كتاب : الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد
بن حنبل
المؤلف : علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي
الصالحي
فعلى الثاني: لا يجزئه إعادة السعي ذكره المجد في شرحه بأنه لا يشرع مجاوزة عدده ولا تكراره واستدامة الوقوف مشروع ولا قدر له محدود وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقيل: يجزئه إعادته قال في الترغيب يعيده على الأصح قال في التلخيص لزمه الإعادة علي أصح الوجهين.
فائدتان :
إحداهما : حيث قلنا بالأجزاء فلا دم عليهما لنقضهما في ابتداء الإحرام كاستمراره.
الثانية : حكم الكافر يسلم والمجنون يفيق حكم الصبي والعبد فيما تقدم.
قوله : "ويحرم الصبي المميز بإذن وليه".
الصحيح من المذهب: أن الصبي المميز لا يصح إحرامه إلا بإذن وليه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره قال في القواعد الأصولية اختاره الأكثر وقال الزركشي هذا أصح الوجهين.
وقيل: يصح إحرامه بدون إذن وليه اختاره المجد وبن عبدوس في تذكرته وأطلقهما في المحرر والرعاية الصغرى والفائق والحاويين وشرح المجد فعلى الثاني يحلله الولي إذا كان فيه ضرر على الصحيح وقيل ليس له تحليله.
تنبيه : ظاهر قوله : "وغير المميز يحرم عنه وليه".
أنه لا يصح أن يحرم عنه غير الولي وهو صحيح وهو ظاهر ما جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والوجيز، وغيرهم وجزم به في المستوعب وغيره وقدمه في الفروع وغيره واختاره القاضي وغيره وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد.
وقيل: يصح من الأم أيضا وهو ظاهر رواية حنبل واختاره جماعة من الأصحاب منهم ابن عقيل وجزم به في المنور وقدمه في الكافي والشرح والنظم وابن رزين في شرحه قال الزركشي وإليه ميل أبي محمد واختار بعض الأصحاب الصحة في العصبة والأم قال في الفائق وكذا الأم والعصبة سواء على أصح الوجهين قال في الرعاية يصح في الأظهر وجزم به بن عبدوس في تذكرته وألحق المصنف والشارح وغيرهما العصبة غير الولي بالأم وقال في الحاويين وفي أمه وعصبته غير وليه وجهان.
فائدة : الولي هنا: من يلي ماله فيصح إحرامه عنه ولو كان محرما ولو كان لم يحج عن نفسه لأن معنى الإحرام عنه عقده له.
تنبيه : ظاهر قوله : "ويفعل عنه ما يعجز عن عمله".
أنه لا يفعل ما لا يعجز عنه وهو صحيح فيفعل الصغير كل ما يقدر عليه كالوقوف والمبيت وسواء أحضره الولي أو غيره وما يعجز عنه يفعله الولي كما قال المصنف: لكن لا
يجوز أن يرمى عنه إلا من رمى عن نفسه كالنيابة في الحج فإن قلنا بالإجزاء هناك فكذا هنا وإن قلنا لا يجزئ هناك وقع عن نفسه هنا إن كان محرما بفرضه وإن كان حلالا لم يعتد به وإن قلنا يقع الإحرام باطلا فكذا الرمي هنا وإن أمكن الصبي أن يناول النائب الحصاة ناوله وإن لم يمكنه استحب أن توضع الحصاة في كفه ثم تؤخذ منه فيرمى عنه فإن وضعها النائب في يده ورمى بها فجعل يده كالآلة فحسن وإن أمكنه أن يطوف فعله فإن لم يمكنه طيف به محمولا أو راكبا وتعتبر النية من الطائف به وكونه ممن يصح أن يعقد له الإحرام.
فإن نوى الطواف عن نفسه وعن الصبي وقع عن الصبي كالكبير يطاف به محمولا لعذر.
ويجوز أن يطوف عنه الحلال والمحرم وسواء كان طاف عن نفسه أو لا وهذا الصحيح من المذهب في ذلك كله.
وذكر القاضي وجها لا يجزئ عن الصبي كالرمي عن الغير.
فعلى هذا: يقع عن الحامل لأن النية هنا شرط فهي كجزء منه شرعا.
وقيل: يقع هنا عن نفسه كما لو نوى الحج عن نفسه وعن غيره والمحمول المعذور وجدت النية منه وهو أهل ويحتمل أن تلغو نيته هنا لعدم التعيين لكون الطواف لا يقع عن غير معين.
وقوله : "ونفقة الحج في مال وليه".
هذا المذهب وهو إحدى الروايتين اختاره القاضي في بعض كتبه وأبو الخطاب وأبو الوفاء والمصنف والمجد والشارح وصاحب الحاويين قال في المذهب ومسبوك الذهب هذا أقوى الروايتين قال بن منجا في شرحه هذا المذهب وهو أصح وجزم به في الوجيز والمنور وتذكرة بن عبدوس ومنتخب الآدمي وقدمه في المحرر وابن رزين في شرحه وقال إجماعا.
وعنه في ماله اختاره جماعة منهم القاضي في خلافه قدمه في الهداية والخلاصة والهادي والرعايتين والحاويين والفائق وإدراك الغاية ونظم المفردات وهو منها وأطلقهما في الفروع والكافي وشرح المجد والمستوعب والنظم.
تنبيه : محل الخلاف يختص فيما يزيد على نفقة الحضر وبما إذا أنشأ السفر للحج به تمرينا على الطاعة زاد المجد "وماله كثير يحمل ذلك" وهذا الصحيح من المذهب جزم به المجد في شرحه وصاحب الفروع والحاوي وغيرهم وقال في الرعايتين والفائق وغيرهم ونفقة الحج وقيل الزائدة على نفقة حضره وكفارته ودماؤه تلزمه في ماله انتهى.
وقال المجد: أما سفر الصبي معه لتجارة أو خدمة أو إلى مكة ليستوطنها أو ليقيم بها لعلم أو غيره مما يباح له السفر به في وقت الحج وغيره ومع الإحرام وعدمه فلا نفقة على الولي رواية واحدة بل على الجهة الواجبة فيها بتقدير عدم الإحرام انتهى.
وتابعه في الفروع. وقال: يؤخذ هذا من كلام غيره من التصرف لمصلحته.
قوله : "وكفارته في مال وليه".
وهو المذهب وإحدى الروايتين وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب واختاره أبو الخطاب وصاحب الحاويين.
قال في المذهب ومسبوك الذهب: يلزم ذلك الولي في أقوى الروايتين.
وقدمه في المحرر وشرح ابن رزين فقال وما لزمه من الفدية فعلى وليه إجماعا ثم حكى الخلاف قال بن عبدوس في تذكرته نفقة الحج ومتعلقاته المجحفة بالصبي تلزم المحرم به.
والرواية الثانية: تكون في مال الصبي قدمه في الهداية والهادي والتلخيص والخلاصة والرعايتين والحاويين والفائق واختاره القاضي في الخلاف وأطلقهما في المستوعب والمغني والكافي وشرح المجد والنظم والفروع.
تنبيه : محل الخلاف في وجوب الكفارات فيما يفعله الصبي فيما إذا كان يلزم البالغ كفارته مع الخطأ والنسيان قال المجد في شرحه أو فعله به الولي لمصلحته كتغطية رأسه لبرد أو تطبيبه لمرض.
فأما إن فعله الولي لا لعذر: فكفارته عليه كمن حلق رأس محرم بغير إذنه.
فأما ما لا يلزم البالغ فيه كفارة مع الجهل والنسيان كاللبس والطيب في الأشهر، وقتل الصيد في رواية والوطء والتقليم على تخريج فلا كفارة فيه إذا فعله الصبي لأن عمده خطأ.
فائدتان :
إحداهما : حيث أوجبنا الكفارة على الولي بسبب الصبي ودخلها الصوم صام عنه لوجوبها عليه ابتداء.
الثانية : وطء الصبي كوطء البالغ ناسيا يمضي في فاسده ويلزمه القضاء على الصحيح من المذهب.
وقيل: لا يلزمه قضاؤه وحكاه القاضي في تعليقه احتمالا.
فعلى المذهب: لا يصح القضاء إلا بعد البلوغ على الصحيح من المذهب ونص عليه الإمام وقيل يصح قبل بلوغه وصححه القاضي في خلافه.
وكذا الحكم والمذهب إذا تحلل الصبي من إحرامه لفوات أو إحصار لكن إذا أراد القضاء بعد البلوغ لزمه أن يقدم حجة الإسلام على المقضية فلو خالف وفعل فهو كالبالغ يحرم قبل الفرض بغيره على ما يأتي آخر الباب ومتى بلغ في الحجة الفاسدة في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة فإنه يمضي فيها ثم يقضيها ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام والقضاء كما يأتي نظيره في العبد قريبا.
قلت: فيعايى بها.
ويأتي حكم حصر الصبي أيضا في باب الفوات والإحصار.
قوله : "وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده".
بلا نزاع فلو خالف وأحرم من غير إذنه انعقد إحرامه على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب كالصلاة والصوم وقال ابن عقيل يتخرج بطلان إحرامه بغصبه لنفسه فيكون قد حج في بدن غصب فهو آكد من الحج بمال غصب. قال في الفروع وهذا متوجه ليس بينهما فرق مؤثر قال فيكون هذا المذهب ونصره وسبق مثله في الاعتكاف عن جماعة.
قال: ودل اعتبار المسألة بالغصب على تخريج رواية إن أجيز صح وإلا فلا انتهى.
قوله : "فإن فعلا فلهما تحليلهما".
يعني العبد والمرأة فذكر المصنف هنا حكم العبد والمرأة.
أما حكم العبد إذا أحرم فلا يخلو إما أن يكون بواجب كالنذر أو بتطوع فإن كان بواجب فتارة يحرم بإذنه وتارة يحرم بغير إذنه وإن كان بتطوع فتارة أيضا يحرم بإذنه وتارة يحرم بغير إذنه.
فإن أحرم بتطوع بغير إذنه فله تحليله إذا قلنا يصح وهذا المذهب كما هو ظاهر ما جزم به المصنف هنا وجزم به في الوجيز والمنور وبن منجا في شرحه وغيرهم واختاره بن حامد والمصنف والشارح وغيرهم وقدمه ابن رزين وبن حمدان وغيرهما وصححه الناظم وغيره.
وعنه رواية أخرى ليس له تحليله نقلها الجماعة عن الإمام أحمد واختارها أبو بكر والقاضي وابنه قال ناظم المفردات هذا الأشهر وهو منها وقدمه في المحرر.
وذكر ابن عقيل قول أحمد: لا يعجبني منع السيد عبده من المضي في الإحرام زمن الإحرام والصلاة والصيام وقال إن لم يخرج منه وجوب النوافل بالشروع كان بلاهة وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والفروع.
فإن أحرم بنفل بإذنه فالصحيح من المذهب أنه لا يجوز له تحليله وعليه الأصحاب وقطع به المصنف هنا وعنه له تحليله.
فائدة : لو باعه سيده وهو محرم فمشتريه كبائعه في تحليله وعدمه وله الفسخ إن لم يعلم إلا أن يملك بائعه تحليله فيحلله.
وإن علم العبد برجوع السيد عن إذنه فهو كما لو لم يأذن وإن لم يعلم ففيه الخلاف في عزل الوكيل قبل علمه على ما يأتي إن شاء الله تعالى في باب الوكالة.
وأما إن كان إحرامه بواجب مثل إن نذر الحج فإنه يلزمه قال المجد لا نعلم فيه خلافا.
وهل لسيده تحليله لا يخلو إما أن يكون النذر بإذنه أو بغير إذنه فإن كان بإذنه لم يجز له تحليله وإن كان بغير إذنه فهل له منعه أم لا لوجوبه عليه كواجب صلاة وصوم قال في الفروع ولعل المراد بأصل الشرع فيه روايتان وأطلقهما في الفروع والمجد في شرحه.
إحداهما : له منعه منه وهو الصحيح من المذهب اختاره بن حامد والقاضي والمصنف والشارح [وقدمه في الرعاية الكبرى والنظم].
قلت: وهو الصواب.
والرواية الثانية: ليس له منعه منه وقدمه في المحرر وقال بعض الأصحاب إن كان النذر معينا بوقت لم يملك منعه منه لأنه قد لزمه على الفور وإن كان مطلقا فله منعه منه قال في الفروع وعنه ما يدل على خلافه وهو ظاهر كلامهم.
فوائد :
لو أفسد العبد حجة بالوطء لزمه المضي فيه والقضاء والصحيح من المذهب صحة القضاء في حال الرق وقيل لا يصح.
فعلى المذهب: ليس لسيده منعه منه وإن كان شروعه فيما أفسده بإذنه هذا الصحيح وقيل له منعه حكاه القاضي في شرح المذهب نقله عنه بن رجب.
وإذا لم يكن بإذنه ففي منعه من القضاء وجهان كالمنذور وأطلقهما المجد في شرحه وصاحب الفروع.
قلت: الأولى جواز المنع ثم وجدت صاحب الفروع قدم ذلك في باب محظورات الإحرام في أحكام العبد.
وأيضا فإنه قال كالمنذور والمذهب له منعه من المنذور كما تقدم.
وهل يلزم العبد القضاء لفوات أو إحصار فيه الخلاف المتقدم في الحر الصغير.
وإن عتق قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك لزمه أن يبدأ بحجة الإسلام فإن خالف فحكمه كالحر على ما تقدم يبدأ بنذر أو غيره قبل حجة الإسلام.
وإن عتق في الحجة الفاسدة في حال يجزئه عن حجة الفرض لو كانت صحيحة فإنه يمضي فيها ويجزئه ذلك عن حجة الإسلام والقضاء على الصحيح من المذهب وقال ابن عقيل عندي أنه لا يصح انتهى.
ويلزمه حكم جناية كحر معسر.
وإن تحللا لحصر أو حلله سيده لم يتحلل قبل الصوم وليس له منعه نص عليه.
وقيل: في إذنه فيه وفي صوم آخر في إحرام بلا إذنه وجهان [وأطلقهما] قاله في الفروع وإن قلنا يملك بالتمليك ووجد الهدي لزمه ويأتي هذا وغيره في آخر كتاب الأيمان مستوفى.
وإن مات العبد ولم يصم فلسيده أن يطعم عنه ذكره في الفصول وإن أفسد حجه صام وكذا إن تمتع أو أقرن وذكر القاضي أنه على سيده إن أذن فيه انتهى ورده المصنف وقال في الرعايتين والحاويين وهدي تمتع العبد وقرانه عليه وقيل على سيده إن أذنه فيهما وقيل ما لزمه من دم فعلى سيده إن أحرم بإذنه وإلا صام قال في الكبرى قلت بل يلزمه وحده.
ويأتي حكم حصر العبد والصبي في باب الفوات والإحصار أيضا هذا حكم العبد وتقدم أحكام حج المكاتب في أول كتاب الاعتكاف.
واما أحكام المرأة فإذا أحرمت فلا يخلو إما أن يكون بواجب أو تطوع فإن كان بواجب فلا يخلو إما أن يكون بنذر أو بحجة الإسلام وإن كان بتطوع فلا يخلو إما أن يكون بإذنه أو بغير إذنه.
فإن كان بتطوع بغير إذنه فجزم المصنف بأن له تحليلها وهو المذهب، وإحدى الروايتين اختاره جماعة منهم المصنف والشارح وقال هذا ظاهر المذهب وبن حامد وهو ظاهر كلام الخرقي وصححه في النظم وجزم به بن منجا في شرحه وصاحب الإفادات والوجيز والمنور ومنتخب الآدمي.
والرواية الثانية: لا يملك تحليلها اختاره أبو بكر والقاضي وابنه أبو الحسين قال ناظم المفردات هذا الأشهر.
قال الزركشي وهي أشهرهما وهو من المفردات وقدمه في المحرر وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والرعايتين والحاويين ذكروه في باب الفوات والإحصار والفروع والقواعد الفقهية والزركشي.
وإن أحرمت بنفل بإذنه: فليس له تحليلها قولا واحدا وله الرجوع ما لم يحرم.
وإن أحرمت بنذر بغير إذنه فإن قلنا في إحرامها بالتطوع بغير إذنه: لا يملك تحليلها فهنا بطريق أولى وإن قلنا يملك تحليلها هناك فهل يملك تحليلها هنا فيه روايتان وأطلقهما في الفروع والمغني والشرح والقواعد والرعايتين والحاويين.
إحداهما : لا يملك تحليلها وهو ظاهر كلام بعضهم.
قلت: وهو الصواب.
والثانية : ليس له تحليلها وهو ظاهر كلام المصنف وكثير من الأصحاب وجزم به ابن رزين في شرحه قال في المغني في مكان "وليس له منعها من الحج المنذور" وقدمه في المحرر قال الزركشي وهو المذهب المنصوص وبه قطع الشيخان.
وقيل: له تحليلها إن كان النذر غير معين وإن كان معينا لم يملكه وجزم به في الرعاية الكبرى.
وإن أحرمت بنذر بإذنه لم يملك تحليلها قولا واحدا.
فائدة : حيث جاز له تحليلها فحللها فلم نقبل أثمت وله مباشرتها.
قوله : "وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض ولا تحليلها إن أحرمت به".
اعلم أنه إذا استكملت المرأة شروط الحج وأرادت الحج لم يكن لزوجها منعها منه ولا تحليلها إن أحرمت به هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب قاطبة وعنه له تحليلها قال في التلخيص وقيل فيه روايتان قال في الفروع فيتوجه منه منعها قال وظاهره ولو أحرمت قبل الميقات.
واما إذا لم تستكمل شروط الحج فله منعها من الخروج له والإحرام به فلو خالفت وأحرمت والحالة هذه لم يملك تحليلها على الصحيح من المذهب وقيل يملكه وهو احتمال للمصنف.
فوائد :
الأولى : حيث قلنا: "ليس له منعها" فيستحب لها أن تستأذنه ونقل صالح ليس له منعها ولا ينبغي أن تخرج حتى تستأذنه.
ونقل أبو طالب: إن كان غائبا كتبت إليه فإن أذن وإلا حجت بمحرم.
وقال ابن رجب في قواعده: نص أحمد في رواية صالح على أنها لا تحج إلا بإذنه وأنه ليس له منعها قال فعلى هذا يجبر على الإذن لها.
الثانية : لو أحرمت بواجب فحلف زوجها بالطلاق الثلاث أنها لا تحج العام لم يجز أن تحل على الصحيح من المذهب ونقل بن منصور هي بمنزلة المحصر واختاره بن أبي موسى كما لو منعها عدو من الحج إلا أن تدفع إليه مالها.
ونقل مهنا: وسئل عن المسألة فقال قال عطاء الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر.
ووجه في الفروع تخريجا بمنع الإحرام وقال هو أظهر وأقيس ذكره في أول كتاب الجنائز.
وسأله بن إبراهيم عن عبد قال إذا دخل أول يوم من رمضان فامراته طالق ثلاثا إن لم يحرم أول يوم من رمضان قال يحرم ولا تطلق امرأته وليس لسيده أن يمنعه أن يخرج إلى مكة إذا علم منه رشدا.
فجوز أحمد إسقاط حق السيد لضرر الطلاق الثلاث مع تأكد حق الآدمي.
وروى عبد الله عنه لا يعجبني أن يمنعه قال في الانتصار فاستحب أن لا يمنعه.
الثالثة : ليس للوالد منع ولده من حج واجب ولا تحليله منه ولا يجوز للولد طاعته فيه وله منعه من التطوع كالجهاد لكن ليس له تحليله إذا أحرم للزومه بشروعه.
ويلزمه طاعة والديه في غير معصية ويحرم طاعتهما فيها.
ولو أمره بتأخير الصلاة ليصلي به أخرها نص على ذلك كله قال في المستوعب وغيره ولو كانا فاسقين وهو ظاهر إطلاق الإمام أحمد.
وقال الشيخ تقي الدين: هذا فيما فيه نفع لهما ولا ضرر عليه فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا انتهى.
وظاهر رواية أبي الحارث وجعفر: لا طاعة لهما إلا في البر وظاهر رواية المروذي لا طاعة في مكروه وظاهر رواية جماعة لا طاعة لهما في ترك مستحب وقال المجد وتبعه بن تميم وغيره لا يجوز له منع ولده من سنة راتبة وقال أحمد فيمن يتأخر عن الصف الأول لأجل أبيه لا يعجبني هو يقدر يبر أباه بغير هذا.
وقال في الغنية: يجوز ترك النوافل لطاعتهما بل الأفضل طاعتهما.
ويأتي فيمن يأمره أحد أبويه بالطلاق في كتاب الطلاق وكلام الشيخ تقي الدين في أمره بنكاح معينة.
الرابعة : ليس لولي السفيه المبذر منعه من حج الفرض ولكن يدفع نفقته إلى ثقة لينفق عليه في الطريق وإن أحرم بنفل وزادت نفقته على نفقة الحج ولم يكتسب الزائد فقيل حكمه حكم العبد إذا أحرم بلا إذن سيده وصحح في النظم أنه يمنعه ذكره في أواخر الحجر وقال في الرعاية الكبرى فله في الأصح منعه منه وتحليله بصوم وإلا فلا وأطلقهما في الفروع فإن منعه فأحرم فهو كمن ضاعت نفقته.
قوله : "الخامس: الاستطاعة وهو أن يملك زادا وراحلة".
هذا المذهب من حيث الجملة وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه واعتبر بن الجوزي في كشف المشكل الزاد والراحلة في حق من يحتاجهما فأما من أمكنه المشي والتكسب بالصنعة فعليه الحج واختاره الشيخ عبد الحليم ولد المجد ووالد الشيخ تقي الدين في القدرة بالتكسب وقال هذا ظاهر على أصلنا فإن عندنا يجبر المفلس على الكسب ولا يجبر على المسألة قال ولو قيل بوجوب الحج عليه إذا كان قادرا على الكسب وإن بعدت المسافة كان متوجها على أصلنا وقال القاضي ما قاله في كشف المشكل وزاد فقال تعتبر القدرة على تحصيله بصنعة أو مسألة إذا كانت عادته. انتهى.
وقيل: من قدر أن يمشي من مكة مسافة القصر لزمه الحج والعمرة لأنه مستطيع فيدخل في الآية ذكره في الرعاية.
فعلى المذهب: يستحب الحج لمن أمكنه المشي والتكسب بالصنعة ويكره لمن له حرفة المسألة قال أحمد لا أحب له ذلك.
واختلف الأصحاب في قول أحمد "لا أحب كذا" هل هو للتحريم أو الكراهة على وجهين على ما يأتي في آخر الكتاب.
وعلى المذهب في أصل المسألة: يشترط الزاد سواء قربت المسافة أو بعدت قال في الفروع والمراد إن احتاج إليه ولهذا قال ابن عقيل في الفنون الحج بدني محض ولا يجوز دعوى أن المال شرط في وجوبه لأن الشرط لا يحصل المشروط بدونه وهو المصحح للمشروط ومعلوم أن المكي يلزمه ولا مال له انتهى.
ويشترط ملك الزاد فإن لم يكن في المنازل لزمه حمله وإن وجده في المنازل لم يلزمه حمله إن كان بثمن مثله وإن وجده بزيادة ففيه طريقان.
أحدهما : حكمه حكم شراء الماء للوضوء إذا عدم على ما تقدم في باب التيمم وهذا هو الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح وشرح المجد والفروع.
والثاني : يلزمه هنا بذل الزيادة التي لا تجحف بماله وإن منعناه في شراء الماء للوضوء وهي طريقة أبي الخطاب وتبعه صاحب المستوعب والمصنف في الكافي والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وفرقوا بين التيمم وبين هذا بأن الماء يتكرر عدمه والحج التزم فيه المشاق فكذا الزيادة في ثمنه إن كانت لا تجحف بماله لئلا يفوت نقله المجد في شرحه.
ويشترط أيضا: القدرة على وعاء الزاد لأنه لا بد منه.
وأما الراحلة: فيشترط القدرة عليها مع البعد وقدره مسافة القصر فقط إلا مع العجز كالشيخ الكبير ونحوه لأنه لا يمكنه وقال في الكافي وإن عجز عن المشي وأمكنه الحبو لم يلزمه قال في الفروع وهو مراد غيره.
قوله في الراحلة: "صالحة لمثله".
يعني: في العادة لاختلاف أحوال الناس لأن اعتبار الراحلة للقادر على المشي لدفع المشقة قاله المصنف وجماعة من الأصحاب ولم يذكره بعضهم لظاهر النص واعتبر في المستوعب إمكان الركوب مع أنه قال: "راحلة تصلح لمثله".
تنبيه : ظاهر كلام المصنف في قوله عن الراحلة "تصلح لمثله" أنه لا يعتبر ذلك في الزاد وهو صحيح قال في الفروع وظاهر كلامهم في الزاد يلزمه لظاهر النص، لئلا يفضي إلى ترك الحج بخلاف الراحلة قال ويتوجه احتمال أنه كالراحلة انتهى.
قلت: قطع بذلك في الوجيز فقال: "ووجد زادا ومركوبا صالحين لمثله" وقال في الفروع والمراد بالزاد أن لا يحصل معه ضرر لرداءته.
فائدة : إذا لم يقدر على خدمة نفسه والقيام بأمره اعتبر من يخدمه لأنه من سبيله قاله المصنف وقال في الفروع وظاهره عادة مثله في الزاد ويلزمه لو أمكنه لزمه عملا بظاهر النص وكلام غيره يقتضي أنه كالراحلة لعدم الفرق.
قوله : "فاضلا عن مؤنته ومؤنة عياله على الدوام".
اعلم أنه يعتبر كفايته وكفاية عياله إلى أن يعود بلا خلاف والصحيح من المذهب أنه يعتبر أن يكون له إذا رجع ما يقوم بكفايته وكفاية عياله على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر ما جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والعمدة والتلخيص والبلغة وشرح المجد ومحرره والإفادات والنظم والحاويين وإدراك الغاية والمنور وغيرهم لاقتصارهم عليه وقدمه في الفروع وتجريد العناية.
وقال في الروضة والكافي يعتبر كفاية عياله إلى أن يعود فقط قدمه في الرعايتين والفائق نقل أبو طالب يجب عليه الحج إذا كان معه نفقة تبلغه مكة ويرجع ويخلف نفقة لأهله حتى يرجع.
تنبيه : ظاهر قوله: "فاضلا عن قضاء دينه".
أنه سواء كان حالا أو مؤجلا وسواء كان لآدمي أو لله وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وقال في المذهب ومسبوك الذهب وأن لا يكون عليه دين حال يطالب به بحيث لو قضاه لم يقدر على كمال الزاد والراحلة انتهى.
فظاهره: أنه لو كان مؤجلا أو كان حالا ولكن لا يطالب به أنه يجب عليه ولم يذكره الأكثر بل ظاهر كلامهم عدم الوجوب.
فائدة : إذا خاف العنت من يقدر على الحج قدم النكاح عليه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم لوجوبه إذن وحكاه المجد إجماعا لكن نوزع في ادعاء الإجماع.
وقيل: يقدم الحج اختاره بعض الأصحاب كما لو لم يخفه إجماعا.
قوله : "فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم".
وكذا ما لا بد له منه.
فائدة : لو فضل من ثمن ذلك ما يحج به بعد شرائه منه ما يكفيه لزمه الحج قاله الأصحاب ولو احتاج إلى كتبه لم يلزمه بيعها فلو استغنى بإحدى النسختين لكتاب باع الأخرى قاله المصنف والشارح ومن تبعهما.
وتقدم نظيره في أول باب الفطرة.
قوله : "فمن كملت فيه هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور".
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير من الأصحاب وعنه لا يجب على الفور بل يجوز تأخيره ذكرها بن حامد واختاره أبو حازم وصاحب الفائق وذكره بن أبي موسى وجها.
زاد المجد: مع العزم على فعله في الجملة.
ويأتي في كتاب الغصب: إذا حج بمال غصب.
فائدة : لو أيسر من لم يحج ثم مات من تلك السنة قبل التمكن من الحج فهل يجب قضاء الحج عنه فيه روايتان أظهرهما الوجوب قاله في القواعد الأصولية والفقهية.
قوله : "وإن عجز عن السعي إليه لكبر أو مرض لا يرجي بروه لزمه أن يقيم عنه من يحج عنه ويعتمر من بلده وقد أجزأ عنه وإن عوفي".
هذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب وقطعوا به وهو من المفردات ولكن ذكر الأصحاب لو اعتدت من رفع حيضها بسنة لم تبطل عدتها بعود حيضها قال المجد وهي نظير مسألتنا.
يعني: إذا استناب العاجز ثم عوفي قال في الفروع فدل على خلاف هنا للخلاف هناك.
فائدتان :
إحداهما : ظاهر كلام المصنف أنه لو عوفي قبل فراغ النائب أنه يجزئ أيضا وهو صحيح وهو المذهب قال المجد في شرحه هذا أصح قال في الفروع أجزأه في الأصح وجزم به في الوجيز وهو احتمال للمصنف في المغني.
وقيل: لا يجزئه قال المصنف الذي ينبغي أنه لا يجزئه وهو أظهر الوجهين عند الشيخ تقي الدين وأطلقهما في الفائق.
وأما إذا بريء قبل إحرام النائب فإنه لا يجزئه قولا واحدا.
الثانية : ألحق المصنف وغيره بالعاجز لكبر أو مرض لا يرجي برؤه من كان نضو الخلقة لا يقدر على الثبوت على الراحلة إلا بمشقة غير محتملة قال الإمام أحمد أو كانت المرأة ثقيلة لا يقدر مثلها أن يركب إلا بمشقة شديدة وأطلق أبو الخطاب وغيره عدم القدرة.
قوله : "لزمه أن يقيم عنه من يحج عنه ويعتمر" يعني: يكون ذلك على القدرة كما تقدم.
قوله : "من بلده" هذا الصحيح من المذهب وعليه الأكثر.
وقيل: يجزئ أن يحج عنه من ميقاته واختاره في الرعاية.
ويأتي نظير ذلك فيمن مات وعليه حج وعمرة.
فوائد :
منها : لو كان قادرا على نفقة راجل لم يلزمه الحج على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع قال في الرعاية قيل هذا قياس المذهب واختار هو اللزوم.
ومنها : لو كان قادرا ولم يجد نائبا ففي وجوبه في ذمته وجهان بناء على إمكان السير على ما يأتي قريبا قاله المجد وغيره وزاد فإن قلنا يثبت في ذمته كان المال المشترط في الإيجاب على المعضوب بقدر ما نوجبه عليه لو كان صحيحا.
وإن قلنا: لا يثبت في ذمته إذا لم يجد نائبا اشترط للمال الموجب عليه أن لا ينقص عن نفقة المثل للنائب لئلا يكون النائب باذلا للطاعة في البعض وهو غير موجب على أصلنا كبذل الطاعة في الكل.
ومنها : يجوز للمرأة أن تنوب عن الرجل ولا إساءة ولا كراهة في نيابتها عنه قال في الفروع ويتوجه احتمال يكره لفوات رمل وحلق ورفع صوت وتلبية ونحوها.
تنبيه : مفهوم كلام المصنف أنه لو رجى زوال علته لا يجوز أن يستنيب وهو صحيح فإن فعل لم يجزئه بلا نزاع.
قوله : "ومن أمكنه السعي إليه لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا لا خفارة فيه يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد".
يشترط في الطريق: أن يكون آمنا ولو كان غير الطريق المعتاد إذا أمكن سلوكه برا كان أو بحرا لكن البحر تارة يكون فيه السلامة وتارة يكون فيه الهلاك وتارة يستوي فيه الأمران فإن كان الغالب فيه السلامة لزمه سلوكه وإن كان الغالب فيه الهلاك لم يلزمه سلوكه إجماعا وإن سلم فيه قوم وهلك فيه آخرون فذكر ابن عقيل عن القاضي يلزمه ولم يخالفه وجزم به في التلخيص والنظم والصحيح من المذهب أنه لا يلزمه جزم به المصنف وغيره وهو ظاهر كلام المجد في شرحه.
وقال ابن الجوزي: العاقل إذا أراد سلوك طريق يستوي فيه احتمال السلامة والهلاك وجب الكف عن سلوكها واختاره الشيخ تقي الدين وقال أعان على نفسه فلا يكون شهيدا وظاهر الفروع إطلاق الخلاف.
ويشترط على الصحيح من المذهب: أن لا يكون في الطريق خفارة فإن كان فيه خفارة لم يلزمه وعليه أكثر الأصحاب وقال بن حامد إن كانت الخفارة لا تجحف بماله لزمه بذلها وجزم به في الإفادات وتجريد العناية وهو ظاهر الوجيز وتذكرة بن عبدوس وقيده المجد في شرحه والمصنف في الكافي باليسيرة زاد المجد إذا أمن الغدر من المبذول له انتهى.
قلت: ولعله مراد من أطلق بل يتعين.
وقال الشيخ تقي الدين: الخفارة تجوز عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر ولا تجوز مع عدمها كما يأخذه السلطان من الرعايا.
تنبيه : ظاهر قوله : "يوجد فيه الماء والعلف على المعتاد" لا يلزمه حمل ذلك لكل سفره وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب لمشقته عادة وقال ابن عقيل يلزمه حمل علف البهائم إن أمكنه كالزاد قال في الفروع وأظن أنه ذكر في الماء أيضا.
قوله : "ومن أمكنه السعي إليه لزمه ذلك إذا كان في وقت المسير ووجد طريقا آمنا".
قدم المصنف أن إمكان المسير وتخلية الطريق من شرائط لزوم الأداء وهو إحدى الروايتين وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وهو ظاهر كلام الخرقي قال المجد في شرحه وتبعه في الفروع اختاره أكثر أصحابنا وصححه في النظم وقدمه بن منجا في شرحه والتلخيص.
وعنه أن إمكان المسير وتخلية الطريق من شرائط الوجوب وهو الصحيح من المذهب على ما يأتي في المحرم قال الزركشي هذا ظاهر كلام بن أبي موسى والقاضي في الجامع واختاره أبو الخطاب وغيره وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين والفائق وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي وأطلقهما في المبهج والإيضاح والشرح والفروع والمستوعب والكافي والمغني وشرح المجد.
فعلى المذهب: هل يأثم إن لم يعزم على الفعل إذا قدر قال ابن عقيل يأثم إن لم يعزم كما نقول في طريان الحيض وتلف الزكاة قبل إمكان الأداء والعزم في العبادات مع العجز يقوم مقام الأداء في عدم الإثم قال في الفروع ويتوجه الذي في الصلاة.
وعلى الرواية الثانية: لو حج وقت وجوبه فمات في الطريق تبينا عدم الوجوب.
وعلى الأول: لو كملت الشروط الخمسة ثم مات قبل وجود هذين الشرطين حج عنه بعد موته وإن أعسر قبل وجودهما بقي في ذمته.
وعلى الرواية الثانية: لم يجب عليه الحج قبل وجودهما.
فائدة : يلزم الأعمى أن يحج بنفسه بالشروط المذكورة ويعتبر له قائد كبصير يجهل الطريق والقائد للأعمى كالمحرم للمرأة ذكرها ابن عقيل وبن الجوزي وأطلقوا القائد.
وقال في الواضح: يشترط للأداء قائد يلائمه أي يوافقه ويلزمه أجرة القائد بأجرة مثله على الصحيح من المذهب وقيل وزيادة يسيرة وقيل وغير مجحفة ولو تبرع القائد لم يلزمه للمنة.
قوله : "ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة".
بلا نزاع وسواء فرط أو لا ويكون من حيث وجب عليه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب ويجوز أن يستنيب من أقرب وطنيه ليتخير المنوب عنه.
وقيل: من لزمه بخراسان فمات ببغداد حج منها نص عليه كحياته.
وقيل: هذا هو القول الأول لكن احتسب له بسفره من بلده قال في الفروع وفيه نظر لأنه متجه لو سافر للحج.
قال ناظم المفردات: ويلزم الورثة أن يحجوا من أصل مال الميت عنه حتى يخرجوا هذا وإن لم تكن بالوصية ولا تجزئ من ميقاتيه.
وقيل: يجزئ أن يحج عنه من ميقاته لأنه من حيث وجب واختاره في الرعاية.
فعلى المذهب: لو حج عنه خارجا عن بلد الميت إلى مسافة القصر فقال القاضي يجزئه لأنه في حكم القريب وقدمه في الفروع وهو ظاهر ما جزم به في المغني والشرح.
وقيل: لا يجزئه وجزم به في الرعاية الكبرى.
قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
وإن كان أكثر من مسافة القصر لم يجزه على الصحيح من المذهب وعليه الأكثر وقال في المغني والشرح ويحتمل أن لا يجزئه ويكون مسيئا كمن وجب عليه الإحرام من الميقات فأحرم من دونه.
وتقدم نظيره فيما إذا حج عن المعضوب.
وتقدم إذا أيسر ثم مات قبل التمكن.
فائدتان :
إحداهما : الصحيح أنه يجوز أن يحج عنه غير الولي بإذنه وبدونه اختاره ابن عقيل في فصوله والمجد في شرحه وجزم به في الفائق وهو ظاهر ما قدمه في الفروع ذكره في باب حكم قضاء الصوم.
وقيل: لا يصح بغير إذنه اختاره أبو الخطاب في انتصاره وتقدم ذلك في الصوم.
وهذه المسألة آخر ما بيضه المجد في شرحه.
الثانية : لو مات هو أو نائبه في الطريق حج عنه من حيث مات فيما بقي مسافة قولا وفعلا.
قوله : "فإن ضاق ماله عن ذلك أو كان عليه دين أخذ للحج بحصته،
وحج به من حيث يبلغ".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه.
وعنه يسقط الحج سواء عين فاعله أو لا.
وعنه يقدم الدين لتأكده وهو قول في شرح الزركشي.
فائدة : لو وصى بحج نفل أو أطلق جاز من الميقات على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب ما لم تمنع قرينة.
وقيل: من محل وصيته وقدمه في الترغيب كحج واجب ومعناه للمصنف.
ويأتي بعض ذلك في باب الموصى به.
قوله : "ويشترط لوجوب الحج على المرأة وجود محرمها".
هذا المذهب مطلقا يعني أن المحرم من شرائط الوجوب كالاستطاعة وغيرها وعليه أكثر الأصحاب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وقدمه في المحرر والفروع والفائق والحاويين والرعايتين وصححه في النظم وجزم به في المبهج والإيضاح والعمدة والإفادات قال بن منجا في شرحه هذا المذهب وهو من المفردات.
وعنه أن المحرم من شرائط لزوم الأداء وجزم به في الوجيز وأطلقهما الزركشي.
فعليها: يحج عنها لو ماتت أو مرضت مرضا لا يرجى برؤه ويلزمها أن توصي به وهي أيضا من المفردات.
وعلى المذهب: لم تستكمل شروط الوجوب وأطلقهما في الهداية في باب الفوات والإحصار والمذهب ومسبوك الذهب والكافي والتلخيص والبلغة والشرح والزركشي والمستوعب والهادي.
وعنه لا يشترط المحرم إلا في مسافة القصر كما لا يعتبر في أطراف البلد وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والهادي والتلخيص والمحرر والفائق.
ونقل الأثرم: لا يشترط المحرم في الحج الواجب قال الإمام أحمد لأنها لا تخرج مع النساء ومع كل من أمنته.
وعنه لا يشترط المحرم في القواعد من النساء اللاتي لا يخشى منهن ولا عليهن فتنة ذكرها المجد ولم يرتضه صاحب الفروع.
وقال الشيخ تقي الدين: تحج كل امرأة آمنة مع عدم المحرم وقال هذا متوجه في كل سفر طاعة قال في الفروع كذا قال [وظاهر كلام المصنف وغيره: أن الخنثى كالرجل].
فائدة : قال المجد في شرحه ظاهر كلام الخرقي أن المحرم شرط للوجوب دون أمن الطريق وسعة الوقت حيث شرطه ولم يشترطهما.
وظاهر نقل أبي الخطاب يقتضي رواية بالعكس وهو أنه قطع بأنهما شرطان للوجوب وذكر في المحرر رواية بأنه شرط لزوم قال والتفرقة على كلا الطريقين مشكلة والصحيح التسوية بين هذه الشروط الثلاثة إما نفيا وإما إثباتا انتهى.
قلت: ممن سوى بين الثلاثة المصنف في الكافي والشارح وصاحب المستوعب والمحرر فيه والرعايتين والحاويين والفائق والوجيز وابن عقيل وغيرهم وأشار ابن عقيل إلى أنها تزاد للحفظ والراحة لنفس السعي قال في الفروع وما قاله المجد صحيح وذكر كلام ابن عقيل انتهى.
وممن فرق بين المحرم وسعة الوقت وأمن الطريق المصنف في المقنع والكافي فإنه قدم فيهما أنهما من شرائط اللزوم وقدم في المحرر أنه من شرائط الوجوب وكذلك فعل الناظم.
وتبع صاحب الهداية صاحب المذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهداية فقطعوا بأنهما من شرائط الوجوب وأطلقوا في المحرم الروايتين.
وقطع في الإيضاح: أن المحرم شرط للوجوب وأطلق فيهما روايتين عكس صاحب الهداية ومن تابعه.
وقدم في التلخيص: أنهما من شرائط اللزوم كالمصنف وأطلق في المحرر الروايتين وظاهر كلامه في الفروع التفرقة فإنه أطلق فيهما الروايتين: بـ"منه وعنه" وقال: اختار الأكثر أنهما من شرائط الأداء وقدم أن المحرم من شرائط الوجوب فموافقته للمجد تنافي ما اصطلحه في الفروع وظهر أن للمصنف في هذه المسألة ثلاث طرق في كتبه الكافي والمقنع والهادي.
تنبيهات
الأول : دخل في عموم كلام المصنف في قوله: "وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو بسبب مباح" رابها وهو زوج أمها وربيبها وهو بن زوجها وهو صحيح وهو المذهب نص عليهما وعليه الأصحاب.
ونقل الأثرم في أم امرأته يكون محرما لها في حج الفرض فقط وهو من المفردات قال الأثرم كأنه ذهب إلى أنها لم تذكر في قوله تعالى: { وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ } [النور: 31] الآية.
وعنه الوقف في نظر شعرها وشعر الربيبة لعدم ذكرهما في الآية وهي أيضا من المفردات.
الثاني : قوله : "نسب أو سبب مباح".
يحترز منه عن السبب غير المباح كالوطء بشبهة أو زنا فليس بمحرم لأم الموطأة وابنتها لأن السبب غير مباح.
قال المصنف وغيره: كالتحريم باللعان وأولى.
وعنه بلى يكون محرما وهو قول في شرح الزركشي وأطلقهما في الحاوي الكبير واختاره ابن عقيل في الفصول في وطء الشبهة لا الزنى وهو ظاهر ما في التلخيص فإنه قال بسبب غير محرم واختاره الشيخ تقي الدين وذكره قول أكثر العلماء لثبوت جميع الأحكام فيدخل في الآية بخلاف الزنا.
الثالث : قال في الفروع المراد والله أعلم بالشبهة ما جزم به جماعة أنه الوطء الحرام مع الشبهة كالجارية المشتركة ونحوها.
لكن ذكر الشيخ تقي الدين وأبو الخطاب في الانتصار في مسألة تحريم المصاهرة أن الوطء في نكاح فاسد كالوطء بشبهة.
الرابع : ظاهر كلام المصنف هنا وجماعة أن الملاعن يكون محرما للملاعنة لأنها تحرم عليه على التأبيد بسبب مباح ولا أعلم به قائلا فلهذا قال الآدمي البغدادي وصاحب الوجيز بسبب مباح لحرمتها وهو مراد من أطلق.
الخامس : قال الشيخ تقي الدين وغيره وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين في التحريم دون المحرمية انتهى.
فيكون ذلك مستثنى من كلام من أطلق.
وقال في المحرر: المحرم زوجها أو من تحرم عليه أبدا لا من تحريمها بوطء شبهة أو زنا.
فقيل: إنما قال ذلك لئلا يرد عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأن تحريمهن على المسلم أبدا بسبب مباح وهو الإسلام وليسوا بمحارم لهن.
فقيل: كان يجب استثناؤهن كما استثنى المزنى بها فأجيب لانقطاع حكمهن فأورد عليه الملاعنة ولا جواب عنه.
السادس : ظاهر كلام المصنف أن العبد ليس بمحرم لسيدته لأنها لا تحرم عليه على التأبيد وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به كثير منهم.
قال الزركشي: هذا المذهب المشهور والمجزوم به عند الأكثرين انتهى. [قال القاضي موفق الدين في شرح مناسك المقنع وهو المشهور المعروف أمره] ونقله الأثرم وغيره وكان أيضا لا يؤمن عليها كالأجنبي ولا يلزم من النظر المحرمية وعنه هو محرم لها.
قال المجد: لأن القاضي ذكر في شرح المذهب أن مذهب أحمد أنه محرم وأطلقهما في المحرر والنظم والرعايتين والحاويين.
السابع : ظاهر كلام المصنف وغيره دخول العبد إذا كان قريبا قال في الفروع وشرط كون المحرم ذكرا مكلفا مسلما نص عليه وكذا قال في الرعاية الصغرى وغيره واشترط الحرية في المحرم في الرعاية الكبرى وجزم به.
فوائد :
الأولى : قوله : "إذا كان بالغا عاقلا".
بلا نزاع وهو المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه أنه يشترط فيه أيضا أن يكون مسلما وهو من مفردات المذهب جزم به ناظمها قال في الفروع ويتوجه اشتراط كون المسلم أمينا عليها.
قلت: وهو قوي في النظر.
قال: ويتوجه أنه لا يعتبر إسلامه إن أمن عليها وقال في الرعاية ويحتمل أن الذمي الكتابي محرم لابنته المسلمة إن قلنا يلي نكاحها كالمسلم انتهى.
قلت: يشكل هذا على قول الأصحاب إنهم يمنعون من دخوله الحرم لكن لنا هناك قول بالجواز للضرورة أو للحاجة أو مطلقا فيتمشى هذا الاحتمال على بعض هذه الأقوال.
الثانية : نفقة المحرم تجب عليها نص عليه فيعتبر أن تملك زادا وراحلة لها وله.
الثالثة : لو بذلت النفقة له لم يلزم المحرم غير عبدها السفر بها على الصحيح من المذهب وعنه يلزمه.
الرابعة : ما قاله صاحب الفروع أن ظاهر كلامهم لو أراد أجرة لا تلزمها قال ويتوجه أنها كنفقته كما في التغريب في الزنى وفي قائد الأعمى فدل ذلك كله على انه لو تبرع لم يلزمها للمنة قال ويتوجه أن يجب للمحرم أجرة مثله لا النفقة كقائد الأعمى ولا دليل يخص وجوب النفقة.
الخامسة : إذا أيست المرأة من المحرم وقلنا يشترط للزوم السعي أو كان ووجد وفرطت بالتأخير حتى عدم فعنه تجهز رجلا يحج عنها.
قلت: وهو أولى كالمعضوب.
وعنه ما يدل على المنع وأطلقهما المجد في شرحه وصاحب الفروع.
قال المجد: يمكن حمل المنع على أن تزوجها لا يبعد عادة والجواز على من أيست ظاهرا أو عادة لزيادة سن أو مرض أو غيره مما يغلب على ظنها عدمه.
ثم إن تزوجت أو استنابت من لها محرم ثم فقد فهي كالمعضوب وقال الآجري وأبو الخطاب في الانتصار إن لم يكن محرم سقط فرض الحج ببدنها ووجب أن يحج عنها غيرها قال في الفروع وهو محمول على الإياس قال في التبصرة إن لم تجد محرما فروايتان لتردد النظر في حصول الإياس منه.
قوله : "ولا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره ولا نذره ولا نافلة فإن فعل انصرف إلى حجة الإسلام".
اعلم أنه إذا لم يكن حج حجة الإسلام وأراد الحج فتارة يريد الحج عن غيره وتارة يريد الحج عن نفسه غير حجة الإسلام.
فإن أراد الحج عن غيره لم يجز فإن خالف وفعل انصرف إلى حجة الإسلام على الصحيح من المذهب وسواء كان حج الغير فرضا أو نفلا أو نذرا وسواء كان الغير حيا أو ميتا هذا المذهب قاله في الفروع وغيره وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
قال القاضي في الروايتين: لم يختلف أصحابنا فيه وقال أبو حفص العكبري يقع عن المحجوج عنه ثم يقلبه الحاج عن نفسه.
نقل إسماعيل الشالنجي: لا يجزئه لأنه عليه أفضل الصلاة والسلام قال لمن لبى عن غيره "اجعلها عن نفسك".
وعنه يقع باطلا نقله الشالنجي واختاره أبو بكر.
وعنه يجوز عن غيره ويقع عنه قال القاضي وهو ظاهر نقل محمد بن ماهان وفي الانتصار رواية يقع عما نواه بشرط عجزه عن حجه لنفسه.
فعلى المذهب: لا ينوب من لم يسقط فرض نفسه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال في الفروع يتوجه ما قيل ينوب في نفل عبد وصبي. ويحرم وجزم به في الرعاية الصغرى والحاويين وتذكرة بن عبدوس ورجح غير واحد المنع.
وأما إذا أراد أن يحج عن نفسه نذرا أو نافلة فالصحيح من المذهب أن ذلك لا يجوز ويقع عن حجة الإسلام نص عليه وعليه الأصحاب وعنه يقع ما نواه وعنه يقع باطلا ولم يذكرها بعضهم هنا منهم القاضي أبو الحسين في فروعه والمصنف في المغني وصاحب التلخيص وغيرهم وحكوها في التي قبلها.
فعلى المذهب: لا تجزئ عن المنذورة مع حجة الإسلام معا على الصحيح من المذهب نص عليه ونقل أبو طالب تجزئ عنهما وأنه قول أكثر العلماء اختاره أبو حفص.
فوائد :
إحداها : لو أحرم بنفل من عليه نذر ففيه الروايات المتقدمة نقلا ومذهبا قال في الفروع ويتوجه أن هذا وغيره الأشهر في أنه يسلك في النذر مسلك الواجب لا النفل.
الثانية : العمرة كالحج فيما تقدم ذكره.
الثالثة : لو أتى بواجب أحدهما فله فعل نذره ونفله قبل إتيانه بالآخر على الصحيح من المذهب وقيل لا لوجوبهما على الفور.
الرابعة : لو حج عن نذره أو عن نفله وعليه قضاء حجة فاسدة وقعت عن القضاء دون ما نواه على الصحيح من المذهب قاله في القاعدة الحادية عشر.
الخامسة : النائب كالمنوب عنه فيما تقدم فلو أحرم النائب بنذر أو نفل عمن عليه حجة الإسلام وقع عنها على الصحيح من المذهب ولو استناب عنه أو عن ميت واحدا في فرضه وآخر في نذره في سنة جاز.
قال ابن عقيل: وهو أفضل من التأخير لوجوبه على الفور قال في الفروع كذا قال فيلزمه وجوبه إذا ويحرم بحجة الإسلام قبل الآخر وأيهما أحرم به أولا فعن حجة الإسلام ثم الأخرى عن النذر قال في الفروع وظاهر كلامهم ولو لم ينوه وقال في الفصول يحتمل الإجزاء لأنه قد يعفى عن التعيين في باب الحج وينعقد بهما ثم يعين قال وهو أشبه ويحتمل عكسه لاعتبار تعيينه بخلاف حجة الإسلام.
قوله : "وهل يجوز لمن يقدر على الحج بنفسه أن يستنيب في حج التطوع على روايتين".
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والبلغة والشرح والحاويين والفائق والصرصرى في نظمه.
إحداهما : يجوز وهو المذهب قال في الفروع ويصح في الأصح قال في الخلاصة ويجوز على الأصح وصححه في التصحيح واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الكافي والوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وقدمه في الهداية والهادي والمحرر والرعايتين وصححه القاضي أبو الحسين وصاحب التصحيح.
والرواية الثانية: لا يجوز. ولا يصح.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه يجوز له أن يستنيب إذا كان عاجزا يرجى معه زوال علته من غير خلاف وهي طريقة المصنف وتابعه الشارح.
والصحيح من المذهب: أن حكمه حكم القادر بنفسه على الخلاف كما تقدم قدمه في الفروع وغيره وجزم به في التلخيص والبلغة والرعاية الصغرى والحاويين.
فوائد :
منها : حكم المحبوس حكم المريض المرجو برؤه قاله الزركشي.
ومنها : يصح الاستنابة عن المعضوب والميت في النفل إذا كانا قد حجا حجة الإسلام.
ومنها : يستحب أن يحج عن أبويه قال بعض الأصحاب إن لم يحجا وقال بعضهم يستحب أن يحج عنهما وعن غيرهما ويستحب أن يقدم الأم ويقدم واجب أبيه على نفل أمه. نص عليهما وقد تقدم حكم طاعة والديه في الحج الواجب والنفل عند قوله: "وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض".
ومنها : في أحكام النيابة فنقول من أعطى مالا ليحج به عن شخص بلا إجارة ولا جعالة:
جاز نص عليه كالغزو وقال أحمد لا يعجبني أن يأخذ دراهم ويحج عن غيره إلا أن يتبرع.
قال في الفروع: ومراده الإجارة أو أحج حجة بكذا.
والنائب أمين يركب وينفق بالمعروف منه أو مما اقترضه أو استدانه لعذر على ربه أو ينفق من نفسه وينوي رجوعه به وتركه وأنفق من نفسه فقال في الفروع ظاهر كلام أصحابنا يضمن وفيه نظر انتهى.
قال الأصحاب: ويضمن ما زاد على المعروف ويرد ما فضل إلا أن يؤذن له فيه لأنه لا يملكه بل أباحه فيؤخذ منه.
ولو أحرم ثم مات مستنيبه: أخذه الورثة وضمن ما أنفق بعد موته قال في الفروع ويتوجه لا للزوم ما أذن فيه قال في الإرشاد وغيره في قوله حج عني بهذا فما فضل فلك ليس له أن يشتري به تجارة قبل حجه.
قال في الفروع: ويجوز له صرف نقد بآخر لمصلحته وشراء ماء للطهارة به وتداوى ودخول حمام.
وإن مات أو ضل أو صد أو مرض أو تلف بلا تفريط أو أعوز بعده لم يضمن قال في الفروع ويتوجه من كلامهم يصدق إلا أن يدعي أمرا ظاهرا فببينة. وله نفقة رجوعه على الصحيح من المذهب مطلقا.
وعنه إن رجع لمرض رد ما أخذ كرجوعه لخوفه مرضا قال في الفروع ويتوجه فيه احتمال.
وإن سلك طريقا يمكنه سلوك أقرب منه بلا ضرر ضمن ما زاد.
قال المصنف: أو تعجل عجلة يمكنه تركها قال في الفروع كذا قال ونقل الأثرم ويضمن ما زاد على أمر بسلوكه.
ولو جاوز الميقات محلا ثم رجع ليحرم ضمن نفقة تجاوزه ورجوعه.
وإن أقام بمكة فوق مدة قصر بلا عذر فمن ماله وله نفقة رجوعه خلافا للرعاية الكبرى إلا أن يتخذها دارا ولو ساعة واحدة فلا.
وهل الوحدة عذر أم لا ظاهر كلام الأصحاب مختلف قال في الفروع والأولى أنه عذر ومعناه في الرعاية وغيره للنهي.
وذكر المصنف: إن شرط المؤجر على أجيره أنه لا يتأخر عن القافلة أو لا يسير في آخرها أو وقت القائلة أو ليلا فخالف: ضمن.
فدل أنه لا يضمن بلا شرط والمراد مع الأمن قاله في الفروع.
ومتى وجب القضاء فمنه عن المستنيب ويرد ما أخذ لأن الحجة لم تقع عن مستنيبه كجنايته كذا معنى كلام المصنف وكذا في الرعاية: نفقة الفاسد والقضاء على النائب. ولعله
ظاهر المستوعب قاله في الفروع قال وفيه نظر.
فإن حج من قابل بمال نفسه أجزأه ومع عذر ذكر المصنف إن فات بلا تفريط احتسب له بالنفقة.
فإن قلنا: يجب القضاء فعليه لدخوله في حج ظنه عليه فلم يكن وفاته وذكر جماعة إن فات بلا تفريط فلا قضاء عليهما إلا واجبا على مستنيب فيؤدى عنه بوجوب سابق.
والدماء عليه. والمنصوص ودم تمتع وقران كنهيه على مستنيبه إن أذن كدم إحصار وأطلق في المستوعب في دم إحصار وجهين.
ونقل ابن منصور إن أمر مريض من يرمى عنه فنسي المأمور أساء والدم على الآمر.
قال في الفروع: ويتوجه أن ما سبق من نفقة تجاوزه ورجوعه والدم مع عذر على مستنيبه كما ذكروه في النفقة في فواته بلا تفريط ولعله مرادهم انتهى.
وإن شرط أحدهما أن الدم الواجب عليه على غيره لم يصح شرطه كأجنبي.
قال في الفروع: ويتوجه إن شرطه على نائب لم يصح واقتصر عليه في الرعاية فيؤخذ منه يصح عكسه.
وفي صحة الاستئجار لحج أو عمرة: روايتا الإجارة على قربة يأتيان في كلام المصنف في الإجارة والمذهب عدم الصحة ويلزم من استنابه إجارة بدليل استنابة قاض وفي عمل مجهول ومحدث في صلاة قال في الفروع كذا قالوا واختار بن شاقلا تصح وذكر في الوسيلة الصحة عنه وعن الخرقي.
فعلى هذا: تعتبر شروط الإجارة.
وإن استأجر عينه لم يستنب. على الصحيح من المذهب وقال في الفروع يتوجه كتوكيل وأن يستنيب لعذر.
وإن ألزم ذمته بتحصيل حجة له استناب فإن قال: "بنفسك" قال في الفروع فيتوجه في بطلان الإجارة تردد فإن صحت لم يجز أن يستنيب انتهى.
[ولا يستنيب في إجارة العين ويجوز في إجارة الذمة فإن قال بنفسك لم يجز في وجه وفي آخر تبطل الإجارة وأطلقهما في الفروع].
قال الآجري: وإن استأجره فقال تحج عنه من بلد كذا لم يجز حتى يقول تحرم عنه من ميقات كذا وإلا فمجهولة.
فإذا وقت مكانا يحرم منه فأحرم قبله فمات فلا أجرة والأجرة من إحرامه مما عينه إلى فراغه.
قال في الفروع: ويتوجه لا جهالة ويحمل على عادة ذلك البلد غالبا. ومعناه كلام أصحابنا ومرادهم قال ويتوجه إن لم يكن للبلد إلا ميقات واحد جاز.
فعلى قوله: يقع الحج عن المستنيب وعليه أجرة مثله.
ويعتبر تعيين النسك وانفساخها بتأخير ويأتي في الإجارة فإن قدم فيتوجه جوازه لمصلحته وعدمه لعدمها وإلا فاحتمالان أظهرهما يجوز قاله في الفروع.
ومعنى كلام المصنف وغيره: يجوز وأنه زاد خيرا.
ويملك ما يأخذه ويتصرف فيه ويلزمه الحج ولو أحصر أو ضل أو تلف ما أخذه فرط أو لا ولا يحتسب له بشيء واختار صاحب الرعاية ولا يضمن بلا تفريط والدماء عليه وإن أفسده كفر ومضى فيه وقضاه وتحسب أجرة مسافر قبل إحرامه جزم به جماعة وقدمه في الفروع وقيل لا وأطلق بعضهم وجهين وعلى الأول قسط ما ساره لا أجرة المثل خلافا لصاحب الرعاية وإن مات بعد ركن لزمه أجرة الباقي.
ومن ضمن الحجة بأجرة أو جعل فلا شيء له ويضمن ما تلف بلا تفريط كما سبق.
وقال الآجري: وإن استؤجر من ميقات فمات قبله فلا وإن أحرم منه ثم مات احتسب منه إلى موته.
ومن استؤجر عن ميت. فهل تصح الإقالة أم لا لأن الحق للميت يتوجه احتمالان قاله في الفروع.
قلت: الأولى الجواز لأنه قائم مقامه فهو كالشريك والمضارب والصحيح جواز الإقالة منهما على ما يأتي في الشركة.
وعلى الثاني: يعايى بها.
ومن أمر بحج فاعتمر لنفسه ثم حج عن غيره فقال القاضي وغيره يرد كل النفقة لأنه لم يؤمر به وجزم به في الحاوي الكبير ونص أحمد واختاره المصنف وغيره إن أحرم به من ميقات فلا ومن مكة يرد من النفقة ما بينهما.
ومن أمر بإفراد فقرن لم يضمن كتمتعه وفي الرعاية وقيل يعذر قال في الفروع كذا قال.
ومن أمر بتمتع فقرن لم يضمن وفي الرعاية على الصحيح من المذهب وقال القاضي وغيره يرد نصف النفقة لفوات فضيلة التمتع.
وعمرة مفردة كإفراده ولو اعتمر لأنه أحل فيها من الميقات.
ومن أمر بقران فتمتع وأفرد فللآمر ويرد نفقة قدر ما يتركه من إحرام النسك المتروك من الميقات ذكره المصنف وغيره وقال في الفصول وغيرها يرد نصف النفقة وأن من تمتع لا يضمن لأنه زاده خيرا.
وإن استناب شخصا في حجة واستنابه آخر في عمرة فقرن ولم يأذنا له صحا له وضمن الجميع كمن أمر بحج فاعتمر أو عكسه ذكره القاضي وغيره وقدمه في الفروع. واختار
المصنف وغيره: يقع عنهما ويرد نصف نفقة من لم يأذن لأن المخالفة في صفته قال في الفروع وفي القولين نظر لأن المسألة تشبه من أمر بالتمتع فقرن قال في الفروع ويتوجه منهما لا ضمان هنا وهو متجه إن عدد أفعال النسكين وإلا فاحتمالان انتهى.
قلت: الصواب عدم الصحة عن واحد منهما وضمان الجميع.
وإن أمر بحج أو عمرة فقرن لنفسه فالخلاف.
وإن فرغه ثم حج أو اعتمر لنفسه صح ولم يضمن وعليه نفقة نفسه مدة مقامه لنفسه.
وإن أمر بإحرام من ميقات فأحرم قبله أو من غيره أو من بلده فأحرم من ميقات أو في عام أو في شهر فخالف فقال ابن عقيل أساء لمخالفته وذكر المصنف يجوز لإذنه فيه بالجملة وقال في الانتصار ولو نواه بخلاف ما أمره به وجب رد ما أخذه.
ويأتي في أواخر باب الإحرام في كلام المصنف وغيره بعض أحكام من حج عن غيره.
باب المواقيت
فوائد :الأولى : قوله : "وميقات أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب من الجحفة وأهل اليمن يلملم وأهل نجد قرن وأهل المشرق ذات عرق".
اعلم أن بين ذي الحليفة وبين مكة عشرة أيام أو تسعة وهو أبعد المواقيت وقيل أكثر من سبعين فرسخا وقيل مائتا ميل إلا ميلين وبينها وبين المدينة ميل قاله في الرعاية الكبرى قال الزركشي ستة أميال أو سبعة وبينهما تباين كبير والصواب أن بينهما ستة أميال ورأيت من وهم قول من قال إن بينهما ميلا.
ويليه في البعد: الجحفة وهي على ثلاث مراحل من مكة وقيل خمس مراحل أو ستة ووهم من قال ثلاث والثلاثة الباقية بينها وبين مكة ليلتان وقيل أقربها ذات عرق حكاه في الرعاية.
وقال الزركشي: "قرن" عن مكة يوم وليلة. و"يلملم" ليلتان.
ورأيت في شرح الحافظ بن حجر أن بين يلملم وبين مكة مرحلتين ثلاثون ميلا وبين ذات عرق وبين مكة مرحلتان والمسافة اثنان وأربعون ميلا.
فقرن: لأهل نجد وهي نجد اليمن ونجد الحجاز والطائف وذات عرق للمشرق والعراق وخراسان.
الثانية : هذه المواقيت كلها ثبتت بالنص على الصحيح من المذهب وأومأ أحمد أن ذات عرق باجتهاد عمر قال في الفروع والظاهر أنه خفي النص فوافقه. فإنه موافق للصواب. قال
المصنف: ويجوز أن يكون عمر ومن سأله لم يعلموا بتوقيته عليه أفضل الصلاة والسلام ذات عرق فقال ذلك برأيه فأصاب فقد كان موفقا للصواب انتهى.
قلت: يتعين ذلك ومن المحال أن يعلم أحد من هؤلاء بالسنة ثم يسألونه أن يوقت لهم.
الثالثة : الأولى أن يحرم من أول جزء من الميقات فإن أحرم من آخره جاز ذكره في التلخيص وغيره.
قوله : "وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر عليها من غيرهم".
وهو المذهب وعليه الأصحاب فلو مر أهل الشام وغيرهم على ذي الحليفة أو من غير أهل الميقات على غيره لم يكن لهم مجاوزته إلا محرمين نص عليه وقال الشيخ تقي الدين يجوز تأخيره إلى الجحفة إذا كان من أهل الشام وجعله في الفروع توجيها من عنده وقواه ومال إليه وهو مذهب عطاء وأبي ثور ومالك.
قوله : "ومن منزله دون الميقات فميقاته من موضعه".
بلا نزاع لكن لو كان له منزلان جاز أن يحرم من أقربهما إلى البيت والصحيح من المذهب أن الإحرام من البعيد أولى وقيل هما سواء.
قوله : "وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل".
سواء كان من اهلها أو من غيرهم وسواء كان في مكة أو في الحرم هذا الصحيح من المذهب وكلما تباعد كان أفضل.
وذكر بن أبي موسى: أن من كان بمكة من غير أهلها إذا أراد عمرة واجبة فمن الميقات فلو أحرم من دونه لزمه دم وإن أراد نفلا فمن أدنى الحل.
وعنه من اعتمر في أشهر الحج أطلقه ابن عقيل وزاد غير واحد فيها من أهل مكة أهل بالحج من الميقات وإلا لزمه دم قال في الفروع وهي ضعيفة عند الأصحاب وأولها بعضهم بسقوط دم المتعة عن الآفاقي وبخروجه إلى الميقات.
ويأتي في كلام المصنف في صفة العمرة أن العمرة: من التنعيم أفضل وبعدها إذا أحرم من الحرم بها وفعل العمرة في كل سنة وتكرارها.
قوله : "وإذا أرادوا الحج فمن مكة".
هذا المذهب سواء كان مكيا أو غير مكي إذا كان فيها قال في الفروع وظاهره لا ترجيح يعني أن إحرامه من المسجد وغيره سواء في الفضيلة ونقل حرب ويحرم من المسجد قال في الفروع ولم أجد عنه خلافه ولم يذكره الأصحاب إلا في الإيضاح فإنه قال يحرم به من الميزاب. قلت وكذا قال في المبهج.
فائدة : يجوز لهم الإحرام من الحرم والحل ولا دم عليهم على الصحيح من المذهب نقله الأثرم وبن منصور ونصره القاضي وأصحابه وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه إن فعل ذلك فعليه دم.
وعنه إن أحرم من الحل فعليه دم لإحرامه دون الميقات بخلاف من أحرم من الحرم صححه في تصحيح المحرر والناظم وجزم به المصنف وقال إن مر في الحرم قبل مضيه إلى عرفة فلا دم عليه وأطلق الأولى والثالثة في المحرر والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
وعنه فيمن اعتمر في أشهر الحج من أهل مكة يهل بالحج من الميقات فإن لم يفعل فعليه دم.
وعن أحمد: المحرم من الميقات عن غيره إذا قضى نسكه ثم أراد أن يحرم عن نفسه واجبا أو نفلا أو أحرم عن نفسه ثم أراد أن يحرم عن غيره أو عن إنسان ثم عن آخر يحرم من الميقات وإلا لزمه دم اختاره القاضي وجماعة وقال في الترغيب لا خلاف فيه قال في الفروع كذا قال واختاره المصنف، والشارح وغيرهما قال الزركشي وهو المشهور بخلاف ما جزم به القاضي وغيره وروى هو ظاهر كلام الخرقي والإمام أحمد لكن بعضهم تأوله.
ويأتي بعض ذلك في أول باب صفة الحج.
قوله : "ومن لم يكن طريقه على ميقات فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرم".
وهذا بلا نزاع لكن يستحب الاحتياط فإن تساويا في القرب إليه فمن أبعدهما عن مكة وأطلق الآجري أن ميقات من خرج عن المواقيت إذا حاذاها.
فائدة : قال في الرعاية ومن لم يحاذ ميقاتا أحرم عن مكة بقدر مرحلتين قال في الفروع وهذا متجه.
قوله : "ولا يجوز لمن أراد دخول مكة تجاوز الميقات بغير إحرام".
هذا المذهب نص عليه سواء أراد نسكا أو مكة وكذا لو أراد الحرم فقط وعليه أكثر الأصحاب وعنه يجوز تجاوزه مطلقا من غير إحرام إلا أن يريد نسكا ذكرها القاضي وجماعة وصححها ابن عقيل قال في الفروع وهي أظهر للخبر واختاره في الفائق قال الزركشي وهو ظاهر كلام الخرقي وظاهر النص.
تنبيه: قوله: "ولا يجوز لمن أراد دخول مكة".
مراده: إذا كان مسلما مكلفا حرا فلو تجاوز الميقات كافر أو عبد أو صبي ثم لزمهم بأن أسلم أو بلغ أو عتق أحرموا من موضعهم من غير دم على الصحيح من المذهب نص عليه واختاره جماعة منهم المصنف والشارح.
قال في القواعد الأصولية والمذهب لا دم على الكافر عند أبي محمد وقدمه في الفروع والفائق والرعايتين والحاويين.
قلت: فيعايى بها.
وعنه في الكافر يسلم: يحرم من الميقات نصره القاضي وأصحابه لأنه حر بالغ عاقل كالمسلم وهو متمكن من المانع.
قال المصنف والشارح: يتخرج في الصبي والعبد وكذلك قال في الرعاية [الصغرى والحاوي والفائق بعد ذكر الرواية وهما مثله وقال في الرعاية] الكبرى. وغيره مثله وأولى انتهى.
قلت: لو قيل بالدم عليهما دون الكافر والمجنون لكان له وجه لصحته منهما من الميقات بخلاف الكافر والمجنون ومنع الزركشي من التخريج وقال الرواية التي كانت في الكافر مبنية على أنه مخاطب بفروع الإسلام انتهى.
وقال في القواعد الأصولية: وبنا بعضهم الخلاف في الكافر على أنه مخاطب بفروع الإسلام.
وعنه يلزم الجميع دم إن لم يحرموا من الميقات.
وأما المجنون، إذا أفاق بعد مجاوزة الميقات فإنه يحرم من موضع إفاقته ولا دم عليه.
فائدة : لو تجاوز المحرم المسلم المكلف الميقات بلا إحرام لم يلزمه قضاء الإحرام ذكره القاضي في المجرد وجزم به المصنف والشارح وقدمه في الفروع والمستوعب قال في الرعايتين والحاويين لم يلزمه قضاء الإحرام الواجب في الأصح وذكر القاضي أيضا وأصحابه يقضيه وأن أحمد أومأ إليه كنذر الإحرام.
قوله : "إلا لقتال مباح أو حاجة متكررة كالحطاب".
والفيج ونقل الميرة والصيد والاحتشاش ونحو ذلك وكذا تردد المكي إلى قريته بالحل ويأتي في آخر كتاب الحدود هل يجوز القتال بمكة.
قوله : "ثم إن بدا له النسك أحرم من موضعه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه يلزمه أن يرجع فيحرم من الميقات ولا دم عليه ذكرها في الرعاية قولا واحدا.
قوله : "ومن جاوزه مريدا للنسك رجع فأحرم منه".
يعني يلزمه الرجوع وهذا الصحيح من المذهب لكن ذلك مقيد بما إذا لم يخف فوت الحج أو غيره بلا نزاع.
قال في الفروع: وأطلق في الرعاية في وجوب الرجوع وجهين وظاهر المستوعب أنهما بعد إحرامه وكل منهما ضعيف انتهى.
قلت قال في الرعاية وفي وجوب رجوعه محلا ليحرم منه مع أمن عدو وفوت [وقت] حج وجهان.
وقال في المستوعب: ولا يلزمه الرجوع إلى الميقات بعد إحرامه بحال ذكره القاضي وحكى ابن عقيل أنه إن لم يخف عدوا ولا فوتا لزمه الرجوع والإحرام من الميقات انتهى.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لو رجع فأحرم من الميقات قبل إحرامه أنه لا شيء عليه وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وحكى وجه عليه دم.
قوله : "فإن أحرم من موضعه فعليه دم وإن رجع إلى الميقات".
هذا المذهب وجزم به في المغني والشرح والمحرر والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما.
وعنه يسقط الدم إن رجع إلى الميقات وأطلقهما في المستوعب.
فائدتان :
إحداهما : الجاهل والناسي كالعالم العامد بلا نزاع والمكره كالمطيع. على الصحيح من المذهب وقدمه في الرعاية وقال في الفروع وقال أصحابنا في المكره قال ويتوجه أن لا دم على مكره أو أنه كإتلاف.
وقال في الرعاية. قلت: ويحتمل أنه لا يلزم المكره دم.
الثانية : لو أفسد نسكه هذا لم يسقط دم المجاوز على الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه في الفروع وغيره وعليه الأصحاب ونقل مهنا يسقط بقضائه وأطلقهما في الرعاية الكبرى.
تنبيه : ظاهر قوله : "والاختيار أن لا يحرم قبل ميقاته".
أنه لا يجوز الإحرام قبل الميقات لكنه لو فعل غير الاختيار فيكون مكروها وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقدم في الرعاية الكبرى الجواز من غير كراهة وأن المستحب من الميقات وهو ظاهر كلام جماعة فيكون مباحا ونقل صالح إن قوي على ذلك فلا بأس.
قوله : "ولا يحرم بالحج قبل أشهره".
يعني أن هذا هو الاختيار فإن فعل فهو محرم لكن يكره ويصح وهذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
نقل أبو طالب وسندي يلزمه الحج إلا أن يريد فسخه بعمرة فله ذلك.
قال القاضي: بناء على أصله في فسخ الحج إلى العمرة وعنه ينعقد عمرة اختاره الآجري وابن حامد.
قال الزركشي: ولعلها أظهر وقال وقد يبنى الخلاف على الخلاف في الإحرام فإن قلنا شرط صح كالوضوء وإن قلنا ركن لم يصح وقد يقال على القول بالشرطية لا يصح أيضا انتهى.
ونقل عبد الله: يجعله عمرة ذكره القاضي موافقا للأول قال في الفروع ولعله أراد إن صرفه إلى عمرة أجزأ عنها وإلا تحلل بعملها ولا يجزئ عنها.
وقوله : يتحلل بعملها ولا يجزئ عنها ونقله بن منصور ويكره.
قال القاضي: أراد كراهة تنزيه وذكر بن شهاب العكبري رواية لا يجوز.
قوله : "وأشهر الحج" شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة".
فيكون يوم النحر من أشهر الحج وهو يوم الحج الأكبر هذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
واختار الآجري: آخره ليلة النحر واختار ابن هبيرة أن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كاملا وهو مذهب مالك.
فائدة : الصحيح [من المذهب] أن فائدة الخلاف تعلق الحنث به وقاله القاضي وهو مذهب الحنفية وجزم به في الفروع وقال يتوجه أنه جواز الإحرام فيها على خلاف ما سبق وهو مذهب الشافعي وعند مالك فائدة الخلاف تعلق الدم بتأخير طواف الزيارة عنها.
وقال المولى من الشافعية: لا فائدة فيه إلا في كراهة العمرة عند مالك فيها.
ونقل في الفائق عن ابن الجوزي أنه قال فائدة الخلاف خروج وقت الفضيلة بتأخير طواف الزيارة عن اليوم العاشر ولزوم الدم في إحدى الروايتين وتأتي أحكام العمرة في صفة العمرة.
باب الإحرام
فائدتان :إحداهما : "الإحرام" هو نية النسك وهي كافية على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وذكر أبو الخطاب في الانتصار رواية أن نية النسك كافية مع التلبية أو سوق الهدي واختاره الشيخ تقي الدين.
الثانية : لو أحرم حال وطئه انعقد إحرامه صرح به المجد [وقطع به ابن عقيل] وقال بعض الأصحاب في البيع الفاسد لا يجب المضي فيه فدل على أنه لا ينعقد فيكون باطلا ذكره في الفروع والقواعد الأصولية.
وتقدم في أول كتاب المناسك: هل يبطل الإحرام بالإغماء والجنون؟.
تنبيه : شمل قوله : "ويستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل".
الحائض والنفساء وهو صحيح بلا نزاع وتقدم ذلك.
فائدة : إذا لم يجد ماء فالصحيح من المذهب ونقله صالح أنه يتيمم قال في الفروع في باب الغسل ويتيمم في الأصح لحاجة.
قال في الرعاية الكبرى: يتيمم في الأشهر وقدمه في الرعاية الصغرى وجزم به في المستوعب والإفادات والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة واختاره القاضي وغيره.
وقيل: لا يستحب له التيمم اختاره المصنف والشارح وصاحب الفائق وبن عبدوس في تذكرته.
قلت: وهو الصواب.
وأطلقهما في التلخيص والحاويين والزركشي.
قوله : "ويتطيب".
يعني في بدنه وسواء كان له جرم أو لا فأما تطييب ثوبه فالصحيح من المذهب أنه يكره وعليه أكثر الأصحاب وقال الآجري يحرم.
وقيل: تطييب ثوبه كتطييب بدنه ويحتمله كلام المصنف هنا.
قال الزركشي: وقد شمله كلام كثير من الأصحاب.
ويأتي: هل له استدامة ذلك وهل تجب الفدية به في آخر باب الفدية عند قوله: "وليس له لبس ثوب مطيب".
فائدتان :
إحداهما : قوله : "ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزارا ورداءا".
فالرداء: يضعه على كتفيه والإزار في وسطه على الصحيح من المذهب وذكر الحلواني في التبصرة إخراج كتفه الأيمن من الرداء أولى.
الثانية : يجوز إحرامه في ثوب واحد. قال في التبصرة: بعضه على عاتقه.
قوله : "ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما".
الصحيح من المذهب أنه يستحب أن يحرم عقب صلاة إما مكتوبة أو نفل نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه يستحب أن يحرم عقيب مكتوبة فقط وإذا ركب وإذا سار سواء.
واختار الشيخ تقي الدين أنه يستحب أن يحرم عقيب فرض إن كان وقته وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه.
فائدة : لا يصلي الركعتين في وقت نهي على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه فيه الخلاف الذي في صلاة الاستسقاء في وقت النهي وقد مر ولا يصليهما أيضا من عدم الماء والتراب.
تنبيهات
الأول : قوله : "وينوي الإحرام بنسك معين ولا ينعقد إلا بالنية".
قال ابن منجا: إن قيل الإحرام ما هو فإن قيل النية قيل فكيف ينوي النية ونية النية لا تجب لما فيه من التسلسل وإن قيل التجرد فالتجرد ليس ركنا في الحج ولا شرطا وفاقا والإحرام قيل إنه أحدهما.
فالجواب: أن الإحرام النية والتجرد هيئة لها والنية لا تجب لها النية.
وقول المصنف هنا: "وينوي الإحرام بنسك" معين: معناه ينوي بنيته نسكا معينا. والأشبه: أنه شرط كما ذهب إليه بعض أصحابنا كنية الوضوء انتهى.
الثاني : ظاهر قوله : "ويشترط". أي يستحب: "فيقول: اللهم إني أريد النسك الفلاني إلى آخره".
أنه يقول ذلك بلسانه أو بما في معناه وهو صحيح فلا يصح الاشتراط بقلبه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل: يصح لأنه تابع للإحرام وينعقد بالنية فكذا الاشتراط وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح والزركشي واستحب الشيخ تقي الدين الاشتراط للخائف فقط ونقل أبو داود إن اشترط فلا بأس.
فائدة : الاشتراط يفيد شيئين.
أحدهما : إذا عاقه عدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو نحوه جاز له التحلل.
الثاني : لا شيء عليه بالتحلل وصرح المصنف بذلك في آخر باب الفوات والإحصار لكن قولنا جاز له التحلل هو المذهب وعليه الأكثر منهم القاضي وأبو الخطاب والمصنف وغيرهم وقال الزركشي ظاهر كلام الخرقي وصاحب التلخيص وأبي البركات أنه يحل بمجرد الحصر وهو ظاهر الحديث.
قوله : "وأفضلها التمتع ثم الإفراد".
هذا الصحيح من المذهب نص عليه مرارا كثيرة وعليه جماهير الأصحاب قال في رواية عبد الله وصالح يختار التمتع لأنه آخر ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وهو من مفردات المذهب.
وعنه: إن ساق الهدى فالقران أفضل ثم التمتع رواها المروذي واختارها الشيخ تقي الدين وقال هو المذهب وقال وإن اعتمر وحج في سفرتين أو اعتمر قبل أشهر الحج فالإفراد أفضل باتفاق الآئمة الأربعة ونص عليه أحمد في الصورة الأولى وذكره القاضي في الخلاف وغيره وهي أفضل من الثانية.
نص عليه. واختاره صاحب الفائق في الصورة الأولى.
فائدة : اختلف العلماء في حجة النبي صلى الله عليه وسلم بحسب المذاهب حتى اختلف كلام القاضي وغيره هل حل من عمرته فيه وجهان قال في الفروع والأظهر قول أحمد: لا شك أنه [كان] قارنا والمتعة أحب إلي قال الشيخ تقي الدين وعليه متقدمو الصحابة.
قوله : "وصفة التمتع: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج".
هذا هو الصحيح نص عليه وجزم به الخرقي وفي الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمستوعب والمغني والتلخيص والمحرر والنظم والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
وقال بعض الأصحاب: هو أن يحرم بالعمرة وأطلق منهم صاحب المبهج وقدمه في الفروع وقطع جماعة أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده وأطلقوا منهم المصنف في الكافي وابن عقيل في تذكرته قال في الفروع ومرادهم في أشهر الحج.
قوله : "ويفرغ منها".
هكذا قال الأصحاب قال في الفروع قال الأصحاب ويفرغ منها.
قلت: جزم به في الهداية والمبهج والتذكرة والمذهب [ومسبوك الذهب]، والخلاصة والكافي والمغني والتلخيص والخرقي والنظم والرعاية الكبرى والوجيز وغيرهم وقال في المستوعب ويتحلل.
وقال الزركشي: وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يحج من عامه قال وقد أشار الشيخان إلى ذلك فقالا حقيقة التمتع ذلك قال ولا يغرنك ما وقع في كلام أبي محمد وغيره من أن التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج من مكة الخ فإن هذا التمتع الموجب للدم.
ومن هنا قلنا: إن تمتع حاضر المسجد الحرام صحيح على المذهب انتهى.
وقال في المحرر: فالتمتع أن يعتمر قبل الحج في أشهره وتبعه في الرعاية الصغرى والحاويين والفائق ولم يقولوا: "ويفرغ منها" ويأتي أيضا في شروط وجوب العمرة على التمتع هل النية شرط في التمتع أم لا؟.
قلت: ما قاله الزركشي لا يرد على كلام الأصحاب في قولهم: "ويفرغ منها" إذ الفراغ لا بد منه على كل متمتع سواء كان آفاقيا أو مكيا إذ لو أحرم بالحج قبل فراغ العمرة لكان قارنا لا دم عليه لأجل تمتعه لآنه انتقل عن التمتع إلى القران فلذلك أوجبنا عليه دم القران كما يأتي في شروط وجوب الدم على المتمتع وقاله هو في الشروط والمصنف في المغني ولا يلزم مما ادعاه عدم صحة عمرة المكي فإن الأصحاب قالوا: "يفرغ منها" وقالوا: "يصح تمتع المكي" فإذا تمتع المكي وأحرم بالعمرة فلا بد من فراغه منها وإلا صار قارنا فلا سبيل إلى التمتع إلا بفراغه من العمرة.
وظاهر كلام الزركشي: أنه لا يشترط ذلك للمكي وليس الأمر كذلك.
ويأتي في آخر باب دخول مكة هل يحل المتمتع إذا فرغ من العمرة ولم يسق الهدى إذا كان ملبدا أم لا؟.
[ويأتي أيضا في شروط وجوب الدم على المتمتع هل النية شرط في التمتع أم لا؟].
قوله : "ثم يحرم بالحج من مكة أو من قريب منها في عامه".
هكذا زاد جماعة منهم صاحب الفائق والرعايتين والحاويين ونقله حرب وأبو داود يعني أنهم قالوا: "من مكة أو من قريب منها" ومنهم صاحب الوجيز لكن قيد القرب بالحرم والذي عليه أكثر الأصحاب أنه يحرم في عامه ولم يقولوا: "من مكة" ولا "من قريب منها" ونسبه في الفروع إلى الأصحاب منهم صاحب المذهب ومسبوك الذهب والخلاصة وزاد بعض الأصحاب فقال يحرم في عامه من مكة ولم يذكر: "قريبا منها" منهم صاحب الهداية والمستوعب والتلخيص والكافي وابن عقيل في تذكرته.
قوله : "والإفراد: أن يحرم بالحج مفردا".
هذا بلا نزاع ولكن يعتمر بعد ذلك ذكره جماعة من الأصحاب وأطلقوا منهم صاحب المذهب ومسبوك الذهب وقدمه في الفروع.
قال جماعة: يحرم بالحج من الميقات ثم يحرم بالعمرة من أدنى الحل.
قال في الفائق: هو أن يحج ثم يعتمر من أدنى الحل وكذا في الرعايتين والحاويين قال ابن عقيل في تذكرته والإفراد أن يحرم بالحج من الميقات زاد بعضهم على ذلك وعنه بل يحرم بالعمرة من الميقات وهو صاحب الرعاية الكبرى.
وقال في المحرر وغيره: الإفراد أن لا يأتي في أشهر الحج بغيره قال الزركشي وهو أجود.
قال القاضي وغيره: ولو تحلل منه في يوم النحر ثم أحرم فيه بعمرة فليس بمتمتع في ظاهر ما نقله بن هانئ ليس على معتمر بعد الحج هدي لأنه في حكم ما ليس من أشهره بدليل فوات الحج فيه وقاله ابن عقيل في مفرداته.
قال في الفروع: فدل على أنه لو أحرم بعد تحلله من الأول صح.
وقال في الفصول: الإفراد أن يحرم بالحج في أشهره فإذا تحلل منه أحرم بالعمرة من أدنى الحل.
قوله : "والقران: أن يحرم بهما جميعا".
هكذا أطلق جماعة منهم صاحب المبهج والمحرر قال في الخلاصة والقران أن يجمع بينهما في مدة الإحرام وقال آخرون يحرم بهما جميعا من الميقات.
منهم صاحب الهداية وابن عقيل في التذكرة والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والرعايتين والحاويين والفائق.
قوله : "أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج".
أطلق ذلك أكثر الأصحاب وقال بعض الأصحاب من مكة أو قربها.
فائدتان :
إحداهما : لا يعتبر لصحة إدخال الحج على العمرة الإحرام به في أشهره على الصحيح من المذهب وقيل يعتبر ذلك.
الثانية : لو شرع في طواف العمرة لم يصح إدخال الحج عليها كما لو سعى إلا لمن معه هدى فإنه يصح ويصير قارنا بناء على المذهب من أن من معه الهدى لا يجوز له التحلل.
تنبيه: ظاهر كلام المصنف أنه يستحب أن ينطق بما أحرم به من عمرة أو حج أو هما وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في الهداية وعن أبي الخطاب لا يستحب ذكر ما أحرم به نقله الزركشي.
قوله : "ولو أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة لم يصح إحرامه بها ولم يصر قارنا".
هذا الصحيح من المذهب بناء على أنه لا يلزم بالإحرام الثاني شيء فيه خلاف.
وقيل يجوز إدخال العمرة على الحج ضرورة.
فعلى المذهب: يستحب أن يرفضها لتأكد الحج بفعل بعضه وعليه برفضها دم ويقضيها.
فائدة : مذهب الإمام أحمد وأكثر الأصحاب أن عمل القارن كالمفرد في الإجزاء نقله الجماعة عن الإمام أحمد.
ويسقط ترتيب العمرة ويصير الترتيب للحج كما يتأخر الحلاق إلى يوم النحر فوطؤه قبل طوافه لا يفسد عمرته قال الزركشي هو المذهب المختار للأصحاب وعنه على القارن طوافان وسعيان وعنه على القارن عمرة مفردة اختارها أبو بكر وأبو حفص لعدم طوافها.
ويأتي في كلام المصنف في آخر صفة الحج أن عمرة القارن تجزئ عن عمرة الإسلام على الصحيح من المذهب.
فعلى الرواية الثانية: يقدم القارن فعل العمرة على فعل الحج كمتمتع ساق هديا فلو وقف بعرفة قبل طوافه وسعيه لها فقيل تنتقض عمرته ويصير مفردا بالحج ثم يعتمر قدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: لا تنتقض عمرته فإذا رمى الجمرة طاف لها ثم سعى ثم طاف للحج ثم سعى وأطلقهما في الفروع.
ويأتي: هل للقران إحرامان أو إحرام واحد في آخر باب الفدية قبل قوله: "وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم".
قوله : "ويجب على القارن والمتمتع دم نسك".
فالواجب عليهما: دم نسك لا دم جبران.
أما القارن: فيلزمه دم كما قال المصنف وهو المذهب نص عليه وعليه الأصحاب ونقل بكر بن محمد عليه هدى وليس كالمتمتع إن الله أوجب على المتمتع هديا في كتابه والقارن إنما روى أن عمر قال للصبي "اذبح تيسا".
وسأله ابن مشيش: القارن يجب عليه الدم وجوبا فقال كيف يجب عليه وجوبا وإنما شبهوه بالمتمتع قال في الفروع فتتوجه منه رواية لا يلزمه دم.
فعلى المذهب: يكون الدم دم نسك كما قال المصنف وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال في المبهج وعيون المسائل ليس بدم نسك يعينان بل دم جبران.
فائدة : لا يلزم الدم حاضري المسجد الحرام كما قال المصنف. وقاله في الفروع وغيره.
وقال والقياس: أنه لا يلزم من سافر سفر قصر أو إلى الميقات إن قلنا به كظاهر مذهب الشافعي وكلامهم يقتضي لزومه لأن اسم "القران" باق بعد السفر بخلاف التمتع انتهى.
وأما المتمتع: فيجب الدم عليه بسبعة شروط.
أحدها : ما ذكره المصنف هنا وهو إذا لم يكن من حاضري المسجد الحرام وهذا شرط في وجوبه إجماعا وفسر المصنف حاضري المسجد الحرام أنهم أهل مكة ومن كان منها دون مسافة القصر فظاهره أن ابتداء مسافة القصر من نفس مكة وهو اختيار بعض الأصحاب وهو ظاهر ما جزم به في الشرح وصاحب التلخيص وقاله الإمام أحمد وهو ظاهر كلام بن منجا في شرحه.
وقيل: أول مسافة القصر من آخر الحرم وهو المذهب وذكره بن هبيرة قول أحمد وجزم به في الهداية والمستوعب والرعايتين والحاويين وقدمه في الفروع.
فوائد :
الأولى : من له منزل قريب دون مسافة القصر ومنزل بعيد فوق مسافة القصر لم يلزمه دم على الصحيح من المذهب لأن بعض أهله من حاضري المسجد الحرام فلم يوجد الشرط وله أن يحرم من القريب واعتبر القاضي في المجرد وابن عقيل في الفصول إقامته أكثر بنفسه ثم بماله ثم ببنيه ثم الذي أحرم منه.
الثانية : لو دخل آفاقي مكة متمتعا ناويا الإقامة بها بعد فراغ نسكه أو نواها بعد فراغه منه فعليه دم على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وحكاه بن المنذر إجماعا وحكى وجها لا دم عليه.
الثالثة : لو استوطن آفاقي مكة فهو من حاضري المسجد الحرام.
الرابعة : لو استوطن مكي الشام أو غيرها ثم عاد مقيما متمتعا لزمه الدم على الصحيح من المذهب جزم به المصنف وغيره وقدمه في الفروع وغيره وقال في المجرد والفصول لا دم عليه كسفر غير مكي ثم عودة.
الشرط الثاني: أن يعتمر في أشهر الحج قال الإمام أحمد عمرته في الشهر الذي أهل فيه والاعتبار عندنا بالشهر الذي أحرم فيه فلو أحرم بالعمرة في رمضان ثم حل في شوال لم يكن متمتعا نص عليه في رواية جماعة.
الشرط الثالث: أن يحج من عامه.
الشرط الرابع: أن لا يسافر بين العمرة والحج فإن سافر مسافة قصر فأكثر أطلقه جماعة منهم المصنف والشارح قال في الفروع ولعل مرادهم فأحرم فلا دم عليه. نص
عليه. وجزم به ابن عقيل في التذكرة وقدمه في الفروع وجزم به في الرعاية الصغرى والحاويين وقالا ولم يحرم به من ميقات أو يسافر سفر قصر وقال في الفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمحرر والمنور ولا يحرم بالحج من الميقات فإن أحرم به من الميقات فلا دم عليه ونص عليه أحمد وقدمه في الرعاية الكبرى وحمله القاضي على أن بينه وبين مكة مسافة قصر وقال ابن عقيل هو رواية وقال في الترغيب والتلخيص إن سافر إليه فأحرم به فوجهان.
ونظير أثر الخلاف في "قرن" ميقات أهل نجد فإنه أقل ما تقصر فيه الصلاة أما ما عداه فإن بينهما وبين مكة مسافة قصر على ظاهر ما قاله الزركشي في المواقيت. وتقدم قول إن أقربها ذات عرق وقال في الفروع ويتوجه احتمال يلزمه [دم] وإن رجع.
الشرط الخامس: أن يحل من العمرة قبل إحرامه بالحج يحل أولا فإن أحرم به قبل حله منها صار قارنا.
الشرط السادس: أن يحرم بالعمرة من الميقات ذكره أبو الفرج والحلواني وجزم به ابن عقيل في التذكرة وقدمه في الفروع وقال القاضي وابن عقيل وجزم به في المستوعب والتلخيص والرعاية وغيرهم إن بقي بينه وبين مكة مسافة قصر فأحرم منه لم يلزمه دم المتعة لأنه من حاضري المسجد الحرام بل دم المجاوزة.
واختار المصنف والشارح وغيرهما أنه إذا أحرم بالعمرة من دون الميقات يلزمه دمان دم المتعة ودم الإحرام من دون الميقات لأنه لم يقم ولم ينوها به وليس بساكن وردوا ما قاله القاضي.
قال المصنف والشارح: ولو أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة واعتمر من التنعيم في أشهر الحج وحج من عامه فهو متمتع نص عليه وعليه دم قالا وفي نصه على هذه الصورة تنبيه على إيجاب الدم في الصورة الأولى بطريق الأولى.
الشرط السابع: نية المتمتع في ابتداء العمرة أو في أثنائها قاله القاضي وأكثر الأصحاب وقدمه في الفروع وقال ذكره القاضي وتبعه الأكثر.
قلت: جزم به في الهداية والمبهج والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص.
قال في الرعاية الكبرى وينوي في الأصح وقال في الصغرى والحاويين وينوي في الأظهر وقيل لا تشترط نية التمتع اختاره المصنف والشارح وقدمه في المحرر والفائق.
فوائد :
إحداها : لا يعتبر وقوع التسكين عن واحد ذكره بعض الأصحاب منهم المصنف والمجد قاله الزركشي واقتصر عليه في الفروع فلو اعتمر لنفسه وحج عن غيره أو عكسه،
أو فعل ذلك عن اثنين: كان عليه دم المتعة.
وقال في التلخيص في الشرط الثالث أن يكون النسكان عن شخص واحد إما عن نفسه أو عن غيره فإن كان عن شخصين فلا تمتع لأنه لم يختلف أصحابنا أنه لا بد من الإحرام بالنسك الثاني من الميقات إذا كان عن غير الأول.
والمصنف يخالف صاحب التلخيص في الأصلين اللذين بنى عليهما والمجد يوافقه في الأصل الثاني وظاهر كلامه مخالفته في الأول.
الثانية : لا تعتبر هذه الشروط في كونه متمتعا على الصحيح وقدمه في الفروع وقال معنى كلام الشيخ يعني به المصنف يعتبر وجزم به في الرعاية إلا الشرط السادس فإن المتعة تصح من المكي كغيره على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونقل الجماعة عن أحمد كالإفراد ونقل المروذي ليس لأهل مكة متعة.
قال القاضي والمصنف والشارح وغيرهم معناه ليس عليهم دم متعة.
وقال الزركشي قلت: قد يقال إن هذا من الإمام أحمد بناء على أن العمرة لا تجب عليهم فلا متعة عليهم أي الحج كافيهم لعدم وجوبها عليهم فلا حاجة إليها انتهى.
وذكر ابن عقيل رواية: لا تصح المتعة منهم قال بن أبي موسى لا متعة لهم وأطلقهما في الفائق.
الثالثة : لا يسقط دم التمتع والقران بإفساد نسكهما على الصحيح من المذهب نص عليه وعنه يسقط وأطلقهما في الحاويين وقال القاضي إن قلنا يلزم القارن للإفساد دمان سقط دم القران انتهى.
الرابعة : لا يسقط دمهما أيضا بفواته على الصحيح من المذهب وعنه يسقط.
الخامسة : إذا قضى القارن قارنا لزمه دمان لقرانه الأول دم ولقرانه الثاني آخر وفي دم فواته الروايتان المتقدمتان وقال المصنف يلزمه دمان دم لقرانه ودم لفواته وإذا قضى القارن مفردا لم يلزمه شيء لأنه أفضل جزم به المصنف وغيره وقدمه في الفروع وجزم غير واحد أنه يلزمه دم لقرانه الأول وفيه لفواته الروايتان وزاد في الفصول يلزمه دم ثالث لوجوب القضاء قال في الفروع كذا قال.
فإذا فرغ من قضى مفردا أحرم بالعمرة من الأبعد كمن فسد حجه وإلا لزمه دم وإذا قضى متمتعا فإذا تحلل من العمرة أحرم بالحج من الأبعد.
السادسة : يلزم دم التمتع والقران بطلوع فجر يوم النحر على الصحيح من المذهب وجزم به القاضي في الخلاف ورد ما نقل عنه خلافه إليه وجزم به في البلغة. وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والفروع والرعايتين والحاويين وعنه يلزم الدم إذا أحرم بالحج وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب وعنه يلزم الدم بالوقوف وذكره المصنف،
والشارح: اختيار القاضي قال الزركشي ولعله في المجرد وأطلقها والتي قبلها في الكافي ولم يذكر غيرهما وكذا قال في المغني والشرح.
وقال ابن الزاغوني في الواضح: يجب دم القران بالإحرام قال في الفروع كذا قال وعنه يلزم بإحرام العمرة لنية التمتع إذا قال في الفروع ويتوجه أن يبني عليها ما إذا مات بعد سبب الوجوب يخرج عنه من تركته.
وقال بعض الأصحاب: فائدة الروايات إذا تعذر الدم وأراد الانتقال إلى الصوم فمتى يثبت العذر فيه الروايات.
تنبيهان
أحدهما : هذا الحكم المتقدم في لزوم الدم.
وأما وقت ذبحه فجزم في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وغيرهم أنه لا يجوز ذبحه قبل وجوبه قال في الفروع وقال القاضي وأصحابه لا يجوز قبل فجر يوم النحر قال فظاهره يجوز إذا وجب لقوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 198] فلو جاوز قبل يوم النحر لجاز الحلق لوجود الغاية قال وفيه نظر لأنه في المحصر وينبني على عموم المفهوم ولأنه لو جاز لنحره عليه أفضل الصلاة والسلام وصار كمن لا هدى معه وفيه نظر لأنه كان مفردا أو قارنا وكان له نية أو فعل الأفضل ولمنع التحلل بسوقه انتهى.
وقد جزم في المحرر والنظم والحاوي والفائق وغيرهم أن وقت دم المتعة والقران وقت ذبح الأضحية على ما يأتي في بابه.
واختار أبو الخطاب في الانتصار يجوز له نحره بإحرام العمرة وأنه أولى من الصوم لأنه بدل وحمل رواية بن منصور بذبحه يوم النحر على وجوبه يوم النحر.
ونقل أبو طالب: إن قدم قبل العشر ومعه هدي ينحره لا يضيع أو يموت أو يسرق قال في الفروع وهذا ضعيف قال في الكافي وإن قدم قبل العشر نحره وإن قدم به في العشر لم ينحره حتى ينحره بمنى استدل بهذه الرواية واقتصر عليه.
الثاني : هذا الحكم مع وجود الهدى لا مع عدمه.
ويأتي في كلام المصنف في أثناء باب الفدية.
قوله : "ومن كان قارنا أو مفردا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك".
اعلم أن فسخ القارن والمفرد حجهما إلى العمرة مستحب بشرطه نص عليه وعليه الأصحاب قاطبة وعبر القاضي وأصحابه والمجد وغيرهم بالجواز وأرادوا فرض المسألة مع
المخالف قاله في الفروع وهو من مفردات المذهب لكن المصنف هنا ذكر الفسخ بعد الطواف والسعي وقطع به الخرقي والمصنف في المغني والشارح وصاحب الفائق وقدمه الزركشي وقال هذا ظاهر الأحاديث.
وعن ابن عقيل: الطواف بنية العمرة هو الفسخ وبه حصل رفض الإحرام لا غير فهذا تحقيق الفسخ وما ينفسخ به.
قال الزركشي: قلت وهذا جيد والأحاديث لا تأباه انتهى.
وقال في الهداية وتبعه في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين وغيرهم وهو معنى كلام القاضي وغيره للقارن والمفرد أن يفسخا نسكهما إلى العمرة بشرط أن لا يكونا وقفا بعرفة ولا ساقا هديا فلم يفصحوا بوقت الفسخ بل ظاهر كلامهم جواز الفسخ سواء طافا وسعيا أو لا إذا لم يقفا بعرفة.
قال الزركشي: ولا يغرنك كلام بن منجا فإنه قال ظاهر كلام المصنف أن الطواف والسعي شرط في استحباب الفسخ قال وليس الأمر كذلك لأن الأخبار تقتضي الفسخ قبل الطواف والسعي لأنه إذا طاف وسعى ثم فسخ يحتاج إلى طواف وسعي لأجل العمرة ولم يرد مثل ذلك.
قال: ويمكن تأويل كلام المصنف على أن "إذا" ظرف لأحببنا له أن يفسخ وقت طوافه أي وقت جواز طوافه انتهى كلام بن منجا وغفل عن كلام الخرقي والمصنف في المغني والشارح وكلام القاضي وأبي الخطاب وغيرهما لا يأبى ذلك.
قال الزركشي: وليس في كلامهم ما يقتضي أنه يطوف طوافا ثانيا كما زعم بن منجا انتهى.
قلت: قال في الكافي يسن لهما إذا لم يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما بالحج وينويا عمرة ويحلا من إحرامهما بطواف وسعي وتقصير ليصيرا متمتعين انتهى.
قال الزركشي: وقول ابن منجا "إن الأخبار تقتضي الفسخ قبل الطواف والسعي" ليس كذلك بل قد يقال إن ظاهرها إن الفسخ إنما هو بعد الطواف ويؤيده حديث جابر فإنه كالنص فإن الأمر بالفسخ إنما هو بعد طوافهم انتهى.
وقال في الفروع: لهما أن يفسخا نيتهما بالحج زاد المصنف إذا طافا وسعيا فينويان بإحرامهما ذلك عمرة مفردة فإذا فرغا منها وحلا أحرما بالحج ليصيرا متمتعين.
وقال في الانتصار وعيون المسائل لو ادعى مدع وجوب الفسخ لم يبعد.
وقال الشيخ تقي الدين: يجب على من اعتقد عدم مساغه نقله في الفائق.
قوله : "إلا أن يكون قد ساق هديا فيكون على إحرامه".
هذا شرط في صحة فسخ القارن والمفرد حجهما إلى العمرة على الصحيح من المذهب ويأتي حكاية الخلاف بعد هذا.
ويشترط أيضا: كونه لم يقف بعرفة قاله الأصحاب.
قوله : "ولو ساق المتمتع هديا لم يكن له أن يحل".
هذا المذهب بلا ريب فعلى هذا يحرم بالحج إذا طاف وسعى لعمرته قبل تحلله بالحلق فإذا ذبحه يوم النحر حل منهما معا نص عليه.
نقل أبو طالب: الهدي يمنعه من التحلل من جميع الأشياء في العشر وغيره وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يحل كمن لم يهد وهو مقتضى ما نقله يوسف بن موسى قاله القاضي.
ونقل أبو طالب أيضا: فيمن يعتمر قارنا أو متمتعا ومعه هدي له أن يقصر من شعر رأسه خاصة.
وعنه إن قدم قبل العشر: نحر الهدي وحل.
ونقل يوسف بن موسى فيمن قدم متمتعا معه هدي إن قدم في شوال نحره وحل وعليه هدي آخر وإن قدم في العشر لم يحل فقيل له خبر معاوية فقال إنما حل بمقدار التقصير.
قال القاضي: ظاهره يتحلل قبل العشر لأنه لا يطول إحرامه وقال المصنف يحتمل كلام الخرقي أن له التحلل وينحر هديه عند المروة.
ويأتي هذا أيضا في كلام المصنف في آخر باب دخول مكة.
فائدتان :
إحداهما : حيث صح الفسخ: فإنه يلزمه دم على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع والمغني والشرح وغيرهم وذكره القاضي في الخلاف وذكر المصنف عن القاضي أنه لا يلزم دم لعدم النية وجزم به في الرعاية الكبرى.
الثانية : قال في المستوعب لا يستحب الإحرام بنية الفسخ قال في الرعاية الكبرى يكره ذلك واقتصر في الفروع على حكاية قولهما.
قوله : "والمرأة إذا دخلت متمتعة فحاضت قبل فوت الحج أحرمت بالحج وصارت قارنة" نص عليه "ولم تقض طواف القدوم".
وهذا بلا نزاع في ذلك كله وكذا الحكم لو خاف غيرها فوات الحج نص عليه ويجب دم القران وتسقط عنه العمرة نص عليه وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف واقتصر عليه في الفروع.
قوله : "ومن أحرم مطلقا بأن نوى نفس الإحرام ولم يعين نسكا صح وله صرفه إلى ما شاء".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وقال الإمام أحمد يجعله عمرة وقال الإمام أحمد أيضا يجعله عمرة وقال القاضي يجعله عمرة إن كان في غير أشهر الحج.
وذكر غيره أنه أولى كابتداء إحرام الحج في غير أشهر الحج وقال في الرعاية إن شرطنا تعيين ما أحرم به بطل العقد المطلق قال في الفروع كذا قال.
قوله : "وإن أحرم بمثل ما أحرم به فلان انعقد إحرامه بمثله".
وكذا لو أحرم بما أحرم به فلان بلا خلاف فيهما نعلمه ثم إن علم ما أحرم به فلان انعقد مثله وكذا لو كان إحرام الأول مطلقا فحكمه حكم ما لو أحرم هو به مطلقا على ما تقدم.
قال في الفروع: فظاهره لا يلزمه صرفه إلى ما يصرف إليه ولا إلى ما كان صرفه إليه وأطلق بعض الأصحاب احتمالين.
قال في الفروع: وظاهر كلام الأصحاب يعمل بقوله لا بما وقع في نفسه.
ولو كان إحرام من أحرم بمثله فاسدا فقال في الفروع يتوجه الخلاف لنا فيما إذا نذر عبادة فاسدة هل تنعقد صحيحة أم لا على ما يأتي في النذر.
ولو جهل إحرام الأول فحكمه حكم من أحرم بنسك ونسيه على ما يأتي في كلام المصنف قريبا.
ولو شك: هل أحرم الأول أو لا فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم ما لو لم يحرم فيكون إحرامه مطلقا قال في الفروع هذا الأشهر وقال فظاهره ولو أعلم أنه لم يحرم لجزم بالإحرام بخلاف قوله: "إن كان محرما فقد أحرمت".
فلم يكن محرما وقال في الكافي حكمه حكم من أحرم بنسك ونسيه وقدمه في الفروع والرعاية.
فائدة: قوله: "وإن أحرم بحجتين أو عمرتين انعقد بإحداهما".
بلا نزاع قال في الفروع معللا لأن الزمان يصلح لواحدة فيصح به كتفريق الصفقة قال فدل على خلاف هنا كأصله قال وهو متوجه بمعنى أنه لا يصح يواحده منهما في قول وقال أيضا يتوجه الخلاف في انعقاده بهما.
قوله : "وإن أحرم بنسك ونسيه جعله عمرة".
هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونقله أبو داود وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والفائق وغيرهما قال بن منجا في شرحه هذا المذهب وقال القاضي يصرفه إلى أيهما شاء وهو رواية عن أحمد وقطع به جماعة وحمل القاضي نص أحمد على الاستحباب وقدمه في الشرح.
قلت: وهو الصواب لأنه على كل تقدير جائز.
قال في المحرر: ومن أحرم بنسك فأنسيه أو أحرم به مطلقا ثم عينه بتمتع أو إفراد أو قران جاز وسقط عنه فرضه إلا الناسي لنسكه إذا عينه بقران أو بتمتع وقد ساق الهدي فإنه يجزيه عن الحج دون العمرة وأطلق جماعة وجهين هل يجعله عمرة أو ما شاء.
فائدة : لو عين المنسي بقران صح حجه ولا دم عليه على الصحيح وقيل يلزمه دم قران احتياطا وقيل وتصح عمرته بناء على إدخال العمرة على الحج لحاجة فيلزمه دم قران ولو عينه بتمتع فحكمه حكم فسخ الحج إلى العمرة ويلزمه دم المتعة ويجزيه عنهما.
ولو كان شكه بعد طواف العمرة جعله عمرة لامتناع إدخال الحج إذن لمن لا هدي معه فإذا سعى وحلق فمع بقاء وقت الوقوف يحرم بالحج ويتممه ويجزئه ويلزمه دم الحلق في غير وقته وإن كان حاجا وإلا قدم متعة.
ولو كان شكه بعد طواف العمرة: وجعله حجا أو قرانا تحلل بفعل الحج ولم يجزه واحد منهما للنسك لأنه يحتمل أن المنسى عمرة فلا يصح إدخاله عليها بعد طوافها ويحتمل أنه حج فلا يصح إدخالها عليه ولا دم ولا قضاء للشك في سببهما.
فائدة: قوله: "وإن أحرم عن رجلين: وقع عن نفسه".
بلا نزاع وكذا لو أحرم عن نفسه وعن غيره.
قوله : "وإن أحرم عن أحدهما لا بعينه وقع عن نفسه".
هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم وهو من المفردات.
وقال أبو الخطاب: يصرفه إلى أيهما شاء قال في الهداية وعندي له صرفه إلى أيهما شاء واختاره القاضي أيضا وأطلقهما في المحرر والفائق.
فعلى القول الثاني: لو طاف شوطا أو سعى أو وقف بعرفة قبل جعله لأحدهما تعين جعله عن نفسه على الصحيح وقدمه في الفروع وعنه يبطل كذا قال في الرعاية ويضمن.
فائدة : يؤدب من أخذ من اثنين حجتين ليحج عنهما في عام واحد لفعله محرما نص عليه فإن استنابه اثنان في عام في نسك فأحرم عن أحدهما بعينه ونسبه أو تعذر معرفته، فإن
فرط أعاد الحج عنهما وإن فرط الموصى إليه بذلك غرم ذلك وإلا فمن تركه الموصيين إن كان النائب غير مستأجر لذلك وإلا لزماه.
وإن أحرم عن أحدهما بعينه ولم ينسه صح ولم يصح إحرامه للآخر بعد نص عليه.
قلت: قد قيل: إنه يمكن فعل حجتين في عام واحد بأن يقف بعرفة ثم يطوف للزيارة بعد نصف ليلة النحر بيسير ثم يدرك الوقوف بعرفة قبل طلوع فجر ليلة النحر.
قوله : "وإذا استوى على راحلته لبى".
يعني إذا استوت به راحلته قائمة وهذا أحد الأقوال قطع به جماعة منهم الخرقي والمصنف والشارح وقدمه في الفائق.
وقيل: يستحب ابتداء التلبية عقب إحرامه وهو المذهب.
قال الزركشي: المشهور في المذهب أن الأولى أن تكون التلبية حين يحرم وجزم به في التلخيص وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين.
ونقل حرب: يلبي متى شاء ساعة يسلم وإن شاء بعد.
فائدتان :
إحداهما : التلبية سنة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقيل: واجبة اختاره في الفائق.
الثانية : يستحب أن يلبي عن أخرس ومريض نقله بن إبراهيم قال جماعة وعن مجنون ومغمى عليه زاد بعضهم ونائم.
وقد ذكر الأصحاب: أن إشارة الأخرس المفهومة كنطقه.
قلت: الصواب الذي لا شك فيه أن إشارة الأخرس بالتلبية تقوم مقام النطق بها حيث علمنا إرادته لذلك.
تنبيهان
أحدهما : ظاهر قوله: "لبى تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم إلى آخره".
أنه لا يزيد عليها وهو صحيح فلا تستحب الزيادة عليها ولكن لا يكره. على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع وقال بن هبيرة في الإفصاح تكره الزيادة عليها وقيل له الزيادة بعد فراغها لا فيها.
الثاني : ظاهر قوله : "ويستحب رفع الصوت بها".
الإطلاق فيدخل فيه لو أحرم من بلده لكن الأصحاب قيدوا ذلك بأنه لا يستحب إظهارها في مساجد الحل وأمصارها والمنقول عن أحمد إذا أحرم من مصره لا يعجبني أن يلبي حتى يبرز.
فيكون كلام المصنف وغيره ممن أطلق مقيدا بذلك.
وعند الشيخ تقي الدين: لا يلبي بوقوفه بعرفة ومزدلفة لعدم نقله قال في الفروع: كذا قال.
فائدتان :
إحداهما : قوله: "والدعاء بعدها".
يعني يستحب الدعاء بعد التلبية بلا نزاع ويستحب أيضا بعدها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية : لا يستحب تكرار التلبية في حالة واحدة قاله في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر وغيرهم من الأصحاب وقدمه في الفروع والفائق وقال له الأثرم ماشىء يفعله العامة يكبرون دبر الصلاة ثلاثا فتبسم وقال لا أدري من أين جاؤوا به قلت أليس يجزيه مرة قال بلى لأن المروي التلبية مطلقا.
وقال القاضي في الخلاف: يستحب تكرارها في حالة واحدة لتلبيته بالعبادة.
وقال المصنف والشارح: تكراره ثلاثا حسن فإن الله وتر يحب الوتر.
وقال في الرعاية: يكره تكرارها في حالة واحدة قال في الفروع كذا قال.
قوله : "ويلبي إذا علا نشزا أو هبط واديا وفي دبر الصلوات لمكتوبات وإقبال الليل والنهار وإذا التقت الرفاق".
بلا نزاع ويلبي أيضا إذا سمع ملبيا أو أتى محظورا ناسيا أو ركب دابة.
زاد في الرعاية: أو نزل عنها وزاد في المستوعب وإذا رأى البيت.
قوله : "ولا ترفع المرأة صوتها بالتلبية إلا بمقدار ما تسمع رفيقتها".
السنة: أن لا ترفع صوتها حكاه بن المنذر إجماعا ويكره جهرها بها أكثر من إسماع رفيقتها على الصحيح من المذهب خوف الفتنة ومنعها في الواضح من ذلك ومن أذان أيضا هذا الحكم إذا قلنا إن صوتها ليس بعورة.
وإن قلنا: هو عورة فإنها تمنع وظاهر كلام بعض الأصحاب أنها تقتصر على إسماع نفسها قال في الفروع وهو متجه وفي كلام أبي الخطاب والمصنف وصاحب المستوعب وجماعة لا تجهر إلا بقدر ما تسمع رفيقتها.
فوائد :
الأولى : لا تشرع التلبية بغير العربية لمن يقدر عليها قاله الأصحاب.
الثانية : يستحب أن يذكر نسكه في التلبية على الصحيح من المذهب وقدمه المصنف والشارح ونصراه وقدمه في الفائق.
وقيل: لا يستحب جزم به في الهداية والمستوعب وأطلقها في الفروع.
وقيل: يستحب ذكره فيها أول مرة اختاره الآجري.
وحيث ذكره: يستحب للقارن ذكر العمرة قبل الحج على الصحيح من المذهب نص عليه فيقول: "لبيك عمرة وحجا" للحديث المتفق عليه.
وقال الآجري: يذكر الحج قبل العمرة فيقول "لبيك حجا وعمرة".
الثالثة : لا بأس بالتلبية في طواف القدوم قاله الإمام أحمد وأصحابه.
وحكى المصنف: عن أبي الخطاب لا يلبي لأنه مشتغل بذكر يخصه.
فعلى الأول: قال الأصحاب لا يظهر التلبية في طواف القدوم قاله في الفروع وقال في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم لا يستحب إظهارها فيه.
ومعنى كلام القاضي: يكره إظهارها فيه وصرح به المصنف والشارح.
وذكر في الرعاية وجها: يسن إظهارها فيه.
وأما في السعي بعد طواف القدوم فقال في الفروع يتوجه أن حكمه كذلك وهو مراد أصحابنا.
الرابعة : لا بأس أن يلبي الحلال ذكره المصنف وتبعه الشارح وغيره وقال في الفروع ويتوجه احتمال يكره لعدم نقله.
قال: ويتوجه أن الكلام في أثناء التلبية ومخاطبته حتى بسلام ورده منه كالأذان انتهى.
قلت: قال في المذهب يقطع التلبية فإن سلم عليه رد، وبنى.
تنبيه : هذه أحكام فعل التلبية أما وقت قطعها فيأتي في كلام المصنف في آخر باب دخول مكة فليعاود.
باب محظورات الإحرام
قوله : "وهي تسعة حلق الشعر وتقليم الأظفار".يمنع من إزالة الشعر إجماعا وسواء كان من الرأس أو غيره من أجزاء البدن على الصحيح من المذهب.
وقال في المبهج: إن أزال شعر الأنف لم يلزمه دم لعدم الترفه قال في الفروع كذا قال وظاهر كلام غيره خلافة وهو أظهر.
والصحيح من المذهب وعليه الأصحاب قاطبة أن تقليم الأظافر كحلق الشعر وحكاه بن المنذر إجماعا.
ووجه في الفروع احتمالا: لا شيء في تقليم الأظفار وحكى المصنف ومن تبعه رواية: لا شيء فيها قال في الفروع [وظاهره أن الرواية عن أحمد] ولم أجده لغيره [وعبارته في المغني في باب الفدية أجمع أهل العلم على أن المحرم ممنوع من أخذ أظفاره وعليه الفدية بأخذها في قول أكثرهم حماد ومالك والشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي وروى عن عطاء وعنه لا فدية عليه لأن الشرع لم يرد فيه فدية انتهى.
هذا لفظه والظاهر: أن قوله "وعنه" يعود إلى عطاء لا إلى الإمام أحمد لأنه لم يتقدم له ذكر نبه على ذلك بن نصر الله في حواشيه وهو كما قال].
قوله : "فمن حلق أو قلم ثلاثة فعليه دم".
هذا المذهب قاله القاضي وغيره ونصره هو وأصحابه ونص عليه وجزم به في الوجيز والمحرر والإفادات والمذهب الأحمد وغيرهم وقدمه في الفروع والفائق والشرح والخلاصة وغيرهم.
"وعنه لا يجب الدم إلا في أربع شعرات فصاعدا".
نقلها جماعة واختاره الخرقي وقدمه في المغني والرعاية الصغرى والحاويين وجزم به في الطريق الأقرب قال الزركشي وهي الأشهر عنه وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب.
وذكر بن أبي موسى رواية: لا يجب الدم إلا في خمس فصاعدا واختاره أبو بكر في التنبيه. قال في الفروع ولا وجه لها قال الزركشي وهي أضعفها وأطلقهن في التلخيص.
ووجه في الفروع احتمالا: لا يجب الدم إلا فيما يماط به الأذى وهو مذهب مالك.
قال في الفائق: والمختار تعلق الدم بمقدار ترفهه بإزالته.
قوله : "وفيما دون ذلك في كل واحد مد من طعام".
هذا المذهب ونص عليه وعليه الأصحاب قال في الفروع وهو المذهب عند الأصحاب قال المصنف والشارح هذا ظاهر المذهب وهو الذي ذكره الخرقي قال الزركشي هذا المشهور من الروايات والمختار لعامة الأصحاب الخرقي وأبي بكر وبن أبي موسى والقاضي وأصحابه وغيرهم. انتهى.
"وعنه قبضة".
لأنه لا تقدير فيه من الشارع قال في الفروع: فدل على أن المراد: يتصدق بشيء.
"وعنه درهم وعنه نصف درهم وعنه درهم أو نصفه".
ذكرها أصحاب القاضي وخرجها القاضي من ليالي منى وهو قول في الرعاية وقدمه في المستوعب قال الزركشي ويلزم على تخريج القاضي أن يخرج أن لا شيء عليه وأن يجب دم كما جاء ذلك في ليالي منى.
ووجه في الفروع تخريجا: يلزمه في كل شعرة أو ظفر ثلث دم وما هو ببعيد.
قوله : "وإن حلق رأسه بإذنه فالفدية عليه".
يعني على المحلوق رأسه ولا شيء على الحالق وهذا المذهب وعليه الأصحاب وفي الفصول احتمال أن الضمان على الحالق إذا كان محرما كشعر الصيد قال في الفروع كذا قال.
فائدة : لو حلق رأسه وهو ساكت ولم ينهه فقيل الفدية على المحلوق رأسه لأنه أمانة عنده كوديعة صححه في المذهب ومسبوك الذهب وتصحيح المحرر وجزم به الكافي.
قلت: وهو الصواب وهو ظاهر المنور.
وقيل: على الحالق كإتلافه ماله وهو ساكت وجزم به في الإفادات ومنتخب الآدمي وهو ظاهر كلام المصنف هنا وأطلقهما في المستوعب والمغني والتلخيص والمحرر والشرح والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق.
قوله : "وإن كان مكرها أو نائما فالفدية على الحالق".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقيل على المحلوق رأسه وذكر في الإرشاد وجها أن القرار على الحالق.
ووجه في الفروع احتمالا: أنه لا فدية على واحد منهما لأنه لا دليل عليه.
ويأتي إذا أكره على الحلق وحلق بنفسه في كلام المصنف في آخر الفدية.
قوله : "وإن حلق محرم رأس حلال فلا فدية عليه".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب.
وفي الفصول احتمال: يجب الضمان على المحرم الحالق.
فائدة : لو طيب غيره فحكمه حكم الحالق على ما تقدم من الخلاف والتفصيل.
قلت: لو قيل بوجوب الفدية على المطيب المحرم لكان متجها لأنه في الغالب لا يسلم من الرائحة بخلاف الحلق وفي كلام بعض الأصحاب أو ألبس غيره فكالحالق.
قوله : "وقطع الشعر ونتفه كحلقه".
وكذا قطع بعض الظفر وهذا المذهب وعليه الأصحاب وخرج ابن عقيل وجها يجب عليه بنسبته كأنملة إصبع وما هو ببعيد وجزم به بن عبدوس في تذكرته وهو احتمال لأبي حكيم ذكره عنه في المستوعب وذكره في الفائق وغيره قولا.
قوله : "وشعر الرأس والبدن واحد".
هذا الصحيح من المذهب والروايتين واختاره أبو الخطاب والمصنف والشارح وقال هذا ظاهر المذهب وظاهر كلام الخرقي وجزم به في الهادي وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاويين والفائق.
وعنه: لكل واحد حكم منفرد نقلها الجماعة عن أحمد واختارها القاضي وابن عقيل وجماعة وجزم به في المبهج ونظم المفردات وأطلقهما في المستوعب والتلخيص والمذهب ومسبوك الذهب والفروع.
وقال في المبهج: إن أزال شعر الأنف لم يلزمه دم لعدم الترفه قال في الفروع كذا قال قال وظاهر كلام غيره خلافه وهو أظهر.
وتظهر فائدة الروايتين: لو قطع من رأسه شعرتين ومن بدنه شعرتين فيجب الدم على المذهب ولا يجب على الرواية الثانية.
فائدة : ذكر جماعة من الأصحاب أنه لو لبس أو تطيب في رأسه وبدنه أن فيه الروايتين المتقدمتين والمنصوص عن أحمد أن عليه فدية واحدة وجزم به القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب وغيرهم وهو المذهب.
وذكر بن أبي موسى الروايتين في اللبس وتبعه في الرعايتين والحاويين وقدما أن عليه فدية واحدة.
قوله : "وإن خرج في عينيه شعر فقلعه أو نزل شعره فغطى عينيه فقصه أو انكسر ظفره فقصه".
يعني: قص ما احتاج إلى قصه.
"أو قطع جلدا عليه شعر: فلا فدية عليه".
وكذا لو افتصد فزال الشعر لأن التابع لا يضمن أو حجم أو احتجم ولم يقطع شعرا قال في الفروع ويتوجه في الفصد مثله.
والمذهب في ذلك كله: أنه لا فدية عليه بفعل شيء من ذلك.
وقال الآجري: إن انكسر ظفره فآذاه قطعه وفدى.
فوائد :
الأولى : لو حصل له أذى من غير الشعر كشدة حر وقروح وصداع أزاله وفدى كأكل صيد لضرورة.
الثانية : يجوز له تخليل لحيته ولا فدية بقطعه بلا تعمد نقله بن إبراهيم وقدمه في الفروع.
والصحيح من المذهب: أنه إن بان بمشط أو تخليل فدى قال الإمام أحمد إن خللها فسقط شعر أو كان ميتا فلا شيء عليه قاله في الفروع وجزم به المصنف والشارح وغيرهم.
الثالثة : يجوز له حك رأسه وبدنه برفق نص عليه ما لم يقطع شعرا وقيل غير الجنب لا يحكهما بيديه ولا يحكهما بمشط ولا ظفر.
الرابعة : يجوز غسله في حمام وغيره بلا تسريح وقال في الفروع ويتوجه قول إن ترك غطسه في الماء وتغييب رأسه أولى أو الجزم به.
الخامسة : يجوز له غسل رأسه بسدر أو خطمى على الصحيح من المذهب اختاره القاضي وغيره وصححه في الكافي وقدمه في الفروع.
وذكر جماعة: يكره وجزم به صاحب المستوعب والمصنف في المغني والشارح وابن رزين في شرحه.
وعنه: يحرم ويفدي نقل صالح قد رجل شعره ولعله يقطعه من الغسل.
وعلى القول بالكراهة: حكى صاحب المستوعب والمصنف وغيرهما في الفدية روايتين وقدموا مذهب الوجوب.
وقيل: الروايتان على القول بتحريم ذلك فإن قلنا يحرم فدى وإلا فلا.
قلت: وهو الصواب كالاستظلال بالمحمل على ما يأتي قريبا.
وقال الشيخ تقي الدين فيمن احتاج إلى قطعه بحجامة أو غسل لم يضره قال في الفروع كذا قال.
تنبيه : قوله : "الثالث تغطية الرأس".
تقدم في باب السواك: أن الصحيح من المذهب أن الأذنين من الرأس. وأن ما فوقهما من البياض من الرأس على الصحيح وتقدم في باب الوضوء ما هو من الرأس وما هو من الوجه والخلاف في ذلك مستوفى فما كان من الرأس حرم تغطيته هنا وعليه الفدية.
قوله : "فمتى غطاه بعمامة أو خرقة أو قرطاس فيه دواء أو غيره أو عصبة ولو بسير أو طينة بطين أو حناء أو غيره ولو بنورة فعليه الفدية".
فائدة : فعل بعض المنهي عنه كفعله كله في التحريم.
قوله : "وإن استظل بالمحمل ففيه روايتان".
وكذا ما في معناه كالهودج والعمارية والمحفة ونحو ذلك.
واعلم أن كلام المصنف يحتمل: أن يكون في تحريم الاستظلال وفيه روايتان.
إحداهما : يحرم وهو [الصحيح من] المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي هذا المشهور عن أحمد والمختار لأكثر الأصحاب حتى إن القاضي في التعليق وفي غيره وبن الزاغوني وصاحب العقود والتلخيص وجماعة لا خلاف عندهم في ذلك.
قال في الفروع: اختاره الأكثر وهو ظاهر ما قدمه.
والرواية الثانية: يكره اختارها المصنف والشارح وقالا هي الظاهر عنه وجزم به ابن رزين في شرحه وصاحب الوجيز وصححه في تصحيح المحرر.
قال القاضي موفق الدين: هذا المشهور وأطلقهما في الكافي والمذهب الأحمد والمحرر [والفروع] وابن منجا في شرحه والرعايتين والحاويين.
وعنه يجوز من غير كراهة ذكرها في الفروع.
ويحتمل أن يكون كلام المصنف في وجوب الفدية بفعل ذلك وهو الظاهر لقوله قبل ذلك "فمتى فعل كذا وكذا فعليه الفدية وإن استظل بالمحمل ففيه روايتان".
فسياقه يدل على ذلك وعليه شرح بن منجا وفيها روايات.
إحداها : لا تجب الفدية بفعل ذلك واختاره المصنف وصححه في التصحيح وقدمه في الشرح قال ابن رزين في شرحه وهو أظهر قال في إدراك الغاية وتجريد العناية ولا يستظل بمحمل في رواية وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وهذا المذهب على ما اصطلحنا عليه في الخطبة.
والرواية الثانية: تجب عليه الفدية بفعل ذلك قال في الفروع: اختاره الأكثر وجزم به الخرقي وصاحب الإفادات وتذكرة ابن عقيل وعقود بن البنا والإيضاح وصححه في الفصول والمبهج واختاره القاضي في التعليق وبن عبدوس في تذكرته وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة وأطلقهما في الكافي والهادي والمذهب الأحمد والمحرر ونهاية ابن رزين.
والرواية الثالثة: إن كثر الاستظلال وجبت الفدية وإلا فلا وهو المنصوص عن أحمد في رواية جماعة اختاره القاضي والزركشي وغيرهما وأطلقهن في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق.
تنبيه: اختلف الأصحاب في محل الروايتين الأولتين فعند ابن أبي موسى والمصنف في الكافي والمجد والشارح وابن منجا في شرحه أنهما مبنيتان على الروايتين في تحريم الاستظلال وعدمه فإن قلنا يحرم وجبت الفدية وإلا فلا وهي طريقة ابن حمدان.
وعند القاضي وصاحب المبهج والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والفروع وغيرهم أنهما مبنيتان على القول بالتحريم في الاستظلال. إذ لا جواز عندهم إلا أن القاضي يستثني اليسير فيبيحه ولا يوجب فيه فدية كما تقدم.
فوائد :
إحداها : وكذا الخلاف والحكم إذا استظل بثوب ونحوه نازلا وراكبا قاله القاضي وجماعة واقتصر عليه في الفروع.
الثانية : لا أثر للقصد وعدمه فيما فيه فدية وفيما لا فدية فيه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال ابن عقيل إن قصد به الستر فدى مثل أن يقصد بحمل شيء على رأسه الستر.
الثالثة : يجوز تلبيد رأسه بغسل أو صمغ ونحوه لئلا يدخله غبار أو دبيب ولا يصيبه شعث.
قوله : "وإن حمل على رأسه شيئا أو نصب حياله ثوبا أو استظل بخيمة أو شجرة أو بيت فلا شيء عليه".
ولو قصد به الستر لم يستثن ابن عقيل إذا حمل على رأسه شيئا وقصد الستر به مما تجب فيه الفدية.
قوله : "وفي تغطية الوجه روايتان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر والشرح والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق.
إحداهما : يباح ولا فدية عليه هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب قاله في الفروع.
قلت: منهم القاضي في تعليقه وجامعه وابن عقيل والمصنف والشارح وبن عبدوس في تذكرته.
قال في الرعاية: والجواز أصح وصححه في الفصول والتصحيح وتمام أبي الحسين وتصحيح المحرر وجزم به في الوجيز وعقود بن البنا وغيرهما وهو ظاهر ما جزم به في العمدة والمذهب الأحمد والمنور والمنتخب وتجريد العناية وغيرهم لاقتصارهم على المنع من تغطية الرأس وقدمه في الكافي وابن رزين في شرحه وإدراك الغاية.
والرواية الثانية: لا يجوز وعليه الفدية بتغطيته نقلها الأكثر عن الإمام أحمد وقدمه في المبهج.
قوله : "الرابع لبس المخيط والخفين إلا أن لا يجد إزارا فيلبس سراويل أو نعلين فيلبس خفين ولا يقطعهما ولا فدية عليه".
هذا المذهب نص عليه الإمام أحمد في رواية الجماعة وعليه الأصحاب وهو من المفردات.
وعنه إن لم يقطع الخفين إلى دون الكعبين فعليه الفدية.
قال الخطابي: العجب من الإمام أحمد في هذا يعني في قوله: "بعدم القطع" فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه.
وقلت: سنة لم تبلغه.
قال الزركشي: قلت والعجب كل العجب من الخطابي في توهمه عن أحمد مخالفة السنة أو خفاؤها وقد قال المروذي احتجيت على أبي عبد الله بقول بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلت هو زيادة في الخبر فقال هذا حديث وذاك حديث.
فقد اطلع على السنة. وإنما نظر نظرا لا ينظره إلا الفقهاء المتبصرون وهذا يدل على غايته في الفقه والنظر انتهى.
وفي الانتصار احتمال: يلبس سراويل للعورة فقط.
ويأتي في أول جزاء الصيد: إذا لبس مكرها.
تنبيه : ظاهر قوله : "ولا يقطعهما".
أنه لا يجوز قطعهما وهو صحيح قال الإمام أحمد هو إفساد واحتج المصنف والشارح وغيرهما بالنهي عن إضاعة المال وقدمه في الفروع.
وجوز القطع أبو الخطاب وغيره وقاله القاضي وابن عقيل وأن فائدة التخصيص كراهته لغير إحرام.
قال المصنف: والأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا عن حالهما من غير قطع.
فوائد :
الأولى : الران كالخف فيما تقدم.
الثانية : لو لبس مقطوعا دون الكعبين مع وجود نعل لم يجز وعليه الفدية على الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه في الفروع والفائق والمغني والشرح وقال القاضي وابن عقيل في مفرداته والمجد والشيخ تقي الدين يجوز له لبسه ولا فدية عليه لأنه ليس بخف.
فلبس اللالكة والجمجم ونحوهما يجوز على الثاني لا الأول. وقال المصنف والشارح: وقياس قول الإمام أحمد في اللالكة والجمجم عدم لبسهما لا مع عدم النعلين.
الثالثة : لو وجد نعلا لا يمكنه لبسها لبس الخف ولا فدية وقدمه في الفروع واختاره المصنف والشارح.
قلت: وهو الصواب.
والمنصوص عن الإمام أحمد أن عليه الفدية بلبس الخف وقدمه في الرعايتين والحاويين.
قلت: هذا المذهب.
الرابعة : يباح النعل كيفما كانت على الصحيح من المذهب لإطلاق إباحتها وقدمه في الفروع.
وعنه تجب الفدية في عقب النعل أو قيدها وهو السير المعترض على الزمام وذكره في الإرشاد.
وقال القاضي: مراده العريضين وصححه بعضهم لأنه معتاد فيها.
تنبيه : شمل قوله لبس المخيط ما عمل على قدر العضو وهذا إجماع ولو كان درعا منسوجا أو لبدا معقودا ونحو ذلك قال جماعة بما عمل على قدره وقصد به.
وقال القاضي وغيره: ولو كان غير معتاد كجورب في كف وخف في رأس فعليه الفدية.
فائدتان :
الأولى : لا يشترط في اللبس أن يكون كثيرا بل الكثير والقليل سواء.
قوله : "ولا يعقد عليه منطقة ولا رداء ولا غيره".
نص عليه وليس له أن يحكمه بشوكة أو إبرة أو خيط ولا يزره في عروته ولا يغرزه في إزاره فإن فعل أثم وفدى.
الثانية : يجوز شد وسطه بمنديل وحبل ونحوهما إذا لم يعقده قال الإمام أحمد في محرم حزم عمامته على وسطه لا يعقدها ويدخل بعضها في بعض جزم به في المغني والشرح وقال الشيخ تقي الدين يجوز له شد وسطه بحبل وعمامة ونحوهما وبرداء لحاجة.
قوله : "ولا يعقد عليه منطقة".
اعلم أن المنطقة لا تخلو إما أن تكون فيها نفقته أو لا فإن كان فيها نفقته فحكمها حكم الهميان على ما يأتي في كلام المصنف وإن لم يكن فيها نفقته فلا يخلو إما أن يلبسها لوجع أو لحاجة أو غيرهما فإن لبسها لوجع أو لحاجة فالصحيح أنه يفدي وكذا لو لبسها لغير حاجة بطريق أولى.
وفي المستوعب والترغيب رواية أن المنطقة كالهميان اختاره الآجري وبن أبي موسى وبن حامد وذكر المصنف وغيره أن الفرق بينهما النفقة وعدمها وإلا فهما سواء قال في الفروع وهو أظهر.
قوله : "إلا إزاره وهميانه الذي فيه نفقته إذا لم يثبت إلا بالعقد".
أما الإزار إذا لم يثبت إلا بالعقد فله أن يعقده بلا نزاع.
وأما الهميان: فله أيضا أن يعقده إذا لم يثبت إلا بالعقد إذا كانت نفقته فيه.
هذا المذهب وعليه الأصحاب وفي روضة الفقه لبعض الأصحاب ولم يعلم من هو مصنفها لا يعقد سيور الهميان وقيل لا بأس احتياطا على النفقة.
قوله : "وإن طرح على كتفيه قباء فعليه الفدية".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والهداية وغيرهم قال في الفروع اختاره الأكثر.
قلت: منهم القاضي في خلافه وأبو الخطاب والمجد.
وقال الخرقي: لا فدية عليه إلا أن يدخل يديه في الكمين وهو رواية عن أحمد صححها في التلخيص والترغيب والخلاصة ورجحه المصنف في المغني والشارح وغيرهما وجزم به في المبهج وقدمه في المستوعب وأطلقهما في الفائق.
وقال في المذهب ومسبوك الذهب: إذا طرح القباء على كتفيه ولم يدخل يديه في الكمين فليس عليه شيء وجها واحدا وإن أدخل يديه ففي الفدية وجهان.
قلت: وهو ضعيف ولم أره لغيره ولعله سها.
وقال في الواضح: أن أدخل إحدى يديه فدى.
تنبيه : مفهوم قوله : "ويتقلد بالسيف عند الضرورة".
أنه لا يتقلد به عند عدمها وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونص عليه وقدمه في الفروع والشرح والفائق وغيرهم وقطع به كثير منهم.
وعنه يتقلد به لغير ضرورة اختاره بن الزاغوني.
قال في الفروع: ويتوجه أن المراد في غير مكة لأن حمل السلاح فيها لا يجوز إلا لحاجة نقل الأثرم لا يتقلد بمكة إلا لخوف وإنما منع منه لأنه في معنى اللبس عنده وقال المصنف في المغني والقياس إباحته من غير ضرورة لأن ذلك ليس في معنى الملبوس المنصوص على تحريمه.
قال في الفروع: كذا قال فظاهره أنه يباح عنده في الحرم انتهى.
قلت: الذي يظهر أن المصنف ما أراد ذلك وإنما أراد جواز التقلد به للمحرم من غير ضرورة في الجملة أما المنع من ذلك في مكة فله موضع غير هذا وكذا بن الزاغوني وكذا الرواية.
فائدة : الخنثى المشكل إن لبس المخيط أو غطى وجهه وجسده لم يلزمه فدية للشك وإن غطى وجهه ورأسه فدى لأنه إما رجل أو امرأة قدمه في الفروع وقال أبو بكر يغطي رأسه ويفدي وذكره أحمد عن بن المبارك ولم يخالفه وجزم به في الرعايتين والحاويين.
قوله : "الخامس شم الأدهان المطيبة والأدهان بها".
يحرم الإدهان بدهن مطيب وتجب به الفدية على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وذكر في الواضح رواية لا فدية بذلك.
ويأتي قريبا حكم الأدهان غير المطيبة.
قوله : "وأكل ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه".
إذا أكل ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه فدى ولو كان مطبوخا أو مسته النار بلا نزاع أعلمه وإن كانت رائحته ذهبت وبقي طعمه فالمذهب كما قال المصنف يحرم وعليه الفدية نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره قال في الفروع: اختاره الأكثر.
وقيل: لا فدية عليه وهو ظاهر كلام الخرقي.
ويأتي إذا اشترى طيبا وحمله وقلبه ولم يقصد شمه عند قوله: "وإن جلس عند العطار".
قوله : "وإن مس من الطيب ما لا يعلق بيده فلا فدية عليه".
بلا نزاع كمسك غير مسحوق وقطع كافور وعنبر ونحوه ومفهومه أنه إذا علق بيده أن عليه الفدية وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب كغالية وماء ورد.
وقيل: أو جهل ذلك كمسك مسحوق قاله في الرعاية.
ويأتي في باب الفدية قبل قوله: "وإن رفض إحرامه": "لو مس طيبا يظنه يابسا فبان رطبا هل تجب عليه الفدية أم لا؟".
فائدة: قوله: "وله شم العود والفواكه والشيح والخزامى".
بلا نزاع وكذا كل نبات الصحراء وما ينبته الآدمي لا لقصد الطيب كالحناء والعصفر وكذا القرنفل والدارصيني ونحوها.
قوله : "وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها والادهان بدهن غير مطيب في رأسه روايتان".
شمل كلام المصنف شيئين أحدهما الادهان بدهن غير مطيب والثاني شم ما عدا ذلك مما ذكره ونحوه وهو ينقسم إلى قسمين.
أحدهما : ما ينبته الآدمي للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي والنمام والبرم والنرجس والمرزجوش ونحوها فالصحيح من المذهب أنه يباح شمه ولا فدية فيه قال في الفروع اختاره الأصحاب وقدمه ابن رزين وإدراك الغاية وجزم به في الإفادات والمنور والمنتخب وغيرهم وعقود ابن البنا.
والرواية الثانية: يحرم شمه وفيه الفدية وصححه في النظم وصحح في التصحيح أنه لا شيء في شم الريحان وأوجب الفدية في شم النرجس والبرم وهو غريب أعني التفرقة بين الريحان وغيره وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والشرح والفروع والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق والمذهب الأحمد والزركشي.
وذكر القاضي وغيره: أنه يحتمل أن المذهب رواية واحدة لا فدية فيه وأن قول أحمد "ليس من آلة المحرم" للكراهية.
وذكر القاضي أيضا: رواية أخرى أنه يحرم شم ما نبت بنفسه فقط.
القسم الثاني: ما ينبت للطيب ويتخذ منه طيب كالورد والبنفسج، والخيري وهو المنثور واللينوفر والياسمين وهو الذي يتخذ منه الزنبق فالصحيح من المذهب أنه يحرم شمه وعليه الفدية إن شمه اختاره القاضي والمصنف والشارح قال في الفروع وهو أظهر كماء الورد وصححه في النظم والتصحيح والكافي وقدمه ابن رزين وجزم به في الوجيز وبن البنا في عقوده.
والرواية الثانية: أنه يباح شمه ولا فدية فيه وجزم به في الإفادات والمنور والمنتخب وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق والمذهب الأحمد والزركشي.
تنبيهان
الأول : مراده بالريحان الريحان الفارسي صرح به الأصحاب وقال في إدراك الغاية وله شم ريحان وعنه بري.
الثاني : تابع المصنف أبا الخطاب في حكاية الروايتين في جميع ذلك وتابع أبا الخطاب أيضا صاحب المذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والمذهب الأحمد والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
وحكى المصنف في الكافي في الريحان الفارسي الروايتين ثم قال وفي سائر النبات الطيب الرائحة الذي لا يتخذ منه طيب وجهان قياسا على الريحان.
وقدم ابن رزين: أن جميع القسمين فيه وجهان في الريحان وغيره ثم قال وقيل في الجميع الروايتان انتهى.
فتلخص للأصحاب في حكاية الخلاف ثلاث طرق.
[فائدة الريحان وغيره نحوه كأصله على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع وفي الفصول احتمال بالمنع كماء ورد وقال في الفروع ويتوجه عليه انتهى].
أما الإدهان بدهن لا طيب فيه كالزيت والشيرج ودهن البان الساذج ونحوها، فالصحيح من المذهب والروايتين جواز ذلك ولا فدية فيه نص عليه وصححه في التصحيح والرعاية الكبرى وجزم به في المبهج والإفادات والوجيز والمنور ونظم المفردات وغيرهم.
قال ناظم المفردات.
أو يدهن في رأسه بالشيرج
...
أو زيت المنصوص لا من خرج
وقدمه في الفروع والمحرر وصححه بن البنا في عقوده.
والرواية الثانية: عدم الجواز فإن فعل فعليه الفدية قال في الفروع ذكر القاضي أنه اختيار الخرقي.
قلت: قال الخرقي في مختصره لا يدهن بما فيه طيب ولا ما لا طيب فيه فعطفه على ما فيه الفدية والظاهر التساوي ويأتي في التنبيه الثالث.
قال القاضي: هذه الرواية نص الروايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والترغيب والرعاية الصغرى والنظم والحاويين والفائق وبن منجا في شرحه والشرح ولكن إنما حكى الخلاف في التحريم وعدمه لا في وجوب الفدية.
تنبيهات
الأول : شمل قول المصنف الادهان بدهن غير مطيب الزيت والشيرج والسمن والشحم
والبان الساذج وذكره جماعة كثيرة واقتصر القاضي وابن عقيل على الزيت والشيرج وذكر جماعة أن السمن كالزيت.
الثاني : ظاهر قوله "في رأسه" أن الخلاف مخصوص بالرأس فقط وفي غيره يجوز وهو اختيار المصنف في المغني والشارح وتبعهما بن منجا وناظم المفردات كما تقدم.
قال في الفروع: فكان ينبغي أن يقول "والوجه" ولهذا قال بعض أصحابنا "في دهن شعره" فلم يخص الرأس وقال القاضي وغيره الروايتان في رأسه ويديه.
قلت: وعلى هذا الأكثر كالمصنف في الكافي وصاحب الرعايتين والحاويين والفائق والمحرر والتلخيص والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم قال الزركشي هذه طريقة الأكثرين.
قلت: ورد النص عن أحمد بالمنع في الرأس فلذلك اقتصر عليه المصنف ومن أجرى الخلاف في جميع البدن نظر إلى تعليل الإمام أحمد بالشعث وهو موجود في البدن وفي الرأس أكثر.
الثالث : حيث قلنا بالتحريم فإن الفدية تجب على ظاهر كلام الأصحاب قاله الزركشي قال وكذلك قال القاضي في تعليقه إنه ظاهر كلام أحمد لأنه منع منه واختيار الخرقي انتهى.
قلت: جزم به في الفروع.
ولم يوجب المصنف الفدية على كلا الروايتين وقال هو ظاهر كلام الإمام أحمد وجزم به في الشرح والحاويين.
وقد ذكر ذلك القاضي أيضا في تعليقه لكنه جعل المنع من أحمد بمعنى الكراهة من غير فدية.
قوله : "وإن جلس عند العطار أو في موضع ليشم الطيب فشمه".
مثل من قصد الكعبة حال تجميرها فعليه الفدية وإلا فمتى قصد شم الطيب حرم عليه وعليه الفدية إذا شم وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وحكى القاضي في التعليق وأبو الخطاب في الانتصار عن بن حامد يباح ذلك.
فائدتان :
إحداهما : يجوز لمشتري الطيب حمله ونقله إذا لم يشمه ولو ظهر ريحه. لأنه لم يقصد الطيب ولا يمكن لتحرز منه ذكره ابن عقيل والمصنف والشارح وابن رزين وغيرهم وقدمه في الفروع وقال ويتوجه ولو علق بيده لعدم القصد ولحاجة التجارة وعن ابن عقيل:
إن حمله مع ظهور ريحه لم يجز وإلا جاز ونقل بن القاسم لا يصلح للعطار يحمله للتجارة إلا ما لا ريح له.
الثانية : لو لبس أو تطيب أو غطى رأسه جاهلا فقال في الفروع يتوجه أن يكون كالأكل في الصوم جاهلا وقد قال القاضي لخصمه يجب أن يقول ذلك.
قوله : "السادس قتل الصيد واصطياده وهو ما كان وحشيا مأكولا".
وهذا في قتله الجزاء إجماعا مع تحريمه إلا أن في بقر الوحش رواية لا جزاء فيها على ما يأتي ويأتي إذا قتل الصيد مكرها أو ناسيا في باب الفدية.
قوله : "أو متولدا منه ومن غيره".
شمل قسمين: قسم متولد بين وحشي وأهلي وقسم متولد بين وحشي وغير مأكول وكلاهما يحرم قتله قولا واحدا وعليه الجزاء على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقال في الرعاية الكبرى ما أكل أبواه فدي وحرم قتله وكذا ما أكل أحد أبويه دونه وقيل لا يفدي كمحرم الأبوين انتهى وفي الفروع هنا سهو في النقل من الرعاية.
تنبيه : يأتي حكم غير الوحشي وما هو مختلف فيه عند قوله: "ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان" انتهى.
فائدة: قوله: "ويضمن ما دل عليه أو أشار إليه".
هذا المذهب مطلقا نقله بن منصور وبن إبراهيم وأبو الحارث في الدال ونقله عبد الله في المشير ونقله أبو طالب في المشير وفي الذي يغير وعليه أكثر الأصحاب. وقال في المبهج إن كانت الدلالة له ملجئة لزمه الجزاء للمحرم كقوله: "دخل الصيد في هذه المفازة" وإن كانت غير ملجئة لم يلزمه. كقوله: "ذهب إلى تلك البرية" لأنه لا يضمن بالسبب مع المباشرة إذا لم يكن ملجئا لوجوب الضمان على القاتل والدافع دون الممسك والحافر.
وقال في الفائق والمختار تحريم الدلالة والإشارة دون لزوم الضمان بهما.
وقال أبو حكيم في شرحه: إذا أمسك المحرم صيدا حتى قتله الحلال لزمه الجزاء ويرجع به على الحلال.
قال في المستوعب: هذا محمول على أنه لم يمسكه ليقتله بل أمسكه للتملك فقتله الحلال بغير إذنه فيرجع عليه بالجزاء لأنه ألجأه على الضمان بقتله.
فوائد :
إحداها : لا ضمان على دال ومشير إذا كان قد رآه من يريد صيده قبل ذلك وكذا لو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك أو استشراف ففطن له غيره فصاده أو أعاره آلة لغير الصيد فاستعملها فيه.
قال في الفروع: وظاهر ما سبق لو دله فكذبه لم يضمن.
الثانية : لا يحرم دلالة على طيب ولباس ذكره القاضي وبن شهاب وغيرهما واقتصر عليه في الفروع لأنه لا يضمن بالسبب ولأنه لا يتعلق بهما حكم مختص والدلالة على الصيد يتعلق بها حكم مخصوص وهو مختص وهو تحريم الأكل والإثم.
الثالثة : لو نصب شبكة ثم أحرم أو أحرم ثم حفر بئرا بحق كداره أو للمسلمين بطريق واسع لم يضمن ما تلف بذلك وإلا ضمن كالآدمي إذا تلف في هذه المسألة وأطلق في الانتصار ضمانه وأنه لا تجب به كفارة قتل.
قال في الفروع: ومراد من أطلق من أصحابنا والله أعلم إذا لم يتحيل فالمذهب رواية واحدة وإذا يتحيل فالخلاف قال وعدمه أشهر وأظهر.
وقال في الفصول في أواخر الحج: في دبق قبل إحرامه لا يضمن به بل بعده كنصب أحبولة وحفر بئر ورمى اعتبارا بحالة النصب والرمي ويحتمل الضمان اعتبارا بحال الإصابة.
وقال أيضا: يتصدق من آذاه أو أفزعه بحسب أذيته استحسانا.
قال: وتقريبه كلبا من مكان الصيد جناية كتقريبه الصيد من مهلكة.
قوله : "إلا أن يكون القاتل محرما فيكون جزاؤه بينهما".
يعني إذا كان القاتل محرما والمتسبب في قتله محرما فجزم المصنف هنا أن الجزاء بينهما وهو المذهب وإحدى الروايات اختارها بن حامد والمصنف والشارح وجزم به في الإرشاد والهداية ومسبوك الذهب والخلاصة والوجيز وبن منجا في شرحه وقدمه في الكافي وصححه وهو من المفردات.
والرواية الثانية: على كل واحد جزاء اختارها أبو بكر وحكاهما في المذهب وجهين وأطلقهما.
والرواية الثالثة: عليهما جزاء واحد إلا أن يكون صوما فعلى كل واحد صوم تام.
[ولو أهدى واحد وصام الآخر فعلى المهدي بحصته وعلى الصائم صوم تام].
نقل هذه الرواية عن الإمام أحمد: الجماعة ونصرها القاضي وأصحابه وقال الحلواني عليها الأكثر وقدمها في المبهج وقال هي أظهر.
وقيل: لا جزاء على محرم ممسك مع محرم قاتل.
قال في الفروع: فيؤخذ من هذا لا يلزم متسببا مع مباشر قال ولعله أظهر لا سيما إذا أمسكه ليملكه فقتل محل انتهى.
وقيل: القرار على القاتل لأنه هو جعل فعل الممسك [علة قال في الفروع: وهذا متوجه. وجزم ابن شهاب: أن الإجزاء على الممسك] لتأكده وأن عليه المال قال في الفروع: كذا قال.
ويأتي ذلك أيضا في كلام المصنف في آخر باب جزاء الصيد عند قوله: "وإن اشترك جماعة في قتل صيد".
فوائد :
الأولى : وكذا الحكم والخلاف لو كان الشريك سبعا فإن سبق حلال أو سبع فجرحه أحدهما ثم قتله المحرم فعليه جزاؤه مجروحا وإن سبق هو فجرحه وقتله أحدهما فعلى المحرم أرش جرحه فلو كانا محرمين ضمن الجارح نقصه وضمن القاتل قيمة الجزاء.
ولو جرح المحل والمحرم معا قيل على المحرم بقسطه اختاره أبو الخطاب في خلافه وقدمه ابن رزين في شرحه وقيل عليه جزاء كامل جزم به القاضي أبو الحسين والشارح وأطلقهما الزركشي والمصنف في المغني.
الثانية : لو كان الدال والشريك لا ضمان عليه كالمحل مع المحرم فالجزاء جميعه على المحرم على الصحيح من المذهب قال في الفروع في الأشهر وجزم به في المغني والشرح ونصراه وقالا هذا ظاهر قول أحمد وجزم به في المبهج قال ابن البنا: نص عليه.
قال في الفروع: والمنقول عن أحمد إطلاق القول ولم يبين.
قال القاضي: فيحتمل أن يريد به جميعه ويحتمل بحصته.
وذكر بعضهم وجهين لأنه اجتمع موجب ومسقط. فغلب الإيجاب.
قال في القاعدة الثامنة والعشرين: قال القاضي في المجرد مقتضى الفقه عندي أنه يلزمه نصف الجزاء.
الثالثة : لو دل حلال حلالا على صيد في الحرم فهي كما لو دل محرم محرما على صيد قاله ناظم المفردات وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب. وقدمه في الفروع وقال جماعة لا ضمان على دال في حل بل على المدلول وحده كحلال دل محرما.
ويأتي ذلك في أول باب صيد الحرم.
قوله : "ويحرم عليه الأكل من ذلك كله وأكل ما صيد لأجله".
يحرم على المحرم الأكل من كل صيد صاده أو ذبحه إجماعا وكذا إن دل محرم حلالا عليه فقتله أو أعانه أو أشار إليه ويحرم عليه ما صيد لأجله على الصحيح من المذهب.
نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه الأصحاب وعليه الجزاء إن أكله وإن أكل بعضه ضمنه بمثله من اللحم وفي الإنتصار احتمال بجواز أكل ما صيد لأجله.
فائدتان :
إحداهما : ما حرم على المحرم بدلالة أو إعانة أو صيد له لا يحرم على محرم غيره على الصحيح من المذهب وهو ظاهر كلام المصنف هنا وقيل: يحرم.
الثانية : لو قتل المحرم صيدا ثم أكله ضمنه لقتله لا لأكله نص عليه وكذا إن حرم عليه بالدلالة والإعانة عليه أو الإشارة فأكل منه لم يضمن للأكل لأنه صيد مضمون بالجزاء مرة فلم يجب به جزاء ثان كما لو أتلفه وهذا المذهب وجزم به الأكثر وقال في الغنية عليه الجزاء.
تنبيه : دخل في قوله : "ولا يحرم عليه الأكل من غير ذلك".
لو ذبح محل صيدا لغيره من المحرمين فإنه يحرم على المذبوح له ولا يحرم على غيره من المحرمين على الصحيح من المذهب وجزم به في التلخيص وغيره.
وقيل: يحرم عليه أيضا وأطلقهما في القاعدة الثانية بعد المائة.
قوله : "وإن أتلف بيض صيد أو نقله إلى موضع آخر ففسد فعليه ضمانه بقيمته".
إذا أتلف بيض صيد بفعله أو بنقل ونحوه فحكمه حكم الصيد على ما تقدم.
تنبيه : ظاهر قوله فعليه ضمانه بقيمته أنه إذا لم يكن له قيمة كالمذر لا شيء عليه فيه ولو كان فيه فرخ ميت وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب لكن يستثنى من المذر بيض النعام فإن الأصحاب قالوا لقشر بيضة قيمة.
وعنه لا شيء في قشره أيضا. اختاره المصنف والشارح.
وقال الحلواني في الموجز: إن تصور وتخلق الفرخ في بيضته ففيه ما في جنين صيد سقط بالضربة ميتا انتهى.
وإن كسر بيضة. فخرج منها فرخ فعاش فلا شيء فيه على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح.
وقال ابن عقيل: يحتمل أن يضمنه إلا أن يحفظه من الخارج إلى أن ينهض فيطير ويحتمل أن لا يضمنه لأنه لم يجعله غير ممتنع بعد أن كان متمنعا بل تركه على صفته. انتهى.
ويأتي إذا قتل حاملا فألقت جنينها ميتا في جزاء الصيد.
قوله : "ولا يملك الصيد بغير الإرث".
لا يملك الصيد ابتداء بشراء ولا باتهاب ولا باصطياد على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وقال في الرعاية: ولا يملك صيدا باصطياده بحال ولا بشراء ولا باتهاب في الأصح فيهما فحكى وجها بصحة الملك بالشراء والاتهاب.
وقال في الفروع: وفي الرعاية يملك بشراء أو اتهاب. والظاهر: أنه سقط لفظ "قول".
فعلى المذهب: لو قبضه ثم تلف فعليه جزاؤه وعليه قيمة المعين لمالكه وقال في الرعاية لا شيء لواهبه انتهى.
وعلى المذهب أيضا: لو قبضه رهنا فتلف فعليه جزاؤه فقط وإن لم يتلف فعليه رده فإن أرسله فعليه ضمانه لمالكه وليس عليه جزاء ويرد المبيع ولا يرسله.
قال المصنف: ويحتمل أن يلزمه إرساله وجزم به في الرعاية.
ويرد الموهوب على واهبه. على الصحيح كالمبيع فإن تلف بعد رده فهدر وقبل الرد من ضمانه.
ولا يتوكل لمحرم خرج به إلى الحل في بيع الصيد ولا شرائه فلو خالف لم يصح عقده.
ولا يسترد المحرم الصيد الذي باعه وهو حلال بخيار ولا عيب في ثمنه ولا غير ذلك لأنه ابتداء ملك وإن رده المشتري عليه بخيار أو عيب فله ذلك ويلزم المحرم إرساله.
وأما ملكه بالإرث: فالصحيح من المذهب أنه يملكه به وعليه جماهير الأصحاب وقيل لا يملكه به أيضا.
فعليه يكون أحق به فيملكه إذا حل وأطلقهما في القاعدة الخمسين [والمحرر والرعاية وغيرهم].
قوله : "وإن أمسك صيدا حتى تحلل ثم تلف أو ذبحه ضمنه وكان ميتة".
هذا المذهب وعليه الأصحاب إلا أبا الخطاب فإنه قال له أكله ويضمن كما قاله المصنف وأطلقهما في المحرر.
فوائد :
الأولى : وكذا الحكم لو أمسك صيد الحرم وخرج به إلى الحل.
الثانية : لو جلب الصيد بعد إخراجه إلى الحل أو بعد حله: ضمنه بقيمته. وهل يحرم أم لا لأن تحريم الصيد لعارض ففيه احتمالان في الفنون.
قلت: الأولى تحريمه كأصله قال في الفروع فيتوجه مثله بيضه.
الثالثة : لو ذبح المحرم صيدا أو قتله فهو ميتة نص عليه وعليه الأصحاب فيحرم أكله على المحرم والحلال.
الرابعة : لو ذبح محل صيد حرم فكالمحرم.
ويأتي إذا اضطر إلى أكل صيد فذبحه هل هو ميتة أو يحل بذبحه عند قول المصنف "ومن اضطر إلى أكل الصيد فله أكله".
الخامسة : لو كسر محرم بيض صيد حرم عليه أكله ويباح أكله للحلال على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح والفروع لأن حله له لا يقف على كسره ولا يعتبر له أهليته فلو كسره مجوسي أو بغير تسمية حل وقال القاضي يحرم على الحلال أيضا كالصيد لأن كسره جرى مجرى الذبح بدليل حله للمحرم بكسر الحلال له وتحريمه عليه بكسر المحرم.
وقال في الرعاية: يحرم عليه ما كسره وقيل وعلى حلال ومحرم.
قوله : "وإن أحرم وفي يده صيد أو دخل الحرم بصيد لزمه إزالة يده المشاهدة دون الحكمية عنه".
إذا أحرم وفي يده صيد لزمه إزالة يده المشاهدة مثل ما إذا كان في قبضته أو خيمته أو رحله أو قفصه أو مربوطا بحبل معه ونحوه وملكه باق عليه فيرده من أخذه ويضمنه من قتله دون الحكمية مثل أن يكون في بيته أو بلده أو في يد نائب له أو في غير مكانه وملكه باق عليه أيضا ولا يضمنه إن تلف وله التصرف فيه بالبيع والهبة وغيرهما ومن غصبه لزمه رده وهذا المذهب فيهما وعليه الأصحاب وقال في الفروع وجزم في الرعاية لا يصح نقل ملكه عما بيده المشاهدة قال فيه نظر انتهى.
قلت: لم أجد ذلك في الرعايتين بل صرح في الكبرى بالجواز فقال ومن أحرم أو دخل الحرم وله صيد أو ملكه بعد لم يزل ملكه عنه وإن كان بيده ابتداء أو دواما أو معه في قفص أو حبل أرسله وملكه فيه باق وله بيعه وهبته بشرطهما انتهى.
وقال في عيون المسائل: إن أحرم وعنده صيد زال ملكه عنه لأنه لا يجوز ابتداء ملكه والنكاح يراد للاستدامة والبقاء فلهذا لا يزول قال في الفروع كذا قال:
وأما إذا دخل الحرم بصيد فالمذهب وعليه الأصحاب ونقله الجماعه أنه يلزمه إزالة يده عنه وإرساله فإن أتلفه أو تلف ضمنه كما قال المصنف كصيد الحل في الحرم وقال في الفروع ويتوجه أنه لا يلزمه إرساله وله ذبحه ونقل الملك فيه لأن الشارع إنما نهى عن تنفير صيد مكة ولم يبين مثل هذا الحكم الخفي مع كثرة وقوعه والصحابة مختلفون وقياسه على الإحرام فيه نظر لأنه آكد لتحريمه ما لا يحرمه.
قوله : "فإن لم يفعل فتلف ضمنه".
إذا أحرم وفي ملكه صيد وهو في يده المشاهدة لزمه إرساله فإن لم يفعل حتى تلف فجزم المصنف هنا أنه يضمن مطلقا وهو أحد الوجهين وجزم به في الوجيز وبن منجا في شرحه وهو تخريج لابن عقيل وهو ظاهر ما جزم به الناظم كالمصنف.
والوجه الثاني: إن أمكنه إرساله فلم يرسله حتى تلف ضمنه وإلا فلا لعدم تفريطه وهذا المذهب وعليه الأصحاب قاله في الفروع ونص أحمد على التفرقة بين اليدين وجزم به في المغني والشرح والقواعد الفقهية وشرح ابن رزين وقدمه في الفصول ويحتمله كلام المصنف هنا أيضا وأطلقهما في الفروع.
وأما إذا ملك الصيد في الحل ودخل به في الحرم ولم يرسله حتى أتلفه، أو تلف في يده فإنه يضمنه قولا واحدا عند الأصحاب ونقله الجماعة كما تقدم.
فائدة : لو أمسك صيدا في الإحرام لزمه إرساله فإن مات قبل إرساله ضمنه مطلقا قولا واحدا.
قوله : "وإن أرسله إنسان من يده قهرا فلا ضمان على المرسل".
هذا المذهب وعليه الأصحاب قال في الفروع وعند أبي حنيفة يضمنه لأن ملكه محترم فلا يبطل بإحرامه وقوى أدلته ومال إليها وقال بعد ذلك يظهر أن قول أبي حنيفة متوجه.
قلت: قطع بذلك في المبهج فقال في فصل جزاء الصيد فإن كان في يده صيد قبل الإحرام ثم أحرم فأرسله من يده غيره بغير إذنه لزمه ضمانه سواء كان المرسل حلالا أو محرما انتهى.
ونقل هذا في القاعدة السادسة والتسعين ثم قال اللهم إلا أن يكون المرسل حاكما أو ولي صبي فلا ضمان للولاية.
ثم قال: هذا كله بناء على قولنا يجب إرساله وإلحاقه بالوحشي وهو المنصوص.
أما إن قلنا: يجوز له نقل يده عنه إلى غيره بإعارة أو إيداع كما قاله القاضي في المجرد وابن عقيل في باب العارية فالضمان واجب بغير إشكال انتهى.
فائدة : لو أمسكه حتى حل فملكه باق عليه على الصحيح من المذهب وقاله القاضي وغيره من الأصحاب وجزم به في المغني وغيره وقدمه في الفروع وغيره وقال في الكافي يرسله بعد حله كما لو صاده وهو محرم وجزم به في الرعاية الكبرى قال في الفروع كذا قال.
قوله : "وإن قتل صيدا صائلا عليه دفعا عن نفسه لم يضمنه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب قاله القاضي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقياس قوله. وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمغني والشرح وغيرهم. ولا فرق بين أن
يخشي منه التلف أو مضرة كجرحه أو إتلاف ماله أو بعض حيوانه قاله الأصحاب وقال أبو بكر في التنبيه عليه الجزاء.
قوله : "أو بتخليصه من سبع أو شبكة ليطلقه لم يضمنه إذا تلف".
يعني: إذا فكه بسبب تخليصه من سبع أو شبكة وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع [وغيره] وقال في الأشهر وقيل يضمنه.
ويأتي في باب الغصب إذا حال حيوان بينه وبين ماله وقتله هل يضمنه أم لا ويأتي في كلام المصنف إذا أتلف بعض الصيد أو جرحه.
قوله : "ولا تأثير للحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان إنسي ولا محرم الأكل".
ذكر المصنف هنا شيئين.
أحدهما : الحيوان الإنسي.
والثاني : الحيوان المحرم أكله.
فأما الحيوان الإنسي: فلا يحرم على المحرم ولا في الحرم إجماعا لكن الاعتبار في الوحشي والأهلي بأصله فالحمام الوحشي وإن تأهل نص عليه ففيه الجزاء كالمتوحش قطع به الأصحاب والصحيح من المذهب أن البط كالحمام فهو وحشي وإن تأهل قدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
قال الزركشي: المصحح وجوب الجزاء وعنه لا يضمنه إذا كان أهليا لأنه مألوف بأصل الخلقة قال في الفروع كذا قالوا.
وأطلق بعض الأصحاب في الدجاج روايتين وخصهما ابن أبي موسى ومن تابعه في دجاج السندي وصحح المصنف والشارح أن الدجاج السندي وحشي كالحمام وأطلق في الفائق في دجاج السندي والبط الروايتين وقدم في الرعايتين والحاويين أن في الدجاج الأهلي الجزاء.
قلت: هذا مشكل جدا وربما كان مخالفا للإجماع والاعتبار في الأهلي بأصله فلو توحش بقر أو غيره فهو أهلي.
قال الإمام أحمد في بقرة توحشت لا شيء فيها.
والصحيح من المذهب أن الجواميس أهلية مطلقا ذكره القاضي وغيره وجزم به في المستوعب وغيره وقدمه في الفروع وقال في الرعاية وما توحش من إنسي أو تأنس من وحشي فليس صيدا.
وقيل ما توحش من إنسي فهو على الإباحة لربه ولغيره وما تأنس من وحشي: فكما لو
لم يستأنس وقيل ما تلف من وحشي لم يحل وفيه الجزاء ولو توحش إنسي لم يحرم انتهى.
وأما محرم الأكل: فالصحيح من المذهب أنه لا جزاء في قتله إلا ما سبق من المتولد وما يأتي في القمل وعليه أكثر الأصحاب من حيث الجملة.
قال الإمام أحمد: لا فدية في الضفدع وقال في الإرشاد فيه حكومة وقدمه في الرعايتين والحاويين ونقله عبد الله.
قال في المستوعب: لا أعرف له وجها وقال ابن عقيل في القملة لقمة أو تمرة إذا لم تؤذه.
قال المصنف والشارح: ويتخرج مثل ذلك في النحلة وفي أم حسين وجه يضمنها بحدى اختاره بعض الأصحاب.
قال المصنف والشارح: وهو خلاف القياس وأم حسين هي الحرباء قال في الفروع وهي دابة معروفة مثل أم عرس وبن آوى.
قال المصنف والشارح هي دابة منتفخة البطن.
قال في الفروع: فيتوجه مثله في كل محرم لم يؤمر بقتله انتهى.
وفي السنور الأهلى وجه: أن فيه الجزاء ويأتي الكلام على الثعلب والسنور الأهلي والهدهد والقرد ونحوها في باب جزاء الصيد.
قوله : "إلا القمل في رواية إذا قتله المحرم".
اعلم أن في جواز قتل القمل وصئبانه للمحرم روايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والهادي والمغني والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وشرح ابن منجا.
إحداهما : يباح قتلها كالبراغيث جزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وصححه في التصحيح والخلاصة والنظم فلا تفريع عليها.
والرواية الثانية: لا يباح قتلها كالبراغيث وهي صحيحة من المذهب وهي ظاهر كلام الخرقي.
قال الزركشي: هي أنصر الروايتين واختيار الخرقي وجزم به في الإفادات وقدمه في الفروع وشرح ابن رزين والزركشي والمحرر.
فعلى المذهب: هل يجب عليه في قتلها جزاء فيه روايتان وأطلقهما في الفروع والزركشي والكافي.
إحداهما : لا جزاء عليه وهي المذهب قال في العمدة لا شيء فيما حرم أكله إلا المتولد وقدمه في المغني والشرح وابن رزين وصححه في النظم فلا تفريع عليها.
والثانية : عليه جزاء وقال في المحرر إن حرم قتله ففيه الفدية وإلا فلا [وهو ظاهر ما جزم به في الهداية والمستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم].
فعليها: أي شيء تصدق به كان خيرا منه كما جزم به المصنف وجزم به في المغني، والشرح والفائق والفروع والزركشي والمحرر والرعاية وغيرهم.
[وقال في المذهب إذا قلنا لا يباح قتله وكان قد جعل في رأسه زئبقا قبل الإحرام ثم يقع فيها بعد الإحرام صيد على ما تقدم].
تنبيه : ظاهر كلام المصنف: أن الروايتين في تحريم قتل القمل لا فرق فيهما بين قتله ورميه أو قتله بالزئبق ونحوه من رأسه وبدنه وثوبه ظاهره وباطنه وهو اختيار المصنف والشارح [وجزم به ابن رزين وغيره وقدمه في الرعاية الكبرى وغيره وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب].
وقيل: رميه من غير ظاهر ثوبه كقتله وقال في المذهب إذا قلنا لا يباح قتله وكان قد جعل في رأسه زئبقا قبل الإحرام فتلف الإحرام لم يضمن انتهى.
قلت: هذا يفتي من نصب الأحبولة قبل الإحرام ثم يقع فيها بعد الإحرام صيد ما تقدم [وأطلقهما في الفروع].
وقال القاضي وابن عقيل: إنما الروايتان فيما إذا أزاله من شعره وبدنه وباطن ثوبه ويجوز من ظاهره نقله عنهما في الفروع.
وحكى المصنف والشارح أن الروايتين فيما أزاله من شعره أما ما ألقاه من ظاهر بدنه وثوبه فلا شيء فيه رواية واحدة.. انتهيا.
قال الزركشي: قال القاضي في الروايتين وموضع الروايتين إذا ألقاها من شعر رأسه أو بدنه أو لحمه أما إن ألقاها من ظاهر بدنه أو ثيابه أو بدن محل أو محرم غيره فهو جائز ولا شيء عليه رواية واحدة.
فائدة : يجوز قتل البراغيث مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقال في الفروع: ظاهر تعليق القاضي أن البراغيث كالقمل قال وهو متوجه وجزم في الرعاية في موضع لا يقتل البراغيث ولا البعوض وذكره في موضع آخر قولا وزاد ولا قرادا وقال الشيخ تقي الدين إن قرصه ذلك قتله مجانا وإلا فلا يقتله.
تنبيه : مفهوم قوله: "إلا القمل إذا قتله المحرم" أنه لا يحرم قتله في الحرم وهو صحيح فيباح بلا نزاع بين الأصحاب.
فوائد :
يستحب قتل كل مؤذ من حيوان وطير جزم به في المستوعب وغيره وقدمه في الفروع وقال هو مراد من أباحه. انتهى.
فمنه الفواسق الخمسة وهي الغراب الأسود والأبقع وقيل المراد في الحديث الأبقع قاله الزركشي والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور والأسود البهيم وفي مسلم " والحية " أيضا وفيه " يقتلن في الحرم والإحرام " وفيه "أنه عليه أفضل الصلاة والسلام أمر محرما بقتل حية في منى" فنص من كل جنس على أدناه تنبيها والتنبيه مقدم على المفهوم إن كان وللدارقطني "يقتل المحرم الذئب".
نقل حنبل "يقتل المحرم الكلب العقور والذئب والسبع وكل ما عدا من السباع".
ونقل أبو الحارث "يقتل السبع عدا أو لم يعد" انتهى.
ومما يقتل أيضا: النمر والفهد وكل جارح كنسر وبازي وصقر وباشق وشاهين وعقاب ونحوها وذباب ووزغ وعلق وطبوع وبق وبعوض ذكره صاحب المستوعب والمصنف والشارح وغيرهم.
ونقل حنبل: يقتل القرد والنسر والعقاب إذا وثب ولا كفارة.
وقال قوم: لا يباح مثل غراب البين قال في الفروع ولعله ظاهر المستوعب فإنه مثل بالغراب الأبقع فقط.
فإن قتل شيئا من هذه الأشياء من غير أن يعدو عليه فلا كفارة عليه ولا ينبغي له.
وما لا يؤذي بطبعه لا جزاء فيه كالرخم والبوم ونحوهما قال بعض الأصحاب ويجوز قتله منهم الناظم.
وقيل: يكره وجزم به في المحرر وغيره وقيل يحرم.
نقل ابو داود: ويقتل كل ما يؤذيه.
وللأصحاب وجهان في نمل ونحوه وجزم في المستوعب يكره قتله من غير أذى وذكر منها الذباب قال في الفروع والتحريم أظهر للنهي.
ونقل حنبل: لا بأس بقتل الذر.
ونقل مهنا: ويقتل النملة إذا عضته والنحلة إذا آذته.
واختار الشيخ تقي الدين لا يجوز قتل نحل ولو بأخذ كل عسله وقال هو وغيره إن لم يندفع نحل إلا بقتله جاز.
قال الإمام أحمد: يدخن للزنابير إذا خشي أذاهم هو أحب إلي من تحريقها والنمل إذا آذاه يقتله.
فائدتان :
إحداهما: قوله: "ولا يحرم صيد البحر على المحرم".
هذا إجماع واعلم أن البحر الملح والأنهار والعيون سواء.
والثانية : ما يعيش في البر والبحر كالسلحفاة والسرطان ونحوهما كالسمك على الصحيح من المذهب جزم به المصنف وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
ونقل عبد الله: عليه الجزاء.
قال في الفروع: ولعل المراد أن ما يعيش في البر له حكمه وما يعيش في البحر له حكمه وأما طير الماء فبري بلا نزاع لأنه يفرخ ويبيض في البر.
قوله : "وفي إباحته في الحرم روايتان".
وأطلقهما في الفروع والفائق وشرح بن منجا والزركشي والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص.
وقال في الفروع أيضا في أحكام صيد المدينة وفي صيد السمك في الحرمين روايتان وقد سبقتا.
إحداهما : لا يباح صححه في التصحيح والشرح والشيخ تقي الدين في منسكه وقدمه في المغني [وشرح ابن رزين].
قال في الوجيز: ويحرم صيد الحرم مطلقا وهو ظاهر كلام الخرقي.
والثانية : يباح جزم به في المنور والإفادات وهو ظاهر كلام بن أبي موسى وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين قال في الفصول وهو اختياري وصححه الناظم.
قوله : "ويضمن الجراد بقيمته".
الصحيح من المذهب: أن الجراد إذا قتل يضمن جزم به في الوجيز والإفادات والمنور قال بن منجا هذا المذهب قال في تجريد العناية يضمن على الأظهر وقدمه في الفروع والكافي والمبهج وصححه في النظم وإليه ميل المصنف والشارح.
وعنه لا يضمن الجراد وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين وجزم به في نهاية ابن رزين ونظمها وأطلقهما في الهداية والفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والفائق والشرح والزركشي.
فعلى المذهب: يضمنه بقيمته كما قال المصنف على الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والشرح وابن منجا في شرحه وغيرهم.
وعنه يتصدق بتمرة عن كل جرادة وجزم به في الإرشاد والمبهج وقدمه في الفصول.
قال القاضي: هذه الرواية تقويم لا تقدير فتكون المسألة رواية واحدة.
قوله : "فإن انفرش في طريقه فقتله بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والشرح والحاويين والرعايتين والفروع والفائق وشرح ابن منجا.
أحدهما : عليه الجزاء وجزم به في الوجيز وصححه في التصحيح.
والثاني : لا جزاء عليه قال الناظم:
ويفدى جراد في الأصح بقيمة
...
ولو في طريق دسته بمبعد
قال في الفصول: وهذا أصح وقدمه ابن رزين في شرحه.
فائدة : حكم بيض الطير إذا أتلفه لحاجة كالمشي عليه حكم الجراد إذا افترش في طريقه قاله المصنف وصاحب الفروع وغيرهما.
قوله : "ومن اضطر إلى أكل الصيد فله أكله".
وهذا بلا نزاع بين الأصحاب لكن إذا ذبحه فهو كالميتة لا يحل أكله إلا لمن يجوز له أكل الميتة أو يحل بالذبح.
قال القاضي: هو ميتة واحتج بقول أحمد كل ما اصطاده المحرم وقتله فإنما هو قبل قتله قال في الفروع كذا قال القاضي قال ويتوجه حله لحل أكله انتهى.
قوله : "وعليه الفداء".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وقيل لا فداء عليه والحالة هذه وحكى عن أبي بكر قاله الزركشي.
تنبيه : يأتي في آخر كتاب الأطعمة في كلام المصنف "لو اضطر للأكل ووجد ميتة وصيدا وهو محرم أو في الحرم".
وأما إذا احتاج إلى فعل شيء من هذه المحظورات مثل أن احتاج إلى حلق شعره لمرض أو قمل أو غيره أو إلى تغطية رأسه أو لبس المخيط ونحو ذلك وفعله فعليه الفدية بلا خلاف أعلمه.
ويجوز تقديم الفدية بعد وجود العذر وقبل فعل المحظور.
فائدة : لو كان بالمحرم شيء لا يجب أن يطلع عليه أحد جاز له اللبس وعليه الفداء نص عليه.
قلت: فيعايى بها.
وتقدم إذا دل على طيب أو لباس عند عقد الدلالة على الصيد.
قوله : "السابع: عقد النكاح لا يصح منه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونقله الجماعة وسواء زوج غيره أو تزوج محرمة أو غيرها وليا كان أو وكيلا.
وعنه إن زوج المحرم غيره صح سواء كان وليا أو وكيلا اختاره أبو بكر كما لو حلق المحرم رأس حلال قاله الزركشي.
فعلى المذهب: الاعتبار بحالة العقد فلو وكل محرم حلالا فعقده بعد حله صح على الصحيح من المذهب وقيل: لا يصح.
ولو وكل حلال حلالا فعقده بعد أن أحرم لم يصح على الصحيح من المذهب وقيل يصح.
ولو وكله ثم أحرم: لم ينعزل وكيله على الصحيح من المذهب وقيل ينعزل.
فعلى المذهب: لو حل الموكل كان لوكيله عقده في الأقيس قاله في الرعاية والفروع.
فلو قال: عقده قبل إحرامي قبل قوله وكذا لو قال عقده بعد إحرامي لأنه يملك فسخه فيملك إقراره ولكن يلزمه نصف المهر.
ويصح العقد مع جهلهما وقوعه لأن الظاهر من المسلمين تعاطي الصحيح.
فائدتان :
إحداهما : لو قال الزوج تزوجتك بعد أن أحللت فقالت بل وأنا محرمة صدق الزوج وتصدق هي في نظيرتها في العدة لأنها مؤتمنة ذكره ابن شهاب وغيره.
الثانية : لو أحرم الإمام منع من التزويج لنفسه وتزويج أقاربه وأما بالولاية العامة فقال القاضي في التعليق لم يجز له أن يزوج وإنما يزوج خلفاؤه ثم سلمه لأنه يجوز بولاية الحكم ما لا يجوز بولاية النسب.
وذكر ابن عقيل احتمالين في عدم تزويجه وجوازه للحرج لأن الحكام إنما يزوجون بإذنه وولايته واختار الجواز لحله حال ولايته والاستدامة أقوى لأن الإمامة لا تبطل بفسق طرأ.
واقتصر في المغني والشرح على حكاية كلام ابن عقيل.
وذكر بعض الأصحاب: أن نائبه إذا أحرم مثل الإمام.
قلت: قال ابن الجوزي في المذهب ومسبوك الذهب للإمام الأعظم ونائبه أن يزوج وهو محرم بالولاية العامة على ظاهر المذهب انتهى.
قلت: وظاهر كلام كثير من الأصحاب: عدم الصحة منهما.
قوله : "وفي الرجعة روايتان".
يعني في إباحتها وصحتها وأطلقهما في الإرشاد والهداية والمبهج ومسبوك الذهب والمستوعب ذكره في باب الرجعة والحاويين وناظم المفردات [والمحرر].
إحداهما : تباح وتصح وهو المذهب اختارها الخرقي والقاضي في كتاب الروايتين والمصنف والشارح وصححه في الهداية والمستوعب هنا والتلخيص [والبلغة] والرعاية الكبرى والتصحيح [وتصحيح المحرر] والفائق.
قال ناظم المفردات: عليها الجمهور وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب والإفادات وقدمه في الكافي والرعاية الصغرى.
والرواية الثانية: المنع وعدم الصحة نقلها الجماعة عن أحمد ونصرها القاضي وأصحابه قال ابن عقيل لا تصح على المشهور قال في الإيضاح وهي أصح ونصرها في المبهج قال الزركشي هي الأشهر عن أحمد.
فوائد :
الأولى : تكره خطبة المحرم كخطبة العقد وشهوده على الصحيح من المذهب وقال ابن عقيل يحرم ذلك لتحريم دواعي الجماع وأطلق أبو الفرج الشيرازي تحريم الخطبة.
الثانية : تكره الشهادة فيه على الصحيح من المذهب وقال ابن عقيل تحرم وقدمه القاضي واحتج بنقل حنبل "لا يخطب" قال: ومعناه لا يشهد النكاح ثم سلمه وقال في الرعاية وغيرها يكره لمحل خطبة محرمة وأن في كراهة شهادته فيه وجهان قال في الفروع كذا قال.
الثالثة : يصح شراء الأمة للوطء وغيره قال المصنف لا أعلم فيه خلافا.
الرابعة : يجوز اختيار من أسلم على أكثر من أربع نسوة لبعضهن في حال إحرامه على الصحيح من المذهب قدمه في المغني والشرح ونصراه وابن رزين وقال القاضي لا يختار والحالة هذه.
ويأتي ذلك في باب نكاح الكفار فإنه محله.
قوله : "الثامن: الجماع في الفرج قبلا كان أو دبرا من آدمي أو غيره فمتى فعل ذلك قبل التحلل الأول فسد نسكه".
هذا المذهب قولا واحدا وعليه أكثر الأصحاب إلا أن بعضهم خرج عدم الفساد بوطء البهيمة من عدم الحد بوطئها وأطلق الحلواني وجهين.
أحدهما : لا يفسد وعليه شاة وأطلق في مسبوك الذهب في فساد النسك بوطء البهيمة وجهين وقال في المذهب وإذا وطىء بهيمة فكالوطء في غيرها في أصح الوجهين.
وتقدم إذا أحرم حال وطئه في أول باب الإحرام.
قوله : "عامدا كان أو ساهيا".
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أن الساهي في فعل ذلك كالعامد وقطع به كثير منهم وكذا الجاهل والمكره قاله المصنف وغيره ونقله الجماعة في الجاهل.
وذكر في الفصول رواية لا يفسد حج الناسي والجاهل والمكره ونحوهم.
وخرجها القاضي في كتاب الروايتين واختاره الشيخ تقي الدين وصاحب الفائق ومال إليه في الفروع وقال هذا متجه ورد أدلة الأصحاب وقال فيه نظر.
وقال في الروضة: المكرهة لا يفسد حجها وعليها بدنة.
ويأتي في كلام المصنف ما يجب بالوطء في باب الفدية في آخر الضرب الثاني وبعده "إذا وطىء عامدا أو مخطئا".
قوله : "وعليهما المضي في فاسده".
حكمه حكم الإحرام الصحيح نقلها الجماعة وعليه الأصحاب وقال في رواية بن إبراهيم أحب إلي أن يعتمر من التنعيم يعني يجعل الحج عمرة ولا يقيم على حجة فاسدة وهو مذهب مالك.
قوله : "والقضاء على الفور إن كان ما أفسده حجا واجبا".
بلا نزاع في وجوب القضاء وتجزئه الحجة من قابل وإن كان الذي أفسده تطوعا فالمنصوص عن الإمام أحمد وجوب القضاء وعليه الأصحاب وقطعوا به قال في الفروع والمراد وجوب إتمامه لا وجوبه في نفسه لقولهم إن تطوع فيثاب عليه ثواب نفل.
وفي الهداية والانتصار وعيون المسائل رواية لا يلزم القضاء قال المجد لا أحسبها إلا سهوا.
قوله : "والقضاء على الفور من حيث أحرما أولا".
إن كانا أحرما قبل الميقات أو من الميقات: أحرما في القضاء من الموضع الذي أحرما منه أولا وإن كانا أحرما من دون الميقات أحرما من الميقات وهذا بلا نزاع ونص عليه الإمام أحمد وعليه الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه أن يحرم من الميقات مطلقا ومال إليه.
قوله : "ونفقة المرأة في القضاء عليها إن طاوعت".
بلا نزاع "وإن أكرهت: فعلى الزوج".
وهو المذهب ولو طلقها نقل الأثرم على الزوج حملها ولو طلقها وتزوجت بغيره ويجبر الزوج الثاني على إرسالها إن امتنع.
ويأتي في باب الفدية في آخر الضرب الثاني "وجوب فدية الوطء على المرأة في الحج والعمرة".
قوله : "ويتفرقان في القضاء من الموضع الذي أصابها فيه إلى أن يحلا".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم قال في الفروع هذا ظاهر المذهب.
وعنه: يتفرقان من الموضع الذي يحرمان منه.
قوله : "وهل هو واجب أو مستحب على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب والهادي والمستوعب والتلخيص والشرح والفائق وشرح ابن منجا.
أحدهما : يستحب وهو المذهب قال في الشرح وهو أولى وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وقدمه في المحرر والفروع والرعايتين والحاويين واختاره بن عبدوس في تذكرته.
والوجه الثاني: أن ذلك واجب جزم به أبو الخطاب في رؤوس المسائل.
تنبيهان
أحدهما : معنى التفرق أن لا يركب معها في محمل ولا ينزل معها في فسطاط ونحو ذلك قال الإمام أحمد يتفرقان في النزول والفسطاط والمحمل ولكن يكون بقربها انتهى وذلك ليراعي أحوالها فإنه محرمها.
الثاني : ظاهر كلام المصنف أن زوجها الذي وطئها يجوز ويصلح أن يكون محرما لها في حجة القضاء وهو صحيح وهو ظاهر كلام الأصحاب قاله في الفروع وقد ذكر المصنف والشارح وبن منجا في شرحه يكون بقربها ليراعي أحوالها لأنه محرمها ونقل محمد بن الحكم يعتبر أن يكون معها محرم غير الزوج.
قلت: فيعايى بها.
فوائد :
الأولى : حكم العمرة حكم الحج في فسادها بالوطء قبل الفراغ من السعي ووجوب المضي في فسادها ووجوب القضاء وغيره فإن كان مكيا أو حصل بها مجاورا أحرم للقضاء من الحل سواء أحرم بها منه أو من الحرم.
وإن أفسد المتمتع عمرته ومضى فيها وأتمها فقال الإمام أحمد يخرج إلى الميقات فيحرم منه بعمرة فإن خاف فوت الحج أحرم به من مكة وعليه دم. فإذا فرغ من الحج: أحرم
من الميقات بعمرة مكان التي أفسدها وعليه هدي لما أفسد من عمرته وهذا المذهب وجزم به المصنف وغيره وقدمه في الفروع.
ونقل أبو طالب والميموني فإذا فرغ منها أحرم من ذي الحليفة بعمرة مكان ما أفسد قال القاضي ومن تبعه تفريعا على رواية المروذي إن دم المتعة والقران يسقط بالإفساد فقال إن أهل بعمرة للقضاء فهل هو متمتع إن أنشأ سفر قصر فمتمتع وإلا فلا على ظاهر نقل بن إبراهيم إذا أنشأ سفر قصر فمتمتع.
ونقل ابن إبراهيم رواية أخرى تقتضي إن بلغ الميقات فمتمتع فقال لا تكون متعة حتى يخرج إلى ميقاته.
الثانية : قضاء العبد كنذره والصحيح من المذهب أنه يصح في حال رقه لأنه وجب عليه بإيجابه قال في الفروع هذا أشهر وقيل لا يصح وأطلقهما في الفروع [وتقدم ذلك في كتاب المناسك في أحكام العبد].
وإن كان الذي أفسده مأذونا فيه قضى متى قدر نقله أبو طالب ولم يملك منعه منه لأن إذنه فيه إذن في موجبه ومقتضاه.
وإن كان غير مأذون فيه ملك السيد منعه على الصحيح من المذهب لتفويت حقه وقيل لا يملكه لوجوبه [وتقدم أيضا هناك].
وإن أعتق قبل القضاء: انصرف إلى حجة الإسلام على الصحيح من المذهب وقال ابن عقيل عندي لا يصح.
الثالثة : يلزم الصبي القضاء على الصحيح من المذهب إذا أفسده نص عليه لأنه يلزمه البدنة والمضي في فاسده كبالغ.
وقيل: لا يلزمه القضاء لعدم تكليفه وحكاه القاضي في تعليقه احتمالا.
فعلى المذهب: يكون القضاء بعد بلوغه على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقيل: يصح قبل بلوغه وصححه القاضي في خلافه.
الرابعة : يكفي العبد والصبي حجة الإسلام والقضاء إن كفت أو صحت كالأولى على الصحيح من المذهب وخالف ابن عقيل.
وتقدم ذلك مع أحكام العبد بأتم من هذا في أول كتاب الحج فليعاود.
الخامسة : لو أفسد القضاء لزمه قضاء الواجب الأول لا القضاء.
قوله : "وإن جامع بعد التحلل الأول لم يفسد حجه".
هذا المذهب سواء كان مفردا أو قارنا وعليه الأصحاب وقال في الفروع: ويتوجه أن حجه يفسد إن بقي إحرامه وفسد بوطئه.
وذكر أبو بكر في التنبيه: أن من وطىء في الحج قبل الطواف فسد حجه وحمله بعضهم على ما قبل التحلل الأول.
قال في المستوعب عن كلام أبي بكر يريد إذا لم يكن رمى جمرة العقبة فلا يكون قبل التحلل الأول وقال في الرعايتين والحاويين وإن جامع قبل تحلله الأول وقيل قبل جمرة العقبة ويأتي في صفة الحج بم يحصل التحلل الأول.
فائدة : هل يكون بعد التحلل الأول محرما ذكر القاضي وغيره أنه يكون محرما لبقاء تحريم الوطء المنافي وجوده صحة الإحرام.
وقال القاضي أيضا: لإطلاق "المحرم" على من حرم عليه الكل.
وقال ابن عقيل في الفنون: يبطل إحرامه على احتمال وقال في مفرداته هو محرم لوجوب الدم.
وذكر المصنف في المغني هنا وتبعه في الشرح أنه محرم وقال في مسألة ما يباح بالتحلل الأول نمنع أنه محرم وإنما ننفي بعض أحكام الإحرام.
ونقل بن منصور والميموني ومحمد بن الحكم فيمن وطىء بعد الرمي ينتقض إحرامه. قال الزركشي: لو وطىء بعد الطواف وقبل الرمي فظاهر كلام جماعة أنه كالأول ولأبي محمد في موضع في لزوم الدم احتمالان وجزم في مواضع أخر بلزوم الدم تبعا للأصحاب.
قوله : "ويمضي إلى التنعيم فيحرم ليطوف وهو محرم".
اعلم أن المذهب: أن الوطء بعد التحلل الأول يفسد الإحرام قولا واحدا ويلزمه أن يحرم من الحل ليجمع بين الحل والحرم ليطوف في إحرام صحيح لأنه ركن الحج كالوقوف وهذا ظاهر كلام الخرقي واختاره المصنف والشارح وغيره وجزم به في الوجيز والفائق وقاله القاضي في المجرد وقدمه في الفروع واختاره الشيخ تقي الدين وقال سواء أبعد أو لا ومعناه كلام غيره قاله في الفروع وقال المصنف والشارح ومن تابعهما والمنصوص عن أحمد أنه يعتمر فيحتمل أنه أراد هذا المعنى يعني ما تقدم وسماه عمرة لأن هذا أفعال العمرة.
ويحتمل أنه أراد عمرة حقيقة. فيلزم سعي وتقصير قالوا والأول أصح.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا: يعتمر مطلقا وعليه نصوص أحمد وجزم به القاضي في الخلاف وابن عقيل في مفرداته وبن الجوزي في كتاب أسباب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمبهج.
قال أبو الخطاب في رؤوس المسائل: يأتي بعمل عمرة وبالطواف والسعي وبقية أفعال الحج.
قوله : "وهل يلزمه بدنة أو شاة على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والمحرر والفروع والزركشي.
إحداهما : يلزمه بدنة جزم به في الوجيز والمنتخب والإفادات [والقاضي] والموفق في شرح مناسك المقنع ونصره وقدمه في الرعايتين والحاويين والفائق والنظم.
والرواية الثانية: يلزمه شاة وهي المذهب وهو ظاهر كلام الخرقي وصححه في التصحيح قال في عقود بن البنا والخلاصة يلزمه دم وجزم به في الإرشاد والإيضاح والمنور والكافي والعمدة وشرحها وقدمه في المغني والشرح ونصراه وصححه القاضي في كتاب الروايتين.
فائدتان :
إحداهما : لو طاف للزيارة ولم يرم ثم وطىء فقدم في المغني والشرح أنه لا يلزمه إحرام من الحل ولا دم عليه لوجود أركان الحج ويحتمل أن يلزمه قال في الفروع وظاهر كلام جماعة كما سبق.
الثانية : العمرة كالحج فيما تقدم وتفسد قبل فراغ الطواف وكذا قبل سعيها إن قلنا هو ركن أو واجب وقال في الترغيب إن وطىء قبل السعي خرج على الروايتين في كونه ركنا أو غيره انتهى.
ولا تفسد قبل الحلق إن لم يجب وكذا إن وجب على الصحيح من المذهب ويلزمه دم وقدم في الترغيب أنها تفسد وقال في التبصرة في فداء في محظورها قبل الحلق الروايتان وقال في الرعاية وعنه يفسد الحج فقط قال في الفروع: كذا قال.
ويأتي في باب الفدية في آخر الضرب الثاني ما يجب بالوطء في العمرة.
قوله : "التاسع المباشرة فيما دون الفرج بشهوة وكذا إن قبل أو لمس بشهوة فإن فعل فأنزل فعليه بدنة".
هذا المذهب نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه الأصحاب وقال في الإرشاد قولا واحدا وهو من المفردات.
وعنه: عليه شاة إن لم يفسد ذكرها القاضي وغيره وقدم ابن رزين في نهايته: أن عليه شاة وجزم به ناظمها وأطلقهما الحلواني كما لو لم يفسد قال في الفروع والقياسان ضعيفان.
ويأتي أيضا في كلام المصنف في باب الفدية في الضرب الثالث في قوله: "ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة".
قوله : "وهل يفسد نسكه على روايتين".
وأطلقهما في الإرشاد والإيضاح والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والرعايتين والفروع والحاويين.
إحداهما : لا يفسد وهي المذهب صححها في التصحيح وجزم به في الوجيز واختارها المصنف والشارح وصاحب الفائق وابن رزين في شرحه وهو ظاهر ما قدمه الناظم.
الثانية : يفسد نصرها القاضي وأصحابه قال في المبهج فسد في أصح الروايتين وقدمه في الهداية وغيرها وصححه في البلغة واختارها الخرقي وأبو بكر في الوطء دون الفرج إذا أنزل قال الزركشي هذا أشهرهما.
وعنه رواية ثالثة: إن أمنى بالمباشرة فسد نسكه دون غيره.
قوله : "وإن لم ينزل لم يفسد".
قال المصنف وتبعه الشارح وغيره لا نعلم فيه خلافا وقال في الفروع وسبق في الصوم خلاف ومثله الفدية فظاهر كلام الحلواني أن فيه خلافا. ويأتي ما يجب عليه بذلك في باب الفدية.
قوله : "والمرأة إحرامها في وجهها".
هذا بلا نزاع فيحرم عليها تغطيته ببرقع أو نقاب أو غيرهما ويجوز لها أن تسدل على وجهها لحاجة على الصحيح من المذهب وأطلق جماعة من الأصحاب جواز السدل وقال الإمام أحمد إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق وليس لها أن ترفع الثوب من أسفل.
قال المصنف: كأن أحمد يقصد أن النقاب من أسفل على وجهها.
وقال القاضي ومن تبعه: تسدل ولا يصيب البشرة فإن أصابها فلم ترفعه مع القدرة فدت لاستدامة الستر.
قال المصنف: ليس هذا الشرط عن أحمد ولا في الخبر والظاهر خلافه فإن المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان شرطا لبينه.
قال في الفروع: وما قاله صحيح.
قال الشيخ تقي الدين: ولو مس وجهها فالصحيح جوازه لأن وجهها كيد الرجل.
تنبيه : مفهوم كلام المصنف وغيره أن غير الوجه لا يحرم تغطيته وهو صحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقال أبو الفرج الشيرازي في الإيضاح والمرأة إحرامها في وجهها وكفيها قال في المبهج وفي الكفين روايتان وقال في الانتصار المرأة أبيح لها كشف الوجه في الصلاة والإحرام.
فائدة : يجتمع في حق المحرمة وجوب تغطية الرأس وتحريم تغطية الوجه ولا يمكنها تغطية كل الرأس إلا بتغطية جزء من الوجه ولا كشف جميع الوجه إلا بكشف جزء من الرأس والمحافظة على ستر الرأس كله أولى لأنه آكد لأنه عورة ولا يختص بالإحرام قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع والزركشي وغيرهم.
قلت: لعلهم أرادوا بذلك الاستحباب وإلا حيث قلنا يجب كشف الوجه فإنه يعفى عن الشيء اليسير منه وحيث قلنا يجب ستر الرأس فيعفى عن الشيء اليسير كما قلنا في مسح الرأس في الوضوء على ما تقدم.
قوله : "ولا تلبس القفازين".
يعني أنه يحرم عليها لبسهما نص عليه وهما شيء يعمل لليدين كما يعمل للبزاة. وفيه الفدية كالرجل فإنه أيضا يمنع من لبسهما ولا يلزم من تغطيتهما بكمها لمشقة التحرز جوازه بهما بدليل تغطية الرجل قدميه بإزاره لا بخف وإنما جاز تغطية قدمها بكل شيء لأنها عورة في الصلاة ولنا في الكفين روايتان أو الكفان يتعلق بهما حكم التيمم كالوجه.
فائدة : لو لفت على يديها خرقا أو خرقة وشدتها على حناء أولا كشده على جسده شيئا ذكره في الفصول عن أحمد فقال في الفروع ظاهر كلام الأكثر لا يحرم عليها ذلك واختاره في الفائق وقال القاضي وغيره هما كالقفازين واقتصر عليه في المستوعب.
قوله : "والخلخال ونحوه".
الصحيح من المذهب: أنه يباح لها لبس الخلخال والحلى ونحوهما نص عليه وعليه جماهير الأصحاب قال المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهما هذا ظاهر المذهب وقدمه في الفروع وغيره قال الزركشي عليه جمهور الأصحاب وعنه يحرم ذلك وهو ظاهر كلام الخرقي.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف هنا لكن قال في المطلع عن كلام المصنف وإنما عطف الخلخال ونحوه على القفازين وإن كان لبس القفازين محرما ولبس الخلخال والحلى مباحا في ظاهر المذهب لأن لبسه مكروه ففيهما اشتراك في رجحان الترك. انتهى.
وحمل صاحب المستوعب والمصنف كلام الخرقي على الكراهة وكلام المصنف ككلام الخرقي لكن بن منجا شرح على أنه محرم فحمله على ظاهره ولم يحك خلافا.
فائدة : لا يحرم عليها لباس زينة على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع والرعاية وزاد ويكره وقال الحلواني في التبصرة يحرم لباس زينة وقال في الفروع: ويتوجه أنه كحلى.
قوله : "ولا تكتحل بالإثمد".
قال الشارح تبعا للمصنف في المغني الكحل بالإثمد مكروه للمرأة والرجل وإنما خصت المرأة بالذكر لأنها محل الزينة والكراهة في حقها أكثر من الرجل انتهى وقدمه.
فظاهر كلام المصنف: الكراهة مطلقا أعني سواء كان الكحل للزينة أو غيرها وهذا اختيار المصنف والشارح وغيرهما.
والصحيح من المذهب: أنه لا يكره إلا إذا كان للزينة نص عليه وقدمه في الفروع وقيل لا يجوز نقل بن منصور لا تكتحل المرأة بالسواد.
فظاهره: التخصيص بالمرأة وهو ظاهر كلام بن أبي موسى.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف وحمل صاحب المستوعب كلام صاحب الإرشاد على الكراهة.
وقال الزركشي: ظاهر كلام الخرقي التحريم وقد يقال ظاهره وجوب الفدية وقد أقره بن الزاغوني على ذلك فقال هو كالطيب واللباس وجعله المجد مكروها وكذا أبو محمد ولم يوجب فيه فدية وسوى بين الرجل والمرأة.
قوله : "ويجوز لبس المعصفر والكحلى".
يجوز لبس المعصفر على الصحيح من المذهب نقلها الجماعة وعليه الأصحاب سواء كان اللابس رجلا أو امرأة وقال في الواضح يجوز لبس ما لم ينفض عليه.
ويأتي في آخر باب ستر العورة: أنه يكره للرجل في غير الإحرام ففيه أولى.
أما الكحلى وغيره من الصباغ فالصحيح من المذهب أنه يجوز لبسه من غير استحباب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به المصنف وغيره وقدمه في الفروع وقال في الرعاية وغيرها يسن لبس ذلك قال في الفروع وهو أظهر.
قوله : "والخضاب بالحناء".
يعني لا بأس به للمرأة في إحرامها وهو اختيار المصنف والشارح فإنهما قالا لا بأس به. والصحيح من المذهب أنه يكره ذكره القاضي وجماعة وقدمه في الفروع وغيره.
فعليه إن فعلت: فإن شدت يدها بخرقة فدت وإلا فلا.
فائدة : يستحب لها الخضاب بالحناء عند الإحرام قاله الأصحاب ويستحب في غير الإحرام لمتزوجة لأن فيه زينة وتحبيبا للزوج كالطيب قال في الرعاية وغيرها ويكره لأيم لعدم الحاجة مع خوف الفتنة وفي المستوعب لا يستحب لها وقال في مكان آخر كرهه أحمد وقال الشيخ تقي الدين هو بلا حاجة.
فأما الخضاب للرجل: فقال المصنف والشارح وجماعة لا بأس به فيما لا تشبه فيه بالنساء.
وأطلق في المستوعب: لها الخضاب بالحناء مختص بالنساء وظاهر ما ذكره القاضي أنه كالمرأة في الحناء لأن ذكر المسألة واحدة انتهى ويباح لحاجة.
قوله : "والنظر في المرآة لهما جميعا".
يعني يجوز للرجل والمرأة النظر في المرآة للحاجة كمداواة جرح وإزالة شعر نبت في عينه ونحو ذلك وهو مراد المصنف وإن كان النظر لإزالة شعث أو تسوية شعر أو شيء من الزينة: كره [ذلك] ذكره الخرقي وغيره وجزم به في المغني والشرح وشرح بن منجا وقدمه في الفروع وقيل يحرم.
وقال في الفروع: ويتوجه أنه لا يكره وفي ترك الأولى نظر لأنه لا يمنع من أن يأتوا شعثا غبرا وأطلق جماعة من الأصحاب لا بأس به وبعض من أطلق قيد في مكان آخر بالحاجة.
فائدة : قال الآجري وبن الزاغوني وغيرهما: ويلبس الخاتم.
وتقدم جواز لبسه للزينة فيما يباح من فضة للرجال.
قال في الفروع: وإذا لم يكره في غير الإحرام فيتوجه في كراهته للمحرم لزينة ما في كحل ونظر في مرآة.
فائدة : يجتنب المحرم ما نهى الله عنه مما فسر به "الرفث والفسوق" وهو السباب وقيل المعاصي والجدال والمراء قال المصنف والشارح المحرم ممنوع من ذلك كله وقال في الفصول يجب اجتناب الجدال والمراء قال وهو المماراة فيما لا يعني وقال في المستوعب يحرم عليه الفسوق وهو السباب والجدال وهو المماراة فيما لا يعني وقال في الرعاية يكره كل جدال ومراء فيما لا يعنيه وكل سباب.
وقيل يحرم كما يحرم على المحل بل أولى قال في الفروع: كذا قال.
وقال في الروضة وغيرها: يستحب أن يتوقى الكلام إلا فيما ينفع والجدال والمراءاة واللغو وغير ذلك مما لا حاجة به إليه ويستحب قلة الكلام إلا فيما ينفع.
وقال في الرعاية: يكره له كثرة الكلام بلا نفع انتهى.
ويجوز له التجارة وعمل الصنعة قال في الفروع والمراد ما لم يشغله عن مستحب أو واجب.
باب الفدية
قوله : "وهي على ثلاثة أضرب أحدها ما هو على التخيير وهو نوعان أحدهما يخير فيه بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة وهي فدية حلق الرأس وتقليم الأظفار وتغطية الرأس واللبس والطيب".هذا المذهب في ذلك [كله] من حيث الجملة.
وأما [من حيث] التفصيل: فإن كان بالصيام فيجزئه ثلاثة أيام على الصحيح من المذهب وقاله الإمام أحمد والأصحاب وقال الآجري يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع.
وإن كان بالإطعام: فالصحيح من المذهب والروايتين أنه يطعم لكل مسكين مد بر كما جزم به المصنف هنا وجزم به في الوجيز والرعايتين والحاويين والمنور وشرح بن منجا وقدمه في الفائق قال في الفروع وهي أشهر.
وعنه لا يجزئه إلا نصف صاع بر لكل مسكين كغيره وجزم به في الكافي وأطلقهما في المغني والشرح والفروع.
تنبيهان
أحدهما : ظاهر كلام المصنف أنه لا يجزئ الخبز وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب واختار الشيخ تقي الدين الإجزاء ويكون رطلين عراقيين كرواية ذكرها المصنف وغيره في كفارة الظهار وقال وينبغي أن يكون بأدم وإن كان مما يؤكل من بر وشعير فهو أفضل.
الثاني : ظاهر كلامه: أنه سواء كان معذورا أو غير معذور وذكره الرواية بعد ذلك يدل عليه وهو صحيح وهو المذهب نقله جعفر وغيره قال المصنف وغيره هذا ظاهر المذهب وهو ظاهر كلامه في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والشرح والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع وغيرهم.
وعنه يجب الدم إلا أن يفعله لعذر فيخير جزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف قال المصنف: اختاره ابن عقيل.
فعلى هذه الرواية: يتعين الدم فإن عدمه أطعم فإن تعذر صام فيكون على الترتيب.
فائدة : يجوز له تقديم الكفارة على الحلق ككفارة اليمين.
قوله : "الثاني: جزاء الصيد يخير فيه بين المثل أو تقويمه بدراهم يشتري
بها طعاما. فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما وإن كان مما لا مثل له خير بين الإطعام والصيام".
أي: تقويم المثل بدراهم يشترى بها طعاما فيطعم كل مسكين مدا أو يصوم عن كل مد يوما وإن كان مما لا مثل له خير بين الإطعام والصيام.
اعلم أن الصحيح من المذهب أن كفارة جزاء الصيد على التخيير نص عليه وعليه الأصحاب قاله في الفروع وغيره.
قال الزركشي: هو المنصوص والمختار للأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمغني والشرح والمحرر وغيرهم.
وعنه أن جزاء الصيد على الترتيب فيجب المثل فإن لم يجد لزمه الإطعام فإن لم يجد صام نقلها محمد بن الحكم.
فعلى المذهب: يخير بين الثلاثة الأشياء التي ذكرها المصنف وهي إخراج المثل أو التقويم بطعام أو الصيام عنه وهذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه الخيرة بين شيئين وهي إخراج المثل والصيام والإطعام فيها وإنما ذكر في الآية ليعدل به الصيام لأن من قدر على الإطعام قدر على الذبح نقلها الأثرم.
وعلى المذهب أيضا: لو أراد الإطعام فالصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه أن يقوم المثلي كما قال المصنف "بدراهم. ويشترى بها طعاما".
وعنه لا يقوم المثلى وإنما يقوم الصيد مكان إتلافه أو بقربه وأطلقهما في الإرشاد وحيث قوم المثلي أو الصيد فإنه يشترى به طعاما للمساكين على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه له الصدقة بالدراهم وليست القيمة مما خير الله [فيه] ذكرها بن أبي موسى وقال المصنف وتبعه الشارح وهل يجوز إخراج القيمة فيه احتمالان.
تنبيهات
الأول : التقويم: يكون بالموضع الذي أتلفه فيه وبقربه نقلها بن القاسم وسندى وجزم به القاضي وغيره وقدمه في الفروع وجزم غير واحد يقومه بالحرم لأنه محل ذبحه.
وتقدم رواية أنه يقوم الصيد مكان إتلافه أو بقربه.
الثاني : الطعام هنا: هو الذي يخرج في الفطرة وفدية الأدنى على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل: يجزئ أيضا كل ما يسمى طعاما وهو احتمال في المغني وغيره وجزم به القاضي في الخلاف.
الثالث : ظاهر قوله : "فيطعم كل مسكين مدا" أنه سواء كان من البر أو من غيره وكذا هو ظاهر الخرقي وأجراه بن منجا على ظاهره وشرح عليه ولم يتعرض إلى غيره.
وقال الشارح: والأولى أنه لا يجزئ من غير البر أقل من نصف صاع لأنه لم يرد في الشرع في موضع بأقل من ذلك في طعمة المساكين.
قال الزركشي: هذا المنصوص والمشهور وجزم به في الرعاية الصغرى والحاويين والمحرر.
قلت: وهو المذهب المنصوص.
الرابع : ظاهر قوله أيضا: "أو يصوم عن كل مد يوما" أنه سواء كان من البر أو من غيره وهو ظاهر كلام الخرقي أيضا وتابعه في الإرشاد والجامع الصغير وعقود بن البنا والإيضاح وقدمه في التلخيص والشرح وهو رواية أثبتها بعض الأصحاب.
والصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب أنه يصوم عن طعام كل مسكين يوما قدمه في الفروع وجزم به في المحرر والرعاية الصغرى والحاويين.
فوائد:
الأولى : أطلق الإمام أحمد في رواية عنه فقال: "يصوم عن كل مد يوما" وأطلق في رواية أخرى فقال: "يصوم عن كل مدين يوما".
فنقل المصنف في المغني والشارح وصاحب التلخيص عن القاضي أنه قال المسألة رواية واحدة وحمل رواية المد على البر ورواية المدين على غيره.
قال الزركشي: والذي رأيته في روايتي القاضي أن حنبلا وابن منصور نقلا عنه: "أنه يصوم عن كل نصف صاع يوما" وأن الأثرم نقل في فدية الأذى: "عن كل مد يوما وعن نصف صاع تمرا أو شعيرا يوما" قال: وهو اختيار الخرقي وأبي بكر قال ويمكن أن يحمل قوله: "عن كل نصف صاع يوما" على أن نصف الصاع من التمر والشعير لا من البر. انتهى.
قال الزركشي: وعلى هذا فإحدى الروايتين مطلقة والأخرى مقيدة لا أن الروايتين مطلقتين وإذا يسهل الحمل ولذلك قطع أبو البركات وغيره إلى أن عزا ذلك إلى الخرقي وفيه نظر انتهى.
وقال في الفروع: فأقر بعض الأصحاب النصين على ظاهرهما وحمل بعض الأصحاب ذلك على ما سبق يعني حمل رواية المد على البر ورواية المدين على غيره قال وهو أظهر انتهى.
الثانية : لو بقي من الطعام ما لا يعدل يوما صام عنه يوما نص عليه لأنه لا يتبعض.
الثالثة : لا يجب التتابع في هذا الصيام بلا نزاع أعلمه للآية.
الرابعة : لا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ويطعم عن بعضه نص عليه ولا أعلم فيه خلافا.
قوله : "الضرب الثاني على الترتيب وهو ثلاثة أنواع أحدها دم المتعة والقران فيجب الهدي".
ولا خلاف في وجوبه وقد تقدم وقت وجوبه ووقت ذبحه في باب الإحرام عند قوله: "ويجب على القارن والمتمتع دم نسك" "فإن لم يجد" يعني: في موضعه فلو وجده في بلده أو وجد من يقرضه فهو كمن لم يجده نص عليه. "فصيام ثلاثة أيام في الحج والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب منهم القاضي في التعليق قال في الفروع هذا الأشهر عن أحمد وعليه الأصحاب وعلل بالحاجة قال في الفروع: وفيه نظر.
وعنه الأفضل: أن يكون آخرها يوم التروية وذكر القاضي في المجرد أن ذلك مذهب أحمد وإليه ميل صاحب الفروع.
فعلى المذهب: قال المصنف وغيره يقدم الإحرام على يوم التروية فيحرم يوم السابع وعلى الرواية الثانية يحرم يوم السادس.
قلت: فيكون مستثنى من قولهم يستحب للمتمتع الذي حل الإحرام منه بالحج يوم التروية فيعايى بها.
فوائد :
الأولى : يجوز تقديم صيام الثلاثة الأيام بإحرام العمرة على الصحيح من المذهب. نص عليه وعليه الأصحاب قال في الفروع وهو أشهر وفي كلام المصنف إيماء إليه لقوله: "والأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة".
وعنه يصومها إذا حل من العمرة.
الثانية : لا يجوز صومها قبل الإحرام بالعمرة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه يجوز قال في الفروع والمراد في أشهر الحج ونقله الأثرم ليكون السبب.
قال ابن عقيل: أحد نسكي التمتع فجاز تقديمها عليه كالحج.
قال المصنف والشارح عن هذه الرواية وليس بشيء وأحمد منزه عن هذه المخالفة لأهل العلم.
الثالثة : وقت وجوب صوم الأيام الثلاثة وقت وجوب الهدي على ما تقدم في باب الإحرام على الصحيح من المذهب قال في الفروع ذكره الأصحاب لأنه بدل كسائر الأبدال وقال القاضي وعندنا يجب إذا أحرم بالحج وقد قال أحمد في رواية بن القاسم وسندي عن صيام المتعة متى يجب قال إذا عقد الإحرام قال في الفروع كذا قال.
وقال القاضي أيضا: لا خلاف أن الصوم يتعين قبل يوم النحر بحيث لا يجوز تأخيره إليه بخلاف الهدي انتهى.
الرابعة : ذكر القاضي وأصحابه وصاحب المستوعب وغيرهم إن أخر صيام أيام التشريق والأيام الثلاثة إلى يوم النحر فقضاء قال في الفروع ولعله مبني على منع صيامه وإلا كان أداء ولعل كلام صاحب الفروع مبني على عدم منع صيام أيام التشريق بزيادة "عدم" وبها يتضح المعنى.
قوله : "وسبعة إذا رجع إلى أهله وإن صام قبل ذلك أجزأ".
يعني بعد إحرامه بالحج لكن لا يجوز صومها في أيام التشريق. نص عليه. وعليه الأصحاب لبقاء أعمال الحج قاله في الفروع ويجوز صومها بعد أيام التشريق يعني إذا كان قد طاف طواف الزيارة قاله القاضي والمراد بقوله تعالى: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] يعني من عمل الحج لأنه المذكور والمعتبر لجواز الصوم.
قوله : "فإن لم يصم قبل يوم النحر".
يعني الأيام الثلاثة "صام أيام منى".
قال ابن منجا في شرحه هذا المذهب وقدمه في المغني والشرح والنظم والرعاية الكبرى في باب أقسام النسك وجزم به في الإفادات وصححه في الفائق وعنه لا يصومها.
وتقدم ذلك مع زيادة حسنة في أواخر باب صوم التطوع وذكر من قدم وأطلق وصحح.
فعلى القول بأنه يصوم أيام منى: لو صامها فلا دم عليه جزم به جماعة منهم المصنف والشارح وصاحب الرعاية وغيرهم وقدمه في الفروع وقال لعله مراد القاضي وأصحابه وصاحب المستوعب وغيرهم بتأخير الصوم عن أيام الحج.
وقوله : "ويصوم بعد ذلك عشرة أيام وعليه دم".
يعني إذا قلنا لا يجوز صوم أيام منى وكذا لو قلنا يجوز صومها ولم يصمها فقدم المصنف هنا أن عليه دما على هذه الرواية وهذا إحدى الروايات جزم به في الإفادات والمنور والمنتخب واختارها الخرقي وقدمه في المحرر والفائق.
وعنه إن ترك الصوم لعذر لم يلزمه قضاؤه وإن تركه لغير عذر فعليه مع فعله دم اختاره القاضي في المجرد وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص في المعذور دون غيره وقدم بن منجا في شرحه أنه إن تركه لغير عذر عليه دم وأطلق الروايتين في المعذور.
وعنه لا يلزمه دم بحال اختاره أبو الخطاب كما قاله المصنف عنه قال الزركشي: وهي التي نصها القاضي في تعليقه وأطلقهن في المستوعب والمغني والكافي والرعايتين والحاويين والزركشي والفروع وقال الترجيح مختلف وأطلق الخلاف في غير المعذور في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والتلخيص.
وأما تأخير الهدي عن أيام النحر فهل يلزمه فيه دم أم يلزمه مع عدم العذر ولا يلزمه مع العذر فيه الروايات المتقدمة في الدم وأطلقهن في الفروع والحاويين والمستوعب.
إحداهن : يلزمه دم آخر مطلقا قدمه في المحرر والفائق.
والثانية : لا يلزمه دم بحال سوى الهدي وقدمه في إدراك الغاية.
والثالثة : إن أخره لعذر لم يلزمه وقدمه في الرعايتين وصححه في الكبرى وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي والتلخيص والشرح وإدراك الغاية وشرح بن منجا في المعذور دون غيره.
قلت: هذا المذهب.
والصحيح من المذهب أيضا: وجوب الدم على غير المعذور وأطلق الخلاف في غير المعذور في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي والشرح والتلخيص. وحكى جماعة الخلاف في المعذور وجهين وفي غير المعذور: روايتين.
فائدتان :
إحداهما: قوله: "ولا يجب التتابع في الصيام".
اعلم أنه لا يجب تتابع ولا تفريق في الأيام الثلاثة والسبعة نص عليه وعليه الأصحاب لإطلاق الأمر ولا يجب التفريق ولا التتابع بين الثلاثة والسبعة إذا قضى كسائر الصوم.
الثانية : لو مات قبل الصوم فحكمه حكم صوم رمضان على ما سبق يمكن منه أو لا نص عليه.
قوله : "ومتى وجب عليه الصوم فشرع فيه ثم قدر على الهدي لم يلزمه الانتقال إليه إلا أن يشاء".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وفي الفصول وغيره تخريج يلزمه الانتقال إليه وخرجوه من اعتبار الأغلظ في الكفارة وقال بن الزاغوني في واضحه إن قرعه ثم قدر يوم النحر عليه نحره إن وجب إذن وإن دم القران يجب بإحرام قال في الفروع كذا قال قال في القاعدة الخامسة لو كفر المتمتع بالصوم ثم قدر على الهدي وقت وجوبه فصرح بن الزاغوني في الإقناع بأنه لا يجزئه الصوم وإطلاق الأكثرين يخالفه بل وفي كلام بعضهم تصريح به.
قوله : "وإن وجب ولم يشرع فيه فهل يلزمه الانتقال على روايتين".
وأطلقهما في الكافي والمغني والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وشرح بن منجا والزركشي وغيرهم.
إحداهما : لا يلزمه وهي المذهب قال في القواعد الفقهية هذه المذهب انتهى وصححه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص.
والرواية الثانية: يلزمه كالمتيمم يجد الماء صححه في التصحيح والنظم والقاضي الموفق [في شرح المناسك] وجزم به في الإفادات وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز والخرقي والمنور والمنتخب لأنهم قالوا لا يلزمه الانتقال بعد الشروع قال في التلخيص ومبنى الخلاف هل الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب أو بأغلظ الأحوال فيه روايتان انتهى.
قلت: المذهب الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب كما يأتي في كلامه في كفارة الظهار.
فعلى المذهب: لو قدر على الشراء بثمن في الذمة وهو موسر في بلده لم يلزمه ذلك بخلاف كفارة الظهار [واليمين] وغيرهما قاله في القواعد.
فائدة : قال في القواعد الفقهية في القاعدة السادسة عشر إذا عدم هدي المتعة ووجب الصيام عليه ثم وجد الهدي قبل الشروع فيه فهل يجب عليه الانتقال أم لا ينبني على أن الاعتبار في الكفارات بحال الوجوب أو بحال الفعل وفيه روايتان وقاله في التلخيص فإن قلنا بحال الوجوب صار الصوم أصلا لا بدلا وعلى هذا فهل يجزئه فعل الأصل وهو الهدي المشهور أنه يجزئه وحكى القاضي في شرح المذهب عن بن حامد أنه لا يجزئه.
قلت: يأتي في كلام المصنف في أثناء الظهار بخلاف في ذلك وأن الصحيح من المذهب الاعتبار بحال الوجوب.
قوله : "النوع الثاني المحصر يلزمه الهدي فإن لم يجد صام عشرة أيام ثم حل".
اعلم أنه إذا أحصر عن البيت بعدو فله التحلل بأن ينحر هديا بنية التحلل وجوبا مكانه ويجوز أن ينحره في الحل على الصحيح من المذهب وعنه ينحره في الحرم وعنه ينحره المفرد والقارن يوم النحر.
ويأتي ذلك في قوله: "ودم الإحصار يخرجه حيث أحصر".
فإن لم يجد الهدي صام عشرة أيام بالنية ثم حل وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونقله الجماعة وقدمه في الفروع وغيره.
ولا إطعام فيه. على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعايتين والحاويين وعنه بلى وقال الآجري إن عدم الهدي مكانه قومه طعاما وصام عن كل مد يوما وحل. قال:
وأحب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر فإن صعب عليه حل ثم صام.
ويأتي حكم الفوات قريبا وتأتي أحكام المحصر في بابه بأتم من هذا.
قوله : "النوع الثالث فدية الوطء تجب بدنة فإن لم يجدها صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع كدم المتعة لقضاء الصحابة رضي الله عنهم".
هذا المذهب يعني أنه ينتقل من الهدي إلى الصيام.
قال المصنف والشارح هذا الصحيح من المذهب وجزم به في الوجيز والمنتخب وقدمه في الفروع والكافي وتجريد العناية.
"وقال القاضي إن لم يجد البدنة أخرج بقرة فإن لم يجد فسبعا من الغنم فإن لم يجد أخرج بقيمتهما أي البدنة طعاما فإن لم يجد صام عن كل مد يوما".
وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم وقالوا فإن لم يجد صام عن كل مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير يوما وقال في الفروع وقال القاضي يتصدق بقيمة البدنة طعاما فإن لم يجد صام عن طعام كل مسكين يوما كجزاء الصيد لا ينتقل في إحدى الروايتين إلا إلى الإطعام مع وجود المثل ولا إلى الصيام مع القدرة على الإطعام ونقله أيضا المصنف والشارح عن القاضي.
ويأتي في كلام المصنف من وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة ويجزئه أيضا سبع من الغنم على ما يأتي هناك.
قال المصنف هنا: وظاهر كلام الخرقي أنه مخير في هذه الخمسة فبأيها كفر أجزأه وكذا نقله عنه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والحاويين وغيرهم.
قال الشارح: إنما صرح الخرقي بإجزاء سبع من الغنم مع وجود البدنة هكذا ذكر في كتابه ولعل ذلك قد نقله بعض الأصحاب عنه في غير كتابه المختصر انتهى.
فائدة : قال بن منجا في شرحه قال صاحب النهاية فيها يعني بعد هذا منشأ الخلاف بين الخرقي والقاضي أن الوطء هل هو من قبيل الاستمتاعات أو من قبيل الاستهلاكات فعلى هذا إن قيل هو من قبيل الاستمتاعات وجب أن تكون كفارته على التخيير لأن الطيب واللبس استمتاع وهما على التخيير على الصحيح وإن قيل هو من قبيل الاستهلاك وجب أن يكون على الترتيب لأن قتل الصيد استهلاك وكفارته على الترتيب على الصحيح انتهى.
فائدة : قال بن منجا في شرحه واعلم أن الانتقال من البدنة إلى الصيام لم أجد به قولا لأحمد ولا لأحد من الأصحاب وكأنه والله أعلم اختاره لما فيه من موافقة العبادلة إلا أن فيه نظرا نقلا وأثرا.
أما النقل: فقال في المغني يجب على المجامع بدنة فإن لم يجد فشاة.
وأيضا فإنه شبه هنا فدية الوطء بفدية المتعة والشبه إنما يكون في ذات الواجب أو في نفس الانتقال.
ويرد على الأول: أنه لا يجب فيها بدنه بل شاة وعلى الثاني أنه لا يجوز الانتقال في المتعة مع القدرة على الشاة.
قلت: في كلام بن منجا شيء وهو أنه نقل عن المصنف في المغني أنه قال يجب على المجامع بدنة فإن لم يجد فشاة وهذا لم ينقله المصنف في المغني عن أصحاب المذهب وإنما نقله عن الثوري وإسحاق فلعله كان في النسخة التي عنده نقص فسقط هذا النقل والاعتراض.
وقوله : "والشبه إنما يكون في ذات الواجب أو في نفس الانتقال" فيرد على الأول أنه لا يجب فيها بدنة بل شاة.
قلت: هذا غير وارد والجامع بينهما أن هذا هدي وهذا هدي ولا يلزم المساواة من كل وجه بل يكتفى بجامع ما.
وقوله : "ويرد على الثاني أنه لا يجوز الانتقال في المتعة مع القدرة على الشاة".
قلت: وهذا مسلم فإنا نقول لا يجوز الانتقال من الهدي الواجب بالوطء مع القدرة عليه وهكذا قال المصنف فلا يرد عليه.
وقوله : "وأما الأثر" فإن المروي عن العبادلة أن من أفسد حجه أفتوه إذا لم يجد الهدي انتقل إلى صيام عشرة أيام ولا يلزم في حق من لم يجد بدنة أن يقال عنه لم يجد الهدي لأنه قد لا يجد بدنة ويجد بقرة أو شاة.
قلنا: هذا مسلم والمصنف رحمه الله قد نبه على هذا بعد ذلك بقوله: "ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة ويجزئه أيضا سبع من الغنم على ما يأتي" فلم يمنع ذلك المصنف غايته أن ذلك ظاهر كلامه فيرد بصريح كلامه الآتي ونقيده به وكلام المصنف يقيد بعضه بعضا وهذا عجب منه إذ هو شارح كلامه.
قوله : "ويجب بالوطء في الفرج بدنة".
هذا المذهب. وعليه جماهير الأصحاب وسواء كان قارنا أو غيره وعنه يلزم القارن بدنة للحج وشاة للعمرة إن لزمه طوافان وسعيان قال في الحاوي وغيره اختاره القاضي.
وقال في الفروع وعند أبي حنيفة: إن وطىء قبل طواف العمرة فسدت وعليه شاة للحج.
وبعد طوافها: لا تفسد. بل حجة وعليه دم.
قال القاضي: ويتخرج لنا مثل هذا على روايتنا عليه طوافان وسعيان قال في الفروع كذا قال.
وقال المصنف وتبعه الشارح: ويتخرج لنا: أن يلزمه بدنة للحج وشاة للعمرة وقال في الرعاية وإن أفسد قارن نسكه بوطء لزمه بدنة نص عليه وشاة مع دم القران وقيل إن لزمه طوافان وقيل وسعيان لزمه كفارتان لهما وبدنة وشاة وسقط دم القران.
قوله : "وشاة إن كانا من العمرة".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونقله أبو طالب وقال الحلواني في الموجز الأشبه أنه تجب بدنة كالحج.
قوله : "وجوب البدنة بوطئه في الحج والشاة بوطئه في العمرة" إنما هو من حيث الجملة أما من حيث التفصيل فقد تقدم في آخر محظورات الإحرام فإنه تارة يكون قبل التحلل الأول وتارة بعده وما فيه من الخلاف فليعلم ذلك.
قوله : "ويجب على المرأة مثل ذلك إن كانت مطاوعة".
الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد أن المرأة كالرجل إذا طاوعت قال الزركشي هذا المشهور والمختار للأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في المغني والمحرر والشرح والفروع وغيرهم وعنه يجزئهما هدي واحد وعنه لا فدية عليها لأنه لا وطء منها ذكره القاضي وغيره واختاره ابن حامد وصححه ابن عقيل وغيره.
قوله : "وإن كانت مكرهة فلا فدية عليها".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه عليها الفدية وعنه يفدى عنها الواطىء ووجه في الفروع رواية أنها تفدى وترجع على الواطىء من الرواية التي في الصوم.
وقال في الروضة المكرهة يفسد صومها ولا يلزمها كفارة ولا يفسد حجها وعليها بدنة قال في الفروع كذا قال.
قوله : "الضرب الثالث الدماء الواجبة للفوات أو لترك واجب أو للمباشرة في غير الفرج فما أوجب منه بدنة فحكمها حكم البدنة الواجبة بالوطء في الفرج".
إذا فاته الحج لعدم وقوفه بعرفة لعذر حصر أو غيره ولم يشترط "أن محلي حيث حبستني".
فعليه هدي. على الصحيح من المذهب وعنه لا هدي عليه وأطلقهما المصنف في هذا الكتاب في باب الفوات والإحصار.
فعلى المذهب: يجزئ من الهدي ما استيسر مثل هدي المتعة قاله المصنف والشارح وغيرهما وقال في الموجز هو بدنة.
وعلى المذهب أيضا: إن عدم الهدي زمن وجوبه صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب من أن دم الفوات مقيس على دم المتعة فهو مثله سواء فهو داخل في كلام القاضي الآتي وعلى كلام صاحب الموجز حكمها حكم صاحب البدنة الواجبة بالوطء في الفرج هذا ما يظهر.
وأما الخرقي: فإنه جعل الصوم عن دم الفوات كالصوم عن جزاء الصيد عن كل مد يوما ويأتي ذلك في باب المحصر بأتم من هذا.
وأما إذا باشر دون الفرج وأوجبنا عليه بدنة فإن حكمها حكم البدنة الواجبة بالوطء في الفرج على ما تقدم من غير خلاف أعلمه.
قوله : "وما عداه".
يعني ما عدا ما تجب فيه البدنة.
"فقال القاضي: ما وجب لترك واجب ملحق بدم المتعة وما وجب للمباشرة ملحق بفدية الأذى".
مثال: ترك الواجب الذي يجب به دم ترك الإحرام من الميقات والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس أو المبيت بمزدلفة إلى بعد نصف الليل أو طواف الوداع أو المبيت بمنى أو الرمي أو الحلاق ونحوها فحكم هذه الدماء الواجبة بترك الواجب حكم دم المتعة على ما تقدم جزم به الأصحاب.
قال في الفروع: ومن ترك واجبا ولو سهوا جبره بدم فإن عدمه فكصوم المتعة والإطعام عنه.
ومثال فعل المباشرة الموجبة للدم: كل استمتاع يوجب شاة كالوطء في العمرة وبعد التحلل الأول في الحج إذا قلنا به والمباشرة من غير إنزال ونحو ذلك إذا قلنا يجب شاة فحكمها حكم فدية الأذى على ما تقدم في أول الباب وهذا أيضا من غير خلاف جزم به الشارح وبن منجا وغيرهما.
قوله : "ومتى أنزل بالمباشرة دون الفرج فعليه بدنة".
هذا المذهب. ونقله الجماعة عن أحمد وعليه الأصحاب قاله في الفروع وهو من المفردات وعنه عليه شاة وإن لم يفسد نسكه ذكرها القاضي وغيره. وأطلقهما الحلواني. وتقدم
ذلك في كلام المصنف في الباب الذي قبله في قوله: "التاسع: المباشرة فيما دون الفرج وهل يفسد نسكه بذلك؟".
قوله : "فإن لم ينزل فعليه شاة".
هذا المذهب وإحدى الروايتين قال الشارح فعليه شاة في الصحيح وصححه الناظم قال الزركشي هذا الأشهر وجزم به الخرقي وصاحب الوجيز والكافي وشرح ابن رزين وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين وعنه بدنة نصرها القاضي وأصحابه قاله الزركشي وأطلقهما في الفروع وشرح بن منجا والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص.
فائدة : وكذا الحكم لو قبل أو لمس بشهوة على الصحيح من المذهب اختاره القاضي والمصنف والمجد والشارح وغيرهم.
والخرقي حكم بأنه إذا أنزل بالمباشرة دون الفرج يفسد حجه وحكى الروايتين فيمن أنزل بالقبلة وعكسه بن أبي موسى فحكى الروايتين في الوطء دون الفرج وجزم بعدم الإفساد بالقبلة.
قوله : "وإن كرر النظر فأنزل أو استمنى فعليه دم هل هو بدنة أو شاة على روايتين".
وأطلقهما في الشرح وشرح بن منجا والزركشي والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي.
إحداهما : عليه بدنة وهو المذهب نص عليه وعليه الجمهور منهم القاضي وأصحابه والخرقي وغيره وقدمه في الفروع والمحرر.
والثانية : عليه شاة جزم به في الوجيز قال في الخلاصة لزمه دم.
قال الزركشي: هي المنصوصة قال ناظم المفردات:
ومحرم بالنظر المكرر أمنى فدى بالشاة أو بالجزر.
فائدة : لو نظر نظرة فأمنى فعليه شاة بلا نزاع وإن لم يمن فلا شيء عليه على الصحيح من المذهب وذكر القاضي رواية يفدى بمجرد النظر أنزل أم لا قال في الفروع ومراده إن كرر.
قوله : "وإن أمذى بذلك فعليه شاة".
يعني إذا أمذى بتكرار النظر وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي،
والمجرد وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
قال الزركشي: اتفق عليه الأصحاب وقال في الكافي لا فدية بمذي بتكرار نظر. قال في الفروع فيتوجه منه تخريج لا فدية بمذي بغير النظر وجزم به الآدمي البغدادي في كتابه فقال إن أمذى باستمناء.
قلت: وجزم به في الوجيز فقال وإن أمذى باستمناء فلا فدية وتقدمت الرواية التي ذكرها القاضي.
تنبيه : مفهوم كلام المصنف أنه إذا لم يكرر النظر وأمنى لا شيء عليه وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام الأكثر وقدمه في الفروع وغيره وقال في الروضة والمستوعب عليه شاة بذلك.
قلت: وهو ظاهر كلام الخرقي فإنه قال وإن نظر فصرف بصره فأمذى فعليه دم وشرح على ذلك ابن الزاغوني.
قوله : "وإن فكر فأنزل فلا فدية عليه".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وعن أبي حفص وابن عقيل أنه كالنظر لقدرته عليه ومرادهما إذا استدعاه أما إذا غلبه فلا نزاع أنه لا شيء فيه قاله الزركشي وغيره وأطلقهما في المحرر.
فائدتان :
إحداهما : الخطأ هنا كالعمد على الصحيح من المذهب كالوطء وقيل لا كما سبق في الصوم.
الثانية : المرأة كالرجل مع وجود الشهوة منها على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه في خطأ ما سبق.
قوله : "ومن كرر محظورا من جنس مثل أن حلق ثم حلق أو وطىء". ثم وطىء المرأة الأولى أو غيرها "قبل التكفير عن الأول فكفارة واحدة".
وكذا لو قلم ثم قلم أو لبس ثم لبس ولو بمخيط على رأسه أو بدواء مطيب فيه، أو تطيب ثم تطيب وهذا المذهب في ذلك كله ونص عليه وعليه الأصحاب وسواء تابعه أو فرقه فظاهره أنه لو قلم خمسة أظفار في خمسة أوقات يلزمه دم وهو صحيح وقاله القاضي وعلله بأنه لما ثبتت الجملة فيه على الجملة في تداخل الفدية كذا الواحد على الواحد في تكميل الدم واقتصر عليه في الفروع.
وعنه أن لكل وطء كفارة وإن لم يكفر عن الأول. لأنه سبب للكفارة فأوجبها. كالأول.
قال في الفروع: فيتوجه تخريج في غيره.
وعنه إن تعدد سبب المحظور مثل أن لبس لشدة الحر ثم لبس للبرد ثم للمرض فعليه كفارات وإلا واحدة.
ونقل الأثرم فيمن لبس قميصا أو جبة أو عمامة لعلة واحدة فكفارة واحدة قلت فإن اعتل فلبس جبة ثم بريء ثم اعتل فلبس جبة قال عليه كفارتان.
وقال ابن أبي موسى في الإرشاد: إن لبس وغطى رأسه متفرقا وجب دمان وإن كان في وقت واحد فعلى روايتين انتهى.
قوله : "وإن كفر عن الأول لزمه للثاني كفارة".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولا أجد فيه خلافا إلا أن المصنف والشارح وصاحب الفروع ذكروا الخلاف المتقدم بعد ذكر هذه المسألة وذكر في الرعاية الرواية الأولى في المسألة الأولى وأعادها في الثانية وليس بشيء.
قوله : "وإن قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونقله الجماعة عن أحمد وعنه عليه جزاء واحد سواء كفر عن الأول أو لا وحكاها في الفروع بصيغة التمريض.
ونقل حنبل: لا يتعدد إن لم يكفر عن الأول ونقل حنبل أيضا إن تعدد قتله ثانيا فلا جزاء فيه وينتقم الله منه.
فائدة : لو قتل صيدين فأكثر معا تعدد الجزاء قولا واحدا قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم.
قوله : "وإن فعل محظورا من أجناس فعليه لكل واحد فداء".
اعلم أنه إذا فعل محظورا من أجناس فلا يخلو: إما أن تتحد كفارته أو تختلف فإن اتحدت وهي مراد المصنف لحكايته الخلاف مثل أن حلق ولبس وتطيب ونحوه فالصحيح من المذهب ما قاله المصنف أن عليه لكل واحد كفارة ونص عليه وعليه أكثر الأصحاب قال في الفروع وهو أشهر وجزم به في الوجيز وغيره [وصححه في التلخيص وتصحيح المحرر] وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم وعنه عليه فدية واحدة. [وأطلقهما في المحرر].
وعنه إن كانت في وقت واحد ففدية واحدة وإن كانت في أوقات: فعليه لكل واحد فدية اختاره أبو بكر.
وقيل: إن تباعد الوقت تعدد الفداء وإلا فلا.
فائدة : قال الزركشي وغيره إذا لبس وغطى رأسه ولبس الخف ففدية واحدة لأن الجميع جنس واحد وأن لا تختلف الكفارة مثل إن حلق أو لبس أو تطيب ووطىء تعددت الكفارة قولا واحدا.
قوله : "وإن حلق أو قلم أو وطىء أو قتل صيدا عامدا أو مخطئا فعليه الكفارة".
إذا حلق أو قلم فعليه الكفارة سواء كان عامدا أو غير عامد هذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونص عليه.
وقيل: لا فدية على مكره وناس وجاهل ونائم ونحوهم وهو رواية مخرجة من قتل الصيد وذكره بعضهم رواية واختاره أبو محمد الجوزي وغيره وهو قول المصنف ويخرج في الحلق مثله واختاره في الفائق في حلق الرأس وتقليم الأظفار.
واما إذا وطىء: فإن عليه الكفارة سواء كان عامدا أو غير عامد.
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به إلا المرأة إذا كانت مكرهة على ما تقدم فيها من الخلاف قريبا مع أنها لا تدخل في كلام المصنف هنا.
وأما إذا قتل صيدا: فعليه الكفارة سواء كان عامدا أو غير عامد هذا الصحيح من المذهب وعليه جمهور الأصحاب ونقله الجماعة عن أحمد رحمه الله تعالى منهم صالح قال في المغني والشرح هذا ظاهر المذهب قال في الفروع وغيره عليه الأصحاب وعنه لا جزاء بقتل الخطأ نقله صالح أيضا واختاره أبو محمد الجوزي وغيره.
فائدتان :
إحداهما : قال في الفروع المكره عندنا كمخطئ وذكر الشيخ يعني به المصنف في كتاب الأيمان في موضعين أنه لا يلزمه إنما يلزم المكره يعني بكسر الراء وجزم به بن الجوزي قاله في القواعد الأصولية.
الثانية : عمد الصبي ومن زال عقله بعد إحرامه خطأ وتقدم ذلك.
قوله : "وإن لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا كفارة عليه".
وكذا إن كان جاهلا أو مكرها وهذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي في كتاب الروايتين ونقله الجماعة عن أحمد وذكره المصنف والشارح وغيرهما ظاهر المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره واختاره الخرقي وغيره.
وعنه تجب الكفارة نصرها القاضي في تعليقه وأصحابه.
وقال في الفروع: ويتوجه أن الجاهل بالحكم هنا كالصوم على ما تقدم وقاله القاضي لخصمه يجب أن تقول ذلك.
فائدتان :
إحداهما : متى زال عذر من تطيب غسله في الحال فلو أخر غسله بلا عذر فعليه الفدية ويجوز له غسله بيده وبمائع وغيره.
ويستحب أن يستعين في غسله بحلال فإن كان الماء لا يكفي الوضوء وغسله غسل الطيب وتيمم للحدث لأن الوضوء له بدل.
قلت: فيعايى بها.
ومحل هذا: إذا لم يقدر على قطع رائحته بغير الماء فإن قدر على قطع الرائحة بغير الماء فعل وتوضأ لأن القصد قطعها.
وإن لم يجد الماء: مسحه بخرقة أو حكه بتراب أو غيره حسب الإمكان.
الثانية : لو مس طيبا يظنه يابسا فبان رطبا ففي وجوب الفدية بذلك وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والفروع والرعايتين والحاوي الكبير والقواعد الأصولية.
أحدهما : يلزمه الفدية لأنه قصد مس الطيب.
والثاني : لا فدية عليه لأنه جهل تحريمه فأشبه من جهل تحريم الطيب.
قلت: وهو الصواب وقدمه في الرعاية الكبرى في موضع.
قوله : "ومن رفض إحرامه ثم فعل محظورا فعليه فداؤه".
اعلم أنه لا يفسد الإحرام برفضه بالنية ولو كان محصرا لم يبح له التحلل بل حكمه باق نص عليه وعليه الأصحاب فإذا فعل محظورا بعد رفضه فعليه جزاؤه وكذا لو فعل جميع محظورات الإحرام بعد رفضه فعليه لكل محظور كفارة وإن لم يتداخل كمن لم يرفض إحرامه وهذا المذهب وعليه الأصحاب.
وعنه يجزئه كفارة واحدة ذكرها في المستوعب في آخر باب "ما يحرم على المحرم".
فائدة : يلزمه لرفضه دم ذكره في الترغيب وغيره وقدمه في الفروع وقال المصنف في المغني والشارح وغيرهما لا شيء عليه لرفضه لأنها نية لم تفد شيئا.
قلت: وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وتقدم إذا أفسد الحج التطوع والعمرة رواية أنه لا يلزم القضاء عند قوله: "وعليه المضي في فاسده" في الباب الذي قبل هذا.
قوله : "ومن تطيب قبل إحرامه في بدنه فله استدامة ذلك".
وهذا بلا نزاع لكن لو نقله من مكان إلى مكان من بدنه أو نقله عنه ثم رده إليه أو مسه بيده فعليه الفدية بخلاف سيلانه بعرق وشمس.
قوله : "وليس له لبس ثوب مطيب".
يعني بعد إحرامه وأما عند إحرامه فيجوز لكن الصحيح من المذهب كراهة تطييب ثوبه وعليه أكثر الأصحاب وقال الآجري يحرم ويحتمله كلام المصنف.
وقيل: هو كتطييب بدنه. وتقدم ذلك في أول باب الإحرام.
فائدة: قوله: "وإن أحرم وعليه قميص خلعه ولم يشقه".
وكذا لو كان عليه سراويل أو جبة أو غيرهما صرح به الأصحاب.
قوله : "فإن استدام لبسه فعليه الفدية".
مراده: ولو استدام لحظة فأكثر فوق المعتاد في خلعه.
قوله : "وإن لبس ثوبا كان مطيبا فانقطع ريح الطيب منه وكان بحيث إذا رش فيه ماء فاح ريحه فعليه الفدية".
وهذا بلا نزاع وكذا لو افترشه نص عليه ولو كان تحت حائل غير ثياب بدنه ولو كان ذلك الحائل لا يمنع ريحه ومباشرته وإن منع فلا فدية. على الصحيح من المذهب وأطلق الآجري أنه إذا كان بينهما حائل كره ولا فدية عليه.
فائدة : القارن كغيره فيما تقدم من الأحكام نص عليه وعليه الأصحاب قاله في الفروع وغيره لظاهر الكتاب والسنة واختار القاضي أنهما إحرامان قال في الفروع ولعله ظاهر قول أحمد فإنه شبهه بحرمة الحرم وحرم الإحرام لأن الإحرام هو نية النسك ونية الحج غير نية العمرة واختار بعضهم أنه إحرام واحد كبيع عبد ودار صفقة واحدة فهو عقد واحد والمبيع اثنان.
وعنه يلزمه بفعل محظور ذكرها في الواضح وذكره القاضي وغيره تخريجا إن لزمه طوافان وسعيان [وقال المصنف في المغني: قال القاضي إذا قلنا عليه طوافان لزمه جزآن انتهى] وخصها ابن عقيل بالصيد كما لو أفرد كل واحد بإحرام قال في الفروع والفرق ظاهر وكما لو وطىء وهو محرم صائم.
قال القاضي: لا يمتنع التداخل ثم لم يتداخلا لاختلاف كفارتهما أو لأن الإحرام [والصيام لا يتداخلان والحج والعمرة يتداخلان عندنا وخرج في المغني لزوم بدنة وشاة فيما إذا أفسد نسكه بالوطء إذا قلنا يلزمه طوافان.
قوله : "وكل هدي أو إطعام فهو لمساكين الحرم إن قدر على إيصاله إليهم".
يعني: إذا كان متعلقا بالإحرام أو] الحرم. فالهدايا والضحايا مختصة بمساكين الحرم كهدي التمتع والقران وغيرهما وكذا ما وجب لترك واجب كالإحرام من الميقات وطواف الوداع ونحوهما وكذا أجزاء المحظورات إذا فعلها في الحرم نص عليه فيجب نحره بالحرم ويجزئه في أي نواحي الحرم كان.
قال الإمام أحمد "ومكة ومنى واحد".
وقال مالك "لا ينحر في الحج إلا بمنى ولا في العمرة إلا بمكة".
قال في الفروع: وهو متوجه.
وأما الإطعام: فهو تبع للنحر ففي أي موضع قيل في النحر فالطعام كذلك.
فوائد :
إحداها : الأفضل أن ينحر في الحج بمنى وفي العمرة بالمروة جزم به في التلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وتذكرة بن عبدوس وغيرهم.
الثانية : اختصاص فقراء الحرم بهدي المحصر من مفردات المذهب قال ناظمها.
وهديه فعندنا يختص
بفقراء الحرم قد نصوا
الثالثة : لو سلمه للفقراء فنحروه أجزأ فإن لم يفعلوا استرده ونحره فإن أبى أو عجز ضمنه وقال في الفروع ويتوجه احتمال لا يضمن ويجب تفرقة لحمه بالحرم وإطلاقه لمساكينه.
الرابعة : مساكين الحرم من كان فيه من أهله ومن ورد إليه من الحاج وغيرهم وهم الذين تدفع إليهم الزكاة.
تنبيه : مفهوم قوله "إن قدر على إيصاله" أنه إذا لم يقدر على إيصاله إليهم أنه يجوز ذبحه وتفرقته هو والطعام في غير الحرم وهو صحيح والصحيح من الروايتين قال في الفروع والجواز أظهر وجزم به الشارح وقدمه في الرعاية.
والرواية الثانية: لا يجوز وهو قول في الرعاية.
قوله : "إلا فدية الأذى أو اللبس ونحوهما".
كالطيب ونحوه وزاد في الرعايتين والحاويين ودم المباشرة دون الفرج إذا لم ينزل وقال في الفروع وما وجب بفعل محظور فحيث فعله ولم يستثن سوى جزاء الصيد وكذا قال الزركشي إذا وجد سببها في الحل فيفرقها حيث وجد سببها وهذا المذهب مطلقا وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه يفرقها في الحرم وقاله الخرقي في غير الحلق قال في الفصول والتبصرة لأنه الأصل خولف فيه لما سبق.
واعتبر في المجرد والفصول: العذر في المحظور وإلا فغير المعذور كسائر الهدي.
قال الزركشي: وقال القاضي وابن عقيل وأبو البركات ما فعله لعذر ينحر هديه حيث استباحه وما فعله لغير عذر اختص بالحرم.
تنبيهان
أحدهما : حيث قيل النحر في الحل فذلك على سبيل الجواز على مقتضى كلام المصنف والمجد وغيرهما وظاهر كلام المصنف والخرقي والتلخيص الوجوب.
الثاني : مفهوم كلامه: أن فدية الأذى واللبس ونحوهما إذا وجد سببها في الحرم يفرقها فيه وهو صحيح وهو المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه يفرقه حيث فعله كحلق الرأس ذكرها القاضي قال المصنف وتقدم ذلك.
فوائد :
الأولى : جزاء الصيد لمساكين الحرم على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب والشارح وهذا يخالف نص الكتاب ومنصوص أحمد فلا يعول عليه وقيل يفرقه حيث قتله لعذر.
الثانية : دم الفوات كجزاء الصيد.
الثالثة : وقت ذبح فدية الأذى واللبس ونحوهما وما ألحق به حين فعله إلا أن يستبيحه لعذر فله الذبح قبله قال في المحرر وغيره وكذلك ما وجب لترك واجب.
الرابعة : لو أمسك صيدا أو جرحه ثم أخرج جزاءه ثم تلف المجروح أو الممسك أو قدم من أبيح له الحلق فديته قبل الحلق ثم حلق أجزأ نص عليه.
وقال في الرعاية: إن أخرج فداء صيد بيده قبل تلفه فتلف أجزأ عنه وهو بعيد قال في الفروع كذا قال.
قوله : "ودم الإحصار يجزئه حيث أحصر".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه لا يجزئه إلا في الحرم فيبعثه إليه ويواطىء رجلا على نحره وقت تحلله.
قال في المبهج: قال بعض أصحابنا لا ينحر هدي الإحصار إلا بالحرم.
قال المصنف: هذا فيمن كان حصره خاصا أما الحصر العام فلا يقوله أحد.
وتقدم التنبيه على ذلك عند قوله: "الثاني دم المحصر".
فوائد :
إحداها : قوله : "وأما الصيام فيجزئه بكل مكان".
قال في الفروع: ويجزئ صوم وفاقا والحلق وفاقا وهدي تطوع ذكره القاضي وغيره وفاقا وما يسمى نسكا بكل مكان.
الثانية: قوله : "وكل دم ذكرناه يجزئ فيه شاة أو سبع بدنة".
ويجزئ أيضا سبع بقرة والأفضل ذبح بدنة أو بقرة لكن إذا ذبحها عن الدم هل تلزمه كلها كما لو اختار الأعلى من خصال الكفارة اختاره ابن عقيل وقدمه في الخلاصة ذكره في المنذور وقدمه في الرعايتين والحاويين [وصححه في تصحيح المحرر] أم يلزمه سبعها فقط والباقي له أكله والتصرف فيه لجواز تركه مطلقا كذبحه سبع شياه؟.
قال ابن أبي المجد في مصنفه فإن ذبح بدنة لم تلزمه كلها في الأشهر انتهى وقدمه ابن رزين في شرحه وقال هذا أقيس فيه وجهان وأطلقهما في المغني [والمحرر والشرح والفروع] والفائق والقواعد الأصولية وقال قلت: وينبغي أن ينبني على الخلاف أيضا زيادة الثواب فإن ثواب الواجب أعظم من ثواب التطوع انتهى والشرح والفروع.
ويأتي نظيرها في باب الهدي والأضاحي عند قوله: "إذا نذر هديا مطلقا فأقل ما يجزئ شاة أو سبع بدنة".
وتقدم نظيرها فيما إذا كان عنده خمسون من الإبل فأخرج زكاتها بعيرا في "باب زكاة بهيمة الأنعام".
الثالثة : حكم الهدي حكم الأضحية نص عليه قياسا عليها فلا يجزئ في الهدي ما لا يضحى به على ما يأتي في باب الأضحية.
قوله : "ومن وجبت عليه بدنة أجزأته بقرة".
وكذا عكسها وتجزئه أيضا البقرة في جزاء الصيد عن البدنة على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل لا تجزئه لأنها تشبه النعامة وذكر القاضي وغيره رواية في غير النذر لا تجزئ البقرة عن البدنة مطلقا إلا لعدمها وقدمه في الرعاية ويأتي في باب الهدي والأضاحي في فصل سوق الهدي "إذا نذر بدنة: أجزأته بقرة".
فائدة : من لزمته بدنة أجزأه سبع شياه مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه تجزئ عند عدمها اختاره ابن عقيل نقله المصنف وغيره.
وعنه لا يجزئ إلا عشر شياه والبقرة كالبدنة في إجزاء سبع شياه عنها بطريق أولى.
ومن لزمته سبع شياه أجزأه بدنة أو بقرة ذكره المصنف في الكافي لإجزائها عن سبعة وقدمه في الفروع.
وذكر جماعة تجزئ إلا في جزاء الصيد وجزم به في التلخيص والرعاية الكبرى.
قال المصنف: لا تجزئ البدنة عن سبع شياه في الصيد والظاهر عنه لأن الغنم أطيب لحما فلا يعدل عن الأعلى إلى الأدنى وجزم به الزركشي.
ويأتي في باب الهدي إذا نذر بدنة تجزئه بقرة في كلام المصنف.
باب جزاء الصيد
تنبيه: مفهوم قوله : "وهو ضربان أحدهما ما له مثل من النعم فيجب فيه مثله وهو نوعان أحدهما قضت فيه الصحابة رضوان الله عليهم ففيه ما قضت".أنه لو قضى بذلك غير الصحابي أنه لا يكون كالصحابي وهو صحيح وهو ظاهر كلام الأصحاب.
وقد نقل إسماعيل الشالنجي: هو على ما حكم الصحابة.
وقال في الفروع: ويتوجه أن فرض الأصحاب المسألة في الصحابة إن كان بناء على أن قول الصحابي حجة قلنا فيه روايتان وإن كان لسبق الحكم فيه فحكم غير الصحابي مثله في هذه الآية وقد احتج بالآية القاضي.
ونقل ابن منصور: كل ما تقدم من حكم فهو على ذلك.
ونقل أبو داود: ويتبع ما جاء قد حكم وفرع منه وقد رجع الأصحاب في بعض المثل إلى غير الصحابي على ما يأتي انتهى.
قوله : "وفي حمار الوحش وبقرته والأيل والتيتل والوعل بقرة".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه في حمار الوحش بدنة وأطلقهما في الكافي وعنه في كل واحد من الأربعة بدنة ذكرها في الواضح والتبصرة وعنه الإجزاء في بقرة الوحش.
فائدة : الأيل: ذكر الأوعال والوعل هو الأروى وهو التيس الجبلي.
قاله الجوهري وغيره. ففي الأروى بقرة كما تقدم في الوعل جزم به في النظم وغيره وقدمه في المغني والشرح والفائق وغيرهم قال القاضي فيها عضب وهو ما قبض قرنه من البقر وهو دون الجذع وجزم به في المستوعب والرعاية.
قوله : "وفي الضبع كبش".
بلا نزاع إلا أنه قال في الفائق "في الضبع شاة" وقال في الرعايتين والحاويين "كبش أو شاة".
قوله : "وفي الغزال والثعلب عنز".
والغزال ذكر الظبية إلى حين يقوى ويطلع قرناه ثم هي ظبية والذكر ظبي فإذا كان الغزال صغيرا فالعنز الواجبة فيه صغيرة مثله وإن كان كبيرا: فمثله.
وأما الثعلب: فقطع المصنف هنا أن فيه عنزا وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والنظم والوجيز والمنتخب والفائق وإدراك الغاية وغيرهم وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن منجا.
وقيل: فيه شاة في الجماعة وهو المذهب جزم به في المبهج وعقود بن البنا والمحرر والفروع والإفادات وتذكرة بن عبدوس والمنور وشرح ابن رزين وقدمه في الشرح وحكاه بن منجا في شرحه رواية.
وعنه لا شيء عليه فيه لأنه سبع وأطلقهما في المبهج قال في الرعاية قلت أن حرم أكله انتهى.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف هنا أنه سواء أبيح أكله أم لا وهو ظاهر كلامه في الهداية وعقود بن البنا والخلاصة والهادي والشرح والتلخيص، والنظم وشرح بن منجا والمحرر والوجيز والفائق وتذكرة بن عبدوس وإدراك الغاية وغيرهم لاقتصارهم على وجوب القضاء من غير قيد وهو أحد الوجهين تغليبا وقدمه في الرعاية الكبرى.
قال في الكافي، في باب محظورات الإحرام: وفي الثعلب الجزاء مع الخلاف في أكله تغليبا للحرمة وذكره ابن عقيل رواية نقل بكر عليه الجزاء هو صيد لكن لا يؤكل.
وقيل: إنما يجب الجزاء على القول بإباحته وهو المذهب.
قال الزركشي: هذا أصح الطريقين عند القاضي وأبي محمد وغيرهما وجزم به في الحاويين واختاره في الرعاية الصغرى وقدمه في الفروع.
قال في الخلاصة: والهدهد والصرد فيه الجزاء إذا قلنا إنه مباح.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف حيث قال في محظورات الإحرام "ولا تأثير للحرم والإحرام في تحريم حيوان إنسي ولا محرم الأكل".
قال في المستوعب: وما في حله خلاف كثعلب وسنور وهدهد وصرد وغيرها ففي وجوب الجزاء الخلاف.
وقال في المذهب ومسبوك الذهب يحرم قتل السنور والثعلب وفي وجوب القيمة بقتلهما روايتان.
وقال في المبهج: وفي الثعلب روايتان إحداهما أنه صيد فيه شاة والأخرى ليس بصيد ولا شيء فيه.
قوله : "وفي الوبر والضب جدي".
الصحيح من المذهب: أن في قتل الوبر جديا جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمحرر والوجيز والإفادات والحاويين وتذكرة بن عبدوس والمنور وغيرهم وقدمه في الفروع والمستوعب والرعايتين والفائق وغيرهم.
وعنه فيه شاة اختاره بن أبي موسى وجزم به في الهادي وأطلقهما في التلخيص وقيل فيه جفرة اختاره القاضي.
وأما الضب: فالصحيح من المذهب أن في قتله جديا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المحرر والوجيز والإفادات وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وعنه فيه شاة اختاره القاضي وأطلقهما في التلخيص.
قوله : "وفي اليربوع: جفرة لها أربعة أشهر".
هذا المذهب نص عليه جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني والشرح والمحرر والفائق والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع والمستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وعنه جدي وقيل: شاة وقيل عناق.
قوله : "وفي الأرنب: عناق".
هذا المذهب نص عليه قاله في الفائق وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني والشرح والمحرر والوجيز والفروع وغيرهم وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاويين.
وقيل: فيه جفرة ذكره في الرعايتين والحاويين.
لكن قال في الرعاية الكبرى: العناق لها ما بين ثلث سنة ونصفها قبل أن تصير جذعة والجفرة عناق من المعز لها ثلث سنة فقط وقال في الفائق الجفرة لها أربع شهور وقال في الفروع الجفرة من المعز لها أربع شهور والعناق أنثى من ولد المعز دون الجفرة انتهى.
قوله : "وفي الحمام وهو كل ما عب وهدر شاة".
وجوب الشاة في الحمام: لا خلاف فيه والعب وضع المنقار في الماء فيكرع كالشاة ولا يشرب قطرة قطرة كبقية الطيور والهدر الصوت.
فالصحيح من المذهب: أن الحمام كل ما عب وهدر وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وقال الكسائي: كل مطوق حمام وقال صاحب التبصرة والغنية وغيرهما من الأصحاب فمما يعب ويهدر الحمام وتسمي العرب القطا حماما وكذا الفواخت والوراشين والقمرى والدبسي والسفانين وأما الحجل فأنه لا يعب وهو مطوق ففيه الخلاف.
قوله : "النوع الثاني ما لم يقض فيه الصحابة فيرجع فيه إلى قول عدلين من أهل الخبرة ويجوز أن يكون القاتل أحدهما".
نص عليه وأن يكون القاتلين أيضا وهذا المذهب وعليه الأصحاب إلا ما تقدم عن صاحب الفروع من أنه "يقبل قول غير الصحابي" في أول الباب وقيد ابن عقيل المسألة بما [إذا كان] قتله خطأ قال لأن العمد ينافي العدالة فلا يقبل قوله إلا أن يكون جاهلا تحريمه لعدم فسقه.
قلت: وهو قوي ولعله مراد الأصحاب.
قال بعضهم: وعلى قياسه قتله لحاجة أكله.
ويأتي في اواخر باب شروط من تقبل شهادته قبول شهادة الإنسان على فعل نفسه.
وتقدم: هل تجب فدية في الضفدع والنملة والنحلة وأم حبين والسنور الأهلي أم لا وهل يجب في البط والدجاج ونحوه أم لا عند قوله: "ولا تأثير للمحرم ولا للإحرام في تحريم حيوان إنسي ومحرم الأكل".
فائدة : في سنور البر والهدهد والصرد حكومة إن ألحق على الصحيح من المذهب وقيل مطلقا وتقدم التنبيه على ذلك في الثعلب.
قوله : "ويجب في كل واحد من الكبير والصغير والصحيح والمعيب مثله".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقطعوا به.
وقال في الفروع: وقياس قول أبي بكر في الزكاة يضمن معيبا بصحيح ذكره الحلواني وخرجه في الفصول احتمالا من الرواية هناك وفيها يعتبر الكبير أيضا فهنا مثله قاله في الفروع.
فلو قتل فرخ حمام كان فيه صغير من أولاد الغنم وفي فرخ النعامة جزاء وفيما عداها قيمته إلا ما كان أكبر من الحمام ففيه ما يذكره قريبا.
قوله : "إلا الماخض تفدى بقيمة مثلها".
هذا أحد الوجهين واختاره القاضي والمصنف وجزم به في الوجيز.
وقال أبو الخطاب: يجب فيها مثلها وهو المذهب جزم به في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر والنظم وتذكرة بن عبدوس وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والفائق وأطلقهما في الشرح.
وقيل: تضمن بقيمة مثلها أو بحائل لأن هذا لا يزيد في لحمها كلونها قاله في الفائق على الأول ولو فداها بغير ماخض فاحتمالان.
وقال في الرعايتين والحاويين: وتفدى الماخض بمثلها فإن عدم الماخض فقيمة ماخض مثلها وقيل قيمة غير ماخض.
فائدتان :
إحداهما : لو جنى على حامل فألقت جنينها ميتا ضمن نقص الأم فقط وهذا المذهب وجزم به في المغني والشرح وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره لأن الحمل في البهائم زيادة وقال في المبهج إذا صاد حاملا فإن تلف حملها ضمنه. وقال في الفصول يضمنه إن تهيأ لنفخ الروح لأن الظاهر أنه يصير حيوانا كما يضمن جنين امرأة بعده.
وقال جماعة من الأصحاب منهم المصنف في الكافي وصاحب التلخيص والرعاية وغيرهم إن ألقته حيا ثم مات فعليه جزاؤه.
وقال جماعة من الأصحاب: إذا كان لوقت يعيش لمثله وإن كان لوقت لا يعيش لمثله فهو كالميت وجزم به في المغني والشرح.
وقاس في القاعدة الرابعة والثمانين وجوب عشر قيمة أمه على قول أبي بكر في وجوب عشر قيمة جنين الدابة على ما يأتي في الغصب ومقادير الديات.
وتقدمت أحكام البيض المذر وما فيه من الفراخ وكذا لو خرج من كسرة البيضة فرخ فعاش أو مات عند قوله: "وإن أتلف بيض صيد".
الثانية : قوله : "ويجوز فداء أعور من عين بأعور من أخرى".
وهذا بلا نزاع وكذا يجوز فداء أعرج من قائمة بأعرج من أخرى لأنه يسير ولا يجوز فداء أعور بأعرج ولا عكسه لعدم المماثلة.
قوله : "ويجوز فداء الذكر بالأنثى وفي فدئها به وجهان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والتلخيص والبلغة والمغني والهادي والشرح والرعاية الصغرى والحاويين والفروع والفائق.
أحدهما : لا يجوز صححه في النظم قال في الخلاصة والأنثى أفضل فيفدى بها واقتصر عليه وقال في المحرر والمنور وبن عبدوس في تذكرته تفدى أنثى بمثلها فظاهر ذلك عدم الجواز.
والوجه الثاني: يجوز صححه في التصحيح وجزم به في الوجيز ومنتخب الآدمي البغدادي وقدمه في الرعاية الكبرى وشرح ابن رزين.
قوله : "الضرب الثاني ما لا مثل له وهو سائر الطير ففيه قيمته".
بلا نزاع إلا ما استثناه بقوله: "إلا ما كان أكبر من الحمام" كالأوز والحبارى والحجل على قول غير الكسائي والكبير من طير الماء والكركى والكروان ونحوه فهل تجب فيه قيمته أو شاة على وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والكافي والمغني والهادي والتلخيص والشرح والفروع والفائق والزركشي.
أحدهما : تجب فيه قيمته لأن القياس خولف في الحمام وهو المذهب صححه في التصحيح وجزم به في المحرر والوجيز والعمدة وقدمه في المستوعب والرعايتين والحاويين وهو ظاهر كلامه في النظم والمنور والمنتخب وإدراك الغاية وغيرهم لاقتصارهم على وجوب الشاة في الحمام دون غيره.
والوجه الثاني: فيه شاة اختاره بن حامد وبن أبي موسى وقدمه ابن رزين في شرحه قال في الخلاصة فأما طير الماء ففيه الجزاء كالحمام وقيل القيمة انتهى.
قوله : "ومن أتلف جزءا من صيد ففيه ما نقص من قيمته أو قيمة مثله إن كان مثليا".
إذا أتلف جزءا من صيد واندمل وهو متمتع فلا يخلو إما أن يكون الصيد مما لا مثل له أو مما له مثل فإن كان مما لا مثل له فإنه يضمنه بقيمته لأن جملته تضمن بقيمته فكذلك أجزاؤه.
وإن كان له مثل فهل يضمن بمثله من مثله لحما أو يضمن بقيمة مثله فيه وجهان وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمغني والشرح.
أحدهما : يضمن بمثله من مثله لحما وهو المذهب وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز قال في [المغني و] الشرح وهو أولى وقدمه في الرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين والفروع وقال ويضمن بعضه بمثله لحما لضمان أصله بمثله من النعم ولا مشقة فيه لجواز عدوله إلى عدله من طعام أو صوم.
وقال القاضي في الخلاف: لا يعرف فيما دون النفس فلو قلنا به لم يمتنع وإن سلمنا فهو الأشبه بأصوله لأنه لم يوجب في شعره ثلث دم لأن النقص فيما يضمن بالمثل لا يضمن به كطعام مسوس في يد الغاصب ولأنه يشق فلم نوجب كما في الزكاة انتهى.
والوجه الثاني: تجب قيمة مثله كما جزم به المصنف هنا وجزم به بن منجا في شرحه وقدمه في الخلاصة.
فائدتان :
إحداهما : قوله : "لو نفر صيدا فتلف بشيء ضمنه".
وكذا لو نقص في حال نفوره ضمنه بلا خلاف فيهما ولا يضمن إذا تلف في مكانه بعد أمنه من نفوره على الصحيح من المذهب وقيل يضمن.
ولو تلف في حال نفوره بآفة سماوية: ففي ضمانه وجهان وأطلقهما في الفروع.
قلت: الأولى الضمان لأنه اجتمع سبب وغيره ولا يمكن إحالته على غير السبب هنا فيغير السبب ثم وجدته في الرعاية الكبرى وقدمه وقال وقيل لا يضمن بآفة سماوية في الأصح.
قلت: والضمان ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو كالصريح في كلامه في الكافي.
الثانية : لو رمى صيدا فأصابه ثم سقط على آخر فماتا ضمنهما فلو مشى المجروح قليلا ثم سقط على آخر ضمن المجروح فقط على الصحيح وقال في الفروع وظاهر ما سبق يضمنهما.
قلت: هي شبيهة بما إذا تلف في مكانه بعد أمنه على ما تقدم.
قوله : "وإن جرحه فغاب ولم يعلم خبره فعليه ما نقص".
يعني: إذا كان الجرح غير موح والصحيح من المذهب أن عليه أرش ما نقص بالجرح كما قال المصنف وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المغني والمحرر والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يضمنه كله وهو ظاهر إطلاق كلام القاضي وأصحابه على ما يأتي بعد ذلك.
فعلى المذهب يقومه صحيحا أو جريحا غير مندمل لعدم معرفة اندماله فيجب ما بينهما فإن كان سدسه فقيل يجب سدس مثله.
قلت: وهو الصحيح.
[وقدمه في الرعايتين والحاويين] قياسا على ما إذا أتلف جزءا من الصيد على ما تقدم قريبا وقد صرح في الهداية والمذهب والمستوعب وغيرهم بذلك وكذا في الرعايتين والحاويين وقدموا وجوب مثله من مثله لحما كما تقدم.
وقيل: يجب قيمة سدس [مثله وقدمه في الخلاصة] وأطلقهما في الفروع بقيل وقيل.
قوله : "وكذلك إن وجده ميتا ولم يعلم موته بجنايته".
إذا جرحه وغاب عنه ثم وجده ميتا ولا يعلم هل موته بجنايته أم لا فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم ما جرحه وغاب ولم يعلم خبره جزم به في الوجيز والنظم وغيرهما وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم.
وقيل: يضمنه كله هنا وهو احتمال في المغني والشرح لأنه وجد سبب إتلافه منه ولم يعلم له سببا آخر فوجب إحالته على السبب المعلوم.
قال الشارح: وهذا أقيس قال في الفروع وهذا أظهر كنظائره وأطلقهما في المحرر والقواعد.
فائدة : لو جرحه جرحا غير موح فوقع في ماء أو تردى فمات ضمنه لتلفه بسببه.
قوله : "وإن اندمل غير ممتنع فعليه جزاء جميعه".
وكذا إن جرحه جرحا [موحيا] وهذا المذهب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وذكر المصنف والشارح تخريجا أنه لا يضمن سوى ما نقص فيما إذا اندمل غير ممتنع وأطلق القاضي وأصحابه في كتب الخلاف وجوب الجزاء كاملا فيما إذا جرحه وغاب وجهل خبره.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف على ما تقدم فإن كلامه مطلق.
فظاهر كلامهم: أن الجرح لو كان غير موح وغاب أن عليه الجزاء كاملا.
قوله : "وإن نتف ريشه فعاد فلا شيء عليه".
وكذا إن نتف شعره وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره قال في المستوعب هو قول غير أبي بكر من الأصحاب وقدمه في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمغني والشرح والفروع والرعايتين [وشرح المناسك] وغيرهم [وصححه في تصحيح المحرر].
وقيل: عليه قيمته لأنه غير الأول وجزم به في الإفادات وأطلقهما في المحرر والحاويين والقواعد الفقهية.
وقال في المستوعب: ذكر أبو بكر أن عليه حكومة ويأتي نظيرها إذا قطع غصنا ثم عاد في الباب الذي بعده وتقدم "إذا تلف بيض صيد" في كلام المصنف في محظورات الإحرام.
فائدة : لو صاد غير ممتنع بنتف ريشه أو شعره فكالجرح على ما سبق وإن غاب ففيه ما نقص لإمكان زوال نقصه كما لو جرحه وغاب وجهل حاله.
قوله : "وكلما قتل صيدا حكم عليه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد.
وعنه لا يجب إلا في المرة الأولى وعنه إن كفر عن الأول فعليه للثاني كفارة وإلا فلا.
وتقدم ذلك في محظورات الإحرام في قوله: "وإن قتل صيدا بعد صيد فعليه جزاؤهما" بأتم من هذا.
قوله : "وإذا اشترك جماعة في قتل صيد فعليهم جزاء واحد".
وهذا إحدى الروايات والمذهب منهما وسواء باشروا القتل أو كان بعضهم ممسكا والآخر مباشرا اختاره بن حامد وبن أبي موسى والقاضي أيضا والمصنف والشارح وقدمه في الكافي وصححه.
قال الزركشي: هذا المختار من الروايات وجزم به في الوجيز والخلاصة وعنه على كل واحد جزاء اختاره أبو بكر.
وعنه إن كفروا بالمال فكفارة واحدة وإن كفروا بالصيام فعلى كل واحد كفارة ومن أهدى فبحصته وعلى الآخر صوم تام نقله الجماعة عن أحمد واختاره القاضي وأصحابه وذكره الحلواني عن الأكثر وأطلقهن في الفروع.
وقيل: لا جزاء على محرم ممسك مع محرم مباشر.
قال في الفروع: فيؤخذ منه لا يلزم مسببا مع مباشر قال ولعله أظهر لا سيما إذا أمسكه ليملكه فقتله محل.
وقيل: القران على المباشرة لأنه هو الذي جعل فعل الممسك علة قال في الفروع [وهذا متجه وجزم بن شهاب أن الجزاء على الممسك وأن عكسه المال قال في الفروع] كذا قال وتقدم نظير ذلك في محظورات الإحرام في قتل الصيد عند قوله: "إلا أن يكون القاتل محرما" فإن حكم المسألتين واحد ذكره الأصحاب وتقدم هناك شريك السبع وشريك الحلال.
باب صيد الحرم ونباته
قوله : "فمن أتلف من صيده شيئا فعليه ما على المحرم في مثله".هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ونص عليه.
وقيل: يلزم جزاءان: جزاء للحرم وجزاء للإحرام.
فائدتان :
إحداهما : لو أتلف كافر صيدا في الحرم ضمنه ذكره أبو الخطاب في انتصاره في بحث مسألة كفارة ظهار الذمي وهو ظاهر ما قطع به... وبناه بعضهم على أنهم هل هم مخاطبون بفروع الإسلام أم لا قال في القواعد الأصولية وليس ببناء جيد وهو كما قال.
الثانية : لو دل محل حلالا على صيد في الحرم فقتله ضمناه معا بجزاء واحد على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم وجزم به ناظم المفردات وهو منها وجزم جماعة منهم القاضي أنه لا ضمان على الدال في حل بل على المدلول وحده كحلال دل محرما.
قوله : "وإن رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم أو أرسل كلبه عليه أو قتل صيدا على غصن في الحرم أصله في الحل أو أمسك طائرا في الحل فهلك
فراخه في الحرم: ضمن في أصح الروايتين".
وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب ولا يضمن الأم فيما تلف فراخه في الحرم قال في القواعد لو رمى الحلال من الحل صيدا في الحرم فقتله فعليه ضمانه نص عليه وجزم به بن أبي موسى والقاضي والأكثرون.
وحكى القاضي وأبو الخطاب وجماعة رواية بعدم الضمان وهو ضعيف ولا يثبت عن أحمد وردوه لوجوه جيدة.
والثانية : لا يضمن لأن القاتل حلال في الحل وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والهادي والتلخيص إلا أنهما استثنيا إذا هلك فراخ الطائر الممسك فقدموا الضمان مطلقا.
قال في المذهب ومسبوك الذهب الضمان ظاهر المذهب.
فائدتان :
إحداهما : لو رمى الحلال صيدا ثم أحرم قبل أن يصيبه ضمنه ولو رمى المحرم صيدا ثم حل قبل الإصابة لم يضمنه اعتبارا بحال الإصابة فيهما ذكره القاضي في خلافه في الجنايات قال ويجيء عليه قول أحمد إنه يضمن في الموضعين قال في القواعد ويتخرج عدم الضمان [عليه].
الثانية : هل الاعتبار بحال الرمي أو بحال الإصابة فيه وجهان.
أحدهما: الاعتبار بحال الإصابة جزم به القاضي في خلافه وأبو الخطاب في رؤوس المسائل فلو رمى بينهما وهو محرم فوقع بالصيد وقد حل حل أكله ولو كان بالعكس لم يحل.
والوجه الثاني: الاعتبار بحالة الرامي والمرمي قاله القاضي في كتاب الصيد.
قوله : "وإن قتل من الحرم صيدا في الحل بسهمه أو كلبه أو صيدا على غصن في الحل أصله في الحرم أو أمسك حمامة في الحرم فهلك فراخها في الحل لم يضمن في أصح الروايتين".
وهي المذهب. وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وصححه المصنف والشارح وصاحب الخلاصة وغيرهم.
والرواية الثانية: يضمن اختاره أبو بكر والقاضي وغيرهما اعتبارا بالقاتل وقدمه في المستوعب.
قال في الإرشاد: فإن أرسل كلبه في الحرم فاصطاد في الحل فالأظهر عنه: أن لا جزاء عليه.
وقيل عنه: عليه الجزاء قال وهو اختياري وقدمه في الهداية والهادي والتلخيص فيما إذا هلك فراخ الطائر الممسك.
وقال في المذهب ومسبوك الذهب إنه ظاهر المذهب وأطلقهما في الرعايتين والحاويين والهداية والهادي والمذهب ومسبوك الذهب والتلخيص إلا ما تقدم.
قال في الفروع: ويتوجه احتمال في الطائر على الغصن يضمن لأنه تابع لأصله وقال أيضا ويتوجه ضمان الفراخ إذا تلف في الحل وقدمه أيضا في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب كما تقدم لأنه سبب تلفه.
فوائد :
منها : لو فرخ الطير في مكان يحتاج إلى نقله عنه فنقله فهلك ففيه الوجهان المتقدمان.
ومنها : لو كان بعض قوائم الصيد في الحل وبعضها في الحرم حرم قتله ووجب الجزاء به على الصحيح من المذهب تغليبا للحرمة وفي المستوعب رواية لا يحرم لأن الأصل الإباحة ولم يثبت أنه من صيد الحرم.
ومنها : لو كان رأسه في الحرم وقوائمه الأربعة في الحل فقال القاضي يخرج على الروايتين واقتصر.
قلت: الأولى هنا: عدم الضمان وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
وحكى في الرعايتين والحاويين: الخلاف وجهين وأطلقهما.
قوله : "وإن أرسل كلبه من الحل على صيد في الحل فقتل صيدا في الحرم فعلى وجهين".
وأطلقهما في الكافي.
أحدهما : لا يضمنه مطلقا وهو المذهب ونص عليه وعليه جماهير الأصحاب قال في المذهب ومسبوك الذهب هذا ظاهر المذهب وصححه في التصحيح وغيره وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر والشرح والرعاية الصغرى والحاويين والفروع والفائق وغيرهم.
والثاني : يضمنه مطلقا اختاره أبو بكر.
وعنه يضمنه إن رسله بقرب الحرم لتفريطه وإلا فلا وجزم به في الإفادات والوجيز والمنور والمنتخب واختاره بن أبي موسى وابن عقيل وبن عبدوس في تذكرته والخلاف روايات عن أحمد وأطلقهن في الرعاية الكبرى.
فعلى الرواية الثالثة: لو قتل الكلب صيدا غير الصيد المرسل إليه لم يضمن على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والمغني والشرح وعنه يضمن لتفريطه.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أن الصيد المقتول في الحرم غير الصيد الذي أرسله عليه.
واعلم أن جمهور الأصحاب إنما يحكون الخلاف المتقدم فيما إذا قتل الصيد المرسول عليه في الحرم ولكن صرح في الكافي بالمسألتين وأن حكمهما واحد.
قلت: لكن عدم الضمان فيما إذا قتل غير المرسول عليه أولى وأقوى.
قوله : "وإن فعل ذلك بسهمه ضمنه".
إن قتل السهم صيدا قصده وكان الصيد في الحرم فقد تقدم في كلام المصنف وإن قتل صيدا غير الذي قصده بأن شطح السهم فدخل الحرم فقتله فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم الكلب قدمه في الفروع والفائق.
وقيل: يضمنه مطلقا وجزم به في الخلاصة والمصنف هنا والشارح.
وأما إذا رمى صيدا في الحل فقتله بعينه في الحرم فهذه نادرة الوقوع وظاهر كلام كثير من الأصحاب يضمنه منهم صاحب الفائق وغيره بل هو كالصريح في ذلك.
فائدتان :
إحداهما : لو دخل سهمه وكلبه الحرم ثم خرج فقتله في الحل لم يضمن ولو جرح الصيد في الحل فتحامل فدخل الحرم ومات فيه حل أكله ولم يضمن كما لو جرحه ثم أحرم فمات.
قال المصنف والشارح: ويكره أكله لموته في الحرم قال في الفروع كذا قال.
الثانية : يحرم عليه الصيد في هذه المواضع سواء ضمنه أو لا لأنه قتل في الحرم ولأنه سبب تلفه.
قوله : "ويحرم قلع شجر الحرم وحشيشه".
يحرم قلع شجر الحرم إجماعا وهو المذهب وعليه الأصحاب أنه يحرم قلع حشيشه ونباته حتى السواك والورق.
"إلا اليابس" فإنه مباح على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وفيه احتمال.
فائدتان :
إحداهما : لا بأس بالانتفاع بما زال بغير فعل آدمي نص عليه وعليه الأصحاب قال المصنف لا نعلم فيه خلافا لأن الخبر في القطع انتهى.
قال بعض الأصحاب: لا يحرم عود وورق زالا من شجرة أو زالت هي بلا نزاع فيه وما انكسر ولم ينقطع فهو كالظفر المنكسر على ما تقدم.
الثانية : تباح الكمأة والفقع والتمرة كالإذخر.
قوله : "وما زرعه الآدمي".
ما زرعه الآدمي من البقول والزرع والرياحين لا يحرم أخذه ولا جزاء فيه بلا نزاع ولا جزاء أيضا فيما زرعه الآدمي من الشجر على الصحيح من المذهب نقل المروذي وبن إبراهيم وأبو طالب وقد سئل عن الريحان والبقول في الحرم فقال ما زرعته أنت فلا بأس وما نبت فلا.
قال القاضي وغيره: ظاهره أن له أخذ جميع ما زرعه وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف لأنه أنبته كالزرع وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والمحرر والوجيز والحاوي وتجريد العناية وغيرهم وقدمه في الفروع والفائق والرعاية وغيرهم.
وجزم ابن البنا في خصاله بالجزاء في الشجر للنهي عن قطع شجرها سواء أنبته الآدمي أو نبت بنفسه ونسبه بن منجا في شرحه إلى قول القاضي وأطلقهما الزركشي ونقل عن القاضي أنه قال ما أنبته في الحرم أولا ففيه الجزاء وإن أنبته في الحل ثم غرسه في الحرم فلا جزاء فيه.
واختار المصنف في المغني إن كان ما أنبته الآدمي من جنس شجرهم كالجوز واللوز والنخل ونحوها لم يحرم قياسا على ما أنبتوه من الزرع والأهلي من الحيوان.
تنبيه : يحتمل قول المصنف "وما زرعه الآدمي" اختصاصه بالزرع دون الشجر فيكون مفهوم كلامه تحريم قطع الشجر الذي أنبته وعليه الجزاء كما جزم به بن البنا قال بن منجا في شرحه وهو ظاهر كلام المصنف لأن المفهوم من إطلاق الزرع ذلك انتهى.
ويحتمل أن يكون على إطلاقه فيعم الشجر كما هو المذهب.
قلت: وهو أقرب لأن الأصل العمل بالعموم حتى يقوم دليل على التخصيص لا سيما إذا وافق الصحيح ولأن "ما" من ألفاظ العموم ولكن فيه تجوز.
ويحتمل أن يريد ما ينبت الآدميون جنسه كما اختاره المصنف في المغني وذكر هذه الاحتمالات الشارح في كلام المصنف.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا يباح إلا ما استثنياه فلا يباح قطع الشوك والعوسج وما فيه مضرة وهو أحد الوجهين اختاره المصنف والشارح وغيرهما.
قال في المحرر "وشجر الحرم ونباته محرم إلا اليابس والإذخر وما زرعه الإنسان أو غرسه" فظاهره: عدم الجواز.
قلت: ثبت في الصحيحين "لا يعضد شوكه".
وقدمه ابن رزين في شرحه واختار أكثر الأصحاب جواز قطع ذلك منهم القاضي وأصحابه وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة،
والتلخيص والبلغة والرعاية الصغرى والحاويين وغيرهم وقدمه في الرعاية الكبرى لأنه يؤذي بطبعه أشبه السباع قال الزركشي عليه جمهور الأصحاب.
قوله : "وفي جواز الرعي وجهان".
أكثر الأصحاب حكى الخلاف وجهين كالمصنف وحكاه أبو الحسين وجماعة روايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي والكافي والمغني والتلخيص والمحرر والشرح والنظم وشرح بن منجا والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وغيرهم.
أحدهما : لا يجوز جزم به أبو الخطاب وابن البنا وغيرهما في كتب الخلاف ونصره القاضي [في الخلاف] وابنه وغيرهما وقدمه في المستوعب وشرح ابن رزين وجزم به الأزجي في المنتخب [والتنبيه ورءوس المسائل وصححه في تصحيح المحرر].
الوجه الثاني: يجوز اختاره أبو حفص العكبري وبن عبدوس في تذكرته وجزم به في الوجيز والإفادات.
قلت: وهو الصواب.
وقال القاضي في التعليق: محل الخلاف إذا أدخل بهائمه لرعيه أما إن أدخلها لحاجة لم يضمنه.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز الاحتشاش للبهائم وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقد منع المصنف في أول الباب من الاحتشاش مطلقا وقال في المستوعب إن احتشه لبهائمه فهو كرعيه وكذا قال في الرعايتين والحاويين والفائق إن فيه وجهين وأطلقهما.
قوله : "ومن قلعه: ضمن الشجرة الكبيرة ببقرة".
هذا المذهب نقله الجماعة وجزم به في الوجيز والنظم والمنور والمنتخب وتجريد العناية وإدراك الغاية والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والهادي والكافي وغيرهم وقدمه في المستوعب والمغني والشرح والرعاية الصغرى والحاويين وجزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف.
وعنه يضمنها ببدنة جزم به في المحرر والإفادات واختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في الرعاية الكبرى والفائق وعنه يضمنها بقيمتها وأطلقهن في الفروع.
وأما الشجرة الصغيرة: فالصحيح من المذهب أنها تضمن بشاة وجزم به أكثر الأصحاب منهم القاضي وأصحابه في كتب الخلاف ومنهم صاحب الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمستوعب والهادي والكافي والمحرر والنظم والوجيز والمنور،
والمنتخب وتذكرة بن عبدوس والحاويين والرعاية الصغرى وتجريد العناية وإدراك الغاية وغيرهم وقدمه في المغني والشرح والفروع ومنه يضمنها بقيمتها.
فائدة : يضمن الشجرة المتوسطة ببقرة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وعنه بقيمتها.
وأما ضمان الحشيش والورق بقيمته فلا أعلم فيه خلافا ونص عليه.
وأما الغصن: فيضمن بما نقص على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والكافي والهادي والمحرر والنظم والحاويين والفائق والمنور والوجيز وتجريد العناية وإدراك الغاية وقدمه في الرعاية الصغرى والفروع.
وقيل: يضمنه بقيمته وقدمه في الرعاية الكبرى.
وقيل: يضمنه بنقص قيمة الشجرة وعنه يضمن الغصن الكبير بشاة وجزم به في المستوعب.
قوله : "فإن استخلف" هو، أو الحشيش "سقط الضمان في أحد الوجهين".
وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والكافي والحاويين وشرح بن منجا والقواعد الفقهية.
أحدهما : يسقط الضمان وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال في المستوعب ذكره أصحابنا قال في الفروع ويسقط الضمان باستخلافه في أشهر الوجهين واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الخلاصة والوجيز والمنور وغيرهم وقدمه في الهداية والمستوعب والهادي والمحرر والشرح والرعايتين وشرح ابن رزين وغيرهم.
والوجه الثاني: لا يسقط الضمان جزم به في الإفادات قال في المستوعب هو الصحيح عندي كحلق المحرم شعرا ثم عاد وتقدم نظيرها "إذا نتف ريشه فعاد" في الباب الذي قبله.
فوائد :
إحداها : لا يجوز الانتفاع بالمقطوع مطلقا على الصحيح من المذهب نص عليه كالصيد وقيل ينتفع به غير قاطعه وهو احتمال في المغني وغيره.
الثانية : لو قلع شجرا من الحرم فغرسه في الحل لزمه رده فإن تعذر أو يبس ضمنه فإن رده وثبت كما كان فلا شيء عليه وإن ثبت ناقصا فعليه ما نقص.
الثالثة : إذا لم يجد الجزاء قومه ثم صام نقله ابن القاسم قاله في الفروع قال في الفصول من لم يجد قوم الجزاء طعاما كالصيد قال في الوجيز ويخير بين إخراج البقرة وبين تقويمها وأن يفعل في ثمنها كما قلنا في جزاء الصيد.
فائدة: قوله: "ومن قطع غصنا في الحل أصله في الحرم ضمنه".
بلا نزاع وكذا لو كان بعضه في الحل وبعضه في الحرم.
قوله : "وإن قطعه في الحرم وأصله في الحل لم يضمنه في أحد الوجهين".
وأطلقهما في المذهب والمحرر والفروع والشرح وشرح بن منجا والرعايتين والحاويين والهادي.
أحدهما : لا يضمنه وهو المذهب اختاره القاضي وصححه في التصحيح والنظم والفائق [وتصحيح المحرر] وجزم به في الوجيز والمنور والمنتخب وقدمه في الخلاصة.
والوجه الثاني: يضمنه اختاره بن أبي موسى وجزم به في الإفادات وقدمه في الهداية.
فوائد :
منها : قال الإمام أحمد لا يخرج من تراب الحرم ولا يدخل إليه من الحل ولا يخرج من حجارة مكة إلى الحل والخروج أشد واقتصر بعض الأصحاب على كراهة إخراجه وجزم في مكان آخر بكراهتهما وقال بعضهم يكره إخراجه إلى حل وفي إدخاله إلى الحرم روايتان وقال في الفصول لا يجوز في تراب [....] الحرم. نص عليه قال في الفروع والأولى أن تراب المسجد أكره. وظاهر [....] جماعة: يكره إخراجه للتبرك ولغيره قال في الفروع ولعل مرادهم يحرم.
ومنها : لا يكره إخراج ماء زمزم قال أحمد أخرجه كعب ولم يزد على ذلك.
ومنها : حد الحرم من طريق المدينة: ثلاثة أميال عند بيوت السقيا وقال القاضي حده من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار على ثلاثة أميال ومن اليمن سبعة أميال عند إضاحة أضاة لبن ومن العراق سبعة أميال على ثنية رجل وهو جبل بالمنقطع وقيل تسعة أميال ومن الجعرانة تسعة أميال في شعب ينسب إلى عبد الله بن خالد بن أسد ومن جدة عشرة أميال عند منقطع الأعشاش ومن الطائف سبعة أميال عند طرف عرنة ومن بطن عرنة أحد عشر ميلا.
قال ابن الجوزي: ويقال عند أضاة لبن مكان أضاحة لبن قال في الفروع وهذا هو المعروف والأول ذكره في الهداية وغيرها.
قوله : "ويحرم صيد المدينة".
نص عليه في رواية الجماعة [وعليه الأصحاب لكن لو فعل وذبح صحت تذكيته على الصحيح من المذهب وذكر القاضي في صحتها احتمالان والمنع ظاهر كلامه في المستوعب الآتي وغيره].
"وشجرها وحشيشها إلا ما تدعو الحاجة إليه من شجرها للرحل والعارضة والقائمة ونحوها" كالوسادة والمسند وهو عود البكرة.
"ومن حشيشها للعلف ومن أدخل إليها صيدا فله إمساكه".
وهذا ما لا أعلم فيه نزاعا وقال في المستوعب وغيره حكم حرم المدينة حكم حرم مكة فيما سبق إلا في مسألة من أدخل صيدا أو أخذ ما تدعو الحاجة إليه من الشجر والحشيش.
قوله : "ومن أدخل إليه صيدا فله إمساكه وذبحه".
قد تقدم قريبا: أن القاضي ذكر في صحة تذكية الصيد احتمالان. وأن [الصحيح من المذهب: الصحة].
قوله : "ولا جزاء في صيد المدينة".
هذا المذهب قال في الفروع اختاره غير واحد.
قلت: منهم المصنف.
وجزم به في الوجيز والمنتخب وقدمه في الفروع والخلاصة والنظم والكافي وتجريد العناية وإدراك الغاية ونهاية ابن رزين.
وعنه جزاؤه سلب القاتل لمن أخذه وهو المنصوص عند الأصحاب في كتب الخلاف قاله في الفروع ونقله الأثرم والميموني وحنبل واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في المنور ونظم نهاية ابن رزين وقدمه في المحرر والرعايتين والحاويين والفائق وناظم المفردات وهو منها وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والهادي والتلخيص والشرح والمذهب الأحمد وشرح ابن منجا.
فائدتان :
إحداهما : سلب القاتل ثيابه قال جماعة منهم المصنف والشارح والسراويل وقال في الفصول وغيره والزينة من السلب كالمنطقة والسوار والخاتم والجبة قال وينبغي أن يكون من آلة الاصطياد لأنها آلة الفعل المحظور كما قال في سلب المقتول قال غيره وليست الدابة منه.
الثانية : إذا لم يسلبه أحد فإنه يتوب إلى الله تعالى مما فعل.
قوله : "وحرمها ما بين ثور إلى عير".
وهو ما بين لابتيها وقدره بريد في بريد نص عليه قال المصنف في المغني والشارح وغيرهما قال أهل العلم بالمدينة لا يعرف بها ثور ولا عير وإنما هما جبلان بمكة فيحتمل أنه عليه أفضل الصلاة والسلام أراد قدر ما بين ثور إلى عير ويحتمل أنه أراد جبلين بالمدينة وسماهما ثورا وعيرا تجوزا والله أعلم.
وقال في المطلع: عير جبل معروف بالمدينة مشهور وقد أنكره بعضهم قال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور.
وأما ثور: فهو جبل بمكة معروف فيه الغار الذي توارى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "المدينة حرم ما بين عير إلى ثور".
قال عياض: أكثر الروايات في البخاري ذكروا "عيرا" فأما "ثور" فمنهم من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا ذكر "ثور" خطأ.
قال أبو عبيد: أصل الحديث "من عير إلى أحد" وكذا قال الحازمي وجماعة وقال الرواية صحيحة وقدروا كما قدر المصنف والشارح.
قال في المطلع: وهذا كله لأنهم لا يعرفون "ثورا" بالمدينة. وقد أخبرنا العلامة عفيف الدين عبد السلام بن مزروع البصري قال صحبت طائفة من العرب من بني هيثم وكنت إذا صحبت العرب أسألهم عما أراه من جبل أو واد وغير ذلك فمررنا بجبل خلف أحد فقلت: ما يقال لهذا الجبل؟ قالوا: هذا جبل ثور فقلت ما تقولون قالوا: هذا "ثور" معروف من زمن آبائنا وأجدادنا فنزلت وصليت ركعتين انتهى.
قال العلامة ابن حجر في شرح البخاري: وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لأخبار المدينة: أن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم أن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى "ثورا" قال: وقد تحققته بالمشاهدة انتهى.
وقال المحب الطبري بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه قال: أخبرني الثقة العالم عبد السلام البصري أن حد أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له "ثور" وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر: أن ذلك الجبل اسمه "ثور" وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر "ثور" في الحديث صحيح وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه قال وهذه فائدة جليلة انتهى.
وقال في الرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم وحرمها ما بين جبليها وقيل كما بين ثور إلى عير.
قال في الفروع: وحرمها ما بين لابتيها بريد في بريد نص عليه انتهى.
وقد ورد "أحرم ما بين لابتيها" وفي رواية "ما بين جبليها" وفي رواية "ما بين مأزميها".
قال الحافظ العلامة ابن حجر في شرحه: رواية "ما بين لابتيها" أرجح لتوارد الرواية عليها. ورواية "جبليها" لا تنافيها فيكون عند كل جبل لابة أو "لابتيها" من جهة الجنوب والشمال و"جبليها" من جهة المشرق والمغرب وعاكسه في المطلع.
وأما رواية "مأزميها" فالمأزم: المضيق بين الجبلين وقد يطلق على الجبل نفسه.
فوائد :
الأولى : مكة أفضل من المدينة على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونصره القاضي وأصحابه وغيرهم.
وأخذه من رواية أبي طالب وقد سئل عن الجوار بمكة فقال كيف لنا به وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لأحب البقاع إلى الله وإنك لأحب البقاع إلى" وعنه: المدينة أفضل. اختاره بن حامد وغيره.
وقال ابن عقيل في الفنون: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة فأما وهو فيها فلا والله ولا العرش وحملته والجنة لأن في الحجرة جسدا لو وزن به لرجح قال في الفروع فدل كلام الأصحاب أن التربة على الخلاف.
وقال الشيخ تقي الدين: لا أعلم أحدا فضل التربة على الكعبة إلا القاضي عياض ولم يسبقه أحد.
وقال في الإرشاد وغيره: محل الخلاف في المجاورة وجزموا بأفضلية الصلاة. وغيرها في مكة واختاره الشيخ تقي الدين وغيره قال في الفروع وهو ظاهر ومعنى ما جزم به في المغني وغيره أن مكة أفضل وأن المجاورة بالمدينة أفضل.
الثانية : يستحب المجاورة بمكة ويجوز لمن هاجر منها المجاورة بها.
ونقل حنبل: إنما كره عمر رضي الله عنه الجوار بمكة لمن هاجر منها قال في الفروع فيحتمل القول به فيكون فيه روايتان.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: المجاورة في مكان يتمكن فيه إيمانه وتقواه أفضل حيث كان انتهى.
الثالثة : تضاعف الحسنة والسيئة بمكان أو زمان فاضل ذكره القاضي وغيره وبن الجوزي والشيخ تقي الدين.
وقد سئل في رواية ابن منصور: تكتب السيئة أكثر من واحدة قال لا إلا بمكة وذكر الآجري أن الحسنات تضاعف ولم يذكر السيئات.
الرابعة : لا يحرم صيد وج وشجره وهو واد بالطائف وفيه حديث رواه أحمد وأبو داود عن الزبير مرفوعا "إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله" لكن الحديث ضعفه الإمام أحمد وغيره من النقاد.
وقال في الرعايتين، والحاويين: ويباح للمحرم صيد وج وهو خطأ لا شك فيه لأن الخلاف الذي وقع بين العلماء إنما هو في إباحته للمحل فعند الإمام أحمد يباح له وعند الشافعي لا يباح وأما المحرم فلا يباح له بلا نزاع والله أعلم.
تم بحمد الله وحسن توفيقه طبع المجلد الثالث
في مطابع دار التراث العربي - بيروت
الزاهرة أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة
والحمد لله رب العالمين
المجلد الرابع
كتاب المناسك
باب دخول مكة...
باب دخول مكة
تنبيه : ظاهر قوله : "يستحب أن يدخل مكة".
أنه سواءكان دخولها ليلا أو نهارا. أما دخولها في النهار: فمستحب بلا نزاع. وأما دخولها في الليل: فمستحب أيضا في أحد الوجهين. ذكره في الفروع. وهو ظاهر كلامهم. وقد نقل ابن هانئ: لا بأس. وإنما كرهه من السراق والصحيح من المذهب: أنه لا يستحب دخولها في الليل قدمه في الفروع وهو ظاهر ما جزم به كثير من الأصحاب لأنهم إنما استحبوا الدخول نهارا.
فائدة : يستحب إذا خرج من مكة أن يخرج من الثنية السفلى من كدى.
تنبيه : ظاهر قوله : "ثم يدخل المسجد من باب بني شيبة".
أنه لا يقول حين دخوله شيئا وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقال في الهداية: يقول عند دخوله "بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله اللهم افتح لنا أبواب فضلك" انتهى. وقال في الرعاية: يقول:"بسم الله اللهم افتح لي أبواب فضلك" انتهى.
قلت: الذي يظهر: أنه يقول إذا أراد دخول المسجد ما ورد في ذلك من الأحاديث ولا أظن أحدا من الأصحاب لا يستحب قول ذلك فإنه مستحب عند إرادة دخول كل مسجد فالمسجد العتيق بطريق أولى وأحرى وإنما سكتوا عنه هنا اعتمادا على ما قالوه هناك وإنما يذكرون هنا ما هو مختص به هذا ما يظهر.
قوله : "فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر".
ونص عليه. وقوله : "وكبر" هذا أحد الوجوه جزم به الخرقي. وفي الهادي والمحرر والرعايتين والحاويين والوجيز وشرح ابن رزين وتذكرة ابن عبدوس والمنور والتسهيل والفائق والزركشي وغيرهم وقيل: ويهلل أيضا قال في النظم: وكبر ومجد وجزم به في تجريد العناية وقال في العمدة: رفع يديه وكبر الله ووحده ودعا وقيل: يرفع يديه ويدعو فقط.
ومنه ما قاله المصنف هنا وهو المذهب وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك
الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والتلخيص والبلغة وإدراك الغاية وقدمه في الفروع.
وعند الشيخ تقي الدين لا يشتغل بدعاء واقتصر في الروضة على قول: "اللهم زد هذا البيت إلى قول ممن حجه واعتمره: تعظيما وتشريفا وتكريما ومهابة وبرا".
قوله : "يرفع بذلك صوته".
جزم به في الهداية والفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر وتذكرة ابن عبدوس والرعايتين والحاويين وإدراك الغاية وغيرهم وقال في الفروع وقيل يجهر به فظاهره أن المقدم عدم الجهر بذلك ولم أر أحدا قدمه لكن المصنف في المغني وتبعه الشارح قالا: قال بعض أصحابنا: يرفع بذلك صوته فالظاهر: أنه تابعهما وأن المسألة مسكوت عنها عند بعضهم وبعضهم قال: يجهر فتكون المسألة قولا واحدا.
قوله : "ثم يبتدئ بطواف العمرة إن كان معتمرا أو بطواف القدوم إن كان مفردا أو قارنا".
هذا المذهب بلا ريب أعني أنه لا يبتدئ بشيء أول من الطواف ما لم تقم الصلاة وقطع به كثير من الأصحاب منهم صاحب المحرر والوجيز والمصنف وغيرهم يفعل ذلك بعد تحية المسجد قال في التلخيص وغيره: والطواف تحية الكعبة.
فائدة : يسمى طواف القارن والمفرد طواف القدوم وطواف الورود.
قوله : "ثم يضطبع بردائه".
الصحيح من المذهب: أن الأطباع يكون في جميع الأسبوع وفي الترغيب رواية: يكون الأطباع في رمله فقط وقاله الأثرم. وأطلقهما الزركشي. ولم يذكر ابن الزاغوني في منسكه الأطباع إلا في طواف الزيارة ويقال في طواف الوداع.
قوله : "ثم يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بجميع بدنه".
إذا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه أجزأ قولا واحدا وإن حاذى بعض الحجر بكل بدنه أجزأ أيضا قولا واحدا لكن قال في أسباب الهداية: وليمر بكل بدنه وإن حاذى الحجر أو بعضه ببعض بدنه فالصحيح من المذهب: أنه لا يجزئ ذلك الشوط صححه في النظم وتصحيح المحرر وقدمه في الفروع والرعاية الصغرى والحاويين.
وقيل: يجزيه اختاره جماعة من الأصحاب منهم الشيخ تقي الدين. وصححه ابن رزين في شرحه وأطلقهما في المغني والمحرر والشرح والتلخيص والرعاية الكبرى والفائق.
قوله : "ثم يستلمه ويقبله وإن شق استلمه وقبل يده وإن شق أشار إليه".
خيره المصنف بين الاستلام مع التقبيل وبين الاستلام مع تقبيل يده وبين الإشارة إليه وقال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والكافي والمغني والخلاصة والتلخيص والمحرر والفائق والشرح وغيرهم ما معناه إنه يستلمه ويقبله فإن شق استلمه وقبل يده فإن شق الاستلام أشار إليه فجعلوا ذلك مرتبا.
وقال في الفروع: ثم استلمه بيده اليمنى نقل الأثرم: ويسجد عليه وإن شاء قبل يده نقله الأثرم ونقل ابن منصور: لا بأس وقال القاضي: فظاهره لا يستحب وقال في الروضة: هل يقبل يده؟ فيه خلاف بين أصحابنا وإلا استلمه بشيء وقبله.
وفي الروضة في تقبيله: الخلاف في اليد ويقبله وإلا أشار إليه بيده أو بشيء في الأصح انتهى.
يعني لا يقبل المشار به وقال في الرعاية الكبرى: يستلمه ويقبله.
وقيل: بل يستلمه ويقبل يده كما لو عسر تقبيله نص عليه.
وإن لمسه بشيء في يده فقبله. فإن عسر لمسه أشار إليه بيده وقام نحوه.
وقيل: ويقبلها إذن انتهى.
فظاهر كلام المصنف لا أعلم له متابعا ولعله أراد جواز هذه الصفات لا الاستحباب.
فائدتان
إحداهما : يستحب استقبال الحجر بوجهه على الصحيح من المذهب
قال الشيخ تقي الدين: هو السنة وهو ظاهر الخرقي وهو ظاهر ما قطع به في المغني والشرح فإنهما قالا: فإن لم يمكنه استلامه وتقبيله قام بحذائه واستقبله بوجهه وكبر وهلل لكن هذا مخصوص بصورة وكذا قطع به الزركشي.
وقيل: لا يستحب أطلقهما في التلخيص والرعايتين والحاويين والفروع
وقيل: يجب قال القاضي في الخلاف: لا يجوز أن يبتدئه غير مستقبل له كما في الطواف محدثا وأطلقهن في الرعاية الكبرى.
الثانية : الاستلام هو مسح الحجر باليد أو بالقبلة من السلام وهو التحية وقيل: من السلام وهي الحجارة واحدها سلمة يعني بفتح السين وبكسر اللام وقيل: من المسالمة كأنه فعل ما يفعله المسالم.
وقيل: الاستلام أن يحيى نفسه عند الحجر بالسلامة
وقيل: هو مهموز الأصل مأخوذ من الملاءمة وهي الموافقة وقيل: من اللأمة وهي السلاح. كأنه حصن نفسه بمس الحجر والله أعلم.
قوله : ويقول: "بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم كلما استلمه".
هكذا قاله جماعة من الأصحاب ولم يذكره آخرون وزاد جماعة على الأول: "الله أكبر الله أكبر ولا إله الا الله والله أكبر ولله الحمد".
فائدة: قوله : "ويجعل البيت عن يساره".
وذلك ليقرب جانبه الأيسر إليه والذي يظهر: أن ذلك لميل قلبه إلى الجانب الأيسر
قال الشيخ تقي الدين: الحركة الدورية يعتمد فيها اليمنى على اليسرى فلما كان الإكرام في ذلك للخارج جعل لليمنى.
قوله : "فإذا جاء على الركن اليماني استلمه وقبل يده".
جزم المصنف: أنه يقبل يده مع الاستلام من غير تقبيل الركن وهو أحد الأقوال وجزم به في النظم وقدمه في الهداية والخلاصة والتلخيص والرعايتين والحاويين.
وقيل: يستلمه من غير تقبيل وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
قال الزركشي: وعلى هذا الأصحاب: القاضي والشيخان وجماعة وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع والمحرر والشرح والفائق وغيرهم.
وقال الخرقي وابن أبي موسى في الإرشاد: ويقبل الركن اليماني. وقال في المذهب: وفي تقبيل الركن اليماني وجهان.
فائدتان
إحداهما: قوله : "يرمل في الثلاثة الأولى".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ولم يذكره ابن الزاغوني إلا في طواف الزيارة ونفاه في طواف الوداع.
فعلى المذهب: لو لم يرمل فيهن أو في بعضهن لم يقضه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
وقيل: لو ترك الرمل والاضطباع في هذا الطواف أو لم يسع في طواف القدوم: أتى بهما في طواف الزيارة أو غيره وظاهر كلام الخرقي: أنه يقضيه إذا تركه عمدا.
قال الزركشي: قد يحمل على استحباب الإعادة.
الثانية : لو طاف راكبا لم يرمل على الصحيح من المذهب صححه المصنف والشارح وقدمه في الفائق والزركشي وغيرهما.
وقال القاضي: يخب به مركوبه وجزم به في المذهب.
قوله : "وهو إسراع المشي مع تقارب الخطى".
وهذا بلا نزاع لكن لو كان قرب البيت زحام فظن أنه إذا وقف لم يؤذ أحدا ويمكن الرمل وقف ليجمع بين الرمل والدنو من البيت وإن لم يظن ذلك وظن أنه إذا كان في حاشية الناس تمكن من الرمل فعل وكان أولى من الدنو وإن كان لا يتمكن من الرمل أيضا أو يختلط بالنساء: فالدنو من البيت أولى والتأخير للرمل والدنو من البيت حتى يقدر عليه أولى من عدم الرمل والبعد من البيت على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقال في الفصول: لا ينتظر الرمل كما لا يترك الصف الأول لتعذر التجافي في الصلاة
قال في التلخيص: والإتيان به في الزحام مع القرب وإن تعذر الرمل أولى من الانتظار كالتجافي في الصلاة لا يترك فضيلة الصف الأول لتعذره.
وقال في الفصول أيضا في فصول اللباس من صلاة الخوف العدو في المسجد على مثل هذا الوجه مكروه جدا قال في الفروع كذا قال ويتوجه ترك الأولى
قوله : "وكلما حاذى الحجر والركن اليماني استلمهما أو أشار إليهما"
يعني استلمهما إن تيسر وإلا أشار إليهما". كلما حاذى الحجر استلمه. بلا نزاع إن تيسر له. وإلا أشار إليه. وكلما حاذى الركن اليماني استلمه أيضا على الصحيح من المذهب نص عليه.
وقال في الرعايتين والحاويين: يستلمهما كل مرة. وقيل: اليماني فقط.
قلت: وهذا القول ضعيف جدا.
وقيل: يقبل يده أيضا. كما قاله المصنف هنا في أول طوافه.
وقال الخرقي وابن أبي موسى: يقبل الركن اليماني كما تقدم عنهما.
قال في الرعاية الكبرى: فإن عسر قبل يده. فإن عسر لمسه أشار إليه. وقال: إن شاء أشار إليهما.
قال في المستوعب وغيره: وكلما حاذاهما فعل فيهما من الاستلام والتقبيل على ما ذكرناه أولا.
قوله : "ويقول كلما حاذى الحجر الله أكبر ولا إله إلا الله".
هكذا قال جماعة من الأصحاب منهم: صاحب الهداية والمذهب والخلاصة والمحرر والشرح والنظم والحاويين والوجيز والفائق وغيرهم وقدمه في الرعايتين.
وقيل: يكبر فقط وهو المذهب نص عليه وقدمه في الفروع.
ونقل الأثرم: يكبر ويهلل ويرفع يديه وقال يقول: "الله أكبر ولا حول ولا قوة إلابالله".
قال في المستوعب والتلخيص وغيرهما: يقول عند الحجر ما تقدم ذكره في ابتداء أول الطواف وهو قول: "بسم الله والله أكبر إيمانا بك إلى آخره".
تنبيه : ظاهر قوله : ويقول كلما حاذى الحجر أنه يقول ذلك في كل طوفة إلى فراغ الأسبوع وهو صحيح وهو المذهب نص عليه وهو ظاهر كلامه في الوجيز والشرح وغيرهما وقدمه في الفروع.
وقيل: يقول ذلك في أشواط الرمل فقط جزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمحرر والرعاية الصغرى والحاويين وقدمه في الرعاية الكبرى.
قوله : ويقول بين الركنين: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
وهو المذهب وجزم به في المغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وغيره.
وقال في المحرر: يقول ذلك بين الركنين آخر طوفة وتبعه على ذلك في الرعايتين والحاويين والفائق والمنور.
وقال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتلخيص وغيرهم يقول بعد الذكر عند محاذاة الحجر في بقية الرمل: "اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا". ويقول في الأربعة "رب اغفر وارحم واعف وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" فلم يخصها بالدعاء بين الركنين.
قوله : وفي سائر الطواف "اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم".
وجزم به في الوجيز وقال في المحرر: يقول في بقية الرمل "اللهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا" وفي الأربعة "رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم وأنت الأعز الأكرم" وقاله في الرعايتين والحاويين والفائق.
وقال في الفروع: ويكثر في بقية رمله من الذكر والدعاء ومنه رب اغفر وارحم واهد للطريق الأقوم وتقدم ما قاله في الهداية وغيرها في بقية الرمل وفي الأربعة الأشواط الباقية.
وقال في المستوعب وغيره: يستحب أن يرفع يديه في الدعاء وأن يقف في كل شوط عند الملتزم والميزاب وعند كل ركن ويدعو وذكر أدعية تخص كل مكان من ذلك فليراجعه من أراده.
فائدة : تجوز القراءة للطائف نص عليه وتستحب أيضا وقاله الآجري وقدمه في الفروع.
ونقل أبو داود: أيهما أحب إليك؟ قال: كل.
وعنه تكره القراءة قال في الترغيب: لتغليط المصلين.
وقال الشيخ تقي الدين: ليس له القراءة إذا غلط المصلين.
وأطلقهما في المستوعب وقال أيضا: تستحب القراءة فيه لا الجهر بها وقال القاضي وغيره: ولأنه صلاة وفيها قراءة ودعاء فيجب كونها مثلها.
وقال الشيخ تقي الدين: جنس القراءة أفضل من الطواف.
قوله : "وليس في هذا الطواف رمل ولا اضطباع".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم المصنف والمجد والشارح وغيرهم وجزم به كثير منهم.
وقيل: من ترك الرمل والاضطباع في هذا الطواف أتى بهما في طواف الزيارة أو في غيره.
قال القاضي وصاحب التلخيص: لو ترك الرمل في القدوم أتى به في الزيارة ولو رمل في القدوم ولم يسع عقبه إذا طاف للزيارة رمل.
ولم يذكر ابن الزاغوني في منسكه الرمل والاضطباع إلا في طواف الزيارة ونفاهما في طواف الوداع.
فائدة : لا يسن الرمل والاضطباع للحامل المعذور على الصحيح نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقال الآجري: يرمل بالمحمول انتهى.
ولا يسن الرمل إذا طاف أو سعى راكبا على الصحيح من المذهب نص عليه واختاره المصنف وغيره واختاره القاضي قال الزركشي أظنه في المجرد أو غيره يجب فيه.
قوله : "ومن طاف راكبا أو محمولا أجزأ عنه".
قدم المصنف هنا أن الطواف يجزئ من الراكب مطلقا.
وتحرير ذلك: أنه لا يخلو إما أن يكون ركب لعذر أو لا فإن كان ركب لعذر أجزأ طوافه قولا واحدا وإن كان لغير عذر فقدم المصنف الإجزاء وهو إحدى الروايات اختارها أبو بكر وابن حامد والمصنف والمجد وغيرهم وقدمه وجزم به في المنور وهو ظاهر كلام القاضي وقدمه في الهداية والخلاصة والمحرر والتلخيص.
والرواية الثانية : لا يجزئه وهو المذهب. نقله الجماعة عن أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وقدمه في الفروع والرعايتين والحاويين والفائق وناظم المفردات.
قال الزركشي: هي أشهر الروايات واختيار القاضي أخيرا والشريف أبي جعفر وهو من مفردات المذهب وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب.
وعنه: تجزئ وعليه دم قال الزركشي: حكاها أبو محمد ولم أرها لغيره بل قد أنكر ذلك أحمد في رواية محمد ابن منصور الطوسي في الرد على أبي حنيفة.
قال: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعيره" وقال هو: إذا حمل فعليه دم انتهى
قلت: ولا يلزم من إنكاره ورده أن لا يكون نقل عنه والمجتهد هذه صفته والناقل مقدم على النافي وأطلقهن في المغني والشرح.
وقال الإمام أحمد: إنما طاف عليه أفضل الصلاة والسلام على بعيره ليراه الناس.
قال جماعة من الأصحاب: فيجيء من هذا لا بأس به من الإمام الأعظم ليراه الجهال.
فائدة : السعي راكبا كالطواف راكبا على الصحيح من المذهب نص عليه وذكره الخرقي والقاضي وصاحب التلخيص والمجد وغيرهم. وقدمه في الفروع، والزركشي
"وقطع المصنف- وتبعه الشارح- بالجواز لعذر ولغير عذر".
وأما إذا طيف به محمولا فقدم المصنف أنه يصح مطلقا.
وتحريره: إن كان لعذر أجزأ قولا واحدا بشرطه وإن كان لغير عذر فالذي قدمه المصنف إحدى الروايتين قال ابن منجا هذا المذهب وجزم به في المنور وقدمه في المحرر وهو ظاهر ما قدمه في التلخيص
والرواية الثانية: لا يجزئه. وهو المذهب.
ولما قدم في الفروع عدم الإجزاء في الطواف راكبا لغير عذر وحكى الخلاف قال وكذا المحمول قدمه في الرعايتين والحاويين والفائق وناظم المفردات وهو منها واختاره القاضي أخيرا والشريف أبو جعفر كالطواف راكبا.
فائدة : إذا طيف به محمولا: لم يخل عن أحوال.
أحدها : أن ينويا جميعا عن المحمول فتختص الصحة به.
الثاني : أن ينويا جميعا عن الحامل فيصح له فقط بلا ريب.
الثالث : نوى المحمول عن نفسه ولم ينو الحامل شيئا فيصح عن المحمول على الصحيح من المذهب وقطع به المصنف والشارح والزركشي وغيرهم وقيل: لا بد من نية الحامل حكاه في الرعاية.
الرابع : عكسها نوى الحامل عن نفسه ولم ينو المحمول شيئا فيصح عن الحامل
الخامس : لم ينويا شيئا فلا يصح لواحد منهما.
السادس : نوى كل واحد منهما عن صاحبه لم يصح لواحد منهما جزم به في المغني والشرح والزركشي وغيرهم.
السابع : أن يقصد كل واحد منهما عن نفسه فيقع الطواف عن المحمول على الصحيح من
المذهب قدمه في المغني والشرح والرعاية والفائق والزركشي والفروع وقال وصحة أخذ الحامل الأجرة تدل على أنه قصده به لأنه لا يصح أخذها عما يفعله عن نفسه ذكره القاضي وغيره انتهى.
وقال في المغني والشرح: ووقوعه عن المحمول أولى وهو ظاهر ما قطع به في الحاويين والرعاية الصغرى فإنهما قالا ولا يجزئ من حمله مطلقا.
وقيل: يقع عنهما وهو احتمال لابن الزاغوني قال المصنف وهو قول حسن وهو مذهب أبي حنيفة.
وقيل: يقع عنهما لعذر حكاه في الرعاية.
وقيل: يقع عن حامله
قلت: والنفس تميل إلى ذلك لأنه هو الطائف وقد نواه لنفسه.
وقال أبو حفص العكبري: لا يجزئ عن واحد منهما.
قوله : "وإن طاف منكسا أو على جدار الحجر أو شاذروان الكعبة أو ترك شيئا من الطواف وإن قل أو لم ينوه لم يجزه".
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب: أنه إذا طاف على شاذروان الكعبة لا يجزيه وقطعوا به وعند الشيخ تقي الدين: أنه ليس من الكعبة بل جعل عمادا للبيت.
فعلى الأول: لو مس الجدار بيده في موازاة الشاذروان: صح: لأن معظمه خارج عن البيت قاله في الرعاية الكبرى والزركشي وغيرهما.
قلت: ويحتمل عدم الصحة
فوائد
الأولى : لو طاف في المسجد من وراء حائل كالقبة وغيرها أجزأه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع وغيره لأنه في المسجد.
وقيل: لا يجزئه وجزم به في المستوعب وقدمه في الرعايتين والحاويين.
الثانية : لو طاف حول المسجد: لم يجزئه. على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب. قال في الفصول: إن طاف حول المسجد احتمل أن لا يجزئه واقتصر عليه.
الثالثة : إذا طاف على سطح المسجد فقال في الفروع: يتوجه الإجزاء كصلاته إليها.
الرابعة : لو قصد بطوافه غرضا وقصد معه طوافا بنية حقيقية لا حكمية.
قال في الفروع: توجه الإجزاء في قياس قوله:م ويتوجه احتمال كعاطس قصد بحمده قراءة وفي الإجزاء عن فرض القراءة وجهان.