الكتاب : الآداب الشرعية
المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ
الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيّ
وَلَاتُرَافِقْهُ فِي سَفَرِك وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى رَحِمَهُ
اللَّهُ يَنْهَى عَنْ مُخَالَطَةِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا وَعَنْ النَّظَرِ
إلَيْهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ ، وَيَأْمُرُ بِالِاشْتِغَالِ
بِالْعِلْمِ وَمُخَالَطَةِ الصَّالِحِينَ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ
الْبَرِّ فِي بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ : أَنْشَدَ أَبُو الْعَبَّاسِ
أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى ثَعْلَبٌ وَيُقَالُ إنَّهَا لَهُ : إنْ صَحِبْنَا
الْمُلُوكَ تَاهُوا وَعَقُّوا وَاسْتَخَفُّوا كِبْرًا بِحَقِّ الْجَلِيسِ
أَوْ صَحِبْنَا التُّجَّارَ صِرْنَا إلَى الْبُؤْسِ وَعُدْنَا إلَى
عَدَّادِ الْفُلُوسِ فَلَزِمْنَا الْبُيُوتَ نَسْتَخْرِجُ الْعِلْمَ
وَنَمْلَأُ بِهِ بُطُونَ الطُّرُوسِ وَقَالَ الْقَاضِي يَرْوِي عَنْ
شَيْخِنَا إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ
اسْتَزَارَهُ الْمُعْتَضِدُ وَقَرَّبَهُ وَأَجَازَهُ فَرَدَّ جَائِزَتَهُ
فَقَالَ لَهُ : اُكْتُمْ مَجْلِسَنَا وَلَا تُخْبِرْ بِمَا فَعَلْنَا
وَبِمَا قَابَلْتنَا بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحَرْبِيُّ لِي إخْوَانٌ لَوْ
عَلِمُوا بِاجْتِمَاعِي لَهَجَرُونِي .
وَفِي هَذَا الْمَعْنَى وَمَا
يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَضْلِ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ وَتَقَدَّمَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَهَذِهِ إشَارَةٌ فِيهَا كِفَايَةٌ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي
الْفُنُونِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ أَنَا أَقُولُ الَّذِي يَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ حَدُّ الصَّدَاقَةِ اكْتِسَابُ نَفْسٍ إلَى نَفْسِك ،
وَرُوحٍ إلَى رُوحِك وَهَذَا الْحَدُّ يُرِيحُك عَنْ طَلَبِ مَا لَيْسَ
فِي الْوُجُودِ حُصُولُهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَك الْأَصْلِيَّةَ لَا تُعْطِيكَ
مَحْضَ النَّفْعِ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ إضْرَارٌ فَالنَّفْسُ
الْمُكْتَسَبَةُ لَا تَطْلُبُ مِنْهَا هَذَا الْعِيَارَ وَقَدْ بَيَّنْت
الْعِلَّةَ فِي تَعَذُّرِ الصَّفْوِ الْخَالِصِ وَهِيَ تَغَايُرُ
الْأَمْزِجَةِ ، وَتَغْلِيبُ الْأَخْلَاطِ ، وَاخْتِلَافُ الْأَزْمِنَةِ
وَالْأَغْذِيَةِ فَإِنْ رَطِبَ وَرَاقَ بِالْمَاءِ وَرَقَّ بِالْهَوَاءِ
ثَقُلَ وَرَسَبَ بِالتُّرَابِ ، وَإِنْ شَفَّ وَصَفَا بِالرُّوحِ كَثُفَ
وَكَدُرَ بِالْجَسَدِ ، وَإِنْ اسْتَقَامَ بِالْعَقْلِ تَرَنَّحَ
بِالْهَوَى وَإِنْ خَشَعَ بِالْمَوْعِظَةِ قَسَا بِالْغُرُورِ ، وَإِنْ
لَطُفَ بِالْفِكْرِ غَلُظَ بِالْغَفْلَةِ ، وَإِنْ سَخَا بِالرَّجَاءِ
بَخِلَ بِالْقُنُوطِ .
فَإِذَا كَانَتْ الْخِلَالُ فِي الشَّخْصِ
الْوَاحِدِ بِهَذِهِ الْمُشَاكَلَةِ مِنْ التَّنَافُرِ ، كَيْفَ يُطْلَبُ
مِنْ الشَّخْصَيْنِ الْمُتَغَايِرَيْنِ بِالْخِلْقَةِ ، وَالْأَخْلَاقِ
الِاتِّفَاقُ ، وَالِائْتِلَافُ ؟ فَإِذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ
أَفَادَتْ شَيْئَيْنِ : إقَامَةَ الْأَعْذَارِ وَحُسْنَ التَّأْوِيلِ
الْحَافِظِ لِلْمَوَدَّاتِ وَالدُّخُولَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِأَنَّ مَا
يَنْدُرُ مِنْ الْأَخْلَاقِ الْمَحْمُودَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى أَخْلَاقِ
الشَّخْصِ مَعَ الشَّخْصِ فَهُمَا الصَّدِيقَانِ ، فَأَمَّا طَلَبُ
الدَّوَامِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْإِخْلَالِ فِي ذَلِكَ وَالِانْخِرَامُ
فَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْقَوْلَ لِمَنْ قَالَ إنَّ الصَّدِيقَ اسْمٌ
لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْوُجُودِ وَإِنْ تَبِعَ ذَلِكَ فِي
الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا وَجَبَ إفْلَاسُ الْمُسَمَّيَاتِ .
فَأَمَّا
تَسْمِيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ عَبْدًا مَعَ ارْتِكَابِ الْمُخَالَفَةِ
فَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مِنْ طَرِيقِ
شَوَاهِدِ الصَّنْعَةِ الَّتِي تَنْطِقُ بِوَحْدَتِهِ فِيهَا بِغَيْرِ
شَرِيكٍ لَهُ فِي إخْرَاجِهِ إلَى الْوُجُودِ ، فَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ
إجَابَةِ
عَادَةِ الْعَبْدِ الْمَعْبُودِ فَلَا فَمَنْ لَا يَصْفُو لَهُ اسْمُ
عَبْدٍ لِرَبٍّ أَبْدَأَهُ وَأَنْشَأَهُ وَلَا يَصْفُو لِنَفْسِهِ فِي
اسْمٍ نَاصِحٍ لَهَا بِطَاعَةِ عَقْلِهِ ، وَعِصْيَانِ هَوَاهُ يُرَادُ
مِنْهُ أَنْ يَصْفُوَ فِيهِ اسْمُ صَدِيقٍ فَاقْنَعْ مِنْ الصَّدَاقَةِ
بِمَا قَنَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْك فِي الْعُبُودِيَّةِ ، مَعَ
أَنَّك مَا صَفَوْت فِي الِاسْمِ فَأَنْتَ إلَى أَنْ تَكُونَ عَبْدَ
هَوَاكَ وَشَيْطَانُك أَقْرَبُ ؛ لِأَنَّ مُوَافَقَتَهَا فِيهِ أَكْثَرُ
إلَى أَنْ قَالَ وَلَا اقْتَصَرَ فِي ذَاكَ عَلَى الْآدَمِيِّ بَلْ كُلُّ
مَوْجُودٍ صَدَرَ عَنْ الْفَاعِلِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ لَمْ يَصْفُ مِنْ
شَوْبٍ حَتَّى الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ ذَاتِ الْمَضَارِّ
وَالْمَنَافِعِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كُلُّهُ كَذَا
فَطَلَبُ مَا وَرَاءَ الطِّبَاعِ طَلَبُ مَا لَا يُسْتَطَاعُ ، وَذَلِكَ
نَوْعٌ مِنْ الْعَنَتِ ، وَالتَّنَطُّعِ وَمَنْ طَلَبَ الْعَزِيزَ
الْمُمْتَنِعَ عَذَّبَ نَفْسَهُ وَجَهَّلَ عَقْلَهُ وَضَلَّلَ رَأْيَهُ ،
وَقَبِيحٌ بِالْعَقْلِ أَنْ يَعْتَمِدَ إضْرَارَ نَفْسِهِ وَإِتْعَابَهَا
فِيمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا بِتَعْجِيلِ التَّعَبِ ضَرَرًا وَمَعَ كَوْنِ
النَّفْسِ تَطْلُبُ الْكَمَالَ فِي الصَّدَاقَةِ وَفِي الْعَيْشِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ مِمَّا قَدْ ظَهَرَ إلَى الْوُجُودِ نَاقِصًا فَلَا بُدَّ أَنْ
يَكُونَ فِي طَيِّ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ ذَلِكَ
وَيَسْتَخْرِجُهُ إلَى الْوُجُودِ وَقْتَ الْإِعَادَةِ وَإِرَادَةِ
الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ وَمَنْحِهِ النَّعِيمَ الْبَاقِيَ .
ثُمَّ
ذَكَرَ صِفَةَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ إلَى أَنْ قَالَ : يَقْطَعُ
الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ إنْ وَجَدْت مِنْ نَفْسِك
خِلَالَ الصَّدَاقَةِ وَشُرُوطَهَا مَعَ النَّقْدِ وَالِاخْتِبَارِ مِنْ
الْهَوَى لَمْ تَجِدْ لِنَفْسِك ثَانِيًا فَقُلْ مَا شِئْت مِنْ اللَّوْمِ
، وَالْعَذْلِ وَالتَّوْبِيخِ وَنُحْ عَلَى أَبْنَاءِ الزَّمَانِ
بِالْوَحْدَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، فَأَمَّا إذَا لَمْ تَجِدْ ذَاكَ
فِي نَفْسِك لِعَجْزِ الْبِنْيَةِ عَنْهُ فَاقْطَعْ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ
فَلَا مُؤَاخَذَةَ عَلَى مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقُدْرَةِ ، وَقَالَ
أَيْضًا
صَدَاقَةُ الْعُقَلَاءِ قَرَابَةُ الْأَبَدِ ، وَمَحَبَّةُ الدُّخَلَاءِ فَرَحُ سَاعَةٍ .
وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي أَثْنَاءِ كَلَامٍ لَهُ : الْعَاقِلُ مَنْ لَمْ
يَثِقْ بِأَحَدٍ وَلَمْ يَسْكُنْ إلَى مَخْلُوقٍ ، وَمَعَ هَذَا
فَالْمُبَايَنَةُ لِلْكُلِّ لَا تَصْلُحُ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُمْ
وَإِنَّمَا تُبْتَغَى الْمُدَارَاةُ لَا الْمَوَدَّةُ ، وَالْمُسَايَرَةُ
بِالْأَحْوَالِ لَا الْمُجَاهَرَةُ ، وَكِتْمَانُ الْأُمُورِ مِنْ
الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مَهْمَا أَمْكَنَ الْأَقَارِبِ وَالْأَبَاعِدِ ،
وَالنَّظَرُ لِلنَّفْسِ فِي مَصَالِحِهَا إلَى أَنْ قَالَ عَنْ الْفَقِيرِ
لَا يُنْفِقُ إلَّا عَلَى الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ فَأَقْبِلْ عَلَيْهِ
تَرَى أَعْجَبَ الْعَجَبِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِغَيْرِهِ أَوْ تَمِيلَ
إلَى سِوَاهُ فَتَلْقَى الْعَطَبَ وَهُوَ وَعِزَّتُهُ الَّذِي يَجِدُهُ
الْمُضْطَرُّ فِي الشَّدَائِدِ وَالْمَحْزُونُ عِنْدَ الْهُمُومِ ،
وَالْمَكْرُوبُ عِنْدَ الْغُمُومِ احْذَرْ مِنْ مُخَالَفَتِهِ فَإِنَّ
عُقُوبَتَهَا دَاءٌ دَفِينٌ لَا يُؤْمَنُ تَحَرُّكُهُ .
وَقَالَ
أَيْضًا : مَتَى رَأَيْت الشَّخْصَ مُعْتَدِلَ الْخِلْقَةِ حَسَنَ
الصُّورَةِ فَهُوَ إلَى الصَّلَاحِ أَقْرَبُ وَمَتَى رَأَيْت ذَا عَيْبٍ
فَاحْذَرْهُ مِثْلَ الْكَوْسَجِ ، وَالْأَعْوَرِ ، وَالْأَعْمَى فَقَلَّ
أَنْ تَرَى بِأَحَدٍ آفَةً فِي بَدَنِهِ إلَّا وَفِي بَطْنِهِ مِثْلُهَا ،
وَإِذَا رَأَيْت عَيْبًا فِي شَخْصٍ فَلَا تُلِحَّنَّ عَلَيْهِ
بِالتَّأْدِيبِ ، فَالطَّبْعُ عَلَيْهِ أَغْلَبُ وَدَارِهِ فَحَسْبُ .
وَاعْلَمْ
أَنَّ التَّأْدِيبَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْبَذْرِ ، وَالْمُؤَدَّبُ
كَالْأَرْضِ مَتَى كَانَتْ الْأَرْضُ رَدِيئَةً ضَاعَ الْبَذْرُ فِيهَا
وَمَتَى كَانَتْ صَالِحَةً نَشَأَ وَنَمَا فَتَأَمَّلْ بِفِرَاسَتِك مَنْ
تُخَاطِبُهُ وَتُؤَدِّبُهُ وَتُعَاشِرُهُ ، وَمِلْ إلَيْهِ بِقَدْرِ
صَلَاحِ مَا تَرَى مِنْ بَدَنِهِ وَآدَابِهِ فَانْظُرْ إلَى الصُّنَّاعِ
وَلَا تَنْظُرْ إلَى حَائِكٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ صَاحِبِ صِنَاعَةٍ
خَسِيسَةٍ فَإِنَّك وَإِنْ رَأَيْت مِنْهُ خُلَّةً جَمِيلَةً فَالْكَدَرُ
أَثْبَتُ وَالتَّجْرِبَةُ قَبْلَ الثِّقَةِ ، وَالْحَذَرُ بَعْدَ
الْمُعَامَلَةِ وَقَلَّ مَنْ يَصْفُو فَإِنْ صَفَا فَقَلَّ أَنْ يَثْبُتَ
خُذْ
مِنْ النَّاسِ جَانِبًا .
وَقَالَ أَيْضًا : يَنْبَغِي
لِمَنْ صَحِبَ سُلْطَانًا أَوْ مُحْتَشِمًا أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُهُ مَعَهُ
وَبَاطِنُهُ سَوَاءً فَإِنَّهُ قَدْ يَدُسُّ إلَيْهِ مَنْ يَخْتَبِرُهُ
فَرُبَّمَا افْتُضِحَ فِي الِابْتِلَاءِ وَأَكْثَرُ الْكَلَامِ فِي هَذَا
الْمَعْنَى .
وَقَالَ أَيْضًا كَانَ لِي أَصْدِقَاءُ وَإِخْوَانٌ
فَرَأَيْت مِنْهُمْ الْجَفَاءَ فَأَخَذْت أَعْتِبُ فَقُلْت ، وَمَا
يَنْفَعُ الْعِتَابُ ؟ فَإِنَّهُمْ إنْ صَلَحُوا فَلِلْعِتَابِ لَا
لِلصَّفَاءِ فَهَمَمْت بِمُقَاطَعَتِهِمْ فَقُلْت لَا تَصْلُحُ
مُقَاطَعَتُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ تَنْقُلَهُمْ إلَى دِيوَانِ الصَّدَاقَةِ
الظَّاهِرَةِ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحُوا لَهَا فَإِلَى جُمْلَةِ الْمَعَارِفِ
وَمِنْ الْغَلَطِ أَنْ تُعَاتِبَهُمْ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ :
بِئْسَ الْأَخُ أَخٌ تَحْتَاجُ أَنْ تَقُولَ لَهُ اُذْكُرْنِي فِي
دُعَائِك ، وَجُمْهُورُ النَّاسِ الْيَوْمَ مَعَارِفُ وَيَنْدُرُ مِنْهُمْ
صَدِيقٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَأَمَّا الْأُخُوَّةُ وَالْمُصَافَاةُ فَذَلِكَ
شَيْءٌ نُسِخَ فَلَا تَطْمَعْ فِيهِ وَمَا أَرَى الْإِنْسَانَ يَصْفُو
لَهُ أَخُوهُ مِنْ النَّسَبِ وَلَا وَلَدُهُ وَلَا زَوْجَتُهُ فَدَعْ
الطَّمَعَ فِي الصَّفَاءِ وَخُذْ عَنْ الْكُلِّ جَانِبًا وَعَامِلْهُمْ
مُعَامَلَةَ الْغُرَبَاءِ وَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ بِمَنْ يُظْهِرُ لَك
الْوُدَّ ، فَإِنَّهُ مَعَ الزَّمَانِ يُبَيِّنُ لَك الْخَلَلَ فِيمَا
أَظْهَرَهُ وَقَدْ قَالَ الْفُضَيْلُ : إذَا أَرَدْت أَنْ تُصَادِقَ
صَدِيقًا فَأَغْضِبْهُ فَإِنْ رَأَيْته كَمَا يَنْبَغِي فَصَادِقْهُ
وَهَذَا الْيَوْمُ مُخَاطَرَةٌ ؛ لِأَنَّك إذَا أَغْضَبْت أَحَدًا صَارَ
عَدُوًّا فِي الْحَالِ ، وَالسَّبَبُ فِي نَسْخِ حُكْمِ الصَّفَاءِ أَنَّ
السَّلَفَ كَانَتْ هِمَّتُهُمْ الْآخِرَةَ وَحْدَهَا فَصَفَتْ
نِيَّاتُهُمْ فِي الْأُخُوَّةِ وَالْمُخَالَطَةِ فَكَانَتْ دِينًا لَا
دُنْيَا ، وَالْآنَ فَقَدْ اسْتَوْلَى حُبُّ الدُّنْيَا عَلَى الْقُلُوبِ
فَإِنْ رَأَيْت مُتَعَلِّقًا فِي بَابِ الدِّين فَأَخْبَرْ تَقْلُهُ
وَقَالَ أَيْضًا رَأَيْت نَفْسِي تَأْنَسُ بِخُلَطَاءَ تُسَمِّيهِمْ
أَصْدِقَاءَ فَبَحَثْت التَّجَارِبَ فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ حُسَّادٌ عَلَى
النِّعَمِ ، وَأَعْدَاءٌ لَا يَسْتُرُونَ
زَلَّةً ، وَلَا يَعْرِفُونَ لِجَلِيسٍ حَقًّا وَلَا يُوَاسُونَ مِنْ مَالِهِمْ صَدِيقًا فَتَأَمَّلْت الْأَمْرَ فَإِذَا أَكْثَرُهُمْ حُسَّادٌ عَلَى النِّعَمِ ، فَإِذَا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ يَغَارُ عَلَى قَلْبِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَجْعَلَ بِهِ شَيْئًا يَأْنَسُ بِهِ فَهُوَ يَكْدَرُ الدُّنْيَا وَأَهْلَهَا لِيَكُونَ أُنْسَهُ بِهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَعُدَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ مَعَارِفَ وَلَا تُظْهِرْ سِرَّكَ لِمَخْلُوقٍ مِنْهُمْ وَلَا تَعُدَّنَّ فِيهِمْ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِشِدَّةٍ بَلْ عَامِلْهُمْ بِالظَّاهِرِ وَلَا تُخَالِطْهُمْ إلَّا حَالَةَ الضَّرُورَةِ وَبِالتَّوَقِّي لَحْظَةً ، ثُمَّ انْفِرْ عَنْهُمْ وَأَقْبِلْ عَلَى شَأْنِك مُتَوَكِّلًا عَلَى خَالِقِك ، فَإِنَّهُ لَا يَجْلِبُ الْخَيْرَ سِوَاهُ وَلَا يَصْرِفُ السُّوءَ إلَّا إيَّاهُ فِي كَلَامٍ كَثِيرٍ .
وَقَالَ
مِنْ الْغَلَطِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَاكِمٍ مَعْزُولٍ بِمَا
لَا يَصْلُحُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَلِيَ فَيَنْتَقِمَ ، وَفِي
الْجُمْلَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُظْهِرَ الْعَدَاوَةَ لِأَحَدٍ أَصْلًا
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ إلَى كُلِّ أَحَدٍ خُصُوصًا مَنْ يَجُوزُ أَنْ
تَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ وَأَنْ يَخْدُمَ الْمَعْزُولَ فَرُبَّمَا نَفَعَ
فِي وِلَايَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ فَالْعَاقِلُ مَنْ تَأَمَّلَ
الْعَوَاقِبَ وَرَاعَاهَا وَصَوَّرَ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ
فَعَمِلَ بِمُقْتَضَى الْحَزْمِ ، وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا تَصَوُّرُ
وُجُودِ الْمَوْتِ عَاجِلًا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بَغْتَةً
مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ فَالْحَازِمُ مَنْ اسْتَعَدَّ لَهُ وَعَمِلَ عَمَلًا
لَا يَنْدَمُ إذَا جَاءَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ أَيْضًا مَنْ
جَرَتْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مُخَاشَنَةٌ فَإِيَّاكَ أَنْ تَطْمَعَ فِي
مُصَافَاتِهِ وَأَنْ تَأْمُلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ يَرَى مَا فَعَلْت
وَالْحِقْدُ كَامِنٌ ، وَقَالَ أَمَّا الْعَوَامُّ فَالْبُعْدُ عَنْهُمْ
مُتَعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الْجِنْسِ فَإِذَا اُضْطُرِرْت
إلَى مُجَالَسَتِهِمْ فَلَحْظَةً يَسِيرَةً بِالْهَيْبَةِ وَالْحَذَرِ ،
فَرُبَّمَا قُلْت كَلِمَةً فَشَنَّعُوهَا وَلَا تَلْقَ الْجَاهِلَ
بِالْعِلْمِ وَلَا اللَّاهِيَ بِالْفِقْهِ ، وَلَا الْغَبِيَّ
بِالْبَيَانِ بَلْ مِلْ إلَى مُسَالَمَتِهِمْ بِلُطْفٍ مَعَ هَيْبَةٍ
وَأَمَّا الْأَعْدَاءُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَحْتَقِرَهُمْ ، فَإِنَّ
لَهُمْ حِيَلًا بَاطِنَةً وَالْوَاجِبُ مُدَارَاتُهُمْ وَمُصَالَحَتُهُمْ
فِي الظَّاهِرِ وَمِنْ جِنْسِهِمْ الْحُسَّادُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ
يَطَّلِعُوا عَلَى النِّعَمِ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ وَمُدَارَاتُهُمْ
لَازِمَةٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَرْجَانِيُّ : وَلَمَّا بَلَوْت
النَّاسَ أَطْلُبُ مِنْهُمْ أَخَا ثِقَةٍ عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّدَائِدِ
تَطَمَّعْت فِي حَالِي رَخَاءً وَشِدَّةً وَنَادَيْت فِي الْأَحْيَاءِ
هَلْ مِنْ مُسَاعِدِ فَلَمْ أَرَ فِيمَا سَاءَنِي غَيْرَ شَامِتٍ وَلَمْ
أَرَ فِيمَا سَرَّنِي غَيْرَ حَاسِدِ وَقَالَ آخَرُ : مَنْ كَانَ يَأْمُلُ
أَنْ يَسُودَ عَشِيرَةً فَعَلَيْهِ بِالتَّقْوَى وَلِينِ الْجَانِبِ
وَيَغُضُّ
طَرْفًا عَنْ مَسَاوِي مَنْ أَسَى مِنْهُمْ وَيَحْلُمُ
عِنْدَ جَهْلِ الصَّاحِبِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : إنْ
حَدَّثَتْك نَفْسُكَ بِوَفَاءِ أَصْحَابِ الزَّمَانِ فَقَدْ كَذَبَتْك
الْحَدِيثَ مَا صَدَقَتْك الْخَبَرَ هَذَا سَيِّدُ الْبَشَرِ مَاتَ
وَحُقُوقُهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ لِحُكْمِ الْبَلَاغِ ،
وَالشَّفَاعَةِ فِي الْأُخْرَى .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { قُلْ لَا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }
وَقَدْ شَبِعَ بِهِ الْجَائِعُ ، وَعَزَّ بِهِ الذَّلِيلُ فَقَطَعُوا
رَحِمَهُ وَضَلَّ أَوْلَادُهُ بَيْنَ أَسِيرٍ ، وَقَتِيلٍ ، وَأَصْحَابُهُ
قَتْلَى : عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَعُثْمَانُ فِي دَارِهِ هَذَا مَعَ
إسْدَاءِ الْفَضَائِلِ وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالزُّهْدِ ، اُطْلُبْ
لِخَلَفِك مَا كَانَ لِسَلَفِك وَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ
يُعْرَفَ بِعَادَةٍ فَيُدْهَى مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَصْعُبَ عَلَيْهِ
أَمْرٌ فَيُقْصَدَ بِهِ وَيُؤْذَى ، أَوْ يُعْرَفَ أَنَّهُ يُحِبُّ
أَمْرًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَعْرُوفًا
بِأَخْذِ الْفَأْلِ فَاشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ عَلَى حِيلَةٍ يَأْخُذُونَ
بِهَا مَالًا فَقَصَدَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى دَفْعِهِ بِضَاعَةً أَوْ
قَرْضًا وَجَلَسَ الشُّرَكَاءُ فِي الْحِيلَةِ عَلَى بُعْدٍ فَنَادَى
أَحَدُهُمْ صَاحِبَهُ اسْتَخِرْ اللَّهَ فَهَذِهِ جِهَةٌ مُبَارَكَةٌ
وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ مَا هُوَ إلَّا صَوَابٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ
قَوِيَتْ عَزِيمَتُهُ عَلَى دَفْعِهِ وَكَانَ آخَرُ يَأْكُلُ مَا يَجِدُهُ
مِنْ الْفُتَاتِ ، فَجُعِلَ لَهُ فِي فُتَاتِهِ سُمٌّ فَأَكَلَهُ فَمَاتَ
، فَاحْذَرْ مِنْ اغْتِفَالِ الْأَعْدَاءِ .
وَقَالَ أَيْضًا إنَّ
أَبْنَاءَ الزَّمَانِ لَا بَقَاءَ لَهُمْ عَلَى حَالٍ بَيْنَمَا نَرَى
أَحَدَهُمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالشَّغَفِ ، حَتَّى تَرَى أَحَدَهُمْ
عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ مِنْ الْمَلَلِ وَالضَّجَرِ ، فَالْعَاتِبُ لَهُمْ
ظَالِمٌ ، كَمَا أَنَّ الْوَاثِقَ بِهِمْ خَائِبٌ ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا
حَقَّقَ النَّظَرَ فِي أَحْوَالِهِمْ يَرَاهُمْ فِي أَسْرِ الْمَقَادِيرِ
مُسَلَّطَاتِ الْأَقْضِيَةِ وَالتَّصْرِيفِ ، ثُمَّ الدَّهْرُ مَوْصُوفٌ
بِالِاسْتِحَالَةِ فَكَيْفَ أَبْنَاؤُهُ فَإِذَا
أَوْقَعَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ الْوَحْشَةَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَإِنَّمَا يَصْرِفُك
إلَيْهِ وَيَنْدُبُك إلَى التَّعَلُّقِ بِهِ ، فَاحْمَدْ إسَاءَتَهُمْ
إلَيْكَ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَحْسَنُوا مَعَك الصَّنِيعَ لَقَطَعُوك عَنْهُ
؛ لِأَنَّكَ ابْنُ لُقْمَةٍ وَابْنُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ أَدْنَى شَيْءٍ
يَقْتَطِعُك إلَيْهِمْ .
وَقَالَ أَيْضًا : لَا تَطْلُبْ مِنْ
مُتَجَدِّدِ الرِّيَاسَةِ أَخَلَاقَهُ مَعَك حَالَ الْعُطْلَةِ
فَيَرْفُضَك وَيُؤْذِيَك فَتَكُونَ كَالْمُعَلَّمِ يَتَخَلَّقُ مَعَ مَنْ
كَانَ يُعَلِّمُهُ بَعْدَ كِبَرِهِ كَتَخَلُّقِهِ مَعَهُ حَالَ كَوْنِهِ
فِي الْكُتُبِ ، وَذَاكَ بِمَثَابَةِ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ السَّكْرَانِ
أَخْلَاقَ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّ لِلرِّيَاسَةِ سُكْرًا وَلَوْلَا ذَاكَ
مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا } .
وَبَيَّنَهُ فِي قَوْله تَعَالَى : { هَلْ لَك إلَى أَنْ تَزَكَّى } .
فَأَخْرَجَهُ
مَخْرَجَ السُّؤَالِ لَا الْأَمْرِ لِمَوْضِعِ تَجَبُّرِهِ وَكَذَلِكَ
مَنْ كَانَ لَهُ أَوْ لِسَلَفِهِ وِلَايَةٌ وَمَنْصِبٌ وَدَوْلَةٌ وَقَدْ
أَفْضَى بِهِ الدَّهْرُ إلَى الْعُطْلَةِ لَا يَقْتَضِي أَوْ لَا
يَنْبَغِي مُعَامَلَتُهُ بِمَاضِي الرِّيَاسَةِ وَقَالَ فِي قَصِيدَةٍ
كَبِيرَةٍ : أَخُوك الَّذِي إنْ تَدْعُهُ لِعَظِيمَةٍ يُجِبْكَ وَإِنْ
تَغْضَبْ إلَى السَّبْقِ يَغْضَبْ .
وَقَالَ فِي الْفُنُونِ أَيْضًا
مِنْ كَمَالِ الْآدَابِ تَلَمُّحُ النَّفْسِ وَإِزَالَةُ كُلِّ مَا
يُكْرَهُ مِنْهَا وَيُؤْذِي عِنْدَ الْمُخَالَطَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ ذَاكَ
، وَإِلَّا فَإِرَاحَةُ النَّاسِ بِالِانْفِرَادِ وَالِاعْتِزَالِ
فَالثَّقِيلُ الْمُخَالِطُ سَقَمٌ فِي الْأَبْدَانِ وَمُؤْنَةٌ عَلَى
الْقُلُوبِ ، وَتَضْيِيقٌ لِلْأَنْفَاسِ ، وَحَصْرٌ لِلْحَوَاسِّ
وَالْأَلَمُ يُعَرِّي الْأَرْوَاحَ تَفَضُّلًا عَنْ الْأَشْبَاحِ ،
وَالْقَذَرُ نَقْضُهُ الْمَجَالِسَ ، وَالْمُسْتَعْلِمُ عَمَّا يَسْتُرُهُ
النَّاسُ مُكَشِّفٌ لِأَسْتَارِ التَّجَمُّلِ ، وَالْأَرْعَنُ مُرْتَعِدُ
الطِّبَاعِ الْمَغْلُوبَةِ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْأَحْمَقُ مُفْسِدٌ
لِلْقَوَانِينِ وَمُحْوِجٌ إلَى سُوءِ أَخْلَاقِ الْمُعَلِّمِينَ ،
وَمُزْرٍ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ ، وَالْمُهَازِلُ مُسْقِطٌ
لِوَقَارِ الْمَجَالِسِ مُذْهِبٌ لِحِشْمَةِ الْمَنَازِلِ وَمَا حَطَّ
شَرَفًا مِثْلُ هَزْلٍ .
وَقَطْعُ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ ،
وَالْبَعْدُ عَنْ مَجَالِسِ الْأُنْسِ فَكَمْ مِنْ أَنِيسٍ بَيْنَ
جُلَسَاءَ أَوْحَشَهُ مُدَاخَلَةُ ثَقِيلٍ يَجْهَلُ ثِقَلَ نَفْسِهِ عَلَى
النَّاسِ ، وَتَقْلِيلُ الْكَلَامِ مِنْ حُسْنِ الْإِصْغَاءِ
وَالْإِنْصَاتِ ، وَالْبُعْدُ عَنْ الْعَامِلِينَ ذَوِي النَّشَاطِ إذَا
اعْتَرَاك التَّثَاؤُبُ وَالنُّعَاسُ فَذَلِكَ يُكْسِلُ الْعُمَّالَ
وَيُفَتِّرُ الصُّنَّاعَ ، وَانْتِقَادُ الْأَلْفَاظِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا
إلَى الْأَسْمَاعِ فَكَمْ مِنْ نَمٍّ أَرَاقَ دِمَاءَكُمْ مِنْ حَرْفٍ
جَرَّ حَنَقًا وَإِيَّاكَ وَالْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ مَجَارِكَ
فَذَاكَ يَحُطُّ قَدْرَك ، وَيَكْشِفُ عَنْ مَحَلِّك وَأَنْتَ مَعَ
سُكُوتِك مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِك تَتَرَامَى ظُنُونُ النَّاسِ فِيك
بَيْنَ مَنْ يَعْتَقِدُكَ بِذَلِكَ عَالِمًا فَإِذَا ظَهَرَ مِقْدَارُك
مِنْ لَفْظِك تَعَجَّلَ سُقُوطُ قَدْرِك .
لَا تُوَاكِلَنَّ جَائِعًا
إلَّا بِالْإِيثَارِ ، وَلَا تُوَاكِلَنَّ غَنِيًّا إلَّا بِالْأَدَبِ ،
وَلَا تُوَاكِلَنَّ ضَيْفًا إلَّا بِالنَّهْمَةِ وَالِانْبِسَاطِ وَلَا
تَلْقَيَنَّ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ وَإِنْ كُنْت نَاصِحًا فَإِنَّ ذَلِكَ
يُنَفِّرُهُ عَنْ الْقَبُولِ لِنُصْحِك وَلَا تَدْعُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ
إلَّا
بِأَحَبِّهَا إلَيْهِ ، وَتَغَافَلْ عَنْ هَفَوَاتِ النَّاسِ
فَذَلِكَ دَاعِيَةٌ لِدَوَامِ الْعِشْرَةِ ، وَسَلَامَةِ الْوُدِّ ،
وَخَفِّفْ مُؤْنَتَك بِتَرْكِ الشَّكْوَى ، وَإِذَا كَرِهْت مِنْ غَيْرِك
خُلُقًا فَلَا تَأْتِهِ ، وَإِذَا حَمِدْتَهُ فَتَخَلَّقْ بِهِ ، وَلَا
تَسْتَصْغِرْ كَبِيرَ الذَّنْبِ فَتَعْرَى ، وَلَا تَسْتَكْبِرْ
صَغِيرَهَا فَتَيْأَسْ ، وَأَعْطِ كُلَّ ذَنْبٍ حَقَّهُ مِنْ عُقُوبَتِهِ
إنْ قَدَرْت ، وَمِنْ اللَّائِمَةِ وَالْهِجْرَانِ إنْ عَنْ الْعُقُوبَةِ
عَجَزْت وَلَا تَقْتَضِ النَّاسَ بِجَرَّاءِ إحْسَانِكَ اقْتِضَاءَ
الْبَائِعِ بِثَمَنِ سِلْعَتِهِ ، وَلَا تَمْنُنْ عَلَيْهِمْ فَالْمَنُّ
اسْتِيفَاءٌ لِمَعْرُوفِك أَوْ تَكْدِيرٌ لِبِرِّك فَإِنْ قَدَرْت عَلَى
هَذِهِ الْخَلَائِقِ فِي مُعَاشَرَتِك وَإِلَّا فَالْعُزْلَةُ خَيْرٌ لَك
وَخَيْرٌ لِلنَّاسِ ، فَإِنَّك بِسَتْرِ نَفْسِك تَسْتَرِيحُ مِنْ
احْتِقَابِ الْآثَامِ بِإِسْقَاطِ جُرْمِ الْأَنَامِ ، وَالسَّلَامُ .
وَرَوَى
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ
سُلَيْمَانَ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَذِنَ مُعَاوِيَةُ
لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا فَلَمَّا احْتَفَلَ الْمَجْلِسُ قَالَ
أَنْشِدُونِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كُلُّ بَيْتٍ
مِنْهَا مُسْتَقِلٌّ بِمَعْنَاهُ ، فَسَكَتُوا فَلَمَّا سَكَتُوا عَلِمَ
أَنَّهُمْ قَدْ أُعْيُوا إذْ طَلَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ
فَقِيلَ : مِقْوَلُ الْعَرَبِ وَعَلَّامَتُهَا ، فَقَالَ أَبَا خُبَيْبٍ
فَقَالَ مَهْيَمْ قَالَ أَنْشِدْنِي ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ
الْعَرَبِ كُلُّ بَيْتٍ قَائِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ بِسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ
قَالَ وَتُسَاوِي قَالَ فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ وَأَنْتَ وَافٍ كَافٍ
فَأَنْشَدَهُ لِلْأَفْوَهِ الْأَوْدِيِّ : بَلَوْتُ النَّاسَ قَرْنًا
بَعْدَ قَرْنٍ فَلَمْ أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالٍ قَالَ : صَدَقْت هِيهِ
قُلْ الْبَيْتَ الثَّانِيَ ، فَقَالَ : وَذُقْت مَرَارَةَ الْأَشْيَاءِ
طُرًّا فَمَا طَعْمٌ أَمَرُّ مِنْ السُّؤَالِ قَالَ : صَدَقْت قُلْ
الْبَيْتَ الثَّالِثَ فَقَالَ : وَلَمْ أَرَ فِي الْخُطُوبِ أَشَدَّ
وَقْعًا وَأَصْعَبَ مِنْ مُعَادَاةِ الرِّجَالِ .
فَصْلٌ ( فِي وَصَايَا نَافِعَةٍ ، وَحِكَمٍ رَائِعَةٍ ، مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ وَالْأَشْعَارِ ) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تُكْثِرُوا الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ } .
وَعَنْ
سَعْدٍ { ابْكُوا فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا } رَوَاهُمَا ابْنُ
مَاجَهْ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَتْ
عَائِشَةُ { مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ
إنَّمَا كَانَ يَبْتَسِمُ } وَعَنْهَا أَيْضًا مَرْفُوعًا { لَوْ
تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
نَظَمَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ
عَبْدِ الْقَوِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ
بَعْضَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ نَثْرًا وَذَكَرَ أَيْضًا أَشْيَاءَ
حَسَنَةً يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهَا فَقَالَ : فَكَابِدْ إلَى أَنْ
تَبْلُغَ النَّفْسُ عُذْرَهَا وَكُنْ فِي اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ طَلَّاعَ
أَنْجُدِ وَلَا يَذْهَبَنَّ الْعُمُرُ مِنْك سَبَهْلَلًا وَلَا
تَغْبِنَنَّ فِي النِّعْمَتَيْنِ بَلْ اجْهَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ إنِّي أَكْرَهُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ يَمْشِي
سَبَهْلَلًا أَيْ : لَا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ، وَلَا فِي أَمْرِ آخِرَةٍ
.
وَصَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
قَالَ { نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ
وَالْفَرَاغُ } وَرَأَيْت أَنَا الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
رَوَى فِي الزُّهْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : إنِّي لَأَبْغَضُ الرَّجُلَ فَارِغًا لَا فِي عَمَلِ
دُنْيَا وَلَا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ :
رَحِمَهُ اللَّهُ فَمَنْ هَجَرَ اللَّذَّاتِ نَالَ الْمُنَى وَمَنْ
أَكَبَّ عَلَى اللَّذَّاتِ عَضَّ عَلَى الْيَدِ وَفِي قَمْعِ أَهْوَاءِ
النُّفُوسِ اعْتِزَازُهَا وَفِي نَيْلِهَا مَا تَشْتَهِي ذُلُّ سَرْمَدِ
وَلَا تَشْتَغِلْ إلَّا بِمَا يُكْسِبُ الْعُلَا وَلَا تُرْضِ النَّفْسَ
النَّفِيسَةَ بِالرَّدِي وَفِي خَلْوَةِ الْإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ
أُنْسُهُ وَيَسْلَمُ دِينُ
الْمَرْءِ عِنْدَ التَّوَحُّدِ وَيَسْلَمُ مِنْ قِيلٍ وَقَالَ وَمِنْ أَذَى جَلِيسٍ وَمِنْ وَاشٍ بَغِيضٍ وَحُسَّدِ فَكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهْوَ سِتْرٌ لِعَوْرَةٍ وَحِرْزُ الْفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُفْسِدِ وَخَيْرُ جَلِيسِ الْمَرْءِ كُتْبٌ تُفِيدُهُ عُلُومًا وَآدَابًا وَعَقْلًا مُؤَيِّدِ وَخَالِطْ إذَا خَالَطْت كُلَّ مُوَفَّقٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَهْلِ التُّقَى وَالتَّسَدُّدِ يُفِيدُك مِنْ عِلْمٍ وَيَنْهَاكَ عَنْ هَوًى فَصَاحِبْهُ تُهْدَ مِنْ هُدَاهُ وَتَرْشُدْ وَإِيَّاكَ وَالْهَمَّازَ إنْ قُمْت عَنْهُ وَاَلْ بَذِيِّ فَإِنَّ الْمَرْءَ بِالْمَرْءِ يَقْتَدِي وَلَا تَصْحَبْ الْحَمْقَى فَذُو الْجَهْلِ إنْ يَرُمْ صَلَاحًا لِشَيْءٍ يَا أَخَا الْحَزْمِ يُفْسِدْ وَخَيْرُ مَقَامٍ قُمْت فِيهِ وَخَصْلَةٍ تَحَلَّيْتَهَا ذِكْرُ الْإِلَهِ بِمَسْجِدِ وَكُفَّ عَنْ الْعَوْرَا لِسَانَك وَلْيَكُنْ دَوَامًا بِذِكْرِ اللَّهِ يَا صَاحِبِي نَدِي وَحَصِّنْ عَنْ الْفَحْشَا الْجَوَارِحَ كُلَّهَا تَكُنْ لَك فِي يَوْمِ الْجَزَا خَيْرَ شَاهِدِ وَوَاظِبْ عَلَى دَرْسِ الْقُرَانِ فَإِنَّهُ يُلَيِّنُ قَلْبًا قَاسِيًا مِثْلَ جَلْمَدِ وَحَافِظْ عَلَى فِعْلِ الْفُرُوضِ لِوَقْتِهَا وَخُذْ بِنَصِيبٍ فِي الدُّجَى مِنْ تَهَجُّدِ وَنَادِ إذَا مَا قُمْت فِي اللَّيْلِ سَامِعًا قَرِيبًا مُجِيبًا بِالْفَوَاصِلِ يَبْتَدِي وَمُدَّ إلَيْهِ كَفَّ فَقْرِك ضَارِعًا بِقَلْبٍ مُنِيبٍ وَادْعُ تُعْطَ وَتَسْعَدْ وَلَا تَسْأَمَنَّ الْعِلْمَ وَاسْهَرْ لِنَيْلِهِ بِلَا ضَجَرٍ تَحْمَدْ سُرَى السَّيْرِ فِي غَدِ وَكُنْ صَابِرًا لِلْفَقْرِ وَادَّرِعْ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ وَاشْكُرْهُ وَاحْمَدْ فَمَا الْعِزُّ إلَّا فِي الْقَنَاعَةِ وَالرِّضَى بِأَدْنَى كَفَافٍ حَاصِلٍ وَالتَّزَهُّدِ فَمَنْ لَمْ يُقْنِعْهُ الْكَفَافُ فَمَا إلَى رِضَاهُ سَبِيلٌ فَاقْتَنِعْ وَتَقَصَّدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ كَلَامِ إدْرِيسَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَنْ يَتَغَنَّ يُغْنِهِ اللَّهُ وَالْغِنَى غِنَى النَّفْسِ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْمُتَعَدِّدِ وَلَا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمَ لِلْمَالِ وَالرِّيَا فَإِنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ مَقْصِدِ وَكُنْ عَامِلًا بِالْعِلْمِ فِيمَا اسْتَطَعْته لِيُهْدَى بِك الْمَرْءُ الَّذِي كَانَ يَقْتَدِي
حَرِيصًا عَلَى نَفْعِ الْوَرَى وَهُدَاهُمْ تَنَلْ
كُلَّ خَيْرٍ فِي نَعِيمٍ مُؤَبَّدِ وَإِيَّاكَ وَالْإِعْجَابَ
وَالْكِبْرَ تَحْظَ بِالسَّ عَادَةِ فِي الدَّارَيْنِ فَارْشُدْ
وَأَرْشِدْ وَهَا قَدْ بَذَلْتُ النُّصْحَ جَهْدِي وَإِنَّنِي مُقِرٌّ
بِتَقْصِيرِي وَبِاَللَّهِ أَهْتَدِي انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَدْ
نَظَمَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ يَحْيَى بْنُ يُوسُفَ
الصَّرْصَرِيُّ الْحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَثِيرًا فِي مَعْنَى مَا
تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ فَمِنْ ذَلِكَ نُحْ وَابْكِ فَالْمَعْرُوفُ أَقْفَرَ
رَسْمُهُ وَالْمُنْكَرُ اسْتَعْلَى وَأَثَّرَ وَسْمُهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا
بِدْعَةٌ فَتَّانَةٌ يَهْوِي مُضِلٌّ مُسْتَطِيرٌ سُمُّهُ وَطَعَامُ سُوءٍ
مِنْ مَكَاسِبَ مُرَّةٍ يُعْمِي الْفُؤَادَ بِدَائِهِ وَيُصِمُّهُ فَفَشَا
الرِّيَاءُ وَغِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ وَقَسَاوَةٌ مِنْهُ وَأَثْمَرَ إثْمُهُ
لَمْ يَبْقَ زَرْعٌ أَوْ مَبِيعٌ أَوْ شِرًى إلَّا أُزِيلَ عَنْ
الشَّرِيعَةِ حُكْمُهُ فَلَكَيْفَ يُفْلِحُ عَابِدٌ وَعِظَامُهُ نَشَأَتْ
عَلَى السُّحْتِ الْحَرَامِ وَلَحْمُهُ هَذَا الَّذِي وَعَدَ النَّبِيُّ
الْمُصْطَفَى بِظُهُورِهِ وَعْدًا تَوَثَّقَ حَتْمُهُ هَذَا لَعَمْرُ
إلَهِك الزَّمَنُ الَّذِي تَبْدُو جَهَالَتُهُ وَيُرْفَعُ عِلْمُهُ هَذَا
الزَّمَانُ الْآخِرُ الْكَدِرُ الَّذِي تَزْدَادُ شِرَّتُهُ وَيَنْقُصُ
حِلْمُهُ وَهَتْ الْأَمَانَةُ فِيهِ وَانْفَصَمَتْ عُرَى التَّ قْوَى بِهِ
وَالْبِرُّ أَدْبَرَ نَجْمُهُ كَثُرَ الرِّبَا وَفَشَا الزِّنَا وَنَمَا
الْخَنَا وَرَمَى الْهَوَى فِيهِ فَأَقْصَدَ سَهْمُهُ ذَهَبَ النَّصِيحُ
لِرَبِّهِ وَنَبِيِّهِ وَإِمَامِهِ نُصْحًا تَحَقَّقَ عَزْمُهُ لَمْ
يَبْقَ إلَّا عَالِمٌ هُوَ مُرْتَشٍ أَوْ حَاكِمٌ تَخْشَى الرَّعِيَّةُ
ظُلْمَهُ وَالصَّالِحُونَ عَلَى الذَّهَابِ تَتَابَعُوا فَكَأَنَّهُمْ
عِقْدٌ تَنَاثَرَ نَظْمُهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا رَاغِبٌ هُوَ مُظْهِرٌ
لِلزُّهْدِ وَالدُّنْيَا الدَّنِيَّةُ هَمُّهُ لَوْلَا بَقَايَا سُنَّةٍ
وَرِجَالُهَا لَمْ يَبْقَ نَهْجٌ وَاضِحٌ نَأْتَمُّهُ يَا مُقْبِلًا فِي
جَمْعِ دُنْيَا أَدْبَرَتْ كَبِنَاءٍ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ هَدْمُهُ هَذِي
أَمَارَاتُ الْقِيَامَةِ قَدْ بَدَتْ لِمُبَصَّرٍ سَبَرَ الْعَوَاقِبَ
فَهْمُهُ ظَهَرَتْ طُغَاةُ
التُّرْكِ وَاجْتَاحُوا الْوَرَى وَأَبَادَهُمْ هَرْجٌ شَدِيدٌ حَطْمُهُ وَالشَّمْسُ آنَ طُلُوعُهَا مِنْ غَرْبِهَا وَخُرُوجُ دَجَّالٍ فَظِيعٍ غَشْمُهُ وَأَنَّى لِيَأْجُوجَ الْخُرُوجُ عَقِيبَهُ مِنْ خَلْفِ سَدٍّ سَوْفَ يُفْتَحُ رَدْمُهُ فَاعْمَلْ لِيَوْمٍ لَا مَرَدَّ لِوَقْعِهِ يُقْصِي الْوَلِيدَ بِهِ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَلَهُ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي كَسَبَ الذُّنُوبَا وَصَدَّتْهُ الْأَمَانِي أَنْ يَتُوبَا أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي أَضْحَى حَزِينًا عَلَى زَلَّاتِهِ قَلِقًا كَئِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الَّذِي سُطِرَتْ عَلَيْهِ صَحَائِفُ لَمْ يَخَفْ فِيهَا الرَّقِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الْمُسِيءُ عَصَيْتُ سِرًّا فَمَا لِي الْآنَ لَا أُبْدِي النَّحِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الْمُفَرِّطُ ضَاعَ عُمُرِي فَلَمْ أَرْعَ الشَّبِيبَةَ وَالْمَشِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الْغَرِيقُ بِلُجِّ بَحْرٍ أَصِيحُ لَرُبَّمَا أَلْقَى مُجِيبَا أَنَا الْعَبْدُ السَّقِيمُ مِنْ الْخَطَايَا وَقَدْ أَقْبَلْتُ أَلْتَمِسُ الطَّبِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الْمُخَلَّفُ عَنْ أُنَاسٍ حَوَوْا مِنْ كُلِّ مَعْرُوفٍ نَصِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الشَّرِيدُ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَقَدْ وَافَيْتُ بَابَكُمْ مُنِيبَا أَنَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ مَدَدْتُ كَفِّي إلَيْكُمْ فَادْفَعُوا عَنِّي الْخُطُوبَا أَنَا الْغَدَّارُ كَمْ عَاهَدْتُ عَهْدًا وَكُنْتُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ كَذُوبَا أَنَا الْمَهْجُورُ هَلْ لِي مِنْ شَفِيعٍ يُكَلِّمُ فِي الْوِصَالِ لِي الْحَبِيبَا أَنَا الْمَقْطُوعُ فَارْحَمْنِي وَصِلْنِي وَيَسِّرْ مِنْكَ لِي فَرَجًا قَرِيبَا أَنَا الْمُضْطَرُّ أَرْجُو مِنْكَ عَفْوًا وَمَنْ يَرْجُو رِضَاكَ فَلَنْ يَخِيبَا فَيَا أَسَفَى عَلَى عُمُرٍ تَقَضَّى وَلَمْ أَكْسِبْ بِهِ إلَّا الذُّنُوبَا وَأَحْذَرُ أَنْ يُعَاجِلَنِي مَمَاتٌ يُحَيِّرُ هَوْلُ مَصْرَعِهِ اللَّبِيبَا وَيَا حُزْنَاهُ مِنْ نَشْرِي وَحَشْرِي بِيَوْمٍ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبَا تَفَطَّرَتْ السَّمَاءُ بِهِ وَمَارَتْ وَأَصْبَحَتْ الْجِبَالُ بِهِ كَثِيبَا إذَا مَا قُمْتُ حَيْرَانًا ظَمِيئَا حَسِيرَ الطَّرْفِ عُرْيَانًا سَلِيبَا وَيَا خَجَلَاهُ مِنْ قُبْحِ اكْتِسَابِي إذَا مَا أَبْدَتْ الصُّحُفُ الْعُيُوبَا وَذِلَّةِ مَوْقِفٍ وَحِسَابِ عَدْلٍ
أَكُونُ بِهِ عَلَى نَفْسِي حَسِيبَا وَيَا حَذَرَاهُ مِنْ نَارٍ تَلَظَّى إذَا زَفَرَتْ وَأَقْلَقَتْ الْقُلُوبَا تَكَادُ إذَا بَدَتْ تَنْشَقُّ غَيْظًا عَلَى مَنْ كَانَ ظَلَّامًا مُرِيبَا فَيَا مَنْ مَدَّ فِي كَسْبِ الْخَطَايَا خُطَاهُ أَمَا أَنَى لَكَ أَنْ تَتُوبَا أَلَا فَاقْلِعْ وَتُبْ وَاجْهَدْ فَإِنَّا رَأَيْنَا كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبَا وَأَقْبِلْ صَادِقًا فِي الْعَزْمِ وَاقْصِدْ جَنَابًا نَاضِرًا عَطِرًا رَحِيبَا وَكُنْ لِلصَّالِحِينَ أَخًا وَخِلًّا وَكُنْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا غَرِيبَا وَكُنْ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ جَبَانًا وَكُنْ فِي الْخَيْرِ مِقْدَامًا نَجِيبَا وَلَاحِظْ زِينَةَ الدُّنْيَا بِبُغْضٍ تَكُنْ عَبْدًا إلَى الْمَوْلَى حَبِيبَا فَمَنْ يَخْبُرْ زَخَارِفَهَا يَجِدْهَا مُخَالِبَةً لِطَالِبِهَا خَلُوبَا وَغُضَّ عَنْ الْمَحَارِمِ مِنْك طَرْفًا طَمُوحًا يَفْتِنُ الرَّجُلَ الْأَرِيبَا فَخَائِنَةُ الْعُيُونِ كَأُسْدِ غَابٍ إذَا مَا أُهْمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبَا وَمَنْ يَغْضُضْ فُضُولَ الطَّرْفِ عَنْهَا يَجِدْ فِي قَلْبِهِ رَوْحًا وَطِيبَا وَلَا تُطْلِقْ لِسَانَكَ فِي كَلَامٍ يَجُرُّ عَلَيْكَ أَحْقَادًا وَحُوبَا وَلَا يَبْرَحْ لِسَانُكَ كُلَّ وَقْتٍ بِذِكْرِ اللَّهِ رَيَّانًا رَطِيبَا وَصَلِّ إذَا الدُّجَى أَرْخَى سُدُولًا وَلَا تَضْجَرْ بِهِ وَتَكُنْ هَيُوبَا تَجِدْ أُنْسًا إذَا أُوعِيتَ قَبْرًا وَفَارَقْتَ الْمُعَاشِرَ وَالنَّسِيبَا وَصُمْ مَا اسْتَطَعْت تَجِدْهُ رِيًّا إذَا مَا قُمْتَ ظَمْآنًا سَغِيبَا وَكُنْ مُتَصَدِّقًا سِرًّا وَجَهْرًا وَلَا تَبْخَلْ وَكُنْ سَمْحًا وَهُوبَا تَجِدْ مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ ظِلًّا إذَا مَا اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْكُرُوبَا وَكُنْ حَسَنَ السَّجَايَا ذَا حَيَاءٍ طَلِيقَ الْوَجْهِ لَا شَكِسًا غَضُوبَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : رَجُلٌ شَكِسٌ أَيْ صَعْبُ الْخُلُقِ ، وَقَوْمٌ شُكْسٌ مِثَالُ رَجُلِ صَدُقٍ وَقَدْ شَكِسَ بِالْكَسْرِ شَكَاسَةً وَحَكَى الْفَرَّاءُ رَجُلٌ شَكِسٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ الصَّرْصَرِيُّ أَيْضًا : وُصُولًا لِلْخَلِيلِ إذَا تَجَافَى عَسَاهُ بِحُسْنِ عَطْفِك أَنْ يَئُوبَا حَفِيظًا لِلْوِدَادِ بِظَهْرِ غَيْبٍ فَإِنَّ الْحُرَّ مَنْ حَفِظَ الْمَغِيبَا وَلَا تَمْزَحْ وَكُنْ رَجُلًا وَقُورًا كَثِيرَ الصَّمْتِ
مُتَّقِيًا أَدِيبَا وَلَا تَحْسُدْ وَلَا تَحْقِدْ وَطَهِّرْ لِسَانَك أَنْ يَنِمَّ وَأَنْ يَغِيبَا فَإِنَّك إنْ نَهَضْت لِفِعْلِ هَذَا حَلَلْت مِنْ التُّقَى رَبْعًا خَصِيبَا وَلَهُ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : دَعْ الدُّنْيَا لِطَالِبِهَا لِتَسْلَمَ مِنْ مَعَاطِبِهَا وَلَا يَغْرُرْك عَاجِلُهَا وَفَكِّرْ فِي عَوَاقِبِهَا فَإِنَّ سِهَامَ آفَتِهَا مَشُوبٌ فِي أَطَايِبِهَا وَإِنَّ بَرِيقَ دِرْهَمِهَا لَأَفْتَكُ مِنْ عَقَارِبِهَا وَكُنْ مُتَدَرِّعَ التَّقْوَى تُحَصَّنْ مِنْ قَوَاضِبِهَا فَإِنَّ سِهَامَ فِتْنَتِهَا لَتَرْشُقُ مِنْ جَوَانِبِهَا تُبِيحُكَ فِي مَحَاسِنِهَا لِتَذْهَلَ عَنْ مَعَايِبِهَا فَتُبْدِي لِينَهَا خَدْعَا لِتَنْشَبَ فِي مَخَالِبِهَا فَكُنْ مِنْ أُسْدِهَا لَيْثًا وَلَا تَكُ مِنْ ثَعَالِبِهَا فَإِنَّك إنْ سَلِمْت بِهَا فَإِنَّك مِنْ عَجَائِبِهَا وَجَانِبْهَا فَإِنَّ الْبِرَّ يَدْنُو مِنْ مُجَانِبِهَا وَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّك مِنْ مَطَالِبِهَا فَكَمْ مِنْ صَاحِبٍ صَحِبَتْ وَلَمْ تَنْصَحْ لِصَاحِبِهَا وَصَادَقَهَا لِيَنْهَبَهَا فَأَصْبَحَ مِنْ مَنَاهِبِهَا فَلَا تَطْمَعْ مِنْ الدُّنْيَا بِصَافٍ فِي شَوَائِبِهَا فَإِنَّ مَجَامِعَ الْأَكْدَارِ صُبَّتْ فِي مَشَارِبِهَا وَكُنْ رَجُلًا مُنِيبَ الْقَلْبِ تَسْلَمْ مِنْ نَوَائِبِهَا وَسَلْ رَبَّ الْعِبَادِ الْعَوْنَ مِنْهُ عَلَى مَصَائِبِهَا وَلَهُ أَيْضًا - رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - : يَا قَسْوَةَ الْقَلْبِ مَا لِي حِيلَةٌ فِيكِ مَلَكْتِ قَلْبِي فَأَضْحَى شَرَّ مَمْلُوكِ حَجَبْتِ عَنِّي إفَادَاتِ الْخُشُوعِ فَلَا يَشْفِيك ذِكْرٌ وَلَا وَعْظٌ يُدَاوِيك وَمَا تَمَادِيكِ مِنْ كَنْفِ الذُّنُوبِ وَلَ كِنَّ الذُّنُوبَ أَرَاهَا مِنْ تَمَادِيكِ لَكِنْ تَمَادِيكِ مِنْ أَصْلٍ نَشَأْتِ بِهِ طَعَامُ سُوءٍ عَلَى ضَعْفٍ يُقَوِّيكِ وَأَنْتِ يَا نَفْسُ مَأْوَى كُلِّ مُعْضِلَةٍ وَكُلُّ دَاءٍ بِقَلْبِي مِنْ عَوَادِيك أَنْتِ الطَّلِيعَةُ لِلشَّيْطَانِ فِي جَسَدِي فَلَيْسَ يَدْخُلُ إلَّا مِنْ نَوَاحِيكِ لَمَّا فَسَحْتِ بِتَوْفِيرِ الْحُظُوظِ لَهُ أَضْحَى مَعَ الدَّمِ يَجْرِي فِي مَجَارِيك وَالَيْتِهِ بِقَبُولِ الزُّورِ مِنْكِ فَلَنْ يُوَالِيَ اللَّهُ إلَّا مَنْ يُعَادِيكِ مَا زِلْتِ فِي أَسْرِهِ
تَهْوِينَ مُوثَقَةً حَتَّى تَلِفْت فَأَعْيَانِي
تَلَافِيك يَا نَفْسُ تُوبِي إلَى الرَّحْمَنِ مُخْلِصَةً ثُمَّ
اسْتَقِيمِي عَلَى عَزْمٍ يُنَجِّيكِ وَاسْتَدْرِكِي فَارِطَ الْأَوْقَاتِ
وَاجْتَهِدِي عَسَاك بِالصِّدْقِ أَنْ تُمْحَى مَسَاوِيكِ وَاسْعَيْ إلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى مُسَارِعَةً فَرُبَّمَا شُكِرَتْ يَوْمًا مَسَاعِيك
وَلَنْ تَتِمَّ لَك الْأَعْمَالُ صَالِحَةً إلَّا بِتَرْكِك شَيْئًا شَرَّ
مَتْرُوكِ حُبُّ التَّكَاثُرِ فِي الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا فَهِيَ الَّتِي
عَنْ طِلَابِ الْخَيْرِ تُلْهِيك لَا تُكْثِرِي الْحِرْصَ فِي
تَطْلَابِهَا فَلَكَمْ دَمٍ لَهَا بِسُيُوفِ الْحِرْصِ مَسْفُوكِ بَلْ
اقْنَعِي بِكَفَافِ الرِّزْقِ رَاضِيَةً فَكُلَّمَا جَازَ مَا يَكْفِيك
يُطْغِيك ثُمَّ اُذْكُرِي غُصَصَ الْمَوْتِ الْفَظِيعِ تَهُنْ عَلَيْك
أَكْدَارُ دُنْيَا لَا تُصَافِيكِ وَظُلْمَةَ الْقَبْرِ لَا تَخْشَيْ
وَوَحْشَتَهُ عِنْدَ انْفِرَادِك عَنْ خِلٍّ يُوَالِيك وَالصَّالِحَاتِ
لِيَوْمِ الْفَاقَةِ ادَّخِرِي فِي مَوْقِفٍ لَيْسَ فِيهِ مَنْ يُوَاسِيك
وَأَحْسِنِي الظَّنَّ بِالرَّحْمَنِ مُسْلِمَةً فَحُسْنُ ظَنِّك
بِالرَّحْمَنِ يَكْفِيك .
وَلَهُ أَيْضًا فِي مُجَانَسَاتٍ : إنْ كَانَ
ذُلُّ مُحِبٍّ جَالِبًا فَرَحَا فَهَا مُحِبُّكُمْ الْخَدَّيْنِ قَدْ
فَرَشَا أَوْ كَانَ يَنْفَعُهُ بَذْلُ الرُّشَى لَسَخَا بِنَفْسِهِ فِي
هَوَاكُمْ بَاذِلًا فُرُشًا يَا مَنْ يَزِينُ ثِيَابَ الْوَشْيِ
حُسْنُهُمْ مَا لَمْ تَزِنْهُ يَدُ الْوَشَّاءِ حِينَ وَشَى وَمَنْ
يُقَالُ مُحَالٌ فِي مَحَبَّتِهِمْ لَا تَسْمَعُوا قَوْلَ وَاشٍ
بِالْمُحَالِ وَشَى وَلَهُ أَيْضًا يُثْنِي عَلَى اللَّهِ وَيَذْكُرُ :
يَا مَنْ لَهُ الْفَضْلُ مَحْضًا فِي بَرِيَّتِهِ وَهُوَ الْمُؤَمَّلُ فِي
الْبَأْسَاءِ وَالْبَاسِ عَوَّدْتَنِي عَادَةً أَنْتَ الْكَفِيلُ بِهَا
فَلَا تَكِلْنِي إلَى خَلْقٍ مِنْ النَّاسِ وَلَا تُذِلَّ لَهُمْ مِنْ
بَعْدِ عِزَّتِهِ وَجْهِي الْمَصُونَ وَلَا تَخْفِضْ لَهُمْ رَاسِي
وَابْعَثْ عَلَى يَدِ مَنْ تَرْضَاهُ مِنْ بَشَرٍ رِزْقِي وَصُنِّي
عَمَّنْ قَلْبُهُ قَاسِي فَإِنَّ حَبْلَ رَجَائِي فِيكَ مُتَّصِلٌ
بِحُسْنِ صُنْعِكَ مَقْطُوعٌ عَنْ النَّاسِ وَلَهُ أَيْضًا وَهِيَ مِنْ
الْحِكَمِ : إذَا انْقَطَعَتْ أَطْمَاعُ عَبْدٍ عَنْ الْوَرَى
تَعَلَّقَ
بِالرَّبِّ الْكَرِيمِ رَجَاؤُهُ فَأَصْبَحَ حُرًّا عِزَّةً وَقَنَاعَةً
عَلَى وَجْهِهِ أَنْوَارُهُ وَضِيَاؤُهُ وَإِنْ عَلِقَتْ بِالْخَلْقِ
أَطْمَاعُ نَفْسِهِ تَبَاعَدَ مَا يَرْجُو وَطَالَ عَنَاؤُهُ فَلَا تَرْجُ
إلَّا اللَّهَ لِلْخَطْبِ وَحْدَهُ وَلَوْ صَحَّ فِي خِلِّ الصَّفَاءِ
صَفَاؤُهُ وَلَهُ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لَا تَلْقَ
حَادِثَةً بِوَجْهٍ عَابِسٍ وَاثْبُتْ وَكُنْ فِي الصَّبْرِ خَيْرَ
مُنَافِسِ فَلَطَالَمَا قَطَفَ اللَّبِيبُ بِصَبْرِهِ ثَمَرَ الْمُنَى
وَانْجَابَ ضُرُّ الْبَائِسِ وَعَلَيْك بِالتَّقْوَى وَكُنْ مُتَدَرِّعًا
بِلِبَاسِهَا فَلَنِعْمَ دِرْعُ اللَّابِسِ وَتَتَبَّعْ السُّنَنَ
الْمُنِيرَةَ وَاطَّرِحْ مُتَجَنِّبًا إفْكَ الْغَوِيِّ الْيَائِسِ
وَاغْرِسْ أُصُولَ الْبِرِّ تَجْنِ ثِمَارَهَا فَالْبِرُّ أَزْكَى
مَنْبِتًا لِلْغَارِسِ وَاطْلُبْ نَفِيسَ الْعِلْمِ تَسْتَأْنِسْ بِهِ
فَالْعِلْمُ لِلطُّلَّابِ خَيْرُ مُؤَانِسِ لَا تُكْثِرَنَّ الْخَوْضَ فِي
الدُّنْيَا وَكُنْ فِي الْعِلْمِ أَحْرَصَ مُسْتَفِيدٍ قَابِسِ فَالْمَالُ
يَحْرُسُهُ الْفَتَى حَيْثُ التَّوَى وَالْعِلْمُ لِلْإِنْسَانِ أَحْفَظُ
حَارِسِ وَإِذَا شَهِدْت مَعَ الْجَمَاعَةِ مَجْلِسًا يَوْمًا فَكُنْ
لِلْقَوْمِ خَيْرَ مُجَالِسِ أَلِنِ الْكَلَامَ لَهُمْ وَصُنْ
أَسْرَارَهُمْ وَذَرْ الْمِزَاحَ وَلَا تَكُنْ بِالْعَابِسِ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَزْحُ الدُّعَابَةُ وَقَدْ مَزَحَ يَمْزَحُ
وَالِاسْمُ الْمُزَاحُ بِالضَّمِّ وَالْمُزَاحَةُ أَيْضًا .
وَأَمَّا الْمِزَاحُ فَهُوَ مَصْدَرُ مَازَحَهُ وَهُمَا يَتَمَازَحَانِ .
وَلِلصَّرْصَرِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا مُجَانَسَاتٌ : اصْحَبْ مِنْ النَّاسِ
مَنْ صُدُورُهُمْ طَاهِرَةٌ لَا تُكِنَّ أَوْغَارَا أَنْوَارُهُمْ فِي
الظَّلَامِ مُشْرِقَةٌ إنْ لَاحَ نَجْمُ السَّمَاءِ أَوْ غَارَا
أَكُفُّهُمْ بِالنَّوَالِ مُطْلَقَةٌ إنْ فَاضَ مَاءُ الْعُيُونِ أَوْ
غَارَا عِرْضُهُمْ طَيِّبُ الثَّنَاءِ فَلَا مِسْكَ يُضَاهَى بِهِ وَلَا
غَارَا فَاهْرَبْ مِنْ النَّاسِ مَا اسْتَطَعْت وَلَوْ سَكَنْت مِنْ
خَوْفِ شَرِّهِمْ غَارَا وَلَا تُطِلْ ذِكْرَ غَادِرٍ مَلِقٍ إنْ جَدَّ
فِي الْبُعْدِ عَنْك أَوْ غَارَا وَالْخِلَّ صُنْ عِرْضَهُ فَنِعْمَ فَتًى
حُرٍّ عَلَى عِرْضِ
خِلِّهِ غَارَا وَصِلْهُ فِي فَقْرِهِ كَذِي
رَحِمٍ فَأَكْرَمُ الْوَاصِلِينَ مَنْ غَارَا وَلَهُ أَيْضًا رَحِمَهُ
اللَّهُ تَعَالَى : إذَا الْفَتَى لَمْ يَكُنْ بِالْفِقْهِ مُشْتَغِلًا
وَلَا الْحَدِيثِ وَلَا يَتْلُو الْكِتَابَ لَغَا وَكُلُّ مَنْ أَهْمَلَ
التَّقْوَى فَلَيْسَ لَهُ مِنْ حُرْمَةٍ بَالِغًا فِي الْعِلْمِ مَا
بَلَغَا وَلَيْسَ يَجْنِي مِنْ الْعِلْمِ الثِّمَارَ سِوَى مَنْ أَصْلُهُ
فِي بَسَاتِينِ التُّقَى نَبَغَا وَكُلُّ خِلٍّ صَفَا يَوْمٌ وَلِيتَ لَهُ
يَبْغِي الصَّفَاءَ وَلَمْ يُعْطِ اللِّيَانَ بَغَا وَلَهُ أَيْضًا فِي
آدَابِ الْقِرَاءَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَدَبَّرْ كِتَابَ
اللَّهِ يَنْفَعْك وَعْظُهُ فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَبْلَغُ وَاعِظِ
وَبِالْعَيْنِ ثُمَّ الْقَلْبِ لَاحِظْهُ وَاعْتَبِرْ مَعَانِيَهُ فَهْوَ
الْهُدَى لِلْمُلَاحِظِ وَأَنْتَ إذَا أَتْقَنْت حِفْظَ حُرُوفِهِ فَكُنْ
لِحُدُودِ اللَّهِ أَقْوَمَ حَافِظِ وَلَا يَنْفَعُ التَّجْوِيدُ لَافِظَ
حُكْمِهِ وَإِنْ كَانَ بِالْقُرْآنِ أَفْصَحَ لَافِظِ وَيُعْرَفُ
أَهْلُوهُ بِإِحْيَاءِ لَيْلِهِمْ وَصَوْمِ هَجِيرٍ لَاعِجِ الْحَرِّ
قَائِظِ وَغَضِّهِمْ الْأَبْصَارَ عَنْ مَأْثَمٍ يَجُرُّ بِتَحْرِيرِ
الْعُيُونِ اللَّوَاحِظِ وَكَظْمِهِمُو لِلْغَيْظِ عِنْدَ اسْتِعَارِهِ
إذَا عَزَّ بَيْنَ النَّاسِ كَظْمُ الْمُغَايِظِ وَأَخْلَاقُهُمْ
مَحْمُودَةٌ إنْ خَبَرْتهَا فَلَيْسَتْ بِأَخْلَاقٍ فِظَاظٍ غَلَائِظِ
تَحَلَّوْا بِآدَابِ الْكِتَابِ وَأَحْسَنُوا الـ تَفَكُّرَ فِي
أَمْثَالِهِ وَالْمَوَاعِظِ فَفَاضَتْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ
نُفُوسُهُمْ سَلَامٌ عَلَى تِلْكَ النُّفُوسِ الْفَوَائِظِ قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ فِي بَابِ مَنْثُورِ الْحِكَمِ وَالْأَمْثَالِ ،
مُنْتَهِجًا مِنْ نَتَائِجِ عُقُولِ الرِّجَالِ رَأْسُ الدِّينِ صِحَّةُ
الْيَقِينِ ، امْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ
قَبِيحَةً ، الْأَحْمَقُ لَا يُبَالِي مَا قَالَ ، وَالْعَاقِلُ
يَتَعَاهَدُ الْمَقَالَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُجْبُ تَرَكَ
الْمَشُورَةَ فَهَلَكَ ، جَانِبْ مَوَدَّةَ الْحَسُودِ ، وَإِنْ زَعَمَ
أَنَّهُ وَدُودٌ .
إذَا جَهِلَ عَلَيْك الْأَحْمَقُ ، فَالْبَسْ لَهُ لِبَاسَ الرِّفْقِ مَنْ طَلَبَ إلَى لَئِيمٍ حَاجَةً ، فَهُوَ كَمَنْ
طَلَبَ صَيْدَ السَّمَكِ فِي الْمَفَازَةِ إذَا صَادَقْت الْوَزِيرَ ، فَلَا تَخَفْ الْأَمِيرَ .
لَا تَثِقْ بِالْأَمِيرِ ، إذَا خَانَك الْوَزِيرُ مَنْ كَانَ السُّلْطَانُ يَطْلُبُهُ ، ضَاقَ عَلَيْهِ بَلَدُهُ .
صَدِيقِي دِرْهَمِي ، إذَا سَرَّحْته فَرَّجَ هَمِّي وَقَضَى حَاجَتِي .
مَنْ جَالَسَ عَدُوَّهُ فَلْيَحْتَرِسْ مِنْ مَنْطِقِهِ .
مَنْ قَلَّ خَيْرُهُ عَلَى أَهْلِهِ فَلَا تَرْجُ خَيْرَهُ .
عَنَاءٌ فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ خَسَارَةٌ حَاضِرَةٌ .
مَنْ أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ اسْتَحَقَّ الْحِرْمَانَ .
صُحْبَةُ الْفَاسِقِ شَيْنٌ ، وَصُحْبَةُ الْفَاضِلِ زَيْنٌ ، الْكَرِيمُ يُوَاسِي إخْوَانَهُ فِي دَوْلَتِهِ .
مَنْ
مَشَى فِي دِيوَانِ أَمَلِهِ عَثَرَ فِي عَنَانِ أَجَلِهِ ، مَنْ
أَحَبَّكَ نَهَاكَ ، وَمَنْ أَبْغَضَك أَغْرَاكَ مَنْ اسْتَهْوَتْهُ
الْخَمْرُ وَالنِّسَاءُ ، أَسْرَعَ إلَيْهِ الْبَلَاءُ مَنْ نَسِيَ
إخْوَانَهُ فِي الْوِلَايَةِ ، أَسْلَمُوهُ فِي الْعَزْلِ وَالشِّدَّةِ
مَنْ لَمْ يَقْنَعْ بِرِزْقِهِ عَذَّبَ نَفْسَهُ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى
السُّلْطَانِ تَعَرَّضَ لِلْهَوَانِ ، إذَا لَمْ يُوَاتِك الْبَازِي فِي
صَيْدِهِ فَانْتِفْ رِيشَهُ مَنْ مَدَحَك بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْك سِرًّا
، ذَمَّك بِمَا يَعْلَمُ مِنْك جَهْرًا أَسْلِمْ لِسَانَك ، يَسْلَمْ
جَنَانُك ، إنْ قَدَرْت أَنْ لَا تُسْمِعَ أُذُنَك شَرَّك فَافْعَلْ ،
لِقَاءُ الْأَحِبَّةِ مَسْلَاةٌ لِلْهُمُومِ ، قَلِيلٌ مُهَنِّي خَيْرٌ
مِنْ كَثِيرٍ مُكَدِّرٍ كَلْبٌ سَاخِرٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ غَادِرٍ
رَوْضَةُ الْعِلْمِ أَزْيَنُ مِنْ رَوْضَةِ الرَّيَاحِينِ ، الْحَسُودُ
مُغْتَاظٌ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْعَفِيفَةُ
الْمُوَاتِيَةُ جَنَّةُ الدُّنْيَا .
وَمِنْ كَلَامِ أَكْثَمَ بْنِ
صَيْفِي : " مِنْ مَأْمَنِهِ يُؤْتَى الْحَذَرُ " " مَنْ جَهِلَ شَيْئًا
عَادَاهُ ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا اسْتَعْبَدَهُ " .
" وَيْلُ عَالِمٍ مِنْ امْرِئٍ جَاهِلٍ " .
" إنْ قَدَرْت أَنْ تُرِيَ عَدُوَّكَ أَنَّك صَدِيقُهُ فَافْعَلْ " .
" سُوقِيٌّ نَفِيسٌ خَيْرٌ مِنْ قُرَشِيٍّ خَسِيسٍ " .
" الْعَقْلُ كَالزُّجَاجِ إنْ تَصَدَّعْ لَمْ يُرَقَّعْ " .
" جَاءَ الْقَدَرُ عَمِيَ الْبَصَرُ " .
" الثَّقِيلُ عَذَابٌ وَبِيلٌ " "
لَا يَضُرُّ السَّحَابَ نُبَاحُ الْكِلَابِ " .
" مَنْ تَرَدَّى بِثَوْبِ السَّخَا غَابَ عَنْ النَّاسِ عَيْبُهُ وَاخْتَفَى " .
قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : قِيلَ لأَرِسْطَاطَاليس مَا الْفَلْسَفَةُ قَالَ
فَقْرٌ وَصَبْرٌ ، وَعَفَافٌ وَكَفَافٌ ، وَهِمَّةٌ وَفِكْرَةٌ قِيلَ
لِسُقْرَاطَ بِمَ فَضَلْت أَهْلَ زَمَانِك ؟ قَالَ : لِأَنَّ غَرَضِي فِي
الْأَكْلِ الْإِحْيَاءُ ، وَغَرَضُهُمْ فِي الْحَيَاةِ لِيَأْكُلُوا قِيلَ
لِجَالِينُوسَ بِمَ فُقْتَ أَصْحَابَك فِي عِلْمِ الطِّبِّ قَالَ :
لِأَنِّي أَنْفَقْت فِي زَيْتِ السِّرَاجِ لِدَرْسِ الْكُتُبِ مِثْلَ مَا
أَنْفَقُوا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ .
قِيلَ لِرَجُلٍ مِنْ الْحُكَمَاءِ لِمَنْ أَنْتَ أَرْحَمُ قَالَ : لِعَالِمٍ جَارَ عَلَيْهِ جَاهِلٌ .
قِيلَ : لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ مَتَى أَثَّرَتْ فِيكَ الْحِكْمَةُ قَالَ : مُذْ بَدَا لِي عَيْبُ نَفْسِي .
يُرْوَى
عَنْ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ أَمْرٌ لَا تَعْلَمُ
مَتَى يَغْشَاكَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَسْتَعِدَّ لَهُ قَبْلَ أَنْ
يَفْجَأَكَ .
وَقَالَ غَيْرُهُ نِعْمَ الصَّاحِبُ ، وَالْجَلِيسُ
كِتَابٌ تَلْهُو بِهِ إنْ خَانَكَ الْأَصْحَابُ لَا مُفْشِيًا عِنْدَ
الْقَطِيعَةِ سِرَّهُ وَتُنَالُ مِنْهُ حِكْمَةٌ وَصَوَابُ وَقَالَ آخَرُ
: لَنَا جُلَسَاءُ مَا نَمَلُّ حَدِيثَهُمْ أَلِبَّاءُ مَأْمُونُونَ
غَيْبًا وَمَشْهَدَا يُفِيدُونَنَا مِنْهُمْ طَرَائِفَ حِكْمَةٍ وَلَا
نَتَّقِي مِنْهُمْ لِسَانًا وَلَا يَدَا وَقَالَ آخَرُ : مَا تَطَمَّعْت
لَذَّةَ الْعَيْشِ حَتَّى صِرْت فِي الْبَيْتِ لِلْكِتَابِ جَلِيسَا
إنَّمَا الذُّلُّ فِي مُخَالَطَةِ النَّاس سِ فَدَعْهُمْ تَعِشْ عَزِيزًا
رَئِيسَا وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كَيْفَ لَا
تَسْتَوْحِشُ فِي مَكَانِكَ وَحْدَكَ ؟ فَقَالَ كَيْفَ يَسْتَوْحِشُ مَنْ
هُوَ مُجَالِسٌ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالصَّحَابَةِ
وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَعْنِي : الْكُتُبَ الَّتِي
فِيهَا الْأَخْبَارُ ، وَالسِّيَرُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
ذَكَرَهُ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا فِي مَجَالِسِهِ .
وَرَوَى
الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَكَانَ كَثِيرَ
الْجُلُوسِ فِي دَارِهِ ، فَقِيلَ أَلَا تَسْتَوْحِشُ ؟ فَقَالَ كَيْفَ
أَسْتَوْحِشُ
وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ
وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ : دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ
عَبْدُ السَّاتِرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ السَّاتِرِ الْعَدْلُ
بِتَنِيسَ وَأَنَا جَالِسٌ وَحْدِي أَكْتُبُ وَقَدْ أَغْلَقْت بَابَ
الْبَيْتِ فَقَالَ دَخَلْت عَلَى الشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ السِّجْزِيِّ
الْحَافِظِ وَهُوَ وَحْدَهُ فَقُلْت لَهُ أَيُّهَا الشَّيْخُ أَنْتَ
جَالِسٌ وَحْدَكَ ؟ فَقَالَ لَسْت وَحْدِي أَنَا بَيْنَ عِشْرِينَ أَلْفًا
مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
أَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ وَأَحْكِي عَنْهُمْ .
قَالَ ابْنُ طَاهِرٍ :
سَمِعْت الْإِمَامَ سَعْدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ : لَمَّا تُوُفِّيَ
الشَّيْخُ أَبُو النَّصْرِ السِّجْزِيُّ الْحَافِظُ وَصَّانِي أَنْ
أَبْعَثَ بِكُتُبِهِ إلَى مِصْرَ إلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْحَبَّالِ
أَوْصَى لَهُ بِهَا .
فَصْلٌ : ( فِي وَصَايَا وَمَوَاعِظَ
وَأَحَادِيثِ كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ ) وَأَقْبِلْ عَلَى مَنْ يُقْبِلُ
عَلَيْكَ ، وَارْفَعْ مَنْزِلَةَ مَنْ عَظُمَ لَدَيْكَ ، وَأَنْصِفْ
حَيْثُ يَجِبُ الْإِنْصَافُ ، وَاسْتَعِفَّ حَيْثُ يَجِبُ الِاسْتِعْفَافُ
، وَلَا تُسْرِفْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْإِسْرَافَ ، وَإِنْ
رَأَيْت نَفْسَكَ مُقْبِلَةً عَلَى الْخَيْرِ فَاشْكُرْ ، وَإِنْ
رَأَيْتهَا مُدْبِرَةً عَنْهُ فَازْجُرْ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا : هَلْ تَنْتَظِرُونَ
إلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا
، أَوْ هَرَمًا مُفْنِدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ، أَوْ الدَّجَّالَ
وَالدَّجَّالُ شَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ ، وَالسَّاعَةُ
أَدْهَى وَأَمَرُّ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَإِنْ
بُلِيت بِضُرٍّ فَاصْبِرْ وَإِنْ جَنَيْت فَاسْتَغْفِرْ ، وَإِنْ هَفَوْت
فَاعْتَذِرْ ، وَإِنْ ذُكِّرْت بِاَللَّهِ فَاذْكُرْ ، وَإِذَا قُمْت مِنْ
مَجْلِسِك فَقُلْ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا
أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك ، فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك مَا
كَانَ فِي مَجْلِسِك .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ {
مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ يَكْثُرُ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ
يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَاكَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ،
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك ،
إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَاكَ } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ .
ثنا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ ثنا
الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : فِي الْبَابِ عَنْ
أَبِي بَرْزَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهَذَا حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ
سُهَيْلٍ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَمُوسَى ثِقَةٌ مُحْتَجٌّ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالتَّدْلِيسِ .
وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ .
وَقَدْ
قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي تَارِيخِهِ ثنا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ سَمِعْت أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ حَمْدُونٍ الْقَصَّارَ
يَقُولُ سَمِعْت مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَجَاءَ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ
إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ فَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ دَعْنِي
حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ ، وَسَيِّدَ
الْمُحَدِّثِينَ ، وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ
سَلَّامٍ ثنا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانِيُّ أَنْبَأَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ فَمَا عِلَّتُهُ ؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ
إسْمَاعِيلَ هَذَا حَدِيثٌ مَلِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فِي الدُّنْيَا غَيْرَ
هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ ثنا مُوسَى
بْنُ إسْمَاعِيلَ ثنا وُهَيْبٌ ثنا سُهَيْلٌ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يُذْكَرُ لِمُوسَى
بْنِ إسْمَاعِيلَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ .
وَأَوْرَدَ هَذِهِ
الْحِكَايَةَ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ لَا
يُبْغِضُكَ إلَّا حَاسِدٌ ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا
مِثْلُك ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ
مِنْ الْمَجْلِسِ وَقَالَ { ذَلِكَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي
الْمَجْلِسِ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ
حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ هُوَ الرُّمَّانِيُّ
الْوَاسِطِيُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ مَرْفُوعًا .
وَرَوَى الْحَاكِمُ
حَدِيثَ رَافِعٍ ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثٍ وَالنَّسَائِيُّ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَلَسَ مَجْلِسًا أَوْ صَلَّى تَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ
فَسَأَلَتْهُ عَائِشَةُ عَنْ الْكَلِمَاتِ فَقَالَ { إنْ تَكَلَّمَ
بِخَيْرٍ كَانَ طَابِعًا عَلَيْهِنَّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنْ
تَكَلَّمَ بِشَرٍّ كَانَ
كَفَّارَةً لَهُ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك } .
وَعَنْ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ الْكَلِمَاتُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ
فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَّا كُفِّرَ بِهِنَّ
عَنْهُ ، وَلَا يَقُولُهُنَّ فِي مَجْلِسِ خَيْرٍ ، وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ
إلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ عَلَيْهِ كَمَا يُخْتَمُ عَلَى الصَّحِيفَةِ ،
سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ
أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْك .
إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد ، ثُمَّ قَالَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ :
قَالَ عَمْرٌو : وَحَدَّثَنِي بِنَحْوِ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَوَى
عَنْهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ لِلْأَئِمَّةِ كَلَامًا .
وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ : ثنا يُونُسُ ثنا لَيْثٌ يَعْنِي :
ابْنَ يَزِيدَ بْنَ أَبِي الْهَادِي عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ { مَا مِنْ
إنْسَانٍ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ فَيَقُولُ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ
سُبْحَانَك اللَّهُمَّ رَبِّي ، وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ
أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك } قَالَ فَحَدَّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ
يَزِيدَ بْنَ خُصَيْفَةَ فَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَنِي السَّائِبُ بْنُ
يَزِيدَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ عَنْ أَبِي الزِّنْبَاعِ رَوْحِ بْنِ
الْفَرَجِ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ هَذَا إسْنَادٌ
صَحِيحٌ .
قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مِرَارًا
يَقُولُ إذَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ : سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك
حَتَّى أَرَى شَفَتَيْهِ تُحَرِّكَانِ فَلَا أَفْهَمُ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ
كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ .
وَرَوَى أَبُو صَالِحٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَ
{ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَاحْتَجَّ
أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ بِمَا رَوَاهُ هُوَ
وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ النَّبِيِّ
أَنَّهُ قَالَ : كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ أَنْ لَا يَقُومَ أَحَدٌ حَتَّى
يَقُولَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ تُبْ
عَلَيَّ وَاغْفِرْ لِي { يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ كَانَ
مَجْلِسَ لَغَطٍ كَانَتْ كَفَّارَةً لَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَجْلِسَ ذِكْرٍ
كَانَتْ طَابَعًا عَلَيْهِ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ
فِيهِ إلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ عَلَيْهِمْ
حَسْرَةً } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَيْضًا مَرْفُوعًا { مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ
يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إلَّا
كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ
لَهُمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ
وَلَيْسَ عِنْدَهُ { فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ } وَلِأَبِي دَاوُد { مَا
مَشَى قَوْمٌ مَمْشًى لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إلَّا كَانَ
عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ تِرَةً } وَتَقَدَّمَ هَذَا الْخَبَرُ فِي آدَابِ
النَّوْمِ .
رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ
الْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } الطُّورَ .
مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَأَبُو
الْأَحْوَصِ وَيَحْيَى بْنُ جَعْدَةَ وَعَطَاءٌ قَالُوا حِينَ تَقُومُ
مِنْ مَجْلِسٍ تَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أَسْتَغْفِرُك ،
وَأَتُوبُ إلَيْكَ ، وَقَالُوا مَنْ قَالَهَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا
كَانَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ كُنْت أَحْسَنْت ازْدَدْت
إحْسَانًا ، وَإِنْ كُنْت غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ كَفَّارَةً .
آخِرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ .