كتاب : الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد
بن حنبل
المؤلف : علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي
الصالحي
والثاني يبطل الرهن اختاره أبو الخطاب وقدمه في الخلاصة وصححه في تصحيح المحرر وهو ظاهر ما جزم به المصنف هنا وجزم به الشارح.
قلت وهو المذهب.
قوله: "أو بشرط أن يجعل دينه من ثمنه".
إذا باعه بإذنه بشرط أن يعجل له دينه المؤجل من ثمنه صح البيع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والبلغة والمغنى والشرح وشرح ابن منجا.
وقيل لا يصح البيع والرهن بحاله قدمه في المحرر والرعايتين والحاويين والفائق واختاره ابن عبدوس في تذكرته وعزاه المجد في شرحه إلى القاضي في رؤوس المسائل قال ونصره قال وهو أصح عندي.
قال شارح المحرر ولم أجد أحدا من الأصحاب وافق المصنف على ما حكاه هنا.
قال في الفروع وكل شرط لم يقتضه العقد فهو فاسد وفي العقد روايتا البيع انتهى.
وأما شرط التعجيل فيلغو قولا واحدا قاله في المحرر وغيره.
وقال في الهداية والمذهب والخلاصة وغيرهم يصح الشرط وجزم به الشارح.
فعلى المذهب هل يكون الثمن رهنا فيه وجهان واطلقهما في التلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق والنظم.
أحدهما يكون رهنا.
قلت وهو أولى ثم وجدته صححه في تصحيح المحرر وقال قال المصنف في شرحه يعنى به المجد يصح البيع ويلغو شرط التعجيل لكنه يفيد بقاء كونه رهنا وعلى هذا يحمل كلام أبي الخطاب انتهى.
والثاني لا يكون رهنا.
قال شارح المحرر الوجهان هنا كالوجهين في المسألة السابقة انتهى.
فيكون الصحيح لا يكون رهنا.
قوله: "ونماء الرهن وكسبه من الرهن".
وهذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وحزم به كثير منهم.
وفي الصوف واللبن وورق الشجر المقصود وجه في المحرر والفصول أنه ليس من الرهن.
قال في القواعد وهو جيد.
وقال في الفائق والمختار عدم تبعية كسب الرهن ونمائه وأرش الجناية عليه انتهى.
وكون الكسب من الرهن من مفردات المذهب.
قوله: "وأرش الجناية عليه من الرهن".
سواء كانت الجناية عليه عمدا أو خطأ لكن إن كانت عمدا فهل لسيده القصاص أم لا؟ وإذا قبض فهل عليه القيمة أم لا يلزمه شيء يأتي ذلك كله في كلام المصنف في آخر الباب.
فوائد
أحدها قوله: "ومؤنته على الراهن وكفنه إن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزونا".
بلا نزاع لكن إن تعذر الأخذ من الراهن بيع بقدر الحاجة فإن خيف استغراقه بيع كله
الثانية قوله: "وهو أمانة في يد المرتهن".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولو قيل العقد نقله ابن منصور كبعد الوفاء.
ونقل أبو طالب إذا ضاع الرهن عند المرتهن لزمه.
وظاهره لزوم الضمان مطلقا.
وتأوله القاضي على التعدي وهو الصواب.
وأبى ذلك ابن عقيل جريا على الظاهر قاله الزركشي وغيره.
وإن تعدى فيه فحكمه حكم الوديعة على ما يأتي لكن في بقاء الرهنية وجهان لأنها لا تجمع أمانة واستيثاقا وأطلقهما في الفروع.
قلت ظاهر كلام المصنف والشارح وكثير من الأصحاب بقاء الرهنية وهو الصواب ثم وجدته قال في القواعد لو تعدى المرتهن فيه زال ائتمانه وبقي مضمونا عليه ولم تبطل توثقته.
وحكى ابن عقيل في نظرياته احتمالا يبطلان الرهن وفيه بعد لأنه عقد لازم وحق المرتهن على الراهن انتهى.
الثالثة قوله: "وإن تلف بغير تعدي منه فلا شيء عليه".
بلا نزاع وكذا لو تلف عند العدل ويقبل قوله.
وإن ادعى تلفه بحادث ظاهر وشهدت بينة بالحادث قبل قوله فيه أيضا.
الرابعة قوله: "ولا يسقط بهلاكه شيء من الدين".
بلا نزاع نص عليه كدفع عبد يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه فيتلف وكحبس عين موجودة بعد الفسخ على الأجرة فتتلف فلا يسقط ما عليه بسبب ذلك بخلاف حبس البائع المبيع المتميز على ثمنه فإنه يسقط بتلفه على إحدى الروايتين لأنه عوض والرهن ليس بعوض الدين.
قوله: "وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين".
بلا نزاع في الجملة.
لكن لو رهن شيئين بحق فتلف أحدهما فالأخر رهن بجميع الحق على الصحيح من المذهب وقدمه في الرعايتين والحاويين وغيرهم.
وقيل بل يقسطه.
قال في الرعاية الكبرى سواء اتحد الراهن والمرتهن أو تعدد أحدهما.
قوله: "ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين".
بلا نزاع حتى لو قضى أحد الوارثين ما يخصه من دين برهن.
قوله: "وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمغنى والشرح وغيرهم.
وقيل لا ينفك.
قال أبو الخطاب فيمن رهن عبده عند رجلين فوفى أحدهما يبقى جميعه رهنا عند الأخر قال المصنف والشارح وكلامه محمول على أنه ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه من الضرر لا بمعنى أن العين كلها تكون رهنا إذ لا يجوز أن يقال إنه رهن نصف العبد عند رجل فصار جميعه رهنا انتهى.
والمسألة التي ذكرها وهي ما إذا رهن جزءا مشاعا وكان في المقاسمة ضرر على المرتهن بمعنى أنه ينقص قيمة الثاني فإنه يمنع الراهن من قسمته ويقر جميعه بيد المرتهن البعض رهن والبعض أمانة.
قوله: "وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما انفك في نصيبه".
هذا المذهب أيضا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا ينفك ونقله مهنا.
قال في القاعدة الثالثة عشر بعد المائة إذا رهن اثنان عينين أو عينا لهما صفقة واحدة على دين له عليهما مثل أن يرهناه دارا لهما على ألف درهم له عليهما نص الإمام أحمد رحمه الله في رواية مهنا على أن أحدهما إذا قضى ما عليه ولم يقض الآخر أن الدار رهن على ما بقي.
وظاهر هذا أنه جعل نصيب كل واحد رهنا بجميع الحق توزيعا للمفرد على الجملة لا على المفرد.
وبذلك جزم أبو بكر في التنبيه وابن أبي موسى وأبو الخطاب وهو المذهب عند صاحب التلخيص.
قال القاضي هذا بناء على الرواية التي تقول إن عقد الاثنين مع الواحد في حكم الصفقة الواحدة.
أما إذا قلنا بالمذهب الصحيح إنها في حكم عقدين كان نصيب كل واحد مرهونا بنصف الدين انتهى.
فائدة لو قضى بعض دينه أو أبرئ منه وببعضه رهن أو كفيل كان عما نواه الدافع أو المشتري من القسمين والقول قوله في النية بلا نزاع.
فإن أطلق ولم ينو شيئا صرفه إلى أيهما شاء على الصحيح من المذهب.
قدمه في الفروع والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
وقطع به في المغنى والشرح.
وقيل يوزع بينهما بالحصص وهو احتمال في المحرر.
قوله: "وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه ووفى الدين".
بلا نزاع لكن لو باعه العدل اشترط إذن المرتهن ولا يحتاج إلى تجديد إذن الراهن على الصحيح من المذهب وقيل بلى.
فائدة يجوز إذن العدل أو المرتهن ببيع قيمة الرهن كأصله بالإذن الأول على الصحيح من المذهب اختاره القاضي واقتصر عليه في المغنى والشرح وجزم به ابن رزين في شرحه وغيرهم.
وقيل لا يصح إلا بأذن متجدد وأطلقهما في الفروع.
قوله: "وإلا رفع الأمر إلى الحاكم".
يعني إذا امتنع الراهن من وفاء الدين ولم يكن أذن في بيعه أو كان أذن فيه ثم عزله.
وقلنا يصح عزله وهو الصحيح على ما يأتي قريبا في كلام المصنف فإن الأمر يرفع إلى الحاكم فيجبره على وفاء دينه أو بيع الرهن وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
ومن الأصحاب من قال الحاكم مخير إن شاء أجبره على البيع وإن شاء باعه عليه وجزم به في المغنى والشرح.
قوله: "فإن لم يفعل باعه الحاكم عليه وقضى دينه".
قال الأصحاب فإن امتنع من الوفاء أو من الإذن في البيع حبسه الحاكم أو عزره فإن أصر باعه ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله.
قوله: "وإن شرط في الرهن جعله على يد عدل صح وقام قبضه مقام قبض المرتهن".
بلا نزاع.
ظاهر كلامه أنه لا تصح استنابة المرتهن للراهن في القبض وهو كذلك صرح به في التلخيص.
وعبده وأم ولده كهو لكن يصح استنابة مكاتبه وعبده المأذون له في أصح الوجهين.
وفي الآخر لا يصح إلا أن يكون عليه دين وفي الآخر لا يصح إلا أن يكون عليه دين.
قوله: "وإن أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد البلد فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين فإن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح".
إذا أذنا للعدل أو أذن الراهن للمرتهن في البيع فلا يخلو إما أن يعين نقدا أو يطلق فإن عين نقدا لم يجز بيعه بما يخالفه.
وإن أطلق فلا يخلو إما أن يكون في البلد نقد واحد أو أكثر فإن كان في البلد نقد واحد باع به وإن كان فيه أكثر فلا يخلو إما أن تتساوى أولا فإن لم تتساو باع بأغلب نقود البلد بلا نزاع.
وظاهر كلام المصنف ها هنا أنه يبيع بجنس الدين مع عدم التساوي.
قال ابن منجا في شرحه فيجب حمل كلامه على ما إذا كانت النقود متساوية انتهى.
وإن تساوت النقود باع بجنس الدين على الصحيح من المذهب وهو الذي قطع به المصنف هنا وجزم به في المحرر والوجيز والفائق والهداية والمذهب والخلاصة وتذكرة ابن عبدس والرعاية الصغرى والحاوي وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل يبيع بما يرى أنه أحظ اختاره القاضي واقتصر عليه في المغنى.
قلت وهو الصواب.
وأطلقهما في الشرح والفروع.
فعلى المذهب إن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح بلا نزاع.
فإن تساوت عنده في ذلك عين الحاكم له ما يبيعه به.
فوائد
إحداها لو اختلف الراهن والمرتهن على العدل في تعيين النقد لم يسمع قول واحد منهما ويرفع الأمر إلى الحاكم فيأمره ببيعه بنقد البلد سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أولا.
قال المصنف والأولى أنه يبيعه بما يرى الحظ فيه.
قلت وهو الصواب.
الثانية لا يبيع الوكيل هنا نساء قولا واحدا عند الجمهور وذكر القاضي رواية يجوز بناء على الموكل ورد.
الثالثة إذا باع العدل بدون المثل عالما بذلك فقال المصنف في المغنى لا يصح بيعه لكنه علله بمخالفته وهو منتقض بالوكيل ولهذا ألحقه القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول ببيع الوكيل فصححاه وضمناه النقص ذكره في القاعدة الخامسة والأربعين.
قال الشارح قال شيخنا لم يصح وقال أصحابنا يصح ويضمن للنقص كله وهو المذهب على ما يأتي في الوكالة.
قوله: "وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن".
إذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن وأنكر فلا يخلو إما أن يدفعه ببينة أو بحضرة الراهن أولا فإن دفعه ببينة وسواء كانت حاضرة أو غائبة حية أو ميتة قبل قوله عليهما.
وكذا لو كان بحضرة الراهن يقبل قوله على الصحيح من المذهب.
وقيل لا ينبغي الضمان إذا دفعه إليه بحضرة الراهن اعتمادا على أن الساكت لا ينسب إليه قول عليهما في تسليمه وقدمه في الرعايتين والفروع والفائق والخلاصة.
وقيل يصدق العدل مع يمينه على راهنه ولا يصدق على المرتهن اختاره القاضي قاله في المغنى والشرح واختاره أبو الخطاب في الهداية وقيل يصدق عليهما في حق نفسه اختاره القاضي قاله في الهداية وغيره واختاره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في رؤوس مسائلها قاله في المغنى.
قال في الشرح ذكره الشريف أبو جعفر وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب.
والتلخيص والحاويين وغيرهم.
وأطلق الأخر في المغنى والكافي والشرح.
فعلى المذهب يحلف المرتهن ويرجع على أيهما شاء.
فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن وإن رجع على الراهن رجع على العدل قاله في الرعاية الكبرى.
قال في الفروع فيرجع على راهنه وعلى العدل.
وقال في الهداية والمستوعب والتلخيص وغيرهم يرجع على الراهن والراهن يرجع على العدل انتهوا.
وعلى الوجه الثاني إذا حلف المرتهن رجع على من شاء منهما فإن رجع على العدل لم يرجع على الراهن لأنه يقول ظلمني وأخذ مني بغير حق قاله المصنف في المغني والشارح وإن رجع على الراهن فعنه يرجع على العدل أيضا لأنه مفرط على الصحيح قدمه في الكافي.
وعنه لا يرجع عليه لأنه امين في حقه سواء صدقه أو كذبه إلا أن يكون أمره بالإشهاد فلم يشهد وأطلقهما في المغني والشرح.
وعلى الثالث يقبل قوله مع يمينه على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في نفي الضمان عن غيره فيرجع على الراهن وحده.
تنبيه قوله: "وكذلك الوكيل".
يأتي حكم الوكيل في كلام المصنف في باب الوكالة فيما إذا وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد.
قوله: "فإن عزلهما صح عزله".
هذا المذهب نص عليه وعليه جمهور الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل لا يصح وهو توجيه لصاحب الإرشاد سدا لذريعة الحيلة لأن فيه تغريرا بالمرتهن فيعايي بها على هذا القول.
قال في القاعدة الستين ويتخرج وجه ثالث بالفرق بين أن يوجد حاكم يأمر بالبيع اولا من مسألة الوصية انتهى.
قوله: "وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن جاءه بحقه في محله وإلا فالرهن له لم يصح الشرط بلا نزاع وفي صحة الرهن روايتان.
واعلم أن كل شرط وافق مقتضى العقد إذا وجد لم يؤثر في العقد وإن لم يقتضه العقد.
كالمحرم والمجهول والمعدوم وما لا يقدر على تسليمه ونحوه أو نافي العقد كعدم بيعه عند الحلول أو إن جاء بحقه في محله وإلا فالرهن له فالشرط فاسد.
وفي صحة الرهن روايتان كالبيع إذا اقترن بشرط فاسد وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والهادي والتلخيص والحاويين والفائق.
إحداهما لا يصح صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في المغنى والشرح فيما إذا شرط ما ينافيه ونصراه.
والثانية يصح وهو المذهب نصره أبو الخطاب في رؤوس المسائل فيما إذا شرط ما ينافيه وجزم به ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الرعايتين.
قال في الفروع وكل شرط وافق مقتضاه لم يؤثر وإن لم يقتضه أو نافاه نحو كون منافعه له وإن جاءه بحقه في محله وإلا فهو له أو لا يقتضيه فهو فاسد وفي العقد رواية البيع.
وقد تقدم في شروط البيع أنه لو شرط ما ينافي مقتضاه أنه يصح على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع.
فيكون هذا كله كذلك.
وقيل ما ينقص بفساده حق المرتهن يبطله وجها واحدا وما لا ينقص به فيه الروايتان.
وقيل إن سقط دين الرهن فسد وإلا فالروايتان إلا جعل الأمة في يد أجنبي عزب لأنه لا ضرر.
وفي الفصول احتمال يبطل فيه أيضا بخلاف البيع لأنه القياس.
وقال في الفائق وقال شيخنا لا يفسد الثاني وإن لم يأته صار له وفعله الإمام.
قلت فعليه غلق الرهن استحقاق المرتهن له بوضع العقد لا بالشرط كما لو باعه منه انتهى قال في الفروع بعد أن نقل كلامه في الفصول ثم إذا بطل وكان في بيع ففي بطلانه لأخذه حظا من الثمن أم لا لانفراده عنه كمهر في نكاح احتمالان انتهى.
قوله: "وإذا اختلفا في قدر الدين أو الرهن أو رده أو قال أقبضتك عصيرا قال بل خمرا فالقول قول الراهن".
أما إذا اختلفا في قدر الدين الذي وقع الرهن به نحو أن يقول رهنتك عبدي بألف فيقول المرتهن بل بألفين فالقول قول الراهن على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله القول قول المرتهن ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن
وهو قول مالك والحسن وقتادة.
فعلى المذهب يقبل قول الراهن في قدر ما رهنه سواء اتفقا على أنه رهن بجميع الدين أو اختلفا.
فلو اتفقا على قدر الدين فقال الراهن رهنتك ببعضه فقال المرتهن بل بكله فالقول قول الراهن.
ولو اتفقا على أنه رهن بأحد الألفين فقال الراهن بل بالمؤجل منهما وقال المرتهن بل بالحال فالقول قول الراهن أيضا.
وأما إذا اختلفا في قدر الرهن نحو قوله: "رهنتك هذا فقال المرتهن وهذا أيضا فالقول قول الراهن على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه يتحالفان في المشروط.
وذكر أبو محمد الجوزي يقبل قول المدعي منهما.
فائدة لو قال رهنتك على هذا قال بل هذا قبل قول الراهن.
وأما إذا اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في القواعد هذا المشهور وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
وقال أبو الخطاب وأبو الحسين يخرج فيه وجه آخر بقبول قول المرتهن بناء على المضارب والوكيل بجعل فإن فيهما وجهين.
وخرج هذا الوجه المصنف أيضا في هذا الكتاب في باب الوكالة بعد قوله: "وإن اختلفا في رده إلى الموكل" حيث قال: "وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن" وأطلقهما في أصل المسألة في الرعايتين والحاويين والفائق.
فوائد
الأولى لو ادعى المرتهن أنه قبضه منه قبل قوله إن كان بيده فلو قال رهنته فقال الراهن بل غصبته أو هو وديعة عندك أو عارية فهل القول قول المرتهن أو الراهن فيه وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى وأطلقهما في الفائق في الغصب.
أحدهما القول قول الراهن جزم به في الحاويين وجزم به في الرعاية الصغرى في الوديعة والعارية وقدمه في الغصب وقدمه في الفائق في الوديعة والعارية وجزم به في المغنى والشرح في العارية والغصب.
وقيل القول قول المرتهن.
قال في التلخيص الأقوى قول المرتهن في أنه رهن وليس بغصب.
الثانية لو قال أرسلت وكيلك فرهن عندي هذا على ألفين قبضتهما مني فقال ما أذنت له إلا في رهنه بألف فإن صدق الرسول الراهن حلف ما رهنه إلا بألف ولا قبض غيره ولا يمين على الراهن وإن صدق المرتهن حلف الراهن وعلى الرسول ألف ويبقى الرهن بألف
الثالثة لو قال رهنتك عبدي الذي بيدي بألف فقال بل بعتني هو بها أو قال بعتك هو بها فقال بل رهنني هو بها حلف كل منهما على نفي ما ادعى عليه ويسقط ويأخذ الراهن رهنه وتبقى الألف بلا رهن.
الرابعة لو قال رهنته عندك بألف قبضتها منك وقال من هو بيده بل بعتني هو بها صدق ربه مع عدم بينة يقول خصمه فلا رهن وتبقى الألف بلا رهن.
الخامسة من طلب منه الرد وقبل قوله فهل له تأخيره ليشهد فيه وجهان إن حلف وإلا فلا وفي الحلف احتمال وأطلقهما في الفروع.
قال في الرعاية الكبرى في الوكالة وكل أمين يقبل قوله في الرد وطلب منه فهل له تأخيره حتى يشهد عليه فيه وجهان إن قلنا يحلف وإلا لم يؤخره لذلك وفيه احتمال انتهى.
وأطلق الوجهين في الرعاية الصغرى والحاويين.
وقطع المصنف والشارح ليس له التأخير ذكراه في آخر الوكالة.
وكذا مستعير ونحوه لا حجة عليه وقدم في الرعاية الكبرى أنه لا يؤخره.
ثم قال قلت بلى.
وقطع بالأول في الرعاية الصغرى والحاويين والمصنف والشارح.
وإن كان عليه حجة أخرى كدين بحجة ذكره الأصحاب ولا يلزم دفع الوثيقة بل الإشهاد بأخذه.
قال في الترغيب ولا يجوز للحاكم إلزامه لأنه ربما خرج ما قبضه مستحقا فيحتاج إلى حجة بحقه.
وكذا الحكم في تسليم بائع كتاب ابتياعه إلى مشتر.
وذكر الأزجي لا يلزمه دفعه حتى يزيل الوثيقة ولا يلزم رب الحق الاحتياط بالاشهاد.
وعنه في الوديعة يدفعها ببينة إذا قبضها ببينه.
قال القاضي ليس هذا للوجوب كالرهن والضمين والإشهاد في البيع.
قال ابن عقيل حمله على ظاهره للوجوب أشبه.
وأكثر الأصحاب ذكروا هذه المسألة في أواخر الوكالة.
وأما إذا قال الراهن أقبضتك عصيرا قال المرتهن بل خمرا ومراده إذا شرط الرهن في البيع صرح به الأصحاب منهم المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
فالصحيح من المذهب أن القول قول الراهن وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه.
وعنه القول قول المرتهن وجعلها القاضي كالحلف في حدوث العيب.
قوله: "وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق وأخذت منه قيمته رهنا".
اعلم أن حكم إقرار الراهن بعتق العبد المرهون إذا كذبه المرتهن حكم مباشرته لعتقه حالة الرهن خلافا ومذهبا كما تقدم فليراجع هذا الصحيح من المذهب.
وقيل إن أقر بالعتق بطل الرهن مجانا ويحلف على البت.
وقال ابن رزين في نهايته وتبعه ناظمها وإن أقر الراهن بعتقه قبل رهنه قبل على نفسه لا المرتهن.
وقيل يقبل من الموسر عليه.
قوله: "وإن أقر أنه كان جنى".
قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن إلا أن يصدقه.
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل يقبل إقرار الراهن على المرتهن أيضا لأنه غير متهم ويحلف له.
فعلى المذهب يلزم المرتهن اليمين أنه ما يعلم ذلك فإن نكل قضى عليه.
قوله: "أو أقر أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن إلا أن يصدقه".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل حكمه حكم الإقرار بالعتق على ما تقدم.
فيأتي هنا وجه أن الرهن يبطل مجانا.
وقال ابن رزين في نهايته وناظمها هنا كما قال في الإقرار بالعتق وجعلا الحكم واحدا.
فائدة لو أقر الراهن بالوطء بعد لزوم الرهن قبل في حقه ولم يقبل في حق المرتهن.
على الصحيح من المذهب ويحتمل أن يقبل في حق المرتهن أيضا.
قوله: "وإذا كان الرهن مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحريا للعدل في ذلك".
وهذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب ونص عليه في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم وجزم به في الوجيز والمحرر والخرقي والعمدة والمنور وغيرهم وقدمه في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
قال الناظم وهو أولى.
قال الزركشي هذه المشهورة والمعمول بها في المذهب وهو من مفردات المذهب وعنه لا يجوز.
نقل ابن منصور فيمن ارتهن دابة فعلفها بغير إذن صاحبها فالعلف على المرتهن من أمره أن يعلف.
وهذه الرواية ظاهر ما أورده ابن أبي موسى.
تنبيه ظاهر كلام المصنف أنه لا فرق بين حضور الراهن وغيبته وامتناعه وعدمه وهو صحيح وهو المذهب وجزم به في المغنى والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم وهو ظاهر كلام الخرقي وابي الخطاب والمجد وغيرهم.
وذكر جماعة يجوز ذلك مع غيبة الراهن فقط منهم القاضي في الجامع الصغير وأبو الخطاب في خلافه وصاحب التلخيص والحاويين.
زاد في الرعايتين أو منعها.
وشرط أبو بكر في التنبيه امتناع الراهن من النفقة.
وحمل ابن هبيرة في الإفصاح كلام الخرقي على ذلك.
وقال ابن عقيل في التذكرة إذا لم يترك راهنه نفقته فعل ذلك.
تنبيهان
أحدهما قد يقال دخل في قوله: "أو محلوبا الأمة المرضعة وهو أحد الوجهين جزم به الزركشي وصححه في الرعاية الكبرى وأشار إليه أبو بكر في التنبيه.
وقيل لا تدخل وهما روايتان مطلقتان في الرعاية الصغرى.
الثاني ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا يجوز للمرتهن أن يتصرف في غير المركوب والمحلوب وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو من المفردات.
قال المصنف والشارح ليس للمرتهن أن ينفق على العبد والأمة ويستخدمهما بقدر النفقة على ظاهر المذهب ذكره الخرقي ونص عليه في رواية الأثرم.
قال الزركشي هذا أشهر الروايتين.
ونقل حنبل له أن يستخدم العبد وجزم به ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الفائق وصححه في الرعاية الكبرى.
لكن قال أبو بكر خالف حنبل الجماعة وأطلقهما في المحرر وشرحه والرعاية الصغرى والحاويين.
فائدتان
إحداهما إن فضل من اللبن فضلة باعة إن كان مأذونا له فيه وإلا باعه الحاكم وإن فضل من النفقة شيء رجع به على الراهن قاله ابو بكر وابن أبي موسى وغيرهما.
وظاهر كلامهم الرجوع هنا وإنما لم يرجع إذا أنفق على الرهن في غير هذه الصورة قاله الزركشي.
وقال لكن ينبغي أنه إذا أنفق متطوعا لا يرجع بلا ريب وهو كما قال.
الثانية يجوز له فعل ذلك كله بإذن المالك إن كان عنده بغير رهن نص عليهما.
وقال في المنتخب أو جهلت المنفعة.
وكره الإمام أحمد رحمه الله أكل الثمرة بإذنه ونقل حنبل لا يسكنه إلا بإذنه وله أجرة مثله
قوله: "وإن أنفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع".
إذا أنفق المرتهن على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فلا يخلو إما أن ينوي الرجوع أو لا فإن لم ينو الرجوع فهو متبرع بلا نزاع أعلمه.
وإن نوى الرجوع فهو متبرع على الصحيح من المذهب.
وهو ظاهر ما جزم به المصنف هنا وهو ظاهر ما جزم في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والرعايتين والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع.
وحكى جماعة رواية أنه كإذنه أو إذن حاكم.
قال المصنف يخرج على روايتين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه.
قال الشارح وهذا أقيس إذ لا يعتبر في قضاء الدين العجز عن استئذان الغريم ويأتي كلامه في القواعد بعد هذا.
قوله: "وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والتلخيص والشرح وشرح ابن منجا والنظم والفروع.
إحداهما يشترط إذنه فإن لم يستأذنه فهو متبرع
قال شارح المحرر إذن الحاكم كإذن الراهن عند تعذره وصححه في التصحيح وجزم به
ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق.
وظاهر ما جزم به في الفروع أنه يشترط إذن الحاكم مع القدرة عليه.
والرواية الثانية لا يشترط إذنه ويرجع على الراهن بما أنفق وهو ظاهر ما جزم به في المحرر وجزم به الوجيز.
قال في القواعد إذا أنفق على عبد أو حيوان مرهون ففيه طريقتان.
أشهرهما أن فيه الروايتين اللتين فيمن أدى حقا واجبا عن غيره.
كذلك قال القاضي في المجرد والروايتين وأبو الخطاب وابن عقيل والأكثرون والمذهب عند الأصحاب الرجوع ونص عليه في رواية أبي الحارث.
والطريق الثاني أنه يرجع رواية واحدة انتهى فكلامه عام.
فائدة لو تعذر استئذان الحاكم رجع بالأقل مما أنفق أو بنفقة مثله إن أشهد وإن لم يشهد فهل له الرجوع إذا نواه على روايتين وأطلقهما في الفروع.
قلت المذهب أنه متى نوى الرجوع مع التعذر فله ذلك وعليه أكثر الأصحاب ورجحه المصنف في المغنى وغيره وفي القواعد هنا كلام حسن.
قوله: "وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكترى".
قال في الوجيز والفروع وغيرهما وكذا حكم كل حيوان مؤجر ومودع وكذا قال في المحرر والفائق وزاد وإذا أنفق على الآبق حالة رده.
ويأتي ذلك في الجعالة.
وقال في الهداية وغيرها وكذلك الحكم إذا مات العبد المرهون فكفنه.
أما إذا أنفق على الحيوان المودع فقال في القاعدة الخامسة والسبعين إذا أنفق عليه ناويا للرجوع فإن تعذر استئذان مالكه رجع وإن لم يتعذر فطريقان.
أحدهما أنه على الروايتين في قضاء الدين وأولى والمذهب في قضاء الدين الرجوع كما يأتي في باب الضمان قال وهذه طريقة المصنف في المغنى.
والطريق الثاني لا يرجع قولا واحدا وهذه طريقة صاحب المحرر متابعا لأبي الخطاب انتهى.
قلت وهذه الطريقة هي المذهب وهي طريقة صاحب التلخيص والفروع والوجيز والفائق وغيرهم وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
ويأتي الكلام في هذا في الوديعة بأتم من هذا
وأما إذا أنفق على الجمال إذا هرب الجمال فقال في القاعدة المتقدمة إذا أنفق على الجمال بغير إذن الحاكم ففي الرجوع روايتان.
قال ومقتضى طريقة القاضي أنه يرجع رواية واحدة ثم إن الأكثرين اعتبروا هنا استئذان الحاكم بخلاف ما ذكروه في الرهن واعتبروه في المودع واللقطة.
وفي المغنى إشارة إلى التسوية بين الكل في عدم الاعتبار وأن الإنفاق بدون إذنه يخرج على الخلاف في قضاء الدين.
وكذلك اعتبروا الاشهاد على نية الرجوع.
وفي المغنى وغيره وجه آخر أنه لا يعتبر وهو الصحيح انتهى.
قوله: "وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة".
وكذلك قال القاضي في المجرد وصاحب المحرر وغيرهم وهذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والقواعد الفقهية فعلى هذا لا يرجع إلا بأعيان آلته.
وجزم القاضي في الخلاف الكبير أنه يرجع بجميع ما عمر في الدار لأنه من مصلحة الرهن وجزم به في النوادر وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله فيمن عمر وقفا بالمعروف ليأخذ عرضه فيأخذه من مغله.
وقال ابن عقيل ويحتمل عندي انه يرجع بما يحفظ أصل مالية الدار لحفظ وثيقته.
وقال ابن رجب في القاعدة المذكورة أعلاه ولو قيل إن كانت الدار بعد ما خرب منها تحرز قيمة الدين المرهون به لم يرجع وإن كان دون حقه أو فوق حقه ويخشى من تداعيها للخراب شيئا فشيئا حتى تنقص عن مقدار الحق فله أن يعمر ويرجع لكان متجها انتهى قلت وهو قوي.
قوله: "وإذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق أرشه برقبته ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو بيعه في الجناية أو تسليمه إلى ولي الجناية فيملكه".
يعني إذا كانت الجناية تستغرقه إذا اختار السيد فداءه فله أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته على الصحيح من المذهب.
قال الزركشي هذا المشهور من الروايتين.
قال الشارح هذا أصح الروايتين وصححه في النظم وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
قال ابن منجا وغيره هذا المذهب.
وعنه إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش وهما وجهان مطلقان في الكافي.
تنبيه خير المصنف السيد بين الفداء والبيع والتسليم وهو المذهب هنا وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع والوجيز وتذكرة ابن عبدوس والمنور والمغنى وتجريد العناية وإدراك الغاية وغيرهم.
وقال في المغنى والشرح يخير السيد بين فدائه وبين تسليمه للبيع فاقتصر عليهما.
وأما الزركشي فقال الخيرة بين الثلاثة إحدى الروايات والرواية الثانية يخير بين فدائه وبيعه والرواية الثالثة يخير بين فدائه أو دفعه بالجناية.
وهذه الروايات ذكرهن في المحرر والفروع وغيرهما في مقادير الديات.
ويأتي ذلك في باب مقادير ديات النفس في كلام المصنف.
ويأتي هناك إذا جنى العبد عمدا وأحكامه.
ولم نر من ذكرهن هنا إلا الزركشي وهو قياس ما في مقادير الديات بل هذه المسألة هنا فرد من أفراده هناك لكن اقتصارهم هنا على الخيرة بين الثلاثة وهنا بين شيئين على الصحيح على ما يأتي يدل على الفرق ولا نعلمه.
لكن ذكر في الرعاية الصغرى والحاويين وتذكرة ابن عبدوس بعد أن قطعوا بما تقدم أن غير المرهون كالمرهون وهو أظهر إذ لا فرق بينهما والله أعلم.
قال الزركشي هذا إحدى الروايات في الرعايتين والحاويين وجزم به ابن منجا في شرحه وهو ظاهر ما جزم به الشارح.
والثانية يخير بين البيع والفداء وقدمه في الرعايتين والحاويين.
والثالثة يخير بين التسليم والفداء وأطلقهن الزركشي.
ويأتي ذلك في باب مقادير ديات النفس في كلام المصنف ويأتي هناك إذا جنى العبد عمدا وأحكامه.
قوله: "فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن".
هذا المذهب قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وجزم به في الوجيز والكافي وقدمه في المغنى والشرح والرعايتين والحاويين والخلاصة.
وقيل يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهنا وهو احتمال في الحاويين وجزم به في المنوز وقدمه في المحرر وأطلقهما في الهداية والمذهب والتلخيص والفروع والفائق والزركشي وقال ابن عبدوس في تذكرته ويباع بقدر الجناية.
فإن نقصت قيمته بالتشقيص بيع كله.
قلت وهو الصواب.
تنبيه محل الخلاف عند المصنف والمجد والشارح وغيرهم إذا لم يتعذر بيع بعضه أما إن تعذر بيع بعضه فإنه يباع جميعه قولا واحدا.
فائدة قوله: "وإن اختار المرتهن فداءه ففداه بإذن الراهن رجع به".
بلا نزاع ويأتي قريبا لو شرط المرتهن جعله رهنا بالفداء مع الدين الأول هل يصح أم لا؟ قوله: "وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به على روايتين".
وتحرير ذلك أن المرتهن إذا اختار فداءه ففداه فلا يخلو إما أن يكون بإذن الراهن أولا فإن فداه بإذن الراهن رجع بلا نزاع.
لكن هل يفديه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو يفديه بجميع الأرش فيه الروايتان المتقدمتان.
وإن فداه بغير إذنه فلا يخلو إما أن ينوي الرجوع أولا فإن لم ينو الرجوع لم يرجع وإن نوى الرجوع فهل يرجع به على روايتين ويحمل كلام المصنف على ذلك وأطلقهما في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والشرح والفائق والرعايتين والحاويين والفروع والزركشي.
قال أبو الخطاب والمصنف والشارح وصاحب التلخيص والحاويين والزركشي وغيرهم بناء على من قضى دين غيره بغير إذنه.
ويأتي في باب الضمان أنه يرجع على الصحيح من المذهب فكذا هنا عند هؤلاء.
إحداهما لا يرجع جزم به في المحرر وتذكرة ابن عبدوس والوجيز وصححه في التصحيح والنظم.
قلت وهو أصح لأن الفداء ليس بواجب على الراهن.
قال في القواعد قال أكثر الأصحاب القاضي وابن عقيل وأبي الخطاب إن لم يتعذر استئذانه فلا رجوع.
وقال الزركشي وقيل لا يرجع هنا وإن رجع من أدى حقا واجبا عن غيره اختاره أبو البركات.
والرواية الثانية يرجع قال الزركشي وبه قطع القاضي والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما وهذا المذهب عند من بناه على قضاء دين غيره بغير إذنه.
فوائد
إحداها لو تعذر استئذانه فقال ابن رجب خرج على الخلاف في نفقة الحيوان المرهون على ما تقدم.
وقال صاحب المحرر لا يرجع بشيء وأطلق لأن المالك لم يجب عليه الافتداء هنا وكذلك لو سلمه لم يلزمه قيمته ليكون رهنا.
وقد وافق الأصحاب على ذلك وإنما خالف فيه ابن أبي موسى انتهى.
الثانية لو شرط المرتهن كونه رهنا بفدائه مع دينه الأول لم يصح وقدمه في الكافي والرعاية الكبرى.
وفيه وجه آخر يصح اختاره القاضي وقدمه الزركشي.
قال في الفائق جاز في أصح الوجهين.
قلت فيعايى بها.
وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع والمصنف في هذا الكتاب في مقادير الديات.
الثالثة لو سلمه لولي الجناية فرده وقال بعه وأحضر الثمن لزم السيد ذلك على إحدى الروايات قدمه في الرعايتين والحاويين والفائق.
وعنه لا يلزمه وقيل يبيعه الحاكم.
قلت وهو الصواب صححه في الخلاصة والتصحيح.
قال في الرعاية من عنده هذا إذا لم يفده المرتهن.
وتأتي هذه المسألة في كلام المصنف في آخر باب مقادير ديات النفس محررة مستوفاة.
قوله: "وإن جني عليه جناية موجبة للقصاص فلسيده القصاص".
هذا المذهب مطلقا جزم به في الشرح والوجيز وهو ظاهر ما جزم به في المحرر والكافي والفروع وقدمه ابن منجا في شرحه ونهاية ابن رزين ونظمهما.
قال في القاعدة الرابعة والخمسين ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله جواز القصاص.
وقيل ليس له القصاص بغير رضى المرتهن وحكاه ابن رزين رواية وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة واختاره القاضي وابن عقيل قاله في القواعد وقدمه في الفائق والرعايتين.
وقال في الحاويين ولسيده القود في العمد برضى المرتهن وإلا جعل قيمة أقلهما قيمة رهنا نص عليه.
قال في التلخيص ولا يقتص إلا بإذن المرتهن أو إعطائه قيمته رهنا مكانه.
قوله: "فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه".
يعني يلزم الضمان وهذا المذهب نص عليه في رواية ابن منصور وقدمه في المغني والشرح والفائق والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز وشرح ابن زين وغيرهم.
وقال الزركشي هذا المشهور عند الأصحاب والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله.
قال في القواعد الفقهية اختاره القاضي والأكثرون.
وقيل لا يلزمه شيء وهو تخريج في المغني والشرح.
قال في المحرر وهو أصح عندي وقطع به ابن الزاغوني في الوجيز وحكى عن القاضي قاله الزركشي.
وحكاهما في الكافي وجهين وأطلقهما.
تنبيه قوله: "فعليه قيمة أقلهما قيمة".
هكذا قال المصنف هنا والشارح وصاحب الحاويين والفائق وقدمه في الرعاية الصغرى.
قال في القواعد قاله القاضي والأكثرون.
وقيل يلزمه أرش الجناية وجزم به في المحرر وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال في القواعد وهو المنصوص.
قال ابن منجا قال في المغني إن اقتص أخذت منه قيمته فجعلت مكانه رهنا.
قال فظاهره أنه يجب على الراهن جميع قيمة الجاني قال وهو متجه انتهى.
قلت الذي وجدناه في المغنى في الرهن عند قول الخرقي وإذا جرح العبد المرهون أو قتل فالخصم في ذلك السيد أنه قال فإذا اقتص أخذت منه قيمة أقلهما قيمة فجعلت مكانه رهنا نص عليه هذا لفظه.
فلعل ابن منجا رأى ما قال في غير هذا المكان.
تنبيهات
الأول معنى قوله: "فعليه قيمة أقلهما قيمة لو كان العبد المرهون يساوي عشرة وقاتله يساوي خمسة أو عكسه لم يلزم الراهن إلا خمسة لأنه في الأولى لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر وفي الثانية لم يكن حق المرتهن متعلقا إلا بذلك القدر.
الثاني محل الوجوب إذا قلنا الواجب في القصاص أحد شيئين فإذا عينه بالقصاص فقد فوت المال الواجب على المرتهن.
وظاهر كلامه في الكافي أن الخلاف على قولنا موجب العمد القود عينا فأما إن قلنا موجبه أحد شيئين وجب الضمان.
قال في القواعد وهو بعيد.
وأما إذا قلنا الواجب القصاص عينا فإنه لا يضمن قطعا.
وأطلق القاضي وابن عقيل والمصنف هنا الخلاف من غير بناء.
قال في القواعد ويتعين بناؤه على القول بأن الواجب أحد شيئين.
قال في التلخيص وإن عفا وقلنا الواجب أحد أمرين أخذت منه القيمة وإن قلنا الواجب القصاص فلا قيمة على أصح الوجهين.
قوله: "وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته".
وكذا قال الأصحاب يعني حكمه حكم ما إذا كانت الجناية على العبد المرهون من أجنبي واقتص السيد من الخلاف والتفصيل على ما مر.
قال المصنف وابن رزين والشارح فإن كانت الجناية على سيد العبد فلا يخلو إما أن تكون موجبة للقود أو غير موجبة له كجناية الخطأ أو إتلاف المال.
فإن كانت خطأ أو موجبة للمال فهدر.
وإن كانت موجبة للقود فلا يخلو إما أن يكون على النفس أو على ما دونها فإن كانت على ما دونها بأن عفا على مال سقط القصاص ولم يجب المال وكذلك إن عفا على غير مال وإن أراد أن يقتص فله ذلك فإن اقتص فعليه قيمته تكون رهنا مكانه أو قضاء عن الدين.
قال الشارح ويحتمل أن لا يجب عليه شيء.
وكذلك إن كانت الجناية على النفس فاقتص الورثة فهل تجب عليهم القيمة يخرج على ما ذكرنا وليس للورثة العفو على مال.
وذكر القاضي وجها لهم ذلك وأطلقهما في الفروع.
فإن عفا بعض الورثة سقط القصاص وهل يثبت لغير العافي نصيبه من الدية على الوجهين انتهى كلامهما.
قوله: "فإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه".
لا أعلم فيه خلافا.
فائدة لو عفا السيد على غير مال أو مطلقا وقلنا الواجب القصاص عينا كان كما لو اقتص فيه القولان السابقان قاله المصنف والشارح.
وصحح صاحب التلخيص أنه لا شيء على السيد هنا مع أنه قطع هناك بالوجوب كما هو المنصوص.
قوله: "فإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني".
يعني إذا عفا السيد عن المال الذي وجب على الجاني بسبب الجناية صح في حق الراهن ولم يصح في حق المرتهن بمعنى أنه يؤخذ من الجاني الأرش فيدفع إلى المرتهن فإذا انفك الرهن رد ما أخذ من الجاني إليه وهذا المذهب.
قال في الفروع هذا الأشهر واختاره القاضي وجزم به في الوجيز والنظم وقدمه في الشرح وشرح ابن منجا وابن رزين والرعاية الصغرى والفائق والحاويين.
وقال أبو الخطاب يصح وعليه قيمته يعني على الراهن قيمته تجعل رهنا مكانه جزم به في الهداية والمذهب.
قال الزركشي وهو قول صاحب التلخيص انتهى.
وقال بعض الأصحاب لا يصح مطلقا واختاره المصنف في المغني وقال هو أصح في النظر وقدمه في الرعاية الكبرى واختاره في الفائق وأطلقهن الزركشي.
تنبيه محل الخلاف إذا قلنا الواجب أحد شيئين.
فأما إن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء على المرتهن كما تقدم.
فعلى المذهب إن استوفى المرتهن حقه من الراهن رد ما أخذ من الجاني كما قال المصنف وإن استوفاه من الأرش فقيل يرجع الجاني على العافي وهو الراهن لأن ماله ذهب في قضاء دين العافي.
قلت وهو الصواب ثم رأيت ابن رزين قدمه في شرحه.
وقيل لا يرجع عليه لأنه لم يوجد منه في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان وإنما استوفى بسبب كان منه حال ملكه له فأشبه ما لو جنى إنسان على عبده ثم رهنه لغيره فتلف
بالجناية السابقة وهما احتمالان مطلقان في المغنى والشرح والفائق والفروع والزركشي.
فائدة لو أتلف الرهن متلف وأخذت قيمته.
قال في القاعدة الحادية والأربعين ظاهر كلامهم أنها تكون رهنا بمجرد الأخذ.
وفرع القاضي على ذلك أن الوكيل في بيع المتلف يملك بيع البدل المأخوذ بغير إذن جديد وخالفه صاحب الكافي والتلخيص.
وظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار في مسألة إبدال الأضحية أنه لا يصير رهنا إلا بجعل الراهن.
قوله: "وإن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة فعليه الحد".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا حد.
قوله: "وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه" بلا نزاع "ولا مهر عليه".
على الصحيح من المذهب مطلقا وعليه الأكثر.
وقيل يجب المهر للمكرهة.
قوله: "وولده حر لا يلزمه قيمته".
يعني إذا وطئها بإذن الراهن وهو يجهل وهذا الصحيح من المذهب.
قال أبو المعالي في النهاية هذا الصحيح واختاره القاضي في الخلاف وهو ظاهر كلامه في الكافي وجزم به في الهداية والفصول والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والوجيز وغيرهم وقدمه في الشرح وشرح ابن منجا.
وقال ابن عقيل لا تسقط قيمة الولد لأنه حال بين الولد ومالكه باعتقاده فلزمته قيمته كالمغرور وقدمه في المغنى وصححه في الرعاية وأطلقهما في المحرر والفروع والرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
فائدتان
إحداهما لو وطئها من غير إذن الراهن وهو يجهل التحريم فلا حد وولده حر وعليه الفداء والمهر.
الثانية لو كان عنده رهون لا يعلم أربابها جاز له بيعها إن أيس من معرفتهم ويجوز له الصدقة بها بشرط ضمانها نص عليه.
وفي إذن الحاكم في بيعه مع القدرة عليه وأخذ حقه من ثمنه مع عدمه روايتان كشراء وكيل وأطلقهما في الفروع وهو ظاهر الشرح والمغنى.
قال في القاعدة السابعة والتسعين نص الإمام أحمد رحمه الله على جواز الصدقة بها في رواية أبي طالب وأبى الحارث.
وتأوله القاضي في المجرد وابن عقيل على أنه تعذر إذن الحاكم وأنكر ذلك المجد وغيره وأقروا النصوص على ظاهرها.
وقال في الفائق ولا يستوفي حقه من الثمن نص عليه.
وعنه بلى ولو باعها الحاكم ووفاه جاز انتهى.
وقدم في الرعاية الكبرى ليس له بيعه بغير إذن الحاكم.
ويأتي في آخر الغصب إذا بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها في كلام المصنف.
ويأتي في باب الحجر أن المرتهن أحق بثمن الرهن في حياة الراهن وموته مع الإفلاس على الصحيح من المذهب.
باب الضمان
فائدة اختلفوا في اشتقاقه.فقيل هو مشتق من الانضمام لأن ذمة الضامن تنضم إلى ذمة المضمون عنه قدمه في المغنى والشرح والفائق وشرح ابن منجا وجزم به في الهداية والمذهب والمذهب الأحمد والمصنف هنا والرعايتين.
قال في المستوعب قاله بعض أصحابنا.
قال ابن عقيل وليس هذا بالجيد.
قال الزركشي ورد بأن لام الكلمة في الضم ميم وفي الضمان نون وشرط صحة الاشتقاق وجود حروف الأصل في الفرع.
ويجاب بأنه من الاشتقاق الأكبر وهو المشاركة في اكثر الأصول مع ملاحظة المعنى انتهى وقيل مشتق من التضمن قاله القاضي وصوبه في المطلع لأن ذمة الضامن تتضمن الحق.
قال في التلخيص ومعناه تضمين الدين في ذمة الضامن.
وقيل هو مشتق من الضمن قال في الفائق وهو أرجح.
قال ابن عقيل والذي يتلوح لي أنه مأخوذ من الضمن فتصير ذمة الضامن في ضمن ذمة
المضمون عنه فهو زيادة وثيقة انتهى.
هذا الخلاف في الاشتقاق وأما المعنى فواحد.
قوله: "وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق".
وكذا قال في الهداية والمذهب الأحمد والكافي والهادي وقدمه في الرعايتين والحاويين.
وقال في الوجيز هو التزام الرشيد مضمونا في يد غيره أو ذمته حالا أو مآلا.
وقال في الفروع هو التزام من يصح تبرعه أو مفلس ما وجب على غيره مع بقائه وقد لا يبقى.
وقال في المحرر هو التزام الإنسان في ذمته دين المديون مع بقائه عليه.
وليس بمانع لدخول من لا يصح تبرعه ولا جامع لخروج ما قد يجب والأعيان المضمونة ودين الميت إن بريء بمجرد الضمان على رواية تأتي.
قال في الفائق وليس شاملا ما قد يجب.
وقال في التلخيص معناه تضمين للدين في ذمة الضامن حتى يصير مطالبا به مع بقائه في ذمة الأصيل.
فائدة يصح الضمان بلفظ ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير وزعيم أو يقول ضمنت دينك أو تحملته ونحو ذلك.
فإن قال أنا أؤدي أو أحضر لم يكن من ألفاظ الضمان ولم يصر ضامنا به.
ووجه في الفروع الصحة بالتزامه قال هو وظاهر كلام جماعة في مسائل.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله قياس المذهب يصح بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا مثل.
قوله: "زوجه وأنا أؤدي الصداق أو بعه وأنا أعطيك الثمن أو اتركه ولا تطالبه وأنا أعطيك" ونحو ذلك.
قوله: "ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما".
بلا نزاع وله مطالبتهما معا أيضا ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره.
قوله: "في الحياة والموت".
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب فلو مات أحدهما فمن التركة.
قال في الفروع والمذهب حياة وموتا.
وعنه يبرأ المديون بمجرد الضمان إن كان ميتا مفلسا نص عليه على ما يأتي.
قوله: "ولا يصح إلا من جائز التصرف".
يستثنى من ذلك المفلس المحجور عليه فإنه يصح ضمانه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح والمحرر والرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين وغيرهم.
وقد صرح به المصنف في هذا الكتاب في باب الحجر حيث قال وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح وقدمه في الفروع.
وفي التبصرة رواية لا يصح ضمان المفلس المحجور عليه وهو ظاهر كلام المصنف هنا أو يكون مفهوم كلامه هنا مخصوصا بما صرح به هناك وهو أولى.
قال في الفروع فيتوجه على هذه الرواية عدم صحة تصرفه في ذمته.
تنبيهان
أحدهما قال في الرعايتين والحاويين ومن صح تصرفه بنفسه صح ضمانه ومن لا فلا.
وقيل يصح ضمان من حجر عليه لسفه ويتبع به بعد فك الحجر كالمفلس وصرحوا بصحة ضمان المفلس ويتبع به بعد فك الحجر فيكون عموم كلامهم أولا مخصوص بغير المحجور عليه للمفلس.
الثاني دخل في عموم كلام المصنف صحة ضمان المريض وهو صحيح فيصح ضمانه بلا نزاع.
لكن إن مات في مرضه حسب ما ضمنه من ثلثه.
فائدة في صحة ضمان المكاتب لغيره وجهان وأطلقهما في التلخيص والرعاية الصغرى والنظم والفروع والفائق.
أحدهما لا يصح قال في المحرر وغيره ولا يصح إلا من جائز تبرعه سوى المفلس المحجور عليه.
قال في الرعاية الكبرى والحاويين وغيرهم ومن صح تصرفه بنفسه زاد في الرعاية وتبرعه بماله صح ضمانه.
والوجه الثاني يصح قال ابن رزين ويتبع به بعد العتق كالقن.
وقيل يصح بإذن سيده ولا يصح بغير إذنه ولعله المذهب وجزم به في الكافي.
وقدم في المغنى والشرح وشرح ابن رزين عدم الصحة إذا كان بغير إذن سيده وأطلقوا الوجهين إذا كان بإذنه.
قوله: "فإن برئت ذمة المضمون عنه بريء الضامن وإن بريء الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه". بلا نزاع.
ويأتي بعد قوله: "وإن اعترف المضمون له بالقضاء لو قال برئت إلى أو أبرأتك".
قوله: "ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمرا فأسلم المضمون له أو المضمون عنه بريء هو والضامن معا".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب نص عليه.
وعنه إن لم يسلم المضمون له فله قيمتها.
وقيل أو يوكلا ذميا يشتريها.
ولو اسلم ضامنها بريء وحده.
قوله: "ولا يصح إلا من جائز التصرف ولا يصح من مجنون ولا صبي ولا سفيه".
أما المجنون فلا يصح ضمانه قولا واحدا.
وكذا الصبي غير المميز وكذا المميز على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقدمه في الكافي والفروع وغيرهما وصححه في الفائق وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وعنه يصح ضمانه.
قال المصنف والشارح خرج أصحابنا صحة ضمانه على الروايتين في صحة إقراره ويأتي حكم إقراره في بابه.
وقال ابن رزين وقيل يصح بناء على تصرفاته وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وقال في الكافي وخرج بعض أصحابنا صحة ضمان الصبي بإذن وليه على الروايتين في صحة بيعه.
وقال في الرعاية الكبرى وقيل يصح بإذن وليه.
فعلى المذهب لو ضمن وقال كان قبل بلوغي وقال خصمه بل بعده فقال القاضي قياس قول الإمام أحمد رضي الله عنه أن القول قول المضمون له واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقيل القول قول الضامن.
قلت وهي شبيهة بما إذا باع ثم ادعى الصغر بعد بلوغه على ما تقدم في الخيار عند قوله: "وإن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه".
والمذهب هناك لا يقبل قوله: "فكذا هنا وأطلقهما في الرعايتين والفائق والحاويين.
وأما السفيه المحجور عليه فالصحيح من المذهب أنه لا يصح ضمانه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز والمحرر وغيرهما وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والكافي والشرح وشرح ابن رزين والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم.
قال الشارح هذا أولى.
وقيل يصح وهو احتمال للقاضي وأبي الخطاب قاله في المستوعب وهو وجه في المذهب قال في الكافي وقال القاضي يصح ضمان السفيه ويتبع به بعد فك الحجر عنه.
قال وهو بعيد وأطلقهما في المذهب.
قوله: "ولا من عبد بغير إذن سيده".
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه الأصحاب ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وهو لأبي الخطاب وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله فيطالبه به بعد عتقه.
قال في التلخيص والمنصوص يصح بعد أن أطلق وجهين.
قال في القواعد الأصولية الصحة أظهر.
قوله: "وإن ضمن بإذن سيده صح".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وحكى ابن رزين في نهايته وجها بعدم الصحة.
قوله: "وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين".
وقيل وجهان وأطلقهما في الكافي والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمذهب الأحمد.
إحداهما يتعلق بذمة سيده وهو المذهب جزم به في الوجيز وصححه في التصحيح وقدمه في الفروع ذكره في أخر الحجر.
قال ابن عقيل ظاهر المذهب وقياسه أن يتعلق بذمة سيده.
والرواية الثانية يتعلق برقبته.
قال القاضي قياس المذهب أن المال يتعلق برقبته واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق وشرح ابن رزين.
قال ابن منجا في شرحه منشؤهما أن ديون المأذون له في التجارة هل تتعلق برقبته أو بذمة سيده؟.
وقال المصنف والشارح وغيرهما الصحيح هناك التعلق بذمة سيده.
وقال ابن رزين في شرحه ويتعلق برقبته وقيل بذمة سيده.
وقيل فيه روايتان كاستدانته ويأتي ذلك في أخر الحجر.
واختار في الرعاية أن يكون في كسبه فإن عدم ففي رقبته.
فائدة يصح ضمان الأخرس إذا فهمت إشارته وإلا فلا.
قوله: "ولا يعتبر معرفة الضامن لهما".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح والمحرر وشرح ابن منجا والفروع والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم وصححه الناظم وغيره.
وقال القاضي يعتبر معرفتهما واختاره ابن البنا.
وذكر القاضي وجها أخر يعتبر معرفة المضمون له دون معرفة المضمون عنه.
قوله: "ولا كون الحق معلوما".
يعني إذا كان مآله إلى العلم ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب.
"فلو قال ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وفي المغنى احتمال أنه لا يصح ضمان ما سيجب.
فعلى المذهب يجوز له إبطال الضمان قبل وجوبه على الصحيح من المذهب.
قال في المحرر والرعايتين والنظم والحاويين والفروع له إبطاله قبل وجوبه في الأصح وجزم به في المنور وغيره.
واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره.
وقيل ليس له إبطاله.
فائدتان
إحداهما لا يصح ضمان بعض الدين مبهما على الصحيح من المذهب جزم به في المحرر وتذكرة ابن عبدوس وغيرهما وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والفائق.
وقال أبو الخطاب يصح ويفسره.
وقال في عيون المسائل لا تعرف الرواية عن إمامنا فيمنع وقد سلمه بعض الأصحاب لجهالته حالا ومآلا.
ولو ضمن أحد هذين الدينين لم يصح قولا واحدا.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله صحة ضمان الحارس ونحوه وتجار الحرب ما يذهب من البلد أو البحر وأن غايته ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق وهو أن يضمن ما يجب على التجار للناس من الديون وهو جائز عند أكثر العلماء كمالك وأبي حنيفة والإمام أحمد رحمهم الله.
الثانية لو قال ما أعطيت فلانا فهو علي فهل يكون ضامنا لما يعطيه في المستقبل أو لما أعطاه في الماضي ما لم تصرفه قرينة عن أحدهما فيه وجهان ذكرها في الإرشاد وأطلقهما في المستوعب والتلخيص والمحرر والحاوي الكبير والفروع والفائق والزركشي.
أحدهما يكون للماضي.
قال الزركشي يحتمل أن يكون ذلك مراد الخرقي ويرجحه إعمال الحقيقة وجزم به في المنور وقدمه في الرعايتين والحاوي الصغير وصححه في النظم.
والوجه الثاني يكون للمستقبل وصححه شارح المحرر وحمل المصنف كلام الخرقي عليه فيكون اختيار الخرقي.
قال في الفروع وما أعطيت فلانا علي ونحوه ولا قرينة قبل منه وقيل للواجب انتهى.
وقد ذكر النحاة الوجهين وقد ورد للماضي في قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: من الآية173] وورد للمستقبل في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: من الآية160] قاله الزركشي.
قلت قد يتوجه أنه للماضي والمستقبل فيقبل تفسيره بأحدهما وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
تنبيه مراده بقوله: "ويصح ضمان دين الضامن" أي الدين الذي ضمنه الضامن فيثبت الحق في ذمم الثلاثة.
وكذا يصح ضمان الدين الذي كفله الكفيل فيبرأ الثاني بإبراء الأول ولا عكس.
وإن قضى الدين الضامن الأول رجع على المضمون عنه.
وإن قضاه الثاني رجع على الضامن الأول ثم يرجع الأول على المضمون عنه إذا كان كل واحد منهما قد أذن لصاحبه وإن لم يكن إذن ففي الرجوع روايتان وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
قلت المذهب الرجوع على ما يأتي فيما إذا قضى الضامن الدين.
وقال في الرعاية في هذه المسألة ولم يرجع الأول على أحد على الأظهر.
ويأتي بعض مسائل تتعلق بالضامن إذا تعدد وغيره في الكفالة فليعلم.
قوله: "ويصح ضمان دين الميت المفلس وغيره".
أي غير المفلس.
يصح ضمان دين الميت المفلس بلا نزاع.
ويصح ضمان دين الميت غير المفلس على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يصح.
قوله: "ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين".
وكذا قال في الهداية والمستوعب والخلاصة وغيرهم وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المحرر وغيره.
والرواية الثانية يبرأ بمجرد الضمان نص عليها وتقدمت.
قوله: "ويصح ضمان عهده المبيع عن البائع للمشترى وعن المشترى للبائع".
بلا نزاع في الجملة.
وحكى الناظم وغيره فيه خلافا.
فضمانه عن المشترى للبائع أن يضمن الثمن الواجب قبل تسليمه أو إن ظهر به عيب أو استحق.
وضمانه عن البائع للمشترى أن يضمن عن البائع الثمن متى خرج المبيع مستحقا أو رد بعيب أو أرش العيب.
فضمان العهدة في الموضعين هو ضمان الثمن أو بعضه عن أحدهما للآخر.
وأصل العهدة هو الكتاب الذي تكتب فيه الوثيقة للبيع ويذكر فيه الثمن ثم عبر به عن الثمن الذي يضمنه.
وألفاظ ضمان العهدة "ضمنت عهدته أو ثمنه أو دركه" أو يقول للمشتري "ضمنت خلاصك منه أو متى خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن" وهذا المذهب في ذلك كله.
وقال أبو بكر في التنبيه والشافي لا يصح ضمان الدرك.
قال بعض الأصحاب أراد أبو بكر ضمان العهدة ورد.
فقال القاضي لا يختلف المذهب أن ضمان الدرك لثمن المبيع يصح وإنما الذي لا يصح ضمان الدرك لعين المبيع وقد بينه أبو بكر فقال إنما ضمنه يريد الثمن لا الخلاص لأنه إذا باع مالا يملك فهو باطل أومأ إلى هذا الإمام أحمد رحمه الله.
فوائد
الأولى لو بنى المشتري ونقضه المستحق فالأنقاض للمشتري ويرجع بقيمة التالف على البائع وهل يدخل في ضمان العهدة في حق ضامنها على وجهين وأطلقهما في التلخيص والفروع والفائق.
أحدهما يدخل في ضمان العهدة قدمه في الرعايتين والحاويين.
والثاني لا يدخل وهو ظاهر كلامه في المغنى والشرح فإنهما ما ضمناه إلا إذا ضمن ما يحدث في المبيع من بناء أو غراس.
الثانية لو خاف المشتري فساد البيع بغير استحقاق المبيع أو كون العوض معيبا أو شك في كمال الصنجة وجودة جنس الثمن فضمن ذلك صريحا صح كضمان العهدة وإن لم يصرح فهل يدخل في مطلق ضمان العهدة على وجهين وأطلقهما في التلخيص والرعاية
الثالثة يصح ضمان نقص الصنجة ونحوها ويرجع بقوله مع يمينه على الصحيح من المذهب وقيل لا يرجع إلا ببينة في حق الضامن.
قوله: "ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين".
وهو المذهب مطلقا جزم به في الوجيز والنظم وغيرهما وقدمه في الفروع والكافي وقال هذا المذهب.
قال المصنف في المغنى والشارح هذا أصح وصححه ابن منجا في شرحه.
والرواية الثانية يصح ضمانه سواء كان الضامن حرا أو غيره وحكاها في الخلاصة وجها وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق.
وقال القاضي يصح ضمانه إذا كان حرا لسعة تصرفه قدمه ابن رزين في شرحه واختاره ابن عبدوس في تذكرته.
وتقدم هل يصح أن يكون المكاتب ضامنا أولا.
ويأتي في باب الكتابة إذا ضمن أحد المكاتبين الآخر هل يصح أم لا؟.
قوله: "ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها".
وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يصح وحمل على التعدي كتصريحه به فإنه يصح بلا نزاع.
وقد صرح به المصنف هنا وغيره من الأصحاب.
قوله: "فأما الأعيان المضمونة كالعوارى والغصوب والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها".
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يصح ضمانها.
تنبيه أفادنا المصنف رحمه الله أن المقبوض على وجه السوم من ضمان القابض وأن ضمانه يصح.
والأصحاب رحمهم الله ينكرون مسألة ضمان المقبوض على وجه السوم في فصل "من باع مكيلا أو موزونا" ويذكرونها أيضا في أحكام القبض ويذكرون مسألة الضامن هنا ومسألة صحة ضمان الضامن للمقبوض على وجه السوم مترتبة على ضمانه بقبضه".
واعلم أنه قد ورد عن الإمام أحمد رحمه الله في ضمان المقبوض على وجه السوم نصوص فنقل حرب وأبو طالب وغيرهما ضمان المقبوض على وجه السوم.
ونقل ابن منصور وغيره أنه من ضمان المالك كالرهن وما يقبضه الأجير.
ونقل حنبل إذا ضاع من المشتري ولم يقطع ثمنه أو قطع ثمنه لزمه.
ونقل حرب وغيره فيمن قال بعني هذا فقال خذه بما شئت فأخذه فمات بيده 0 قال هو من مال بائعه لأنه ملكه حتى يقطع ثمنه.
ونقل ابن مشيش فيمن قال بعنيه فقال خذه بما شئت فأخذه فمات بيده يضمنه ربه هذا بعد لم يملكه.
قال المجد هذا يدل على أنه أمانة وانه يخرج مثله في بيع خيار على قولنا: "لا يملكه".
وقال تضمينه منافعه كزيادة وأولى انتهى.
فهذه نصوصه في هذه المسألة.
قال في الفروع ذكر الأصحاب في ضمانه روايتين.
قال ابن رجب في قواعده فمن الأصحاب من حكى في ضمانه روايتين سواء أخذ بتقدير الثمن أو بدونه وهي طريقة القاضي وابن عقيل وصحح الضمان لأنه مقبوض على وجه البدل والعوض فهو كمقبوض بعقد فاسد انتهى.
قلت ذكر الأصحاب في المقبوض على وجه السوم ثلاث صور.
الأولى أن يساوم إنسانا في ثوب أو نحوه ويقطع ثمنه ثم يقبضه ليريه أهله فإن رضوه وإلا رده فيتلف.
ففي هذه الصورة يضمن إن صح بيع المعاطاة والمذهب صحة بيع المعاطاة وجزم بذلك في المستوعب والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم.
قال ابن أبي موسى يضمنه بغير خلاف.
قال ابن رجب في قواعده وهذا يدل على أنه يجري فيه الخلاف إذا قلنا إنه لم ينعقد البيع بذلك وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله إيمام إلى ذلك انتهى.
الثانية لو ساومه وأخذه ليريه أهله إن رضوه وإلا رده من غير قطع ثمنه فيتلف ففي ضمانه روايتان وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والفائق والمستوعب.
إحداهما يضمنه القابض وهو المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجزم به في الوجيز في هذا الباب.
قال ابن أبي موسى فهو مضمون بغير خلاف نقل عن الإمام أحمد هو من ضمان قابضه كالعارية.
والرواية الثانية لا يضمنه قال في الحاويين نقل ابن منصور وغيره هو من ضمان المالك كالرهن وما يقبضه الأجير.
الثالثة لو أخذه بإذن ربه ليريه أهله إن رضوه اشتراه وإلا رده فتلف بلا تفريط لم يضمن قال ابن أبي موسى هذا أظهر عنه وقدمه في الرعايتين والمستوعب والحاويين.
قال في الفائق فلا ضمان في أظهر الروايتين وعنه يضمنه بقيمته.
فائدة المقبوض في الإجارة على وجه السوم حكمه حكم المقبوض على وجه السوم في البيع ذكره في الانتصار واقتصر عليه في الفروع وقال وولد المقبوض على وجه السوم كهو لا ولد جانية وضامنة وشاهدة وموصى بها وحق جايز وضمانه.
وفيه في الانتصار إن أذن لأمته فيه سرى.
وفي طريقة بعض الأصحاب ولد موصى بعتقها لعدم تعلق الحكم بها وإنما المخاطب الموصي إليه انتهى.
وفي ذلك بعض مسائل ما أعلم صورتها.
منها قوله: "وحق جائز".
قال في القاعدة الثانية والثمانين منها الشاهدة والضامنة والكفيلة لا يتعلق بأولادهن شيء ذكره القاضي في المجرد وابن عقيل واختار القاضي في خلافه أن ولد الضامنة يتبعها ويباع معها كولد المرهونة وضعفه ابن عقيل في نظرياته.
وقال في القاعدة المذكورة الأمة الجانية لا يتعلق بأولادها وأكسابها شيء.
وقال في القاعدة المذكورة إذا ولدت المقبوضة على وجه السوم في يد القابض فقال القاضي وابن عقيل حكمه حكم أصله.
قال ابن رجب ويمكن أن يخرج فيه وجه أخر أنه ليس بمضمون كولد العارية.
ويأتي في أخر باب العارية حكم ولد المعارة والمؤجرة وولد الوديعة.
ويأتي حكم ولد المدبرة والمكاتبة في بابيهما.
فائدتان
إحداهما إذا طولب الضامن بالدين فلا يخلو إما أن يكون ضمن بإذن المضمون عنه أو لا فإن كان ضمنه بإذنه فله مطالبته بتخليصه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع له ذلك في الأصح وجزم به في المحرر والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وقدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين.
وقيل ليس للضامن مطالبته بتخليصه حتى يؤدي.
وإن لم يطالب الضامن لم يكن له مطالبته بتخليصه من المضمون له على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وهو ظاهر ما جزم به في المحرر.
وقيل له ذلك وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والفائق والتلخيص.
وإن كان ضمنه بغير إذنه لم يكن له مطالبته بتخليصه قبل الأداء على الصحيح من المذهب جزم به في المحرر والرعايتين والحاويين والفائق وقدمه في الفروع والمغنى والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم.
وقيل له ذلك إذا طالبه.
الثانية قال الشيخ تقي الدين رحمه الله لو تغيب مضمون عنه أطلقه في موضع وقيده في آخر بقادر على الوفاء فأمسك الضامن وغرم شيئا بسبب ذلك وأنفقه في حبس رجع به على المضمون عنه واقتصر عليه في الفروع.
قلت وهو الصواب الذي لا يعدل عنه.
ويأتي التنبيه على ذلك في أوائل باب الحجر أيضا.
قوله: "وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشيء وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع به على روايتين وإن أذن في أحدهما فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين".
إن قضى الضامن الدين فلا يخلو إما أن يقضيه متبرعا أو لا فإن قضاه متبرعا لم يرجع بلا نزاع.
قال في الرعاية هذه هبة تحتاج قبولا وقبضا ورضى والحوالة بما وجب قضاء.
وإن قضاه غير متبرع فلا يخلو إما أن ينوي الرجوع أو يذهل عن ذلك فإن نوى الرجوع ففيه أربع مسائل شملها كلام المصنف.
إحداها أن يضمن بإذنه ويقضي بإذنه فيرجع بلا نزاع.
الثانية أن يضمن بإذنه ويقضي بغير إذنه فيرجع أيضا بلا نزاع.
الثالثة أن يضمن بغير إذنه ويقضي بإذنه فيرجع على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب واختار في الرعاية الكبرى أنه لا يرجع.
الرابعة أن يضمن بغير إذنه ويقضي بغير إذنه فهذه فيها الروايتان وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والشرح وشرح ابن منجا والرعايتين والحاويين.
إحداهما يرجع وهو المذهب بلا ريب ونص عليه.
قال ابن رجب في القاعدة الخامسة والتسعين يرجع على أصح الروايتين وهي المذهب عند الخرقي وأبي بكر والقاضي والأكثرين انتهى.
قال الزركشي وهي اختيار الخرقي والقاضي وأبي الخطاب والشريف وابن عقيل والشيرازي وابن البنا وغيرهم.
قال في الفائق اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في التصحيح وقدمه في المحرر والنظم والفروع وقال نص عليه واختاره الأصحاب انتهى.
قال في القواعد واشترط القاضي أن ينوي الرجوع ويشهد على نيته عند الأداء فلو نوى التبرع أو أطلق النية فلا رجوع له.
واشترط أيضا أن يكون المديون ممتنعا من الأداء.
وهو يرجع إلى أن لا رجوع إلا عند تعذر إذنه.
وخالف في ذلك صاحب المغنى والمحرر وهو ظاهر إطلاق القاضي في المجرد والأكثرين انتهى.
والرواية الثانية لا يرجع اختاره أبو محمد الجوزي وقدمه في الفائق.
وقال ابن عقيل يظهر فيها كذبح أضحية غيره بلا إذنه في منع الضمان والرجوع لأن القضاء هنا إبراء كتحصيل الأجر بالذبح انتهى.
وإن قضاه ولم ينو الرجوع ولا التبرع بل ذهل عن قصد الرجوع وعدمه فالمذهب أنه
لا يرجع اختاره القاضي كما تقدم وقدمه في الفروع وهو ظاهر ما جزم به في القواعد فإنه جعل النية في قضاء الدين أصلا لأحد الوجهين فيما إذا اشترى أسيرا حرا مسلما.
وقيل يرجع وهو ظاهر نقل ابن منصور وهو ظاهر الخرقي وجزم به في الوجيز.
فائدة وكذا الحكم في كل من أدى عن غيره دينا واجبا بإذنه وبغير إذنه على ما تقدم من التفصيل في ذلك والخلاف.
قوله: "وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقة أو كذبه".
إذا ادعى الضامن القضاء وأنكر المضمون له فلا يخلو إما أن يصدقه المضمون عنه أو يكذبه فإن كذبه لم يرجع عليه إلا ببينه تشهد له بالقضاء فإن لم يكن له بينة فللمضمون الرجوع على الأصيل والضامن.
فإن أخذ منه الضامن ثانيا فهل يرجع الضامن بالأول للبراءة به باطنا أو بالثاني فيه احتمالان مطلقان في الفروع.
أحدهما يرجع بما قضاه ثانيا قدمه في المغنى والشرح وقالا هو أرجح وقدمه ابن رزين في شرحه.
والثاني يرجع بما قضاه أولا وهما طريقة موجزة في الرعاية والثاني قدمه فيها أنه يرجع عليه مرة واحدة بقدر الدين ولا منافاة بين الطريقتين.
وإن صدقه فلا يخلو إما أن يكون قضاه بإشهاد أو غيره فإن قضاه بإشهاد صحيح رجع عليه ولو كانت البينة غائبة أو ميتة.
وتقدم نظيره في الرهن ويأتي في الوكالة.
لكن لو ردت الشهادة بأمر خفي كالفسق باطنا أو كانت الشهادة مختلفا فيها كشهادة العبيد أو شاهد واحد أو كان ميتا أو غائبا فهل يرجع فيه احتمالان مطلقان في المغنى والشرح والفروع.
قطع في الرعايتين والحاويين أنه لا يكفي شاهد واحد.
وقال في الكبرى قلت بلى ويحلف معه.
فلو ادعى الإشهاد وأنكره المضمون عنه فهل يقبل قوله: "فيه وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى.
وإن قضاه بغير إشهاد فلا يخلو إما أن يكون القضاء بحضرة المضمون عنه او في غيبته فإن كان بحضرته رجع على الصحيح من المذهب صححه في الفروع والفائق والرعايتين وجزم به في التلخيص وغيره وقدمه في المحرر وشرح ابن رزين وغيرهما.
وقيل ليس له الرجوع وأطلقهما في المغنى والشرح والحاويين.
وإن كان القضاء في غيبة المضمون عنه لم يرجع عليه قولا واحدا.
قوله: "وإن اعترف بالقضاء أي المضمون له فأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره ويرجع عليه".
هذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
قال في التلخيص رجع على الصحيح من المذهب.
قال الشارح هذا الأصح.
قال في الفروع رجع في الأصح.
وفيه وجه أخر لا يرجع وهو احتمال أبي الخطاب في الهداية وأطلقهما في المحرر.
فائدتان
الأولى لو قال المضمون له برئت إلي من الدين فهو مقر بقبضه ولو قال برئت ولم يقل إلى لم يكن مقرى بالقبض على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والمستوعب والمغنى والشرح وصححه.
وقيل يكون مقرى به واختاره القاضي قاله في المستوعب.
قال في المنور وإن قال رب الحق للضامن برئت إلى من الدين فهو مقر بقبضه وأطلقهما في التلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق.
ولو قال أبرأتك لم يكن مقرى بالقبض قولا واحدا.
الثانية لو قال وهبتك الحق فهو تمليك فيرجع على المضمون عنه على الصحيح من المذهب وقيل بل هو إبراء فلا رجوع.
قوله: "وإن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل الدين على روايتين".
وأطلقهما في الشرح وشرح ابن منجا.
إحداهما لا يحل وهو المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والوجيز والحاويين وقدمه في المستوعب والرعايتين.
والثانية يحل وقال ابن أبي موسى إذا مات المضمون عنه قبل محل الدين مفلسا به لم يكن للمضمون له مطالبة الضامن قبل محله.
وإن خلف وفاء بالحق فهل يحل على روايتين.
إحداهما يحل والأخرى لا يحل إذا وثق الورثة.
تنبيه ذكر المصنف هنا الروايتين فيما إذا مات أحدهما وهي طريقة المصنف والشارح وابن منجا.
وقيل محل الروايتين فيما إذا ماتا معا وهي طريقة صاحب الهداية والمذهب والخلاصة والرعاية الصغرى وقدمه في المستوعب.
فجزموا بعدم الحلول إذا مات أحدهما وأطلقوا الروايتين فيما إذا ماتا معا.
وقال في الرعاية الكبرى وإن ماتا معا وقيل أو المديون وحده حل فجزم بالحلول إذا ماتا معا.
قوله: "ويصح ضمان الحال مؤجلا".
بلا نزاع نص عليه فلصاحب الحق مطالبة المضمون عنه في الحال دون الضامن.
قوله: "وإن ضمن المؤجل حالا لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين".
وهو المذهب جزم به في الوجيز وقدمه في المغنى والمحرر والشرح والفروع والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
والوجه الأخر يلزمه قبل أجله.
تنبيه أفادنا المصنف رحمه الله صحة ضمان المؤجل حالا وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل لا يصح وأطلقهما في التلخيص.
تنبيهات
أحدها ظاهر قوله: "في الكفالة وهي التزام إحضار المكفول به".
أنه سواء كان المكفول به حاضرا أو غائبا بإذنه بلا نزاع وبغير إذنه على خلاف يأتي في كلام المصنف قريبا.
وقيل لا تصح كفالة المديون إلا بإذنه.
الثاني قوله: "وتصح ببدن من عليه دين".
يعني ببدن كل من يلزمه الحضور إلى مجلس الحكم بدين لازم مطلقا يصح ضمانه.
الثالث قوله: "وبالأعيان المضمونة يعني يصح أن يكفلها بحيث إنه إذا تعذر إحضارها يضمنها إلا أن تتلف بفعل الله تعالى على ما يأتي وقال الزركشي في صحة كفالة العين المضمونة وجهان ولم أر الخلاف لغيره.
فائدة تنعقد الكفالة بألفاظ الضمان المتقدمة كلها على الصحيح من المذهب.
وقيل لا تنعقد بلفظ حميل وقبيل اختاره ابن عقيل.
قوله: "ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله تصح واختاره في الفائق.
تنبيه قوله: "ولا تصح ببدن من عليه حد أو قصاص". شمل سواء كان حقا لله كحد الزنى والسرقة ونحوهما أو لآدمي كحد القذف والقصاص.
وكون من عليه حد أو قصاص لا تصح كفالته من مفردات المذهب.
فائدتان
إحداهما تصح الكفالة لأخذ مال كالدية وغرم السرقة.
الثانية لا تصح الكفالة بزوج وشاهد.
قوله: "ولا بغير معين كأحد هذين".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وقيل تصبح لأنه تبرع فهو كالإعارة والإباحة ذكره في القاعدة الخامسة بعد المائة.
قوله: "وإن كفل بجزء شائع من إنسان كثلثه أو ربعه صح في أحد الوجهين".
وأطلقهما في المحرر والفروع والفائق.
أحدهما يصح وهو المذهب جزم به في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس والمنور وإدراك الغاية وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والشرح والرعايتين والحاويين وغيرهم.
قال في تجريد العناية هذا الأظهر وصححه في التصحيح.
والوجه الثاني لا تصح قال القاضي في المجرد لا تصح الكفالة ببعض البدن.
قوله: "أو عضو". صح في أحد الوجهين.
إذا تكفل بعضو من إنسان فلا يخلو إما أن يكون بوجهه أو بغيره فإن كان بوجهه صح على الصحيح من المذهب وجزم به في المغنى والشرح والكافي والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق وإدراك الغاية والمنور وغيرهم.
قال ابن منجا في شرحه وهو الظاهر وينبغي حمل كلام المصنف عليه.
وقيل لا يصح قال القاضي لا يصح ببعض البدن وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
قلت لم أر من صرح بهذا القول وظاهر كلام المصنف استحبوا الخلاف فيه.
وإن كانت الكفالة بعضو غير وجهه فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في المحرر والفائق والفروع.
أحدهما تصح وهو المذهب وجزم به ابن عبدوس في تذكرته واختاره أبو الخطاب.
قال في تجريد العناية هذا الأظهر وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاويين وغيرهم وصححه في التصحيح.
والوجه الثاني لا تصح اختاره القاضي كما تقدم عنه.
وقيل إن كانت الحياة تبقى معه كاليد والرجل ونحوهما لم تصح وإن.
كانت لا تبقي معه كرأسه وكبده ونحوهما صح جزم به في الوجيز وقدمه في المغنى والشرح وهو الصواب.
قال في الكافي قال غير القاضي إن كفل بعضو لا تبقى الحياة بدونه كالرأس والقلب والظهر صح وإن كان بغيرها كاليد والرجل فوجهان.
قوله: "وإن كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بأخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين".
وأطلقهما في المذهب والفروع والفائق.
وظاهر المغنى والشرح الإطلاق.
أحدهما يصح وهو المذهب اختاره أبو الخطاب والشريف أبو جعفر وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز والمنور وتذكرة ابن عبدوس وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين ونقل مهنا الصحة في كفيل به.
والوجه الثاني لا تصح اختاره القاضي في الجامع.
فوائد
منها لو قال كفلت ببدن فلان على أن تبرئ فلانا الكفيل فسد الشرط على الصحيح من المذهب وقيل لا يفسد.
فعلى المذهب يفسد العقد أيضا على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع ويتوجه وجه لا يفسد.
وكذا الحكم لو قال ضمنت لك هذا الدين على أن تبرئني من الدين الآخر قاله في المغنى والشرح والفائق وغيرهم.
ومنها لو قال إن جئت به في وقت كذا وإلا فأنا كفيل ببدن فلان أو وإلا فأنا ضامن مالك على فلان أو قال إن جاء زيد فأنا ضامن لك ما عليه أو إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان شهرا فقال القاضي لا تصح الكفالة.
قاله المصنف والشارح وهو أقيس.
وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب في الانتصار تصح.
واعلم أن أكثر هذه المسائل وما ذكره المصنف ينزع إلى تعليق الضمان والكفالة بشرط وتوقيتها بل هي من جملتها.
قال في الفروع وفي صحة تعليق ضمان وكفالة بغير سبب الحق وتوقيتها وجهان فلو تكفل به على أنه إن لم يأت به فهو ضامن لغيره أو كفيل به أو كفله شهرا فوجهان انتهى.
وقدم في المحرر والرعايتين والحاوي الصغير صحة تعليق الضمان والكفالة بالشرط المستقبل وجزم به في الوجيز والمنور وغيرهما واختاره ابن عبدوس في تذكرته وصاحب الفائق وأبو الخطاب والشريف أبو جعفر وغيرهم.
وتقدم ذلك في مسألة المصنف.
قال في الرعاية الكبرى وإن علق الضمان على شرط مستقبل صح.
وقيل لا يصح إلا بسبب الحق كالعهدة والدرك وما لم يجب ولم يوجد بسببه ويصح توقيته بمدة معلومة.
قال ويحتمل عدمه وهو أقيس لأنه وعد انتهى.
فائدة قال المصنف والشارح إن كفل إلى أجل مجهول لم تصح الكفالة لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه وهكذا الضمان وإن جعله إلى الحصاد والجداد والعطاء.
وخرج على الوجهين في الأجل في البيع والأولى صحته هنا انتهيا.
قوله: "ولا تصح إلا برضى الكفيل".
بلا نزاع وفي رضي المكفول به وهو المكفول عنه وجهان وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والهادي والتلخيص والمغنى والشرح والفائق والزركشي.
أحدهما يعتبر رضاه جزم به في الوجيز.
قال في الخلاصة والرعايتين والحاويين يعتبر رضاه في أصح الوجهين وصححه في التصحيح قال ابن منجا هذا أولى.
والوجه الثاني لا يعتبر رضاه قدمه في الفروع وهو المذهب على ما اصطلحناه.
قوله: "ومتى أحضر المكفول به وسلمه بريء إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر".
إذا أحضر المكفول به وسلمه بعد حلول الأجل بريء على الصحيح من المذهب مطلقا نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في المستوعب وجزم به في المغنى والشرح بشرط أن يكون هناك يد حائلة ظالمة قلت الظاهر أنه مراد غيرهم وعنه لا يبرأ منه.
قال ابن أبي موسى لا يبرأ حتى يقول قد برئت إليك منه أو قد سلمته إليك أو قد أخرجت نفسي من كفالته انتهى.
وقال بعض الأصحاب منهم المصنف والشارح إذا امتنع من تسلمه أشهد على امتناعه رجلين وبرئ.
وقال القاضي يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه فإن لم يجد حاكما أشهد شاهدين على إحضاره وامتناع المكفول له من قبوله.
تنبيه حكم ما إذا أحضره قبل حلول الأجل ولا ضرر في قبضه حكم ما إذا أحضره بعد حلول الأجل خلافا ومذهبا على ما تقدم.
فائدة يتعين إحضاره في مكان العقد على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقيل يتعين فيه إن حصل ضرر في غيره وإلا فلا.
وقيل يبرأ ببقية البلد اختاره القاضي قاله في المغنى والشرح.
وعند غيره إذا كان فيه سلطان اختاره القاضي وأصحابه وقدمه في التلخيص.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله إن كان المكفول في حبس الشرع فسلمه إليه فيه برئ ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة ويمكنه الحاكم من الإخراج ليحاكم غريمه ثم يرده هذا مذهب الأئمة كمالك وأحمد وغيرهما رحمهم الله تعالى.
وفي طريقة بعض الأصحاب وإن قيل دلالته عليه وإعلامه بمكانه لا يعد تسليما.
قلنا بل يعد ولهذا إذا دل على الصيد محرما كفر.
قوله: "وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى أو سلم نفسه برئ الكفيل".
إذا مات المكفول به برئ الكفيل على الصحيح من المذهب سواء توانى الكفيل في تسليمه حتى مات أولا نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يبرأ مطلقا فيلزمه الدين وهو احتمال في الهداية والمغنى والشرح واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق.
وقيل إن توانى في تسليمه حتى مات لم يبرأ وإلا برئ.
تنبيه محل الخلاف إذا لم يشترط فإن اشترط الكفيل أنه لا شيء عليه إن مات برئ بموته قولا واحدا قاله في التلخيص والمحرر وغيرهما.
وأما إذا تلفت العين بفعل الله تعالى فالصحيح من المذهب أن الكفيل يبرأ جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم وقدمه في المغنى والشرح.
وقيل لا يبرأ وأطلقهما في الفروع.
تنبيهان
أحدهما محل الخلاف إذا لم يشترط أن لا مال عليه بتلف العين المكفول بها فإن اشترط برئ قولا واحدا كما تقدم في الموت.
الثاني مراده بقوله أو تلفت العين بفعل الله تعالي قبل المطالبة صرح به في المحرر والفروع وغيرهما.
وأما اذا سلم المكفول به نفسه فى محله فإن الكفيل يبرأ قولا واحدا.
قوله: "وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وفي المبهج وجه أنه يشترط البراءة منه.
وقال ابن عقيل قياس المذهب لا يلزمه إن امتنع بسلطان وألحق به معسرا أو محبوسا ونحوهما لاستواء المعنى.
وكون الكفيل يضمن ما على المكفول به إذا لم يسلمه من المفردات.
فائدة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله السجان كالكفيل واقتصر عليه في الفروع.
قوله: "وإن غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره وإن تعذر إحضاره ضمن".
إذا مضى الكفيل ليحضر المكفول به وتعذر إحضاره فحكمه حكم ما إذا تعذر إحضاره مع بقائه على ما تقدم خلافا ومذهبا.
قوله: "وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور مدة لزمة ذلك إذا كانت الكفالة بإذنه أو طالبه صاحب الحق بإحضاره وإلا فلا".
وهذا المذهب فيهما وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز والمغنى والشرح وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يلزمه الحضور إلا إذا كانت الكفالة بإذنه وطالبه المكفول له بحضوره.
فائدة حيث أدى الكفيل ما لزمه ثم قدر على المكفول به فقال في الفروع ظاهر كلامهم أنه في رجوعه عليه كالضامن وأنه لا يسلمه إلى المكفول له ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه لامتناع بيعه.
قوله: "وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وأصحابه ونص عليه وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد اشهر الوجهين لا يبرأ.
وقيل يبرأ الآخر وهو احتمال في الكافي ونصره الأزجي في نهايته وهو ظاهر كلام السامري في فروقه قال ابن رجب في قواعده وقال والأظهر أنهما إن كفلا كفالة اشتراك مثل أن يقولا كفلنا لك زيدا نسلمه إليك فإذا سلمه أحدهما بريء الآخر لأن التسليم الملتزم واحد فهو كأداء أحد الضامنين للمال.
وإن كفلا كفالة انفراد واشتراك بأن قالا كل واحد منا كفيل لك بزيد فكل واحد منهما ملتزم له إحضاره فلا يبرأ بدونه ما دام الحق باقيا على المكفول به فهو كما لو كفلا في عقدين متفرقين وهذا قياس قول القاضي في ضمان الرجلين الدين انتهى.
فائدة لو سلم المكفول به نفسه بريء الاثنان وفرق بينه وبين ما إذا سلمه أحدهما.
قوله: "وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ الأخر".
بلا نزاع.
فوائد
إحداها يصح أن يكفل الكفيل كفيلا آخر فإن بريء الأول بريء الثاني ولا عكس وإن كفل الثاني ثالث برئ ببراءة الثاني والأول ولا عكس فلو كفل اثنان واحدا وكفل كل واحد منهما كفيل آخر فأحضره أحدهما برئ هو ومن تكفل به وبقي الأخر ومن كفل به
الثانية لو ضمن اثنان دين رجل لغريمه فلا يخلو إما أن يقول كل واحد منهما أنا ضامن لك الألف أو يطلق فإن قالا كل واحد منا ضامن لك الألف فهو ضمان اشتراك في انفراد فله مطالبة كل واحد منهما بالألف إن شاء وله مطالبتهما وإن قضاه أحدهما لم يرجع إلا على المضمون عنه.
وإن أطلقا الضمان بأن قالا ضمنا لك الألف فهو بينهما بالحصص فكل واحد منهما ضامن لحصته وهذا الصحيح من المذهب وهو قول القاضي في المجرد والخلاف والمصنف وقطع به الشارح.
وقيل كل واحد ضامن للجميع كالأول نص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية مهنا وكذا قال أبو بكر في التنبيه.
وذكر ابن عقيل فيها احتمالين وأطلق الوجهين في القواعد.
وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما.
وعلى هذا لو كان المضمون دينا متساويا على رجلين فهل يقال كل واحد منهما ضامن لنصف الدينين أو كل واحد منهما ضامن لأحدهما بانفراده إذا قلنا يصح ضمان المبهم يحتمل وجهين قاله ابن رجب في قواعده.
الثالثة لو كان على اثنين مائة لأخر فضمن كل واحد منهما الآخر فقضاه أحدهما نصف المائة أو أبرأه منه ولا نية فقيل إن شاء صرفه إلى الذي عليه بالأصالة وإن شاء صرفه إلى الذي عليه بطريق الضمان.
قلت وهو أولى.
وقد تقدم ما يشبه ذلك في الرهن بعد قوله: "وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما".
وقيل يكون بينهما نصفان وأطلقهما في الفروع.
الرابعة لو أحال عليهما ليقبض من أيهما شاء صح على الصحيح من المذهب.
وذكر ابن الجوزي وجها لا يصح كحوالته على اثنين له على كل واحد منهما مائة.
الخامسة لو أبرأ أحدهما من المائة بقي على الآخر خمسون أصالة.
السادسة لو ضمن ثالث عن أحدهما المائة بأمره وقضاها رجع على المضمون عنه بها وهل له أن يرجع بها على الأخر فيه روايتان وأطلقهما في الفروع.
قلت الذي يظهر أن له الرجوع عليه لأنه كضامن الضامن.
السابعة لو ضمن معرفته أخذ به نقله أبو طالب.
الثامنة لو أحال رب الحق أو أحيل أو زال العقد بريء الكفيل وبطل الرهن ويثبت لوارثه ذكره في الانتصار.
وذكر في الرعاية الكبرى في الصورة الأولى احتمال وجهين في بقاء الضمان.
ونقل مهنا فيها يبرأ وأنه إن عجز مكاتب رق وسقط الضمان.
وذكر القاضي أنه لو أقاله في سلم به رهن حبسه برأس ماله جعله أصلا كحبس رهن بمهر المثل بالمتعة.
التاسعة لو خيف من غرق السفينة فألقى بعض من فيها متاعه في البحر لتخف لم يرجع به على أحد سواء نوى الرجوع أو لا وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وقال في الرعاية الكبرى من عنده ويحتمل أن يرجع إذا نوى الرجوع وما هو ببعيد انتهى ويجب الإلقاء إن خيف تلف الركاب بالغرق.
ولو قال بعض أهل السفينة الق متاعك فألقاه فلا ضمان على الآمر.
وإن قال ألقه وأنا ضامنه ضمن الجميع قاله أبو بكر والقاضي ومن بعدهما.
وإن قال وأنا وركبان السفينة ضامنون وأطلق ضمن وحده بالحصة على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع ولم يذكره المصنف ولا الشارح ولا الحارثي.
وقال أبو بكر يضمنه القائل وحده إلا أن يتطوع بقيتهم واختاره ابن عقيل وقدمه في الرعاية.
وقال القاضي إن كان ضمان اشتراك فليس عليه إلا ضمان حصته وإن كان ضمان اشتراك وانفراد بأن يقول: "كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته" ضمن القائل ضمان الجميع سواء كانوا يسمعون قوله فسكتوا أو لم يسمعوا انتهى.
قال الحارثي في أخر الغصب وهو الحق وإن رضوا بما قال لزمهم.
قال في الفروع ويتوجه الوجهان.
وإن قالوا ضمناه لك ضمنوا بالحصة
وإن قالوا كل واحد منا ضامنه ضمن الجميع ذكره أبو بكر والقاضي ومن بعدهما وكذا الحكم في ضمانهم ما عليه من الدين.
ويأتي في أخر الغصب بعض هذا ومسائل تتعلق بهذا فليراجع.
العاشرة لو قال لزيد طلق زوجتك وعلي ألف أو مهرها لزمه ذلك بالطلاق قاله في الرعاية وقال أيضا لو قال بع عبدك من زيد بمائة وعلي مائة أخرى لم يلزمه شيء وفيه احتمال والله أعلم.
باب الحوالة
فوائدإحداها قال المصنف والشارح وغيرهما هي مشتقة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة وقال في المستوعب هي مشتقة من التحول لأنها تحول الحق وتنقله من ذمة إلى ذمة.
والظاهر أن المعنى واحد فإن التحول مطاوع للتحويل يقال حولته فتحول.
الثانية الحوالة عقد إرفاق تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه وليست بيعا على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب لجوازها بين الدينين المتساويين جنسا وصفة والتفرق قبل القبض واختصاصها بجنس واحد واسم خاص ولزومها.
ولا هي في معنى المبيع لعدم العين فيها وهذا الصواب.
قال المصنف وهو أشبه بكلام الإمام أحمد رحمه الله.
قال في القاعدة الثالثة والعشرين: "الحوالة" هل هي نقل للحق أو تقبيض فيه خلاف.
وقد قيل إنها بيع فإن المحيل يشتري ما في ذمته بما في ذمة المحال عليه وجاز تأخير القبض رخصة لأنه موضوع على الرفق فيدخلها خيار المجلس.
واعلم أن الحوالة تشبه المعاوضة من حيث إنها دين بدين وتشبه الاستيفاء من حيث إنه يبرئ المحيل ويستحق تسليم المبيع إذا أحال بالثمن.
ولترددها بين ذلك ألحقها بعض الأصحاب بالمعاوضة كما تقدم وألحقها بعضهم بالاستيفاء.
الثالثة نقل مهنا فيمن بعث رجلا إلى رجل له عنده مال فقال له خذ منه دينارا فأخذ منه أكثر قال الضمان على المرسل لتغريره ويرجع هو على الرسول ذكره ابن رجب في قواعده.
قوله: "ولا تصح إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول".
وكذا لو أحال على الأجرة عند العقد لم تصح وإن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح وكذا لو أحال بالأجرة.
اعلم أن الحوالة تارة تكون على مال وتارة تكون بمال.
فإن كانت الحوالة على مال فيشترط أن يكون المال المحال عليه مستقرا على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل تصح الحوالة على مال الكتابة بعد حلوله.
وفي طريقة بعض الأصحاب أن المسلم فيه منزل منزلة الموجود لصحة الإبراء منه والحوالة عليه وبه.
وقال الزركشي لا يظهر لي منع الحوالة بالمسلم فيه.
وظاهر ما قدمه في المحرر صحة الحوالة على المهر قبل الدخول وعلى الأجرة بالعقد.
وإن كانت الحوالة بمال لم يشترط استقراره وتصح الحوالة به على الصحيح من المذهب وعليه جماعة من الأصحاب وجزم به في الوجيز والكافي وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الزركشي وجزم به في المحرر في مال الكتابة وقدمه في غيره واختاره القاضي وابن عقيل في مال الكتابة ذكره في التلخيص على ما يأتي.
وقيل يشترط كون المحال به مستقرا كالمحال عليه اختاره القاضي في المجرد وجزم به الحلواني قال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة يشترط لصحتها أن تكون بدين مستقر وعلى دين مستقر.
قال في الحاويين ولا تصح إلا بدين معلوم يصح السلم فيه مستقرا على مستقر.
قال في الرعايتين إنما تصح بدين معلوم يصح السلم فيه مستقرا في الأشهر على دين مستقر قال في الفائق وتختص صحتها بدين يصح فيه السلم ويشترط استقراره في أصح الوجهين على مستقر.
قال في التلخيص فلا تصح الحوالة بغير مستقر ولا على غير مستقر فلا تصح في مدة الخيار ولا في الأجرة قبل استيفاء المنفعة ولا في الصداق قبل الدخول وكذلك دين الكتابة على ظاهر كلام أبي الخطاب
وقال القاضي وابن عقيل تصح حوالة المكاتب لسيده بدين الكتابة على من له عليه دين ويبرأ العبد ويعتق ويبقى الدين في ذمة المحال عليه للسيد انتهى.
وأطلق في الرعايتين والفروع الوجهين في الحوالة بمال الكتابة والمهر والأجرة وأطلقهما في الحاويين والفائق في الحوالة بدين الكتابة والمهر.
وقال الزركشي تبعا لصاحب المحرر الديون أربعة أقسام دين سلم ودين كتابة وما عداهما وهو قسمان مستقر وغير مستقر كثمن المبيع في مدة الخيار ونحوه.
فلا تصح الحوالة بدين السلم ولا عليه وتصح بدين الكتابة على الصحيح دون الحوالة عليه ويصحان في سائر الديون مستقرها وغير مستقرها.
وقيل لا تصح على غير مستقر بحال وإليه ذهب أبو محمد وجماعة من الأصحاب.
وقيل ولا بما ليس بمستقر وهذا اختيار القاضي في المجرد وتبعه أبو الخطاب والسامري انتهى.
تنبيه يستثنى من محل الخلاف من المال المحال عليه والمحال به دين السلم فإنه لا تصح الحوالة عليه ولا به عند الإمام أحمد وأصحابه إلا ما تقدم عن بعض الأصحاب في طريقته وكلام الزركشي.
فائدة في صحة الحوالة برأس مال السلم وعليه وجهان وأطلقهما في المحرر وشرحه والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والزركشي.
أحدهما لا تصح قدمه في الرعاية الكبرى في باب القبض والضمان من البيوع فقال لا يصح التصرف في رأس مال السلم بعد فسخه واستقراره بحوالة ولا بغيرها وقيل يصح انتهى.
وتقدم ذلك في باب السلم في كلام المصنف.
تنبيه خرج من كلام المصنف لو أحال من لا دين عليه على من عليه دين فإنه لا يسمى حوالة بل هو وكالة في القبض ولو أحال من لا دين عليه على من لا دين عليه فهو وكالة في اقتراض لا حوالة.
ولو أحال من عليه دين على من لا دين عليه فهو وكالة في اقتراض أيضا فلا يصارفه نص عليه.
قال في الموجز والتبصرة إن رضي المحال عليه بالحوالة صار ضامنا يلزمه الأداء.
فائدة قوله: "الثاني اتفاق الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل".
بلا نزاع في الجملة.
ويشترط أيضا علم المال وأن يكون فيما يصح فيه السلم من المثليات وفي غير المثلى كمعدود ومذروع وجهان وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع والفائق والزركشي.
وقال في الرعايتين والحاويين وإنما تصح بدين معلوم يصح السلم فيه وأطلقا في إبل الدية الوجهين.
أحدهما تصح في المعدود والمذروع.
قال القاضي في المجرد تجوز الحوالة بكل ما صح السلم فيه وهو ما يضبط بالصفات سواء كان له مثل كالأدهان والحبوب والثمار أولا مثل له كالحيوان والثياب.
وقد أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية الأثرم وقدمه ابن رزين في شرحه.
قال الناظم تصح فيما يصح السلم فيه.
والوجه الثاني لا تصح قال الشارح ويحتمل أن يخرج هذان الوجهان على الخلاف فيما يقضي به قرض هذه الأموال انتهى.
وأما الأبل فقال الشارح لو كان عليه إبل من الدية وله على آخر مثلها في السن فقال القاضي تصح لأنها تختص بأقل ما يقع عليه الاسم في السن والقيمة وسائر الصفات.
وقال أبو الخطاب لا تصح في أحد الوجهين لأنها مجهولة.
وإن كان عليه إبل من دية وله على آخر مثلها قرضا فأحاله فإن قلنا يرد في القرض قيمتها لم تصح الحوالة لاختلاف الجنس وإن قلنا يرد مثلها اقتضى قول القاضي صحة الحوالة.
وإن كانت بالعكس فأحال المقرض بإبل لم يصح انتهى.
تنبيه قوله: "اتفاق الدينين في الجنس" كالذهب بالذهب والفضة بالفضة ونحوهما والصفة كالصحاح بالصحاح وعكسه.
فلو أحال من عليه دراهم دمشقية بدراهم عثمانية لم تصح قطع به المصنف والشارح وابن رزين وغيرهم.
قال الزركشي وكذلك لا تصح عند من ألحقها بالمعاوضة إذ اشتراط التفاوت فيهما ممتنع كالقرض.
وأما من ألحقها بالاستيفاء فقال إن كان تلفوتا يجبر على أخذه عند بذله كالجيد عن الردئ صحت وإلا فلا انتهى.
قوله: "والثالث أن يحيل برضاه ولا يعتبر رضى المحال عليه ولا رضى المحتال إذا كان المحال عليه مليئا".
لا يعتبر رضى المحتال إذا كان المحال عليه مليئا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب فيجبر على قبولها وهو من مفردات المذهب.
وعنه يعتبر رضاه ذكرها ابن هبيرة ومن بعده.
فائدتان
إحداهما فسر الإمام أحمد رضي الله عنه المليء فقال هو أن يكون مليئا بماله وقوله وبدنه وجزم به في المحرر والنظم والفروع والفائق وغيرهم.
زاد في الرعاية الصغرى والحاويين أو فعله.
وزاد في الكبرى عليهما وتمكنه من الأداء.
وقيل هو المليء بالقول والأمانة وإمكان الأداء.
قال الزركشي عن تفسير الإمام أحمد الذي يظهر أن المليء بالمال أن يقدر على الوفاء والقول أن لا يكون مماطلا والبدن أن يمكن حضوره إلى مجلس الحكم.
الثانية يبرأ المحيل بمجرد الحوالة ولو أفلس المحال عليه أو جحد أو مات على الصحيح من المذهب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله وصححه القاضي يعقوب.
قال الناظم وصاحب الفائق هذا المشهور عن الإمام أحمد وقدمه في الرعايتين والنظم والحاويين والفروع وغيرهم.
وعنه لا يبرأ إلا برضى المحتال فإن أبى أجبره الحاكم لكن تنقطع المطالبة بمجرد الحوالة.
وقال في الفائق وعنه لا يبرأ مطلقا وهو ظاهر كلام الخرقي وتفيد الإلزام فقط ذكرها في النكت وهو المختار انتهى.
فهذه رواية ثالثة قل من ذكرها.
وأطلق الروايتين الأولتين في المحرر والزركشي.
قال في القاعدة الثالثة والعشرين ومبنى الروايتين أن الحوالة هل هي نقل للحق أو تقبيض فإن قلنا هي نقل للحق لم يعتبر لها قبول وإن قلنا هي تقبيض فلا بد من القبض بالقول وهو قبولها فيجبر المحتال عليه انتهى.
فعلى الرواية الثانية قال في الفروع ويتوجه أن للمحتال مطالبة المحيل قبل إجبار الحاكم وذكر أبو حازم وابنه أبو يعلى ليس له المطالبة كتعيينه كيسا فيريد غيره.
قوله: "وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضى بالحوالة رجع عليه وإلا فلا".
هنا مسائل.
الأولى لو رضى المحتال بالحوالة مطلقا برئ المحيل.
الثانية لو ظهر أنه مفلس من غير شرط ولا رضى من المحتال وهي إحدى مسألتي المصنف رجع بلا نزاع.
الثالثة لو رضى بالحوالة ولم يشترط اليسار وجهله أو ظنه مليئا فبان مفلسا وهي مسألة المصنف الثانية بريء المحيل على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
ويحتمل أن يرجع وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ذكرها المصنف في المغنى وقال وبه قال بعض أصحابنا وذكره بعضهم وجها وهو ظاهر ما جزم به ابن رزين في نهايته ونظمها وأطلقهما في النظم والرعايتين والحاويين.
وقيل الخلاف وجهان وقدمه في الرعاية الكبرى وهي طريقة ابن البنا.
الرابعة لو شرط المحيل أن المحال عليه مليء ثم تبين عسرته رجع المحتال على المحيل بلا نزاع وتقدم إذا أحاله على مليء.
قوله: "وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا فالحوالة باطلة" بلا نزاع.
قوله: "وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة".
إذا فسخ البيع بعيب أو إقالة أو خيار أو انفسخ النكاح بعد الحوالة بين الزوجين ونحوها فلا يخلو إما أن يكون بعد قبض المحتال مال الحوالة أو قبله فإن كان بعد القبض لم تبطل الحوالة قولا واحدا قاله ابن منجا في شرحه وجزم به في المغنى والشرح والمصنف هنا وغيرهم.
فعلى هذا للمشتري الرجوع على البائع في مسألتي حوالته والحوالة عليه لا على من كان عليه الدين في المسألة الأولى ولا على من أحيل عليه في الثانية.
وإن كان قبل القبض لم تبطل الحوالة أيضا على الصحيح من المذهب سواء أحيل على المشتري بثمن المبيع أو أحال به كما لو أعطى البائع بالثمن عرضا جزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأمي وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه المصنف وصاحب المحرر والفروع وغيرهم.
والحكم على هذا كالحكم فيما إذا كان بعد القبض على ما تقدم.
وللبائع أن يحيل المشتري على من أحاله المشترى عليه في الصورة الأولى.
وللمشترى أن يحيل المحتال عليه على البائع في الصورة الثانية.
ويحتمل أن يبطل وهو وجه كما لو بان البيع باطلا ببينة أو اتفاقهما ولا تفريع عليه وجزم به ابن رزين في نهايته ونظمها وأطلقهما في المغنى والشرح وشرح ابن منجا والنظم وقال القاضي تبطل الحوالة به لا عليه لتعلق الحق بثالث.
وجزم في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والتلخيص والبلغة.
وغيرهم بصحة الحوالة على المشتري وهي الصورة الثانية في كلام المصنف.
وأطلقوا الوجهين في بطلان الحوالة به وهي الصورة الأولى في كلام المصنف إلا في الكافي فإنه قدم بطلان الحوالة وأطلقهن في الرعايتين والحاويين والفائق.
فعلى الوجه الثاني هل يبطل إذن المشتري للبائع أم لا فيه وجهان واطلقهما في الفروع
أحدهما يبطل قدمه في الرعاية الكبرى.
والثاني لا يبطل قال في التلخيص فعلى وجه بطلان الحوالة لا يجوز له القبض فإن فعل احتمل أن لا يقع عن المشتري لأن الحوالة انفسخت فبطل الإذن الذي كان ضمنها واحتمل أن يقع عنه لأن الفسخ ورد على خصوص جهة الحوالة دون ما تضمنه الإذن فيضاهي تردد الفقهاء في الأمر إذا نسخ الوجوب هل يبقى الجواز والأصح عند أصحابنا بقاؤه وإذا صلى الفرض قبل وقته انعقد نفلا انتهى.
قال شيخنا في حواشي الفروع وهذا يرجع إلى قاعدة وهي ما إذا بطل الوصف هل يبطل الأصل أو يبطل الوصف فقط؟.
ويرجع إلى قاعدة وهي إذا بطل الخصوص هل يبطل العموم وهي مسألة خلاف بين العلماء ذكرها في القواعد الأصولية.
قوله: "وإن قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني فالقول قول مدعي الوكالة".
هذا المذهب فيهما وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغنى والكافي والمحرر والشرح والنظم وشرح ابن منجا والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والرعايتين والحاويين.
وقيل القول قول مدعي الحوالة اختاره القاضي وقدمه في الخلاصة وأطلقهما في التلخيص والفروع.
قوله: "وإن اتفقا على أنه قال أحلتك وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الأخر ففي أيهما يقبل قوله؟ وجهان".
وأطلقهما في الكافي والمغنى وشرح ابن منجا والنظم والحاويين والفروع.
أحدهما القول قول مدعي الوكالة وهو المذهب جزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الآدمي وغيرهم وقدمه في المحرر والرعايتين وصححه في التصحيح والوجيز.
والوجه الثاني القول قول مدعي الحوالة وصححه في التلخيص والفائق وتجريد العناية قلت وهو الصواب.
فائدتان
إحداهما مثل ذلك في الحكم لو قال أحلتك بديني وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة قاله في الفروع.
وقدم في الرعاية الكبرى في هذه أن القول قول مدعي الحوالة.
الثانية لو اتفقا على أنه قال أحلتك بالمال الذي قبل فلان ثم اختلفا فقال المحيل إنما وكلتك في القبض لي وقال الأخر بل أحلتني بديني فقيل القول قول المحيل قدمه في الرعايتين والحاويين والفائق.
قال في الفروع جزم به جماعة.
وقيل القول قول مدعي الحوالة لأن الظاهر معه وقدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع ويأتي عكسها.
فعلى الأول يحلف المحيل ويبقى حقه في ذمة المحال عليه قاله المصنف والشارح.
قال في الرعاية الكبرى والفروع لا يقبض المحتال من المحال عليه لعزله بالإنكار وفي طلب دينه من المحيل وجهان وأطلقهما في الرعاية والحاويين والفائق والفروع.
وقال لأن دعواه الحوالة براءة.
أحدهما له طلبه وهو الصحيح من المذهب صححه المصنف والشارح.
وعلى الثاني يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل.
قال المصنف والشارح وعلى كلا الوجهين إن كان المحتال قد قبض الحق من المحال عليه وتلف في يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان عليه سواء تلف بتفريط أو غيره.
وإن لم يتلف احتمل أن لا يملك المحيل طلبه ويحتمل أن يملك أخذه منه ويملك مطالبته بدينه وهو الصحيح.
قال في الفروع تفريعا على القول الأول وما قبضه المحتال ولم يتلف فللمحيل أخذه في الأصح وجزم به في الرعاية الكبرى وأطلقهما في المغنى والشرح.
وقيل يملك المحيل أخذه منه ولا يملك المحتال المطالبة بدينه لاعترافه ببراءة المحيل منه بالحوالة وقد تقدم.
قال المصنف والشارح وليس بصحيح انتهيا.
وإن كانت المسألة بالعكس بأن قال المحيل أحلتك بدينك فقال بل وكلتني ففيها الوجهان وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
أحدهما يقبل قول مدعي الوكالة وهو الصحيح جزم به في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
والوجه الثاني القول قول مدعي الحوالة.
فإن قلنا القول قول المحيل فحلف برئ من حق المحتال وللمحتال قبض المال من المحال عليه لنفسه.
وإن قلنا القول قول المحتال فحلف كان له مطالبة المحيل بحقه ومطالبة المحال عليه فإن قبض منه قبل أخذه من المحيل فله اخذ ما قبض لنفسه وإن استوفى من المحيل دون المحال عليه رجع المحيل على المحال عليه في أحد الوجهين.
قال القاضي وهذا أصح.
والوجه الثاني لا يرجع عليه وأطلقهما في المغنى والشرح والرعايتين والحاويين والفائق.
وإن كان قبض الحوالة فتلفت في يده بتفريط أو أتلفها سقط حقه على كلا الوجهين.
وإن تلفت بغير تفريط فعلى الوجه الأول يسقط حقه أيضا وعلى الوجه الثاني له أن يرجع على المحيل بحقه وليس للمحيل الرجوع على المحال عليه قاله المصنف والشارح.
قوله: "وإن قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا".
يعني إذا اتفقا على ذلك وادعى أحدهما أنه أريد به الوكالة وأنكر الآخر فالقول قول مدعي الحوالة لا أعلم فيه خلافا وقطع به الأصحاب.
فائدة قال الشيخ تقي الدين رحمه الله الحوالة على ماله في الديوان إذن في الاستيفاء فقط وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله.
تنبيه ذكر بعض المصنفين مسألة المقاصة هنا وذكرها بعضهم في آخر السلم ولم يذكرها المصنف وذكر ما يدل عليها في كتاب الصداق.
وقد ذكرناها في أخر باب السلم فليعاود.
باب الصلح
فائدة الصلح عبارة عن معاقدة يتوصل بها إلى إصلاح بين مختلفين.قاله المصنف وغيره.
قال ابن رزين في شرحه هو الموافقة بعد المنازعة انتهى.
والصلح أنواع صلح بين المسلمين وأهل الحرب وتقدم في الجهاد وصلح بين أهل البغي والعدل ويأتي وبين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما أو خافت الزوجة إعراض زوجها عنها ويأتي أيضا وبين المتخاصمين في غير المال أو في المال وهو المراد هنا.
وهو قسمان صلح على الإقرار وصلح على الإنكار.
وقسم بالمال وهو الصلح مع السكوت عنه.
قوله: "في صلح الإقرار أحدهما الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها.
ويأخذ الباقي فيصح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول على أن تعطيني الباقي أو يمنعه حقه بدونه".
إذا أقر له بدين او بعين فوضع عنه بعضه أو وهب له بعضها من غير شرط فهو صحيح لأن الأول إبراء والثاني هبة بلا نزاع لكن لا يصح بلفظ الصلح على الصحيح من المذهب لأنه هضم للحق.
قال في الفرع لا بلفظ الصلح على الأصح.
قال الزركشي هذا المشهور وهو مختار القاضي وابن عقيل وغيرهما.
قال القاضي وهو مقتضى قول الإمام أحمد رحمه الله ومن اعترف بحق فصالح على بعضه لم يكن صلحا لأنه هضم للحق.
وقدمه في التلخيص وغيره وهو مقتضى كلام الخرقي وابن أبي موسى انتهى وهو من المفردات.
وعنه يصح بلفظ الصلح وهو ظاهر ما في الموجز والتبصرة واختاره ابن البنا في خصاله.
فائدة ظاهر كلام الخرقي أن الصلح على الإقرار لا يسمى صلحا وقاله ابن أبي موسى وسماه القاضي وأصحابه صلحا ق.
ال المصنف والشارح وغيرهما والخلاف في التسمية وأما المعنى فمتفق عليه.
قال الزركشي وصورته الصحيحة عندهم أن يعترف له بعين فيعاوضه عنها أو يهبه بعضها أو بدين فيبرئه من بعضه ونحو ذلك فيصح إن لم يكن بشرط ولا امتناع من أداء الحق بدونه انتهى.
وقول المصنف إن لم يكن بشرط له صورتان.
إحداهما أن يمنعه حقه بدونه فالصلح في هذه الصورة باطل قولا واحدا.
والثانية أن يقول على أن تعطيني الباقي أو كذا وما أشبهه فالصلح أيضا في هذه الصورة باطل على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به الأكثر.
وقيل يصح الصلح والحالة هذه.
قوله: "ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له ونحوهما إلا في حال الإنكار وعدم البينة". بلا نزاع فيهما.
وقوله: "وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم البينة".
هو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل لا يصح الصلح أيضا قطع به في الترغيب.
فائدة يصح الصلح عما ادعى على موليه وبه بينة على الصحيح من المذهب وقيل لا يصح
قوله: "ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح".
هذا المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وفي الإرشاد والمبهج رواية يصح.
واختاره الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا وكدين الكتابة جزم به الأصحاب في دين الكتابة ونقله ابن منصور.
وهي مستثناة من عموم كلام المصنف.
قوله: "وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه صح الإسقاط دون التأجيل".
أما الإسقاط فيصح على الصحيح من المذهب واختاره المصنف والشارح وغيرهما وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه لا يصح الإسقاط.
وأما التأجيل فلا يصح على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب لأنه وعد وعنه يصح وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله رواية بتأجيل الحال في المعاوضة لا التبرع.
قال في الفروع والظاهر أنها هذه الرواية.
وأطلق في التلخيص الروايتين في صحة الصلح.
ثم قال والذي أراه أن الروايتين في البراءة وهو الإسقاط فأما الأجل في الباقي فلا يصح بحال لأنه وعد انتهى.
واعلم أن أكثر الأصحاب قالوا: لا يصح الصلح في هذه المسألة وصححه في الهداية، والمذهب، والمستوعب، والخلاصة، وغيرهم وجزم به في الكافي وغيره وقدمه ناظم المفردات فقال:
والدين إن يوصف بالحلول ... فالصلح لا يصح في المنقول
عليه بالبعض مع التاجيل ... رجحه الجمهور بالدليل
وقال بالجزم به في الكافي ... وفصل المقنع للخلاف
فصحح الإسقاط دون الآجل ... وذاك نص الشافعي ينجلي
انتهى.
فائدة: مثل ذلك - خلافا ومذهبا -: لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة، هل هو: إبراء من الخمسين أو وعد في الأخرى؟.
قوله: "وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح".
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله: الصحة في ذلك وأنه قياس قول الإمام أحمد رحمه الله كعوض وكالمثلى.
قال في الفروع: ويخرج على ذلك تأجيل القيمة قاله القاضي وغيره.
وذكر المصنف والشارح ومن تبعهما رواية بالصحة فيما إذا صالح عن المائة الثابتة بالإتلاف بمائة مؤجلة.
قوله: "وإن صالحه بعرض قيمته أكثر منها صح فيهما".
بلا نزاع.
فائدة لو كان في ذمته مثليا من قرض أو غيره لم يجز أن يصالح عنه بأكثر منه من جنسه وإن صالح عن قيمة ذلك بأكثر منها: جاز قطع به في الفروع والرعاية وهو ظاهر ما جزم به في المحرر وغيره ككلام المصنف.
قوله: "وإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح".
بلا نزاع أعلمه".
ومفهوم قوله: "وإن دفع المدعي عليه العبودية إلى المدعى مالا صلحا عن دعواه صح".
أن المرأة لو دفعت مالا صلحا عن دعواه عليها الزوجية: لم يصح وهو أحد الوجهين وقدمه ابن رزين في شرحه وهو ظاهر كلامه في المذهب والهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم وكلامهم ككلام المصنف.
والوجه الثاني: يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل "وهو الصحيح" جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الكافي وغيره وصححه في النظم وغيره وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع والرعايتين والحاويين والفائق.
قال المصنف والشارح: "ومتى صالحته على ذلك ثم ثبتت الزوجية بإقرارها أو ببينة فإن قلنا الصلح باطل فالنكاح باق بحاله وإن قلنا هو صحيح احتمل ذلك أيضا.
قلت: وهو الصواب.
واحتمل أن تبين منه بأخذ العوض عما يستحقه من نكاحها فكان خلعا وأطلقهما في الفروع والفائق وشرح ابن رزين.
فائدة: لو طلقها ثلاثا أو أقل فصالحها على مال لتترك دعواها: لم يجز وإن دفعت إليه مالا ليقر بطلاقها لم يجز في أحد الوجهين.
قلت: هذا الصحيح من المذهب.
وفي الآخر: يجوز كما لو بذلته ليطلقها ثلاثا.
قلت: يجوز لها أن تدفع إليه ويحرم عليه أن يأخذ وأطلقهما في المغنى والشرح والفروع.
تنبيه قوله: "النوع الثاني أن يصالحه عن الحق بغير جنسه فهو معاوضه فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف".
يشترط فيه ما يشترط في الصرف.
ومفهوم قوله: "وإن كان بغير الأثمان فهو بيع".
أن البيع يصح بلفظ الصلح وهو ظاهر كلام القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول وقاله في الترغيب.
وقال في التلخيص وفي انعقاد البيع بلفظ الصلح تردد يحتمل أن يصح ويحتمل أن لا يصح وعللهما.
وتقدم ذلك في كتاب البيع.
فائدتان
إحداهما يجوز الصلح عن دين بغير جنسه مطلقا ويحرم بجنسه بأكثر أو أقل على سبيل المعاوضة وتقدم قريب من ذلك.
الثانية: لو صالح بشيء في الذمة حرم التفرق قبل القبض.
قوله: "وإن صالحه بمنفعة كسكنى دار فهو إجارة تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات".
قاله الأصحاب وذكر صاحب التعليق والمحرر لو صالح الورثة من وصي له بخدمة أو سكنى أو حمل أمة بدراهم مسماة جاز لا بيعا.
قوله: "وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فبان أنه ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهرها".
وهكذا رأيت في نسخة قرئت على المصنف والمصنف ممسك للأصل وعليها خطه وكذا قال في الخلاصة والمحرر وإدراك الغاية وغيرهم.
قال في تذكرة ابن عبدوس: "فبان صحيحا".
وفي منور الآدمي ومنتخبه: "فبان أن لا عيب".
وفي تجريد العناية: فبان بخلافه وعليها شرح الشارح.
فمفهوم كلام هؤلاء أنه لو كان به عيب حقيقة ثم زال عند المشترى: أنه لا يرجع بالأرش.
قال ابن نصر الله فى حواشى الوجيز: بلا خلاف.
ووجد فى نسخ فزال أى العيب وكذا فى الكافى والوجيز والفروع وغيرهم.
فظاهر كلام هؤلاء أنه إن كان به عيب حقيقة ثم زال كالحمى مثلا والمرض ونحوهما.
لكن أوله ابن منجا في شرحه وقال معنى "زال" تبين وذكر أنه لمصلحة من أذن له في إصلاحه كالنسخة الأولى ومثله بما إذا كان المبيع أمة ظنها حاملا لانتفاخ بطنها ثم زال.
وقال: صرح به أبو الخطاب في الهداية.
ثم قال: فعلى هذا: إن كان موجودا –أي: العيب- عند العقد ثم زال كمبيع طير مريضا فتعافى لا شيء لها وزوال العيب بعد ثبوته حال العقد لا يوجب بطلان الأرش.
لكن تأويله مخالف لظاهر اللفظ وهو مخالف لما صرح به في الرعايتين والحاويين والمذهب والنظم فإنهم ذكروا الصورتين وجعلوا حكمهما واحدا.
إذا تحقق ذلك فهنا صورتان:.
إحداهما: إذا تبين أنه ليس بعيب فهذه لا نزاع فيها في رد الأرش.
الثانية: إذا كان العيب موجودا ثم زال فهذه محل الكلام والخلاف.
فحكى في الرعايتين فيها وجهين وزاد في الكبرى قولا ثالثا.
أحدها: أنه حيث زال يرد الأرش وهو الذي قطع به في المذهب والحاويين وقدمه في الرعايتين وهو ظاهر قوله في الوجيز والكافي والفروع لاقتصارهم على قولهم "فزال".
والقول الثاني: أن الأرش قد استقر لمن أخذه ولو زال العيب ولا يلزمه رده وهذا ظاهر ما في الخلاصة والمقنع في نسخة والمحرر والشرح وإدراك الغاية وتذكرة ابن عبدوس والمنور والمنتخب وتجريد العناية لاقتصارهم على قولهم "فتبين أنه ليس بعيب" اختاره ابن منجا.
وقال ابن نصر الله: لا خلاف فيه.
وكأنه ما اطلع على كلامه في المذهب والرعايتين والحاويين.
ولنا قول ثالث في المسألة اختاره ابن حمدان في الكبرى.
فقال: قلت: إن زال العيب والعقد جائز أخذه وإلا فلا انتهى.
قلت: وهو أقرب من القولين ويزاد: "إذا زال سريعا عرفا والله أعلم.
وبعده القول بعدم الرد.
والقول بالرد مطلقا إذا زال العيب بعيد إذ لا بد من حد يرد فيه.
ثم وجدته في النظم قال إذا زال سريعا فحمدت الله على موافقة ذلك.
قوله: "ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة".
سواء كان عينا أو دينا أو كان الجهل من الجانبين أو ممن عليه وهذا المذهب مطلقا.
وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي وابن عقيل وقطع به كثير منهم.
وخرج القاضي في التعليق وأبو الخطاب في الانتصار وغيرهما: عدم الصحة في صلح المجهول والإنكار من البراءة من المجهول.
وخرجه في التبصرة من الإبراء من عيب لم يعلماه.
وقيل: لا يصح عن أعيان مجهولة لكونه إبراء وهي لا تقبله.
وقال في الترغيب: وهو ظاهر كلامه واختاره في التلخيص وقال: قاله القاضي في التعليق الكبير.
تنبيه: مفهوم كلامه: أنه إذا أمكن معرفة المجهول لا يصح الصلح عنه وهو صحيح جزم به في المغنى والكافي والشرح والمحرر والفائق وغيرهم لعدم الحاجة كالبيع.
قال في الفروع: وهو ظاهر نصوصه وهو ظاهر ما جزم به في الإرشاد وغيره.
والذي قدمه في الفروع أنه كبراءة من مجهول.
قال في التلخيص: وقد نزل أصحابنا الصلح عن المجهول المقر به بمعلوم منزلة الإبراء من المجهول فيصح على المشهور لقطع النزاع.
وإن قلنا لا يصح الإبراء من المجهول فلا يصح الصلح عنه.
فائدة: حيث قلنا: يصح الصلح عن المجهول فإنه يصح بنقد ونسيئة جزم به في الفروع وغيره من الأصحاب.
قوله: "القسم الثاني أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره أو يسكت ثم يصالحه على مال فيصح ويكون بيعا في حق المدعي حتى إن وجد بما أخذه عيبا فله رده وفسخ الصلح وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة".
وإن صالح ببعض العين المدعى بها فهو فيه كالمنكر قاله الأصحاب.
قال في الفروع: وفيه خلاف.
قال في الرعاية الكبرى: فهو كالمنكر وفي صحته احتمالان.
"ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صالح عنه بعيب ولا يؤخذ بشفعة".
اعلم أن الصحيح من المذهب: صحة الصلح على الإنكار وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه لا يصح الصلح عن الإنكار.
فعلى المذهب: يثبت فيه ما قال المصنف وعليه الأصحاب.
لكن قال في الإرشاد: يصح هذا الصلح بنقد ونسيئة لأن المدعى ملجا إلى التأخير بتأخير خصمه.
قال في التلخيص والترغيب: وظاهر ما ذكره ابن أبي موسى: أن أحكام البيع والصرف لا تثبت في هذا الصلح إلا فيما يختص بالبيع من شفعة عليه وأخذ زيادة مع اتحاد جنس المصالح عنه والمصالح به لأنه قد أمكنه أخذ حقه بدونها وإن تأخر.
واقتصر صاحب المحرر على قول الإمام أحمد رحمه الله إذا صالحه على بعض حقه بتأخير: جاز.
وعلى قول ابن أبي موسى: الصلح جائز بالنقد والنسيئة ومعناه ذكره أبو بكر فإنه قال: الصلح بالنسيئة.
ثم ذكر رواية مهنا: يستقيم أن يكون صلحا بتأخير فإذا أخذه منه لم يطالبه بالبقية انتهى.
قلت ممن قطع بصحة صلح الإنكار بنقد وسيئة ابن حمدان في الرعاية وذكره في المستوعب والتلخيص والحاويين وغيرهم عن ابن أبي موسى واقتصروا عليه.
قوله: "وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح".
إذا صالح عن المنكر أجنبي فتارة يكون المدعى به دينا وتارة يكون عينا.
فإن كان المدعى به دينا صح الصلح عند الأصحاب وجزم به الأكثر منهم صاحب الفروع.
وقيل: لا يصح لأنه بيع دين لغير المديون ذكره في الرعاية الكبرى.
وإن كان عينا ولم يذكر أن المنكر وكله فظاهر كلام المصنف هنا صحة الصلح وهو المذهب وهو ظاهر كلامه في الوجيز وغيره وجزم به في المغنى والكافي والشرح وشرح ابن منجا وقدمه في الرعايتين والفائق.
وقيل: لا يصح إن لم يدع أنه وكله جزم به في المحرر والحاويين وهو ظاهر ما جزم به ابن رزين في نهايته وقدمه في النظم وأطلقهما في الفروع.
قوله: "ولم يرجع عليه في أصح الوجهين".
قال في الخلاصة: لا يصح في الأصح وصححه ابن منجا في شرحه.
قال في الرعاية الكبرى: أظهرهما لا يرجع واختاره في الحاوي الكبير.
وهو ظاهر ما جزم به في الحاوي الصغير فإنه قال: ورجع إن كان أذن.
وجزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفائق والشرح والنظم.
والوجه الثاني: يرجع إن نوى الرجوع وإلا فلا.
قال المصنف: ومن تبعه وخرجه القاضي وأبو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه الثابت بغير إذنه.
قال المصنف: وهذا التخريج لا يصح وفرق بينهما قال في الفائق: والتخريج باطل وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والرعاية الصغرى والحاوي الكبير والفروع.
قوله: "وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح".
إذا لم يعترف الأجنبي للمدعي بصحة دعواه فالصلح باطل بلا نزاع أعلمه.
وإن اعترف له بصحة الدعوى وكان المدعى به دينا: لم يصح أيضا على الصحيح من المذهب ومن الأصحاب من قال: يصح.
قال في المغنى والشرح.
وليس بجيد قال ابن منجا في شرحه: وليس بشيء.
وإن كان المدعى به عينا فقال الأجنبي للمدعى أنا أعلم أنك صادق فصالحني عنها فإني قادر على استنقاذها من المنكر صح الصلح قاله الأصحاب.
فإن عجز عن انتزاعه: فله الفسخ كما قال المصنف هنا.
قال في المغنى: ويحكى أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبين أن الصلح كان فاسدا.
وهذه طريقة المصنف والشارح وغيرهما في هذه المسألة.
وقال في الفروع: ولو صالح الأجنبي ليكون الحق له مع تصديقه المدعى فهو شراء دين أو مغصوب تقدم بيانه.
وكذا قال في الرعاية والحاوي والفائق وغيرهم وهو الصواب.
والذي تقدم هو في آخر باب السلم عند قوله: "ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته".
قوله: "ويصح الصلح عن القصاص بديات وبكل ما يثبت مهرا".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: لا يصح بمبهم من أعيان مختلفة.
وقال في الرعاية الكبرى: ويحتمل منع صحة الصلح بأكثر منها.
قال أبو الخطاب في الانتصار: لا يصح الصلح لأن الدية تجب بالعفو والمصالحة فلا يجوز أخذ أكثر من الواجب من الجنس.
وقال في الترغيب والتلخيص: يصح بما يزيد على قدر الدية إذا قلنا يجب القود عينا.
أو اختاره الولي على القول بوجوب أحد شيئين.
وقيل: الاختيار يصح على غير جنس الدية ولا يصح على جنسها إلا بعد تعيين الجنس -من إبل أو غنم- حذرا من ربا النسيئة وربا الفضل انتهى.
وتابعه في الرعاية الكبرى والفائق وجماعة.
ويأتي التنبيه على ذلك في أوائل باب العفو عن القصاص.
وتقدم الصلح عن دية الخطأ أنه لا يصح بأكثر منها من جنسها.
فوائد
الأولى: قال في الفروع: وظاهر كلامهم: يصح حالا ومؤجلا وذكره صاحب المحرر.
قلت: قال في الرعاية الكبرى ويصح الصلح عن القود بما يثبت مهرا ويكون حالا في مال القاتل.
الثانية: لو صالح عن القصاص بعبد أو غيره فخرج مستحقا أو حرا: رجع بقيمته ولو علما كونه مستحقا أو حرا أو كان مجهولا كدار وشجرة بطلت التسمية ووجبت الدية أو أرش الجرح.
وإن صالح على حيوان مطلق من آدمي أو غيره صح ووجب الوسط على الصحيح من المذهب وخرج بطلانه.
الثالثة: لو صالح عن دار ونحوها بعوض فبان العوض مستحقا: رجع بالدار ونحوها أو بقيمته إن كان تالفا لأن الصلح هنا بيع حقيقة إذا كان الصلح عن إقرار وإن كان عن إنكار: رجع بالدعوى.
قال في الرعاية: قلت: أو قيمته مع الإنكار.
وحكاه في الفروع قولا لأنه فيه بيع.
قوله: "وإن صالح سارقا".
وكذا شاربا ليطلقه أو شاهدا ليكتم شهادته أو لئلا يشهد عليه أو ليشهد بالزور أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح بلا نزاع وكذا لو صالحه بعوض عن خيار.
قوله: "وتسقط الشفعة".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الرعايتين: وتسقط الشفعة في الأصح.
قال في الحاويين: وتسقط في أصح الوجهين وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح والتلخيص والوجيز والمنور وغيرهم.
وقيل: لا تسقط اختاره القاضي وابن عقيل.
قال في تجريد العناية: وتسقط في وجه وأطلقهما في المحرر والفروع والفائق.
ويأتي ذلك أيضا في كلام المصنف في باب الشفعة في الشرط الثالث.
وأما سقوط حد القذف: فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في الخلاصة والمحرر والفائق وغيرهم.
وهما مبنيان عند أكثر الأصحاب على أن حد القذف هل هو حق لله أو للآدمي؟ فيه روايتان يأتيان إن شاء الله تعالى في كلام المصنف في أوائل باب القذف.
فإن قلنا: هو حق لله لم يسقط وإلا سقط والصحيح من المذهب أنه حق للآدمي فيسقط الحد هنا على الصحيح.
وقال في الرعاية الكبرى: وتسقط الشفعة في الأصح وكذا الخلاف في سقوط حد القذف وقيل إن جعل حق آدمي سقط وإلا وجب.
قوله: "وإن صالحه على أن يجري على أرضه أو سطحه ماء معلوما صح".
بلا نزاع أعلمه.
لكن إن صالحه بعوض فإن كان مع بقاء ملكه: فهي إجارة وإلا بيع.
وإن صالحه على موضع قناة من أرضه يجري فيها ماء وببناء موضعها وعرضها وطولها: جاز ولا حاجة إلى بيان عمقه ويعلم قدر الماء بتقدير الساقية وماء مطر: برؤية ما يزول عنه الماء ومساحته ويعتبر فيه تقدير ما يجري فيه الماء لا قدر المدة للحاجة كالنكاح.
فوائد
الأولى: إذا أراد أن يجري ماء في أرض غيره من غير ضرر عليه ولا على أرضه لم يجز له ذلك إلا بإذن ربها إن لم تكن حاجة ولا ضرورة بلا نزاع وإن كان مضرورا إلى ذلك: لم يجز أيضا إلا بإذنه على الصحيح من المذهب.
قال المصنف وصاحب الحاوي الكبير والشارح: هذا أقيس وأولى وقدمه في الفروع.
وعنه يجوز ولو مع حفر اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله وصاحب الفائق وقدمه في الرعاية الكبرى وجزم به في الوجيز وأطلقهما في المغنى والشرح والرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
فعلى الرواية الثانية: لا يجوز فعل ذلك إلا للضرورة وهو ظاهر ما قطع به في المغني والشرح والحاوي الكبير وجزم به في الفائق والوجيز.
وقيل: يجوز للحاجة.
وصاحب الرعايتين والحاوي الصغير: إنما حكوا الروايتين في الحاجة.
وأطلق القولين في الفروع وأطلقهما ابن عقيل في حفر بئر أو إجراء نهر أو قناة.
نقل أبو الصقر: إذا أساح عينا تحت أرض فانتهى حفره إلى أرض لرجل أو دار: فليس له منعه من ظهر الأرض ولا بطنها إذا لم يكن عليه مضرة.
الثانية: لو كانت الأرض في يده بإجارة جاز للمستأجر أن يصالح على إجراء الماء فيها في ساقية محفورة مدة لا تجاوز مدة الإجارة وإن لم تكن الساقية محفورة: لم تجز المصالحة على
ذلك وكذا حكم المستعير.
ولا يصح منهما الصلح على إجراء ماء المطر على سطح.
وفيه على أرض بلا ضرر احتمالان وأطلقهما في الفروع والمغنى والشرح والحاوي الكبير.
قلت الصواب عدم الجواز ثم رأيت ابن رزين في شرحه قدمه.
وإن كانت الأرض التي في يده وقفا فقال القاضي وابن عقيل هو كالمستأجر وجزم به في الرعاية الكبرى وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقدمه ابن رزين في شرحه.
وقال المصنف: يجوز له حفر الساقية لأن الأرض له وله التصرف فيها كيف شاء ما لم ينقل الملك فيها إلى غيره بخلاف المستأجر.
قال في الفروع: فدل أن الباب والخوخة والكوة ونحو ذلك: لا يجوز فعله في دار مؤجرة وفي موقوفة: الخلاف أو يجوز قولا واحدا وهو أولى لأن تعليل الشيخ -يعني به المصنف- لو لم يكن مسلما لم يفد وظاهره: لا تعتبر المصلحة وإذن الحاكم بل عدم الضرر وأن إذنه يعتبر لرفع الخلاف.
ويأتي كلام ابن عقيل في الوقف.
وفيه إذنه فيه لمصلحة المأذون الممتاز بأمر شرعي فلمصلحة الموقوف أو الموقوف عليه أولى وهو معنى نصه في تجديده لمصلحة.
وذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله عن أكثر الفقهاء في تغيير صفات الوقف لمصلحة كالحكورة وعمله حكام الشام حتى صاحب الشرح في الجامع المظفري وقد زاد عمر وعثمان رضي الله عنهما في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وغيرا بناءه ثم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وزاد فيه أبوابا ثم المهدي ثم المأمون.
الثالثة: لو صالح رجلا على أن يسقي أرضه من نهر لرجل يوما أو يومين أو من عينه وقدره بشيء يعلم به لم يجز على الصحيح من المذهب لأن الماء ليس بمملوك ولا يجوز بيعه فلا يجوز الصلح عليه أختاره القاضي وقدمه في الفروع.
وقيل: يجوز وهو احتمال في المغنى والشرح ومالا إليه.
قلت وهو الصواب وعمل الناس عليه قديما وحديثا.
الرابعة: إذا صالحه على سهم من العين أو النهر -كالثلث والربع ونحوهما- جاز وكان بيعا للقرار والماء تابع له وجزم به في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
قوله: "ويجوز أن يشتري ممرا في دار وموضعا في حائطه يفتحه بابا وبقعة يحفرها بئرا وعلو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا".
بلا نزاع وقال المصنف ومن تبعه في وضع خشب أو بناء يجوز إجارة مدة معلومة ويجوز صلحا أبدا.
قوله: "فإن كان البيت غير مبني لم يجز في أحد الوجهين".
وأطلقهما في المغني والشرح وشرح ابن منجا.
أحدهما: يجوز -أي يصح- إذا وصف العلو والسفل وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: والأصح يصح إذا كان معلوما وجزم به في الهداية والخلاصة والمحرر والوجيز والحاوي الكبير وابن عبدوس في تذكرته وغيرهم وصححه في التصحيح والرعاية وغيرهما.
والوجه الثاني: لا يجوز أي لا يصح قاله القاضي.
وتقدم التنبيه على ذلك كله في كتاب البيع في الشرط الثالث فإنه داخل في كلامه هناك على وجه العموم وهنا مصرح به.
وبعض الأصحاب ذكر المسألة هناك وبعضهم ذكرها هنا وبعضهم عبر بالصلح عن ذلك وهو كالبيع هنا فالنقل فيها من المكانين.
تنبيه: حيث صححنا ذلك فمتى زال فله إعادته مطلقا ويرجع بأجرة مدة زواله عنه وفي الصلح على زواله وعدم عوده.
فائدة: حكم المصالحة في ذلك كله حكم البيع.
لكن قال في الفنون فإذا فرغت المدة يحتمل أنه ليس لرب الجدار مطالبته بقلع خشبه.
قال: وهو الأشبه كإعارته لذلك لما فيه من الخروج عن حكم العرف لأن العرف وضعها للأبد فهو كإعارة الأرض للدفن.
ثم إما أن يتركه بعد المدة بحكم العرف بأجرة مثله إلى حين نفاد الخشب لأنه العرف فيه كالزرع إلى حصاده للعرف فيه أو يجدد أجرة بأجرة المثل وهي المستحقة بالدوام بلا عقد.
قوله: "وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها لزمه فإن أبى فله قطعها".
قال الأصحاب: له إزالتها بلا حكم حاكم.
قال في الوجيز: فإن أبى لواه إن أمكن وإلا فله قطعه وكذا قال غيره.
وقيل للإمام أحمد رحمه الله: يقطعه هو؟ قال لا يقول لصاحبه حتى يقطعه.
فائدة: إذا حصل في ملكه أو هوائه أغصان شجرة لزم المالك إزالته إذا طالبه بذلك بلا نزاع لكن لو امتنع من إزالته فهل يجبر عليه ويضمن ما تلف به فيه وجهان وأطلقهما في الفروع والفائق والنظم.
أحدهما: لا يجبر ولا يضمن ما تلف به وهو الصحيح قدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين في عدم الإجبار.
والثاني: يجبر على إزالته ويضمن ما تلف به وهو احتمال في المغنى والشرح.
وقال ابن رزين: ويضمن ما تلف به إن أمر بإزالته ولم يفعل.
وكذا قال في المغنى والشرح.
قوله: "وإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز".
وهو أحد الوجوه جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة ونهاية ابن رزين وقدمه في الرعاية الكبرى وقيل: يجوز.
قال المصنف في المغنى: اللائق بمذهبنا صحته واختاره ابن حامد وابن عقيل وجزم به في المنور وقدمه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في المغنى والمحرر والشرح والفروع.
وقيل: إن صالحه عن رطبه لم يجز وإن كان يابسا جاز اختاره القاضي وجزم به في الوجيز والمستوعب.
وقدم في التلخيص عدم الجواز في الرطبة لأنها تتغير وأطلق الوجهين في اليابسة.
وقال في الرعاية الصغرى والحاويين: وإن صالحه عن رطبة لم يجز.
وقيل في الصلح عن غصن الشجرة: وجهان انتهيا.
وأطلق الأوجه الثلاثة في النظم والفائق.
واشترط القاضي للصحة: أن يكون الغصن معتمدا على نفس الحائط ومنع إذا كان في نفس الهواء لأنه تابع للهواء المجرد.
وقال في التبصرة: يجوز مع معرفة قدر الزيادة بالأذرع.
قوله: "وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم".
وهو المذهب جزم به في الوجيز وتذكرة ابن عبدوس والرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم وقدمه في الفائق.
قال في الرعاية الكبرى: جاز في الأصح.
وقيل: لا يجوز.
وقال الإمام أحمد رحمه الله -في جعل الثمرة بينهما-: لا أدري وهما احتمالان مطلقان في المغنى والشرح وأطلقهما في الفروع.
وقال المصنف: والذي يقوي عندي أن ذلك إباحة لا صلح.
فائدتان
إحداهما: حكم عروق الشجرة في غير أرض مالكها حكم الأغصان على الصحيح من المذهب جزم به في المغنى والشرح والنظم والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل عنه: حكمها حكم الأغصان إذا حصل ضرر وإلا فلا.
الثانية: صلح من مال حائطه أو زلق من خشبه إلى ملك غيره: كالأغصان قاله في الفروع.
وقال: وهو ظاهر رواية يعقوب.
وفي المبهج -في باب الأطعمة- ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين.
قوله: "ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ولا ساباطا".
وكذا لا يجوز أن يخرج دكة وهذا المذهب مطلقا نص عليه في رواية أبي طالب وابن منصور ومهنا وغيرهم انتهى.
وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب.
وحكي عن الإمام أحمد رحمه الله جوازه بلا ضرر ذكره الشيخ تقي الدين الله في شرح العمدة واختاره هو وصاحب الفائق.
فعلى المذهب فيهما وفي الميزاب -الآتي حكمه- يضمن ما تلف بهم.
ويأتي ذلك في كلام المصنف في أخر باب الغصب.
وفي سقوط نصف الضمان بناء على أصله وجهان وأطلقهما في الفروع لرعاية في باب الغصب.
قلت: الصواب ضمان الجميع.
ثم وجدت المصنف والشارح في -كتاب الغصب- قالا لمن قال من أصحاب الشافعي: إنه يضمن بالنصف لأنه إخراج يضمن به البعض فضمن به الكل لأنه المعهود في الضمان.
وقال الحارثي: وقال الأصحاب: وبأن النصف عدوان فأوجب كل الضمان. فظاهر ما قالوا: أنه يضمن الجميع.
فائدتان
إحداهما: لا يجوز إخراج الميزاب إلى الطريق النافذ ولا إلى درب غير نافذ إلا بإذن أهله على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في القواعد الفقهية: هو كإشراع الأجنحة عند الأصحاب وهو كما قال وهو من المفردات.
وفي المغنى والشرح احتمال بالجواز مع انتفاء الضرر.
وحكي رواية عن الإمام أحمد ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله في شرح العمدة كما تقدم.
قلت: وعليه العمل في كل عصر ومصر.
قال في القواعد الفقهية: اختاره طائفة من المتأخرين.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إخراج الميازيب إلى الدرب هو السنة واختاره وقدمه في النظم فعلى هذا لا ضمان.
تنبيه: محل عدم الجواز والضمان في الجناح والساباط والميازيب إذا لم يأذن فيه الإمام أو نائبه.
فأما إن أذن أحدهما فيه: جاز ذلك إن لم يكن فيه ضرر عند جماهير الأصحاب.
قال في الفروع: وجوز ذلك الأكثر بإذن الإمام وقاله في القواعد عن القاضي والأكثر.
وجزم به في التلخيص والمحرر والنظم وغيرهم.
قال الحارثي: وجزم به القاضي في المجرد والتعليق الكبير وابن عقيل في الفصول.
وقيل لا يجوز ولو أذن فيه قدمه في المغنى والشرح والرعايتين والفائق والحاويين.
وقال الحارثي في باب الغصب: والمذهب المنصوص عدم الإباحة مطلقا كما تقدم في باب الصلح انتهى.
وقدمه في القاعدة الثامنة والثمانين وقال نص عليه في رواية أبي طالب وابن منصور ومهنا وغيرهم قاله القاضي في المجرد.
قلت: بل هو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقال المجد في شرحه في كتاب الصلاة: إن كان لا يضر بالمارة جاز وهل يفتقر إلى إذن الإمام؟ على روايتين.
الثانية: لم يذكر الأصحاب مقدار طول الجدار الذي يشرع عليه الجناح والميزاب.
والساباط إذا قلنا بالجواز لكن حيث انتفى الضرر جاز.
وقال في التلخيص والترغيب: يكون بحيث يمكن عبور محمل وقدمه في الرعاية الكبرى واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال بعض الأصحاب: يكون بحيث يمكن مرور رمح قائما بيد فارس.
قوله: "ولا دكانا".
لا يجوز أن يشرع دكانا في طريق نافذ سواء أذن فيه الإمام أو لا على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في المغنى والشرح والحاوي الكبير: لا نعلم فيه خلافا وقدمه في الفروع.
وقيل: حكمه حكم الجناح ونحوه.
قال في الفروع: مع أن الأصحاب لم يجوزوا حفر البئر والبناء في ذلك لنفسه وكأنه لما فيه من الدوام قال: ويتوجه من هذا الوجه تخريج يعني في جواز حفر البئر والبناء.
وظاهر كلامه في الرعاية الكبرى: جواز إخراج الدكان وإن منعنا من غيره على المقدم.
فإنه قال: وليس لأحد أن يخرج إلى درب نافذ من ملكه روشنا ولا كذا ولا كذا وقيل: ولا دكانا.
ولعله سهو إن لم يكن في النسخة غلط.
تنبيه: ممن ذكر "الدكان" كالمصنف واقتصر عليه أبو الخطاب في الهداية والمستوعب وجمع كثير.
وممن ذكر "الدكة" واقتصر عليها ولم يذكر الدكان جماعة منهم ابن حمدان في الرعاية الصغرى وصاحب الحاوي الصغير.
وقد فسر ابن منجا "الدكان" في كلام المصنف بالدكة.
قال في المطلع: قال أبو السعادات: الدكان الدكة المبنية للجلوس عليها.
وقال في البدر المنير: الدكة المكان المرتفع يجلس عليه وهو المصطبة.
وجمع ابن حمدان في الرعاية الكبرى بينهما فقال: وليس لأحد أن يخرج إلى طريق نافذ دكة وقيل: ولا دكانا انتهى فغاير بينهما.
وقد قال الجوهري "الدكان" الحانوت انتهى.
فهو غير الدكة عنده.
وقال في البدر المنير: و"الدكان" يطلق على الحانوت وعلى "الدكة" التي يقعد عليها انتهى.
وقال في القاموس: الدكة بالفتح والدكان بالضم بناء يسطح أعلاه للمقعد انتهى.
قوله: "ولا أن يفعل ذلك في درب غير نافذ إلا بإذن أهله".
بلا نزاع وكذا لا يجوز له أن يفعل ذلك في هواء جاره إلا بإذنه.
قوله: "فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين".
وهو المذهب قال في الفروع ويصح صلحه عن معلومه بعوض في الأصح وصححه في التصحيح والفائق والرعايتين والحاويين واختاره أبو الخطاب وغيره وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المغنى والشرح وغيرهما.
الوجه الثاني: لا يجوز اختاره القاضي وجزم به في نهاية ابن رزين ورده المصنف والشارح وأطلقهما في المذهب والخلاصة.
قوله: "وإن كان ظهر داره في درب غير نافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز".
وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
ويحتمل أن لا يجوز إلا بإذنهم وهو لابن عقيل واختاره بعض الأصحاب.
قوله: "وإن فتحه للاستطراق لم يجز إلا بإذنهم في أحد الوجهين".
وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وصححه في التصحيح وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
قال في الفائق: لم يجز في أصح الوجهين.
والوجه الثاني: يجوز بغير إذنهم.
قوله: "ولو أن بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى أوله".
يعني إذا لم يحصل ضرر من فتحه محاذيا لباب غيره ونحوه وهذا المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والمحرر والوجيز والفائق وغيرهم.
وقال في الترغيب: وقيل: لا يجوز محاذيا لباب غيره.
فظاهره: أنه قدم الجواز مطلقا وهو ضعيف.
قوله: "ولم يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين".
وهو المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والوجيز وغيرهم وقدمه في المغنى والشرح والفروع وشرح ابن رزين والفائق وغيرهم.
والوجه الثاني: يجوز قال في الحاوي الكبير اختاره صاحب المغنى لكن لا يفتحه قبالة باب غيره نص عليه.
وقال ابن أبي موسى: يجوز إن سد الباب الأول وهو ظاهر نقل يعقوب.
تنبيه: محل الخلاف إذا لم يأذن له من فوقه.
فأما إن أذنوا ارتفع الخلاف على الصحيح.
وقيل: لا بد أيضا من إذن من هو أسفل منه وهو بعيد.
وحيث قلنا: بالإذن وأذنوا فيكون إعارة.
قال في الفروع: ويكون إعارة في الأشبه وكذا قال قبله في الرعاية الكبرى.
فوائد
إحداهما: لو كان لرجل داران ظهر كل واحدة منهما إلى ظهر الأخرى وباب كل واحدة منهما إلى درب غير نافذ فرفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة جاز فإن فتح من كل واحدة منهما بابا إلى الأخرى ليتمكن من التطرق من كل واحدة منهما إلى كلا الدارين فقال القاضي: لا يجوز وجزم به في المذهب وقدمه ابن رزين في شرحه.
قال في الرعاية الكبرى: لم يجز في الأصح.
قال في الصغرى: جاز في وجه وقيل: لا يجوز.
قال المصنف: الأشبه الجواز قلت وهو الصواب.
قال في النظم: وهو الأقوى وجزم به في المنور وأطلقهما في التلخيص والمحرر والحاويين.
الثانية: الصحيح من المذهب أن الجار يمنع من التصرف في ملكه بما يضر بجاره كحفر كنيف إلى جنب حائط جاره وبناء حمام إلى جنب داره يتأذى بذلك ونصب تنور يتأذى باستدامة دخانه وعمل دكان قصارة أو حدادة يتأذى بكثرة دقة أو رحى أو حفر بئر ينقطع به ماء بئرا جاره ونحو ذلك وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المحرر وغيره وقدمه في المغنى والشرح والرعايتين والحاويين والفروع وغيرهم.
فإن حفر بئرا في ملكه فانقطع ماء بئر جاره أمر بسدها ليعود ماء البئر الأولة على الصحيح.
فإن لم يعد كلف صاحب البئر الأولة حفر البئر التي سدت لأجله من ماله.
وعنه لا يكلف سد بئره ولو انقطع ماء بئر جاره.
قال القاضي: فيخرج في المسائل التي قبلها من الحمام والتنور ودكان القصارة والحدادة ونحوها روايتين.
قال ابن رزين: رواية عدم المنع في الجميع أقيس.
وقال في التلخيص: في باب أحياء الموات يمنع من ذلك.
ثم قال: وفيه رواية أخرى لا يمنع من ذلك.
اختاره أبو بكر ذكره أبو إسحاق في تعاليقه عنه.
وأطلق الروايتين في الجميع في الفائق.
الثالثة: لو ادعى أن بئره فسدت من خلاء جاره أو بالوعته طرح في الخلاء أو البالوعة نفط فإن لم يظهر طعم النفط ولا رائحته في البئر علم أن فسادها بغير ذلك وإن ظهر طعمه أو رائحته فيها كلف صاحب الخلاء والبالوعة نقل ذلك إن لم يمكن إصلاحها.
هذا إذا كانت البئر أقدم منهما.
وعلى الرواية الأخرى: لا يلزم مالك الخلاء والبالوعة تغيير ما عمله في ملكه بحال قاله في الحاويين وغيره.
الرابعة: ليس له منعه من تعلية داره في ظاهر ما ذكره المصنف في المغنى ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في الفروع: ويتوجه من قول الإمام أحمد رحمه الله "لا ضرر ولا ضرار" منعه.
قلت: وهو الصواب.
وقال الشيخ تقي الدين: ليس له منعه خوفا من نقص أجرة ملكه بلا نزاع.
وقد قال في الفنون: من أحدث في داره دباغ الجلود أو عمل الصحناء يحتمل المنع.
وقال ابن عقيل أيضا: لا يجوز أن يحدث في ملكه قناة تنز إلى حيطان الناس انتهى.
قوله: "وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا إلا بإذن صاحبه".
يحرم عليه التصرف في ذلك حتى بضرب وتد ولا يحدث سترة.
قال في الفروع: ذكره جماعة.
وحمل القاضي قول الإمام أحمد رحمه الله: "يلزم الشريك النفقة مع شريكه على السترة" على سترة قديمه انهدمت.
واختار في المستوعب وجوبها مطلقا على نصه فقال: وعندي أن السترة واجبة على كل حال على ما نص عليه من وجوبها.
فائدة: يلزم للأعلى بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونقله ابن منصور وجزم به في المغنى والشرح والمحرر والحاويين والرعاية الصغرى وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وهو من مفردات المذهب.
وقيل: يشاركه الأسفل.
وأما إذا تساويا فإن الممتنع يلزم بالمشاركة.
قوله: "وليس له وضع خشبه عليه يعني على حائط جاره أو الحائط المشترك إلا عند الضرورة بأن لا يمكنه التسقيف إلا به".
إذا أراد أن يضع خشبة على جدار جاره أو الجدار المشترك فلا يخلو إما أن يتضرر الحائط بذلك أولا فإن تضرر بذلك منع بلا نزاع.
وإن لم يتضرر فلا يخلو إما أن يكون صاحب الخشب مستغنيا عن ذلك لإمكانه وضعه على غيره أولا فإن كان مستغنيا عن وضعه وأراد وضعه عليه منع منه على الصحيح من المذهب نص عليه.
قال المصنف والشارح: عليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع وصححه في الرعاية وغيرها وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمستوعب والوجيز وغيرهم.
وقال ابن عقيل: يجوز.
واطلق الإمام أحمد رحمه الله الجواز وكذا صاحب المحرر وغيره.
وإن لم يكن مستغنيا ودعت الضرورة إلى ذلك عند الأكثر وفي المغنى والشرح ودعت الحاجة إلى ذلك فالصحيح من المذهب له وضعه عليه نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من المفردات.
فعلى هذا: لا يجوز لرب الجدار منعه وإن منعه أجبره الحاكم.
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على عدم اعتبار إذنه في الوضع ولو صالحه عنه بشيء جاز.
قال في الرعاية: جاز في الأصح انتهى.
وقيل: لا يجوز له وضعه بغير إذنه.
وخرجه أبو الخطاب من رواية المنع من وضعه على جدار المسجد وهو قول المصنف.
وهذا تنبيه على أنه لا يضعه على جدار جاره لأن له في المسجد حقا.
وحق الله مبني على المساهلة وكذا قال في الهداية والمستوعب والحاويين.
فائدة: ذكر أكثر الأصحاب الضرورة مثل أن يكون للجار ثلاثة جدر وله جدار واحد منهم القاضي وابن عقيل وجزم به في المستوعب والرعاية وقال المصنف والشارح: وليس هذا في كلام الإمام أحمد رحمه الله إنما قال في رواية أبي داود: "لا يمنعه إذا لم يكن ضرر وكان الحائط يبقى" ولأنه قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا غير متقابلين أو كان البيت واسعا يحتاج أن يجعل فيه جسرا ثم يضع الخشب على ذلك الجسر.
قال المصنف: والأولى اعتباره بما ذكرنا من امتناع التسقيف بدونه ولا فرق فيما ذكرنا بين البالغ واليتيم والعاقل والمجنون.
تنبيه: ظاهر قوله: "وعنه ليس له وضع خشبه على جدار المسجد".
أن المقدم جواز وضعه عليه وهو ظاهر ما قدمه في الحاويين وهو إحدى الروايتين أو الوجهين وهو المذهب عند ابن منجا في شرحه وجزم به في المنور وهو احتمال في المذهب.
والرواية الأخرى: ليس له وضعه على جدار المسجد وإن جاز وضعه على جدار غيره وهي التي ذكرها المصنف هنا واختارها أبو بكر وأبو محمد الجوزي.
وصححه في الرعايتين وجزم به في الخلاصة وقدمه في المذهب وأطلقهما في التلخيص والشرح والمحرر والفروع والفائق والكافي.
فوائد
إحداها: لو كان له حق ماء يجري على سطح جاره لم يجز له تعلية سطحه ليمنع الماء ذكره ابن عقيل وغيره وليس له تعليته لكثرة ضرره.
الثانية: يجوز له الاستناد إلى حائط جاره وإسناد قماشه إليه.
وذكر في النهاية في منعه احتمالين.
وله الجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه.
ونقل المروذي: يستأذنه أعجب إلى فإن منعه حاكمه.
ونقل جعفر: قيل له: أيضعه ولا يستأذنه؟ قال نعم إيش يستأذنه؟!.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع وإجارة اتفاقا، كمسألتنا.
الثالثة: لو ملك وضع خشبه على حائط فزال لسقوطه أو قلعه أو سقوط الحائط ثم أعيد فله إعادة خشبة إن حصل له ضرر بتركه ولم يخش على الحائط من وضعه عليه وإن خيف سقوط الحائط بعد وضعه عليه لزمه إزالته.
الرابعة: لو كان له وضع خشبه على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته ولا يملك أيضا بيعه ولا المصالحة عنه للمالك ولا لغيره.
ولو أراد صاحب الحائط إعارته أو إجارته على وجه يمنع هذا المستحق من وضع خشبه لم يملك ذلك فيعايي بها.
ولو أراد هدم الحائط من غير حاجة لم يملك ذلك.
الخامسة: لو أذن صاحب الحائط لجاره في البناء على حائطه أو وضع سترة عليه أو وضع خشبه عليه في الموضع الذي يستحق وضعه جاز وصارت عارية لازمة يأتي حكمها في باب العارية
وإن أذن في ذلك بأجرة جاز سواء كانت إجارة أو صلحا على وضعه على التأبيد ومتى زال فله إعادته.
ويشترط معرفة البناء والعرض والطول والسمك والآلات.
السادسة: لو وجد بناءه أو خشبه على حائط مشترك أو حائط جاره ولم يعلم سببه فمتى زال فله أعادته.
وكذا لو وجد مسيل ماء يجري في أرض غيره أو مجرى ماء سطحه على سطح غيره وما أشبهه فإن اختلفا فالقول قول صاحب الخشب ونحوه.
قوله: "وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر عليه".
هذا المذهب بلا ريب ونص عليه في رواية ابن القاسم وحرب وسندي وعليه جماهير الأصحاب.
قال في الفروع: اختاره أصحابنا.
قال ابن عقيل: عليه أصحابنا.
قال القاضي: هذا أصح.
قال في الرعاية الكبرى: لزم الأخر على الأصح.
قال في الحاويين والفائق وغيرهم: أجبر في أصح الروايتين.
قال ابن رزين: اختاره أكثر الأشياخ.
قال في القواعد الفقهية: هذا المذهب نص عليه في رواية جماعة وجزم به في الوجيز وغيره.
وقدمه في المحرر والفروع والرعاية الصغرى وغيرهم.
وهو من المفردات وعنه لا يجبر اختاره المصنف والشارح وقالا هو أقوى في النظر.
واختاره أبو محمد الجوزي أيضا.
قال ابن رزين في شرحه: وهو اظهر كبناء حائط بين ملكيهما.
فعلى الرواية الثانية: قال المصنف والشارح وغيرهما: لو بناه ثم اراد نقضه فإن كان بناه بآلته لم يكن له ذلك وإن كان بناه من عنده فله نقضه.
فإن قال الشريك: أنا أدفع إليك نصف قيمة البناء ولا تنقضه لم يجبر على ذلك.
وإن أراد غير الباني نقضه أو إجبار بانيه على نقضه لم يكن له ذلك على كلا روايتين انتهيا.
ويأتي الحكم إذا قلنا يجبر في أخر المسألة.
وعلى الرواية الثانية أيضا ليس له منعه من بنائه.
لكن إن بناه بآلته فهو بينهما وليس له منعه من الانتفاع به قبل أن يعطيه نصف قيمة عمله على الصحيح وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الفروع: ليس له منعه من الانتفاع في الأشهر كما ليس له نقضه.
قال في الكافي: عاد بينهما كما كان برسومه وحقوقه لأنه عاد بعينه وهو ظاهر ما جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والشرح.
قال في القاعدة السادسة والسبعين: هو قول القاضي في المجرد وابن عقيل والأكثرين وقدمه في النهاية والتلخيص والرعايتين.
وقيل: له منعه من الانتفاع حتى يعطيه نصف قيمة العمل جزم به في المستوعب والمحرر والحاويين وهو ظاهر ما قدمه في الفائق وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى والقاضي في خلافه.
وحكاه في التلخيص عن بعض متأخري الأصحاب.
قال ابن منجا في شرحه: وفيما ذكره الأصحاب من عدم منعه من الانتفاع به قبل أن يعطيه نصف قيمة عمله نظر بل ينبغي أن الثاني يملك منع شريكه من التصرف فيه حتى يؤدي ما يخصه من الغرامة الواقعة بأجرة المثل لأنه لو لم يكن كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك انتهى.
قلت: وهو الصواب.
قال في الوجيز.
وإذا بنى أحدهما الحائط بأنقاضه فهو بينهما إن أدى الآخر نصف قيمة التالف.
قوله: "على الرواية الثانية وإن بناه بآلة من عنده فهو له".
ولا يحتاج إلى إذن حاكم في بنائه صرح به القاضي في خلافه وقدمه في القواعد.
واعتبر في المجرد إذن الحاكم ونص الإمام أحمد رحمه الله على أنه يشهد على ذلك "وليس للآخر الانتفاع به" فله منع شريكه من الانتفاع به ومن وضع خشبه ورسومه حتى يدفع ما يجب عليه.
صرح بذلك في المغنى والشرح والقواعد.
قال في الفائق: اختص به وبنفعه دون أرضه.
قال في الحاويين: ملكه الباني خاصة وليس لشريكه الانتفاع به.
فإن كان لغير الباني عليه رسم طرح أخشاب فالباني مخير بين أن يمكنه من وضع أخشابه ويأخذ منه نصف قيمة الحائط وبين أن يأخذ بناءه ليعيد البناء بينهما أو يشتركان في الطرح.
وقال في الفروع: وإن بناه بغيرها فله منعه من غير رسم طرح خشب.
فظاهر كلامه: عدم المنع من الرسوم.
وقد صرح المصنف وغيره بالمنع.
والظاهر: أن مراد صاحب الفروع بالجواز إذا كان له حق في ذلك وأراد الانتفاع بعد بنائه.
وقد صرح المصنف والشارح -بعد كلامهما الأول- بقريب من ذلك فقالا: فإن كان على الحائط رسم انتفاع أو وضع خشب قال له إما أن تأخذ مني نصف قيمته أو تمكنني من انتفاعي وإما أن تقلع حائطك لنعيد البناء بيننا فيلزم الآخر إجابته لأنه لا يملك إبطال رسومه وانتفاعه ببنائه انتهيا وكذا قال غيرهما.
فائدة: قال في القاعدة السادسة والسبعين فإن قيل فعندكم لا يجوز للجار منع جاره من الانتفاع بوضع خشبه على جداره فكيف منعتم هنا؟.
قلنا: إنما منعنا هنا من عود الحق القديم المتضمن ملك الانتفاع قهرا سواء كان محتاجا إليه أو لم يكن وأما التمكين من الوضع للإرتفاق فذلك مسألة أخرى وأكثر الأصحاب يشترطون فيها الحاجة أو الضرورة على ما تقدم.
قوله: "فإن طلب ذلك" يعني: الشريك الذي لم يبن الانتفاع "خير الباني بين أخذ نصف قيمته منه وبين أخذ آلته".
وهذا بلا نزاع لكن لو اختار الأخذ فالصحيح من المذهب أنه يأخذ نصف قيمة بنائه جزم به في الوجيز والحاويين والمغنى والشرح وقدمه في الفروع.
وعنه يدفع ما يخصه كغرامة لأنه نائبه معنى وقدمه في الرعاية الكبرى.
فوائد
إحداها: إذا قلنا يجبر على بنائه معه وهو المذهب وامتنع أجبره الحاكم على ذلك فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وأنفق عليه فإن لم يكن له عين مال باع من عروضه فإن تعذر اقترض عليه.
وإن عمره شريكه بإذنه أو إذن حاكم رجع عليه وإن أراد بناءه لم يملك الشريك منعه وما أنفق إن تبرع به لم يكن له الرجوع.
وإن نوى الرجوع به فهل له الرجوع؟.
قال في الشرح: يحتمل وجهين بناء على ما إذا قضى دينه بغير إذنه انتهى.
قال في الفروع: وفيه بنية رجوعه على الأول الخلاف.
وإن بناه لنفسه بآلته فهو بينهما وإن بناه بآلة من عنده فهو له خاصة.
فإن أراد نقضه فله ذلك إلا أن يدفع إليه شريكه نصف قيمته فلا يكون له نقضه.
الثانية: يجبر الشريك على العمارة مع شريكه في الأملاك المشتركة على الصحيح من المذهب والروايتين قاله في الرعاية وغيرها وعنه لا يجبر.
الثالثة: لو استهدم جدارهما أو خيف ضرره نقضاه فإن أبى أحدهما أجبره الحاكم فإن تعذر ضمن ما تلف به إذا أشهد على شريكه وإلا فلا.
وقيل بلى إن تقدم إليه بنقضه وأيهما هدمه إذن بغير إذن صاحبه فهدر.
وقيل يلزمه إعادته على صفته كما لو هدمه من غير حاجة إلى هدمه واختاره ابن البنا ويأتي ذلك في أواخر الغصب في كلام المصنف ونبين الراجح في المذهب هناك.
الرابعة: لو أراد بناء حائط بين ملكيهما لم يجبر الممتنع منهما ويبني الطالب في ملكه إن شاء رواية واحدة قاله المصنف ومن تابعه.
وقال في الفائق: ولم يفرق بعض الأصحاب اختاره شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين رحمه الله.
الخامسة: لو اتفقا على بناء حائط مشترك بينهما نصفين على أن ثلثه لواحد وثلثيه لآخر لم يصح.
وإن اتفقا على أن يحمله كل واحد منهما ما شاء لم يصح لجهالته وإن وصفا الحمل ففي الصحة وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى.
قال في المغنى والشرح: وإن اتفقا على أن يكون بينهما نصفين صح.
قوله: "وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة واحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع روايتان".
إحداهما: يجبر وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب نص عليه وجزم به في الوجيز وغيره وصححه في التصحيح وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
الثانية: لا يجبر.
واعلم أن الحكم هنا والخلاف كالخلاف في الحائط المشترك إذا انهدم على ما تقدم نقلا ومذهبا وتفصيلا قاله أكثر الأصحاب منهم القاضي والمصنف وصاحب الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والشرح والفروع وغيرهم.
وقال ابن أبي موسى: يجبر هنا قولا واحدا وحكى الروايتين في الحائط.
قال في القواعد: والفرق أن الحائط يمكن قسمته بخلاف القناة والبئر.
قوله: "وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته".
بلا نزاع.
قوله: "فإذا عمره فالماء بينهما على الشركة".
هذا المذهب لأن الماء باق على ما كان عليه من الملك والإباحة وعليه جماهير الأصحاب منهم القاضي في المجرد وابن عقيل والمصنف في المغنى والشرح وصاحب التلخيص والفروع وغيرهم وفي الخلاف الكبير للقاضي والتمام لأبي الحسين له المنع من الانتفاع بالقناة.
قال في القواعد: ويشهد له نص الإمام أحمد رحمه الله بالمنع من سكنى السفل إذا بناه صاحب العلو ومنع الشريك من الانتفاع بالحائط إذا أعيد بآلته العتيقة.
قلت: وهو الصواب.
فوائد
الأولى: لو اتفقا على بناء حائط بستان فبنى أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال.
الآخر يضمنه الذي أهمل قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
الثانية: لو كان السفل لواحد والعلو لآخر فالسقف بينهما لا لصاحب العلو على الصحيح من المذهب.
والإجبار -إذا انهدم السقف- كما تقدم في الحائط الذي بينهما إذا انهدم.
ولو انهدم الجميع فلرب العلو إجبار صاحب السفل على بنائه على الصحيح من المذهب.
قال في البلغة والتلخيص والرعايتين والفائق: أجبر في أصح الروايتين واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الحاويين وقدمه ابن رزين والقواعد.
وعنه لا يجبر وأطلقهما في المغنى والمحرر والشرح والفروع.
فعلى المذهب هل ينفرد صاحب السفل ببناء السفل أو يشركه فيه صاحب العلو ويجبر عليه إذا طلبه صاحب السفل فيه روايتان وأطلقهما في المستوعب والتلخيص والفائق والقواعد.
إحداهما: ينفرد صاحب السفل بالبناء إلى حده وينفرد صاحب العلو ببنائه وهو المذهب قدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين وجزم به في المغنى والشرح.
والثانية: يشركه صاحب العلو فيما يحمله منه ويجبر عليه إذا امتنع.
وعلى الثانية: في أصل المسألة وهو أنه لا يجبر لصاحب العلو بناء السفل وفي منعه السكنى ما سلف من الخلاف فيما إذا كان بينهما حائط.
الثالثة: لو كان بينهما طبقة ثالثة فهل يشترك الثلاثة في بناء السفل والاثنان في بناء الوسط فيه الروايتان المتقدمتان حكما ومذهبا.
وكذا الطبقة الرابعة فأكثر وصاحب الوسط مع من فوقه كمن تحته معه.
قال في الفروع: إذا كانوا ثلاث طباق فإن بنى رب العلو ففي منع رب السفل الانتفاع بالعرصة قبل أخذ القيمة احتمالان.
قلت: الأولى المنع والله أعلم.
وهو ظاهر ما قطع به في الرعاية الكبرى.
كتاب الحجر
الضرب الأول: المحجور عليه لحق الغير...
كتاب الحجرفائدتان
إحداهما: "حجر الفلس" عبارة عن منع الحاكم من عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود مدة الحجر من التصرف فيه.
الثانية: قوله: "وهو على ضربين حجر لحق الغير".
وحجر لحظ نفسه.
فالحجر لحق الغير: كالحجر على المفلس والمريض بما زاد على الثلث والعبد والمكاتب والمشتري إذا كان الثمن في البلد على ما تقدم في كلام المصنف في آخر فصل خيار التولية.
والمشترى بعد طلب شفيع والمرتد يحجر عليه لحق المسلمين والراهن والزوجة بما زاد على الثلث في التبرع على ما يأتي في الباب.
والحجر لحظ نفسه: كالحجر على الصغير والمجنون والسفيه.
فهذه عشرة أسباب للحجر.
وقال في الفروع: ولا يحجر حاكم على مقتر على نفسه وعياله.
واختار الأزجي: بلى فيكون هذا سببا أخر على قوله.
تنبيه قوله: "فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل".
بلا نزاع لكن من شرط الكفيل أن يكون مليئا ذكره الأصحاب وهو واضح.
قوله: "وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان".
وأطلقهما في المغنى وخصال ابن البنا والشرح والفائق والحاوي والزركشي وغيرهم.
إحداهما: له منعه وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: فله منعه على الأصح وصححه في التصحيح وجزم به في البلغة والوجيز والمنور واختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر.
قال في المذهب: منع في ظاهر المذهب.
والثانية: ليس له منعه وهو ظاهر كلام الخرقي والعمدة واختاره القاضي وقدمه في الخلاصة والهداية والتلخيص والرعايتين والنظم والحاوي الصغير.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن الروايتين في السفر سواء كان مخوفا أو غير مخوف وهو ظاهر كلامه في الهداية والكافي والمذهب والخلاصة وغيرهم ولعله الصواب.
ومحلهما -عند صاحب الفروع- إذا كان السفر مخوفا كالجهاد ونحوه.
وحكى في السفر غير المخوف وجهين.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير: فإن أراد سفرا مدة قبل أجل الدين جاز كالجهاد.
وأدخل صاحب الواضح في السفر المخوف: الحج.
ومحلهما عند المصنف في المغنى وابن البنا وصاحب التلخيص والبلغة والمحرر والنظم والشرح والحاوي الكبير والفائق والزركشي في غير الجهاد.
فأما في الجهاد فيمنع حتى يوثقه برهن أو ضمين على رواية واحدة.
وظاهر كلامه في الرعاية الكبرى: أن محل الخلاف في غير الجهاد وأن الجهاد لا يمنع منه قولا واحدا لأنه قال ومن عليه دين مؤجل فله السفر دون أجله.
وعنه لا يسافر غير مجاهد حتى يأتي برهن أو ضمين.
وتقدم كلامه في الرعاية الصغرى والحاوي الصغير فإن ظاهره كذلك.
فلعلهما أرادا إذا تعين عليه وإلا فبعيد.
وقد تقدم في أول كتاب الجهاد: أنه لا يجاهد من عليه دين لا وفاء له إلا بإذن غريمه على الصحيح وذكرنا هناك الخلاف وأن لنا قولا لا يستاذنه في الجهاد إذا كان الدين مؤجلا وقولا إذا كان المديون جنديا موثوقا به لا يستأذنه ويستأذنه غيره.
ومحلهما عند المصنف أيضا والشارح وجماعة إذا كان السفر طويلا لأنهم عللوا رواية عدم المنع فقالوا لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير ولعله أولى.
فهذه ست طرق في محل الخلاف.
فائدتان
إحداهما: اختار الشيخ تقي الدين رحمه الله أن من أراد سفرا وهو عاجز عن وفاء دينه أن لغريمه منعه حتى يقيم كفيلا ببدنه.
قال في الفروع: وهو متجه.
قلت: من قواعد المذهب أن العاجز عن وفاء دينه إذا كان له حرفة يلزم بإيجار نفسه لقضاء الدين فلا يبعد أن يمنع ليعمل.
الثانية: لو طلب منه دين حال يقدر على وفائه فسافر قبل وفائه لم يجز له أن يترخص على الصحيح من المذهب.
وقيل: يجوز.
وإن لم يطلب منه الدين الحال أو يحل في سفره فقيل له القصر والترخص لئلا يحبس قبل ظلمه كحبس الحاكم.
وقيل: لا يجوز له ذلك إلا أن يوكل في قضائه لئلا يمنع به واجبا.
ذكر هذين الوجهين ابن عقيل وأطلقهما في القاعدة الثالثة والخمسين وأطلقهما ابن تميم في باب قصر الصلاة وكذا ابن حمدان.
وقيل: إن سافر وكيل في القضاء لم يترخص.
قلت: يحتمل أن يبني الخلاف هنا على الخلاف في وجوب الدفع قبل الطلب وعدمه على ما تقدم في آخر باب القرض.
والمذهب لا يجب قبل الطلب فله القصر وأطلقهن في الفروع.
قوله: "وإن كان حالا وله مال يفي به لم يحجر عليه ويأمره الحاكم بوفائه فإن أبى حبسه".
القول بالحبس: اختاره جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وعليه العمل وهو الصواب ولا تخلص الحقوق في هذه الأزمنة غالبا إلا به وبما هو أشد منه.
وقال ابن هبيرة في الإفصاح: أول من حبس على الدين شريح القاضي ومضت السنة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أنه لا يحبس على الديون لكن يتلازم الخصمان.
وأما الحبس الآن على الدين فلا أعلم أنه يجوز عند أحد من المسلمين.
وتكلم على ذلك وأطال ذكره في الفروع والطبقات.
فائدة: إذا حبس فليس للحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره أو يبرئه غريمه أو يرضى بإخراجه.
فإذا تبين أمره لم يسع الحاكم حبسه ولو لم يرض غريمه لأنه ظلم محض.
قوله: "فإن أصر باع ماله وقضى دينه".
إذا أصر على الحبس فقال المصنف هنا يبيع الحاكم ماله ويقضي دينه من غير ضرب.
قال في الفائق: أبى الضرب الأكثرون.
وقال جماعة من الأصحاب إذا أصر على الحبس وصبر عليه ضربه الحاكم نقله حنبل ذكره عنه في المنتخب وغيره.
قال في الفصول وغيره: يحبسه فإن أبى عزره.
قال: ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: نص عليه الأئمة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله وغيرهم ولا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد في كل يوم على أكثر التعزير إن قيل بتقديره انتهى.
فائدتان
إحداهما: متى باع الحاكم عليه فقال في الفروع ذكر جماعة أنه يحبس فإن لم يقضه باع الحاكم وقضاه.
فظاهره يجب على الحاكم بيعه.
نقل حنبل: إذا تقاعد بحقوق الناس يباع عليه ويقضي.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا يلزمه أن يبيع عليه.
وقال أيضا: من طولب بأداء حق عليه فطلب إمهالا أمهل بقدر ذلك اتفاقا لكن إن خاف غريمه منه احتاط عليه بملازمة أو كفيل أو ترسيم عليه.
الثانية: لو مطل غريمه حتى أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك يلزم المماطل جزم به في الفروع وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله أيضا.
قلت: ونظير ذلك ما ذكره المصنف والأصحاب في باب استيفاء القصاص في أثناء فصل "ولا يستوفى القصاص إلا بحضرة السلطان".
ثم قال: وإلا أمر بالتوكيل وإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني وكذا أجرة القطع في السرقة على السارق.
وقال في الرعاية الكبرى في باب من الدعاوى وإن أحضر المدعى به ولم يثبت للمدعى لزمه مؤنة إحضاره ورده وإلا لزما المنكر.
وتقدم كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله في الضمان إذا تغيب المضمون عنه حتى غرم الضامن شيئا بسببه أو أنفقه في الحبس أنه يرجع به على المضمون عنه.
وقال ايضا: لو غرم بسبب كذب عليه عند ولي الأمر رجع به على الكاذب ذكره عنه في الفروع في أوائل الفصل الأول من كتاب الغصب.
قوله: "وإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق حبس إلا أن يقيم البينة على نفاد ماله أو إعساره وهل يحلف معها؟ على وجهين".
إذا ادعى الإعسار فلا يخلو إما أن يكون دينه عن عوض أو يعرف له مال سابق أو غير ذلك.
فإن كان دينه عن عوض كالبيع والقرض ونحوهما والغالب بقاؤه أو عن غير مال كالضمان ونحوه وأقر أنه مليء أو عرف له مال سابق لم يقبل قوله إلا ببينة.
ثم إن البينة لا تخلو إما أن تشهد بنفاد ماله أو إعساره فإن شهدت بنفاد ماله أو تلفه حلف معها على الصحيح من المذهب أن لا مال له في الباطن.
قال في الفروع والرعاية الكبرى: ويحلف معها على الأصح.
قال في الفائق: حلف معها في أصح الوجهين وجزم به في الكافي والتلخيص والمحرر والشرح والوجيز والمنور وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين.
والوجه الثاني: لا يحلف مع بينة هنا.
وإن شهدت بإعساره فلا بد أن تكون البينة ممن يخبر باطن حاله لأنها شهادة على نفي قبلت للحاجة ولا يحلف معها على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
قال في الرعاية الكبرى والفروع: ولم يحلف معها على الأصح لئلا يكون مكذبا لبينته وجزم به في الكافي والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وقدمه في التلخيص والشرح.
والوجه الثاني: يحلف معها.
وذكر ابن أبي موسى عن بعض الاصحاب: أنه يحلف مع بينته أنه معسر لأنها تشهد بالظاهر.
فوائد
إحداها: يكتفي في البينة أن تشهد بالتلف أو بالإعسار على الصحيح من المذهب قال الزركشي هذا المحقق وفاقا للمجد وغيره.
قلت وجزم به المصنف وصاحب الفروع.
وجزم في التلخيص: أنه لا يكتفي في الشهادة بالإعسار بل لا بد من الشهادة بالتلف والإعسار معا.
وكذا قال في الرعايتين والحاويين والفائق فإنهم قالوا نشهد بذهابه وإعساره لا أنه لا يملك شيئا.
الثانية: تسمع بينة إعساره ونحوها قبل حبسه وبعده ولو بيوم قاله الأصحاب.
الثالثة: إذا لم يكن لمدعي الإعسار بينة والحالة ما تقدم كان القول قول غريمه مع يمينه أنه لا يعلم عسرته بدينه وكان له حبسه وملازمته قاله في الكافي والتلخيص والزركشي وغيرهم.
وقال في الترغيب: إن حلف أنه قادر حبسه وإلا حلف المنكر عليهما وخلي.
ونقل حنبل: يحبس إن علم له ما يقضي.
وفي المستوعب: إن عرف بمال أو أقر أنه مليء به وحلف غريمه أنه لا يعلم عسرته حبس.
وفي الرعاية: يحلف أنه موسر بدينه ولا يعلم إعساره به.
وفي المغنى والشرح إذا حلف أنه ذو مال حبس.
وقال في الفروع: وظاهر كلام جماعة أنه لا يحلف إلا إن يدعى المديون تلفا أو إعسارا أو يسأل سؤاله فتكون دعوى مستقلة فإن كان له ببقاء ماله أو قدرته بينة فلا كلام وإلا فيمين صاحب الحق بحسب جواب المديون كسائر الدعاوى.
قال في الفروع: وهذا أظهر وهو مرادهم لأنه ادعى الإعسار وانه يعلم ذلك وأنكره انتهى.
وحيث قلنا: يحلف صاحب الحق وأبى حلف الآخر وخلى سبيله.
الرابعة: يكتفي في البينة هنا باثنين على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه لا يكفي أقل من ثلاثة كمن يريد أخذ الزكاة وكان معروفا بالغني وادعى الفقر على ما تقدم في أواخر باب ذكر أهل الزكاة.
قوله: "فإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله".
أي وإن ادعى الإعسار ولم يعرف له مال سابق ودينه عن غير عوض لم يقر بالملاءة به أو عرف له مال سابق والغالب ذهابه وهذا الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال الزركشي: هذا المعروف في المذهب وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والنظم والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقال في الترغيب: يحبس إلى ظهور إعساره.
وقال في البلغة: يحبس إلى ان يثبت إعساره.
وظاهر كلام الخرقي: أن حكمه حكم من عرف بمال أو كان دينه عن عوض كما تقدم.
فائدتان
إحداهما: لو قامت بينة للمفلس بمال معين فأنكر ولم يقر به لأحد أو قال هو لزيد فكذبه زيد قضى دين المفلس منه.
وإن صدقه زيد فهل يقضي دين المفلس منه على وجهين وأطلقهما في الفروع.
أحدهما: لا يقضي منه ويكون لزيد مع يمينه لاحتمال التواطؤ جزم به في المغنى والشرح وابن رزين والنظم.
قال في الرعاية الكبرى: فإن أقر أنه لزيد مضاربة قبل قوله مع يمينه إن صدقه زيد أو كان غائبا.
والثاني: يقضي منه دينه.
وعلى الوجهين لا يثبت الملك للمدين لأنه لا يدعيه.
قال في الفروع: فظاهر هذا أن البينة هنا لا يعتبر لها تقدم دعوى وإن كان للمقر له للصدق بينة قدمت لإقرار رب اليد.
وفي المنتخب بينة المدعى لأنها خارجة.
الثانية: يحرم على المعسر أن يحلف أنه لا حق عليه ويتأول نص عليه جزم به في الفروع وغيره.
قلت: لو قيل بجوازه إذا تحقق ظلم رب الحق له وحبسه ومنعه من القيام على عياله لكان له وجه.
قوله: "وإن كان له مال لا يفي بدينه وسال غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمه إجابتهم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله: إن ضاق ماله عن ديونه صار محجورا عليه بغير حكم حاكم وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
ويأتي معنى ذلك قريبا.
تنبيهات .
أحدهما: قوله: "وإن كان له مال لا يفي بدينه" هكذا عبارة أكثر الأصحاب.
وقال في الرعاية الكبرى: ومن له دون ما عليه من دين حال أو قدره ولا كسب له ولا ما ينفق منه غيره أو خيف تصرفه فيه.
الثاني: ظاهر قوله: "فسأل غرماؤه الحجر" أنه لو سأله البعض الحجر عليه لم يلزمه.
أجابتهم وهو ظاهر المغنى والمستوعب والشرح والمحرر والنظم والحاوي وجماعة وهو أحد الوجهين وقدمه في الرعايتين والفائق والزركشي.
الوجه الثاني: يلزمه إجابتهم أيضا وهو الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: لزم الحجر عليه بطلب غرمائه والأصح أو بعضهم.
قال في تجريد العناية: هذا الأظهر واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز والتلخيص والبلغة وهو الصواب.
الثالث: ظاهر كلامه أيضا أن المعسر لو طلب الحجر على نفسه من الحاكم لا يلزمه إجابته إلى ذلك وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب.
وقال في المستوعب: إن زاد دينه على المال وقيل أو طلب المفلس الحجر من الحاكم لزمه.
وقال في الرعاية الكبرى: وإن طلبه المفلس وحده احتمل وجهين.
قال في تجريد العناية وبسؤاله في وجهه.
قوله: "ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها: تعلق حق الغرماء بماله فلا يقبل إقراره عليه ولا يصح تصرفه فيه إلا بالعتق على إحدى الروايتين".
اعلم أنه إذا كان عليه دين اكثر من ماله وتصرف فلا يخلو إما أن يكون تصرفه قبل الحجر عليه أو بعده.
فإن كان قبل الحجر عليه صح تصرفه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ولو استغرق جميع ماله حتى قال في المستوعب وغيره لا يختلف المذهب في ذلك.
وقيل: لا ينفذ تصرفه ذكره الشيخ تقي الدين وحكاه رواية واختاره.
وسأله جعفر: من عليه دين يتصدق بشيء؟ قال: الشيء اليسير وقضاء دينه أوجب عليه.
قلت: وهذا القول هو الصواب خصوصا وقد كثرت حيل الناس وجزم به في القاعدة الثالثة والخمسين.
وقال: المفلس إذا طلب البائع منه سلعته التي يرجع بها قبل الحجر لم ينفذ تصرفه نص عليه.
وذكر في ذلك ثلاث نصوص لكن ذلك مخصوص بمطالبه البائع.
وعنه له منع ابنه من التصرف في ماله بما يضره.
ونقل حنبل فيمن تصدق وأبواه فقيران رد عليهما لا لمن دونهما.
ونص في رواية: على ان من أوصى لأجانب وله أقارب محتاجون أن الوصية ترد عليهم.
قال في القاعدة الحادية عشر: فيخرج من ذلك أن من تبرع وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين وليس له وفاء أنه يرد ولهذا يباع المدبر في الدين خاصة على رواية.
ونقل ابن منصور فيمن تصدق عند موته بماله كله قال هذا مردود ولو كان في حياته لم أجوز إذا كان له ولد.
فعلى المذهب: يحرم عليه التصرف إن أضر بغريمه ذكره الآدمي البغدادي واقتصر عليه في الفروع وهو حسن.
وإن تصرف بعد الحجر عليه فلا يخلو إما أن يتصرف بالعتق أو بغيره.
فإن تصرف بالعتق فأطلق المصنف في صحة عتقه روايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي والتلخيص والبلغة وغيرهم.
إحداهما: لا يصح وهو المذهب.
قال المصنف والشارح والزركشي في كتاب العتق هذا أصح.
واختاره أبو الخطاب في رؤوس المسائل وابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي وغيرهم وصححه في التصحيح وغيره وقدمه في المحرر والفروع والرعاية الصغرى والحاويين والفائق وإدراك الغاية.
والرواية الثانية: يصح اختاره أبو بكر والقاضي والشريف قاله الزركشي.
قال في الرعاية الكبرى: يصح عتقه على الأقيس.
وإن تصرف بغير العتق فلا يخلو إما أن يكون بتدبير رقيقه أو غيره فإن كان بالتدبير صح بلا نزاع أعلمه.
وإن كان بغيره فلا يخلو إما أن يكون بالشيء اليسير أو غيره.
فإن كان الشيء اليسير لم ينفذ تصرفه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وفي المستوعب والرعاية: يصح تصرفه بالصدقة في الشيء اليسير زاد في الرعاية بشرط أن لا يضر.
قلت: إذا كانت العادة مما جرت به ويتسامح بمثله فيبغي أن يصح تصرفه فيه بلا خلاف وفي الرعاية وغيرها تصح وصيته بشرط أن لا يضر بماله انتهى.
وإن كان تصرفه بغير اليسير لم يصح تصرفه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
ونقل موسى بن سعيد: إن تصرف قبل طلب رب العين لها جاز لا بعد.
فائدتان
إحداهما: لو باع ماله لغريم بكل الدين الذي عليه ففي صحته وجهان وأطلقهما في الفروع.
قال في الرعاية: يحتمل وجهين.
أحدهما: يصح لرضاهما به وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
والوجه الثاني: لا يصح لاحتمال ظهور غريم آخر.
قلت: وهو الصواب.
الثانية: يملك رد معيب اشتراه قبل الحجر ويملك الرد بخيار غير متقيد بالأحظ على الصحيح من المذهب.
قال في التلخيص: ولا يتقيد بالأحظ على الأظهر.
قال في الفائق: هذا اصح الوجهين وهو ظاهر ما جزم به في الحاويين والرعاية الصغرى فإنهما قالا وله رد ما اشتراه قبل الحجر بعيب أو خيار وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
قال الزركشي: وهو المشهور وجزم به في المغنى والشرح في الثانية.
وقيل: إن كان فيه حظ نفذ تصرفه وإلا فلا.
قال في التلخيص: وهو قياس المذهب.
قلت: وهو الصواب.
قوله: "وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب فلا يشاركون من كان دينه قبل الحجر.
وفي المبهج في جاهل به وجهان.
وعنه يصح إقراره إن أضافه إلى ما قبل الحجر أو ادانه عامل قبل قراضه قاله الشيخ تقي الدين رحمه الله.
وقال في الرعاية: ويحتمل أن يشاركهم من اقر له بدين لزمه قبل الحجر.
وقال أيضا: وإن أقر بمال معين أو عين احتمل وجهين.
وتقدم نقل موسى بن سعيد.
وتقدم في باب الضمان أن صاحب التبصرة حكى رواية بعدم صحة ضمانه.
قال في الفروع: ويتوجه عليها عدم صحة تصرفه في ذمته انتهى.
تنبيه: ظاهر كلامه أن من عامله بعد الحجر لا يرجع بعين ماله وهو أحد الوجهين.
قلت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: يرجع أيضا وأطلقهما في الفائق.
وقيل: يرجع مع جهله الحجر قاله الزركشي وهو حسن وهذا الأخير المذهب وقدمه في الفروع وغيره.
قوله: "الثاني أن من وجد عنده عينا باعها إياه فهو أحق بها بشرط أن يكون المفلس حيا ولم ينقد من ثمنها شيئا والسلعة بحالها لم يتلف بعضها ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية أو رهن ونحوه ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة".
ذكر المصنف لاختصاص رب العين المباعة الموجودة بعد الحجر في المحجور عليه شروطا.
منها: أن يكون المفلس حيا فلو مات كان صاحبها اسوة الغرماء مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل: ذلك إذا مات قبل الحجر.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أن رب العين لو مات كان لورثته أخذ السلعة كما لو كان صاحبها حيا وهو صحيح وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وظاهر كلام أكثر الأصحاب منهم صاحب الحاويين.
قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الشيخين المصنف والمجد لعدم إشتراطهم ذلك.
وقال في الترغيب والرعاية الكبرى: فلربه دون ورثته على الأصح أخذه وقدمه في الرعاية الصغرى والفائق والزركشي.
وقال في التلخيص: من الشروط أن يكون البائع حيا إذ لا رجوع للورثة للحديث.
وحكى أبو الحسن الآمدي رواية أخرى أنهم يرجعون انتهى.
ومنها: ان لا يكون نقد من ثمنها شيئا فإن كان نقد منه شيئا كان أسوة الغرماء لا أعلم فيه خلافا.
ومنها: أن تكون السلعة بحالها لم يتلف بعضها وكذا لم يزل ملكه عن بعضها ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك إن كان عينا واحدة.
وإن كان المبيع عينين كعبدين أو ثوبين ونحوهما فتلف أحدهما أو نقص ونحوه رجع في العين الأخرى على الصحيح من المذهب جزم به في المنور ومنتخب الآدمي وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين.
وعنه له أسوة الغرماء وهو ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة وقدمه ابن رزين في شرحه.
وجزم به في الإرشاد وأطلقهما في المغنى والكافي والتلخيص والمستوعب والشرح والفائق والزركشي.
وقال: ولعل مبناهما أن العقد هل يتعدد بتعدد المبيع أم لا وحكم انتقال البعض ببيع ونحوه حكم التلف انتهى.
قلت: تقدم في كتاب البيع بعد قوله: "وإذا جمع بين كتابة وبيع" أن الصفقة تتعدد بتعدد المبيع على الصحيح.
تنبيه: من جملة صور تلف البعض إذا استأجر أرضا للزرع فأفلس بعد مضي مدة لمثلها أجرة تنزيلا للمدة منزلة المبيع ومضى بعضها بمنزلة تلف بعضها وهذا المذهب اختاره المصنف والشارح وابن رزين وغيرهم.
وقال القاضي وصاحب التلخيص له الرجوع وهل يلزمه تبقية زرع المفلس فيه وجهان وأطلقهما الزركشي بأجرة المثل.
ثم هل يضرب بها له مع الغرماء؟ اختاره القاضي أو يقدم بها عليهم؟ قاله في التلخيص.
فوائد
إحداها: لو وطى ء البكر امتنع الرجوع على الصحيح من المذهب اختاره أبو بكر وغيره وجزم به في التلخيص والمستوعب وغيرهما وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين.
وقيل: لا يمتنع اختاره القاضي وأطلقهما في الفائق.
وكذا الحكم إذا جرح العبد.
فعلى المذهب: لا يرجع وعلى قول القاضي: يرجع.
فإن كان مما لا أرش له كالحاصل بفعل الله تعالى أو فعل بهيمة أو جناية المفلس او عبده أو جناية العبد على نفسه فلا أرش له مع الرجوع.
وإن كان الجراح موجبا للأرش كجناية الاجنبي فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصه ما نقص من الثمن.
وعلى المذهب أيضا: لو وطى ء الثيب كان له الرجوع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب جزم به في المغنى والشرح والفائق وشرح ابن رزين وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال في الرعاية الكبرى: فله الرجوع في الأصح إذا لم تحمل
وفيه وجه أخر يمتنع الرجوع ذكره ابن أبي موسى وأطلقهما في التلخيص والمستوعب والرعاية الصغرى والحاويين.
الثانية: لا يمنع الأخذ تزويج الأمة فإذا أخذها البائع بطل النكاح في الأقيس قاله في الرعاية الكبرى.
قلت: الصواب عدم البطلان.
الثالثة: لو خرجت السلعة عن ملكه قبل الحجر ورجعت بعد الحجر فقيل له الرجوع قال الناظم عاد الرجوع على القوي.
قال في التلخيص: هي كعود الموهوب إلى الابن بعد زواله هل للأب الرجوع أم لا؟.
قلت: الصحيح من المذهب أن له الرجوع على ما يأتي وقدمه ابن رزين في شرحه.
وقيل: ليس له الرجوع مطلقا.
وقيل: إن عادت إليه بسبب جديد كبيع وهبة وإرث ووصية لم يرجع وإن عادت إليه بفسخ كالإقالة والرد بالعيب والخيار ونحوه فله الرجوع.
ويأتي في الهبة نظير ذلك في رجوع الأب إذا رجع إلى الإبن بعد وفاته والصحيح من ذلك وأطلقهن في المغنى والشرح والزركشي والقواعد الفقهية.
وأطلق الوجهين الأولين في الكافي والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق.
وحيث قلنا: له الرجوع لو اشتراها ثم باعها ثم اشتراها فقيل يختص بها البائع الأول لسبقه.
وقيل: يقرع بينه وبين البائع الثاني وأطلقهما في الفروع.
ومنها: بقاء صفة السلعة فلو تغيرت بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق وطحن الحنطه وعمل الزيت صابونا او قطع الثوب قميصا أو نجر الخشب أبوابا أو عمل الشريط أبرا أو نحو ذلك امتنع الرجوع على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في المغنى والكافي والشرح والرعاية الصغرى والحاويين والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقال في الموجز: إن أحدث صنعة كنسج غزل وعمل الدهن صابونا فروايتان.
وقال في التبصرة: لا يأخذه.
وعنه: بلى ويشاركه المفلس في الزيادة.
وقال في الرعاية الكبرى -من عنده-: إن لم تزد قيمة الحب بطحنه والدقيق بخبزه والغزل بنسجه رجع وإلا فلا.
فائدتان
إحداهما: لو كان حبا فصار زرعا أو بالعكس أو نوى فنبت شجرا او بيضا فصار فرخا سقط الرجوع على الصحيح من المذهب.
وقال القاضي: لا يمنع ذلك الرجوع واختاره في التلخيص ورده في المغنى والشرح.
الثانية: لو خلط المبيع أو بعضه بما لا يتميز منه فقال المصنف والشارح وغيرهما سقط حقه من الرجوع لأنه لم يجد عين ماله وهو المذهب قطع به في التبصرة.
وقال الزركشي: وقد يقال: ينبني على الوجهين في أن الخلط هل هو بمنزلة الإتلاف أم لا ولا نسلم أنه لم يجد عين ماله بل وجده حكما انتهى.
قلت: الصحيح من المذهب أن الخلط ليس بإتلاف وإنما هو اشتراك على ما يأتي في كلام المصنف في باب الغصب في قوله: "وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز".
ومنها: أن لا يتعلق بها حق شفعة فإن تعلق بها حق شفعة أمتنع الرجوع على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والحاويين والوجيز والرعايتين في موضع وغيرهم وقدمه في الفائق.
قال في الفروع: فله أسوة الغرماء في الأصح.
وقيل: لا يمتنع الرجوع اختاره ابن حامد.
وقال في الكبرى: في موضع أخر وإن اشترى شقصا مشفوعا فلبائعه الرجوع.
وقيل: الشفيع أحق به.
وقيل: إن طالب الشفيع امتنع وإلا فلا وأطلقهن في المغني والشرح والكافي والزركشي.
ومنها: أن لا يتعلق بها حق رهن فإن تعلق بها حق رهن امتنع الرجوع لا أعلم فيه خلافا.
لكن إذا كان الرهن أكثر من الدين فما فضل منه رد على المال وليس لبائعه الرجوع في الفاضل على الصحيح من المذهب.
ويأتي قريبا في كلام المصنف مجزوما به.
وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغنى والكافي والشرح والفروع وغيرهم وقال القاضي له الرجوع لأنه عين ماله.
قال المصنف والشارح: وما ذكره القاضي لا يخرج على المذهب لان تلف بعض المبيع يمنع الرجوع فكذلك ذهاب بعضه بالبيع انتهى.
فلو كان المبيع عينين فرهن أحدهما فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى؟ على وجهين.
بناء على الروايتين فيما إذا تلف أحد العينين على ما تقدم وقد علمت أن المذهب له الرجوع هناك فكذا هنا.
فائدة: لو مات الراهن وضاقت التركة عن الديون قدم المرتهن برهنه على الصحيح من المذهب ونص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه هو أسوة الغرماء نص عليه أيضا وأطلقهما الزركشي آخر الرهن.
ومنها: ان لا يتعلق بها حق جناية بأن يشتري عبدا ثم يفلس بعد تعلق أرش الجناية برقبته فيمتنع الرجوع على الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز والفروع والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وقدمه في الفائق والكافي.
وقيل: له الرجوع لأنه حق لا يمنع تصرف المشتري فيه بخلاف الرهن وأطلقهما في المغنى والشرح والنظم والزركشي.
فعلى المذهب حكمه حكم الرهن.
وعلى الثاني هو مخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء فإن أبرأ الغريم من الجناية فللبائع الرجوع.
قال في القاعدة السادسة عشر: لو تعلق بالعين المبيعة حق شفعة أو جناية أو رهن ثم أفلس ثم أسقط المرتهن أو الشفيع أو المجني عليه حقه فالبائع أحق بها من الغرماء لزوال المزاحمة على ظاهر كلام القاضي وابن عقيل ذكره المجد في شرحه.
ويتخرج فيه وجه آخر أنه أسوة الغرماء انتهى.
ومنها: أن لا تزيد زيادة متصلة فإن زادت زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة كالكتابة والقرآن ونحوهما امتنع الرجوع على الصحيح من المذهب اختاره الخرقي والشيرازي وقدمه في المغنى والهادي والكافي والشرح والفروع ونصره المصنف والشارح وردا غيره.
قال القاضي في كتاب الهبة: من خلافه هو منصوص الإمام أحمد رحمه الله.
وعنه أن الزيادة لا تمنع الرجوع نص عليه في رواية الميموني.
وقاله القاضي وأصحابه وابن أبي موسى وجزم به في الوجيز والمنور وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في النظم والفائق والرعايتين والهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر وإدراك الغاية وشرح ابن رزين وقال وهو القياس.
قال في المذهب ومسبوك الذهب هذا ظاهر المذهب ولعله المذهب لأنه المنصوص وعليه الأكثر.
فعليها يأخذها بزيادتها وأطلقهما ابن البنا في الخصال وصاحب الحاويين.
قوله: "فأما الزيادة المنفصلة فلا تمنع الرجوع".
وهو المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال المصنف والشارح: لا تمنع الرجوع بغير خلاف بين أصحابنا.
وذكر في الإرشاد والتبصرة والموجز في منع المنفصلة من الرجوع روايتين.
وعند أبي موسى يمنع الولد الرجوع في أمه.
فائدة: لو كان حملا عند البيع أو عند الرجوع فوجهان وأطلقهما في الفروع.
قال في التلخيص والرعاية الكبرى: إن كان حملا عند البيع والرجوع لم يمنع الرجوع كالسمن وإن كان حملا عند البيع منفصلا عند الرجوع فوجهان وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
ومع الرجوع لا ارش على الأظهر.
وإن كانت حائلا عند البيع حاملا عند الرجوع فقال في الكبرى فوجهان.
وقال في التلخيص: هو كالسمن والأظهر يتبع في الرجوع كالبيع انتهى.
وقال المصنف: قال القاضي: إن اشتراها حاملا وأفلس بعد وضعها فله الرجوع فيهما مطلقا.
قال المصنف: والصحيح أنا إذا قلنا لا حكم للحمل فهو زيادة منفصلة وإن قلنا له حكم وهو الصحيح فإن كان هو والأم قد زادا بالوضع فزيادة متصلة وإن لم يزيدا جاز الرجوع فيهما.
وإن زاد أحدهما دون الآخر خرج على الروايتين فيما إذا كان المبيع عينين تلف بعض أحدهما على ما تقدم.
وإن كانت عند البيع حائلا وحاملا عند الرجوع وزادت قيمتها فزيادة متصلة وإن أفلس بعد الوضع فزيادة منفصلة.
وقال القاضي: إن وجدها حاملا انبنى على أن الحمل هل له حكم فيكون زيادة منفصلة يتربص به حتى تضع أو لا حكم له كزيادة متصلة انتهى كلام المصنف ملخصا.
قوله: "والزيادة للمفلس".
هذا ظاهر كلام الخرقي واختيار ابن حامد والقاضي في روايتيه والمجرد والشريف وأبي الخطاب في خلافيهما وابن عقيل في الفصول والمصنف.
وقال: لا ينبغي أن يكون فيه خلاف.
قال في الكافي: هذا ظاهر المذهب.
قال الشارح: هذا أصح إن شاء الله وجزم به في الوجيز.
وعنه أنها للبائع وهي المذهب اختاره ابو بكر والقاضي في الجامع والخلاف وابن عقيل وجزم به في المنور ومنتخب الآدمي وقدمه في المستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع والفائق.
وهو ظاهر ما قدمه في الهداية والمذهب وأطلقهما الزركشي.
ويأتي نظير ذلك في الهبة واللقطة.
فعلى الأول إذا كانت الزيادة المنفصلة ولدا صغيرا أجبر البائع على بذل قيمته وكذا إن كان كبيرا وقلنا يحرم التفريق فإن أبى بطل الرجوع في أحد الوجهين.
وفي الوجه الأخر يباعان ويصرف إليه ما خص الأم قاله في التلخيص.
وقال في الرعايتين والحاويين والفائق: فلو كانت الزيادة المنفصلة ولد أمة فله أخذه بقيمته أو بيع الأم معه وله قيمتها ذات ولد بغير ولد.
زاد في الفائق: ويحتمل منع الرجوع في الأم.
قال في الرعاية الكبرى: وقيل: إن لم يدفع قيمته فلا رجوع.
قوله: "وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والكافي والوجيز وشرح ابن منجا وغيرهم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
قال صاحب التلخيص وغيره هذا المذهب.
قال المصنف والشارح: إذا صبغ الثوب أولت السويق بزيت فقال أصحابنا: لبائع الثوب والسويق الرجوع في أعيان أموالهما.
قال المصنف ويحتمل أن لا يكون له الرجوع إذا زادت القيمة كسمن العبد.
وقالا: وإن قصر الثوب فإن لم تزد قيمته فللبائع الرجوع فيه وإن زادت فليس له الرجوع في قياس قول الخرقي.
وقال القاضي وأصحابه: له الرجوع انتهيا.
وقال ابن أبي موسى: إذا زادت العين بقصارة أو صناعة ونحوهما أمتنع الرجوع وهو ظاهر كلام الخرقي.
وقال في الفروع: وإن صبغه أو قصره فله أسوة الغرماء في وجه فيهما كنقصه بهما في الأصح.
قال في الفائق: وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع ويشاركه المفلس في الزيادة.
وقيل: لا رجوع إن زادت القيمة.
وقال في المستوعب: وإن كانت ثيابا فصبغها أو قصرها فذكر ابن أبي موسى أنه يكون أسوة الغرماء.
وقال القاضي: لا يمنع الرجوع.
وقال في الرعاية الكبرى: إن قصر الثوب وقلنا يرجع في الأقيس فزادت قيمته رجع فيه ربه في الأصح والزيادة للمفلس في الأقيس فله من الثوب بنسبة ما زاد من قيمته.
وقيل: بل أجرة القصارة إلا أن يتلف بيده فيسقط.
وقيل: القصارة كالسمن وفي أجرتها وجهان.
وإن لم تزد ولم تنقص فله الرجوع أو مشاركة الغرماء.
وقال في صبغ الثوب: وإن صبغه فزادت قيمته بقدر قيمة الصبغ رجع البائع في الأصح وشارك المفلس فيه بقيمة صبغه إلا أن يدفعها البائع فإن أبى دفعها أجبر على بيع حقه.
وإن نقصت عن قيمة الصبغ فالنقص من المفلس وإن زادت قيمتها فالزيادة مع قيمة الصبغ له.
وقيل: يشتركان منه بالنسبة.
وإن لم تزد قيمته فلربه أخذه مجانا أو يكون كالغرماء وإن نقصت قيمته لم يرجع في الأقيس انتهى.
فائدتان
إحداهما: لو كانت السلعة صبغا فصبغ به أو زيتا فلت به فلا رجوع على الصحيح من المذهب.
قال في الفائق: فلا رجوع في أصح الوجهين وقدمه في المغنى والشرح وجزم به في الكافي وغيره.
قال القاضي: له الرجوع.
وجزم في المغنى والكافي والشرح وغيرهم بأنه إذا خلطه بمثله على وجه لا يتميز يمتنع الرجوع كخلط الزيت والقمح ونحوهما بمثله.
الثانية: لو كان الثوب والصبغ من واحد قال المصنف والشارح قال أصحابنا هو كما لو كان الصبغ من غير بائع الثوب.
فعلى قولهم يرجع في الثوب وحده ويكون المفلس شريكا بزيادة الصبغ ويضرب مع الغرماء بثمن الصبغ.
قال: ويحتمل أن يرجع فيهما ها هنا كما لو اشترى دفوفا ومسامير من واحد فسمرها به فإنه يرجع فيهما.
قوله: "فإن غرس الأرض أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكه إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص".
إذا اتفقا على قلع الغرس والبناء فلهم ذلك فإذا فعلوه فللبائع الرجوع في أرضه فإذا أراد الرجوع قبل القلع فله ذلك على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: والأصح له الرجوع قبل قلع غرس وبناء وقدمه في المغنى والشرح وهو ظاهر ما جزم به كثير من الأصحاب.
ويحتمل أن لا يستحقه إلا بعد القلع.
فعلى المذهب يلزمهم تسوية الأرض وارش نقصها الحاصل به ويضرب بالنقص مع الغرماء.
وعلى الثاني لا يلزمهم ذلك.
فلو امتنع المفلس والغرماء من القلع لم يجبروا عليه.
وإن أبى المفلس القلع فالصحيح من المذهب أن للبائع أخذه وقلعه وضمان نقصه.
وقيل: ليس له ذلك.
وعلى المذهب لو بذل البائع قيمة الغراس والبناء ليملكه أو قال أنا أقلع وأضمن النقص فله ذلك وعلى الثاني ليس له ذلك.
قوله: "فإن أبوا القلع وأبى دفع القيمة سقط الرجوع".
وهو المذهب اختاره ابن حامد ونصره المصنف والشارح وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والخلاصة وصححه في النظم.
وقال القاضي: له الرجوع في الأرض ويكون ما فيها للمفلس وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص.
فعلى المذهب لا تفريع.
وعلى الثاني إن اتفقا على البيع بيعا لهما وإن أبى أحدهما فقال المصنف والشارح يحتمل أن يجبر فيباع الجميع واحتمل لا فيبيع المفلس غرسه وبناءه مفردا.
قال في الفروع: وهل يباع الغرس مفردا أو الجميع ويقسم الثمن على القيمة؟ فيه وجهان وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص والفائق والحاويين وغيرهم.
أحدهما يباع الجميع قدمه في الخلاصة والرعاية الصغرى.
والوجه الثاني يباع الغرس والبناء مفردا قدمه في الرعاية الكبرى.
فوائد
إحداها: قال المصنف والشارح لو كان المبيع شجرا أو نخلا فله أربعة أحوال:.
أحدها: أفلس وهي بحالها فله الرجوع.
الثاني كان فيها وقت البيع ثمر ظاهر أو طلع مؤبر واشترطه المشتري فأكله أو تصرف فيه أو تلف بجائحة ثم أفلس فهذا في حكم ما لو اشترى عينين وتلف أحدهما على ما تقدم.
الثالث أطلع ولم يؤبر أو كان فيه ثمر لم يظهر وقت البيع فيدخل في البيع فلو أفلس بعد تلفه او بعضه او زاد أو بدا صلاحه فحكمه حكم تلف بعض المبيع وزيادته المتصلة على ما تقدم.
قال في الرعاية الكبرى فهو زيادة متصلة في الأصح.
الرابع باعه نخلا حائلا فأطلعت أو شجرا فأثمرت فهو على أربعة أقسام.
الأول أفلس قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة.
الثاني أفلس بعد التأبير وظهور الثمرة فلا يمنع الرجوع والطلع للمشتري على الصحيح من المذهب خلافا لأبي بكر.
ولو باعه أرضا فارغة فزرعها المشتري ثم أفلس رجع في الأرض دون الزرع وجها واحدا.
الثالث أفلس والطلع غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر فليس له الرجوع فيه كما لو أفلس بعد التأبير.
فلو ادعى الرجوع قبل التأبير وأنكر المفلس فالقول قوله.
وإن قال البائع بعت بعد التابير وقال المفلس بل قبله فالقول قول البائع.
الرابع أفلس بعد أخذ الثمرة أو ذهابها بجائحة أو غيرها فله الرجوع في الأصل والثمرة للمشترى إلا على قول أبي بكر.
الثانية: كل موضع لا يتبع الثمر الشجر إذا رجع البائع فليس له مطالبة المفلس بقطع الثمرة قبل أوان الجداد.
وكذا إذا رجع في الأرض وفيها زرع للمفلس وليس على صاحب الزرع أجرة.
إذا ثبت هذا فإن اتفق المفلس والغرماء على التبقية أو القطع فلهم ذلك.
وإن اختلفوا وكان مما لا قيمة له أو قيمته يسيرة لم يقطع.
وإن كانت قيمته كثيرة قدم قول من طلب القطع في أحد الوجوه اختاره القاضي وجزم به في الرعاية الكبرى.
والثاني ينظر ما فيه الأحظ فيعمل به.
قلت وهو الصواب.
والثالث إن طلب الغرماء القطع وجب وإن كان المفلس فكان التأخير أحظ له لم يقطع.
الثالثة إذا كملت الشروط فله أخذه من غير حكم حاكم على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب لتعينها كوديعة وسواء زادت قيمتها أو نقصت ولو بذل الغرماء ثمنها كله وهو يساوي المبيع أو دونه أو فوقه.
وقيل لا يأخذها إلا بحكم حاكم بناء على تسويغ الاجتهاد.
الرابعة لو حكم حاكم بكونه أسوة الغرماء نقض حكمه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وفيه احتمال لا ينقض.
الخامسة يكون الاسترجاع في السلعة بالقول فلو أقدم على التصرف فيها ابتداء لم ينعقد ولم يكن استرجاعا وكذا الوطء ذكره القاضي في الخلاف لتمام ملك المفلس.
وفي المجرد والفصول يكون الوطء استرجاعا وأن فيه احتمالا آخر بعدمه قاله في القاعدة الخامسة والخمسين.
السادسة يستثنى من جواز الأخذ بعد كمال الشروط مسألة وهي ما إذا كان المبيع صيدا والبائع محرما فإنه ليس له الرجوع فيه لأنه تملك للصيد لا يجوز قاله المصنف والشارح وصاحب الرعاية وقطعوا به.
قلت فيعايى بها.
ولعلهم أرادوا على القول بأن الفسخ على الفور في تلك الحالة وهو الظاهر وإلا فلا وجه له.
السابعة الصحيح من المذهب أن أخذ السلعة على التراخي كخيار العيب قدمه في الفروع والمحرر وغيرهما وقاله المصنف والشارح وغيرهما.
وقيل على الفور.
قال في الرعاية الكبرى أخذه على الفور في الأقيس وصححه الناظم ونصره القاضي وغيره وأطلقهما في المغني والشرح والفائق.
قال المصنف والشارح الوجهان هنا مبنيان على الروايتين في خيار الرد بالعيب.
الثامنة حيث أخذ البائع سلعته فرجوعه فسخ للعيب فلا يحتاج إلى معرفة المبيع ولا إلى القدرة على تسليمه.
فلو رجع فيمن أبق صح وصار له فإن قدر عليه أخذه وإن تلف فمن ماله وإن تبين أنه كان تالفا حين استرجاعه بطل رجوعه.
وإن رجع في مبيع اشتبه بغيره قدم تعيين المفلس لإنكاره دعوى استحقاق البائع قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
التاسعة متى قلنا له الرجوع فلو كان ثمن المبيع الموجود مؤجلا على المفلس وقلنا لا يحل بالفلس فالصحيح من المذهب أنه يأخذ المبيع عند الأجل نص عليه وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين والفروع والمغني والشرح وقالا هو أولى.
قال الزركشي عليه الجمهور.
وقيل يأخذه في الحال اختاره ابن أبي موسى.
وقيل يباع اختاره أبو بكر في التنبيه وصاحب التلخيص وقدمه الزركشي وهو تخريج في المغني والشرح.
وقيل إن لم تزد قيمته رجع فيه مجانا ذكره في الرعاية الكبرى.
العاشرة ذكر المصنف هنا حكم السلعة المبيعة إذا وجدها وكذا حكم القرض وغيره إذا وجد عينه.
قال في الرعاية لو كان دينه سلما فأدرك الثمن بعينه أخذه.
قال في التلخيص الرجوع ثابت في كل ما هو في معنى البيع من عقود المعاوضات المحضة كالإجارة والسلم والصلح بمعنى البيع وكذلك الصداق كأن يصدق امرأة عينا وتحصل الفرقة من جهتها وقد أفلست.
وكذا لو وجد عينا مؤجرة لم يمض من المدة شيء فلو مضى بعض المدة فله أسوة الغرماء على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع.
وقيل يختص بها.
الحادية عشر لو كان للمفلس عين مؤجرة كان المستأجر أحق بمنافعها مدة الإجارة فإن تعطلت في أثناء المدة ضرب له بما بقي مع الغرماء قاله الأصحاب.
قوله: "الحكم الثالث بيع الحاكم ماله".
يعني إن كان من غير جنس الدين وقسم ثمنه.
يعني يجب ذلك على الحاكم ويكون على الفور.
قوله: "وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء".
يعني يستحب ذكره الأصحاب.
قوله: "ويبيع كل شيء في سوقه".
بشرط أن يبيعه بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر ذكره الشيخ تقي الدين وغيره واقتصر عليه في الفروع.
قوله: "ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن".
بلا نزاع لكن إن كان واسعا يفضل عن سكنى مثله بيع واشترى له مسكن مثله.
ولابن حمدان احتمال أن من ادان ما اشترى به مسكنا أنه يباع ولا يترك له انتهى.
ولو كان المسكن عين مال بعض الغرماء أخذه بالشروط المتقدمة.
قوله: "وخادم".
بلا نزاع لكن بشرط أن لا يكون نفيسا وكذا المسكن نص عليهما.
فائدة يترك له أيضا آلة حرفة فإن لم يكن صاحب حرفة ترك له ما يتجر به نص عليه وجزم به ناظم المفردات وغيره وهو منها.
وقال في الموجز والتبصرة ويترك له أيضا فرس يحتاج إلى ركوبها.
وقال في الروضة يترك له دابة يحتاجها.
ونقل عبد الله يباع الكل إلا المسكن وما يوازيه من ثياب وخادم يحتاجه.
تنبيه مراد المصنف وغيره بترك المسكن والخادم وغيرهما إذا لم يكن عين مال الغرماء.
وأما إن كان عين مالهم فإنه لا يترك له منه شيء ولو كان محتاجا إليه جزم به في المغني والشرح وغيرهما وهو واضح.
فكلامهم هنا مخصوص بما تقدم.
قوله: "وينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه".
يعني عليه وعلى عياله ومن النفقة كسوته وكسوة عياله وهذا الصحيح من المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقال المصنف والشارح محل هذا إذا لم يكن له كسب وأما إن كان يقدر على التكسب لم يترك له شيء من النفقة وقطعا به وهو قوي.
فائدة لو مات جهز من ماله كنفقة قاله في الفائق وغيره.
قوله: "ويعطى المنادي يعني ونحوه أجرته من المال".
والمراد إذا لم يوجد متطوع وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم ابن عقيل وجزم به في المحرر والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والرعاية الصغرى والفروع والفائق وغيرهم.
وقيل إنما يعطى من بيت المال إن أمكن لأنه من المصالح جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة وإدراك الغاية وقدمه في التلخيص والرعاية الكبرى.
قال في الحاويين وحق المنادي من الثمن إن فقد من يتطوع بالنداء وتعذر من بيت المال وقدمه في التلخيص والرعاية الكبرى.
قال في الفائق وأجرة المنادي من الثمن إن فقد متطوع وقيل من بيت المال إن تعذر.
وقال ابن عقيل هي من مال المفلس ابتداء انتهى.
وفي القول الثاني نظر ولعل النسخة مغلوطة.
تنبيه مراده بقوله: "ويبدأ بالمجني عليه" إذا كان الجاني عبد المفلس بدليل قوله: "فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني".
سواء كانت الجناية عليه قبل الحجر أو بعده جزم به في الفروع وغيره.
وأما إن كان الجاني هو المفلس فالمجني عليه أسوة الغرماء لأن حقه متعلق بالذمة.
قوله: "ثم بمن له رهن فيختص بثمنه".
ظاهره أنه سواء كان الرهن لازما أو لا وهو ظاهر كلامه في المحرر والمغني والشرح والوجيز وغيرهم.
قال في الفروع: ولم يقيده جماعة باللزوم والصحيح من المذهب أنه لا يختص بثمنه إلا إذا كان لازما قدمه في الفروع.
وعنه إذا مات الراهن أو أفلس فالمرتهن أحق به ولم يعتبر وجود قبضه بعد موته أو قبله.
وقال في الفائق ثم يختص من له رهن بثمنه في أصح الوجهين.
وقال في الرعاية الصغرى: يختص بثمن الرهن على الأصح فحكى الخلاف روايتين.
وذكرهما ابن عقيل وغيره في صورة الموت لعدم رضاه بذمته بخلاف موت بائع وجد متاعه.
وقال في الرعاية الكبرى بعد أن قدم المذهب: وعنه أنه بعد الموت أسوة الغرماء مطلقا.
قوله: "فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء وإن فضل منه فضل رد على المال".
وتقدم أن الفاضل يرد على المال على الصحيح من المذهب كما جزم به هنا وأن القاضي اختار أن بائعه أحق بالفاضل وله الرجوع فيه.
قوله: "ثم بمن له عين مال يأخذها".
يعني بالشروط المتقدمة وكلامه هنا أعم.
فيدخل عين القرض ورأس مال السلم وغيرهما كما تقدم.
وكذا المستأجر من المفلس أحق بالمنافع مدة الإجارة من بقية الغرماء على ما تقدم قريبا.
قوله: "ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل".
هذا إحدى الروايات وهو المذهب.
قال الزركشي هذا المذهب المشهور.
قال ابن منجا: في شرحه هذا المذهب وهو أصح.
قال القاضي: لا يحل الدين بالفلس رواية واحدة.
قال في التلخيص: لا يحل الثمن المؤجل بالفلس على الأصح.
قال في الخلاصة: وإن كان له دين مؤجل لم يشارك على الأصح وقدمه في المستوعب والكافي والمغني والشرح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم وجزم به في العمدة وغيره.
وعنه يحل ذكرها أبو الخطاب.
قال ابن رزين: وليس بشيء وأطلقهما في الهداية والمذهب.
وعنه لا يحل إذا وثق برهن أو كفيل مليء وإلا حل نقلها ابن منصور.
فمتى قلنا يحل فهو كبقية الديون الحالة.
ومتى قلنا لا يحل لم يوقف لربه شيء ولا يرجع على الغرماء به إذا حل.
لكن إن حل قبل القسمة شارك الغرماء وإن حل بعد قسمة البعض شاركهم أيضا وضرب بجميع دينه وباقي الغرماء ببقية ديونهم قاله الزركشي وغيره من الأصحاب.
قوله: "ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة".
يعني بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين هذا المذهب.
قال في القواعد الفقهية: هذا أشهر الروايتين.
قال الزركشي: هذا المشهور والمختار للأصحاب من الروايتين ونصره المصنف والشارح وقطع به الخرقي وصاحب العمدة والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في المستوعب والمحرر والفروع والفائق وغيرهم.
وعنه يحل هنا مطلقا ولو قتله ربه ولو قلنا لا يحل بالفلس اختاره ابن أبي موسى وقدمه ابن رزين في شرحه ومال إليه.
فعلى المذهب إن تعذر التوثق حل على الصحيح من المذهب جزم به في المغني والمحرر وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه لا يحل اختاره أبو محمد الجوزي وقدمه في الرعايتين والحاويين.
قال ناظم المفردات: ولا يحل على المديون بموته من آجل الديون.
وقال في الانتصار: يتعلق الحق بذمتهم وذكره عن أصحابنا في الحوالة فإن كانت مليئة وإلا وثقوا.
وقال أيضا: الصحيح أن الدين في ذمة الميت والتركة.
فعلى المذهب يختص أرباب الديون الحالة بالمال.
وعلى الثانية يشاركون به.
وقال في الرعاية: ومن مات وعليه دين حال ودين مؤجل وقلنا لا تحل بموته وماله بقدر الحال فهل يترك له بقدر ما يخصه ليأخذه إذا حل دينه أو يوفى الحال ويرجع على ربه صاحب المؤجل إذا حل بحصته أو لا يرجع يحتمل ثلاثة أوجه.
فوائد
الأولى: إذا لم يكن له وارث فقال القاضي في المجرد وابن عقيل والمصنف في المغني يحل الدين لأن الأصل يستحقه الوارث وقد عدم هنا وقدمه في القواعد الفقهية وذكر القاضي في خلافه احتمالين.
قال في الفروع: ولو ورثه بيت المال احتمل انتقاله ويضمن الإمام للغرماء واحتمل حوله وذكرهما في عيون المسائل.
وذكرهما القاضي في التعليق لعدم وارث معين وأطلق في الفائق وجهين فيما إذا لم يكن له وارث.
الثانية: قال في التلخيص حكم من طرأ عليه جنون حكم المفلس والميت في حلول الدين وعدمه.
الثالثة: متى قلنا بحلول الدين المؤجل فإنه يأخذه كله على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام الأصحاب وقدمه في الفائق وقال والمختار سقوط جزء من ربحه مقابل الأجل بقسطه وهو مأخوذ من الوضع والتأجيل انتهى.
قلت: وهو حسن.
الرابعة: هل يمنع الدين انتقال التركة إلى الورثة أم لا يمنع فيه روايتان.
إحداهما: لا يمنع بل تنتقل وهو الصحيح من المذهب اختاره أبو بكر والقاضي وأصحابه.
قال ابن عقيل: هي المذهب.
قال الزركشي: هو المنصوص المشهور المختار للأصحاب.
وقد نص الإمام أحمد رحمه الله: أن المفلس إذا مات سقط حق البائع من غير ماله لأن المال انتقل إلى الورثة.
قال في القواعد الفقهية: أشهر الروايتين الإنتقال.
والرواية الثانية: لا تنتقل نقلها ابن منصور وصححه الناظم ونصره في الانتصار.
ويأتي ذلك في آخر القسمة بأتم من هذا.
ولهذا الخلاف فوائد يأتي بيانها قريبا.
ولا فرق في ذلك بين ديون الله تعالى وديون الآدميين ولا بين الديون الثابتة في الحياة والمتجددة بعد الموت بسبب يقتضي الضمان كحفر بئر ونحوه صرح به القاضي.
وهل يعتبر كون الدين محيطا بالتركة أم لا؟.
قال في القواعد: صرح به جماعة منهم صاحب الترغيب في التفليس.
وقال في الفوائد: ظاهر كلام طائفة اعتباره حيث فرضوا المسألة في الدين المستغرق.
ومنهم: من صرح بالمنع من الانتقال وإن لم يكن مستغرقا ذكره في مسائل الشفعة.
وعلى القول بالانتقال يتعلق حق الغرماء بهما جميعها وإن لم يستغرقها الدين صرح به في الترغيب.
وهل تعلق حقهم بها تعلق رهن أو جناية؟ فيه خلاف.
قال في القواعد: صرح الأكثرون أنه كتعلق الرهن ويفسر بثلاثة أشياء وقال في الفوائد يتحرر الخلاف بتحرير مسائل:.
إحداها: هل يتعلق جميع الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها أم يتقسط؟.
صرح القاضي في خلافه بالأول إن كان الوارث واحدا وإن كان متعددا انقسم على قدر حقوقهم وتعلق بحصة كل وارث منهم قسطها من الدين وبكل جزء منها كالعبد المشترك إذا رهنه الشريكان بدين عليهما.
والثانية: هل يمنع هذا التعلق من نفوذ التصرف سيأتي ذلك في فوائد الروايتين.
والثالثة: هل يتعلق الدين بعين التركة مع الذمة فيه ثلاثة أوجه.
وقال في موضع آخر هل الدين باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمم الورثة أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: ينتقل إلى ذمم الورثة قاله القاضي في خلافه وأبو الخطاب في انتصاره وابن عقيل وقيده القاضي في المجرد بالمؤجل.
قال في الفروع وفي الانتصار: الصحيح أنه في ذمة الميت في التركة انتهى ومنهم من خصه بالقول بانتقال التركة إليهم.
والوجه الثاني: هو باق في ذمة الميت ذكره القاضي أيضا والآمدي وابن عقيل في فنونه والمصنف في المغني وهو ظاهر كلام الأصحاب في ضمان دين الميت.
والوجه الثالث: يتعلق بأعيان التركة فقط قاله ابن أبي موسى.
ورد بلزوم براءة ذمة الميت فيها بالتلف.
ويأتي هذا أيضا في باب القسمة.
إذا عرف هذا فللخلاف في أصل المسألة وهو كون الدين يمنع الانتقال أم لا فوائد كثيرة ذكرها ابن رجب في الفوائد من قواعده.
منها: نفوذ تصرف الورثة فيها ببيع أو غيره من العقود.
فعلى الثانية: لا إشكال في عدم النفوذ.
وعلى المذهب قيل: لا ينفذ قاله القاضي في المجرد وابن عقيل في باب الشركة من كتابيهما.
وحمل القاضي في المجرد رواية ابن منصور على هذا.
وقيل: ينفذ قاله القاضي وابن عقيل في الرهن والقسمة وجعلاه المذهب.
قال في القاعدة الثالثة والخمسين: أصح الوجهين صحة تصرفهم انتهى.
وإنما يجوز لهم التصرف بشرط الضمان قاله القاضي.
قال: ومتى خلى الورثة بين التركة وبين الغرماء سقطت مطالبتهم بالديون ونصب الحاكم من يوفيهم منها ولم يملكها الغرماء بذلك.
وهذا يدل على أنهم إذا تصرفوا فيها طولبوا بالديون كلها.
وفي الكافي إنما يضمنون الأقل من قيمة التركة أو الدين.
وعلى الأول ينفذ العتق خاصة كعتق الراهن ذكره في الانتصار.
وحكى القاضي في المجرد في باب العتق في نفوذ العتق مع عدم العلم وجهين وأنه لا ينفذ مع العلم.
وجعل المصنف في الكافي مأخذهما أن حقوق الغرماء المتعلقة بالتركة هل يملك الورثة إسقاطها بالتزامهم الأداء من عندهم أم لا؟.
وفي النظريات لابن عقيل عتق الورثة ينفذ مع يسارهم دون إعسارهم اعتبارا بعتق موروثهم في مرضه.
وهل يصح رهن التركة عند الغرماء؟ قال القاضي في المجرد: لا يصح.
ومنها: نماء التركة.
فعلى الثانية: يتعلق حق الغرماء به أيضا.
وعلى المذهب فيه وجهان هل يتعلق حق الغرماء بالنماء أم لا؟.
وأطلقهما في القواعد.
وقال في القاعدة الثانية والثمانين: إن قيل: إن التركة باقية على حكم ملك الميت تعلق حق الغرماء بالنماء كالمرهون ذكره القاضي وابن عقيل.
وينبغي أن يقال إن قلنا تعلق الدين بالتركة تعلق رهن يمنع التصرف فيه فالأمر كذلك وإن قلنا تعلق جناية لا يمنع التصرف فلا يتعلق بالنماء.
وأما إن قلنا: لا تنتقل التركة إلى الورثة بمجرد الموت لم تتعلق حقوق الغرماء بالنماء ذكره القاضي وابن عقيل.
وخرج الآمدي وصاحب المغني تعلق الحق بالنماء مع الانتقال أيضا كتعلق الرهن.
وقد ينبني ذلك من أصل آخر وهو أن الدين هل هو باق في ذمة الميت أو انتقل إلى ذمة الورثة أو هو متعلق بأعيان التركة لا غير وفيه ثلاثة أوجه؟ وقد تقدمت قبل الفوائد.
قال: فعلى القول الثالث يتوجه أن لا تتعلق الحقوق بالنماء إذ هو كتعلق الجناية.
وعلى الأولين يتوجه تعلقها بالنماء كالرهن.
ومنها: لو مات وعليه دين وله مال زكوي فهل تبتدئ الورثة حول الزكاة من حين الموت أم لا؟.
فعلى الثانية لا إشكال في أنه لا تجري في حوله حتى تنتقل إليه.
وعلى المذهب ينبني على أن الدين هل هو مضمون في ذمة الوارث أم هو في ذمة الميت خاصة؟.
فإن قلنا: هو في ذمة الوارث وكان مما يمنع الزكاة انبنى على الدين المانع هل يمنع انعقاد الحول في ابتدائه أو يمنع الوجوب في انتهائه خاصة فيه روايتان ذكرهما المجد في شرحه.
والمذهب أنه يمنع الانعقاد فيمتنع انعقاد الحول على مقدار الدين من المال.
وإن قلنا: إنما يمنع وجوب الزكاة في آخر الحول منع الوجوب هنا آخر الحول في قدره أيضا.
وإن قلنا: ليس في ذمة الوارث شيء فظاهر كلام أصحابنا أن تعلق الدين بالمال مانع.
ومنها: لو كان له شجر وعليه دين فمات فهنا صورتان.
إحداهما: أن يموت قبل أن يثمر ثم يثمر قبل الوفاء فينبني على أن الدين هل يتعلق بالنماء؟.
فإن قلنا: يتعلق به خرج على الخلاف في منع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة على ما تقدم.
وإن قلنا: لا يتعلق به فالزكاة على الوارث.
وهذا كله بناء على القول بانتقال الملك إليه.
أما إن قلنا: لا ينتقل الملك فلا زكاة عليه إلا أن ينفك التعلق قبل بدو الصلاح.
الصورة الثانية : أن يموت بعد ما أثمرت فيتعلق الدين بالثمرة.
ثم إن كان موته بعد وقت الوجوب فقد وجبت عليه الزكاة إلا أن نقول إن الدين يمنع الزكاة في المال الظاهر.
وإن كان قبل الوجوب فإن قلنا تنتقل التركة إلى الورثة مع الدين فالحكم كذلك.
وإن قلنا: لا تنتقل فلا زكاة عليهم.
وهذه المسألة تدل على أن النماء المنفصل يتعلق به حق الغرماء بلا خلاف.
وقال في الفروع: وإن مات بعد أن أثمرت تعلق بها الدين ثم إن كان بعد وقت الوجوب ففي الزكاة روايتان وكذا إن كان قبله وقلنا تنتقل التركة مع الدين وإلا فلا زكاة انتهى.
وكذا قال ابن تميم وابن حمدان في باب زكاة الزروع والثمار.
ومنها: لو مات وله عبيد وعليه دين وأهل هلال الفطر.
فعلى المذهب فطرتهم على الورثة.
وعلى الثانية: لا فطرة لهم على أحد.
ومنها: لو كانت التركة حيوانا.
فعلى المذهب النفقة عليهم.
وعلى الثانية: من التركة كمؤنة وكذلك مؤنة المال كأجرة المخزن ونحوه.
ومنها : لو مات المدين وله شقص فباع شريكه نصيبه قبل الوفاء.
فعلى المذهب لهم الأخذ بالشفعة.
وعلى الثانية: لا.
ولو كان الوارث شريك الموروث وبيع نصيب الموروث في دينه.
فعلى المذهب: لا شفعة للوارث.
وعلى الثانية: له الشفعة.
ومنها: لو وطى ء الوارث الجارية الموروثة والدين يستغرق التركة فأولدها فعلى المذهب لا حد عليه ويلزمه قيمتها.
وعلى الثانية: لا حد أيضا لشبهة الملك وعليه قيمتها ومهرها ذكره في الانتصار ففائدة الخلاف حينئذ في المهر.
ومنها: لو تزوج الابن أمة أبيه ثم قال إن مات أبي فأنت طالق وقال أبوه إن مت فأنت حرة ثم مات وعليه دين يستغرق البركة لم تعتق.
وهل يقع الطلاق؟ قال القاضي في المجرد يقع وقال ابن عقيل لا يقع.
فقول ابن عقيل: مبني على المذهب.
وقول القاضي مبني على الثانية.
وكذلك إذا لم يدبرها الأب سواء.
وقيل: يقع الطلاق على المذهب أيضا.
ومنها: لو أقر لشخص فقال له في ميراثه ألف.
فالمشهور: أنه متناقض في إقراره.
وقال في التلخيص: يحتمل أن يلزمه إذ المشهور عندنا أن الدين لا يمنع الميراث فهو كما لو قال: له في هذه التركة ألف فإنه إقرار صحيح.
وعلى هذا إذا قلنا يمنع الدين الميراث كان مناقضا بغير خلاف.
ومنها: لو مات وترك ابنين وألف درهم وعليه ألف درهم دين ثم مات أحد الابنين وترك ابنا ثم أبرأ الغريم الورثة.
فذكر القاضي أن ابن الابن يستحق نصف التركة بميراثه عن أبيه.
وذكره في موضع إجماعا وعلله في موضع بأن التركة تنتقل مع الدين فانتقل ميراث الابن إلى ابنه.
ويفهم من هذا أنه على الثانية يختص به ولد الصلب لأنه هو الباقي من الورثة.
ومنها: رجوع بائع المفلس في عين ماله بعد موت المفلس ويحتمل بناؤه على هذا الخلاف.
فإن قلنا: ينتقل امتنع رجوعه وإن قلنا لا ينتقل رجع ولا سيما والحق هنا متعلق في الحياة تعلقا متأكدا.
ومنها: ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن رجل مات وخلف ألف درهم وعليه ألفا درهم وليس له وارث غير ابنه فقال ابنه لغرمائه اتركوا هذه الألف بيدي وأخروني في حقوقكم ثلاث سنين حتى أوفيكم جميع حقوقكم قال إذا كانوا استحقوا قبض هذه الألف وإنما يؤخرونه ليوفيهم لأجل فتركوها في يديه فهذا لا خير فيه إلا أن يقبضوا الألف منه ويؤخروه في الباقي ما شاؤوا.
قال في القواعد: قال: بعض شيوخنا تخرج هذه الرواية على القول بأن التركة لا تنتقل قال وإن قلنا تنتقل جاز وهو أقيس بالمذهب علله في القواعد.
ومنها: ولاية المطالبة بالتركة إذا كانت دينا ونحوه.
فنص الامام أحمد رحمه الله في وديعة لا يدفعها إلا إلى الغرماء والورثة جميعا.
وهو يدل على أن للغرماء ولاية المطالبة والرجوع على المودع إذا سلم الوديعة إلى الورثة وحمله القاضي على الاحتياط.
قال في القواعد: وظاهر كلامه إن قلنا التركة ملك لهم فلهم ولاية الطلب والقبض وإن قلنا ليست ملكا لهم فليس لهم الاستقلال بذلك.
وقال المجد: عندي أن النص على ظاهره لأن الورثة والغرماء تتعلق حقوقهم بالتركة كالرهن والجاني فلا يجوز الدفع إلى بعضهم انتهى الكلام على الفوائد ملخصا.
قوله: "وإن ظهر غريم بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
لكن قال المصنف والشارح: هذه قسمة بان الخطأ فيها فاشبه ما لو قسم أرضا أو ميراثا بين شركاء ثم ظهر شريك آخر أو وارث آخر.
قال الأزجي: فلو كان له ألف اقتسمها غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين أحدهما رجع على كل واحد بثلث ما قبضه من غير زيادة.
وأصل هذا ما لو أقر أحد الوارثين بوارث فإنه يأخذ ما في يده إذا كان بنا وهما ابنان.
قال في الفروع: كذا قال وهو كما قال في الثانية بل هو خطأ فيها.
قال في الفروع: فظاهر كلامهم يرجع على من أتلف ما قبضه بحصته.
ثم قال: ويتوجه كمفقود رجع بعد قسمة وتلف.
وفي فتاوي المصنف: لو وصل مال الغائب فأقام رجل بينة أن له عليه دينا وأقام آخر بينة أن له عليه دينا أيضا فقال إن طالبا جميعا اشتركا وإن طالب أحدهما اختص به لاختصاصه بما يوجب التسليم وعدم تعلق الدين بماله.
قال في الفروع: ومراده ولم يطالب أصلا وإلا شاركه ما لم يقبضه.
قوله: "وإن بقي على المفلس بقية وله صنعه فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والشرح.
إحداهما: يجبر وهو الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز ونظم المفردات والمنور ومنتخب الآدمي وقدمه في المحرر والفروع والحلويين وصححه في التصحيح والرعايتين وشرح ابن منجا والنظم ونصره المصنف والشارح وهو من المفردات.
والرواية الثانية لا يجبر قدمه في إدراك الغاية وشرح ابن رزين كما لا يجبر على قبول الهدية والصدقة والقرض والهبة والوصية والخلع والتزويج حتى أم ولده وأخذ الدية على قود.
وقيل: لا تسقط ديته بعفوه على غير مال أو مطلقا إن قلنا يجب بالعمد أحد شيئين.
وتقدم أنه لا يجبر على رد مبيع إذا كان فيه الأحظ.
قال في التلخيص: هو قياس المذهب.
فعلى المذهب يبقى الحجر عليه ببقاء دينه إلى الوفاء.
فائدة: الصحيح من المذهب أنه يجبر على ايجار موقوف عليه وإيجار أم ولده إذا استغنى عنها.
قال في الفروع: ويجبر على إيجار ذلك في الأصح وجزم به في المغنى والشرح والقواعد في أم الولد.
وقيل: لا يجبر وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
قوله: "ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
قال في الفروع: ويفتقر زواله إلى حكم في الأصح وجزم به في الوجيز وشرح ابن منجا وقدمه في المغنى والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفائق.
وفيه وجه آخر يزول الحجر بقسم ماله.
تنبيه: يؤخذ من قوله: "وإن كان للمفلس حق له به شاهد فأبى أن يحلف معه لم يكن لغرمائه أن يحلفوا.
عدم وجود اليمين عليه وهو كذلك لاحتمال شبهة.
قوله: "الحكم الرابع انقطاع المطالبة عن المفلس فمن أقرضه شيئا أو باعه لم يملك مطالبته حتى يفك الحجر عنه".
هذا المذهب وتقدم كلامه في المبهج في الجاهل.
وتقدم رواية بصحة إقراره إذا أضافه إلى ما قبل الحجر عند قوله: "وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه".
قوله: "الضرب الثاني المحجور عليه لحظه وهو الصبي والمجنون والسفيه فلا يصح تصرفهم قبل الإذن".
وهذا المذهب في الجملة وعليه الأصحاب.
وظاهره أن هبة الصبي لا تصح ولو كان مميزا وهو صحيح وهو المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله متى تصج هبة الغلام قال: ليس فيه اختلاف إذا احتلم أو يصير ابن خمس عشرة سنة.
وذكر بعض الأصحاب رواية في صحة إبرائه فالهبة مثله.
ويأتي هل تصح وصيته وغيرها أم لا.
قوله: "ومن دفع إليهم يعني إلى الصبي والمجنون والسفيه ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا وإن تلف فهو من ضمان مالكه علم بالحجر أو لم يعلم".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز والمغنى والشرح وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يضمن المجنون.
وقيل: يضمن السفيه إذا جهل أنه محجور عليه.
واختار في الرعاية الصغرى الضمان مطلقا واختاره ابن عقيل ذكره الزركشي.
قلت: وهو الصواب كتصرف العبد بغير إذن سيده والفرق على المذهب عسر.
تنبيه: محل هذا إذا كان صاحب المال قد سلطه عليه كالبيع والقرض ونحوهما كما قال المصنف فأما إن حصل في أيديهم باختيار صاحبه من غير تسليط كالوديعة والعارية ونحوهما وكذلك العبد مالا فأتلفوه فقيل لا يضمنون ذلك وقدمه في الرعاية في باب الوديعة وهو احتمال في المغنى والشرح.
وقيل: يضمنون اختاره القاضي.
وقيل: يضمن العبد وحده.
وقد قطع في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمقنع والتلخيص وغيرهم بضمان العبد إذا أتلف الوديعة.
وأطلق في الهداية والمذهب والمستوعب والتلخيص الخلاف في ضمان الصبي الوديعة إذا أتلفها وكذلك أطلقه في الرعايتين والحاوي الصغير.
وقيل: يضمن العبد وحده.
وقيل: يضمن العبد والسفيه.
وأطلقهن في الفروع والفائق.
وأطلقهن المحرر في باب الوديعة.
ويأتي ذلك في كلام المصنف هناك بأتم من هذا محررا.
قوله: "فإن جنوا فعليهم أرش الجناية" بلا نزاع.
ويضمنون أيضا إذا أتلفوا شيئا لم يدفع إليهم.
قوله: "ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما بغير حكم حاكم".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه.
وقيل: لا ينفك إلا بحكم حاكم اختاره القاضي.
وقيل: لا ينفك في الصبي الا بحكم حاكم وينفك في غيره بمجرد رشده.
قوله: "والبلوغ يحصل بالاحتلام" بلا نزاع "أو بلوغ خمس عشرة سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونقله الجماعة عن الامام أحمد رحمه الله.
وحكي عنه رواية: لا يحصل البلوغ بالانبات.
وقال في الفائق: ويحصل البلوغ باكمال خمس عشرة سنة.
وعنه الذكر وحده.
قوله: "وتزيد الجارية بالحيض والحمل" بلا نزاع.
على الصحيح من المذهب.
قال في المحرر والفروع وحملها دليل إنزالها وقدره: أقل مدة الحمل وكذا قال الزركشي وغيرهم.
وعنه لا يحصل بلوغها بغير الحيض نقلها جماعة.
قال أبو بكر: هذا قول أول.
فائدة: لو وجد منى من ذكر خنثى مشكل فهو علم على بلوغه وكونه رجلا وإن خرج من فرجه أو حاض كان علما على بلوغه وكونه امرأة.
هذا الصحيح من المذهب وجزم به في الكافي وقدمه في المغنى والشرح وصححه في التلخيص.
قال في الرعاية: والصحيح أن الانزال علامة البلوغ مطلقا وقدمه ابن رزين في شرحه.
وقال القاضي: ليس واحدا منهما علما على البلوغ.
قال في عيون المسائل: إن حاض من فرج المرأة أو احتلم منه أو أنزل من ذكر الرجل لم يحكم ببلوغه لجواز كونه خلقة زائدة وإن حاض من فرج النساء وأنزل من ذكر الرجل فبالغ بلا إشكال انتهى.
وإن خرج المنى من ذكره والحيض من فرجه فمشكل ويثبت البلوغ بذلك على الصحيح من المذهب.
قال القاضي: يثبت البلوغ به وجزم به في الفصول والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وتذكرة ابن عبدوس والفروع وذكره في باب ميراث الخنثى وقدمه ابن رزين في شرحه وتقدم كلامه في عيون المسائل.
وقيل: لا يثبت بذلك البلوغ وأطلقهما في المغنى والشرح.
وإن خرج المنى والحيض من مخرج واحد فمشكل بلا نزاع.
وهل يثبت البلوغ بذلك؟ فيه وجهان وأطلقهما في الرعاية الصغرى والفروع والفائق.
أحدهما: لا يحصل البلوغ بذلك وقدمه في الرعاية الكبرى.
والثاني: يحصل به.
قلت: وهو أولى لأنه إن كان ذكرا فقد أمنى وإن كان أنثى فقد أمنت وحاضت وكلاهما يحصل به البلوغ.
ثم وجدت صاحب الحاوي الكبير قطع بذلك وعلله بما قلنا.
قوله: "والرشد الصلاح في المال".
يعني لا غير وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقال ابن عقيل: الرشد الصلاح في المال والدين.
قال: وهو الأليق بمذهبنا قال في التلخيص ونص عليه.
فائدة: قوله: "ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر يعني بما يليق به ويؤنس رشده فإن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا يغبن".
يعني لا يغبن في الغالب ولا يفحش قوله وأن يحفظ ما في يديه عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالقمار والغناء وشراء المحرمات ونحوه.
قال ابن عقيل وجماعة: ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام.
قال في النهاية: أو يصرفه في صدقة تضر بعياله أو كان وحده ولم يثق بإيمانه.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إذا أخرج في مباح قدرا زائدا على المصلحة انتهى وهو الصواب.
تنبيه: دخل في كلام المصنف إذا بلغت الجارية ورشدت دفع إليها مالها وهو الصحيح من المذهب كالغلام وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه لا يدفع إلى الجارية مالها ولو بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة اختاره جماعة من الأصحاب منهم أبو بكر والقاضي وابن عقيل في التذكرة والشيرازي في الايضاح.
قال الزركشي: وهو المنصوص وأطلقهما في المذهب.
فعلى هذه الرواية إذا لم تتزوج فقيل يبقى الحجر عليها وهو احتمال للمصنف وغيره.
وقيل: تبقى ما لم تعنس.
قال القاضي: عندي أنها إذا لم تتزوج يدفع إليها مالها إذا عنست وبرزت للرجال وهو الصواب واقتصر عليه في الكافي وأطلقهما في الفروع.
قوله: "ووقت الاختبار قبل البلوغ".
وهذا المذهب بلا ريب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه بعده وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص.
وقيل: بعده للجارية لنقص خبرتها وقبله للغلام.
فائدة: لا يختبر إلا المميز والمراهق الذي يعرف البيع والشراء والمصلحة والمفسدة وبيع الاختبار وشراؤه صحيح بلا نزاع.
وتقدم في أول كتاب البيع التنبيه على ذلك وحكم تصرفه بإذن وليه.
قوله: "ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب".
يستحق الأب الولاية على الصغير والمجنون بلا نزاع لكن بشرط أن يكون رشيدا ويكفى كونه مستور الحال على الصحيح من المذهب.
قال في المحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وليهما الأب ما لم يعلم فسقه.
قلت: وهو الصواب.
وقيل :يشترط عدالته ظاهرا وباطنا.
قال في المنور: وولي الصبي والمجنون الأب ثم الوصي العدلان وأطلقهما في الفروع.
تنبيه: ظاهر قوله: "ثم لوصية ثم للحاكم".
أن الجد والأم وسائر العصبات ليس لهم ولاية وهو المذهب الذي عليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر ما جزم به في المغنى والتلخيص والشرح والوجيز وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والفائق والمحرر والنظم.
وعنه للجد ولاية فعليها يقدم على الحاكم بلا نزاع ويقدم على الوصي على الصحيح.
قال في الفائق: وهو المختار وقدمه في الرعايتين والحاويين قلت وهو الصواب وجزم به في الزبدة.
وقيل يقدم الوصى عليه وأطلقهما في المحرر والفروع والنظم والفائق.
وذكر القاضي أن للأم ولاية.
وقيل لسائر العصبة ولاية أيضا بشرط العدالة اختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق ثم قال قلت ويشهد له حجر الابن على أبيه عند خرفه انتهى.
قلت الذي يظهر أنه حيث قلنا للأم والعصبة ولاية أنهم كالجد في التقديم على الحاكم وعلى الوصى على الصحيح.
فائدتان
إحداهما: يشترط في الحاكم ما يشترط في الأب فإن لم يكن كذلك أو لم يوجد حاكم فأمين يقوم به اختاره الشيخ تقي الدين وقال الحاكم العاجز كالعدم.
الثانية: يلي كافر عدل مال ولده الكافر على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا واختاره الأصحاب.
قال في الحاويين والفائق: ويلي الكافر العدل في دينه مال ولده على أصح الوجهين.
وصححه شيخنا في تصحيح المحرر وقدمه في الرعايتين.
وقيل: لا يليه وإنما يليه الحاكم وأطلقهما في المحرر والنظم والفروع.
ويأتي: هل يلي مال الذمية التي يلى نكاحها من مسلم؟ في باب أركان النكاح عند قوله: "ويلي الذمي نكاح موليته" مع ان الحكم هنا يشمله.
قوله: "ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما".
بلا نزاع فإن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة عليهما أو على من يلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به الأكثرون.
وقال في الرعايتين: ضمن في الأصح.
وقيل: لا يضمن.
قلت: وهذا ضعيف جدا.
قوله: "ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه ولا يبيعهما إلا الأب".
هذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يجوز للوصى الشراء من مالهما إن وكل من يبيعه هو ويستقصى في الثمن بالنداء في الأسواق قاله في الرعاية.
قوله: "ولوليهما مكاتبة رقيقهما".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
إلا أنه قال في الترغيب يجوز ذلك لغير الحاكم.
تنبيه: مفهوم قوله: "وعتقه على مال".
أنه لا يجوز عتقه مجانا مطلقا وهو الصحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وعنه يجوز مجانا لمصلحة اختاره أبو بكر بأن تساوى أمة وولدها مائة ويساوي أحدهما مائة.
قلت: ولعل هذا كالمتفق عليه.
فائدة: من شرط صحة مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال أن يكون فيه حظ لهما مثل أن يساوي ألفا فيكاتبه على ألفين أو يعتقه عليهما ونحو ذلك فإن لم يكن فيه حظ لهما لم يصح.
قوله: "وتزويج إمائهما".
هذا الصحيح من المذهب.
قال في المغنى والشرح: وله تزويج إمائهما إذا وجب تزويجهن بأن يطلبن ذلك أو يرى المصلحة فيه وقطعا به.
قال في الفروع والرعاية الكبرى: له ذلك على الأصح وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والرعاية الصغرى والحاويين والوجيز وغيرهم.
وعنه لا يجوز ذلك.
وعنه يجوز لخوف فساده وإلا لم يجز.
فائدة: العبيد في ذلك كالاماء خلافا ومذهبا على الصحيح من المذهب.
وعنه لا يزوج الأمة وإن جاز تزويج العبد لتأكد حاجته إليها.
قلت: يحتمل العكس لرفع مؤنتها وحصول صداقها بخلاف العبد.
قوله: "والسفر بمالهما".
إذا أراد الولي السفر بمالهما فلا يخلو إما أن يسافر به لتجارة أو غيرها.
فإن سافر به لتجارة جاز لا أعلم فيه خلافا وجزم به في المغنى والشرح والكافي وغيرهم لكن لا يتجر إلا في المواضع الآمنة.
وحمل الشارح وابن منجا كلام المصنف عليه.
وإن سافر به لغير التجارة مثل أن يعرض له سفر جاز على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف وصاحب الهداية والمذهب والخلاصة والمستوعب والمحرر والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقال القاضي في المجرد: ولا يسافر به وجزم به في الكافي والمغنى والشرح.
وظاهر كلامه في الفروع: إجراء الخلاف في ذلك فإنه قال وله السفر بماله خلافا للمجرد والمغنى والكافي.
وليس بمراد لأنه قطع في الكافي والمغنى بجواز السفر به للتجارة ومنع من السفر لغيرها.
قوله: "والمضاربه به".
يعنى أن للولي أن يبيع ويشتري في مال المولى عليه بلا نزاع لكن لا يستحق أجرة بل جميع الربح للمولى عليه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: وإن اتجر بنفسه فلا أجره له في الأصح وجزم به في الكافي والرعايتين والحاويين والوجيز وقدمه في المغنى وصححه في الرعايتين والحاويين.
وقيل: يستحق الأجرة وهو تخريج في المغنى وغيره من الأجنبي واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ذكره عنه في الفائق.
قلت: وهو قوى.
قوله: "وله دفعه مضاربة".
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يجوز.
قوله: "بجزء من الربح".
هو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز والكافي والشرح وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: بأجرة مثله وقيل بأقلهما أختاره ابن عقيل.
قوله: "وبيعه نساء".
هذا الصحيح من المذهب بشرط أن يكون فيه مصلحة.
قال في الفروع: وله بيعه نساء على الأصح.
قال في الوجيز: وبيعه نساء مليئا برهن يحفظه وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والحاويين وغيرهم.
وعنه ليس له ذلك.
قوله: "وقرضه".
يجوز قرضه لمصلحة على الصحيح من المذهب نص عليه وهو من المفردات.
قال في الوجيز" ولمصلحة يقرضه.
قال في الفروع: وله قرضه على الأصح لمصلحة.
قال في الرعاية الكبرى: وله قرضه على الأصح مليئا وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمحرر وغيرهم وقدمه في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق.
قال في المغنى والشرح" يقرضه لحاجة سفر أو خوف عليه أو غيرهما وعنه لا يقرضه مطلقا.
قوله: "برهن".
هذا أحد الوجهين جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي والرعايتين والنظم والحاويين وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته فقال يقرضه برهن.
قال ناظم المفردات: قطع به في المغنى.
قال في الفروع: وسياق كلامهم لحظه.
وقال في المستوعب: وفي قرضه برهن وإشهاد روايتان.
وقال في الترغيب: وفي قرضه برهن روايتان انتهى.
والصحيح من المذهب: جواز قرضه للمصلحة سواء كان برهن أولا وجزم به في الوجيز وقدمه في الشرح والفروع.
قال في المحرر: ويملك قرضه.
قال في الكافي: فإن لم يأخذ رهنا جاز في ظاهر كلامه واقتصر عليه وأطلقهما في الفائق.
فوائد
الأولى: قال في المغنى والشرح فإن أمكن أخذ الرهن فالأولى له أخذه احتياطا فإن تركه احتمل أن يضمن إن ضاع المال لتفريطه واحتمل ان لا يضمن لأن الظاهر سلامته.
وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله لكونه لم يذكر الرهن.
قلت: إن رأى المصلحة وأقرضه ثم تلف لم يضمن وأطلقهما في الفائق.
الثانية: يجوز إيداعه مع إمكان قرضه ذكره في المغنى والشرح.
قال في الفروع: فظاهره متى جاز قرضه جاز إيداعه.
وظاهر كلام الأكثر: يجوز إيداعه لقولهم "يتصرف بالمصلحة" وقد يراه مصلحة ولهذا جاز مع إمكان قرضه إن يملكه الشريك في إحدى الروايتين دون القرض لأنه تبرع والوديعة استنابة في حفظ ولا سيما ان جاز للوكيل التوكيل ولهذا يتوجه في المودع رواية ويتوجه أيضا في قرض الشريك رواية.
قال: وقال: في الكافي لا يودعه إلا لحاجة ويقرضه لحظه بلا رهن وأنه لو سافر أودعه وقرضه أولى انتهى.
الثالثة: حيث قلنا يقرضه فلا يقرضه لمودة ومكافأة نص عليه.
الرابعة: قال في الرعاية الكبرى وغيره ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا ويأتي في باب الشفعة أنه يلزمه أن يأخذ بالشفعة إذا كان ذلك أحظ.
الخامسة: يجوز رهن مالهما للحاجة عند ثقة وللأب أن يرتهن مالهما من نفسه ولا يجوز لغيره على المذهب.
وفي المغنى رواية بالجواز لغيره.
قال الزركشى: وفيها نظر.
قوله: "وشراء العقار لهما وله بناؤه بما جرت عادة أهل بلدة به".
هكذا قال المصنف في المغنى والشرح وصاحب الرعايتين والحاويين والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم.
قال المصنف والشارح وقال أصحابنا يبنيه بالآجر والطين ولا يبنيه باللبن وحملا كلامهم على من عادتهم ذلك وهو أولى.
وأجراه في الفائق على ظاهره وجعل الأول اختيار المصنف.
قوله: "وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه".
وهو المذهب يعنى يستحب له شراؤها.
قال في الفروع: والتضحية له على الأصح وجزم به في الوجيز والمحرر والرعايتين والحاويين هنا وقدمه في المغنى والشرح والنظم.
وعنه لا يجوز له ذلك.
قال المصنف في المغنى: يحتمل أن يحمل كلام الإمام أحمد رحمه الله في الروايتين على حالين.
فالموضع الذي منع منه إذا كان الطفل لا يعقل التضحية ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها.
والموضع الذي أجازها عكس ذلك انتهى.
وذكره في النظم قولا وأطلق الروايتين في المستوعب والرعاية في باب الأضحية.
وذكر في الانتصار عن الامام أحمد رحمه الله: تجب الأضحية عن اليتيم الموسر.
فعلى المذهب يحرم عليه الصدقة منها بشيء قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم فيعايى بها.
قلت: ولو قيل بجواز التصدق منها بما جرت العادة به لكان متجها على ما تقدم التنبيه عليه في بابه.
فائدتان
إحداهما: له تعليمه ما ينفعه ومداواته بأجرة لمصلحة في ذلك وحمله بأجر ليشهد الجماعة قاله في المجرد والفصول واقتصر عليه أيضا في الفروع.
قال في المذهب له أن يأذن له بالصدقة بالشيء اليسير واقتصر عليه أيضا في الفروع.
الثانية: للولي أن يأذن للصغيرة أن تلعب باللعب إذا كانت غير مصورة وشراؤها لها بمالها نص عليهما وهذا المذهب.
وقيل: من ماله وصححه الناظم في آدابه.
وهما احتمالان مطلقان في التلخيص في باب اللباس.
قوله: "ولا يبيع عقارهم إلا لضروره أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعدا".
اشترط المصنف رحمه الله لجواز بيع عقارهم وجود أحد شيئين إما الضرورة وإما الغبطة.
فأما الضرورة فيجوز بيعه لها بلا نزاع ولكن خص القاضي الضرورة باحتياجهم إلى كسوة أو نفقة أو قضاء دين أو مالا بد منه.
وقال غيره: أو يخاف عليه الهلاك بغرق أو خراب أو نحوه.
ومفهوم كلام المصنف أنه لا يجوز إذا لم تكن ضرورة وهو أحد الوجهين اختاره القاضي وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والحاويين والرعاية الصغرى وغيرهم وكلامهم ككلام المصنف وقدمه في الرعاية الكبرى.
والصحيح من المذهب جواز بيعه إذا كان فيه مصلحة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
واختاره المصنف في غير هذا الكتاب واختاره الشارح والفائق ومال إليه في الرعاية الكبرى.
قال الناظم: هذا أولى وقدمه في الفروع.
وأما الغبطة فيجوز بيعه لها بلا نزاع لكن اشترط المصنف أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعدا وهو أحد الوجهين وجزم به في الهداية والخلاصة والهادي والحاويين.
وقال القاضي: بزيادة كثيرة ظاهرة على ثمن مثله ولم يقيده بالثلث ولا غيره وقدمه في الرعايتين.
والصحيح من المذهب جواز بيعه إذا كان فيه مصلحة نص عليه كما تقدم سواء حصل زيادة أولا اختاره المصنف والشارح والشيخ تقي الدين والناظم.
قال في الرعاية الكبرى هذا نصه ومال إليه وقدمه في الفروع والفائق.
قوله: "ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد عليه الحجر".
بلا نزاع ونقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله.
قوله: "ولا ينظر في ماله إلا الحاكم".
هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: ينظر فيه الحاكم أو أبوه.
قال ابن أبي موسى: حجر الأب على ابنه البالغ السفيه واجب على أصوله حاكما كان أو غير حاكم.
وقيل: ينظر فيه وليه الأول كما لو بلغ سفيها.
وقيل: إن زال الحجر بمجرد رشده بلا حكم عاد بالسفه.
فائدة: لو جن بعد رشده فوليه ولي الصغير على الصحيح من المذهب.
وقيل: الحاكم قدمه في الرعاية الكبرى.
وقال في الانتصار: يلي على أبويه المجنونين.
ونقل المروذي: أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف أو كان يضع ماله في الفساد أو شراء المغنيات.
قوله: "ولا ينفك الحجر إلا بحكم".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
قال في الفروع: يفتقر إلى حكم في الأصح.
قال الزركشي: هذا الصحيح وجزم به في المنتخب وغيره وقدمه في الشرح وغيره.
وقيل: ينفك عنه الحجر بمجرد رشده اختاره أبو الخطاب.
وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده في غير السفيه فأما في السفيه فلا بد من الحكم بفكه.
تنبيه: مفهوم قوله: "ويصح تزوجه بإذن وليه أنه لا يصح بغير إذنه وله حالتان".
إحداهما: أن يكون محتاجا إلى الزواج فيصح تزوجه بغير إذنه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: يصح في الأصح وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم واختاره القاضي وغيره.
وقيل: لا يصح وهو ظاهر كلام المصنف هنا وصاحب الهداية والمذهب والخلاصة والكافي وغيرهم لأنهم قالوا يصح بإذنه.
وقال القاضي يصح بغير إذنه وأطلقهما في البلغة.
والحالة الثانية: أن لا يكون محتاجا إليه فلا يصح تزوجه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: لم يصح في الأصح وجزم به في المغنى والشرح في باب أركان النكاح وقدمه في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي وغيرهم.
وقيل: يصح واختاره القاضي وقدمه ابن رزين في شرحه.
قال في الوجيز: ويصح تزوجه وأطلق وأطلقهما في البلغة.
فوائد
الأولى: للولي تزويج السفيه بغير إذنه إذا كان محتاجا إليه على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: وله تزويج سفيه بلا إذنه في الأصح.
قال الشارح في باب أركان النكاح: قال أصحابنا: يصح تزويجه من غير إذنه لأنه عقد معاوضة فملكه أولى كالبيع وكذا قال المصنف في المغنى.
وقيل: ليس له ذلك اختاره المصنف والشارح.
قال في الرعاية الكبرى: والمنع أقيس.
قلت: وهو الصواب وأطلقهما في الرعايتين في باب النكاح.
فعلى المذهب في إجباره وجهان وأطلقهما في الفروع والبلغة والرعايتين والحاوي الصغير في النكاح.
قلت: الأولى الأجبار إذا كان أصلح له.
وقال ابن رزين في شرحه في النكاح: والأظهر أنه لا يجبره لأنه لا مصلحة فيه.
وظاهر نقل المصنف في المغنى والشارح أن الأصحاب قالوا: له اجباره.
الثانية: لو اذن له ففي لزوم تعيين المرأة وجهان وأطلقهما في الفروع.
أحدهما : لا يلزمه بالتعيين بل هو مخير وهو الصحيح.
قال في المغنى والشرح: الولي مخير بين أن يعين له المرأة أو يأذن له مطلقا ونصراه وهو الصواب وجزم به ابن رزين في شرحه.
والوجه الثاني: يلزمه تعيين المرأة له ويتقيد بمهر المثل على الصحيح من المذهب ويحتمل لزومه زيادة اذن فيها كتزويجه بها في أحد الوجهين.
والثاني: تبطل هي للنهي عنها فلا يلزم أحدا.
قلت: ويحتمل أن تلزم الولي.
وإن عضله الولي استقل بالزواج كما تقدم قريبا.
ويأتي بعض ذلك في باب أركان النكاح.
الثالثة: لو علم من السفيه أنه يطلق إذا زوج اشترى له أمة.
الرابعة: يصح خلعه كطلاقه وظهاره ولعانه وإيلائه لكن لا يقبض العوض فإن قبضه لم يصح قبضه على الصحيح من المذهب.
وقال القاضي: يصح.
فعلى المذهب لو أتلفه لم يضمن ولا تبرأ المرأة بدفعها إليه.
الخامسة: لو وجب على السفيه كفارة كفر بالصوم على الصحيح من المذهب كالمفلس.
قلت: فيعايى بها.
وقيل: يكفر به إن لم يصح عتقه على ما يأتي قريبا.
فعلى المذهب لو فك عنه الحجر قبل التكفير وقدر على العتق أعتق.
السادسة: ينفق عليه بالمعروف فإن افسدها دفع إليه يوما بيوم فلو أفسدها أطعمه بحضوره.
وإن أفسد كسوته ستر عورته فقط في البيت إن لم يمكن التحيل ولو بتهديد وإذا رآه الناس ألبسه فإذا عاد نزع عنه.
السابعة: يصح تدبيره ووصيته على الصحيح من المذهب.
وقيل: لا يصح.
ويأتي وصيته في كتاب الوصايا في كلام المصنف.
قوله: "وهل يصح عتقه؟ على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص والحاوي الصغير.
إحداهما: لا يصح وهو المذهب صححه في التصحيح.
قال الزركشي في كتاب العتق هذا أصح الروايتين وجزم به في الوجيز وغيره واختاره المصنف والشارح.
قال في الرعاية الكبرى: يصح عتقه على الأضعف.
قال في الفائق: ولا ينفذ عتقه في أصح الروايتين وصححه في النظم وقدمه في الكافي وغيره.
والرواية الثانية: يصح اختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في التبصرة على ما تقدم في كتاب البيع.
قال في الرعاية الصغرى والحاوي الكبير: ويصح عتقه المنجز في أصح الروايتين.
وتقدم هل يصح بيعه إذا أذن له الولي في كتاب البيع.
قوله: "وإن أقر بحد أو قصاص صح وأخذ به".
إذا أقر بحد استوفى منه بلا نزاع وإن أقر بقصاص فطلب إقامته كان لربه استيفاء ذلك بلا نزاع.
لكن لو عفا على مال احتمل أن يجب واحتمل أن لا يجب لئلا يتخذ ذلك وسيلة إلى الاقرار بالمال وقاعدة المذهب سد الذرائع وهو الصواب وأطلقهما في المغنى والشرح والرعاية الكبرى والفروع.
فائدة: لا يفرق السفيه زكاة ماله بنفسه ولا تصح شركته ولا حوالته ولا الحوالة عليه ولا ضمانه ولا كفالته.
ويصح منه نذر كل عبادة بدنية من حج وغيره.
ولا يصح منه نذر عبادة مالية على الصحيح من المذهب.
وقيل: يصح نذرها وتفعل بعد فك حجره.
قال في الكافي: قياس قول اصحابنا يلزمه الوفاء به عند فك حجره كالاقرار.
وتقدم في أوائل كتاب الحج "إذا أحرم السفيه نفلا".
قوله: "وإن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره".
يعني يصح إقراره ولا يلزمه في حال حجره وهذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
قال في الفروع: والأصح صحة إقراره بمال لزمه باختيار أو لا.
قال في الوجيز: وإن أقر بدين أو بما يوجب مالا لزمه بعد حجره إن علم استحقاقه في ذمته حال حجره وقدمه في الشرح وشرح ابن منجا والرعاية وغيرهم.
قوله: "ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا".
وإليه ميل الشارح واختاره المصنف.
فعلى هذا لا يصح إقراره بمال.
وتقدم بعض أحكام السفيه في أوائل كتاب البيع.
تنبيه: ظاهر قوله: "وللولي أن يأكل من مال المولى عليه".
ولو لم يقدره الحاكم وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب بشرطه الآتي.
وقال في الايضاح يأكل إذا قدره الحاكم وإلا فلا.
تنبيه آخر: ظاهر قوله: "ويأكل بقدر عمله".
جواز أكله بقدر عمله ولو كان فوق كفايته وعلى ذلك شرح ابن منجا وهو ظاهر كلامه في الهداية والمذهب.
والصحيح من المذهب أنه لا يأكل إلا الأقل من أجره مثله أو قدر كفايته جزم به في الخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم من الأصحاب.
قلت: ويمكن أن يقال هذا الظاهر مردود بقوله: "إذا احتاج إليه لأنه إذا أخذ قدر عمله وكان أكثر من كفايته لم يكن محتاجا إلى الفاضل عن كفايته فلم يجز له أخذه وهو واضح.
أو يقال: هل الاعتبار بحاله الأخذ ويحتمله كلام المصنف أو حيث استغنى امتنع الأخذ؟.
قوله: "إذا احتاج إليه".
الصحيح من المذهب أنه لا يأكل من مال المولى عليه الا مع فقرة وحاجته وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
قال في الوجيز: ويأكل الفقير من مال موليه الأقل من كفايته أو أجرته مجانا إن شغله عن كسب ما يقوم بكفايته وكذا قال غيره من الأصحاب.
وقال ابن عقيل: يأكل وإن كان غنيا قياسا على العامل في الزكاة وقال: الآية محمولة على الاستحباب وحكاه رواية عن الإمام أحمد رحمه الله.
وقال ابن رزين: يأكل فقير ومن يمنعه من معاشه بالمعروف.
تنبيه: محل ذلك في غير الأب فأما الأب فيجوز له الأكل مع الحاجة وعدمها في الحكم ولا يلزمه عوضه على ما يأتي في باب الهبة.
قال القاضي: ليس له الأكل لأجل عمله لغناه عنه بالنفقه الواجبه في ماله ولكن له الأكل بجهة التملك عندنا.
وضعف ذلك الشيخ تقي الدين رحمه الله.
ومحل الخلاف أيضا إذا لم يفرض له الحاكم فإن فرض له الحاكم شيئا جاز له أخذه مجانا مع غناه بغير خلاف قاله في القاعدة الحادية والسبعين وقال: هذا ظاهر كلام القاضي.
ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية البرزاطي في الأم الحاضنة.
قوله: "وهل يلزمه عوض ذلك إذا أيسر على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب وشرح ابن منجا والمحرر والفائق والقواعد الفقهية.
إحداهما: لا يلزمه عوضه إذا أيسر وهو الصحيح من المذهب.
وقال في الفروع: ولا يلزمه عوضه بيساره على الأصح وصححه المصنف والشارح وصاحب التصحيح واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعايتين والحاويين.
والرواية الثانية: يلزمه عوضه إذا أيسر.
قال في الخلاصة: ويلزمه عوضه إذا أيسر على الأصح.
قوله: "وكذلك يخرج في الناظر في الوقف".
خرجه أبو الخطاب وغيره.
والمنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي الحارث وحرب جواز الأكل منه بالمعروف قاله في الفروع وغيره.
قال في الفائق بعد ذكر التخريج: قلت: وإلحاقه بعامل الزكاة في الأكل مع الغنى أولى كيف وقد نص الإمام أحمد على أكله منه بالمعروف ولم يشترط فقرا؟ ذكره الخلال في الوقف.
قال في رواية أبي الحارث: وإن أكل منه بالمعروف فلا بأس قلت فيقضي دينه قال ما سمعت فيه شيئا انتهى.
وعنه يأكل إذا اشترط.
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا يقدم بمعلومة بلا شرط إلا أن يأخذ أجره عمله مع فقره كوصي اليتيم.
وفرق القاضي بين الوصي والوكيل لأنه يمكنه موافقته على الأجرة والوكيل يمكنه.
ونقل حنبل في الولي والوصي يقومان بأمره يأكلان بالمعروف لأنهما كالأجير والوكيل.
وظاهر هذا النفقة للوكيل.
فائدتان
إحداهما: الحاكم أو أمينه إذا نظر في مال اليتيم فقال القاضي مرة لا يأكل وإن أكل الوصي فرق بينه وبين الوصي.
وقال مرة: له الأكل كوصى الأب.
قلت: وهو الصواب وهو داخل في عموم كلام المصنف وغيره.
الثانية: الوكيل في الصدقة لا يأكل منها شيئا لأجل العمل نص عليه.
وقد صرح القاضي في المجرد بأن من أوصى إليه بتفرقة مال على المساكين أو دفع إليه رجل في حياته مالا ليفرقه صدقة لم يجز له أن يأكل منه شيئا بحق قيامه لأنه منفعة وليس بعامل منم مثمر.
قوله: "ومتى زال الحجر فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا فالقول قول الولي" بلا نزاع.
جزم به الأصحاب منهم صاحب الفروع وقال ما لم تخالفه عادة وعرف ويحلف غير الحاكم على الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: ويحلف غير الحاكم على الأصح.
قال في الرعاية: وغير الحاكم يحلف على المذهب إن اتهم.
وعنه يقبل قوله من غير يمين.
قوله: "وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده".
وهو المذهب قاله المصنف والشارح وجزم به في الوجيز وشرح ابن منجا والهداية والخلاصة وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
قال في القواعد وغيره: هذا المذهب.
ويحتمل أن لا يقبل قوله إلا ببينه.
قلت: وهو قوى.
قال في القاعدة الرابعة والأربعين: وخرج طائفة من الأصحاب في وصى اليتيم أنه لا يقبل قوله في الرد بدون بينة وعزاه القاضي في خلافه إلى قول الخرقي.
وهو متوجه على هذا المأخذ لأن الإشهاد بالدفع مأمور به بنص القرآن.
وقد صرح أبو الخطاب في انتصاره باشتراط الشهادة عليه كالنكاح انتهى.
تنبيه: محل هذا إن كان متبرعا.
فأما إن كان بجعل فلا يقبل قوله إلا ببينة على الصحيح من المذهب ذكره في المحرر والفروع والفائق وغيرهم في الرهن.
وقيل: يقبل مطلقا وهو ظاهر كلام المصنف وجماعة.
فائدة: يقبل قول الأب والوصي والحاكم وأمينه وحاضن الطفل وقيمه حال الحجر وبعده في النفقة وقدرها وجوازها ووجود الضرورة والغبطة والمصلحة في البيع والتلف.
ويحتمل أن لا يقبل قوله: "إلا في الأحظية في البيع إلا ببينه فلو قال مات أبي من سنة أو قال أنفقت علي من سنة فقال الوصي بل من سنتين قدم قول الصبي.
قوله: "وهل للزوج أن يحجر على أمرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والرعاية الكبرى.
أحداهما: ليس له منعها من ذلك وهو المذهب اختاره المصنف والشارح وصححه في التصحيح والفائق والنظم وجزم به في الوجيز ونهاية ابن رزين ونظمها وغيرهم وقدمه في الفروع والمحرر ذكره في آخر باب الهبة.
قال في تجريد العناية: وتتصدق من مالها بما شاءت على الأظهر.
والرواية الثانية له منعها من الزيادة على الثلث فلا يجوز لها ذلك إلا بإذنه ونصره القاضي وأصحابه وصححه في الخلاصة وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين.
تنبيهان
أحدهما: محل الخلاف إذا كانت رشيدة فأما غير الرشيدة فهي ممنوعة مطلقا.
الثاني مفهوم قوله: "بما زاد على الثلث" أنه لا يحجر عليها في التبرع بالثلث فأقل وهو صحيح وهو المذهب.
قال في الكافي: وهو قول أصحابنا وصححه في الفائق وغيره وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وهو ظاهر كلام اكثر الأصحاب.
وعنه له ذلك صححها في عيون المسائل فلا ينفذ عتقها وأطلقهما في الكافي.
ويأتي في آخر الباب "إذا تبرعت من مال زوجها".
قوله: "يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين".
وهي المذهب وعليه الأصحاب.
والرواية الثانية: لا يجوز.
قوله: "ويجوز ذلك لسيد العبد بلا نزاع".
قوله: "ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه".
ينفك عنهما الحجر فيما أذن لهما فيه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم ونص عليه.
وفي طريقة بعض الأصحاب لا ينفك الحجر عنهما لأنه لو انفك لما تصور عودة ولما اعتبر علم العبد بإذنه.
قوله: "وفي النوع الذي أمرا به".
يعني ينفك عنهما الحجر في النوع الذي أمرا به فقط وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وذكر في الانتصار رواية أنه إن أذن لعبده في نوع ولم ينهه عن غيره ملكه.
فائدة: قال في الفروع وظاهر كلامهم انه كمضارب في البيع نسيئة وغيره.
قوله: "وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا أن يتوكل لغيره".
بلا نزاع لكن في جواز إجارة عبيده وبهائمه خلاف في الإنتصار.
قوله: "وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له".
بلا نزاع لكن قال الشيخ تقي الدين الذي ينبغي أن يقال فيما إذا رأى عبده يبيع فلم ينهه وفي جميع المواضع أنه لا يكون إذنا ولا يصح التصرف ولكن يكون تغريرا فيكون ضامنا بحيث إنه ليس له أن يطالب المشتري بالضمان فإن ترك الواجب عندنا كفعل المحرم كما نقول فيمن قدر على إنجاء إنسان من هلكة بل الضمان هنا أقوى.
قوله: "وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على وجهين".
وهما مبنيان على الخلاف في جواز توكيل الوكيل على ما يأتي في بابه.
وهذه طريقة الجمهور منهم المصنف والشارح وصاحب الهداية.
والمستوعب والفروع وابن منجا في شرحه وغيرهم وصاحب التلخيص أيضا في هذا الباب.
وقال في التلخيص في باب الوكالة: ليس له أن يوكل بدون إذن أو عرف جعله أصلا في عدم توكيل الوكيل.
فائدة: هل للصبي المأذون له أن يوكل؟ قال في الكافي هو كالوكيل.
قلت: لو قيل بعدم جوازه مطلقا لكان متجها.
قوله: "وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه وعنه يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمه سيدة؟ على روايتين".
ذكر المصنف للعبد إذا استدان حالتين.
إحداهما: أن يكون غير مأذون له فلا يصح تصرفه لكن إن تصرف في عين المال إما لنفسه أو للغير فهو كالغاصب أو كالفضولي على ما هو مقرر في مواضعه.
وإن تصرف في ذمته بشراء أو قرض لم يصح على الصحيح من المذهب.
وعنه يصح ويتبع به بعد عتقه ذكره في الفروع في كتاب البيع.
وذكر المصنف الخلاف وصاحب الشرح وغيرهما احتمالين وصاحب التلخيص وجهين.
فعلى المذهب إن وجد ما أخذه فله أخذه منه ومن السيد إن كان بيده فإن تلف من العبد في يد السيد رجع عليه بذلك وإن شاء كان متعلقا برقبة العبد قاله المصنف وغيره.
وإن أهلكه العبد فقدم المصنف أنه يتعلق برقبته يفديه سيده أو يسلمه وهو المذهب ونقله الجماعه عن الامام أحمد رحمه الله وعليه أكثر الأصحاب منهم الخرقي وأبو بكر وغيرهما وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي: هذا المشهور وهو من المفردات.
والرواية الثانية: يتعلق بذمته ويتبع به بعد العتق وقدمه في الخلاصة وأطلقهما في الهداية والمذهب والمغنى والشرح والتلخيص والزركشي وتقدم رواية حنبل.
وعنه إن فداه فداه بكل الحق بالغا ما بلغ ذكرها في التلخيص وغيره.
وعنه إن علم رب العين أنه عبد فلا شيء له نص عليه في رواية حنبل كما تقدم.
فعلى المذهب: لو أعتقه سيده فعلى السيد الذي عليه نقله أبو طالب واقتصر عليه في الفروع.
وعلى الرواية الثانية في أصل المسألة وهو صحة تصرفه إذا تلف ضمنه بالمسمى.
وعلى المذهب يضمنه بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته.
وعلى الرواية الثالثة أيضا: إن وجده في يد العبد انتزعه صاحبه منه لتحقق إعساره قاله المصنف والشارح وصاحب التلخيص وغيرهم.
وإن كان في يد السيد لم ينتزع منه على الصحيح من المذهب جزم به المصنف والشارح وغيرهما.
قال الزركشي: هذا المشهور.
واختار صاحب التلخيص جواز الانتزاع منه انتهى.
وإن تلف في يد السيد لم يضمنه وهل يتعلق ثمنه برقبة العبد أو بذمته على الخلاف المتقدم وكذا إن تلف في يد العبد المسمى فمقتضى كلام المجد أنه لا يتبرع وإن كان بيد العبد وإن الثمن يتعلق بذمته قاله الزركشي.
قال: ويظهر قول المجد: إن علم البائع أو المقرض بالحال وإن لم يعلم فيتوجه قول الأكثرين.
الحالة الثانية: أن يكون مأذونا له ويستدين فيتعلق بذمة سيده على الصحيح من المذهب لأنه تصرف لغيره ولهذا له الحجر عليه وتصرف في بيع خيار بفسخ أو إمضاء وثبوت الملك وينعزل وكيله بعزل سيده للموكل فلذلك تعلق بذمة سيده وعليه أكثر الأصحاب وجزم به الخرقي وصاحب الوجيز والمنور وناظم المفردات وغيرهم.
قال الزركشي: هذا المشهور من الروايات واختيار القاضي والخرقي وأبي الخطاب وغيرهم وقدمه في الخلاصة والرعايتين والفروع والحاويين وغيرهم وصححه في التصحيح والنظم وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
وعنه يتعلق برقبته وأطلقهما المصنف هنا وصاحب الهداية والمذهب والتلخيص والشرح والزركشي وغيرهم.
قال الزركشي: وبنى الشيخ تقي الدين رحمه الله الروايتين على أن تصرفه مع الإذن هل هو لسيده فيتعلق بذمته كوكيله أو لنفسه فيتعلق برقبته على روايتين انتهى.
وعنه يتعلق بذمة سيده وبرقبته.
وذكر في الوسيلة رواية يتعلق بذمة العبد.
ونقل صالح وعبد الله: يؤخذ السيد بما استدان لما أذن له فيه فقط.
ونقل ابن منصور: إذا أدان فعلى سيده وإن جنى فعلى سيده.
وقال في الروضة: إن أذن مطلقا لزمه كل ما ادان وإن قيده بنوع لم يذكر فيه استدانه فبرقبته كغير المأذون.
تنبيهات
الأول: يكون التعلق بالدين كله على الصحيح من المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله واختاره جماعة من الأصحاب وقدمه في الفروع وهو ظاهر كلام الأصحاب.
وفي الوسيلة يتعلق بقدر قيمته ونقله مهنا.
الثاني: محل الخلاف المتقدم في الحالتين إنما هو في الديون.
أما أروش جنايته وقيم متلفاته فتتعلق برقبته رواية واحدة قاله المصنف والشارح وغيرهما وقدمه في الفروع.
وتقدم قريبا رواية ابن منصور إن جنى فعلى سيده.
الثالث: عموم كلام المصنف وكثير من الأصحاب يقتضى جريان الخلاف وإن كان في يده مال وهو صحيح وقطع به المصنف والشارح وغيرهما.
وجعل ابن حمدان في رعايته محل الخلاف فيما إذا عجز ما في يده عن الدين.
فائدتان
أحداهما: حكم ما استدانه أو اقترضه بإذن السيد حكم ما استدانه للتجارة بإذنه قاله المصنف والشارح والناظم وصاحب الرعاية وغيرهم.
وقطع في التلخيص والبلغة بلزومه للسيد وكذا قال الشيخ تقي الدين وهو ظاهر كلام المجد.
الثانية: لا فرق فيما استدانه بين أن يكون فيما أذن له فيه أو في الذي لم يؤذن له فيه كما لو أذن له في التجارة في البر فيتجر في غيره قاله المصنف والشارح وصاحب الرعاية والفروع وغيرهم ونقله أبو طالب.
قال الزركشي: وفيه نظر وهو كما قال.
قوله: "وإن باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين".
وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وغيره واختاره ابن عبدوس وغيره وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والنظم وغيرهم.
قوله: "ويصح في الآخر إذا كان عليه دين بقدر قيمته".
وهو رواية في الرعاية والحاوي والفائق وغيرهم وأطلقهما في الهداية والمذهب والمستوعب والمغنى والتلخيص والشرح وشرح ابن منجا وغيرهم.
وقيل: يصح مطلقا ذكره في الفروع.
وأما شراء السيد من عبده فيأتي في كلام المصنف في المضاربة في قوله: "وكذا شراء السيد من عبده.
فائدة: لو ثبت على عبد دين زاد في الرعاية أو أرش جناية ثم ملكه من له الدين أو الأرش سقط عنه ذلك على الصحيح من المذهب قدمه في الرعايتين وغيره.
وقيل: لا يسقط وأطلقهما في المحرر والفروع ذكروه في كتاب الصداق.
قوله: "ويصح اقرار المأذون في قدر ما أذن له فيه".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: إنما يصح إقرار الصبي فيما أذن له فيه من التجارة إن كان يسيرا.
وأطلق في الروضة صحة إقرار المميز.
وذكر الأدمي البغدادي: أن السفيه والمميز إن أقرا بحد أو قود أو نسب أو طلاق لزم وإن أقرا بمال أخذ بعد الحجر.
قال في الفروع كذا قال وإنما ذلك في السفيه وهو كما قال.
ويأتي ذلك في كتاب الاقرار بأتم من هذا.
ويأتي هناك إقرار العبد غير المأذون له في كلام المصنف.
قوله: "وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فاقر به صح".
هذا المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والتلخيص والشرح والرعايتين والحاويين والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقال: ذكره الأزجي وصاحب الترغيب وغيرهما.
وقيل: إنما ذلك في الصبي في الشيء اليسير.
ومنع في الانتصار عدم الصحة ثم سلم ذلك.
فائدة: لو اشترى من يعتق على سيده بلا إذنه صح.
قال في الرعاية الكبرى: صح في الأصح وجزم به في الهداية ورءوس المسائل له.
وأقره في شرح الهداية وجزم به أيضا في المذهب والمستوعب والخلاصة وقدمه ابن رزين في شرحه في باب المضاربة.
وقيل: لا يصح صححه في النظم وشيخنا في تصحيح المحرر واختاره القاضي قاله المجد في شرحه والمصنف في المغنى وأطلقهما في المغنى والشرح في باب المضاربة والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين والفائق والفروع وزاد لو اشترى من يعتق على امرأته وزوج صاحبة المال.
وقال في الرعاية الكبرى: في باب الكتابة وإن اشترى زوجته انفسخ نكاحها وإن اشترى زوجة سيده احتمل وجهين انتهى.
وكذا الحكم لو اشترى امرأة سيده أو صاحبة المال قاله في المغنى والشرح وشرح ابن منجا وغيرهم في باب المضاربة.
فعلى الأول: لو كان عليه دين فقيل يباع فيه قدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: يعتق وهو احتمال في الرعاية وأطلقهما في الفروع.
ويأتي نظيرها "لو اشترى المضارب من يعتق على رب المال في المضاربة".
وقد تقدم في اول كتاب الزكاة هل يملك العبد بالتمليك أم لا؟ وذكرنا هناك فوائد جمة ذكرها أكثر الأصحاب هنا فلتراجع هناك.
قوله: "ولا يبطل الإذن بالإباق".
هذا الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: ولا يبطل اذنه بإباقة في الأصح واختاره القاضي وجزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والمغنى والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق وتذكرة ابن عبدوس.
وقيل: يبطل اختاره ابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المستوعب.
قلت: وهو الصواب وأطلقهما في التلخيص.
فائدة: لو دبره أو استولدها لم يبطل إذنه جزم به في الفروع.
وفي بطلان إذنه بكتابة وحرية وأسر خلاف في الانتصار.
وفي الموجز والتبصرة: يزول ملكه بحرية وغيرها كحجر على سيده.
وقال في الرعاية الكبرى والمستوعب: يبطل إذنه بخروجه عن ملكه ببيع او هبة أو صدقة أو سبى وجزما بأنه يبطل إذنه بإيلادها وهو بعيد.
قوله: "ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب" بلا نزاع.
قوله: "ويجوز يعني للعبد هديته للمأكول وإعارة دابته".
وكذا عمل دعوة ونحوه من غير إسراف في الكل وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغنى والمحرر والشرح والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق والوجيز وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم وقدمه في الفروع.
وقيل: لا يجوز اختاره الأزجي.
قوله: "وهل لغير المأذون له الصدقة من قوته بالرغيف إذا لم يضر به على روايتين".
يعني للعبد وأطلقهما في الهداية والمذهب والمغنى والشرح والتلخيص والفائق.
إحداهما: يجوز له ذلك وهو المذهب صححه في التصحيح والنظم وغيرهما واختاره ابن عبدوس وغيره وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المستوعب والخلاصة والمحرر والفروع والرعايتين والحاويين وغيرهم.
والرواية الثانية: لا يجوز.
فائدة: لا تصح هبة العبد إلا بإذن سيده نص عليه في رواية حنبل.
قال الحارثي: وهذا على كلا الروايتين الملك وعدمه.
قوله: "وهل للمراة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك؟ على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والكافي والتلخيص والفائق.
إحداهما: يجوز وهو المذهب وصححه المصنف والشارح وصاحب التصحيح والنظم وغيرهم.
قال الناظم وغيره: لها ذلك ما لم يمنعها وجزم به في الوجيز والمنور ومنتخب الأزجي وغيرهم واختاره ابن عبدوس في تذكرته وغيره وقدمه في المستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع.
وقال: والمراد إلا أن يضطرب العرف ويشك في رضاه أو يكون بخيلا وتشك في رضاه فلا يصح.
والرواية الثانية: لا يجوز نقلها أبو طالب كصدقة الرجل من طعام المرأة وكمن يطعمها بفرض ولم يعلم رضاه.
قال في الفروع ولم يفرق الإمام أحمد رحمه الله.
باب الوكالة
فائدة: الوكالة عبارة عن إذن في تصرف يملكه الآذن فيما تدخله النيابة قاله في الرعاية الكبرى.وقال في الوجيز: هي عبارة عن استنابة الجائز التصرف مثله فيما له فعله حال الحياة.
وقال الزركشي: هي في الاصطلاح التفويض في شيء خاص في الحياة وليس بجامع.
وقال في المستوعب هي عبارة عن استنابة الغير فيما تدخله النيابة.
قوله: "تصح الوكالة بكل قول يدل على الأذن".
كقوله: "وكلتك في كذا" أو فوضته إليك أو أذنت لك فيه أو بعه أو أعتقه أو كاتبه ونحو ذلك وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
ونقل جعفر: إذا قال بع هذا ليس بشيء حتى يقول قد وكلتك.
قال في المغنى ومن تبعه قبل قول الخرقي: وإذا وكله في طلاق زوجته بسطرين هذا سهو من الناسخ.
وقد تقدم ذكر الدليل على جواز التوكيل بغير لفظ التوكيل وهو الذي نقله الجماعة انتهى.
وتأوله القاضي على التأكيد لنصه على انعقاد البيع باللفظ والمعاطاة فكذا الوكالة.
قال ابن عقيل: هذا دأب شيخنا أن يحمل كلام الإمام أحمد رحمه الله على أظهره ويصرفه عن ظاهره والواجب أن يقال: كل لفظ رواية ويصحح الصحيح.
قال الأزجي: ينبغي أن يقول في المذهب على هذا حتى لا يصير المذهب رواية واحدة وقال الناظم:
وكل مقال يفهم منه الإذن صححن ... به عقدها من مطلق ومقيد
وعنه سوى فوضت أمر كذا له ... ووكلته فيه ارددنه فنقد
تنبيه: ظاهر كلام المصنف وغيره عدم صحة الوكالة بالفعل الدال عليها من الموكل وهو صحيح.
وقال في الفروع: دل كلام القاضي المتقدم على انعقاد الوكالة بالفعل من الموكل الدال عليها كالبيع قال وهو ظاهر كلام الشيخ يعني به المصنف فيمن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط وهو أظهر انتهى.
قوله: "وكل قول أو فعل يدل على القبول".
يصح القبول بكل قول من الوكيل يدل عليه بلا نزاع وكذا كل فعل يدل عليه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وصححه وقدمه في الفروع وغيره.
قال في القواعد" صرح به الأصحاب.
وقيل" لا ينعقد القبول بالفعل.
فوائد
الأولى: مثل ذلك سائر العقود الجائزة كالشركة والمضاربة والمساقاة في أن القبول يصح بالفعل.
قال في القواعد: ظاهر كلام صاحب التلخيص أو صريحة أن هذه العقود مثل الوكالة.
الثانية: يشترط لصحة الوكالة تعيين الوكيل قاله القاضي وأصحابه وغيرهم في مسألة تصدق بالدين الذي عليك.
وقال ابو الخطاب في الانتصار: لو وكل زيدا وهو لا يعرفه أو لم يعرف الوكيل موكله لم تصح.
الثالثة: تصح الوكالة مؤقتة بلا نزاع ومعلقه بشرط على الصحيح من المذهب نص عليه وقطع به أكثرهم كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة وكتعليق تصرف كقوله: "وكلتك الآن ان تبيع بعد شهر" أو "تعتقه إذا جاء المطر" أو "تطلق هذه إذا جاء زيد".
وقال في عيون المسائل في تعليق وقف بشرط لا يصح تعليق توكيل لأنه علقه بصفة وأنه يصح تعليق تصرف.
وقيل: لا يصح تعليق فسخ.
الرابعة: لو أبى أن يقبل الوكالة قولا أو فعلا فهو كعزلة نفسه قاله في الرعاية الكبرى.
قلت: ويحتمل لا.
قوله: "ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه".
هذا المذهب من حيث الجملة.
فعلى هذا: لو وكله في بيع ما سيملكه أو في طلاق من يتزوجها لم يصح إذ البيع والطلاق لم يملكه في الحال ذكره الأزجي وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
وذكر غيره منهم صاحب الرعاية الكبرى لو قال: إن تزوجت هذه فقد وكلتك في طلاقها وإن اشتريت هذا العبد فقد وكلتك في عتقه صح إن قلنا يصح تعليقهما على ملكيهما وإلا فلا.
وقال في التلخيص: قياس المذهب صحة ما إذا قال إذا تزوجت فلانة فقد وكلتك في طلاقها.
قال في القواعد ويتخرج وجه لا يصح.
تنبيه: يستثنى من هذه القاعدة صحة توكيل الحر الواجد الطول في قبول نكاح الأمة لمن تباح له وصحة توكيل الغنى في قبض الزكاة لفقير لأن سلبهما القدرة تنزيها لمعنى يقتضى منع الوكالة قاله الأصحاب.
وليس للمرأة أن تطلق نفسها ويجوز أن تطلق نفسها بالوكالة وامرأة غيرها.
ويجوز للرجل أن يقبل نكاح أخته من أبيه لأجنبي ونحو ذلك قاله في الوجيز وغيره.
فائدة: صحة وكالة المميز في الطلاق وغيره مبنى على صحته منه على الصحيح من المذهب.
وفي الرعاية: فيه لنفسه أو غيره روايتان بلا إذن وفيه في المذهب لنفسه روايتان.
ويأتي في كلام المصنف: لو وكل العبد في شراء نفسه من سيده وأحكاما أخر.
قوله: "ويجوز التوكيل في حق كل آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة".
يشمل كلامه: الحوالة والرهن والضمان والكفالة والشركة والوديعة والمضاربة والجعالة والمساقاة والاجارة والقرض والصلح والهبة والصدقة والوصية والإبراء
ونحو ذلك لا نعلم فيه خلافا وكذا المكاتبة والتدبير والإنفاق والقسمة والحكومة وكذا الوكالة في الوقف ذكره الزركشي وابن رزين وحكاه في الجميع إجماعا.
تنبيه قوله: "والعتق والطلاق".
يجوز التوكيل في العتق والطلاق بلا نزاع لكن لو وكل عبده أو غريمه أو امرأته في إعتاق عبيده وإبراء غرمائه وطلاق نسائه لم يملك عتق نفسه ولا طلاقها ولا إبراءها على الصحيح من المذهب.
وقيل يملك ذلك وجزم به الأزجى في العتق والإبراء.
فائدتان
إحداهما: لو أذن له أن يتصدق بمال لم يجز له أن ياخذ منه لنفسه إذا كان من أهل الصدقة على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية ابن بختان ويحتمل الجواز مطلقا.
ويحتمل الجواز إن دلت قرينة على إرادة أخذه منه ذكرهما في المغني.
ويأتي في أركان النكاح هل للوكيل في النكاح أن يزوج نفسه أم لا؟.
الثانية: يجوز التوكيل في الإقرار.
والصحيح من المذهب أن الوكالة فيه إقرار جزم به في المحرر والحاويين والفائق والفخر في طريقته.
قال في الرعاية الصغرى: والتوكيل في الإقرار إقرار في الأصح.
وقال في الكبرى: وفي صحة التوكيل في الإقرار والصلح وجهان.
وقيل: التوكيل في الإقرار إقرار.
وقيل: بقول جعلته مقرى انتهى.
وظاهر كلام الأكثرين أنه ليس بإقرار وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وغيره.
وقال الأزجي: لا بد من تعيين ما يقر به وإلا رجع في تفسيره إلى الموكل.
قوله: "وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه".
كإحياء للموات واستقاء الماء يعني أنه يجوز التوكيل في تملك المباحات لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز كالابتياع والاتهاب وهذا الصحيح من المذهب.
قال في الفروع: وتصح الشركة والوكالة في تملك مباح في الأصح كالاستئجار عليه وجزم به في المغنى والشرح وشرح ابن منجا والهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمحرر والوجيز وغيرهم.
وقيل لا يصح.
قلت: والنفس تميل إلى ذلك لأن الموكل لا يملكه عند الوكالة هو من المباحات فمن استولى عليه ملكه.
قال في الرعاية الكبرى: وقيل: من وكل في احتشاش واحتطاب فهل يملك الوكيل ما أخذه أو موكله يحتمل وجهين انتهى.
قوله: "إلا الظهار واللعان والأيمان".
وكذا الايلاء والقسامة والشهادة والمعصية.
ويأتي حكم الوكالة في العبادات.
قوله: "ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج موليته".
هذا المذهب بشرطه فيشترط لصحة عقد النكاح تسمية الموكل في صلب العقد ذكره في الانتصار والمغنى والشرح.
وقال في الرعاية الكبرى: وإن قال قبلت هذا النكاح ونوى أنه قبله لموكله ويذكره صح.
قلت: ويحتمل ضده بخلاف البيع انتهى.
قال في الترغيب: لو قال الوكيل قبلت نكاحها ولم يقل لفلان فوجهان وأطلقهما في الفروع.
ويأتي ذلك أيضا في باب أركان النكاح عند قوله "ووكيل كل واحد من هؤلاء يقوم مقامه وإن كان حاضرا" بأتم من هذا.
قوله: "وإن كان ممن يصح منه ذلك لنفسه وموليته".
فعلى هذا لا يصح توكيل فاسق في إيجاب النكاح إلا على رواية عدم اشتراط عدالة الولي على ما يأتي في باب اركان النكاح إن شاء الله تعالى.
وأما قبول النكاح منه فيصح لنفسه فكذا يصح لغيره وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وفي قوله: "ولا يصح التوكيل ولا التوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه".
واختاره أبو الخطاب وابن عقيل وابن عبدوس في تذكرته.
قال المصنف والشارح: وهو القياس وقدمه في الكافي والمغنى وصححه ابن نصر الله في حواشيه.
وقال القاضي: لا يصح قبوله لغيره.
قال في التلخيص: اختاره اصحابنا الا ابن عقيل وقدمه في الرعاية الكبرى وشرح ابن
رزين وصححه الناظم.
قال في الوجيز: ولا يوكل فاسق في نكاح وأطلقهما في الفروع والرعاية الصغرى والحاويين والفائق
ويأتي ذلك أيضا في أركان النكاح.
وأما السفيه فقيل: يصح أن يكون وكيلا في الايجاب والقبول اختاره ابن عقيل في تذكرته.
وقيل: لا يصح فيهما قدمه في الرعاية الكبرى وصححه الناظم وجزم به صاحب الهداية والمستوعب والمغنى والشرح وابن رزين في شرحه وأطلقهما في الفروع والرعاية الصغرى والحاويين.
وقيل: يصح في قبول النكاح دون إيجابه.
قال في الرعاية الكبرى: قلت: إن قلنا "يتزوج السفيه بغير إذن وليه" فله أن يوكل ويتوكل في إيجابه وقبوله وإلا فلا انتهى.
وهو الصواب وظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقد تقدم في الباب الذي قبله هل للولي أن يزوجه بغير إذنه أم لا وهل يباشر العقد أم لا؟.
ويأتي في أركان النكاح هل للوكيل المطلق في النكاح أن يتزوجها لنفسه أم لا؟.
قوله: "ويصح في كل حق لله تعالى تدخله النيابه من العبادات".
كالصدقات والزكوات والمنذورات والكفارات بلا نزاع أعلمه.
وأما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم والطهارة من الحدث فلا يجوز التوكيل فيها إلا الصوم المنذور يفعل عن الميت على ما تقدم في بابه وليس ذلك بوكالة.
ويصح التوكيل في الحج وركعتي الطواف فيه تدخل تبعا له.
قوله: "والحدود في إثباتها وإستيفائها".
هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز والنظم واختاره القاضي في المجرد وابن عبدوس في تذكرته وقدمه في المغنى والشرح وشرح ابن رزين ونصروه وقدمه ابن منجى في شرحه.
وقال أبو الخطاب لا تصح الوكالة في إثباته وتصح في استيفائه جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة وقدمه في المستوعب.
قال ابن رزين في شرحه وليس بشيء وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والفائق.
قوله: "ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته إلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته".
منهم ابن بطة وابن عبدوس في تذكرته وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ذكرها ابن أبي موسى ومن بعده.
قال ابن رزين عن هذا القول: وليس بشيء والصحيح من المذهب جواز استيفائهما في غيبة الموكل.
قال في المغنى والشرح وابن رزين في شرحه: هذا ظاهر المذهب.
قال ابن منجا في شرحه وصاحب الفائق: هذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين وغيرهم.
فعلى المذهب لو استوفى القصاص بعد عزله ولم يعلم ففي ضمان الموكل وجهان.
قال أبو بكر: لا ضمان على الوكيل.
فمن الأصحاب من قال: لعدم تفريطه.
ومنهم من قال: لأن عفو موكله لم يصح حيث حصل على وجه لا يمكن استدراكه فهو كما لو عفا بعد الرمي.
قال أبو بكر: وهل يلزم الموكل؟ على قولين.
وللأصحاب طريقة ثانية وهي البناء على انعزاله قبل العلم.
فإن قلنا لا ينعزل لم يصح العفو وإن قلنا ينعزل صح العفو وضمن الوكيل وهل يرجع على الموكل على وجهين.
أحدهما: يرجع لتغريره والثاني لا.
فعلى هذا: فالدية على عاقلة الوكيل عند أبي الخطاب لأنه خطأ وعند القاضي في ماله وهو بعيد وقد يقال هو شبه عمد قاله المصنف.
وللأصحاب طريقة ثالثة وهي إن قلنا لا ينعزل لم يضمن الوكيل وهل يضمن العامي؟ على وجهين بناء على صحة عفوه وترددا بين تغريره وإحسانه.
وإن قلنا: ينعزل لزمته الدية.