كتاب : منهاج السنة النبوية
المؤلف : شيخ الإسلام بن تيمية

قولهم الرافضي حمار اليهودي و ذلك أن عقلاء اليهود يعلمون أن هذا ممتنع عقلا و شرعا و أن هذا كما يقال خر عليهم السقف من تحتهم فيقال لا عقل و لا قران و كذلك كون علي أميرا على ذرية آدم كلهم و إنما ولد بعد موت آدم بألوف السنين و أن يكون أميرا على الأنبياء الذين هم متقدمون عليه في الزمن و المرتبة و هذا من جنس قول ابن عربي الطائي و أمثاله من ملا حدة المتصوفة الذين يقولون أن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء الذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية و كلاهما يبني أمره على الكذب و الغلو و الشرك و الدعاوي الباطلة و مناقضة الكتاب و السنة و إجماع سلف الأمة ثم أن هذا الحمار الرافضي يقول و هو صريح في الباب فهل يكون هذا حجة عند أحد من أولي الألباب أو يحتج بهذا من يستحقأو يؤهل للخطاب فضلا عن أن يحتج به في تفسيق خيار هذه الأمة و تضليلهم و تكفيرهم و تجهيلهم و لولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله و سادات أهل الأرض خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين و يسلط الكفار و المنافقين و يورث الشبه و الضعف عند كثير من المؤمنين لم يكن بنا حاجة إلى كشف أسراره و هتك أستاره و الله حسيبه و حسيب أمثاله.
*

فصل
قال الرافضي البرهان الأربعون قوله تعالى فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير اجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي روى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقرأ هذه الآية و أن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين قال صالح المؤمنين علي بن أبي طالب و اختصاصه

بذلك يدل عل أفضليته فيكون هو الإمام و الآيات في هذا المعنى كثيرة اقتصرنا على ما ذكرنا للاختصار.
*و الجواب من وجوه...
أحدها: قوله اجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي كذب مبين فانهم لم يجمعوا على هذا ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير ولا علماء الحديث ونحوهم ونحن نطالبهم بهذا النقل ومن نقل هذا الإجماع.
الثاني: أن يقال كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا قال ابن مسعود وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم هو أبو بكر وعمر وذكر هذا جماعة من المفسرين كابن جرير الطبري وغيره وقيل هو أبو بكر رواه مكحول عن أبي امامة وقيل عمر قاله سعيد بن جبير ومجاهد وقيل خيار المؤمنين قاله الربيع بن انس وقيل هم الأنبياء قاله قتادة والعلاء بن زياد وسفيان وقيل هو علي حكاه الماوردي ولم يسم قائله فلعله بعض الشيعة.
الثالث: أن يقال لم يثبت هذا القول بتخصيص علي به عمن قوله حجة والحديث المذكور كذب موضوع وهو لم يذكر دلالة علي صحته ومجرد رواية أبي نعيم له لا تدل على الصحة.
الرابع: أن يقال قوله وصالح المؤمنين اسم يعم كل صالح من المؤمنين كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال أن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين.
الخامس: أن يقال أن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اخبر أن الله مولاه والمولى يمنع أن يراد به الموالي عليه فلم يبق المراد به إلا الموالي ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي صلى الله عليه وسلم قطعا فانه لو لم يواله لم يكن من صالح المؤمنين بل قد يواليه المؤمن وان لم يكن صالحا لكن لا تكون موالاة كاملة وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة فانه إذا كان صالحا احب ما احبه الله ورسوله وابغض ما ابغضه الله ورسوله و أمر بما أمر به الله ورسوله ونهى عما نهى الله عنه ورسوله وهذا يتضمن الموالاة

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل فما نام بعدها وقال عن أسامة بن زيد انه من صالحيكم فاستوصوا به خيرا وأما قوله والآيات في هذا المعنى كثيرة فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور والذي ذكره خلاصة ما عندهم وباب الكذب لا ينسد ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمعه فإذا هو زاهق وللكذابين الويل مما يصفونوما ذكر وقال أريد به علي إذا ذكر انه أريد به أبو بكر أو عمر أو عثمان لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم بل يرجح على قوله لا سيما في مواضع كثيرة وإذا قال فهذا لم يقله أحد بخلاف قولنا كان الجواب من وجهين أحدهما أن هذا ممنوع بل من الناس من يخص أبا بكر وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما الثاني أن قول القائل خص هذا بواحد من الصحابة إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر تكون حجته من جنس حجته فانه يدل على فساد قوله وان كان لم يقله فان الإنسان إذا كذب كذبة لم يمكن مقابلتها بمثلها ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله ووجب أما تصديق الاثنين وأما كذب الاثنين كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز قال دخلت على بعض الشيعة وقد قيل انه عباد بن يعقوب فقال لي من حفر البحر فقلت الله تعالى فقال تقول من حفره قلت من حفره قال علي ابن أبي طالب قال من جعل فيه الماء قلت الله قال تقول من هو الذي جعل فيه الماء قلت من هو قال الحسن قال فلما أردت أن أقوم قال من حفر البحر قلت معاوية قال ومن الذي جعل فيه الماء قلت يزيد فغضب من ذلك وقام

وكان غرض القاسم أن يقول هذا القول مثل قولك وأنت تكره ذلك وتدفعه وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم كقولهم في قوله فقاتلوا أئمة الكفر طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية فيقابل هذا بقول الخوارج انهم علي الحسن والحسين وكل هذا باطل لكن الغرض انهم يقابلون بمثل حجتهم والدليل على فسادها يعم النوعين فعلم بطلان الجميع.
*

فصل
قال الرافضي المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي اثنا عشر الأول ما نقله الناس كافة انه لما نزل قوله تعالى وانذر عشيرتك الاقربين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا و امر أن يصنع لهم فخذ شاه مع مد من البر ويعد لهمصاعا من اللبن و كان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد و يشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام فأكلت الجماعة كلهم من ذلك الطعام اليسير حتى شبعوا و لم يتبين ما أكلوه فبهرهم النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و تبين لهم آية نبوته فقال يا بني عبد المطلب أن الله بعثني بالحق إلى الخلق كافة و بعثني إليكم خاصة فقال و انذر عشيرتك الاقربين و أنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان تقيلتن في الميزان تملكون بهما العرب و العجم و تنقاد لكم بهما الأمم و تدخلون بهما الجنة و تنجون بهما من النار شهادة أن لا اله إلا الله و أني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر و يؤازرني على القيام به يكن

أخي و وزيري و وصيي و وارثي و خليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقال أمير المؤمنين أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا فقال علي فقمت فقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت فقلت أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي و وزيري و وصيي و وارثي و خليفتي من بعدي فنهض القوم و هم يقولون لأبي طالب ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك.
*و الجواب من وجوه...
الأول: المطالبة بصحة النقل و ما ادعاه من نقل الناس كافة من اظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل لا في الصحاح و لا في المساند و السنن و المغازي و التفسير التييذكر فيها الإسناد الذي يحتج به و إذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح و الضعيف مثل تفسير الثعلبي و الواحدي و البغوي بل و ابن جرير و ابن أبي حاتم لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته باتفاق أهل العلم فانه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح و ضعيف فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف و هذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث و السمين و فيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير و ابن أبي حاتم و الثعلبي و البغوي ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية فانهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة باتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك و لكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في انهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة و الضعيفة و لهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ليذكر

أقوال الناس و ما نقلوه فيها و أن كان بعض ذلك هو الصحيح و بعضه كذب و إذا احتج بمثل هذا الضعيف و أمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات و ترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك كان هذا من افسد الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له و لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه و قد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ويدع روايات كثيرين عدول وقد رووا ما يناقض ذلك بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين أيهما اثبت وارجح فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضه لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم انه باطل.

الثاني: أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين أما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ولو انه مسالة فرعية وأما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم فانه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم انه مسند إسنادا تقوم به الحجة أو يصححه من يرجع إليه في ذلك فأما إذا لم يعلم إسناده ولم يثبته أئمة النقل فمن أين يعلم لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسالة فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه.
الثالث: أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم انه كذب موضوع ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لان أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب وقد رواه بن جرير والبغوي بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه كذبه سماك بن حرب وأبو داودوقال احمد ليس بثقة عامة أحاديث بواطيل قال يحيى ليس بشيء قال ابن المدينى كان يضع الحديث وقال النسائي وأبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان البستي كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر وهو مع ذلك يقلب الأخبار لا يجوز الاحتجاج به وتركه احمد ويحيى ورواه ابن أبي حاتم وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس وهو ليس بثقة وقال فيه يحيى بن معين ليس بشيء رافضي خبيث وقال النسائي ليس بثقة وقال الدار قطني ضعيف وإسناد الثعلبي اضعف لان فيه من لا يعرف وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في اقل مسالة.

الرابع: أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية فإنها نزلت بمكة في أول الأمر ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم فان بني عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة العباس وأبو طالب والحارث وأبو لهب وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنو هاشم ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب فآمن اثنان وهما حمزة والعباس وكفر اثنان أحدهما نصره وأعانه وهو أبو طالب والآخر عاداه وعان أعداءه وهو أبو لهب وما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين طالب وعقيل وجعفر وعلي وطالب لم يدرك الإسلام وأدركه الثلاثة فآمن علي وجعفر في أول الإسلام وهاجر جعفر إلى ارض الحبشة ثم إلى المدينة عام خيبر وكان عقيل قد استولى على رباع بني هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته ننزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لنا عقيل من داروأما العباس فبنوه كلهم صغار إذ لم يكن فيهم بمكة رجل وهب انهم كانوا رجالا فهم عبد الله وعبيد الله والفضل وأما قثم فولد بعدهم وأكبرهم الفضل وبه كان يكنى وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله وانذر عشيرتك الاقربين وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين ولم يولد للعباس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله وأما سائرهم فولدوا بعده وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما اقل والحارث كان له ابنان أبو سفيان وربيعة وكلاهما تأخر إسلامه وكان من مسلمة الفتح وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح وكان له ثلاثة ذكور فاسلم منهم اثنان عتبة ومغيث وشهد الطائف وحنينا وعتيبة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافرا

فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا فأين الأربعون.
الخامس: قوله أن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن فكذب على القوم ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا.
السادس: أن قوله للجماعة من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز نسبته إليه فان مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله فان جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في اقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له

وأيضا فان كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه أو أكثرهم أو عدد منهم فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده أيعين واحدا بلا موجب أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد وذلك انه لم يعلق الوصية والخلافة والاخوة والمؤازرة إلا بأمر سهل وهو الإجابة على الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة إلا وله من هذا نصيب وافر ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
السابع: أن حمزة وجعفر وعبيده بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه علي من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر فان هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر بل حمزة اسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا وكان النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ابن أبي الأرقم وكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة فان أبا لهب كان مظهرا لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب.
الثامن: أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة واللفظ له عن النبي صلى الله

عليه وسلم لما نزلت و انذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشا فاجتمعوا فخص و عم فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا املك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها و في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا اغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد المطلب لا اغني عنكم من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا اغني عنك من الله شيئا يافاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا سلاني ما شئتما من مالي و خرجه مسلم من حديث ابنالمخارق و زهير بن عمرو و من حديث عائشة و قال فيه قام علي الصفا و قال في حديث قبيصة انطلق إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها حجرا ثم نادى يا بني عبد مناف إني لكم نذير إنما مثلي و مثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه و في الصحيحين من حديث ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله و سلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل ينادي يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب و في رواية يا بني فهر يا بني عدي يا بني فلان لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو فاجتمعوا فقال ارايتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل اكنتم

مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا فقام فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب و تب و في رواية ارأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم و يمسيكم اكنتم تصدقوني قالوا بلى فان قيل فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين و المصنفين في الفضائل كالثعلبي و البغوي و أمثالهما و المغازلي قيل له مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث فان في كنت هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع و فيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية و العقلية أنها كذب بل فيها ما يعلم بالاضطرار انه كذب و الثعلبي و أمثاله لا يتعمدون الكذب بل فيهم من الصلاح و الدين ما يمنعهم من ذلك لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب و يروون ما سمعوه و ليس لاحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لائمة الحديث كشعبة و يحيى بن سعيد القطان و عبد الرحمن بن مهدي و احمد بن حنبل و علي بن

المديني و يحيى بن معين و إسحاق و محمد بن يحيى الذهلي و البخاري و مسلم و أبي داود و النسائي و أبي حاتم و أبي زرعة الرازيين و أبي عبد الله بن منده و الدار قطني و أمثال هؤلاء من أئمة الحديث و نقاده ومكامه و حفاظه الذين لهم خبرة و معرفة تامة بأحوال النبي و سلم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي من الصحابة و التابعين و تابعيهم و من بعدهم من نقلة العلم و قد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار و أسماءهم و ذكروا أخبارهم و أخبار من اخذوا عنه و من اخذ عنهم مثل كتاب العلل و أسماء الرجال عن يحيى القطان و ابن المديني و احمد و ابن معين و البخاري و مسلم و أبي زرعة و أبي حاتم زو النسائي و الترمذي و احمد بن عدي و ابن حبان و أبي الفتح الازدي و الدار قطين قطني و غيرهم و تفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة و أحاديث صحيحة و من الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور سورة و قد ذكر هذا الحديث الزمخشري و الواحدي و هو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث و كذلك غير هذا

و كذلك الواحدي تلميذ الثعلبي و البغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي و الواحدي لكنهما اخبر بأقوال المفسرين منه و الواحدي اعلم بالعربية من هذا و هذا و البغوي اتبع للسنة منهما و ليس لكون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا بل الاعتبار بميزان العدل و قد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله و سلم في الأصول والأحكام و الزهد و الفضائل و وضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة و فضائل معاوية و من الناس من يكون قصده رواية كل ما روي في الباب من غير تمييز بين صحيح و ضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء و كذلك غيره ممن صنف في الفضائل و مثل مل جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس و أبو علي الاهوازي و غيرهما في فضائل معاوية و مثل ما جمعه النسائي في فضائل علي و كذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل علي و غيره فان هؤلاء و أمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك و ضعيفه فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم و أما من يذكر الحديث بلا إسناد ومن المصنفين في الأصول و الفقه و الزهد و الرقائق فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة و يذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة و موضوعة كما يوجد ذلك في كتب الرقائق و الرأي و غير ذلك.

*

فصل
قال الرافضي الثاني الخبر المتواتر عن النبي و سلم انه لما نزل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك خطب الناس في غدير خم وقال للجمع كله يا أيها الناس الست أولى منكم بأنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقال عمر بخ بخ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن و مؤمنة والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه صلى الله عليه وسلم بقوله الست أولى منكم بأنفسكم.
*والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم وبينا أن هذا كذب وأن قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولا قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام فكيف يكون قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل ذلك الوقت ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك وهي من أوائل ما نزل بالمدينة وإن كان ذلك في (سورة المائدة). كما أن فيها تحريم الخمر والخمر حرمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله فان جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء ورجم اليهوديين كان أول ما

فعله بالمدينة وكذلك الحكم بين قريظة والنضير فان بني النضير أجلاهم قبل الخندق وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية وقبل فتح خيبر وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين وذلك كله قبل حجة الوداع وحجة الوداع قبل خطبة الغدير فمن قال أن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفتر باتفاق أهل العلم وأيضا فان الله تعالى قال في كتابه يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فضمن له سبحانه انه يعصمه من الناس إذا بلغ الرسالة ليؤمنه بذلك من الأعداء ولهذا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول هذه الآية يحرس فلما نزلت هذه الآية ترك ذلكوهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ وفي حجة الوداع تم التبليغ وقال في حجة الوداع ألا هل بلغت ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد وقال لهم أيها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وأنتم تسألون عني فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره في الأحاديث الصحيحة وقال ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع لانه قد بلغ قبل ذلك ولأنه حينئذ لم يكن خائفا من أحد يحتاج أن يعصم منه بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم

كافر والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول منه فلا يقال له في هذه الحال بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في حجة الوداع فإن كثيرا من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يرجعوا معه إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكة أهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبا منها فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في الحج لبلغه في حجة الوداع كما بلغ غيره فلما لم يذكر في حجة الوداع امامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلا ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف انه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر عليا في شيء من خطبته وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام علم أن امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في إمامته

والذي رواه مسلم انه بغدير خم قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال وعثرتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري وقد رواه الترمذي وزاد فيه وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال إنها ليست من الحديث والذين اعتقدوا صحتها قالوا إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة وهذا قاله طائفة من أهل السنة وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره والحديث الذي في مسلم إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قاله فليس فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك وهو لم يأمر باتباع العترة لكن قال أذكركم الله في أهل بيتي وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خمفعلم انه لم يكن في غدير خم أمر يشرع نزل إذ ذاك لا في حق علي ولا غيره لا إمامته ولا غيرها لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد والترمذي في مسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال من كنت مولاه فعلى مولاه وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب ونقل الأثرم في سننه عن احمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر وأنه حدث بحديثين أحدهما قوله لعلي انك ستعرض على البراءة مني فلا تبرا والآخر اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فأنكره أبو عبيد الله جدا لم يشك أن هذين كذب وكذلك قوله أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة كذب أيضا وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه

وضعفوه ونقل عن احمد بن حنبل انه حسنه كما حسنه الترمذي وقد صنف أبو العباس بن عقدة مصنفا في جميع طرقه وقال ابن حزم الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وقوله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل وعهده صلى الله عليه وسلم أن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد صح مثل هذا في الأنصار انهم لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر قال وأما من كنت مولاه فعلى مولاه فلا يصح من طريقالثقات أصلا وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها فان قيل لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله أنت مني وأنا منك وحديث المباهلة والكساء قيل مقصود ابن حزم الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يذكر فيه إلا علي وأما تلك ففيها ذكر غيره فإنه قال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر علي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فلا يرد هذا على ابن حزم ونحن نجيب بالجواب المركب فنقول أن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قاله فلا كلام وإن كان قاله فلم يرد به قطعا الخلافة بعده إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغا مبينا

و ليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة و ذلك أن المولى كالمولى والله تعالى قال إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا وقال وإن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير فبين أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضا كما بين أن الله ولي المؤمنين وأنهم أولياؤهم وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض فالموالاة ضد المعاداة و هي تثبت من الطرفين وإن كان أحد المتواليين اعظم قدرا و ولايته إحسان وتفضل وولاية الآخر طاعة وعبادة كما أن الله يحب المؤمنين و المؤمنون يحبونه فإن الموالاة ضد المعاداة و المحاربة و المخادعة و الكفار لا يحبون الله و رسوله و يحادون الله و رسوله و يعادونه و قد قال تعالى لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء و هو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله و هو ولي المؤمنين و هو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور و إذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين و مولاهم و كون الرسول وليهم و مولاهم و كون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة

و المؤمنون يتولون الله و رسوله الموالاة المضادة للمعاداة و هذا حكم ثابت لكل مؤمن فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين و يتولونه و في هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن و الشهادة له بأنه يستحق المولاة باطنا و ظاهرا و ذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج و النواصب لكن ليس فيه انه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف و رسول الله صلى الله عليه و سلم له موالي و هم صالحو المؤمنين فعلي أيضا له مولى بطريق الأولى و الأحرى و هم المؤمنون الذين يتولونه و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم أن اسلم و غفارا و مزينة و جهينة و قريشا و الأنصار ليس لهم مولى دون الله و رسوله و جعلهم موالي رسول الله صلى الله عليه و سلم كما جعل صالح المؤمنين مواليه و الله و رسوله مولاهم

و في الجملة فرق بين الولي و المولى و نحو ذلك و بين الوالي فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء و باب الولاية التي هي الإمارة شيء و الحديث إنما هو في الأولى دون الثانية و النبي صلى الله عليه و سلم لم يقل من كنت واليه فعلي واليه و إنما اللفظ من كنت مولاه فعلي مولاه و أما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل فان الولاية تثبت من الطرفين فان المؤمنين أولياء الله و هو مولاهم و أما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه صلى الله عليه و سلم و كونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته و لو قدر انه نص على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه كما انه لا يكون أزواجه أمهاتهم و لو أريد هذا المعنى لقال من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه و هذا لم يقله و لم ينقله أحد و معناه باطل قطعا لان كون النبي صلى الله عليه و سلم أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته و مماته و خلافة علي لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته لم تكن في حياته فلا يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه بل و لا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة

و هذا مما يدل على انه لم يرد الخلافة فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لم يتأخر حكمه إلى الموت وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت فعلم أن هذا ليس هذا وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته وبعد ممات علي فعلي اليوم مولى كل مؤمن وليس اليوم متوليا على الناس وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وامواتا.
*

فصل
قال الرافضي الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي اثبت له عليه السلام جميعمنازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء ومن جملة منازل هارون انه كان خليفة لموسى ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا وإلا لزم تطرق النقض إليه ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته.
*والجواب أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرهما كان النبي صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في غزوة تبوك وكان صلى الله عليه وسلم كلما سافر في غزوة أو عمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان وفي غزوة بني قينقاع

بشير بن عبد المنذر ولما غزا قريشا ووصل إلى الفرع استعمل ابن أم مكتوم وذكر ذلك محمد بن سعد وغيره وبالجملة فمن المعلوم انه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف وقد ذكر المسلمون من كان يستخلفه فقد سافر من المدينة في عمرتين عمرة الحديبية وعمرة القضاء وفي حجة الوداع وفي مغازيه اكثر من عشرين غزاة وفيها كلها استخلف وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لاحد في التخلف عنها وهي آخر مغازيه صلى الله عليه وسلم ولم يجتمعمعه أحد كما اجتمع معه فيها فلم يتخلف عنه إلا النساء و الصبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق و تخلف الثلاثة الذين تيب عليهم و لم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف عليهم في كل مرة بل كان هذا الاستخلاف اضعف من الاستخلافات المعتادة منه لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحدا كما كان يبقى في جميع مغازيه فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف فكل استخلاف استخلفه في مغازيه مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى و الصغرى و غزوة بني المصطلق و الغابة و خيبر و فتح مكة و سائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال و مغازيه بضع عشرة غزوة و قد استخلف فيها كلها إلا القليل و قد استخلف في حجة الوداع و عمرتين قبل غزوة تبوك و في كل مرة يكون بالمدينة افضل ممن بقي في غزوة تبوك فكان كل استخلاف قبل هذه يكون علي افضل ممن استخلف عليه عليا فلهذا خرج إليه علي رضي الله عنه يبكي و قال أتخلفني مع النساء و الصبيان د و قيل أن بعض المنافقين طعن فيه و قال أنما خلفه لانه يبغضه فبين له النبي صلى الله عليه و سلم اني إنما استخلفتك لأمانتك عندي

و أن الاستخلاف ليس بنقص و لا غض فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يكون نقصا و موسى ليفعله بهارون فطيب بذلك قلب علي و بين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف و أمانته لا يقتضي إهانته ولا تخوينه و ذلك لان المستخلف يغيب عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد خرج معه جميع الصحابة و الملوك و غيرهم إذا خرجوا في مغازيهم اخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به و معاونته لهم و يحتاجون إلى مشاورته و الانتفاع برأيه و لسانه و يده و سيفه و المتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله فظن من ظن أن هذا غضاضة من علي و نقص منه و خفض من منزلته حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي و اجتهاد بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي و اجتهاد فكان قول النبي صلى الله عليه و سلم مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا و لا غضا إذ لو كان نقصا أو غضا لما فعله موسى بهارون و لم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون لان العسكر كان مع هارون و إنما ذهب موسى وحده و أما استخلاف النبي صلى الله عليه و سلم فجميع العسكر كان معه

و لم يخلف بالمدينة غير النساء و الصبيان إلا معذور أو عاص و قول القائل هذا بمنزلة هذا و هذا مثل هذا هو كتشبيه الشيء بالشيء و تشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه و سلم في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر و أشار بالفداء و استشار عمر فاشار بالقتل قال سأخبركم عن صاحبيكم مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال فمن تبعني فانه مني و من عصاني فإنك غفور رحيم و مثل عيسى إذ قال أن تعذبهم فانهم عبادك و أن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم و مثلك يا عمر مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا و مثل موسى إذ قال ربنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فقوله هذا مثلك كمثل إبراهيم و عيسى و لهذا مثل نوح و موسى اعظم من قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى فان نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى اعظم من هارون و قد جعل هذين مثلهم و لم

يرد انهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله و اللين في الله و كذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق و هو استخلافه في مغيبه كما استخلف موسى هارون و هذا الاستخلاف ليس من خصائص علي بل و لا هو مثل استخلافاته فضلا عن أن يكون افضل منها و قد استخلف من علي افضل منه في كثير من الغزوات و لم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي إذا قعد معه فكيف يكون موجبا لتفضيله على علي بل قد استخلف على المدينة غير واحد و أولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي بل كان ذلك الاستخلاف يكون علي اكثر و أفضل ممن استخلف عليه عام تبوك و كانت الحاجة إلى الاستخلاف اكثر فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز و فتحت مكة و ظهر الإسلام و عز و لهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام و لم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو و لهذا لم يدع النبي صلى الله عليه و سلم عند علي أحدا من المقاتلة كما كان يدع بها في سائر الغزوات بل اخذ المقاتلة كلهم معه و تخصيصه لعلي بالذكر هنا هو مفهوم اللقب و هو نوعان لقب هو جنس و لقب يجري مجرى العلم مثل زيد و أنت و هذا المفهوم

اضعف المفاهيم و لهذا كان جماهير أهل الأصول و الفقه على انه لا يحتج به فإذا قال محمد رسول الله لم يكن هذا نفيا للرسالة عن غيره لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص فإنه يحتج به على الصحيح كقوله ففهمناها سليمان و قوله كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون و أما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه فلا يحتج به باتفاق الناس فهذا من ذلك فإنه إنما خص عليا بالذكر لأنه خرج إليه يبكي و يشتكي تخليفه مع النساء و الصبيان و من استخلفه سوى علي لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصا لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام و التخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتض الاختصاص بالحكم فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى كما أنه لما قال للمضروب الذي نهى عن لعنه دعه فإنه يحب الله و رسوله لم يكن هذا دليلا على أن غيره لا يحب الله و رسوله بل ذكر ذلك لاجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه و لما استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة قال دعه فانه قد شهد بدرا و لم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدرا بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبهو كذلك لما شهد للعشرة بالجنة لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه و كذلك لما قال للحسن و أسامة اللهم إني احبهما فأحبهما و أحب من يحبهما لا يقتضي انه لا يحب غيرهما بل كان يحب غيرهما اعظم من محبتهما و كذلك لما قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة لم يقتض أن من سواهم يدخلها و كذلك لما شبه أبا بكر بإبراهيم و عيسى لم يمنع ذلك أن يكون في أمته و أصحابه من يشبه إبراهيم و عيسى و كذلك لما شبه عمر بنوح و موسى لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحا و موسى فان قيل أن هذين افضل من يشبههم من أمته قيل الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في اصل التشبيه و كذلك لما قال عن عروة بن مسعود إنه مثل صاحب ياسين

و كذلك لما قال للأشعريين هم مني و أنا منهم لم يختص ذلك بهم بل قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لزيد أنت أخونا و مولانا و ذلك لا يختص بزيد بل أسامة أخوهم و مولاهم و بالجملة الأمثال و التشبيهات كثيرة جدا و هي لا توجب التماثل من كل وجه بل فيما سيق الكلام له و لا يقتضي اختصاص المشبه بالتشبيه بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك قال تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة و قال تعالى و اضرب لهم مثلا أصحاب القرية و قال مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر و قد قيل أن في القران اثنين و أربعين مثلا و قول القائل انه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل فان قوله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىدليل على انه يسترضيه بذلك و يطيب قلبه لما توهم من وهن الاستخلاف و نقص درجته فقال هذا على سبيل الجبر له قوله بمنزلة هارون من موسى أي مثل منزلة هارون فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره و إنما يكون له ما يشابهها فصار هذا كقوله هذا مثل هذا و قوله عن أبي بكر مثله مثل إبراهيم و عيسى و عمر مثله مثل نوح و موسى و مما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك ثم بعد رجوع النبي صلى الله عليه و سلم بعث أبا بكر أميرا على الموسم و أردفه بعلي فقال لعلي أمير أم مأمور فقال بل مأمور فكان أبو بكر أميرا عليه و علي معه كالمأمور مع أميره يصلي خلفه و يطيع أمره و ينادي خلفه مع الناس بالموسم ألا لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان

وإنما اردفه به لينبذ العهد إلى العرب فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع أو رجل من أهل بيته فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومما يبين ذلك انه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده لم يكن هذا خطابا بينهما يناجيه به ولا كان أخره حتى يخرج إليه على ويشتكي بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم بلفظ يبين المقصود ثم من جهل الرافضة انهم يتناقضون فان هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخاطب عليا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك فلو كان علي قد عرف انه المستخلف من بعده كما رووا ذلك في ما تقدم لكان علي مطمئن القلب انه مثل هارون بعده وفي حياته ولم يخرج إليه يبكي ولم يقل له أتخلفني مع النساء والصبيان ولو كان علي بمنزلة هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا وقد كانيستخلف على المدينة غيره وهو فيها كما استخلف على المدينة عام خيبر غير علي وكان علي بها ارمد حتى لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية حين قدم وكان قد أعطى الراية رجلا فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وأما قوله لانه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بان يكون خليفته فالجواب انه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي استخلافا اعظم من استخلاف علي و استخلف أولئك على افضل من الذين استخلف عليهم عليا و قد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه و اعظم مما استخلفه و آخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع و كان علي باليمن و شهد معه الموسم لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير علي

فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك و بالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه و لا تدل على الأفضلية و لا على الإمامة بل قد استخلف عددا غيره لكن هؤلاء جهال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين علي و غيره خاصة بعلي و إن كان غيره اكمل منه فيها كما فعلوا في النصوص و الوقائع و هكذا فعلت النصارى جعلوا ما اتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص به من الحلول و الاتحاد و قد شاركه غيره من الأنبياء فيما اتى به و كان ما اتى به موسى من الآيات اعظم مما جاء به المسيح فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم و عيسى لا بحلول و لا اتحاد بل إن كان ذلك كله ممتنعا فلا ريب انه كله ممتنع في الجميع و إن فسر ذلك بأمر ممكن كحصول معرفة الله و الإيمان به و الأنوار الحاصلة بالإيمان به و نحو ذلك فهذا قدر مشترك و أمر ممكن و هكذا الأمر مع الشيعة يجعلون الأمور المشتركة بين علي و غيره التي تعمه و غيره مختصة به حتى رتبوا عليه ما يختص به من العصمة و الإمامة و الأفضلية و هذا كله منتف

فمن عرف سيرة الرسول و أحوال الصحابة و معاني القرآن و الحديث علم انه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته و لا إمامته بل فضائله مشتركة و فيها من الفائدة إثبات إيمان علي و ولايته و الرد على النواصب الذين يسبونه أو يفسقونه أو يكفرونه و يقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة ففي فضائل علي الثابتة رد على النواصب كما أن في فضائل الثلاثة ردا على الروافض و عثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض و الخوارج ولكن شيعته يعتقدون إمامته و يقدحون في إمامة علي و هم في بدعتهم خير من شيعة علي الذين يقدحون في غيره و الزيدية الذين يتولون أبا بكر و عمر مضطربون فيه و أيضا فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بد منه لكل ولي أمر و ليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح إن يستخلف بعد الموت فإن النبي صلى الله عليه و سلم استخلف في حياته غير واحد و منهم من لا يصلح للخلافة بعد موته و ذلك كبشير بن عبد المنذر و غيره و أيضا فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس

كما يطالب بذلك ولاة الأمور و أما بعد موته فلا يطالب بشيء لانه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء وقسم الفيء و إقامة الحدود واستعمال العمال وغير ذلك مما يوجب على ولاة الأمور بعده وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت والإنسان إذا استخلف أحدا في حياته على أولاده وما يأمر به من البر كان المستخلف وكيلا محضا يفعل ما أمر به الموكل وان استخلف أحدا على أولاده بعد موته كان وليا مستقلا يعمل بحسب المصلحة كما أمر الله ورسوله ولم يكن وكيلا للميت وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصا في حياته فانه يفعل ما يأمره به في القضايا المعينة و أما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه فإنه يضاف إلى من استخلفه لا إليه فأين هذا من هذا ولم يقل أحد من العقلاء إن من استخلف شخصا على بعض الأمور وانقضى ذلك الاستخلاف انه يكون خليفة بعد موته علىشيء ولكن الرافضة من اجهل الناس بالمعقول والمنقول.
*

فصل
قال الرافضي الرابع انه صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة مع قصر مدة الغيبة فيجب أن يكون خليفة له بعد موته وليس غير علي إجماعا و لأنه لم يعزله عن المدينة فيكون خليفة له بعد موته فيها وإذا كان خليفة فيها كان خليفة في غيرها إجماعا.
*والجواب أن هذه الحجة و أمثالها من الحجج الداحضة التي هي من جنس بيت العنكبوت، والجواب عنها من وجوه...
أحدها: أن نقول على أحد القولين انه استخلف أبا بكر بعد موته كما تقدم وإذا قالت الرافضة بل استخلف عليا قيل الراوندية من جنسكم قالوا استخلف العباس وكل من كان له علم بالمنقولات الثابتة يعلم أن الأحاديث الدالة على استخلاف أحد بعد موته إنما تدل

على استخلاف أبي بكر ليس فيها شيء يدل على استخلاف علي ولا العباس بل كلها تدل على انه لم يستخلف واحدا منهما فيقال حينئذ إن كان النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أحدا فلم يستخلف إلا أبا بكر وان لم يستخلف أحدا فلا هذا ولا هذا فعلى تقدير كون الاستخلاف واجبا على الرسول لم يستخلف إلا أبا بكر فان جميع أهل العلم بالحديث والسيرة متفقون على أن الأحاديث الثابتة لا تدل على استخلاف غير آبي بكر و إنما يدل ما يدل منها على استخلاف آبي بكر وهذا معلوم بالاضطرار عند العالم بالأحاديث الثابتة.
الوجه الثاني: أن نقول انتم لا تقولون بالقياس وهذا احتجاج بالقياس حيث قستم الاستخلاف في الممات على الاستخلاف في المغيب و أما نحن إذا فرضنا على أحد القولين فنقول الفرق بينهما ما نبهنا عليه في استخلاف عمر في حياته وتوقفه في الاستخلاف بعد موته لان الرسول في حياته شاهد على الأمة مأمور بسياستها بنفسه أو نائبه وبعد موته انقطع عنه التكليف كما قال المسيح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم الآية لم يقل كان خليفتي الشهيد عليهم وهذا دليل على أن المسيح لم يستخلف فدل على أن الأنبياء لا يجب عليهم الاستخلاف بعد الموت وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال فأقول كما قال

العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم وقد قال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين فالرسول بموته انقطع عنه التكليف وهو لو استخلف خليفة في حياته لم يجب إن يكون معصوما بل كان يولي الرجل ولاية ثم يتبين كذبه فيعزله كما ولى الوليد بن عقبة بن آبي معيط وهو لو استخلف رجلا لم يجب إن يكون معصوما وليس هو بعد موته شهيدا عليه ولا مكلفا برده عما يفعله بخلاف الاستخلاف في الحياة.
الوجه الثالث: أن يقال الاستخلاف في الحياة واجب على كل ولي أمر فإن كل ولي أمر رسولا كان أو إماما عليه إن يستخلف فيما غاب عنه من الأمور فلا بد له من إقامة الأمر إما بنفسه و إما بنائبه فما شهده من الأمر أمكنه إن يقيمه بنفسه و أما ما غاب عنه فلا يمكنه إقامته إلا بخليفة يستخلفه عليه فيولى على من غاب عنه من رعيته من يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويأخذ منهم الحقوق ويقيم فيهم

الحدود ويعدل بينهم في الأحكام كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف في حياته على كل ما غاب عنه فيولي الأمراء على السرايا يصلون بهم ويجاهدون بهم ويسوسونهم ويؤمر أمراء على الأمصار كما أمر عتاب بن اسيد على مكة أمر خالد بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وأبا سفيان بن حرب ومعاذا وأبا موسى على قرى عرينة وعلى نجران وعلى اليمن وكما كان يستعمل عمالا على الصدقة فيقبضونها ممن تجب عليه ويعطونها لمن تحل له كما استعمل غير واحد وكان يستخلف في إقامة الحدود كما قال لأنيس يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها فغدا عليها فاعترفت فرجمها وكان يستخلف على الحج كما استخلف أبا بكر على إقامة الحج عام تسع بعد غزوة تبوك وكان علي من جملة رعية أبي بكر يصلي خلفه ويأتمر بأمره وذلك بعد غزوة تبوك وكما استخلف على المدينة مرات كثيرة فإنه كان كلما خرج في غزاة

استخلف ولما حج واعتمر استخلف فاستخلف في غزوة بدر وبنى المصطلق وغزوة خيبر وغزوة الفتح واستخلف في غزوة الحديبية وفي غزوة القضاء وحجة الوداع وغير ذلك وإذا كان الاستخلاف في الحياة واجبا على متولي الأمر وإن لم يكن نبيا مع انه لا يجب عليه الاستخلاف بعد موته لكون الاستخلاف في الحياة أمرا ضروريا لا يؤدى الواجب إلا به بخلاف الاستخلاف بعد الموت فإنه قد بلغ الأمة وهو الذي يجب عليهم طاعته بعد موته فيمكنهم إن يعينوا من يؤمرونه عليهم كما يمكن ذلك في كل فروض الكفاية التي تحتاج إلى واحد معين علم انه لا يلزم من وجوب الاستخلاف في الحياة وجوبه بعد الموت.
الرابع: أن الاستخلاف في الحياة واجب في أصناف الولايات كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخلف على من غاب عنهم من يقيم فيهم الواجب ويستخلف في الحج وفي قبض الصدقات حفظ مال الفيء وفي إقامة الحدود وفي الغزو وغير ذلك ومعلوم إن هذا الاستخلاف لا يجب بعد الموت باتفاق العقلاء بل ولا يمكن فإنه لا يمكن إن يعين للأمة بعد موته من يتولى كل أمر جزئي فإنهم يحتاجون إلى واحد بعد واحد وتعيين ذلك متعذر و لأنه لو عين واحدا فقد يختلف حاله ويجب عزله فقد كان يولي في حياته من يشكى إليه فيعزله كما عزل الوليد بن عقبة وعزل سعد بن عبادة

عام الفتح وولى ابنه قيسا وعزل إماما كان يصلي بقوم لما بصق في القبلة وولى مرة رجلا فلم يقيم بالواجب فقال أعجزتم إذا وليت من لا يقوم بأمري إن تولوا رجلا يقوم بأمري فقد فوض إليهم عزل من لا يقوم بالواجب من ولاته فكيف لا يفوض إليهم ابتداء تولية من يقوم بالواجب وإذا كان في حياته من يوليه ولا يقوم بالواجب فيعزله أو يأمر بعزله كان لو ولى واحدا بعد موته يمكن فيه أن لا يقوم بالواجب وحينئذ فيحتاج إلى عزله فإذا ولته الأمة وعزلته كان خيرا لهم من إن يعزلوا من ولاه النبي صلى الله عليه وسلم وهذا مما يتبين به حكمة ترك الاستخلاف وعلى هذا فنقول في.
الوجه الخامس: إن ترك الاستخلاف بعد مماته كان أولى من الاستخلاف كما اختاره الله لنبيه فإنه لا يختار له إلا افضل الأمور وذلك لأنه إما أن يقال يجب إن لا يستخلف في حياته من ليس

بمعصوم وكان يصدر من بعض نوابه أمور منكرة فينكرها عليهم ويعزل من يعزل منهم كما استعمل خالد بن الوليد على قتال بني جذيمة فقتلهم فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم بنصف دياتهم و أرسل علي بن آبي طالب فضمن لهم حتى ميلغة الكلب ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء وقال اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد واختصم خالد وعبد الرحمن بن عوف حتى قال صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ولكن مع هذا لم يعزل النبي صلى الله عليه وسلم خالدا واستعمل الوليد بن عقبة على صدقات قوم فرجع فاخبره إن القوم امتنعوا وحاربوا فأراد غزوهم فأنزل الله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوما بجهالة وولى سعد بن عبادة يوم الفتح فلما بلغه إن سعدا قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستباح الحرمة عزله وولى ابنه قيسا و أرسل بعمامته علامة على عزله ليعلم سعد أن ذلك أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وكان يشتكى إليه بعض نوابه فيأمره بما أمر الله به كما اشتكى أهلقباء معاذا لتطويله الصلاة بهم لما قرأ البقرة في صلاة العشاء فقال افتان أنت يا معاذ اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى ونحوها وفي الصحيح إن رجلا قال له إني أتخلف عن صلاة الفجر مما يطول بنا فلان فقال يا أيها الناس إذا أم أحدكم فليخفف فإن من ورائه الضعيف والكبير وذي الحاجة وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ورأى إماما قد بصق في قبلة المسجد فعزله عن الإمامة وقال انك آذيت الله ورسوله

وكان الواحد من خلفائه إذا أشكل عليه الشيء أرسل إليه يسأله عنه فكان الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته يعلم خلفاءه ما جهلوا ويقومهم إذا زاغوا ويعزلهم إذا لم يستقيموا ولم يكونوا مع ذلك معصومين فعلم انه لم يكن يجب عليه إن يولي المعصوم وأيضا فإن هذا تكليف ما لا يمكن فإن الله لم يخلق أحدا معصوما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فلو كلف إن يستخلف معصوما لكلف ما لا يقدر عليه وفات مقصود الولايات وفسدت أحوال الناس في الدين والدنيا وإذا علم انه كان يجوز بل يجب إن يستخلف في حياته من ليس بمعصوم فلو استخلف بعد موته كما استخلف في حياته لاستخلف أيضا غير معصوم وكان لا يمكن إن يعلمه و يقومه كما كان يفعل في حياته فكان أن لا يستخلف خيرا من ان يستخلف و الأمة قد بلغها أمر الله ونهيه وعلموا ما أمر الله به نهى عنه فهم يستخلفون من يقوم بأمر الله ورسوله ويعاونونه على إتمامهم القيام

بذلك إذا كان الواحد لا يمكنه القيام بذلك فما فاته من العلم بينه له من يعلمه وما احتاج إليه من القدرة عاونه عليه من يمكنه الإعانة وما خرج فيه عن الصواب أعادوه إليه بحسب الإمكان بقولهم وعملهم وليس على الرسول ما حملوه كما انهم ليس عليهم ما حمل فعلم أن ترك الاستخلاف من النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت اكمل في حق الرسول من الاستخلاف وان من قاس وجوب الاستخلاف بعد الممات على وجوبه في الحياة كان من اجهل الناس وإذا علم الرسول إن الواحد من الأمة هو أحق بالخلافة كما كان يعلم أن أبا بكر هو أحق بالخلافة من غيره كان في دلالته للأمة على انه أحق مع علمه بأنهم يولونه ما يغنيه عن استخلافه لتكون الأمة هي القائمة بالواجب ويكون ثوابها على ذلك اعظم من حصول مقصود الرسول و اما أبو بكر فلما علم انه ليس في الأمة مثل عمر وخاف إن لا يولوه إذا لم يستخلفه لشدته فولاه هو كان ذلك هو المصلحة للأمة فالنبي صلى الله عليه وسلم علم إن الأمة يولون أبا بكر فاستغنى بذلك عن توليته مع دلالته لهم على أنه أحق الأمة بالتولية وأبو بكر لم يكن يعلم إن الأمة يولون عمر إذا لم يستخلفه أبو بكر فكان ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو اللائق به لفضل علمه وما فعله صديق الأمة هو اللائق به إذ لم يعلم ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم.

الوجه السادس: أن يقال هب إن الاستخلاف واجب فقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على قول من يقول انه استخلفه ودل على استخلافه على القول الآخر وقوله لانه لم يعزله عن المدينة قلنا هذا باطل فانه لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم انعزل علي بنفس رجوعه كما كان غيره ينعزل إذا رجع وقد أرسله بعد هذا إلى اليمن حتى وافاه بالموسم في حجة الوداع واستخلف على الدينة في حجة الوداع غيره افترى النبي صلى الله عليه وسلم فيها مقيما وعلي باليمن وهو خليفة بالمدينة ولا ريب إن كلام هؤلاء كلام جاهل بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم كأنهم ظنوا إن عليا ما زال خليفة على المدينة حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا أن عليا بعد ذلك أرسله النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع مع أبي بكر لنبذ العهود وأمر عليه أبا بكر ثم بعد رجوعه مع أبي بكر أرسله إلى اليمن كما أرسل معاذا وأبا موسى ثم لما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع استخلف على المدينة غير علي ووافاه علي بمكة ونحر النبي صلى الله عليه وسلم مائة بدنة نحر بيده ثلثيها ونحر علي ثلثها وهذا كله معلوم عند أهل العلم متفق عليه بينهم وتواترت به

الأخبار كأنك تراه بعينك ومن لم يكن له عناية بأحوال الرسول لم يكن له أن يتكلم في هذه المسائل الأصولية والخليفة لا يكون خليفة إلا مع مغيب المستخلف أو موته فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالمدينة امتنع أن يكون له خليفة فيها كما أن سائر من استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع انقضت خلافته وكذلك سائر ولاة الأمور إذا استخلف أحدهم على مصره في مغيبه بطل استخلافه ذلك إذا حضر المستخلف ولهذا لا يصلح إن يقال إن الله يستخلف أحدا عنه فانه حي قيوم شهيد مدبر لعباده منزه عن الموت والنوم والغيبة ولهذا لما قالوا لأبى بكر يا خليفة الله قال لست خليفة الله بل خليفة رسول الله وحسبي ذلك والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد كما قال صلى الله عليه وسلم اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال في حديث الدجال والله خليفتي على كل مسلم وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله كقوله ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و كذلك قوله إني جاعل في الأرض خليفة أي عن خلق كان في الأرض قبل ذلك كما ذكر المفسرون و غيرهم و أما ما يظنه طائفة من الاتحادية و غيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل و ضلال.

*

فصل
قال الرافضي الخامس ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لأمير المؤمنين أنت أخي و وصيي و خليفتي من بعدي و قاضي ديني و هو نص في الباب.
*و الجواب من وجوه...
أحدها: المطالبة بصحة هذا الحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من الكتب التي تقوم الحجة بمجرد إسناده إليها و لا صححه إمام من أئمة الحديث و قوله رواه الجمهور إن أراد بذلك إن علماء الحديث رووه في الكتب التي يحتج بما فيها مثل كتاب البخاري و مسلم و نحوهما و قالوا انه صحيح فهذا كذب عليهم و إن أراد بذلك إن هذا يرويه مثل آبي نعيم في الفضائل و المغازلي و خطيب خوارزم و نحوهم أو يروى في مكتب الفضائل فمجرد هذا ليس بحجة باتفاق أهل العلم في مسألة فروع فكيف في مسألة الإمامة التي قد أقمتم عليها القيامة.
الثاني: إن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث و قد تقدم كلام ابن حزم إن سائر هذه الأحاديث موضوعة يعلم ذلك من له أدنى علم بالأخبار و نقلتها و قد صدق في ذلك فإن من له أدنى معرفة بصحيح الحديث و ضعيفة ليعلم إن هذا الحديث و مثله ضعيف بل و كذب موضوع و لهذا لم يخرجه أحد من أهل الحديث في الكتب التي يحتج بما فيها و إنما يرويه من يرويه في

الكتب التي يجمع فيها بين الغث و السمين التي يعلم كل عالم إن فيها ما هو كذب مثل كثير من كتب التفسير تفسير الثعلبي و الواحدي و نحوهما و الكتب التي صنفها في الفضائل من يجمع الغث و السمين لا سيما خطيب خوارزم فإنه من أروى الناس للمكذوبات و ليس هو من أهل العلم بالحديث و لا المغازلي قال أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات لما روى هذا الحديث من طريق آبي حاتم البستي حدثنا محمد بن سهل بن أيوب حدثنا عمار بن رجاء حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا مطر بن ميمون الإسكاف عن انس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن أخي و وزيري و خليفتي من أهلي و خير من اترك بعدي يقضي ديني و ينجز موعدي علي بن آبي طالب قال هذا حديث موضوع قال ابن حبان مطر بن ميمون يروى الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه رواه أيضا من طريق احمد بن عدي بنحو هذا اللفظ و مداره على عبيد الله بن موسى عن مطر بن ميمون و كان عبيد الله بن موسى في نفسه صدوقا روى عنه البخاري لكنه معروف بالتشيع فكان لتشيعه يروي عن غير الثقات ما يوافق هواه كما روى عن مطر بن ميمون هذا و هو كذب و قد يكون علم انه كذب ذلك و قد يكون لهواه لم يبحث عن كذبه و لو بحث عنه لتبين له انه كذب هذا مع انه ليس في اللفظ الذي رواه هؤلاء المحدثون و خليفتي من بعدي و إنما في تلك الطريق و خليفتي في أهلي و هذا استخلاف خاص و أما اللفظ الآخر الذي رواه ابن عدي فإنه قال حدثنا ابن آبي سفيان حدثنا عدي بن سهل حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا مطر عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم علي أخي و صاحبي و ابن عمي و خير من اترك من بعدي يقضي ديني و ينجز موعدي و لا ريب أن مطرا هذا كذاب لم يرو عنه أحد من علماء الكوفة

مع روايته عن انس فلم يرو عنه يحيى بن سعيد القطان و لا وكيع و لا أبو معاوية و لا أبو نعيم و لا يحيى بن آدم و لا أمثالهم مع كثرة من بالكوفة من الشيعة و مع أن كثيرا من عوامها يفضل عليا على عثمان و يروى حديثه أهل الكتب الستة حتى الترمذي و ابن ماجة قد يرويان عن ضعفاء و لم يرووا عنه و إنما روى عنه عبيد الله بن موسى لانه كان صاحب هوى متشيعا فكان لأجل هواه يروي عن هذا و نحوه و إن كانوا كذابين و لهذا لم يكتب احمد عن عبيد الله بن موسى بخلاف عبد الرزاق و ذكر احمد إن عبيد الله كان يظهر ما عنده بخلاف عبد الرزاق و مما افتراه مطر هذا ما رواه أبو بكر الخطيب في تاريخه من حديث عبيد الله بن موسى عند مطر عن انس قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فرأي عليا مقبلا فقال أنا و هذا حجة الله على أمتي يوم القيامة قال ابن الجوزي هذا حديث موضوع و المتهم بوضعه مطر قال أبو حاتم يروي الموضوعات عن الأثبات لا تحل الرواية عنه.
الوجه الثالث: أن دين النبي صلى الله عليه و سلم لم يقضه علي بل في الصحيح إن النبي صلى الله عليه و سلم مات و درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين و سقا من شعير ابتاعها لأهله فهذا الدين الذي كان عليه يقضي من الرهن الذي رهنه و لم يعرف عن النبي صلى الله عليه و سلم دين آخر و في الصحيح عنه انه قال لا يقتسم ورثتي دينارا و لا درهما ما تركت بعد نفقة نسائي و مؤنة عاملي فهو صدقة فلو كان عليه دين قضي مما تركه و كان ذلك مقدما على الصدقة كان ثبت ذلك في الحديث الصحيح.

*

فصل
قال الرافصي السادس حديث المؤاخاة روى انس إن النبي صلى الله عليه و سلم لما كان يوم المباهلة و أخي بين المهاجرين و الأنصار و علي واقف يراه و يعرفه و لم يؤاخ بينه و بين أحد فانصرف باكيا فقال النبي صلى الله عليه و سلم ما فعل أبو الحسن قالوا انصرف باكي العين قال يا بلال اذهب فائتني به فمضى إليه و دخل منزله باكي العين فقالت له فاطمة ما يبكيك قال أخي النبي صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار و لم يؤاخ بيني و بين أحد قالت لا يخزيك الله لعله إنما ادخرك لنفسه فقال بلال يا علي اجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتى فقال ما يبكيك يا أبا الحسن فأخبره فقال إنما ادخرك لنفسي ألا يسرك أن تكون أخا نبيك قال بلى فأخذ بيده فأتى المنبر فقال اللهم هذا مني و أنا منه إلا انه مني بمنزلة هارون من موسى إلا من كنت مولاه فعلي مولاه فانصرف فاتبعه عمر فقال بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي و مولى كل مسلم فالمؤاخاة تدل على الأفضلية فيكون هو الإمام.
*و الجواب...
أولا: المطالبة بتصحيح النقل فإنه لم يعز هذا الحديث إلى كتاب أصلا كما عادته يعزو و إن كان عادته يعزو إلى كتب لا تقوم بها الحجة و هنا أرسله إرسالا على عادة أسلافه شيوخ الرافضة يكذبون و يروون الكذب بلا إسناد و قد قال ابن المبارك الإسناد من الدين لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء فإذا سئل وقف و تحير.
الثاني: إن هذا الحديث موضوع عند أهل الحديث لا يرتاب أحد من أهل المعرفة بالحديث أنه موضوع وواضعه جاهل كذب كذبا

ظاهرا مكشوفا يعرف انه كذب من له أدنى معرفة بالحديث كما سيأتي بيانه.
الثالث: إن أحاديث المؤاخاة لعلي كلها موضوعة و النبي صلى الله عليه و سلم لم يؤاخ أحدا و لا أخي بين مهاجري و مهاجري و لا بين آبي بكر و عمر و لا بين أنصاري و أنصاري و لكن أخي بين المهاجرين و الأنصار في أول قدومه المدينة وأما المباهلة فكانت لما قدم وفد نجران سنة تسع أو عشر من الهجرة.
الرابع: إن دلائل الكذب على هذا الحديث بينة منها انه قال لما كان يوم المباهلة و أخي بين المهاجرين و الأنصار و المباهلة كانت لما قدم وفد نجران النصارى و أنزل الله (سورة آل عمران). و كان ذلك في آخر الأمر سنة عشر أو سنة تسع لم يتقدم على ذلك باتفاق الناس و النبي صلى الله عليه و سلم لم يباهل النصارى لكن دعاهم إلى المباهلة فاستنظروه حتى يشتوروا فلما اشتوروا قالوا هو نبي و ما باهل قوم نبيا إلا استؤصلوا فأقروا له بالجزية و لم يباهلوا و هم أول من اقر بالجزية من أهل الكتاب و قد اتفق الناس على انه لم يكن في ذلك اليوم مؤاخاة.
الخامس: إن المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار كانت في السنة الأولى من الهجرة في دار بني النجار و بين المباهلة و ذلك عدة سنين.
السادس: انه كان قد أخي بين المهاجرين و الأنصار و النبي صلى الله عليه و سلم و علي كلاهما من المهاجرين فلم يكن بينهم مؤاخاة بل أخي بين علي و سهل بن حنيف فعلم انه لم يؤاخ عليا و هذا مما يوافق ما في الصحيحين من أن المؤاخاة إنما كانت بين المهاجرين و الأنصار لم تكن بين مهاجري و مهاجري.
السابع: إن قوله أما ترضى إن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إنما قاله في غزوة تبوك مرة واحدة لم يقل ذلك في غير ذلك المجلس أصلا باتفاق أهل العلم بالحديث و أما حديث الموالاة فالذين رووه ذكروا انه قاله بغدير خم مرة واحدة لم يتكرر في غير ذلك المجلس أصلا.

الثامن: انه قد تقدم الكلام على المؤاخاة و إن فيها عموما و إطلاقا لا يقتضي الأفضلية و الإمامة و أن ما ثبت للصديق من الفضيلة لا يشركه فيه غيره كقوله لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا و أخباره إن احب الرجال إليه أبو بكر و شهادة الصحابة له انه احبهم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و غير ذلك مما يبين أن الاستدلال بما روى من المؤاخاة باطل نقلا و دلالة.
التاسع: أن من الناس من يظن أن المؤاخاة وقعت بين المهاجرين بعضهم مع بعض لأنه روى فيها أحاديث لكن الصواب المقطوع به أن هذا لم يكن و كل ما روي في ذلك فإنه باطل إما إن يكون من رواية من يتعمد الكذب وإما إن يكون اخطأ فيه و لهذا لم يخرج أهل الصحيح شيئا من ذلك و الذي في الصحيح إنما هو المؤاخاة بين المهاجرين و الأنصار و معلوم انه لو آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض و بين الأنصار بعضهم مع بعض لكان هذا مما تتوفر الهمم و الدواعي على نقله و لكان يذكر في أحاديث المؤاخاة و يذكر كثيرا فكيف و ليس في هذا حديث صحيح و لا خرج أهل الصحيح من ذلك شيئا و هذه الأمور يعرفها من كان له خبرة بالأحاديث الصحيحة و السيرة

المتواترة و أحوال النبي صلى الله عليه و سلم و سبب المؤاخاة و فائدتها و مقصودها وأنهم كانوا يتوارثون بذلك فآخى النبي صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين و الأنصار كما آخى بين سعد بن الربيع و عبد الرحمن بن عوف و بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء ليقعد الصلة بين المهاجرين و الأنصار حتى انزل الله تعالى و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله و هي المحالفة التي انزل الله فيها و الذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم و قد تنازع الفقهاء هل هي محكمة يورث بها عند عدم النسب أو لا يورث بها على قولين هما روايتان عن احمد الأول مذهب أبي حنيفة و الثاني مذهب مالك و الشافعي.
*

فصل
قال الرافضي السابع ما رواه الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه و سلم لما حاصر خيبر تسعا و عشرين ليلة و كانت الراية لأمير المؤمنين علي فلحقه رمد أعجزه عن الحرب و خرج مرحب يتعرض للحرب فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا بكر فقال له خذ الراية فأخذها في جمع من المهاجرين فاجتهد و لم يغن شيئا و رجع منهزما فلما كان من الغد تعرض لها عمر فسار غير بعيد ثم رجع يخبر أصحابه فقال النبي صلى الله عليه و سلم جيؤني بعلي فقيل انه أرمد فقال ارونيه اروني رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله ليس بفرار فجاءوا بعلي فتفل في يده و مسحها على عينيه و رأسه فبرئ فأعطاه الراية ففتح الله على يديه و قتل مرحبا و وصفه عليه السلام بهذا الوصف يدل على انتفائه عن غيره و هو يدل على أفضليته فيكون هو الإمام.

*و الجواب من وجوه...
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل و أما قوله رواه الجمهور فان الثقات الذين رووه لم يرووه هكذا بل الذي في الصحيح إن عليا كان غائبا عن خيبر لم يكن حاضرا فيها تخلف عن الغزاة لأنه كان ارمد ثم انه شق عليه التخلف عن النبي صلى الله عليه و سلم فلحقه فقال النبي صلى الله عليه و سلم قبل قدومه لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يفتح الله علي يديه و لم تكن الراية قبل ذلك لأبى بكر و لا لعمر و لا قربها واحد منهما بل هذا من الأكاذيب و لهذا قال عمر فما أحببت الإمارة إلا يومئذ و بات الناس كلهم يرجون إن يعطاها فلما اصبح دعا عليا فقيل له انه ارمد فجاءه فتفل في عينيه حتى برأ فأعطاه الراية و كان هذا التخصيص جزاء مجيء علي مع الرمد و كان أخبار النبي صلى الله عليه و سلم بذلك و علي ليس بحاضر لا يرجونه من كراماته صلى الله عليه و سلم فليس في الحديث تنقيص بأبي بكر وعمر أصلا.
الثاني: إن أخباره أن عليا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله حق و فيه رد على النواصب لكن الرافضة الذين يقولون إن الصحابة ارتدوا بعد موته لا يمكنهم الاستدلال بهذا لأن الخوارج تقول لهم هو ممن ارتد أيضا كما قالوا لما حكم الحكمين انك قد ارتددت عن الإسلام فعد إليه قال الأشعري في كتاب المقالات أجمعت الخوارج على كفر علي

و أما أهل السنة فيمكنهم الاستدلال على بطلان قول الخوارج بأدلة كثيرة لكنها مشتركة تدل على إيمان الثلاثة و الرافضة تقدح فيها فلا يمكنهم إقامة دليل على الخوارج على إن عليا مات مؤمنا بل أي دليل ذكروه قدح فيه ما يبطله على أصلهم لان أصلهم فاسد و ليس هذا الوصف من خصائص علي بل غيره يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله لكن فيه الشهادة لعينه بذلك كما شهد لاعيان العشرة بالجنة و كما شهد لثابت بن قيس بالجنة و شهد لعبد الله حمار بأنه يحب الله و رسوله و قد كان ضربه في الحد مرات و قول القائل إن هذا يدل على انتفاء هذا الوصف عن غيره فيه جوابان أحدهما انه إن سلم ذلك فانه قال لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يفتح الله علي يديه فهذا المجموع اختص به و هو أن ذلك الفتح كان على يديه ولا يلزم إذا كان ذلك الفتح المعين على يديه أن يكون افضل من غيره فضلا عن إن يكون مختصا بالإمامة الثاني إن يقال لا نسلم إن هذا يوجب التخصيص كما لو قيل لأعطين هذا المال رجلا فقيرا أو رجلا صالحا و لأدعون اليوم رجلا مريضا صالحا أو لأعطين هذه الراية رجلا شجاعا و نحو ذلك لم

يكن في هذه الألفاظ ما يوجب إن تلك الصفة لا توجد إلا في واحد بل هذا يدل على أن ذلك الواحد موصوف بذلك و لهذا لو نذر إن يتصدق بألف درهم على رجل صالح أو فقير فأعطى هذا المنذور لواحد لم يلزم إن يكون غيره ليس كذلك و لو قالوا أعطوا هذا المال لرجل قد حج عني فأعطوه رجلا لم يلزم أن غيره لم يحج عنه.
الثالث: انه لو قدر ثبوت أفضليته في ذلك الوقت فلا يدل ذلك على أن غيره لم يكن افضل منه بعد ذلك.
الرابع: انه لو قدرنا أفضليته لم يدل ذلك على انه إمام معصوم منصوص عليه بل كثير من الشيعة الزيدية و متأخري المعتزلة و غيرهم يعتقدون أفضليته وأن الإمام هو أبو بكر و تجوز عندهم ولاية المفضول و هذا مما يجوزه كثير من غيرهم ممن يتوقف في تفضيله بعض الأربعة على بعض أو ممن يرى إن هذه المسألة ظنية لا يقوم فيها دليل قاطع على فضيلة واحد معين فإن من لم يكن له خبره بالسنة الصحيحة قد يشك في ذلك وأما أئمة المسلمين المشهورون فكلهم متفقون على أن أبا بكر و عمر افضل من عثمان و علي و نقل هذا الإجماع غير واحد كما روى البيهقي في كتب مناقب الشافعي مسنده عن الشافعي قال ما اختلف أحد من الصحابة و التابعين في تفضيل أبي بكر و عمر و تقديمهما على جميع الصحابة و روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال كنا نفاضل على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فنقول خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر و قد تقدم نقل البخاري عن علي هذا الكلام و الشيعة الذين صحبوا عليا كانوا يقولون ذلك و تواتر ذلك عن علي من نحو ثمانين وجها و هذا مما يقطع به أهل العلم ليس هذا مما يخفى على من كان عارفا بأحوال الرسول و الخلفاء.

*

فصل
قال الرافضي الثامن خبر الطائر روى الجمهور كافة أن النبي صلى الله عليه و سلم أتى بطائر فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك و إلي يأكل معي من هذا الطائر فجاء علي فدق الباب فقال انس إن النبي صلى الله عليه و سلم على حاجة فرجع ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم كما قال أولا فدق الباب فقال انس ألم اقل لك انه علي حاجة فانصرف فعاد النبي صلى الله عليه و سلم فعاد علي فدق الباب اشد من الأولين فسمعه النبي صلى الله عليه و سلم فأذن له بالدخول و قال ما ابطأك عني قال جئت فردني انس ثم جئت فردني انس ثم جئت فردني الثالثة فقال يا انس ما حملك على هذا فقال رجوت أن يكون الدعاء لرجل من الأنصار فقال يا انس أو في الأنصار خير من علي أو في الأنصار افضل من علي فإذا كان احب الخلق إلى الله وجب أن يكون هو الإمام.
*و الجواب من وجوه...
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل و قوله روى الجمهور كافة كذب عليهم فإن حديث الطير لم يروه أحد من أصحاب الصحيح و لا صححه أئمة الحديث و لكن هو مما رواه بعض الناس كما رووا أمثاله في فضل غير علي بل قد روي في فضائل معاوية أحاديث كثيرة و صنف في ذلك مصنفات و أهل العلم بالحديث لا يصححون لا هذا و لا هذا.
الثاني: أن حديث الطائر من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم و المعرفة بحقائق النقل قال أبو موسى المديني قد جمع غير واحد من الحفاظ طرق أحاديث الطير للاعتبار و المعرفة كالحاكم النيسابوري وأبي نعيم وابن مردويه و سئل الحاكم عن حديث الطير فقال لا يصح.

هذا مع إن الحاكم منسوب إلى التشيع و فد طلب منه إن يروي حديثا في فضل معاوية فقال ما يجيء من قلبي ما يجيء من قلبي و قد ضربوه على ذلك فلم يفعل و هو يروي في الأربعين أحاديث ضعيفة بل موضوعة عند أئمة الحديث كقوله بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين لكن تشيعه و تشيع أمثاله من أهل العلم بالحديث كالنسائي و ابن عبد البر و أمثالهما لا يبلغ إلى تفضيله على أبي بكر و عمر فلا يعرف في علماء الحديث من يفضله عليهما بل غاية المتشيع منهم أن يفضله على عثمان أو يحصل منه كلام أو إعراض عن ذكر محاسن من قاتله و نحو ذلك لأن علماء الحديث قد عصمهم و قيدهم ما يعرفون من الأحاديث الصحيحة الدالة على أفضلية الشيخين و من ترفض ممن له نوع اشتغال بالحديث كابن عقدة و أمثاله فهذا غايته أن يجمع ما يروى في فضائله من المكذوبات و الموضوعات لا يقدر إن يدفع ما تواتر من فضائل الشيخين

فإنها باتفاق أهل العلم بالحديث اكثر مما صح في فضائل علي و اصح و أصرح في الدلالة وأحمد بن حنبل لم يقل انه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره بل احمد اجل من إن يقول مثل هذا الكذب بل نقل عنه انه قال روي له ما لم يرو لغيره مع إن في نقل هذا عن احمد كلاما ليس هذا موضعه.
الثالث: إن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب إن يجيء احب الخلق إلى الله ليأكل منه فان إطعام الطعام مشروع للبر و الفاجر و ليس في ذلك زيادة و قربة عند الله لهذا الآكل و لا معونة على مصلحة دين و لا دينا فأي أمر عظيم هنا يناسب جعل أحب الخلق إلى الله يفعله.
الرابع: إن هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة فانهم يقولون إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يعلم إن عليا احب الخلق إلى الله و انه جعله خليفة من بعده و هذا الحديث يدل على انه ما كان يعرف احب الخلق إلى الله.
الخامس: إن يقال إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف أن عليا احب الخلق إلى الله أو ما كان يعرف فان كان يعرف ذلك كان يمكنه إن يرسل يطلبه كما كان يطلب الواحد من الصحابة أو يقول اللهم ائتني بعلي فإنه احب الخلق إليك فأي حاجة إلى الدعاء و الإبهام في ذلك و لو سمى عليا لاستراح انس من الرجاء الباطل و لم يغلق الباب في وجه علي

و إن كان النبي صلى الله عليه و سلم لم يعرف ذلك بطل ما يدعونه من كونه كان يعرف ذلك ثم ان في لفظه احب الخلق إليك و إلي فكيف لا يعرف احب الخلق إليه.
السادس: إن الأحاديث الثابتة في الصحاح التي اجمع أهل الحديث على صحتها و تلقيها بالقبول تناقض هذا فكيف تعارض بهذا الحديث المكذوب الموضوع الذي لم يصححوه يبين هذا لكل متأمل ما في صحيح البخاري و مسلم و غيرهما من فضائل القوم كما في الصحيحين انه قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و هذا الحديث مستفيض بل متواتر عند أهل العلم بالحديث فإنه قد اخرج في الصحاح من وجوه متعددة من حديث ابن مسعود وأبي سعيد و ابن عباس و ابن الزبير و هو صريح في انه لم يكن عنده من أهل الأرض أحد احب إليه من آبي بكر فإنه الخلة هي كمال الحب و هذا لا يصلح إلا لله فإذا كانت ممكنة و لم يصلح لها إلا أبو بكر علم انه احب الناس إليه و قوله في الحديث الصحيح لما سئل أي الناس احب إليك قال عائشة قيل من الرجال قال أبوها و قول الصحابة أنت خيرنا و سيدنا وأحب إلى رسول الله صلى الله

عليه و سلم يقوله عمر بين المهاجرين و الأنصار و لا ينكر ذلك منكر و أيضا فالنبي صلى الله عليه و سلم محبته تابعة لمحبة الله و أبو بكر احبهم إلى الله تعالى فهو احبهم إلى رسوله و إنما كان كذلك لأنه اتقاهم و أكرمهم وأكرم الخلق علي الله تعالى اتقاهم بالكتاب و السنة و إنما كان اتقاهم لأن الله تعالى قال و سيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى و أئمة التفسير يقولون إنه أبو بكر و نحن نبين صحة قولهم بالدليل فنقول الأتقى قد يكون نوعا و قد يكون شخصا وإذا كان نوعا فهو يجمع أشخاصا فإن قيل انهم ليس فيهم شخص هو اتقى كان هذا باطلا لأنه لا شك إن بعض الناس اتقى من بعض مع أن هذا خلاف قول أهل السنة و الشيعة فإن هؤلاء يقولون إن اتقى الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذه الأمة هو أبو بكر و هؤلاء يقولون هو علي و قد قال بعض الناس هو عمر و يحكى عن بعض الناس غير ذلك و من توقف أو شك لم يقل

انهم مستوون في التقوى فإذا قال انهم متساوون في الفضل فقد خالف إجماع الطوائف فتعين إن يكون هذا اتقى و إن كان الأتقى شخصا فإما إن يكون أبا بكر أو عليا فإنه إذا كان اسم جنس يتناول من دخل فيه و هو النوع و هو القسم الأول أو معينا غيرهما و هذا القسيم منتف باتفاق أهل السنة و الشيعة و كونه عليا باطل أيضا لأنه قال الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى و هذا الوصف منتف في علي لوجوه أحدها إن هذه السورة مكية بالاتفاق و كان علي فقيرا بمكة في عيال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن له مال ينفق منه بل كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمه إلى عياله لما أصابت أهل مكة سنة الثاني انه قال و ما لأحد عنده من نعمة تجزى و علي كان للنبي صلى الله عليه و سلم عنده نعمة تجزى و هو إحسانه إليه لما ضمه إلى عياله بخلاف أبي بكر فإنه لم يكن له عنده نعمة دنيوية لكن كان له عنده نعمة الدين و تلك لا تجزى فإن اجر النبي

صلى الله عليه و سلم فيها على الله لا يقدر أحد يجزيه فنعمة النبي صلى الله عليه وسلم عند آبي بكر دينية لا تجزى و نعمته عند علي دنيوية تجزى ودينية و هذا الأتقى ليس لأحد عنده نعمة تجزى و هذا الوصف لأبى بكر ثابت دون علي فان قيل المراد به انه انفق ماله لوجه الله لا جزاء لمن انعم عليه و إذا قدر أن شخصا أعطى من احسن إليه أجرا و أعطى شيئا آخر لوجه الله كان هذا مما ليس لأحد عنده من نعمة تجزى قيل هب إن الأمر كذلك لكن علي لو انفق لم ينفق إلا فيما يأمره به النبي صلى الله عليه و سلم و النبي له عنده نعمة تجزى فلا يخلص إنفاقه عن المجازاة كما يخلص إنفاق أبي بكر و علي اتقى من غيره لكن أبا بكر اكمل في وصف التقوى مع إن لفظ الآية انه ليس عنده قط لمخلوق نعمة تجزى و هذا وصف من يجازي الناس على إحسانهم إليه فلا يبقى لمخلوق عليه منة و هذا الوصف منطبق على أبي بكر انطباقا لا يساويه فيه أحد من المهاجرين فإنه لم يكن في المهاجرين عمر و عثمان و علي و غيرهم رجل اكثر إحسانا إلى الناس قبل الإسلام و بعده بنفسه و ماله من أبي بكر كان مؤلفا محببا يعاون الناس على مصالحهم كما قال فيه ابن الدغنة سيد القارة لما أراد إن يخرج من مكة مثلك يا أبا بكر لا يخرج و لا يخرج فإنك تحمل الكل و تقري الضيف و تكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق و في صلح الحديبية لما قال لعروة بن مسعود امصص بظر اللات أنحن نفر عنه و ندعه قال لأبى بكر لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك و ما عرف قط إن أحدا كانت له يد على أبي بكر في الدنيا لا قبل

الإسلام و لا بعده فهو أحق الصحابة وما لأحد عنده من نعمة تجزى فكان أحق الناس بالدخول في الآية و أما علي رضي الله عنه فكان للنبي صلى الله عليه و سلم عليه نعمة دنيوية و في المسند لأحمد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسقط السوط من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه و يقول إن خليلي امرني أن لا أسال الناس شيئا و في المسند و الترمذي وأبي داود حديث عمر قال عمر امرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم إن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم اسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أبقيت لأهلك فقلت مثله قال و اتى أبو بكر بكل ما عنده فقال ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله و رسوله فقلت لا أسابقك إلى شيء أبدا فأبو بكر رضي الله عنه جاء بماله كله و مع هذا فلم يكن يأكل من أحد لا صدقة و لا صلة و لا نذرا بل كان يتجر و يأكل من كسبه و لما

ولي الناس و اشتغل عن التجارة بعمل المسلمين أكل من مال الله و رسوله الذي جعله الله له لم يأكل من مال مخلوق و أبو بكر لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يعطيه شيئا من الدنيا يخصه به بل كان في المغازي كواحد من الناس بل يأخذ من ماله ما ينفقه على المسلمين و قد استعمله النبي صلى الله عليه و سلم و ما عرف انه أعطاه عمالة و قد أعطى عمر عمالة و أعطى عليا من الفيء و كان يعطي المؤلفة قلوبهم من الطلقاء و أهل نجد و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار لا يعطيهم كما فعل في غنائم حنين و غيرها و يقول إني لأعطي رجالا و ادع رجالا و الذي ادع احب إلي من الذي أعطي أعطى رجالا لما في قلوبهم من الجزع و الهلع و أكل رجالا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى و الخير و لما بلغه عن الأنصار كلام سألهم عنه فقالوا يا رسول الله أما ذوو الرأي منا فلم يقولوا شيئا و أما أناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا و يتركنا و سيوفنا تقطر من دمائهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أفلا ترضون إن يذهب الناس بالأموال و ترجعوا إلى رحالكم برسول الله فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا بلى يا رسول

الله قد رضينا قال فإنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوا الله و رسوله على الحوض قالوا سنصبر و قوله تعالى و سيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى و لسوف يرضى استثناء منقطع و المعنى لا يقتصر في العطاء على من له عنده يد يكافئه بذلك فان هذا من العدل الواجب للناس بعضهم على بعض بمنزلة المعاوضة في المبايعة و المؤاجرة و هذا واجب لكل أحد على كل أحد فإذا لم يكن لأحد عنده نعمة تجزى لم يحتج إلى هذه المعادلة فيكون عطاؤه خالصا لوجه ربه الأعلى بخلاف من كان عنده لغيره نعمة يحتاج إن يجزيه لها فإنه يحتاج أن يعطيه مجازاة له على ذلك و هذا الذي ما لأحد عنده من نعمة تجزى إذا أعطى ماله يتزكى فانه في معاملته للناس يكافئهم دائما و يعاونهم و يجازيهم فحين أعطاه الله ماله يتزكى لم يكن لأحد عنده من نعمة تجزىو فيه أيضا ما يبين أن التفضيل بالصدقة لا يكون إلا بعد أداء الواجبات من المعاوضات كما قال تعالى و يسألونك ماذا ينفقون قل العفو و من تكون عليه ديون و فروض و غير ذلك أداها و لا يقدم الصدقة على قضاء هذه الواجبات و لو فعل ذلك فهل ترد صدقته على قولين معروفين للفقهاء و هذه الآية يحتج بها من ترد صدقته لأن الله إنما أثنى على من اتى ماله يتزكى و ما لأحد عنده من نعمة تجزى فإذا كان عنده نعمة تجزى فعليه إن يجزيها قبل إن يؤتي ماله يتزكى فإما إذا آتى ماله يتزكى قبل إن يجزيها لم يكن ممدوحا فيكون عمله مردودا لقوله عليه الصلاة والسلام من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد الثالث انه قد صح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ما نفعني مال كمال أبي بكر و قال إن أمن الناس علينا في صحبته و ذات يده أبو بكر بخلاف علي رضي الله عنه فإنه لم يذكر عنه النبي

صلى الله عليه و سلم شيئا من إنفاق المال و قد عرف إن أبا بكر اشترى سبعة من المعذبين في الله في أول الإسلام و فعل ذلك ابتغاء لوجه ربه الأعلى لم يفعل ذلك كما فعله أبو طالب الذي أعان النبي صلى الله عليه و سلم لأجل نسبه وقرابته لا لأجل الله تعالى و لا تقربا إليه و إن كان الأتقى اسم جنس فلا ريب انه يجب أن يدخل فيه اتقى الأمة و الصحابة خير القرون فأتقاها اتقى الأمة وأتقى الأمة إما أبو بكر وإما علي وإما غيرهما و الثالث منتف بالإجماع و علي إن قيل انه يدخل في هذا النوع لكونه بعد أن صار له مال اتى ماله يتزكى فيقال أبو بكر فعل ذلك في أول الإسلام وقت الحاجة إليه فيكون اكمل في الوصف الذي يكون صاحبه هو الأتقى و أيضا فالنبي صلى الله عليه و سلم إنما كان يقدم الصديق في المواضع التي لا تحتمل المشاركة كاستخلافه في الصلاة و الحج و مصاحبته وحده في سفر الهجرة و مخاطبته و تمكينه من الخطاب و الحكم والإفتاء بحضرته و رضاه بذلك إلى غير ذلك من الخصائص التي يطول وصفهاو من كان اكمل في هذا الوصف كان اكرم عند الله فيكون احب إليه فقد ثبت بالدلائل الكثيرة إن أبا بكر هو اكرم الصحابة في الصديقية و افضل الخلق بعد الأنبياء الصديقون و من كان اكمل في ذلك كان افضل و أيضا فقد ثبت في النقل الصحيح عن علي انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر و استفاض ذلك و تواتر عنه و توعد بجلد المفتري من يفضله عليه و روي عنه انه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه و سلم و لا ريب أن عليا لا يقطع بذلك إلا عن علم و أيضا فإن الصحابة اجمعوا على تقديم عثمان الذي عمر افضل منه و أبو بكر افضل منهما و هذه المسألة مبسوطة في غير هذا الموضع و تقدم بعض ذلك و لكن ذكر هذا لنبين إن حديث الطير من الموضوعات.

*

فصل
قال الرافضي التاسع ما رواه الجمهور انه أمر الصحابة بان يسلموا على علي بإمرة المؤمنين و قال انه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و قال هذا ولي كل مؤمن بعدي و قال في حقه إن عليا مني و أنا منه أولى بكل مؤمن و مؤمنة فيكون علي وحده هو الإمام لذلك و هذه نصوص في الباب.
*والجواب من وجوه...
أحدها: المطالبة بإسناده و بيان صحته و هو لم يعزه إلى كتاب على عادته فإما قوله رواه الجمهور فكذب فليس هذا في كتب الأحاديث المعروفة لا الصحاح و لا المساند و لا السنن و غير ذلك فإن كان رواه بعض حاطبي الليل كما يروي أمثاله فعلم مثل هذا ليس بحجة يجب اتباعها باتفاق المسلمين و الله تعالى قد حرم علينا الكذب وأن نقول عليه ما لا نعلم و قد تواتر عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
الوجه الثاني: أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث و كل من له أدنى معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب موضوع لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث في كتاب يعتمد عليه لا الصحاح و لا السنن و لا المساند المقبولة.
الثالث: أن هذا مما لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإن قائل هذا كاذب و النبي صلى الله عليه و سلم منزه عن الكذب و ذلك إن سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين هو رسول الله صلى الله عليه و سلم باتفاق المسلمين فان قيل علي هو سيدهم بعده قيل ليس في لفظ الحديث ما يدل على هذا التأويل بل هو مناقض لهذا لأن افضل المسلمين المتقين المحجلين هم القرن الأول و لم يكن لهم على عهد النبي صلى الله عليه و سلم سيد و لا إمام

و لا قائد غيره فكيف يخبر عن شيء بعد إن لم يحضر و يترك الخبر عما هو أحوج إليه و هو حكمهم في الحال ثم القائد يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه و سلم فمن يقود علي و أيضا فعند الشيعة جمهور المسلمين المحجلين كفار أو فساق فلمن يقود و في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال وددت إني قد رأيت إخواني قالوا اولسنا إخوانك يا رسول الله قال انتم أصحابي و إخواننا الذين لم يأتوا بعد قالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله قال أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم إلا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء و أنا فرطهم على الحوض الحديث فهذا يبين إن كل من توضأ و غسل وجهه و يديه و رجليه فإنه من الغر المحجلين و هؤلاء جماهيرهم إنما يقدمون أبا بكر و عمر و الرافضة لا تغسل بطون أقدامها و لا أعقابها فلا يكونون من المحجلين في الأرجل و حينئذ فلا يبقى أحد من الغر المحجلين يقودهم و لا يقادون

مع الغر المحجلين فإن الحجلة لا تكون إلا في ظهر القدم وإنما الحجلة في الرجل كالحجلة في اليد و قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ويل للأعقاب و بطون الأقدام من النار و معلوم إن الفرس لو لم يكن البياض إلا لمعة في يده أو رجله لم يكن محجلا و إنما الحجلة بياض اليد أو الرجل فمن لم يغسل الرجلين إلى الكعبين لم يكن من المحجلين فيكون قائد الغر المحجلين بريئا منه كائنا من كان ثم كون علي سيدهم و إمامهم و قائدهم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم مما يعلم بالاضطرار انه كذب وأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقل شيئا من ذلك بل كان يفضل عليه أبا بكر و عمر تفضيلا بينا ظاهرا عرفه الخاصة و العامة حتى أن المشركين كانوا يعرفون منه ذلك و لما كان يوم أحد قال أبو سفيان و كان حينئذ أمير المشركين أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه

و سلم لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن آبي قحافة أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تجيبوه فقال أفي القوم ابن الخطاب أفي القوم ابن الخطاب ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه و سلم لا تجيبوه فقال أبو سفيان لأصحابه أما هؤلاء فقد كفيتموهم فلم يملك عمر نفسه إن قال كذبت يا عدو الله إن الذين عددت لأحياء و قد بقي لك ما يسوءك وقد ذكر باقي الحديث رواه البخاري و غيره فهذا مقدم الكفار إذ ذاك لم يسأل إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم وأبي بكر و عمر لعلمه و علم الخاص و العام إن هؤلاء الثلاثة هم رؤوس هذا الأمر وأن قيامه بهم و دل ذلك على انه كان ظاهرا عند الكفار إن هذين وزيراه و بهما تمام أمره و أنها أخص الناس به و إن لهما من السعي في إظهار الإسلام ما ليس لغيرهما و هذا أمر كان معلوما للكفار فضلا عن المسلمين و الأحاديث الكثيرة متواترة بمثل هذا و كما في الصحيحين عن ابن عباس قال وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون له و يثنون عليه و يصلون عليه قبل إن يرفع و أنا فيهم فلم يرعني إلا برجل قد اخذ بمنكبي من ورائي فالتفت فإذا هو علي فترحم على عمر و قال ما خلفت أحدا

احب إلي إن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن إن يجعلك الله مع صاحبيك و ذلك أني كثيرا ما كنت اسمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول جئت أنا و أبو بكر و عمر و دخلت أنا و أبو بكر و عمر و خرجت أنا و أبو بكر و عمر فإن كنت لأرجوا إن يجعلك الله معهما فلم يكن تفضيلهما عليه و على أمثاله مما يخفى على أحد و لهذا كانت الشيعة القدماء الذين أدركوا عليا يقدمون أبا بكر و عمر عليه إلا من الحد منهم و إنما كان نزاع من نازع منهم في عثمان و كذلك قوله هو ولي كل مؤمن بعدي كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم بل هو في حياته و بعد مماته ولي كل مؤمن و كل مؤمن وليه في المحيا و الممات فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي و الوالي قدم الوالي في قول الأكثر و قيل يقدم الولي فقول القائل علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج ان يقول بعدي و إن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وال على كل مؤمن و أما قوله لعلي أنت مني و أنا منك فصحيح في غير هذا الحديث ثبت انه قال له ذلك عام القضية لما تنازع هو و جعفر و زيد ابن حارثة في حضانة بنت حمزة فقضى النبي صلى الله عليه و سلم بها لخالتها و كانت تحت جعفر و قال الخالة أم و قال لجعفر أشبهت خلقي و خلقي و قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لزيد أنت أخونا و مولانا و في الصحيحين عنه انه قال إن الأشعريين إذا أرملوا في السفر أو نقصت نفقة عيالاتهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد فقسموه بينهم بالسوية هم مني و أنا منهم فقال للاشعريين هم مني و أنا منهم كما قال لعلي أنت مني و أنا منك و قال لجليبيب هذا مني و أنا منه فعلم إن هذه اللفظة لا تدل على الإمامة و لا على أن من قيلت له كان هو افضل الصحابة

*

فصل
قال الرافضي العاشر ما رواه الجمهور من قول النبي صلى الله عليه و سلم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله و عترتي أهل بيتي و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. و قال أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق. و هذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته و علي سيدهم فيكون واجب الطاعة على الكل فيكون هو الإمام.
*والجواب من وجوه...
أحدها: أن لفظ الحديث الذي في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فقال أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ربي و إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور فخذوا بكتاب الله و استمسكوا به فحث على كتاب الله و رغب فيه ثم قال و أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. و هذا اللفظ يدل على إن الذي امرنا بالتمسك به و جعل المتمسك به لا يضل هو كتاب الله.
وهكذا جاء في غير هذا الحديث كما في صحيح مسلم عن جابر في حجة الوداع لما خطب يوم عرفة وقال قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس اللهم اشهد ثلاث مرات.
وأما قوله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فهذا رواه الترمذى وقد سئل عنه احمد بن حنبل فضعفه

وضعفه غير واحد من أهل العلم، وقالوا لا يصح.
وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة قالوا ونحن نقول بذلك كما ذكر القاضي أبو يعلي وغيره ولكن أهل البيت لم يتفقوا ولله الحمد على شيء من خصائص مذهب الرافضة بل هم المبرؤون المنزهون عن التدنس بشيء منه.
وأما قوله مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح فهذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده.
وهنا الوجه الثاني: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عترته أنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وهو الصادق المصدوق فيدل على إن اجماع العترة حجة وهذا قول طائفة من أصحابنا وذكره القاضي في المعتمد لكن العترة هم بنو هاشم كلهم ولد العباس وولد علي وولد الحارث بن عبد المطلب وسائر بني أبي طالب وغيرهم وعلي وحده ليس هو العترة وسيد العترة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين ذلك إن علماء العترة كابن عباس وغيره لم يكونوا يوجبون اتباع علي في كل ما يقوله ولا كان علي يوجب على الناس طاعته في

كل ما يفتي به ولا عرف أن أحدا من أئمة السلف لا من بنى هاشم ولا غيرهم قال انه يجب اتباع علي في كل ما يقوله.
الوجه الثالث: أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته بل أئمة العترة كابن عباس وغيره يقدمون أبا بكر وعمر في الإمامة والأفضلية وكذلك سائر بنو هاشم من العباسيين والجعفريين واكثر العلويين وهم مقرون بإمامة أبي بكر وعمر وفيهم من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي واحمد وغيرهم أضعاف من فيهم من الإمامية.
والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين وتابعيهم من ولد الحسين بن علي وولد الحسن وغيرهما انهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر وكانوا يفضلونهما على علي والنقول عنهم ثابتة متواترة وقد صنف الحافظ أبو الحسن الدارقطني كتاب ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة وذكر فيه من ذلك قطعة وكذلك كل من صنف من أهل الحديث في السنة مثل كتاب السنة لعبد الله ابن احمد و السنة للخلال و السنة لابن بطة والسنة للآجري واللالكائي والبيهقي وابن ذر الهروي والطلمنكي وابن حفص بن شاهين و أضعاف هؤلاء الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها مثل كتاب فضائل الصحابة للإمام احمد ولأبي نعيم وتفسير الثعلبي وفيها من

ذكر فضائل الثلاثة ما هو من اعظم الحجج عليه فان كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه و الا فلا يحتج به.
الوجه الرابع: إن هذا معارض بما هو أقوى منه وهو أن إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع والعترة بعض الأمة فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة. وأفضل الأمة أبو بكر كما تقدم ذكره ويأتي وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتباع قول أفضلها مطلقا وان لم يكن هو الإمام ثبت أن أبا بكر هو الإمام وإن لم يجب إن يكون الأمر كذلك بطل ما ذكروه في إمامة علي فنسبة آبي بكر إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة علي إلى العترة بعد نبيها على قول هذا.
*

فصل
قال الرافضي الحادي عشر ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته روى احمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخذ بيد حسن وحسين فقال من احبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة. وروى ابن خالويه عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من احب إن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي حبك إيمان وبغضك نفاق و أول من يدخل الجنة محبك و أول من يدخل النار مبغضك وقد جعلك الله أهلا لذلك فأنت مني وأنا منك ولا نبي بعدي وعن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو اخذ بيد علي وهو يقول هذا وليي وأنا وليه عاديت من عادى وسالمت من سالم وروى اخطب خوارزم عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءني جبريل من

عند الله بورقة خضراء مكتوب فيها ببياض إني قد افترضت محبة علي على خلقي فبلغهم ذلك عني والأحاديث في ذلك لا تحصى كثرة من طرق المخالفين وهي تدل على أفضليته واستحقاقه للإمامة.
*والجواب من وجوه...
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل وهيهات له بذلك و أما قوله رواه احمد فيقال أولا احمد له المسند المشهور وله كتاب مشهور في فضائل الصحابة روى فيه أحاديث لا يرويها في المسند لما فيها من الضعف لكونها لا تصلح إن تروى في المسند لكونها مراسيل أو ضعافا بغير الإرسال ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات ثم إن القطيعى الذي رواه عن ابنه عبد الله زاد عن شيوخه زيادات وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهال فهم ينقلون من هذا المصنف فيظنون إن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه احمد نفسه ولا يميزون بين شيوخ احمد وشيوخ القطيعي ثم يظنون إن احمد إذا رواه فقد رواه في المسند فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلى مسند احمد أحاديث ما سمعها احمد قط كما فعل ابن البطريق وصاحب الطرائف منهم وغيرهما بسبب هذا الجهل منهم وهذا غير ما يفترونه من الكذب فان الكذب كثير منهم وبتقدير إن يكون احمد روى الحديث فمجرد رواية احمد لا توجب إن يكون صحيحا يجب العمل به بل الإمام احمد روى أحاديث كثيرة ليعرف ويبين للناس ضعفها وهذا في كلامه وأجوبته اظهر وأكبر من أن يحتاج إلى بسط لا سيما في مثل هذا الأصل العظيم مع إن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي رواه عن نصر بن علي الجهضمي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر والحديث الثاني ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وبين انه موضوع وأما رواية ابن خالويه فلا تدل على إن هذا الحديث صحيح

باتفاق أهل العلم وكذلك رواية خطيب خوارزم فان في روايته من الأكاذيب المختلفة ما هو من اقبح الموضوعات باتفاق أهل العلم.
الوجه الثاني: إن هذه الأحاديث التي رواها ابن خالويه كذب موضوعة عند أهل الحديث و أهل المعرفة يعلمون علما ضروريا يجزمون به إن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه ليست في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها علماء الحديث لا الصحاح ولا المساند ولا السنن ولا المعجمات ولا نحو ذلك من الكتب.
الثالث: إن من تدبر ألفاظها تبين له أنها مفتراة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل قوله من احب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فهذه من خرافات الحديث وكأنهم لما سمعوا إن الله خلق آدم بيده من تراب ثم قال له كن فكان قاسوا هذه الياقوتة على خلق آدم و آدم خلق من تراب ثم قال له كن فكان فصار حيا بنفخ الروح فيه فإما هذا القصب فبنفس خلقه كمل ثم لم يكن له بعد هذا حال يقال له فيها كن ولم يقل أحد من أهل العلم إن الله خلق بيده ياقوتة بل قد روي في عدة آثار إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء آدم والقلم وجنة عدن

ثم قال لسائر خلقه كن فكان فلم يذكر فيها هذه الياقوتة ثم أي عظيم في إمساك هذه الياقوتة حتى يجعل على هذا وعدا عظيما و كذلك قوله أول من يدخل النار مبغضك فهل يقول مسلم إن الخوارج يدخلون النار قبل أبي جهل بن هشام و فرعون وأبي لهب و أمثالهم من المشركين و كذلك قوله أول من يدخل الجنة محبك فهل يقول عاقل إن الأنبياء و المرسلين سبب دخولهم الجنة أولا هو حب علي دون حب الله و رسوله و سائر الأنبياء و رسله و حب الله و رسله ليس هو السبب في ذلك و هل تعلق السعادة و الشقاوة بمجرد حب علي دون حب الله و رسوله إلا كتعلقها بحب أبي بكر و عمر و عثمان و معاوية رضي الله عنهم فلو قال قائل من احب عثمان و معاوية دخل الجنة و من ابغضهما دخل النار كان هذا من جنس قول الشيعة.
*

فصل
قال الرافضي الثاني عشر روى اخطب خوارزم بإسناده عن أبي ذر الغفاري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من ناصب عليا الخلافة فهو في كافر و قد حارب الله و رسوله و من شك في علي فهو كافر وعن انس قال كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فرأي عليا مقبلا فقال أنا وهذا حجة الله على أمتي يوم القيامة و عن معاوية بن حيدة القشيري قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول لعلي من مات و هو يبغضك مات يهوديا أو نصرانيا.
*و الجواب من وجوه...
أحدها: المطالبة بتصحيح النقل و هذا على سبيل التنزل فإن مجرد رواية الموفق خطيب خوارزم لا تدل على أن الحديث ثابت قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا لو لم يعلم ما في الذي جمعه من الأحاديث من الكذب و الفرية فأما من تأمل ما في جمع هذا الخطيب فإنه يقول سبحانك هذا بهتان عظيم.
الثاني: إن كل من له معرفة بالحديث يشهد أن هذه الأحاديث كذب مفتراة على رسول الله صلى الله عليه و سلم.

الثالث: أن هذه الأحاديث إن كانت مما رواها الصحابة و التابعون فأين ذكرها بينهم و من الذي نقلها عنهم و في أي كتاب وجد انهم رووها و من كان خبيرا بما جرى بينهم علم بالاضطرار إن هذه الأحاديث مما ولدها الكذابون بعدهم وأنها مما عملت أيديهم.
الوجه الرابع: إن يقال علمنا بان المهاجرين والأنصار كانوا مسلمين يحبون الله و رسوله و إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يحبهم و يتولاهم اعظم من علمنا بصحة شيء من هذه الأحاديث و إن أبا بكر الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فكيف يجوز أن يرد ما علمناه بالتواتر المتيقن بأخبار هي اقل و أحقر من إن يقال لها أخبار آحاد لا يعلم لها ناقل صادق بل أهل العلم بالحديث متفقون على أنها من اعظم المكذوبات ولهذا لا يوجد منها شيء في كتب الأحاديث المعتمدة بل أئمة الحديث كلهم يجزمون بكذبها.
الوجه الخامس: إن القران يشهد في غير موضع برضا الله عنهم و ثنائه عليهم كقوله تعالى و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه

و قوله لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح و قاتل أولئك اعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى و قوله محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله و رضوانا و قوله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يباعيونك تحت الشجرة و قوله للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و أمثال ذلك فكيف يجوز إن يرد ما علمنا دلالة القران عليه يقينا بمثل هذه الأخبار المفتراة التي رواها من لا يخاف مقام ربه و لا يرجو لله وقارا.
الوجه السادس: أن هذه الأحاديث تقدح في علي و توجب انه كان مكذبا بالله و رسوله فيلزم من صحتها كفر الصحابة كلهم هو و غيره أما الذين ناصبوه الخلافة فإنهم في هذا الحديث المفترى كفار و أما علي فإنه لم يعمل بموجب هذه النصوص بل كان يجعلهم مؤمنين مسلمين و شر من قاتلهم علي هم الخوارج و مع هذا فلم يحكم فيهم بحكم الكفار بل حرم أموالهم و سبيهم و كان يقول لهم قبل قتالهم إن لكم علينا إن لا نمنعكم مساجدنا و لا حقكم من فيئنا و لما قتله ابن

ملجم قال إن عشت فأنا ولي دمي و لم يجعله مرتدا بقتله و أما أهل الجمل فقد تواتر عنه انه نهى عن أن يتبع مدبرهم وأن يجهز على جريحهم وأن يقتل أسيرهم وأن تغنم أموالهم وأن تسبى ذراريهم فإن كان هؤلاء كفارا بهذه النصوص فعلي أول من كذب بها فيلزمهم ان يكون علي كافرا و كذلك أهل صفين كان يصلي على قتلاهم ويقول إخواننا بغوا علينا طهرهم السيف و لو كانوا عنده كفارا لما صلى عليهم و لا جعلهم إخوانه و لا جعل السيف طهرا لهم و بالجملة نحن نعلم بالاضطرار من سيرة علي رضي الله عنه انه لم يكن يكفر الذين قاتلوه بل و لا جمهور المسلمين و لا الخلفاء الثلاثة و لا الحسن و لا الحسين كفروا أحدا من هؤلاء و لا علي بن الحسين و لا أبو جعفر فإن كان هؤلاء كفارا فأول من خالف النصوص علي و أهل بيته و كان يمكنهم إن يفعلوا ما فعلت الخوارج فيعتزلوا بدار غير دار الإسلام و إن عجزوا عن القتال و يحكموا على أهل دار الإسلام بالكفر و الردة كما يفعل ذلك كثير من شيوخ الرافضة و كان الواجب

على علي إذا رأى أن الكفار لا يؤمنون أن يتخذ له و لشيعته دار غير أهل الردة و الكفر و يباينهم كما باين المسلمون لمسيلمة الكذاب و أصحابه و هذا نبي الله صلى الله عليه و سلم كان بمكة هو و أصحابه في غاية الضعف و مع هذا فكانوا يباينون الكفار و يظهرون مباينتهم بحيث يعرف المؤمن من الكافر و كذلك هاجر من هاجر منهم إلى ارض الحبشة مع ضعفهم و كانوا يباينون النصارى و يتكلمون بدينهم قدام النصارى و هذه بلاد الإسلام مملوءة من اليهود و النصارى و هم مظهرون لدينهم متحيزون عن المسلمين فان كان كل من يشك في خلافة علي كافرا عنده و عند أهل بيته و ليس بمؤمن عندهم إلا من اعتقد انه الإمام المعصوم بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم و من لم يعتقد ذلك فهو مرتد عند علي و أهل بيته فعلي أول من بدل الدين و لم يميز المؤمنين من الكافرين و لا المرتدين من المسلمين و هب انه كان عاجزا عن قتالهم و إدخالهم في طاعته فلم يكن عاجزا عن مباينتهم ولم يكن اعجز من الخوارج الذين هم شرذمة قليلة من عسكره و الخوارج اتخذوا لهم دارا غير دار الجماعة و باينوهم كما كفروهم و جعلوا أصحابهم هم المؤمنين

و كيف كان يحل للحسن إن يسلم أمر المسلمين إلى من هو عنده من المرتدين شر من اليهود و النصارى كما يدعون في معاوية و هل يفعل هذا من يؤمن بالله و اليوم الآخر وقد كان الحسن يمكنه إن يقيم بالكوفة ومعاوية لم يكن بدأه بالقتال وكان قد طلب منه ما أراد فلو قام مقام أبيه لم قاتله معاوية وأين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في فضل الحسن إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين فإن كان علي و أهل بيته والحسن منهم يقولون لم يصلح الله به بين المؤمنين والمرتدين فهذا قدح في الحسن وفي جده الذي أثنى على الحسن إن كان الأمر كما يقوله الرافضة فتبين إن الرافضة من اعظم الناس قدحا وطعنا في أهل البيت وأنهم هم الذين عادوا أهل البيت في نفس الأمر ونسبوهم إلى اعظم المنكرات التي من فعلها كان من الكفار وليس هذا ببدع من جهل الرافضة و حماقاتهم ثم إن الرافضة تدعي أن الإمام المعصوم لطف من الله بعباده ليكون ذلك ادعى إلى إن يطيعوه فيرحموا وعلى ما قالوه فلم يكن على أهل الأرض نقمة اعظم من علي فإن الذين خالفوه وصاروا مرتدين كفارا والذين وافقوه أذلاء مقهورين تحت النقمة لا يد ولا لسان وهم مع

ذلك يقولون إن خلقه مصلحة ولطف وان الله يجب عليه أن يخلقه وإنه لا تتم مصلحة العالم في دينهم ودنياهم إلا به وأي صلاح في ذلك على قول الرافضة ثم انهم يقولون إن الله يجب عليه ان يفعل اصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم و دنياهم و هو يمكن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم فيها شوكة و من قتال أعدائهم و يجعلهم هم و الأئمة المعصومين في ذل اعظم من ذل اليهود و النصارى و غيرهم من أهل الذمة فإن أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم و هؤلاء الذين يدعي انهم حجج الله على عباده و لطفه في بلاده وأنه لا هدى إلا بهم و لا نجاة إلا بطاعتهم و لا سعادة إلا بمتابعتهم قد غاب خاتمتهم من اكثر من أربعمائة و خمسين سنة فلم ينتفع به أحد في دينه و لا دنياه و هم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود و النصارى دينهم و لهذا ما زال أهل العلم يقولون إن الرفض من إحداث الزنادقة الملاحدة الذين قصدوا إفساد الدين دين الإسلام و يأبى الله إلا أن يتم نوره و لو كره الكافرون فإن منتهى أمرهم تكفير علي و أهل بيته بعد أن كفروا الصحابة و الجمهور

و لهذا كان صاحب دعوى الباطنية الملاحدة رتب دعوته مراتب أول ما يدعو المستجيب إلى التشيع ثم إذا طمع فيه قال له علي مثل الناس و دعاه إلى القدح في علي أيضا ثم إذا طمع فيه دعاه إلى القدح في الرسول ثم إذا طمع فيه دعاه إلى إنكار الصانع هكذا ترتيب كتابهم الذي يسمونه البلاغ الأكبر و الناموس الأعظم و واضعه الذي أرسل به إلى القرمطي الخارج بالبحرين لما استولى على مكة و قتلوا الحجاج وأخذوا الحجر الأسود و استحلوا المحارم وأسقطوا الفرائض و سيرتهم مشهورة عند أهل العلم و كيف يقول النبي صلى الله عليه و سلم من مات و هو يبغض عليا مات يهوديا أو نصرانيا و الخوارج كلهم تكفره و تبغضه و هو نفسه لم يكن يجعلهم مثل اليهود و النصارى بل يجعلهم من المسلمين أهل القبلة و يحكم فيهم بغير ما يحكم به بين اليهود و النصارى و كذلك من كان يسبه و يبغضه من بني أمية وأتباعهم فكيف يكون من يصلي الصلوات و يصوم شهر رمضان و يحج البيت و يؤدي الزكاة مثل اليهود و النصارى و غايته إن يكون قد خفي عليه كون هذا إماما أو عصاه بعد معرفته و كل أحد يعلم أن أهل الدين و الجمهور ليس لهم غرض مع علي و لا لأحد منهم غرض في تكذيب الرسول وأنهم لو علموا أن الرسول جعله إماما كانوا اسبق الناس إلى التصديق بذلك

و غاية ما يقدر انهم خفي عليهم هذا الحكم فكيف يكون من خفي عليه جزء من الدين مثل اليهود و النصارى و ليس المقصود هنا الكلام في التكفير بل التنبيه على أن هذه الأحاديث مما يعلم بالاضطرار أنها كذب على النبي صلى الله عليه و سلم و أنها مناقضة لدين الإسلام و أنها تستلزم تكفير علي و تكفير من خالفه وأنه لم يقلها من يؤمن بالله و اليوم الآخر فضلا عن أن تكون من كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم بل إضافتها و العياذ بالله إلى رسول الله من اعظم القدح و الطعن فيه و لا شك أن هذا فعل زنديق ملحد لقصد إفساد دين الإسلام فلعن الله من افتراها و حسبه ما وعده به الرسول حيث قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
*

فصل
قال الرافضي قالت الامامية إذا رأينا المخالف لنا يورد مثل هذه الأحاديث و نقلنا نحن أضعافها عن رجالنا الثقات وجب علينا المصير إليها و حرم العدول عنها.

*و الجواب إن يقال لا ريب أن رجالكم الذين وثقتموهم غايتهم أن يكونوا من جنس من يروي هذه الأحاديث من الجمهور فإذا كان أهل العلم يعلمون بالاضطرار أن هؤلاء كذابون، وأنتم اكذب منهم وأجهل، حرم عليكم العمل بها و القضاء بموجبها.
والاعتراض على هذا الكلام من وجوه...
أحدها: إن يقال لهؤلاء الشيعة من أين لكم أن الذين نقلوا هذه الأحاديث في الزمان القديم ثقات وأنتم لم تدركوهم و لم تعلموا أحوالهم و لا لكم كتب مصنفة تعتمدون عليها في أخبارهم التي يميز بها بين الثقة و غيره و لا لكم أسانيد تعرفون رجالها بل علمكم بكثير مما في أيديكم شر من علم كثير من اليهود و النصارى بما في أيديهم بل أولئك معهم كتب وضعها لهم هلال و شماس وليس عند جمهورهم ما يعارضها وأما انتم فجمهور المسلمين دائما يقدحون في روايتكم و يبينون كذبكم وأنتم ليس لكم علم بحالهم ثم قد علم بالتواتر الذي لا يمكن حجبه كثرة الكذب و ظهوره في الشيعة من زمن علي و إلى اليوم وأنتم تعلمون أن أهل الحديث يبغضون الخوارج و يروون فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة صحيحة و قد روى البخاري

بعضها مسلم عشرة منها و أهل الحديث متدينون بما صح عندهم عن النبي صلى الله عليه و سلم و مع هذا فلم يحملهم بغضهم للخوارج على الكذب عليهم بل جربوهم فوجدوهم صادقين وأنتم يشهد عليكم أهل الحديث و الفقهاء و المسلمون و التجار و العامة و الجند و كل من عاشركم و جربكم قديما و حديثا إن طائفتكم اكذب الطوائف و إذا وجد فيها صادق فالصادق في غيرها اكثر و إذا وجد في غيرها كاذب فالكاذب فيها اكثر و لا يخفى هذا على عاقل منصف و أما من اتبع هواه فقد اعمى الله قلبه و من يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا و هذا الذي ذكرناه معروف عند أهل العلم قديما و حديثا كما قد ذكرنا بعض أقوالهم حتى قال الإمام عبد الله بن المبارك الدين لأهل الحديث و الكذب للرافضة و الكلام للمعتزلة و الحيل لأهل الرأي أصحاب فلان و سوء التدبير لآل أبي فلان وهو كما قال فإن الدين هو ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه و سلم وأعلم الناس به أعلمهم بحديثه و سنته و أما الكلام فأشهر الطوائف به هم المعتزلة و لهذا كانوا اشهر الطوائف بالبدع عند الخاصة و أما الرافضة فهم المعروفون بالبدعة عند الخاصة و العامة حتى أن اكثر العامة لا تعرف في مقابلة الشيء إلا الرافضي لظهور

مناقضتهم لما جاء به الرسول عليه السلام عند الخاصة و العامة فهم عين على ما جاء به حتى الطوائف الذين ليس لهم من الخبرة بدين الرسول ما لغيرهم إذا قالت لهم الرافضة نحن مسلمون يقولون انتم جنس آخر و لهذا الرافضة يوالون أعداء الدين الذين يعرف كل أحد معاداتهم من اليهود و النصارى و المشركين مشركي الترك و يعادون أولياء الله الذين هم خيار أهل الدين و سادات المتقين و هم الذين أقاموه و بلغوه و نصروه و لهذا كان الرافضة من اعظم الأسباب في دخول الترك الكفار إلى بلاد الإسلام و أما قصة الوزير ابن العلقمي و غيره كالنصير الطوسي مع الكفار و ممالأتهم على المسلمين فقد عرفها الخاصة والعامة و كذلك من كان منهم بالشام ظاهروا المشركين على المسلمين و عاونوهم معاونة عرفها الناس و كذلك لما انكسر عسكر المسلمين لما قدم غازان ظاهروا الكفار النصارى و غيرهم من أعداء المسلمين و باعوهم أولاد المسلمين بيع العبيد و أموالهم و حاربوا المسلمين محاربة ظاهرة و حمل بعضهم راية الصليب و هم كانوا من اعظم الأسباب في استيلاء النصارى قديما على بيت المقدس حتى استنقذه المسلمون منهم

و قد دخل فيهم اعظم الناس نفاقا من النصيرية و الإسماعيلية و نحوهم ممن هو اعظم كفرا في الباطن و معاداة لله و رسوله من اليهود و النصارى فهذه الأمور و أمثالها مما هي ظاهرة مشهورة يعرفها الخاصة و العامة توجب ظهور مباينتهم للمسلمين و مفارقتهم للدين و دخولهم في زمرة الكفار و المنافقين حتى يعدهم من رأى أحوالهم جنسا آخر غير جنس المسلمين فإن المسلمين الذين يقيمون دين الإسلام في الشرق و الغرب قديما و حديثا هم الجمهور و الرافضة ليس لهم سعي إلا في هدم الإسلام و نقض عراه و إفساد قواعده و القدر الذي عندهم من الإسلام إنما قام بسبب قيام الجمهور به و لهذا قراءة القرآن فيهم قليلة و من يحفظه حفظا جيدا فإنما تعلمه من أهل السنة و كذلك الحديث إنما يعرفه و يصدق فيه و يؤخذ عن أهل السنة و كذلك الفقه و العبادة و الزهد و الجهاد و القتال إنما هو لعساكر أهل السنة و هم الذين حفظ الله بهم الدين علما و عملا بعلمائهم و عبادهم و مقاتليهم و الرافضة من اجهل الناس بدين الإسلام و ليس للإنسان منهم شيء يختص به إلا ما يسر عدو الإسلام و يسوء وليه فأيامهم في الإسلام

كلها سود وأعرف الناس بعيوبهم و ممادحهم أهل السنة لا تزال تطلع منهم على أمور غيرها عرفتها كما قال تعالى في اليهود و لا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم و لو ذكرت بعض ما عرفته منهم بالمباشرة و نقل الثقات و ما رايته في كتبهم لاحتاج ذلك إلى كتاب كبير و هم الغاية في الجهل و قلة العقل يبغضون من الأمور ما لا فائدة لهم في بغضه ويفعلون من الأمور ما لا منفعة لهم فيه إذا قدر انهم على حق مثل نتف النعجة حتى كأن لهم عليها ثأرا كأنهم ينتفون عائشة و شق جوف الكبش كأنهم يشقون جوف عمر فهل فعل هذا أحد من طوائف المسلمين بعدوه غيرهم و لو كان مثل هذا مشروعا لكان بأبي جهل و أمثاله أولى و مثل كراهتهم للفظ العشرة لبغضهم للرجال العشرة و قد ذكر الله لفظ العشرة في غير موضع من القرآن كقوله و الفجر و ليال عشر و قوله و أتممناها بعشر تلك عشرة كاملة

و أما التسعة فذكرها في معرض الذم كقوله و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض و لا يصلحون فهل كره المسلمون التكلم بلفظ التسعة لأجل أولئك التسعة و هم يختارون التكلم بلفظ التسعة على لفظ العشرة و كذلك كراهيتهم لأسام سمي بها من يبغضونه و قد كان من الصحابة من تسمي بأسماء تسمى بها عدو الإسلام مثل الوليد الذي هو الوحيد و كان ابنه من خيار المسلمين و اسمه الوليد و كان النبي صلى الله عليه و سلم يقنت له في الصلاة و يقول اللهم نج الوليد بن الوليد كما رواه أهل الصحيحين و مثل آبي بن خلف الذي قتله النبي صلى الله عليه و سلم و في المسلمين آبي بن كعب و غيره و مثل عمرو بن ود العامري و في الصحابة عمرو بن أمية و عمرو بن العاص و مثل هذا كثير و لم يغير النبي صلى الله عليه و سلم اسم رجل من الصحابة لكون كافر سمي به فلو قدر كفر من يبغضونه لكان كراهتهم لمثل أسمائهم في غاية الجهل مع إن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعوهم بها و يقال لهم كل من جرب من أهل العلم و الدين الجمهور علم انهم

لا يرضون بالكذب و لو وافق أغراضهم فكم يروون لهم في فضائل الخلفاء الثلاثة و غيرها أحاديث بأسانيد خير من أسانيد الشيعة و يرويها مثل ابي نعيم و الثعلبي و آبي بكر النقاش و الاهوازي و ابن عساكر و أمثال هؤلاء و لا يقبل علماء الحديث منها شيئا بل إذا كان الراوي عندهم مجهولا توقفوا في روايته و أما انتم معاشر الرافضة فقد رأيناكم تقبلون كل ما يوافق رأيكم و أهواءكم لا تردون غثا و لا سمينا و يقال لكم إذا كان عند الجمهور من الأحاديث الصحيحة المعروفة عند من يعلم المسلمون كلهم صدقة و علمه و أنتم ممن يعلم ذلك أحاديث متلقاة بالقبول بل متواترة توجب العلم الضروري الذي لا يمكن دفعه عن القلب تناقض هذه الأدلة التي رواها طائفة مجهولة أو معروفة بالكذب منكم ومن الجمهور فهل يمكن أن يدفع الناس ما علموه بالضرورة و ما علموه مستفيضا بنقل الثقات الإثبات الذين يعرف صدقهم و ضبطهم هل يمكن دفع هذا بمثل هذه الروايات المسيبة التي لا زمام لها و لا خطام و لو روى رجل إن الصلوات كانت اكثر من خمس و إن الصوم الواجب شهران و إن على المسلمين حج بيت آخر هل كان الطريق إلى تكذيب هذا إلا من جنس الطريق إلى تكذيبهم و قد نبهنا في هذا الرد على طرق مما به يعلم كذب ما يعتمدون عليه

غير طرق أهل الحديث وبينا كذبهم تارة بالعقل وتارة بما علم بالقران وتارة بما علم بالتواتر وتارة بما اجمع الناس كلهم عليه ومن المعلوم إن الأخبار المخالفة للقران والتواتر والإجماع والمخالفة للعقل يعلم بطلانها وهذا من جملة الطرق التي يعلم بها طرق ما يناقضون به مذهب أهل السنة من الأخبار وهم لا يعتمدون في أدلتهم إلا على أحد ثلاثة أشياء أما نقل كاذب و أما دلالة مجملة مشبهة و أما قياس فاسد وهذا حال كل من احتج بحجة فاسدة نسبها إلى الشريعة فان عمدته أما نص و أما قياس والنص يحتاج إلى صحة الإسناد ودلالة المتن فلا بد إن يكون النص ثابتا عن الرسول ولا بد إن يكون دالا على المطلوب والحجج الباطلة السمعية أما نقل كاذب و أما نقل صحيح لا يدل و أما قياس فاسد وليس للرافضة وغيرهم من أهل الباطل حجة سمعية إلا من هذا الجنس وقولنا نقل يدخل فيه كلام الله ورسوله وكلام أهل الإجماع عند من يحتج به فان الرافضة لا تحتج بالإجماع و الأفعال والإقرار و الإمساك يجري مجرى ذلك.

*

فصل
واعلم انه ليس كل أحد من أهل النظر والاستدلال خبيرا بالمنقولات والتمييز بين صدقها وكذبها وصوابها وخطئها فضلا عن العامة وقد علم من حيث الجملة إن المنقول منه صدق ومنه كذب وليس لهم خبرة أهل المعرفة علماء الحديث فهؤلاء يحتاجون في الاستدلال على الصدق والكذب إلى طرق أخرى والله سبحانه الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى الذي اخرج الناس من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة يهدي من يشاء من عباده بما تيسر له من الأدلة التي تبين له الحق من الباطل والصدق من الكذب كما في الحديث الصحيح الإلهي يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم ولهذا تنوعت الطرق التي بها يعلم الصدق من الكذب حتى في أخبار المخبر عن نفسه بأنه رسول الله وهو دعوى النبوة فالطرق التي يعلم بها صدق الصادق وكذب المتنبئ الكذاب كثيرة متنوعة كما قد نبهنا عليه في غير هذا الموضع وكذلك بما يعلم به صدق المنقول عن الرسول وكذبه يتعدد ويتنوع وكذلك ما به يعلم صدق الذين حملوا العلم فان أهل العلم يعلمون صدق مثل مالك والثوري وشعبة ويحيى

ابن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي واحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأبي داود و أمثال هؤلاء علما يقينا يجزمون بانهم لا يتعمدون الكذب في الحديث ويعلمون كذب محمد بن سعيد المصلوب وأبي البختري القاضي واحمد بن عبد الله الجويباري وعتاب بن إبراهيم بن عتاب وأبي داود النخعي ونحوهم ممن يعلمون انهم يتعمدون الكذب و أما الخطأ فلا يعصم من الإقرار عليه إلا نبي لكن أهل الحديث يعلمون إن مثل الزهري والثوري ومالك ونحوهم من اقل الناس غطا في أشياء خفيفة لا تقدح في مقصود الحديث ويعرفون رجالا دون هؤلاء يغلطون أحيانا والغالب عليهم الحفظ والضبط ولهم دلائل يستدلون بها على غلط الغالط ودون هؤلاء قوم كثير غلطهم فهؤلاء لا يحتجون بهم إذا انفردوا لكن يعتبرون بحديثهم ويستشهدون به بمعنى انهم ينظرون فيما رووه هل رواه غيرهم فإذا تعددت الطرق واللفظ واحد مع العلم بانهم لم يتواطأ ولا يمكن في العادة اتفاق الخطأ في مثل ذلك كان هذا مما يدلهم على صدق الحديث ولهذا قال احمد اكتب حديث الرجل لاعتبر به مثل ابن لهيعة ونحوه فانه كان عالما دينا قاضيا لكن احترقت كتبه فصار يحدث بعد

ذلك بأشياء دخل فيها غلط لكن اكثر ذلك صحيح يوافقه عليها الثقات كالليث و امثاله و اهل الحديث يعلمون صدق متون الصحيحين ويعلمون كذب الأحاديث الموضوعة التي يجزمون بأنها كذب بأسباب عرفوا بها ذلك من شركهم فيها علم ما علموه ومن لم يشركهم لم يعلم ذلك كما إن الشهود الذين يتحملون الشهادة ويؤدونها يعرف من جربهم وخبرهم وصدق صادقهم وكذب كاذبهم و كذلك أهل المعاملات في البيع و الإجارة يعلم من جربهم و خبرهم صادقهم و كاذبهم و امينهم و خائنهم و كذلك الأخبار قد يعلم الناس صدق بعضها و كذب بعضها و يشكون في بعضها و باب المعرفة بأخبار النبي صلى الله عليه و سلم و أقواله و أفعاله و ما ذكره من توحيد و أمر و نهي و وعد و وعيد و فضائل لأعمال أو لأقوام أو أمكنة أو أزمنة و مثالب لمثل ذلك اعلم الناس به أهل العلم بحديثه الذين اجتهدوا في معرفة ذلك و طلبه من وجوهه و علموا أحوال نقلة ذلك و أحوال الرسول صلى الله عليه و سلم من وجوه متعددة و جمعوا بين رواية هذا و هذا و هذا فعلموا صدق الصادق و غلط الغالط و كذب الكاذب و هذا علم أقام الله له من حفظ به على الأمة ما حفظ من دينها و غير

هؤلاء لهم تبع فيه أما مستدل بهم و أما مقلد لهم كما إن الاجتهاد في الأحكام أقام الله له رجالا اجتهدوا فيه حتى حفظ الله بهم على الأمة ما حفظ من الدين و غيرهم لهم تبع فيه أما استدل بهم و أما مقلد لهم مثال ذلك إن خواص أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم اعلم به ممن هو دونهم في الاختصاص مثل آبي بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة و الزبير و عبد الرحمن بن عوف و سعد و آبي بن كعب و معاذ بن جبل و ابن مسعود و بلال و عمار بن ياسر و آبي ذر الغفاري و سلمان و آبي الدرداء و آبي أيوب الأنصاري و عبادة بن الصامت و حذيفة وأبي طلحة و أمثال هؤلاء من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم اكثر اختصاصا به ممن ليس مثلهم لكن قد يكون بعض الصحابة أحفظ وأفقه من غيره وان كان غيره أطول صحبة وقد يكون اكثر مما اخذ عن غيره أيظا أخذ عن بعضهم من العلم لطول عمره وان كان غيره اعلم منه كما اخذ عن آبي هريرة وابن عمر وابن عباس وعائشة وجابر وأبي سعيد من الحديث اكثر مما اخذ عمن هو افضل منهم كطلحة والزبير ونحوهم و اما الخلفاء الأربعة فلهم في تبليغ كليات الدين ونشر أصوله واخذ الناس ذلك عنهم ما ليس لغيرهم وان كان يروى عن صغار الصحابة

من الأحاديث المفردة اكثر مما يروى عن بعض الخلفاء فالخلفاء لهم عموم التبليغ وقوته التي لم يشركهم فيها غيرهم ثم لما قاموا بتبليغ ذلك شاركهم فيه غيرهم فصار متواترا كجمع آبي بكر وعمر القران في الصحف ثم جمع عثمان له في المصاحف التي أرسلها إلى الأمصار فكان الاهتمام بجمع القران وتبليغه أهم مما سواه وكذلك تبليغ شرائع الإسلام إلى أهل الأمصار ومقاتلتهم على ذلك واستنابتهم في ذلك الأمراء والعلماء وتصديقهم لهم فيما بلغوه عن الرسول فبلغ من أقاموه من أهل العلم حتى صار الدين منقولا نقلا عاما متواترا ظاهرا معلوما قامت به الحجة ووضحت به المحجة وتبين به إن هؤلاء كانوا خلفاءه المهديين الراشدين الذين خلفوه في أمته علما وعملا وهو صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى في حقه والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو ما ضل وما غوى وكذلك خلفاؤه الراشدون الذين قال فيهم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ فانهم خلفوه في ذلك فانتفى عنهم بالهدى الضلال وبالرشد الغي

وهذا هو الكمال في العلم والعمل فان الضلال عدم العلم والغي اتباع الهوى ولهذا امرنا الله تعالى إن نقول في صلاتنا اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين وقال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون فالمهتدي الراشد الذي هداه الله الصراط المستقيم فلم يكن من أهل الضلال الجهال ولا من أهل الغي المغضوب عليهم والمقصود هنا إن بعض الصحابة اعلم بالرسول من بعض وبعضهم اكثر تبليغا لما علمه من بعض ثم قد يكون عند المفضول علم قضية معينة لم يعلمها الأفضل فيستفيدها منه ولا يوجب هذا ذلك إن يكون هذا اعلم منه مطلقا ولا إن هذا الأعلم يتعلم من ذلك المفضول ما امتاز به ولهذا كان الخلفاء يستفيدون من بعض الصحابة علما لم يكن عندهم كما استفاد أبو بكر رضي الله عنه علم ميراث الجدة من محمد ابن مسلمة والمغيرة بن شعبة واستفاد عمر رضي الله عنه علم دية

الجنين والأستأذان وتوريث المرأة من دية زوجها وغير ذلك من غيره واستفاد عثمان رضي الله عنه حديث مقام المتوفى عنها في بيتها حتى يبلغ الكتاب اجله من غيره واستفاد علي رضي الله عنه حديث صلاة التوبة من غيره وقد يخفى ذلك العلم عن الفاضل حتى يموت ولم يعلمه ويبلغه من هو دونه وهذا كثير ليس هذا موضعه لكن المقصود إن نبين طرق العلم فالصحابة الذين اخذ الناس عنهم العلم بعد الخلفاء الأربعة مثل آبي بن كعب وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وحذيفة وعمران بن حصين وأبي موسى وسلمان وعبد الله بن سلام و أمثالهم وبعد هؤلاء مثل عائشة وابن عباس وابن عمر وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد وجابر وغيرهم ومن التابعين مثل الفقهاء وغيرهم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعلي بن الحسين وخارجة بن زيد بن ثابت وسليمان بن اليسار ومثل علقمة والاسود وشريح القاضي وعبيدة السلماني والحسن البصري ومحمد بن سيرين و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل الزهري و قتادة ويحيى بن آبي كثير

و مكحول الشامي و أيوب السختياني و يحيى بن سعيد الأنصاري و يزيد بن أبي حبيب المصري و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل مالك و الثوري و حماد بن زبد وحماد ابن سلمة و الليث والاوزاعي و شعبة و زائدة و سفيان بن عيينة و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل يحيى القطان و عبد الرحمن بن مهدي و ابن المبارك و عبد الله بن وهب و وكيع بن الجراح و إسماعيل بن علية و هشيم بن بشير و آبي يوسف القاضي و الشافعي و احمد و الحميدي وإسحاق بن راهويه والقاسم بن سلام وأبي ثور وابن معين وابن المديني و آبي بكر بن آبي شيبة و آبي خيثمة زهير بن حرب و بعد هؤلاء البخاري و مسلم و أبو داود و أبو زرعة و أبو حاتم و عثمان بن سعيد الدارمي و عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي و محمد بن مسلم بن واره و أبو بكر الاثرم و إبراهيم الحربي و بقي بن مخلد الأندلسي و محمد بن وضاحو مثل أبي عبد الرحمن النسائي و الترمذي و ابن خزيمة و محمد بن نصر المروزي و محمد بن جرير الطبري و عبد الله بن احمد ابن حنبل و عبد الرحمن بن أبي حاتم ثم من بعد هؤلاء مثل أبي حاتم ألبستي و أبي بكر النجاد و أبي بكر النيسابوري و أبي قاسم الطبراني و أبي الشيخ الاصبهاني وأبي احمد العسال الاصبهاني و أمثالهم ثم من بعد هؤلاء مثل أبي الحسن الدارقطني و ابن منده و الحاكم أبي عبد الله و عبد الغني بن سعيد و أمثال هؤلاء ممن لا يمكن إحصاؤهم فهؤلاء و أمثالهم اعلم بأحوال رسول الله صلى الله عليه و سلم من غيرهم و إن كان في هؤلاء من هو اكثر رواية و فيهم من هو اكثر منهم معرفة بصحيحه من وسقيمه و منهم من هو افقه فيه من غيره قال احمد بن حنبل معرفة الحديث و الفقه فيه احب إلي من حفظه و قال علي بن المديني اشرف العلم الفقه في متون الأحاديث و معرفة أحوال الرواة فان يحيى بن معين و علي بن المديني و نحوهما اعرف بصحيحيه و سقيمه من مثل أبي عبيد و أبي ثور و أبو عبيد و أبو ثور

و نحوهما افقه من أولئك و احمد كان يشارك هؤلاء و هؤلاء و كان أئمة هؤلاء و هؤلاء ممن يحبهم و يحبونه كما كان مع الشافعي و أبي عبيد و نحوهما من أهل الفقه في الحديث و مع يحيى بن معين و علي بن المديني و نحوهما من أهل المعرفة في الحديث و مسلم بن الحجاج له عناية بصحيحه اكثر من أبي داود و أبو داود له عناية بالفقه أكثر والبخاري له عناية بهذا و هذا وليس المقصود هنا توسعة الكلام في هذا بل المقصود أن علماء أهل العلم بالحديث لهم من المعرفة بأحوال الرسول ما ليس لغيرهم فهم أئمة هذا الشان وقد يكون الرجل صادقا كثير الحديث كثير الرواية فيه لكن ليس من أهل العناية بصحيحه وسقيمه فهذا يستفاد منه نقله فانه صادق ضابط و أما المعرفة بصحيحه وسقيمه فهذا علم آخر وقد يكون مع ذلك فقيها مجتهدا وقد يكون صالحا من خيار المسلمين وليس له كثير معرفة لكن هؤلاء وان تفاضلوا في العلم فلا يروج عليهم من الكذب ما يروج على من لم يكن له علمهم فكل من كان بالرسول اعرف كان تمييزه بين الصدق والكذب أتم فقد يروج على أهل التفسير والفقه والزهد والنظر أحاديث كثيرة إما يصدقون بها و إما يجوزون بصدقها وتكون معلومة الكذب عند علماء الحديث وقد يصدق بعض هؤلاء بما يكون كذبا عند أهل المعرفة مثل ما

يروي طائفة من الفقهاء حديث لا تفعلي يا حميراء فانه يورث البرص وحديث زكاة الأرض نبتها وحديث نهى عن بيع وشرط ونهى عن بيع المكاتب والمدبر و أم الولد وحديث نهى عن قفيز الطحان وحديث لا يجتمع العشر والخراج على مسلم وحديث ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر والنحر وركعتا الفجر وحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر يتم ويقصر وحديث ثلاث هن علي فريضة وهن لكم تطوع الوتر والنحر وركعتا الفجر وحديث لا تقطع اليد إلا في عشر دراهم وحديث لا مهر دون عشرة دراهم وحديث الفرق بين الطلاق والعتاق في الاستثناء وحديث اقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وحديث نهى عن البتراء وحديث يغسل الثوب من المنى والدم وحديث الوضوء مما خرج لامما دخل وحديث نهى عن البتراء وحديث كان يرفع يديه في ابتداء الصلاة ثم لا يعود إلى أمثال ذلك من الأحاديث التي يصدق بعضها طائفة من الفقهاء ويبنون عليها الحلال والحرام وأهل العلم بالحديث متفقون على إنها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم موضوعة عليه وكذلك أهل العلم من الفقهاء يعلمون ذلك وكذلك أحاديث يرويها كثير من النساك ويظنها صدقا مثل قولهم

أن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا ومثل قولهم أن قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي يريدون وجهه نزل في أهل الصفة ومثل حديث غلام المغيرة بن شعبة أحد الإبدال الأربعين وكذلك حديث فيه ذكر الإبدال والأقطاب و الاغواث وعدد الأولياء و أمثال ذلك مما يعلم أهل العلم بالحديث انه كذب وكذلك أمثال هذه الأحاديث قد تعلم من غير طريق أهل الحديث مثل أن نعلم أن قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي في (سورة الأنعام). وفي (سورة الكهف). وهما سورتان مكيتان باتفاق الناس والصفة إنما كانت بالمدينة ومثل ما يروون في أحاديث المعراج انه رأي ربه في صورة كذا

و أحاديث المعراج التي في الصحاح ليس فيها شيء من أحاديث ذكر الرؤية وإنما الرؤية في أحاديث مدنية كانت في المنام كحديث معاذ ابن جبل أتاني البارحة ربي في احسن صورة إلى آخره فهذا منام رآه في المدينة و كذلك ما شابههه كلها كانت في المدينة في المنام و المعراج كان بمكة بنص القرآن و اتفاق المسلمين و قد يروج على طائفة من الناس من الحديث ما هو اظهر كذبا من هذا مثل تواجد النبي صلى الله عليه و سلم حتى سقطت البردة عنه فهذا من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة و طافة يظنون هذا صدقا لما رواه محمد بن طاهر المقدسي فانه رواه في مسالة السماع و رواه أبو حفص السهرودي لكن قال يخالج سري أن هذا الحديث ليس دون اجتماع النبي صلى الله عليه و سلم بأصحابه و هذا الذي ظنه و خالج سره هو يقين عند غيره قد خالط قلبه فإن أهل العلم بالديث متفقون على أن هذا كذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و اعظم من هذا ظن طائفة أن أهل الصفة قاتلوا النبي صلى الله عليه و سلم و انه يجوز للأولياء قتال الأنبياء إذا كان الغدر عليهم و هذا مع انه من اعظم الكفر و الكذب فقد راج على كثير ممن ينتسب إلى الأحوال و المعارف و الحقائق و هم في الحقيقة لهم أحوال شيطانية و الشياطين التي تقترن بهم قد تخبرهم ببعض الغائبات و تفعل بعض

أغراضهم و تقضي بعض حوائجهم و يظن كثير من الناس انهم بذلك أولياء الله و إنما هم من أولياء الشياطين و كذلك قد يروج على كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة و هي كذب كالأحاديث المروية في فضائل عاشوراء غير الصوم و فضل الكحل فيه و الاغتسال و الحديث و الخضاب و المصافحة و توسعة النفقة على العيال فيه و نحو ذلك و ليس في عاشوراء حديث صحيح غير الصوم و كذلك ما يروى في فضل صلوات معينة فيه فهذا كله كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة و لم ينقل هذه الأحاديث أحد من أئمة أهل العلم في كتبهم و لهذا لما سئل الإمام احمد عن الحديث الذي يروى من وسع على أهله يوم عاشوراء فقال لا اصل له و كذلك الأحاديث المروية في فضل رجب بخصوصه أو فضل صيامه أو صيام شيء منه أو فضل صلاة مخصوصة فيه كالرغائب كلها كذب مختلق و كذلك ما يروى في صلاة الأسبوع كصلاة يوم الأحد و الاثنين

و غيرهما كذب و كذلك ما يروى من الصلاة المقدرة ليلة النصف و أول ليلة جمعة من رجب أو ليلة سبع و عشرين منه و نحو ذلك كلها كذب و كذلك كل صلاة فيها الأمر بتقدير عدد الآيات أو السور أو التسبيح فهي كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث إلا صلاة التسبيح فان فيها قولين لهم و اظهر القولين إنها كذب و إن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم و لهذا لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين بل احمد بن حنبل و أئمة الصحابة كرهوها و طعنوا في حديثها و إما مالك و أبو حنيفة و الشافعي و غيرهم فلم يسمعوها بالكلية و من يستحبها من أصحاب الشافعي و احمد و غيرهما فإنما هو اختيار منهم لا نقل عن الأئمة و أما ابن المبارك فلم يستحب الصفة المذكورة المأثورة التي فيها التسبيح قبل القيام بل استحب صفة أخرى توافق المشروع لئلا تثبت سنة بحديث لا اصل له و كذلك أيضا في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي صلى الله عليه و سلم يعلم أهل العلم بالحديث إنها كذب مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره الثعلبي و الواحدي في أول كل سورة و يذكره الزمخشري في آخر كل سورة و يعلمون أن اصح ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم في فضائل السور أحاديث قل هو الله أحد و لهذا رواها أهل الصحيح فافرد

الحفاظ لها مصنفات كالحافظ أبي محمد الخلال وغيره ويعلمون أن الأحاديث المأثورة في فضل فاتحة الكتاب و آية الكرسي وخواتيم البقرة والمعوذتين أحاديث صحيحة فلهم فرقان يفرقون به بين الصدق والكذب و أما أحاديث سبب النزول فغالبها مرسل ليس بمسند ولهذا قال الإمام احمد بن حنبل ثلاث علوم لا إسناد لها وفي لفظ ليس لها اصل التفسير والمغازي والملاحم ويعني أن أحاديثها مرسلة والمراسيل قد تنازع الناس في قبولها وردها وحسب الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود الموقوف فمن علم من حاله انه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله ومن عرف انه يرسل عن ثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف وما كان من المراسيل مخالفا لما رواه الثقات كان مردودا وإذا جاء المرسل من وجهين كل من الراويين اخذ العلم عن شيوخ الآخر فهذا مما يدل على صدقه فان مثل ذلك لا يتصور في العادة تماثل الخطأ فيه وتعمد الكذب كان هذا مما يعلم انه صدق فان المخبر إنما يؤتي من جهة تعمد الكذب ومن جهة

الخطأ فإذا كانت القصة مما يعلم انه لم يتواطأ فيه المخبران والعادة تمنع تماثلهما في الكذب عمدا والخطأ مثل أن تكون القصة طويلة فيها أقوال كثيرة رواها هذا مثل ما رواها هذا فهذا يعلم انه صدق وهذا ما يعلم به صدق محمد صلى الله عليه وسلم وموسى عليه السلام فان كلا منهما اخبر عن الله وملائكته وخلقه للعالم وقصة آدم ويوسف وغيرهما من قصص الأنبياء عليهم السلام بمثل ما اخبر به الآخر مع العلم بانه واحدا منهما لم يستفد ذلك من الآخر وانه يمتنع في العادة تماثل الخبرين الباطلين في مثل ذلك فان من اخبر بأخبار كثيرة مفصلة دقيقه عن مخبر معين لو كان مبطلا في خبره لاختلف خبره لامتناع أن مبطلا يختلق ذلك من غير تفاوت لا سيما في أمور لا تهتدي العقول إليها بل ذلك بين كلا إن كلا منهما اخبر بعلم وصدق وهذا مما يعلمه الناس من أحوالهم فلو جاء رجل من بلد إلى آخر واخبر عن حوادث مفصلة حدثت فيه تنتطم أقوالا وأفعالا مختلفة وجاء من علمنا انه لم يوطئه على الكذب فحكي مثل ذلك علم قطعا أن الأمر كان كذلك فان الكذب قد يقع في مثل ذلك لكن على سبيل المواطأة وتلقي بعضهم عن بعض كما يتوارث أهل الباطل المقالات الباطلة مثل مقالة النصارى والجهمية والرافضة ونحوهم فإنها وان كان يعلم بضرورة العقل إنها باطلة لكنها تلقاها بعضهم عن بعض

فلما تواظأوا عليها جاز اتفاقهم فيها على الباطل والجماعة الكثيرون يجوز اتفاقهم على جحد الضروريات على سبيل التواطؤ إما عمدا للكذب و إما خطأ في الاعتقاد و إما اتفاقهم على جحد الضروريات من دون هذا وهذا فممتنع.
*

فصل
في الطرق التي يعلم بها كذب المنقول منها أن يروى خلاف ما علم بالتواتر والاستفاضة مثل أن نعلم أن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة واتبعه طوائف كثيرة من بني حنيفة فكانوا مرتدين لايمانهم بهذا المتنبئ الكذاب وان أبا لؤلؤة قاتل ععر كان مجوسيا كافرا وان أبا الهرمزان كان مجوسيا اسلم وان أبا بكر كان يصلي بالناس مدة مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ويخلفه بالإمامة بالناس لمرضه وان أبا بكر وعمر دفن في حجرة عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ما يعلم من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم التي كان فيها القتال كبدر واحد ثم الخندق ثم خيبر ثم فتح مكة ثم غزوة الطائف والتي لم يكن فيها قتال كغزوة تبوك وغيرها وما نزل من القران

في الغزوات كنزول الأنفال بسبب بدر ونزول آخر آل عمران بسبب أحد ونزول أولها بسبب نصارى نجران ونزول (سورة الحشر). بسبب بني النضير ونزول الأحزاب بسبب الخندق ونزول (سورة الفتح). بسبب صلح الحديبية ونزول براءة بسبب غزوة تبوك وغيرها و أمثال ذلك فإذا روى في الغزوات وما يتعلق بها ما يعلم انه خلاف الواقع علم انه كذب مثل ما يروي هذا الرافضي و أمثاله من الرافضة وغيرهم من الأكاذيب الباطلة الظاهرة في الغزوات كما تقدم التنبيه عليه ومثل أن يعلم نزول القران في أي وقت كان كما يعلم أن (سورة البقرة). وال عمران والنساء والمائدة و الأنفال وبراءة نزلت بعد الهجرة في المدينة وان الأنعام والأعراف ويونس وهود ويوسف والكهف وطه ومريم واقتربت الساعة وهل أتى على الإنسان وغير ذلك نزلت قبل الهجرة بمكة وان المعراج كان بمكة وان الصفة كانت بالمدينة وان أهل الصفة كانوا من جملة الصحابة الذين لم يقاتلوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكونوا ناسا معينين بل كانت الصفة منزلا ينزل بها من لا أهل له من الغرباء القادمين وممن دخل فيهم سعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وغيرهما من صالحي المؤمنين وكالعرنيين الذين ارتدوا عن الإسلامفبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون و أمثال ذلك من الأمور المعلومة فإذا روى الجاهل نقيض ذلك علم انه كذب ومن الطرق التي يعلم بها الكذب أن ينفرد الواحد والاثنان بما يعلم انه لو كان واقعا لتوفرت الهمم والدواعي على نقله فانه من المعلوم انه لو اخبر الواحد ببلد عظيم بقدر بغداد والشام وبغداد والعراق لعلمنا كذبه في ذلك لانه لو كان موجودا لأخبر به الناس

وكذلك لو اخبرنا بأنه تولى رجل بين عمر وعثمان أو تولى بين عثمان وعلي أو اخبرنا بان النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤذن له في العيد أو في صلاة الكسوف أو الاستسقاء أو انه كان يقام بمدينته يوم الجمةاكثر من جمعة واحدة أو يصلى يوم العيد اكثر من عيد واحد أو انه كان يصلي العيد بمنى يوم العيد أو أن أهل مكة كانوا يتمون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى خلفه أو انه كان يجمع الصلاتين بمنى كما كان يقصر أو انه فرض صوم شهر آخر غير رمضان أو انه فرض صلاة سادسة وقت الضحى أو نصف الليل أو انه فرض حج بيت آخر غير الكعبة أو أن القران عارضه طائفة من العرب وعيرهم بكلام يشابهه ونحو هذه الأمور لكنا نعلم كذب هذا الكاذب فإنا نعلم انتفاء هذه الأمور بانتفاء لازمها فان هذه لو كانت مما يتوفر الهمم والدواعي على نقلها عامة لبني آدم وخاصة لامتنا شرعا فإذا لم ينقلها أحد من أهل العلم فضلا عن أن تتواتر علم إنها كذب ومن هذا الباب نقل النص على خلافة علي فإنا نعلم انه كذب من طرق كثيرة فان هذا النص لم ينقله أحد من أهل العلم بإسناد صحيح فضلا عن أن يكون متواترا ولا نقل أن أحدا ذكره على عهد

الخلفاء مع تنازع الناس في الخلافة وتشاورهم فيها يوم السقيفة وحين موت عمر وحين جعل الأمر شورى بينهم في ستة ثم لما قتل عثمان واختلف الناس على علي فمن المعلوم أن مثل هذا النص و لو كان كما تقوله الرافضة من انه نص على على نصا جليا قاطعا للعذر علمه المسلمون لكان من المعلوم بالضرورة انه لا بد أن ينقله الناس نقل مثله وانه لابد أن يذكره لكثير من الناس بل أكثرهم في مثل هذه المواطن التي تتوفر الهمم على ذكره فيها غاية التوفر فانتفاء ما يعلم انه لازم يقتضي انتفاء ما يعلم انه ملزوم ونظائر ذلك كثيرة ففي الجملة الكذب هو نقيض الصدق واحد النقيضين يعلم انتفاؤه تارة بثبوت نقيضه وتارة بما يدل على انتفائه بخصوصه والكلام مع الشيعة أكثره مبني على النقل فمن كان خبيرا بما وقع وبالأخبار الصادقة التي توجب العلم اليقيني علم انتفاء ما يناقض ذلك يقينا ولهذا ليس في أهل العلم بالأحاديث النبوية إلا ما يوجب العلم بفضل الشيخين وصحة إمامتهما وكذب ما تدعيه الرافضةثم كل من كان اعلم بالرسول وأحواله كان اعلم ببطلان مذهب الزيدية وغيرهم ممن يدعي نصا خفيا وان عليا كان افضل من الثلاثة أو يتوقف في التفضيل فان هؤلاء إنما وقعوا بالجهل المركب أو البسيط لضعف علمهم بما علمه أهل العلم بالأحاديث والآثار.
*

فصل
واعلم انه ثم أحاديث آخر لم يذكرها هذا الرافضي لو كانت صحيحة لدلت على مقصوده وفيها ما هو أدل من بعض ما ذكره لكنها كلها كذب والناس قد رووا أحاديث مكذوبة في فضل أبي بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية رضي الله عنهم وغيرهم لكن المكذوب في فضل علي اكثر لان الشيعة أجرا على الكذب من النواصب قال أبو الفرج بن الجوزي فضائل علي الصحيحة كثيرة غير أن الرافضة لم تقنع فوضعت له ما يضع لا ما يرفع وحوشيت حاشيته من الاحتياج إلى الباطل قال فاعلم أن الرافضة ثلاث أصناف صنف منهم سمعوا

أشياء من الحديث فوضعوا أحاديث وزادوا ونقصوا وصنف لم يسمعوا فتراهم يكذبون على جعفر الصادق ويقولون قال جعفر وقال فلان وصنف ثالث عوام جهله يقولون ما يريدون مما يسوغ في العقل ومما لا يسوغ فمن أماثل الموضوعات ما رواه ابن الجوزي من طريق النسائي في كتابه الذي وضعه في خصائص علي من حديث عبيد الله بن موسى حدثنا العلاء بن صالح عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الاسدي قال قال علي رضي الله عنه أنا عبد الله و أخو رسول الله و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب صليت قبل الناس سبع سنين ورواه احمد في الفضائل وفي رواية له ولقد أسلمت قبل الناس بسبع سنين ورواه من حديث العلاء بن صالح أيضا عن المنهال بن عبادقال أبو الفرج هذا حديث موضوع والمتهم به عابد بن عبد الله قال علي بن المديني كان ضعيف الحديث وقال أبو الفرج حماد الازدي روى أحاديث لا يتابع عليها و إما المنهال فتركه شعبة قال أبو بكر الاثرم سألت أبا عبد الله عن حديث علي أنا عبد الله و أخو رسول الله فقال اضرب عليه فانه حديث منكر قلت وعباد يروي من طريقه عن علي ما يعلم انه كذب عليه قطعا مثل هذا الحديث فإننا نعلم أن عليا كان ابر واصدق واتقى لله من أن يكذب ويقول مثل هذا الكلام الذي هو كذب ظاهر معلوم بالضرورة انه كذب وما علمنا أنه كذب ظاهر لا يشتبه فقد علمنا أن عليا لم يقله لعلمنا بأنه اتقى الله من أن يتعمد هذا الكذب القبيح وانه ليس مما

يشتبه حتى يخطئ فيه فالناقل عنه إما متعمد الكذب و إما مخطئ غالط وليس قدح المبغض لعلي من الخوارج والمتعصبين لبني مروان وغيرهم مما يشككنا في صدقه وبره وتقواه كما انه ليس قدح الرافضة في أبي بكر وعمر بل وقدح الشيعة في عثمان لا يشككنا في العلم بعرقهم وبرهم وتقواهم بل نحن نجزم بان واحدا منهم لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا هو فيما دون ذلك فإذا كان المنقول عنه مما لا يغلط في مثله وقد علمنا انه كذب جزمنا بكذب الناقل متعمدا أو مخطئا مثل ما رواه عبد الله في المناقب حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا شريك عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله عن علي وحدثنا أبو خيثمة حدثنا الأسود بن عامر حدثنا شريك عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الاسدي عن علي قال لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا من أهل بيته إن كان الرجل منهم لأكلا جذعة وان كان شاربا فرقا إلى آخر الحديثوهذا كذب على علي رضي الله عنه لم يروه قط وكذبه ظاهر من وجوه وهذا الحديث رواه احمد في الفضائل حدثنا عثمان حدثنا أبو عوانة عن عثمان بن المغيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجز عن علي وهؤلاء يعلم انهم يروون الباطل وروى أبو الفرج من طريق اجلح عن سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين قال سمعت عليا يقول أنا عبدت الله عز وجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعبده رجل من هذه الأمة خمس سنين أو سبع سنين قال أبو الفرج حبة لا يساوي حبة فانه كذاب قال يحيى ليس بشيء وقال السعدي غير ثقة وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع واهيا في الحديث و إما الاجلح فقال احمد قد روى غير حديث منكر قال أبو حاتم الرازي لا يحتج به وقال بن حبان كان لا يدري ما يقول

قال أبو الفرج ومما يبطل هذه الأحاديث انه لا خلاف في تقدم إسلام خديجة وأبي بكر وزيد وان عمر اسلم في سنة ست من النبوة بعد أربعين رجلا فكيف يصح هذا وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنا الصديق الأكبر وهو مما عملته يد احمد بن نصر الذراع فانه كان كذابا يضع الحديث وحديثا فيه أنا أولهم إيمانا وأوفاهم بعهد الله و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسوية و أعدلهم في الرعية و أبصرهم بالقضية قال وهو موضوع والمتهم به بشر بن إبراهيم قال بن عدي وابن حبان كان يضع الحديث على الثقات ورواه الابرازي الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن مأمون عن الرشيد قال وهذا الابرازي كان كذاباوذكر حديثا أنت أول من آمن بي وأنت أول من يصافحني يوم القيامة وأنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل وأنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكافرين أو يعسوب الظلمة قال وهذا حديث موضوع وفي طريقه الأول عباد بن يعقوب قال ابن حبان يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك وفيه علي ابن هاشم قال ابن حبان كان يروي المناكير عن المشاهير وكان غاليا في التشيع وفيه محمد بن عبد الله قال يحيى ليس بشيء و إما الطريق الثاني ففيه أبو الصلت الهروي كان كذابا رافضيا خبيثا فقد اجتمع عباده وأبو الصلت في روايته والله اعلم بهما وأيهما سرقه من صاحبه قلت لعل الآفة فيه من محمد بن عبد الله وروي عن طريق ابن عباس وفيه عبد الله بن زاهر قال بن معين ليس بشيء لا يكتب عنه إنسان في خير قال أبو الفرج بن الجوزي كان غاليا في الرفض.

*

فصل
و هنا طرق يمكن سلوكها لمن لم تكن له معرفة بالأخبار من الخاصة فان كثيرا من الخاصة فضلا عن العامة يتعذر عليه معرفة التمييز بين الصدق و الكذب من جهة الإسناد في اكثر ما يروى من الأخبار في هذا الباب و غيره و إنما يعرف ذلك علماء الحديث و لهذا عدل كثير من أهل الكلام و النظر عن معرفة الأخبار بالإسناد و أحوال الرجال لعجزهم عنها و سلكوا طريقا آخر و لكن تلك الطريق هي طريقة أهل العلم بالحديث العالمين بما بعث الله به رسوله و لكن نحن نذكر طريقا آخر فنقول نقدر أن الأخبار المتنازع فيها لم توجد أو لم يعلم أيها الصحيح و نترك الاستدلال بها في الطرفين و نرجع إلى ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر و ما يعلم من العقول و العادات و ما دلت عليه النصوص المتفق عليها فنقول من المعلوم المتواتر عند الخاصة و العامة الذي لم يختلف فيه أهل العلم بالمنقولات و السير أن أبا بكر رضي الله عنه لم يطلب الخلافة لا برغبة و لا برهبة لا بذل فيها ما يرغب الناس به و لا شهر

عليهم سيفا يرهبهم به و لا كانت له قبيلة و لا موال تنصره و تقيمه في ذلك كما جرت عادة الملوك أن أقاربهم و مواليهم يعاونونهم و لا طلبها أيضا بلسانه و لا قال بايعوني بل أمر بمبايعة عمر و أبي عبيدة و من تخلف عن بيعته كسعد بن عبادة لم يؤذه و لا اكرهه على المبايعة و لا منعه حقا له و لا حرك عليهم ساكنا و هذا غاية في عدم إكراه الناس على المبايعة ثم إن المسلمين بايعوه و دخلوا في طاعته و الذين بايعوه هم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة و هم السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم و رضوا عنه و هم أهل الإيمان و الهجرة و الجهاد و لم يتخلف عن بيعته إلا سعد بن عبادة و إما علي و سائر بني هاشم فلا خلاف بين الناس انهم بايعوه لكن تخلف فانه كان يريد الإمرة لنفسه رضي الله عنهم أجمعين ثم انه في مدة ولايته قاتل بهم المرتدين و المشركين لم يقاتل

مسلمين بل أعاد الأمر إلى ما كان عليه قبل الردة و اخذ يزيد الإسلام فتوحا و شرع في قتال فارس و الروم و مات و المسلمون محاصرو دمشق و خرج منها ازهد مما دخل فيها لم يستأثر عنهم بشيء و لا أمر له قرابة ثم ولي عليهم عمر بن الخطاب ففتح الأمصار و قهر الكفار و اعز أهل الإيمان و أذل أهل النفاق و العدوان و نشر الإسلام و الدين و بسط العدل في العالمين و وضع ديوان الخراج و العطاء لأهل الدين و مصر الأمصار للمسلمين و خرج منها ازهد مما دخل فيها لم يتلوث لهم بمال و لا ولى أحدا من أقاربه ولاية فهذا أمر يعرفه كل أحد و إما عثمان فانه بنى على أمر قد استقر قبله بسكينة و حلم و هدى و رحمة و كرم و لم يكن فيه قوة عمر و لا سياسته و لا فيه كمال عدله و زهده فطمع فيه بعض الطمع و توسعوا في الدنيا و ادخل من أقاربه في الولاية و المال و دخلت بسبب أقاربه في الولايات و الأموال أمور أنكرت عليه فتولد من رغبة بعض الناس في الدنيا و ضعف

خوفهم من الله و منه و من ضعفه هو و ما حصل من أقاربه في الولاية و المال ما أوجب الفتنة حتى قتل مظلوما شهيدا و تولى علي على اثر ذلك و الفتنة قائمة و هو عند كثير منهم متلطخ بدم عثمان و الله يعلم براءته مما نسبه إليه الكاذبون عليه المبغضون لغيره من الصحابة فان عليا لم يعن على قتل عثمان و لا رضي به كما ثبت عنه و هو الصادق انه قال ذلك فلم تصف له قلوب كثير منهم و لا أمكنه هو قهرهم حتى يطيعوه و لا اقتضى رأيه أن يكف عن القتال حتى ينظر ما يؤول إليه الأمر بل اقتضى رأيه القتال و ظن انه به تحصل الطاعة و الجماعة فما زاد الأمر إلا شدة و جانبه إلا ضعفا و جانب من حاربه إلا قوة و الأمة إلا افتراقا حتى كان في آخر أمره يطلب هو أن يكف عنه من قاتله كما كان في أول الأمر يطلب منه الكف و ضعفت خلافة النبوة ضعفا أوجب أن تصير ملكا فأقامها معاوية ملكا برحمة و حلم كما في الحديث المأثور تكون نبوة و رحمة ثمتكون خلافة نبوة و رحمة ثم يكون ملك و رحمة ثم يكون ملك و لم يتول أحد من الملوك خيرا من معاوية فهو خير ملوك الإسلام و سيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده و على آخر الخلفاء الراشدين الذين هم ولايتهم خلافة نبوة ورحمة وةكل من الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يشهد له بأنه من افضل أولياء الله المتقين بل هؤلاء الأربعة افضل خلق الله بعد النبيين لكن إذا جاء القادح فقال في أبي بكر و عمر انهما كانا ظالمين متعدين طمالبين للرئاسه مانعين للحقوق وإنهما كانا من احرص الناس على الرئاسة و انهما و من أعانهما ظلموا الخليفة المستحق المنصوص عليه من جهة الرسول و انهم منعوا أهل البيت ميراثهم و انهما كانا من احرص الناس على الرئاسة و الولاية

الباطلة مع ما قد عرف من سيرتهما كان من المعلوم أن هذا الظن لو كان حقا فهو أولى بمن قاتل عليها حتى غلب و سفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه و بين منازعه و لم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين و لا مصلحة الدنيا و لا قوتل في خلافته كافر و لا فرح مسلم فان عليا لا يفرح بالفتنة بين المسلمين و شيعته لم تفرح بها لأنها لم تغلب و الذين قاتلوه لم يزالوا أيضا في كرب و شدة و إذا كنا ندفع من يقدح في علي من الخوارج مع ظهور هذه الشبهة فلان ندفع من يقدح في أبي بكر و عمر بطريق الأولى و الأحرى و إن جاز أن يظن بابي بكر انه كان قاصدا للرئاسة بالباطل مع انه لم يعرف منه إلا ضد ذلك فالظن بمن قاتل على الولاية و لم يحصل له مقصوده أولى و أحرى فإذا ضرب مثل هذا و هذا بإمامي مسجد و شيخي مكان أو مدرسي مدرسة كانت العقول كلها تقول أن هذا ابعد عن طلب الرئاسة و اقرب إلى قصد الدين و الخير فإذا كنا نظن بعلي انه كان قاصدا للحق و الدين و غير مريد علوا في الأرض و لا فسادا فظن ذلك بابي بكر و عمر رضي الله عنهما أولى و أحرى

وان ظن ظان بابي بكر انه كان يريد العلو في الأرض والفساد فهذا الظن بعلي اجدر و أولى إما أن يقال أن أبا بكر كان يريد العلو في الأرض والفساد وعلي لم يكن يريد علوا في الأرض ولا فسادا مع ظهور السيرتين فهذا مكابرة وليس فيما تواتر من السيرتين ما يدل على ذلك بل المتواتر من السيرتين يدل على أن سيرة أبي بكر افضل ولهذا كان الذين ادعوا هذا لعلي احالوا على ما لم يعرف وقالوا ثم نص على خلافته كتم وثم عداوة باطنة لم تظهر بسببها منع حقه ونحن الآن مقصودنا أن نذكر ما علم وتيقن وتواتر عند العامة والخاصة و إما ما يذكر من منقول يدفعه جمهور الناس ومن ظنون سوء لا يقوم عليها دليل بل نعلم فسادها فالمحتج بذلك ممن يتبع الظن وما تهوى الأنفس وهو من جنس الكفار وأهل الباطل وهي مقابلة بالأحاديث من الطرق الآخر ونحن لم نحتج بالأخبار التي رويت من الطرفين فكيف بالظن الذي لا يغني من الحق شيئا فالمعلوم المتيقن المتواتر عند العام والخاص أن أبا بكر كان ابعد عن إرادة العلو والفساد من عمر وعلي فضلا عن علي وحده وانه كان أولى بإرادة وجه الله تعالى وصلاح المسلمين من الثلاثة

بعده فضلا عن علي وانه كان اكمل عقلا ودينا وسياسة من الثلاثة وان ولايته الأمة خير من ولاية علي وان منفعته للمسلمين في دينهم ودنياهم اعظم من منفعة علي رضي الله عنهم أجمعين وإذا كنا نعتقد انه كان مجتهدا مريدا وجه الله بما فعل وان ما تركه من المصلحة كان عاجزا عنه وما حصل من المفسدة كان عاجزا عن دفعه وانه لم يكن مريدا للعلو في الأرض ولا الفساد كان هذا الاعتقاد بابي بكر وعمر أولى واخلق وأحرى فهذا وجه لا يقدر أحد أن يعارضه إلا بما يظن انه نقل خاص كالنقل لفضائل علي ولما يقتضي انه أولى بالإمامة أو أن إمامته منصوص عليها وحينئذ فيعارض هذا بنقل الخاصة الذين هم اصدق واكثر لفضائل الصديق التي تقتضي انه أولى بالإمامة وان النصوص إنما دلت عليه فما من حجة يسلكها الشيعي إلا وبازائها للسني حجة من جنسها أولى منها فان السنة في الإسلام كالإسلام في الملل فما من حجة يسلكها كتابي إلا وللمسلم فيها ما هو أحق بالاتباع منها قال تعالى ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق واحسن تفسيرا

لكن صاحب الهوى الذي له غرض في جهة إذا وجه له المخالف لهواه ثقل عليه سمعه واتباعه قال تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن وهنا طريق آخر وهو أن يقال دواعي المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كانت متوجهة إلى اتباع الحق وليس لهم ما يصرفهم عنه وهم قادرون على ذلك فإذا حصل الداعي إلى الحق وانتفى الصارف مع القدرة وجب الفعل فعلم أن المسلمين اتبعوا فيما فعلوه الحق وذلك انهم خير الأمم وقد اكمل الله لهم الدين و أتم عليهم النعمة ولم يكن عند الصديق غرض دنيوي يقدمونه لأجله ولا عند علي غرض دنيوي يأخرونه لأجله بل لو فعلوا بموجب الطبع لقدموا عليا وكانت الأنصار لو اتبعت الهوى أن تتبع رجلا من بني هاشم احب إليها من أن تتبع رجلا من بني تيم وكذلك عامة قبائل قريش لا سيما بنو عبد مناف وبنو مخزوم فان طاعتهم لمنافي كانت احب إليهم من طاعه تيمي لو اتبعوا الهوى وكان أبو سفيان بن حرب و أمثاله يختارون تقديم علي وقد روي أن أبا سفيان طلب من علي أن يتولى لأجل القرابة التي بينهما وقد قال أبو قحافة لما قيل له أن ابنك تولى قال أو رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو مخزوم قالوا نعم فعجب من ذلك لعلمه

بأن بني تيم كانوا من اضعف القبائل وان إشراف قريش كانت من تينك القبيلتين وهذا و أمثاله مما إذا تدبره العاقل علم انهم لم يقدموا أبا بكر إلا لتقديم الله ورسوله لانه كان خيرهم وسيدهم واحبهم إلى الله ورسوله فان الإسلام إنما يقدم بالتقوى لا بالنسب وأبو بكر كان اتقاهم وهنا طريق آخر وهو انه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن خير هذه الأمة القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وهذه الأمة هي خير الأمم كما دل عليها الكتاب والسنة وأيضا فانه من تأمل أحوال المسلمين في خلافة بني أمية فضلا عن زمن الخلفاء الراشدين علم أن أهل ذلك الزمان كان خيرا وافضل من أهل هذا الزمان وان الإسلام كان في زمنهم أقوى واظهر فان كان القرن الأول قد جحدوا حق الإمام المنصوص عليه المولى عليهم ومنعوا أهل بيت نبيهم ميراثهم وولوا فاسقا وظالما ومنعوا عادلا عالما مع علمهم بالحق فهؤلاء من شر الخلق وهذه الأمة شر الأمم لان هذا فعل خيارها فكيف بفعل شرارها وهنا طريق آخر وهو انه قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى

الله عليه وسلم اختصاص عظيم وكانوا من اعظم الناس اختصاصا به وصحبة له وقربا إليه واتصالا به وقد صاهرهم كلهم وما عرف عنه انه كان يذمهم ولا يلعنهم بل المعروف عنه انه كان يحبهم ويثني عليهم وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهرا وباطنا في حياته وبعد موته و إما أن يكونوا بخلاف ذلك في حياته أو بعد موته فان كانوا على غير الاستقامة مع هذا التقرب فأحد الأمرين لازم إما عدم علمه بأحوالهم أو مداهنته لهم وأيهما كان فهو اعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما قيل فان كنت لا تدري فتلك مصيبة وان كنت تدري فالمصيبة اعظم وان كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته و أكابر أصحابه و من قد اخبر بما سيكون بعد ذلك أين كان عن علم ذلك و أين الاحتياط للامة حتى لا يولي مثل هذا أمرها و من وعد أن يظهر دينه على الدين كله فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين فهذا و نحوه من اعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول كما قال مالك و غيره إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول ليقول القائل رجل سوء كان له أصحاب سوء و لو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين و لهذا قال أهل العلم أن الرافضة دسيسة الزندقة و انه وضع عليها و طريق آخر أن يقال الأسباب الموجبة لعلي أن كان هو المستحق

قوية و الصوارف منتفية و القدرة حاصلة و مع وجود الداعي و القدرة و انتفاء الصارف يجب الفعل و ذلك أن عليا هو ابن عم نبيهم و من أفضلهم نسبا و لم يكن بينه و بين أحد عداوة لا عداوة نسب و لا إسلام بأن يقول القائل قتل أقاربهم في الجاهلية و هذا المعنى منتف في الأنصار فانهم لم يقتل أحدا من أقاربهم و لهم الشوكة و لم يقتل من بني تيم و لا عدي و لا كثير من القبائل أحدا و القبائل التي قتل منها كبني عبد مناف كانت تواليه و تختار ولايته لانه إليها اقرب فإذا كان النبي صلى الله عليه و سلم نص على ولايته أو كان هو الأفضل المستحق لها لم يكن هذا مما يخفى عليهم و علمهم بذلك يوجب انبعاث إرادتهم إلى ولايته إذا لم يكن هناك صارف يمنع و الأسباب كانت مساعدة لهذا الداعي و لا معارض لها و لا صارف أصلا و لو قدر أن الصارف كان في نفر قليل فجمهور المسلمين لم يكن لهم فيها صارف يصرفهم عنه بل هم قادرون على ولايته و لو قالت الأنصار علي أحق بها من سعد و من أبي بكر ما أمكن أولئك

النفر من المهاجرين أن يدافعوهم و قام اكثر الناس مع علي لا سيما و كان جمهور الذين في قلوبهم مرض يبغضون عمر لشدته عليهم و بغض الكفار و المنافقين لعمر اعظم من بغضهم لعلي بما لا نسبة بينهما بل لم يعرف أن عليا كان يبغضه الكفار و المنافقون إلا كما يبغضون أمثاله بخلاف عمر فانه كان شديدا عليهم و كان من القياس أن ينفروا عن جهة فيها عمر و لهذا لما استخلفه أبو بكر كره خلافته طائفة حتى قال طلحة ماذا تقول لربك إذا وليت علينا فظا غليظا فقال أبالله تخوفني أقول و ليت عليهم خير اهلك فإذا كان أهل الحق مع علي و أهل الباطل مع علي فمن الذي يغلبه إذا كان الحق معه و هب انهم إذا قاموا لم يغلبوا إما كانت الدواعي المعروفة في مثل ذلك توجب أن يجري في ذلك قيل و قال و نوع من الجدال أوليس ذلك أولى بالكلام فيه من الكلام في ولاية سعد فإذا كانت الأنصار بشبهة لا اصل لها طمعوا أن يتآمر سعد فمكن يكون فيهم المحق و نص الرسول الجلي كيف لا يكون أعوانه اطمع في الحق فإذا كان لم ينبز متكلم منهم بكلمة واحدة في ذلك و لم يدع داع إلى علي

لا هو و لا غيره و استمر الأمر على ذلك إلى أن بويع له بعد مقتل عثمان فحينئذ قام هو و أعوانه فطلبوا و قاتلوا و لم يسكتوا حتى كادوا يغلبوا علم بالاضطرار أن سكوتهم أولا كان لعدم المقتضى لا لوجود المانع و أن القوم لم يكن عندهم علم بان عليا هو الأحق فضلا عن نص جلي و انه لما بدا لهم استحقاقه قاموا معه مع وجود المانع و قد كان أبو بكر رضي الله عنه أبعدهم عن الممانعة من معاوية بكثير كثير لو كان لعلي حق فان أبا بكر لم يدع إلى نفسه و لا ارغب و لا ارهب و لا كان طالبا للرئاسة بوجه من الوجوه و لا كان في أول الأمر يمكن أحدا القدح في علي كما أمكن ذلك بعد مقتل عثمان فانه حينئذ نسبه كثير من شيعة عثمان إلى انه أعان على قتله و بعضهم يقول خذله و كان قتلة عثمان في عسكره و كان هذا من الأمور التي منعت كثيرا من مبايعته و هذه الصوارف كانت منتفية في أول الأمر فكان جنده اعظم و حقه إذا ذاك لو كان مستحقا اظهر و منازعوه اضعف داعيا و اضعف قوة و ليس هناك داع قوي يدعوا إلى منعه كما كان بعد مقتل عثمان و لا جند يجمع علي مقاتلته كما كان بعد مقتل عثمان

و هذه الأمور و أمثالها من تأملها تبين له انتفاء استحقاقه إذا ذاك بيانا لا يمكنه دفعه عن نفسه فلو تبين أن الحق لعلي و طلبه علي لكان أبو بكر إما أن يسلم إليه و إما أن يجامله و إما أن يعتذر إليه و لو قام أبو بكر و هو ظالم يدافع عليا و هو محق لكانت الشريعة و العادة و العقل توجب أن يكون الناس مع علي المحق المعصوم على أبي بكر المعتدي الظلوم لو كان الأمر كذلك لا سيما و النفوس تنفر عن مبايعة من ليس من بيت الولاية اعظم من نفرتها عن مبايعته أهل بيت المطاع فالدواعي لعلي من كل وجه كانت اعظم و اكثر لو كان أحق و هي عن أبي بكر من كل وجه كانت ابعد لو كان ظالما لكن لما كان المقتضي مع أبي بكر و هو دين الله قويا و الإسلام في جدته و طراوته و إقباله كان اتقى لله إلا يصرفوا الحق عمن يعلمون انه الأحق إلى غيره و لو كان لبعضهم هوى مع الغير و إما أبو بكر فلم يكن لأحد معه هوى إلا هوى الدين الذي يحبه الله و يرضاه فهذه الأمور و أمثالها من تدبرها علم بالاضطرار أن القوم علموا أن أبا بكر هو الأحق بخلافة النبوة و أن ولايته أرضى لله و رسوله فبايعوه

و أن لم يكن ذلك لزم أن يعرفوا و يحرفوا و كلاهما ممتنع عادة و دينا و الأسباب متعددة فهذا المعلوم اليقيني لا يندفع بأخبار لا يعلم صحتها فكيف إذا علم كذبها و ألفاظ لا تعلم دلالتها و مقاييس فكيف إذا علم انتفاء دلالتها و مقاييس لا نظام لها يعارضها من المعقول و المنقول الثابت الإسناد المعلوم المدلول ما هو أقوى و أولى بالحق و أحرى و هؤلاء الرافضة الذين يدفعون الحق المعلوم يقينا بطرق كثيرة علما لا يقبل النقيض بشبه في غاية الضعف هم من اعظم الطوائف الذين في قلوبهم الزيغ الذين يتبعون المتشابه و يدعون المحكم كالنصارى و الجهمية و أمثالهم من أهل البدع و الأهواء الذين يدعون النصوص الصحيحة التي توجب العلم و يعارضونها بشبه لا تفيد إلا الشك لو تعرض لم تثبت و هذا في المنقولات سفسطة كالسفسطة في العقليات و هو القدح فيما علم بالحس و العقل بشبه تعارض ذلك فمن أراد أن يدفع العلم اليقيني المستقر في القلوب بالشبه فقد سلك مسلك السفسطة فان السفسطة أنواع أحدها النفي و الجحد و التكذيب إما بالوجود و إما بالعلم به و الثاني الشك و الريب و هذه طريقة اللاأدرية الذين يقولون لا ندري فلا يثبتون و لا ينفون لكنهم في الحقيقة قد نفوا العلم و هو نوع

من النفي فعادت السفسطة إلى جحد الحق المعلوم أو جحد العلم به الثالث قول من يجعل الحقائق تبعا للعقائد فيقول من اعتقد العالم قديما فهو قديم و من اعتقده محدثا فهو محدث و إذا أريد بذلك انه قديم عنده و محدث عنده فهذا صحيح فان هذا هو اعتقاده لكن السفسطة أن يراد انه كذلك في الخارج و إذا كان كذلك فالقدح فيما علم من أحوال الرسول صلى الله عليه و سلم مع الخلفاء الثلاثة و ما علم من سيرتهم بعده بأخبار يرويها الرافضة يكذبهم فيها جماهير الأمة من اعظم السفسطة و من روى لمعاوية و أصحابه من الفضائل ما يوجب تقديمه على علي و أصحابه كان كاذبا مبطلا مسفسطا و مع هذا فكذب الرافضة الذين يروون ما يقدح في إيمان الخلفاء الثلاثة و يوجب عصمة علي اعظم من كذب من يروي ما يفضل به معاوية على علي و سفسطتهم اكثر فان ظهور إيمان الثلاثة اعظم من ظهور فضل على علي معاوية من وجوه كثيرة و إثبات عصمة علي ابعد عن الحق من إثبات فضل معاوية

ثم خلافة أبي بكر و عمر هي من كمال نبوة محمد صلى الله عليه و سلم و رسالته و مما يظهر انه رسول حق ليس ملكا من الملوك فان عادة الملوك إيثار أقاربهم بالولايات لوجوه أحدها محبتهم لأقاربهم اكثر من الجانب لما في الطباع من ميل الإنسان إلى قرابته و الثاني لان أقاربهم يريدون إقامة ملكهم ما لا يريده الأجنبي لان في عز قريب الإنسان عز لنفسه و من لم يكن له أقارب من الملوك استعان بممالكه و مواليه فقربهم و استعان بهم و هذا موجود في ملوك المسلمين و الكفار و لهذا لما كان ملوك بنو أمية و بنو العباس ملوكا كانوا يريدون أقاربهم و مواليهم بالولايات اكثر من غيرهم و كان ذلك مما يقيمون به ملكهم و كذلك ملوك الطوائف كبني بويه و بني سلجق و سائر الملوك بالشرق و الغرب و الشام و اليمن و غير ذلك و هكذا ملوك الكفار من أهل الكتاب و المشركين كما يوجد في ملوك الفرنج و غيرهم و كما يوجد في آل جنكشخان بان الملوك تبقى في أقارب الملك و يقولون هذا من العظم و هذا ليس من العظم أي من أقارب الملك و إذا كان كذلك فتوليه أبي بكر و عمر بعد النبي صلى الله عليه و سلم دون عمه العباس و بني عمه على و عقيل و ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب

و أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و غيرهم و دون سائر بني عبد مناف كعثمان بن عفان و خالد بن سعيد بن العاص و إبان بن سعيد بن العاص و غيرهم من بني عبد مناف الذين كانوا اجل قريش قدرا و اقرب نسبا إلى النبي صلى الله عليه و سلم من اعظم الأدلة على أن محمدا عبد الله و رسوله و انه ليس ملكا حيث لم يقدم في خلافته أحدا لا بقرب نسب منه و لا بشرف بيته بل إنما قدم بالإيمان و التقوى و دل ذلك على أن محمدا صلى الله عليه و سلم و أمته من بعده إنما يعبدون الله و يطيعون أمره لا يريدون ما يريده غيرهم من العلو في الأرض و لا يريدون أيضا ما أبيح لبعض الأنبياء من الملك فان الله خير محمدا بين أن يكون عبدا رسولا و بين أن يكون ملكا نبيا فاختار أن يكون عبدا رسولا و تولية أبي بكر و عمر بعده من تمام ذلك فانه لو قدم أحدا من أهل بيته لكانت شبهة لمن يظن انه كان ملكا كما انه لو ورث مالا لورثته لكانت شبهة لمن يظن انه جمع المال لورثته فلما لم يستخلف أحدا من أهل بيته و لا خلف لهم مالا كان هذا مما يبين انه كان من ابعد الناس عن طلب الرياسة و المال و أن كان ذلك مباحا و انه لم يكن من الملوك الأنبياء بل كان عبد الله و رسولهكما قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح إني و الله لا أعطي أحدا و لا امنع أحدا و إنما أنا قاسم أضع حيث أمرت و قال أن ربي خيرني بين أن أكون عبدا رسولا أو نبيا ملكا فقلت بل عبدا رسولا و إذا كان هذا مما دل على تنزيهه عن كونه من ملوك الأنبياء فدلالة ذلك على نبوته و نزاهته عن الكذب و الظلم اعظم و اعظم و لو تولى بعده علي أو واحد من أهل بيته لم تحصل هذه المصالح و الالطافات العظيمة و أيضا فانه من المعلوم أن الإسلام في زمن علي كان اظهر و اكثر مما كان في خلافة أبي بكر و عمر و كان الذين قاتلهم علي ابعد عن الكفر من

الذين قاتلهم أبو بكر و عمر فان أبا بكر قاتل المرتدين و أهل الكتاب مع ما حصل للمسلمين بموت النبي صلى الله عليه و سلم من الضعف العظيم و ما حصل من الارتداد لأكثر البوادي و ضعف قلوب أهل الأمصار و شك كثيرهم في جهاد مانعي الزكاة و غيرهم ثم عمر تولى قتال أمتين عظيمتين لم يكن في العادة المعروفة أن أهل الحجاز و اليمن يقهرونهم و هما فارس و الروم فقهرهم و فتح بلادهم و تمم عثمان ما تمم من فتح المشرق و المغرب ثم فتح بعد ذلك في خلافة بني أمية ما فتح بالمشرق و المغرب كما وراء النهر و الأندلس و غيرهما مما فتح في خلافة عبد الملك فمعلوم انه لو تولى غير أبي بكر و عمر موت النبي صلى الله عليه و سلم مثل علي أو عثمان لم يمكنه أن يفعل ما فعلا فان عثمان لم يفعل ما فعلا مع قوة الإسلام في زمانه و علي كان اعجز من عثمان و كان اعوانه اكثر من أعوانهما و عدوه اقل و اقرب إلى الإسلام من عدوهما و مع هذا فلم يقهر عدوه فكيف كان يمكنه قهر المرتدين و قهر فارس و الروم مع قلة الأعوان و قوة العدو و هذا مما يبين فضل أبي بكر و عمر و تمام نعمة الله بهما على محمد صلى الله عليه و سلم و على الناس بعده و أن من اعظم نعم الله تولية

أبي بكر و عمر بعد النبي صلى الله عليه و سلم فانه لو تولى غيرهما كان لم يفعل ما فعلا إما لعدم القدرة و إما لعدم الإرادة فانه إذا قيل لم لم يغلب علي معاوية و أصحابه فلا بد أن يكون سبب ذلك إما عدم كمال القدرة و إما عدم كمال الإرادة و إلا فمع كمال القدرة و كمال الإرادة يجب وجود الفعل و من تمام القدرة طاعة الاتباع له و من تمام الإرادة ما هو الأصلح الأنفع الأرضى لله و لرسوله و أبو بكر و عمر كانت قدرتهما اكمل و إرادتهما افضل فبهذا نصر الله بهما الإسلام و أذل بهما الكفر و النفاق و علي رضي الله عنه لم يؤت من كمال القدرة و الإرادة ما أوتيا و الله تعالى كما فضل بعض النبيين على بعض فضل بعض الخلفاء على بعض فلما لم يؤت ما أوتيا لم يمكنه أن يفعل في خلافته ما فعلا و حينئذ فكان عن ذلك بموت النبي صلى الله عليه و سلم اعجز و اعجز فانه على أي وجه قدر ذلك فان غاية ما يقول المتشيع أن اتباعه لم يكونوا يطيعونه فيقال إذا كان الذين بايعوه لم يطيعوه فكيف يطيعه من لم يبايعه و إذا قيل لو بايعوه بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم لفعل بهم اعظم مما فعل أبو بكر و عمر

فيقال قد بايعه اكثر ممن بايع أبا بكر و عمر و نحوهما و عدوه اضعف و اقرب إلى الإسلام من عدو أبي بكر و عمر و لم يفعل ما يشبه فعلهما فضلا عن أن يفعل افضل منه و إذا قال القائل أن اتباع أبي بكر و عمر رضي الله عنهما اعظم إيمانا و تقوى فنصرهم الله لذلك قيل هذا يدل على فساد قول الرافضة فانهم يقولون أن اتباع أبي بكر و عمر كانوا مرتدين أو فاسقين و إذا كان نصرهم و تأييدهم لإيمانهم و تقواهم دل ذلك على أن الذين بايعوهما افضل من الشيعة الذين بايعوا عليا و إذا كان المقرون بإمامتهما افضل من المقرين بإمامة علي دل ذلك على انهما افضل منه و أن قالوا أن عليا إنما لم ينتصر لان اتباعه كانوا يبغضونه و يختلفون عليه قيل هذا أيضا يدل على فساد قول الشيعة أن الذين بايعوا عليا و اقروا بإمامته افضل ممن بايع أبا بكر و عمر و اقر بإمامتهما فإذا كان أولئك الشيعة الذين بايعوا عليا عصاة للإمام المعصوم كانوا من اشر

الناس فلا يكون في الشيعة طائفة محمودة أصلا ولا طائفة ينتصر بها على العدو فيمتنع أن يكون علي مع الشيعة قادرا على قهر الكفار وبالجملة فلا بد من كمال حال أبي بكر وعمر واتباعهما فالنقص الذي حصل في خلافة علي من إضافة ذلك إما إلى الإمام و إما إلى اتباعه و إما إلى المجموع وعلى كل تقدير فيلزم أن يكون أبي بكر وعمر واتباعهما افضل من علي وإتباعه فانه أن كان سبب الكمال والنقص من الإمام ظهر فضلهما عليه وان كان من اتباعه كان المقرون بإمامتها أفضل من المقرين بإمامته فتكون أهل السنة افضل من الشيعة وذلك يستلزم كونهما افضل منه لان ما امتاز به الأفضل افضل مما امتاز به المفضول وهذا بين لمن تدبره فان الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وقاتلوا معهم هم افضل من الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه فان أولئك فيهم من عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه

وعامة السابقين الأولين عاشوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم إنما توفى منهم أو قتل في حياته قليل منهم والذين بايعوا عليا كان فيهم من السابقين والتابعين بإحسان بعض من بايع أبا بكر وعمر وعثمان و إما سائرهم فمنهم من لم يبايعه ولم يقاتل معه كسعد بن أبي وقاص و أسامة بن زيد وابن عمر ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وأبي هريرة و أمثال هؤلاء من السابقين والذين اتبعوهم بإحسان ومنهم من قاتله كالذين كانوا مع طلحة والزبير وعائشة و معاوية من السابقين والتابعين وإذا كان الذين بايعوا الثلاثة وقاتلوا معهم افضل من الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه لزم أن يكون كل من الثلاثة افضل لان عليا كان موجودا على عهد الثلاثة فلو كان هو المستحق للإمامة دون غيره كما تقوله الرافضة أو كان افضل و أحق بها كما يقوله من يقوله من الشيعة لكان افضل الخلق قد عدلوا عما أمرهم الله به ورسوله به إلى ما لم يؤمروا به بل ما نهوا عنه وكان الذين بايعوا عليا وقاتلوا معه فعلوا ما أمروا به ومعلوم أن من فعل ما أمر الله به ورسوله كان افضل ممن تركه وفعل ما نهى الله عنه ورسوله فلزم لو كان قول الشيعة حقا أن يكون اتباع علي

افضل وإذا كانوا هم أفضل وإمامهم افضل من الثلاثة لزم أن يكون ما فعلوه من الخير افضل مما فعله الثلاثة وهذا خلاف المعلوم بالاضطرار الذي تواترت به الأخبار وعلمته البوادي والحضار فانه في عهد الثلاثة جرى من ظهور الإسلام وعلوه وانتشاره ونموه وانتصاره وعزه وقمع المرتدين وقهر الكفار من أهل الكتاب والمجوس وغيرهم ما لم يجر بعدهم مثله وعلي رضي الله عنه فضله الله وشرفه بسوابقه الحميدة وفضائله العديدة لا بما جرى في زمن خلافته من الحوادث بخلاف أبي بكر وعمر وعثمان فانهم فضلوا مع السوابق الحميدة والفضائل العديدة بما جرى في خلافتهم من الجهاد في سبيل الله و إنفاق كنوز كسرى وقيصر وغير ذلك من الحوادث المشكورة والأعمال المبرورة وكان أبو بكر وعمر افضل سيرة واشرف سريرة من عثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين فلهذا كانا ابعد عن الملام و أولى بالثناء العام حتى لم يقع في زمنهما شيء من الفتن فلم يكن للخوارج في زمنهما لا قول مأثور ولا سيف مشهور بل كان كل سيوف المسلمين مسلولة على الكفار وأهل الإيمان في إقبال وأهل الكفر في إدبار

ثم أن الرافضة أو أكثرهم لفرط جهلهم وضلالهم يقولون انهم ومن اتبعهم كانوا كفارا مرتدين وان اليهود والنصارى كانوا خيرا منهم لان الكافر الأصلي خير من المرتد وقد رأيت هذا في عدة من كتبهم وهذا القول من اعظم الأقوال افتراء على أولياء الله المتقين وحزب الله المفلحين وجند الله الغالبين ومن الدلائل الدالة على فساده أن يقال من المعلوم بالاضطرار والمتواتر من الأخبار أن المهاجرين هاجروا من مكة وغيرها إلى المدينة وهاجر طائفة منهم كعمر وعثمان وجعفر بن أبي طالب هجرتين هجرة إلى الحبشة وهجرة إلى المدينة وكان الإسلام إذ ذاك قليلا والكفار مستولون على عامة الأرض وكانوا يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى وفارقوا الأوطان وهجروا الخلان لمحبة الله ورسوله والجهاد في سبيله كما وصفهم الله تعالى بقوله للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون وهذا كله فعلوه طوعا واختيارا من تلقاء أنفسهم لم يكرههم عليه مكره ولا الجاهم إليه أحد فانه لم يكن للإسلام إذ ذاك من القوة ما يكره به أحد على الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك هو ومن اتبعه منهيين عن القتال مأمورين بالصفح والصبر فلم يسلم

أحد إلا باختياره ولا هاجر أحد إلا باختياره ولهذا قال احمد بن حنبل وغيره من العلماء انه لم يكن من المهاجرين من نافق و إنما كان النفاق في قبائل الأنصار لما ظهر الإسلام بالمدينة ودخل فيه من قبائل الأوس والخزرج ولما صار للمسلمين دار يمتنعون بها ويقاتلون دخل في الإسلام من أهل المدينة وممن حولهم من الأعراب من دخل خوفا وتقية وكانوا منافقين كما قال تعالى وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ولهذا إنما ذكر النفاق في السور المدنية و إما السور المكية فلا ذكر فيها للمنافقين فان من اسلم قبل الهجرة بمكة لم يكن فيهم منافق و الذين هاجروا لم يكن فيهم منافق بل كانوا مؤمنين بالله و رسوله محبين لله و لرسوله و كان الله و رسوله احب إليهم من أولادهم و أهلهم و أموالهم و إذا كان كذلك علم أن رميهم أو رمي أكثرهم أو بعضهم بالنفاق كما يقوله من يقوله من الرافضة من اعظم البهتان الذي هو نعت الرافضة و إخوانهم من اليهود فان النفاق كثير ظاهر في الرافضة إخوان اليهود و لا يوجد في الطوائف اكثر و اظهر نفاقا منهم حتى يوجد فيهم النصيرية و الإسماعيلية و أمثالهم ممن هو من اعظم الطوائف نفاقا و زندقة و عداوة لله و لرسوله

و كذلك دعواهم عليهم الردة من اعظم الأقوال بهتانا فان المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة و معلوم أن الشبهات و الشهوات في أوائل الإسلام كانت أقوى فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته و انتشار أعلامه و إما الشهوة فسواء كانت شهوة رياسة أو مال أو نكاح أو غير ذلك كانت في أول الإسلام أولى بالأتباع فمن خرجوا من ديارهم و أموالهم و تركوا ما كانوا عليه من الشرف و العز حبا لله و رسوله طوعا غير إكراه كيف يعادون الله و رسوله طلبا للشرف و المال ثم هم في حال قدرتهم على المعاداة و قيام المقتضي للمعاداة لم يكونوا معادين لله و رسوله بل موالين لله و رسوله معادين لمن عادى الله و رسوله فحين قوي المقتضي للموالاة و ضعفت القدرة على المعاداة يفعلون نقيض هذا هل يظن هذا إلا من هو من اعظم الناس ضلالا و ذلك أن الفعل إذا حصل معه كمال القدرة عليه و كمال الإرادة له وجب وجوده و هم في أول الإسلام كان المقتضي لإرادة معاداة الرسول أقوى لكثرة أعدائه و قلة أوليائه و عدم ظهور دينه و كانت القدرة من يعاديه باليد واللسان حينئذ أقوى حتى كان يعاديه آحاد الناس

و يباشرون أذاه بالأيدي و الألسن و لما ظهر الإسلام و انتشر كان المقتضى للمعاداة اضعف و القدرة عليها اضعف و من المعلوم أن من ترك المعاداة أولا ثم عاداه ثانيا لم يكن إلا لتغير إرادته أو قدرته و معلوم أن القدرة على المعاداة كانت أولا أقوى و الموجب لإرادة المعاداة كان أولا أولى و لم يتجدد عندهم ما يوجب تغير إرادتهم ولا قدرتهم فعلم يقينا أن القوم لم يتجدد عندهم ما يوجب الردة عن دينهم ألبته و الذين ارتدوا بعد موته إنما كانوا ممن اسلم بالسيف كأصحاب مسيلمة و أهل نجد فأما المهاجرون الذين اسلموا طوعا فلم يرتد منهم والله الحمد احد وأهل مكة لما أسلموا بعد فتحها هم طئفة منهم بالردة ثم ثبتهم الله بسهيل بن عمرو و أهل الطائف لما حاصرهم النبي صلى الله عليه و سلم بعد فتح مكة ثم رأوا ظهور الإسلام فاسلموا مغلوبين فهموا بالردة فثبتهم الله بعثمان بن أبي العاص فأما أهل مدينة النبي صلى الله عليه و سلم فإنما اسلموا طوعا و المهاجرون منهم و الأنصار و هم قاتلوا الناس على الإسلام و لهذا لم يرتد من أهل المدينة أحد بل ضعف غالبهم بموت النبي صلى الله عليه و سلم و ذلت أنفسهم عن الجهاد على دينه حتى ثبتهم الله و قواهم بابي بكر الصديق رضي الله عنه فعادوا إلى ما كانوا عليه من قوة اليقين

و جهاد الكافرين فالحمد لله الذي من على الإسلام و أهله بصديق الأمة الذي أيد الله به دينه في حياة رسوله و حفظه به بعد وفاته فالله يجزيه عن الإسلام و أهله خير الجزاء.
*

فصل
قال الرافضي المنهج الرابع في الأدلة الدالة على إمامته المستنبطة من أحواله و هي اثنا عشر ثم ذكر كان ازهد الناس و اعبدهم و أعلمهم و أشجعهم و ذكر أنواعا من خوارق العادات له و اجتماع الفضائل على اوجه تقدم بها عليهم فقال الأول انه كان ازهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
*و الجواب المنع فان أهل العلم بحالهما يقولون ازهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم الزهد الشرعي أبو بكر و عمر. و ذلك أن أبا بكر كان له مال يكتسبه فأنفقه كله في سبيل الله و تولى الخلافةفذهب إلى السوق يبيع و يتكسب فلقيه عمر و على يده ابراد فقال له أين تذهب فقال أظننت إني تارك طلب المعيشة لعيالي فاخبر بذلك أبا عبيدة و المهاجرين ففرضوا له شيئا فاستحلف عمر و أبا عبيدة فحلفا له انه يباح له اخذ درهمين كل يوم ثم ترك ماله في بيت المال ثم لما حضرته الوفاة أمر عائشة أن ترد إلى بيت المال ما كان قد دخل في ماله من مال المسلمين فوجدت جرد قطيفة لا يساوي خمسة دراهم و حبشية ترضع ابنه أو عبدا حبشيا و بعيرا ناضحا فأرسلت بذلك إلى عمر فقال عبد الرحمن بن عوف له أتسلب هذا عيال أبي بكر فقال كلا و رب الكعبة لا يتأثم منه أبو بكر في حياته و أتحمله أنا بعد موته و قال بعض العلماء علي كان زاهدا و لكن الصديق ازهد منه لان أبا بكر كان له المال الكثير في أول الإسلام و التجارة الواسعة فأنفقه في سبيل الله و كان حاله في الخلافة ما ذكر ثم رد ما تركه لبيت المال قال ابن زنجويه و إما علي فانه كان في أول الإسلام فقيرا يعال و لا يعول ثم استفاد المال الرباع و المزارع و النخيل و الأوقاف و استشهد و عنده تسع عشرة سرية و أربع نسوة و هذا كله مباح و لله

الحمد و لم يأمر برد ما تركه لبيت المال و خطب الحسن الناس بعد وفاته فقال ما ترك صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم بقيت من عطائه و روى الأسود بن عامر حدثنا شريك النخعي عن عاصم بن كليب عن محمد بن كعب القرظي قال قال علي لقد رأيتني على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اربط الحجر على بطني من شدة الجوع و أن صدقة مالي لتبلغ اليوم أربعين ألفا رواه احمد عن حجاج عن شريك و رواه إبراهيم بن سعيد الجوهري و فيه لتبلغ أربعة آلاف دينار فأين هذا من زهد أبي بكر و أن كانا رضي الله عنهما زاهدين و قال ابن حزم و قال قائلون علي كان أزهدهم قال و كذب هذاالجاهل و برهان ذلك أن الزهد إنما هو عزوف النفس عن حب الصوت و عن المال و عن اللذات و عن الميل إلى الولد و الحاشية ليس للزهد معنى يقع عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى فأما عزوف النفس عن المال فقد علم كل من له أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية أن أبا بكر اسلم و له مال عظيم قيل أربعين ألفا أنفقها في سبيل الله كلها و اعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله و لم يعتق عبيدا أجلادا يمنعونه لكن كل معذب و معذبة في الله عز و جل حتى هاجر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يبق لأبي بكر من جميع ماله إلا ستة آلاف درهم حملها كلها مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يبق لبنيه منها درهما ثم أنفقها كلها في سبيل الله حتى لم يبق له منها شيء و بقي في عباءة له قد خللها بعود إذا نزل فرشها و إذا ركب لبسها إذ تمول غيره من الصحابة و اقتنى الرباع الواسعة و الضياع العظيمة من حلها و حقها إلا أن من آثر بذلك الله في سبيل الله ازهد ممن انفق و امسك ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية و لا توسع في مال و عد عند موته ما انفق على نفسه و ولده من مال الله الذي لم يستوف منه

إلا بعض حقه و أمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من سهامه في المغازي و المقاسم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا هو الزهد في اللذات و المال الذي لا يدانيه فيه أحد من الصحابة لا علي و لا غيره أن إلا يكون أبا ذر و أبا عبيدة من المهاجرين الأولين فانهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم و لقد تلا أبا بكر عمر في هذا الزهد و كان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال و اللذات و إما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا المال من حله و مات عن أربع زوجات و تسع عشرة أم ولد سوى الخدم و العبيد و توفي عن أربعة و عشرين ولدا من ذكر و أنثى و ترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم و مياسيرهم هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له اقل علم بالأخبار و الآثار و من جملة عقاره ينبع التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمر زرعها فأين هذا من هذا و إما حب الولد و الميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن

يخفى على أحد له اقل علم بالأخبار فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من القرابة و الولد مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين و السابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضائل في الإسلام و مثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر و له مع النبي صلى الله عليه و سلم صحبة قديمة و هجرة سابقة و فضل ظاهر فما استعمل أبو بكر أحدا منهم على شيء من الجهات و هي بلاد اليمن كلها على سعتها و كثرة أعمالها و عمان و حضر موت و البحرين واليمامة و الطائف و مكة و خيبر و سائر اعمل الحجاز و لو استعملهم لكانوا لذلك أهلا و لكن خشي المحاباة و توقع أن يميله إليهم شيء من الهوى ثم جرى عمر رضي الله عنه على مجراه في ذلك لم يستعمل من بني عدي بن كعب أحدا على سعة البلاد و كبرها و قد فتح الشام و مصر و جميع مملكة الفرس إلى خراسان إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان ثم أسرع عزله و فيهم من الهجرة ما ليس في شيء من أفخاذ قريش لان بني عدي لم يبق منهم أحد بمكة إلا هاجر و كان فيهم مثل سعيد بن زيد أحد المهاجرين الأولين ذي السوابق و أبي الجهم بن حذيفة و خارجة بن حذافة و معمر بن عبد الله و ابنه عبد الله بن عمر

ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن و هو أحد الصحابة و لا استعمل عمر ابنه في حياته و لا بعد موته و هو من فضلاء الصحابة و خيارهم و قد رضي بخلافته بعض الناس و كان أهلا لذلك و لو استخلفه لما اختلف عليه أحد فما فعل و وجدنا عليا إذ ولي قد استعمل أقاربه ابن عباس على البصرة و عبيد الله بن عباس على اليمن و قثما و معبدا ابني العباس على مكة و المدينة و جعدة بن هبيرة و هو ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب على خراسان و محمد بن أبي بكر و هو ابن امرأته و أخو ولده على مصر و رضي ببيعة الناس الحسن ابنه بالخلافة بعده و لسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة و لا استحقاق عبد الله بن عباس للخلافة فكيف بإمارة البصرة لكنا نقول أن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر أو عبد الرحمن بن أبي بكر و الناس متفقون عليه و في تأمير مثل طلحة بنعبيد الله و سعيد بن زيد فلا شك انه أتم زهدا و اعزف عن جميع معاني الدنيا نفسا ممن يأخذ ما أبيح له أخذه فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر رضي الله عنه ازهد من جميع الصحابة ثم عمر رضي الله عنه.
*

فصل
قال الرافضي علي قد طلق الدنيا ثلاثا و كان قوته جريش الشعير و كان يختمه لئلا يضع الإمامان فيه أدما و كان يلبس خشن الثياب و قصيرها و رقع مدرعته حتى استحى من رقعها و كان حمائل سيفه ليفا و كذا نعله و روى اخطب خوارزم عن عمار قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يا علي أن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة حب إلى الله منها زهدك في الدنيا و بغضها إليك

و حبب إليك الفقراء فرضيت بهم اتباعا و رضوا بك إماما يا علي طربى لمن احبك و صدق عليك و الويل لمن أبغضك و كذب عليك إما من احبك و صدق عليك فإخوانك في دينك و شركاؤك في جنتك و إما من أبغضك و كذب عليك فحقيق على الله أن يقيمهم مقام الكذابين قال سويد بن غفلة دخلت علي علي العصر فوجدته جالسا بين يديه صفحة فيها لبن حار و أجد ريحه من شدة حموضته و في يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه و هو يكسر بيده أحيانا فإذا غلبه كسره بركبته فطرحه فيه فقال ادن فاصب من طعامنا هذا فقلت إني صائم فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من منعه الصيام عن طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة و يسقيه من شرابها قال قلت لجاريته و هي قائمة و يحك يا فضة إلا تتقين الله في هذا الشيخ إلا تنخلين طعامه مما أرى فيه من النخال فقالتلقد عهد إلينا أن لا ننخل له طعاما قال ما قلت لها فأخبرته قال بأبي و أمي من لم ينخل له طعام و لم يشبع خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عز و جل و اشترى يوما ثوبين غليظين فخير قنبرا فيهما فاخذ واحدا و لبس هو الآخر و رأي في كمه طولا عن أصابعه فقطعه قال ضرار بن ضمرة دخلت على معاوية بعد قتل أمير المؤمنين علي فقال صف لي عليا فقلت اعفني فقال لا بد من ذلك فقلت إما إذ لا بد فكأنه كان و الله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلا و يحكم عدلا يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا و زينتها و يستأنس بالليل وحشته وكان و الله غزير العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما قشب و كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه و يأتينا إذا دعوناه و نحن

و الله مع تقريبه لنا و قربه منا لا نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين و يقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله و لا ييأس الضعيف من عدله فاشهد بالله لقد رأيته و هو يقول يا دنيا غري غيري إلي تعرضت أم إلي تشوفت هيهات قد بنتك ثلاثا لا رجعة فيك عمرك قصير و خطرك كثير و عيشك حقير آه من قلة الزاد و بعد السفر و وحشة الطريق فبكى معاوية و قال رحم الله أبا الحسن كان و الله كذلك فما حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها.
*و الجواب إما زهد علي رضي الله عنه في المال فلا ريب فيه لكن الشأن انه كان ازهد من أبي بكر و عمر و ليس فيما ذكره ما يدل علىذلك بل ما كان فيه حقا فلا دليل فيه على ذلك و الباقي إما كذب و إما ما لا مدح فيه إما كونه طلق الدنيا ثلاثا فمن المشهور عنه انه قال يا صفراء يا بيضاء قد طلقتك ثلاثا غري غيري لا رجعة لي فيك لكن هذا لا يدل على انه ازهد منه ممن لم يقل هذا فان نبينا و عيسى ابن مريم و غيرهما كانوا ازهد منه و لم يقولوا هذا و لان الإنسان إذا زهد لم يجب أن يقول بلسانه قد زهدت و ليس كل من قال زهدت يكون قد زهد فلا عدم هذا الكلام يدل على عدم الزهد و لا وجوده يدل على وجوده فلا دلالة فيه و إما قوله انه كان دائما يقتات جريش الشعير بلا آدم فلا دلالة في هذا لوجهين أحدهما انه كذب و الثاني انه لا مدح فيه فرسول الله صلى الله عليه و سلم إمام الزهد كان لا يرد موجودا و لا يتكلف مفقودا بل أن حضر لحم دجاج أكله أو لحم غنم أكله أو حلواء أو عسل أو فاكهة أكله و أن لم يجد شيئا لم يتكلفه و كان إذا حضر طعاما فان اشتهاه أكله و إلا تركه و لا يتكلف ما لا يحضر

و ربما ربط على بطنه الحجر من الجوع و قد كان يقيم الشهر و الشهرين لا يوقد في بيته نار و قد ثبت في الصحيحين أن رجالا قال أحدهم أما أنا فأصوم و لا افطر و قال الآخر أما أنا فأقوم و لا أنام و قال الآخر أما أنا فلا أتزوج النساء و قال الآخر أما أنا فلا آكل اللحم فقال النبي صلى الله عليه و سلم لكني أصوم و افطر و أقوم و أنام و أتزوج النساء و آكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني فكيف يظن بعلي انه رغب عن سنة النبي صلى الله عليه و سلم و يجعل ذلك من مناقبه و أي مدح لمن رغب عنها ثم كيف يقال أن عليا كان بالعراق و لا يقتات إلا شعيرا مجروشا لا آدم له و لا يأكل خبز بر و لا لحما و النقل المتواتر بخلاف ذلك و هل من الصحابة من فعل ذلك أو هل قال أحد منهم أن ذلك مستحب و إما قوله كان حمائل سيفه ليفا و نعله ليفا فهذا أيضا كذب و لا مدح فيه فقد روي أن نعل رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من الجلود و حمائل سيف النبي صلى الله عليه و سلم كانت ذهبا و فضة و الله قد يسر الرزق عليهم فأي مدح في أن يعدلوا عن الجلود مع تيسرها و إنما يمدح هذا عند العدم

كما قال أبو أمامة الباهلي لقد فتح البلاد أقوام كانت خطم خيلهم ليفا و ركبهم العلابي رواه البخاري و حديث عمار من الموضوعات و كذلك حديث سويد بن غفلة ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم و إما حديث الثوب الذي اشتراه فهو معروف و حديث ضرار بن ضمرة قد روي و ليس في واحد منهما ما يدل على انه ازهد من أبي بكر و عمر بل من عرف المنقول من سيرة عمر و عدله و زهده و صرفه الولايات عن أقاربه و نقصه لابنه في العطاء عن نظيره و لابنته في العطاء عن نظيرتها و أكله الخشن مع كونه هو الذي قسم كنوز كسرى و قيصر و إنما كان الذي يقسمه علي جزءا من فتوح عمر و انه مات و عليه ثمانون ألف درهم تبين له من وجوه كثيرة أن عمر كانت ازهد من علي و لا ريب أن أبا بكر ازهد من عمر.
*

فصل
قال الرافضي و بالجملة زهده لم يلحقه أحد فيه و لا سبقهأحد إليه و إذا كان ازهد كان هو الإمام لامتناع تقدم المفضول عليه.
*و الجواب أن كلتا القضيتين باطلة لم يكن ازهد من أبي بكر و عمر و لا كل من كان ازهد كان أحق بالإمامة و ذلك أن عليا كان له من المال و السرارى و لأهله ما لم يكن لأبي بكر و عمر و قد روي عبد الله بن احمد حدثنا علي بن حكيم حدثنا شريك عن عاصم بن كليب عن محمد بن كعب القرظي قال سمعت عليا قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم و إني لأربط الحجر على بطني من الجوع و أن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألفا و هذا و أن كان ضعيفا فهو يقابل لمن قال انه كان لا يأكل في العراق إلا خبز الشعير مع أن ذلك النقل لا إسناد له و لا ريب أن عليا كان له مال اعظم من مال أبي بكر و عمر و لو لم يكن إلا ما كان عمر يعطيه و أولاده و أهل بيته فانه كان يعطيهم من المال اعظم مما يعطي سائر قبائل قريش و لم يكن عمر يعطي أحدا من بني عدي و لا تيم و لا غيرهم من القبائل مثل ما كان يعطي اقارب رسول الله صلى الله عليه و سلم فهذا وحده يوجب سعة أموالهم

و علي له وقف معروف فهل يوقف الوقوف من لم يكن له مال و عمر إنما وقف نصيبه من خيبر لم يكن له عقار غير ذلك و علي كان له عقار بالينبع و غيرها.
*

فصل
قال الرافضي الثاني انه كان اعبد الناس يصوم النهار و يقوم الليل و منه تعلم الناس صلاة الليل ونوافل النهار و اكثر العبادات و الأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت و كان يصلي في ليله و نهاره ألف ركعة و لم يخل في صلاة الليل حتى في ليلة الهرير و قال ابن عباس رايته في حربه و هو يرقب الشمس فقلت يا أمير المؤمنين ماذا تصنع قال انظر إلى الزوال لأصلي فقلت في هذا الوقت فقال إنما نقاتلهم على الصلاة فلم يغفل عن فعل العبادات في أول وقتها في اصعب الأوقات و كان إذا أريد إخراج الحديد من جسده يترك إلى أن يدخلفي الصلاة فيبقى متوجها إلى الله غافلا عما سواه غير مدرك للآلام التي تفعل به و جمع بين الصلاة و الزكاة و تصدق و هو راكع فانزل الله تعالى فيه قرآنا يتلى و تصدق بقوته و قوت عياله ثلاثة أيام حتى انزل الله فيهم هل أتى على الإنسان و تصدق ليلا و نهارا سرا و علانية و ناجى الرسول فقدم بين يدي نجواه صدقة فانزل الله فيه قرآنا و اعتق ألف عبد من كسب يده و كان يؤجر نفسه و ينفق على رسول الله صلى الله عليه و سلم في الشعب و إذا كان اعبد الناس كان افضل فيكون هو الإمام.
*و الجواب أن يقال هذا الكلام فيه من الأكاذيب المختلفة ما لا يخفى إلا على اجهل الناس بأحوال القوم و مع انه كذب و لا مدح فيه و لا في عامة الأكاذيب.
فقوله انه كان يصوم النهار و يقوم الليل كذب عليه و قد تقدم قول النبي صلى الله عليه و سلم لكني أصوم و افطر و أقوم و أنام و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني

و في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له ألم أخبر انك تقول لأصومن النهار و لأقومن الليل ما عشت قال بلى قال فلا تفعل و في رواية ألم أخبر انك تصوم الدهر و تقرأ القرآن كل ليلة فقلت يا نبي الله لم أرد بذلك إلا الخير قال فان حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فقلت يا نبي الله إني أطيق اكثر من ذلك قال فان لزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا لجسدك عليك حقا قال فصم صوم داود نبي الله فانه كان اعبد الناس كان يصوم يوما و يفطر يوما و اقرأ القرآن في كل شهر قلت إني أطيق اكثر من ذلك قال اقرأه في عشرين إلى أن قال في سبع و لا تزد على ذلك و قال في الصوم إني أطيق افضل من ذلك و في الصحيحين عن علي قال طرقني رسول الله صلى الله عليه و سلم و فاطمة فقال إلا تقومان فتصليان فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله إذا شاء أن يبعثنا بعثنا قال فولى و هو يضرب فخذه و يقول و كان الإنسان اكثر شيء جدلا فهذا

الحديث دليل على نومه في الليل مع إيقاظ النبي صلى الله عليه و سلم و مجادلته حتى ولى و هو يقول و كان الإنسان اكثر شيء جدلا و قول القائل و منه تعلم الناس صلاة الليل و نوافل النهار إن أراد أن بذلك أن بعض المسلمين تعلم ذلك منه فكهذا كل من بالصحابة علم بعض الناس أن أراد بذلك أن بعض المسلمين تعلموا ذلك منه فهذا من الكذب البارد فاكثر المسلمين ما رأوه و قد كانوا يقومون الليل و يتطوعون بالنهار فاكثر بلاد المسلمين التي فتحت في خلافة عمر و عثمان رضي الله عنهما كالشام و مصر و المغرب و خراسان ما رأوه فكيف يتعلمون منه و الصحابة كانوا كذلك في حياة النبي صلى الله عليه و سلم و منه تعلموا ذلك و لا يمكن أن يدعى ذلك إلا في أهل الكوفة ومعلوم انهم كانوا تعلموا ذلك من ابن مسعود رضي الله عنه و غيره قبل أن يقدم إليهم و كانوا من اكمل الناس علما و دينا قبل قدوم علي رضي الله عنه إليهم و الصحابة كانوا كذلك و أصحاب ابن مسعود كانوا كذلك قبل أن يقدم إليهم العراق

و إما قوله الأدعية المأثورة عنه تستوعب الوقت فعامتها كذب عليه و هو كان اجل قدرا من أن يدعو بهذه الأدعية التي لا تليق بحاله و حال الصحابة و ليس لشيء من هذه إسناده و الأدعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم هي افضل ما دعا به أحد و بها يدعو خيار هذه الأمة من الأولين و الآخرين و كذلك قوله انه كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة من الكذب الذي لا مدح فيه فان النبي صلى الله عليه و سلم كان مجموع صلاته في اليوم و الليلة أربعين ركعة فرضا و نفلا و الزمان لا يتسع لألف ركعة لمن ولي أمر المسلمين مع سياسة الناس و أهله إلا أن تكون صلاته نقرا كنقر الغراب و هي صلاة المنافقين التي نزه الله عنها عليا و إما ليالي صفين فالذي ثبت في الصحيح انه قال الذكر الذي علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة قال ما تركته منذ سمعته عن النبي صلى الله عليه و سلم قيل و لا ليلة صفين قال و لا ليلة صفين ذكرته من السحر فقلته و ما ذكر من إخراج الحديد من جسده فكذب فان عليا لم يعرف انه

دخل فيه حديد و ما ذكره من جمعه بين الصلاة و الزكاة فهذا كذب كما تقدم و لا مدح فيه فان هذا لو كان مستحبا لشرع للمسلمين و لو كان يستحب للمسلمين أن يتصدقوا و هم في الصلاة لتصدقوا فلما لم يستحب هذا أحد من المسلمين علمنا انه ليس عبادة بل مكروه و كذلك ما ذكره من أمر النذر و الدراهم الأربعة قد تقدم أن هذا كله كذب و ليس فيه كبير مدح و قوله اعتق ألف عبد من كسب يده من الكذب الذي لا يروج إلا على اجهل الناس فان عليا لم يعتق ألف عبد بل و لا مائة و لم يكن له كسب بيده يقوم بعشر هذا فانه لم تكن له صناعة يعملها و كان مشغولا إما بجهاد و إما بغيره و كذلك قوله كان يؤجر نفسه و ينفق على النبي صلى الله عليه و سلم في الشعب كذب بين من وجوه أحدها انهم لم يكونوا يخرجون من الشعب و لم يكن في الشعب من يستأجره و الثاني أن أباه أبا طالب كان معهم في الشعب و كان ينفق عليه و الثالث أن خديجة كانت موسرة تنفق من مالها و الرابع أن عليا لم يؤجر نفسه بمكة قط و كان صغيرا حين كان في الشعب إما مراهقا و إما محتلما فكان علي في الشعب ممن ينفق

عليه إما النبي صلى الله عليه و سلم و إما أبوه لم يكن ممن يمكنه أن ينفق على نفسه فكيف ينفق على غيره فان دخوله في الشعب كان في حياة أبي طالب بالنقل المتواتر و أبو طالب مات قبل ذهاب النبي صلى الله عليه و سلم إلى الطائف باتفاق الناس و كان موته و موت خديجة متقاربين فدخوله في الشعب كان في أول الإسلام فانه قد ثبت أن ابن عباس ولد و هم في الشعب و مات النبي صلى الله عليه و سلم و ابن عباس مراهق و علي عاش بعد الهجرة أربعين سنة باتفاق الناس و المبعث قبل ذلك بثلاث عشرة و أقصى ما قيل في موته انه كان ابن ثلاث و ستين فغايته أن يكون حين الإسلام كان له عشر سنين.
*

فصل
قال الرافضي الثالث انه كان اعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
*و الجواب أن اهل السنة يمنعون ذلك و يقولون ما اتفق عليه علماؤهم أن اعلم الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر و قد ذكر غير واحد الإجماع على أن أبا بكر اعلم الصحابة كلهم و دلائل ذلك مبسوطة في موضعها. فانه لم يكن أحد يقضي و يخطب و يفتي بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم إلا أبو بكر رضي الله عنه و لم يشتبه على الناس شيء من أمر دينهم إلا فصله أبو بكر فانهم شكوا في موت النبي صلى الله عليه و سلم فبينه أبو بكر ثم شكوا في مدفنه فبينه ثم شكوا في قتال مانعي الزكاة فبينه أبو بكر. و بين لهم النص في قوله تعالى لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين، و بينت لهم أن عبدا خيره الله بين الدنيا و الآخرة و نحو ذلك، و فسر الكلالة، فلم يختلفوا عليه.
و كان علي و غيره يروون عن أبي بكر كما في السنن عن علي قال: كنت إذا سمعت من النبي صلى الله عليه و سلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه فإذا حدثني غيره تاستحلفه فإذا حلف لي صدقته حدثني أبو بكر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من مسلم يذنب ذنبا ثم يتوضأ و يصلي ركعتين يستغفر الله تعالى إلا غفر له

و لم يحفظ لأبي بكر فتيا تخالف نصا و قد وجد لعمر و علي و غيرهما فتاوى كثير ة تخالف النصوص حتى جمع الشافعي مجلدا في خلاف علي و ابن مسعود، و جمع محمد بن نصر المروزي كتابا كبيرا في ذلك.
و قد خالفوا الصديق في الجد و الصواب في الجد قول الصديق كما قد بينا ذلك في مصنف مفرد و ذكرنا فيه عشرة وجوه تدل على صحة قوله و جمهور الصحابة معه في الجد نحو بضعة عشر منهم و الذين نقل عنهم خلافة كزيد و ابن مسعود و اضطربت أقوالهم اضطرابا يبين أن قوله هو الصواب دون قولهم.
و قد نقل غير واحد الإجماع على أن أبا بكر اعلم من علي منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروزي أحد أئمة الشافعية و ذكر في كتابه تقويم الأدلة الإجماع من علماء السنة أن أبا بكر اعلم من علي، كيف و أبو بكر كان بحضرة النبي صلى الله عليه و سلم يفتي و يأمر و ينهى و يخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج النبي صلى الله عليه و سلم هو و إياه يدعو الناس إلى الإسلام و لما هاجرا و يوم حنين و غير ذلك من المشاهد و هو ساكت يقره، و لم تكن هذه المرتبة لغيره و كان النبي صلى الله عليه و سلم في مشاورته لأهل الفقه و الرأي يقدم في الشورى أبا بكر و عمر فهما اللذان يتكلمان في العلم و يتقدمان

بحضرته على سائر الصحابة، مثل مشاورته في أسارى بدر، و غير ذلك.
و قد روى في الحديث انه قال إذا اتفقتما على أمر لم أخالفكما و في السنن عنه انه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر و عمر و لم يحصل هذا لغيرهما. بل قال عليكم بسنتي و سنة الخلفاء فأمر باتباع سنة الخلفاء الأربعة و خص أبا بكر و عمر بالاقتداء و مرتبة المقتدي به في أفعاله و فيما سنه للمسلمين فوق مرتبة المتبع فيما سنه فقط.
و في صحيح مسلم أن أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم كانوا معه في سفره فذكر الحديث و فيه أن يطع القوم أبا بكر و عمر يرشدوا و ثبت عن ابن عباس انه كان يفتي بكتاب الله فان لم يجد فبما في سنة رسول الله فان لم يجد أفتى بقول أبي بكر و عمر و لم يكن يفعل ذلك بعثمان و لا بعلي و ابن عباس هو حبر الأمة و اعلم الصحابة في زمانه و هو يفتي بقول أبي بكر و عمر مقدما لهما على قول غيرهما و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل.

و أبو بكر و عمر اكثر اختصاصا بالنبي صلى الله عليه و سلم من سائر الصحابة و أبو بكر اكثر اختصاصا به فانه كان يسمر عنده عامة الليل يحدثه في العلم و الدين و مصالح المسلمين، كما روى أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش حدثنا إبراهيم حدثنا علقمة عن عمر قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يسمر عند أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين و أنا معه. و في الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر أن أصحاب الصفة كانوا ناسا فقراء و أن النبي صلى الله عليه و سلم قال مرة من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث و من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس و سادس و أن أبا بكر جاء بثلاثة و انطلق نبي الله صلى الله عليه و سلم بعشرة و أن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه و سلم ثم لبث حتى صليت العشاء ثم رجع فلبث حتى نعس رسول الله صلى الله عليه و سلم فجاءنا بعد ما مضى من الليل ما شاء قالت امرأته ما
حبسك عن أضيافك قال أو ما عشيتهم قالت أبو حتى تجيء عرضوا عليهم العشاء فغلبوهم و ذكر الحديث. و في رواية قال كان أبي يتحدث إلى النبي صلى الله عليه و سلم من الليل و في سفر الهجرة لم يصحب غير أبي و يوم بدر لم يبق معه في العريش غيره. و قال أن أمن الناس علينا في صحبته و ذات يده أبو بكر و لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا و هذا من أصح في الأحاديث الصحيحة المستفيضة في الصحاح من وجوه كثيرة. و في الصحيحين عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال كنت جالسا

عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ اقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى من ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه و سلم إما صاحبكم فقد غامر فسلم و قال انه كان بيني و بين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي و إني أتيتك فقال يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثا ثم أن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فلم يجده فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه و سلم يتمعر و غضب حتى أشفق أبو بكر و قال أنا كنت اظلم يا رسول الله مرتين فقال النبي صلى الله عليه و سلم أن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت و قال أبو بكر صدقت و واساني بنفسه و ماله فهل انتم تاركوا لي صاحبي فهل انتم تاركوا لي صاحبي فما أوذي بعدها قال البخاري سبق بالخير. و قد تقدم ما في الصحيحين أن أبا سفيان يوم أحد لم يسال إلا عن النبي صلى الله عليه و سلم و أبي بكر و عمر لعلمه و علم سائر الناس أن هؤلاء هم رؤوس الإسلام و أن قيامه بهم و لهذا لما سال الرشيد مالك بن انس عن منزلتهما من النبي صلى الله عليه و سلم فقال منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه في مماته فقال شفيتني يا مالك شفيتني يامالك

و كثرة الاختصاص و الصحبة مع كمال المودة و الائتلاف و المحبة و المشاركة في العلم و الدين تقتضي انهما أحق بذلك من غيرهما و هذا ظاهر بين لمن له خبرة بأحوال القوم إما الصديق فانه مع قيامه بأمور من العلم و الفقه عجز عنهما غيره حتى بينها لهم لم يحفظ له قول يخالف فيه نصا و هذا يدل على غاية البراعة و العلم.
و أما غيره فحفظت له أقوال كثيرة خالفت النصوص لكون النصوص لك تبلغه و الذي وجد لعمر من موافقته النصوص اكثر من موافقة علي، يعرف هذا من عرف مسائل العلم و أقوال العلماء فيها و الأدلة الشرعية و مراتبها و ذلك مثل عدة المتوفي عنها زوجها فان قول عمر فيها هو الذي وافق النص دون القول الآخر، و كذلك مسالة الحرام قول عمر و غيره فيها هو الأشبه بالنصوص من القول الآخر الذي هو قول علي، و كذلك المخيرة التي خيرها زوجها و المفوضة للمهر و مسالة الخلية و البرية و البائن و البتة، و كثير من مسائل الفقه.
و في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم انه قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون فان يكن في أمتي أحد فعمر.

و في الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم انه قال رأيت كأني أتيت بقدح لبن فشربت حتى إني لأرى الري يخرج من أظافري ثم ناولت فضلي عمر قالوا ما أولته يا رسول الله قال العلم. و في الترمذي و غيره عنه عليه الصلاة و السلام انه قال لو لم ابعث فيكم لبعث فيكم عمر و لفظ الترمذي لو كان بعدي نبي لكان عمر قال الترمذي حديث حسن.
و أيضا فان الصديق استخلفه النبي صلى الله عليه و سلم على الصلاة التي هي عمود الإسلام و على إقامة المناسك قبل أن يحج النبي صلى الله عليه و سلم فنادى أن لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و أردفه بعلي فقال أمير أم مأمور فقال بل مأمور فأمر أبا بكر على على فكان ممن أمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يسمع و يطيع لأبي بكر و هذا بعد غزوة تبوك التي استخلف فيها عليا على المدينة و كتاب أبي بكر في الصدقات اصح الكتب و آخرها و لهذا عمل به عامة الفقهاء و غيره في كتابه ما هو متقدم منسوخ فدل على انه اعلم بالسنة الناسخة و في الصحيحين عن أبي سعيد قال كان أبو بكر أعلمنا بالنبي صلى الله عليه و سلم

و أيضا فالصحابة لم يتنازعوا في زمن أبي بكر في مسالة إلا فصلها و ارتفع النزاع فلا يعلم بينهم في زمانه مسالة تنازعوا فيها إلا ارتفع النزاع بينهم بسببه كتنازعهم في وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و دفنه و ميراثه و تجهيزه جيش أسامة و قتال مانعي الزكاة و غير ذلك من المسائل الكبار. بل كان رضي الله عنه هو خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم حقا يعلمهم و يقومهم و يشجعهم و يبين لهم من الأدلة ما تزول معه الشبهة فلم يكونوا معه يختلفون و بعده فلم يبلغ علم أحد و كماله علم أبي بكر و كماله، فصاروا يتنازعون في بعض المسائل كما تنازعوا في الجد و الاخوة و في الحرام و الطلاق الثلاث و في متعة الحج و نفقة المبتوتة و سكناها و غير ذلك من المسائل المعروفة مما لم يكونوا يتنازعون فيه على عهد أبي بكر و كانوا يخالفون عمر و عثمان و عليا في كثير من أقوالهم و لم يعرف انهم خالفوا الصديق في شيء مما كان يفتي به و يقضي و هذا يدل على غاية العلم.

و قام رضي الله عنه مقام رسول الله صلى الله عليه و سلم و أقام الإسلام فلم يخل بشيء بل ادخل الناس من الباب الذي خرجوا منه مع كثرة المخالفين من المرتدين و غيرهم و كثرة الخاذلين فكمل به من علمهم و دينهم ما لا يقاومه فيه أحد و كانوا يسمونه خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم انقطع هذا الاتصال اللفظي بموته قال أبو القاسم السهيلي ظهر سر قوله تعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا في اللفظ و المعنى فانهم قالوا خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم انقطع هذا بموته.
و أيضا فعلي تعلم من أبي بكر بعض السنة و أبو بكر لم يتعلم من علي شيئا و مما يبين هذا أن علماء الكوفة الذين صحبوا عمر و عليا كعلقمة و الأسود و شريح وغيرهم كانوا يرجحون قول عمر على قول علي و إما تابعو المدينة و مكة و البصرة فهذا عندهم اظهر و اشهر من أن يذكر و إنما ظهر علم علي و فقهه في الكوفة بحسب مقامه فيها عندهم مدة خلافته و كل شيعة علي الذين صحبوه لا يعرف عن أحد منهم أنه قدمه على أبي بكر و عمر لا في فقه و لا علم و لا دين، بل كل شيعته الذين قاتلوا معه كانوا مع سائر المسلمين متفقين على تقديم أبي بكر وعمر إلا من كان ينكر عليه و يذمه مع قلتهم و حقارتهم و خمولهم و هم ثلاث طوائف طائفة غلت فيه و ادعت فيه الإلهية و هؤلاء حرقهم بالنار

و طائفة سبت أبا بكر رأسهم عبد الله بن سبأ فطلب علي قتله حتى هرب منه إلى المدائن و طائفة كانت تفضله حتى قال لا يبلغني عن أحد انه فضلني على أبي بكر و عمر إلا جلدته جلد المفتري و قد روي عن علي من نحو ثمانين وجها انه قال على منبر الكوفة خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر و عمر. و في صحيح البخاري و غيره من رواية رجال همدان خاصته التي يقول فيهم و لو كنت بوابا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلي بسلام انه قال و قد سأله ابنه محمد بن الحنفية يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو بكر قال ثم من قال ثم عمر قال ثم أنت قال إنما أبوك رجل من المسلمين. قال البخاري حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان الثوري حدثنا جامع بن شداد حدثنا أبو يعلى منذر الثوري عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا بني أو ما تعرف فقلت لا فقال أبو بكر قلت ثم من قال ثم عمر و هذا يقوله لابنه الذي لا يتقيه و لخاصته و يتقدم بعقوبة من يفضله عليهما و يراه مفتريا و المتواضع لا يجوز أن يتقدم بعقوبة من يفضله عليهما يقول الحق و لا يسميه مفتريا و كل من كان افضل من غيره من الأنبياء و الصحابة و غيرهم فانه اعلم و رأس الفضائل العلم قال تعالى هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون و الدلائل على ذلك كثيرة و كلام العلماء كثير في ذلك.

و أما قوله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقضاكم علي والقضاء يستلزم العلم و الدين، فهذا الحديث لم يثبت و ليس له إسناد تقوم به الحجة و قوله أعلمكم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل أقوى إسنادا منه و العلم بالحلال و الحرام ينتظم القضاء اعظم مما ينتظم للحلال و الحرام و هذا الثاني قد رواه الترمذي و احمد و الأول لم يروه أحد في السنن المشهورة و لا المساند المعروفة لا بإسناد صحيح و لا ضعيف و إنما يروي من طريق من هو معروف بالكذب.
و قول عمر علي أقضانا إنما هو في فصل الخصومات في الظاهر مع جواز أن يكون في الباطن بخلافه كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إنكم تختصمون إلي و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له بنحو ما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من النار فقد اخبر سيد القضاة أن قضاءه لا يحل الحرام و علم الحلال و الحرام يتناول الظاهر و الباطن فكان الأعلم به اعلم بالدين و أيضا فالقضاء نوعان أحدهما الحكم عند تجاحد الخصمين مثل أن يدعي أحدهما أمرا ينكره الآخر فيحكم فيه بالبينة و نحوها و الثاني ما لا يتجاحدان فيه بل يتصادقان لكن لا يعلمان ما يستحق كل منهما كتنازعهما في قسمة فريضة أو فيما يجب لكل من الزوجين على الآخر أو فيما يستحقه كل من المتشاركين و نحو ذلك فهذا الباب هو من باب الحلال و الحرام فإذا أفتاهما من يرضيان بقوله كفاهما و لم يحتاجا إلى من يحكم بينهما و إنما يحتاجان إلى الحاكم عند التجاحد و ذلك غالبا إنما يكون مع الفجور و قد يكون مع النسيان فما لا يختص بالقضاء لا يحتاج إليه إلا قليل من الأبرار فأما الحلال و الحرام فيحتاج إليه البر و الفاجر و لهذا لما أمر أبو بكر عمر أن يقضي بين الناس مكث سنة لم يتحاكم إليه اثنان و لو عد مجموع ما قضى به النبي صلى الله عليه و سلم من هذا النوع لم يبلغ عشر حكومات فأين هذا من كلامه في الحلال و الحرام الذي هو قوام دين الإسلام

و إذا كان قوله اعلم أمتي بالحلال و الحرام معاذ بن جبل اصح إسنادا و اظهر دلالة علم أن المحتج بذلك على أن عليا اعلم من معاذ جاهل فكيف من أبي بكر و عمر اللذين هما اعلم من معاذ مع أن الحديث الذي فيه ذكر معاذ و زيد بعضهم يضعفه و بعضهم يحسنه و الذي فيه ذكر علي فضعيف أو باطل و حديث أنا مدينة العلم و علي بابها اضعف و أوهى و لهذا إنما يعد في الموضوعات و أن رواه الترمذي و ذكره ابن الجوزي و بين أن سائر طرقه موضوعة و الكذب يعرف من نفس متنه فإن النبي صلى الله عليه و سلم إذا كان مدينة العلم و لم يكن لها إلا باب واحد و لم يبلغ عنه العلم إلا واحد فسد أمر الإسلام و لهذا اتفق المسلمون على أنه لايجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر الذين يحصل العلم بخبرهم للغائب

و خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن اكثر الناس فلا يحصل لهم العلم بالقران والسنن المتواترة وإذا قالوا ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبرة قيل لهم فلا بد من العلم بعصمته أولا وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته فانه دور ولا تثبت بالإجماع فانه لا إجماع فيها وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة لان فيهم الإمام المعصوم فيعود الأمر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه فعلم أن عصمته لو كانت حقا لا بد أن تعلم بطريق آخر غير خبره فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحا وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام إذ لم يبلغه إلا واحد ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر فان جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر وكذلك الشام والبصرة فان هؤلاء لم يكونوا يروون عن علي إلا شيئا قليلا وإنما كان غالب علمه في الكوفة ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القران والسنة قبل أن يتولى عثمان فضلا عن علي

وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم اكثر من علي ولهذا روى أهل اليمن عن معاذ بن جبل اكثر مما رووا عن علي وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل ولما قدم علي الكوفة كان شريح فيها قاضيا وهو وعبيدة السلماني نفقها على غيره فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم علي الكوفة وقال ابن حزم واحتج من احتج من الرافضة بان عليا كان أكثرهم علما قال وهذا كذب وإنما يعرف علم الصحابي بأحد وجهين لا ثالث لهما أحدهما كثرة روايته وفتاويه والثاني كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له وهذا اكبر شهادة على العلم وسعته فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته وجميع أكابر الصحابة حضور كعمر وعلي وابن مسعود وأبي وغيرهم وهذا بخلاف استخلاف علي إذا غزا لان ذلك على النساء وذوي الأعذار فقط فوجب ضرورة أن يكون أبو بكر اعلم الناس بالصلاة وشرائعها واعلم المذكورين بها وهي عمود الإسلام ووجدناه أيضا قد استعمله على الصدقات فوجب ضرورة

أن يكون عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة لا اقل وربما كان اكثر إذ قد استعمل غيره وهو لا يستعمل إلا عالما بما استعمله فيه والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة وبرهان ما قلناه من تمام علم أبي بكر بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها والذي يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر ثم الذي من طريق عمر و إما من طريق علي فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمسا من الشياه وأيضا فوجدناه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج فصح ضرورة انه اعلم من جميع الصحابة بالحج وهذه دعائم الإسلام ثم وجدناه قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على البعوث إذ لا يستعمل إلا عالما بالعمل فعند أبي بكر من علم الجهاد كالذي عند علي وسائر أمراء البعوث لا اقل وإذا صح التقدم لأبي بكر على علي وغيره في العلم بالصلاة

والزكاة والحج وساواه في الجهاد فهذه عمدة للعلم ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد الزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه و إقامته أبا بكر فشاهد أحكامه وفتاويه اكثر من مشاهدة علي لها فصح ضرورة انه اعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا و أبو بكر المقدم فيها الذي لا يلحق أو المشارك الذي لا يسبق فبطلت دعواهم في العلم والحمد لله رب العالمين و أما الرواية و الفتيا فان أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وستة اشهر ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لان كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك كله فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين و أربعين حديثا مسندة ولم يرو عن علي إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة يصح منها نحو خمسين حديثا وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين سنة فكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى ما عنده لذهاب جمهور الصحابة وكثر سماع أهل الافاق منه مرة بصفين وأعواما بالكوفة ومرة بالبصرة ومرة

بالمدينة فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته واضفنا تفري على البلاد بلدا بلدا وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه وانه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ثم نسبنا عدد حديثه من عدد حديثه وفتاويه من فتاويه علم كل ذي حظ من علم أن الذي عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه وبرهان ذلك أن من قبل عمر من الصحابة عغفمر قليلا قل النقل عنه ومن طال عمره كثر النقل عنه إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس وقد عاش علي بعد عمر سبعة عشر عاما غير اشهر ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا يصح منها نحو خمسين كالذي عن علي سواء فكل ما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة و أربعون حديثا في هذه المدة ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديث أو حديثان وفتاوى عمر موازية لفتاوي علي في أبواب الفقه فإذا نسبنا مدة من مدة وضربا في البلاد من ضرب فيها واضفنا حديثا إلى حديثوفتاوى إلى فتاوى علم كل ذي حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي ووجدنا مسند عائشة ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد وحديث أبي هريرة خمسة آلاف مسند وثلاثمائة مسند و أربعة وسبعون مسندا ووجدنا مسند ابن عمر وانس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما ووجدنا مسند جابر وابن عباس لكل واحد منهما أزيد من ألف وخمسمائة ووجدنا لابن مسعود ثمانمائة مسند ونيفا ولكل من ذكرنا حاشا أبي هريرة وانس من الفتاوى اكثر من فتاوى علي أو نحوها فبطل قول هذا الجاهل إلى أن قال فان قالوا قد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عليا على الأخماس علما والقضاء باليمن قلنا نعم لكن مشاهدة أبي بكر لأقضية النبي صلى الله عليه وسلم أقوى في العلم واثبت مما عند علي وهو باليمن وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم

أبا بكر على بعوث فيها الأخماس فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك إذ لا يستعمل النبي إلا عالما بما يستعمله عليه وقد صح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما اعلم من غيرهما وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على القضاء باليمن مع علي معاذا و أبا موسى الاشعري فلعلي في هذا شركاء كثير منهم أبو بكر وعمر ثم انفرد أبو بكر بالجمهور والأغلب من العلم.
*

فصل
قال الرافضي وفيه نزل قوله تعالى وتعيها أذن واعية.
*والجواب انه حديث موضوع باتفاق أهل العلم ومعلوم بالاضطرار أن الله تعالى لم يرد بذلك أن لا تعيها إلا أذن واعية واحدة من الأذان ولا أذن شخص معين لكن المقصود النوع فيدخل في ذلك كل أذن واعية.
*فصل قال الرافضي وكان في غاية الذكاء شديد الحرص على التعلم ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو اكمل الناس ملازمة ليلا ونهارا من صغره إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
*والجواب أن يقال من أين علم انه أذكى من عمر ومن أبي بكر أو انه كان ارغب في العلم منهما أو أن استفادته من النبي صلى الله عليه وسلم اكثر منهما وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال انه كان في الأمم قبلكم محدثون فان يكن في أمتي أحد فعمر والمحدث الملهم يلهمه الله وهذا قدر زائد على تعليم البشر وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال رأيت كأني أتيت بلبن فشربت منه حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر قالوا فما أولته قال العلم ولم يرو مثل هذا لعلي

وفي الصحيحين عن أبي سعيد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الناس يعرضون علي وعلهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض علي عمر وعليه قميص يجره قالوا فما أولته يا رسول الله قال الدين فهذان حديثان صحيحان يشهدان له بالعلم والدين ولم يرو مثل هذا لعلي وقال ابن مسعود لما مات عمر أني لأحسب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم وشارك الناس في العشر الباقي ولا ريب أن أبا بكر كان ملازما للنبي صلى الله علي وسلم اكثر من علي ومن كل أحد و اكن أبو بكر و عمر رضي الله عنهما اكثر اجتماعا بالنبي صلى الله عليه و سلم من علي بكثير كما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال وضع عمر رضي الله عنه على سريره فتكنفه الناس يدعون و يثنون ويصلون عليه قبل أن يرفع فلم يرعني إلا رجل قد اخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي و ترحم على على عمر و قال ما خلفت أحدا احب إلى أن ألقى الله عز و جل بمثل عمله منك و أيم الله أن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك و ذلك أني كثيرا ما كنت اسمع النبي صلى

الله عليه وسلم يقول جئت أنا و أبو بكر و عمر و دخلت أنا و أبو بكر و عمر و خرجت أنا و أبو بكر و عمر فان كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك و كان النبي صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يسمران في أمر المسلمين بالليل و المسائل التي تنازع فيها عمر و علي في الغالب يكون فيها قول عمر ارجح كمسألة الحامل المتوفي عنها زوجها و مسالة الحرام كما تقدم و لا ريب أن مذهب أهل المدينة ارجح من مذهب أهل العراق و هؤلاء يتبعون عمر و زيدا في الغالب و أولئك يتبعون عليا و ابن مسعود و كان ما يقوله عمر يشاور فيه عثمان و عليا و غيرهما و علي مع هؤلاء أقوى من علي وحده كما قال له قاضيه عبيدة السلماني رأيك مع عمر في الجماعة احب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة وقال ابن مسعود كان عمر إذا فتح لنا بابا دخلناه فوجدناه سهلا آتى في زوج و أبوين و امرأة و أبوين فقال للام ثلث الباقي ثم أن عثمان و عليا و ابن مسعود و زيدا اتبعوه و سعيد بن المسيب كان من اعلم التابعين باتفاق المسلمين و كان عمدة فقهه قضايا عمر و كان ابن عمر يسأله عنها و في الترمذي عنالنبي صلى الله عليه وسلم انه قال لو كان بعدي نبي لكان عمر قال الترمذي حديث حسن و اعلم أن أهل الكوفة و أصحاب ابن مسعود كعلقمة و الأسود و شريح و الحارث بن قيس و عبيدة السلماني و مسروق و زر بن حبيش و أبي وائل و غيرهم هؤلاء كانوا يفضلون علم عمر و علم ابن مسعود على علم علي و يقصدون في الغالب قول عمر و ابن مسعود دون قول علي.
*

فصل
قال الرافضي و قال صلى الله عليه وسلم العلم في الصغر كالنقش في الحجر. فتكون علومه اكثر من علوم غيره لحصول القابل الكامل و الفاعل التام.
*و الجواب أن هذا من عدم علم الرافضي بالحديث فان هذا مثل سائر ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه أيدهم الله تعالى فتعلموا الإيمان و القرآن و السنن و يسر الله ذلك عليهم و كذلك

علي فان القرآن لم يكمل حتى صار لعلي نحوا من ثلاثين سنة فإنما حفظ اكثر ذلك في كبره لا في صغره و قد اختلف في حفظه لجميع القران على قولين و الأنبياء اعلم الخلق و لم يبعث الله نبيا إلا بعد الأربعين إلا عيسى صلى الله عليه وسلم.
و تعليم النبي صلى الله علي وسلم كان مطلقا لم يكن يخص به أحدا و لكن بحسب استعداد الطالب و لهذا حفظ عنه أبو هريرة في ثلاث سنين و بعض أخرى ما لم يحفظه غيره و كان اجتماع أبي بكر به اكثر من سائر الصحابة.
و أما قوله أن الناس منه استفادوا العلوم فهذا باطل فان أهل الكوفة التي كانت داره كانوا قد تعلموا الإيمان و القران و تفسيره و الفقه و السنة من ابن مسعود و غيره قبل أن يقدم علي الكوفة. و إذا قيل أن أبا عبد الرحمن قرأ عليه فمعناه عرض عليه و إلا فأبو عبد الرحمن كان قد حفظ القران قبل أن يقدم علي الكوفة و هوو غيره من علماء الكوفة مثل علقمة و الأسود و الحارث التيمي و زر ابن حبيش الذي قرأ عليه عاصم بن أبي النجود اخذوا القران عن ابن مسعود و كانوا يذهبون إلى المدينة فيأخذون عن عمر وعائشه ولم يأخذوا عن علي كما اخذوا عن عمرو عائشة و شريح قاضيه إنما تفقه على معاذ بن جبل باليمن و كان يناظره في الفقه و لا يقلده و كذلك عبيدة السلماني كان لا يقلده بل يقول له رأيك مع عمر في الجماعة احب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة و أما أهل المدينة و مكة فعلمهم أيضا ليس مأخوذا عنه و كذلك أهل الشام و البصرة فهذه الأمصار الخمسة الحجازان و العراقان و الشام هي التي خرج منها علوم النبوة من العلوم الإيمانية و القرآنية و الشريعة و ما اخذ هؤلاء عنه فان عمر رضي الله عنه كان قد أرسل إلى كل مصر من يعلمهم القران و السنة و أرسل إلى أهل الشام معاذ بن جبل و عبادة بن الصامت و غيرهما و أرسل إلى العراق ابن مسعود و حذيفة بن اليمان و غيرهما.

*

فصل
قال الرافضي و أما النحو فهو واضعه، قال لأبي الأسود الكلام كله ثلاثة أشياء اسم و فعل و حرف، و علمه وجوه الأعراب.
*و الجواب أن يقال أولا هذا ليس من علوم النبوة و إنما هو علم مستنبط و هو وسيلة في حفظ قوانين اللسان الذي نزل به القران و لم يكن في زمن الخلفاء الثلاثة لحن فلم يحتج إليه فلما سكن علي الكوفة و بها الأنباط روي انه قال لأبي الأسود الدؤلي الكلام اسم و فعل و حرف و قال انح هذا النحو ففعل هذا للحاجة كما أن من بعد علي أيضا استخرج للخط النقط و الشكل و علامة المد و الشد و نحوه للحاجة ثم بعد ذلك بسط النحو نحاة الكوفة و البصرة و الخليل استخرج علم العروض.
*فصل قال الرافضي و في الفقه الفقهاء يرجعون إليه.
*و الجواب أن هذا كذب بين فليس في الأئمة الأربعة و لا غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إليه في فقهه أما مالك فان علمه عن

أهل المدينة و أهل المدينة لا يكادون يأخذون بقول علي بل اخذوا فقههم عن الفقهاء السبعة عن زيد و عمر و ابن عمر و نحوهم.
أما الشافعي فانه تفقه أولا على المكيين أصحاب ابن جريج كسعيد بن سالم القداح و مسلم بن خالد الزنجي و ابن جريج اخذ ذلك عن أصحاب ابن عباس كعطاء و غيره و ابن عباس كان مجتهدا مستقلا و كان إذا أفتى بقول الصحابة أفتى بقول أبي بكر و عمر لا بقول علي و كان ينكر على علي أشياء. ثم أن الشافعي اخذ عن مالك ثم كتب كتب أهل العراق و اخذ مذاهب أهل الحديث و اختار لنفسه.
و أما أبو حنيفة فشيخه الذي اختص به حماد بن أبي سليمان و حماد عن إبراهيم و إبراهيم عن علقمة و علقمة عن ابن مسعود و قد اخذ أبو حنيفة عن عطاء و غيره.
و أما الإمام احمد فكان على مذهب أهل الحديث اخذ عن ابن عيينة و ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس و ابن عمر و اخذ عن هشام بن بشير و هشام عن أصحاب الحسن و إبراهيم النخعي و اخذ عن عبد الرحمن بن مهدي و وكيع بن الجراح و أمثالهما و جالس الشافعي و اخذ عن أبي يوسف و اختار لنفسه قولا و كذلك إسحاق بن راهويه وابو عبيد ونحوهمو الاوزاعي و الليث اكثر فقههما عن أهل المدينة و أمثالهم لا عن الكوفيين.
*

فصل
قال الرافضي أما المالكية فاخذوا علمهم عنه و عن أولاده.
*و الجواب أن هنا كذب ظاهر فهذا موطأ مالك ليس فيه عنه و لا عن أحد أولاده إلا قليل جدا و جمهور ما فيه عن غيرهم فيه عن جعفر تسعة أحاديث و لم يرو مالك عن أحد من ذريته إلا عن جعفر و كذلك الأحاديث التي في الصحاح و السنن و المساند منها قليل عن ولده و جمهور ما فيها عن غيرهم.

*

فصل
قال الرافضي و أما أبو حنيفة فقرأ على الصادق.
*و الجواب أن هذا من الكذب الذي يعرفه من له أدنى علم فان أبا حنيفة من أقران جعفر الصادق توفي الصادق سنة ثمان و أربعين و توفي أبو حنيفة سنة خمسين و مائة و كان أبو حنيفة يفتي في حياة أبي جعفر والد الصادق و ما يعرف أن أبا حنيفة اخذ عن جعفر الصادق و لا عن أبيه مسألة واحدة بل اخذ عمن كان أسن منهما كعطاء بن أبي رباح و شيخه الأصلي حماد بن أبي سليمان و جعفر بن محمد كان بالمدينة.
*فصل قال الرافضي و أما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن.
*الجواب أن هذا ليس كذلك بل جالسه و علاف عرف طريقته و ناظره و أول من اظهر الخلاف لمحمد بن الحسن و الرد عليه هو الشافعي ان محمد بن الحسن اظهر الرد على مالك و أهل المدينة و هو أول من عرف منه رد على مخالفيه فنظر الشافعي في كلامه و انتصر لما تبين له انه الحق من قول أهل المدينة و كان انتصاره في الغالب لمذهب أهل الحجاز و أهل الحديث ثم أن عيسى بن إبان صنف كتابا تعرض فيه بالرد على الشافعي فصنف ابن سريج كتابا في الرد على عيسى بن إبان و كذلك احمد بن حنبل لم يقرأ على الشافعي لكن جالسه كما جالس الشافعي محمد بن الحسن و استفاد كل منهما من صاحبه و كان الشافعي و احمد يتفقان في أصولهما اكثر من اتفاق الشافعي و محمد بن الحسن و كان الشافعي أسن من احمد ببضع عشرة سنة و كان الشافعي قدم بغداد أولا سنة بضع و ثمانين في حياة محمد بن الحسن بعد موت أبي يوسف ثم قدمها ثانية سنة بضع و تسعين و في هذه القدمة اجتمع به احمد و بالجملة فهؤلاء اللاأمة الأربعة ليس فيهم من اخذ عن جعفر شيئا من قواعد الفقه لكن رووا عنه أحاديث كما رووا عن غيره و أحاديث غيره أضعاف أحاديثه و ليس بين حديث الزهري و حديثه نسبة لا في القوة و لا في الكثرة و قد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد

القطان فيه كلام فلم يخرج له و لم يكذب على أحد ما كذب على جعفر الصادق مع براءته كما كذب عليه فنسب إليه علم البطاقة و الهفت و الجدول و اختلاج الأعضاء و منافع القران و الكلام على الحوادث و أنواع من الإشارات في تفسير القران وتفسير قراءة السورة في المنام وكل ذلك كذب عليه وأيضا جعفر الصادق اخذ عن أبيه وعن غيره كما قدمنا وكذلك أبوه اخذ عن علي بن الحسين وغيره وكذلك علي بن الحسين اخذ العلم عن غير الحسين اكثر مما اخذ عن الحسين فان الحسين قتل سنة إحدى وستين وعلي صغير فلما رجع إلى المدينة اخذ عن علماء أهل المدينة فإن علي بن الحسين اخذ عن أمهات المؤمنين عائشة وأم سلمة وصفية واخذ عن ابن عباس والمسور بن مخرمة وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب وغيرهم وكذلك الحسن كان يأخذ عن أبيه وغيره حتى اخذ عن التابعين وهذا من علمه ودينه رضي الله عنه و أما ثناء العلماء على علي بن الحسين ومناقبه فكثيرة وقال الزهري لم أدرك بالمدينة افضل من علي بن الحسين وقال يحيى بن سعيد الأنصاري هو افضل هاشمي رايته بالمدينة وقال حماد بن زيد سمعت عن علي بن الحسين وكان افضل هاشمي أدركته يقولأيها الناس أحبونا حب الإسلام فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا ذكره محمد بن سعد في الطبقات أنبأنا عارم بن الفضل أنبأنا حماد ثم قال بن سعد قالوا وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا وروى عن شيبة بن نعامة قال كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت أهل مائة بيت بالمدينة في السر.

*

فصل
قال الرافضي ومالك قرا على ربيعة وربيعة على عكرمة وعكرمة على ابن عباس وابن عباس تلميذ علي.
*والجواب أن هذا من الكذب فان ربيعة لم يأخذ عن عكرمة شيئا، بل ولا ذكر مالك عن عكرمة في كتبه إلا أثرا أو اثرين ولا ذكر اسم عكرمة في كتبه أصلا لأنه بلغه عن ابن عمر وابن المسيب انهما تكلما فيه فتركه لذلك وكذلك لم يخرج له مسلم ولكن ربيعة اخذ عن سعيد بن المسيب و أمثاله من فقهاء أهل المدينة وسعيد كان يرجع علمه إلى عمر وكان قد اخذ عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وتتبع قضايا عمر من أصحابه وكان ابن عمر يسأله عنها ولهذا يقال أن موطأ مالك أخذت أصوله عن ربيعة عن سعيد بن المسيب عن عمر وقال الرشيد لمالك قد أكثرت في موطئك عن ابن عمر وأقللت عن ابن عباس فقال كان أورع الرجلين يا أمير المؤمنين فهذا موطأ مالك يبين أن ما ذكره عن مالك من اظهر الكذب وقول ابن عباس تلميذ علي كلام باطل فان رواية ابن عباس عن علي قليلة وغالب أخذه عن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة وكان يفتي بقول أبي بكر وعمر ونازع عليا في مسائل مثل ما اخرج البخاري في صحيحه قال أتى علي بقوم زنادقة فحرقهم فبلغ ذلك بن عباس فقال أما لو كنت لم احرقهم لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعذب بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا فقال ويح ابن عباس ما أسقطه على الهنات تم بحمد الله

بسم الله الرحمن الرحيم
اسم الكتاب: منهاج السنة النبوية
///

الجزء الثامن
///
*
فصل
قال الرافضي وأما علم الكلام فهو أصله ومن خطبة تعلم الناس وكل الناس تلاميذه.
*والجواب أن هذا الكلام كذب لا مدح فيه فإن الكلام المخالف للكتاب والسنة باطل وقد نزه الله عليا عنه ولم يكن في الصحابة والتابعين أحد يستدل على حدوث العالم بحدوث الأجسام ويثبت حدوث الأجسام بدليل الأعراض والحركة والسكون والأجسام مستلزمة لذلك لا تنفك عنه وما لا يسبق الحوادث فهو حادث ويبنى ذلك على حوادث لا أول لها بل أول ما ظهر هذا الكلام في الإسلام بعد المائة الأولى من جهة الجعد بن درهم والجهم بن صفوان ثم صار إلى أصحاب عمرو بن عبيد كأبي الهذيل العلاف وأمثاله وعمرو بن عبيد واصل بن عطاء إنما كانا يظهران الكلام في إنفاذ الوعيد وأن النار لا يخرج منها من دخلها وفي التكذيب بالقدر وهذا كله مما نزه الله عنه عليا وليس في الخطب الثابتة عن علي شيء من أصول المعتزلة الخمسة بل كل ذلك إذا نقل عنه فهو كذب عليه وقدماء المعتزلة لم يكونوا يعظمون عليا بل كان فيهم من يشك في عدالته ويقول قد فسق عند إحدى الطائفتين لا بعينها إما علي وإما طلحة والزبير فإذا شهد أحدهما لم أقبل شهادته وفي قبول شهادة علي منفردة قولان لهم وهذا معروف عن عمرو بن عبيد وأمثاله من المعتزلة والشيعة القدماء كلهم كالهشامين وغيرهما يثبتون الصفات ويقرون بالقدر على خلاف قول متأخري الشيعة بل يصرحون بالتجسيم ويحكى عنهم فيه شناعات وهم يدعون أنهم أخذوا ذلك عن أهل البيت

وقد ثبت عن جعفر الصادق أنه سئل عن القرآن أخالق هو أم مخلوق فقال ليس بخالق ولا مخلوق لكنه كلام الله وأما قول الرافضي إن واصل بن عطاء أخذ عن أبي هاشم ابن محمد بن الحنفية فيقال إن الحسن بن محمد بن الحنفية قد وضع كتابا في الإرجاء نقيض قول المعتزلة ذكر هذا غير واحد من أهل العلم وهذا يناقض مذهب المعتزلة الذي يقول به واصل بن عطاء ويقال إنه أخذه عن أبي هاشموقيل إن أبا هاشم هذا صنف كتابا أنكر عليه لم يوافقه عليه أخوه ولا أهل بيته ولا أخذه عن أبيه وبكل حال الكتاب الذي نسب إلى الحسن يناقض ما ينسب إلى أبي هاشم وكلاهما قد قيل إنه رجع عن ذلك ويمتنع أن يكونا أخذا هذين المتناقضين عن أبيهما محمد بن الحنفية وليس نسبة أحدهما إلى محمد بأولى من الآخر فبطل القطع بكون محمد بن الحنفية كان يقول بهذا وبهذا يل المقطوع به أن محمدا مع براءته من قول المرجئة فهو من قوله المعتزلة أعظم براءة وأبو علي أعظم براءة من المعتزلة والمرجئة منه وأما الأشعري فلا ريب عنه أنه كان تلميذا لأبي علي الجبائي لكنه

فارقه ورجع عن جمل مذهبه وإن كان قد بقي عليه شيء من أصول مذهبه لكنه خالفه في نفي الصفات وسلك فيها طريقة ابن كلاب وخالفهم في القدر ومسائل الإيمان والأسماء والأحكام وناقضهم في ذلك أكثر من مناقضة حسين النجار وضرار بن عمرو ونحوهما ممن هو متوسط في هذا الباب كجمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حتى مال في ذلك إلى قول جهم وخالفهم في الوعيد وقال بمذهب الجماعة وانتسب إلى مذهب أهل الحديث والسنة كأحمد بن حنبل وأمثال وبهذا اشتهر عند الناس فالقدر الذي يحمد من مذهبه هو ما وافق فيه أهل السنة والحديث كالجمل الجامعة وأما القدر الذي يذم من مذهبه فهو ما وافق فيه المخالفين للسنة والحديث من المعتزلة والمرجئة والجهمية والقدرية ونحو ذلك وأخذ مذهب أهل الحديث عن زكريا بن يحيى الساجي بالبصرة وعن طائفة ببغداد من أصحاب أحمد وغيرهم وذكر في المقالات ما اعتقد أنه مذهب أهل السنة والحديث وقال بكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهبوهذا المذهب هو من أبعد المذاهب عن مذهب الجهمية والقدرية وأما الرافضة كهذا المصنف وأمثاله من متأخري الإمامية فإنهم جمعوا أخس المذاهب مذهب الجهمية في الصفات ومذهب القدرية في أفعال العباد ومذهب الرافضة في الإمامة والتفضيل فتبين أن ما نقل عن علي من الكلام فهو كذب عليه ولا مدح فيه وأعظم من ذلك أن القرامطة الباطنية ينسبون قولهم إليه وأنه أعطى علما باطنا مخالفا للظاهر وقد ثبت في الصحيح عنه أنه قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما عهد إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس إلا ما في هذه الصحيفة وكان فيها العقل وفكاك الأسرى وأن لا يقتل مسلم بكافر إلا فهما يؤتيه الله عبدا في الكتاب ومن الناس من ينسب إليه الكلام في الحوادث كالجفر وغيره وآخرون ينسبون إليه البطاقة وأمورا أخرى يعلم أن عليا بريء منها

وكذلك جعفر الصادق قد كذب عليه من الأكاذيب مالا يعلمه إلا الله حتى نسب إليه القول في أحكام النجوم والرعود والبروق والقرعة التي هي من الاستقسام بالأزلام ونسب إليه كتاب منافع سور القرآن وغير ذلك مما يعلم العلماء أن جعفرا رضي الله عنه بريء من ذلك وحتى نسب إليه أنواع من تفسير القرآن على طريقة الباطنية كما ذكر ذلك عنه أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب حقائق التفسير فذكر قطعة من التفاسير التي هي من تفاسيره وهي من باب تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل مراد الله تعالى من الآيات بغير مراده وكل ذي علم بحاله يعلم أنه كان بريئا من هذه الأقوال والكذب على الله في تفسير كتابه العزيز وكذلك قد نسب إليه بعضهم الكتاب الذي يسمى رسائل إخوان الكدر وهذا الكتاب صنف بعد جعفر الصادق بأكثر من مائتي سنة فإن جعفرا توفي سنة ثمان وأربعين ومائة وهذا الكتاب صنف في أثناء الدولة العبيدية الباطنية الإسماعيلية لما استولوا على مصر وبنوا القاهرة صنفه طائفة من الذين أرادوا أن يجمعوا بين الفلسفة والشريعة والتشيع كما كان يسلكه هؤلاء العبيديون الذين كانوا يدعون أنهم من ولد علي

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17