل أن يريد إذا عجلها قبل أن يرتد ثم ارتد وحال الحول عليه وهو ولم ينقطع حوله بردته فيه وإلا انقطع
وأما إعادة الحج إذا فعله قبل ردته فالصحيح من المذهب: أنه لا يلزمه إعادته نص عليه قال المجد في شرحه هذا هو الصحيح قال في تجريد العناية ولا تبطل عباداته في إسلامه إذا عاد ولو الحج على الأظهر وجزم به المصنف في هذا الكتاب في باب حكم المرتد وصححه القاضي والموفق في شرح مناسك المقنع وقدمه ابن تميم وابن عبيدان والحاوي الكبير واختاره ابن عبدوس في تذكرته ذكره في باب الحج ونص على ذلك الإمام أحمد وعنه يلزمه جزم به ابن عقيل في الفصول ذكره في كتاب الحج وجزم به في الجامع الصغير والإفادات قال أبو الحسن الحوزي وجماعة يبطل الحج بالردة واختار الإعادة أيضا القاضي وصححه في الرعايتين والحاويين في كتاب الحج وأطلقهما في المحرر والفروع والرعاية الكبرى: والفائق.
ويأتي ذلك في كلام المصنف في باب حكم المرتد.
فعلى القول بلزوم الإعادة قيل بحبوط العمل وتقدم كلام الجوزي وغيره وقيل: كإيمانه فإنه لا يبطل ويلزمه ثانيا والوجهان في كلام القاضي وغيره.
قال الشيخ تقي الدين اختار الأكثر أن الردة لا تحبط العمل إلا بالموت عليها قال جماعة الإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون حقيقة العمل لبقاء صحة صلاة من صلى خلفه وحل ما كان ذبحه وعدم نقض تصرفه.
فائدتان
إحداهما: لو أسلم بعد الصلاة في وقتها وكان قد صلاها قبل ردته فحكمها حكم الحج على ما تقدم من الخلاف في المذهب على الصحيح من المذهب: وقال القاضي لا يلزمه هنا إعادة الصلاة وإن لزمه إعادة الحج لفعلها في إسلامه الثاني وقدمه في الرعاية الكبرى.
الثانية: قال الأصحاب لا تبطل عبادة فعلها في الإسلام السابق إذا عاد إلى الإسلام إلا ما تقدم من الحج والصلاة وهذا المذهب وقال في الرعاية إن صام قبل الردة ففي القضاء وجهان.
قوله: "ولا مجنون".
يعني أنها لا تجب على المجنون وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه تجب عليه فيقضيها وهي من المفردات وأطلقهما في الحاويين وقال في المستوعب لا تجب على الأبله الذي لا يعقل وقال في الصوم لا يجب على المجنون ولا على الأبله للذين لا يفيقان وقال
في الرعاية يقضي الأبله مع قوله: "في الصوم الأبله كالمجنون ذكره عنه في الفروع ثم قال كذا ذكر.
قلت: ليس المراد والله أعلم ما قاله صاحب الفروع وإنما قال يقضي على قول وهذا لفظه ويقضيها مع زوال عقله بنوم كذا وكذا ثم قال أو بشرب دواء ثم قال وقيل: محرم أو أبله وعنه أو مجنون فهو إنما حكى القضاء في الأبله قولا فهو موافق لما قاله في الصوم فما بين كلامه في الموضعين تناف بل كلامه متفق فيهما وجزم بعض الأصحاب إن زال عقله بغير جنون لم يسقط وقدمه بعضهم وقال في القاعدة الثانية: بعد المائة لو ضرب رأسه فجن لم يجب عليه القضاء على الصحيح.
قوله: "وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه".
هذا المذهب مطلقا نص عليه وعليه الأصحاب وجزم به كثير منهم وهو من مفردات المذهب وذكر أبو محمد التميمي في شرح الإرشاد إن صلى جماعة حكم بإسلامه لا إن صلى منفردا وقال في الفائق وهل الحكم للصلاة أو لتضمنها الشهادة فيه وجهان ذكرهما ابن الزاغوني.
فائدة: في صحة صلاته في الظاهر وجهان وفي ابن الزاغوني روايتين وأطلقهما في الفروع وجزم في المستوعب والرعايتين وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم بإعادة الصلاة قال القاضي صلاته باطلة ذكره في النكت قال الشيخ تقي الدين شرط الصلاة تقدم الشهادة المسبوقة بالإسلام فإذا تقرب بالصلاة يكون بها مسلما وإن كان محدثا ولا يصح الائتمام به لفقد شرطه لا لفقد الإسلام وعلى هذا عليه أن يعيدها.
والوجه الثاني: تصح في الظاهر اختاره أبو الخطاب فعليه تصح إمامته على الصحيح نص عليه وقيل: تصح قال أبو الخطاب الأصوب أنه إن أقال بعد الفراغ إنما فعلتها وقد اعتقدت الإسلام قلنا صلاته صحيحة وصلاة من صلى خلفه وإن قال فعلتها تهزؤا قبلنا منه فيما عليه من إلزام الفرائض ولم نقبل منه فيما يؤثره من دينه قال في المغني إن علم أنه كان قد أسلم ثم توضأ وصلى بنية صحيحة فصلاته صحيحة وإلا فعليه الإعادة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يسلم بغير فعل الصلاة من العبادات والمذهب أنه يسلم إذا أذن في وقته ومحله لا أعلم فيه نزاعا ويحكم بإسلامه أيضا إذا أذن في غير وقته ومحله على الصحيح من المذهب: وهو ظاهر ما جزم به في الرعاية الصغرى والحاوي الكبير في باب الأذان وقدمه في الفروع وقيل: لا يحكم بإسلامه وأطلقهما في الرعاية الكبرى: وابن تميم فعلى المذهب لا يعتد بذلك والصحيح من المذهب: أنه لا يحكم بإسلامه بصومه قاصدا رمضان وزكاة ماله وحجه وهو ظاهر كلام اكثر الأصحاب وجزم به في المغني في باب المرتد والتزمه المجد وابن عبيدان في غير الحج وهو ظاهر كلام المصنف هنا وقيل:
يحكم بإسلامه بفعل ذلك اختاره أبو الخطاب وأطلقهما في الفروع والرعاية وابن تميم واختار القاضي يحكم بإسلامه بالحج فقط والتزمه المجد وابن عبيدان وقيل: يحكم بإسلامه ببقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة وسجدة تلاوة قال في الفروع ويدخل فيه كل ما يكفر المسلم بإنكاره إذا أقر به الكافر قال وهذا متجه.
قوله: "ولا تجب على صبي".
لا يخلو الصبي إما أن يكون سنه دون التمييز أو يكون مميزا.
فإن كان دون التمييز لم تجب عليه العبادة قولا واحدا ولم تصح منه على الصحيح وذكر المصنف وغيره أن ابن سبع تصح طهارته وذكر المصنف أيضا أن ظاهر الخرقي صحة صلاة العاقل من غير تقدير بسن وذكر المصنف أيضا أن ظاهر الخرقي ابن ثلاث سنين أيضا ونحوه يصح إسلامه إذا عقله.
وأما إن كان مميزا أو هو ابن سبع سنين عند الجمهور واختار في الرعاية ابن ست وقال في القواعد الأصولية وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه ابن عشر وقال ابن أبي الفتح في المطلع هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الأفهام وقاله الطوفي في مختصره في الأصول.
قلت: وهو الصواب والاشتقاق يدل عليه ولعله مراد الأول وأن ابن ست أو سبع يفهم ذلك غالبا وضبطوه بالسن.
إذا علمت ذلك فالمذهب أن الصلاة وغيرها من العبادات البدنية لا تجب عليه إلا أن يبلغ وعليه جماهير الأصحاب وعنه تجب على من بلغ عشرا قال في الفائق والقواعد اختارها أبو بكر وظاهر كلامه في الجارية إذا بلغت تسعا تجب عليها وعنه تجب على المراهق اختارها أبو الحسن التميمي وابن عقيل أيضا ذكره في الأصول قال أبو المعالي ونقل عن أحمد في ابن أربع عشرة إذا ترك الصلاة قتل وعنه تجب على المميز ذكرها المصنف وغيره وأنه مكلف وذكرها في المذهب وغيره في الجمعة قال في الجمعة قال في القواعد الأصولية وأذا أوجبنا الصلاة عليه فهل الوجوب مختص بما عدا الجمعة أم يعم الجمعة وغيرها فيه وجهان لأصحابنا أصحهما لا يلزمه الجمعة وإن قلنا بتكليفه في الصلاة قال المجد هو كالإجماع للخبر.
قلت: ظاهر كلام كثير من الأصحاب التسوية بين الجمعة وغيرها وهو الصحيح من المذهب: قدمه في الفروع في باب الجمعة ويأتي أيضا هناك.
فعلى القول بعدم الوجوب على المميز لو فعلها صحت منه بلا نزاع ويكون ثواب عمله لنفسه ذكره المصنف في غير موضع من كلامه وذكره الشيخ تقي الدين واختاره ابن عقيل في المجلد التاسع عشر من الفنون وقاله ابن هبيرة وقال ابن عقيل أيضا في بعض كتبه الصبي ليس من أهل الثواب والعقاب ورده في الفروع وقال بعض الأصحاب في طريقته في مسألة تصرفه ثوابه لوالديه.
قوله: "ويؤمر بها لسبع".
اعلم أنه يجب على الولي أمره بها وتعليمه إياها والطهارة نص عليه في رواية أبي داود خلافا لما قاله ابن عقيل في مناظراته وقال ابن الجوزي لا يجب على ولي صغير ومجنون أن ينزههما عن النجاسة ولا أن يزيلها عنهما بل يستحب وذكر وجها أن الطهارة تلزم المميز.
قوله: "ويضرب على تركها لعشر".
اعلم أن ضرب ابن عشر على تركها واجب على القول بعدم وجوبها عليه قاله القاضي وغيره.
فائدة: حيث قلنا "تصح من الصغير فيشترط لها ما يشترط لصحة صلاة الكبير مطلقا على الصحيح من المذهب قال المصنف وتبعه الشارح: إلا في السترة لأن قوله عليه أفضل الصلاة والسلام "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" يدل على صحتها بدون الخمار ممن لم تحض.
قوله: "فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها".
يعني إذا قلنا إنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ وهذا المذهب نص عليه وعليه الجمهور وقطع به كثير منهم وقيل: لا يلزمه الإعادة فيهما وهو تخريج لأبي الخطاب واختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق واختار القاضي أنه لا يجب قضاؤها إذا بلغ بعد فراغها اختاره في شرح المذهب وقيل: إن لزمته وأتمها كفته ولم يجب قضاؤها إذا بلغ قاله في الرعاية.
فائدة: حيث وجبت وهو فيها لزمه إتمامها على القول بإعادتها.
قلت: فيعايى بها.
وحيث قلنا لا تجب فهل يلزمه إتمامها مبني على الخلاف فيمن دخل في نفل هل يلزمه إتمامه على ما يأتي في صوم التطوع وقدم أبو المعالي في النهاية وتبعه ابن عبيدان: أنه يتمها وذكر الثاني احتمالا.
فعلى المذهب في أصل المسألة لو توضأ قبل بلوغه ثم بلغ وهو على تلك الطهارة لم يلزمه إعادتها كوضوء البالغ قبل الوقت وهو غير مقصود في نفسه وقصاراه أن يكون كوضوء البالغ للنافلة بخلاف التيمم على ما تقدم محررا في التيمم قبل قوله: "ويبطل التيمم بخروج الوقت".
فائدة: لو أسلم كافر لم يلزمه إعادة الإسلام بعد إسلامه لأن أصل الدين لا يصح نفلا فإذا وجد فهو على وجه الوجوب ولأنه يصح بفعل غيره وهو الأب وذكر أبو المعالي خلافا وقال أبو البقاء الإسلام أصل العبادات وأعلاها فلا يصح القياس عليه ومع التسليم فقال بعض أصحابنا يجب عليه إعادته.
قوله: "ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إلا أن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها".
زاد غير واحد إذا كان ذاكرا لها قادرا على فعلها وهو مراد لمن لم يذكر ذلك.
ويجوز تأخير الصلاة عن وقتها لمن ينوي الجمع على ما يأتي في بابه لأن الوقتين كالوقت الواحد لأجل ذلك.
وقطع المصنف هنا بجواز التأخير إذا كان مشتغلا بشرطها وكذا قال في الوجيز وابن تميم والرعايتين والحاويين والشرح وغيرهم ولم يذكر الاشتغال بالشرط في الهداية والمستوعب والخلاصة والنهاية له وغيرهم.
واعلم أن اشتغاله بشرطها على قسمين قسم لا يحصل إلا بعد زمن طويل فهذا لا يجوز تأخيرها لأجل تحصيله جزم به في الفروع.
وقسم يحصل بعد زمن قريب فأكثر الأصحاب يجوزونه وقدمه في الفروع وغيره وجزم به المصنف وغيره ولم يذكره في المستوعب والهداية والخلاصة والنهاية كما تقدم.
وقال الشيخ تقي الدين وأما قول بعض الأصحاب لا يجوز تأخيرها عن وقتها إلا لناوي جمعها أو لمشتغل بشرطها فهذا لم يقله أحد قبله من الأصحاب بل من سائر طوائف المسلمين إلا أن يكون بعض أصحابنا والشافعي فهذا لا شك فيه ولا ريب أنه ليس على عمومه وإنما أراد صورا معروفة كما إذا أمكن الواصل إلى البئر أن يضع حبلا يستقى به ولا يفرغ إلا بعد الوقت أو أمكن العريان أن يخيط ثوبا ولا يفرغ إلا بعد الوقت ونحو هذه الصور ومع هذا فالذي قاله هو خلاف المذهب المعروف عن أحمد وأصحابه وجماهير العلماء وما أظن يوافقه إلا بعض أصحاب الشافعي قال ويؤيد ما ذكرناه أيضا أن العريان لو أمكنه أن يذهب إلى قرية يشتري منها ثوبا ولا يصل إلا بعد الوقت لا يجوز له التأخير بلا نزاع وكذلك العاجز عن تعلم التكبير والتشهد الأخير إذا ضاق الوقت صلى حسب حاله وكذلك المستحاضة إذا كان دمها ينقطع بعد الوقت لم يجز لها التأخير بل تصلى في الوقت بحسب حالها انتهى
وتقدم اختياره إن استيقظ أول الوقت.
واختار أيضا تقديم الشرط إذا استيقظ آخر الوقت وهو جنب وخاف إن اغتسل خرج الوقت اغتسل وصلى ولو خرج الوقت وكذلك لو نسيها تقدم ذلك كله عند قوله: "ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات المكتوبة".
وقال ابن منجا في شرحه: في جواز التأخير لأجل الاشتغال بالشروط نظر وذلك من وجهين.
أحدهما: أنه لم ينقله أحد من الأصحاب ممن تقدم المصنف رحمه الله ممن يعلمه بل نقلوا عدم الجواز واستثنوا من نوى الجمع لا غير وذكر ذلك أبو الخطاب في هدايته وصاحب النهاية فيها وفي خلاصته.
وثانيهما أن ذلك يدخل فيه من أخر الصلاة عمدا حتى بقي من الوقت مقدار الصلاة ولا وجه لجواز التأخير له انتهى وقال ذلك أيضا ابن عبيدان: في شرحه وتقدم في آخر التيمم إذا خاف فوت الصلاة المكتوبة أو الجنازة ونحوهما هل يشتغل بالشرط أو يتيمم ويأتي آخر صلاة الخوف هل يؤخر الصلاة عن وقتها إذا اشتد الخوف أم لا؟.
تنبيه: مفهوم قوله: "ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها أنه يجوز تأخيرها إلى أثناء وقتها وهو صحيح إذ لا شك أن أوقات الصلوات الخمس أوقات موسعة لكن قيد ذلك الأصحاب بما إذا لم يظن مانعا من الصلاة كموت وقتل وحيض وكمن أعير سترة أول الوقت فقط أو متوضئ عدم الماء في السفر وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت ولا يرجو وجوده وتقدم إذا كانت للمستحاضة عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعل الصلاة أنه يتعين لها.
فإذا انتفت هذه الموانع جاز له تأخيرها إلى أن يبقى قدر فعلها لكن بشرط عزمه على الفعل على الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب وقيل: يجوز التأخير بدون العزم واختاره أبو الخطاب في التمهيد وذكره المجد ذكره القاضي في بعض المواضع قاله ابن عبيدان: قال في القواعد الأصولية ومال إليه القاضي في الكفاية وينبني على القولين هل يأثم المتردد حتى يضيق وقتها عن بعضها أم لا؟.
فائدتان
إحداهما: يحرم التأخير بلا عذر إلى وقت الضرورة على الصحيح من المذهب: وقاله أبو المعالي وغيره في العصر وقيل: لا يحرم مطلقا قال في الفروع ولعل مرادهم لا يكره أداؤها ويأتي في باب شروط الصلاة.
الثانية: لو مات من جاز له التأخير قبل الفعل لم يأثم على الصحيح من المذهب: وقيل: يأثم فعلى المذهب يسقط إذن بموته قال القاضي وغيره لأنها لا تدخلها النيابة فلا فائدة: في بقائها في الذمة بخلاف الزكاة والحج.
قوله: "وإن تركها تهاونا لا جحودا دعي إلى فعلها فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله".
هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال في الفروع اختاره الأكثر قال الزركشي: وهو.
المشهور انتهى واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وغيرهم وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين وإدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم وعنه يجب قتله إذا أبى حتى تضايق وقت أول صلاة اختاره المجد وصاحب مجمع البحرين: والحاوي الكبير وغيرهم قال في الفروع وهي أظهر وهو ظاهر الكافي وقدمه ابن عبيدان: وصاحب الفائق وابن تميم ويأتي لفظه وقال أبو إسحاق بن شاقلا يقتل بصلاة واحدة إلا الأولى: من المجموعتين لا يجب قتله بها حتى يخرج وقت الثانية: قال المصنف وهذا قول حسن وعنه لا يجب قتله حتى يترك ثلاثا ويضيق وقت الرابعة: قدمه في التلخيص والبلغة والمبهج وجزم به في الطريق الأقرب وعنه يجب قتله إن ترك ثلاثا وذكر ابن الزاغوني في الواضح والشيرازي في المبهج والحلواني في التبصرة رواية يجب قتله إن ترك صلاة ثلاثة أيام وقال ابن تميم فإن أبى بعد الدعاء حتى خرج وقتها وجب قتله وإن لم يضق وقت الثانية: نص عليه وعنه يجب قتله إن ترك صلاتين وعنه إن ترك ثلاثا قال وحكى الأصحاب اعتبار ضيق وقت الثانية: على الرواية الأولى: وضيق وقت الرابعة: على الرواية الثالثة: وقال الزركشي: وغالى بعض الأصحاب فقال يقتل لترك الأولى: ولترك كل فائتة إذا أمكنه من غير عذر إذ القضاء على الفور.
تنبيه: قولنا في الرواية الأولى: حتى تضايق وقت التي بعدها وفي الرواية الثالثة: ويضيق وقت الرابعة: قيل في الأولى: يضيق الوقت عن فعل الصلاتين وفي الرواية الثالثة: عن فعل الصلوات المتروكة وقدمه في الحاويين وقيل: حتى يضيق وقت التي دخل وقتها عن فعلها فقط قدمه في الرعايتين.
فائدتان
إحداهما: الداعي له هو الإمام أو نائبه فلو ترك صلوات كثيرة قبل الدعاء لم يجب قتله ولا يكفر على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وكذا لو ترك كفارة أو نذرا وذكر الآجري أنه يكفر بترك الصلاة ولو لم يدع إليها قال في الفروع وهو ظاهر كلام جماعة ويأتي كلامه في المستوعب في باب ما يفسد الصوم عند قوله: "أو اغتسل" يعني بعد أن أصبح.
الثانية: اختلف العلماء بم كفر إبليس فذكر أبو إسحاق بن شاقلا أنه كفر بترك السجود لا بجحوده وقيل: كفر لمخالفة الأمر الشفاهي من الله تعالى فإنه سبحانه وتعالى خاطبه بذلك قال الشيخ برهان الدين قاله صاحب الفروع في الاستعاذة له وقال جمهور العلماء إنما كفر لأنه أبى واستكبر وعاند وطغى وأصر واعتقد أنه محق في تمرده واستدل بأنه خير منه فكان تركه للسجود تسفيها لأمر الله تعالى وحكمته قال الإمام أحمد إنما أمر بالسجود فاستكبر وكان من الكافرين والاستكبار كفر وقالت الخوارج كفر بمعصية الله وكل معصية كفر وهذا خلاف الإجماع.
قوله: "ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا".
حكم استتابته هنا حكم استتابة المرتد من الوجوب وعدمه نص عليه على ما يأتي إن شاء الله تعالى في بابه.
فائدة: يصير هذا الذي كفر بترك الصلاة مسلما بفعل الصلاة على الصحيح من المذهب: نقل حنبل توبته أن يصلي قال الشيخ تقي الدين الأصوب أنه يصير مسلما بالصلاة لأن كفره بالامتناع منها وبمقتضى ما في الصور أنه يصير مسلما بنفس الشهادتين وقيل: يصير مسلما بالصلاة وبالإتيان بها ذكر ذلك في النكت.
تنبيه: ظاهر قوله: "فإن تاب وإلا قتل أنه لا يزاد على القتل وهو صحيح وهو المذهب وقال القاضي يضرب ثم يقتل
وظاهر قوله: "أنه لا يكفر بترك شيء من العبادات تهاونا غيرها وهو صحيح وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال في الفروع اختاره الأكثر قال ابن شهاب وغيره وهو ظاهر المذهب فلا يكفر بترك زكاة بخلا ولا بترك صوم وحج يحرم تأخيره تهاونا وعنه يكفر اختارها أبو بكر وقدم في النظم أن حكمهما حكم الصلاة وعنه يكفر بتركه الزكاة إذا قاتل عليها وعنه يكفر بها ولو لم يقاتل عليها ويأتي ذلك في باب إخراج الزكاة.
وحيث قلنا لا يكفر بالترك في غير الصلاة فإنه يقتل على الصحيح من المذهب: وعنه لا يقتل وعنه يقتل بالزكاة فقط وقال المجد في شرحه وقولنا في الحج يحرم تأخيره كعزمه على تركه أو ظنه الموت من عامه باعتقاده الفورية يخرج على الخلاف في الحد بوطء في نكاح مختلف فيه وحمل كلام الأصحاب عليه قال في الفروع وهذا واضح ذكره في الرعاية قولا ولا وجه له ثم اختار في الرعاية إن قلنا بالفورية قتل وهو ظاهر كلام القاضي في الخلاف فإنه قال قياس قوله: "يقتل كالزكاة قال القاضي وقد ذكره أبو بكر في الخلاف فقال الحج والزكاة والصلاة والصيام سواء يستتاب فإن تاب وإلا قتل قال في الفروع ولعل المراد فيمن لا اعتقاد له وإلا فالعمل باعتقاده أولى ويأتي من أتى فرعا مختلفا فيه هل يفسق به أم لا ويأتي بعض ذلك في باب المرتد.
فائدتان
إحداهما: قال الأصحاب لا يقتل بصلاة فائتة للخلاف في الفورية قال في الفروع فيتوجه فيه ما سبق وقيل: يقتل لأن القضاء يجب على الفور فعلى هذا لا يعتبر أن يضيق وقت الثانية: وتقدم ذلك.
الثانية: لو ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه كالطهارة ونحوها فحكمه حكم تارك الصلاة وكذا على الصحيح من المذهب: لو ترك شرطا أو ركنا مختلفا فيه يعتقد وجوبه ذكره ابن عقيل وغيره وقدمه في الفروع وغيره وعند المصنف ومن تابعه المختلف فيه ليس هو كالمجمع عليه
في الحكم وقال ابن عقيل في الفصول أيضا لا بأس بوجوب قتله كما نحده بفعل ما يوجب الحد على مذهبه قال في الفروع وهذا ضعيف وفي الأصل نظر مع أن الفرق واضح.
قوله: "وهل يقتل حدا أو لكفره".
على روايتين وأطلقهما في الهداية والمستوعب والكافي والهادي والتلخيص والبلغة وابن عبيدان والزركشي والشارح
إحداهما: يقتل لكفره وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال صاحب الفروع والزركشي اختاره الأكثر قال في الفائق ونصره الأكثرون قال في الإفصاح اختاره جمهور أصحاب الإمام أحمد وذكره القاضي في شرح الخرقي وابن منجا في شرحه وغيرهما وهو ظاهر المذهب وذكر في الوسيلة أنه أصح الروايتين وأنها اختيار الأثرم والبرمكي.
قلت: واختارها أبو بكر وأبو إسحاق بن شاقلا وبن حامد والقاضي وأصحابه وغيرهم وقدمه في الفروع والمبهج والرعايتين والحاويين وإدراك الغاية وهو من المفردات.
والرواية الثانية: يقتل حدا اختاره أبو عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال إنه يكفر وقال المذهب على هذا لم أجد في المذهب خلافه واختاره المصنف وقال هو أصوب القولين ومال إليه الشارح واختاره ابن عبدوس في تذكرته وابن عبدوس المتقدم وصححه المجد وصاحب المذهب ومسبوك الذهب وابن رزين والنظم والتصحيح ومجمع البحرين: وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وقدمه في المحرر وابن تميم والفائق وقال في الرعاية وعنه يقتل حدا وقيل: لفسقه وقال الشيخ تقي الدين قد فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهو أن الرجل إذا كان مقرى بوجوب الصلاة فدعي إليها ثلاثا وامتنع مع تهديده بالقتل ولم يصل حتى قتل هل يموت كافرا أو فاسقا على قولين قال وهذا الفرض باطل إذ يمتنع أن يقتنع أن الله فرضها ولا يفعلها ويصبر على القتل هذا لا يفعله أحد قط انتهى.
قلت: والعقل يشهد بما قال ويقطع به وهو عين الصواب الذي لا شك فيه وأنه لا يقتل إلا كافرا.
فعلى المذهب حكمه حكم الكفار فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يرث مسلما ولا يرثه مسلم فهو كالمرتد وذكر القاضي يدفن منفردا وذكر الآجري أن من قتل مرتدا يترك بمكانه ولا يدفن ولا كرامة وعليها لا يرق ولا يسبى له أهل ولا ولد نص عليه وعلى الثانية: حكمه كأهل الكبائر.
فائدة: يحكم بكفره حيث يحكم بقتله ذكره القاضي والشيرازي وغيرهما وهو مقتضى نص أحمد.
باب الأذان
:فوائد
إحداها: الأذان أفضل من الإقامة على الصحيح من المذهب: وقيل: الإقامة أفضل وهو رواية في الفائق وقيل: هما في الفضيلة سواء.
الثانية: الأذان أفضل من الإمامة على الصحيح من المذهب: قال الشيخ تقي الدين هذا أصح الروايتين واختيار أكثر الأصحاب قال في المغني اختاره ابن أبي موسى والقاضي وجماعة وعنه الإمامة أفضل وهو وجه في الفائق وغيره واختاره ابن حامد وبن الجوزي وقيل: هما سواء في الفضيلة وقيل: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل وإلا فلا.
الثالثة: له الجمع بينهما وذكر أبو المعالي أنه أفضل وقال ما صلح له فهو أفضل.
تنبيهات
الأول ظاهر قوله: "وهما مشروعان للصلوات الخمس" سواء كانت حاضرة أو فائتة ويحتمل أن يريد غير الفائتة ويأتي الخلاف في ذلك قريبا ويأتي أيضا إذا جمع بين صلاتين أو قضاء فوائت.
الثاني مفهوم قوله: "الصلوات الخمس" أنه لا يشرع لغيرها من الصلوات وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل: يشرع للمنذورة وأطلقهما ابن عبيدان: والزركشي والرعاية الكبرى: ويأتي آخر الباب ما يقول: لصلاة العيد والكسوف والاستسقاء والجنازة والتراويح.
الثالث ظاهر قوله: "للرجال" أنه يشرع لكل مصل منهم سواء صلى في جماعة أو منفردا سفرا أو حضرا وهو صحيح قال المصنف والأفضل لكل مصلي أن يؤذن ويقيم إلا أن يكون يصلي قضاء أو في غير وقت الأذان قال في الفروع وهما أفضل لكل مصل إلا لكل واحد ممن في المسجد فلا يشرع بل حصل له الفضيلة كقراءة الإمام للمأموم وقال المجد في شرحه وإن اقتصر المسافر أو المنفرد على الإقامة جاز من غير كراهة نص عليه وجمعهما أفضل انتهى ويأتي قريبا هل يكون فرض كفاية للمنفرد والمسافر أم لا؟.
الرابع مفهوم قوله: "للرجال" أنه لا يشرع للخناثي ولا للنساء وهو صحيح بل يكره وهو المذهب وعليه الجمهور قال الزركشي هو المشهور من الروايات قال المجد في شرحه لا يستحب لهن في أظهر الروايتين وقدمه ابن تميم والرعايتين والحاويين وعنه يباحان لهما مع خفض الصوت ذكرهما في الرعاية وقال في الفصول تمنع من الجهر بالأذان وعنه يستحبان للنساء ذكرها في الفائق وعنه يسن لهن الإقامة لا الأذان ذكرها في الفروع وغيره فقال في الفروع وفي كراهتهما للنساء بلا رفع صوت وقيل: مطلقا روايتان وعنه
يسن الإقامة فقط ويتوجه في التحريم جهرا الخلاف في قراءة وتلبية انتهى ومنعهن في الواضح من الأذان ذكره عنه في الفروع في آخر الإحرام.
قوله: "وهما فرض كفاية".
اعلم أنهما تارة يفعلان في الحضر وتارة في السفر فإن فعلهما في الحضر فالصحيح من المذهب: أنهما فرض كفاية في القرى والأمصار وغيرهما وعليه الجمهور وهو من مفردات المذهب وعنه هما فرض كفاية في الأمصار سنة في غيرها وعنه هما سنة مطلقا قال المصنف وغيره وهو ظاهر كلام الخرقي وقال في الروضة الأذان فرض والإقامة سنة وعنه هما واجبان للجمعة فقط اختاره ابن أبي موسى والمجد في شرحه وغيرهما وأقام الأدلة على ذلك قال الزركشي لا نزاع فيما نعلمه في وجوبهما للجمعة لاشتراط الجماعة لها.
قلت: قد تقدم الخلاف في ذلك ذكره ابن تميم وصاحب الفروع وغيرهما لكن عذره أنه لم يطلع على ذلك وقال بعض الأصحاب يسقط الفرض للجمعة بأول أذان.
وإن فعلا في السفر فالصحيح من المذهب: أنهما سنة وعليه جمهور الأصحاب منهم أبو بكر والقاضي في المحرر قال الزركشي هي المشهورة وعليها أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى: والفائق وغيرهم وجزم به في الرعاية الصغرى وغيره وعنه حكم السفر حكم الحضر فيهما.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف هنا وظاهر كلام جماعة قال الزركشي وهو ظاهر إطلاق طائفة من الأصحاب وجزم به ناظم المفردات واختاره صاحب المستوعب والحاويين والفائق وهو من مفردات المذهب.
فائدة: فعلى القول بأنهما فرض كفاية في أصل المسألة يستثنى من ذلك المصلى وحده والصلاة المنذورة والقضاء على الصحيح من المذهب: فليس هما في حقهم فرض كفاية قدمه في الفروع وقيل: بفرضيتهما فيهن وهي رواية في المنفرد واختاره في المنفرد في المستوعب والحاويين والفائق وأطلقهما في الرعاية والزركشي وابن عبيدان.
تنبيه: ظاهر قوله: "إن اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإمام".
أما إذا قلنا إنهما سنة واتفقوا على تركهما فلا يقاتلون وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل: يقاتلون أيضا على القول بأنهما سنة واختاره الشيخ تقي الدين.
فائدة: يكفي مؤذن واحد في المصر نص عليه قال في الفروع وأطلقه جماعة وقال جماعة من الأصحاب يكفي مؤذن واحد بحيث يسمعهم قال المجد وابن تميم وغيرهما بحيث يحصل لأهله العلم وقال في المستوعب متى أذن واحد سقط عمن صلى معه لا عمن لم يصل معه وإن سمعه سواء كان واحدا أو جماعة في المسجد الذي صلى فيه بأذان أو غيره وقيل: يستحب أن يؤذن اثنان وجزم به في الحاويين قال في الفروع ويتوجه في الفجر فقط كبلال وبن أم مكتوم ولا يستحب الزيادة عليهما على الصحيح جزم به المصنف في المغني
والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع وابن تميم وغيرهما وقال القاضي لا يستحب الزيادة على أربعة لفعل عثمان إلا من حاجة وتابعه في المستوعب والرعايتين والحاويين والأولى: أن يؤذن واحد بعد واحد ويقيم من أذن أولا.
وإن لم يحصل الإعلام بواحد يزيد بقدر الحاجة كل واحد من جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ويقيم أحدهم قال في الفروع والمراد بلا حاجة وهو كما قال فإن تشاحوا أقرع بينهم.
قوله: "ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين".
وهو المذهب وعليه الأصحاب والرواية الأخرى يجوز وعنه يكره ونقلها حنبل وقيل: يجوز إن كان فقيرا ولا يجوز مع غناه واختاره الشيخ تقي الدين قال وكذا كل قربة ذكره عنه في تجريد العناية ويأتي في أثناء باب الإجارة هل تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة.
قوله: "فإن لم يوجد متطوع بهما رزق الإمام من بيت المال من يقوم بهما".
كرزق القضاة ونحوهم على ما يأتي في بابه وظاهر كلام المصنف أنه إذا وجد متطوع بهما لا يجوز أن يرزق الإمام غيره لعدم الحاجة إليه وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب قال في الفروع ويتوجه احتمال لا يجوز إلا مع امتياز بحسن صوت.
تنبيه: قوله: "وينبغي" أن يكون المؤذن صيتا أمينا عالما بالأوقات أنه لا فرق في ذلك بين الحر والعبد والبصير والأعمى وهو صحيح وهو ظاهر كلام غيره من الأصحاب في العبد وصرح به أبو المعالي وقال يستأذن سيده وقال ابن هبيرة في الإفصاح وأجمعوا على أنه يستحب أن يكون المؤذن حرا بالغا طاهرا قال في الفروع وظاهر كلام غيره لا فرق.
قلت: قال في المذهب يستحب أن يكون حرا وأما الأعمى فصرح بأذانه الأصحاب وأنه لا يكره إذا علم بالوقت ونص عليه.
فائدتان
إحداهما: قوله: "وينبغي" مراده يستحب قاله كثير من الأصحاب الثانية: يشترط في المؤذن ذكوريته وعقله وإسلامه ولا يشترط علمه بالوقت على الصحيح من المذهب: وقال أبو المعالي يشترط ذلك ويأتي ذكر بقية الشروط عند قوله: "ولا يصح الأذان إلا مرتبا".
قوله: "فإن تشاح فيه نفسان قدم أفضلهما في ذلك".
يعني في الصوت والأمانة والعلم بالوقت وهذا المذهب وعليه الجمهور.
قوله: "ثم أفضلهما في دينه وعقله".
هذا المذهب وعليه الجمهور وقيل: يقدم الأدين على الأفضل قدمه في الرعايتين.
قوله: "ثم من يختاره الجيران أو أكثرهم" وهو المذهب.
قوله: "فإن استويا أقرع بينهما".
وهو المذهب وقدم في الكافي القرعة بعد الأفضلية في الصوت والأمانة والعلم وعنه تقدم القرعة على من يختاره الجيران نقلها طاعة قاله القاضي قدمه في التلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب وقال أبو الخطاب وغيره إذا استويا في الأفضلية في الخصال المعتبرة والأفضلية في الدين والعقل قدم أعمرهم للمسجد وأتمهم له مراعاة وأقدمهم تأذينا وجزم به في التلخيص والبلغة وقال أبو الحسن الآمدي يقدم الأقدم تأذينا أو أبوه وقال السنة أن يكون المؤذن من أولاد من جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فيه وإن كان من غيرهم جاز.
واعلم أن عبارات المصنفين مختلفة في ذلك بعضها مباين لبعض فأنا أذكر لفظ كل مصنف تكميلا للفائدة.
فقال في الكافي فإن: "تشاح فيه اثنان قدم أكملهما في هذه الخصال وهي الصوت والأمانة والعلم بالوقت والبصر فإن استويا في ذلك أقرع بينهم وعنه يقدم من يرضاه الجيران".
وقال في الوجيز: "فإن تشاح اثنان قدم الأدين الأفضل فيه ثم من قرع".
وقال في تذكرة ابن عبدوس "ويقدم الأفضل فيه ثم الأدين ثم مختار جار مصل ثم من قرع" وهي طريقة المصنف بعينها لكن شرط في الجار أن يكون مصليا وهو كذلك.
وقال في الفائق: "ويقدم عند التشاحن أفضلهما في ذلك ثم في الدين ثم من يختاره الجيران فإن استويا فالإقراع".
وقال في المنور والمنتخب: "ويقدم الأفضل فيه ثم في دينه ثم مرتضى الجيران ثم القارع".
وقال في تجريد العناية ويقدم أعلم ثم أدين ثم مختار ثم قارع فهؤلاء الأربعة طريقتهم كطريقة المصنف.
وقال الناظم: "يقدم متقن عند التنازع ثم أدين ثم أعقل ثم من يختاره الجيران ثم الإقراع" فقدم الأدين على الأعقل ولا ينافي كلام المصنف.
وقال في الرعاية الكبرى: "وإن تشاح فيه اثنان قدم من له التقديم ثم الأعقل ثم الأدين ثم الأفضل فيه ثم الأخبر بالوقت ثم الأعمر للمسجد المراعي له ثم الأقدم تأذينا فيه وقيل:
أو أبوه ثم من قرع مع التساوي وعنه بل من رضيه الجيران وقيل: يقدم أفضلهما في صوته وأمانته وعلمه بالوقت ثم في دينه وعقله.
وهذا القول الأخير طريقة المصنف ومن تابعه وهي المذهب كما تقدم.
وقال في الرعاية الصغرى::فإن تشاح اثنان قدم الأدين ثم الأفضل فيه ثم الأخبر بالوقت ثم الأعمر للمسجد المراعي له ثم الأقدم تأذينا فيه ثم من قرع وعنه من رضيه الجيران".
وقال في الإفادات: "فإن تشاح فيه اثنان قدم أدينهما ثم أفضلهما ثم أعمرهما للمسجد وأكثرهما مراعاة له ثم أسبقهما تأذينا فيه ثم من رضيه الجيران ثم من قرع".
وقال في الحاويين: "وإن تشاح فيه اثنان قدم الأفضل فيه والأدين الأعقل الأخبر بالوقت الأعمر للمسجد المراعى له الأقدم تأذينا ثم من قرع وعنه من رضيه الجيران".
وقال في إدراك الغاية: "وأحقهم به أفضلهم ثم أصلحهم للمسجد ثم مختار الجيران ثم القارع وعنه القارع ثم مختار الجيران".
وقال في التلخيص والبلغة: "فإن تشاحوا قدم أكملهم في دينه وعقله وفضله فإن تشاحوا أقرع بينهم إلا أن يكون لأحدهم مزية في عمارة المسجد أو التقديم بالأذان وعنه يقوم من يرتضي الجيران".
وكذا قال في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة.
وقال في الفصول وإن تشاحوا قدم من رضيه الجيران في إحدى الروايتين والأخرى يقدم من تخرجه القرعة ولم يزد عليه.
وقال في المبهج: "وإن تشاح اثنان في الأذان أذن أحدهما: بعد الآخر" ولم يزد عليه.
وقال في الفروع: "ومع التشاجر يقدم الأفضل في ذلك ثم الأدين وقيل: يقدم هو ثم اختيار الجيران ثم القرعة وعنه هي قبلهم نقله الجماعة قاله القاضي وعنه يقدم عليهما بمزية عمارة وقيل: أو سبقه بأذان" انتهى.
وهي أحسن الطرق وأصحها ولم يذكر المسألة ابن تميم وصاحب المحرر والعقود والجامع الصغير.
قوله: "والأذان خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه".
الصحيح من المذهب: أن المختار من الأذان أذان بلال وليس فيه ترجيع وعليه الإمام والأصحاب وعنه الترجيع أحب إلي وعليه أهل مكة إلى اليوم نقلها حنبل ذكره القاضي في التعليق.
فائدة: قال أبو المعالي في النهاية يكره أن يقول: قبيل الأذان {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} [الاسراء:111] وقال في الفصول لا يوصل الأذان بذكر قبله خلاف ما عليه أكثر العوام اليوم وليس موطن قرآن ولم يحفظ عن
السلف فهو محدث انتهى وقال في التبصرة يقول: في آخر دعاء القنوت {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الاسراء:111] الآية فقال في الفروع فيتوجه عليه قولها قبل الأذان.
قوله: "والإقامة إحدى عشرة كلمة".
هو المذهب وعليه الإمام والأصحاب وعنه هو مخير بين هذه الصفة وتثنيتها.
فائدة: لا يشرع الأذان بغير العربية مطلقا على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يجوز الأذان بغير العربية إلا لنفسه مع عجزه قاله أبو المعالي ذكره عنه في الفروع في آخر باب الإحرام.
قوله: "فإن رجع في الأذان أو ثنى في الإقامة فلا بأس".
وهذا المذهب وعليه الإمام والأصحاب وعنه لا يعجبني ترجيع الأذان وعنه الترجيع وعدمه سواء.
فائدة: الترجيع قول الشهادتين سرا بعد التكبير ثم يجهر بهما.
قوله: "ويقول: في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين".
لا نزاع في استحباب قول ذلك ولا يجب على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وعنه يجب ذلك جزم به في الروضة واختاره ابن عبدوس في تذكرته وهو من المفردات.
فائدتان
إحداهما: يكره التثويب في غير أذان الفجر ويكره بعد الأذان أيضا ويكره النداء بالصلاة بعد الأذان والأشهر في المذهب كراهة نداء الأمراء بعد الأذان وهو قوله: "الصلاة يا أمير المؤمنين ونحوه قال في الفصول يكره ذلك لأنه بدعة ويحتمل أن يخرجه عن البدعة لفعله زمن معاوية انتهى.
الثانية: قوله: "ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة".
وهذا بلا نزاع لكن قال ابن بطة وأبو حفص وغيرهما من الأصحاب إنه يكون في حال ترسله وحدره لا يصل الكلام بعضه ببعض معربا بل جزما وإسكانا وحكاه ابن بطة عن ابن الأنباري عن أهل اللغة قال وروى عن إبراهيم النخعي أنه قال شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة قال وقال أيضا الأذان جزم قال المجد في شرحه معناه استحباب تقطيع الكلمات بالوقف على كل جملة فيحصل الجزم والسكون بالوقف لا أنه مع عدم الوقف على الجملة يترك إعرابها كما قال انتهى.
وقال ابن تميم ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر الإقامة وأن يقف على كل كلمة.
وقال ابن بطة يستحب ترك الإعراب فيهما قال في الفروع ويجزمهما ولا يعربهما وكذا قال غيره
قوله: "ويؤذن قائما".
يعني يستحب أن يؤذن قائما فلو أذن أو أقام قاعدا أو راكبا لغير عذر أو ماشيا جاز ويكره على الصحيح من المذهب: قال المصنف والشارح وغيرهما فإن أذن قاعدا لغير عذر فقد كرهه أهل العلم ويصح وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز لغير القائم وقدمه ابن تميم في الجميع وقال أحمد إن أذن قاعدا لا يعجبني وجزم في التلخيص بالكراهة للماشي وبعدمها للراكب المسافر قال في الرعاية الصغرى ويباحان للمسافر ماشيا وراكبا في السفينة والمرض جالسا وقاله في الحاويين وقال في الرعاية الكبرى: ويباحان للمسافر حال مشيه وركوبه في رواية وقال في مكان آخر ولا يمشي فيهما ولا يركب نص عليه فإن ركب كره وقال في الفائق ويباحان للمسافر ماشيا وراكبا انتهى وعنه لا يكره ذلك في الكل وعنه يكره وعنه يكره في الحضر دون السفر قال القاضي إن أذن راكبا أو ماشيا حضرا كره وعنه يكره ذلك في الأقامة في الحضر وقال ابن حامد إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا بطل وهو من المفردات وهو رواية في الثانية: وقال في الرعاية وعنه إن مشى في الأذان كثيرا عرفا بطل ومال الشيخ تقي الدين إلى عدم إجزاء أذان القاعد وأطلقهن في الفروع بعنه وعنه حكى أبو البقاء في شرحه رواية أنه يعيد إن أذن قاعدا قال القاضي هذا محمول على نفي الاستحباب وحمله بعضهم على نفي الاعتداد به.
قوله: "متطهرا".
يعني أنه تستحب الطهارة له وهذا بلا نزاع من حيث الجملة ولا تجب الطهارة الصغرى له بلا نزاع ويصح الأذان والإقامة لكن تكره له الإقامة بلا نزاع جزم به في الفروع والمستوعب والتلخيص والرعاية وابن تميم والزركشي وغيرهم ولم يكره الأذان نص عليه وقدمه في الرعاية وابن تميم والزركشي والفروع وقيل: يكره الأذان أيضا وهي في الإقامة أشد وجزم به في المستوعب والتلخيص ويصح من الجنب على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه في رواية حرب وعنه يعيد اختاره الخرقي وابن عبدوس المتقدم وأطلقهما في الإيضاح فعلى المذهب قال في الفروع يتوجه في إعادته احتمالان فعلى المذهب إن كان أذانه في مسجد فإن كان مع جواز اللبث إما بوضوء على المذهب أو نجس ونحو ذلك صح ومع تحريم اللبث فهو كالأذان والزكاة في مكان غصب وفي ذلك قولان المذهب عند المجد وغيره الصحة والمذهب عند ابن عقيل في التذكرة البطلان وهو مقتضى قول ابن عبدوس المتقدم وقطع باشتراط الطهارة كمكان الصلاة.
قوله: "فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولم يستدر.
هذا المذهب مطلقا وعليه الجمهور وقال في تجريد العناية هذا الأظهر وجزم به في الوجيز والمنتخب وغيرهما واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والنظم وابن تميم والمحرر وعنه يزيل قدمه في منارة ونحوها نصره القاضي في الخلاف وغيره واختاره المجد وجزم به في الروضة والمذهب الأحمد والإفادات والمنور.
قلت: وهو الصواب لأنه أبلغ في الإعلام وهو المعمول به.
زاد أبو المعالي يفعل ذلك مع كبر البلد وأطلقهما في المستوعب والتلخيص والبلغة والفائق وابن عبيدان قال في الإقناع يشرع إزالة قدميه في المنارة فعلى المذهب قال الفروع وظاهره يزيل صدره انتهى.
قلت: قال في التلخيص ولا يحول صدره عن القبلة.
تنبيه: ظاهر قوله: "التفت يمينا وشمالا أنه سواء كان على منارة أو غيرها أو على الأرض وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وجزم به أكثرهم وقال القاضي في المجرد إن أذن في صومعة التفت يمينا وشمالا ولم يحول قدميه وإن أذن على الأرض فهل يلتفت على روايتين ذكره ابن عبيدان: وهي طريقة غريبة.
فائدتان
إحداهما:: يقول: حي على الصلاة في المرتين متواليتين عن يمينه ويقول: حي على الفلاح كذلك عن يساره على الصحيح من المذهب: وعليه الأصحاب وقيل: يقول: حي على الصلاة يمينا ثم يعيده يسارا ثم يقول: حي على الفلاح يمينا ثم يعيده يسارا وقيل: يقول: حي على الصلاة مرة عن يمينه ثم يقول: عن يساره حي على الفلاح مرة ثم كذلك ثانية قال في الفروع وهو سهو وهو كما قال والظاهر أنه خلاف إجماع المسلمين.
الثانية: لا يلتفت يمينا ولا شمالا في الحيعلة في الإقامة على الصحيح من المذهب: جزم به الآجري وغيره قال ابن نصر الله في حواشي الفروع هذا أظهر الوجهين وذكر أبو المعالي فيه وجهين.
قوله: "ويجعل إصبعيه في أذنيه.
يعني السبابتين وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في العمدة والنظم والوجيز والإفادات والفائق والمحرر وتجريد العناية وغيرهم واختاره ابن عقيل والمصنف وغيرهم وصححه المجد في شرحه وغيره وقدمه في الفروع وابن تميم وعنه يجعل أصابعه على أذنيه مبسوطة مضمومة سوى الإبهام ويحتمله كلام الخرقي قال في التلخيص والبلغة والهداية وليجعل أصابعه مضمومة على أذنيه وقدمه في الرعاية الكبرى.
وعنه يفعل ذلك مع قبضه على كفيه وهو اختيار الخرقي نقله عنه ابن بطة فقال سألت أبا القاسم الخرقي عن صفة ذلك فأرانيه بيديه جميعا وضم أصابعه على راحتيه ووضعهما على أذنيه واختاره ابن عبدوس المتقدم وابن البنا وذكره الزركشي عن صاحب البلغة وقد تقدم لفظه وأطلقهن في المذهب والمستوعب وخيره في الرعاية الصغرى والحاويين بين وضع أصابعه وإصبعيه.
فائدة: يرفع وجهه إلى السماء في الأذان كله على الصحيح من المذهب: ونص عليه وجزم به في الفائق ونقله المصنف والشارح عن القاضي واقتصر عليه وقدمه في الفروع وابن تميم وابن عبيدان واختاره الشيخ تقي الدين وقيل: عند كلمة الإخلاص فقط جزم به في المستوعب والترغيب والرعاية الصغرى وتجريد العناية وقدمه في الرعاية الكبرى: وقيل: يرفع وجهه إلى السماء عند كلمة الإخلاص والشهادتين.
قوله: "ويتولاهما معا".
يعني يستحب للمؤذن أن يتولى الإقامة وهو المذهب وعليه الجمهور وقطع به أكثرهم وعنه المؤذن وغيره في الإقامة سواء ذكرها أبو الحسين وقيل: تكره الإقامة لغير الذي أذن وعند أبي الفرج تكره إلا أن يؤذن المغرب بمنارة فلا تكره الإقامة لغيره وتقدم إذ اتشاح فيه اثنان فأكثر وهل تستحب الزيادة على الواحد قريبا.
قوله: "ويقيم في موضع أذانه إلا أن يشق عليه.
وهو المذهب وعليه الأصحاب وهو من المفردات وقال في النصيحة السنة أن يؤذن بالمنارة ويقيم أسفل.
قلت: وهو الصواب وعليه العمل في جميع الأمصار والأعصار ونقل جعفر بن محمد يستحب ذلك ليلحق آمين مع الإمام.
قوله: "ولا يصح الأذان إلا مرتبا متواليا".
بلا نزاع ولا يصح أيضا إلا بينة ويشترط فيه أيضا أن يكون من واحد فلو أذن واحد بعضه وكمله آخر لم يصح بلا خلاف أعلمه".
فائدة: رفع الصوت فيه ركن قال في الفائق وغيره إذا كان لغير حاضر قال في البلغة إذا كان لغير نفسه قال ابن تميم إن أذن لنفسه أو لجماعة حاضرين فإن شاء رفع صوته وهو أفضل وإن شاء خافت بالكل أو بالبعض.
قلت: والظاهر أن هذا مراد من أطلق بل هو كالمقطوع به وهو واضح وقال في الرعاية الكبرى: ويرفع صوته إن أذن في الوقت للغائبين أو في الصحراء فزاد في الصحراء وهي زيادة حسنة وقال أبو المعالي رفع الصوت بحيث يسمع من يقوم به لجماعة ركن انتهى.
فائدة: يستحب رفع صوته قدر طاقته ما لم يؤذن لنفسه وتكره الزيادة وعنه يستحب التوسط ولا بأس بالنحنحة قبلهما نص عليه.
فائدة: يشترط في المؤذن ذكوريته وعقله وإسلامه وتقدم ذلك في اشتراط بلوغه وعدالته بخلاف ما يأتي.
قوله: "فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به.
يعني لو فرق بين الأذان بكلام محرم لم يعتد به واعلم أن الكلام المحرم تارة يكون كثيرا وتارة يكون يسيرا فإن كان كثيرا أبطل الأذان على الصحيح من المذهب: وعليه الأصحاب وهو من المفردات وفي الرعاية وجه يعتد به فعلى المذهب لو كان يسيرا لم يعتد بالأذان وأبطله على الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف وصاحب مسبوك الذهب والحاوي الكبير وغيرهم وجزم به في الفصول والتلخيص والبلغة والمحرر والإفادات والوجيز والتسهيل وتجريد العناية والمنور والمنتخب وصححه ابن تميم واختاره في الفائق وقدمه المجد في شرحه والرعاية الصغرى وقال في الحاويين ولا يقطعهما بفصل كثير ولا كلام محرم وإن كان يسيرا وهو من المفردات وقيل: لا يبطله ويعتد بالأذان وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى: والفائق.
فائدتان
إحداهما: لو ارتد في الأذان أبطله على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يبطله إن عاد في الحال كجنونه وإفاقته سريعا وبالغ القاضي فأبطل الأذان بالردة بعده قياسا على قوله: "في الطهارة وهو من المفردات.
الثانية: الصحيح من المذهب: أن الكلام اليسير المباح والسكوت اليسير يكره لغير حاجة قاله المجد في شرح الهداية وقدمه في الفروع وغيره وعنه لا بأس باليسير وأطلقهما في الرعاية وقيل: لا يتكلم في الإقامة بحال والصحيح من المذهب: أنه يرد السلام من غير كراهة وعنه يكره وقاله القاضي في موضع من كلامه.
قوله: "ولا يجوز إلا بعد دخول الوقت إلا الفجر فإنه يؤذن لها بعد منتصف الليل.
الصحيح من المذهب: صحة الأذان وإجزاؤه بعد نصف الليل لصلاة الفجر وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم قال الزركشي لا إشكال أنه لا يستحب تقديم الأذان قبل الوقت كثيرا قاله الشيخان وغيرهما وقيل: لا يصح إلا قبل الوقت يسيرا ونقل صالح لا بأس به قبل الفجر إذا كان بعد طلوع الفجر يعني الكاذب وقيل: الأذان قبل الفجر سنة واختاره الآمدي.
وعنه لا يصح الأذان قبلها كغيرها إجماعا وكالإقامة قاله في الفروع وعند أبي الفرج الشيرازي يجوز الأذان قبل دخول الوقت للفجر والجمعة قاله في الإيضاح قال الزركشي وهو أجود من قول ابن حمدان وقيل: للجمعة قبل الزوال لعموم كلام الشيرازي وقال الزركشي واستثنى ابن عبدوس مع الفجر الصلاة المجموعة قال وليس بشيء لأن الوقتين صارا وقتا واحدا وعنه يكره قبل الوقت مطلقا ذكرها في الرعاية وغيرها وقال في الفائق يجوز الأذان للفجر خاصة بعد نصف الليل وعنه لا إلا أن يعاود بعده وهو المختار انتهى.
ويستحب لمن أذن قبل الفجر أن يكون معه من يؤذن في الوقت وأن يتخذ ذلك عادة لئلا يضر الناس وفي الكافي ما يقتضي اشتراط ذلك.
فائدة: الصحيح من المذهب: أن يكره الأذان قبل الفجر في رمضان نص عليه وعليه جمهور الأصحاب جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والنظم والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الفروع والشرح والمغني والرعاية الكبرى: وابن عبيدان وابن رزين في شرحه قال في الرعاية الكبرى: يكره على الأظهر وعنه لا يكره وهو ظاهر كلامه في المحرر والمصنف هنا وتجريد العناية والإفادات وغيرهم وأطلقهما في الفائق وابن تميم وعنه يكره في رمضان وغيره إذا لم يعده نقله حنبل وقيل: يكره إذا لم يكن عادة فإن كان عادة لم يكره جزم به في الحاويين وصححه الشارح وغيره واختاره المجد.
قلت: وهو الصواب وعليه عمل الناس من غير نكير.
وعنه لا يجوز ذكرها الآمدي وهي ظاهر إدراك الغاية فإنه قال ويجوز فيه لفجر غير رمضان من نصف الليل وعنه يحرم قبله في رمضان وغيره إلا أن يعاد ذكرها أبو الحسين.
قوله: "ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم".
هذا المذهب أعني أن الجلسة تكون خفيفة جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص والبلغة والمغني والكافي والشرح والنظم والوجيز وابن تميم والحاويين ومجمع البحرين: وابن منجا في شرحه وغيرهم وقدمه في الرعايتين وقيل: يجلس بقدر صلاة ركعتين جزم به في المستوعب والمحرر والفائق وتذكرة ابن عبدوس قال أحمد يقعد الرجل مقدار ركعتين قال في الإفادات يفصل بين الأذان والإقامة بقدر وضوء وركعتين وأطلقهما في الفروع وكذا الحكم في كل صلاة يسن تعجيلها قاله أكثر الأصحاب وذكر الحلواني يجلس بقدر حاجته ووضوئه وصلاة ركعتين في صلاة يسن تعجيلها وفي المغرب يجلسه وقال في التبصرة يجلس في المغرب وما يسن تعجيلها بقدر حاجته ووضوئه وقال في الإفادات ويفصل بين كل أذان وإقامة بقدر وضوء وركعتين وقال في المذهب ومسبوك الذهب يفصل بين الأذان والإقامة بقدر الوضوء وصلاة ركعتين إلا
المغرب فإنه يجلس جلسة خفيفة واستحباب الجلوس بين أذان المغرب وكراهة تركه من المفردات.
فائدة: تباح صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب على الصحيح من المذهب: نص عليه وعليه جمهور الأصحاب وجزم به في المغني والشرح ذكراه في صلاة التطوع وهو من المفردات وقيل: يكره قال ابن عقيل لا يركع قبل المغرب شيئا وعنه يسن فعلهما جزم به ناظم المفردات وهي من المفردات أيضا وقال في مجمع البحرين: وابن تميم لا يكره رواية واحدة وهل يستحب على روايتين وعنه بين كل أذانين صلاة وقاله ابن هبيرة في غير المغرب.
قوله: "ومن جمع بين صلاتين أو قضاء فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها.
وهي المذهب صححه المصنف في المغني والشارح وابن عبيدان وغيرهم وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والنظم والوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وغيرهم وقدمه في الفروع والتلخيص والبلغة وابن تميم والفائق والرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم بل لا يشرع الأذان صرح به ابن عقيل والشيرازي وغيرهما وعنه تجزئ الإقامة لكل صلاة من غير أذان اختاره الشيخ تقي الدين وعنه تجزئ إقامة واحدة لهن كلهن وقال في النصيحة يقيم لكل صلاة إلا أن يجمع في وقت الأولى: أو الثانية: فيؤذن لها أيضا وقال في الرعاية الكبرى: ومن جمع في وقت الأولى: أو الثانية: أو قضى فرائض أذن لكل صلاة وأقام قال في النكت في الجمع إذا جمع في وقت.
الثانية: وفرق بينها صلاهما بأذانين وإقامتين كالفائتين إذا فرقهما قطع به جماعة وجماعة لم يفرقوا وقال في المستوعب ومن فاتته صلوات أو جمع بين صلاتين فإن شاء أذن لكل صلاة وأقام وإن شاء أذن للأولى خاصة وأقام لكل صلاة وقال ابن أبي موسى إذا قضى فوائت أو جمع فإن شاء أذن لكل صلاة وأقام وقال المصنف ومن تبعه لو دخل مسجدا قد صلي فيه خير إن شاء أذن وأقام وإن شاء تركهما من غير كراهة.
قوله: "وهل يجزئ أذان المميز للبالغين على روايتين".
وأطلقهما في الكافي والخلاصة والفروع والقواعد الأصولية وابن عبيدان.
إحداهما: يجزئ وهو المذهب وعليه الجمهور وصححه في الفصول والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والنظم والفائق وحواشي المحرر لصاحب الفروع وغيرهم واختاره القاضي والمصنف والشارح وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم قال الشيخ
تقي الدين اختاره أكثر الأصحاب وقدمه في المحرر وابن تميم وإدراك الغاية وجزم به في الإيضاح والوجيز.
والرواية الثانية: لا يجزئ جزم به في الإفادات وقدمه في الرعايتين والحاويين وابن رزين في شرحه قال في مجمع البحرين: لا يجزئ أذان المميز للبالغين في أقوى الروايتين ونصره وإليه ميل المجد في شرحه واختاره الشيخ تقي الدين ونقل حنبل يجزئ أذان المراهق قال القاضي يصح أذان المراهق رواية واحدة وقدمه في الرعاية الكبرى: أيضا في المراهق.
فائدة: علل بعض الأصحاب عدم الصحة بأنه فرض كفاية وفعل الصبي نفل وعلله المصنف والمجد وغيرهما بأنه لا يقبل خبره قال في الفروع كذا قالا وقال الشيخ تقي الدين يتخرج في أذانه روايتان كشهادته وولايته وقال أما صحة أذانه في الجملة وكونه جائزا إذا أذن غيره فلا خلاف في جوازه ومن الأصحاب من أطلق الخلاف قال والأشبه أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولا واحدا ولا يسقط الفرض ولا يعتد به في مواقيت العبادات وأما الأذان الذي يكون سنة مؤكدة في مثل المساجد التي في المصر ونحو ذلك فهذا فيه الروايتان والصحيح جوازه انتهى.
قوله: "وهل يعتد بأذان الفاسق والأذان الملحن على وجهين".
أما أذان الفاسق فأطلق المصنف في الاعتداد به وجهين وأطلقهما في الهداية والفصول والخلاصة والمغني والكافي والبلغة والشرح والمحرر وابن تميم والفائق.
أحدهما: لا يعتد به وهو المذهب قال المجد في شرحه لا يعتد به في أظهر الوجهين قال الشيخ تقي الدين هذه الرواية أقوى وصححه في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص ومجمع البحرين: وقدمه في الفروع والحاويين قال في المبهج يجب أن يكون المؤذن تقيا.
والوجه الثاني: يعتد به اختاره ابن عبدوس في تذكرته وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وقال في تجريد العناية ويصح من صبي بالغ وفاسق على الأظهر.
تنبيه: حكى الخلاف وجهين صاحب الهداية والمستوعب والمذهب والمصنف والمجد وغيرهم وحكاه روايتين في الخلاصة والرعايتين والحاويين والفروع والشيخ تقي الدين وغيرهم وهو الصواب.
وأما الأذان الملحن إذا لم يحل المعنى فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمغني والكافي والبلغة والشرح والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاويين وابن تميم والنظم والفائق ومجمع البحرين وابن عبيدان.
أحدهما: يعتد به مع الكراهة وبقاء المعنى وهو المذهب صححه في التصحيح
والشرح وشيخنا في تصحيح المحرر وجزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وقدمه في الفروع.
والوجه الثاني: لا يعتد به قدمه ابن رزين.
فائدة: الصحيح من المذهب: أن حكم الأذان الملحون حكم الأذان الملحن جزم به في الفروع وغيره وقال في الرعاية الكبرى: وفي إجزاء الأذان الملحن وقيل: والملحون وجهان.
فائدة: لا يعتد بأذان امرأة وخنثى قال جماعة من الأصحاب ولا يصح لأنه منهي عنه قال في الفروع وظاهر كلام جماعة صحته لأن الكراهة لا تمنع الصحة قال فيتوجه على هذا بقاء فرض الكفاية لأنه لم يفعله من هو فرض عليه
قوله: "ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول: كما يقول: إلا في الحيعلة فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
الصحيح من المذهب: أنه يستحب أن يقول: السامع في الحيعلة لا حول ولا قوة إلا بالله فقط وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والشارح والنظم والإفادات والوجيز والرعاية الصغرى والحاويين والمنور والمنتخب وتجريد العناية وإدراك الغاية وغيرهم قال في النكت هو قول أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع وابن تميم وابن عبيدان والفائق وغيرهم وقيل: يجمع بينهما حكاه المجد في شرحه عن بعض الأصحاب قال في شرح البخاري وهو ضعيف وأطلقهما في الرعاية الكبرى: والقواعد الفقهية وقال الخرقي وصاحب المستوعب وغيرهما يقول: كما يقول: وقاله القاضي قال ابن رجب في شرح البخاري كان بعض مشايخنا يقول: إذا كان في المسجد حيعل وإن كان خارجه حوقل وقيل: يخير اختاره أبو بكر الأثرم قاله في شرح البخاري وقال في الفروع ويتوجه احتمال تجب إجابته.
تنبيهات
أحدها يدخل في قوله: "ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول: كما يقول" المؤذن نفسه وهو المذهب المنصوص عن أحمد فيجيب نفسه خفية وعليه الجمهور فإن في قوله: "ويستحب لمن سمع المؤذن من ألفاظ العموم وقيل: لا يجيب نفسه ويحتمله كلام المصنف وغيره وحكى رواية عن أحمد قال ابن رجب في القاعدة السبعين هذا الأرجح.
الثاني ظاهر كلامه أيضا إجابة مؤذن ثان وثالث وهو صحيح قال في القواعد الأصولية ظاهر كلام أصحابنا يستحب ذلك قال في الفروع ومرادهم حيث يستحب يعني الأذان قال الشيخ تقي الدين محل ذلك إذا كان الأذان مشروعا.
الثالث ظاهر كلامه أيضا أن القارئ والطائف والمرأة يجيبونه وهو صحيح صرح به الأصحاب وأما المصلي إذا سمع المؤذن فلا يستحب أن يجيب ولو كانت الصلاة نفلا بل
يقضيه إذا سلم وقال الشيخ تقي الدين يستحب أن يجيبه ويقول: مثل ما يقول: ولو في الصلاة انتهى فإن أجابه فيها بطلت بالحيعلة فقط مطلقا على الصحيح من المذهب: وقال أبو المعالي إن لم يعلم أنها دعاء إلى الصلاة ففيه روايتان أيضا وقال وتبطل الصلاة بغير الحيعلة أيضا إن نوى الأذان لا إن نوى الذكر.
وأما المتخلي فلا يجيبه على الصحيح من المذهب: لكن إذا خرج أجابه.
وقال الشيخ تقي الدين يجيبه في الخلاء وتقدم ذلك في باب الاستنجاء.
الرابع شمل كلام المصنف الأذان والإقامة وهو صحيح لكن يقول: عند قوله: "قد قامت الصلاة" أقامها الله "وأدامها زاد في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وغيرهم "ما دامت السماوات والأرض". وقيل: يجمع بين قوله: "أقامها الله" وبين "قد قامت الصلاة".
الخامس أن يقول: عند التثويب صدقت وبررت فقط على الصحيح من المذهب: وقيل: يجمع بينهما وأطلقهما في القواعد الفقهية وقطع المجد في شرحه أنه يقول: "صدقت وبالحق نطقت."
السادس قول المصنف العلي العظيم لم يرد في الحديث فلا يقلهما وقد حكى لي بعض طلبة العلم أنه مر به في مسند الإمام أحمد رواية فيها "العلي العظيم".
فائدة: لو دخل المسجد والمؤذن قد شرع في الأذان لم يأت بتحية المسجد ولا بغيرها حتى يفرغ جزم به في التلخيص والبلغة وابن تميم وقال نص عليه وقدمه في الفروع وعنه لا بأس قال في الفروع ولعل المراد غير أذان الخطبة لأن سماع الخطبة أهم اختاره في مجمع البحرين: قال في الفائق ومن دخل المسجد وهو يسمع التأذين فهل يقدم إجابته على التحية على روايتين.
تنبيه: قوله: "وابعثه المقام المحمود بالألف واللام هكذا ورد في لفظ رواه النسائي وبن حبان وبن خزيمة في صحيحهما وتابع المصنف على هذه العبارة صاحب الرعاية الكبرى: والحاوي الكبير وجماعة والصحيح من المذهب: أنه لا يقولهما إلا منكرين فيقول: وابعثه مقاما محمودا موافقة للقرآن وهو الوارد في الصحيحين وغيرهما ورد ابن القيم الأول في بدائع الفوائد من خمسة أوجه.
فوائد
الأولى: لا يجوز الخروج من المسجد بعد الأذان بلا عذر ونيته الرجوع على الصحيح من المذهب: وكرهه أبو الوفا وأبو المعالي ونقل ابن الحكم أحب إلي أن لا يخرج ونقل صالح لا يخرج ونقل أبو طالب لا ينبغي وقال ابن تميم ويجوز للمؤذن أن يخرج بعد
أذان الفجر نص عليه قال الشيخ تقي الدين إلا أن يكون التأذين للفجر قبل الوقت فلا يكره الخروج نص عليه
قلت: الظاهر أن هذا مراد من أطلق.
الثانية: لا يؤذن قبل المؤذن الراتب إلا بإذنه إلا أن يخاف فوت وقت التأذين كالإمام وجزم أبو المعالي بتحريمه ومتى جاء المؤذن الراتب وقد أذن قبله استحب إعادته نص عليه.
الثالثة: لا يقيم المؤذن للصلاة إلا بإذن الإمام لأن وقت الإقامة إليه وتقدم قريبا إذا دخل المسجد حال الأذان
الرابعة: الصحيح من المذهب: أنه ينادي للكسوف والاستسقاء والعيد بقوله: "الصلاة جامعة أو الصلاة وقيل: لا ينادى لهن وقيل: لا ينادى للعيد فقط وقال الشيخ تقي الدين لا ينادى للعيد والاستسقاء وقاله طائفة من أصحابنا ويأتي هل النداء للكسوف سنة أو فرض كفاية في بابه.
إذا علمت ذلك فنصب الصلاة على الإغراء ونصب جامعه على الحال وقال في الرعاية الكبرى: يرفعهما وينصبهما
والصحيح من المذهب: أنه لا ينادى على الجنازة والتراويح نص عليه في الفروع وعنه ينادى لهما وقال القاضي ينادى لصلاة التراويح ويأتي ذلك مفرقا في أبوابه.
باب شروط الصلاة
فائدة: قوله: "أولها دخول الوقت".اعلم أن الأصحاب ذكروا من شروط الصلاة دخول الوقت وقال في الفروع وسبب وجوب الصلاة الوقت لأنها تضاف إليه وهي تدل على السببية وتتكرر بتكرره وهي سبب نفس الوجوب إذ سبب وجوب الأداء الخطاب وكذا قال الأصوليون إن من السبب وقتي كالزوال للظهر وقال في الفروع في باب النية عن النية هي الشرط السادس ولا تكون شرطا سادسا إلا بكون دخول الوقت شرطا فظاهره أنه سماه سببا وحكم بأنه شرط.
قلت: السبب قد يجتمع مع الشرط وإن كان ينفك عنه فهو هنا سبب للوجوب وشرط للوجوب والأداء بخلاف غيره من الشروط فإنها شروط للأداء فقط قال في الحاوي الكبير وجميعها شروط للأداء مع القدرة دون الوجوب إلا الوقت فإن دخوله شرط للوجوب والأداء جميعا إلا ما استثنى من الجميع انتهى.
واعلم أن الصلاة إنما تجب بدخول الوقت بالاتفاق فإذا دخل وجبت وإذا وجبت وجبت بشروطها المتقدمة عليها كالطهارة وغيرها.
قوله: "والصلوات المفروضات خمس الظهر وهي الأولى".
الصحيح من المذهب: أن الظهر هي الأولى: لأنها أول الخمس افتراضا وبها بدأ جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم عند البيت وبدأ بها الصحابة حين سئلوا عن الأوقات وعليه جماهير الأصحاب وبدأ في الإرشاد والشيرازي في الإيضاح والمبهج وأبو الخطاب في الهداية وتابعه في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والحاويين والرعاية الصغرى وإدراك الغاية وغيرهم بالفجر وقاله القاضي في الجامع الصغير واختاره الشيخ تقي الدين فقال بدأ جماعة من أصحابنا كالخرقي والقاضي في بعض كتبه وغيرهما بالظهر ومنهم من بدأ بالفجر كابن أبي موسى وأبي الخطاب والقاضي في موضع قال وهذا أجود لأن الصلاة الوسطى هي العصر وإنما تكون الوسطى إذا كانت الفجر الأولى: انتهى وإنما بدأ بالفجر لبداءته عليه أفضل الصلاة والسلام بها للسائل وهو متأخر عن الأول وناسخ لبعضه وبدأ في الرعاية الكبرى: وابن تميم بالفجر ثم ثنيا بالظهر وقالا هي الأولى.
قوله: "والأفضل تعجيلها إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة".
اعلم أنه إذا انتفى الغيم وشدة الحر استحب تعجيلها بلا خلاف أعلمه وأما في شدة الحر فجزم المصنف هنا أنها تؤخر لمن يصلي جماعة فقط وهو أحد الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والبلغة والمحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير والوجيز وإدراك الغاية وتجريد العناية وقدمه في الفصول والنظم.
والوجه الثاني: أنها تؤخر لشدة الحر مطلقا وهو المذهب جزم به في الحاوي الكبير واختاره المصنف والشارح ورجحه الترمذي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد والخرقي وبن أبي موسى في الإرشاد والقاضي في الجامع الكبير وابن عقيل في التذكرة والمصنف في الكافي والفخر في التلخيص وغيرهم لإطلاقهم وقدمه في الفروع وأطلقهما ابن تميم والرعاية الكبرى: والفائق وشرط القاضي في المحرر مع الخروج إلى الجماعة كونه في بلد حار قال ابن رجب في شرح البخاري اشترط ذلك طائفة من أصحابنا وقال ومنهم من يشترط مسجد الجماعة فقط انتهى وشرط ابن الزاغوني كونه في مساجد الدروب.
فائدة: قال ابن رجب في شرح البخاري اختلف في المعنى الذي من أجله أمر بالإبراد فمنهم من قال هو حصول الخشوع فيها فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة ومنهم من قال هو خشية المشقة على من بعد من المسجد بمشيه في الحر فتختص بالصلاة في مساجد الجماعة التي تقصد من الأمكنة المتباعدة ومنهم من قال هو وقت تنفس جهنم فلا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة انتهى.
تنبيه: فعلى القول بالتأخير إما مطلقا وإما لمن يصلي جماعة قال جماعة من الأصحاب يؤخر ليمشي في الفيء منهم صاحب التلخيص وقال المصنف ومن تبعه يؤخر حتى ينكسر
الحر وقال ابن الزاغوني حتى ينكسر الفيء ذراعا ونحوه وقال جماعة منهم صاحب الحاوي الكبير إلى وسط الوقت وقال القاضي بحيث يكون بين الفراغ من الصلاتين آخر وقت الصلاة فضل واقتصر عليه ابن رجب في شرح البخاري.
وأما تأخيرها مع الغيم فالصحيح من المذهب: أنه يستحب تأخيرها نص عليه وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والنظم والوجيز وإدراك الغاية وتجريد العناية والمنور والمنتخب والحاوي الصغير والإفادات وصححه في الحاوي الكبير واختاره القاضي وقدمه في الرعايتين وابن عبيدان ومجمع البحرين: وشرح المجد ونصروه وعنه لا يؤخر مع الغيم وهو ظاهر كلام الخرقي وصاحب الكافي والتلخيص والبلغة وجماعة لعدم ذكرهم لذلك وإليه ميل المصنف والشارح وأطلقهما في الفروع وابن تميم والفائق.
تنبيه: قوله: "في الغيم لمن يصلي جماعة هو الصحيح من المذهب: وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والمحرر والوجيز والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم وقاله القاضي وغيره وقيل: يستحب تأخيرها سواء صلى في جماعة أو وحده قال المجد في شرحه ظاهر كلام أحمد أن المنفرد كالمصلي جماعة وهو ظاهر نهاية ابن رزين.
قلت: وهذا ضعيف وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى.
فعلى القول بالتأخير إما مطلقا أو لمن يصلي جماعة قال ابن الزاغوني يؤخر إلى قريب من وسط الوقت وقال في الحاوي تؤخر لقرب وقت الثانية.
تنبيه: يستثنى من كلام المصنف في مسألة الحر الشديد والغيم الجمعة فإنها لا تؤخر لذلك ويستحب تعجيلها مطلقا قاله الأصحاب.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يستحب تأخير المغرب مع الغيم وهو ظاهر كلام أبي الخطاب وصاحب الوجيز وجماعة.
قلت: وهو الأولى: ليخرج من الخلاف وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الميموني والأثرم والصحيح من المذهب: أن حكم تأخير المغرب في الغيم حكم تأخير الظهر في الغيم على ما تقدم ونص عليه وعليه الجمهور وجزم به في المحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وغيرهم وقدمه في الفروع وابن تميم والرعاية الكبرى: والحاوي الكبير.
فائدة: قوله: "عن العصر وهي الوسطى" هو المذهب نص عليه الإمام أحمد وقطع به الأصحاب ولا أعلم عنه ولا عنهم فيها خلافا.
قلت: وذكر الحافظ الشيخ شهاب الدين ابن حجر في شرح البخاري في تفسير سورة البقرة فيها عشرين قولا وذكر القائل بكل قول من الصحابة وغيرهم ودليله فأحببت أن أذكرها ملخصة.
فنقول هي صلاة العصر المغرب العشاء الفجر الظهر جميعا بها واحدة غير معينة التوقف الجمعة الظهر في الأيام والجمعة في غيرها الصبح أو العشاء الصبح او العصر الصبح أو العصر على الترديد وهو غير الذي قبله صلاة الجماعة صلاة الخوف صلاة عيد النحر صلاة عيد الفطر الوتر صلاة الضحى صلاة الليل.
قوله: "ووقتها من خروج وقت الظهر".
وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم يعني أن وقت العصر يلي وقت الظهر ليس بينهما وقت وقيل: لا يدخل وقت العصر إلا بعد زيادة يسيرة عن خروج وقت الظهر ويحتمله كلام الخرقي والتذكرة لابن عقيل والتلخيص وقال ابن تميم وصاحب الفروع وغيرهما وعن أحمد آخر وقت الظهر أول وقت العصر قال في الفروع فبينهما وقت مشترك قدر أربع ركعات.
قوله: "إلى اصفرار الشمس".
هذا إحدى الروايتين عن أحمد اختارها المصنف والشارح والمجد في شرحه وابن تميم وابن عبدوس في تذكرته وابن رزين في شرحه قال في الفروع وهي أظهر وجزم بها في الوجيز والمنتخب وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وهو المذهب وعليه الجمهور منهم الخرقي وأبو بكر والقاضي وأكثر أصحابه وجزم به في تذكرة ابن عقيل والتلخيص والبلغة والإفادات ونظم النهاية والمنور والتسهيل وغيرهم وقدمه في الإرشاد والهداية والفصول والمستوعب والمحرر والرعايتين والحاوي وابن تميم وابن رزين في شرحه والفائق والفروع وإدراك الغاية وتجريد العناية وصححه في المذهب والنظم وأطلقهما في المستوعب ومسبوك الذهب والمذهب الأحمد.
قوله: "ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس".
يعني إن قلنا وقت الاختيار إلى اصفرار الشمس فما بعده وقت ضرورة إلى الغروب وإن قلنا إلى مصير ظل كل شيء مثليه فكذلك فلها وقتان فقط على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال في التلخيص والبلغة وقت الاختيار إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وبعده وقت جواز الاصفرار وبعده وقت الكراهة إلى الغروب وقال في الكافي يبقى وقت الجواز إلى غروب الشمس قال ابن نصر الله في حواشي الفروع هو غريب وقال في الفروع ولعله أراد أن الأول باق.
قلت: لو قيل إنه أراد الجواز مع الكراهة لكان له وجه فإن لنا وجها بجواز تأخير الصلاة إلى وقت الضرورة مع الكراهة فيكون كلامه موافقا لذلك القول واختاره ابن حمدان وغيره على ما يأتي مع أن المصنف لم ينفرد بهذه العبارة بل قالها في الهداية والمذهب,
ومسبوك الذهب وغيرهم وقال في المستوعب ويبقى وقت الضرورة والجواز انتهى ونقول هو وقت جواز في الجملة لأجل المعذور قال ابن تميم وظاهر كلام صاحب الروضة أن وقت العصر يخرج بالكلية بخروج وقت الاختيار وهو قول حكاه في الفروع وغيره.
قوله: "وتعجيلها أفضل بكل حال".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب وعنه يستحب تعجيلها مع الغيم دون الصحو نقلها صالح قاله القاضي ولفظ رواية صالح يؤخر العصر أحب إلي آخر وقت العصر عندي ما لم تصفر الشمس فظاهره مطلقا قاله في الفروع وقال في الرعاية الكبرى: وعنه يسن تعجيلها إلا مع الصحو إلى آخر وقت الاختيار وقيل: عنه يستحب تأخيرها مع الصحو.
قوله: "عن المغرب ووقتها من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه إلى مغيب الشفق الأبيض في الحضر والأحمر في غيره اختاره الخرقي قال المصنف تعتبر غيبوبة الشفق الأبيض لدلالتها على غيبوبة الأحمر لا لنفسه وحكى ابن عقيل إذا غاب قرص الشمس فهل يدخل وقت المغرب مع بقاء الحمرة أو حتى يذهب ذلك فيه روايتان.
فائدة: للمغرب وقتان على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وقال الآجري في النصيحة لها وقت واحد لخبر جبريل وقال من أخر حتى يبدو النجم فقد أخطأ.
قوله: "والأفضل تعجيلها إلا ليلة جمع لمن قصدها".
يعني لمن قصدها محرما وهذا إجماع وقال صاحب الفروع وكلامهم يقتضي لو دفع من عرفة قبل المغرب وحصل بمزدلفة وقت الغروب أنه لا يؤخرها ويصليها في وقتها قال وكلام القاضي يقتضي الموافقة.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنها لا تؤخر لأجل الغيم وهو قول جماعة من الأصحاب وهو المختار والصحيح من المذهب: أنها في الغيم كالظهر كما تقدم وتقدم ذلك قريبا.
فائدتان
إحداهما: يكون تأخيرها لغير محرم قاله القاضي في التعليق وغيره واقتصر في الفصول على قوله: والأفضل تعجيلها إلا بمنى يؤخرها لأجل الجمع بالعشاء وذلك نسك وفضيلة قال في الفروع كذا قال وقوله: "إلا بمنى هو في الفصول وصوابه إلا بمزدلفة.
الثانية: لا يكره تسميتها بالعشاء على الصحيح من المذهب: وقال ابن هبيرة يكره وقال الشيخ تقي الدين إن كثر تسميتها بذلك كره وإلا فلا ويأتي ذلك في تسمية العشاء بالعتمة وعلى المذهب تسميتها بالمغرب.
قوله: "عن العشاء ووقتها من مغيب الشفق إلى ثلث الليل".
يعني وقت الاختيار وهذا المذهب نص عليه وعليه الجمهور قال في الفروع نقله واختاره الأكثر منهم الخرقي وأبو بكر والقاضي في الجامع وجزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وقدمه في الهداية والمستوعب والتلخيص والبلغة والكافي والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع وابن رزين في شرحه وإدراك الغاية وتجريد العناية قال الشارح: الأولى: أن لا تؤخر عن ثلث الليل فإن أخرها جاز انتهى وعنه نصفه جزم به في العمدة وقدمه في المبهج وابن تميم والفائق واختارها القاضي في الروايتين وابن عقيل في التذكرة والمصنف والمجد وصاحب مجمع البحرين وصححه في نظمه قال في الفروع: وهي أظهر وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمذهب الأحمد.
قوله: "ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال في الكافي ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني كما قال في العصر قال في الفروع ولعل مراده أن الأداء باق وتقدم ما قلنا في كلامه ووافق الكافي صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة فقالوا وقت الجواز إلى طلوع الفجر انتهى وقيل: يخرج الوقت مطلقا بخروج وقت الاختيار وهو ظاهر كلام الخرقي وأحد الاحتمالين لابن عبدوس المتقدم.
فائدتان
إحداهما: لم يذكر في الوجيز للعشاء وقت ضرورة قال في الفروع ولعله اكتفى بذكره في العصر وإلا فلا وجه لذلك.
الثانية: لا يجوز تأخير الصلاة ولا بعضها إلى وقت ضرورة ما لم يكن عذر على الصحيح من المذهب: قال في الفروع ويحرم التأخير بلا عذر إلى وقت ضرورة في الأصح وقاله أبو المعالي وغيره في العصر وجزم به المصنف في المغني والشارح وابن رزين في شرحه وابن عبيدان وابن تميم والزركشي ومجمع البحرين: وغيرهم وقدمه في الفائق وقيل: يكره قدمه في الرعايتين وجزم به في الإفادات وأطلقهما في الحاويين وتقدم التنبيه: على ذلك في كتاب الصلاة بعد قوله: "ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها".
قوله: "وتأخيرها أفضل ما لم يشق".
اعلم أنه إن شق التأخير على جميع المأمومين كره التأخير وإن شق على بعضهم كره أيضا,
على الصحيح من المذهب وعنه لا يكره وهي طريقة المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم وقال كثير من الأصحاب هل يستحب التأخير مطلقا أو يراعى حال المأمومين عند الأشق عليهم فيه روايتان فحكوا الخلاف مطلقا وقال في الرعاية الكبرى: وابن تميم والفائق يسن تأخيرها وعنه الأفضل مراعاة المأمومين وظاهر كلام الخرقي وأبي الخطاب وغيرهم استحباب التأخير مطلقا.
تنبيه: يستثنى من كلام المصنف وغيره إذا أخر المغرب لأجل الغيم أو الجمع فإنه حينئذ يستحب تعجيل العشاء قاله في الفروع وغيره وقال في الرعاية وقيل: يسن تعجيلها مع الغيم نص عليه وقيل: مع تأخير المغرب معه والخروج إليها.
فوائد
يكره النوم قبلها مطلقا على الصحيح من المذهب: وعنه لا يكره إذا كان له من يوقظه واختاره القاضي وجزم به في الجامع وما هو ببعيد.
ويكره الحديث بعدها إلا في أمر المسلمين أو شغل أو شيء يسير والأصح أو مع الأهل وقيل: يكره مع الأهل وقدمه في الفائق قال في الرعاية وابن تميم ولا يكره لمسافر ولمصل بعدها.
ولا يكره تسميتها بالعتمة على الصحيح من المذهب ولا تسمية الفجر بصلاة الغداة وقيل: يكره فيهما وقيل يكره في الأخيرة واختاره صاحب النهاية.
وقيل: يكره في الأولى: قال الزركشي وظاهر كلام ابن عبدوس المنع من ذلك وقال الشيخ تقي الدين في اقتضاء الصراط المستقيم الأشهر عنه إنما يكره الإكثار حتى يغلب عليها الاسم وأن مثلها في الخلاف تسمية المغرب بالعشاء
قوله: "عن الفجر وتعجيلها أفضل.
وهو المذهب مطلقا وعليه الجمهور قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وجزم به الخرقي والوجيز والمنور والمنتخب وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الهداية والمستوعب والكافي والمغني والشرح والرعايتين والحاويين والنظم والفائق وابن تميم والخلاصة وغيرهم وصححه في مجمع البحرين: وإدراك الغاية فعلى هذا يكره التأخير إلى الإسفار بلا عذر وعنه إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار والمراد أكثر المأمومين واختاره الشيرازي في المبهج ونصرها أبو الخطاب في الانتصار وأطلقهما في المذهب والتلخيص والبلغة والمحرر والفروع وعنه الإسفار مطلقا أفضل قال في الفروع أطلقها بعضهم وقال في الحاوي الكبير وغيره وعنه الإسفار أفضل بكل حال إلا الحاج بمزدلفة قال في الفروع وكلام القاضي وغيره يقتضي أنه وفاق.
قلت: وهو عين الصواب وهو مراد من أطلق الرواية..
تنبيه: قال الزركشي بعد أن حكى الخلاف المتقدم ومحل الخلاف فيما إذا كان الأرفق على المأمومين الإسفار مع حضورهم أو حضور بعضهم أما لو تأخر الجيران كلهم فالأولى: هنا التأخير بلا خلاف على مقتضى ما قاله القاضي في التعليق وقال نص عليه في رواية الجماعة انتهى.
فائدة: الصحيح من المذهب: أنه ليس لها وقت ضرورة بل وقت فضيلة وجواز كما في المغرب والظهر قدمه في الفروع وابن تميم قال الزركشي هو المذهب قال في الرعاية الصغرى ويكره التأخير بعد الإسفار بلا عذر وقيل: يحرم وجعل القاضي في المجرد وابن عقيل في التذكرة وابن عبدوس المتقدم لها وقتين وقت اختيار وهو إلى الإسفار ووقت ضرورة وهو إلى طلوع الشمس قال في الحاويين ويحرم التأخير بعد الإسفار بلا عذر وقيل: يكره قال ابن رجب في شرح اختيار الأولى: في اختصام الملاء الأعلى وقد أومأ إليه أحمد وقال هذه صلاة مفرط إنما الإسفار أن ينتشر الضوء على الأرض.
فائدة: حيث قلنا يستحب تعجيل الصلاة فيحصل له فضيلة ذلك بأن يشتغل بأسباب الصلاة إذا دخل الوقت قال في التلخيص ويقرب منه قول المجد قدر الطهارة والسعي إلى الجماعة ونحو ذلك وذكر الأزجي قولا يتطهر قبل الوقت
قوله: "ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها".
وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وعليه العمل في المذهب ولو كان آخر وقت الثانية: من المجموعتين لمن أراد جمعهما وعنه لا يدركها إلا بركعة وهو ظاهر كلام الخرقي وبن أبي موسى وابن عبدوس تلميذ القاضي وقدمه في النظم وأطلقهما في المغني والشرح وابن عبيدان.
فائدتان
إحداهما: مقتضى قوله: "فقد أدركها بناء ما خرج منها عن الوقت على تحريمه الأداء في الوقت ووقوعه موقعه في الصحة والإجزاء قاله المجد في شرحه وتابعه في مجمع البحرين: وابن عبيدان قال في الفروع وظاهر كلامه في المغني أنها مسألة القضاء والأداء الآتية بعد ذلك.
الثانية: جميع الصلاة التي قد أدرك بعضها في وقتها أداء مطلقا على الصحيح من المذهب: وعليه الجمهور قال المجد في شرحه وصاحب الفروع وغيرهما هذا ظاهر المذهب قال الزركشي هذا المشهور وقيل: تكون جميعها أداء في المعذور دون غيره وقطع به أبو المعالي وهو ظاهر كلام الخرقي وبن أبي موسى وأحد احتمالي ابن عبدوس المتقدم قال الزركشي وهو متوجه وقيل: قضاء مطلقا وقيل: الخارج عن الوقت قضاء والذي في الوقت أداء.
تنبيه: يستثنى من كلام المصنف في أصل المسألة الجمعة فإنها لا تدرك بأقل من ركعة على الصحيح من المذهب: على ما يأتي في بابه وعنه تدرك بتكبيرة الإحرام كغيرها وهو ظاهر كلام المصنف هنا لكن عموم كلامه هنا مخصوص بما قاله هناك وهو أولى.
قوله: "ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله".
فإذا غلب على ظنه دخوله صلى على الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه لا يصلى حتى يتيقن دخول الوقت اختاره ابن حامد وغيره فعلى المذهب يستحب التأخير حتى يتيقن دخول الوقت قاله ابن تميم وغيره قال المصنف والشارح وغيرهما الأولى: تأخيرها احتياطا إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في وقت الغيم فإنه يستحب التبكير للخبر الصحيح وقال الآمدي يستحب تعجيل المغرب إذا تيقن غروب الشمس أو غلب على ظنه غروبها.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يجد من يخبره عن يقين أو لم يمكنه مشاهدة الوقت بيقين.
قوله: "فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين قبل قوله".
يعني إذا كان يثق به وهذا بلا نزاع وكذا لو سمع أذان ثقة عارف يثق به قال في الفصول وأبو المعالي في نهايته وابن تميم وبن حمدان في رعايته يعمل بالأذان في دار الإسلام ولا يعمل به في دار الحرب حتى يعلم إسلام المؤذن قال الشيخ تقي الدين لا يعمل بقول المؤذن في دخول الوقت مع إمكان العلم بالوقت وهو مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين كما شهدت به النصوص خلافا لبعض أصحابنا انتهى.
قوله: "وإن كان عن ظن لم يقبل".
مراده إذا لم يتعذر عليه الاجتهاد فإن تعذر عليه الاجتهاد عمل بقوله: "وفي كتاب أبي علي العكبري وأبي المعالي وبن حمدان وغيرهما لا يقبل أذان في غيم لأنه عن اجتهاد فيجتهد هو قال في الفروع فدل على أنه لو عرف أنه يعرف الوقت بالساعات أو تقليد عارف عمل به وجزم بهذا المجد في شرحه وتبعه في مجمع البحرين: وابن عبيدان وقال الشيخ تقي الدين قال بعض أصحابنا لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين وخلاف ما شهدت به النصوص قال في الفروع كذا قال.
فائدة: الأعمى العاجز يقلد فإن عدم من يقلده وصلى أعاد مطلقا على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يعيد إلا إذا تبين خطؤه وجزم به في المستوعب وغيره.
قوله: "ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة".
اعلم أن الصحيح من المذهب: أن الأحكام تترتب بإدراك شيء من الوقت ولو قدر تكبيرة وأطلقه الإمام أحمد فلهذا قيل يخير وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من المفردات وعنه لا بد أن يمكنه الأداء اختارها جماعة منهم ابن بطة وبن أبي موسى والشيخ تقي الدين واختار الشيخ تقي الدين أيضا أنه لا تترتب الأحكام إلا إن تضايق الوقت عن فعل الصلاة ثم يوجد المانع.
قوله: "ثم جن أو حاضت المرأة لزمه القضاء".
يعني إذا طرأ عدم التكليف.
واعلم أن الصلاة التي أدركها تارة تجمع إلى غيرها وتارة لا تجمع فإن كانت لا تجمع إلى غيرها وجب قضاؤها بشرطه قولا واحدا وإن كانت تجمع فالصحيح من المذهب: أنه لا يجب إلا قضاء التي دخل وقتها فقط ولو خلا جميع وقت الأولى: من المانع وسواء فعلها أو لم يفعلها وعليه جمهور الأصحاب منهم ابن حامد وصححه المجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين: فيه وفي النظم وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وعنه يلزمه قضاء المجموعة إليها وهي من المفردات وأطلقهما في المغني والشرح والمحرر والقواعد الفقهية وابن عبيدان وغيرهم.
قوله: "وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة لزمهم الصبح وإن كان ذلك قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء".
يعني إذا طرأ التكليف واعلم أن الأحكام مترتبة بإدراك قدر تكبيرة من الوقت على الصحيح من المذهب: وعليه أكثر الأصحاب وقيل: بقدر جزء ما قال في الفروع وظاهر ما ذكره أبو المعالي حكاية القول بإمكان الأداء قال وقد يؤخذ منه القول بركعة فيكون فائدة: المسألة وهو متجه وذكر الشيخ تقي الدين الخلاف عندنا فيما إذا طرأ مانع أو تكليف هل يعتبر بتكبيرة أو ركعة واختار بركعة في التكليف انتهى.
إذا علمت ذلك فإنه إذا طرأ التكليف في وقت صلاة لا تجمع لزمته فقط وإن كان في وقت صلاة تجمع مع ما قبلها إليها لزمه قضاؤها بلا نزاع.
قوله: "ومن فاتته صلوات لزمه قضاؤها على الفور".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم واختاره الشيخ تقي الدين وقيل: لا يجب القضاء على الفور مطلقا وقيل: يجب على الفور في خمس صلوات
فقط واختاره القاضي في موضع من كلامه واختار الشيخ تقي الدين أن تارك الصلاة عمدا إذا تاب لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه بل يكثر من التطوع وكذا الصوم قال ابن رجب في شرح البخاري ووقع في كلام طائفة من أصحابنا المتقدمين أنه لا يجزئ فعلها إذا تركها عمدا منهم الجوزجاني وأبو محمد البربهاري وبن بطة.
تنبيه: قوله: "لزمه قضاؤها على الفور" مقيد بما إذا لم يتضرر في بدنه أو في معيشة يحتاجها فإن تضرر بسبب ذلك سقطت الفورية نص عليه.
قوله: "مرتبا قلت: أو كثرت".
هذا المذهب مطلقا وعليه جمهور الأصحاب وهو من المفردات وعنه لا يجب الترتيب قال في المبهج الترتيب مستحب واختاره في الفائق قال ابن رجب في شرح البخاري وجزم به بعض الأصحاب ومال إلى ذلك وقال كان أحمد لشدة ورعه يأخذ من هذه المسائل المختلف فيها بالاحتياط وإلا فأجاب سنين عديدة ببقاء صلاة واحدة فائتة في الذمة لا يكاد يقوم عليه دليل قوي قال وقد أخبرني بعض أعيان شيوخنا الحنبليين أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وسأله عما يقوله: ": الشافعي وأحمد في هذه المسائل أيها أرجح قال ففهمت منه أنه أشار إلى رجحان ما يقوله: ": الشافعي انتهى وقيل: يجب الترتيب في خمس صلوات فقط واختاره القاضي أيضا في موضع قال في الفروع ويتوجه احتمال يجب الترتيب ولا يعتبر للصحة وله نظائر.
فائدة: لو كثرت الفرائض الفوائت فالأولى: ترك سننها قاله المجد في شرحه وصاحب الفروع وغيرهما واستثنى الإمام أحمد سنة الفجر وقال لا يهملها وقال في الوتر إن شاء قضاه وإن شاء فلا ونقل مهنا يقضي سنة الفجر والوتر قال المجد لأنه عنده دونها وأطلق القاضي وغيره أنه يقضي السنن قال بعد رواية مهنا المذكورة وغيره المذهب أنه يقضي الوتر كما يقضي غيره من الرواتب نص عليه قال في الفروع وظاهر هذا من القاضي أنه لا يقضي الوتر في رواية خاصة ونقل ابن هانئ لا يتطوع وعليه صلاة متقدمة إلا الوتر فإنه يوتر وقال في الفصول يقضي سنة الفجر رواية واحدة وفي بقية الرواتب من النوافل روايتان نص على الوتر لا يقضي وعنه يقضي انتهى.
وأما انعقاد النفل المطلق إذا كان عليه فوائت فالصحيح من المذهب: والروايتين أنه لا ينعقد لتحريمه إذن كأوقات النهي قاله المجد وغيره وذكر غيره الخلاف في الجواز وأن على المنع لا يصح قال المجد وكذا يتخرج في النفل المبتدأ بعد الإقامة أو عند ضيق وقت الفوات مع علمه بذلك وتحريمه انتهى وعنه ينعقد النفل المطلق وهما وجهان مطلقان في ابن تميم وغيره ويأتي قريبا من ذلك في صلاة الجماعة عند قوله: "فإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" .
قوله: "فإن خشي فوات الحاضرة".
سقط وجوبه يعني وجوب الترتيب فيصلي الحاضرة إذا بقي من الوقت بقدر ما يفعلها فيه ثم يقضي وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وعنه لا يسقط مطلقا اختارها الخلال وصاحبه وأنكر القاضي هذه الرواية وحكى عن أحمد ما يدل على رجوعه عنها وكذا قال أبو حفص قال إما أن يكون قولا قديما أو غلطا وعنه يسقط إذا ضاق وقت الحاضرة عن قضاء كل الفوائت فيصلي الحاضرة في أول الوقت اختارها أبو حفص العكبري وعنه يسقط بخشية فوات الجماعة وجزم به في الحاويين وصححه في الرعاية الصغرى وعنه يسقط الترتيب بكونها جمعة جزم به في الحاويين وصححه في الرعاية الصغرى وقاله القاضي.
قلت: وهو الصواب وقدمه ابن تميم وقال نص عليه لكن عليه فعل الجمعة وإن قلنا بعدم السقوط ثم يقضيها ظهرا وفيه وجه ليس عليه فعل الجمعة إذا قلنا لا يسقط الترتيب قال في الفروع في أول الجمعة ويبدأ بالجمعة لخوف فوتها ويترك فجرا فاتته نص عليه.
فوائد
إحداها لو بدأ بغير الحاضرة مع ضيق الوقت صح على الصحيح من المذهب: نص عليه وقيل: لا يصح.
الثانية: لا تنعقد النافلة مع ضيق الوقت عن الحاضرة إذا فعلها عمدا على الصحيح من المذهب: وقيل: تنعقد وتقدم تخريج المجد وهو أعم.
الثالثة: خشية خروج وقت الاختيار كخشية خروج الوقت بالكلية فإذا خشي الاصفرار صلى الحاضرة قاله الزركشي والمجد وابن عبيدان وابن تميم وغيرهم.
قوله: "أو نسي الترتيب سقط وجوبه".
وهذا المذهب نص عليه في رواية الجماعة وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم حتى قال القاضي إذا نسي الترتيب سقط وجوبه رواية واحدة وعنه لا يسقط الترتيب بالنسيان حكاها ابن عقيل قال أبو حفص هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة عنه فإما أن تكون غلطا أو قولا قديما.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لو جهل وجوب الترتيب أنه لا يسقط وجوبه وهو صحيح وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال في القواعد الأصولية هذا المذهب جزم به غير واحد وقيل: يسقط اختاره الآمدي فقال هو كالناسي للترتيب فعلى المذهب لو ذكر فائتة وقد أحرم بحاضرة فتارة يكون إماما وتارة يكون غيره فإن كان غير إمام فالصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب لا يسقط الترتيب ويتمها نفلا إما ركعتين وإما أربعا وعنه يتمها المأموم دون المنفرد وعنه عكسها حكاها المصنف وعنه يتمها فرضا اختاره المجد
في شرحه وعنه تبطل نقلها حنبل ووهمه الخلال وعنه ذكر الفائتة في الحاضرة يسقط الترتيب عن المأموم خاصة وإن كان إماما فالصحيح عن أحمد أنه يقطعهما وعلله بأنهم مفترضون خلف متنفل فعلى هذا إذا قلنا يصح الفرض خلف المتنفل أتمها كالمنفرد والمأموم واختار المجد سقوط الترتيب والحالة هذه فيتمها الإمام والمأموم فرضا وعنه تبطل.
فوائد
الأولى: لو نسي صلاة من يوم وجهل عينها صلى خمسا على الصحيح من المذهب: نص عليه بنية الفرض وعنه يصلي فجرا ثم مغربا ثم رباعية وقال في الفائق ويتخرج إيقاع واحدة بالاجتهاد أخذا من القبلة.
الثانية: لو نسي ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابقة تحرى في إحدى الروايتين قدمه ابن تميم وجزم به في الكافي والرواية الأخرى يبدأ بالظهر وأطلقهما في الفروع والشرح ومجمع البحرين: وابن عبيدان والقواعد الأصولية وقدم في الرعاية أنه يصلي ظهرا ثم عصرا ثم ظهرا قال وقيل: عصرا ثم ظهرا ثم عصرا فعلى الرواية الأولى: لو تحرى فلم يقو عنده شيء بدأ بأيهما شاء قدمه ابن تميم وابن عبيدان وجزم به في الرعاية الكبرى: وعنه يصلي ظهرين بينهما عصرا أو عكسه ذكرها في الفروع وذكرها المصنف في المغني احتمالا ولم يفرق بين أن يستوي عنده الأمران أو لا فقال ويحتمل أن يلزمه ثلاث صلوات ظهر ثم عصر ثم ظهر أو بالعكس قال وهذا أقيس لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين أشبه ما لو نسي صلاة لا يعلم عينها قال في القواعد الأصولية اختاره أبو محمد المقدسي وأبو المعالي وابن منجا ونقل أبو داود ما يدل على ذلك.
الثالثة: لو علم أن عليه من يوم الظهر وصلاة أخرى لا يعلم هل هي المغرب أو الفجر لزمه أن يصلي الفجر ثم الظهر ثم المغرب ولم يجز له البداءة بالظهر لأنه لا يتحقق براءة ذمته مما قبلها.
الرابعة: قال المجد في شرحه لو توضأ وصلى الظهر ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر ثم ذكر أنه ترك فرضا من إحدى طهارته ولم يعلم عينها لزمه أعادة الوضوء والصلاتين ولو لم يعلم حدثه بينهما ثم توضأ للثانية تجديدا وقلنا لا يرتفع الحدث فكذلك وإن قلنا يرتفع لزمه إعادة الوضوء للأولى خاصة لأن الثانية: صحيحة على كل تقدير
باب ستر العورة
:فائدتان
إحداهما: قوله: "وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب".
فلا يجوز كشفها واعلم أن كشفها في غير الصلاة تارة يكون في خلوة وتارة يكون مع
زوجته أو سريته وتارة يكون مع غيرهما فإن كان مع غيرهما حرم كشفها ووجب سترها إلا لضرورة كالتداوي والختان ومعرفة البلوغ والبكارة والثيوبة والعيب والولادة ونحو ذلك وإن كان مع زوجته أو سريته جاز له ذلك وإن كان في خلوة فإن كان ثم حاجة كالتخلي ونحوه جاز وإن لم تكن حاجة فالصحيح من المذهب: أنه يحرم جزم به في التلخيص قال في المستوعب وستر العورة واجب في الصلاة وغيرها وصححه المجد في شرحه وابن عبيدان في مجمع البحرين: والحاوي الكبير وقدمه في الرعايتين وعنه يكره اختاره القاضي وغيره وقدمه في الفائق وقدم في النظم أنه غير محرم وأطلقهما في الفروع في باب الاستنجاء وابن تميم وتقدم هذا أيضا هناك وعنه يجوز من غير كراهة ذكرها في النكت وهو وجه ذكره أبو المعالي وصاحب الرعاية.
فعلى القول بالتحريم أو الكراهة لا فرق بين أن يكون في ظلمة أو حمام أو بحضرة ملك أو جني أو حيوان بهيم أو لا ذكره في الرعاية وغيره.
الثانية: يجب ستر العورة في الصلاة عن نفسه وعن غيره فلو صلى في قميص واسع الجيب ولم يزره ولا شد وسطه وكان بحيث يرى عورته في قيامه أو ركوعه فهو كرؤية غيره في منع الإجزاء نص عليه ولا يعتبر سترها من أسفل على الصحيح من المذهب: واعتبره أبو المعالي إن تيسر النظر وقال في الرعاية الكبرى: قلت: فلو صلى على حائط فرأى عورته من تحت بطلت صلاته انتهى.
ويكفي في سترها نبات ونحوه كالحشيش والورق على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يكفي الحشيش مع وجود ثوب ويكفي متصل به كيده ولحيته على الصحيح من المذهب: ونص عليه وعنه لا يكفي وهي وجه في ابن تميم وقد تردد القاضي في شرح المذهب في الستر بلحيته فجزم تارة بأن الستر بالمتصل ليس بستر في الصلاة ثم ذكر نص أحمد ورجع إلى أنه ستر في الصلاة انتهى ولا يلزمه لبس بارية وحصير ونحوهما مما يضره ولا ضفيرة.
ولا يلزم سترها بالطين ولا بالماء الكدر جزم به في الكافي والإفادات والفائق والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وجزم به ابن الجوزي والشارح وابن رزين في الماء وقدمه في الطين وقيل: يلزمه الستر بهما وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى: واختار ابن عقيل يجب بالطين لا بالماء الكدر وقال المجد في شرحه وابن عبيدان وصاحب الحاوي أظهر الوجهين لا يلزمه أن يطين به عورته قال الشيخ تقي الدين اختار الآمدي وغيره عدم لزوم الاستتار بالطين قال وهو الصواب المقطوع به وقيل: إنه المنصوص عن أحمد انتهى وجزم في التلخيص بأنه لا يلزمه الستر بالماء وأطلق في الطين الوجهين فعلى القول بوجوب سترها بالطين لو طلى به ثم تناثر شيء لم يلزمه إعادته على الصحيح وقال ابن أبي الفهم يلزمه وأطلق الوجهين في الرعاية الكبرى.
تنبيه: مفهوم قوله: "بما لا يصف البشرة" أنه إذا كان يصف البشرة لا يصح الستر به وهو
صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب مثل أن يكون خفيفا فيبين من ورائه الجلد وحمرته فأما إن كان يستر اللون ويصف الخلقة لم يضر قال الأصحاب لا يضر إذا وصف التقاطيع ولا بأس بذلك نص عليه لمشقة الاحتراز ونقل مهنا تغطى خفها لأنه يصف قدمها واحتج به القاضي على أن القدم عورة.
قوله: "وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة".
الصحيح من المذهب: أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة وعليه جماهير الأصحاب نص عليه في رواية الجماعة وجزم به في الإيضاح والتذكرة لابن عقيل والإفادات والوجيز والمنور والمنتخب والمذهب الأحمد والطريق الأقرب وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والكافي والتلخيص والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين وابن تميم والفروع والفائق والنظم وإدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وعنه أنها الفرجان اختاره المجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين: والفائق قال في الفروع وهي أظهر وقدمه ابن رزين: في شرحه وقال هي أظهر وإليها ميل صاحب النظم أيضا فيه.
وأما عورة الأمة فقدم المصنف هنا أنها ما بين السرة والركبة كالرجل وهو المذهب جزم به ابن عقيل في التذكرة والمذهب الأحمد والطريق الأقرب وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والفروع والخلاصة والتلخيص والبلغة والهادي وابن تميم وإدراك الغاية ومجمع البحرين: واختاره ابن حامد والشيرازي وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم وعنه عورتها ما لا يظهر غالبا جزم به في الوجيز والمنور والمنتخب واختاره ابن عبدوس في تذكرته قال في تجريد العناية وأمة ما لا يظهر غالبا على الأظهر وقدمه في الكافي والمحرر والرعايتين والنظم والحاويين واختاره القاضي والآمدي وابن عبيدان قال القاضي في الجامع ما عدا رأسها ويديها إلى مرفقيها ورجليها إلى ركبتيها فهو عورة قال الآمدي عورة الأمة ما خلا الوجه والرأس والقدمين إلى أنصاف الساقين واليدين إلى المرفقين انتهى وقيل: الأمة البرزة كالرجل بخلاف الخفرة قال في الإفادات والأمة البرزة كالرجل والخفرة ما لا يظهر غالبا انتهى وقيل: ما عدا رأسها عورة اختاره ابن حامد ذكره عن ابن تميم وهو ظاهر كلام الخرقي وقول الزركشي أن ظاهر كلام الخرقي لا قائل به غير مسلم له وعنه عورة الأمة الفرجان كالرجل ذكرها جمهور الأصحاب منهم أبو الخطاب وابن عقيل والشيرازي وابن البنا والحلواني وبن الجوزي والسامري والمصنف وصاحب التلخيص والبلغة وابن تميم والرعايتين والحاويين والفروع وغيرهم.
قال الشيخ تقي الدين: لا يختلف المذهب أن ما بين السرة والركبة من الأمة عورة قال وقد حكى جماعة من أصحابنا: أن عورتها السوأتان فقط كالرواية في عورة الرجل قال وهذا
غلط قبيح فاحش على المذهب خصوصا وعلى الشريعة عموما وكلام أحمد أبعد شيء عن هذا القول انتهى.
قلت: قد حكى جده وتابعه في مجمع البحرين: وابن عبيدان أن ما بين السرة والركبة من الأمة عورة إجماعا ورد هذه الرواية في الشرح وغيره ويأتي حكم ما إذا عتقت في الصلاة قريبا.
فائدة: قيل لا يستحب للأمة ستر رأسها في الصلاة وقيل: يستحب قدمه في الرعاية وأطلقهما ابن تميم قال الزركشي ولقد بالغ بعض الأصحاب فقال لو صلت مغطاة الرأس لم يصح وقيل: يستحب ستر رأس أم الولد إن قلنا هي كرجل ذكره في الرعايتين.
تنبيهات
الأول ظاهر قوله: "ما بين السرة والركبة" عدم دخولهما في العورة وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه هما من العورة نقله ابن عقيل وغيره وعنه الركبة فقط من العورة.
الثاني مفهوم قوله: "وعورة الرجل" أن عورة من هو دون البلوغ من الذكور مخالف لعورة الرجل وهو ظاهر كلام غيره ولم أر من صرح بذلك إلا أبا المعالي ابن المنجا فإنه قال الصغير بعد العشر كالبالغ ومن السبع إلى العشر عورته الفرجان فقط وقد تقدم في كتاب الصلاة بعد قوله: "ويضرب على تركها لعشر" أن المصنف والشارح قالا يشترط لصحة صلاة الصغير ما يشترط لصحة صلاة الكبير إلا في ستر العورة وعللاه.
الثالث مفهوم قوله: "وعورة الرجل" أن عورة الخنثى مخالفة لعورته في الحكم ومفهوم قوله: "والحرة كلها عورة" أن الخنثى مخالف لها في الحكم وفيه روايتان.
إحداهما: أن عورته كعورة الرجل وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال في المذهب هذا قول أكثر أصحابنا وصححه في النظم والحاوي الكبير والمجد في شرحه ومجمع البحرين: قال في تجريد العناية هذا الأظهر وجزم به في الإفادات والوجيز والمنور والمنتخب وقدمه في الفروع والرعايتين وابن تميم والشرح والمحرر والحاوي الصغير
والرواية الثانية: عورته كعورة المرأة اختاره القاضي في أحكام الخنثى قال في الرعاية وهو أولى واختاره ابن عقيل قاله في المذهب وقدمه في المستوعب.
قلت: وهو الأولى: والأحوط
فعلى المذهب إذا قلنا: "العورة الفرجان" ستر الخنثى فرجه وذكره ودبره وعلى المذهب أيضا يحتاط فيستر كالمرأة.
قوله: "والحرة كلها عورة حتى ظفرها وشعرها إلا الوجه".
الصحيح من المذهب: أن الوجه ليس بعورة وعليه الأصحاب وحكاه القاضي إجماعا وعنه الوجه عورة أيضا قال الزركشي أطلق الإمام أحمد القول بأن جميعها عورة وهو محمول على ما عدا الوجه أو على غير الصلاة انتهى وقال بعضهم الوجه عورة وإنما كشف في الصلاة للحاجة قال الشيخ تقي الدين والتحقيق أنه ليس بعورة في الصلاة وهو عورة في باب النظر إذا لم يجز النظر إليه انتهى.
قوله: "وفي الكفين روايتان".
وأطلقهما في الجامع الصغير والهداية والمبهج والفصول والتذكرة له والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والهادي والخلاصة والتلخيص والبلغة والمحرر والشرح وابن تميم والفائق وابن عبيدان والزركشي والمذهب الأحمد والحاوي الصغير"
إحداهما: هما عورة وهي المذهب عليه الجمهور قال في الفروع اختارها الأكثر قال الزركشي هي اختيار القاضي في التعليق قال وهو ظاهر كلام أحمد وجزم به الخرقي وفي المنور والمنتخب والطريق الأقرب وقدمه في الإيضاح والرعاية والنظم وتجريد العناية وإدراك الغاية والفروع.
والرواية الثانية: ليستا بعورة جزم به في العمدة والإفادات والوجيز والنهاية والنظم واختارها المجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين: وابن منجا وابن عبيدان وابن عبدوس في تذكرته والشيخ تقي الدين.
قلت: وهو الصواب وقدمه في الحاوي الكبير وابن رزين في شرحه وصححه شيخنا في تصحيح المحرر.
تنبيهان
أحدهما: صرح المصنف أن ما عدا الوجه والكفين عورة وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وحكاه ابن المنذر إجماعا في الخمار واختار الشيخ تقي الدين أن القدمين ليسا بعورة أيضا.
قلت: وهو الصواب.
الثاني قد يقال شمل قوله: "والحرة كلها عورة المميزة والمراهقة وهو قول لبعض الأصحاب في المراهقة وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب فيها قال في النكت وكلام كثير من الأصحاب يقتضي أنها كالبالغة في عورة الصلاة وجزم المصنف في المغني في كتاب النكاح والمجد في شرحه وابن تميم والناظم وصاحب الحاوي الكبير ومجمع البحرين: وابن عبيدان أن المراهقة كالأمة وقدمه الزركشي قال في الفروع قال بعضهم ومراهقة.
وقال بعضهم ومميزة كأمة نقل أبو طالب في شعر وساق وساعد لا يجب ستره حتى تحيض قال في الرعايتين والحاوي الصغير وقيل: المميزة كالأمة وقال أبو المعالي هي بعد تسع كبالغ ثم ذكر عن الأصحاب إلا في كشف الرأس وقبل التسع وقيل: السبع الفرجان وأنه يجوز نظر ما سواهما انتهى.
قوله: "وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة".
أما أم الولد فالصحيح من المذهب: أنها كالأمة في حكم العورة وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي هي اختيار الأكثرين قال في مجمع البحرين: هذا أقوى الروايتين وصححه ابن تميم والناظم واختاره الخرقي وبن أبي موسى والقاضي وابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الكافي والفروع والفائق وتجريد العناية والمحرر والنهاية ونظمها وجزم به في العمدة والوجيز والمنور والمنتخب وعنه كالحرة اختاره أبو بكر وجزم به في الإفادات وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة وابن تميم والرعايتين والحاويين وابن رزين في شرحه والتلخيص والبلغة وهو من المفردات وأطلقهما في المستوعب والمذهب الأحمد والهادي وابن عبيدان.
وأما المعتق بعضها فالصحيح من المذهب: أنها كالأمة أيضا كما قدمه المصنف هنا قال ابن تميم هي كالأمة على الأصح وجزم به في العمدة وقدمه في الفروع والفائق وعنه كالحرة جزم به في الإفادات والوجيز والمنور والمنتخب وقدمه في الهداية والمذهب والرعايتين والحاويين وابن تميم وابن رزين في شرحه قال في المحرر ومسبوك الذهب ومجمع البحرين: والمعتق بعضها كالحرة على الأصح قال المجد في شرح الهداية الصحيح أن المعتق بعضها كالحرة قال الناظم هذا أولى قال الزركشي هذا الصحيح من المذهب: قال في تجريد العناية هذا الأظهر.
قلت: وهو الصواب وهذه الرواية من المفردات وأطلقهما في المستوعب والمذهب الأحمد والهادي والتلخيص والبلغة وابن عبيدان.
فائدة: المكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها على صفة كالأمة على الصحيح من المذهب: وعنه كالحرة وعنه المدبرة كأم الولد وقال ابن البنا هي كأم الولد.
قوله: "ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين".
بلا نزاع بل ذكره بعضهم إجماعا لكن قال جماعة من الأصحاب مع ستر رأسه والإمام أبلغ.
قوله: "فإن اقتصر على ستر العورة أجزأه إذا كان على عاتقه شيء من اللباس".
الصحيح من المذهب: أن ستر المنكبين في الجماعة شرط في صحة صلاة الفرض وعليه
جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم قال القاضي عليه.أصحابنا قال المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم هذا ظاهر المذهب وهو من المفردات وعنه سترهما واجب لا شرط وهو من المفردات أيضا وعنه سنة وقدمه الناظم قال الزركشي وخرج القاضي ومن وافقه صحة الصلاة مع كشف المنكبين وأبى ذلك الشيخان.
وأما في النفل فقدم المصنف أنه لا تجزئة إذا لم يكن على عاتقه شيء من اللباس فهو كالفرض وهو إحدى الروايتين وجزم به الخرقي قال في الإفادات وعلى الرجل القادر ستر عورته ومنكبيه وأطلق وكذا قال في المذهب الأحمد وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض وهو الرواية الأخرى نص عليها في رواية حنبل وهو المذهب قال المجد في شرحه ومجمع البحرين: والحاوي الكبير والزركشي وابن عبيدان وغيرهم هذه المشهورة وجزم به في الهداية والمستوعب والوجيز وغيرهم وهو ظاهر ما جزم به في التلخيص والبلغة وإدراك الغاية والمنور والمنتخب وغيرهم لاقتصارهم على وجوبه في الفرض واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المغني والنظم وابن تميم والرعايتين وصححه في الحاوي الصغير وشيخنا في تصحيح المحرر وأطلقهما في الفروع والمحرر والفائق والحاوي الكبير والزركشي وابن عبيدان.
تنبيهان
أحدهما: ظاهر قوله: "إذا كان على عاتقه شيء من اللباس" أنه يجزئ اليسير الذي يصلح للستر وهو ظاهر الخرقي واختيار المصنف والمجد في شرحه وصاحب مجمع البحرين: وابن عبيدان والصحيح من المذهب: أنه يجب ستر الجميع اختاره القاضي وأبو الخطاب وابن عقيل وقدمه في الفروع والفائق وابن تميم والرعاية الكبرى: وقال بعض الأصحاب يجزئ ولو بحبل أو خيط وهو رواية في الواضح ونسبه أبو الخطاب في الهداية وبن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب وصاحب الحاوي الكبير إلى أكثر الأصحاب وقدمه في المستوعب.
الثاني ظاهر كلام المصنف أنه يكفي ستر أحد المنكبين وهو إحدى الروايتين نص عليها في رواية مثنى ابن جامع وهو المذهب اختاره المصنف والمجد في شرحه وابن عبيدان وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق ومجمع البحرين: وابن تميم والإقناع وجزم به في الوجيز والمنتخب والمنور وهو ظاهر كلام الخرقي وعنه لا بد من ستر المنكبين وهما عاتقاه اختاره القاضي وجماعته وصححه الطوفي في شرح الخرقي وجزم به في التلخيص والبلغة والإفادات ويحتمله كلام المصنف هنا لأن عاتقه مفرد مضاف فيعم وأطلقهما في الفروع.
الثالث قوله: "ويستحب للمرأة أن تصلي في درع وخمار وملحفة" يعني الحرة وأما الأمة فتقدم ما يستحب لبسه لها في الصلاة.
قوله: "وإذا انكشف من العورة يسير لا يفحش في النظر لم تبطل صلاته".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم صاحب الهداية والمستوعب والوجيز وإدراك الغاية والإفادات والمنور والمنتخب وقدمه في الفروع والمغني والشرح ونصراه والمحرر وابن تميم قال الزركشي هو المشهور والمختار للأصحاب وعنه يبطل اختارها الآجري ويقتضيه كلام الخرقي وأطلقهما في الرعايتين والفائق والحاويين وعنه يبطل في المغلظة فقط وقاله ابن عقيل وجزم به في الرعاية الكبرى: أيضا وقدر ابن أبي موسى العفو بظهور العورة في الركوع فقط وغيره أطلق.
تنبيه: ظاهر قوله: "إذا انكشف" أنه إذا انكشف من غير قصد وهو محل الخلاف أما لو كشف يسير من العورة قصدا فإنه يبطلها على الصحيح من المذهب: قدمه في الفروع وقاله القاضي وقدمه في الرعايتين وقيل: لا يبطل وقدمه ابن تميم في مختصره.
فائدتان
إحداهما: قدر اليسير ما عد يسيرا عرفا على الصحيح من المذهب: وقال بعض الأصحاب اليسير من العورة ما كان قدر رأس الخنصر وجزم به في المبهج قال ابن تميم ولا وجه له وهو كما قال.
الثانية: كشف الكثير من العورة في الزمن القصير كالكشف اليسير في الزمن الطويل على ما تقدم على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يصح هنا وإن صححناه هناك وقيل: إن احتاج عملا كثيرا في أخذها فوجهان وأطلق في الرعايتين والحاويين الخلاف في كشف اليسير من العورة وجزم في الرعاية الصغرى والحاويين وقدمه في الكبرى بالعفو عن الكشف الكثير في الزمن اليسير.
قوله: "ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته".
هذا المذهب بلا ريب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات وعنه يصح مع التحريم اختارها الخلال وابن عقيل في الفنون قال ابن رزين: في شرحه وهو أظهر وقيل: تصح مع الكراهة وأطلقهما ابن تميم وعنه لا تصح من عالم بالنهي وتصح من غيره وقيل: لا تصح إن كان شعارا يعني يلي جسده واختاره ابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب وجزم به في الوجيز وقيل: إذا كان قدر ستر عورة كسراويل وإزار وقيل: تصح صلاة النفل دون غيرها وذكر أبو الخطاب في بحث المسألة أن النافلة لا تصح بالاتفاق قال الآمدي لا تصح صلاة النفل قولا واحدا.
فهذه ثلاث طرق في النافلة ذكرها في النكت ويأتي نظيرها في الموضع المغصوب.
وقال في الفائق والمختار وقف الصحة على تحليل المالك في الغصب وقد نص على
مثله في الزكاة والأضحية قال في الفروع وعنه يقف على إجازة المالك ويأتي الكلام في النفل قريبا بأعم من هذا.
فائدة: لو لبس عمامة منهيا عنها أو تكة وصلى فيها صحت صلاته على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وجزم به كثير منهم وقيل: لا تصح وجزم به في مسبوك الذهب والمذهب واختاره أبو بكر قاله في القواعد وعنه التوقف في التكة ولو صلى وفي يده خاتم ذهب أو دملج أو في رجله خف حرير لم تبطل صلاته على الصحيح من المذهب: وذكر ابن عقيل في التبصرة احتمالا في بطلانها بجميع ذلك إن كان رجلا وقيل: تصح مع الكراهة قال في الفروع وهو ظاهر كلامه في المستوعب وفيه نظر وقال أبو بكر إذا صلى وفي يده خاتم حديد أو صفر أعاد صلاته.
فائدة: لو لم يجد إلا ثوب حرير صلى فيه ولم يعد على الصحيح من المذهب: وقيل: يصلي ويعيد قال المجد وتبعه في الحاوي الكبير فأما الحرير إذا لم يجد غيره فيصلي فيه ولا يعيد وخرج بعض أصحابنا الإعادة على الروايتين في الثوب النجس قال وهو وهم لأن علة الفساد فيه التحريم وقد زالت في هذه الحال إجماعا فأشبه زوالها بالجهل والمرض انتهى.
ولو لم يجد إلا ثوبا مغصوبا لم يصل فيه قولا واحدا وصلى عريانا قاله الأصحاب فلو خالف وصلى لم تصح صلاته على الصحيح من المذهب: لارتكاب النهي وقيل: تصح.
فائدة: حكم النفل فيما تقدم حكم الفرض على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وقيل: يصح في النفل وإن لم نصححها في الفرض لأنه أخف قال في الفروع ونفله كفرضه كثوب نجس وقيل: يصح لأنه أخف وذكر القاضي وجماعة لا وقال في الرعاية وقيل: من صلى نفلا في ثوب مغصوب ونحوه أو في موضع مغصوب ونحوه صحت صلاته ثم قال قلت: فإن كان معه ثوبان نجس وحرير ولا يجد غيرهما فالحرير أولى.
فوائد
منها لو جهل أو نسي كونه غصبا أو حريرا أو حبس في مكان غصب صحت صلاته على الصحيح من المذهب: وذكره المجد إجماعا وعنه لا تصح وأطلق القاضي في حبسه بغصب روايتين ثم جزم بالصحة في ثوب يجهل غصبه لعدم إثمه قال في الفروع كذا قال.
ومنها لا يصح نفل الآبق ويصح فرضه ذكره ابن عقيل وبن الزاغوني وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره لأن زمن فرضه مستثنى شرعا فلم يغصبه وقال الشيخ تقي الدين بطلان فرضه قوي وظاهر كلام ابن هبيرة صحة صلاته مطلقا إن لم يستحل الإباق.
ومنها تصح صلاة من طولب برد وديعة أو غصب قبل دفعها إلى ربها على الصحيح من المذهب: وذكر ابن الزاغوني عن طائفة من الأصحاب أنها لا تصح وقال في الفروع ويتوجه مثل المسألة من أمره سيده أن يذهب إلى مكان فخالفه وأقام.
ومنها لو غير هيئة مسجد فكغيره من المغصوب وإن منعه غيره وقيل: أو زحمه وصلى مكانه ففي الصحة وجهان وأطلقهما في الفروع وابن تميم قال في الفروع وعدم الصحة فيها أولى لتحريم الصلاة فيها وقدم في الرعاية الصحة مع الكراهة قال في الفائق صحت في أصح الوجهين وصححه المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير وقال الشيخ تقي الدين الأقوى البطلان.
ومنها يصح الوضوء والأذان وإخراج الزكاة والصوم والعقد في مكان غصب على الصحيح من المذهب: وقيل: هو كصلاة ونقله المروذي وغيره في الشراء.
ومنها لو تقوى على أداء عبادة بأكل محرم صحت وقال أحمد في بئر حفرت بمال غصب لا يتوضأ منها وعنه إن لم يجد غيرها لا أدري ويأتي إذا صلى على أرض غيره أو مصلاه في الباب الآتي بعد قوله: "ولا تصح الصلاة في الموضع المغصوب.
قوله: "ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقيل: لا تصح فيه مطلقا بل يصلي عريانا وهو تخريج للمجد في شرحه واختاره في الحاوي الكبير وعنه إن ضاق الوقت صلى فيه وإلا فلا وقيل: لا تصح الصلاة فيه مطلقا مع نجاسة عينيه كجلد الميتة فيصلي عريانا قاله ابن حامد.
فائدة: حيث قلنا يصلي عريانا فإنه لا يعد على الصحيح وقيل: يعيد.
قوله: "وأعاد على المنصوص".
هذا المذهب نص عليه وعليه الجمهور وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره ويتخرج أن لا يعيد وجزم به في التبصرة والعمدة واختاره جماعة منهم المصنف والمجد وصاحب الحاوي الكبير ومجمع البحرين: وابن منجا في شرحه وغيرهم وذكره في المذهب وابن تميم وغيرهما رواية وأطلقهما في المذهب وابن تميم
تنبيه: قوله: "ويتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإنه قال لا إعادة عليه فممن خرج عدم الإعادة أبو الخطاب في الهداية وصاحب التلخيص والبلغة والمحرر والفائق والرعايتين والحاويين وغيرهم.
قال ابن مفلح في أصوله سوى بعض أصحابنا بين المسألتين ولم يخرج طائفة من الأصحاب قال في الفروع وهو أظهر لظهور الفرق بينهما وكذا قال في أصوله وأكثر من خرج خرجها ممن صلى في موضع نجس كما خرجه المصنف هنا وخرجها القاضي في التعليق من مسألة من عدم الماء والتراب وأما من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإنه لا إعادة عليه على الصحيح من المذهب: ونص عليه وخرج الإعادة من المسألة التي قبلها ولم يخرج بعضهم قال في الفروع والأصول وهو أظهر.
واعلم أن مذهب الإمام أحمد هو ما قاله أو جرى منه مجرى القول من تنبيه: أو غيره وفي جواز نسبته إليه من جهة القياس أو من فعله أو من مفهوم كلامه وجهان للأصحاب فعلى القول بأن ما قيس على كلامه مذهبه لو أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين لم يجز النقل والتخريج من كل واحدة منهما إلى الأخرى كقول الشارع ذكره أبو الخطاب في التمهيد وغيره وقدمه ابن مفلح في أصوله والطوفي في أصوله وشرحه وصاحب الحاوي الكبير وجزم به المصنف في الروضة وذكر ابن حامد عن بعض الأصحاب الجواز قال الطوفي في أصوله والأولى: جواز ذلك بعد الجد والبحث من أهله وجزم به في المطلع وقدمه في الرعايتين.
قلت: كثير من الأصحاب متقدمهم ومتأخرهم على جواز النقل والتخريج وهو كثير في كلامهم في المختصرات والمطولات وفيه دليل على الجواز وأطلقهما في الفروع في خطبة الكتاب.
فعلى الأول يكون هذا القول المخرج وجها لمن خرجه.
وعلى الثاني يكون رواية مخرجة على ما يأتي بيانه وتحريره آخر الكتاب في القاعدة وكذا لو نص على حكم في المسألة وسكت عن نظيرتها فلم ينص على حكم فيها لا يجوز نقل حكم المنصوص عليه إلى المسكوت عنه بل هنا عدم النقل أولى قاله الطوفي في مختصره وغيره وقال في شرحه وقياس الجواز في التي قبلها نقل حكم المنصوص عليه إلى المسكوت عنه إذا عدم الفرق المؤثر بينهما بعد النظر البالغ من أهله انتهى.
قلت: وهو الصواب فيها وعليه العمل عند أكثر الأصحاب.
فالمسألة الأولى: لا تكون إلا في نصين مختلفين في مسألتين متشابهتين وأما التخريج وحده فهو أعم لأنه من القواعد الكلية التي تكون من الإمام أو الشرع لأن حاصله أنه بنى فرعا على أصل بجامع مشترك.
فائدة: إذا صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج عنه فإن كانت النجاسة رطبة أومأ غاية ما يمكنه وجلس على قدميه قولا واحدا قاله ابن تميم وجزم به في الكافي وإن كانت
يابسة فكذلك قال في الوجيز ومن محله نجس بضرورة أومأ ولم يعد وقدمه في المستوعب فقال يومئ بالركوع والسجود نص عليه وقدمه في الرعاية الكبرى: قال ابن نصر الله في حواشي الفروع أصح الروايتين أنه كمن صلى في ماء وطين قال القاضي يقرب أعضاؤه من السجود بحيث لو زاد شيئا لمسته النجاسة ويجلس على رجليه ولا يضع على الأرض غيرهما وعنه يجلس ويسجد بالأرض قال المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير هي الصحيحة وهي ظاهر ما جزم به في الكافي وأطلقهما في الفروع وابن تميم والمذهب.
قوله: "ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها".
إن كانت السترة لا تكفي إلا العورة فقط أو منكبيه فقط فالصحيح من المذهب: أنه يستر عورته ويصلي قائما وعليه الجمهور وهو ظاهر كلام المصنف هنا وقال القاضي يستر منكبيه ويصلي جالسا قال ابن تميم وهو بعيد قال ابن عقيل هذا محمول على سترة تتسع أن يتركها على كتفيه ويشدها من ورائه فتستر دبره والقبل مستور بضم فخذيه عليه فيحصل ستر الجميع انتهى وهذا القول من المفردات وأطلقهما في البلغة وإن كانت السترة تكفي عورته فقط أو تكفي منكبيه وعجزه فقط فظاهر كلام المصنف هنا أيضا أنه يستر عورته ويصلي قائما وهو أحد القولين وظاهر كلامه في الوجيز واختاره المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير قلت: وهو الصواب والصحيح من المذهب: أنه يستر منكبيه وعجزه ويصلي جالسا نص عليه وجزم به في المستوعب والمحرر والإفادات والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وقدمه في الفروع والفائق والرعاية الكبرى: وابن عبيدان وغيرهم.
قوله: "فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين".
هذا المذهب وعليه الجمهور وعلى قول القاضي يستر منكبيه ويصلي جالسا.
قوله: "فإن لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء".
بلا نزاع أعلمه والخلاف إنما هو في الأولوية.
قوله: "والأولى: ستر الدبر على ظاهر كلامه".
وهو المذهب صححه المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير قال في تجريد العناية ستره على الأظهر وجزم به في الوجيز والهادي والإفادات والمنور والمنتخب واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر والرعايتين وابن تميم والفائق والحاوي الصغير وإدراك الغاية والشرح وقيل: القبل أولى وهو رواية حكاها غير واحد.
قلت: والنفس تميل إلى ذلك.
وأطلقهما في المستوعب والكافي وقيل: بالتساوي قال في العمدة والمذهب الأحمد:
فإن لم يكفهما ستر أحدهما: واقتصرا عليه وقدمه ابن رزين: في شرحه وأطلقهن في التلخيص والبلغة وقيل: ستر أكثرهما أولى واختاره في الرعاية الكبرى.
قوله: "وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إذا كانت عارية".
وهو المذهب وعليه الجمهور وقطع به أكثرهم وقيل: لا يلزمه.
فائدتان
إحداهما: لو وهبت له سترة لم يلزمه قبولها على الصحيح من المذهب: وعليه جماهير الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وقيل: يلزمه وهو ظاهر كلام أبي الخطاب.
الثانية: يلزمه تحصيل السترة بقيمة المثل والزيادة هنا على قيمة المثل مثل الزيادة في ماء الوضوء على ما تقدم في باب التيمم.
قوله: "فإن عدم بكل حال صلى جالسا يومئ إيماء فإن صلى قائما جاز".
صرح بأن له الصلاة جالسا وقائما وهو المذهب وإذا صلى قائما فإنه يركع ويسجد وهو المذهب وقوة كلامه أن الصلاة جالسا أولى وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي عليه عامة الأصحاب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية الأثرم وقدمه في الفروع والمحرر وابن تميم وغيرهم وجزم به في التلخيص وغيره.
وقيل: تجب الصلاة جالسا والحالة هذه وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب فإنه قال لا يصلون قياما إذا ركعوا وسجدوا بدت عوراتهم وهو ظاهر كلام الخرقي وعنه أنه يصلي قائما ويسجد بالأرض يعني يلزمه ذلك اختارها الآجري وصاحب الحاوي الكبير وغيرهما وقدمه ابن الجوزي قاله في الفروع.
وقول الزركشي وأما ما حكاه أبو محمد في المقنع من وجوب القيام على رواية فمنكر لا نعرفه لا عبرة به ولا التفات إليه.
وهذا أعجب منه فإن هذه الرواية مشهورة منقولة في الكتب المطولة والمختصرة وذكرها ابن حمدان في رعايته وابن تميم وصاحب الفروع والحاويين والنظم وغيرهم واختاره الآجري وصاحب الحاوي وهو مذهب مالك والشافعي بل قوله: "منكر لا يعرف له موافق على ذلك غايته أن بعضهم لم يذكرها ولا يلزم من عدم ذكرها عدم إثباتها وإنما نفاها ابن عقيل على ما يأتي من كلامه في المصلي جماعة ومن أثبت مقدم على من نفى.
وقيل: يصلي قائما ويومئ وحكى الشيرازي ومن تابعه وجها في المنفرد أنه يصلي قائما بخلاف من يصلي جماعة قال بناء على أن الستر كان لمعنى في غير العورة وهو عن أعين الناس ونقل الأثرم إن توارى بعض العراة عن بعض فصلوا قياما فلا بأس قال القاضي ظاهره لا يلزم القيام خلوة ونقل بكر بن محمد أحب إلي أن يصلوا جلوسا.
وظاهره لا فرق بين الخلوة وغيرها وقال وهو المذهب قال ابن عقيل في روايتيه لا تختلف الرواية أن العراة إذا صلوا جماعة يصلون جلوسا ولا يجوز قياما واختلف في المنفرد والصحيح أنه كالجماعة انتهى.
قوله: "فإن عدم بكل حال صلى جالسا يومئ إيماء".
الصحيح من المذهب: أنه إذا صلى جالسا أومأ بالركوع والسجود وعليه الجمهور وقطع به كثير منهم وعنه أنه يسجد بالأرض اختاره ابن عقيل وصاحب الحاوي وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة.
فائدتان
إحداهما: حيث قلنا يصلي جالسا فإنه لا يتربع بل ينضام بأن يضم إحدى فخذيه على الأخرى وهذا الصحيح من المذهب: ونقله الأثرم والميموني وعليه الجمهور وعنه يتربع جزم به في الإفادات والرعاية الصغرى والحاويين وقدمه في الرعاية الكبرى: وقال نص عليه.
قلت: وهو بعيد وأطلقهما ابن تميم.
الثانية: حيث صلى عريانا فإنه لا يعيد إذا قدر على السترة على الصحيح من المذهب: وعليه الأصحاب وألحقه الدينوري بعادم الماء والتراب على ما تقدم.
قوله: "وإن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة".
يعني قريبة عرفا "ستر وبنى وإن كانت بعيدة عرفا ستر وابتدأ".
وهذا المذهب وعليه الجمهور وقيل: يبني مطلقا وقيل: لا يبني مطلقا وقيل: إن انتظر من يناوله إياها لم تبطل لأنه انتظار واجد كانتظار المسبوق وقال ابن حامد إذا قدر على السترة في الصلاة فهل يستأنف أو يبني يخرج على المتيمم يجد الماء في الصلاة وجوز للأمة إذا عتقت في الصلاة البناء مع القرب وجها واحدا.
فائدة: لو قال لأمته إن صليت ركعتين مكشوفة الرأس فأنت حرة فصلت كذلك عاجزة عن ستره عتقت وصحت الصلاة ومع القدرة عليه تصح الصلاة دون العتق قاله في الرعاية الكبرى.
فائدتان
إحداهما: حكم المعتقة في الصلاة حكم واجد السترة في الصلاة خلافا ومذهبا وتفصيلا على الصحيح وتقدم كلام ابن حامد وقال ابن تميم ولو عتقت الأمة في الصلاة فهي كالعريان يجد السترة لكن حكمها في البناء مع العمل الكثير كمن سبقه الحدث وكذا إن أطارت
الريح سترا له واحتاج إلى عمل كثير بخلاف العاري إذ الصحيح فيه عدم تخريجه على من سبقه الحدث انتهى ولو جهلت العتق او وجوب السترة أو القدرة عليه لزمها الإعادة كخيار معتقة تحت عبد ذكره القاضي وغيره واقتصر عليه في الفروع وجزم به ابن تميم.
الثانية: لو طعن في دبره فصارت الريح تتماسك في حال جلوسه فإذا سجد خرجت منه لزمه السجود بالأرض نص عليه ترجيحا للركن على الشرط لكونه مقصودا في نفسه وخرج المجد في شرحه ومن تبعه أنه يومئ بناء على العريان وقواه هو وصاحب الحاوي وتقدم ما يشبه ذلك في الحيض بعد قوله: "وكذلك من به سلس البول".
قوله: "ويصلي العراة جماعة".
قال في الفروع وجوبا.
قلت: وهو ظاهر كلام الأصحاب.
"وإمامهم في وسطهم".
الصحيح من المذهب: أن إمام العراة يجب أن يقف بينهم وعليه جماهير الأصحاب وقيل: يجوز أن يؤمهم متقدما عليهم فعلى الأول لو خالف وفعل بطلت وعلى الثاني لا تبطل ولو كان المكان يضيق عنهم صفا واحدا صلى الكل جماعة واحدة وإن كثرت صفوفهم في أحد الوجهين صححه المجد وصاحب الحاوي الكبير وقيل: يصلون جماعتين فأكثر كالنساء والرجال وهذا المذهب جزم به في الرعاية الصغرى والحاوي وقدمه ابن تميم والرعاية الكبرى: وقال في المغني والشرح وابن رزين فإن لم يسعهم صف واحد وقفوا صفوفا وغضوا أبصارهم وإن صلى كل صف جماعة فهو أحسن.
فائدتان
إحداهما: لو كانت السترة لواحد لزمه أن يصلي بها فلو أعارها وصلى عريانا لم تصح صلاته ويستحب إعارتها بعد صلاته وصلى بها واحد بعد واحد فإن خافوا خروج الوقت دفعت السترة إلى من يصلي فيها إماما على الصحيح من المذهب: ويصلي الباقي عراة وقيل: لا يقدم الإمام بالسترة بل يصلي فيها واحد بعد واحد ولو خرج الوقت وهل يلزم انتظار السترة ولو خرج الوقت في غير مسألة الإمام المتقدمة أم لا يلزم انتظارها كالقدرة على القيام بعده فيه وجهان وأطلقهما في الفروع
أحدهما: لا يلزمه قدمه ابن تميم والشارح وابن عبيدان وابن رزين وهو الصحيح الصواب وجزم به في الكافي.
والوجه الثاني: يلزمه انتظارها ليصلي فيها ولو خرج الوقت قال المصنف في المغني وهذا أقيس وقدمه في الرعاية وقال وإن ضاق الوقت صلى بها واحد.
قلت: إن عينه ربها وإلا اقترعوا إن تشاحوا انتهى.
قال المصنف والشارح وإن صلى صاحب الثوب وقد بقي وقت صلاة واحدة استحب أن يعيره لمن يصلح لإمامتهم وإن أعاره لغيره جاز وصار حكمه حكم صاحب الثوب فإن استووا ولم يكن الثوب لواحد منهم أقرع بينهم فيكون من تقع له القرعة أحق به وإلا قدم من يستحب البداءة بعاريته وجعل المصنف واجد الماء أصلا للزوم قال في الفروع كذا قال ولا فرق وأطلق أحمد في مسألة القدرة على القيام بعد خروج الوقت الانتظار وحمله ابن عقيل على اتساع الوقت.
الثانية: المرأة أولى بالسترة للصلاة من الرجل وتقدم آخر التيمم إذا بذلت سترة الأولى: من الحي والميت أن يصلي الحي ثم يكفن الميت على الصحيح من المذهب: وتقدم بعدها إذا احتاج إلى لفافة الميت وهل يصلى عليه عريانا أو يأخذ لفافته.
قوله: "ويكره في الصلاة السدل".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وعنه إن كان تحته ثوب لم يكره وإلا كره وعنه إن كان تحته ثوب وإزار لم يكره وإلا كره وعنه لا يكره مطلقا حكاه الترمذي عن الإمام أحمد وعنه يحرم فيعيد وهي من المفردات وأطلق الروايتين في الإعادة في المستوعب وابن تميم وقال أبو بكر إن لم تبد عورته لم يعد باتفاق.
قوله: "وهو أن يطرح على كتفيه ثوبا ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى
وهذا التفسير هو الصحيح وعليه جمهور الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والشرح وغيرهم وقدمه في التلخيص والفروع والرعاية الصغرى والحاويين والمستوعب ذكره في أول باب ما يكره في الصلاة في اللباس وغيرهم وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة هذا الصحيح المنصوص عنه.
وقدم في الرعاية الكبرى: هو أن يضع على كتفيه ثوبا منشورا ولا يرد أحد طرفيه على أحد كتفيه ونقل صالح هو أن يطرح الثوب على أحدهما: ولا يرد أحد طرفيه على الأخرى وقدمه في الفائق وقال نص عليه وعنه أن يتخلل بالثوب ويرخى طرفيه ولا يرد واحدا منهما على الكتف الأخرى ولا يضم طرفيه بيديه وهو قول في الرعاية ونقل ابن هانئ هو أن يرخي ثوبه على عاتقه لا يمسه وقيل: هو إسبال الثوب على الأرض اختاره الآمدي وابن عقيل وقال في موضع آخر مع طرحه على أحد كتفيه وقيل: هو وضع وسط الرداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره وهي لبسة اليهود وقيل: هو وضعه على عنقه ولم يرده على كتفيه اختاره القاضي.
قوله: "واشتمال الصماء".
الصحيح من المذهب: كراهة اشتمال الصماء في الصلاة وعليه الأصحاب وعنه يحرم فيعيد وهي من المفردات قال ابن تميم وحكى ابن حامد وجها في بطلان الصلاة به مطلقا وقال ابن أبي موسى إذا لم يكن تحته ثوب أعاد وأطلق الخلاف في الإعادة في الرعايتين.
قوله: "وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم وقدمه في الفروع والمستوعب والفائق والشارح والنظم وغيرهم وعنه يكره وإن كان عليه غيره وأطلقهما ابن تميم وقيل: يكره إذا كان فوق الإزار دون القميص وقال صاحب التبصرة هو أن يضع الرداء على رأسه ثم يسدل طرفيه إلى رجليه وقال ابن تميم وقال السامري هو أن يلتحف بالثوب ويرفع طرفيه إلى أحد جانبيه ولا يبقى ليديه ما يخرجهما منه ولم أره في المستوعب قال في الفروع وهو المعروف عند العرب والأول قول الفقهاء قال أبو عبيد وهم أعلم بالتأويل.
قوله: "ويكره تغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف ولف الكم".
الصحيح من المذهب: أن تغطية الوجه والتلثم على الفم ولف الكم مكروه وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم وعنه لا يكره وأما التلثم على الأنف فالصحيح من المذهب: أنه يكره أيضا قال في الفصول يكره التلثم على الأنف على أصح الروايتين وجزم به في الوجيز والنظم والهادي والمغني وابن رزين في شرحه واختاره المصنف والمجد في شرحه وصححه وقدمه في الشرح.
والرواية الثانية: لا يكره وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة وابن تميم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق.
قوله: "وشد الوسط بما يشبه شد الزنار".
يعني أنه يكره وهو المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وعنه لا يكره إلا أن يشده لعمل الدنيا فيكره نقله ابن إبراهيم وجزم بعضهم بكراهة شده على هذه الصفة لعمل الدنيا منهم ابن تميم وصاحب الفائق ويأتي كلامه في المستوعب.
تنبيهات
الأول كراهة شد وسطه بما يشبه شد الزنار لا تختص بالصلاة كالذي قبله ذكره غير واحد واقتصر عليه في الفروع لأنه يكره التشبه بالنصارى في كل وقت وقيل: يحرم التشبه بهم.
الثاني مفهوم قوله: "بما يشبه شد الزنار" أنه إذا كان لا يشبهه لا يكره وهو صحيح بل
قال المجد في شرحه يستحب نص عليه للخبر وأنه أستر للعورة وجزم به ابن تميم بمنديل أو منطقة ونحوها وقال ابن عقيل يكره الشد بالحياصة يعني للرجل قال في المستوعب فإن شد وسطه بما يشبه الزنار كالحياصة ونحوها كره وعن أحمد أنه كره المنطقة في الصلاة زاد بعضهم وفي غير الصلاة ونقل حرب يكره شد وسطه على القميص لأنه من زي اليهود ولا بأس به على القباء قال القاضي لأنه من عادة المسلمين وجزم به في الحاوي وقدمه في الرعاية الكبرى: قال ابن تميم لا بأس بشد القباء في السفر على غيره نص عليه واقتصر عليه.
الثالث قال المجد في شرحه محل الاستحباب في حق الرجل فأما المرأة فيكره الشد فوق ثيابها لئلا يحكي حجم أعضائها وبدنها انتهى قال ابن تميم وغيره ويكره للمرأة في الصلاة شد وسطها بمنديل ومنطقة ونحوهما.
قوله: "وإسبال شيء من ثيابه خيلاء".
يعني يكره وهو أحد الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمذهب الأحمد والمستوعب والوجيز والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وإدراك الغاية وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
قلت: وهذا ضعيف جدا إن أرادوا كراهة تنزيه ولكن قال المصنف في المغني والمجد في شرحه المراد كراهة تحريم وهو الأليق وحكى في الفروع والرعاية الكبرى: الخلاف في كراهته وتحريمه.
والوجه الثاني: يحرم إلا في حرب أو يكون ثم حاجة.
قلت: هذا عين الصواب الذي لا يعدل عنه وهو المذهب وهو ظاهر نص أحمد قال في الفروع ويحرم في الأصح إسبال ثيابه خيلاء في غير حرب بلا حاجة قال الشيخ تقي الدين المذهب هو حرام قال في الرعاية وهو أظهر وجزم به ابن تميم والشارح والناظم والإفادات.
تنبيه: قوله: "يحرم أو يكره بلا حاجة".
قالوا في الحاجة كونه حمش الساقين قاله في الفروع والمراد ولم يرد التدليس على النساء انتهى فظاهر كلامهم جواز إسبال الثياب عند الحاجة.
قلت: وفيه نظر بين بل يقال يجوز الإسبال من غير خيلاء لحاجة وقال في الفروع ويتوجه هذا في قصيرة اتخذت رجلين من خشب فلم تعرف.
فوائد
منها يجوز الاحتباء على الصحيح من المذهب: وعنه يكره وعنه يحرم وأما مع كشف العورة فيحرم قولا واحدا.
ومنها يكره أن يكون ثوب الرجل إلى فوق نصف ساقه نص عليه ويكره زيادته إلى تحت كعبيه بلا حاجة على الصحيح من الروايتين وعنه ما تحتهما في النار وذكر الناظم من لم يخف خيلاء لم يكره والأولى: تركه هذا في حق الرجل.
وأما المرأة فيجوز زيادة ثوبها إلى ذراع مطلقا على الصحيح من المذهب: وقال جماعة من الأصحاب ذيل نساء المدن في البيت كالرجل منهم السامري في المستوعب وابن تميم والرعايتين.
ومنها قال جماعة من الأصحاب يسن تطويل كم الرجل إلى رؤوس أصابعه أو أكثر بيسير ويوسعها قصدا ويسن تقصير كم المرأة قال في الفروع واختلف كلامهم في سعته قصدا قال في التلخيص ويستحب لها توسيع الكم من غير إفراط بخلاف الرجل.
ومنها يكره لبس ما يصف البشرة للرجل والمرأة الحي والميت ولو لامرأة في بيتها نص عليه وقال أبو المعالي لا يجوز لبسه وذكر جماعة لا يكره لمن لم يرها إلا زوج أو سيد وذكره أبو المعالي وصاحب المستوعب والنظم في آدابه قال في الرعاية وهو الأصح وأما لبسها ما يصف اللين والخشونة والحجم فيكره.
ومنها كره الإمام أحمد الزيق العريض للرجل واختلف قوله: "فيه للمرأة قال القاضي إنما كرهه لإفضائه إلى الشهرة وقال بعضهم إنما كره الإفراط جمعا بين قوليه وقال أحمد في الفرج للدراعة من بين يديها قد سمعت ولم أسمع من خلفها إلا أن فيه سعة عند الركوب ومنفعة.
ومنها كره الإمام أحمد والأصحاب لبس زي الأعاجم كعمامة صحاء وكنعل صرارة للزينة لا للوضوء ونحوه.
ومنها يكره لبس ما فيه شهرة أو خلاف زي بلدة من الناس على الصحيح من المذهب: وقيل: يحرم ونصه لا وقال الشيخ تقي الدين يحرم شهرة وهو ما قصد به الارتفاع وإظهار التواضع لكراهة السلف لذلك وأما الإسراف في المباح فالأشهر لا يحرم قاله في الفروع وحرمه الشيخ تقي الدين.
قوله: "ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد الوجهين".
وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمذهب الأحمد والتلخيص والبلغة والإفادات والآداب المنظومة لابن عبد القوي والوجيز والحاويين والمنور والمنتخب وقدمه في الفروع والمحرر قال الإمام أحمد لا ينبغي.
والوجه الثاني: لا يحرم بل يكره وذكره ابن عقيل والشيخ تقي الدين رواية وقدمه
ابن تميم وأطلقهما في الرعايتين والفائق.
فوائد
الأولى: لو أزيل من الصورة ما لا تبقى معه الحياة زالت الكراهة على الصحيح من المذهب: نص عليه وقيل: الكراهة باقية ومثل ذلك صور الشجر ونحوه وتمثال.
الثانية: يحرم تصوير ما فيه روح ولا يحرم تصوير الشجر ونحوه والتمثال مما لا يشابه ما فيه روح على الصحيح من المذهب: وأطلق بعضهم تحريم التصوير وهو من المفردات وقال في الوجيز ويحرم التصوير واستعماله وكره الآجري وغيره الصلاة على ما فيه صورة وقال في الفصول يكره في الصلاة صورة ولو على ما يداس.
الثالثة: يحرم تعليق ما فيه صورة حيوان وستر الجدار به وتصويره على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يحرم وحكى رواية وهو ظاهر ما جزم به في المغني والشرح في باب الوليمة ولا يحرم افتراشه ولا جعله مخدة بل ولا يكره فيها لأنه عليه أفضل الصلاة والسلام اتكأ على مخدة فيها صورة رواه الإمام أحمد ويأتي ذلك في كلام المصنف في باب الوليمة.
الرابعة: يكره الصليب في الثوب ونحوه على الصحيح من المذهب: وعليه الأصحاب ويحتمل تحريمه وهو ظاهر نقل صالح.
قلت: وهو الصواب.
قوله: "ولا يجوز للرجل لبس ثياب الحرير".
بلا نزاع من حيث الجملة فتحرم تكة الحرير والشرابة المفردة نص عليه ويحرم افتراشه والاستناد إليه ويحرم ستر الجدر به على الصحيح من المذهب: وعليه الأصحاب ونقل المروذي يكره قال في الفروع وهو ظاهر كلام من ذكر تحريم لبسه فقط ومثله تعليقه وذكر الأزجي وغيره لا يجوز الاستجمار بما لا ينقي كالحرير الناعم وحرم الأكثر استعماله مطلقا قال في الفروع فدل أن في فشخانة والخيمة والبقجة وكدالة ونحوه الخلاف.
قوله: "وما غالبه الحرير".
أي لا يجوز لبسه والصحيح من المذهب: أن الغالب يكون بالظهور وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في التلخيص وغيره وقيل: الاعتبار بالغالب في الوزن وقدمه في الرعاية الكبرى: وأطلقهما في الفروع والآداب والفائق وابن تميم والحواشي.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز للكافر لبس ثياب الحرير.
قال في القواعد الأصولية وهو ظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب قاله بعض المتأخرين وبناه بعضهم على القاعدة واختار الشيخ تقي الدين الجواز قال وعلى قياسه بيع آنية الذهب والفضة للكفار وإذا جاز بيعها لهم جاز صنعها لبيعها لهم وعملها لهم بالأجرة انتهى.
فائدة: الخنثى المشكل في الحرير ونحوه كالذكر جزم به في الحاويين والرعاية الصغرى وقال في الكبرى والخنثى في الحرير ونحوه في الصلاة وعنه وغيرها كذكر.
قوله: "فإن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمذهب الأحمد والمستوعب والمغني والكافي والهادي والتلخيص وابن تميم والمحرر والحاويين وابن منجا في شرحه والنظم والشرح والفائق وشرح ابن رزين: والفروع والرعايتين لكن إنما أطلق في الرعاية الكبرى: الخلاف فيما إذا استويا وزنا بناء على ما قدمه.
أحدهما: يجوز وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وصححه في تصحيح المحرر وقال صححه المصنف يعني المجد وهو ظاهر ما جزم به في البلغة وتذكرة ابن عبدوس والإفادات والمنور والمنتخب والتسهيل لأنهم قالوا في التحريم أو ما غالبه الحرير وإليه أشار ابن البنا.
والوجه الثاني: يحرم قال ابن عقيل في الفصول والشيخ تقي الدين في شرح العمدة الأشبه أنه يحرم لعموم الخبر قال في الفصول لأن النصف كثير وليس تغليب التحليل بأولى من التحريم ولم يحك خلافه قال في المستوعب وإليه أشار أبو بكر في التنبيه: أنه لا يباح لبس القسي والملحم.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف دخول الخز في الخلاف إذا قلنا إنه من إبريسم وصوف أو وبر وهو اختيار ابن عقيل وصاحب المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والرعاية وغيرهم وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب والصحيح من المذهب: إباحة الخز نص عليه وفرق الإمام أحمد بأنه قد لبسه الصحابة وبأنه لا سرف فيه ولا خيلاء وجزم به في الكافي والمغني والشرح والرعاية الكبرى: وقدمه في الآداب وغيره.
فائدة: الخز ما عمل من صوف وإبريسم قاله في المطلع في كتاب النفقات قال في المذهب والمستوعب هو المعمول من إبريسم ووبر طاهر كوبر الأرنب وغيرها واقتصر على هذا في الرعاية والآداب قال وما عمل من سقط حرير ومشاقته وما يلقيه الصانع من بله من تقطع الطاقات إذا دق وغزل ونسج فهو كحرير خالص في ذلك وإن سمي الآن خزا قال في المطلع والخز الآن المعمول من الإبريسم وقال المجد في شرحه وغيره الخز ما سدى بالإبريسم وألحم بوبر أو صوف لغلبة اللحمة على الحرير انتهى.
قوله: "ويحرم لبس المنسوج بالذهب والمموه به".
هذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقيل: يكره وقيل: حكم المنسوج بالذهب حكم الحرير المنسوج مع غيره على ما سبق.
فائدة: الصحيح من المذهب: أن المنسوج بالفضة والمموه بها كالمنسوج بالذهب والمموه به فيما تقدم وقال في الرعاية وما نسج بذهب وقيل: أو فضة حرم.
قوله: "فإن استحال لونه فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والهادي والرعاية الصغرى والحاويين والنظم فهؤلاء أطلقوا الخلاف فيما استحال لونه مطلقا وقال ابن تميم فإن استحال لون المموه فوجهان فإن كان بعد استحالته لا يحصل عنه شيء فهو مباح وجها واحدا وكذا قال في الفائق وقال في الوجيز والمنور والمنتخب ويحرم استعمال المنسوج والمموه بذهب قبل استحالته وقال ابن عبدوس في تذكرته يحرم ما نسج أو موه بذهب باق وقال في الفروع فإن استحال لونه ولم يحصل منه شيء وقيل: مطلقا أبيح في الأصح وقال في الرعاية الكبرى: وفيما استحال لونه من المموه ونحوه بذهب وقيل: لا يجتمع منه شيء إذا حك وجهان وقيل: يكره ولا يحرم وقيل: ما استحال ولم يجتمع منه شيء إذا حك حل وجها واحدا انتهى.
وحاصل ذلك أنه إذا لم يحصل منه شيء يباح على الصحيح من المذهب: وقطع به جماعة وإن كان يحصل منه شيء بعد حكه لم يبح على الصحيح من المذهب: ففي المستحيل لونه ثلاثة أقوال الإباحة وعدمها والفرق وهو المذهب
قوله: "فإن لبس الحرير لمرض أو حكة.
فعلى روايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والهادي والتلخيص وابن تميم والنظم والرعايتين والحاويين والفائق والمذهب الأحمد وغيرهم.
إحداهما: يباح لهما وهو المذهب جزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب قال المصنف والشارح وغيرهما هذا ظاهر المذهب قال في الفروع والخلاصة وحفيده يباح لهما على الأصح قال في تجريد العناية يباح على الأظهر وصححه في التصحيح واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في إدراك الغاية في الحكة وقدمه في الكافي والمحرر
والرواية الثانية: لا يباح لهما قدمه في المستوعب.
تنبيه: ظاهر قوله: "أو حكة أنه سواء أثر لبسه في زوالها أم لا وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب وهو المذهب قدمه في الفروع وقيل: لا يباح إلا إذا أثر في زوالها جزم به ابن تميم وقدمه في الرعاية الكبرى.
قلت: وهو الصواب.
قوله: "أو في الحرب على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والهادي والمغني والشرح والكافي والتلخيص والبلغة وابن تميم والنظم والفروع والفائق والرعايتين والحاويين وغيرهم.
إحداهما: يباح وهو المذهب قال المصنف والشارح وهو ظاهر كلام الإمام أحمد قال في تجريد العناية يباح على الأظهر قال في الخلاصة يباح على الأصح قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة هذه الرواية أقوى قال في الآداب الكبرى والوسطى يباح في الحرب من غير حاجة في أرجح الروايتين في المذهب وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز والإفادات والمنتخب وإدراك الغاية وغيرهم.
والرواية الثانية: لا يباح اختاره ابن عبدوس في تذكرته وهي ظاهر كلامه في المنور فإنه لم يستثن للإباحة إلا المرض والحكة وقدمه في المستوعب والمحرر وعنه يباح مع مكايدة العدو به وقيل: يباح عند مفاجأة العدو ضرورة وجزم به في التلخيص وغيره وقيل: يباح عند القتال فقط من غير حاجة قال ابن عقيل في الفصول إن لم يكن له به حاجة في الحرب حرم قولا واحدا وإن كان به حاجة إليه كالجبة للقتال فلا بأس به انتهى وقيل: يباح في دار الحرب فقط وقيل: يجوز حال شدة الحرب ضرورة وفي لبسه أيام الحرب بلا ضرورة روايتان وهذه طريقته في التلخيص وجعل الشارح وغيره محل الخلاف في غير الحاجة وقدمه ابن منجا في شرحه وقال وقيل: الروايتان في الحاجة وعدمها وهو ظاهر كلام المصنف هنا قال في معنى الحاجة ما هو محتاج إليه وإن قام غيره مقامه وقاله المصنف والشارح وغيرهما وقال في المستوعب في آخر باب فيه ويكره لبس الحرير في الحرب.
تنبيه: محل الخلاف إذا كان القتال مباحا من غير حاجة وقيل: الروايتان ولو احتاجه في نفسه ووجد غيره وتقدم في كلام ابن عقيل وغيره ما يدل على ذلك.
قوله: "أو ألبسه الصبي فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والهادي والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين والفائق
إحداهما: يحرم على الولي إلباسه الحرير وهو المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد وصححه في التصحيح والنظم قال الشارح: التحريم أولى وجزم به في الوجيز وهو ظاهر ما جزم به في الإفادات والمنور والمنتخب لتقييدهم التحريم بالرجل وقدمه في الفروع والكافي والمحرر.
والرواية الثانية: لا يحرم لعدم تكليفه فعلى المذهب لو صلى فيه لم تصح صلاته على الصحيح من المذهب: وقيل: تصح وقال في المستوعب في آخر باب عنه ويكره لبس الحرير والذهب للصبيان في إحدى الروايتين والأخرى لا يكره.
فائدة: حكم إلباسه الذهب حكم إلباسه الحرير خلافا ومذهبا.
قوله: "ويباح حشو الجباب والفرش به".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب ويحتمل أن يحرم وهو وجه لبعض الأصحاب وذكره ابن عقيل رواية وأطلقهما في المذهب والرعايتين والحاويين والفائق.
فائدة: يكره كتابة المهر في الحرير على الصحيح من المذهب: قدمه في الرعاية الكبرى: وتبعه في الآداب وقيل: يحرم في الأقيس ولا يبطل المهر بذلك واختاره الشيخ تقي الدين وابن عقيل وأطلقهما في الفروع.
قلت: لو قيل بالإباحة لكان له وجه.
قوله: "ويباح العلم الحرير في الثوب إذا كان أربع أصابع فما دون.
يعني مضمومة وهذا المذهب نص عليه وقدمه في الفروع وابن تميم وجزم به في المغني والشرح والهداية والمستوعب والتلخيص وإدراك الغاية والفائق وغيرهم وقيل: يباح قدر الكف فقط جزم به في المحرر والرعاية الصغرى والنظم والحاويين والمنور وقدمه في الرعاية الكبرى: والآداب وقال ليس للأول مخالف لهذا بل هما سواء انتهى وغاير بين القولين في الفروع وجزم في الوجيز أنه لا يباح إلا دون أربع أصابع وما رأيت من وافقه على ذلك وقال ابن أبي موسى لا بأس بالعلم الدقيق دون العريض وقال أبو بكر يباح وإن كان مذهبا وهو رواية عن أحمد اختارها المجد والشيخ تقي الدين وأطلقهما في الفائق والمذهب يحرم نص عليه.
فائدة: لو لبس ثيابا في كل ثوب قدر يعفى عنه ولو جمع صار ثوبا لم يكره بل يباح في أصح الوجهين جزم به في المستوعب والفائق وابن تميم وقيل: يكره جزم به في الرعاية وأطلقهما في الفروع إذا كان عليه نجاسة يعفى عنها هل يضم متفرق في باب إزالة النجاسة.
قوله: "ويكره للرجل لبس المزعفر والمعصفر.
هذا المذهب وعليه جمهور الأصحاب وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره وقيل: لا يكره قال المجد في شرحه وتبعه في الفروع ونقله الأكثر في المزعفر وجزم به في النظم واختاره الخلال والمجد في شرحه في المزعفر وذكر الآجري والقاضي وغيرهما تحريم المزعفر وفي المزعفر وجه يكره في الصلاة فقط وهو ظاهر ما في التلخيص قاله في الآداب.
فائدة: فعلى القول بالتحريم لا يعيد من صلى في ذلك على الصحيح من المذهب: وكذا لو كان لابسا ثيابا مسبلة أو خيلاء ونحوه وعليه الجمهور وقيل: يعيد واختاره أبو بكر.
فوائد
الأولى: يكره للرجل لبس الأحمر المصمت على الصحيح من المذهب: نص عليه وعليه الجمهور وهو من المفردات وقيل: لا يكره اختاره المصنف والشارح وصاحب الفائق وجزم به في النهاية ونظمها قال في الفروع وهو أظهر ونقل المروذي يكره للمرأة كراهة شديدة لغير زينة وعنه يكره للرجل شديد الحمرة وهو وجه في ابن تميم قال الإمام أحمد يقال أول من لبسه آل قارون وآل فرعون قال في الرعاية الكبرى: وكذا الخلاف في البطانة.
الثانية: يسن لبس الثياب البيض والنظافة في ثوبه وبدنه قال في الرعاية قلت: ومجلسه قال في الفروع وغيرها وهي أفضل اتفاقا.
الثالثة: يباح لبس السواد مطلقا على الصحيح من المذهب: وعنه يكره للجند وقيل: لا يكره لهم في الحرب وقيل: يكره إلا لمصاب ونقل المروذي يخرقه الوصي قال في الفروع وهو بعيد ولم يرد الإمام أحمد سلام لابسه.
الرابعة: يباح الكتان إجماعا ويباح أيضا الصوف ويسن الرداء على الصحيح من المذهب: وقيل: يباح كفتل طرفه نص عليه وظاهر نقل الميموني فيه يكره قاله القاضي ويكره الطيلسان في أحد الوجهين قال ابن تميم وكره السلف الطيلسان واقتصروا عليه زاد في التلخيص وهو المقور.
والوجه الثاني: لا يكره بل يباح وقدمه في الرعاية والآداب وأطلقهما في الفروع قال في الآداب وقيل: يكره المقور والمدور وقيل: وغيرهما غير المربع.
الخامسة: يسن إرخاء ذؤابتين خلفه نص عليه قال الشيخ تقي الدين وإطالتها كثيرا من الإسبال وقال الآجري وإن أرخى طرفها بين كتفيه فحسن قال غير واحد من الأصحاب يسن أيضا أن تكون العمامة محنكة.
السادسة: يسن لبس السراويل وقال في التلخيص لا بأس قال الناظم وفي معناه التبان وجزم بعضهم بإباحته قال في الفروع والأول أظهر قال الإمام أحمد السراويل أستر في الإزار ولباس القوم كان الإزار قال في الفروع فدل أنه لا يجمع بينهما وهو أظهر خلافا للرعاية قال الشيخ تقي الدين الأفضل مع القميص السراويل من غير حاجة إلى الإزار والرداء وقال القاضي يستحب لبس القميص.
السابعة: يباح لبس العباءة قال الناظم ولو للنساء قال في الفروع والمراد بلا تشبه.
الثامنة: يباح نعل خشب ونعل فيه حرف لا بأس لضرورة.
التاسعة: ما حرم استعماله حرم بيعه وخياطته وأجرتها نص عليه.
العاشرة: يكره لبسه وافتراشه جلدا مختلفا في نجاسته على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يكره وعنه يحرم وفي الرعاية وغيرها إن طهر بدبغه لبس بعده وإلا لم يجز ويجوز له إلباسه دابة وقيل: مطلقا كثياب نجسة.
باب اجتناب النجاسة
:قوله: "وهي الشرط الرابع فمتى لاقى ببدنه أو ثوبه نجاسة غير معفو عنها أو حملها لم تصح صلاته.
الصحيح من المذهب: أن اجتناب النجاسة في بدن المصلي وسترته وبقعته وهي محل بدنه وثيابه مما لا يعفى عنه شرط لصحة الصلاة وعليه جماهير الاصحاب وقطع به كثير منهم وقيل: طهارة محل ثيابه ليست بشرط وهو احتمال لابن عقيل وعنه أن اجتناب النجاسة واجب لا شرط وقدمه في الفائق واطلقهما في المستوعب وابن تميم وذكر ابن عقيل فيمن لاقاها ثوبه إذا سجد احتمالين قال المجد والصحيح البطلان في باب شروط الصلاة ويأتي قريبا إذا حمل قارورة فيها نجاسة أو آدميا أو غيره أو مس ثوبا أو حائطا نجسا أو قابلها ولم يلاقها.
قوله: "وإن طين الأرض النجسة أو بسط عليها شيئا طاهرا صحت صلاته عليها مع الكراهة".
وهذا المذهب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد قال الشارح: هذا أولى وصححه في المذهب والناظم قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب والإفادات وغيرهم وقدمه في الفروع والهداية والخلاصة والمحرر والكافي والرعايتين والحاويين وغيرهم وقيل: لا يصح وهو رواية عن أحمد وأطلقهما في المستوعب وابن تميم والفائق وتجريد العناية وقال ابن أبي موسى إن كانت النجاسة المبسوطة عليها رطبة لم تصح الصلاة وإلا صحت الصلاة وهو رواية عن أحمد فعلى المذهب تصح الصلاة مع الكراهة وهذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه تصح من غير كراهة.
تنبيه: محل هذا الخلاف اذا كان الحائل صفيقا فإن كان خفيفا أو مهلهلا لم تصح على الصحيح من المذهب: وحكى ابن منجا في شرحه وجها بالصحة وهو بعيد.
فائدة: حكم الحيوان النجس إذا بسط عليه شيئا طاهرا وصلى عليه حكم الأرض النجسة إذا بسط عليها شيئا طاهرا على الصحيح من المذهب: وقيل: تصح هنا وإن لم نصححها هناك وكذا الحكم لو وضع على حرير يحرم جلوسه عليه شيئا وصلى عليه ذكره أبو المعالي قال في الفروع فيتوجه إن صح جاز جلوسه وإلا فلا ولو بسط على الأرض الغصب ثوبا.
له وصلى عليه لم تصح ولو كان له علو فغصب السفل وصلى في العلو صحت صلاته ذكره ابن تميم وغيره وقال في الرعايتين والحاوي الصغير وإن بسط طاهرا على أرض غصب أو بسط على أرضه ما غصبه بطلت.
قلت: ويتخرج صحتها زاد في الكبرى وقيل: تصح في الثانية: فقط انتهى.
قلت: الذي يظهر إنما يكون هذا القول في المسألة الأولى: وهي ما إذا بسط طاهرا على أرض غصب وفي الفروع هنا بعض نقص.
قوله: "وإن صلى على مكان طاهر من بساط طرفه نجس صحت صلاته إلا أن يكون متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى".
اعلم أنه إذا صلى على مكان طاهر من بساط ونحوه وطرفه نجس فصلاته صحيحة وكذا لو كان تحت قدمه حبل مشدود في نجاسة وما يصلى عليه طاهر والصحيح من المذهب: ولو تحرك النجس بحركته ما لم يكن متعلقا به وقال بعض الأصحاب إذا كان النجس يتحرك بحركته لم تصح صلاته وأطلقهما ابن تميم والرعايتين والحاوي الصغير قال في الفروع والأول المذهب وإن كان متعلقا به بحيث ينجر معه إذا مشى لم تصح صلاته مثل أن يكون بيده أو وسطه شيء مشدود في نجس أو سفينة صغيرة فيها نجاسة أو أمسك بحبل ملقى على نجاسة ونحوه وإن كان لا ينجر معه إذا مشى كالسفينة الكبيرة والحيوان الكبير الذي لا يقدر على جره إذا استعصى عليه صحت صلاته مطلقا على الصحيح من المذهب: وهو مفهوم كلام المصنف هنا واختاره المصنف والشارح وجزم به في الفصول والرعايتين والحاوي الصغير وقدمه في الفروع وذكر القاضي وغيره إن كان الشد في موضع نجس مما لا يمكن جره معه كالفيل لم يصح كحمله ما يلاقيها وجزم به صاحب التلخيص والمحرر وغيرهما.
فائدة: قال في الفروع وظاهر كلامهم أن ما لا ينجر تصح الصلاة معه لو انجر قال ولعل المراد خلافه وهو أولى.
قوله: "ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أو لا فصلاته صحيحة".
هذا المذهب بلا ريب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وذكر في التبصرة وجها أنها تبطل.
قوله: "فإن علم أنها كانت في الصلاة لكن جهلها أو نسيها فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والخلاصة في الناسي وأطلقهما فيهما في المستوعب والمحرر,
والشرح والفائق وتجريد العناية.
إحداهما: تصح وهي الصحيحة عند أكثر المتأخرين اختارها المصنف والمجد وابن عبدوس في تذكرته والشيخ تقي الدين وصححه في التصحيح والنظم وشرح ابن منجا وتصحيح المحرر وجزم بها في العمدة والوجيز والمنور والمنتخب والتسهيل وغيرهم وقدمه ابن تميم وغيره.
والرواية الثانية: لا تصح فيعيد وهو المذهب قال في الفروع والأشهر الإعادة قال في الحاويين أعاد في أصح الروايتين وجزم به الإفادات وقدمه في الرعايتين وجزم به القاضي وابن عقيل وغيرهما في الناسي وقيل: إن كانت إزالتها شرطا أعاد وإن كانت واجبة فلا ذكره في الرعاية وقال الآمدي يعيد إن كان قد توانى رواية واحدة وقطع في التلخيص أن المفرط في الإزالة وقيل: في الصلاة لا يعيد بالنسيان.
تنبيهان
الأول قال القاضي في المجرد والآمدي وغيرهما محل الروايتين في الجاهل فأما الناسي فيعيد رواية واحدة قال الشيخ تقي الدين ليس عنه نص في الناسي انتهى والصحيح أن الخلاف جار في الجاهل والناسي قاله المجد حكى الخلاف فيهما أكثر المتأخرين وأطلق الطريقين في الكافي.
الثاني محل الخلاف في أصل المسألة على القول بأن اجتناب النجاسة شرط أما على القول بأن اجتنابها واجب فيصح قولا واحدا عند الجمهور وتقدم أن صاحب الرعاية حكى قولا واحدا أنه لا يعيد إن قلنا واجب وإن قلنا شرط أعاد فدل أن المقدم خلافه.
الثالث مراد المصنف بقوله: "أو جهلها جهل عينها هل هي نجاسة أم لا حتى فرغ منها أو جهل أنها كانت عليه ثم تحقق أنها كانت عليه بقرائن فأما إن علم أنها نجاسة وجهل حكمها فعليه الإعادة عند الجمهور وقطعوا به وقال في الرعاية الكبرى: حكم الجهل بحكمها حكم الجهل بأنها نجاسة أم لا وجزم به في تجريد العناية وأما إذا جهل كونها في الصلاة أم لا فتقدم في كلام المصنف وهو قوله: "ومتى وجد عليه نجاسة لا يعلم هل كانت في الصلاة أم لا؟".
فوائد
الأولى: حكم العاجز عن إزالتها عنه حكم الناسي لها في الصلاة قاله جماعة من الأصحاب منهم ابن حمدان وابن تميم وقال أبو المعالي وغيره وكذا لو زاد مرضه لتحريكه أو نقله وقال ابن عقيل وغيره أو احتاجه لحرب.
الثانية: لو علم بها في الصلاة لم تبطل صلاته على الصحيح من المذهب: وقيل: تبطل مطلقا فعلى المذهب إن أمكن إزالتها من غير عمل كثير ولا مضي زمن طويل فالحكم كالحكم فيها إذا علم بها بعد الصلاة فإن قلنا لا إعادة هناك أزالها هنا وبنى على الصحيح
من المذهب: وقال ابن عقيل تبطل رواية واحدة وأما إذا لم تزل إلا بعمل كثير أو في زمن طويل فالمذهب تبطل الصلاة وقيل: يزيلها ويبني.
قلت: وهو ضعيف.
الثالثة: لو مس ثوبه ثوبا نجسا أو قابلها راكعا أو ساجدا ولم يلاقها أو سقطت عليه فأزالها سريعا أو زالت هي سريعا أو مس حائطا نجسا لم يستند إليه صحت صلاته على الصحيح من المذهب: في الجميع وقيل: لا يصح ولو استند إليه لم يصح.
الرابعة: لو حمل قارورة فيها نجاسة أو آجرة باطنها نجس لم تصح صلاته ولو حمل حيوانا طاهرا صحت صلاته بلا نزاع وكذا لو حمل آدميا مستجمرا على الصحيح من المذهب: وقيل: لا تصح إذا حمل مستجمرا وأطلقهما في التلخيص والرعايتين والحاويين وابن تميم ولو حمل بيضة مذرة أو عنقود عنب حباته مستحيلة خمرا لم تصح صلاته جزم به الناظم وإليه ميل المجد في شرحه فإن البيضة المذرة قاسها على القارورة وقال بل أولى بالمنع وقيل: تصح صلاته وجزم به في المنور وأطلقهما في الفروع وقال المجد في شرحه وابن تميم وصاحب الرعايتين والحاويين ولو حمل بيضة فيها فرخ ميت فوجهان.
الخامسة: قال المجد في شرحه في هذا الباب باطن الحيوان مقو للدم والرطوبات النجسة بحيث لا يخلو منها فأجرينا لذلك حكم الطهارة ما دام فيه تبعا وقال في باب إزالة النجاسة عند قوله: "ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة وأما المني واللبن والقروح فليست مستحيلة عن نجاسة لأن ما كان في الباطن مستترا بستار خلقة ليس بنجس بدليل أن الصلاة لا تبطل بحمله وتابعه في مجمع البحرين: وابن عبيدان.
فظاهر كلام المجد في المكانين يختلف لأنه في الأول حكم بنجاسة ما في الباطن ولكن أجرى عليها حكم الطهارة تبعا وضرورة وفي الثاني قطع بأنه ليس بنجس وهذا الثاني ضعيف قال في الفروع في باب إزالة النجاسة قال بعض أصحابنا ما استتر في الباطن استتار خلقة ليس بنجس بدليل أن الصلاة لا تبطل بحمله كذا قال انتهى.
قوله: "وإذا جبر ساقه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر".
وهو المذهب وعليه الأصحاب كما لو خاف التلف وعنه يلزمه فعلى المذهب إن غطاه اللحم صحت صلاته من غير تيمم وإذا لم يغطه اللحم فالمذهب أنه يتيمم له وعليه الجمهور وقيل: لا يلزمه التيمم ولو مات من يلزمه قلعه قلع على الصحيح من المذهب: وقال أبو المعالي إن غطاه اللحم لم يقلع للمثلة وإلا قلع وقال جماعة يقلع سواء لزمه قلعه أم لا؟.
قوله: "فإن سقطت سنة فأعادها بحرارتها فثبتت فهي طاهرة".
هذا المذهب وعليه الجمهور وقطع به أكثرهم وعنه أنها نجسة حكمها حكم العظم النجس إذا جبر به ساقه كما تقدم في التي قبلها وقال ابن أبي موسى إن ثبت ولم يتغير فهو طاهر وإن تغير فهو نجس يؤمر بقلعه ويعيد ما صلى معه وكذا الحكم لو قطع أذنه فأعاده في الحال قاله في القواعد.
فائدة: لو شرب خمرا ولم يزل عقله غسل فمه وصلى ولم يلزمه قيؤه نص عليه وجزم به كثير من الأصحاب قال في الفروع ويتوجه يلزمه لإمكان إزالتها.
قوله: "ولا تصح الصلاة في المقبرة والحمام والحش وأعطان الإبل".
هذا المذهب وعليه الأصحاب قال في الفروع هو أشهر وأصح في المذهب قال المصنف وغيره هذا ظاهر المذهب وهو من المفردات وعنه إن علم النهي لم تصح وإلا صحت وعنه تحرم الصلاة فيها وتصح قال المجد لم أجد عن أحمد لفظا بالتحريم مع الصحة وعنه تكره الصلاة فيها وقيل: إن خاف فوت الوقت صحت وقيل: إن أمكنه الخروج لم يصل فيه بحال وإن فات الوقت ذكرهما في الرعاية قال في القاعدة التاسعة: لا تصح الصلاة في مواضع النهي على القول بأن النهي للتحريم وتصح على القول بأن النهي للتنزيه هذه طريقة المحققين وإن كان من الأصحاب من يحكي الخلاف في الصحة مع القول بالتحريم انتهى.
تنبيه: عموم قوله: "ولا تصح الصلاة في المقبرة يدل أن صلاة الجنازة لا تصح فيها وهو ظاهر كلامه في المستوعب والوجيز والمنور وغيرهم وهو إحدى الروايات عن أحمد وصححها الناظم وقدمه في الرعاية والحاوي الصغير قال في الفصول في آخر الجنائز أصح الروايتين لا تجوز وعنه تصح مع الكراهة اختارها ابن عقيل وأطلقهما في المذهب والمغني وابن تميم والفائق وعنه تصح من غير كراهة وهو المذهب قال ابن عبدوس في تذكرته تباح في مسجد ومقبرة قال في المحرر لا يكره في المقبرة قال في الكافي ويجوز في المقبرة قال في الهداية والتلخيص والبلغة والحاوي الكبير وغيرهم لا بأس بصلاة الجنازة في المقبرة قال في الخلاصة والإفادات وإدراك الغاية لا تصح صلاة في مقبرة لغير جنازة وقدمه المجد في شرحه وأطلقهن في الفروع.
فوائد
الأولى: لا يضر قبر ولا قبران على الصحيح من المذهب: إذا لم يصل إليه جزم به ابن تميم وقاله المصنف وغيره وقدمه في الفروع والشرح والرعاية والفائق وقيل: يضر اختاره الشيخ تقي الدين والفائق قال في الفروع وهو أظهر بناء على أنه هل يسمى مقبرة. أم
لا؟ وقال في الفروع ويتوجه أن الأظهر أن الخشخاشة فيها جماعة قبر واحد وأنه ظاهر كلامه.
الثانية: لو دفن بداره موتى لم تصر مقبرة قاله ابن الجوزي في المذهب وغيره.
الثالثة: قوله عن أعطان الإبل "التي تقيم فيها وتأوي إليها" هو الصحيح من المذهب: نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقيل: هو مكان اجتماعها إذا صدرت عن المنهل زاد صاحب الرعاية وغيره وما تقف فيه لترد الماء زاد المصنف في المغني بعد كلام الإمام أحمد فقال وقيل: هو ما تقف فيه لترد الماء قال والأول أجود وقال جماعة من الأصحاب أو تقف لعلفها.
الرابعة: الحش ما أعد لقضاء الحاجة فيمنع من الصلاة داخل بابه ويستوي في ذلك موضع الكنيف وغيره.
الخامسة: المنع من الصلاة في هذه الأمكنة تعبد على الصحيح من المذهب: وعليه الجمهور قال الزركشي تعبد عند الأكثرين واختاره القاضي وغيره وقدمه في الشرح والرعاية الكبرى: قال ابن رزين: في شرحه الأظهر أنه تعبد وقيل: معلل وإليه ميل المصنف فهو معلل بمظنة النجاسة فيختص بما هو مظنة من هذه الأماكن وأطلقهما في الفروع وابن تميم فعلى الأولى: حكم مسلح الحمام وأتونه كداخله وكذا ما يتبعه في البيع نص عليه وكذا غيره قال بعضهم وهو المذهب قال في الرعاية الكبرى: ولا تصح الصلاة في حمام وأتونه وبيوته ومجمع وقوده وكل ما يتبعه في البيع من الأماكن وتحويه حدوده ويتناول أيضا كل ما يقع عليه الاسم فلا فرق في المقبرة بين القديمة والحديثة والمنبوشة وغير المنبوشة وعلى الثاني تصح في أسطحة هذه المواضع.
قوله: "والموضع المغصوب".
يعني لا تصح الصلاة فيه وهو المذهب وعليه جمهور الأصحاب وقطع به كثير منهم في المختصرات وهو من المفردات وعنه تصح مع التحريم اختارها الخلال وابن عقيل في فنونه والطوفي في مختصره في الأصول وغيرهم وقيل: تصح إن جهل النهي وقيل: تصح مع الكراهة حكاه ابن مفلح في أصوله وفروعه وغيره وقال إن خاف فوت الوقت صحت صلاته وإلا فلا وقيل: إن أمكنه الخروج منه لم تصح فيه بحال وإن فات الوقت وقيل: يصح النفل وذكر أبو الخطاب في بحث المسألة أن النافلة لا تصح بالاتفاق فهذه ثلاث طرق في النفل تقدم نظيرها في الثوب المغصوب وحيث قلنا لا تصح في الموضع المغصوب فهو من المفردات.
فائدة: لا بأس بالصلاة في أرض غيره أو مصلاه بلا غصب بغير إذنه على الصحيح من المذهب: وقيل: لا تصح وأطلقهما في الرعايتين والحاوي وقال ابن حامد ويحتمل أن لا يصلى في كل أرض إلا بإذن صاحبها ويحتمل أن يكون مراده عدم الصحة ويحتمل أن يكون مراده الكراهة فلهذا قال في الفروع ولو صلى على أرض غيره أو مصلاه بلا غصب صح في الأصح وقيل: حملها على الكراهة أولى قال في الرعايتين قلت: وحمل الوجهين على إرادة الكراهة وعدمها أولى قال في الفروع وظاهر المسألة أن الصلاة هنا أولى من الطريق وأن الأرض المزدرعة كغيرها قال والمراد ولا ضرر ولو كانت لكافر قال ويتوجه احتمال لعدم رضاه بصلاة مسلم بأرضه.
قوله: "وقال بعض أصحابنا حكم المجزرة والمزبلة وقارعة الطريق وأسطحتها كذلك.
يعني كالمقبرة ونحوها وهو المذهب قال الشارح: أكثر أصحابنا على هذا قال في الفروع اختاره الأكثر قال الزركشي وألحق عامة الأصحاب بهذه المواضع المجزرة ومحجة الطريق وجزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وقدمه في الفروع والنظم والفائق وهو من المفردات وعنه تصح الصلاة في هذه الأمكنة وإن لم يصححها في غيرها ويحتمله كلام الخرقي واختاره المصنف وعنه تصح على أسطحتها وإن لم يصححها في داخلها واختاره المصنف والشارح وقال أبو الوفا سطح النهر لا تصح الصلاة عليه لأن الماء لا يصلى عليه وهو رواية حكاها المجد في شرحه وقال غيره هو كالطريق قال المجد والمشهور عنه المنع فيها وعنه لا تصح الصلاة على أسطحتها وكرهها في رواية عبد الله وجعفر على نهر وساباط وقال القاضي فيما تجري فيه سفينة كالطريق وعلله بأن الهواء تابع للقرار واختار أبو المعالي وغيره الصحة كالسفينة قال أبو المعالي ولو جمد الماء فكالطريق وذكر بعضهم فيه الصحة.
قلت: وجزم به ابن تميم فقال لو جمد ماء النهر فصلى عليه صح.
تنبيه: مفهوم كلام المصنف أن الصلاة تصح في المدبغة وهو صحيح وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع وابن تميم والفائق وقيل: هي كالمجزرة واختاره في الروضة وجزم به في الإفادات وقدمه في الرعايتين.
فوائد
إحداها المجزرة ما أعد للذبح والنحر والمزبلة ما أعد للنجاسة والكناسة والزبالة وإن كانت طاهرة وقارعة الطريق ما كثر سلوك السابلة فيها سواء كان فيها سالك أو لا دون ما علا عن جادة المارة يمنة ويسرة نص عليه وقيل: يصح فيه طولا إن لم يضق على الناس لا عرضا ولا بأس بالصلاة في طريق الأبيات القليلة.
الثانية: إن بنى المسجد بمقبرة فالصلاة فيه كالصلاة في المقبرة وإن حدثت القبور بعده حوله أو في قبلته فالصلاة فيه كالصلاة إلى المقبرة على ما يأتي قريبا هذا هو الصحيح من المذهب: قال في الفروع ويتوجه تصح يعني مطلقا وهو ظاهر كلام جماعة.
قلت: وهو الصواب وقال الآمدي لا فرق بين المسجد القديم والحديث وقال في الهدي لو وضع القبر والمسجد معا لم يجز ولم يصح الوقف ولا الصلاة وقال ابن عقيل في الفصول إن بنى فيها مسجد بعد أن انقلبت أرضها بالدفن لم تجز الصلاة فيه لأنه بنى في أرض الظاهر نجاستها كالبقعة النجسة وإن بنى في ساحة طاهرة وجعلت الساحة مقبرة جازت لأنه في جوار مقبرة ولو حدث طريق بعد بناء مسجد على ساباط صحت الصلاة فيه على الصحيح من المذهب: قدمه ابن تميم وغيره وقيل: لا يصلى فيه ذكره في التبصرة.
وأطلقهما في الرعاية الكبرى: والفروع وقال القاضي قد يتوجه الكراهة فيه.
الثالثة: يستثنى من كلام المصنف وغيره ممن أطلق صلاة الجمعة ونحوها في الطريق وحافتيها فإنها تصح للضرورة نص عليه وكذا تصح على الراحلة في الطريق وقطع به المصنف في المغني والشارح والمجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير والفروع وغيرهم تصح صلاة الجمعة والجنائز والأعياد ونحوها بحيث يضطرون إلى الصلاة في الطرقات وقال في الرعاية الكبرى: تصح صلاة الجمعة وقيل: صلاة العيد والجنائز والكسوفين وقيل: والاستسقاء في كل طريق وقال في الصغرى تصح صلاة الجمعة وقيل: العيد والجنازة في طريق وموضع غصب وقال ابن منجا في شرحه نص أحمد على صحة الجمعة في الموضع المغصوب وخص كلام المصنف به وهو ظاهر ما قدمه في الفروع في باب الإمامة بعد إمامة الفاسق ويأتي هناك أيضا بأتم من هذا.
الرابعة: من تعذر عليه فعل الصلاة في غير هذه الأمكنة صلى فيها وفي الإعادة روايتان وأطلقهما في الفروع ومختصر ابن تميم.
قلت: الصواب عدم الإعادة وجزم به في الحاوي الصغير وقد تقدم نظير ذلك متفرقا كمن صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه ونحوه.
قلت: قواعد المذهب تقتضي أنه يعيد لأن النهي عنها لا يعقل معناه وقال بعض الأصحاب إن عجز عن مفارقة الغصب صلى ولا إعادة رواية واحدة.
قوله: "وتصح الصلاة إليها".
هذا المذهب مطلقا مع الكراهة نص عليه في رواية أبي طالب وغيره وعليه الجمهور وجزم به في الوجيز والإفادات وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص,
والفروع وابن تميم والحاويين والفائق وإدراك الغاية وغيرهم وقيل: لا تصح إليها مطلقا وقيل: لا تصح الصلاة إلى المقبرة فقط واختاره المصنف والمجد وصاحب النظم والفائق وقال في الفروع وهو أظهر وعنه لا تصح إلى المقبرة والحش اختاره ابن حامد والشيخ تقي الدين وجزم به في المنور وقيل: لا تصح إلى المقبرة والحش والحمام وعنه لا يصلي إلى قبر أو حش أو حمام أو طريق قاله ابن تميم قال أبو بكر فإن فعل ففي الإعادة قولان قال القاضي ويقاس على ذلك سائر مواضع النهي إذا صلى إليها إلا الكعبة.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يكن حائل فإن كان بين المصلي وبين ذلك حائل ولو كمؤخرة الرحل صحت الصلاة على الصحيح من المذهب: قدمه في الفروع وغيره وجزم به في الفائق وغيره قال في الفروع وظاهره أنه ليس كسترة صلاة حتى يكفي الخط بل كسترة المتخلي قال ويتوجه أن مرادهم لا يضر بعد كثير عرفا كما لا أثر له في مار أمام المصلى وعنه لا يكفي حائط المسجد نص عليه وجزم به المجد وابن تميم والناظم وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين وغيرهم لكراهة السلف الصلاة في مسجد في قبلته حش وتأول ابن عقيل النص على سراية النجاسة تحت مقام المصلى واستحسنه صاحب التلخيص وعن أحمد نحوه قال ابن عقيل يبين صحة تأويلي لو كان الحائل كآخرة الرحل لم تبطل الصلاة بمرور الكلب ولو كانت النجاسة في القبلة كهي تحت القدم لبطلت لأن نجاسة الكلب آكد من نجاسة الخلاء لغسلها بالتراب قال في الفروع فيلزمه أن يقول: بالخط هنا ولا وجه له وعدمه يدل على الفرق.
فائدة: لو غيرت مواضع النهي بما يزيل اسمها كجعل الحمام دارا ونبش المقبرة ونحو ذلك صحت الصلاة فيها على الصحيح من المذهب: وحكى قولا لا تصح الصلاة.
قلت: وهو بعيد جدا.
فوائد تصح الصلاة في أرض السباخ على الصحيح من المذهب: نص عليه قال في الرعاية مع الكراهة وعنه لا تصح قال في الرعاية إن كانت رطبة ثم قال قلت: مع ظن نجاستها وعنه الوقف.
وتكره في أرض الخسف نص عليه وتكره في مقصورة تحمى نص عليه وقيل: أولا إن قطعت الصفوف وأطلقهما في الرعاية.
وتكره في الرحى وعليها ذكره الآمدي وبن حمدان وابن تميم وصاحب الحاوي وغيرهم وسئل الإمام أحمد فقال ما سمعت في الرحى شيئا.
وله دخول بيعة وكنيسة والصلاة فيهما من غير كراهة على الصحيح من المذهب: وعنه تكره وعنه مع صور وظاهر كلام جماعة يحرم دخوله معها وقال الشيخ تقي الدين وإنها كالمسجد على القبر وقال وليست ملكا لأحد وليس لهم منع من يعبد الله لأنا صالحناهم عليه نقله في الفروع في الوليمة.
قوله: "ولا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من المفردات وعنه تصح واختارها الآجري وصاحب الفائق.
فائدتان
إحداهما: لو نذر الصلاة فيها صحت من غير نزاع أعلمه إلا توجيها لصاحب الفروع بعدم الصحة من قول ذكره القاضي فيمن نذر الصلاة على الراحلة لا تصح.
الثانية: لو وقف على منتهى البيت بحيث إنه لم يبق وراءه منه شيء أو صلى خارجه لكن سجد فيه صحت صلاة الفريضة والحالة هذه على الصحيح من المذهب: نص عليه وجزم به في المحرر وقدمه في الفروع والمجد في شرحه والحاوي وقيل: لا تصح وهو ظاهر كلام المصنف هنا وإليه ميل المجد في شرحه وصاحب الحاوي وأطلقهما في المختصر وابن تميم والرعاية.
قوله: "وتصح النافلة إذا كان بين يديه شيء منها".
الصحيح من المذهب: صحة صلاة النافلة فيها وعليها بشرطه مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وعنه لا تصح مطلقا
قلت: وهو بعيد وعنه إن جهل النهي صحت وإلا لم تصح وقيل: لا تصح فيها إن نقض البناء وصلى إلى موضعه وقيل: لا يصح النفل فوقها ويصح فيها وهو ظاهر كلام ابن حامد وصححه في الرعايتين.
ولا يصح نفل فوقها في الأصح ويصح فيها في الأصح وهو ظاهر كلامه في الخلاصة فإنه قال ويصلي النافلة في الكعبة وكذا في المنور.
تنبيه: ظاهر قوله: "إذا كان بين يديه شيء منها أنه ولو لم يكن بين يديه شاخص منها أنها تصح واعلم أنه إذا كان بين يديه شاخص منها صحت صلاته والشاخص كالبناء والباب المغلق أو المفتوح أو عتبته المرتفعة وقال أبو الحسن الآمدي لا يجوز أن يصلي إلى الباب إذا كان مفتوحا.
وإن لم يكن بين يديه شاخص منها فتارة يبقى بين يديه شيء من البيت إذا سجد وتارة لا يبقى شيء بل يكون سجوده على منتهاه فإن كان سجوده على منتهى البيت بحيث إنه لم
يبق منه شيء فهذا لا تصح صلاته قولا واحدا بل هو إجماع.
وإن كان بين يديه شيء منها إذا سجد ولكن ما ثم شاخص فظاهر كلام المصنف هنا الصحة وهو أحد الروايتين في الفروع والوجهين لأكثرهم وعبارته في الهداية والكافي وغيرهما كذلك وهو ظاهر ما قدمه في الرعاية الصغرى واختاره المصنف في المغني والمجد في شرحه وابن تميم وصاحب الحاوي الكبير والفائق وهو المذهب على ما أسلفناه في الخطبة.
والرواية الثانية: لا تصح الصلاة إذا لم يكن بين يديه شاخص وعليه جماهير الأصحاب قال في المغني والشرح فإن لم يكن بين يديه شاخص أو كان بين يديه آجر معبأ غير مبني أو خشب غير مسمور فيها فقال أصحابنا: لا تصح صلاته قال المجد في شرحه وصاحب الحاوي اختاره القاضي وهو ظاهر كلامه في تذكرة ابن عبدوس والمنور فإنه قال ويصح النفل في الكعبة إلى شاخص منها وهو ظاهر كلامه في الوجيز فإنه قال وتصح النافلة باستقبال متصل بها وأطلقهما في الفروع والمجد والتلخيص والرعاية الكبرى: وابن تميم.
فوائد
الأولى: لا اعتبار بالآجر المعبأ من غير بناء ولا الخشب غير المسمور ونحو ذلك ولا يكون ذلك ستره قاله الأصحاب قال الشيخ تقي الدين ويتوجه أن يكتفى بذلك بما يكون ستره في الصلاة لأنه شيء شاخص.
الثانية: إذا قلنا تصح الصلاة في الكعبة فالصحيح من المذهب: أنه يستحب وعليه أكثر الأصحاب وعنه لا يستحب وقال القاضي تكره الصلاة في الكعبة وعليها ونقله ابن تميم ونقل الأثرم يصلى فيه إذا دخله وجاهه كذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصلى حيث شاء ونقل أبو طالب يقوم كما قام النبي صلى الله عليه وسلم بين الاسطوانتين.
الثالثة: لو نقض بناء الكعبة أو خربت والعياذ بالله تعالى صلى إلى موضعها دون أنقاضها وتقدم في النفل وجه بعدم الصحة فيها لحال نقضها وإن صححناه ولو كان البناء باقيا وأما التوجه إلى الحجر فيأتي في أثناء الباب الذي بعد هذا.
المجلد الثاني
تتمة كتاب الصلاة
باب استقبال القبلة...
بسم الله الرحمن الرحيم.
باب استقبال القبلة.
قوله: "وهو الشرط الخامس لصحة الصلاة إلا في حال العجز عنه".
الصحيح من المذهب سقوط استقبال القبلة في حال العجز مطلقا كالتحام الحرب والهرب من السيل والسبع ونحوه على ما يأتي وعجز المريض عنه وعمن يديره والمربوط ونحو ذلك وعليه الأصحاب وجزم ابن شهاب أن التوجه لا يسقط حال كسر السفينة مع أنها حالة عذر لأن التوجه إنما يسقط حال المسايفة لمعنى متعد إلى غير المصلي وهو الخذلان عند ظهور الكفار وهذا ضعيف جدا.
قوله : "والنافلة على الراحلة في السفر الطويل والقصير".
هذا المذهب مطلقا نص عليه وعليه الأصحاب وعنه لا يصلى سنة الفجر عليها وعنه لا يصلى الوتر عليها والذي قدمه في الفروع جواز صلاة الوتر راكبا ولو قلنا إنه واجب.
قال ابن تميم وكلام ابن عقيل يحتمل وجهين إذا قلنا إنه واجب.
تنبيهات .
أحدها ظاهر قوله: "النافلة على الراحلة في السفر الطويل والقصير" أنها لا تصح في الحضر من غير استقبال القبلة وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وعنه يسقط الاستقبال أيضا إذا تنفل في الحضر كالراكب السائر في مصره وقد فعله أنس وأطلقهما في الفائق والإرشاد.
الثاني : كلام المصنف وغيره ممن أطلق مقيد بأن يكون السفر مباحا فلو كان محرما ونحوه لم يسقط الاستقبال قاله في الفروع وغيره.
الثالث : لو أمكنه أن يدور في السفينة والمحفة إلى القبلة في كل الصلاة لزمه ذلك على الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه ابن تميم وبن منجى في شرحه والرعاية وزاد العمارية والمحمل ونحوهما.
قال في الكافي: فإن أمكنه الاستقبال والركوع والسجود كالذي في العمارية لزمه ذلك. لأنه كراكب السفينة. وفي المغني والشرح نحو ذلك.
وقيل: لا يلزمه. اختاره الآمدي. ويحتمله كلام المصنف في المحفة ونحوها.
قال في الفروع: لا يجب في أحد الوجهين. وقال: وأطلق في رواية أبي طالب وغيره أن يدور قال والمراد غير الملاح لحاجته.
الرابع : يدور في ذلك في الفرض على الصحيح من المذهب. وقيل: لا يجب عليه ذلك وهو احتمال لابن حامد [ويأتي في صلاة أهل الأعذار].
قوله : "وهل يجوز ترك الاستقبال في التنفل للماشي؟ على روايتين".
وأطلقهما في الكافي والشرح وبن منجا في شرحه والزركشي.
إحداهما : يجوز وهو المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والبلغة والرعايتين ونظم نهاية ابن رزين وصححه في التصحيح والمجد في شرحه وبن تميم والناظم قال في الفروع وعلى الأصح وماشيا وقدمه في المحرر والفائق واختاره القاضي.
والرواية الثانية: لا يجوز وهو ظاهر كلام الخرقي. وجزم به في الوجيز والإفادات. ونصها المصنف في المغني للخلاف.
فعلى المذهب: تصح الصلاة إلى القبلة بلا خلاف أعلمه ويأتي الجواب عن قول "المصنف فإن أمكنه افتتاح الصلاة إلى القبلة".
ويركع ويسجد فقط إلى القبلة ويفعل الباقي إلى جهة سيره على الصحيح من المذهب في ذلك كله قدمه في المغني والشرح والفروع وشرح الهداية والمجد والرعاية وبن منجا وشرحه. واختاره القاضي وغيره.
وقيل يومئ بالركوع والسجود إلى جهة سيره كراكب اختاره الآمدي والمجد في شرحه وقيل يمشي حال قيامه إلى جهته وما سواه يفعله إلى القبلة غير ماش بل يقف ويفعله وأطلقهن ابن تميم.
فائدة .
لا يجوز التنفل على الراحلة لراكب التعاسيف وهو ركوب الفلاة وقطعها على غير.
صوب. ذكره صاحب التلخيص والرعاية والفروع وبن تميم وغيرهم.
قلت فيعايى بها وهو مستثنى من كلام من أطلق.
قوله : "فإن أمكنه أي الراكب افتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يلزمه ذلك على روايتين".
وأطلقهما في الشرح والفائق وحكاهما في الكافي وجهين.
أحدهما يلزمه وهو المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والوجيز والمنور وغيرهم وصححه الناظم قال أبو المعالي: وغيره وهي المذهب قال المجد: في شرحه هذا ظاهر المذهب قال في الفروع: ويلزم الراكب الإحرام إلى القبلة بلا مشقة نقله واختاره الأكثر قال ابن تميم يلزمه في أظهر الروايتين قال في تجريد العناية: يلزمه على الأظهر وهو ظاهر كلام الخرقي وقدمه الزركشي.
والرواية الثانية: لا يلزمه. واختاره أبو بكر. وجزم به في الإرشاد وقدمه في الرعايتين. وهذه الرواية خرجها أبو المعالي والمصنف من الرواية التي في صلاة الخوف وقد نقل أبو داود وصالح "يعجبني ذلك".
فوائد .
الأولى : إذا أمكن الراكب فعلها راكعا وساجدا بلا مشقة لزمه ذلك على الصحيح من المذهب نص عليه وقيل لا يلزمه قال في الفروع وذكره في الرعاية رواية للتساوي في الرخص العامة انتهى ولم أجده في الرعاية إلا قولا واختاره الآمدي والمجد في شرحه وأطلقهما في الفائق وتقدم نظيره في دورانه.
الثانية : لو عدلت به دابته عن جهة سيره لعجزه عنها أو لجماحها ونحوه أو عدل هو إلى غير القبلة غفلة أو نوما أو جهلا أو لظنه أنها جهة سيره وطال بطلت على الصحيح من المذهب وقيل: لا تبطل فيسجد للسهو لأنه مغلوب كساه وأطلقهما ابن تميم وبن حمدان في الرعاية وقيل: يسجد بعدوله هو وإن قصر لم تبطل ويسجد للسهو.
قلت: وحيث قلنا: يسجد لفعل الدابة فيعايى بها.
وإن كان غير معذور في ذلك بأن عدلت دابته وأمكنه ردها أو عدل إلى غير القبلة مع علمه: بطلت وإن انحرف عن جهة سيره فصار قفاه إلى القبلة عمدا: بطلت إلا أن يكون انحرافه إلى جهة القبلة ذكره القاضي وهي مسألة الالتفات المبطل.
الثالثة : متى لم يدم سيره فوقف لتعب دابته أو منتظرا للرفقة أو لم يسر كسيرهم أو نوى النزول ببلد دخله: استقبل القبلة.
الرابعة : يشترط في الراكب طهارة محله نحو سرج وركاب.
الخامسة : لو ركب المسافر النازل وهو يصلي في نفل بطلت على الصحيح من المذهب. وقيل: يتمه كركوب ماش فيه وإن نزل الراكب في أثنائها نزل مستقبلا وأتمها نص عليه.
تنبيهان.
أحدهما: الضمير في قوله: "فإن أمكنه" عائد إلى الراكب فقط ولا يجوز عوده إلى الماشي ولا إلى الماشي والراكب قطعا لأن الماشي إذا قلنا يباح له التطوع فإنه يلزمه افتتاح الصلاة إلى القبلة قولا واحدا كما تقدم.
وأيضا فإن قوله: فإن أمكنه فيه إشعار بأنه تارة يمكنه وتارة لا يمكنه وهذا لا يكون إلا في الراكب إذ الماشي لا يتصور أنه لا يمكنه.
ولا يصح عوده إليهما لعدم صحة الكلام.
فيتعين أنه عائد إلى الراكب وهو صحيح لكن قال ابن منجا في شرحه في عوده إلى الراكب أيضا نظر لأن الروايتين المذكورتين إنما هما في حال المسايفة قال ولقد أمعنت في المطالعة والمبالغة من أجل تصحيح كلام المصنف هنا.
قلت: ليس الأمر كما قال فإن جماعة من الأصحاب صرحوا بالروايتين منهم الشارح وبن تميم وصاحب الفروع والفائق وتجريد العناية وغيرهم وقد تقدم ان أبا المعالي والمصنف خرجا رواية بعدم اللزوم فذكر المصنف الروايتين هنا اعتمادا على الرواية المخرجة فلا نظر في كلامه وإطلاق الرواية المخرجة من غير ذكر التخريج كثير في كلام الأصحاب.
وأيضا فقد قال في الفروع: نقل صالح وأبو داود "يعجبني للراكب الإحرام إلى القبلة". وجمهور الأصحاب أن ذلك للندب فلا يلزمه فهذه رواية بأنه لا يلزمه.
الثاني : مفهوم كلام المصنف أنه إذا لم يمكنه الافتتاح إلى القبلة لا يلزمه.
قولا واحدا وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وقال القاضي يحتمل أن يلزمه ذكره عنه في الشرح.
قوله : "والفرض في القبلة إصابة العين لمن قرب منها".
بلا نزاع وألحق الأصحاب بذلك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وما قرب منه قال الناظم وفي معناه كل موضع ثبت أنه صلى فيه صلوات الله وسلامه عليه إذا ضبطت جهته وألحق الناظم بذلك أيضا مسجد الكوفة قال لاتفاق الصحابة عليه ولم يذكره الجمهور وقال في النكت وفيما قاله الناظم نظر لأنهم لم يجمعوا عليه وإنما أجمع عليه طائفة منهم وظاهر كلام ابن منجا في شرحه وجماعة عدم الإلحاق في ذلك كله وإليه ميل بعض مشايخنا وكان ينصره وقال الشارح وفيما قاله الأصحاب نظر ونصر غيره.
فوائد.
الأولى: يلزمه استقبال القبلة ببدنه كله على الصحيح من المذهب نص عليه وقيل ويجزئ ببعضه أيضا اختاره ابن عقيل.
الثانية : المراد بقوله لمن قرب منها المشاهد لها ومن كان يمكنه من أهلها أو نشأ بها من وراء حائل محدث كالجدران ونحوها فلو تعذر إصابة العين للقريب كمن هو خلف جبل ونحوه فالصحيح من المذهب أنه يجتهد إلى عينها وعنه أو إلى جهتها وذكر جماعة من الأصحاب إن تعذر إصابة العين للقريب فحكمه حكم البعيد وقال في الواضح إن قدر على الرؤية إلا أنه مستتر بمنزل أو غيره فهو كمشاهد وفي رواية كبعيد.
الثالثة: نص الإمام أحمد أن الحجر من البيت وقدره ستة أذرع وشيء قاله في التلخيص وغيره وقال ابن أبي الفتح سبعة وقدم ابن تميم وصاحب الفائق جواز التوجه إليه وصححه في الرعاية وهو ظاهر ما قدمه في الفروع قال الشيخ تقي الدين هذا قياس المذهب.
والداخل في حدود البيت ستة أذرع وشيء قال القاضي في التعليق يجوز التوجه إليه في الصلاة وقال ابن حامد لا يصح التوجه إليه وجزم به ابن عقيل في النسخ وجزم به أبو المعالي في المكي وأما صلاة النافلة فمستحبة فيه وأما الفرض فقال ابن نصر الله في حواشي الفروع لم أر به نقلا والظاهر أن حكمها حكم الصلاة في الكعبة انتهى.
قلت يتوجه الصحة فيه وإن منعنا الصحة فيها.
قوله : "وإصابة الجهة لمن بعد عنها".
وهذا المذهب نص عليه وعليه جمهور الأصحاب وهو المعمول به في المذهب قال في الفروع على هذا كلام أحمد والأصحاب وصححه في الحاويين.
فعليها يعفى عن الانحراف قليلا قال المجد في شرحه وغيره فعليها لا يضر التيامن والتياسر ما لم يخرج عنها وعنه فرضه الاجتهاد إلى عينها والحالة هذه قدمه في الهداية والخلاصة والرعايتين والحاويين قال أبو المعالي: هذا هو المشهور فعليها يضر التيامن والتياسر عن الجهة التي اجتهد إليها.
وقال في الرعاية على هذه الرواية: إن رفع وجهه نحو السماء فخرج به عن القبلة منع.
قال أبو الحسين ابن عبدوس في كتاب المهذب إن فائدة الخلاف في أن الفرض في استقبال القبلة هل هو العين أو الجهة إن قلنا: العين فمتى رفع رأسه ووجهه إلى السماء حتى خرج وجهه عن مسامتة القبلة فسدت صلاته.
قال ابن رجب في الطبقات كذا قال وفيه نظر انتهى.
ونقل مهنا وغيره إذا تجشأ وهو في الصلاة ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق لئلا يؤذي من.
حوله بالرائحة وقال ابن الجوزي في المذهب يستدير الصف الطويل وقال ابن الزاغوني في فتاويه في استدارة الصف الطويل روايتان.
إحداهما : لا يستدير لخفائه وعسر اعتباره.
الثانية : ينحرف طرف الصف يسيرا يجمع به توجه الكل إلى العين.
فائدة .
البعد هنا: هو بحيث لا يقدر على المعاينة ولا على من يخبره عن علم قاله غير واحد من الأصحاب وليس المراد بالبعد مسافة القصر ولا بالقرب دونها قال في الفروع: ولم أجدهم ذكروا هنا ذلك.
قوله : "فإن أمكنه ذلك بخبر ثقة عن يقين أو استدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به".
الصحيح من المذهب: أنه يشترط في المخبر أن يكون عدلا ظاهرا وباطنا وأن يكون بالغا جزم به في شرحه وهو ظاهر كلام الشارح وغيره وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وصححه.
وقيل: ويكفي مستور الحال أيضا صححه ابن تميم وجزم به في الرعاية الصغرى والحاويين.
وقيل: يكفي أيضا خبر المميز وأطلقهما ابن تميم فيه
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا يقبل خبر الفاسق في القبلة وهو صحيح لكن قال ابن تميم يصح التوجه إلى قبلته في بيته ذكره في الإشارات وقال في الرعاية الكبرى قلت وإن كان هو عملها فهو كإخباره بها.
قوله : "عن يقين".
الصحيح من المذهب: أنه لا يلزمه العمل بقوله إلا إذا أخبره عن يقين فلو أخبره عن اجتهاد لم يجز تقليده وعليه الجمهور قال في الفروع لم يجز تقليده في الأصح قال ابن تميم لم يقلده واجتهد في الأظهر وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الرعاية وغيرها.
وقيل: يجوز تقليده وقيل يجوز تقليده إن ضاق الوقت وإلا فلا وذكره.
القاضي ظاهر كلام الإمام أحمد واختاره جماعة من الأصحاب منهم الشيخ تقي الدين ذكره في الفائق.
وقيل: يجوز تقليده إن ضاق الوقت أو كان أعلم منه.
وقال أبو الخطاب في آخر التمهيد يصليها حسب حاله ثم يعيد إذا قدر فلا ضرورة إلى التقليد كمن عدم الماء والتراب يصلي ويعيد.
قوله : "لزمه العمل به".
الصحيح من المذهب: أنه يلزمه العمل بقول الثقة إذا كان عن يقين وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال في التلخيص ليس للعالم تقليده قال ابن تميم وهو بعيد وقيل لا يلزمه تقليده مطلقا.
قوله : "أو استدلال بمحاريب المسلمين لزمه العمل به".
الصحيح من المذهب: أنه يلزمه العمل بمحاريب المسلمين فيستدل بها على القبلة وسواء كانوا عدولا أو فساقا وعليه الأصحاب وعنه يجتهد إلا إذا كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم وعنه يجتهد ولو بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ذكرها ابن الزاغوني في الإقناع والوجيز.
قلت: وهما ضعيفان جدا وقطع الزركشي بعدم الاجتهاد في مكة والمدينة وحكى الخلاف في غيرهما.
تنبيه : مفهوم قوله: "أو استدلال بمحاريب المسلمين" أنه لا يجوز الاستدلال بغير محاريب المسلمين وهو صحيح وهو المذهب وعليه الجمهور وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والرعاية وقال المصنف وتبعه الشارح لا يجوز الاستدلال بمحاريب الكفار إلا أن يعلم قبلتهم كالنصارى وجزم به ابن تميم وقال أبو المعالي لا يجتهد في محراب لم يعرف بمطعن بقرية مطروقة قال وأصح الوجهين ولا ينحرف لأن دوام التوجه إليه كالقطع كالحرمين.
قوله : "فإن اشتبهت عليه القبلة في السفر اجتهد في طلبها بالدلائل".
الصحيح من المذهب: أنه إذا اشتبهت عليه القبلة في السفر اجتهد في طلبها فمتى غلب على ظنه جهة القبلة صلى إليها وعليه الجمهور وفيه وجه لا يجتهد ويجب عليه أن يصلي إلى أربع جهات وخرجه أبو الخطاب في الانتصار وغيره من منصوصه في الثياب المشتبهة وهو رواية في التبصرة.
قوله : "وأثبتها القطب إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا القبلة".
وهذا المذهب وعليه الجمهور وقطع به كثير منهم.
وقيل: ينحرف في دمشق وما قاربها إلى المشرق قليلا وكلما قرب إلى المغرب كان انحرافه أكثر وينحرف بالعراق وما قاربه إلى المغرب قليلا وكلما قرب إلى الشرق كان انحرافه أكثر.
تنبيه : مراده بقوله: إذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا القبلة إذا كان بالعراق والشام وحران وسائر الجزيرة وما حاذى ذلك قاله في الحاوي وغيره فلا تتفاوت هذه البلدان في ذلك إلا تفاوتا يسيرا معفوا عنه.
قوله: "والرياح".
الصحيح من المذهب: أن الرياح مما يستدل به على القبلة على صفة ما قاله المصنف وعليه الأصحاب وقال أبو المعالي الاستدلال بالرياح ضعيف.
فوائد .
الأولى : "الجنوب" تهب بين القبلة والمشرق و "الشمال" تقابلها و"الدبور" تهب بين القبلة والمغرب و"الصبا" تقابلها وتسمى "القبول" لأن باب الكعبة يقابله وعادة أبواب العرب إلى مطلع الشمس فتقابلهم ومنه سميت القبلة.
قال ابن منجا في شرحه والرياح التي ذكرها المصنف دلائل أهل العراق.
فأما قبلة الشام: فهي مشرقة عن قبلة العراق فيكون مهب الجنوب لأهل الشام قبلة وهو من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الشتاء و"الشمال" مقابلتها تهب من ظهر المصلى لأن مهبها من القطب إلى مغرب الشمس في الصيف و"الصبا" تهب عن يسرة المتوجه إلى قبلة الشام لأن مهبها من مطلع الشمس في الصيف إلى مطلع العيوق قاله الفراء و"الدبور" مقابلتها.
الثانية : مما يستدل به على القبلة الأنهار الكبار غير المحدودة فكلها بخلقة الأصل تجري من مهب الشمال من يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل إلا نهرا بخراسان ونهرا بالشام عكس ذلك فلهذا سمى الأول "المقلوب" والثاني "العاصي".
وممن قال يستدل بالأنهار الكبار صاحب الهداية والمذهب والمستوعب والمجد في شرحه والرعايتين والحاويين وبن تميم وغيرهم.
ومما يستدل به أيضا على القبلة الجبال فكل جبل له وجه متوجه إلى القبلة يعرفه أهله ومن مر به قال في الفروع: وذلك ضعيف ولهذا لم يذكره جماعة.
ومما يستدل به أيضا على القبلة المجرة في السماء ذكره الأصحاب فتكون ممتدة على كتف المصلي الأيسر إلى القبلة في أول الليل وفي آخره على الكتف الأيمن في الصيف وفي الشتاء تكون أول الليل ممتدة شرقا وغربا على الكتف الأيسر إلى نحو جهة المشرق وفي آخره على الكتف الأيمن قاله غير واحد وقال في الفروع وهذا إنما هو في بعض الصيف.
الثالثة : يستحب أن يتعلم أدلة القبلة والوقت وقال أبو المعالي يتوجه وجوبه وأنه يحتمل عكسه لندرته قال أبو المعالي وغيره فإن دخل الوقت وخفيت القبلة عليه لزمه قولا واحدا لقصر زمنه وقال الزركشي وغيره ويقلد لضيق الوقت لأن القبلة يجوز تركها للضرورة قال في.
الحاوي الصغير: ويلزمه التعلم مع سعة الوقت ومع ضيقه يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات. قال في الرعاية الصغرى فإن أمكن التعلم في الوقت لزمه وقيل بل يصلي أربع صلوات إلى أربع جهات.
قوله : "وإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يتبع أحدهما صاحبه".
إذا اختلف المجتهدان لم يتبع أحدهما الآخر قطعا بحيث إنه ينحرف إلى جهته.
وأما اقتداء أحدهما بالآخر فتارة يكون اختلافهما في جهة بأن يميل أحدهما يمينا والآخر شمالا وتارة يكون في جهتين.
فإن كان اختلافهما في جهة واحدة فالصحيح من المذهب أنه يصح ائتمام أحدهما بالآخر وعليه جماهير الأصحاب حتى قال الشارح وغيره: لا يختلف المذهب في ذلك وفيه وجه لا يجوز أن يأتم أحدهما بالآخر والحالة هذه ذكره القاضي.
وإن كان اختلافهما في جهتين فالصحيح من المذهب: أنه لا يصح اقتداء أحدهما بالآخر نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال المصنف قياس المذهب جواز الاقتداء قال الشارح وهو الصحيح وذكره في الفائق قولا وقال كإمامة لابس جلود الثعالب ولامس ذكره وقد نص فيهما على الصحيح.
قلت: يأتي الخلاف في ذلك أعني: إذا ترك الإمام ركنا أو شرطا معتقدا أنه غير شرط والمأموم يعتقد أنه شرط في باب الإمامة.
وقال الآمدي: إذا اقتدى به صحت صلاة الإمام دون المأموم ثم قال والصحيح بطلان صلاتهما جميعا وقال في الفروع وظاهر كلامهم يصح ائتمامه به إذا لم يعلم حاله.
فائدتان .
الأولى : لو اتفق اجتهادهما فائتم أحدهما بالآخر فمن بان له الخطأ انحرف وأتم وينوي المأموم المفارقة للعذر ويتم ويتبعه من قلده في أصح الوجهين.
الثانية : لو اجتهد أحدهما ولم يجتهد الآخر لم يتبعه عند الإمام أحمد وأكثر.
الأصحاب وقيل: يتبعه إن ضاق الوقت وإلا فلا جزم به في الحاوي وأطلقهما الزركشي.
قوله : "ويتبع الجاهل والأعمى أوثقهما في نفسه".
الصحيح من المذهب: وجوب تقليد الأوثق من المجتهدين في أدلة القبلة للجاهل بأدلة القبلة والأعمى وعليه أكثر الأصحاب قال المجد وغيره هذا ظاهر المذهب وقدم في التبصرة لا يجب واختاره الشارح وغيره فيخير وهو تخريج في الفروع كعامي في الفتيا على أصح الروايتين فيه وقال في الرعاية متى كان أحدهما أعلم والآخر أدين فأيهما أولى فيه وجهان.
فائدتان.
إحداهما: متى أمكن الأعمى الاجتهاد كمعرفته مهب الريح أو بالشمس ونحو ذلك لزمه الاجتهاد ولا يجوز له أن يقلد.
الثانية : لو تساوى عنده اثنان فلا يخلو إما أن يكون اختلافهما في جهة واحدة أو في جهتين فإن كان في جهة واحدة خير في اتباع أيهما شاء وإن كان في جهتين فالصحيح من المذهب: أنه بخير أيضا وعليه الجمهور وقال ابن عقيل يصلي إلى الجهتين.
قوله : "وإذا صلى البصير في حضر فأخطأ أو صلى الأعمى بلا دليل: أعاد".
الصحيح من المذهب: أن البصير إذا صلى في الحضر فأخطأ عليه الإعادة مطلقا وعليه الأصحاب وعنه لا يعيد إذا كان عن اجتهاد احتج أحمد بقضية أهل قباء وتقدم أن ابن الزاغوني حكى رواية أنه يجتهد ولو في الحضر.
تنبيهات.
الأول: مفهوم كلامه: أن البصير إذا صلى في الحضر ولم يخطئ أنه لا يعيد وهو صحيح وهو المذهب وقيل يعيد لأنه ترك فرضه وهو السؤال.
الثاني : ظاهر كلامه: أن مكة والمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كغيرهما في ذلك وهو صحيح وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وصرح به ابن تميم وغيره قال القاضي في التعليق: ومكي كغيره على ظاهر كلامه لأنه قال في رواية صالح: قد تحرى فجعل العلة في الإجزاء وجود التحري وهذا موجود في المكي وعلى أن المكي إذا علم بالخطأ فهو راجع من اجتهاد إلى يقين فينقض اجتهاده كالحاكم إذا اجتهد ثم وجد النص.
وفي الانتصار: لا نسلمه وإلا صح تسليمه.
الثالث : لو كان البصير محبوسا لا يجد من يخبره تحرى وصلى ولا إعادة قاله أبو الحسن التميمي وجزم به في الشرح ويأتي كلام أبي بكر قريبا.
قوله : "فإن لم يجد الأعمى من يقلده صلى وفي الإعادة وجهان".
وهذه الطريقة هي الصحيحة وعليها جماهير الأصحاب وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والكافي والتلخيص والبلغة وبن تميم والرعايتين والحاويين.
أحدهما : لا يعيد لكن يلزمه التحري وهو المذهب جزم به في الوجيز والمنور وصححه في التصحيح والمجد في شرحه وصاحب النظم والحاوي الكبير وقدمه في الفروع والمحرر والمستوعب والفائق وإدراك الغاية.
والثاني : يعيد بكل حال وهو ظاهر كلام الخرقي وجزم به في الإفادات وقال ابن حامد إن أخطأ أعاد وإن أصاب فعلى وجهين وأطلق الأوجه الثلاثة في تجريد العناية والزركشي.
فائدتان.
إحداهما: قد تقدم أنا إذا قلنا لا يعيد لا بد من التحري فلو لم يتحر وصلى أعاد إن أخطأ قولا واحدا وكذا إن أصاب على الصحيح من المذهب وفيه وجه لا يعيد إن أصاب ذكره القاضي في شرحه الصغير.
الثانية : لو تحرى المجتهد أو المقلد فلم يظهر له جهة أو تعذر التحري عليه لكونه في ظلمة أو كان به ما يمنع الاجتهاد أو تفاوتت عنده الأمارات أو لضيق الوقت عن زمن يجتهد فيه صلى ولا إعادة عليه سواء كان أعمى أو بصيرا حضرا أو سفرا وهذا المذهب وعنه يعيد وهو وجه في ابن تميم في المجتهد وقال أبو بكر المحبوس إذا لم يعرف جهة يصلي إليها صلى على حسب حاله ولا يعيد إن كان في دار الحرب وإن كان في دار الإسلام فروايتان وتقدم كلام التميمي والشارح في المحبوس قريبا.
قوله :"ومن صلى بالاجتهاد ثم علم أنه أخطأ القبلة فلا إعادة عليه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب سواء كان خطؤه يقينا أو عن اجتهاد وخرج ابن الزاغوني رواية يعيد من مسألة لو بان الفقير غنيا وفرق بينهما القاضي وغيره وذكر أبو الفرج الشيرازي وغيره أن عليه الإعادة إن بان خطؤه يقينا ولا إعادة إن كان عن اجتهاد وحكى عن أحمد نقله ابن تميم.
وفرق الأصحاب بين القبلة وبين الوقت وبين أخذ الزكاة بأنه يمكنه اليقين في الصلاة والصوم بأن يؤخر وفي الزكاة بأن يدفع إلى الإمام.
قوله : "فإن تغير اجتهاده عمل بالثاني ولم يعد ما صلى بالأول".
اعلم أنه إذا تغير اجتهاده فتارة يكون بعد أن فرغ من الصلاة وتارة يكون وهو فيها فإن كان قد تغير اجتهاده بعد فراغه من الصلاة اجتهد للصلاة قطعا وهي مسألة المصنف وإن كان إنما تغير اجتهاده وهو فيها فالصحيح من المذهب أن يعمل بالثاني ويبني نص عليه الإمام أحمد في رواية الجماعة وعليه جمهور الأصحاب وعنه يبطل وقيل يلزمه جهته الأولة اختاره ابن أبي موسى والآمدي لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد.
فوائد.
إحداها: لو دخل في الصلاة باجتهاد ثم شك لم يلتفت إليه وبنى وكذا إن زال ظنه ولم يبن له الخطأ ولا ظهر له جهة أخرى ولو غلب على ظنه خطأ الجهة التي يصلي إليها ولم يظن جهة غيرها بطلت صلاته على الصحيح من المذهب مطلقا وعليه جمهور الأصحاب وقال أبو المعالي: إن بان له صحة ما كان عليه ولم يطل زمنه استمر وصحت وإن بان له الخطأ فيها بنى.
وقيل: إن أبصر فيها من كان في ظلمة أو كان أعمى فأبصر وفرضه الاجتهاد ولم ير ما يدل على صوابه بطلت وتقدم في كلام المصنف إذا تغير اجتهاده فإن غلب على ظنه خطأ الجهة التي يصلي إليها وظن القبلة في جهة أخرى فإن بان له يقين الخطأ وهو في الصلاة استدار إلى جهة الكعبة وبنى:.
وإن كانوا جماعة قدموا أحدهم ثم بان لهم الخطأ في حال واحدة استداروا وأتموا صلاتهم وإن بان للإمام وحده أو للمأمومين أو لبعضهم استدار من بان له الصواب ونوى بعضهم مفارقة بعض إلا على الوجه الذي قلنا يجوز الائتمام مع اختلاف الجهة.
وإن كان فيهم مقلد تبع من قلده وانحرف بانحرافه.
الثانية : لو أخبر وهو في الصلاة بالخطأ يقينا لزم قبوله وإلا لم يجز وقال جماعة إلا إن كان الثاني يلزمه تقليده فيكون كمن تغير اجتهاده وقدمه في الحاوي الكبير وغيره.
الثالثة : لو صلى من فرضه الاجتهاد بغير اجتهاد ثم بان مصيبا لزمه الإعادة على الصحيح من المذهب: وقيل: لا يلزمه باب النية.
باب النية
.قوله : "وهي الشرط السادس".
الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم أن النية شرط لصحة الصلاة وعنه فرض وهو قول في الفروع ووجه في المذهب وغيره وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب قال في المستوعب وقال القاضي وغيره من أصحابنا شرائطها خمسة فنقصوا منها النية وعدوها ركنا.
وقال الشيخ عبد القادر وهي قبل الصلاة شرط وفيها ركن قال في مجمع البحرين فيلزمهم مثله في بقية الشروط ذكره في أركان الصلاة.
قوله : "ويجب أن ينوي الصلاة بعينها إن كانت معينة وإلا أجزأته نية الصلاة".
الصحيح من المذهب أنه يجب تعيين النية لصلاة الفرض والنفل المعين وهو المشهور والمعمول به عند الأصحاب وقطع به كثير منهم قال الزركشي هذا منصوص أحمد وعامة
الأصحاب في صلاة الفرض وعنه لا يجب التعيين لهما ويحتمله كلام الخرقي وأبطله المجد بما لو كانت عليه صلوات فصلى أربعا ينويها مما عليها فإنه لا يجزئه إجماعا فلولا اشتراط التعيين أجزأه كما في الزكاة فإنه لو كان عليه شياه عن إبل أو غنم أو آصع طعام من عشر وزكاة فطر فأخرج شاة أو صاعا ينويه مما عليه أجزأه لما لم يكن التعيين شرطا انتهى.
قال في الفروع كذا قال قال وظاهر كلام غيره لا فرق وهو متوجه ان لم تصح بينهما فرق انتهى.
وقال في الترغيب يجب التعيين للفرض فلا يجب في نفل معين انتهى.
وقيل متى نوى فرض الوقت أو كانت عليه صلاة لا يعلم هل هي ظهر أو عصر فصلى أربعا ينوي الواجبة عليه من غير تعيين أجزأه وقد أومأ إليه ذكره ابن تميم ويحتمله كلام الخرقي أيضا قاله الزركشي واختاره القاضي.
قوله : "وإلا أجزأته الصلاة".
يعني وإن لم تكن الصلاة معينة مثل النفل المطلق فإنه يجزئ نية الصلاة ولا يجب تعيينها وهذا بلا نزاع أعلمه.
قوله : "وهل يشترط نية القضاء في الفائتة ونية الفرضية في الفرض على وجهين".
عند الأكثر وهما روايتان في الفروع وقال ابن تميم وجهان وقيل روايتان.
أما اشتراط نية القضاء في الفائتة فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في الهداية والمستوعب والهادي والتلخيص والبلغة وشرح المجد والنظم وبن تميم والشرح وشرح ابن منجا والزركشي والحاوي الكبير.
أحدهما : يشترط وهو المذهب اختاره ابن حامد قاله في المحرر وغيره قال في الفروع: وتجب نية القضاء في الفائتة على الأصح وجزم به في مسبوك الذهب والإفادات قال ابن نصر الله في حواشيه: ما قاله في الفروع خلاف المذهب في المسائل الثلاثة وإنما المذهب عدم الوجوب.
والوجه الثاني: لا يشترط صححه في التصحيح والرعاية الكبرى والفائق وبن تميم واختاره في الكافي والشرح وتذكرة ابن عبدوس وجزم به في الوجيز والمنور وقدمه في المحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وإدراك الغاية وتجريد العناية.
فعلى المذهب لو كان عليه ظهران حاضرة وفائتة فصلاهما ثم ذكر أنه ترك شرطا في إحداهما: لا يعلم عينها لزمه ظهران حاضرة ومقضية كما كان عليه ابتداء.
وعلى الوجه الثاني: يجزئه ظهر واحدة ينوي بها ما عليه.
فوائد.
الأولى: لو نوى من عليه ظهران فائتتان ظهرا منها لم يجزه عن إحداهما حتى يعين السابقة لأجل الترتيب وقيل لا يجزيه كصلاتي نذر لأنه مخير هنا في الترتيب كإخراج نصف دينار عن أحد نصابين أو كفارة عن إحدى أيمان حنث فيها قال في الفروع: ويتوجه تخريج واحتمال يعين السابقة.
الثانية : لو ظن أن عليه ظهرا فائتة فقضاها في وقت ظهر اليوم ثم بان أنه لا قضاء عليه لم يجزه عن الحاضرة في أصح الوجهين صححه ابن تميم وقدمه في الفروع وجزم به في الحاوي الكبير وقيل يجزئه قدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في الشرح.
الثالثة : لو نوى ظهر اليوم في وقتها وعليه فائتة لم يجزه عنها على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والشرح وبن رزين وقدمه في الفروع وخرج المصنف ومن تبعه فيها كالتي قبلها وجعلها ابن تميم كالتي قبلها.
وتقدم في آخر شروط الصلاة إذا نسي صلاة من يوم وجهل عينها أو نسي ظهرا وعصرا من يومين.
الرابعة : يصح القضاء بنية الأداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه قاله الأصحاب.
قاله في الفروع: قال المصنف وغيره لا يختلف المذهب في ذلك وقال ابن تميم فلا إعادة وجها واحدا قاله بعض الأصحاب وذكر ابن أبي موسى أن القضاء لا يصح بنية الأداء ولا بالعكس انتهى.
وقال الأصحاب: لا يصح القضاء بنية الأداء وعكسه مع العلم. واما اشتراط نية الفرضية في الفرض فأطلق المصنف فيه الوجهين وأطلقهما في المذهب والتلخيص والبلغة والنظم وبن تميم والشرح والزركشي.
إحداهما : يشترط وهو المذهب اختاره ابن حامد قال في الفروع: وتجب نية الفرضية للفرض على الأصح قال في الخلاصة: وينوي الصلاة الحاضرة فرضا.
والوجه الثاني: لا يشترط وعليه الجمهور قال في الكافي: وقال غير ابن حامد لا يلزمه قال المجد في شرحه وصاحب الحاوي الكبير: وأما نية الفرض للمكتوبة فلا يشترط أداء إلا بنية التعيين عند أكثر أصحابنا وقالا هو أولى وصححه في التصحيح والرعاية الكبرى والفائق وبن تميم وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته [وجزم به في الوجيز والمنور] وقدمه في الهداية والمستوعب والمحرر والرعاية الصغرى والحاوي الصغير وإدراك الغاية وتجريد العناية وبن رزين في شرحه وغيرهم.
قلت: الأولى: أن يكون هذا هو المذهب.
فائدتان.
إحداهما: اشتراط نية الأداء للحاضرة كاشتراط نية الأداء لقضاء الفائتة ونية الفرضية للفرض خلافا ومذهبا.
الثانية : لا يشترط في النية إضافة الفعل إلى الله تعالى في العبادات كلها على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب قال ابن تميم: ولم يشترط أصحابنا في النية إضافة الفعل إلى الله تعالى في سائر العبادات وقال أبو الفرج ابن أبي الفهم الأشبه اشتراطه.
قلت: وجزم به في الفائق.
وقيل: يشترط في الصلاة والصوم ونحوهما دون الطهارة والتيمم.
قوله : "فإن تقدمت قبل ذلك بالزمن اليسير جاز".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وحمل القاضي كلام الخرقي عليه وقال في التبصرة يجوز ما لم يتكلم وقيل يجوز بزمن طويل أيضا ما لم يفسخها نقل أبو طالب وغيره إذا خرج من بيته يريد الصلاة فهو نية أتراه كبر وهو لا ينوي الصلاة وهذا مقتضى كلام الخرقي واختاره الآمدي والشيخ تقي الدين في شرح العمدة وقال الآجري لا يجوز تقديمها مطلقا.
قلت: وفيه حرج ومشقة.
فعلى القول بالتقديم لو تكلم بعدها وقبل التكبير لم تبطل على الصحيح من المذهب وقيل تبطل كما لو كفر.
تنبيه: اشترط الخرقي في التقديم أن يكون بعد دخول الوقت وعليه شرح ابن الزاغوني وغيره وقاله القاضي أبو يعلى وولده أبو الحسن وصاحب المذهب والمستوعب. والرعايتين والحاويين وغيرهم وجزم به في الوجيز وغيره وأكثر الأصحاب لا يشترطون ذلك وهو ظاهر كلام المصنف هنا وغيره قال الزركشي إما لإهمالهم له أو اعتمادا على الغالب.
وظاهر ما قدمه في الفروع لا يشترط ذلك قاله في الفائق بعد حكاية الخلاف قال القاضي وقبل الوقت لا يجوز انتهى.
قلت: المسألة تحتمل وجهين اختيار القاضي وغيره عدم الجواز وظاهر كلام غيرهم الجواز لكن لم أر بالجواز تصريحا.
فائدتان.
إحداهما: يشترط لصحة تقدمها عدم فسخها وبقاء إسلامه قال القاضي.
في التعليق والوسيلة والمجد وصاحب الحاوي وغيرهم أو يشتغل بعمل كثير مثل عمل من سلم عن نقص أو نسي سجود السهو على ما يأتي قاله القاضي في الرعاية أو أعرض عنها بما يلهيه وقطع جماعة أو بتعمد حدث وتقدم كلام صاحب التبصرة.
الثانية : تصح نية الفرض من القاعد على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقال في التلخيص لو نوى فرضا وهو قاعد مع القدرة على القيام لم ينعقد فرضا ولا نفلا وقال في الرعاية الكبرى قلت ويحتمل أن يصير نفلا.
قوله : "فإن قطعها في أثنائها بطلت الصلاة".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وقيل إن نوى قريبا لم تبطل قال في الرعاية الكبرى وهو بعيد.
قوله : "وإن تردد في قطعها فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والمغني والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر والرعايتين والنظم والحاويين وبن تميم والشرح والفائق والزركشي وإدراك الغاية وتجريد العناية والفروع وشرح العمدة للشيخ تقي الدين وغيرهم.
أحدهما : تبطل وهو المذهب اختاره القاضي ونصره الشريف أبو جعفر والمجد في شرحه وصححه في التصحيح وبن نصر الله في حواشي الفروع وجزم به في الوجيز والإفادات والمنتخب.
والوجه الثاني: لا تبطل وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن حامد وجزم به في المنور وقدمه ابن رزين في شرحه.
فائدة : لو عزم على فسخها فهو كما لو تردد في قطعها خلافا ومذهبا على الصحيح وقيل تبطل بالعزم وإن لم تبطل بالتردد وجزم به في الرعاية.
الصغرى والحاوي وقال في الكبرى إن عزم على قطعها أو تردد فأوجه.
الثالث : تبطل مع العزم دون التردد وقال في باب صفة الصلاة وإن قطعها أو عزم على قطعها عاجلا بطلت وإن تردد فيه أو توقف أو نوى أنه سيقطعها أو علق قطعها على شرط فوجهان.
والوجهان أيضا إذا شك هل نوى فعمل معه أي مع الشك عملا ثم ذكر فقال ابن حامد يبني لأن الشك لا يزيل حكم النية فجاز له البناء كما لو لم يحدث عملا.
وقال القاضي تبطل لخلوه عن نية معتبرة وهو ظاهر ما قدمه الشارح.
وقال المجد أيضا إن كان العمل قولا لم تبطل لتعمد زيادته ولا يعتد به وإن كان فعلا بطلت لعدم جوازه كتعمده في غير موضعه.
وقال في مجمع البحرين: إنما قال الأصحاب "عملا" والقراءة ليست عملا على اصلنا ولهذا لو نوى قطع القراءة ولم يقطعها لم تبطل قولا واحدا.
قال الآمدي: وإن قطعها بطلت بقطعة لا بنيته لأن القراءة لا تحتاج إلى نية.
قال في مجمع البحرين: ولو كان عملا لاحتاجت إلى نية كسائر أعمال العبادات.
قال صاحب الفروع وما ذكره الناظم خلاف كلام الأصحاب والقراءة عبادة تعتبر لها النية قال الأصحاب وكذا شكه هل أحرم بظهر أو عصر وذكر فيها يعني هل تبطل أو لا.
وقيل: يتمها نفلا كما لو أحرم بفرض فبان قبل وقته وهو احتمال في المغني والشرح كشكه هل أحرم بفرض أو نفل فإن الإمام أحمد سئل عن إمام صلى بقوم العصر فظنها الظهر فطول القراءة ثم ذكر فقال يعيد وإعادتهم على اقتداء مفترض بمتنفل.
قال المصنف والمجد والشارح: وإن شك هل نوى فرضا أو نفلا أتمها.
نفلا إلا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا فيتمها فرضا وإن ذكره بعد أن أحدث عملا خرج فيه الوجهان انتهى.
قال المجد: والصحيح بطلان فرضه.
قال في الفروع: إن أحرم بفرض رباعية ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة أو فجرا أو التراويح ثم ذكر بطل فرضه ولم يبن نص عليه كما لو كان عالما.
قال ويتوجه احتمال وتخريج يبني كظنه تمام ما أحرم به.
وقال الشيخ تقي الدين يحرم خروجه بشكه في النية للعلم بأنه ما دخل إلا بالنية وكشكه هل أحدث أم لا.
قوله : "فإن أحرم بفرض فبان قبل وقته انقلب نفلا".
هذا المذهب وعليه الأصحاب لبقاء أصل النية وعنه لا تنعقد لأنه لم ينوه.
قال ابن تميم وخرج الآمدي رواية أنها لا تنعقد أصلا واختاره بعض أصحابنا كما لو أحرم به قبل وقته عالما بذلك على الصحيح من الوجهين.
فائدة : مثل هذه لو أحرم بفائتة فلم تكن عليه أو أحرم قبل وقته مع علمه فالأشبه أنها لا تنعقد قاله ابن تميم.
قوله : "وإن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلا جاز".
إذا أحرم بفرض في وقته ثم قلبه نفلا فتارة يكون لغرض صحيح وتارة يكون لغير ذلك فإن كان لغير غرض صحيح فالصحيح من المذهب أنه يصح مع الكراهة جزم به في الوجيز وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والشرح والنظم والرعايتين وإدراك الغاية والحاويين ويحتمل أن لا يجوز ولا يصح وهو رواية ذكرها في الفروع.
قال القاضي في موضع: لا تصح رواية واحدة وقال في الجامع يخرج على روايتين. وأطلقهما ابن تميم والفروع.
وأما إذا قلبه نفلا لغرض صحيح مثل أن يحرم منفردا ثم يريد الصلاة في جماعة: فالصحيح من المذهب أنه يجوز وتصح وعليه الأصحاب وأكثرهم جزم به ولو صلى ثلاثة من أربعة أو ركعتين من المغرب وعنه لا تصح ذكرها القاضي ومن بعده لكن قال المجد في شرحه على المذهب: إن كانت فجرا أتمها فريضة لأنه وقت نهي عن النفل فعلى المذهب هل فعله أفضل أم تركه فيه روايتان وأطلقهما في الفروع وبن تميم.
قلت: الصواب أن الأفضل فعله ولو قيل بوجوبه إذا قلنا بوجوب الجماعة لكان أولى وقدم في الرعاية الكبرى الجواز من غير فضيلة.
تنبيهان .
أحدهما : في قول المصنف وإن انتقل من فرض إلى فرض بطلت الصلاتان تساهل إذ الثانية: لم يدخل فيها حتى تبطل بل لم تنعقد بالكلية.
الثاني : قال في الفروع: وإن انتقل من فرض إلى فرض بطل فرضه والمراد ولم ينو الثاني من أوله بتكبيرة الإحرام والأصح الثاني.
فائدة : إذا بطل الفرض الذي انتقل منه ففي صحة نفله الخلاف المتقدم فيمن أحرم به في وقته ثم قلبه نفلا على ما تقدم وكذا حكم ما يفسد الفرض فقط إذا وجد فيه كترك القيام والصلاة في الكعبة والائتمام بمتنفل إذا قلنا لا يصح الفرض والائتمام بصبي إن اعتقد جوازه صح نفلا في الصحيح من المذهب وإلا فالخلاف وهي فائدة حسنة.
قوله : "ومن شرط الجماعة أن ينوي الإمام والمأموم حالهما".
أما المأموم فيشترط أن ينوي حاله بلا نزاع وكذا الإمام على الصحيح من المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من.
المفردات وعنه لا يشترط نية الإمامة في الإمام في سوى الجمعة وعنه يشترط أن ينوي الإمام حاله في الفرض دون النفل.
وقيل: إن كان المأموم امرأة لم يصح ائتمامها به حتى ينويه لأن صلاته تفسد إذا وقفت بجنبه ونحن نمنعه ولو سلم فالمأموم مثله ولا ينوي كونها معه في الجماعة فلا عبرة بالفرق وعلى هذا لو نوى الإمامة برجل صح ائتمام المرأة به وإن لم ينوها كالعكس.
وعلى رواية عدم اشتراط نية الإمامة لو صلى منفردا وصلي خلفه ونوى من صلى خلفه الائتمام صح وحصلت فضيلة الجماعة فيعايى بها فيقال مقتد ومقتدى به حصلت فضيلة الجماعة للمقتدى دون المقتدى به لأن المقتدى به نوى منفردا ولم ينو الإمامة والمقتدى نوى الاقتداء وقد صححناه على هذه الرواية وعند أبي الفرج ينوي المنفرد حاله.
فائدتان .
إحداهما : لو اعتقد كل واحد منهما أنه إمام الآخر أو مأمومه لم تصح مطلقا على الصحيح من المذهب نص عليهما.
وقيل: تصح فرادى في المسألتين وهو من المفردات.
وقيل تصح فرادى إذا نوى كل واحد منهما أنه مأموم الآخر فقط جزم به في الفصول وقال ابن تميم: وفيه وجه إذا اعتقد كل واحد أنه إمام الآخر فصلاتهما صحيحة وإن لم تعتبر نية الإمام صحت الصلاة فرادى فيما إذا نوى كل واحد منهما أنه إمام الآخر وكذا إذا نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كامرأة تؤم رجلا لا تصح صلاة الإمام في الأشهر وهو من المفردات وقيل تصح وكذا الحكم إن ام أمي قارئا.
الثانية : لو شك في كونه إماما أو مأموما لم تصح لعدم الجزم بالنية وقال القاضي في المجرد لا تصح أيضا ولو كان الشك بعد الفراغ.
قوله : "فإن أحرم منفردا ثم نوى الائتمام لم يصح في أصح الروايتين".
وكذا في الهداية وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر وبن تميم وغيرهم وصححه الشارح وغيره.
والثانية : وتصح ويكره على الصحيح وأطلقهما في الكافي والرعاية الصغرى والحاويين وقال ابن تميم وعنه يصح وفي الكراهة روايتان فعلى هذه الرواية متى فرغ قبل إمامه فارقه وسلم نص عليه وإن انتظره ليسلم معه جاز.
قوله "وإن نوى الإمامة صح في النفل".
يعني إذا أحرم منفردا ثم نوى الإمامة فإنه يصح في النفل وهذا إحدى الروايتين نص عليه واختاره المصنف والشيخ تقي الدين والمجد في شرحه وجزم به في الشرح والوجيز والإفادات وشرح ابن منجا قال في الفروع: وهو المنصوص وعنه لا يصح وهو المذهب وعليه الجمهور قال في الفروع: اختاره الأكثر قال المجد اختاره القاضي وأكثر أصحابنا وقدمه في الفروع والهداية والمجد في شرحه وهو من المفردات وأطلقهما في الرعايتين والحاويين وبن تميم.
قوله " "ولم تصح في الفرض".
وهو المذهب وعليه الجمهور قال في الفروع والمجد: اختاره الأكثر.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والشرح والمجد في شرحه وغيرهم وهو من المفردات.
قال المصنف ويحتمل أن يصح وهو أصح عندي.
وهو رواية عن أحمد واختاره المصنف والشيخ تقي الدين وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والكافي وبن تميم وقال ابن عقيل في موضع يصح في حق من له عادة بالإمامة قال في الرعاية الكبرى: وإن نوى المنفرد المفترض إمامة من لحقه قبل ركوعه فوجهان في الصحة وقيل روايتان وعنه يصح في النفل فقط نص عليه وعنه إن رضي المفترض مجيء من يصلي معه أول ركعة فجاء وركع معه صح نص عليه وإلا فلا يصح وقيل إن صلى وحده ركعة لم يصح وإن أدركه أحد قبل ركوعه فروايتان وقيل إن لم يركع معه أحد وإلا صلى وحده وقيل يصح ذلك ممن عادته الإمامة انتهى.
فوائد.
الأولى : لو نوى الإمامة ظانا حضور مأموم صح وإن شك لم يصح فلو ظن حضوره فلم يحضر أو أحرم بحاضر فانصرف قبل إحرامه أو عين إماما أو مأموما وقيل إن ظنهما وقلنا لا يجب تعيينهما في الأصح فأخطأ فالصحيح من المذهب أنه لا يصح وقيل يصح منفردا كانصراف الحاضر بعد دخوله معه قال بعض الأصحاب وإن عين جنازة فأخطأ فوجهان.
قال الشيخ تقي الدين إن عين وقصده خلف من حضر وعلى من حضر صح وإلا فلا.
الثانية : إذا بطلت صلاة المأموم أتمها إمامه منفردا لأنها لا هي منها ولا متعلقة بها بدليل السهو وعلمه بحدثه وعنه تبطل.وذكرها المصنف في المغني قياس المذهب.
الثالثة : تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر أو غيره على الصحيح.
من المذهب وعليه الجمهور قال في الفروع والمجد في شرحه: اختاره الأكثر وعنه لا تبطل صححه ابن تميم فعليها يتمونها فرادى وقدمه في الفروع وقال والأشهر أو جماعة وكذا جماعتين.
وقال القاضي تبطل بترك فرض من الإمام وفي منهي عنه كحدث عنه روايتان.
وقال المصنف تبطل بترك شرط من الإمام أو ركن أو تعمد مفسد وإلا فلا على أصح الروايتين.
قوله : "فإن أحرم مأموما ثم نوى الانفراد لعذر جاز".
بلا نزاع لكن استثنى ابن عقيل في الفصول مسألة وصورتها: ما إذا كان الإمام يعجل في