الكتاب : الآداب الشرعية
المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ
الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيّ
الشَّعْرُ حَلَقَهُ } .
وَقَدْ رَوَى مَنْصُورٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ أَطْلَى وَوَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ } كَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي النُّورَةِ فِي الْمُفْرَدَاتِ فِي فُصُولِ
الطِّبِّ .
فَصْلٌ ( فِي أَقْوَالِ
تَأْوِيلُ الرُّؤْيَا بَعْدَ خَمْسِينَ سَنَةً .
بَيْنَمَا عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَالِسٌ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِمْ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَالْتَفَتَ إلَيْهِمْ فَقَالَ :
إنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ خِصَالٍ فَأَخْبِرُونِي بِهَا : أَخْبِرُونِي عَنْ
الرَّجُلِ بَيْنَمَا هُوَ يَذْكُرُ الشَّيْءَ إذْ نَسِيَهُ ، وَعَنْ
الرَّجُلِ يُحِبُّ الرَّجُلَ وَلَمْ يَلْقَهُ وَعَنْ الرُّؤْيَتَيْنِ
إحْدَاهُمَا حَقٌّ وَالْأُخْرَى أَضْغَاثٌ ، وَعَنْ سَاعَةٍ مِنْ
اللَّيْلِ لَيْسَ أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ فِيهَا مُرَوَّعٌ وَعَنْ
الرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ مَعَ الْفَجْرِ فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَقَالَ :
وَلَا أَنْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟ فَقَالَ بَلَى وَاَللَّهِ إنَّ
عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ لَعِلْمًا : أَمَّا الرَّجُلُ بَيْنَمَا هُوَ
يَذْكُرُ الشَّيْءَ إذْ نَسِيَهُ فَإِنَّ عَلَى الْقَلْبِ طَخَاءً
كَطَخَاءِ الْقَمَرِ فَإِذَا سُرِّيَ عَنْهُ ذَكَرَ ، وَإِذَا أُعِيدَ
عَلَيْهِ نَسِيَ وَغَفَلَ .
وَأَمَّا الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ
وَلَمْ يَلْقَهُ فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ أَجْنَادٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا
تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ ،
وَأَمَّا الرُّؤْيَتَانِ إنَّ إحْدَاهُمَا حَقٌّ وَالْأُخْرَى أَضْغَاثٌ ،
فَإِنَّ فِي ابْنِ آدَمَ رُوحَيْنِ ، فَإِذَا نَامَ خَرَجَتْ رُوحٌ
فَأَتَتْ الْحَمِيمَ وَالصَّدِيقَ وَالْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ وَالْعَدُوَّ
فَمَا كَانَ مِنْهَا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ فَهِيَ الرُّؤْيَا
الصَّادِقَةُ ، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْهَوَاءِ فَهِيَ الْأَضْغَاثُ ،
وَأَمَّا الرُّوحُ الْأُخْرَى فَلِلنَّفَسِ وَالْقَلْبِ .
وَأَمَّا
السَّاعَةُ مِنْ اللَّيْلِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ
فِيهَا مُرَوَّعٌ فَإِنَّ تِلْكَ السَّاعَةَ الَّتِي يَرْتَفِعُ فِيهَا
الْبَحْرُ يَسْتَأْذِنُ فِي تَغْرِيقِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَتُحِسُّهُ
الْأَرْوَاحُ فَتَرْتَاعُ لِذَلِكَ ، وَأَمَّا الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ مَعَ
الْفَجْرِ إذَا طَلَعَ خَرَجَتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ حَرَّكَتْ
الْأَشْجَارَ فِي الْجَنَّةِ فَهِيَ الرَّائِحَةُ
الطَّيِّبَةُ خُذْهَا يَا عُمَرُ .
قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الطَّخَاءُ بِالْمَدِّ
السَّحَابُ الْمُرْتَفِعُ يُقَالُ أَيْضًا وَجَدْت عَلَى قَلْبِي طَخَاءً
وَهُوَ شِبْهُ الْكَرْبِ .
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ : مَا فِي السَّمَاءِ طُخْيَةٌ بِالضَّمِّ أَيْ شَيْءٌ مِنْ سَحَابٍ .
قَالَ
: وَهُوَ مِثْلُ الطُّحْرُورِ وَالطَّخَاءِ ، فَمَمْدُودٌ اللَّيْلَةُ
الْمُظْلِمَةُ ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ طَخْيَاءَ لَا تُفْهَمُ .
فَصْلٌ
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : أَدْخَلْت إبْرَاهِيمَ الْحُمَيْدِيَّ عَلَى أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا فَقَالَ : إنَّ أُمِّيَ رَأَتْ
لَك كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَتْ الْجَنَّةَ .
فَقَالَ : يَا أَخِي إنَّ
سَهْلَ بْنَ سَلَامَةَ كَانَ النَّاسُ يُخْبِرُونَهُ بِمِثْلِ هَذَا ،
وَخَرَجَ سَهْلٌ إلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَقَالَ : الرُّؤْيَا تَسُرُّ
الْمُؤْمِنَ وَلَا تَغُرُّهُ .
فَصْلٌ ( مَا وَرَدَ فِي الْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ وَالْمَدَّاحِينَ ) .
فِي
كَرَاهَةِ الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ مِنْ
عُجْبٍ وَنَحْوِهِ ، وَجَوَازِهِ لِمَنْ أُمِنَ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ تَحْرِيمُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ .
وَعَنْ
أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : سَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ وَيُطْرِيهِ فِي
الْمِدْحَةِ فَقَالَ : أَهْلَكْتُمْ أَوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
الْإِطْرَاءُ
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَدْحِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ : إذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ
} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ .
وَجَاءَ
فِي الْإِبَاحَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَمَا تَقَدَّمَ
يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا بَيْنَهَا ، وَاسْتَعْمَلَهُ الْمِقْدَادُ
عَلَى ظَاهِرِهِ فَحَثَى التُّرَابَ فِي الْوَجْهِ ، وَقَالَهُ بَعْضُهُمْ
: كَذَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ بِرَجُلٍ أَثْنَى عَلَيْهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَقِيلَ
أَرَادَ بِهِ الرَّدَّ وَالْخَيْبَةَ كَمَا يُقَالُ لِلطَّالِبِ
الْمَرْدُودِ وَالْخَائِبِ لَمْ يُحَصِّلْ فِي كَفِّهِ غَيْرَ التُّرَابِ .
وَقَالَ
فِي النِّهَايَةِ : وَأَرَادَ بِالْمَدَّاحِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا
مَدْحَ النَّاسِ عَادَةً وَجَعَلُوهُ بِضَاعَةً يَسْتَأْكِلُونَ بِهِ
الْمَمْدُوحَ ، فَأَمَّا مَنْ مَدَحَ عَلَى الْفِعْلِ الْحَسَنِ
وَالْأَمْرِ الْمَحْمُودِ تَرْغِيبًا فِي أَمْثَالِهِ وَتَحْرِيضًا
لِلنَّاسِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَشْبَاهِهِ فَلَيْسَ بِمَدَّاحٍ
، وَإِنْ كَانَ قَدْ صَارَ مَادِحًا بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِنْ جَمِيلِ
الْقَوْلِ كَذَا قَالَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ { أَثْنَى رَجُلٌ
عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ : وَيْلَك قَطَعْت عُنُقَ صَاحِبِك ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : مَنْ
كَانَ مِنْكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسَبُ
فُلَانًا ، وَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا
أَحْسَبُ كَذَا وَكَذَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ
مِنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : جَاءَ
رَجُلٌ إلَى أَبِي فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بِشْرٍ فَذَكَرُوهُ
فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِشْرٌ ، وَقَالَ : لَا يَنْسَى اللَّهُ لِأَحْمَدَ
صَنِيعَهُ ، ثَبَتَ وَثَبَتْنَا ، وَلَوْلَاهُ لَهَلَكْنَا قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ : وَوَجْهُ أَبِي يَتَهَلَّلُ ، فَقُلْت : يَا أَبَتِ أَلَيْسَ
تَكْرَهُ الْمَدْحَ فِي الْوَجْهِ ؟ فَقَالَ : يَا بُنَيَّ إنَّمَا
ذُكِرْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ، وَمَا كَانَ
مِنِّي فَحَمِدَ صَنِيعِي ، وَقَدْ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ } .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ :
لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يُقَالُ لَهُ فِي وَجْهِهِ : أَحْيَيْت السُّنَّةَ .
قَالَ : هَذَا فَسَادٌ لِقَلْبِ الرَّجُلِ .
وَقَالَ
خَطَّابُ بْنُ بِشْرٍ : قَالَ أَبُو عُثْمَانَ الشَّافِعِيُّ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ : لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ
مَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِبَقَائِك وَكَلَامٌ مِنْ هَذَا النَّحْوِ
كَثِيرٌ ، فَقَالَ لَهُ : لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا عُثْمَانَ .
وَمَنْ
أَنَا فِي النَّاسِ ؟ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ : مَا أَكْثَرَ الدَّاعِينَ لَك فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنُهُ ،
وَقَالَ : أَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِدْرَاجًا .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ : لَوْ أَنَّ لِلذُّنُوبِ رِيحًا مَا جَلَسَ إلَيَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ .
قُلْت
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : إنَّ بَعْضَ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ لِي : أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَزْهَدْ فِي الدَّرَاهِمِ وَحْدَهَا .
قَدْ زَهِدَ فِي النَّاسِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَمَنْ أَنَا حَتَّى أَزْهَدَ فِي النَّاسِ .
النَّاسُ يُرِيدُونَ أَنْ يُزَهِّدُونِي .
وَقَالَ
لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا خَيْرًا
مِمَّا يَظُنُّونَ ، وَيَغْفِرَ لَنَا مَا لَا يَعْلَمُونَ .
وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَأَيْتُكَ .
قَالَ : اُقْعُدْ أَيْشٍ ذَا ؟ مَنْ أَنَا ؟ وَقَالَ الْخَلَّالُ : أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ
بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ،
اللَّهَ اللَّهَ ، فَإِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَيْكَ ، وَقَدْ ذَهَبَ
النَّاسُ ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ لَا يُمْكِنُ فَمَسَائِلُ فَإِنَّ
النَّاسَ مُضْطَرُّونَ إلَيْكَ .
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
إلَيَّ أَنَا ؟ وَاغْتَمَّ مِنْ قَوْلِهِ وَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ ،
وَرَأَيْت فِي وَجْهِهِ أَثَرَ الْغَمِّ .
قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ الْإِسْلَامِ خَيْرًا .
فَقَالَ
: قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : جَزَاكَ اللَّهُ عَنْ
الْإِسْلَامِ خَيْرًا ، فَقَالَ : لَا بَلْ جَزَى اللَّهُ الْإِسْلَامَ
عَنِّي خَيْرًا .
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِلرَّجُلِ أَنَا ؟
وَمَنْ أَنَا وَمَا أَنَا ؟ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ
لِلرَّجُلِ أَنْتَ فِي غَيْرِ حِلٍّ مِنْ جُلُوسِكَ .
وَقَدْ سَبَقَ هَذَا النَّصُّ .
وَقَالَتْ
هِنْدُ أُمُّ ابْنِ قُتَيْبَةَ لِلْمَرُّوذِيِّ : أُخْبِرْت أَنَّ
خُرَاسَانِيًّا جَاءَ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ
جُلُوسٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَنْتَ عِنْدَنَا
بِخُرَاسَانَ مِثْلُ الشَّمْسِ ، فَتَغَيَّرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
وَكَرِهَ مَا قَالَ وَأَظْهَرَ الْكَرَاهَةَ ، وَقَامَ فَدَخَلَ .
وَرَوَى
ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ
مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا : { إيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ
} .
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي بَابِ ( كَرَاهِيَةِ التَّمَادُحِ )
: ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا بِشْرٌ يَعْنِي ابْنَ الْمُفَضَّلِ ثَنَا أَبُو
مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ
قَالَ : قَالَ لِي : إنِّي { انْطَلَقْت فِي وَفْدِ بَنِي عَامِرٍ إلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : أَنْتَ
سَيِّدُنَا .
فَقَالَ : السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
قُلْنَا
: وَأَفْضَلُنَا فَضْلًا وَأَعْظَمُنَا طُولًا ، فَقَالَ : قُولُوا
بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْخَرُ بِكُمْ
الشَّيْطَانُ } .
إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ مِنْ طُرُقٍ .
وَرَوَى
أَيْضًا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ
بَهْزٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ
حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ وَحُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ { : أَنَّ نَاسًا قَالُوا :
يَا رَسُولَ اللَّهِ يَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا وَسَيِّدَنَا
وَابْنَ سَيِّدِنَا ، فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا :
بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِينَكُمْ الشَّيْطَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ
مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ } .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ ، وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ .
وَفِي
الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا { :
لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ،
فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
أَنَّهُ { : جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ .
فَقَالَ : السَّيِّدُ اللَّهُ } .
قَالَ
ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ هُوَ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ
السِّيَادَةُ ، كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُحْمَدَ فِي وَجْهِهِ وَأَحَبَّ
التَّوَاضُعَ ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ لَمَّا قَالُوا : أَنْتَ سَيِّدُنَا ،
قَالَ : قُولُوا بِقَوْلِكُمْ .
أَيْ : اُدْعُونِي نَبِيًّا وَرَسُولًا
كَمَا سَمَّانِي اللَّهُ ، وَلَا تُسَمُّونِي سَيِّدًا كَمَا تُسَمُّونَ
رُؤَسَاءَكُمْ ، فَإِنِّي لَسْت كَأَحَدِهِمْ مِمَّنْ يَسُودُكُمْ فِي
أَسْبَابِ الدُّنْيَا .
وَالسَّيِّدُ يُطْلَقُ عَلَى : الرَّبِّ
الْمَالِكِ وَالشَّرِيفِ وَالْفَاضِلِ وَالْحَكِيمِ وَمُتَحَمِّلِ أَذَى
قَوْمِهِ وَالزَّوْجِ وَالرَّئِيسِ وَالْمُقَدَّمِ .
وَأَصْلُهُ مِنْ سَادَ يَسُودُ ، فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ؛ لِأَجْلِ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ قَبْلَهَا ، ثُمَّ أُدْغِمَتْ .
وَوَزْنُ سَيِّدٍ فَيْعِلٌ .
وَهُمْ سَادَةٌ وَزْنُهُ فَعَلَةٌ بِالتَّحْرِيكِ ، مِثْلُ : سَرِيٍّ وَسَرَاةٍ .
وَلَا
نَظِيرَ لَهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُجْمَعُ عَلَى سَيَائِدَ
بِالْهَمْزِ مِثْلُ تَبِيعٍ وَتَبَائِعَ وَأَقِيلٍ وَأَقَائِلَ
.
وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَزْنُ سَيِّدٍ فَعِيلٌ .
وَجُمِعَ عَلَى فَعَلَةٍ كَأَنَّهُمْ جَمَعُوا سَائِدًا مِثْلُ قَائِدٍ وَقَادَةٍ وَذَائِدٍ وَذَادَةٍ .
وَقَالُوا
: إنَّمَا جَمَعَتْ الْعَرَبُ السَّيِّدَ وَالْجَيِّدَ عَلَى سَيَائِدَ
وَجَيَائِدَ بِالْهَمْزِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ؛ لِأَنَّ جَمْعَ فَعِيلٍ
فَيَاعِلَ بِلَا هَمْزٍ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ الْقَوَارِيرِيِّ
عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ :
سَيِّدٌ فَإِنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ
وَجَلَّ .
} وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ
أَبِي قُدَامَةَ عَنْ مُعَاذٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ بْنِ
مُعَاذٍ ، وَلَفْظُهُ : { لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدُنَا إنْ
يَكُنْ سَيِّدَكُمْ } وَذَكَرَهُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ : إنَّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ : يَا خَيْرَ
النَّاسِ وَابْنَ خَيْرِهِمْ ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا أَنَا بِخَيْرِ
النَّاسِ وَلَا ابْنِ خَيْرِهِمْ ، وَلَكِنِّي عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ
اللَّهِ أَرْجُو اللَّهَ وَأَخَافُهُ ، وَاَللَّهِ لَنْ تَزَالُوا
بِالرَّجُلِ حَتَّى تُهْلِكُوهُ .
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي الْوَازِعِ قُلْت لِابْنِ عُمَرَ : لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَبْقَاكَ اللَّهُ لَهُمْ .
قَالَ فَغَضِبَ ثُمَّ قَالَ : إنِّي لَأَحْسَبكَ عِرَاقِيًّا مَا يُغْلِقُ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّكَ بَابَهُ .
وَقَدْ
وَرَدَ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ أَشْيَاءُ كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : أَرْحَمُ
أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { : لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ } .
وَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ { : إنَّكُمْ
لَتَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ وَتَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ } .
وَقَالَ { : خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ دَارُ بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ .
}
وَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ :
كَانَ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ ، وَثَانِيَ اثْنَيْنِ
فِي الْعَرِيشِ ، وَثَانِيَ اثْنَيْنِ فِي الْقَبْرِ .
وَقَالَ :
الشَّعْبِيُّ لَمَّا مَاتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَامَ ابْنُهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى قَبْرِهِ فَحَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَغْفَرَ لِأَبِيهِ ثُمَّ قَالَ : نِعْمَ أَخُو
الْإِسْلَامِ كُنْت يَا أَبَتِ جَوَّادًا بِالْحَقِّ بَخِيلًا
بِالْبَاطِلِ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ ، تَغْضَبُ حِينَ الْغَضَبِ ،
وَتَرْضَى حِينَ الرِّضَى ، عَفِيفَ النَّظَرِ ، غَضِيضَ الطَّرْفِ ، لَمْ
تَكُنْ مَدَّاحًا وَلَا شَتَّامًا ، تَجُودُ بِنَفْسِكَ فِي الْمَوَاطِنِ
الَّتِي تَبْخَلُ فِيهَا الرِّجَالُ ، صَبُورًا عَلَى الضَّرَّاءِ
مُشَارِكًا فِي النَّعْمَاءِ ؛ وَلِذَلِكَ ثَقُلْتَ عَلَى أَكْتَافِ
قُرَيْشٍ .
وَذُكِرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عِنْدَ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ فَقَالَ : هُوَ بِاَللَّهِ عَلِيمٌ
وَاَللَّهُ فِي عَيْنَيْهِ عَظِيمٌ .
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَ : مَا شِئْتَ مِنْ ضِرْسٍ قَاطِعٍ
فِي الْعِلْمِ بِكِتَابٍ فِي الْعِلْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَالْفِقْهِ فِي
سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ
لَهُ مُصَاهَرَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالتَّبَطُّنُ فِي الْعَشِيرَةِ ، وَالنَّجْدَةُ فِي الْحَرْبِ ،
وَالْبَذْلُ لِلْمَاعُونِ .
وَقِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الَّذِي إلَى جَانِبِكَ ؟ فَقَالَ هَذَا
سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ .
وَقَالَ عُمَرُ أَيْضًا : أُبَيٍّ أَقْرَؤُنَا ، وَعَلِيٌّ أَقْضَانَا .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَقَالَ
الشَّاعِرُ وَإِنِّي مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ عَرَفْتَهُمْ إذَا مَاتَ
مِنْهُمْ سَيِّدٌ قَامَ صَاحِبُهْ نُجُومُ سَمَاءٍ كُلَّمَا غَابَ
كَوْكَبٌ بَدَا كَوْكَبٌ تَأْوِي إلَيْهِ كَوَاكِبُهْ أَضَاءَتْ لَهُ
أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ دُجَى اللَّيْلِ حَتَّى
نَظَّمَ
الْجَزْعُ ثَاقِبَهْ وَقَالَ آخَرُ : نُجُومُ ظَلَامٍ كُلَّمَا غَابَ
كَوْكَبٌ بَدَا سَاطِعًا فِي حِنْدِسِ اللَّيْلِ كَوْكَبُ وَقَالَ
حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا جَاءَ بَنُو تَمِيمٍ
بِخَطِيبِهِمْ عُطَارِدِ بْنِ حَاجِبٍ فَخَطَبَ { ، فَأَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ
فَأَجَابَهُمْ وَشَاعِرَهُمْ الزِّبْرِقَانَ قَالَ ابْنُ بَدْرٍ :
فَأَنْشَدَ قَصِيدَةً .
فَقَامَ حَسَّانُ فَأَجَابَهُ بِقَصِيدَةٍ
يَقُولُ فِيهَا : إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ قَدْ
بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ
سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلُّ الْخَيْرِ يُصْطَنَعُ قَوْمٌ إذَا
حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمْ أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي
أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا لَا يَرْقَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفُّهُمْ
عِنْدَ الدِّفَاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا إنْ سَابَقُوا النَّاسَ
يَوْمًا فَازَ سَابِقُهُمْ أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى
مَنَعُوا أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْيِ عِفَّتُهُمْ لَا يَطْمَعُونَ
وَلَا يُرْدِي بِهِمْ طَمَعُ لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ
وَلَا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا
عَدُوَّهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خَوْرٌ وَلَا هَلَعُ أَكْرِمْ
بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ
وَالشِّيَعُ فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ :
لَخَطِيبُهُمْ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا ، وَلَشَاعِرُهُمْ أَشْعَرُ مِنْ
شَاعِرِنَا ، ثُمَّ أَسْلَمُوا وَأَحْسَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَائِزَهُمْ ، وَكَانَ بَعَثَ إلَيْهِمْ فِي
الْمُحَرَّمِ سَنَةَ تِسْعٍ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ فِي
خَمْسِينَ فَارِسًا لَيْسَ فِيهِمْ مُهَاجِرِيٌّ وَلَا أَنْصَارِيٌّ
لِيَغْزُوَهُمْ ، فَلَمَّا رَأَوْا الْجَمْعَ وَلَّوْا ؛ فَأَخَذَ
مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ امْرَأَةً
وَثَلَاثِينَ صَبِيًّا فَجَاءُوا لِذَلِكَ .
} قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : الْخَوَرُ بِالتَّحْرِيكِ الضَّعْفُ .
يُقَالُ : رَجُلٌ خَوَّارٌ ، وَرُمْحٌ خَوَّارٌ ، وَأَرْضٌ خَوَّارَةٌ ،
وَالْجَمْعُ : خُورٌ .
وَقَالَ : الْهَلَعُ أَفْحَشُ الْجَزَعِ .
وَقَدْ
هَلِعَ بِالْكَسْرِ فَهُوَ هَلِعٌ وَهَلُوعٌ ، وَحَكَى يَعْقُوبُ : رَجُلٌ
هُلَعَةٌ كَهُمَزَةٍ إذَا كَانَ يَهْلَعُ وَيَحْزَنُ وَيَسْتَجِيعُ
سَرِيعًا .
{ وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ الطَّائِفِ كَتَبَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي
سَلْمَى إلَى أَخِيهِ كَعْبٍ الشَّاعِرِ يُخْبِرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُلًا بِمَكَّةَ مِمَّنْ
كَانَ يَهْجُوهُ وَيُؤْذِيهِ ، وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ
قُرَيْشٍ ابْنُ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ قَدْ هَرَبَا
، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ فِي نَفْسِكَ حَاجَةٌ فَطِرْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ لَا يَقْتُلُ أَحَدًا
جَاءَهُ تَائِبًا مُسْلِمًا ، وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَانْحُ إلَى
نَجَاتِكَ ، وَكَانَ كَعْبٌ قَدْ قَالَ : أَلَا أَخْبِرَا عَنِّي
بُجَيْرًا رِسَالَةً فَهَلْ لَك فِيمَا قُلْتَ وَيْحَكَ هَلْ لَكَا
فَبَيِّنْ لَنَا إنْ كُنْتَ لَسْتَ بِفَاعِلٍ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غَيْرِ
ذَلِكَ دَلَّكَا عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ
وَلَا تُلْفِي عَلَيْهِ أَخًا لَكَا فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْت
بِآسِفٍ وَلَا قَائِلٍ إمَّا عَثَرْت لَعًا لَكَا سَقَاكَ بِهَا
الْمَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً فَانْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا
وَعَلَّكَا فَكَرِهَ بُجَيْرٌ أَنْ يَكْتُمَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْشَدَهُ إيَّاهَا .
فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَقَاكَ بِهَا الْمَأْمُونُ
، صَدَقَ وَإِنَّهُ لَكَذُوبٌ ، وَأَنَا الْمَأْمُونُ } وَلَمَّا سَمِعَ :
عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا لَا عَلَيْهِ قَالَ : { أَجَلْ لَمْ
يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ ثُمَّ كَتَبَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ
أَرْبَعَةَ أَبْيَاتٍ ، فَلَمَّا بَلَغَهُ الْكِتَابُ ضَاقَتْ بِهِ
الْأَرْضُ وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ قَصِيدَتَهُ الَّتِي
يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِرْجَافُ الْوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ
فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعْرِفُهُ
مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَغَدَا بِهِ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى
الصُّبْحَ ، فَصَلَّى مَعَهُ ثُمَّ قَامَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُهُ فَقَالَ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنكَ
تَائِبًا مُسْلِمًا فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُكَ بِهِ
؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ .
فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي وَعَدُوَّ
اللَّهِ ؛ أَضْرِبْ عُنُقَهُ ، فَقَالَ : دَعْهُ عَنْكَ فَقَدْ جَاءَ
تَائِبًا ؛ } فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ
لِذَلِكَ ؛ فَقَالَ قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ يَصِفُ فِيهَا
مَحْبُوبَتَهُ وَنَاقَتَهُ الَّتِي أَوَّلَهَا : بَانَتْ سُعَادُ
فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
إلَى أَنْ قَالَ : يَمْشِي الْغُوَاةُ بِجَنْبَيْهَا وَقَوْلُهُمْ إنَّكَ
ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ وَقَالَ كُلُّ صَدِيقٍ كُنْتُ آمُلُهُ
لَا أُلْهِيَنَّكَ إنِّي عَنْكَ مَشْغُولُ إلَى أَنْ قَالَ : نُبِّئْتُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ
مَأْمُولُ مَهْلًا هَدَاكَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْقُرْآنِ فِيهَا
مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ
أُذْنِبْ وَلَوْ كَثُرَتْ فِي الْأَقَاوِيلُ إلَى أَنْ قَالَ : إنَّ
الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ
مَسْلُولُ فِي عُصْبَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ
لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا يَمْشُونَ مَشْيَ الْجِمَالِ الزُّهْرِ
يَعْصِمُهُمْ ضَرْبٌ إذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ شُمُّ
الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُد فِي الْهَيْجَا
سَرَابِيلُ إلَى أَنْ قَالَ : لَيْسُوا مَفَارِيحَ إنْ نَالَتْ
رِمَاحُهُمْ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعًا إذَا نِيلُوا لَا يَقَعُ
الطَّعْنُ إلَّا فِي نُحُورِهِمْ وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ
تَهْلِيلُ عَرَّدَ الرَّجُلُ تَعْرِيدًا إذَا فَرَّ ،
وَعِرْنِينُ
كُلِّ شَيْءٍ أَوَّلُهُ ، وَعَرَانِينُ الْقَوْمِ سَادَاتُهُمْ
وَعِرْنِينُ الْأَنْفِ مُجْتَمَعُ الْحَاجِبَيْنِ وَهُوَ أَوَّلُ
الْأَنْفِ حَيْثُ يَكُونُ فِيهِ الشَّمَمُ يُقَال : هُمْ شُمُّ
الْعَرَانِينِ ، وَإِنَّمَا عَنَى كَعْبٌ بِقَوْلِهِ إذَا عَرَّدَ
السُّودُ التَّنَابِيلُ الْأَنْصَارَ لَمَّا صَنَعَ الْأَنْصَارِيُّ مَا
صَنَعَ وَخَصَّ الْمُهَاجِرِينَ بِمِدْحَتِهِ وَغَضِبَ عَلَيْهِ
الْأَنْصَارُ فَقَالَ : بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ يَمْدَحُ الْأَنْصَارَ
قَصِيدَتَهُ الَّتِي قَالَ فِيهَا : مَنْ سَرَّهُ كَرَمُ الْحَيَاةِ فَلَا
يَزَلْ فِي مِقْنَبٍ مِنْ صَالِحِ الْأَنْصَارِ وَرِثُوا الْمَكَارِمَ
كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ إنَّ الْخِيَارَ هُمْ بَنُو الْأَخْيَارِ
وَالذَّائِدِينَ النَّاسَ عَنْ أَدْيَانِهِمْ بِالْمَشْرَفِيِّ
وَبِالْقَنَا الْخَطَّارِ الْمَشْرَفِيَّةُ سُيُوفٌ نُسِبَتْ إلَى
مَشَارِفَ قُرًى مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ يُقَالُ : سَيْفٌ مَشْرَفِيٌّ
وَلَا يُقَالُ : مَشَارِفِيٌّ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ
إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الْوَزْنِ وَخَطَرَ الرُّمْحُ يَخْطِرُ أَيْ :
اهْتَزَّ ، وَرُمْحٌ خَطَّارٌ أَيْ ذُو اهْتِزَازٍ ، وَيُقَالُ خَطَرَانُ
الرُّمْحِ ارْتِفَاعُهُ وَانْخِفَاضُهُ لِلطَّعْنِ وَرَجُلٌ خَطَّارٌ
بِالرُّمْحِ .
وَالْبَائِعِينَ نُفُوسَهُمْ لِنَبِيِّهِمْ لِلْمَوْتِ
يَوْمَ تَعَانُقٍ وَكِرَارِ وَإِذَا حَلَلْتَ لِيَمْنَعُوكَ إلَيْهِمْ
أَصْبَحْتَ عِنْدَ مَعَاقِلِ الْأَعْقَارِ الْمُرَادُ بِالْمَعْقِلِ
الْمَلْجَأُ وَالْأَعْقَارُ الْأُسْدُ .
إلَى أَنْ قَالَ : قَوْمٌ إذَا
خَوَتْ النُّجُومُ فَإِنَّهُمْ لِلطَّارِقِينَ النَّازِلِينَ مَقَارِي
وَكَعْبٌ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ هُوَ وَأَبُوهُ وَابْنُهُ عُقْبَةُ
وَابْنُ ابْنِهِ الْعَوَامُّ بْنُ عُقْبَةَ وَمِمَّا يُسْتَحْسَنُ
لِكَعْبٍ قَوْلُهُ : لَوْ كُنْتُ أَعْجَبُ مِنْ شَيْءٍ لَأَعْجَبَنِي
سَعْيُ الْفَتَى وَهْوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ يَسْعَى الْفَتَى
لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا كَالنَّفْسِ وَاحِدَةً وَالْهَمُّ
مُنْتَشِرُ وَالْمَرْءُ مَا عَاشَ مَمْدُودٌ لَهُ أَمَلٌ لَا تَنْتَهِي
الْعَيْنُ حَتَّى يَنْتَهِي الْأَثَرُ وَقَوْلُهُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَحْدِي بِهِ النَّاقَةُ الْأَدْمَاءُ
مُعْتَجِرًا
بِالْبُرْدِ جَلِيٌّ عَلَيْهِ لَيْلَةَ الظُّلَمِ فَفِي عِطَافَيْهِ أَوْ
أَثْنَاءِ بُرْدَتِهِ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْ دِينٍ وَمِنْ كَرَمِ
ذُكِرَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ فَقَالَ : مَا بَعَثْتُهُ فِي سَوَادٍ إلَّا
جَلَاهُ وَمَحَاهُ ، وَلَا فِي بَيَاضٍ إلَّا أَزْكَاهُ وَأَرْضَاهُ
وَمَدَحَ أَعْرَابِيٌّ رَجُلًا فَقَالَ : كَالْمِسْكِ إنْ تَرَكْتَهُ
عَبِقَ ، وَإِنْ خَبَّأْتَهُ عَبِقَ .
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : مَا مَاتَ مَنْ تَرَكَ مِثْلَكَ .
وَلَيْسَ
الْمُرَادُ بِابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدَ اللَّهِ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّهُ مَاتَ
قَبْلَ أَنْ يُولَدَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَا تُعَجِّلَنَّ بِمَدْحِ أَحَدٍ
وَلَا بِذَمِّهِ فَإِنَّهُ رُبَّ مَنْ يَسُرُّك الْيَوْمَ يَسُوءُك غَدًا .
وَقَالَ
النَّجَاشِيُّ لِلشَّاعِرِ : إنِّي امْرُؤٌ قَلَّمَا أُثْنِي عَلَى أَحَدٍ
حَتَّى أَرَى بَعْضَ مَا يَأْتِي وَمَا يَذَرُ لَا تَحْمَدَنَّ امْرَأً
حَتَّى تُجَرِّبَهُ وَلَا تَذُمَّنَّ مَنْ لَمْ يُبْلِهِ الْخَبَرُ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ : إذَا قَالَ رَجُلٌ مَا لَا يَعْلَمُ
فِيكَ مِنْ الْخَيْرِ أَوْشَكَ أَنْ يَقُولَ فِيك مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ
الشَّرِّ .
وَسَبَقَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ذَمُّ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرِجَالٍ مُعَيَّنِينَ قَالَ الْحَسَنُ :
ذَمُّ الرَّجُلِ نَفْسَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ مَدْحٌ لَهَا فِي السِّرِّ ،
كَانَ يُقَالُ : مَنْ أَظْهَرَ عَيْبَ نَفْسِهِ فَقَدْ زَكَّاهَا .
ذَمَّ
أَعْرَابِيٌّ رَجُلًا فَقَالَ : أَنْتَ وَاَللَّهِ مِمَّنْ إذَا سَأَلَ
أَلْحَفَ ، وَإِذَا سُئِلَ سَوَّفَ ، وَإِذَا حَدَّثَ حَلَفَ ، وَإِذَا
وَعَدَ خَلَفَ يَنْظُرُ نَظَرَ حَسُودٍ ، وَيُعْرِضُ إعْرَاضَ حَقُودٍ .
قَالَ
الشَّاعِرُ : فَإِنْ تُصِبْكَ مِنْ الْأَيَّامِ دَاهِيَةٌ لَمْ تَبْكِ
مِنْهَا عَلَى دُنْيَا وَلَا دِينِ وَقَالَ آخَرُ : خَنَازِيرُ نَامُوا
عَنْ الْمَكْرُمَاتِ فَنَبَّهَهُمْ قَدَرٌ لَمْ يَنَمِ فَيَا قُبْحَهُمْ
فِي الَّذِي خُوِّلُوا وَيَا حُسْنَهُمْ فِي زَوَالِ النِّعَمِ وَقَالَ
آخَرُ : كَأَنَّ رِيحَهُمْ فِي خُبْثِ فِعْلِهِمْ رِيحُ الْكِلَابِ إذَا
مَا مَسَّهَا الْمَطَرُ وَقَالَ آخَرُ : لَوْ
كُنْتَ مَاءً كُنْتَ غَيْرَ عَذْبِ أَوْ كُنْتَ سَيْفًا كُنْتَ غَيْرَ عَضْبِ وَقَالَ آخَرُ : لَوْ كُنْتَ بَرْدًا كُنْتَ زَمْهَرِيرَا أَوْ كُنْتَ رِيحًا كَانَتْ الدَّبُّورَا أَوْ كُنْتَ غَيْمًا لَمْ يَكُنْ مَطُورَا أَوْ كُنْتَ مَاءً لَمْ يَكُنْ طَهُورَا وَمَدَحَ الْوَزِيرُ ابْنُ هُبَيْرَةَ الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَنْجِدَ بِاَللَّهِ وَبَالَغَ وَفِي آخِرِهِ : وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّنِي جَالِبٌ مِنْ الشِّعْرِ تَمْرًا إلَى أَهْلِهِ وَقَالَ لَهُ يَوْمًا الْمُسْتَنْجِدُ بِاَللَّهِ لِمَ لَا يَكُونُ رِيحُ التُّفَّاحِ الْأَصْفَهَانِيِّ بِهَا كَمَا نَجِدُهُ عِنْدَنَا ؟ فَأَنْشَدَهُ : يَكُونُ أُجَاجًا دُونَكُمْ فَإِذَا انْتَهَى إلَيْكُمْ يَلْقَى طِيبَكُمْ فَيَطِيبُ فَأَنْشَدَهُ الْمُسْتَنْجِدُ بِاَللَّهِ يَمْدَحُهُ : فَلَوْ رَامَ يَا يَحْيَى مَكَانَكَ جَعْفَرُ وَيَحْيَى لَكَفَى عَنْهُ يَحْيَى وَجَعْفَرُ وَلَوْ قِسْتَ يَا يَحْيَى بِيَحْيَى بْنِ بَرْمَكٍ لَكُنْتَ لَدَى الْأَقْوَامِ أَعْلَى وَأَفْخَرُ .
فَصْلٌ ( فِي تَزْكِيَةِ
النَّفْسِ الْمَذْمُومَةِ وَمَدْحِهَا بِالْحَقِّ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ
شُكْرِ النِّعْمَةِ ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْنِي قَوْلَهُ : { اجْعَلْنِي
عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } فِيهَا دَلَالَةٌ
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِالْفَضْلِ
عِنْدَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَحْظُورِ .
{ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : فِي الْفُنُونِ سُؤَالٌ عَنْ قَوْلِهِ : { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } .
كَيْفَ
سَاغَ لِعُمَرَ أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ حِينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ
صَيْدٍ قَتَلَهُ فَقَالَ : اصْبِرْ حَتَّى يَأْتِ حَكَمٌ آخَرُ فَيَحْكُمَ
لِنَفْسِهِ إنَّهُ أَحَدُ الْعَدْلَيْنِ قِيلَ : إنَّمَا نَهَى عَنْ
تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالْمَدْحِ وَالْإِطْرَاءِ الْمُورِثِ عُجْبًا
وَتِيهًا وَمَرَحًا وَمَا قَصَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ
إنَّمَا قَصَدَ فَصْلَ حُكْمٍ وَهُوَ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ
ذَلِكَ فَصَارَ كَقَوْلِهِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ : {
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ }
فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ
الِافْتِخَارِ .
وَلِذَلِكَ قَالَ : { أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ } فَنَفَى الْفَخْرَ الَّذِي هُوَ الْإِعْجَابُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : عَنْ قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : فَإِنْ
قِيلَ كَيْفَ مَدَحَ نَفْسَهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَمِنْ شَأْنِ
الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ التَّوَاضُعُ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ
لَمَّا خَلَا مَدْحُهُ لِنَفْسِهِ مِنْ بَغْيٍ وَتَكَبُّرٍ وَكَانَ
مُرَادُهُ بِهِ الْوُصُولَ إلَى حَقٍّ يُقِيمُهُ ، وَعَدْلٍ يُحْيِيه
وَجَوْرٍ يُبْطِلُهُ ، كَانَ ذَلِكَ جَمِيلًا جَائِزًا .
وَقَدْ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّهِ } .
وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَاَللَّهِ مَا آيَةٌ
إلَّا وَأَنَا أَعْلَمُ بِلَيْلٍ نَزَلَتْ أَمْ بِنَهَارٍ .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ
رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ
مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَأَتَيْتُهُ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ خَرَجَتْ
مَخْرَجَ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَتَعْرِيفِ الْمُسْتَفِيدِ مَا عِنْدَ
الْمُفِيدِ .
ذَكَرَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إلَّا
وَأَنَا أَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ وَمَا مِنْ آيَةٍ إلَّا وَأَنَا
أَعْلَمُ فِيمَا أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعْلَمُ
بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبْلُغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إلَيْهِ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَقَدْ
عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا
أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي لَرَحَلْتُ إلَيْهِ قَالَ شَقِيقٌ : فَجَلَسْت فِي
حِلَقِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يَعِيبُهُ زَادَ
الْبُخَارِيُّ بَعْدَ قَوْلِهِ : بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَنَا
بِخَيْرِهِمْ .
وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ أَعْلَمِهِمْ وَفِي
تَرْجَمَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَلُونِي
فَوَاَللَّهِ لَئِنْ فَقَدْتُمُونِي لَتَفْقِدُنَّ رَجُلًا عَظِيمًا .
وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ بْنُ عَيَّاشٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ وَبَكَتْ
ابْنَتُهُ : يَا بُنَيَّةُ لَا تَبْكِي أَتَخَافِينَ أَنْ يُعَذِّبَنِي
اللَّهُ وَقَدْ خَتَمْت فِي هَذِهِ الزَّاوِيَةِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ
أَلْفَ خَتْمَةٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ نَظَرْت إلَى
أَقْرَأِ النَّاسِ فَلَزِمْته عَاصِمًا ثُمَّ نَظَرْت إلَى أَفْقَهِ
النَّاسِ فَلَزِمْته مُغِيرَةً فَأَيْنَ تَجِدُ مِثْلِي ؟ وَقَالَ ابْنُ
طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ الْحَافِظُ : سَمِعْت أَصْحَابَنَا بِهَرَاةَ
يَحْكُونَ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي شُرَيْحٍ
الْأَنْصَارِيَّ قَالَ : كُنْت أَقْرَأُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ
الْبَغَوِيِّ بِبَغْدَادَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَكُنْت
أَقْرَأُ عَلَيْهِ جُزْءًا وَقَدْ وَضَعَ رَأْسَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : كَأَنِّي بِهِمْ إذَا مِتُّ يَقُولُونَ : مَاتَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَقُولُونَ : مَاتَ جَبَلُ الْعِلْمِ ، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَاسْتَنَدَ فَلَمَّا فَرَغْت مِنْ قِرَاءَةِ الْجُزْءِ قُلْت : كَمْ قَرَأْت عَلَيْك ؟ فَلَمْ يُجِبْنِي فَحَرَّكْته فَإِذَا بِهِ قَدْ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ .
فَصْلٌ فِي
الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْعُزْلَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ
فِي الْأَفْضَلِ مِنْ الْخِلْطَةِ وَالْعُزْلَةِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ
وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ
رِوَايَتَانِ : قَالَ : فِي رِوَايَةِ أَبِي الصَّقْرِ وَقَدْ سَأَلَهُ
عَنْهَا إذَا كَانَتْ الْفِتْنَةُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْتَزِلَهَا
الرَّجُلُ حَيْثُ شَاءَ فَأَمَّا مَا لَمْ يَكُنْ فِتْنَةٌ ،
فَالْأَمْصَارُ خَيْرٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : ثَنَا حَجَّاجٌ ثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الْأَعْمَشُ : هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ
عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ وَلَا
يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ } كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
عَنْ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ :
قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ : كَانَ شُعْبَةُ يَرَى أَنَّهُ ابْنُ عُمَرَ .
وَقَالَ
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ : قُلْتُ : لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ : التَّخَلِّي أَعْجَبُ إلَيْك ؟ فَقَالَ التَّخَلِّي عَلَى
عِلْمٍ وَقَالَ : يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى
أَذَاهُمْ } ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَنْ
الْأَعْمَشِ ثُمَّ قَالَ : { مَنْ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ } .
وَقَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ : فِي الْأَدَبِ مِنْ مَسَائِلِهِ عَنْ
أَحْمَدَ قَالَ : قَالَ أَبُو سِنَانٍ : { وَجَاءَهُ رَجُلَانِ فَقَالَ :
تَفَرَّقَا فَإِنَّكُمَا إذَا كُنْتُمَا جَمِيعًا تَحَدَّثْتُمَا ،
وَإِذَا كُنْتُمَا وُحْدَانًا ذَكَرْتُمَا اللَّهَ تَعَالَى } قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ : رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ أَبِي سِنَانٍ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ : إنَّهُ نَقَلَ مِنْ الْجُزْءِ الثَّالِثِ
مِنْ الْأَدَبِ تَأْلِيفَ الْمَرُّوذِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : كَفَى بِالْعُزْلَةِ عِلْمًا ،
وَإِنَّمَا الْفَقِيهُ
الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ .
وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ .
وَقَالَ
أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ : وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ السَّلَفِ
يُؤْثِرُونَ الْعُزْلَةَ عَلَى الْخِلْطَةِ وَقَالَ أَيْضًا : إنَّ مَنْ
قَدَرَ عَلَى نَفْعِ النَّاسِ بِمَالِهِ أَوْ بَدَنِهِ لِقَضَاءِ
حَوَائِجِهِمْ مَعَ الْقِيَامِ بِحُدُودِ الشَّرْعِ إنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ
الْعُزْلَةِ إنْ كَانَ لَا يَشْتَغِلُ فِي عُزْلَتِهِ إلَّا بِنَوَافِلِ
الصَّلَاةِ وَالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ
انْفَتَحَ لَهُ طَرِيقُ عَمَلٍ بِالْقَلْبِ بِدَوَامِ ذِكْرٍ أَوْ فِكْرٍ
فَذَلِكَ الَّذِي لَا يُعْدَلُ بِهِ أَلْبَتَّةَ .
وَقَالَ أَيْضًا :
لَيْسَ فِي الدُّنْيَا أَطْيَبُ مِنْ تَنَزُّهِ الْعَالِمِ بِالْعِلْمِ
فَهُوَ أَنِيسُهُ وَجَلِيسُهُ ، وَقَدْ قَنِعَ بِمَا يَسْلَمُ بِهِ
دِينُهُ مِنْ الْمُبَاحَاتِ الْحَاصِلَةِ لَا عَنْ تَكَلُّفٍ وَلَا عَنْ
تَضْيِيعِ دِينٍ ، وَارْتَدَى بِالْعُزْلَةِ عَنْ الذُّلِّ لِلدُّنْيَا
وَأَهْلِهَا ، وَالْتَحَفَ بِالْقَنَاعَةِ بِالْيَسِيرِ إذَا لَمْ
يَقْدِرْ عَلَى الْكَثِيرِ فَيَسْلَمُ دِينُهُ وَدُنْيَاهُ ،
وَاشْتِغَالُهُ بِالْعِلْمِ يَدُلُّهُ عَلَى الْفَضَائِلِ وَيُفَرِّجُهُ
فِي الْبَسَاتِينِ ، فَهُوَ يَسْلَمُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالسُّلْطَانِ
وَالْعَوَامِّ بِالْعُزْلَةِ ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ هَذَا إلَّا
لِلْعَالِمِ ، فَإِنَّهُ إذَا اعْتَزَلَ الْجَاهِلُ فَاتَهُ الْعِلْمُ
فَتَخَبَّطَ .
وَقَالَ أَيْضًا : فَإِذَا عَرَفْت فَوَائِدَ
الْعُزْلَةِ وَغَوَائِلِهَا تَحَقَّقْت أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهَا
مُطْلَقًا خَطَأٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ إلَى الشَّخْصِ
وَحَالِهِ وَإِلَى الْخَلْطِ وَحَالِهِ وَإِلَى الْبَاعِثِ عَلَى
مُخَالَطَتِهِ وَإِلَى الْفَائِتِ بِسَبَبِ مُخَالَطَتِهِ مِنْ
الْفَوَائِدِ ، وَيُقَاسُ الْفَائِتُ بِالْحَاصِلِ فَعِنْدَ ذَلِكَ
يَتَبَيَّنُ الْحَقُّ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
الِانْقِبَاضُ عَنْ النَّاسِ مَكْسَبَةُ الْعَدَاوَةِ ، وَالِانْبِسَاطُ
لَهُمْ مَجْلَبَةٌ لِقُرَنَاءِ السُّوءِ ، فَكُنْ بَيْنَ الْقَبْضِ
وَالْبَسْطِ ، وَمَنْ ذَكَرَ سِوَى هَذَا فَهُوَ قَاصِرٌ ، وَإِنَّمَا
هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ
يَحْكُمَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي الْحَالِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ
أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ
رَجَاءِ السَّلَامَةِ مِنْ الْفِتَنِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَقَدْ صَنَّفَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ كِتَابًا فِي الْعُزْلَةِ ، وَفِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَالِطْ النَّاسَ وَزَايِلْهُمْ وَدِينَك لَا
تُكَلِّمَنَّهُ قَالَ : الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ خَالِطْهُمْ بِبَدَنِك
وَزَايِلْهُمْ بِقَلْبِك ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ النِّفَاقِ ،
وَلَكِنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُدَارَاةِ وَقَدْ قَالَ : صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ } وَعَنْ الْحَسَنِ
قَالَ كَانُوا يَقُولُونَ : الْمُدَارَاةُ نِصْفُ الْعَقْلِ ، وَأَنَا
أَقُولُ : هِيَ الْعَقْلُ كُلُّهُ .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْحَنَفِيَّةِ قَالَ : لَيْسَ بِحَكِيمٍ مَنْ لَا يُعَاشِرُ
بِالْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَجِدُ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ بُدًّا حَتَّى
يَجْعَلَ اللَّهُ فَرَجًا أَوْ قَالَ مَخْرَجًا وَأَنْشَدَ الْمُتَنَبِّي
: وَمِنْ نَكَدِ الدُّنْيَا عَلَى الْحُرِّ أَنْ يَرَى عَدُوًّا لَهُ مَا
مِنْ صَدَاقَتِهِ بُدُّ وَالْخَبَرُ الْمَرْفُوعُ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْخَطَّابِيُّ سَبَقَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ
قَبْلَ فُصُولِ التَّوْبَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
جَمَاعَةٍ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ وَاضِحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ
عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ
مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ :
وَالْمُدْرَاةُ الَّتِي تَكُونُ صَدَقَةَ الْمُدَارِي .
هُوَ تَخَلُّقُ
الْإِنْسَانِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُسْتَحْسَنَةِ مَعَ مَنْ يُدْفَعُ إلَى
عِشْرَتِهِ مَا لَمْ يُشِبْهَا مَعْصِيَةَ اللَّهِ .
وَالْمُدَاهَنَةُ
هِيَ اسْتِعْمَالُ الْمَرْءِ الْخِصَالَ الَّتِي تُسْتَحْسَنُ مِنْهُ فِي
الْعِشْرَةِ ، وَقَدْ يَشُوبُهُ مَا يَكْرَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاهِينِ الْوَاعِظُ فِي آخِرِ جُزْءٍ
جَمَعَهُ
فِي فَضَائِلِ فَاطِمَةَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ثَنَا يَحْيَى بْنُ صَاعِدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ
بْنِ يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ ثَنَا هَارُونُ بْنُ يَحْيَى الْحَاطِبِيُّ
ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
النَّبِيَّ قَالَ : { التَّوَدُّدُ نِصْفُ الدِّينِ } هَارُونُ بْنُ
يَحْيَى وَعُثْمَانُ لَمْ أَجِدْ لَهُمَا تَرْجَمَةً ، وَذَكَرَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { مُدَارَاةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ } وَقَوْلُهُ : عَلَيْهِ
السَّلَامُ { أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ وَنَهَانِي عَنْ
مُدَاجَاتِهِمْ } .
وَقَوْلُهُ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { رَأْسُ
الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ التَّوَدُّدُ إلَى النَّاسِ }
قَالَ عُمَرُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّ مِمَّا يُصَفِّي لَك وُدَّ
أَخِيك أَنْ تَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ إذَا لَقِيته وَأَنْ تَدْعُوَهُ
بِأَحَبِّ الْأَسْمَاءِ إلَيْهِ وَأَنْ تُوسِعَ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : رَأْسُ الْمُدَارَاةِ تَرْكُ الْمُمَارَاةِ ،
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ { إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدَهُ أَلْقَى
عَلَيْهِ مَحَبَّةَ النَّاسِ } .
أَخَذَهُ الشَّاعِرُ : وَإِذَا
أَحَبَّ اللَّهُ يَوْمًا عَبْدَهُ أَلْقَى عَلَيْهِ مَحَبَّةً فِي
النَّاسِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُمْ قَالُوا
: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَنْ لَا يَقْبَلُ عَثْرَةً ، وَلَا
يَقْبَلُ مَعْذِرَةً ، أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ قَالُوا
: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَنْ يُبْغِضُ النَّاسَ
وَيُبْغِضُونَهُ } .
وَرُوِيَ أَنَّ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ جَلَسَ
كَئِيبًا خَالِيًا فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ يَا دَاوُد مَا لِي أَرَاك
خَالِيًا قَالَ : هَجَرْت النَّاسَ فِيك قَالَ : أَفَلَا أَدُلُّك عَلَى
شَيْءٍ تَبْلُغُ بِهِ رِضَائِي ؟ خَالِقْ النَّاسَ بِأَخْلَاقِهِمْ
وَاحْتَجِرْ الْإِيمَانَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَك قَالَ أَكْثَمُ بْنُ
صَيْفِيٍّ : مَنْ شَدَّدَ نَفَّرَ ،
وَمَنْ تَرَاخَى تَأَلَّفَ ،
وَالسُّرُورُ فِي التَّغَافُلِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : شَرْطُ الصُّحْبَةِ إقَالَةُ الْعَثْرَةِ ،
وَمُسَامَحَةُ الْعِشْرَةِ ، وَالْمُوَاسَاةُ فِي الْعُسْرَةِ قِيلَ
لِلْعَتَّابِيِّ : إنَّك تَلْقَى النَّاسَ كُلَّهُمْ بِالْبِشْرِ قَالَ :
دَفْعُ ضَغِينَةٍ بِأَيْسَرِ مُؤْنَةٍ ، وَاكْتِسَابُ إخْوَانٍ بِأَيْسَرِ
مَبْذُولٍ قَالَ مَحْمُودٌ الْوَرَّاقُ : أَخُو الْبِشْرِ مَحْمُودٌ عَلَى
كُلِّ حَالَةٍ وَلَمْ يَعْدِمْ الْبَغْضَاءَ مَنْ كَانَ عَابِسَا
وَيُسْرِعُ بُخْلُ الْمَرْءِ فِي هَتْكِ عِرْضِهِ وَلَمْ أَرَ مِثْلَ
الْجُودِ لِلْعِرْضِ حَارِسَا وَقَالَ آخَرُ : وَكَمْ مِنْ أَخٍ لَا
تُحْتَمَلْ مِنْهُ عِلَّةٌ قَطَعْت وَلَمْ يُمْكِنْك مِنْهُ بَدِيلُ
وَمَنْ لَمْ يُرِدْ إلَّا خَلِيلًا مُهَذَّبًا فَلَيْسَ لَهُ فِي
الْعَالَمِينَ خَلِيلُ وَقَالَ آخَرُ : وَأَحْبِبْ إذَا أَحْبَبْتَ حُبًّا
مُقَارِبًا فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ نَازِعُ وَأَبْغِضْ إذَا
أَبْغَضْتَ بُغْضًا مُقَارِبًا فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ
رَاجِعُ هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا
وَمَوْقُوفًا وَهُوَ فِي التِّرْمِذِيِّ { أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا
، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا ، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ
هَوْنًا مَا ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا } قَالَ أَبُو
الْعَتَاهِيَةِ : قُلْ لِمَنْ يَعْجَبُ مِنْ حُسْنِ رُجُوعِي وَمَقَالِي
رُبَّ صَدٍّ بَعْدَ وُدٍّ وَهَوًى بَعْدَ تَقَالِي قَدْ رَأَيْنَا ذَا
كَثِيرًا جَارِيًا بَيْنَ الرِّجَالِ قَالُوا : لَا خَيْرَ فِي النَّاسِ
وَلَا بُدَّ مِنْ النَّاسِ ، وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا بَعْدَ
فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ
وَفِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ بَعْدَ فُصُولِ التَّوْبَةِ وَيَأْتِي أَيْضًا
فِي آخِرِ الْكِتَابِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { وَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ
قَالَ رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، ثُمَّ مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ
مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ } .
وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الطَّمَعُ فَقْرٌ
وَالْيَأْسُ غِنًى ، وَالْعُزْلَةُ رَاحَةٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ ، وَقَرِينُ الصِّدْقِ خَيْرٌ مِنْ الْوَحْدَةِ .
وَقَالَ
أَبُو الدَّرْدَاءِ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِعْمَ صَوْمَعَةُ الرَّجُلِ
بَيْتُهُ يَصُونُ دِينَهُ وَعِرْضَهُ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأَسْوَاقَ
فَإِنَّهَا تُلْغِي وَتُلْهِي وَقَالَ مَكْحُولٌ إنْ كَانَ فِي
الْجَمَاعَةِ فَضْلٌ فَإِنَّ فِي الْعُزْلَةِ سَلَامَةً وَقَالَ عُمَرُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالِطُوا النَّاسَ فِي مَعَايِشِكُمْ
وَزَائِلُوهُمْ بِأَعْمَالِكُمْ .
وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ كَانَ
النَّاسُ وَرَقًا لَا شَوْكَ فِيهِ وَهُمْ الْيَوْمَ شَوْكٌ لَا وَرَقَ
فِيهِ ، يُقَالُ : إنَّ فِي الْإِنْجِيلِ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كُنْ وَسَطًا وَامْشِ جَانِبًا وَقَالَ
بَعْضُهُمْ : يَا حَبَّذَا الْوَحْدَةُ مِنْ أَنِيسِ إذَا خَشِيت مِنْ
أَذَى الْجَلِيسِ وَقَالَ سُفْيَانُ : مَا وَجَدْتُ مَنْ يَغْفِرُ لِي
ذَنْبًا وَلَا يَسْتُرُ عَلَيَّ زَلَّةً فَرَأَيْتُ فِي الْهَرَبِ مِنْ
النَّاسِ سَلَامَةً .
وَقِيلَ : لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ دُلَّنِي
عَلَى رَجُلٍ أَجْلِسْ إلَيْهِ قَالَ : تِلْكَ ضَالَّةٌ لَا تُوجَدُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا تَعْرِفَنَّ أَحَدًا فَلَسْتَ بِوَاجِدٍ أَحَدًا
أَضَرَّ عَلَيْكَ مِمَّنْ تَعْرِفُ أَمَّا نَظِيرُكَ فَهْوَ حَاسِدُ
نِعْمَةٍ أَوْ دُونَ ذَاكَ فَذُو سُؤَالٍ مُلْحِفُ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ
حَالَ دُونَ لِقَائِهِ بَوَّابُ سُوءٍ وَالْيَفَاعُ الْمُشْرِفُ
وَلِلشَّافِعِيِّ أَوْ لِمَنْصُورٍ الْفَقِيهِ .
وَقِيلَ : إنَّهُ
تَمْثِيلٌ بِهِ : لَيْتَ السِّبَاعَ لَنَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً
وَلَيْتَنَا لَا نَرَى مِمَّنْ نَرَى أَحَدَا إنَّ السِّبَاعَ لَتَهْدَا
فِي مَرَابِضِهَا وَالنَّاسُ لَيْسَ بِهَادٍ شَرُّهُمْ أَبَدَا فَاهْرَبْ
بِنَفْسِكَ وَاسْتَأْنِسْ بِوَحْدَتِهَا تَعِشْ سَلِيمًا إذَا مَا كُنْتَ
مُنْفَرِدَا وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ : يَا رَبِّ إنَّ النَّاسَ لَا
يُنْصِفُونَنِي وَإِنْ أَنَا لَمْ أُنْصِفْهُمْ ظَلَمُونِي وَإِنْ كَانَ
لِي شَيْءٌ تَصَدَّوْا لِأَخْذِهِ وَإِنْ جِئْتُ أَبْغِي شَيْئَهُمْ
مَنَعُونِي وَإِنْ نَالَهُمْ بَذْلِي فَلَا شُكْرَ عِنْدَهُمْ وَإِنْ
أَنَا لَمْ أَبْذُلْ لَهُمْ شَتَمُونِي وَإِنْ طَرَقَتْنِي نَكْبَةٌ
فَكِهُوا بِهَا وَإِنْ صَحِبَتْنِي نِعْمَةٌ حَسَدُونِي سَأَمْنَعُ قَلْبِي أَنْ يَحِنَّ إلَيْهِمْ وَأَحْجُبُ عَنْهُمْ نَاظِرِي وَجُفُونِي وَقَالَ آخَرُ : قَدْ كُنْتُ عَبْدًا وَالْهَوَى مَالِكِي فَصِرْتُ حُرًّا وَالْهَوَى خَادِمِي وَصِرْتُ بِالْوَحْدَةِ مُسْتَأْنِسًا مِنْ شَرِّ أَوْلَادِ بَنِي آدَمَ مَا فِي اخْتِلَاطِي بِهِمْ خَيْرٌ وَلَا ذُو الْجَهْلِ بِالْأَشْيَاءِ كَالْعَالِمِ يَا عَاذِلِي فِي تَرْكِهِمْ جَاهِلًا عُذْرِي مَنْقُوشًا عَلَى خَاتَمِي وَكَانَ عَلَى خَاتِمِهِ مَنْقُوشٌ { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ } وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَأَنْشَدَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ رَاوِي الْبُخَارِيِّ يَتَوَشَّحُ لِنَفْسِهِ : كَانَ فِي الِاجْتِمَاعِ لِلنَّاسِ نُورٌ فَمَضَى النُّورُ وَادْلَهَمَّ الظَّلَامُ فَسَدَ النَّاسُ وَالزَّمَانُ جَمِيعًا فَعَلَى النَّاسِ وَالزَّمَانِ السَّلَامُ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ ، وَعَدَمًا مِنْ جِهَةِ الْمَنْطِقِ وَالْمَعْرِفَةِ ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُنْصَرِفًا إلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الطِّبَاعِ وَالْأَخْلَاقِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّك إنَّمَا تُعَاشِرُ الْبَهَائِمَ فَخُذْ حِذْرَكَ قَالَ : وَلِذَلِكَ رَأَى الْحُكَمَاءُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ آفَاتِ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ أَمْكَنُ مِنْ السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ النَّاسِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَدْ قِيلَ : لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئًا سِوَى الْهَذَيَانِ مِنْ قِيلٍ وَقَالَ فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إلَّا لِكَسْبِ مَعِيشَةٍ وَصَلَاحِ حَالٍ وَقِيلَ أَيْضًا : وَاَللَّهِ لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا بِأَجْمَعِهَا تَبْقَى عَلَيْنَا وَيَأْتِي رِزْقُهَا رَغَدَا مَا كَانَ مِنْ حَقِّ حُرٍّ أَنْ يَذِلَّ لَهَا فَكَيْفَ وَهْيَ مَتَاعٌ يَسْتَحِيلُ غَدَا .
فَصْلٌ ( فِي الْعِنَايَةِ بِحِفْظِ
الزَّمَانِ وَاتِّقَاءِ إضَاعَتِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنْ
الزِّيَارَاتِ وَغَيْرِهَا ) .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ
اللَّهُ رَأَيْت الْعَادَاتِ قَدْ غَلَبَتْ عَلَى النَّاسِ فِي تَضْيِيعِ
الزَّمَانِ فَهُمْ يَتَزَاوَرُونَ فَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْ كَلَامٍ لَا
يَنْفَعُ وَغِيبَةٍ ، وَأَقَلُّهُ ضَيَاعُ الزَّمَانِ ، وَقَدْ كَانَ
الْقُدَمَاءُ يُحَذِّرُونَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْفُضَيْلُ : أَعْرِفُ مَنْ
يَعُدُّ كَلَامَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وَدَخَلُوا عَلَى
رَجُلٍ مِنْ السَّلَفِ فَقَالُوا لَعَلَّنَا شَغَلْنَاك فَقَالَ :
أُصْدِقُكُمْ كُنْت أَقْرَأُ فَتَرَكْت الْقِرَاءَةَ لِأَجْلِكُمْ ،
وَجَاءَ عَابِدٌ إلَى سَرِيٍّ السَّقَطِيِّ فَرَأَى عِنْدَهُ جَمَاعَةً
فَقَالَ صِرْت مُنَاخَ الْبَطَّالِينَ ، ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَجْلِسْ ،
وَمَتَى لَانَ الْمَزُورُ طَمِعَ فِيهِ الزَّائِرُ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ
فَلَمْ يَسْلَمْ مِنْ أَذًى .
وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ قَعَدُوا
عِنْدَ مَعْرُوفٍ وَأَطَالُوا فَقَالَ : إنَّ مَلِكَ الشَّمْسِ لَا
يَفْتُرُ عَنْ سَوْقِهَا فَمَتَى تُرِيدُونَ الْقِيَامَ ؟ وَمِمَّنْ كَانَ
يَحْفَظُ اللَّحَظَاتِ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَيْسِيُّ قَالَ
لَهُ رَجُلٌ : أُكَلِّمُك فَقَالَ أَمْسِكْ الشَّمْسَ وَكَانَ دَاوُد
الطَّائِيُّ يَسْتَفُّ الْفَتِيتَ وَيَقُولُ بَيْنَ سَفِّ الْفَتِيتِ
وَأَكْلِ الْخُبْزِ : قِرَاءَةُ خَمْسِينَ آيَةً .
وَأَوْصَى بَعْضُ
السَّلَفِ أَصْحَابَهُ فَقَالَ : إذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي
فَتَفَرَّقُوا لَعَلَّ أَحَدَكُمْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي طَرِيقِهِ ،
وَمَتَى اجْتَمَعْتُمْ تَحَدَّثْتُمْ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّمَانَ
أَشْرَفُ مِنْ أَنْ يَضِيعَ مِنْهُ لَحْظَةٌ فَكَمْ يَضِيعُ لِلْآدَمِيِّ
مِنْ سَاعَاتٍ يَفُوتُهُ فِيهَا الثَّوَابُ الْجَزِيلُ ، وَهَذِهِ
الْأَيَّامُ مِثْلُ الْمَزْرَعَةِ ، وَكَأَنَّهُ قَدْ قِيلَ :
لِلْإِنْسَانِ كُلَّمَا بَذَرْت حَبَّةً أَخْرَجْنَا لَك أَلْفًا ، هَلْ
تَرَى يَجُوزُ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَنْ الْبَذْرِ أَوْ
يَتَوَانَى ؟ وَاَلَّذِي يُعِينُ عَلَى اغْتِنَامِ الزَّمَانِ
الِانْفِرَادُ وَالْعُزْلَةُ مَهْمَا أَمْكَنَ وَالِاخْتِصَارُ عَلَى
السَّلَامِ أَوْ حَاجَةٍ
مُهِمَّةٍ لِمَنْ يَلْقَى ، وَقِلَّةُ الْأَكْلِ فَإِنَّ كَثْرَتَهُ سَبَبُ النَّوْمِ الطَّوِيلِ وَضَيَاعِ اللَّيْلِ ، وَمَنْ نَظَرَ فِي سِيَرِ السَّلَفِ وَآمَنَ بِالْجَزَاءِ بَانَ لَهُ مَا ذَكَرْته .
فَصْلٌ ( التَّفَقُّهُ بِالتَّوَسُّعِ فِي الْمَعَارِفِ قَبْلَ طَلَبِ السِّيَادَةِ وَالْمَنَاصِبِ ) .
عَنْ
عُمَرَ قَالَ : تَفَقَّهُوا قَبْلَ أَنْ تَسُودُوا قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
يُرِيدُ مَنْ لَمْ يَخْدُمْ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ اسْتَحْيَا أَنْ
يَخْدِمَهُ بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ وَإِدْرَاكِ السُّؤْدُدِ قَالَ :
وَبَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ : مَنْ تَرَأَّسَ فِي
حَدَاثَتِهِ كَانَ أَدْنَى عُقُوبَتِهِ أَنْ يَفُوتَهُ حَظٌّ كَبِيرٌ مِنْ
الْعِلْمِ .
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ : مَنْ طَلَبَ الرِّيَاسَةَ بِالْعِلْمِ قَبْلَ أَوَانِهِ لَمْ يَزَلْ فِي ذُلٍّ مَا بَقِيَ .
وَقِيلَ
: لِلْمُبَرِّدِ لِمَ صَارَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَعْنِي ثَعْلَبَ أَحْفَظَ
مِنْكَ لِلْغَرِيبِ وَالشِّعْرِ ؟ قَالَ : لِأَنِّي تَرَأَّسْت وَأَنَا
حَدَثٌ ، وَتَرَأَّسَ وَهُوَ شَيْخٌ .
وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي الْفُصُولِ
الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعِلْمِ بِالْقُرْبِ مِنْ ثُلُثِ الْكِتَابِ
ذَكَرْته هُنَا لِأَجْلِ الْعُزْلَةِ وَالتَّرَؤُّسِ بِهَا .
فَصْلٌ ( انْقِبَاضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ مِنْ إتْيَانِ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ ) .
كَانَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَأْتِي الْخُلَفَاءَ وَلَا
الْوُلَاةَ وَالْأُمَرَاءَ وَيَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ ،
وَيَنْهَى أَصْحَابَهُ عَنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ ،
وَكَلَامُهُ فِيهِ مَشْهُورٌ وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ
إبْرَاهِيمَ بْنِ الْهَرَوِيِّ فَقَالَ : رَجُلٌ وَسِخٌ ، فَقُلْت مَا
قَوْلُك إنَّهُ وَسِخٌ قَالَ : مَنْ يَتْبَعُ الْوُلَاةَ وَالْقُضَاةَ
فَهُوَ وَسِخٌ وَكَانَ هَذَا رَأْيَ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ ،
وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ
وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ وَالثَّوْرِيُّ
وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد الطَّائِيُّ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ الْحَافِي
وَغَيْرُهُمْ .
وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { مَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ اُفْتُتِنَ } ، وَهُوَ
مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَتَاهُ لِطَلَبِ الدُّنْيَا ، لَا سِيَّمَا إنْ
كَانَ ظَالِمًا جَائِرًا ، أَوْ عَلَى مَنْ اعْتَادَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ
فَإِنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ الِافْتِتَانُ وَالْعُجْبُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ { وَمَنْ لَزِمَ السُّلْطَانَ اُفْتُتِنَ } .
وَخَالَفَهُمْ
فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ .
وَمِنْ
الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيَّ ذَكَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ أَبِي لَيْلَى فِي كِتَابِهِ فِي الضُّعَفَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
إلَّا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَانَ صَاحِبَ أُمَرَاءَ ، وَعَنْ
أَحْمَدَ أَيْضًا مَعْنَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ
عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي أَبْوَابِ
هَؤُلَاءِ السَّلَاطِينِ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَظْلِمَةٌ فَلَمْ يَرَ
أَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ مَظْلُومًا فَذَكَرَ لَهُ
تَعْظِيمَهُمْ فَكَأَنَّهُ هَابَ ذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ
أَهْلِ
السُّنَّةِ يُسَلِّمُ عَلَى السُّلْطَانِ وَيَقْضِي حَوَائِجَهُ :
يُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ : نَعَمْ لَعَلَّهُ يَخَافُهُ ، يُدَارِيه
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَرْبٍ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
الرُّسُلِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَأْتِيه السُّلْطَانُ وَصَاحِبُ
الْبَرِيدِ قَالَ : يُمْكِنُهُ مُعَانَدَةُ السُّلْطَانِ قُلْتُ :
رُبَّمَا بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي الْحَاجَةِ مِنْ الْخَرَاجِ أَوْ فِي
رَجُلٍ فِي السِّجْنِ قَالَ : هَذَا يَكُونُ مَظْلُومًا فَيُفْرِجُ عَنْهُ
.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيهِ : سَمِعْت أَبَا
يُوسُفَ الْقَاضِيَ يَقُولُ : خَمْسَةٌ تَجِبُ عَلَى النَّاسِ
مُدَارَاتُهُمْ الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ وَالْقَاضِي الْمُتَأَوِّلُ
وَالْمَرِيضُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَالِمُ لِيُقْتَبَسَ مِنْ عِلْمِهِ .
فَاسْتَحْسَنْت ذَلِكَ .
وَقَالَ
أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ : وَمِنْ صِفَاتِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ
أَنْ يَكُونُوا مُنْقَبِضِينَ عَنْ السَّلَاطِينِ ، مُحْتَرِزِينَ عَنْ
مُخَالَطَتِهِمْ قَالَ حُذَيْفَةُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إيَّاكُمْ
وَمَوَاقِفَ الْفِتَنِ قِيلَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ : أَبْوَابُ
الْأُمَرَاءِ يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ عَلَى الْأَمِيرِ فَيُصَدِّقُهُ
بِالْكَذِبِ وَيَقُولُ : مَا لَيْسَ فِيهِ .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيِّبِ : إذَا رَأَيْتُمْ الْعَالِمَ يَغْشَى الْأُمَرَاءَ
فَاحْذَرُوا مِنْهُ فَإِنَّهُ لِصٌّ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : إنَّك
لَنْ تُصِيبَ مِنْ دُنْيَاهُمْ شَيْئًا إلَّا أَصَابُوا مِنْ دِينِك
أَفْضَلَ مِنْهُ ، انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِعْلُ ذَلِكَ .
وَالظَّاهِرُ
كَرَاهَتُهُ إنْ خِيفَ مِنْهُ الْوُقُوعُ فِي مَحْظُورٍ ، وَعَدَمُهَا إنْ
أَمِنَ ذَلِكَ فَإِنْ عَرِيَ عَنْ الْمَفْسَدَةِ وَاقْتَرَنَتْ بِهِ
مَصْلَحَةٌ مِنْ تَخْوِيفِهِ لَهُمْ وَوَعْظِهِ إيَّاهُمْ وَقَضَاءِ
حَاجَتِهِ كَانَ مُسْتَحَبًّا وَعَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ يُنَزَّلُ
كَلَامُ السَّلَفِ وَأَفْعَالُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهَذَا
مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْبَنَّا مِنْ أَصْحَابِنَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ
الْقَوِيِّ فِي بَابِ
صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ قَالَ :
إنَّمَا الْمَذْكُورُ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَطَهُمْ فَسَعَى بِمُسْلِمٍ
أَوْ أَقْرَأ وَسَاعَدَ عَلَى مُنْكَرٍ ، فَيَجِبُ حَمْلُ أَحَادِيثِ
التَّغْلِيظِ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ .
وَأَمَّا
السُّلْطَانُ الْعَادِلُ فَالدُّخُولُ عَلَيْهِ وَمُسَاعَدَتُهُ عَلَى
عَدْلِهِ مِنْ أَجَلِّ الْقُرَبِ فَقَدْ كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
وَابْنُ شِهَابٍ وَطَبَقَتُهُمَا مِنْ خِيَارِ الْعُلَمَاءِ يَصْحَبُونَ
عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ وَقَبِيصَةُ بْنُ
ذُؤَيْبٍ وَالْحَسَنُ وَأَبُو الزِّنَادِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَى السُّلْطَانِ وَعَلَى
كُلِّ حَالٍ فَالسَّلَامَةُ الِانْقِطَاعُ عَنْهُمْ كَمَا اخْتَارَهُ
أَحْمَدُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ .
قَالَ ابْنُ الْبَنَّا : لَا
يَغْتَرُّ مَنْ هُوَ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ بِمَا وَرَدَ فِي
التَّغْلِيظِ عَلَى الْعُلَمَاءِ بِمَا يَرَاهُ مِنْ فِعْلِهِمْ الَّذِي
رُبَّمَا خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ حِلِّهِ وَتَأْوِيلِهِ فَيَتْرُك
مُجَالَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَيَهْجُرُهُمْ فَيُفْضِي بِهِ حَالُهُ إلَى
اسْتِمْرَارِ جَهْلِهِ ، وَلَعَلَّهُ يُفْضِي إلَى أَنْ لَا تَصِحَّ
عِبَادَتُهُ لِعَارِضٍ لَا يَعْلَمُهُ ، فَإِذَا بَدَا لَك مِنْ عَالِمٍ
زَلَّةٌ فَاسْأَلْهُ عَنْ حُكْمِ مَا فَعَلَ كَذَا فَإِنْ كَانَ لَهُ
عُذْرٌ أَبْدَاهُ فَتَخَلَّصْت مِنْ إثْمِ غَيْبَتِهِ أَوْ خَطَرِ
الِاقْتِدَاءِ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا عَرَفَ الْحَقَّ عَلَى
نَفْسِهِ وَعَرَفَ مَغْزَى كَلَامِك وَأَنَّك تُنْكِرُ عَلَيْهِ
وَبِهَذِهِ الطَّرَائِقِ أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدَهُ دَاوُد
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي النَّعْجَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَذَكَرَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ الدُّخُولُ
عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْعُمَّالِ وَالظَّلَمَةِ وَاسْتَدَلَّ بِالْخَبَرِ
وَالْأَثَرِ وَالْمَعْنَى قَالَ : إلَّا بِعُذْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا
إلْزَامٌ مِنْ جِهَتِهِمْ يُخَافُ الْخِلَافُ فِيهِ الْأَذَى الثَّانِي :
أَنْ يَدْخُلَ لِيَرْفَعَ ظُلْمًا عَنْ مُسْلِمٍ فَيَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ
لَا يَكْذِبَ وَلَا يُثْنِي وَلَا يَدَعُ
نَصِيحَةً يَتَوَقَّعُ لَهَا قَبُولًا انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَيَنْبَغِي
أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ كَفُّ ظُلْمٍ عَظِيمٍ ؛
لِأَنَّهُ يَجُوزُ سُلُوكِ أَدْنَى الْمَفْسَدَتَيْنِ وَالْتِزَامُهَا
بِكَفِّ أَعْلَاهُمَا وَرَفْعِهَا .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَإِنْ
دَخَلَ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ زَائِرًا فَجَوَابُ السَّلَامِ لَا بُدَّ
مِنْهُ كَذَا قَالَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَجْرِ
الْمُبْتَدِعِ وَالْمُجَاهِرِ بِالْمَعَاصِي قَالَ : وَأَمَّا الْقِيَامُ
وَالْإِكْرَامُ فَلَا تَحْرُمُ مُقَابَلَةٌ لَهُ عَلَى إكْرَامِهِ
فَإِنَّهُ بِإِكْرَامِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مُسْتَحِقٌّ الْحَمْدَ ،
كَمَا أَنَّهُ بِالظُّلْمِ مُسْتَحِقٌّ لِلذَّمِّ إلَى أَنْ قَالَ : ثُمَّ
يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصَحَهُ وَيُعَرِّفَهُ تَحْرِيمَ مَا يَفْعَلُهُ
مِمَّا لَا يَدْرِي أَنَّهُ مُحَرَّمٌ ، فَأَمَّا إعْلَامُهُ بِتَحْرِيمِ
الظُّلْمِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ
يُخَوِّفَهُ مِنْ رُكُوبِ الْمَعَاصِي مَهْمَا ظَنَّ أَنَّ التَّخْوِيفَ
يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِهِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُرْشِدَهُ إلَى الْمَصَالِحِ ،
وَمَتَى عَرَفَ طَرِيقًا لِلشَّرْعِ يَحْصُلُ بِهِ غَرَضُ الظَّالِمِ
عَرَّفَهُ إيَّاهُ .
( الْحَالُ الثَّالِثُ ) أَنْ يَعْتَزِلَ عَنْهُمْ
فَلَا يَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ وَالسَّلَامَةُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ
يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَقِدَ بُغْضَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَا يُحِبُّ
بَقَاءَهُمْ وَلَا يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَلَا يَسْتَخْبِرُ عَنْ
أَحْوَالِهِمْ وَيَتَقَرَّبُ إلَى الْمُتَّصِلِينَ بِهِمْ وَلَا
يَتَأَسَّفُ عَلَى مَا يَفُوتُهُ بِسَبَبِ مُفَارَقَتِهِمْ كَمَا قَالَ
بَعْضُهُمْ : إنَّمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْمُلُوكِ يَوْمٌ وَاحِدٌ : إمَّا
يَوْمٌ مَضَى فَلَا يَجِدُونَ لَذَّتَهُ ، وَأَنَا وَإِيَّاهُمْ فِي غَدٍ
عَلَى وَجَلٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ فَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ فِي
الْيَوْمِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الْعَدْلُ تَحْصِيلُ
مَنْفَعَتِهِ وَدَفْعُ مَضَرَّتِهِ ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يُقَدَّمُ
أَرْجَحُهُمَا لِتَحْصِيلِ أَعْظَمِ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَفْوِيتِ
أَدْنَاهُمَا وَدَفْعِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ
أَدْنَاهُمَا .
وَقَالَ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْد أَنْ ذَكَرَ
مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : ثَلَاثَةٌ
لَا تَبْلُوَنَّ نَفْسَك بِهِمْ : لَا تَدْخُلَنَّ عَلَى ذِي سُلْطَانٍ
وَإِنْ قُلْتَ : آمُرُهُ بِطَاعَةِ اللَّهِ ، وَلَا تَخْلُوَنَّ
بِامْرَأَةٍ وَإِنْ قُلْتَ : أُعَلِّمُهَا كِتَابَ اللَّهِ ، وَلَا
تُصْغِيَنَّ بِسَمْعِك لِذِي هَوًى فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا يَعْلَقُ
بِقَلْبِك مِنْهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ :
فَالِاجْتِمَاعُ بِالسُّلْطَانِ مِنْ جِنْسِ الْإِمَارَةِ وَالْوِلَايَةِ
، وَفِعْلُ ذَلِكَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوِلَايَةِ
بِنِيَّةِ الْعَدْلِ وَإِقَامَةِ الْحَقِّ ، وَاسْتِمَاعُ كَلَامِ
الْمُبْتَدِعِ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْجِهَادِ ، وَأَمَّا
الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَمُحَرَّمٌ فَهَذَا كُلُّهُ
مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَهُوَ دُخُولُ الْإِنْسَانِ بِنَفْسِهِ مِنْ
غَيْرِ حَاجَةٍ فِيمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ أُمُورًا أَوْ يُحَرِّمُ عَلَيْهِ
أُمُورًا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ مِمَّا جَرَتْ
الْعَادَةُ بِتَرْكِ وَاجِبِهَا وَفِعْلِ مَحْظُورِهَا .
وَلِهَذَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ : {
فَمَنْ سَمِعَ بِهِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهُوَ
يَعْلَمُ أَنَّهُ الدَّجَّالُ فَلَا يَزَالُ بِهِ مَا يَرَاهُ مِنْ
الشُّبُهَاتِ حَتَّى يَفْتِنَهُ ذَلِكَ } .
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ
مِمَّا يُذْكَرُ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ مِنْ امْتِنَاعِهِمْ
وَمَنْعِهِمْ مِنْ اسْتِمَاعِ كَلَامِ الْمُبْتَدِعَةِ خَشْيَةَ
الْفِتْنَةِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ ، وَأَمَّا مَنْ نَهَى عَنْ
ذَلِكَ لِلْهَجْرِ أَوْ لِلْعُقُوبَةِ عَلَى فِعْلِهِ فَذَلِكَ نَوْعٌ
آخَرُ إلَى أَنْ قَالَ : فَهَذِهِ الْأُمُورُ الْعَدْلُ فِيهِ أَنْ لَا
يَطْلُبَ الْعَبْدُ أَنْ يُبْتَلَى بِهَا ، وَإِذَا اُبْتُلِيَ بِهَا
فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصْبِرْ ، وَالِاسْتِعْدَادُ لَهَا أَنْ
تُصِيبَهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الِابْتِلَاءِ بِهَا ، فَهَذِهِ الْمِحَنُ
وَالْفِتَنُ إذَا لَمْ يَطْلُبْهَا الْمَرْءُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا
بَلْ اُبْتُلِيَ بِهَا ابْتِدَاءً أَعَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا
بِحَسَبِ حَالِ
ذَلِكَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
مِنْهُ فِي طَلَبِهَا فِعْلٌ وَلَا قَصْدٌ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ ذَنْبًا
يُعَاقَبُ عَلَيْهِ ، وَلَا كَانَ مِنْهُ كِبْرٌ وَاحْتِيَالٌ مِثْلُ
دَعْوَى قُوَّةٍ أَوْ ظَنِّ كِفَايَةٍ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُخْذَلَ
بِتَرْكِ تَوَكُّلِهِ وَيُوكَلَ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُؤْتَى
مِنْ تَرْكِ مَا أُمِرَ بِهِ .
وَسَوَاءٌ كَانَ مُرَادُهُ بِهَا
مُحَرَّمًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ مُسْتَحَبًّا ، وَإِرَادَتُهُ بِهَا
الْمُحَرَّمَ زِيَادَةُ ذَنْبٍ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهَا الْمُسْتَحَبَّ
فَقَدْ فَعَلَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ .
وَهَذَا مِمَّا يُذَمُّ
عَلَيْهِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا {
مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ
حَوَارِيُّونَ وَأَنْصَارٌ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ وَيَهْتَدُونَ
بِهَدْيِهِ ثُمَّ إنَّهُ يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِ خُلُوفٌ يَقُولُونَ : مَا
لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ } .
وَالتَّعَرُّضُ
لِلْفِتْنَةِ هُوَ مِنْ الذُّنُوبِ ، فَالْمُؤْمِنُ الصَّادِقُ لَا
يَفْعَلُ إلَّا مَا أُمِرَ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ عِبَادَةٌ وَلَا
يَسْتَعِينُ إلَّا بِاَللَّهِ ، فَإِذَا أَوْجَبَ هُوَ بِنَفْسِهِ أَوْ
حَرَّمَ هُوَ بِنَفْسِهِ خَرَجَ عَنْ الْأَوَّلِ ، فَإِنْ وَثِقَ
بِنَفْسِهِ خَرَجَ عَنْ الثَّانِي ، فَإِذَا أَذْنَبَ بِذَلِكَ فَقَدْ
يَتُوبُ بَعْدَ الذَّنْبِ فَيُعِينُهُ حِينَئِذٍ ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ
حَسَنَاتٌ رَاجِحَةٌ يَسْتَحِقُّ بِهَا الْإِعَانَةَ ، وَقَدْ
يَتَدَارَكُهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَيَسْلَمُ أَوْ يُخَفِّفُ عَلَيْهِ
وَالتَّوْبَةُ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ فِي كُلِّ
حَالٍ بِحَبْسِهِ لَيْسَتْ تَرْكَ مَا دَخَلَ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ
لَا يُمْكِنُهُ إلَّا بِذُنُوبٍ هِيَ أَعْظَمُ مِنْ ذُنُوبِهِ مَعَ
مَقَامِهِ فَتَدَبَّرْ هَذَا .
وَالْمُبْتَلَى مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ
قَدْ يُفَرِّطُ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورِ حَتَّى
يُخْذَلَ وَلَا يُعَانَ فَيُؤْتَى مِنْ ذُنُوبِهِ لَا مِنْ نَفْسِ مَا
اُبْتُلِيَ بِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا
مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } الْآيَةُ وَهَذَا كَثِيرٌ
أَكْثَرُ
مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ تَفْرِيطٌ وَلَا عُدْوَانٌ فَإِذَا
اُبْتُلُوا أُعِينُوا قَالَ : وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ التَّعَرُّضَ
لِلْفِتَنِ بِالْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ بِالْعُهُودِ وَالنُّذُورِ
وَطَلَبِ الْوِلَايَةِ وَتَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ
هُوَ مِنْ الذُّنُوبِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَنْ دَاوُد
الطَّائِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ : لَهُ أَرَأَيْت مَنْ يَدْخُلُ
عَلَى هَؤُلَاءِ فَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ قَالَ : أَخَافُ عَلَيْهِ
السَّوْطَ قِيلَ : إنَّهُ يَقْوَى قَالَ : أَخَافُ عَلَيْهِ السَّيْفَ
قِيلَ : إنَّهُ يَقْوَى قَالَ أَخَافُ عَلَيْهِ الدَّاءَ الدَّفِينَ
الْعُجْبَ .
وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ :
إذَا رَأَيْتَ الْقَارِئَ يَلُوذُ بِالسُّلْطَانِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لِصٌّ
، وَإِنْ لَاذَ بِالْأَغْنِيَاءِ فَمُرَاءٍ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَخْدَعَ
فَيُقَالُ : لَعَلَّك تَرُدُّ عَنْ مَظْلِمَةٍ أَوْ تَدْفَعُ عَنْ
مَظْلُومٍ ، فَإِنَّ هَذِهِ خَدْعَةٌ مِنْ إبْلِيسَ اتَّخَذَهَا فَجَازَ
الْقُرَّاءُ سُلَّمًا .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : أَنْبَأْنَا أَبُو
نُعَيْمٍ الْهَمْدَانِيُّ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ
شَبَّوَيْهِ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ : قَدِمْتُ بَغْدَادَ عَلَى أَنْ
أَدْخُلَ عَلَى الْخَلِيفَةِ فَآمُرُهُ وَأَنْهَاهُ فَدَخَلْتُ عَلَى
أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَاسْتَشَرْتُهُ فِي ذَلِكَ قَالَ : أَخَافُ
عَلَيْك أَنْ لَا تَقُومَ بِذَلِكَ قُلْتُ : لَهُ فَقَدْ عَرَضْتُ نَفْسِي
عَلَى الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَقَدْ قَبِلْت ذَلِكَ قَالَ : فَقَالَ : لِي
اسْتَشِرْ فِي هَذَا بَشَرًا وَأَخْبِرْنِي بِمَا يَقُولُ لَك فَأَتَيْتُ
بَشَرًا ، فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ فَقَالَ : لَا أَرَى لَك ، أَخَافُ أَنْ
تَخُونَك نَفْسُك قُلْتُ : فَإِنِّي أَصْبِرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ : لَا
أَرَى لَك ذَلِكَ قُلْتُ : لِمَ ؟ قَالَ : إنِّي أَخَافُ عَلَيْك أَنْ
يَقْدُمَ عَلَيْك بِقَتْلٍ فَتَكُونَ سَبَبَ دُخُولِهِ إلَى النَّارِ
قَالَ : فَأَتَيْتُ أَحْمَدَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ : مَا أَحْسَنَ مَا
قَالَ لَك ، قَالَ : وَأَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي هَارُونَ أَنَّ
مُثَنَّى الْأَنْبَارِيَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّهُ قَالَ
لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ : مَا تَقُولُ فِي السُّلْطَانِ إنْ أَرْسَلَ إلَيَّ يَسْأَلَنِي
عَنْ الْعُمَّالِ أُخْبِرُ بِمَا فِيهِمْ قَالَ : تُدَارِي السُّلْطَانَ
قُلْتُ : فَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ { كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ إمَامٍ
جَائِرٍ } فَقَدِّمْ هَذَا وَكَانَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْت إِسْحَاقَ بْنَ إبْرَاهِيمَ وَنَحْنُ
بِالْعَسْكَرِ يُنَاشِدُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَيَسْأَلُهُ الدُّخُولَ
عَلَى الْخَلِيفَةِ لِيَأْمُرَهُ وَيَنْهَاهُ وَقَالَ لَهُ : إنَّهُ
يَقْبَلُ مِثْلَ هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ يَدْخُلُ عَلَى ابْنِ
طَاهِرٍ فَيَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
تَحْتَجُّ عَلَيَّ بِإِسْحَاقَ فَأَنَا غَيْرُ رَاضٍ بِفِعْلِهِ ، مَا
لَهُ فِي رُؤْيَتِي خَيْرٌ ، وَلَا لِي فِي رُؤْيَتِهِ خَيْرٌ ، يَجِبُ
عَلَيَّ إذَا رَأَيْتُهُ أَنْ آمُرَهُ وَأَنْهَاهُ ، الدُّنُوُّ مِنْهُمْ
فِتْنَةٌ ، وَالْجُلُوسُ مَعَهُمْ فِتْنَةٌ ، نَحْنُ مُتَبَاعِدُونَ
مِنْهُمْ مَا أَرَانَا نَسْلَمُ فَكَيْفَ لَوْ قَرُبْنَا مِنْهُمْ ؟ قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ وَسَمِعْت إسْمَاعِيلَ ابْنَ أُخْتِ ابْنِ الْمُبَارَكِ
يُنَاظِرُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَيُكَلِّمُهُ فِي الدُّخُولِ عَلَى
الْخَلِيفَةِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَدْ قَالَ خَالُك
يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ : لَا تَأْتِهِمْ ، فَإِنْ أَتَيْتَهُمْ
فَاصْدُقْهُمْ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ لَا أَصْدُقَهُمْ .
وَقَالَ فِي
الْفُنُونِ أَكْثَرُ مَنْ يُخَالِطُ السُّلْطَانَ لِشِدَّةِ حِرْصِهِمْ
عَلَى تَنْفِيقِ نُفُوسِهِمْ عَلَيْهِ بِإِظْهَارِ الْفَضَائِلِ
وَتَدْقِيقِ الْمَذَاهِبِ ، فِي دَرَكِ الْمَبَاغِي وَالْمَطَالِبِ
يَبْلُغُونَ مَبْلَغًا يَغْفُلُونَ بِهِ عَنْ الصَّوَابِ ؛ لِأَنَّ
السَّلَاطِينَ دَأْبُهُمْ الِاسْتِشْعَارُ ، وَالْخَوْفُ مِنْ دَوَاهِي
الْأَعْدَاءِ فَإِذَا أَحَسُّوا مِنْ إنْسَانٍ تَنَغُّرًا وَلَمْحًا
تَحَرَّزُوا مِنْهُ بِعَاجِلِ أَحْوَالِهِمْ ، وَالتَّحَرُّزُ نَوْعُ
إقْصَاءٍ فَإِنَّهُ لَا قُرْبَةَ لِمَنْ لَا تُؤْمَنُ مَكَايِدُهُ
وَعَنْهُمْ يَفْتَعِلُونَ الدَّوَاهِيَ لِمَا عَسَاهُ يُلِمُّ
بِجَانِبِهِمْ ، فَإِنَّ التَّغَافُلَ أَصْلَحُ لِمُخَالَطَتِهِمْ مِنْ
التَّجَالُدِ وَإِظْهَارِ
اللَّمْحِ ، فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ
كَنْزًا لَا يَجِبُ ظُهُورُهُ إلَى كُلِّ أَحَدٍ وَيَخَافُ مِنْ تَكَشُّفِ
أَحْوَالِهِ الدُّخُولَ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ الْخِبْرَةِ بِهِ ،
وَالْأَوْلَى فِي الْحِكْمَةِ أَنْ لَا يَنْكَشِفَ الْإِنْسَانُ بِخُلُقٍ
فِي مَحْبُوبِهِ وَلَا مَكْرُوهِهِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ مِنْهُ .
وَقَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ يُقَالُ :
شَرُّ الْأُمَرَاءِ أَبْعَدُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَشَرُّ الْعُلَمَاءِ
أَقْرَبُهُمْ مِنْ الْأُمَرَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
كِتَابِ السِّرِّ الْمَصُونِ : أَمَّا السَّلَاطِينُ فَإِيَّاكَ إيَّاكَ
وَمُعَاشَرَتَهُمْ فَإِنَّهَا تُفْسِدُك أَوْ تُفْسِدُهُمْ وَتُفْسِدُ
مَنْ يَقْتَدِي بِك ، وَسَلَامَتُك مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ أَبْعَدُ مِنْ
الْعَيُّوقِ ، وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ فِي ذَلِكَ أَنْ تَمِيلَ نَفْسُك
إلَى حُبِّ الدُّنْيَا قَالَ الْمَأْمُونُ : لَوْ كُنْت عَامِّيًّا مَا
خَالَطْت السَّلَاطِينَ ، وَمَتَى اُضْطُرِرْت إلَى مُخَالَطَتِهِمْ
فَبِالْأَدَبِ وَالصَّمْتِ وَكَتْمِ الْأَسْرَارِ وَحِفْظِ الْهَيْبَةِ ،
وَلَا يُسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ مَهْمَا أَمْكَنَ .
وَقَدْ سَأَلَ
الرَّشِيدُ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ عَلَى الْخَبِيرِ
سَقَطْت قَالَ لَهُ الرَّبِيعُ : أَسْقَطَ اللَّهُ أَضْرَاسَك أَبِهَذَا
تُخَاطِبُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : دَخَلْت عَلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ فَصَادَفْته فِي سِرَارٍ مَعَ شَخْصٍ فَوَقَفْت سَاعَةً
لَا يَرْفَعُ إلَيَّ طَرْفَهُ ، فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ ، فَقَالَ لَمْ نَأْذَنْ لَك حَتَّى عَرَفْنَا
اسْمَك فَقُلْتُ : نَقْدَةٌ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَلَمَّا
أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ رَأَيْتُ رَجُلًا فِي النَّاسِ ذَا هَيْبَةٍ
وَرُوَاءٍ وَلَمْ أَعْرِفْهُ فَقُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ
هَذَا ؟ فَقَالَ الْخُلَفَاءُ : تَسْأَلُ وَلَا تُسْأَلُ هَذَا
الْأَخْطَلُ الشَّاعِرُ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ أُخْرَى قَالَ :
وَخُضْنَا فِي الْحَدِيثِ فَمَرَّ لَهُ شَيْءٌ لَمْ أَعْرِفْهُ فَقُلْت :
اكْتُبْنِيهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ الْخُلَفَاءُ :
تُسْتَكْتَبُ .
فَقُلْت : هَذِهِ ثَالِثَةٌ ،
وَذَهَبْتُ لِأَقُومَ فَأَشَارَ إلَيَّ بِالْقُعُودِ فَقَعَدْت حَتَّى خَفَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ .
ثُمَّ
دَعَا بِالطَّعَامِ فَقُدِّمَتْ إلَيْهِ الْمَائِدَةُ فَرَأَيْت عَلَيْهَا
صُحُفًا فِيهَا مُخٌّ وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يُقَدَّمَ إلَيْهِ
الْمُخُّ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ، فَقُلْت : هَذَا يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ
وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } ، فَقَالَ : يَا شَعْبِيُّ مَازَحْت مَنْ لَمْ
يُمَازِحْك ، فَقُلْت : هَذِهِ رَابِعَةٌ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ
الطَّعَامِ وَقَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ وَانْدَفَعْنَا فِي الْحَدِيثِ
وَذَهَبْتُ لِأَتَكَلَّمَ فَمَا ابْتَدَأْت بِشَيْءٍ مِنْ الْحَدِيثِ
إلَّا اسْتَلَّهُ مِنِّي فَحَدَّثَ النَّاسَ وَرُبَّمَا زَادَ فِيهِ عَلَى
مَا عِنْدِي وَلَا أُنْشِدُهُ شِعْرًا إلَّا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ،
فَغَمَّنِي وَانْكَسَرَ بَالِي .
فَمَا زِلْنَا عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ نَهَارِنَا ، فَلَمَّا كَانَ آخِرُ وَقْتٍ الْتَفَتَ إلَيَّ .
وَقَالَ
لِي يَا شَعْبِيُّ قَدْ وَاَللَّهِ تَبَيَّنَتْ الْكَرَاهَةُ فِي وَجْهِك
لِمَا فَعَلْت وَتَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ :
لَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : لِئَلَّا تَقُولَ : إنْ فَازَ
هَؤُلَاءِ بِالْمُلْكِ لَقَدْ فُزْنَا نَحْنُ بِالْعِلْمِ ، فَأَرَدْت
أَنْ أُعَرِّفَك أَنَّا فُزْنَا بِالْمُلْكِ وَشَارَكْنَاك فِيمَا أَنْتَ
فِيهِ ، ثُمَّ أَمَرَ لِي بِمَالٍ فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ زَلَلْتُ
أَرْبَعَ زَلَّاتٍ وَقَالَ : حَدَّثَ بَعْضُهُمْ الْمَأْمُونَ فَقَالَ :
اسْمَعْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَقَالَ الْمَأْمُونُ : أَخْرِجُوهُ .
فَلَيْسَ
هَذَا مِنْ سُمَّارِ الْمُلُوكِ وَحَدَّثَهُ الْحَسَنُ اللُّؤْلُؤِيُّ
وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَنَامَ فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ خُذْ بِيَدِهِ فَلَيْسَ هَذَا
مِنْ سُمَّارِ الْمُلُوكِ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ أَنْ يُفْتِي فِي مُحْرِمٍ
صَادَ ظَبْيًا .
وَقَالَ ابْنُ الْمُعْتَزِّ : أَشْقَى النَّاسِ
بِالسُّلْطَانِ صَاحِبُهُ ، كَمَا أَنَّ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ إلَى
النَّارِ أَسْرَعُهَا احْتِرَاقًا قَالَ الشَّاعِرُ : إنَّ الْمُلُوكَ
بَلَاءٌ حَيْثُمَا حَلُّوا فَلَا يَكُنْ لَكَ فِي
أَفْنَائِهِمْ
ظِلُّ وَمَا تُرِيدُ بِقَوْمٍ إنْ هُمْ سَخِطُوا جَارُوا عَلَيْكَ وَإِنْ
أَرْضَيْتَهُمْ مَلُّوا وَإِنْ مَدَحْتَهُمْ ظَنُّوكَ تَخْدَعُهُمْ
وَاسْتَثْقَلُوكَ كَمَا يُسْتَثْقَلُ الْكَلُّ فَاسْتَغْنِ بِاَللَّهِ
عَنْ أَبْوَابِهِمْ أَبَدًا إنَّ الْوُقُوفَ عَلَى أَبْوَابِهِمْ ذُلُّ
وَيُقَالُ : لَا تَغْتَرِرْ بِالْأَمِيرِ ، إذَا غَشَّك الْوَزِيرُ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَثِقْ بِالْأَمِيرِ ، إذَا خَانَك الْوَزِيرُ .
جَلَسَ مُعَاوِيَةُ يَأْخُذُ الْبَيْعَةَ عَلَى النَّاسِ بِالْبَرَاءِ مِنْ عَلِيٍّ .
فَقَالَ
رَجُلٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّا نُطِيعُ أَحْيَاءَكُمْ وَلَا
نَبْرَأُ مِنْ أَمْوَاتِكُمْ فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إلَى الْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ فَقَالَ : يَا رَجُلُ فَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا .
وَكَانَ
يُقَالُ : إذَا نَزَلْت مِنْ الْوَلِيِّ بِمَنْزِلَةِ الثِّقَةِ فَاعْزِلْ
عَنْهُ كَلَامَ الْخَنَا وَالْمَلَقِ ، وَلَا تُكْثِرَن لَهُ الدُّعَاءَ
فِي كُلِّ كَلِمَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الْوَحْشَةَ .
وَعَظِّمْهُ وَقَرِّرْهُ فِي النَّاسِ .
قَالَ
الْفَرَزْدَقُ : قُلْ لِمُبْصِرٍ وَالْمَرْءُ فِي دَوْلَةِ السُّلْطَانِ ؛
أَعْمَى مَادَامَ يُدْعَى أَمِيرَا فَإِذَا زَالَتْ الْوِلَايَةُ عَنْهُ
وَاسْتَوَى بِالرِّجَالِ كَانَ بَصِيرًا كَانَ يُقَالُ : ثَلَاثَةٌ مَنْ
عَازَّهُمْ رَجَعَتْ عِزَّتُهُ ذُلًّا ، السُّلْطَانُ وَالْعَالِمُ
وَالْوَالِدُ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ : فِي أَثْنَاءِ
كَلَامٍ لَهُ أَرْبَعَةٌ لَا يُسْتَحْيَا مِنْ خِدْمَتِهِمْ السُّلْطَانُ
وَالْوَالِدُ وَالضَّيْفُ وَالدَّابَّةُ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
فِي مَكَان آخَرَ وَلَمْ يَعْزُ إلَى أَحَدٍ خَمْسَةٌ لَا يُسْتَحْيَ مِنْ
خِدْمَتِهِمْ السُّلْطَانُ وَالْوَالِدُ وَالْعَالِمُ وَالضَّعِيفُ
وَالدَّابَّةُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَالُوا تَقَرَّبْ مِنْ
السُّلْطَانِ قُلْتُ لَهُمْ يُعِيذُنِي اللَّهُ مِنْ قُرْبِ السَّلَاطِينِ
إنْ قُلْتُ دُنْيَا فَلَا دُنْيَا لِمُمْتَحَنٍ أَوْ قُلْتُ دِينًا فَلَا
دِينَ لِمَفْتُونِ وَمِنْ الْأَمْثَالِ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ :
السُّلْطَانُ كَالنَّارِ إنْ بَاعَدْتَهَا بَطَلَ نَفْعُهَا ، وَإِنْ
قَارَبْتَهَا عَظُمَ ضَرَرُهَا صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ
الْأَسَدِ
يَهَابُهُ النَّاسُ ، وَهُوَ لِمَرْكَبِهِ أَهْيَبُ ، أَجْرَأُ النَّاسِ
عَلَى الْأَسَدِ أَكْثَرُهُمْ لَهُ رُؤْيَةً ، إذَا قَالَ السُّلْطَانُ
لِعُمَّالِهِ هَاتُوا فَقَدْ قَالَ خُذُوا مَنْ خَدَمَ السُّلْطَانَ
خَدَمَتْهُ الْإِخْوَانُ ثَلَاثَةٌ لَا أَمَانَ لَهُمْ : السُّلْطَانُ
وَالْبَحْرُ وَالزَّمَانُ ، مِثْلُ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ كَقَوْمٍ
رَقُوا جَبَلًا ثُمَّ وَقَعُوا مِنْهُ فَكَانَ أَبْعَدُهُمْ مِنْ
الْمُرْتَقَى أَقْرَبَهُمْ إلَى التَّلَفِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبَّاسٍ : قَالَ لِي أَبِي إنِّي أَرَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُدْنِيك وَيُقَرِّبُك فَاحْفَظْ عَنِّي
ثَلَاثًا : إيَّاكَ أَنْ يُجَرِّبَ عَلَيْك كَذْبَةً ، وَإِيَّاكَ أَنْ
تَغْتَابَ عِنْدَهُ أَحَدًا ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُفْشِيَ لَهُ سِرًّا .
ثُمَّ
قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ ثَلَاثٌ وَأَيُّ ثَلَاثٍ ، فَقَالَ لَهُ
رَجُلٌ : يَا ابْنَ عَبَّاسٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ قَالَ :
بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ خَيْرٌ مِنْ عَشْرَةِ آلَافٍ .
فَصْلٌ ( يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ التَّوَسُّطُ فِي كُلِّ شُؤُونِهِ لِلتَّأَسِّي بِهِ ) .
قَالَ
أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَيَنْبَغِي
لِلْعَالِمِ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِي مَلْبَسِهِ وَنَفَقَتِهِ وَلْيَكُنْ
إلَى التَّقَلُّلِ أَمْيَلَ فَإِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ ،
وَيَنْبَغِي لَهُ الِاحْتِرَازُ مِمَّا يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ
مَتَى تَرَخَّصَ فِي الدُّخُولِ عَلَى السَّلَاطِينِ وَجَمْعِ الْحُطَامِ
فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ كَانَ الْإِثْمُ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا سَلِمَ
هُوَ فِي دُخُولِهِ فَلَمْ يَفْقَهُوا كَيْفِيَّةَ سَلَامَتِهِ ،
وَكَلَامُ ابْنُ الْبَنَّا : فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ
لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَأَنْشَدَ : إذَا قَنَعْتَ بِمَيْسُورٍ مِنْ الْقُوتِ
أَصْبَحْتَ فِي النَّاسِ حُرًّا غَيْرَ مَمْقُوتِ يَا قُوتَ نَفْسِي إذَا
مَا دَرَّ خَلْفَكَ لِي فَلَسْتُ آسَى عَلَى دُرٍّ وَيَاقُوتِ وَعَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ قَالَ { مَا عَالَ مَنْ اقْتَصَدَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ يَا عُلَمَاءُ مَا
نَقْنَعُ مِنْكُمْ بِمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ زِيِّ تَصَارِيفِكُمْ ،
فَإِنَّ طَبِيبًا بِهِ مِثْلُ مَرَضِي فَضَيَّقَ عَلَيَّ الْأَغْذِيَةَ
وَلَا يَحْتَمِي مَشْكُوكٌ فِي صِدْقِهِ عِنْدِي ، فَالْحَظُوا حَالَ مَنْ
أَنْتُمْ مِنْ وَرَثَتِهِ كَيْفَ غُفِرَ لَهُ .
ثُمَّ قَامَ حَتَّى
تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ يَا سِبَاعُ يَا قُطَّاعَ الطَّرِيقِ لَا تُرَوْنَ
إلَّا عَلَى مَطَارِحِ الْجِيَفِ : نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَنَعَ مِنْ الْمَرْأَةِ بِإِشَارَتِهَا إلَى السَّمَاءِ
وَأَنْتُمْ تُشَكِّكُونَ النَّاسَ فِي الْعَقَائِدِ ، انْفَتَحَ
بِكَلَامِكُمْ الْبَثْقُ الْعَظِيمُ وَهُوَ كَلَامُ الدَّهْرِيَّةِ
وَالْمُلْحِدَةِ .
فَصْلٌ ( فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ ) .
هَلْ
الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ أَمْ
الْعَكْسُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ
الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ أَنَّ
أَصَحَّهُمَا أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ وَقَالَ : اخْتَارَهَا
أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا وَالْوَالِدُ السَّعِيدُ وَقَالَ الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ : وَالصَّوَابُ فِي قَوْله تَعَالَى : { إنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } .
فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي
الْفَتْوَى اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ كَذَا قَالَ وَقَالَ الْحَاكِمُ
فِي تَارِيخِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَافِعِ بْنِ
مُكْرَمٍ الزَّاهِدُ أَبُو عَبَّاسٍ الْعَابِدُ كَانَ مِنْ الْأَبْدَالِ ،
تُوُفِّيَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ
، سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ " أَبُو الْوَلِيدِ " يَقُولُ لَوْ أَنَّ
التَّابِعِينَ وَالسَّلَفَ رَأَوْا عُبَيْدَ اللَّهِ الزَّاهِدَ
لَفَرِحُوا بِهِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ الْمُزَكَّى سَمِعْت
أَبَا عَلِيٍّ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ : عُبَيْدُ اللَّهِ الزَّاهِدُ مِنْ
الْمُجْتَهِدِينَ قَالَ الْحَاكِمُ : قُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ قَالَ
: لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَضْلٌ إنَّمَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ
بِإِيمَانِهِمْ ثُمَّ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : كَلَّمَنِي أَبُو
الْوَلِيدِ فِي فَضْلِ الْغَنِيِّ .
وَاحْتَجَّ عَلِيٌّ بِقَوْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا
كَانَ عَنْ ظَهْرِ غَنِيٍّ } قُلْتُ : يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ }
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْت أَنَّ النَّاسَ
يَتَفَاضَلُونَ بِإِيمَانِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِحَارِثَةَ : { إنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً فَمَا حَقِيقَةُ
إيمَانِكَ قَالَ : عَزَفَتْ نَفْسِي عَنْ الدُّنْيَا } .
جَعَلَ اخْتِيَارَ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
قَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ : وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَ الْغَنِيِّ
وَالْفَقِيرِ فَظَاهِرُ النَّقْلِ يَدُلُّ عَلَى تَفْضِيلِ الْفَقِيرِ ،
وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ تَفْضِيلٍ فَنَقُولُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ
الشَّكُّ وَالْخِلَافُ فِي فَقِيرٍ صَابِرٍ لَيْسَ بِحَرِيصٍ
بِالْإِضَافَةِ إلَى غَنِيٍّ شَاكِرٍ يُنْفِقُ مَالَهُ فِي الْخَيْرَاتِ ،
أَوْ فَقِيرٍ حَرِيصٍ مَعَ غَنِيٍّ حَرِيصٍ ، فَلَا يَخْفَى أَنَّ
الْفَقِيرَ الْقَانِعَ أَفْضَلُ مِنْ الْغَنِيِّ الْحَرِيصِ ، فَإِنْ
كَانَ الْغَنِيُّ مُتَمَتِّعًا بِالْمَالِ فِي الْمُبَاحَاتِ ،
فَالْفَقِيرُ الْقَنُوعُ أَفْضَلُ مِنْهُ ، وَكَشْفُ الْغِطَاءِ فِي هَذَا
إنَّمَا يُرَادُ لِغَيْرِهِ وَلَا يُرَادُ لِعَيْنِهِ ، يَنْبَغِي أَنْ
يُضَافَ إلَى مَقْصُودِهِ إذْ بِهِ يَظْهَرُ فَضْلُهُ ، وَالدُّنْيَا
لَيْسَتْ مَحْذُورَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا عَائِقَةً عَنْ
الْوُصُولِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْفَقْرُ لَيْسَ مَطْلُوبًا
لِعَيْنِهِ لَكِنْ ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَقْدَ الْعَائِقِ عَنْ اللَّهِ
تَعَالَى وَعَدَمَ التَّشَاغُلِ عَنْهُ .
وَكَمْ مِنْ غَنِيٍّ لَا
يَشْغَلُهُ الْغِنَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَمْ مِنْ فَقِيرٍ شَغَلَهُ فَقْرُهُ عَنْ
الْمَقْصُودِ وَصَرَفَهُ عَنْ حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأُنْسِ بِهِ ،
وَإِنَّمَا الشَّاغِلُ لَهُ حُبُّ الدُّنْيَا إذْ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ
حُبُّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ الْمُحِبَّ لِشَيْءٍ مَشْغُولٌ بِهِ ،
سَوَاءٌ كَانَ فِي فِرَاقِهِ أَوْ فِي وِصَالِهِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ
شُغْلُهُ فِي فِرَاقِهِ أَكْثَرَ .
وَالدُّنْيَا مَشُوقَةُ
الْغَافِلِينَ فَالْمَحْرُومُ مِنْهَا مَشْغُولٌ بِطَلَبِهَا ،
وَالْقَادِرُ عَلَيْهَا مَشْغُولٌ بِحِفْظِهَا ، وَالتَّمَتُّعِ بِهَا ،
وَإِنْ أَخَذْت الْأَمْرَ بِاعْتِبَارِ الْأَكْثَرِ ، فَالْفَقِيرُ عَنْ
الْخَطَرِ أَبْعَدُ ؛ لِأَنَّ فِتْنَةَ السَّرَّاءِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ
الضَّرَّاءِ ، وَمِنْ الْعِصْمَةِ أَنْ لَا تَجِدَ ، وَلَمَّا كَانَ
ذَلِكَ فِي الْآدَمِيِّينَ إلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ جَاءَ الشَّرْعُ
بِذَمِّ الْغِنَى وَفَضْلِ الْفَقْرِ ، وَذَكَرَ كَلَامًا
كَثِيرًا .
قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَفْضِيلِ الْغَنِيِّ ؛ لِأَنَّ
الْغَنِيَّ مُقْتَدِرٌ وَالْفَقِيرَ عَاجِزٌ وَالْقُدْرَةُ أَفْضَلُ مِنْ
الْعَجْزِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ
حُبُّ النَّبَاهَةِ ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى تَفْضِيلِ الْفَقِيرِ ؛
لِأَنَّ الْفَقِيرَ تَارِكٌ وَالْغَنِيَّ مُلَابِسٌ ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا
أَفْضَلُ مِنْ مُلَابَسَتِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبُ
مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ السَّلَامَةِ .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى
تَفْضِيلِ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ حَدِّ
الْفَقْرِ إلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْغِنَى لِيَصِلَ إلَى فَضِيلَةِ
الْأَمْرَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى
تَفْضِيلَ الِاعْتِدَالِ ، وَأَنَّ خِيَارَ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا .
قَالَ
ابْنُ هُبَيْرَةَ الْوَزِيرُ الْحَنْبَلِيُّ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي
الْفَقْرِ إلَّا أَنَّهُ بَابُ رِضَاءِ اللَّهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي
الْغِنَى إلَّا أَنَّهُ بَابُ سَخَطِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا
رَأَى الْفَقِيرَ رَضِيَ عَنْ اللَّهِ فِي تَقْدِيرِهِ ، وَإِذَا رَأَى
الْغَنِيَّ تَسَخَّطَ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ يَكْفِي فِي فَضْلِ
الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ .
فَصْلٌ ( فِي تَحْرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ ) فِي اللِّبَاسِ يَحْرُمُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ حُرٍّ وَعَبْدٍ اسْتِعْمَالُ ثَوْبٍ وَعِمَامَةٍ وَتِكَّةٍ وَسَرَاوِيلَ وَشَرَابَةٍ مِنْ الْحَرِيرِ بِلَا ضَرُورَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَرَابَةِ الْحَرِيرِ الْمُنْفَصِلَةُ كَشَرَابَةِ الْبَرِيدِ فَأَمَّا الْمُتَّصِلَةُ فَمُبَاحَةٌ كَزِرِّ حَرِيرٍ وَنَحْوِهِ ، وَكَلَامُهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ يَقْتَضِي هَذَا فَإِنْ قَالَ : إنَّ التَّقْلِيدَ بِشَرَارِيبِهِ يَحْرُمُ وَهُوَ مَا أَكْثَرَهُ وَزْنًا فِي وَجْهٍ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقِيلَ : بَلْ ظُهُورًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ قَدَّمَهُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَكَذَلِكَ الْمُلْحَمُ وَهُوَ مَا سَدَاهُ حَرِيرٌ وَاللُّحْمَةُ غَزْلٌ وَلُبْسُ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ وَالتَّقْلِيدُ بِشَرَارِيبِهِ وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَالْبِطَانَةُ كَالظِّهَارَةِ فِي ذَلِكَ .
فَصْلٌ
الْخِلَافُ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ بِغَيْرِ اللُّبْسِ ذَكَرَ
الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُلِّ كُتُبِهِ أَنَّ
لُبْسَ الْحَرِيرِ وَافْتِرَاشَهُ مُحَرَّمٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ
بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ وَجِيهُ
الدِّينِ بْنُ الْمُنَجَّى فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ
الْحَرِيرِ لِبَاسًا وَافْتِرَاشًا قَالَ هَذَا مَعَ كَوْنِهِ هَذَّبَ
كَلَامَ أَبِي الْخَطَّابِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَا غَيْرُهُمَا مِنْ
الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ .
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ
سَتْرَ الْجُدُرِ وَالْحِيطَانِ بِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ السَّاتِرِ فِيهِ
الرِّوَايَتَانِ الْمَشْهُورَتَانِ ، وَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ
حَرِيرًا وَإِنَّ اسْتِعْمَالَ البقج وَأَكْيَاسِ الْحَرِيرِ الَّتِي
تُوضَعُ الْأَثْمَان أَوْ غَيْرُهَا فِيهَا ، والبقج الَّتِي تُوضَعُ
فِيهَا الثِّيَابُ وَاِتِّخَاذُ مِخَدَّةِ الْحَرِيرِ لِلزِّينَةِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَلَى ذَلِكَ
وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَلَا لُبْسَ لَهُ وَلَا تَدَثُّرَ بِهِ أَنَّ
ذَلِكَ غَيْرُ مُحَرَّمً .
وَقَطَعَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ فِي
شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَالْأَزَجِيُّ فِي النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ الِاسْتِجْمَارُ بِمَا لَا يُنَقَّى كَالْحَرِيرِ النَّاعِمِ
وَظَاهِرُهُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ إذَا نُقِّيَ ؛
لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ بِالنَّصِّ اللُّبْسُ ، وَهَذَا لَيْسَ بِلُبْسٍ
بَلْ اسْتِعْمَالٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ ؛
لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ .
وَقَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ { هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ
أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا } لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ وَإِضْمَارُ
اللُّبْسِ أَوْلَى عَنْ لَفْظِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ أَبَاحَ لِبَاسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ ،
وَحَرَّمَ ذَلِكَ عَلَى الرِّجَالِ إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي جُمْلَةِ الْآثَارِ الصِّحَاحِ الْمَرْوِيَّةِ
فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ : وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْخِطَابِ لِبَاسُ
الْحَرِيرِ وَلِبَاسُ الذَّهَبِ
دُونَ الْمِلْكِ وَسَائِرِ
التَّصَرُّفِ وَبِدَلِيلِ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ
بِاللُّبْسِ ؛ وَلِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ الْمَعْرُوفُ فِي اسْتِعْمَالُ
الشَّارِعِ ، وَالتَّعْلِيلُ بِالسَّرَفِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ ،
وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ تَعْلِيلٌ بِالْحِكْمَةِ وَفِي جَوَازِهِ
خِلَافٌ مَشْهُورٌ عَلَى أَنَّهُ مُنْكَسِرٌ بِلُبْسِ الدَّوَابِّ
وَالْحَرِيرِ .
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ
الْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالِافْتِرَاشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ ، فَأَمَّا الْإِبْرَيْسَمُ فَاسْتِعْمَالُهُ حَرَامٌ
عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ أَحْرَارًا كَانُوا أَوْ عَبِيدًا ،
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ
وَالتَّقْلِيدُ بِشَرَارِيبِهِ وَجَعْلُهُ تِكَكًا فِي السَّرَاوِيلَاتِ
وَتَعْلِيقُهُ سُتُورًا وَغَيْرُ ذَلِكَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ وَجِيهُ
الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَتَمَسَّكَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ فِي اخْتِصَاصِ التَّحْرِيمِ بِاللِّبَاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ
يَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا يَلْبَسُ
هَذَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ } قَالَ : وَلَمْ يَقِسْ
عَلَيْهِ التَّوَسُّدَ وَالنَّوْمَ عَلَيْهِ وَالِادِّثَارَ بِهِ
وَالسُّتُورَ الْمُعَلَّقَةَ ؛ لِأَنَّهَا دُونَهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ
ثُمَّ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ عَلَى التَّحْرِيمِ
بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ ، وَقَالَ : فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ
دَلَّتْ بِعُمُومِهَا وَخُصُوصِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا وَلَمْ
يُعَيِّنْ اسْتِعْمَالًا مَخْصُوصًا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ
أَنْوَاعِهِ ، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ ؛ لِأَنَّهَا أَنْفَسُ مَالٍ لِأَهْلِ
الدُّنْيَا فَلُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا يُكْسِبُ الْعُجْبَ وَالْفَخْرَ
وَالْخُيَلَاءَ ، وَفِيهِ كَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَالتَّشَبُّهُ
بِالْأَعَاجِمِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، إلَى أَنْ قَالَ : وَسَوَاءٌ
فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ اللُّبْسِ وَالسُّتُورِ الْمُعَلَّقَةِ
وَالتِّكَكِ فِي السَّرَاوِيلَاتِ والكمراناب وَمَيَاثِرِ السُّرُوجِ
وَالشَّرَارِيبِ فِي الشَّعْرِ لِعُمُومِ التَّحْرِيمِ ؛ وَلِأَنَّهُ
نَوْعُ اسْتِعْمَالٍ وَاسْتِخْدَامٍ فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّهْيِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَذَكَرَ
صَاحِبُ الْمُخْتَارِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ وَنَحْوَهُ
لَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
يُكْرَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَإِبَاحَةُ الِافْتِرَاشِ وَنَحْوِهِ مِنْ
مُفْرَدَاتِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَذَكَرَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي
شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ غَيْرُ اللُّبْسِ كَافْتِرَاشِهِ
وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ
بِالْأَحَادِيثِ مِنْهَا قَالَ : وَدَخَلَ أَبُو أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ فَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً فَظَنَّ
أَنَّهَا حَرِيرٌ فَتَنَحَّى وَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَسْتَمْتِعُ بِالْحَرِيرِ مَنْ يَرْجُو
أَيَّامَ اللَّهِ } .
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قَالَ فَفَهِمَ
أَبُو أُمَامَةَ دُخُولَ الِافْتِرَاشِ فِي عُمُومِهِ وَقَالَ أَيْضًا لَا
يُبَاحُ يَسِيرُ الْحَرِيرِ مُفْرَدًا كَالتِّكَّةِ وَالشَّرَابَةِ
وَنَحْوِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ،
وَفَهِمَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا الْعُمُومَ
فَقَالَ : وَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ ذَلِكَ شَرَابَةُ الدَّوَاةِ وَسِلْكُ
السُّبْحَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْمُتَعَبِّدَةِ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَالتَّمَتُّعُ وَالِاسْتِمْتَاعُ بِالشَّيْءِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْمَتَاعُ وَالْمُتْعَةُ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ .
لَكِنْ
خَبَرُ أَبِي أُمَامَةَ الْمَذْكُورُ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ
عَيَّاشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ
الشَّامِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ ،
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَّ عَلَى إبَاحَةَ جَعْلِ الْمُصْحَفِ فِي كِيسٍ
حَرِيرٍ وَاتِّخَاذِهِ لَهُ وَلَوْ أُبِيحَ جَعْلُ غَيْرِ الْمُصْحَفِ
فِيهِ وَاِتِّخَاذُهُ لَهُ لَمَا خَصَّ الْمُصْحَفَ بِالذِّكْرِ .
وَعَلَّلَ الْآمِدِيُّ مَسْأَلَةَ الْمُصْحَفِ بِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَفِي
ذَلِكَ
تَعْظِيمٌ لَهُ وَهَذَا مِنْ الْآمِدِيِّ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ
الْكَثِيرِ لِغَيْرِ الْمُصْحَفِ ، وَتَعْلِيلُهُ صَرِيحٌ فِي إبَاحَةِ
الْيَسِيرِ الْمُفْرَدِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ إِسْحَاقَ .
وَمَسْأَلَةُ
كِتَابِ الصَّدَاقِ فِي الْحَرِيرِ مَنْ حَرَّمَهُ يُوَافِقُ هَذَا
الْقَوْلَ ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَوْ اخْتَصَّ بِجِنْسِ اللُّبْسِ لَمْ
يَحْرُمْ ، وَمَنْ لَمْ يُحَرِّمْهُ قَدْ يُوَجِّهُهُ بِأَنَّهُ بِسَبَبِ
الْمَرْأَةِ ، وَالْحَرِيرُ مُبَاحٌ لَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ
مُوَافَقَةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ يُقَالُ : يَلْزَمُ مِنْهُ
الْمُوَافَقَةُ .
وَقَدْ بَحَثَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي
مَسْأَلَةِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، قَالُوا :
وَلِأَنَّ اتِّخَاذَهَا يَدْعُو إلَى اسْتِعْمَالِهَا وَيُفْضِي إلَيْهِ
غَالِبًا فَحُرِّمَ كَالْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَاقْتِنَاءِ
الْخَمْرِ ؛ وَلِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ
اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَالْمَلَاهِي قَالُوا
وَتَحْرِيمُ الِاسْتِعْمَالِ عَلَيْهِ عِلَّتُهُ السَّرَفُ وَالْخُيَلَاءُ
، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الِاتِّخَاذِ ، وَهَذَا جَارٍ بِظَاهِرٍ فِي
مَسْأَلَتِنَا .
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْبَحْثَ
وَلَمْ يَزِدْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ وَذَكَرَ فِي حُجَّةِ
الْمُخَالِفِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ
تَحْرِيمُ الِاتِّخَاذِ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ الرَّجُلُ ثِيَابَ الْحَرِيرِ
، وَفَرَّقَ بِأَنَّ ثِيَابَ الْحَرِيرِ تُبَاحُ لِلنِّسَاءِ وَتُبَاحُ
لِلتِّجَارَةِ فِيهَا .
فَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ
لِأَصْحَابِنَا فِي اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ فِي غَيْرِ جِنْسِ اللُّبْسِ
اللُّغَوِيِّ وَجْهَيْنِ ، وَأَنَّ فِي تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ مَا حَرُمَ
اسْتِعْمَالُهُ لِلزِّينَةِ وَنَحْوِهَا وَجْهَيْنِ ، فَأَمَّا عَلَى
رِوَايَةِ إبَاحَةِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَهَذَا
أَوْلَى ، وَإِنَّ اخْتِيَارَ الْآمِدِيِّ إبَاحَةَ يَسِيرِ الْحَرِيرِ
مُفْرَدًا وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إبَاحَةَ يَسِيرِ
الْحَرِيرِ وَظَاهِرُهُ كَقَوْلِ الْآمِدِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ
ذَكَرَ تَحْرِيمَ اللُّبْسِ وَالِافْتِرَاشِ
وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ اللُّبْسِ اللُّغَوِيِّ وَسَتْرِ الْجُدُرِ بِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ عُرِفَ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ حَرَكَاتِ الْحَرِيرِ والبشخانة وَالْخَيْمَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَرِيرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
فَصْلٌ فَإِنْ جَلَسَ عَلَى شَيْءٍ طَرَفُهُ أَوْ وَسَطُهُ
حَرِيرٌ لَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَخْتَصُّ
بِجِنْسِ اللُّبْسِ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَيُحْتَمَلُ
أَنْ لَا يَحْرُمَ اعْتِبَارًا بِمَا إذَا صَلَّى عَلَى مَكَان طَاهِرٍ
مِنْ بِسَاطِ طَرَفُهُ نَجِسٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا مُصَلٍّ عَلَيْهَا ، وَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ
بِمُصَلَّاهُ كَذَا هَهُنَا .
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى
بَعْضِهِ اسْتِعْمَالٌ مِثْلُهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ ، بَلْ اسْتِعْمَالُ
مِثْلِهِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْعَيْنِ هُوَ
التَّصَرُّفُ فِيهَا حَسَبَ مَا أُعِدَّتْ لَهُ وَهَذِهِ الْعَيْنُ لَا
يُجْلَسُ عَلَى الْحَرِيرِ مِنْهَا فَلَا يَكُونُ ، مُسْتَعْمِلًا لَهُ ،
بَلْ وَلَمْ تُعَدَّ جَمِيعُهَا لِلْجُلُوسِ بَلْ بَعْضُهَا مُعَدٌّ
لِلْجُلُوسِ وَبَعْضُهَا لِلزِّينَةِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا
حُكْمُ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ انْفَصَلَا وَمُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ لَيْسَ
بِمُوجِبٍ لِتَسَاوِي حُكْمَيْهِمَا لَكِنْ يَجِيءُ فِي تَحْرِيمِ
اتِّخَاذِهِ مَا سَبَقَ وَيُفَارِقُ الْإِنَاءَ إذَا كَانَ بَعْضُهُ
ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً حَيْثُ تَقُولُ : يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا
أَغْلَظُ وَأَشَدُّ فَلَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ
وَأَخَفُّ عَلَى مَا لَا يَخْفَى فِيهَا ، وَتَحْتَمِلُ أَنْ يَحْرُمَ ؛
لِأَنَّ اتِّصَالَ مَا لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهُ بِمَا حُرِّمَ
يَقْتَضِي تَحْرِيمَ اسْتِعْمَالِهِ لِكَوْنِهِ اسْتِعْمَالًا مِثْلَهُ .
وَدَلِيلُهُ
مَسْأَلَةُ الْإِنَاءِ إذَا كَانَ بَعْضُهُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً
وَتُفَارِقُ مَسْأَلَتُنَا مَسْأَلَةَ الْبِسَاطِ إذَا كَانَ بَعْضُهُ
طَاهِرًا وَبَعْضُهُ نَجِسًا أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ الْحُكْمُ مُعَلَّقٌ
فِيهِ بِقُرْبَانِ النَّجَاسَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَهَذَا الْحُكْمُ
مُعَلَّقٌ بِالِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ
الْأَوَّلَ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ كَلَامُ الشَّيْخِ وَجِيهِ الدِّينِ
فِي الْمَسْأَلَةِ بَعْدَهَا .
فَصْلٌ ( فِي الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ بِحَائِلٍ فَوْقَهُ وَفِي بِطَانَتِهِ ) .
فَإِنْ
وَضَعَ عَلَى الْحَرِيرِ شَيْئًا وَجَلَسَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَحْرُمُ ؟
جَعَلَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ حُكْمَهَا حُكْمَ مَا لَوْ بَسَطَ
شَيْئًا وَجَلَسَ عَلَيْهِ طَاهِرًا عَلَى نَجِسٍ وَفِيهَا رِوَايَتَانِ
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضُوعُ
عَلَى الْحَرِيرِ مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ لَا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي
مَسْأَلَةِ الطَّاهِرِ عَلَى النَّجِسِ وَلَعَلَّهُ ظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ
قَاسَ مِنْ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمَ حَشْوِ الْجِبَابِ وَالْفُرُشِ عَلَى
الْبِطَانَةِ .
وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمَ بِطَانَةِ
الْحَرِيرِ وَظِهَارَتِهِ ، ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْفِرَاشِ
وَغِشَاءِ الْمِخَدَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ
عَلَيْهِ فِي الْمَلْبُوسِ الْعُرْفِيِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَرَّقَ
بَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّاهِرِ
وَالنَّجِسِ وَكَمَا فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ جَانِبَيْ
الْفِرَاشِ حَرِيرًا وَالْآخَرُ غَيْرَ حَرِيرٍ عَلَى مَا سَبَقَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَأَمَّا سَتْرُ الْكَعْبَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْحَرِيرِ مَعْرُوفٌ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ أَنَّ إبَاحَتَهُ وِفَاقٌ .
فَصْلٌ ( فِي إبَاحَةِ الْحَرِيرِ
وَالذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا إجْمَاعًا ،
وَالْأَقْوَالُ فِي حِكْمَةِ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ ) .
وَيُبَاحُ
كُلُّ ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ
مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرِيَّةُ
وَغَيْرُهُمْ وَكَذَا إبَاحَةُ الذَّهَبِ لَهُنَّ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ
عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ خَطَبَ وَقَالَ
: لَا تُلْبِسُوا نِسَاءَكُمْ الْحَرِيرَ فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي
الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ
مِثْلُهُ وَعَنْهُ أَيْضًا الْإِبَاحَةُ .
وَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ
سِيرِينَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ
لِابْنَتِهِ لَا تَلْبَسِي الذَّهَبَ ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْك مِنْ
حَرِّ اللَّهَبِ ، وَرَوَى مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ
أَنَّهُ كَرِهَ الذَّهَبَ لِلنِّسَاءِ وَمَا يَدُلُّ لِهَذَا الْقَوْلِ
مِنْ الْأَخْبَارِ يُحْمَلُ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهَا عَلَى تَحْرِيمٍ
سَابِقٍ لِصِحَّةِ أَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ وَتَأَخُّرِهَا .
فَإِنْ
قِيلَ : قَدْ عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ فِي فُصُولِ الطِّبِّ فِي التَّدَاوِي
بِالْمُحَرَّمَاتِ أَنَّ لِبَاسَ الْحَرِيرِ أَعْدَلُ اللِّبَاسِ
وَأَوْفَقُهُ لِلْبَدَنِ فَلِمَ حَرَّمَهُ الشَّرْعُ ؟ قِيلَ : لِتَصْبِرَ
النَّفْسُ عَنْهُ فَتُثَابَ وَلَهَا عِوَضٌ عَنْهُ ، وَقِيلَ : فِي
إبَاحَتِهِ مَفْسَدَةُ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَقِيلَ : لِمَا
يُورِثُ لُبْسُهُ مِنْ الْأُنُوثَةِ وَالتَّخَنُّثِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ
ضِدُّ الشَّهَامَةِ وَالرُّجُولِيَّةِ ، وَقِيلَ : لِمَا يُورِثُهُ
لُبْسُهُ مِنْ الْفَخْرِ وَالْعُجْبِ ، وَمَنْ لَمْ يَرَ الْحِكَمَ
وَالتَّعْلِيلَ لِلْأَحْكَامِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى جَوَابٍ وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يُبَاحُ لِلرِّجَالِ مِنْ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ كَالْعَلَمِ وَالزِّرِّ ) .
وَيُبَاحُ
مِنْ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ عَلَمُ الثَّوْبِ وَرُقْعَتُهُ وَلَبِنَةُ
جَيْبِهِ وَسَجْفُ الْفِرَاءِ وَنَحْوُهَا قَدْرُ كَفٍّ حَرِيرٍ عَرْضًا
قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ : بَلْ أَرْبَعَةُ
أَصَابِعَ مَضْمُومَةٌ فَأَقَلُّ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ
، وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ بِمُخَالِفٍ لِمَا قَبْلَهُ ، بَلْ هُمَا
سَوَاءٌ وَفِي الْعَلَمِ الْمُذَهَّبِ قَدْرُ كَفٍّ أَوْ أَقَلُّ
وَالزِّرُّ الذَّهَبِيُّ وَنَحْوُهُمَا وَجْهَانِ .
وَذَكَرَ ابْنُ
تَمِيمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ
الدَّقِيقِ دُونَ الْعَرِيضِ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَنْ ابْنِ
أَبِي مُوسَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَلَمِ إنْ كَانَ عَرِيضًا كُرِهَ
وَلَا بَأْسَ بِالدَّقِيقِ ، وَمَنْ لَبِسَ ثِيَابًا فِي كُلِّ ثَوْبٍ
قَدْرٌ يُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ جُمِعَ صَارَ ثَوْبًا فَذَكَرَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنِ تَمِيمٍ أَنْ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَذَكَرَ فِي
الرِّعَايَةِ أَنْ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ .
وَتُبَاحُ
الْخِيَاطَةُ بِحَرِيرٍ وَمَا تُلَفُّ بِهِ رُءُوسُ الْأَكْمَامِ
وَفُرُوجُ الثِّيَابِ وَالرَّقْمِ فَوْقَ ثَوْبِ قُطْنٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا : وَيُبَاحُ الْخَزُّ نَصَّ
عَلَيْهِ وَهُوَ حَرِيرٌ ، وَوَبَرٌ طَاهِرٌ مِنْ أَرْنَبٍ أَوْ غَيْرِهِ
قَالَ بَعْضُهُمْ : لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْخَزِّ نَصَّ عَلَيْهِ
وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ مِنْ
الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ ، وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ هَذَا
لَبِسَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَاكَ مُحْدَثٌ بِأَنَّ الْخَزَّ لَا سَرَفَ فِيهِ وَلَا خُيَلَاءَ
بِخِلَافِ ذَاكَ فَهَذَا الْفَرْقُ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي
بَكْرٍ وَغَيْرِهِ ، وَالْفَرْقُ الْأَوَّلُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ
وَغَيْرِهِ وَمَا عُمِلَ مِنْ سَقَطِ حَرِيرٍ وَمُشَاقَتِهِ وَمَا
يُلْقِيه الصَّانِعُ مِنْ فَمِهِ مِنْ تَقْطِيعِ الطَّاقَاتِ وَدَقٍّ
وَغَزْلٍ وَنَسْجٍ فَهُوَ كَحَرِيرٍ
خَالِصٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سُمِّيَ الْآنَ خَزًّا وَيُبَاحُ الْكَتَّانُ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ : لَا الْقَزُّ ، وَهَذَا الْكَلَامُ عَجِيبٌ ؛ لِأَنَّ الْقَزَّ حَرِيرٌ .
فَصْلٌ
وَمَا نُسِجَ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ :
أَوْ فِضَّةٍ أَوْ مُمَوَّهٍ أَوْ طَلْيٍ أَوْ كُفِّتَ أَوْ طُعِّمَ
بِأَحَدِهِمَا حَرُمَ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ : بَلْ يُكْرَهُ إلَّا فِي
مِغْفَرٍ وَجَوْشَنٍ وَخُوذَةٍ أَوْ فِي سِلَاحٍ لِضَرُورَةٍ كَذَا فِي
الرِّعَايَةِ ، وَفِيمَا اسْتَحَالَ لَوْنُهُ مِنْ الْمُمَوَّهِ بِذَهَبٍ
، وَقِيلَ : وَلَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا حُكَّ وَمَا نِصْفُهُ
حَرِيرٌ وَزْنًا فِي مُلَحَّمٍ وَخَزٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَحَشْوُ
الْحَرِيرِ فِي جُبَّةٍ أَوْ فِرَاشٍ وَجْهَانِ فِي الْكُلِّ جَوَازٌ
وَعَدَمُهُ ، وَقِيلَ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ كَمَا لَوْ شَكَّ فِي
كَثْرَةِ الْحَرِيرِ أَوْ مَسَارَاتِهِ غَيْرِهِ مَعَ إبَاحَةِ النِّصْفِ
، وَقِيلَ : الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ وَالْمُمَوَّهُ بِهِ كَالْحَرِيرِ
فِيمَا ذُكِرَ كُلِّهِ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إنْ كَانَ بَعْدَ
اسْتِحَالَتِهِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ مُبَاحٌ وَجْهًا
وَاحِدًا قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
خِيَاطَةِ الْمُلَحَّمِ فَقَالَ : مَا كَانَ لِلرَّجُلِ فَلَا وَمَا كَانَ
لِلنِّسَاءِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ :
يُبَاحُ حَشْوُ الْجِبَابِ الْإِبْرَيْسَمَ عَلَى الْأَظْهَرِ وَهَذَا
هُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ وَرَجَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَذَكَرَ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ : يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَمْوِيهُ
حَائِطٍ وَسَقْفٍ وَسَرِيرٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتَجِبُ إزَالَتُهُ
وَزَكَاتُهُ بِشَرْطِهَا وَلَوْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ .
وَقِيلَ :
وَقَلَنْسُوَةٍ كَذَا قَالَ ، وَقِيلَ : إنْ اُسْتُهْلِكَ فَلَمْ
يَجْتَمِعْ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا سُبِكَ فَلَهُ اسْتِدَامَتُهُ مَجَّانًا
وَإِلَّا فَلَا ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَحْلِيَةِ سَرْجٍ أَوْ لِجَامٍ
وَمَرْكَبٍ وَقِلَادَةِ فَهْدٍ وَكَلْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَيَحْرُمُ
تَحْلِيَةُ فِرَاشِهِ وَلِبَاسِهِ بِذَهَبٍ فَيُزَكَّى إذًا ، وَيُبَاحُ
بِفِضَّةٍ فَلَا يُزَكَّى وَقِيلَ : بَلْ يَحْرُمُ فَيُزَكَّى ،
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا تَحْلِيَةُ دَوَاةٍ وَمِحْبَرَةٍ وَمِقْلَمَةٍ
وَمِرْآةٍ وَمُشْطٍ وَمُكْحُلَةٍ وَشَرْبَةٍ
وَمِرْوَدٍ وَكُرْسِيٍّ
وَآنِيَةٍ وَسُبْحَةٍ وَمِحْرَابٍ وَكُتُبِ عِلْمٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ
وَكَذَا قِنْدِيلٌ وَمِجْمَرَةٌ وَمِدْخَنَةٌ وَمِلْعَقَةٌ وَقِيلَ :
يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ ، وَعَنْ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ
كَرَاهَةُ رَأْسِ الْمُكْحُلَةِ وَحِلْيَةُ الْمِرْآةِ فِضَّةً .
قَالَ
الْقَاضِي : ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ حِلْيَةَ
جَمِيعِ الْأَوَانِي بِالْفِضَّةِ وَالْمُصْمَتُ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى
بِالْمَنْعِ ، وَذَكَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَ قِنْدِيلًا
أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مِجْمَرَةً أَنَّ ذَلِكَ يُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ
تَحْرِيمٍ قَالَ وَلَوْ اتَّخَذَ سَرِيرًا أَوْ كُرْسِيًّا لَمْ يَجُزْ
قَالَ وَيُكْرَهُ عَمَلُ خُفَّيْنِ مِنْ فِضَّةٍ وَلَا يَحْرُمُ
كَالنَّعْلَيْنِ وَمُنِعَ مِنْ الشَّرَابَةِ وَالْمِلْعَقَةِ .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فَالرَّجُلُ يُدْعَى
فَيَرَى مُكْحُلَةً رَأْسُهَا مُفَضَّضٌ قَالَ : هَذَا يُسْتَعْمَلُ
وَكُلُّ مَا اُسْتُعْمِلَ فَأُخْرِجَ مِنْهُ إنَّمَا رُخِّصَ فِي
الضَّبَّةِ أَوْ نَحْوِهَا قُلْت : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إنِّي دَخَلْتُ
: عَلَى رَجُلٍ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بَعَثَ بِي إلَيْهِ فِي
شَيْءٍ فَأُتِيَ بِمُكْحُلَةٍ رَأْسُهَا مُفَضَّضٌ فَقَطَعَهَا
فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَتَبَسَّمَ وَأَنْكَرَ عَلَى صَاحِبُهَا .
فَصْلٌ ( بَيْعُ الْحَرِيرِ وَالْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصُنْعُهُ تَابِعٌ لِاسْتِعْمَالِهِ ) .
فَصْلٌ
: وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْحَرِيرِ وَالْمَنْسُوجِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
لِلرَّجُلِ ، وَكَذَلِكَ خِيَاطَتُهُ وَأُجْرَتُهَا .
وَقَالَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ : بَيْعُ الْحَرِيرِ
لِلْكُفَّارِ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْتَضِي جَوَازَهُ
بِخِلَافِ بَيْعِ الْخَمْرِ فَإِنَّ الْحَرِيرَ لَيْسَ حَرَامًا عَلَى
الْإِطْلَاقِ وَعَلَى قِيَاسِهِ بَيْعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
لَهُمْ ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهَا لَهُمْ جَازَ صَنْعَتُهَا لِبَيْعِهَا
مِنْهُمْ ، وَجَازَ عَمَلُهَا لَهُمْ بِالْأُجْرَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ
ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ تَعْلِيقِهِ عَلَى
الْمُحَرَّرِ .
فَصْلٌ ( فِي التَّحَلِّي بِاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ ) .
وَلَا
تَحْرُمُ اللَّآلِئُ وَلَا الْجَوَاهِرُ الثَّمِينَةُ ، وَظَاهِرُ مَا
ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ .
وَذَكَرَ
الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَالَ
لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ ، فَعَلَى قَوْلِهِ يَكُونُ
فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي تَشَبُّهِ الرَّجُلِ
بِالْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ
هَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ مَكْرُوهٌ ؟ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ
إبَاحَةَ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الزَّكَاةِ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي
بَحْثِ مَسْأَلَةِ إنَاءِ ذَاكَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
التَّحْرِيمُ ، وَالْكَرَاهَةُ وَالْإِبَاحَةُ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ
كَرِهَ ذَلِكَ غَيْرُ خَاتَمِ الرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ
ابْنُ حَزْمٍ فِي الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الذَّبَائِحِ : اتَّفَقُوا عَلَى
إبَاحَةِ تَحَلِّي النِّسَاءَ بِالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَاخْتَلَفُوا
فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ إلَّا فِي الْخَاتِمِ ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّ التَّخَتُّمَ لَهُمْ بِجَمِيعِ الْأَحْجَارِ مُبَاحٌ مِنْ
الْيَاقُوتِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ يُكْرَهُ كِتَابَةُ صَدَاقِ الْمَرْأَةِ فِي حَرِيرٍ ، وَقِيلَ : يَحْرُمُ فِي الْأَقْيَسِ وَلَا يَبْطُلُ الْمَهْرُ بِذَلِكَ فَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهَا اقْتِنَاؤُهُ حَرُمَ شِرَاؤُهُ لَهَا وَإِلَّا فَلَا .
فَصْلٌ ( فِي
إبَاحَةِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ فِي الْحَرْبِ أَوْ لِفَائِدَةٍ
صِحِّيَّةٍ ) وَيُبَاحُ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ
حَاجَةٍ فِي أَرْجَحِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُبَاحُ
مَعَ نِكَايَةِ الْعَدُوِّ بِهِ ، وَقِيلَ يُبَاحُ عِنْدَ الْقِتَالِ مِنْ
غَيْرِ حَاجَةٍ وَكَذَلِكَ افْتِرَاشُهُ ، وَقَالَ فِي آخِرِ بَابٍ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَيُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ وَفِي
جَوَازِ لُبْسِهِ أَيْضًا لِحِكَّةٍ ، زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ يُؤَثِّرُ فِي
زَوَالِهَا أَوْ لِقَمْلٍ وَمَرَضٍ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَبَرْدٍ
رِوَايَتَانِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ
.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ : وَمَنْ احْتَاجَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ
وَالذَّهَبِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَحَصُّنٍ مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ
أُبِيحَ وَهَلْ يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ
؟ زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ : وَالْمَذْهَبُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
أَشْهُرُهُمَا التَّحْرِيمُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ
الشَّافِعِيَّةِ ، وَالثَّانِيَةُ الْجَوَازُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي
حَنِيفَةَ وَقَالَ فِي آخِرِ بَابٍ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَيُكْرَهُ لُبْسُ
الْحَرِيرِ وَالْمُذْهَبُ لَلصِّبْيَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَالْأُخْرَى لَا يُكْرَهُ .
فَصْلُ حُكْمِ الصُّوَرِ
وَالصُّلْبَانِ فِي الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَصُنْعِهَا وَاِتِّخَاذِهَا
يُكْرَهُ الصَّلِيبُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ :
وَيُحْتَمَلُ التَّحْرِيمُ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ
صَالِحٍ فِي الْخَوَاتِيمِ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ كَانَتْ نُقِشَتْ
فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَنْبَغِي لُبْسُهَا لِمَا فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مِنْ صَوَّرَ صُورَةً كُلِّفَ أَنْ
يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ وَعُذِّبَ } وَقَدْ قَالَ
إبْرَاهِيمُ : أَصَابَ أَصْحَابُنَا خَمَائِصَ فِيهَا صُلُبٌ فَجَعَلُوا
يَضْرِبُونَهَا بِالسُّلُوكِ يَمْحُونَهَا بِذَلِكَ .
وَفِي حَدِيثِ
أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ
كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } انْتَهَى كَلَامُهُ وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ
حَيَوَانٍ بِرَأْسٍ وَلَوْ فِي سَرِيرٍ أَوْ حَائِطٍ ، أَوْ سَقْفٍ ، أَوْ
بَيْتٍ أَوْ قُبَّةٍ وَاسْتِعْمَالُ مَا هُوَ فِيهِ بِلَا ضَرُورَةٍ
وَجَعْلُهُ سِتْرًا مُطْلَقًا .
وَذُكِرَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ
مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي
الشَّرْحِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ : وَصَنْعَةُ التَّصَاوِيرِ مُحَرَّمَةٌ
عَلَى فَاعِلِهَا وَلَمْ يُفَرِّقْ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ السَّلَفِ قَالَ
: وَالْأَمْرُ بِعَمَلِهِ مُحَرَّمٌ كَعَمَلِهِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ تُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ فِي السُّقُوفِ وَالسُّتُورِ وَالْحِيطَانِ وَالْأَسِرَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَقَالَ
ابْنُ تَمِيمٍ وَيُنْهَى عَنْ التَّصَاوِيرِ فِي السُّقُوفِ ،
وَالْحِيطَانِ ، وَالْأَسِرَّةِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى :
الصُّوَرُ وَالتَّمَاثِيلُ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ فِي الْأَسِرَّةِ
وَالْجُدْرَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهَا فِي الرَّقْمِ أَيْسَرُ
وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ ، فَإِنْ أُزِيلَ رَأْسُ الصُّورَةِ أَوْ كَانَتْ
بِلَا رَأْسٍ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ وَجْهٌ يُكْرَهُ وَقَطَعَ
بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَيُبَاحُ بَسْطُهُ مُطْلَقًا .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : وَصُورَةُ غَيْرِهَا مُطْلَقًا كَشَجَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ
التَّمَاثِيلِ
وَالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَيُكْرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنِ تَمِيمٍ
أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِمَا فِيهِ تَمَاثِيلُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ ، وَهَلْ
يُكْرَهُ لُبْسُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
أَوْ يَحْرُمُ ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَلَا بَأْسَ بِافْتِرَاشِهِ وَقَالَ
الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ ابْنُ الْمُنَجَّى : فَأَمَّا صُوَرُ
الْأَشْجَارِ وَالتَّزْوِيقَاتِ وَالتَّمَاثِيلِ فَمُبَاحٌ .
وَقَالَ
ابْنُ أَبِي مُوسَى : يُكْرَهُ أَيْضًا ، فَإِنْ قُطِعَ رَأْسُ الصُّورَةِ
أَوْ صُوِّرَ جَسَدُهَا دُونَهَا جَازَ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، فَإِنْ
كَانَتْ الصُّوَرُ فِي الْحِيطَانِ ، وَالسُّتُورِ الْمُعَلَّقَةِ
وَالْأَسِرَّةِ ، وَالسُّقُوفِ كُرِهَتْ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْبُسُطِ
وَمَا يُدَاسُ وَيُمْتَهَنُ فَغَيْرُ مَكْرُوهَةٍ ، ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا
رَحِمَهُمُ اللَّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ
يَحْرُمُ لُبْسُ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا التَّصَاوِيرُ وَتَعْلِيقُهَا
سُتُورًا عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَلَا
بَأْسَ بِمَا فِيهِ مِنْ التَّمَاثِيلِ غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ أَوْ
الصُّوَرِ الَّتِي لَا رُءُوسَ لَهَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَيُكْرَهُ سَتْرُ
الْجُدُرِ بِمَا لَا صُورَةَ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالنَّهْيُ
الْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِيهِ الصُّوَرُ .
وَقَالَ فِي بَابٍ
آخَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَيُكْرَهُ تَعْلِيقُ السُّتُورِ الَّتِي
فِيهَا التَّصَاوِيرُ وَاَلَّتِي لَا تَصَاوِيرَ فِيهَا عَلَى الْحِيطَانِ
، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ سَتْرِ الْجُدُرِ بِمَا لَا
صُورَةَ فِيهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ :
يَجُوزُ افْتِرَاشُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ وَجَعْلُهُ وَسَائِدَ
وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ وَسَتْرُ الْحِيطَانِ بِهِ ، وَفِي جَوَازِ
ذَلِكَ بِسُتُورٍ خَالِيَةٍ مِنْ صُوَرِ الْحَيَوَانِ رِوَايَتَانِ .
وَقَالَ
فِي الرِّعَايَةِ : وَهَلْ يُكْرَهُ جَعْلُ مَا لَا صُورَةَ حَيَوَانٍ
فِيهِ سِتْرًا أَوْ يَحْرُمُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَقِيلَ وَلَا
يَجْعَلُهُ فِي سَرِيرٍ وَحَائِطٍ وَسَقْفٍ .
فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ أَحْمَدَ لِلْكِلَّةِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَتُبَاحُ الْخَيْمَةُ وَالْقُبَّةُ فَأَمَّا الْكِلَّةُ وَهِيَ قُبَّةٌ لَهَا بَكَرٌ يُجَرُّ بِهَا فَقَدْ كَرِهَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ هِيَ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ لَا تَرُدُّ حَرًّا وَلَا بَرْدًا وَصَدَقَ ؛ لِأَنَّهَا فِي الْعَادَةِ تَكُونُ مِنْ الْخَفِيفِ مِنْ الثِّيَابِ ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ الرَّجُلِ يُدْعَى فَيَرَى الْكِلَّةَ فَكَرِهَهَا ، وَقَالَ هِيَ مِنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ .
وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ وَلَا الْمَرْقُومَةِ الَّتِي تَصْلُحُ بُسُطًا ، أَوْ مَطَارِحَ تُبْسَطُ وَتُدَاسُ ، وَلَا كَسْرُ الْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ عَلَى الرِّجَالِ إنْ صَلَحَ لِلنِّسَاءِ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يَحْرُمُ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُبَاحُ مِنْ حِلْيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) .
يَحْرُمُ
يَسِيرُ الذَّهَبِ مُفْرَدًا كَخَاتَمٍ وَنَحْوِهِ ، وَيُكْرَهُ تَبَعًا
وَقِيلَ : لَا يُكْرَهُ إلَّا مَا ذُكِرَ ، كَذَا فِي الرِّعَايَةِ
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يُبَاحُ يَسِيرُ الذَّهَبِ لِلضَّرُورَةِ
وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ يَحْرُمُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ .
وَقَالَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ لُبْسُ الذَّهَبِ إلَّا
مِنْ ضَرُورَةٍ ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ يَسِيرَ الذَّهَبِ مُبَاحٌ
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى
عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إلَّا مُقَطَّعًا } قَالَ : وَتَفْسِيرُهُ
الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا لَا يُبَاحُ إلَّا أَنْ
يَكُونَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ ، فَأَمَّا أَنْ يَلْبَسَهُ مُفْرَدًا فَلَا
لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُقَطَّعًا .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَفِي
قَبِيعَةِ سَيْفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ ذَهَبٍ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ
يُبَاحُ يَسِيرُهُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ ، وَقِيلَ مُطْلَقًا ، وَقِيلَ
ضَرُورَةً .
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ أَوْ حَاجَةً لَا ضَرُورَةً
وَقِيلَ بَلْ كُلُّ مَا يُبَاحُ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ يُبَاحُ بِذَهَبٍ
، وَقِيلَ بِيَسِيرٍ ، كَذَا ذَكَرَهُ .
وَقَالَ ابْن تَمِيمٍ فِي
إبَاحَةِ تَحْلِيَتِهِ : كُلُّ مَا يُبَاحُ تَحْلِيَتُهُ بِفِضَّةٍ
يُبَاحُ بِيَسِيرِ الذَّهَبِ وَجْهَانِ ، وَاخْتَلَفَ تَرْجِيحُ
الْأَصْحَابِ فِي تَحْلِيَةِ قَبِيعَةِ السَّيْفِ وَالْمِنْطَقَةِ
بِذَهَبٍ وَفِي الْمِنْطَقَةِ رِوَايَتَانِ ، وَكَذَا تَحْلِيَةُ خَاتَمِ
الْفِضَّةِ وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَعَنْهُ تَحْرُمُ قَبِيعَةُ
السَّيْفِ مِنْ الذَّهَبِ فَيَحْرُمُ فِي غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ
وَجْهًا وَاحِدًا .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي الزَّكَاةِ :
وَتُبَاحُ قَبِيعَةُ سَيْفِهِ وَشَعِيرَةُ سِكِّينِهِ وَقِيلَ لَا
يُبَاحَانِ وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَقِيلَ يُبَاحُ يَسِيرُهُ فِي السَّيْفِ لَا
فِي السِّكِّينِ ، وَيَحْرُمُ تَحْلِيَةُ كَمَرَاتِهِ ، وَخَرِيطَتِهِ ،
وَدُرْجِهِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَيُحْتَمَلُ الْإِبَاحَةُ ، وَفِي
جَوَازِ تَحَلِّي جَوْشَنِهِ ، وَمِغْفَرِهِ وَخُوذَتِهِ وَنَعْلِهِ ،
وَخُفِّهِ وَحَمَائِلِ
سَيْفِهِ ، وَنَحْوِهَا وَرَأْسِ رُمْحِهِ
وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَمَا اتَّخَذَهُ مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ
لِتِجَارَةٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ سَرَفٍ أَوْ مُبَاهَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ
كُرِهَ وَزُكِّيَ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ السَّرَفَ وَالْمُبَاهَاةَ .
فَصْلٌ
: قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ دُعِيَ
الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى عُرْسٍ فَجِيءَ بِجَامٍ مِنْ فِضَّةٍ
فِيهِ خَبِيصٌ فَتَنَاوَلَهُ فَقَلَبَهُ عَلَى رَغِيفٍ وَأَصَابَ مِنْهُ ،
فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا نَهْيٌ فِي سُكُونٍ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَكَذَا
ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُصَبُّ مَا فِي
إنَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي إنَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ عَلَى رَغِيفٍ
فَيُصَبُّ مِنْهُ .
فَصْلٌ ( فِي إبَاحَة التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلْمَرْأَةِ ) .
وَيُبَاحُ
لِلْمَرْأَةِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُطْلَقًا وَعَنْهُ
أَنَّهُ إنْ بَلَغَ أَلْفًا فَهُوَ كَثِيرٌ فَيَحْرُمُ لِلسَّرَفِ
ذَكَرَهَا فِي التَّلْخِيصِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَعَنْهُ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الذَّهَبُ أَلْفَ مِثْقَالٍ حَرُمَ وَزُكِّيَ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَعَنْهُ إنْ بَلَغَ أَلْفَ مِثْقَالٍ فَهُوَ كَثِيرٌ .
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ : إنْ بَلَغَهَا حَرُمَ وَفِيهِ الزَّكَاةُ ، وَعَنْهُ إنْ بَلَغَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَهُوَ كَثِيرٌ .
وَقَالَ الْقَاضِي : يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ أَلْفُ مِثْقَالٍ فَمَا دُونَ ، وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا .
وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ : يُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ لَكِنْ
إذَا بَلَغَ الْخَلْخَالُ ، وَنَحْوُهُ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ
خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لِبَاسُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يُبَاحُ لِلنِّسَاءِ بِالِاتِّفَاقِ .
فَصْلٌ
فِي إبَاحَةِ اللُّعَبِ لِلْبَنَاتِ وَمَنْ قَيَّدَهَا بِغَيْرِ
الْمُصَوَّرَةِ لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ الْإِذْنُ لَهَا فِي اللَّعِبِ
بِلُعَبٍ غَيْرِ مُصَوَّرَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ
الْكُبْرَى : وَلَهُ شِرَاؤُهَا بِمَالِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ بَلْ
بِمَالِهِ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : هَلْ يَشْتَرِيهَا مِنْ
مَالِهَا أَوْ مِنْ مَالِهِ ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ قَالَ ابْن حَمْدَانَ :
الْمُرَادُ بِالْمُصَوَّرَةِ مَا لَهَا جِسْمٌ مَصْنُوعٌ لَهُ طُولٌ
وَعَرْضٌ وَعُمْقٌ .
قَالَ الْقَاضِي : فِي الْأَحْكَامِ
السُّلْطَانِيَّةِ فِي فَصْلِ وَالِي الْحِسْبَةِ : وَأَمَّا اللُّعَبُ
فَلَيْسَ يُقْصَدُ بِهَا الْمَعَاصِي ، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا إلْفُ
الْبَنَاتِ لِتَرْبِيَةِ الْأَوْلَادِ فَفِيهَا وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ
التَّدْبِيرِ يُقَارِبُهُ مَعْصِيَةٌ بِتَصَوُّرِ ذَاتِ الْأَرْوَاحِ ،
وَمُشَابَهَةِ الْأَصْنَامِ فَلِلتَّمْكِينِ مِنْهَا وَجْهٌ وَبِحَسَبِ
مَا تَقْتَضِيهِ شَوَاهِدُ الْأَحْوَالِ يَكُونُ إنْكَارُهُ وَإِقْرَارُهُ
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ الْمَنْعَ مِنْهَا وَإِنْكَارَهَا
إذَا كَانَتْ عَلَى صُورَةِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ .
قَالَ فِي
رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْوَصِيِّ يَشْتَرِي
لِلصَّبِيَّةِ لُعْبَةً إذَا طَلَبَتْ ؟ فَقَالَ إنْ كَانَتْ صُورَةً
فَلَا .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ سُئِلَ
عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ كُنْت أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ ، قَالَ لَا بَأْسَ
بِلَعِبِ اللُّعَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صُورَةٌ فَإِذَا كَانَ فِيهِ
صُورَةٌ فَلَا ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ اللَّعِبِ بِهَا
إذَا كَانَتْ صُورَةً .
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ { أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ
وَهِيَ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ وَمَعَهَا جَوَارٍ فَقَالَ مَا هَذِهِ يَا
عَائِشَةُ ؟ فَقَالَتْ هَذَا خَيْلُ سُلَيْمَانَ فَجَعَلَ يَضْحَكُ مِنْ
قَوْلِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
قَالَ أَحْمَدُ
وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ غَيْرِهِمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي وَفِي الصَّحِيحِ
أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَتَاعِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَهُ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ الصُّوَرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ الصُّوَرِ ثُمَّ نُسِخَ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
فَصْلٌ ( فِي اسْتِعْمَالِ الْجُلُودِ النَّجِسَةِ فِي اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ مَدْبُوغَةً وَغَيْرَ مَدْبُوغَةٍ ) .
لَهُ
أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ جِلْدًا نَجِسًا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِب
وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ : إنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي
نَجَاسَتِهِ وَإِلَّا حَرُمَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ ، وَقِيلَ : إنْ دُبِغَ الْجِلْدُ وَقُلْنَا لَا
يَطْهُرُ جَازَ ، وَإِنْ لَمْ يُدْبَغْ كُرِهَ وَيُكْرَهُ لَهُ هُوَ إذًا
لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهَانِ .
وَيُبَاحُ لَهُ
فِي الْحَرْبِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : وَقِيلَ وَغَيْرُهُ بِدُونِ
صُورَةٍ وَقَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ فِي
كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقِيلَ يُبَاحُ فِيهِ جِلْدُ
كَلْبٍ لَا جِلْدُ خِنْزِيرٍ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى :
وَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ جِلْدٍ نَجِسٍ قَبْلَ دَبْغِهِ فِيمَا لَا
يُنَجَّسُ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ ، وَقِيلَ بَلْ بَعْدَ دَبْغِهِ ،
وَقِيلَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : إذَا دُبِغَ
جِلْدُ الْمَيْتَةِ وَقُلْنَا لَا يَطْهُرُ جَازَ أَنْ يُلْبِسَهُ
دَابَّتَهُ وَيُكْرَهُ لَهُ لُبْسُهُ وَافْتِرَاشُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ ،
فَإِنْ كَانَ جِلْدَ خِنْزِيرٍ لَمْ يُبَحْ الِانْتِفَاعُ بِهِ ، وَفِي
الْكَلْبِ وَجْهَانِ ، وَعَنْهُ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُطْلَقًا
وَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ فِي
اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ آخِرَ كَلَامِ ابْنِ تَمِيمٍ .
وَهُوَ
مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ
لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى الْأَظْهَرِ لَكِنَّهُ قَطَعَ بِذَلِكَ .
وَلَهُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ الْحَرِيرَ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ ، وَخَالَفَ فِيهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
فَصْلٌ قِيلَ : يُبَاحُ ثَوْبٌ مِنْ شَعْرٍ مَا لَا يُؤْكَلُ مَعَ نَجَاسَتِهِ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَقِيلَ هُمَا بِنَاءً عَلَى طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الثَّوْبِ مِنْ شَعْرِ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ فَعَنْهُ هُوَ طَاهِرٌ مُبَاحٌ وَعَنْهُ هُوَ نَجِسٌ فِي اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَابِسِ وَلُبْسُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ رِوَايَتَانِ ، وَعَنْهُ هُوَ مُبَاحٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ نَجِسٍ بِمَوْتِهِ فَقَطْ لَا مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ حَيًّا .
فَصْلٌ ( فِي لُبْسِ الْجُلُودِ الطَّاهِرَةِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا ) .
وَيَجُوزُ
لُبْسُ كُلِّ جِلْدٍ طَاهِرٍ ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جِلْدِ الثَّعْلَبِ فَعَنْهُ يُبَاحُ لُبْسُهُ
، وَالصَّلَاةُ فِيهِ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَقَدَّمَهُ فِي
الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ ،
وَعَنْهُ يَحْرُمُ لُبْسُهُ وَالصَّلَاةُ فِيهِ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ
وَعَنْهُ يُبَاحُ لُبْسُهُ دُونَ الصَّلَاةِ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ
تَمِيمٍ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ أَنَّهُ يُلْبَسُ
إذَا دُبِغَ بَعْدَ تَذْكِيَتِهِ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ
الصَّلَاةِ فِيهِ .
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَإِنْ
ذُكِّيَ وَدُبِغَ جِلْدُهُ أُبِيحَ مُطْلَقًا ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَى
كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْفِرَاءِ مِنْ جِلْدِ مَأْكُولٍ
مُذَكًّى ، وَجِلْدِ طَاهِرٍ لَا يُؤْكَلُ إنْ قُلْنَا يَطْهُرُ
بِدَبْغِهِ وَإِلَّا فَلَا .
وَمَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ بَيْعُهُ ، وَعَمَلُهُ لِمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ، وَأَخْذُ أُجْرَتِهِ .
فَصْلٌ ( فِي لُبْسِ السَّوَادِ لِذَاتِهِ وَتَشْدِيدِ أَحْمَدَ فِيهِ إذَا كَانَ لِبَاسَ الظَّلَمَةِ ) .
يُبَاحُ
لُبْسُ السَّوَادِ مِنْ عِمَامَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَثَوْبٍ وَقَبَاءٍ
وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ
وَقِيلَ إلَّا لِمُصَابٍ أَوْ جُنْدِيٍّ فِي غَيْرِ حَرْبٍ : وَعَنْهُ
يُكْرَهُ لِلْجُنْدِيِّ مُطْلَقًا وَخِيَاطَتُهُ إذَا رَوَّعَ بِهِ
مُسْلِمًا ، وَأَجَازَهُ لِلْمَرْأَةِ نَقَلَهُ عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ ،
وَقِيلَ فَمَنْ تَرَكَ ثِيَابًا سَوْدَاءَ يُحَرِّقُهَا الْوَصِيُّ ،
قِيلَ لَهُ فَالْوَرَثَةُ صِبْيَانٌ تَرَى أَنْ يُحْرَقُ ؟ قَالَ نَعَمْ
يُحَرِّقُهُ الْوَصِيُّ .
قَالَ الْخَلَّالُ عَنْ الْمَرُّوذِيِّ
عَنْهُ وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ ، وَعَلَّلَ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ
لِبَاسُ الْجُنْدِ أَصْحَابِ السُّلْطَانِ ، وَالظَّلَمَةِ ، وَسَأَلَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْمُتَوَكِّلَ أَنْ يُعْفِيَهُ مِنْ لُبْسِ
السَّوَادِ فَأَعْفَاهُ ، وَسَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى أَحْمَدَ فَلَمْ يَرُدَّ
عَلَيْهِ وَكَانَ عَلَيْهِ جُبَّةٌ سَوْدَاءُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ الْمُصْمَتِ لِلرَّجُلِ ) .
وَيُكْرَهُ
لِلرَّجُلِ لُبْسُ أَحْمَرَ مُصْمَتٍ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ
مُوَفَّقُ الدِّينِ : لَا يُكْرَهُ ، وَعَنْهُ يُكْرَهُ شَدِيدُ
الْحُمْرَةِ دُونَ خَفِيفِهَا ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى :
وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْبِطَانَةِ الْحَمْرَاءِ .
وَقَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَرْأَةِ تَلْبَسُ
الْمَصْبُوغَ الْأَحْمَرَ فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً ، وَقَالَ
أَمَّا أَنْ تُرِيدُ الزِّينَةَ فَلَا ، وَيُقَالُ إنَّ أَوَّلَ مَنْ
لَبِسَ الثِّيَابَ الْحُمْرَ آلُ قَارُونَ أَوْ آلُ فِرْعَوْنَ ثُمَّ
قَرَأَ : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ } .
قَالَ فِي
ثِيَابٍ حُمْرٍ وَانْصَرَفْت مِنْ عِنْدِ أَبِي هَمَّامٍ وَدَخَلْت عَلَى
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجْت الْكِتَابَ فَدَفَعْته إلَيْهِ فَإِذَا
فِيهِ أَحَادِيثُ مَنْ كَانَ يَرْكَبُ بِالْأُرْجُوَانِ ، فَقَالَ هَذَا
زَمَانٌ لَا يُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذِهِ ، وَكَرِهَهَا ، وَرَأَى أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ بِطَانَةَ جُبَّتِي حَمْرَاءَ فَقَالَ : لِمَ صَنَعْتهَا
حَمْرَاءَ ؟ قُلْت : لِلرِّقَاعِ الَّتِي فِيهَا قَالَ وَإِيشِ تُبَالِي
أَنْ تَكُونَ فِيهَا رِقَاعٌ قُلْت : تَكْرَهُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ .
وَأَمَرَنِي
أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُ مُدًّا قَالَ لَا يَكُونُ فِيهِ حُمْرَةٌ ثُمَّ
قَالَ هُوَ شَيْءٌ لَيْسَ يُنْتَفَعُ بِهِ إنَّمَا هُوَ طَاهِرٌ
وَإِنَّمَا كَرِهْته مِنْ أَجْلِ هَذَا ، قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
الثَّوْبُ الْأَحْمَرُ تُغَطَّى بِهِ الْجِنَازَةُ فَكَرِهَهُ قُلْت تَرَى
أَنْ أَجْذِبَهُ قَالَ نَعَمْ .
فَصْلٌ ( فِي إبَاحَةِ لُبْسِ الْمُمَسَّكِ وَالْمُوَرَّدِ وَالْمُعَصْفَرِ وَالْمُزَعْفَرِ ) .
وَيُبَاحُ
الْمُمَسَّكُ وَالْمُوَرَّدُ وَيُكْرَهُ الْمُعَصْفَرُ زَادَ فِي
الرِّعَايَةِ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا الْمُزَعْفَرُ عَلَى الْأَظْهَرِ
وَفِيهِ وَجْهٌ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ فَقَطْ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي
التَّلْخِيصِ ، وَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَطَعَ فِي الشَّرْحِ
بِالْكَرَاهَةِ ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ تَحْرِيمُ
لُبْسِ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ عَلَى الرَّجُلِ ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ
وَأَصْحَابِهِ جَوَازُهُ وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ
وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ
الْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ ، وَالْأَحْمَرِ لِلنِّسَاءِ .
وَمَنْ
صَلَّى فِي ثَوْبٍ نُهِيَ عَنْهُ غَيْرِ الْعَصْبِ وَالْحَرِيرِ
وَنَحْوِهِ كَالْأَحْمَرِ وَالْمُعَصْفَرِ فَفِي الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ
أَصَحُّهُمَا لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُعَصْفَرِ
وَعَنْهُ وَغَيْرِهِ وَيُلْزِمُ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ أَنْ
يَكُونَ لُبْسُهُ عِنْدَهُ مُحَرَّمًا وَإِنْ قَالَ مَنْهِيٌّ عَنْ
لُبْسِهِ فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ كَالْمَغْصُوبِ فَالْفَرْقُ
وَاضِحٌ مَعَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ
فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي وَسُتْرَتِهِ وَمَوْضِعِ صَلَاتِهِ .
وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ التَّزَعْفُرُ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ صَلَاتَهُ .
وَتُكْرَهُ
الْمِيثَرَةُ الْحَمْرَاءُ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ،
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِيهَا الْخِلَافُ فِي لُبْسِ الْأَحْمَرِ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ الشُّفُوفِ وَالْحَاكِيَةِ الَّتِي تَصِفُ الْبَدَنَ ) .
يُكْرَهُ
لُبْسُ ثَوْبٍ رَقِيقٍ يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَيُكْرَهُ لِلْأُنْثَى فِي
بَيْتِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ لَهُ
النَّظَرُ إلَيْهَا وَقِيلَ زَوْجٌ وَسَيِّدٌ وَهُوَ أَصَحُّ ذَكَرَهُ
كُلَّهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : يُكْرَهُ
الثَّوْبُ الرَّقِيقُ إذَا وَصَفَ الْبَدَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا :
لِلرِّجَالِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ
وَالْمَرْأَةِ لُبْسُ الرَّقِيقِ مِنْ الثِّيَابِ وَهُوَ مَا يَصِفُ
الْبَشَرَةَ غَيْرَ الْعَوْرَةِ وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ إذَا
كَانَ لَا يَرَاهَا إلَّا زَوْجُهَا أَوْ مَالِكُهَا .
وَقَالَ فِي
الشَّرْحِ : إذَا كَانَ خَفِيفًا يَصِفُ لَوْنَ الْبَشَرَةَ فَيُبَيِّنُ
مِنْ وَرَائِهِ بَيَاضَ الْجِلْدِ وَحُمْرَتَهُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ
بِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَسْتُرُ اللَّوْنَ وَيَصِفُ الْخِلْقَةَ جَازَتْ
الصَّلَاةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْبَشَرَةَ مَسْتُورَةٌ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ
التَّحَرُّرُ مِنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ ، قَالَ الْمَرُّوذِيُّ :
وَأَمَرُونِي فِي مَنْزِلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُمْ
ثَوْبًا فَقَالَ لِي لَا يَكُونُ رَقِيقًا أَكْرَهُ الرَّقِيقَ لِلْحَيِّ
وَالْمَيِّتِ .
قُلْت وَقَدْ سَأَلُونِي أَنْ أَشْتَرِيَ لَهُمْ
ثَوْبًا عَلَيْهِ كِتَابٌ فَقَالَ : قُلْ لَهُمْ إنْ أَرَدْتُمْ أَنْ
أَشْتَرِيَهُ وَنُقْلِعَ الْكِتَابَ ، قُلْت فَإِنَّهُمْ إنَّمَا
يُرِيدُونَ ذَلِكَ لِلْكِتَابِ فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ لُبْسِ مَا يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ ) .
يُكْرَهُ
مِنْ الثِّيَابِ مَا يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ لِتَرْبِيَةٍ ، وَرِضَاعٍ ،
وَحَيْضٍ وَصِغَرٍ وَلِكَثْرَةِ مُلَابَسَتِهَا وَمُبَاشَرَتِهَا
وَقِلَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهَا فِي صَنْعَةٍ وَغَيْرِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَفِي كَرَاهَةِ ثَوْبِ الْمُرْضِعِ ،
وَالْحَائِضِ ، وَالصَّبِيِّ رِوَايَتَانِ وَأَلْحَقَ ابْنُ أَبِي مُوسَى
ثَوْبَ الصَّبِيِّ بِثَوْبِ الْمَجُوسِيِّ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ فِيهِ
قَبْلَ غَسْلِهِ .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ فَيَخْرُجُ مِثْلُهُ فِي ثَوْبِ مَنْ لَا يَتَنَزَّهُ مِنْ النَّجَاسَةِ .
وَمَا
حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَمُذْهَبٍ وَمُصَوَّرٍ وَنَحْوِهَا
حَرُمَ تَمَلُّكُهُ ، وَتَمْلِيكُهُ كَذَلِكَ وَعَمَلُهُ ، وَخِيَاطَتُهُ
لِمَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ ، وَأُجْرَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
فَصْلٌ ( كَرَاهَةُ النَّظَرِ إلَى مَا يَحْرُمُ وَالتَّفَكُّرُ فِيهِ وَمَنْ حَرَّمَهُ لِسَدِّ الذَّرِيعَةِ ) .
يُكْرَهُ
النَّظَرُ إلَى مَلَابِسِ الْحَرِيرِ ، وَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
، وَنَحْوِهَا إنْ رَغَّبَهُ نَظَرُهَا فِي التَّزَيُّنِ وَالتَّجَمُّلِ ،
وَالْمُفَاخَرَةِ ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا .
وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ : رِيحُ الْخَمْرِ كَصَوْتِ الْمَلَاهِي حَتَّى إذَا شَمَّ
رِيحَهَا فَاسْتَدَامَ شَمَّهَا كَانَ بِمَثَابَةِ مَنْ سَمِعَ صَوْتَ
الْمَلَاهِي وَأَصْغَى إلَيْهَا ، وَيَجِبُ سَتْرُ الْمَنْخِرَيْنِ
وَالْإِسْرَاعُ كَوُجُوبِ سَدِّ الْأُذُنَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِمَاعِ ،
وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْحَرِيرِ ، وَأَوَانِي الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ إنْ دَعَتْ إلَى حُبِّ التَّزَيُّنِ بِهَا وَالْمُفَاخَرَةِ
، وَيُحْجَبُ ذَلِكَ عَنْهُ وَنَزِيدُ فَنَقُولُ : التَّفَكُّرُ الدَّاعِي
إلَى اسْتِحْضَارِ صُوَرِ الْمَحْظُورِ مَحْظُورٌ ، حَتَّى لَوْ فَكَّرَ
الصَّائِمُ فَأَنْزَلَ أَثِمَ وَقَضَى ، وَكَانَ عِنْدِي كَالْعَابِثِ
بِذَكَرِهِ فَيُمْنِي ، وَأَدَقُّ مِنْ هَذَا لَوْ اسْتَحْضَرَ صُورَةَ
الْمَعْشُوقِ وَقْتَ جِمَاعِهِ أَهْلَهُ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ :
كُنْت مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بِالْعَسْكَرِ فِي قَصْرِ إتْيَاحَ
فَأَشَرْت إلَى شَيْءٍ عَلَى الْجِدَارِ قَدْ نُصِبَ فَقَالَ لِي : لَا
تَنْظُرْ إلَيْهِ .
قُلْت : فَقَدْ نَظَرْتُ إلَيْهِ .
قَالَ لِي : فَلَا تَفْعَلْ لَا تَنْظُرْ إلَيْهِ .
قَالَ
الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : وَيُكْرَهُ أَنْ
يَتَّخِذَ خِرْقَةً لِمَسْحِ الْعَرَقِ لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَبُّرِ
وَالتَّجَبُّرِ ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ خِرْقَةً
لِلِامْتِخَاطِ كَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ، وَإِنْ
فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ تَوَجَّهَ
التَّحْرِيمُ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ كَثِيرًا لِلتَّرَفُّهِ وَالنَّظَافَةِ
، قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ لِإِمَاطَةِ الْأَذَى وَإِزَالَةِ الْقَذَرَ
وَالْحَاجَةِ لَمْ تُكْرَهْ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ : يُسْتَحَبُّ
أَنْ لَا يُخْلِيَ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ حَضَرًا وَسَفَرًا مِنْ سَبْعَةِ
أَشْيَاءَ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ وَالثِّقَةِ بِهِ :
التَّنْظِيفِ
، وَالتَّزْيِينِ ، وَالْمُكْحُلَةِ ، وَالْمُشْطِ ، وَالسِّوَاكِ ،
وَالْمِقَصِّ ، وَالْمُدَارَةِ وَهِيَ خَشَبَةٌ مُدَوَّرَةُ الرَّأْسِ
أَوْفَى مِنْ شِبْرٍ تَتَّخِذُهَا الْعَرَبُ وَالصُّوفِيَّةُ يَدْرَءُونَ
بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْأَذَى كَالْقَمْلِ وَغَيْرِهِ ، وَيَحُكُّونَ
بِهَا الْجَسَدَ وَيَقْتُلُونَ الدَّبِيبَ حَتَّى لَا يُبَاشِرُوا كُلَّ
شَيْءٍ بِأَيْدِيهِمْ وَالسَّابِعُ قَارُورَةٌ مِنْ الدُّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ
قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَفُوتُهُ ذَلِكَ
حَضَرًا وَلَا سَفَرًا .
قَالَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ :
وَالتَّرَبُّعُ فِي الْجُلُوسِ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ
كَانَ لِلتَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ كُرِهَ كَذَا قَالَ ، وَيُتَوَجَّهُ
أَنْ يُقَالَ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّرَبُّعِ فِي الْجُلُوسِ كَغَيْرِهِ
مِنْ أَنْوَاعِهِ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا
أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ التَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ فَيَتَوَجَّهُ
التَّحْرِيمُ وَسَبَقَ ذَلِكَ فِي آدَابِ الْمَسْجِدِ وَصِفَةِ الْجُلُوسِ
لِلْأَكْلِ .
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا بَأْسَ بِرَبْطِ الْخَيْطِ
فِي الْإِصْبَعِ لِلْحِفْظِ ، وَالذِّكْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهَذَا
يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ .
وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ : إذَا
لَمْ تَكُنْ حَاجَاتُنَا فِي صُدُورِكُمْ فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْك عَقْدُ
الرَّتَائِمِ وَقَالَ أَيْضًا : إذَا لَمْ تَكُ الْحَاجَاتُ مِنْ هِمَّةِ
الْفَتَى فَلَيْسَ بِمُغْنٍ عَنْكَ عَقْدُ الرَّتَائِمِ وَالرَّتَائِمُ
جَمْعُ رَتِيمَةٍ وَرَتَمَةٍ وَهُوَ خَيْطٌ يُشَدُّ فِي الْإِصْبَعِ
لِيَتَذَكَّرَ بِهِ الْحَاجَةَ تَقُولُ مِنْهُ أَرْتَمْت الرَّجُلَ
إرْتَامًا : وَالرَّتَمَةُ بِالتَّحْرِيكِ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ
وَالْجَمْعُ رَتَمٌ .
وَفِي مَسَائِلِ أَبِي دَاوُد قُبَيْلَ بَابِ
التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ سَمِعْت أَحْمَدَ يَقُولُ كَانَ يَحْيَى بْنُ
يَمَانٍ يَحْضُرُ سُفْيَانُ وَمَعَهُ خَيْطٌ فَكُلَّمَا حَدَّثَ سُفْيَانُ
بِحَدِيثٍ عَقَدَ عُقْدَةً فَإِذَا رَجَعَ إلَى الْبَيْتِ كَتَبَ حَدِيثًا
وَحَلَّ عُقْدَةً .
فَصْلٌ ( فِي مِقْدَارِ طُولِ الثَّوْبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَجَرُّ الذُّيُولِ ) .
يُبَاحُ
إزَارُ الرَّجُلِ وَقَمِيصُهُ وَنَحْوُهُ مِنْ نِصْفِ سَاقَيْهِ إلَى
كَعْبَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : السُّنَّةُ فِي
الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ مِنْ نِصْفِ السَّاقَيْنِ إلَى
الْكَعْبَيْنِ فَلَا يَتَأَذَّى السَّاقُ بِحَرٍّ وَبَرْدٍ وَلَا
يَتَأَذَّى الْمَاشِي وَيَجْعَلُهُ كَالْمُقَيَّدِ وَيُكْرَهُ مَا نَزَلَ
عَنْ ذَلِكَ أَوْ ارْتَفَعَ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي
رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : جَرُّ الْإِزَارِ إذَا لَمْ يُرِدْ الْخُيَلَاءَ
فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ
الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَيْضًا { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ } لَا يَجُرُّ
شَيْئًا مِنْ ثِيَابِهِ وَظَاهِرُ هَذَا التَّحْرِيمُ ، فَهَذِهِ ثَلَاثُ
رِوَايَاتٍ وَرِوَايَةُ الْكَرَاهِيَةِ مَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ
وَأَصْحَابِهِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ
الْحَنَفِيَّةِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ارْتَدَى
بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ قِيمَتُهُ أَرْبَعُمِائَةِ دِينَارٍ وَكَانَ يَجُرُّهُ
عَلَى الْأَرْضِ فَقِيلَ لَهُ أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ
إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ وَلَسْنَا مِنْهُمْ ، وَاخْتَارَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمَ تَحْرِيمِهِ وَلَمْ
يَتَعَرَّضْ لِكَرَاهَةٍ وَلَا عَدَمِهَا .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
عَبْدُ الْعَزِيزِ : يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ طُولُ قَمِيصِ الرَّجُلِ
إلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِلَى شِرَاكِ النَّعْلِ وَهُوَ الَّذِي فِي
الْمُسْتَوْعِبِ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَطُولُ الْإِزَارِ إلَى مَدِّ
السَّاقَيْنِ ، قَالَ وَقِيلَ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَيَزِيدُ ذَيْلُ
الْمَرْأَةِ عَلَى ذَيْلِهِ مَا بَيْنَ الشِّبْرِ إلَى الذِّرَاعِ
قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ : هَذَا
فِي حَقِّ مَنْ يَمْشِي بَيْنَ الرِّجَالِ كَنِسَاءِ الْعَرَبِ فَأَمَّا
نِسَاءُ الْمُدُنِ فِي الْبُيُوتِ فَذَيْلُهَا كَذَيْلِ الرَّجُلِ
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَنَّ ذَيْلَ نِسَاءِ الْمُدُنِ فِي
الْبُيُوتِ كَذَيْلِ
الرَّجُلِ ، ثُمَّ قَالَ وَتُرْخِيهِ الْبَرْزَةُ وَنِسَاءُ الْبَرِّ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ ذِرَاعٍ .
وَقِيلَ
مِنْ شِبْرٍ إلَى ذِرَاعٍ وَقِيلَ يُكْرَهُ مَا نَزَلَ عَنْهُ نَصَّ
عَلَيْهِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إطَالَةُ
ذَيْلِهَا وَإِنْ جَاوَزَتْ الْكَعْبَيْنِ .
فَصْلٌ ( فِي أَنْوَاعِ اللِّبَاسِ مِنْ إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ إلَخْ ) .
وَيُسَنُّ
أَنْ يَأْتَزِرَ فَوْقَ سُرَّتِهِ وَعَنْهُ تَحْتَهَا وَيَشُدُّ
سَرَاوِيلَهُ فَوْقَهَا ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ
الْأَفْضَلَ أَنْ يَلْبَسَ مَعَ الْقَمِيصِ السَّرَاوِيلَ مِنْ غَيْرِ
حَاجَةٍ إلَى الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَهَذَا مِنْ جِنْسِ اخْتِيَارِهِ
أَنَّ الْفِصَادَ فِي الْبِلَادِ الرَّطْبَةِ أَوْلَى ، وَأَنَّ
الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ فِي الْبِلَادِ الرَّطْبَةِ أَوْلَى
مِنْ الِادِّهَانِ اعْتِبَارًا فِي كُلِّ بَلَدٍ بِعَادَتِهِمْ
وَمَصْلَحَتِهِمْ ، وَيُبَاحُ التُّبَّانُ وَتُسَنُّ السَّرَاوِيلُ
وَالْأَوْلَى قَوْلُ صَاحِبِ النَّظْمِ التُّبَّانُ فِي مَعْنَى
السَّرَاوِيلِ .
وَرَوَى وَكِيعٌ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ تَأْمُرُ غِلْمَانَهَا بِالتُّبَّانِ وَهُمْ
مُحْرِمُونَ .
وَسِعَةُ كُمِّ قَمِيصِ الْمَرْأَةِ شِبْرٌ وَقِصَرُهُ ،
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ : دُونَ رُءُوسِ أَصَابِعِهَا ، وَطُولُ كُمِّ
قَمِيصِ الرَّجُلِ عَنْ أَصَابِعِهِ قَلِيلًا دُونَ سِعَتِهِ كَثِيرًا
فَلَا تَتَأَذَّى الْيَدُ بِحَرٍّ وَلَا بَرْدٍ وَلَا يَمْنَعُهَا خِفَّةَ
الْحَرَكَةِ وَالْبَطْشَ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ : تَوْسِيعُ
الْكُمِّ مِنْ غَيْرِ إفْرَاطٍ حَسَنٌ فِي حَقِّ الرِّجَالِ بِخِلَافِ
النِّسَاءِ ، وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ السَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَمَا
ذُكِرَ مِنْ لُبْسِ السَّرَاوِيلِ ذُكِرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا سُئِلَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ
لُبْسِهِ فَقَالَ : هُوَ أَسْتَرُ مِنْ الْأُزُرِ ، وَلِبَاسُ الْقَوْمِ
كَانَ الْأُزُرَ .
قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : فَتَعَارَضَ عِنْدَهُ دَلِيلَانِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَكَلَامُ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي اللُّبْسِ .
وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُمَا
لَبِسَاهُ وَلَبِسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَسَلْمَانَ وَعَنْ
عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَطَبَ
بِعَرَفَاتٍ مَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ
لِلْمُحْرِمِ } وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ أَنَّهَا كَانَتْ
مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جَيْشِهِ بِأَذْرَبِيجَانَ إذَا قَدِمْتُمْ مِنْ
غَزَاتِكُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَلْقُوا السَّرَاوِيلَاتِ
وَالْأَقْبِيَةَ وَالْبَسُوا الْأُزُرَ ، وَالْأَرْدِيَةَ ، قَالَ صَاحِبُ
النَّظْمِ : فَدَلَّ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ لَهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ
زِيِّهِمْ وَقَالَ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي فِي اللِّبَاسِ وَفِي
الْمُسْتَوْعِبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا أَخْبَارٌ
ضَعِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا
زَيْدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ
زَيْدٍ حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
إنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ قَالَ {
تَسَرْوَلُوا وَاتَّزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ } إسْنَادٌ
جَيِّدٌ وَالْقَاسِمُ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ : وَتَوْسِيعُ كُمِّ الْمَرْأَةِ ، وَتَطْوِيلُ
كُمِّ الرَّجُلِ قَصْدٌ حَسَنٌ .
وَيُبَاحُ الْقَبَاءُ زَادَ فِي
الرِّعَايَةِ لِلرَّجُلِ ، وَيُبَاحُ الرِّدَاءُ ، وَفَتْلُ أَطْرَافِهِ
نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَا الطَّيْلَسَانُ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ
وَقِيلَ يُكْرَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُدَوَّرُ وَقِيلَ وَغَيْرُهُمَا
غَيْرَ الْمُرَبَّعِ ، وَقِيلَ وَيُكْرَهُ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ فَتْلُ
الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَهُدْبُ الثَّوْبِ وَقِيلَ يُسَنُّ الرِّدَاءُ
لِلرَّجُلِ قَطَعَ بِهِ ابْنُ تَمِيمٍ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي
التَّلْخِيصِ فَإِنَّهُ قَالَ الرِّدَاءُ مِنْ لُبْسِ السَّلَفِ وَقَالَ
هُوَ وَابْنُ تَمِيمٍ كَرِهَ السَّلَفُ الطَّيْلَسَانَ زَادَ فِي
التَّلْخِيصِ وَهُوَ الْمُقَوَّرُ .
وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ
رَحِمَهُ اللَّهُ هَلْ طَرْحُ الْقَبَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ مِنْ غَيْرِ
أَنْ يُدْخِلَ يَدَيْهِ فِي أَكْمَامِهِ
مَكْرُوهٌ ؟ فَأَجَابَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ ذَلِكَ .
قَالَ : وَلَيْسَ هَذَا مِنْ السَّدْلِ الْمَكْرُوهِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللُّبْسَةَ لَيْسَتْ لُبْسَةَ الْيَهُودِ .
وَقَالَ
فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : وَاعْتِيَادُ لُبْسِ الطَّيَالِسَةِ عَلَى
الْعَمَائِمِ لَا أَصْل لَهُ فِي السُّنَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ
الدَّجَّالِ { أَنَّهُ يَخْرُجُ مَعَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مطيلسين مِنْ
يَهُودِ أَصْبَهَانَ } وَكَذَلِكَ جَاءَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ {
أَنَّ الطَّيَالِسَةَ مِنْ شِعَارِ الْيَهُودِ } وَلِهَذَا كَرِهَ مَنْ
كَرِهَ لُبْسَهَا لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ تَشَبَّهَ
بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ {
لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : { أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَرَابِيٌّ عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ طَيَالِسَةٍ
مَكْفُوفَةٌ بِدِيبَاجٍ أَوْ مُزَرَّرَةٌ بِدِيبَاجٍ فَقَالَ : إنَّ
صَاحِبَكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَرْفَعَ كُلَّ رَاعِ بْنِ رَاعٍ وَيَضَعَ كُلَّ
ذِي فَارِسٍ رَأْسٍ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُغْضَبًا فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ جُبَّتِهِ فَاجْتَذَبَهُ وَقَالَ أَلَا
أَرَى عَلَيْكَ ثِيَابَ مَنْ لَا يَعْقِلُ ؟ ، ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ ، } وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ الْأَثْرَمُ : قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ الدُّرَّاعَةُ يَكُونُ لَهَا فَرْجٌ فَقَالَ : كَانَ لِخَالِدِ
بْنِ مَعْدَانَ دُرَّاعَةٌ لَهَا فَرْجٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا قَدْرَ
ذِرَاعٍ .
قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَيَكُونُ لَهَا فَرْجٌ مِنْ
خَلْفِهَا ؟ فَقَالَ مَا أَدْرِي وَأَمَّا مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا فَقَدْ
سَمِعْت ، وَأَمَّا مِنْ خَلْفِهَا فَلَمْ أَسْمَعْ ، قَالَ إلَّا أَنَّ
فِي ذَلِكَ سَعَةً لَهُ عِنْدَ الرُّكُوبِ وَمَنْفَعَةً .
فَصْلٌ تُبَاحُ الْحَبَرَةُ وَالصُّوفُ نَصَّ عَلَيْهِ وَالْوَبَرُ وَالْكَتَّانُ وَالشَّعْرُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ .
قَالَ
فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ فِي غَيْرِ حَرْبٍ إسْبَالُ بَعْضِ
لِبَاسِهِ فَخْرًا وَخُيَلَاءَ وَبَطَرًا وَشُهْرَةً ، وَخِلَافُ زِيِّ
بَلَدِهِ بِلَا عُذْرٍ ، وَقِيلَ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَهُوَ أَظْهَرُ وَقِيلَ
ثَوْبُ الشُّهْرَةِ مَا خَالَفَ زِيَّ بَلَدِهِ وَأَزْرَى بِهِ وَنَقَصَ
مُرُوءَتَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَالْقَوْلُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ
خُيَلَاءَ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَقَطَعَ بِهِ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَهُوَ الَّذِي وَجَدْته فِي كَلَامِ
الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ .
وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَحْرُمُ ثَوْبُ الشُّهْرَةِ فَصَارَتْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً فَإِنَّ
أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى عَلَى رَجُلٍ بُرْدًا مُخَلَّطًا
بَيَاضًا وَسَوَادًا فَقَالَ ضَعْ عَنْك هَذَا وَالْبَسْ لِبَاسَ أَهْلِ
بَلَدِك .
وَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِحَرَامٍ وَلَوْ كُنْت بِمَكَّةَ أَوْ
بِالْمَدِينَةِ لَمْ أَعِبْ عَلَيْك قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ ؛ لِأَنَّهُ
لِبَاسُهُمْ هُنَاكَ .
وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ :
يَكْرَهُ ثَوْبَ الشُّهْرَةِ وَهُوَ مَا خَالَفَ ثِيَابَ بَلَدِهِ قَالَ
ابْنُ تَمِيمٍ : وَيُكْرَهُ لُبْسُ مَا يَخْرُجُ بِلَابِسِهِ إلَى
الْخُيَلَاءِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ يُكْرَهُ مِنْ اللِّبَاسِ
مَا يُشْتَهَرُ بِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَيُزْرِي بِصَاحِبِهِ وَيُنْقِصُ
مُرُوءَتَهُ وَفِي الْغُنْيَةِ مِنْ اللِّبَاسِ الْمُتَنَزَّهِ عَنْهُ
كُلُّ لُبْسَةٍ يَكُونُ بِهَا مُشْتَهِرًا بَيْنَ النَّاسِ كَالْخُرُوجِ
عَنْ عَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ
مَا يَلْبَسُونَ لِئَلَّا يُشَارَ إلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ، وَيَكُونَ
ذَلِكَ سَبَبًا إلَى حَمْلِهِمْ عَلَى غِيبَتِهِ فَيُشَارِكُهُمْ فِي
إثْمِ الْغِيبَةِ لَهُ .
وَفِي كِتَابِ التَّوَاضُعِ لِابْنِ أَبِي
الدُّنْيَا ، وَكِتَابِ اللِّبَاسِ لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنَّهُ نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ فَقِيلَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشُّهْرَتَانِ قَالَ رِقَّةُ الثِّيَابِ
وَغِلَظُهَا وَلِينُهَا وَخُشُونَتُهَا وَطُولُهَا وَقِصَرُهَا وَلَكِنْ
سَدَادًا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادًا } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا {
مَنْ لَبِسَ
ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ .
وَيَدْخُلُ فِي الشُّهْرَةِ وَخِلَافِ الْمُعْتَادِ
مَنْ لَبِسَ شَيْئًا مَقْلُوبًا وَمُحَوَّلًا كَجُبَّةٍ وَقَبَاءٍ كَمَا
يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ ، وَالسَّخَافَةِ وَالِانْخِلَاعِ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللَّهُ
عَنْهُ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً وَلِيًّا .
.
قَالَ ابْنُ عَبْدُ
الْبَرِّ كَانَ يُقَالُ كُلْ مِنْ الطَّعَامِ مَا اشْتَهَيْت وَالْبَسْ
مِنْ اللِّبَاسِ مَا اشْتَهَاهُ النَّاسُ نَظَمَهُ الشَّاعِرُ فَقَالَ :
إنَّ الْعُيُونَ رَمَتْك مُذْ فَاجَأْتَهَا وَعَلَيْك مِنْ شَهْرِ
اللِّبَاسِ لِبَاسُ أَمَّا الطَّعَامُ فَكُلْ لِنَفْسِك مَا اشْتَهَتْ
وَاجْعَلْ لِبَاسَكَ مَا اشْتَهَاهُ النَّاسُ كَانَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ الْمُزَنِيّ يَقُول : الْبَسُوا ثِيَابَ الْمُلُوكِ ، وَأَمِيتُوا
قُلُوبَكُمْ بِالْخَشْيَةِ ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ إنَّ أَقْوَامًا
جَعَلُوا خُشُوعَهُمْ فِي لِبَاسِهِمْ ، وَكِبْرَهُمْ فِي صُدُورِهِمْ
وَشَهَّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِلِبَاسِ الصُّوفِ حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ
بِمَا يَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ أَعْظَمُ كِبْرًا مِنْ صَاحِبِ الطَّرَفِ
بِمُطَرَّفِهِ .
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ قُلْت لِإِيَاسِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ مَا الْمُرُوءَةُ ؟ قَالَ أَمَّا فِي بَلَدِك فَالتَّقْوَى
وَأَمَّا حَيْثُ لَا تُعْرَفُ فَاللِّبَاسُ .
وَرَوَى بَقِيَّةُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ لِبَاسَ الصُّوفِ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ وَفِي الْحَضَرِ بِدْعَةٌ .
وَقَالَ
الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَغَيْرُهُمْ
رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَمِنْ اللِّبَاسِ الْمَكْرُوهِ مَا خَالَفَ زِيَّ
الْعَرَبِ وَأَشْبَهَ زِيَّ الْأَعَاجِمِ وَعَادَتَهُمْ وَمِنْ هَذَا
الْعِمَامَةُ الصَّمَّاءُ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ
وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ ؟ فِيهِ
خِلَافٌ ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ النَّعْلَ الصَّرَّارَةَ وَقَالَ مِنْ
زِيِّ الْعَجَمِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ مَا رَأَيْت أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ قَطُّ مُرْخِي الْكُمَّيْنِ يَعْنِي فِي الْمَشْيِ .
قَالَ
فِي الرِّعَايَةِ : يُسَنُّ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ وَلُبْسُ
الْبَيَاضِ وَالنَّظَافَةُ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ ، قَالَ ابْنُ
حَمْدَانَ وَمَجْلِسِهِ وَالطِّيبُ فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ ،
وَالتَّحَنُّكُ وَالذُّؤَابَةُ مَعَهُ وَإِسْبَالُهَا خَلْفَهُ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَالْمُرَادُ بِالْعِمَامَةِ أَنْ تَكُونَ بِذُؤَابَةٍ
مُتَوَسِّطَةٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَتَقِي الرَّأْسَ
مِمَّا يُؤْذِيهِ مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ وَلَا يَتَأَذَّى بِهَا ،
وَالتَّحْنِيكُ يَدْفَعُ عَنْ الْعُنُقِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ وَهُوَ
أَثْبَتُ لِلْعِمَامَةِ وَلَا سِيَّمَا لِلرُّكُوبِ .
وَقَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُحِبُّ مِنْ الْأَلْوَانِ الْخَضِرَةَ وَيَكْرَهُ الْحُمْرَةَ
وَيَقُولُ هِيَ زِينَةُ الشَّيْطَانِ } .
وَقَالَ مَالِكٌ الْأَشْتَرُ
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيُّ الْأَلْوَانِ
أَحْسَنُ ؟ قَالَ الْخُضْرَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَوْنُ ثِيَابِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ قَالَ وَأَنْشَدَ غَيْرُ وَاحِدٍ لِلشَّافِعِيِّ : عَلَيَّ
ثِيَابٌ لَوْ تُبَاعُ جَمِيعُهَا بِفَلْسٍ لَكَانَ الْفَلْسُ مِنْهُنَّ
أَكْثَرَا وَفِيهِنَّ نَفْسٌ لَوْ يُقَاسُ بِبَعْضِهَا نُفُوسُ الْوَرَى
كَانَتْ أَجَلَّ وَأَكْبَرَا أَخَذَهُ الْمُتَنَبِّي فَقَالَ : لَئِنْ
كَانَ ثَوْبِي فَوْقَ قِيمَتِهِ الْفَلْسُ فَلِي فِيهِ نَفْسٌ دُونَ
قِيمَتِهَا الْإِنْسُ فَثَوْبُك بَدْرٌ تَحْتَ أَنْوَارِهِ دُجًى
وَثَوْبِي لَيْلٌ تَحْتَ أَطْمَارِهِ شَمْسُ وَقَالَ آخَرُ : لَا
تَنْظُرَنَّ إلَى الثِّيَابِ فَإِنَّنِي خَلِقُ الثِّيَابِ مِنْ
الْمُرُوءَةِ كَاسِ وَقَالَ مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ : تَصَوَّفَ فَازْدَهَى
بِالصُّوفِ جَهْلًا وَبَعْضُ النَّاسِ يَلْبَسُهُ مَجَانَهْ يُرِيك
مَجَانَةً وَيُجَنُّ كِبْرًا وَلَيْسَ الْكِبْرُ مِنْ شَكْلِ الْمَهَانَهْ
تَصَنَّعَ كَيْ يُقَالَ لَهُ أَمِينٌ وَمَا مَعْنَى التَّصَنُّعِ
لِلْأَمَانَهْ وَلَمْ يُرِدْ الْإِلَهُ بِهِ وَلَكِنْ أَرَادَ بِهِ
الطَّرِيقَ إلَى الْخِيَانَهْ وَقَالَ آخَرُ : لَا يُعْجِبَنَّكَ مَنْ
يَصُونُ ثِيَابَهُ حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذُولُ وَلَرُبَّمَا
افْتَقَرَ الْفَتَى فَرَأَيْتَهُ دَنِسَ الثِّيَابِ وَعِرْضُهُ
مَغْسُولُ
وَرُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ الْحَكِيمِ أَنَّهُ قَالَ : التَّقَنُّعُ
بِاللَّيْلِ رِيبَةٌ وَبِالنَّهَارِ مَذَلَّةٌ ، قَالَ رَجُلٌ
لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : مَا أَلْبَسُ مِنْ الثِّيَابِ ؟ قَالَ :
مَا لَا يُشْهِرُك عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحَقِّرُك عِنْدَ
السُّفَهَاءِ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : يُسْتَحَبُّ غَسْلُ
الثَّوْبِ مِنْ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ
ثَوْبَهُ } { وَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا فَقَالَ أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا
مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ } وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْخَلَّالُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ بِأَنَّ
الثَّوْبَ إذَا اتَّسَخَ تَقَطَّعَ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا قَامَ إلَى
الصَّلَاةِ الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ ، وَالثِّيَابُ النَّقِيَّةُ .
وَرُوِيَ
أَيْضًا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مُرُوءَةُ الرَّجُلِ
نَقَاءُ ثَوْبِهِ وَعَلَى ظَاهِرِ تَعْلِيلِ أَحْمَدَ يَجِبُ غَسْلُهُ
لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَفِي
الْخَبَرِ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { الْبَذَاذَةُ
مِنْ الْإِيمَانِ } قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ ، قَالَ أَحْمَدُ
بْنُ حَنْبَلٍ : الْبَذَاذَةُ التَّوَاضُعُ فِي اللِّبَاسِ .
ذَكَرَهُ
الْحَافِظُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ الْأَخْضَرِ فِي تَسْمِيَتِهِ مَنْ
رَوَى عَنْ أَحْمَدَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
الْجُوزَجَانِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْخِيَ خَلْفَهُ مِنْ عِمَامَتِهِ
كَمَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
وَإِرْخَاءُ الذُّؤَابَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ مَعْرُوفٌ فِي السُّنَّةِ
وَإِطَالَةُ الذُّؤَابَةِ كَثِيرًا مِنْ الْإِسْبَالِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ
اسْتِحْبَابُ الذُّؤَابَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ كَالتَّحَنُّكِ وَمُقْتَضَى
ذِكْرِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مَا جَاءَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي
اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِالْعَالِمِ فَإِنْ فَعَلَهَا غَيْرُهُ فَيَتَوَجَّهُ
دُخُولُهَا فِي لُبْسِ الشُّهْرَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِعُرْفٍ حَادِثٍ
بَلْ بِعُرْفٍ قَدِيمٍ وَلِهَذَا لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ
الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ ، وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ .
قَالَ
صَاحِبُ النَّظْمِ يَحْسُنُ أَنْ يُرْخِيَ الذُّؤَابَةَ خَلْفَهُ وَلَوْ
شِبْرًا أَوْ أَدْنَى عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ وَمُرَادُهُ بِنَصِّ أَحْمَدَ
فِي إرْخَاءِ الذُّؤَابَةِ خَلْفَهُ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي التَّقْدِيرِ
، مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ
بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أَرْبَعِ
أَصَابِعَ .
وَقَالَ هَكَذَا فَاعْتَمَّ فَإِنَّهُ أَعْرَفُ وَأَجْمَلُ
} وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اعْتَمَّ بِعِمَامَةٍ
سَوْدَاءَ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ شِبْرًا وَأَرْخَاهَا ابْنُ
الزُّبَيْرِ مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ ذِرَاعٍ وَعَنْ أَنَسٍ نَحْوُهُ .
وَقَالَ
الْحَنَفِيَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يُسْتَحَبُّ إرْخَاءُ طَرَفِ
الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ ، مِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَ ذَلِكَ
بِشِبْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إلَى وَسَطِ الظَّهْرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ
قَالَ إلَى مَوْضِعِ الْجُلُوسِ انْتَهَى كَلَامُهُمْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ
يُجَدِّدَ لَفَّ الْعِمَامَةَ فَعَلَ كَيْفَ أَحَبَّ .
وَفِي كَلَامِ
الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَهَا عَنْ رَأْسِهِ
وَيُلْقِيَهَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَكِنْ يَنْقُضُهَا
كَمَا لَفَّهَا ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِمَامَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَتِهَا كَذَا ذَكَرُوا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَمَامُ جَمَالِ الْمَرْأَةِ فِي خُفِّهَا ، وَتَمَامُ جَمَالِ الرَّجُلِ فِي عِمَّتِهِ كَذَا حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
فَصْلٌ ( فِي اسْتِحْبَابِ التَّخَتُّمِ وَمَا قِيلَ فِي
جِنْسِهِ وَمَوْضِعِهِ ) يُسْتَحَبُّ التَّخَتُّمُ بِعَقِيقٍ أَوْ فِضَّةٍ
دُونَ مِثْقَالٍ فِي خِنْصَرِ يَدٍ مِنْهُمَا وَقِيلَ يُمْنَى وَقِيلَ فِي
الْيُسْرَى أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ وَضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
حَدِيثَ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَعَلِيِّ
بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ لَا فَضْلَ فِيهِ مُطْلَقًا وَقِيلَ
يُكْرَهُ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ، وَقَطَعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
وَالتَّلْخِيصِ وَابْنِ تَمِيمٍ اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ
وَالْأَوَّلُ فِي الرِّعَايَةِ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ }
كَذَا ذَكَرَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ الْحَافِظُ لَا
يَثْبُتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا
شَيْءٌ .
وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
الْمَوْضُوعَاتِ ، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ أَنَّ خَاتَمَ الْفِضَّةِ
مُبَاحٌ وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ
وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَصَالِحٍ وَعَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ فِي خَاتَمِ
الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ ابْنَ
عُمَرَ كَانَ لَهُ خَاتَمٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ إنَّمَا
هُوَ شَيْءٌ يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ وَحَدَّثَ بِحَدِيثِ أَبِي
رَيْحَانَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ
كَرِهَ عَشْرَ خِلَالٍ وَفِيهَا الْخَاتَمُ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ
فَلَمَّا بَلَغَ هَذَا الْمَوْضِعَ تَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ ، وَقَطَعَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ : اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ فِي
الْيَسَارِ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَالْفَضْلِ
وَسُئِلَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى أَحَبُّ إلَيْكَ أَمْ
الْيُسْرَى ؟ فَقَالَ فِي الْيَسَارِ أَقَرُّ وَأَثْبَتُ وَمَا ذُكِرَ
مِنْ التَّخْيِيرِ قَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَقَالَ
بَعْضُ الْحُفَّاظِ لَمْ يَصِحَّ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيُمْنَى شَيْءٌ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ عَنْ أَنَسٍ وَالْمَحْفُوظُ { أَنَّهُ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ .
وَيُكْرَهُ التَّخَتُّمُ فِي السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى } نَصَّ عَلَيْهِ .
وَزَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْخَاتَمِ ذِكْرُ اللَّهِ .
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ أَوْ رَسُولِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ لَا يُكْتَبُ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ .
قَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فِيهِ ، وَيُسَنُّ
أَنْ يَجْعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ كَفِّهِ كَفِعْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ
خَاتَمُ حَدِيدٍ وَصُفْرٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَكْرَهُ خَاتَمَ الْحَدِيدِ ؛ لِأَنَّهُ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ .
وَقَالَ
فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ { كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ عَلَيْهِ فِضَّةٌ فَرَمَى بِهِ فَلَا
يُصَلَّى فِي الْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ } .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ
الْأَثْرَمِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ خَاتَمِ الْحَدِيدِ مَا تَرَى فِيهِ ؟
فَذَكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ { هَذِهِ حِلْيَةُ أَهْلِ النَّارِ }
وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : لُبْسَةُ أَهْلِ النَّارِ وَابْنُ عُمَرَ قَالَ
مَا طَهُرَتْ كَفٌّ فِيهَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ { وَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ لِرَجُلٍ
لَبِسَ خَاتَمًا مِنْ صُفْرٍ أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ قَالَ فَمَا
أَتَّخِذُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
فِضَّةً } انْتَهَى كَلَامُهُ إسْنَادُ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ضَعِيفٌ وَقَدْ
ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ .
وَقَالَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ {
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى عَلَى بَعْضِ
أَصْحَابِهِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَلْقَاهُ
وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ هَذَا أَشَرُّ ، هَذَا
حِلْيَةُ
أَهْلِ النَّارِ فَأَلْقَاهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَسَكَتَ
عَنْهُ } حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَحْرُمُ ذَلِكَ
وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ أَحْمَدَ .
( فَصْلٌ ) : ظَاهِرُ كَلَامِ
غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ
الشَّيْخِ مُوَفَّقِ الدِّينِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ إبَاحَةُ خَاتَمِ
الْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِاعْتِيَادِ لُبْسِهِ كُلًّا
مِنْهُمَا فَلَا اخْتِصَاصَ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ
وَكَرِهَهُ الْخَطَّابِيُّ لِلْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ لِلرَّجُلِ
.
فَصْلٌ ( فِي لُبْسِ الْفِضَّةِ وَمَنْ قَالَ بِإِبَاحَتِهِ ) يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الْفِضَّةِ إلَّا مَا تَقَدَّمَ .
وَاخْتَارَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ كَلَالِيبَ الْفِضَّةِ كَخَاتَمِ
الْفِضَّةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَأَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ غَالِبًا
لِلْحَاجَةِ وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِ الْفِضَّةِ إلَّا
أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى التَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ
فِيهَا نَصٌّ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَقَدْ أَشَرْت إلَى
دَلِيلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَذِكْرِ كَلَامِهِ فِيمَا عَلَّقَهُ عَلَى
الْمُحَرَّرِ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ
بِالنِّسَاءِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ حَرَّمَهُ ) يُكْرَهُ تَشَبُّهُ رَجُلٍ
بِامْرَأَةٍ وَامْرَأَةٍ بِرَجُلٍ فِي لِبَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ ذَكَرَهُ
صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ
الْكُبْرَى ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ ذَلِكَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ
الدِّينِ وَهُوَ أَوْلَى ، وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ
وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ .
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُخَاطُ لِلنِّسَاءِ هَذِهِ
الزِّيقَاتُ الْعِرَاضُ فَقَالَ إنْ كَانَ شَيْءٌ عَرِيضٌ فَأَكْرَهُهُ
هُوَ مُحْدَثٌ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ وَسَطٌ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا .
وَكَرِهَ
أَنْ يَصِيرَ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ جَيْبِ الرِّجَالِ ، وَقَطَعَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ لِابْنَتِهِ قَمِيصًا وَأَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ
لِلْخَيَّاطِ ، صَيِّرْ جَيْبَهَا برشكاب ، يَعْنِي مِنْ قُدَّامَ :
وَقَطَعَ لِوَلَدِهِ الصِّغَارِ قُمُصًا فَقَالَ لِلْخَيَّاطِ صَيِّرْ
زِيقَاتِهَا دِقَاقًا وَكَرِهَ أَنْ يَصِيرَ عَرِيضًا .
وَكُنْت
يَوْمًا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَمَرَّتْ بِهِ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا
قَبَاءٌ فَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ فَقُلْت تَكْرَهُهُ ؟ قَالَ كَيْفَ لَا
أَكْرَهُهُ جِدًّا ؟ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ } وَقَالَ لِي
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قُلْ لِلْخَيَّاطِ يُصَيِّرْ عُرَى الْقَمِيصِ
عِرَاضٌ فَإِنَّهُ رُبَّمَا صَيَّرَهَا دِقَاقًا فَتَنْقَطِع سَرِيعًا .
وَيَدْخُلُ
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمُ الْخُفِّ فَيُنْهَى عَنْ لُبْسِ خُفٍّ
يُشْبِهُ خُفَّ الرِّجَالِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَصِّ الْإِمَامِ
وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِ
الْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ ، وَيَدْخُلُ فِيهَا أَيْضًا حُكْمُ الْعِمَامَةِ
لَهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَالْمَرْجِعُ فِي اللِّبَاسِ
إلَى حُكْمِ عُرْفِ الْبَلَدِ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ .
وَلَا تَخْتَمِرُ الْمَرْأَةُ كَخِمَارِ الرَّجُلِ بَلْ يَكُونُ خِمَارُهَا عَلَى رَأْسِهَا لَيَّةً وَلَيَّتَيْنِ ،
وَيُكْرَهُ
النِّقَابُ لِلْأَمَةِ وَعَنْهُ يَحْرُمُ ، وَعَنْهُ يُبَاحُ إنْ كَانَتْ
جَمِيلَةً وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ النِّقَابُ وَالْبُرْقُعُ فِي
الصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ فِي
الْمُغْنِي قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ
لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ .
وَمُقْتَضَى
قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهَا ، وَذَكَرَ
بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ سَتْرُهُ .
فَصْلُ
( وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ الْخِضَابُ مَعَ حُضُورِ
زَوْجِهَا ) وَيُكْرَهُ النَّقْشُ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ : وَالتَّكْتِيبُ
وَنَحْوُهُ وَالتَّطَارِيفُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَأَمَّا الْخِضَابُ
لِلرَّجُلِ فَيَتَوَجَّهُ إبَاحَتُهُ مَعَ الْحَاجَةِ وَمَعَ عَدَمِهَا
يَخْرُجُ عَلَى مَسْأَلَةِ تَشَبُّهِ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ فِي لِبَاسٍ
وَغَيْرِهِ : وَيُبَاحُ مَا صُبِغَ مِنْ الثِّيَابِ بَعْدَ نَسْجِهِ
وَقَالَ الْقَاضِي يُكْرَهُ ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَهُوَ بَعِيدٌ ،
وَمَسَائِلُ هَذَا الْفَصْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَذْكُورَةٌ فِي
التَّعْلِيقِ الْكَبِيرِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَوَى
الْمَرُّوذِيُّ فِي الْوَرَعِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّقْشِ وَالتَّطَارِيفِ زَادَ فِي رِوَايَةٍ
وَيَخْتَضِبْنَ غَمْسًا ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ الْخِضَابِ فَقَالَتْ لَا بَأْسَ مَا لَمْ
يَكُنْ نَقْشٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ يُكْرَهُ النَّقْشُ وَرَخَّصَ فِي
الْغَمْسَةِ .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ { أَنَّهُ أَمَرَ فِي الْخِضَابِ أَنْ
تُغْمَسَ الْيَدُ كُلُّهَا } .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ :
وَأَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ قَالَتْ : نَهَانِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
النَّقْشِ فِي الْخِضَابِ وَقَالَ : اغْمِسِي الْيَدَ كُلَّهَا .
مَنْ جَعَلَ عَلَى رَأْسِهِ عَلَامَةً وَقْتَ الْحَرْبِ مِنْ رِيشِ نَعَامٍ وَغَيْرِهِ جَازَ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ شَجَاعَةً وَإِلَّا كُرِهَ ، وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ .
فَصْلٌ (
كَرَاهَةُ تَجَرُّدِ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ وَاجْتِمَاعِهِمَا
بِغَيْرِ حَائِلٍ وَمَتَى يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأَوْلَادِ فِي الْمَضَاجِعِ
) .
يُكْرَهُ أَنْ يَتَجَرَّدَ ذَكَرَانِ أَوْ أُنْثَيَانِ فِي إزَارٍ
أَوْ لِحَافٍ وَلَا ثَوْبَ يَحْجِزُ بَيْنَهُمَا ، ذَكَرَهُ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ .
وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ } وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ
هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي النِّكَاحِ وَقَالَ مُمَيِّزَانِ ، ثُمَّ قَالَ
مِنْ عِنْدِهِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا غَيْرَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ
وَمَحْرَمٍ اُحْتُمِلَ التَّحْرِيمُ .
وَمَنْ بَلَغَ مِنْ الصِّبْيَانِ
عَشْرًا مُنِعَ مِنْ النَّوْمِ مَعَ أُخْتِهِ وَمَعَ مَحْرَمٍ غَيْرِهَا
مُتَجَرِّدَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَهَذَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا أَبُو
بَكْرٍ وَالْمَنْصُوصُ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا .
وُجُوبُ
التَّفْرِيقِ فِي ابْنِ سَبْعٍ فَأَكْثَرَ وَإِنَّ لَهُ عَوْرَةً يَجِبُ
حِفْظُهَا وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ
الْجَنَائِزِ .
وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ تَجَرُّدُ مَنْ لَا
حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْعَوْرَةِ
لِوُجُوبِ حِفْظِهَا إذًا ، وَمَعَ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا فَإِنْ كَانَا
ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَإِنْ أَمِنَا ثَوَرَانَ الشَّهْوَةِ جَازَ
، وَقَدْ يُحْتَمَلُ الْكَرَاهَةُ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهَا ، وَإِنْ خِيفَ
ثَوَرَانُهَا حَرُمَ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَنْعِ النَّظَرِ حَيْثُ
أُبِيحَ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا نَصَّ عَلَيْهِ ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ
الْأَصْحَابُ ، وَإِنْ كَانَ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَإِنْ كَانَ
أَحَدُهُمَا مَحْرَمًا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَالتَّحْرِيمُ وَاضِحٌ
لِمَعْنَى الْخَلْوَةِ وَمَظِنَّةِ الشَّهْوَةِ وَحُصُولِ الْفِتْنَةِ .
وَعَنْ
سَوَّارِ بْنِ دَاوُد وَيُقَالُ دَاوُد بْنُ سَوَّارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ
لَفْظُ أَحْمَدَ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ
لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } مُخْتَلَفٌ فِي سِوَارٍ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَإِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُعْتَادُ مَعَ اجْتِمَاعِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لِقَوْلِهِ { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ } فَأَمَّا إنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا تَوَجَّهَ مَا سَبَقَ فَإِنْ جَهِلَ الْحَالَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ الْمَنْعَ فَأَمَّا الْمَحَارِمُ فَلَا مَنْعَ إلَّا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَالْمَنْعُ وَالْكَرَاهَةُ مَعَ التَّجَرُّدِ مُحْتَمَلَةٌ لَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يَتَعَلَّقُ
بِالنِّعَالِ ) يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِبَاسُ النِّعَالِ
الصَّرَّارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تُلْبَسَ
لِلْوُضُوءِ .
وَقَالَ لَهُ الْمَرُّوذِيُّ أَمَرُونِي فِي الْمَنْزِلِ
أَنْ أَشْتَرِيَ نَعْلًا سِنْدِيًّا لِصَبِيَّةٍ فَقَالَ لَا تَشْتَرِ
فَقُلْت تَكْرَهُهُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ؟ قَالَ : نَعَمْ
أَكْرَهُهُ وَقَالَ : إنْ كَانَ لِلْمَخْرَجِ وَالطِّينِ فَأَرْجُو ،
أَمَّا مَنْ أَرَادَ الزِّينَةَ فَلَا .
وَقَالَ عَنْ شَخْصٍ لَبِسَهَا
يَتَشَبَّهُ بِأَوْلَادِ الْمُلُوكِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ إذَا
كَانَ الْوُضُوءُ فَأَرْجُو ، وَأَمَّا لِلزِّينَةِ فَأَكْرَهُهُ
لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
وَكَرِهَهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ وَقَالَ إنْ كَانَ لِلْكَنِيفِ وَالْوُضُوءِ
وَأَكْرَهُ الصَّرَّارَ وَقَالَ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَرَوَى أَبُو
بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ
بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ
يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا وَيَذْكُرُ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ
ذَلِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَظُنُّهُ
فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَالَ وَكِيعٌ السِّبْتِيَّةُ
الَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا .
وَحَكَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ تَحْرِيمَ الصَّرِيرِ فِي الْمَدَاسِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامَ أَحْمَدَ .
وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ أَحْمَرَ وَيَجُوزُ أَسْوَدَ .
وَيُرْوَى
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّهُ قَالَ النَّعْلُ السَّوْدَاءُ
تُورِثُ الْهَمَّ وَأَظُنُّ الْقَاضِيَ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ
فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَرَاهَةُ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ النَّعْلُ
سِبْتِيًّا أَصْفَرَ وَهُوَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ شَعْرٌ .
وَرَوَى
أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ مَنْ لَبِسَ نَعْلًا صَفْرَاءَ لَمْ يَزَلْ يَنْظُرُ فِي
سُرُورٍ ، ثُمَّ قَرَأَ { صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ
النَّاظِرِينَ } قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَيُبَاحُ الْمَشْيُ فِي
قَبْقَابِ خَشَبٍ وَقِيلَ مَعَ
الْحَاجَةِ .
وَذَكَرَ ابْنُ
تَمِيمٍ أَنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِالْخَشَبِ
أَنْ يُمْشَى فِيهِ إنْ كَانَ حَاجَةً وَنَقَلْتُ مِنْ مَسَائِلِ حَرْبٍ
عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فَالنَّعْلُ مِنْ الْخَشَبِ قَالَ لَا
بَأْسَ بِهَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ ضَرُورَةٍ .
فَصْلٌ رَوَى أَبُو
مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اسْتَكْثِرُوا مِنْ النِّعَالِ فَإِنَّ
أَحَدَكُمْ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ } وَهُوَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَرْغِيبِ
اللُّبْسِ لِلنِّعَالِ ؛ وَلِأَنَّهَا قَدْ تَقِيهِ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ
وَالنَّجَاسَاتِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لِيُوَسِّعْ
الْمُنْتَعِلُ لِلِحَافِي عَنْ جُدُدِ الطَّرِيقِ فَإِنَّ الْمُنْتَعِلَ
بِمَنْزِلَةِ الرَّاكِبِ } .
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ
أَحَدِكُمْ فَلْيَسْتَرْجِعْ فَإِنَّهَا مُصِيبَةٌ } وَرُوِيَ أَيْضًا
عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { تَعَاهَدُوا نِعَالَكُمْ عِنْدَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ }
وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا نَجَاسَةٌ
فَتُنَجِّسُ الْمَسْجِدَ قَالَهُ الْقَاضِي وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ
حَدِيثِ أَنَسٍ { لِيَسْأَلَ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا
حَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ إذَا انْقَطَعَ } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ ثَابِتٍ مُرْسَلَةٍ { حَتَّى
يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ ، وَحَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَهُ إذَا انْقَطَعَ } .
وَعَنْ
فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَالَ لَهُ بِمِصْرَ
مَا لِي أَرَاك شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرُ الْأَرْضِ قَالَ { كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنْ
الْإِرْفَاهِ } قَالَ فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْك حِذَاءً قَالَ { كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ
نَحْتَفِي أَحْيَانًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِلًا بِمِصْرَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ
مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِذَا هُوَ شَعِثُ الرَّأْسِ مِشْعَارٌ فَقُلْت مَا
لِي أَرَاك شَعِثًا وَأَنْتَ أَمِيرٌ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا عَنْ الْإِرْفَاهِ ، }
قُلْت
وَمَا الْإِرْفَاهُ ؟ قَالَ الرَّجُلُ كَانَ يَوْمَ الْإِرْفَاهِ
الِاسْتِكْثَارُ مِنْ الزِّينَةِ وَالتَّنَعُّمِ وَالْمِشْعَارُ هُوَ
الْبَعِيدُ الْعَهْدُ عَنْ الْحَمَّامِ ، يُقَالُ رَجُلٌ مِشْعَارٌ إذَا
كَانَ مُنْتَفِشَ الشَّعْرِ ثَائِرَ الرَّأْسِ بَعِيدَ الْعَهْدِ عَنْ
الْحَمَّامِ بِالتَّسْرِيحِ وَالدَّهْنِ .
قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ :
وَسِرْ حَافِيًا أَوْ حَاذِيًا وَامْشِ وَارْكَبَنْ وَتَمَعْدَدْ
وَاخْشَوْشِنْ وَلَا تَتَعَوَّدْ وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي فَرْدَةِ
نَعْلٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي إصْلَاحِ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ يَكُنْ
نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالْأَثْرَمِ
وَجَمَاعَةٍ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ : كَثِيرًا
وَيُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ
التَّلْخِيصِ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَالْأَوْلَى أَنْ
يَبْدَأَ بِلُبْسِ حَائِلِ الْيُمْنَى بِيُمْنَاهُ وَخَلْعِ حَائِلِ
الْيُسْرَى بِيُسْرَاهُ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ وَقَدْ
سُئِلَ يَنْتَعِلُ قَبْلَ الْيُمْنَى أَوْ يَنْزِعُ الْيُمْنَى قَبْلَ
الْيُسْرَى قَالَ أَكْرَهُ هَذَا كُلَّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يُقَابِلَ بَيْنَ نَعْلَيْهِ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ
نَعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهَا
قِبَالَانِ } قِبَالُ النَّعْلِ بِكَسْرِ الْقَافِ الزِّمَامُ وَهُوَ
السَّيْرُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ الْإِصْبَعِ الْوُسْطَى وَاَلَّتِي
تَلِيهَا وَقَدْ أَقْبَلَ نَعْلَهُ وَقَابَلَهَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ {
قَابِلُوا النِّعَالَ } أَيْ اعْمَلُوا لَهَا قِبَالًا ، وَنَعْلٌ
مُقْبَلَةٌ إذَا جَعَلْت لَهَا قِبَالًا ، وَمَقْبُولَةٌ إذَا شَدَدْت
قِبَالَهَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَهَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَنْتَعِلَ
قَائِمًا عَلَى رِوَايَتَيْنِ وَقَدَّمَ ابْنُ تَمِيمٍ الْكَرَاهَةَ ،
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ لَا يَنْتَعِلُ قَائِمًا وَزَادَ
فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَالْأَثْرَمِ الْأَحَادِيثُ
فِيهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى
الْأَحَادِيثِ فِي كَرَاهَةِ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ كَتَبَ إلَيَّ يُوسُفُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الِانْتِعَالِ قَائِمًا قَالَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ شَيْءٌ قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ ضَعَّفَ الْأَحَادِيثَ فِي النَّهْيِ وَالصَّحِيحُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ .
فَصْلٌ
: ( اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ ) رَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ
الْخَلَّالُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { خُذُوا زِينَةَ
الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا زِينَةُ الصَّلَاةِ ؟ قَالَ
الْبَسُوا نِعَالَكُمْ وَصَلُّوا فِيهَا } .
قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ فِي النِّعَالِ وَذَكَرَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي النَّعْلِ وَنَحْوِهِ
مُسْتَحَبٌّ قَالَ وَإِذَا شَكَّ فِي نَجَاسَةٍ أَسْفَلَ الْخُفِّ لَمْ
تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ .
وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا { إذَا خَلَعَ
أَحَدُكُمْ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ خَلَّصَهُ اللَّهُ مِنْ ذُنُوبِهِ
حَتَّى يَلْقَاهُ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } قَالَ
الْقَاضِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ خَلْعِ النَّعْلِ إذَا كَانَ
فِيهَا أَذًى انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَصْلٌ قَدْ سَبَقَ بَيَانُ آدَابِ
الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالْمَلْبُوسِ ، وَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ
الِامْتِنَاعِ مِنْهُ ، وَالْإِسْرَافِ فِيهِ فِي آدَابِ الْأَكْلِ ،
وَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ الْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ فِي آدَابِ
الْمَسَاجِدِ .
فَصْلٌ ( فِي ذِكْرِ أَحَادِيثَ تَتَعَلَّقُ بِالْفُصُولِ السَّالِفَةِ فِي اللِّبَاسِ ) .
عَنْ
أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ
مِنْ أُمَّتِي ، وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ
انْقِطَاعًا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا
مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ : هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ .
وَعَنْ
حُذَيْفَةَ قَالَ { نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ ، وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ
عَلَيْهِ ، } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
{ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ
إصْبَعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ
حَدِيثِ عُمَرَ { وَكَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ
عَلَيْهَا لَبِنَةٌ شِبْرٌ مِنْ دِيبَاجٍ كِسْرَوَانِيِّ ، وَفَرْجَاهَا
مَكْفُوفَانِ بِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ
أَسْمَاءَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ
الشِّبْرِ .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ إلَّا مُقَطَّعًا }
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ،
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا { مَنْ لَبِسَ
ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
} إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى مَنْ
جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا } وَقَالَ أَيْضًا { مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ
خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا .
وَقَالَ أَيْضًا : { مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ
حُذَيْفَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { لَا حَقَّ لِلْإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ }
إسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ { وَلَعَنَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ
الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ
بِالرِّجَالِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ { وَلَعَنَ أَيْضًا الرَّجُلَ
يَلْبَسُ لُبْسَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَ الرَّجُلِ }
إسْنَادُهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَرَوَى سَعِيدٌ
فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ عَنْ إبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ قَالَ كَانُوا يُرَخِّصُونَ لِلصَّبِيِّ فِي الْخَاتَمِ
الذَّهَبِ فَإِذَا بَلَغَ أَلْقَاهُ { وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ بِالْوُضُوءِ
فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ جَاءَ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا
لَكَ أَمَرْته أَنْ يَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ سَكَتَّ عَنْهُ فَقَالَ إنَّهُ
كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ
صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ
فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ ، وَإِذَا نَزَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالشِّمَالِ }
وَعَنْهُ مَرْفُوعًا { لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ }
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَفِي رِوَايَةٍ { إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِ فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَرَوَاهُ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَفِيهِ { وَلَا تَمْشِ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ }
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا مَشَتْ فِي خُفٍّ
وَاحِدٍ وَقَالَتْ لَأُحَنِّثَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّهُ يَقُولُ لَا
تَمْشِي فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ .
حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
عَائِشَةَ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَشَى فِي نَعْلٍ
.
وَاحِدَةٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
نَهَى أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ
أَبِي يَحْيَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَحْمَدَ مُحَمَّدِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَعَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَذَكَرَهُ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
وَأَبُو الزُّبَيْرِ إسْنَادُهُ حَسَنٌ .
وَقَالَ
سَعِيدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ
قَائِمًا مَوْقُوفٌ .
وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ وَالْآجُرِّيُّ مَرْفُوعًا .
وَرَوَى
أَحْمَدُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَى أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْتَعِلُ قَائِمًا وَقَاعِدًا } .
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ
بِهِمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ {
أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ شَكَوَا إلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمْلَ فَرَخَّصَ
لَهُمَا فِي قُمُصِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ كَانَتْ بِهِمَا } ، وَسَبَقَ
فِي التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمَاتِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ { رَأَيْت رَجُلًا
بِبُخَارَى عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ
فَقَالَ كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ }
سَعْدٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ .
وَقَدْ
صَحَّ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
لُبْسُ الْخَزِّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ {
إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
الثَّوْبِ الْمُسَمَّطِ مِنْ قَزٍّ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا
السَّدَى وَالْعَلَمُ فَلَا نَرَى بِهِ بَأْسًا .
فِيهِ خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ .
رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ وَلَا النِّمَارَ }
إسْنَادٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
وَقَالَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ
يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ إلَى أَنْ قَالَ يَمْسَخُ مِنْهُمْ
آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } إسْنَادُهُ
ثِقَاتٌ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا .
وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { رَأَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ
مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا
تَلْبَسْهَا .
} وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {
نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ وَعَنْ لِبَاسِ
الْقِسِيِّ وَالْمُعَصْفَرِ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ { وَنَهَى صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَقَالَ الْبَرَاءُ {
رَأَيْته فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ } مُتَّفَقٌ
عَلَيْهِمَا ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ { مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ
عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي
إسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَبَاقِي إسْنَادِهِ
ثِقَاتٌ .
وَعَنْ سَمُرَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا {
الْبَسُوا ثِيَابَ الْبَيَاضِ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا
فِيهَا مَوْتَاكُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { دَخَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ } .
وَعَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ
مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ { وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ خَالِدٍ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ
وَقَالَ أَبْلِي وَأَخْلِقِي يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا } قَالَ
ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ حَسَنٌ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُرْوَى " أَخَلْقِي "
بِالْقَافِ مِنْ إخْلَاقِ الثَّوْبِ تَقْطِيعُهُ وَقَدْ خَلُقَ الثَّوْبُ
وَأَخْلَقَ وَيُرْوَى بِالْفَاءِ بِمَعْنَى الْعِوَضِ وَالْبَدَلِ قَالَ
وَهُوَ الْأَشْبَهُ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ { كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا
سَمَّاهُ بِاسْمِهِ عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً ، ثُمَّ يَقُولُ
اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ
وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا
صُنِعَ لَهُ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى
طَرَفَيْهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَقُلْ
سَوْدَاءَ وَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَإِسْنَادُهُ
ثِقَاتٌ سِوَى يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَدِينِيِّ فَإِنَّ فِيهِ
ضَعْفًا .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَعَنْ عَمْرِو
بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ } رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إلَى عَمْرٍو
وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا {
كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا غَيْرَ مَخْيَلَةٍ وَلَا
سَرَفٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ { فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
أَنْ يَرَى أَثَرَ
نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْهُنُ بِالزَّعْفَرَانِ وَيَصْبُغُ
بِهِ ثِيَابَهُ كُلَّهَا حَتَّى عِمَامَتِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا
تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ } رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
{ وَقَدْ اتَّكَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِخَدَّةٍ فِيهَا صُورَةٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ أَوْ الْبُخَارِيِّ { أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً
فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ قَالَتْ
فَعَرَفْت فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ
إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْت قَالَ فَمَا بَالُ
هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟ فَقَالَتْ اشْتَرَيْتهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا
وَتَوَسُّدِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّورَةِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ } .
وَقَالَ {
إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ }
وَالْقَوْلُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الَّذِي قَبْلَهُ
أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَانْفِرَادُ أَحْمَدَ بِالزِّيَادَةِ فَإِنْ
صَحَّتْ فَلَا تَحْرُمُ وَفِي الْكَرَاهَةِ نَظَرٌ .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصُّوَرِ فِي
الْبَيْتِ وَنَهَى أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ قَالَ
التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إنِّي أُصَوِّرُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ
فَأَفْتِنِي فِيهَا قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ
اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا تُعَذِّبُهُ فِي
جَهَنَّمَ ، فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ
فَاعِلًا فَاجْعَلْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ أَحَبُّ
الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْقَمِيصَ } .
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ كُمُّ يَدِ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الرُّسْغِ } رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُمَا .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي
قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ : إنَّ الرَّجُلَ
يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا قَالَ إنَّ
اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْصُ
النَّاسِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَحْمَدَ مَعْنَاهُ { وَلَكِنَّ
الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ النَّاسَ وَأَزْرَى النَّاسَ } سَفِهَ الْحَقَّ
أَيْ : جَهِلَهُ وَقِيلَ جَهِلَ نَفْسَهُ وَلَمْ يُفَكِّرْ فِيهَا ،
وَقِيلَ سَفَّهَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ سَفَّهَ الْحَقَّ ، وَبَطَرُ
الْحَقِّ قِيلَ تَرْكُهُ ، وَقِيلَ يَجْعَلُ الْحَقَّ بَاطِلًا وَغَمْصُ
النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ ، وَزَادَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ "
وَغَمْصُ النَّاسِ بِعَيْنَيْهِ " .
وَصَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنُ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { يُحْشَرُ
الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ
الرِّجَالِ يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الصَّغَارِ ، حَتَّى يَدْخُلُوا
سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ ، تَعْلُوهُمْ نَارُ
الْأَنْيَارِ وَيُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةُ أَهْلِ
النَّارِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
جَمَعَ
النَّارَ عَلَى أَنْيَارٍ وَأَصْلُهَا أَنْوَارٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ
الْوَاوِ ، { وَقَدْ خَسَفَ اللَّهُ بِالرَّجُلِ الَّذِي جَعَلَ
يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّتِهِ وَيَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَهُوَ
يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ رَجُلًا جَمِيلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
حُبِّبَ
إلَيَّ الْجَمَالُ وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَى حَتَّى مَا أُحِبُّ أَنْ
يَفُوقَنِي أَحَدٌ إمَّا بِشِرَاكِ نَعْلٍ أَوْ شِسْعِ نَعْلٍ أَفَمِنْ
الْكِبْرِ ذَلِكَ ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ بَطَرُ الْحَقِّ
وَغَمْصُ النَّاسِ .
} وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ يَقُولُونَ
فِي التِّيهِ وَقَدْ رَكِبْت الْحِمَارَ وَلَبِسْت الشَّمْلَةَ وَقَدْ
حَلَبْت الشَّاةَ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { مَنْ فَعَلَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ الْكِبْرِ شَيْءٌ }
إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَعَنْ
أَبِي مَرْحُومٍ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ
مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا { مَنْ تَرَكَ أَنْ
يَلْبَسَ صَالِحَ الثِّيَابِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ
دَعَاهُ اللَّهُ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي
حُلَلِ الْإِيمَانِ أَيَّتُهُنَّ شَاءَ } إسْنَادٌ لَيِّنٌ أَوْ ضَعِيفٌ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ
السَّاقِ وَلَا حَرَجَ وَلَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْكَعْبَيْنِ ، مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي
النَّارِ ، مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ }
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْمٍ إنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إخْوَانِكُمْ
فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا
كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ
وَلَا التَّفَحُّشَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِيهِ
قَيْسُ بْنُ بِشْرٍ وَقَدْ وُثِّقَ وَضُعِّفَ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ
أَبِي أُمَامَةَ إيَاسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ { ذَكَرَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا
عِنْدَهُ الدُّنْيَا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ ؟ أَلَا تَسْمَعُونَ ؟
إنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ } يَعْنِي التَّقَحُّلَ ، رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَفِي لَفْظٍ يَعْنِي
التَّقَشُّفَ .
وَقَالَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي النِّسَاءِ يُرْخِينَ شِبْرًا
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ إذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ ، قَالَ
فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
فَصْلٌ ( فِي فَضْلِ
الْأَدَبِ وَالتَّأْدِيبِ ) قَالَ فِي الْغُنْيَة بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ
جُمْلَةً مِنْ الْآدَابِ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَعْمَلَ
بِهَذِهِ الْآدَابِ فِي أَحْوَالِهِ .
رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَأَدَّبُوا ، ثُمَّ تَعَلَّمُوا وَقَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ أَدَبُ الْعِلْمِ أَكْثَرُ مِنْ الْعِلْمِ .
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إذَا وُصِفَ لِي رَجُلٌ لَهُ عِلْمُ
الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَا أَتَأَسَّفُ عَلَى فَوْتِ لِقَائِهِ ،
وَإِذَا سَمِعْت رَجُلًا لَهُ أَدَبُ الْقَسِّ أَتَمَنَّى لِقَاءَهُ
وَأَتَأَسَّفُ عَلَى فَوْتِهِ .
وَيُقَالُ مَثَلُ الْإِيمَانِ كَمَثَلِ
بَلْدَةٍ لَهَا خَمْسَةُ حُصُونٍ ، الْأَوَّلُ مِنْ ذَهَبٍ ، وَالثَّانِي
مِنْ فِضَّةٍ وَالثَّالِث مِنْ حَدِيدٍ ، وَالرَّابِعُ مِنْ آجُرٍّ ،
وَالْخَامِسُ مِنْ لَبِنٍ فَمَا زَالَ أَهْلُ الْحِصْنِ مُتَعَاهِدِينَ
الْحِصْنَ مِنْ اللَّبِنِ لَا يَطْمَعُ الْعَدُوُّ فِي الثَّانِي فَإِذَا
أَهْمَلُوا ذَلِكَ طَمِعُوا فِي الْحِصْنِ الثَّانِي ، ثُمَّ الثَّالِثِ
حَتَّى تَخْرَبَ الْحُصُونُ كُلُّهَا ، فَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ فِي
خَمْسَةِ حُصُونٍ : الْيَقِينِ .
ثُمَّ الْإِخْلَاصِ ، ثُمَّ أَدَاءِ
الْفَرَائِضِ ، ثُمَّ أَدَاءِ السُّنَنِ ، ثُمَّ حِفْظِ الْآدَابِ ، فَمَا
دَامَ الْعَبْدُ يَحْفَظُ الْآدَابَ وَيَتَعَاهَدُهَا فَالشَّيْطَانُ لَا
يَطْمَعُ فِيهِ .
فَإِذَا تَرَكَ الْآدَابَ طَمِعَ الشَّيْطَانُ فِي
السُّنَنِ ، ثُمَّ فِي الْفَرَائِضِ ، ثُمَّ فِي الْإِخْلَاصِ ، ثُمَّ فِي
الْيَقِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ ابْنُ
الْمُبَارَكِ لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ
يُزَيِّنْ عَمَلَهُ بِالْأَدَبِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ
وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا طَلَبْت الْعِلْمَ فَأَصَبْت فِيهِ شَيْئًا ،
وَطَلَبْت الْأَدَبَ فَإِذَا أَهْلُهُ قَدْ مَاتُوا .
وَقَالَ بَعْضُ
الْحُكَمَاءِ لَا أَدَبَ إلَّا بِعَقْلٍ ، وَلَا عَقْلَ إلَّا بِأَدَبٍ ،
كَانَ يُقَالُ الْعَوْنُ لِمَنْ لَا عَوْنَ لَهُ الْأَدَبُ .
وَقَالَ الْأَحْنَفُ الْأَدَبُ نُورُ الْعَقْلِ ، كَمَا أَنَّ النَّارَ فِي الظُّلْمَةِ نُورُ الْبَصَرِ .
كَانَ يُقَالُ الْأَدَبُ مِنْ
الْآبَاءِ ، وَالصَّلَاحُ مِنْ اللَّهِ .
كَانَ
يُقَال مَنْ أَدَّبَ ابْنَهُ صَغِيرًا ، قَرَّتْ بِهِ عَيْنُهُ كَبِيرًا ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّبْهُ وَالِدَاهُ أَدَّبَهُ اللَّيْلُ
وَالنَّهَارُ .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } قَالَ أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ يَنْفَعُ الْأَدَبُ الْأَحْدَاثَ فِي مَهَلٍ
وَلَيْسَ يَنْفَعُ بَعْدَ الْكِبَرِ الْأَدَبُ إنَّ الْغُصُونَ إذَا
قَوَّمْتَهَا اعْتَدَلَتْ وَلَا تَلِينُ إذَا قَوَّمْتَهَا الْخُشُبُ
قِيلَ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَدَّبَك ؟ قَالَ مَا أَدَّبَنِي
أَحَدٌ رَأَيْت جَهْلَ الْجَاهِلِ فَاجْتَنَبْته .
وَقَالَ سُلَيْمَانُ
بْنُ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُغِيظَ عَدُوَّهُ
فَلَا يَرْفَعْ الْعَصَا عَنْ وَلَدِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ
كَانُوا يَقُولُونَ أَكْرِمْ وَلَدَكَ وَأَحْسِنْ أَدَبَهُ .
وَقَالَ
الْحَسَنُ التَّعَلُّمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ وَقَالَ
لُقْمَانُ ضَرْبُ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ كَالسَّمَادِ لِلزَّرْعِ ذَكَرَ
ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ وَقَالَ
ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ لِي مَخْلَدَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ نَحْنُ إلَى
كَثِيرٍ مِنْ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْحَدِيثِ .
وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا { مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ
مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ } وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا { لَأَنْ
يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ }
رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا غَرِيبٌ قَالَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الشَّاعِرُ : خَيْرُ مَا وَرَّثَ الرِّجَالُ
بَنِيهِمْ أَدَبٌ صَالِحٌ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ هُوَ خَيْرٌ مِنْ
الدَّنَانِيرِ وَالْأَوْرَاقِ فِي يَوْمِ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءِ تِلْكَ
تَفْنَى وَالدِّينُ وَالْأَدَبُ الصَّا لِحُ لَا يَفْنَيَانِ حَتَّى
اللِّقَاءِ إنْ تَأَدَّبْت يَا بُنَيَّ صَغِيرًا كُنْت يَوْمًا تُعَدُّ
فِي الْكُبَرَاءِ .
فَصْلٌ ( فِي ذِكْرِ فَرْضِ الْكِفَايَاتِ ) .
(
مِنْهَا ) دَفْعُ ضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ كَسَتْرِ الْعَارِي وَإِشْبَاعِ
الْجَائِعِ عَلَى الْقَادِرِينَ إنْ عَجَزَ بَيْتُ الْمَالِ عَنْ ذَلِكَ
أَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ مِنْهُ ( وَمِنْهَا ) عِيَادَةُ الْمَرْضَى ،
وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ ، وَتَغْسِيلُ الْمَوْتَى وَتَكْفِينُهُمْ ،
وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ بِشَرْطِهِ ( وَمِنْهُمَا )
الصَّنَائِعُ الْمُبَاحَةُ الْمُهِمَّةُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا غَالِبًا
لِمَصَالِحِ النَّاسِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ الْبَدَنِيَّةِ
وَالْمَالِيَّةِ ( وَمِنْهَا ) الزَّرْعُ وَالْغَرْسُ وَنَحْوُهُمَا (
وَمِنْهَا ) الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَإِقَامَةُ الدَّعْوَةِ وَدَفْعُ
الشُّبْهَةِ بِالْحُجَّةِ وَالسَّيْفِ وَالْجِهَادِ كُلَّ عَامٍ
بِشَرْطِهِ ( وَمِنْهَا ) سَدُّ الْبُثُوقِ وَحَفْرُ الْآبَارِ
وَالْأَنْهَارِ وَكَرْيُهَا ، وَهُوَ تَنْظِيفُهَا وَعَمَلُ الْقَنَاطِرِ
وَالْجُسُورِ وَالْأَسْوَارِ وَإِصْلَاحُهَا وَإِصْلَاحُ الطَّرِيقِ
وَالْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَمِنْهَا ) الْحَجُّ
كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا ( وَمِنْهَا )
الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ بِشُرُوطِهَا ( وَمِنْهَا ) تَعْلِيمُ الْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ
بِهَا مِنْ حِسَابٍ وَنَحْوِهِ بِشَرْطِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ
الْكُبْرَى وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَدْ ذَكَرَ
الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَاتِّبَاعَ
الْجَنَائِزِ مِنْ الْأُمُورِ الْمُسْتَحَبَّةِ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ
عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلَامِ ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ
الدَّعْوَةِ ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ }
وَلِمُسْلِمٍ { حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ إذَا لَقِيتَهُ
فَسَلِّمْ وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ
لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ
فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ } وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي
الْمُجَرَّدِ أَنَّ شَهَادَةَ جِنَازَتِهِ آكَدُ فِي
الِاسْتِحْبَابِ مِنْ عِيَادَتِهِ .
وَقَدْ
قَالَ الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ لَا تُعَادُ وَلَا يُسَمَّى
صَاحِبُهَا مَرِيضًا وَإِنْ كَانَتْ وَجَعًا وَأَلَمًا قَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { ثَلَاثَةٌ لَا يُعَادُ صَاحِبُهَا : الضِّرْسُ وَالرَّمَدُ
وَالدُّمَّلُ } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا
وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ ، لَا تُعْرَفُ صِحَّتُهُ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي
إسْنَادِهِ مَسْلَمَةُ بْنُ عُلَيٍّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ، وَذَكَرَهُ أَبُو
الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ
فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ مِنْ
قَوْلِهِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي وَمَا
ذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ مِنْ وُجُوبِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ
لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَقَدْ
ذَكَرُوا أَنَّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ حَجِّ
النَّفْلِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ لَهُمَا مَنْعَهُ مِنْ الْجِهَادِ مَعَ
كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَالتَّطَوُّعَاتُ أَوْلَى وَذَكَرَ ابْنُ
هُبَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ فَرْضٌ عَلَى
الْكِفَايَةِ وَهَذَا غَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ .
فَصْلٌ ( فِي
التَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالتَّخَلِّي عَنْ الرَّذَائِلِ وَمَوَدَّةِ
الْإِخْوَةِ ) عَلَيْك رَحِمَك اللَّهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيثَارِ
طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ سِرًّا وَجَهْرًا مَعَ صَفَاءِ
الْقَلْبِ مِنْ كُلِّ كَدَرٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ وَاتْرُكْ حُبَّ
الْغَلَبَةِ وَالتَّرَؤُّسِ وَالتَّرَفُّعَ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ
أَدْهَمَ : لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَضَعَ نَفْسَهُ دُونَ قَدْرِهِ
وَلَا يَرْفَعَ نَفْسَهُ فَوْقَ قَدْرِهِ ، رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي
تَارِيخِهِ ، وَكُلُّ وَصْفٍ مَذْمُومٍ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا أَوْ عُرْفًا
كَغِلٍّ وَحِقْدٍ وَحَسَدٍ وَنَكَدٍ وَغَضَبٍ وَعُجْبٍ وَخُيَلَاءَ
وَرِيَاءٍ وَهَوًى وَغَرَضِ سُوءٍ وَقَصْدٍ رَدِيءٍ وَمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ
وَمُجَانَبَةِ كُلِّ مَكْرُوهٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا جَلَسْت مَجْلِسَ
عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاجْلِسْ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَتَلَقَّ النَّاسَ
بِالْبُشْرَى وَالِاسْتِبْشَارِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مِنْ الدَّهَاءِ حُسْنُ اللِّقَاءِ رَوَاهُ الْمُعَافَى
بْنُ زَكَرِيَّا فِي مَجَالِسِهِ بِإِسْنَادِهِ ، وَحَادِثْهُمْ بِمَا
يَنْفَعُ مِنْ الْأَخْبَارِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
لَا تَصْحَبْ إلَّا مُؤْمِنًا ، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ }
حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ .
ثنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثنا
حَيَاةُ أَنْبَأَنَا سَالِمُ بْنُ غَيْلَانَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ
التُّجِيبِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَوْ عَنْ
الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْن حِبَّانَ .
وَعَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { خَيْرُ
الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ ، وَخَيْرُ
الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُد ثنا ابْنُ بَشَّارٍ ثنا أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو دَاوُد قَالَا
ثنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {
الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ
} إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَمُوسَى حَدِيثُهُ حَسَنٌ .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ بَشَّارٍ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ .
قَالَ
الشَّاعِرُ وَمَا صَاحِبُ الْإِنْسَانِ إلَّا كَرُقْعَةٍ عَلَى ثَوْبِهِ
فَلْيَتَّخِذْ مَنْ يُشَاكِلُهْ وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ
عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَثَلُ
الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إنْ لَمْ يُصِبْك
مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَك مِنْ رِيحِهِ ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ
كَمَثَلِ الْكِيرِ إنْ لَمْ يُصِبْك مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَك مِنْ
دُخَانِهِ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَثَلُ الْجَلِيسِ
الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ ،
إمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَك وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا
خَبِيثَةً } وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا { الْمُؤْمِنُ
مَأْلَفَةٌ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُؤْلَفُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَى
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ { يَكُونُ فِي آخِرِ
الزَّمَانِ أَقْوَامٌ إخْوَانُ الْعَلَانِيَةِ أَعْدَاءُ السَّرِيرَةِ
قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ قَالَ ذَلِكَ بِرَغْبَةِ بَعْضِهِمْ
إلَى بَعْضٍ وَرَهْبَةِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ .
} وَلِلْبُخَارِيِّ
مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا
تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ }
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { النَّاسُ مَعَادِنُ
كَمَعَادِنِ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا فَقِهُوا وَالْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ
} وَذَكَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { مَا
أَعْجَبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ مِنْ
الدُّنْيَا وَلَا أَعْجَبَهُ أَحَدٌ إلَّا ذُو تُقًى } ، وَعَنْ أَبِي
السَّلِيلِ وَاسْمُهُ ضُرَيْبٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يُدْرِكْهُ
مَرْفُوعًا { إنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً .
وَقَالَ عُثْمَانُ آيَةً
لَوْ أَخَذَ النَّاسُ بِهَا كُلُّهُمْ لَكَفَتْهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيَّةُ آيَةٍ قَالَ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مَخْرَجًا } } إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ،
وَلِلنَّسَائِيِّ مَعْنَاهُ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ طَعَامَ الدَّعْوَةِ دُونَ طَعَامِ
الْحَاجَةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى
حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ
أَسْرَاهُمْ الْكُفَّارُ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَدُونَ الْأَتْقِيَاءِ ؛
لِأَنَّ الْمُؤَاكَلَةَ تُوجِبُ الْأُلْفَةَ وَتَجْمَعُ الْقُلُوبَ
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَتَوَخَّ أَنْ يَكُونَ
خُلَطَاؤُك ذَوِي الِاخْتِصَاصِ بِك أَهْلَ التَّقْوَى } وَرَوَى أَحْمَدُ
ثنا عَفَّانَ ثنا حَمَّادٌ أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ
الْحَسَنِ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ { مَا تَوَادَّ
رَجُلَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا
حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ ، وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ
وَالْمُحْدِثُ شَرٌّ } إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ { مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَّا بِذَنْبٍ
يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا } .
وَعَنْ الْمِقْدَامِ مَرْفُوعًا { إذَا
أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ
لِأَحْمَدَ جَعْفَرٌ الْوَكِيعِيُّ : إنِّي لَأُحِبّكَ ، ثُمَّ رَوَى
هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ .
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ هَنَّادٍ وَقَتَادَةَ عَنْ
حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ الْقَصِيرِ عَنْ
هَنَّادِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ يَزِيدَ ابْنِ نَعَامَةَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا آخَى الرَّجُلُ
الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنْ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَمِمَّنْ هُوَ ؟
فَإِنَّهُ وَاصِلٌ لِلْمَوَدَّةِ .
} يَزِيدُ لَا صُحْبَةَ لَهُ
عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِلْبُخَارِيِّ وَسَعِيدٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ عِمْرَانُ
وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ
إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : أَحِبَّ فِي اللَّهِ وَأَبْغِضْ فِي
اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تُنَالُ وِلَايَةُ اللَّهِ إلَّا بِذَلِكَ وَلَنْ
يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الْإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ وَصَوْمُهُ
حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَقَدْ صَارَ
عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ
لَا يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ قَرَأَ : { الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ } .
وَقَرَأَ { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } .
وَذَكَرَ
الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّهُمْ أَخِلَّاءُ فِي
الْمَعَاصِي وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي تَفْسِيرِهِ كَذَلِكَ وَقَالَ (
إلَّا الْمُتَّقِينَ ) الْمُتَحَابِّينَ فِي اللَّهِ عَلَى طَاعَةِ
اللَّهِ كَذَا قَالَ وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ
أَنَّ الْإِيمَانَ يَفْسُدُ بِمَوَدَّةِ الْكُفَّارِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ
مُؤْمِنًا لَا يُوَالِي كَافِرًا وَلَوْ كَانَ قَرِيبَهُ .
وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَيَّنَتْ الْآيَةُ أَنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ
الْإِيمَانِ ، كَذَا قَالَ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَصِيرُ كَافِرًا
بِذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِهَا مَالِكٌ عَلَى تَرْكِ مُجَالَسَةِ
الْقَدَرِيَّةِ وَمُعَادَاتِهِمْ فِي اللَّهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي
تَفْسِيرِهِ وَفِي مَعْنَى أَهْلِ الْقَدَرِ جَمِيعُ أَهْلِ الظُّلْمِ
وَالْعُدْوَانِ كَذَا قَالَ ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
قَالَ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَصْحَبُ السُّلْطَانَ .
وَعَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ {
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ عِنْدِي نِعْمَةً فَإِنِّي وَجَدْت
فِيمَا أَوْحَيْت إلَيَّ : { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } } .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ
الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : التَّارِكُ
لِلْإِخْوَانِ مَتْرُوكٌ ، كَانَ يُقَالُ أَنْصَحُ النَّاسِ فِيكَ مَنْ
خَافَ اللَّهَ فِيكَ .
قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ : مَنْ ذَا
الَّذِي
يَخْفَى عَلَيْ كَ إذَا نَظَرْت إلَى حَدِيثِهْ كَانَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ يَتَمَثَّلُ : لِكُلِّ امْرِئٍ شَكْلٌ يَقَرُّ بِعَيْنِهِ
وَقُرَّةُ عَيْنِ الْفَسْلِ أَنْ يَصْحَبَ الْفَسْلَا قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ الْفَسْلُ مِنْ الرِّجَالِ الرُّذَّلُ وَالْمَفْسُولُ
مِثْلُهُ وَقَدْ فَسُلَ بِالضَّمِّ فَسَالَةً وَفُسُولَةً فَهُوَ فَسْلٌ
مِنْ قَوْمٍ فُسَلَاءُ وَأَفْسَالٌ وَفُسُولٌ ، وَفُسَالَةُ الْحَدِيدِ
سُحَالَتُهُ ، وَالْفَسِيلَةُ وَالْفَسِيلُ الْوَدِيُّ وَهُوَ صِغَارُ
النَّخْلِ ، وَالْجَمْعُ الْفُسْلَانُ ، وَالْفِسْكِلُ بِالْكَسْرِ
الَّذِي يَجِيءُ فِي الْحَلَبَةِ آخِرَ الْخَيْلِ وَهُوَ السُّكَيْتُ
وَالْقَاشُورُ وَمِنْهُ قِيلَ رَجُلٌ فُسْكُلٌ إذَا كَانَ رَذْلًا ،
وَالْعَامَّةُ تَقُولُ فُسْكُلٌ بِالضَّمِّ وَقَالَ آخَرُ : وَصَاحِبْ
إذَا صَاحَبْتَ حُرًّا فَإِنَّمَا يَزِينُ وَيُزْرِي بِالْفَتَى
قُرَنَاؤُهُ وَقَالَ الْمَأْمُونُ الْإِخْوَانُ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ
كَالْغِذَاءِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُمْ أَبَدًا وَهُمْ إخْوَانُ
الصَّفَاءِ ، وَإِخْوَانٌ كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إلَيْهِمْ فِي بَعْضِ
الْأَوْقَاتِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ وَإِخْوَانٌ كَالدَّاءِ لَا يُحْتَاجُ
إلَيْهِمْ أَبَدًا وَهُمْ أَهْلُ الْمَلَقِ وَالنِّفَاقِ لَا خَيْرَ
فِيهِمْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَلَقُ الْوُدُّ وَاللُّطْفُ الشَّدِيدُ
، وَأَصْلُهُ التَّبَيُّنُ وَقَدْ مَلِقَ بِالْكَسْرِ يَمْلَقُ مَلَقًا
وَرَجُلٌ مَلِقٌ يُعْطِي بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ،
وَالْمَلَقُ أَيْضًا مَا اسْتَوَى مِنْ الْأَرْضِ : وَالْمِلْقُ سَاكِنٌ
مِثْلُ الْمِلْحِ السَّيْرُ الشَّدِيدُ وَالْمَيْلَقُ السَّرِيعُ
وَانْمَلَقَ الشَّيْءُ وَامَّلَقَ بِالْإِدْغَامِ أَيْ صَارَ أَمْلَسَ
وَقِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ لِمَ قَطَعْت أَخَاكَ مِنْ أَبِيكَ ؟ فَقَالَ
إنِّي لَأَقْطَعُ الْفَاسِدَ مِنْ جَسَدِي الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ لِي مِنْ
أَبِي وَأُمِّي أَعَزُّ نَقْدًا .
وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِي أَحَقُّ مَنْ شَرَكَكَ فِي النِّعَمِ شُرَكَاؤُك فِي الْمَكَارِهِ .
أَخَذَهُ
بَعْضُهُمْ فَقَالَ : وَإِنَّ أَوْلَى الْبَرَايَا أَنْ تُوَاسِيَهُ
عِنْدَ السُّرُورِ لَمَنْ وَاسَاك فِي الْحَزَنِ إنَّ الْكِرَامَ إذَا مَا
أَسْهَلُوا ذَكَرُوا مَنْ كَانَ
يَأْلَفُهُمْ فِي الْمَنْزِلِ الْخَشِنِ وَقَالَ الْمُثَقِّبُ الْعَبْدِيُّ : يُوَاعِدُنِي مَوَاعِدَ كَاذِبَاتٍ تَمُرُّ بِهَا رِيَاحُ الصَّيْفِ دُونِي فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِحَقٍّ فَأَعْرِفُ مِنْك غَثِّي مِنْ سَمِينِي وَإِلَّا فَاطَّرِحْنِي وَاِتَّخِذْنِي عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي فَإِنَّك لَوْ تُعَانِدُنِي شِمَالِي عِنَادَك مَا وَصَلْتُ بِهَا يَمِينِي إذًا لَقَطَعْتُهَا وَلَقُلْتُ بِينِي كَذَلِكَ أَجْتَوِي مَنْ يَجْتَوِينِي وَقَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ : قُلْ لِلَّذِي لَسْتُ أَدْرِي مِنْ تَلَوُّنِهِ أَنَاصِحٌ أَمْ عَلَى غِشٍّ يُدَاجِينِي إنِّي لَأُكْثِرُ مِمَّا سُمْتَنِي عَجَبًا يَدٌ تَشُجُّ وَأُخْرَى مِنْك تَأْسُونِي تَغْتَابُنِي عِنْدَ أَقْوَامٍ وَتَمْدَحُنِي فِي آخَرِينَ وَكُلٌّ عَنْكَ يُنْبِينِي هَذَانِ أَمْرَانِ شَتَّى بَوْنُ بَيْنِهِمَا فَاكْفُفْ لِسَانَك عَنْ ذَمِّي وَتَزْيِينِي لَوْ كُنْت أَعْلَمُ مِنْك الْوُدَّ هَانَ عَلَيَّ بَعْضُ الَّذِي قَدْ أَصْبَحْت تُولِينِي لَا أَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي ضَمَائِرِهِمْ مَا فِي ضَمِيرِي لَهُمْ مِنْ ذَاكَ يَكْفِينِي أَرْضَى عَنْ الْمَرْءِ مَا أَصْفَى مَوَدَّتَهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَغْضَاءِ يُرْضِينِي وَاَللَّهِ لَوْ كَرِهَتْ كَفِّي مُصَاحَبَتِي لَقُلْت إذْ كَرِهَتْ يَوْمًا لَهَا بِينِي ثُمَّ انْثَنَيْت عَلَى الْأُخْرَى فَقُلْت لَهَا إنْ تُسْعِدِينِي وَإِلَّا مِثْلَهَا كُونِي إنِّي كَذَاك إذَا أَمْرٌ تَعَرَّضَ لِي خَشِيت مِنْهُ عَلَى دُنْيَايَ أَوْ دِينِي خَرَجْت مِنْهُ وَعِرْضِي مَا أُدَنِّسُهُ وَلَمْ أَقُمْ غَرَضًا لِلنَّذْلِ يَرْمِينِي وَمُلَطِّفٍ بِي مُدَارٍ ذِي مُكَاشَرَةٍ مُغْضٍ عَلَى وَغَرٍ فِي الصَّدْرِ مَكْنُونِ لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي تُخْشَى بَوَادِرُهُ وَلَا الْعَدُوُّ عَلَى حَالٍ بِمَأْمُونِ يَلُومُنِي النَّاسُ فِيمَا لَوْ أُخَبِّرُهُمْ بِالْعُذْرِ فِيهِ يَوْمًا لَمْ يَلُومُونِي وَقَالَ أَيْضًا : مَا يَبْلُغُ الْأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ وَالشَّيْخُ لَا يَتْرُكُ أَخْلَاقَهُ حَتَّى يُوَارَى فِي ثَرَى رَمْسِهِ إذَا ارْعَوى عَادَ إلَى جَهْلِهِ كَذَا الضَّنِيَّ عَادَ إلَى نُكْسِهِ وَإِنَّ مَنْ أَدَّبْتَهُ فِي الصِّبَا كَالْعُودِ يُسْقَى
الْمَاءَ
فِي غَرْسِهِ حَتَّى تَرَاهُ مُورِقًا نَاضِرًا بَعْدَ الَّذِي أَبْصَرْت
مِنْ يُبْسِهِ وَقَالَ أَيْضًا : الْمَرْءُ يَجْمَعُ وَالزَّمَانُ
يُفَرِّقُ وَيَظَلُّ يَرْقَعُ وَالْخُطُوبُ تُمَزِّقُ وَلَأَنْ يُعَادِيَ
عَاقِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ فَارْغَبْ
بِنَفْسِك لَا تُصَادِقْ أَحْمَقَا إنَّ الصَّدِيقَ عَلَى الصَّدُوقِ
مُصَدِّقُ وَزِنْ الْكَلَامَ إذَا نَطَقْت فَإِنَّمَا يُبْدِي عُقُولَ
ذَوِي الْعُقُولِ الْمَنْطِقُ لَا أُلْفِيَنَّكَ ثَاوِيًا فِي غُرْبَةٍ
إنَّ الْغَرِيبَ بِكُلِّ سَهْمٍ يُرْشَقُ مَا النَّاسُ إلَّا عَامِلَانِ
فَعَامِلٌ قَدْ مَاتَ مِنْ عَطَشٍ وَآخَرُ يَغْرَقُ وَإِذَا امْرُؤٌ
لَسَعَتْهُ أَفْعَى مَرَّةً تَرَكَتْهُ حِينَ يُجَرُّ حَبْلٌ يَفْرَقُ
بَقِيَ الَّذِينَ إذَا يَقُولُوا يَكْذِبُوا وَمَضَى الَّذِينَ إذَا
يَقُولُوا يَصْدُقُوا وَصَالِحٌ هَذَا هُوَ صَاحِبُ الْفَلْسَفَةِ
قَتَلَهُ الْمَهْدِيُّ عَلَى الزَّنْدَقَةِ كَانَ يَعِظُ وَيَقُصُّ
بِالْبَصْرَةِ وَحَدِيثُهُ يَسِيرٌ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ وَقِيلَ إنَّهُ
رُئِيَ فِي النَّوْمِ فَقَالَ إنِّي وَرَدْت عَلَى رَبٍّ لَا تَخْفَى
عَلَيْهِ خَافِيَةٌ فَاسْتَقْبَلَنِي بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ قَدْ عَلِمْت
بَرَاءَتَك مِمَّا قُذِفْت بِهِ .
وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ : " يَا
بُنَيَّ ثَلَاثَةٌ لَا يُعْرَفُونَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ ، لَا
يُعْرَفُ الْحَلِيمُ إلَّا عِنْدَ الْغَضَبِ ، وَلَا الشُّجَاعُ إلَّا
عِنْدَ الْحَرْبِ ، وَلَا الْأَخُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ " .
قِيلَ
لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ " بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ وَفَاءُ الرَّجُلِ دُونَ
تَجْرِبَةٍ وَاخْتِبَارٍ ؟ قَالَ بِحَنِينِهِ إلَى أَوْطَانِهِ ،
وَتَلَهُّفِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ زَمَانِهِ " .
وَعَنْ
الْأَصْمَعِيِّ قَالَ : " إذَا أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ وَفَاءَ الرَّجُلِ
وَوَفَاءَ عَهْدِهِ فَانْظُرْ إلَى حَنِينِهِ إلَى أَوْطَانِهِ
وَتَشَوُّقِهِ إلَى إخْوَانِهِ وَبُكَائِهِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ
زَمَانِهِ " .
قَالَ عُتَيْبَةُ الْأَعْوَرُ : ذَهَبَ الَّذِينَ
أُحِبُّهُمْ وَبَقِيت فِيمَنْ لَا أُحِبُّهْ إذْ لَا يَزَالُ كَرِيمُ
قَوْمٍ فِيهِمْ كَلْبٌ يَسُبُّهْ وَقَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ : يَا
زَمَانًا أَوْرَثَ الْأَحْرَارَ ذُلًّا وَمَهَانَهْ
لَسْت عِنْدِي بِزَمَانٍ إنَّمَا أَنْتَ زَمَانَهْ وَقَالَ آخَرُ : فَسَدَ الزَّمَانُ وَزَالَ فِيهِ الْمُقْرِفُ وَجَرَى مَعَ الْفَرَسِ الْحِمَارُ الْمُوكَفُ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ ذَهَبَ النَّاسُ فَلَا مَرْتَعَ وَلَا مَفْزَعَ وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ : ذَهَبَ الرِّجَالُ الْمُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ وَالْمُنْكِرُونَ لِكُلِّ أَمْرٍ مُنْكَرِ وَبَقِيت فِي خَلَفٍ يُزَيِّنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِيَأْخُذَ مُعْوِرٌ عَنْ مُعْوِرِ وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ ثَعْلَبَةَ : مَضَى زَمَنُ السَّمَاحِ فَلَا سَمَاحُ وَلَا يُرْجَى لَدَى أَحَدٍ فَلَاحُ رَأَيْت النَّاسَ قَدْ مُسِخُوا كِلَابًا فَلَيْسَ لَدَيْهِمْ إلَّا النُّبَاحُ وَأَضْحَى الظَّرْفُ عِنْدَهُمْ قَبِيحًا وَلَا وَاَللَّهِ إنَّهُمْ الْقِبَاحُ نَرُوحُ وَنَسْتَرِيحُ الْيَوْمَ مِنْكُمْ وَعَنْ أَمْثَالِكُمْ قَدْ يُسْتَرَاحُ إذَا مَا الْحُرُّ هَانَ بِأَرْضِ قَوْمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَرَبٍ جُنَاحُ وَقَالَ آخَرُ : ذَهَبَ الْوَفَاءُ ذَهَابَ أَمْسِ الذَّاهِبِ فَالنَّاسُ بَيْنَ مُخَاتِلٍ وَمُوَارِبِ وَقَالَ آخَرُ : ذَهَبَ التَّكَرُّمُ وَالْوَفَاءُ مِنْ الْوَرَى وَتَقَرَّضَا إلَّا مِنْ الْأَشْعَارِ وَفَشَتْ خِيَانَاتُ الثِّقَاتِ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى اتَّهَمْنَا رُؤْيَةَ الْأَبْصَارِ كَانَ بِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُنْشِدُ تَشَوُّقًا إلَى مَكَّةَ وَيَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ : أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ وَهَلْ يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ وَقَالَ آخَرُ : مَضَى الْجُودُ وَالْإِحْسَانُ وَاجْتُثَّ أَصْلُهُ وَأُخْمِدَتْ نِيرَانُ النَّدَى وَالْمَكَارِمِ وَصِرْت إلَى ضَرْبٍ مِنْ النَّاسِ آخَرَ يَرَوْنَ الْعُلَا وَالْمَجْدَ جَمْعَ الدَّرَاهِمِ كَأَنَّهُمُو كَانُوا جَمِيعًا تَعَاقَدُوا عَلَى اللُّؤْمِ وَالْإِمْسَاكِ فِي صُلْبِ آدَمَ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ لَا تَتَكَلَّمْ فِيمَا لَا يَعْنِيك وَاعْتَزِلْ عَدُوَّك وَاحْذَرْ صَدِيقَك الْأَمِينَ ، إلَّا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ وَيُطِيعَهُ وَلَا تَمْشِ مَعَ الْفَاجِرِ فَيُعَلِّمَك
مِنْ فُجُورِهِ ، وَلَا تُطْلِعْهُ عَلَى سِرِّك وَلَا تُشَاوِرْ فِي أَمْرِك إلَّا الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ .
وَعَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ وَكَرِهَ لَهُ
صُحْبَةَ أَحْمَقَ : فَلَا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ وَإِيَّاكَ
وَإِيَّاهُ يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ إذَا هُوَ مَاشَاهُ قِيَاسُ
النَّعْلِ بِالنَّعْلِ إذَا مَا هُوَ حَاذَاهُ وَلِلشَّيْءِ عَلَى
الشَّيْءِ مَقَايِيسُ وَأَشْبَاهُ وَلِلْقَلْبِ عَلَى الْقَلْبِ دَلِيلٌ
حِينَ يَلْقَاهُ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ مَدْخَلُهُ وَمَمْشَاهُ
وَإِلْفُهُ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ
بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي وَقَدْ قِيلَ : وَمَا يَنْفَعُ الْجَرْبَاءَ
قُرْبُ صَحِيحَةٍ إلَيْهَا وَلَكِنَّ الصَّحِيحَةَ تَجْرَبُ وَعَنْ ابْنِ
عَوْنٍ قَالَ : أَقِلَّ مَعْرِفَةً تَسْلَمْ وَعَنْ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ
قَالَ إذَا وَثِقْنَا بِمَوَدَّةِ أَخِينَا لَمْ يَضُرَّهُ أَنْ لَا
يَأْتِيَنَا .
وَعَنْ إِسْحَاقَ قَالَ كَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ مَوَدَّةٌ وَإِخَاءٌ
فَكَانَتْ السَّنَةُ تَمُرُّ عَلَيْهِمَا لَا يَلْتَقِيَانِ فَقِيلَ
لِأَحَدِهِمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ إذَا تَقَارَبَتْ الْقُلُوبُ لَمْ
يَضُرَّ تَبَاعُدُ الْأَجْسَامِ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا .
وَلَقَدْ
أَبْلَغَ الْقَائِلُ فِي هَذَا حَيْثُ يَقُولُ : رَأَيْت تَهَاجُرَ
الْإِلْفَيْنِ بِرًّا إذَا اصْطَلَحَتْ عَلَى الْوُدِّ الْقُلُوبُ
وَلَيْسَ يُوَاظِبُ الْإِلْمَامُ إلَّا ظَنِينٌ فِي مَوَدَّتِهِ مُرِيبُ
وَعَنْ بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَافِي قَالَ أَحَبُّ إخْوَانِي إلَيَّ
مَنْ لَا يَرَانِي وَلَا أَرَاهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ إنَّ الرَّحِمَ تُقْطَعُ وَإِنَّ النِّعَمَ تُكْفَرُ وَلَمْ
يُرَ مِثْلُ تَفَاوُتِ الْقُلُوبِ ، رَوَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ كُلَّهُ
فِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ إلَّا قَوْلَهُ مَا يَنْفَعَ الْجَرْبَاءَ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : " لَا تُؤَاخِي الْأَحْمَقَ وَلَا الْفَاجِرَ ،
أَمَّا
الْأَحْمَقُ فَمَدْخَلُهُ وَمَخْرَجُهُ شَيْنٌ عَلَيْك ، وَأَمَّا
الْفَاجِرُ فَيُزَيِّنُ لَك فِعْلَهُ وَيَوَدُّ أَنَّك مِثْلَهُ " .
وَقَالَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ يَجْتَمِعُ
فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ : مَنْ إذَا حَدَّثَك كَذَبَك ، وَإِذَا
ائْتَمَنْتَهُ خَانَك ، وَإِذَا ائْتَمَنَك اتَّهَمَك وَإِذَا أَنْعَمْت
عَلَيْهِ كَفَرَك وَإِذَا أَنْعَمَ عَلَيْك مَنَّ عَلَيْك " .
وَقَالَ أَيْضًا : " اصْحَبْ مَنْ يَنْسَى مَعْرُوفَهُ عِنْدَك وَيُذَكِّرُك حُقُوقَك عَلَيْهِ " .
وَذُكِرَ
لِلرِّيَاشِيِّ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ قَالَ مَا رَأَيْت شِعْرًا أَشْبَهَ
بِالسُّنَّةِ مِنْ قَوْلِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْمَرْءِ لَا
تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
وَصَاحِبْ أُولِي التَّقْوَى تَنَلْ مِنْ تُقَاهُمْ وَلَا تَصْحَبْ
الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدَى قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ
اللَّهُ قَالَ الشَّاعِرُ : فَلَا تَصْحَبْ أَخَا الْجَهْلِ وَإِيَّاكَ
وَإِيَّاهُ فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى حَلِيمًا حِينَ وَاخَاهُ يُقَاسُ
الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ إذَا مَا هُوَ مَاشَاهُ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ النَّاسُ بِأَزْمَانِهِمْ أَشْبَهُ مِنْهُمْ بِآبَائِهِمْ .
وَقَالَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَالِطْ الْمُؤْمِنَ بِقَلْبِك وَخَالِطْ
الْفَاجِرَ بِخُلُقِك كَانَ يُقَالُ يُمْتَحَنُ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ
أَشْيَاءَ : عِنْدَ هَوَاهُ إذَا هَوَى وَعِنْدَ غَضَبِهِ إذَا غَضِبَ ،
وَعِنْدَ طَمَعِهِ إذَا طَمِعَ .
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إذَا
أَرَدْت أَنْ تَعْرِفَ مَا لَك عِنْدَ صَدِيقِك فَأَغْضِبْهُ فَإِنْ
أَنْصَفَك وَإِلَّا فَاجْتَنِبْهُ .
كَانَ يُقَالُ لَا تُؤَاخِيَنَّ
خَصِيًّا وَلَا ذِمِّيًّا وَلَا نُوبِيًّا ، فَإِنَّهُ لَا ثَبَاتَ
لِمَوَدَّتِهِمْ قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ مَا كَشَفْت أَحَدًا قَطُّ
إلَّا وَجَدْته دُونَ مَا كُنْت أَظُنُّ ، كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَمَثَّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ : اُبْلُ الرِّجَالَ
إذَا أَرَدْت إخَاهُمُ وَتَوَسَّمَنَّ أُمُورَهُمْ وَتَفَقَّدْ وَإِذَا
ظَفِرْت بِذِي الْأَمَانَةِ وَالتُّقَى فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ
فَاشْدُدْ وَدَعِ
التَّذَلُّلَ وَالتَّخَشُّعَ تَبْتَغِي قُرْبَ الَّذِي إنْ تَدْنُ مِنْهُ يَبْعُدْ وَقَالَ آخَرُ : قَدْ كُنْت أَحْمَدُ أَمْرِي فِيك مُبْتَدِئًا فَقَدْ ذَمَمْت الَّذِي حَمِدْت فِي الصَّدْرِ وَقَالَ آخَرُ : وَلَا تَسْمَحْ بِحَظِّك مِنْهُ بَلْ كُنْ بِحَظِّك مِنْ مَوَدَّتِهِ ضَنِينَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَجْمَعُوا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَفَرَّدَ بِالْكَمَالِ وَلَمْ يَبْرَأْ أَحَدٌ مِنْ النُّقْصَانِ وَسَبَقَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَنْ يَجِبُ هَجْرُهُ هَلْ يَجُوزُ الْهَجْرُ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ ؟ وَقَوْلُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا كَانَ لَك أَخٌ فِي اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تُمَارِهِ : وَلَا تَسْمَعْ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ فَرُبَّمَا قَالَ لَك مَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي مَكَان آخَرَ أَنَّهُ قَالَ وَلَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا فَلَرُبَّمَا أَخْبَرَك بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَحَالَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ : أَرَدْت لِكَيْمَا أَنْ تَرَى لِي زَلَّةً وَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْطَى الْكَمَالَ فَيَكْمُلُ .
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَقَدْ عَظُمَتْ مَنْزِلَةُ
الصَّدِيقِ عِنْدَ أَهْلِ النَّارِ أَلَمْ تَسْمَعْ إلَى قَوْله تَعَالَى
حَاكِيًا عَنْهُمْ : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ
} .
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَكُونُ الصَّدِيقُ
صَدِيقًا حَتَّى يَحْفَظَ الصَّدِيقَ فِي غَيْبَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ
وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ إذَا تَعَادَى اثْنَانِ مِنْ
أَهْلِ بِطَانَتِهِ لَا يَسْمَعُ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي صَاحِبِهِ شَيْئًا
وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَيَقُولُ الْعَدَاوَةُ تُزِيلُ الْعَدَالَةَ .
وَقَالَ
عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اُبْذُلْ لِصَدِيقِك كُلَّ الْمُرُوءَةِ
وَلَا تَبْذُلْ لَهُ كُلَّ الطُّمَأْنِينَةِ وَأَعْطِهِ مِنْ نَفْسِك
كُلَّ الْمُوَاسَاةِ وَلَا تُفْضِ إلَيْهِ بِكُلِّ الْأَسْرَارِ .
وَقَالَ
بَعْضُهُمْ مِنْ عَلَامَةِ الصَّدِيقِ أَنْ يَكُونَ لِصَدِيقِ صَدِيقِهِ
صَدِيقًا وَلِعَدُوِّ صَدِيقِهِ عَدُوًّا ، أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ : عَدُوُّ
صَدِيقِي دَاخِلٌ فِي عَدَاوَتِي وَإِنِّي لِمَنْ وَدَّ الصَّدِيقَ
وَدُودُ فَلَا تَقْتَرِبْ مِنِّي وَأَنْتَ عَدُوُّ مَنْ أُصَادِقُهُ
فَالْخَيْرُ مِنْك بَعِيدُ وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ هَذَيْنِ
الْبَيْتَيْنِ عَلَى مَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ صَدِيقُ عَدُوِّي دَاخِلٌ فِي
عَدَاوَتِي وَإِنِّي عَلَى وُدِّ الصَّدِيقِ صَدِيقُ أُعَادِي الَّذِي
عَادَى وَأَهْوَى لَهُ الْهَوَى كَأَنِّي مِنْهُ فِي هَوَاهُ شَقِيقُ
قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ ثَقُلَ عَلَى صَدِيقِهِ
خَفَّ عَلَى عَدُوِّهِ وَمَنْ أَسْرَعَ إلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ :
قَالُوا فِيهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ .
جَمَعَ كِسْرَى يَوْمًا
مَرَازِبَتَهُ وَعُيُونَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ
أَنْتُمْ أَشَدُّ حَذَرًا ؟ قَالُوا مِنْ الْعَدُوِّ الْفَاجِرِ
وَالصَّدِيقِ الْغَادِرِ .
وَقَالَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ اتَّقِ
الْعَدُوَّ وَكُنْ مِنْ الصَّدِيقِ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّ الْقُلُوبَ
إنَّمَا سُمِّيَتْ قُلُوبًا لِتَقَلُّبِهَا قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ :
احْذَرْ مَوَدَّةَ مَاذِقٍ مَزَجَ الْمَرَارَةَ بِالْحَلَاوَهْ يُحْصِي
الذُّنُوبَ عَلَيْكَ أَيَّامَ الصَّدَاقَةِ لِلْعَدَاوَهْ .
وَقَالَ صَالِحٌ : إذَا وَتَرْتَ امْرَأً
فَاحْذَرْ عَدَاوَتَهُ مَنْ يَزْرَعْ الشَّوْكَ لَا يَحْصُدْ بِهِ عِنَبَا إنَّ الْعَدُوَّ وَإِنْ أَبْدَى مُسَالَمَةً إذَا رَأَى مِنْك يَوْمًا فُرْصَةً وَثَبَا وَقَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ : عَدُوُّك مِنْ صَدِيقِك مُسْتَفَادٌ وَأَقْلِلْ مَا اسْتَطَعْت مِنْ الصِّحَابِ فَإِنَّ الدَّاءَ أَكْثَرُ مَا تَرَاهُ يَكُونُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ وَقَالَ آخَرُ : إذَا مَا الْمَرْءُ كَانَ لَهُ صَدِيقٌ فَبِرُّ صَدِيقِهِ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَإِنْ عَنْهُ الصَّدِيقُ أَقَامَ يَوْمًا فَوَجْهُ الْبِرِّ أَنْ يَسْعَى إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الصَّدِيقُ قَلِيلَ مَالٍ يَضِيقُ بِذَرْعِهِ مَا فِي يَدَيْهِ فَمِنْ أَسْنَى فِعَالِ الْمَرْءِ أَنْ لَا يَضِنَّ عَلَى الصَّدِيقِ بِمَا لَدَيْهِ .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا { لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ
وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً
وَعَشِيًّا } تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ هَلْ يَزُورُ صَاحِبَهُ
كُلَّ يَوْمٍ أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا ؟ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُ
عَائِشَةَ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مَا يَمْنَعُك مِنْ زِيَارَتِنَا
قَالَ مَا قَالَ الْأَوَّلُ : زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا .
وَرُوِيَ
بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَرْفُوعًا { زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا } أَخَذَهُ
الشَّاعِرُ فَقَالَ : إذَا شِئْت أَنْ تُقْلَى فَزُرْ مُتَوَاتِرَا وَإِنْ
شِئْت أَنْ تَزْدَادَ حُبًّا فَزُرْ غِبَّا وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ الْكَاتِبِ : إنِّي رَأَيْتُك لِي مُحِبَّا وَلِي حِينَ أَغِيبُ
صَبَّا فَهَجَرْت لَا لِمَلَالَةٍ حَدَثَتْ وَلَا اسْتَحْدَثْتُ ذَنْبَا
إلَّا لِقَوْلِ نَبِيِّنَا زُورُوا عَلَى الْأَيَّامِ غِبَّا وَلِقَوْلِهِ
مَنْ زَارَ غِبَّا مِنْكُمْ يَزْدَادُ حُبَّا وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ
عُيَيْنَةَ فَضَعْ الزِّيَارَةَ حَيْثُ لَا يُزْرِي بِنَا كَرَمُ
الْمَزُورِ وَلَا يُعَابُ الزَّائِرُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ
وَلِبَعْضِ أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ : أَزُورُ خَلِيلِي مَا بَدَا لِي
هَشُّهُ وَقَابَلَنِي مِنْهُ الْبَشَاشَةُ وَالْبِشْرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
هَشٌّ وَبَشٌّ تَرَكْتُهُ وَلَوْ كَانَ فِي اللُّقْيَا الْوِلَايَةُ
وَالْبِشْرُ وَحَقُّ الَّذِي يَنْتَابُ دَارِي زَائِرًا طَعَامٌ وَبِرٌّ
قَدْ تَقَدَّمَهُ بِشْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إذَا مَرِضْتُمْ
أَتَيْنَاكُمْ نَزُوركُمْ وَتُذْنِبُونَ فَنَأْتِيكُمْ وَنَعْتَذِرُ
وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ : مَا لِي مَرِضْت
فَلَمْ يَعُدْنِي عَائِدٌ مِنْكُمْ وَيَمْرَضُ كَلْبُكُمْ فَأَعُودُ
وَأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ : عَلَيْكَ بِإِقْلَالِ الزِّيَارَةِ إنَّهَا
تَكُونُ إذَا دَامَتْ إلَى الْهَجْرِ مَسْلَكَا فَإِنِّي رَأَيْت
الْقَطْرَ يُسْأَمُ دَائِمًا وَيُسْأَلُ بِالْأَيْدِي إذَا هُوَ أَمْسَكَا
وَادَّعَى أَبُو بِشْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ الْبَيْتَيْنِ لَهُ فِي
شِعْرٍ طَوِيلٍ .
وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ : وَطُولُ لِقَاءِ
الْمَرْءِ
فِي الْحَيِّ مُخْلِقٌ لِدِيبَاجَتَيْهِ فَاغْتَرِبْ تَتَجَدَّدْ فَإِنِّي
رَأَيْت الشَّمْسَ زِيدَتْ مَحَبَّةً عَلَى النَّاسِ أَنْ لَيْسَتْ
عَلَيْهِمْ بِسَرْمَدِ وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ : إنْ كَانَ قَدْ بَعُدَ
اللِّقَاءُ فَوُدُّنَا بَاقٍ وَنَحْنُ عَلَى النَّوَى أَحْبَابُ كَمْ
قَاطِعٍ لِلْوَصْلِ يُؤْمَنُ وُدُّهُ وَمُوَاصِلٌ بِوِدَادِهِ مَنْ تَابَ
وَقَالَ الطَّائِيُّ : وَلَئِنْ جَفَوْتُك فِي الْعِيَادَةِ إنَّنِي
لِبَقَاءِ جِسْمِك فِي الدُّعَاءِ لَجَاهِدُ وَلَرُبَّمَا تَرَكَ
الْعِيَادَةَ مُشْفِقٌ وَطَوَى عَلَى غِلِّ الضَّمِيرِ الْعَائِدُ وَلَهُ
أَيْضًا : ذُو الْفَضْلِ لَا يَسْلَمُ مِنْ قَدْحٍ وَإِنْ غَدَا أَقْوَمَ
مِنْ قَدْحٍ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ الْحَنْبَلِيِّ
أَنْشَدُوا : لَا تُضْجِرَنَّ عَلِيلًا فِي مُسَاءَلَةٍ إنَّ الْعِيَادَةَ
يَوْمًا بَيْنَ يَوْمَيْنِ بَلْ سَلْهُ عَنْ حَالِهِ وَادْعُ الْإِلَهَ
لَهُ وَاجْلِسْ بِقَدْرِ فُوَاقٍ بَيْنَ حَلْبَيْنِ مَنْ زَارَ غِبًّا
أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ
وَفِيهَا أَيْضًا نُقِلَ عَنْ إمَامِنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ
وَلَدُهُ يَا أَبَتِ إنَّ جَارَنَا فُلَانًا مَرِيضٌ فَمَا تَعُودُهُ
قَالَ يَا بُنَيَّ مَا عَادَنَا فَنَعُودُهُ .
وَرَوَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا كَثُرَ الْأَخِلَّاءُ كَثُرَ الْغُرَمَاءُ .
وَعَنْ
سُفْيَانَ قَالَ كَثْرَةُ أَصْدِقَاءِ الْمَرْءِ مِنْ سَخَافَةِ دِينِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ مَا لَمْ يُدَاهِنْهُمْ وَلَمْ
يُجَابِهُّمْ لَمْ يَكْثُرُوا ؛ لِأَنَّ الْكَثْرَةَ إنَّمَا هِيَ فِي
أَهْلِ الرِّيبَةِ ، إذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ لَمْ
يَصْحَبْ إلَّا الْأَبْرَارَ وَالْأَتْقِيَاءَ وَفِيهِمْ قِلَّةٌ وَعَنْ
مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ الْجَنَائِزَ ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى
وَيُعْطِي الْإِخْوَانَ حُقُوقَهُمْ فَتَرَكَ وَاحِدًا وَاحِدًا وَاحِدًا
حَتَّى تَرَكَهَا كُلَّهَا وَكَانَ يَقُولُ لَا يَتَهَيَّأُ لِلْمَرْءِ
أَنْ يُخْبِرَ بِكُلِّ عُذْرٍ .
وَعَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ لَا تَعُدْ
إلَّا مَنْ يَعُودُك وَلَا تَشْهَدْ جِنَازَةَ مَنْ لَا يَشْهَدُ
جِنَازَتَك ، وَلَا تُؤَدِّ حَقَّ مَنْ
لَا يُؤَدِّي حَقَّكَ فَإِنْ عَدَلْت عَنْ ذَلِكَ فَأَبْشِرْ بِالْجَوْرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرَادُ بِهِ التَّأْدِيبُ وَالتَّقْوِيمُ دُونَ الْمُكَافَأَةِ ، وَالْمُجَازَاةِ وَبَعْضُ هَذَا مِمَّا يُرَاضُ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ وَقَدْ رُوِيَ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ، ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَك مِثْلَ الَّذِي تَرَى لَهُ } رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ الْعُزْلَةِ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ رِضَى النَّاسِ غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ لَيْسَ إلَى السَّلَامِ مِنْ النَّاسِ سَبِيلٌ فَانْظُرْ مَا فِيهِ صَلَاحُ نَفْسِك فَالْزَمْهُ وَدَعِ النَّاسَ وَمَا هُمْ فِيهِ وَعَنْهُ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ : أَصْلُ كُلِّ عَدَاوَةٍ الصَّنِيعَةُ إلَى الْأَنْذَالِ .
رَوَى
الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ قَالَ إذَا أَخْطَأْتِ الصَّنِيعَةَ إلَى مَنْ
يَتَّقِي اللَّهَ فَاصْطَنِعْهَا إلَى مَنْ يَتَّقِي الْعَارَ وَعَنْ
لُقْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ يَا بُنَيَّ لَا
تَكُنْ حُلْوًا وَلَا تَكُنْ مُرًّا فَتُلْفَظْ وَلِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ
مَنْ يَكُنْ لِلنَّاسِ حُلْوًا يَثْبُتُ النَّاسُ عَلَيْهِ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ عَنْ مُعَاذِ
بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إيَّاكَ وَكُلَّ جَلِيسٍ لَا
يُفِيدُك عِلْمًا .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ
مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ إيمَانًا صُحْبَةُ الْفَقِيهِ ، وَتِلَاوَةُ
الْقُرْآنِ ، وَالصِّيَامُ .
وَتَبَاعَدَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ يَوْمًا
فِي مَجْلِسِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَ
ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّ فِي حِكْمَةِ
لُقْمَانَ وَوَصِيَّتِهِ لِابْنِهِ إذَا جَلَسْت إلَى ذِي سُلْطَانٍ
فَلْيَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ مَقْعَدُ رَجُلٍ فَلَعَلَّهُ يَأْتِيهِ
مَنْ هُوَ آثَرُ عِنْدَهُ مِنْك فَيُنَحِّيكَ فَيَكُونُ نَقْصًا عَلَيْكَ .
وَقَالَ
بَعْضُ الْحُكَمَاءِ رَجُلَانِ ظَالِمَانِ يَأْخُذَانِ غَيْرَ حَقِّهِمَا
رَجُلٌ وُسِّعَ لَهُ فِي مَجْلِسٍ ضَيِّقٍ فَتَرَبَّعَ وَانْتَفَخَ ،
وَرَجُلٌ أُهْدِيَتْ لَهُ نَصِيحَةٌ فَجَعَلَهَا ذَنْبًا وَقَالَ زِيَادٌ
يُعْجِبُنِي مِنْ الرِّجَالِ مَنْ إذَا أَتَى مَجْلِسًا يَعْرِفُ أَيْنَ
يَكُونُ مَجْلِسُهُ وَإِنِّي لَآتِي الْمَجْلِسَ فَأَدَعُ مَالِي
مَخَافَةَ أَنْ أَدْفَعَ عَمَّا لَيْسَ لِي وَكَانَ الْأَحْنَفُ إذَا
أَتَاهُ رَجُلٌ أَوْسَعَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ أَرَاهُ
كَأَنَّهُ يُوسِعُ لَهُ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
لَيْلَى لَا تُجَالِسْ عَدُوَّكَ فَإِنَّهُ يَحْفَظُ عَلَيْك سَقَطَاتِك
وَيُمَارِيك فِي صَوَابِك وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ الْجَلِيسَ يَقُولُ
الْقَوْلَ تَحْسَبُهُ خَيْرًا ، وَهَيْهَاتَ ؛ فَانْظُرْ مَا بِهِ
الْتَمَسَ .
انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَقَالَ
الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ : إذَا أَدْنَاك سُلْطَانٌ فَزِدْهُ مِنْ
التَّعْظِيمِ وَاحْذَرْهُ وَرَاقِبْ فَمَا السُّلْطَانُ إلَّا الْبَحْرُ
عِظَمًا
وَقُرْبُ الْبَحْرِ مَحْذُورُ الْعَوَاقِبْ وَقِيلَ إذَا
زَادَك الْمَلِكُ تَأْنِيسًا فَزِدْهُ إجْلَالًا ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ
يُعَظِّمُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَيُحْضِرُهُ مَعَ الْمُهَاجِرِينَ
الْأَوَّلِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْجَمِيعِ وَامْتَنَعَ عَنْ الْقَوْلِ
بِعَدَمِ الْعَوْلِ زَمَنَ عُمَرَ وَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ
رَجُلًا مَهِيبًا فَهِبْته وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مَنْ زَالَ عَنْ
أَبْصَارِ الْمُلُوكِ زَالَ عَنْ قُلُوبِهِمْ .
وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ
الرَّبِيعِ مِنْ آدَابِ صُحْبَةِ الْمُلُوكِ أَنْ لَا يُسْأَلَ الْمَلِكُ
عَنْ حَالِهِ وَلَا يُشَمَّتْ وَلَا يُعَلَّمْ وَلَا يُسَلَّمْ عَلَيْهِ ،
كَذَا قَالَ وَالصَّوَابُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَهَذَا يَخْتَلِفُ
بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَعَادَةِ الْمُلُوكِ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ
مُعَاذٍ أَخُوك مَنْ ذَكَّرَك الْعُيُوبَ وَصَدِيقُك مَنْ حَذَّرَك
الذُّنُوبَ .
وَقَالَ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ : لَقَدْ صَدَقُوا
وَلِلرَّاقِصَاتِ إلَى مِنًى بِأَنَّ مَوَدَّاتِ الْعِدَى لَيْسَ تَنْفَعُ
وَلَوْ أَنَّنِي دَارَيْت دَهْرِي حَيَّةً إذَا اسْتَمْكَنَتْ يَوْمًا
مِنْ اللَّسْعِ تَلْسَعُ وَقَالَ ابْنُ وَكِيعٍ : لَاقِ بِالْبِشْرِ مَنْ
لَقِيت مِنْ النَّاسِ وَعَاشِرْ بِأَحْسَنِ الْإِنْصَافِ لَا تُخَالِفْ
وَإِنْ أَتَوْا بِمُحَالٍ تَسْتَفِدْ وُدَّهُمْ بِتَرْكِ الْخِلَافِ
وَرَوَى أَحْمَدُ فِي الْوَرَعِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ مَا
أَعْلَمُ شَيْئًا أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ طَيِّبٍ يُنْفِقُهُ صَاحِبُهُ فِي
حَقِّهِ أَوْ أَخٍ تَسْكُنُ إلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا يَزْدَادَانِ
إلَّا قِلَّةً وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ
{ شَيْئَانِ لَا يَزْدَادَانِ إلَّا قِلَّةً : دِرْهَمٌ حَلَالٌ ، أَوْ
أَخٌ فِي اللَّهِ تَسْكُنُ إلَيْهِ } وَقَالَ ابْنُ عَجْلَانَ ثَلَاثَةٌ
لَا أَقَلَّ مِنْهُنَّ وَلَا يَزْدَدْنَ إلَّا قِلَّةً : دِرْهَمٌ حَلَالٌ
تُنْفِقُهُ فِي حَلَالٍ ، وَأَخٌ فِي اللَّهِ تَسْكُنُ إلَيْهِ وَأَمِينٌ
تَسْتَرِيحُ إلَى الثِّقَةِ بِهِ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ فِي
الْأَدَبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ : يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ لَا يُصَاحِبَ خَمْسَةً :
الْمَاجِنَ وَالْكَذَّابَ ، وَالْأَحْمَقَ وَالْبَخِيلَ ، وَالْجَبَانَ
فَأَمَّا الْمَاجِنُ فَعَيْبٌ إنْ دَخَلَ عَلَيْك ، وَعَيْبٌ إنْ خَرَجَ
مِنْ عِنْدِك ، لَا يُعِينُ عَلَى مُعَادٍ وَيَتَمَنَّى أَنَّك مِثْلُهُ ،
وَأَمَّا الْكَذَّابُ فَإِنَّهُ يَنْقُلُ حَدِيثَ هَؤُلَاءِ إلَى
هَؤُلَاءِ ، وَيُلْقِي الشِّحْنَةِ فِي الصُّدُورِ وَأَمَّا الْأَحْمَقُ
فَإِنَّهُ لَا يُرْشِدُ لِسُوءٍ يَصْرِفُهُ عَنْك ، وَرُبَّمَا أَرَادَ
أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرّكَ فَبُعْدُهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ وَمَوْتُهُ
خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ ، وَأَمَّا الْبَخِيلُ فَأَحْوَجُ مَا تَكُونُ
إلَيْهِ أَبْعَدَ مَا تَكُونُ مِنْهُ ، فَفِي أَشَدِّ حَالَاتِهِ يَهْرُبُ
وَيَدَعُك .
.
وَرَوَاهُ الْقَاضِي الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا وَغَيْرُهُ بِنَحْوِهِ وَمَعْنَاهُ .
إلَّا
أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الْمَاجِنَ وَالْجَبَانَ وَذَكَرُوا الْفَاسِقَ
قَالَ فَإِنَّهُ بَائِعُك بِأَكْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا لِلطَّمَعِ
فِيهَا ، ثُمَّ لَا يَنَالُهَا وَقَاطِعَ رَحِمِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلْعُونٌ
فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي الْبَقَرَةِ وَالرَّعْدِ وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا .
وَقَالَ
الرَّبِيعُ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ إنْ
أَهَنْتهمْ أَكْرَمُوك وَإِنْ أَكْرَمْتهمْ أَهَانُوك الْمَرْأَةُ
وَالْمَمْلُوكُ وَالنَّبَطِيُّ وَقَالَ أَيْضًا سَمِعْت الشَّافِعِيَّ
رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ مَا رَفَعْت أَحَدًا قَطُّ فَوْقَ قَدْرِهِ
إلَّا غَضَّ مِنِّي بِقَدْرِ مَا رَفَعْت مِنْهُ وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ فِي الْخَبَرِ الْأَوَّلِ مِنْ
مُسْنَدِ عُمَرَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ
مَا سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ الشَّيْءَ قَطُّ أَظُنُّهُ كَذَا إلَّا كَانَ
كَمَا يَظُنُّ : وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ صِحَّةُ الظَّنِّ مِنْ قُوَّةِ
الذَّكَاءِ وَالْفَطِنَةِ فَإِنَّ الْفَطِنَ يَرَى مِنْ السِّمَاتِ
وَالْأَمَارَاتِ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْخَفِيِّ .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ ظَنُّ الْعَاقِلِ كَهَانَةٌ وَقَالَ آخَرُ : إذَا رَأَيْت
الرَّجُلَ
مُوَلِّيًا عَلِمْت قِيلَ فَإِنْ رَأَيْت وَجْهَهُ قَالَ ذَاكَ حِينَ
أَقْرَأُ مَا فِي قَلْبِهِ كَالْخَطِّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَدْ
كَانُوا يَعْتَبِرُونَ أَحْوَالَ الرَّجُلِ بِخَلْقِهِ .
قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ احْذَرْ الْأَعْوَرَ وَالْأَحْوَلَ
وَالْأَعْرَجَ وَالْأَحْدَبَ وَالْكَوْسَجَ وَكُلَّ مَنْ بِهِ عَاهَةٌ فِي
بَدَنِهِ وَكُلَّ نَاقِصِ الْخَلْقِ فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ خُبْثٍ وَقَالَ
مَرَرْت فِي طَرِيقِي بِفِنَاءِ دَارِ رَجُلٍ أَزْرَقِ الْعَيْنِ نَاتِئِ
الْجَبْهَةِ سُنَاطَ فَقُلْت هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَهَذَا النَّعْتُ أَخْبَثُ مَا يَكُونُ فِي الْفِرَاسَةِ
فَأَنْزَلَنِي وَأَكْرَمَنِي فَقُلْت أَغْسِلُ كُتُبَ الْفِرَاسَةِ إذَا
رَأَيْت هَذَا فَلَمَّا أَصْبَحْت قُلْت لَهُ إذَا قَدِمْت مَكَّةَ فَسَلْ
عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ أَمَوْلًى لِأَبِيكَ كُنْت قُلْت لَا قَالَ
أَيْنَ مَا تَكَلَّفْت لَك الْبَارِحَةَ ؟ فَوَزَنْت لَهُ مَا تَكَلَّفَ
وَقُلْت بَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ ؟ قَالَ كِرَاءُ الدَّارِ ضَيَّقْت عَلَى
نَفْسِي ، فَوَزَنْت لَهُ فَقَالَ امْضِ أَخْزَاك اللَّهُ فَمَا رَأَيْت
شَرًّا مِنْك .
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ الْمُزَنِيّ
أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فُلَانٌ يُبْغِضُك فَقَالَ لَيْسَ فِي قُرْبِهِ أُنْسٌ
وَلَا فِي بُعْدِهِ وَحْشَةٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ قَالَ أَبُو عَمْرِو
بْنُ الْعَلَاءِ يَا عَبْدَ الْمَلِكِ كُنْ مِنْ الْكَرِيمِ عَلَى حَذَرٍ
إذَا أَهَنْته وَمِنْ اللَّئِيمِ إذَا أَكْرَمْته وَمِنْ الْعَاقِلِ إذَا
أَحْرَجْته ، وَمِنْ الْأَحْمَقِ إذَا مَازَحْته وَمِنْ الْفَاجِرِ إذَا
عَاشَرْته وَلَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تُجِيبَ مَنْ لَا يَسْأَلُك أَوْ
تَسْأَلَ مَنْ لَا يُجِيبُك أَوْ تُحَدِّثَ مَنْ لَا يُنْصِتُ لَك وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ سَمِعْت أَعَرَابِيًّا يَقُولُ حَمْلُ الْمِنَنِ أَثْقَلُ
مِنْ الصَّبْرِ عَلَى الْعَدَمِ وَقَالَ ابْنُ نَبَاتَةَ : مَا الذُّلُّ
إلَّا تَحَمُّلُ الْمِنَنِ فَكُنْ عَزِيزًا إنْ شِئْت أَوْ فَهُنْ
وَأَنْشَدَ غُلَامٌ هَاشِمِيٌّ لِنِفْطَوَيْهِ : كَمْ صَدِيقٍ مَنَحْته
صَفْوَ وُدِّي فَجَفَانِي وَمَلَّنِي وَقَلَانِي مَلَّ مَا مَلَّ ثُمَّ
عَاوَدَ وَصْلِي بَعْدَمَا مَلَّ صُحْبَةَ
الْإِخْوَانِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ وَالْبَيْتُ السَّائِرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
وَقَالَ
آخَرُ عَتَبْت عَلَى بِشْرٍ فَلَمَّا جَفَوْته وَصَاحَبْت أَقْوَامًا
بَكَيْت عَلَى بِشْرِ وَقَالَ آخَرُ : عَتَبْت عَلَى سَعْدٍ فَلَمَّا
فَقَدْته وَجَرَّبْت أَقْوَامًا بَكَيْت عَلَى سَعْدِ وَقَالَ آخَرُ :
وَنَعْتِبُ أَحْيَانًا عَلَيْهِ وَلَوْ مَضَى لَكُنَّا عَلَى الْبَاقِي
مِنْ النَّاسِ أَعْتَبَا .
وَرَوَى الْقَاضِي الْمُعَافَى بْنُ
زَكَرِيَّا بِإِسْنَادِهِ وَرَوَاهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَالْإِسْنَادُ
ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { صَحِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبًا فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْضَتَهُ فَقَطَعَ غُصْنَيْنِ أَحَدُهُمَا
أَعْوَجُ ، وَالْآخَرُ مُسْتَقِيمٌ فَدَفَعَ إلَى صَاحِبِهِ
الْمُسْتَقِيمَ ، وَأَمْسَكَ الْأَعْوَجَ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَنْتَ أَحَقُّ بِهَذَا فَقَالَ : كَلًّا ، مَا مِنْ صَاحِبٍ
يَصْحَبُ صَاحِبًا وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ
سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } .
وَرَوَوْا أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
مَرْفُوعًا { الْمَرْءُ كَبِيرٌ بِأَخِيهِ وَلَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ
لَا يَرَى لَك مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ } وَقَالَ الشَّاعِرُ : وَإِنِّي
لَأَسْتَحْيِي أَخِي أَنْ أَرَى لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لَا
يَرَى لِيَا قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَرَى أَنَّ لِي عَلَيْهِ حَقًّا
حَسَبَ مَا أَرَى لَهُ مِنْ وُجُوبِ حَقِّهِ عَلَى هَذَا يُوَافِقُ
مَعْنَى خَبَرِ سَهْلٍ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ : الْمَعْنَى إنِّي
أَسْتَحْيِي أَخِي أَنْ أَرَى لَهُ عِنْدِي مِنْ فَضْلٍ سَابِقٍ مِنْهُ
مَا لَا يَرَى لِي عِنْدَهُ مِنْ فَضْلٍ فَيَكُونُ قَدْ أَثْبَتَ عِنْدِي
حَقًّا لَمْ أُثْبِتْ لِنَفْسِي عِنْدَهُ مِنْ الْحَقِّ مِثْلَهُ .
قَالَ
الْقَاضِي الْمُعَافَى وَهَذَا أَصَحُّ وَخَبَرُ سَهْلٍ جَارٍ عَلَى
عَكْسِ هَذَا الطَّرِيقِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا
النَّحْوِ لَوْ كَانَ قِيلَ فِيهِ وَلَا خَيْرَ لِمَنْ صُحْبَته فِي
صُحْبَتِك إذَا لَمْ تَرَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ مِثْلَ الَّذِي يَرَى لَك .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لَا يَرَى لَك
كَاَلَّذِي يَرَى لِنَفْسِهِ } قَالَ الشَّاعِرُ : وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي
أَخِي أَنْ أَبَرَّهُ قَرِيبًا وَأَنْ أَجْفُوهُ وَهْوَ بَعِيدُ وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخُرَاسَانِيُّ مَنْ اسْتَخَفَّ بِالْعُلَمَاءِ
ذَهَبَتْ آخِرَتُهُ وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِإِخْوَانِهِ قَلَّتْ مَعُونَتُهُ
وَمَنْ اسْتَخَفَّ بِالسُّلْطَانِ ذَهَبَتْ دُنْيَاهُ .
وَنَظِيرُهُ
قَوْلُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَحْنُ الزَّمَانُ مَنْ
رَفَعْنَاهُ ارْتَفَعَ وَمَنْ وَضَعْنَاهُ اتَّضَعَ وَقَالَ
الْأَصْمَعِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي التَّفَرُّحِ بِالْمُفَاوَضَةِ
إلَى الْإِخْوَانِ وَالتَّشَكِّي إلَى أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْأَقْدَارِ
وَذَوِي الرِّعَايَةِ وَالْأَخْطَارِ مِثْلَ قَوْلِ بَشَّارٍ :
وَأَبْثَثْتُ عَمْرًا بَعْضَ مَا فِي جَوَانِحِي وَجَرَّعْته مِنْ مُرِّ
مَا أَتَجَرَّعُ وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إلَى ذِي حَفِيظَةٍ إذَا
جَعَلْت أَسْرَارَ نَفْسٍ تَطَلَّعُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو
مُحَمَّدٍ الْبَرْبَهَارِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ شَرْحِ السُّنَّةِ : وَإِذَا
رَأَيْت الرَّجُلَ رَدِيءَ الطَّرِيقِ وَالْمَذْهَبِ فَاسِقًا فَاجِرًا
صَاحِبَ مَعَاصٍ ظَالِمًا وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ فَاصْحَبْهُ
وَاجْلِسْ مَعَهُ فَإِنَّك لَنْ تَضُرَّك مَعْصِيَتُهُ وَإِذَا رَأَيْت
عَابِدًا مُجْتَهِدًا مُتَقَشِّفًا مُتَحَرِّفًا بِالْعِبَادَةِ صَاحِبَ
هَوًى فَلَا تَجْلِسْ مَعَهُ وَلَا تَسْمَعْ كَلَامَهُ وَلَا تَمْشِ
مَعَهُ فِي طَرِيقٍ ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ تَسْتَحْلِيَ طَرِيقَتَهُ
فَتَهْلِكَ مَعَهُ .
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ مِنْ
أَصْحَابِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ لَهُ قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا رَأَيْت الشَّابَّ
أَوَّلَ مَا يَنْشَأُ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَأَرْجِهْ
وَإِذَا رَأَيْته مَعَ أَصْحَابِ الْبِدَع فَايئَسْ مِنْهُ فَإِنَّ
الشَّابَّ عَلَى أَوَّلِ نُشُوئِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ ابْنُ
الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ السِّرِّ الْمَكْتُومِ لَمَّا ذَكَرَ
الْمُعْتَزِلَةَ وَغَيْرَهُمْ وَالْفَلَاسِفَةَ قَالَ اللَّهَ اللَّهَ
مِنْ مُصَاحَبَةِ هَؤُلَاءِ ، وَيَجِبُ مَنْعُ الصِّبْيَانِ مِنْ
مُخَالَطَتِهِمْ لِئَلَّا يَثْبُتَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ
وَاشْغَلُوهُمْ بِأَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لِتُعْجَنَ بِهَا طَبَائِعُهُمْ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى مُسَدَّدٍ : وَلَا تُشَاوِرْ صَاحِبَ بِدْعَةٍ فِي دِينِك ،