الكتاب : الآداب الشرعية
المؤلف : شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ
الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيّ
الشَّعْرُ حَلَقَهُ } .
وَقَدْ رَوَى مَنْصُورٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
أَبِي ثَابِتٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ أَطْلَى وَوَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ } كَذَا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي النُّورَةِ فِي الْمُفْرَدَاتِ فِي فُصُولِ
الطِّبِّ .
فَصْلٌ ( فِي أَقْوَالِ الْأَطِبَّاءِ فِي الْحَمَّامِ ) .
قَالَ الْأَطِبَّاءُ الْحَمَّامُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ أَهْوِيَتِهِ وَمَبَانِيهِ وَمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ والنمريخ .
وَسَبَقَ
فِي فُصُولِ الطِّبِّ الْكَلَامُ فِي الدُّهْنِ ، وَالْمَاءِ وَأَمَّا
الدَّلْكُ فِي الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يَفْتَحُ الْمَسَامَّ وَيُحَلِّلُ
الْبُخَارَ وَيُذَوِّبُ الْخَلْطَ فَإِنْ أَفْرَطَ أَحْدَثَ الْبُثُورَ .
قَالَهُ
ابْنُ جَزْلَةَ وَقَالَ ابْنُ جُمَيْعٍ الصَّيْدَاوِيُّ يُصَلِّبُ
الْأَعْضَاءَ وَيُحَلِّلُ الرُّطُوبَةَ ، وَالْمُعْتَدِلُ يَجْلِبُ
الدَّمَ ظَاهِرَ الْجَسَدِ قَالَ والنمريخ بِالدُّهْنِ يَسُدُّ
الْمَسَامَّ قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ فَإِنَّ بَعْدَ الِاسْتِحْمَامِ
بِالْمَاءِ الْحَارِّ حِفْظُ الْحَرَارَةِ ، وَالرُّطُوبَةِ ، وَأَجْوَدُ
الْحَمَّامَاتِ مَا كَانَ شَاهِقًا عَذْبَ الْمَاءِ مُعْتَدِلَ
الْحَرَارَةِ مُعْتَدِلَ الْبُيُوتِ .
وَالْحَمَّامُ قَدْ جَمَعَ
الْكَيْفِيَّاتِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ يُوَسِّعُ الْمَسَامَّ
وَيَسْتَفْرِغُ الْفَضَلَاتِ وَيُحَلِّلُ الرِّيَاحَ وَيَحْبِسُ الطَّبْعَ
إذَا كَانَتْ سُهُولَتُهُ عَنْ هَيْضَةٍ وَيُنَظِّفُ الْوَسَخَ ،
وَالْعُرُوقَ وَيُذْهِبُ الْحَكَّةَ ، وَالْجَرَبَ ، وَيُذْهِبُ
الْإِعْيَاءَ وَيُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيُجَوِّدُ الْهَضْمَ وَيُنْضِجُ
النَّزَلَاتِ ، وَالزُّكَامَ ، وَيَنْفَعُ مِنْ حُمَّى يَوْمٍ ،
وَالدَّقِّ ، وَالرَّبْعِ ، وَيُسَمِّنُ الْمَهْزُولَ وَيُهَزِّلُ
السَّمِينَ ، وَيَنْفَعُ جَمِيعَ الْأَمْزِجَةِ .
وَفِيهِ مَضَارُّ ،
يُسَهِّلُ انْصِبَابَ الْفَضَلَاتِ إلَى الْأَعْضَاءِ الضَّعِيفَةِ
وَيُرْخِي الْجَسَدَ وَيُضَعِّفُ الْحَرَارَةَ عِنْدَ طُولِ الْمُقَامِ
فِيهِ ، وَيُسْقِطُ شَهْوَةَ الطَّعَامِ وَيُضْعِفُ الْبَاهَ ،
وَالْعَصَبَ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَشِطَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي
الْبَصَرَ ، وَمَنْ قَصَدَ تَسْمِينَ بَدَنِهِ دَخَلَ عَلَى الِامْتِلَاءِ
وَلَا يُطِيلُ اللُّبْثَ وَبِالضِّدِّ ، وَمَنْ قَصَدَ حِفْظَ الصِّحَّةِ
دَخَلَ عِنْدَ آخِرِ الْهَضْمِ بِحَيْثُ إذَا خَرَجَ يَأْكُلُ ،
وَيَجْتَنِبُ الْجِمَاعَ فِي الْحَمَّامِ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ بَعْدَهُ
الْأَشْيَاءَ الْبَارِدَةَ بِالْفِعْلِ ، وَالْحَارَّةَ بِالْفِعْلِ فَفِي
ذَلِكَ خَطَرٌ
، وَالْمُقَامُ الْكَثِيرُ فِي الْحَمَّامِ يُجَفِّفُ وَرُبَّمَا بَرَّدَ ، وَالْقَلِيلُ يُسَخِّنُ وَيُرَطِّبُ .
قَالَ
ابْنُ سِينَا : لَا يُطِيلُ فِيهِ فَإِنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ الدَّقُّ ،
وَالِاسْتِسْقَاءُ ، أَمَّا الدَّقُّ فَلِاشْتِدَادِ سُخُونَةِ الْقَلْبِ
وَأَمَّا الِاسْتِسْقَاءُ فَلِكَثْرَةِ تَحَلُّلِ الْحَارِّ الْغَرِيزِيِّ
فَيُبَرَّدُ مِزَاجُ الْأَعْضَاءِ ، وَكَذَلِكَ شُرْبُ الْأَشْيَاءِ
الْبَارِدَةِ فِيهِ مِثْلُ النُّقَاعِ ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ فِيهِ
خَطَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا لِأَنَّهُ قَدْ يُبَرِّدُ الْكَبِدَ ، وَالْقَلْبَ
بِهُجُومِهِ عَلَيْهِمَا ، وَيُبَرِّدُ الْأَحْشَاءَ وَيُضْعِفُهَا
وَيُهَيِّئُهَا لِلِاسْتِسْقَاءِ ، وَصَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى
الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ الْحَمَّامِ يُنْعِشُ الْقُوَّةَ الْمُسْتَرْخِيَةَ
مِنْ الْكَرْبِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ
الْبَارِدِ بَعْدَ الْحَارِّ مَنَافِعُ عَظِيمَةٌ فِي تَقْوِيَةِ
الْأَعْضَاءِ وَلَكِنْ لَا تَكُونُ بَغْتَةً بَلْ يَنْتَقِلُ إلَى
الْفَاتِرِ ، ثُمَّ إلَى الْبَارِدِ قَالَ ابْنُ ماسويه مَنْ دَخَلَ
الْحَمَّامَ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ فَأَصَابَهُ الْفَالِجُ فَلَا يَلُومَنَّ
إلَّا نَفْسَهُ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ شَمْسُ
الْمَعَالِي : أَنْتَ فِي الْحَمَّامِ مَوْقُوفٌ عَلَى بَصَرِي وَسَمْعِي
فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا كُوِّنَتْ مِنْ بَعْضِ طَبْعِي حَرُّهَا مِنْ
حَرِّ أَنْفَاسِي وَفَيْضُ الْمَاءِ دَمْعِي وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي
تَارِيخِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهْوَيْهِ قَالَ : أَدْخُلُ الْحَمَّامَ
وَأَنَا شَيْخٌ وَأَخْرُجُ وَأَنَا شَابٌّ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ
ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ ، ثُمَّ خَرَجَ
صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَغْفَرَ لِمَا رُئِيَ مِنْهُ ، أَوْ رَأَى مِنْ
نَفْسِهِ .
فَصْلٌ ( الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ وَمِنْهَا نَهْيُ النِّسَاءِ عَنْهُ ) .
عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ ، وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إلَّا
بِمِئْزَرٍ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
مِنْ إنَاثِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى الرِّجَالَ ، وَالنِّسَاءَ عَنْ
الْحَمَّامَاتِ ، ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي
الْمِئْزَرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلنِّسَاءِ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ .
وَعَنْهَا
أَيْضًا مَرْفُوعًا { أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ
بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا هَتَكَتْ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا }
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
.
وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ ،
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ }
حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَقَالَ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { احْذَرُوا بَيْتًا يُقَالُ لَهُ الْحَمَّامُ
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إنَّهُ يُنَقِّي مِنْ الْوَسَخِ ، وَالْأَذَى قَالَ : فَمَنْ دَخَلَهُ
مِنْكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ } وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ مَوْصُولًا
يَذْكُرُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيهِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا أَصَحُّ
إسْنَادِ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى أَنَّ النَّاسَ يُرْسِلُونَهُ
عَنْ طَاوُسٍ وَأَمَّا مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا مِنْ
الْحَظْرِ ، وَالْإِبَاحَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ
شَيْءٌ لِضَعْفِ الْأَسَانِيدِ وَكَذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَرَوَى حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا .
وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ نِعْمَ الْبَيْتُ
الْحَمَّامُ يُنَقِّي مِنْ الدَّرَنِ وَيُذَكِّرُ بِالنَّارِ ، وَعَنْ
أَبِي الدَّرْدَاءِ مَعْنَاهُ وَكَانَ يَدْخُلُهُ .
وَعَنْ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ نَزَعَ مِنْ
أَهْلِهِ الْحَيَاءَ ، وَلَا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ .
وَعَنْ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا تَدْخُلُوا هَذِهِ
الْحَمَّامَاتِ فَإِنَّهَا مِمَّا أَحْدَثُوا مِنْ النَّعِيمِ وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ لَا يَدْخُلُهُ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ : لَا تَدْخُلْ
الْحَمَّامَ إلَّا أَنْ تَشْتَكِيَ .
وَعَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدٌ
الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ وَلَا يَذْكُرْ اللَّهَ فِيهِ حَتَّى
يَخْرُجَ وَلَا يَغْتَسِلْ اثْنَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ رَوَى هَذِهِ
الْآثَارَ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ
يَكْشِفُ الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ .
وَعَنْهُ أَيْضًا عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نِعْمَ الْبَيْتُ
الْحَمَّامُ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهِ
الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ } قَالَ ، وَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ مَوْقُوفٌ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَيَقُولُ : نِعْمَ الْبَيْتُ
الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الْوَسَخَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ ، وَيَقُولُ :
بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ إنَّهُ يَكْشِفُ عَنْ أَهْلِهِ الْحَيَاءَ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ
نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يَذْهَبُ بِالْوَسَخِ وَيُذَكِّرُ
بِالنَّارِ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا مَرْفُوعًا { إنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ
وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا
يَدْخُلْهَا الرِّجَالُ إلَّا
بِإِزَارٍ وَامْنَعُوا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ } إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَغَيْرُهُ ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَحْمَدَ قَالَ مَا رَأَيْت أَبِي دَخَلَ الْحَمَّامَ قَطُّ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يُسَنُّ مِنْ اتِّخَاذِ الشَّعْرِ وَتَسْرِيحِهِ وَفَرْقِهِ وَمِنْ إعْفَاءِ اللِّحْيَةِ ) .
يُسَنُّ
أَنْ يَغْسِلَ شَعْرَهُ وَيُسَرِّحَهُ وَيَفْرُقَهُ وَيَجْعَلَهُ
الرَّجُلُ إلَى مَنْكِبَيْهِ ، أَوْ إلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ ، أَوْ
شَحْمَتَيْهِمَا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَهُ ذُؤَابَةً وَيَنْبَغِي أَنْ
يُقَالَ إنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى شُهْرَةٍ ، أَوْ نَقْصِ مُرُوءَةٍ ، أَوْ
إزْرَاءٍ بِصَاحِبِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا قَالُوا : فِي اللِّبَاسِ
وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ لَمَّا قِيلَ : لَهُ إنَّ
فِي فَرْقِ الشَّعْرِ شُهْرَةٌ أَجَابَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِأَمْرِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ .
وَيُسَنُّ أَنْ يُعْفِيَ لِحْيَتَهُ وَقِيلَ : قَدْرَ قَبْضَةٍ وَلَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَنْهَا وَتَرْكُهُ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : تَرْكُهُ أَوْلَى .
وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى
وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ الْبُخَارِيُّ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا حَجَّ وَاعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ
فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ .
وَيُسَنُّ أَنْ يَنْتِفَ إبِطَيْهِ فَإِنْ
شَقَّ ؛ حَلَقَهُمَا أَوْ نَوَّرَهُمَا وَقِيلَ : يُكْرَهُ إكْثَارُ
التَّنْوِيرِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسُئِلَ عَنْ اتِّخَاذِ
الشَّعْرِ قَالَ : سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَوْ أَمْكَنَنَا اتَّخَذْنَاهُ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَوْ كُنَّا نَقْوَى عَلَيْهِ لَاتَّخَذْنَاهُ
وَلَكِنْ لَهُ كُلْفَةٌ وَمُؤْنَةٌ .
وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ
الرَّجُلِ يَتَّخِذُ الشَّعْرَ وَيُطَوِّلُهُ فَقَالَ فِي الْفَرْقِ
سُنَّةٌ ، فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُشَهِّرُ نَفْسَهُ فَقَالَ {
إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَقَ شَعْرَهُ
وَأَمَرَ بِالْفَرْقِ ، } وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ
فَلْيُكْرِمْهُ } .
فَصْلٌ ( فِي تَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَسَائِرِ خِصَالِ الْفِطْرَةِ ) .
وَيُسَنُّ
أَنْ يُقَلِّمَ أَظَافِرَهُ مُخَالِفًا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ زَادَ
بَعْضُهُمْ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { إنَّ مَنْ
قَصَّ أَظَافِرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ فِيهِ شِفَاءٌ وَخَرَجَ
مِنْهُ دَاءٌ } رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
وَقَدْ رُوِيَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ ، وَالِاسْتِحْبَابُ فِي يَوْمِ
الْخَمِيسِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ وَاَلَّذِي
فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَلِّمَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ
لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ
عَلِيًّا بِذَلِكَ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ .
وَقَالَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ عِنْدَ سُفْيَانَ
وَكَانَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ لَوْ تَرَكْته إلَى غَدٍ
الْجُمُعَةِ فَقَالَ سُفْيَانُ لَا تُؤَخِّرْ السُّنَّةُ لِشَيْءٍ ،
وَيُسَنُّ أَنْ يُقَلِّمَهَا كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ
لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَقِيلَ : الْمُقِيمُ كُلَّ عِشْرِينَ يَوْمًا ،
وَالْمُسَافِرُ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقِيلَ : عَكْسُهُ وَقَالَ فِي
الرِّعَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ
يُسْتَحَبُّ كَذَلِكَ كُلَّ أُسْبُوعٍ إنْ شَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ،
وَإِنْ شَاءَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَوَى ابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ
كُلَّ جُمُعَةٍ .
وَيُسَنُّ أَنْ يُقَلِّمَهَا مُخَالِفًا .
وَصِفَتُهُ
عَلَى مَا فَسَّرَهُ ابْنُ بَطَّةَ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى ،
ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ ، ثُمَّ
السَّبَّابَةِ ، ثُمَّ إبْهَامِ الْيُسْرَى ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ
الْخِنْصَرِ ، ثُمَّ السَّبَّاحَةِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ .
وَقَالَ
الْآمِدِيُّ يَبْدَأُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ
الْخِنْصَرِ ، ثُمَّ السَّبَّاحَةِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ ، ثُمَّ
الْيُسْرَى كَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يَبْدَأُ بِالسَّبَّاحَةِ مِنْ يَدِهِ
الْيُمْنَى
مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ إلَى خِنْصَرِهَا ، ثُمَّ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى وَيَخْتِمُ بِإِبْهَامِ الْيُمْنَى قَالَ الْقَاضِي .
وَقَدْ
رَوَى وَكِيعٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
إذَا أَنْتِ قَلَّمْت أَظْفَارَكِ فَابْدَئِي بِالْخِنْصَرِ ، ثُمَّ
الْوُسْطَى ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ ، ثُمَّ
السَّبَّابَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْغِنَى } وَهَذَا قَوْلٌ فِي
الرِّعَايَةِ ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { مَنْ قَصَّ أَظْفَارَهُ مُخَالِفًا
لَمْ يَرَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدًا } رَوَاهُ ابْنُ بَطَّةَ وَيُجْتَنَبُ
الِاسْتِقْصَاءُ فِي الظُّفْرِ فِي الْغَزْوِ .
وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ
رُءُوسِ الْأَصَابِعِ بَعْدَ التَّقْلِيمِ ، وَيَدْفِنُ الْقُلَامَةَ
نَصَّ عَلَيْهِ لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ وَكَذَا الشَّعْرُ وَدَمُ
الْحِجَامَةِ ، وَالْفَصْدُ ، وَالتَّشْرِيطُ .
وَيُسْتَحَبُّ نَتْفُ
الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِنْ
أَزَالَ بِمِقْرَاضٍ ، أَوْ نُورَةٍ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي قَوْله تَعَالَى : { أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } .
قَالَ
يُلْقُونَ الْأَحْيَاءُ فِيهَا الدَّمَ ، وَالشَّعْرَ ، وَالْأَظَافِيرَ
وَتَدْفِنُونَ فِيهَا مَوْتَاكُمْ ، وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي
الْمَرَاسِيلِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
احْتَجَمَ ، ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفِنْهُ لَا يَبْحَثُ عَلَيْهِ كَلْبٌ
} وَرَوَى الْخَلَّالُ وَابْنُ بَطَّةَ بِإِسْنَادِهِمَا { أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَلِّمُ
أَظْفَارَهُ وَيَدْفِنُهَا } وَرَوَى وَكِيعٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ يَسْتَحِبُّ دَفْنَهَا وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَمَرَ بِدَفْنِ
الدَّمِ ، وَالشَّعْرِ } قَالَ مُهَنَّا سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ
يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ ؟
قَالَ يَدْفِنُهُ قُلْت بَلَغَك فِيهِ شَيْءٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ
يَدْفِنُهُ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ تَنْظِيفَ الْعَانَةِ ،
وَالْإِبِطِ وَحَفَّ الشَّارِبِ أَكْثَرَ مِنْ
الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ .
وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { خَمْسٌ مِنْ الْفِطْرَةِ
الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَنَتْفُ الْإِبِطِ
وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { وُقِّتَ لَنَا فِي قَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ
الْأَظْفَارِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ أَنْ لَا نَتْرُكَ
أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالُوا
وَقَّتَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
الْغُنْيَةِ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي تَصْحِيحِ هَذَا
الْحَدِيثِ فَرُوِيَ عَنْهُ إنْكَارُهُ ، وَرُوِيَ عَنْهُ الِاحْتِجَاجُ
بِهِ فِي التَّوْقِيتِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ .
وَقَالَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ ، وَالتَّلْخِيصِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْظُرَ فِي
الْمِرْآةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَاجِبَيْهِ إذَا طَالَا
بِالْمِقْرَاضِ ، وَيَتَطَيَّبَ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ بِمَا لَا
لَوْنَ فِيهِ ، وَالْمَرْأَةُ قِيلَ : الْبَرْزَةُ بِمَا لَهُ لَوْنٌ لَا
رَائِحَةَ مِنْ بَعِيدٍ نَصَّ عَلَيْهِ كَذَا فِي الرِّعَايَةِ
وَغَيْرِهَا .
فَصْلٌ ( الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فِي الْحِجَامَةِ وَاخْتِيَارِ يَوْمٍ لَهَا ) .
رُوِيَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ {
اسْتَعِينُوا بِالْحِجَامَةِ عَلَى شِدَّةِ الْحَرِّ } قَالَ مُهَنَّا
لِأَحْمَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ عَنْ عَوْفٍ
إلَّا مُرْسَلًا وَتُكْرَهُ الْحِجَامَةِ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ
الْأَرْبِعَاءِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ
وَجَمَاعَةٍ وَزَادَ أَحْمَدُ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ
حَسَّانَ وَيَقُولُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا الَّذِي قَطَعَ بِهِ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ كَانَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ يَحْتَجِمُ يَوْمَ الْأَحَدِ وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ قَالَ
الْقَاضِي فَقَدْ بَيَّنَ اخْتِيَارَ يَوْمِ الْأَحَدِ ، وَالثُّلَاثَاءِ
وَكَرِهَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَالْأَرْبِعَاءِ وَتَوَقَّفَ فِي
الْجُمُعَةِ .
انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا تَوَقَّفَ فِي شَيْءٍ خَرَجَ فِيهِ وَجْهَانِ .
وَعَنْ
الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا { مَنْ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ ، أَوْ يَوْمَ
الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ .
} ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَدْ أُسْنِدَ وَلَا يَصِحُّ .
وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ وَصَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَضَعَّفَ ذَلِكَ ، وَالْمَحْفُوظُ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا .
،
وَالْوَضَحُ الْبَرَصُ وَحُكِيَ لِأَحْمَدَ أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ
يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَاسْتَخَفَّ بِالْحَدِيثِ وَقَالَ مَا هَذَا
الْحَدِيثُ ؟ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ ، فَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَنْبَغِي
لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَخِفَّ بِالْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَلَّالُ .
وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { أَنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يَحْتَجِمُ
فِيهَا مُحْتَجِمٌ إلَّا عَرَضَ لَهُ دَاءٌ لَا يُشْفَى مِنْهُ } رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِيهِ عَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ وَفِيهِ
ضَعْفٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ بِالطِّبِّ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ
الْمُحْتَجِمُ أَكْلَ الْمِلْحِ ، وَالْمَمْلُوحِ ثَلَاثِينَ سَاعَةً
لِأَنَّهُ
يُورِثُ الْجَرَبَ ، قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَ
فِي الشِّتَاءِ الطباهجات وَفِي الصَّيْفِ السِّكْبَاجَ ، ذَكَرَهُ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ .
الْبَاهَجُ بِفَتْحِ الْهَاءِ طَعَامٌ مِنْ بَيْضٍ وَلَحْمٍ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي غَيْرِ النُّسُكِ وَكَرَاهَةِ الْقَزَعِ فِي الْحَلْقِ ) .
وَيُكْرَهُ
لِلرَّجُلِ حَلْقُ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ
لَهُ الْمَرُّوذِيُّ تَكْرَهُهُ قَالَ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ ، ثُمَّ قَالَ
كَانَ مَعْمَرٌ يَكْرَهُ الْحَلْقَ وَأَنَا أَكْرَهُهُ وَاحْتَجَّ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ
لِرَجُلٍ لَوْ وَجَدْتُك مَحْلُوقًا لَضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك ،
وَالرَّجُلُ هُوَ صَبِيغٌ السَّائِلُ لَهُ عَنْ الذَّارِيَاتِ وَصَحَّ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي
الْخَوَارِجِ { سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ } .
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ
فِي الْإِفْرَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : { لَا تُوضَحُ النَّوَاصِي إلَّا فِي حَجٍّ ، أَوْ عُمْرَةٍ } ،
وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْحَلْقِ مَكْرُوهَةٌ .
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الطَّيَالِسِيُّ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَوَارِجِ { سِيمَاهُمْ التَّحَلُّقُ ،
وَالتَّسْبِيتُ } قَالَ جَعْفَرٌ قُلْت لِأَحْمَدَ مَا التَّسْبِيتُ قَالَ
الْحَلْقُ الشَّدِيدُ لِيُشْبِهَ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ .
وَعَنْ
أَحْمَدَ لَا يُكْرَهُ الْحَلْقُ زَادَ فِي الشَّرْحِ لَكِنَّ تَرْكَهُ
أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى
عَنْ الْقَزَعِ وَقَالَ احْلِقْهُ كُلَّهُ ، أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ }
إسْنَادُهُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَعَزَاهُ
بَعْضُهُمْ إلَى مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَقَدْ قَالَ ابْنُ
عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ عَلَى
إبَاحَةِ الْحَلْقِ فَأَمَّا أَخْذُهُ بِالْمِقْرَاضِ وَاسْتِئْصَالُهُ
فَلَا يُكْرَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ دَلَالَةَ الْكَرَاهَةِ
تَخْتَصُّ بِالْحَلْقِ ، وَيُكْرَهُ ، لِلْمَرْأَةِ حَلْقُ رَأْسِهَا
زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَصَّهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ رِوَايَةً وَاحِدَةً
وَقِيلَ يَحْرُمَانِ عَلَيْهَا .
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ خَلَاصٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { نَهَى
رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ
رَأْسَهَا } وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَى
هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَيُكْرَهُ حَلْقُ الْقَفَا مِنْ
غَيْرِ حَاجَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ مِنْ فِعْلِ
الْمَجُوسِ { وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ } وَهَذَا
يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَقَيَّدَ فِي الشَّرْحِ كَرَاهِيَةَ حَلْقِهِ
لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ .
فَصْلٌ ( فِي كَوْنِ تَغْيِيرِ الشَّيْبِ بِصَبْغِهِ سُنَّةً ) .
وَيُسَنُّ
تَغْيِيرُ الشَّيْبِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَقِيلَ : مَا يَسْتَحْيِي أَنْ
يُخَضِّبَ ؟ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَأَرَى الشَّيْخَ الْمَخْضُوبَ
فَأَفْرَحُ بِهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَرْفُوعًا { إنَّ الْيَهُودَ ، وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ
فَخَالِفُوهُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ بِحِنَّاءٍ وَكَتَمٍ
لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، وَلِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ، وَلَا بَأْسَ
بِالْوَرْسِ ، وَالزَّعْفَرَانِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَفِي
التَّلْخِيصِ ، وَالشَّرْحِ وَقَدَّمَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّ
خِضَابَهُ بِغَيْرِ السَّوَادِ سُنَّةٌ وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ .
قَالَ
أَبُو دَاوُد ثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُطَرِّفٍ ثَنَا عَمْرُو بْنُ
مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ
وَيُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ بِالْوَرْسِ ، وَالزَّعْفَرَانِ } .
وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ أَبِيهِ { كَانَ خِضَابُنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَرْسِ ،
وَالزَّعْفَرَانِ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَيُكْرَهُ بِالسَّوَادِ
نَصَّ عَلَيْهِ قِيلَ : لَهُ تَكْرَهُ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ قَالَ إي
وَاَللَّهِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
وَالِدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْبَةَ
ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَكُونُ قَوْمٌ
يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ
كَحَوَاصِلِ
الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ
وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ ابْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ
وَالنَّسَائِيُّ ، وَالْكَرَاهَةُ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ هَلْ هِيَ
لِلتَّحْرِيمِ ، أَوْ التَّنْزِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَرَخَّصَ فِيهِ
إِسْحَاقُ بْن رَاهْوَيْهِ لِلْمَرْأَةِ تَتَزَيَّنُ بِهِ لِزَوْجِهَا .
وَذَكَرَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِلْحَرْبِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اخْضِبُوا بِالسَّوَادِ فَإِنَّهُ
آنَسُ لِلزَّوْجَةِ وَمَكِيدَةٌ لِلْعَدُوِّ } وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ
.
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُ
مَنْ يَخْضِبُ بِهِ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ
يُسْتَحَبُّ خِضَابُ الشَّيْبِ لِلرَّجُلِ ، وَالْمَرْأَةِ بِصُفْرَةٍ ،
أَوْ حُمْرَةٍ وَيَحْرُمُ بِالسَّوَادِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ قَالَ
بَعْضُ السَّلَفِ ، وَالْخَلَفِ تَرْكُ الْخِضَابِ أَفْضَلُ رُوِيَ هَذَا
عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَآخَرِينَ .
وَكَانَ
ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَآخَرُونَ يَخْضِبُونَ بِالصُّفْرَةِ ،
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ، وَخَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِالْحِنَّاءِ ،
وَالْكَتَمِ وَبَعْضُهُمْ بِالزَّعْفَرَانِ ، وَخَضَبَ جَمَاعَةٌ
بِالسَّوَادِ .
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ، وَالْحَسَنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ
وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَابْن سِيرِينَ وَأَبِي
بُرْدَةَ وَآخَرِينَ وَيُقَالُ : صَبَغَ يَصْبُغُ بِضَمِّ الْبَاءِ
وَفَتْحِهَا وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَخْضِبُ لِحْيَتَهُ وَيَقُولُ : نُسَوِّدُ أَعْلَاهَا وَتَأْبَى
أُصُولُهَا وَلَا خَيْرَ فِي الْأَعْلَى إذَا فَسَدَ الْأَصْلُ .
وَكَانَ
الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ
وَيَتَمَثَّلُ : نُسَوِّدُ أَعْلَاهَا وَتَأْبَى أُصُولُهَا فَيَا لَيْتَ
مَا يُسَوَّدُ مِنْهَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَالَ آخَرُ يَا أَيُّهَا
الرَّجُلُ الْمُسَوِّدُ شَيْبَهُ كَيْمَا يُعَدَّ بِهِ مِنْ الشُّبَّانِ
أَقْصِرْ فَلَوْ سَوَّدْتَ كُلَّ حَمَامَةٍ بَيْضَاءَ مَا عُدَّتْ مِنْ
الْغِرْبَانِ وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ
قَالَ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { رَأَيْتُك تَلْبَسُ
النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُك تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ فَقَالَ :
رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ
النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا
أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا .
وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْت
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا
فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَيُكْرَهُ
نَتْفُ الشَّيْبِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْهُ وَقَالَ { إنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ } رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ نَظَرَ
كِسْرَى إلَى رَجُلَيْنِ مِنْ مَرَازِبَتِهِ شَابَ رَأْسُ أَحَدِهِمَا
قَبْلَ لِحْيَتِهِ ، وَالْآخَرُ لِحْيَتُهُ قَبْلَ رَأْسِهِ فَسَأَلَهُمَا
فَقَالَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ شَعْرَ رَأْسِي خُلِقَ قَبْلَ شَعْرِ
لِحْيَتِي ، وَالْكَبِيرُ يَشِيبُ قَبْلَ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْآخَرُ
لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الصَّدْرِ مَوْضِعَ الْهَمِّ ، وَالْغَمِّ .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ شَيْبُ النَّاصِيَةِ مِنْ الْكَرَمِ وَشَيْبُ الصُّدْغَيْنِ مِنْ
الْوَرَعِ ، وَشَيْبُ الشَّارِبَيْنِ مِنْ الْفُحْشِ ، وَشَيْبُ الْقَفَا
مِنْ اللُّؤْمِ .
فَصْلٌ ( فِي نَتْفِ الشَّعْرِ وَحَفِّهِ وَتَخْفِيفِهِ وَوَصْلِهِ وَالْوَشْمِ ) .
وَيُكْرَهُ
لِلرَّجُلِ نَتْفُ شَعْرِ وَجْهِهِ وَلَوْ بِمِنْقَاشٍ وَنَحْوِهِ
وَحَفُّهُ ، وَالتَّخْفِيفُ قَالَ أَحْمَدُ فِي الْحَفِّ : أَكْرَهُهُ
لِلرِّجَالِ ، وَلِلْمَرْأَةِ حَلْقُهُ وَحَفُّهُ ، وَالتَّخْفِيفُ نَصَّ
عَلَى الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ
لَهَا حَفُّهُ ، وَيُكْرَهُ نَتْفُهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا زَوْجٌ ، أَوْ
لَمْ يَكُنْ قَالَ أَحْمَدُ أَكْرَهُ النَّتْفَ وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ
وَكَرِهَ يَعْنِي أَحْمَدَ أَنْ يُؤْخَذَ الشَّعْرُ بِمِنْقَاشٍ مِنْ
الْوَجْهِ وَقَالَ { لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُتَنَمِّصَاتِ .
} وَقَطَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ
بِالْكَرَاهَةِ ، وَمَنْصُوصُ أَحْمَدَ التَّحْرِيمُ ، وَهَلْ تُعَدُّ
الْكَرَاهَةُ رِوَايَةً عَنْهُ ؟ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ فَمَنْ أَثْبَتَ
رِوَايَةً فِي نَقْلِ الْمِلْكِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ، وَالْمُتْعَةِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُنَا مِثْلُهُ ، أَوْ أَوْلَى وَقَطَعَ فِي الشَّرْحِ
وَغَيْرِهِ بِأَنَّ نَتْفَ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ لَا يَجُوزُ .
وَيُكْرَهُ
لَهَا وَصْلُ شَعْرِهَا بِشَعْرٍ آخَرَ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ ،
وَالتَّلْخِيصِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يَحْرُمُ قَطَعَ
بِهِ فِي الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ .
وَلَا بَأْسَ
بِالْقَرَامِلِ وَنَحْوِهَا زَادَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ ،
وَعَنْهُ هِيَ كَالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ سَأَلْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَرْأَةِ تَصِلُ رَأْسَهَا بِقَرَامِلَ
فَكَرِهَهُ وَقَالَ لَهُ أَيْضًا فَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ تَصِلُ
رَأْسَهَا بِقَرَامِلَ ؟ فَلَمْ يُرَخِّصْ لَهَا ، وَيُبَاحُ مَا تَشُدُّ
بِهِ شَعْرَهَا لِلْحَاجَةِ .
وَيُكْرَهُ غَرْزُ جِلْدِهَا بِإِبْرَةٍ
وَحَشْوُهُ كُحْلًا وَتَحْسِينُ أَسْنَانِهَا وَتَفْلِيجُهَا
وَتَحْدِيدُهَا ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ
وَهُوَ أَوْلَى .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ
وَالْمُسْتَوْصِلَة ، وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة ،
وَالْمُتَنَمِّصَةَ
وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ } .
وَرَوَى
أَيْضًا أَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ
شَعْرٍ وَقَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ : { إنَّمَا هَلَكَتْ
بَنُو إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ } وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا } قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي
، وَالظَّاهِرُ إنَّمَا الْمُحَرَّمُ وَصْلُ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ لِمَا
فِيهِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَاسْتِعْمَالِ الشَّعْرِ الْمُخْتَلَفِ فِي
نَجَاسَتِهِ .
فَصْلٌ ( فِي جَوَازِ ثَقْبِ آذَانِ الْبَنَاتِ ) .
وَيَجُوزُ
ثَقْبُ أُذُنِ الْبِنْتِ لِلزِّينَةِ وَيُكْرَهُ ثَقْبُ أُذُنِ الصَّبِيِّ
نَصَّ عَلَيْهِمَا قَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا أَكْرَهُ ذَلِكَ
لِلْغُلَامِ إنَّمَا هُوَ لِلْبَنَاتِ قَالَ مُهَنَّا قُلْت مَنْ كَرِهَهُ
قَالَ جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ وَقَطَعَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مِنْهَاجِ
الْقَاصِدِينَ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ثَقْبُ أُذُنِ الْبِنْتِ
لِأَنَّهُ جَرْحٌ مُؤْلِمٌ وَفِي الْمَخَانِقِ ، وَالْأَسْوِرَةِ
كِفَايَةٌ ، وَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ ،
وَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
: وَأَفْضَلُ الْأَدْهَانِ لِلرَّأْسِ دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ لِقَوْلِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَضْلُ دُهْنِ
الْبَنَفْسَجِ عَلَى سَائِرِ الْأَدْهَانِ كَفَضْلِي عَلَى سَائِرِ
النَّاسِ } وَضَعَّفَ غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ كَمَا
قَالُوا .
فَصْلٌ ( مَا يُقَالُ : عِنْدَ سَمَاعِ نَهِيقٍ وَنُبَاحٍ وَصِيَاحِ دِيكٍ وَكَرَاهَةِ التَّحْرِيشِ ) .
مَنْ
سَمِعَ نَهِيقَ حِمَارٍ ، أَوْ نُبَاحَ كَلْبٍ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا سَمِعْتُمْ نَهَاقَ الْحَمِيرِ
فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا
، وَإِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ
فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَعَنْ
جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ إذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكَلْبِ وَنَهِيقَ الْحَمِيرِ بِاللَّيْلِ
فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْهُنَّ فَإِنَّهُنَّ يَرَوْنَ مَا لَا
تَرَوْنَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَعِنْدَهُ {
فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهُنَّ } وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ،
وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ
يَقْطَعُهَا لِلْأَذَانِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ
وَلِلنَّسَائِيِّ رِوَايَةُ { إذَا سَمِعْتُمْ الدِّيَكَةَ بِاللَّيْلِ }
وَذَكَرَهُ .
وَيُكْرَهُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ النَّاسِ وَكُلِّ
حَيَوَانٍ بَهِيمٍ كَكِبَاشٍ وَدِيَكَةٍ وَغَيْرِهِمَا ذَكَرَهُ فِي
الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ، وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ انْتَهَى كَلَامُهُ فَهَذَانِ
وَجْهَانِ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَحْتَمِلُهُمَا قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ يُكْرَهُ التَّحْرِيشُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ قَالَ
سُبْحَانَ اللَّهِ إي لَعَمْرِي ، وَالْأَوْلَى الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِ
التَّحْرِيشِ بَيْنَ النَّاسِ .
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ
التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ،
وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ وَهُوَ
مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَاقِيهِ ثِقَاتٌ .
فَصْلٌ ( فِي اتِّخَاذِ الطُّيُورِ ) .
قَالَ
فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُكْرَهُ اتِّخَاذُ طُيُورٍ طَيَّارَةٍ
تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ وَتُكْرَهُ فِرَاخُهَا وَبَيْضُهَا ، وَلَا
تُكْرَهُ الْمُتَّخَذَةُ لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ فَقَطْ قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي طَيْرِ
أُنْثَى جَاءَتْ إلَى قَوْمٍ فَأَزْوَجَتْ عِنْدَهُمْ وَفَرَّخَتْ لِمَنْ
الْفِرَاخُ قَالَ : يَتْبَعُونَ الْأُمَّ ، وَأَظُنُّ أَنِّي سَمِعْته
يَقُولُ فِي الْحَمَامِ الَّذِي يَرْعَى الصَّحْرَاءَ أَكْرَهُ أَكْلَ
فِرَاخِهَا ، وَكَرِهَ أَنْ تَرْعَى فِي الصَّحْرَاءِ وَقَالَ تَأْكُلُ
طَعَامَ النَّاسِ .
وَقَالَ حَرْبٌ : سَمِعْت أَحْمَدَ قَالَ لَا
بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ الطَّيْرَ فِي مَنْزِلِهِ إذَا كَانَتْ
مَقْصُوصَةً لِيَسْتَأْنِسَ إلَيْهَا فَإِنْ تَلَهَّى بِهَا فَإِنِّي
أَكْرَهُهُ قُلْت لِأَحْمَدَ إنْ اتَّخَذَ قَطِيعًا مِنْ الْحَمَامِ
تَطِيرُ ؟ فَكَرِهَ ذَلِكَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ
إذَا كَانَتْ تَطِيرُ ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ
وَزُرُوعَهُمْ .
وَقَالَ مُهَنَّا سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
بُرُوجِ الْحَمَامِ الَّتِي تَكُونُ بِالشَّامِّ ؟ فَكَرِهَهَا وَقَالَ
تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ .
فَقُلْت لَهُ وَإِنَّمَا كَرِهْتهَا
لِأَجْلِ أَنَّهَا تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ ؟ فَقَالَ أَكْرَهُهَا
أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَمَامِ فَقُلْت لَهُ
تُقْتَلَ قَالَ : تُذْبَحُ .
وَرَوَى مُهَنَّا وَغَيْرُهُ عَنْ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ وَأَمَرَ بِقَتْلِ
الْكِلَابِ ، وَالْحَمَامِ وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَأَلْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْحَمَامِ الْمَقْصُوصِ قَالَ : عُثْمَانُ
أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَمَامِ ، وَالْكِلَابِ قُلْت الْمَقَاصِيصُ هِيَ
أَهْوَنُ عِنْدَك مِنْ الطَّيَّارَةِ قَالَ نَعَمْ وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِتَرْكِ الْمَقَاصِيصِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ
الطَّيَّارَةِ ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ بِالْمُقَصَّصَةِ الَّتِي فِي
الْبُيُوتِ بَأْسًا فَقَدْ كَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ اتِّخَاذَ
الْحَمَامِ لِلتَّلَهِّي بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي
كَرَاهَتِهِ
لِشَيْءٍ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ
التَّنْزِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ
مَنْ اتَّخَذَ الْحَمَامَ لَعِبًا وَلَهْوًا فَهُوَ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ
يُرَاهِنُ عَلَيْهَا وَيُسَرِّحهُنَّ مِنْ الْمَوَاضِعِ لَعِبًا لَمْ
يَكُنْ عَدْلًا .
وَقَدْ { رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ شَيْطَانٌ يَتْبَعُ
شَيْطَانَةً } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ .
وَأَمَّا
اتِّخَاذُ حَمَامٍ طَيَّارَةٍ لِأَجْلِ فِرَاخِهَا فَنَقَلَ حَرْبٌ عَنْهُ
أَنَّهُ كَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ لِأَجْلِ
أَكْلِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ إنْ لَمْ
يَكُنْ صَرِيحًا ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ عَنْهُ الْكَرَاهِيَةَ وَهَلْ
يُعَدُّ هَذَا رِوَايَةً بِالتَّنْزِيهِ ؟ فِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ مَا
يُشْبِهُهُ فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَضْمَنُ وَعَلَى الثَّانِيَةِ
فِيهِ نَظَرٌ يُتَوَجَّهُ فِيهِ الرِّوَايَتَانِ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ
وَقَدْ يُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَحْرُمُ
اقْتِنَاؤُهُ وَفِي تَضْمِينِ مُقْتَنِيهِ مَا أَتْلَفَهُ رِوَايَتَانِ
وَجَّهَ الْقَاضِي التَّضْمِينَ كَإِمْسَاكِ الْحَيَّاتِ ، وَالسِّبَاعِ ،
وَوَجَّهَ عَدَمَهُ كَمَا لَوْ شَدَّ حَرْثَهُ عَقُورًا فِي مِلْكِهِ
فَعَطِبَ بِهَا إنْسَانٌ وَوَجَّهَ فِي الْمُغْنِي التَّضْمِينَ بِأَنَّ
اقْتِنَاءَهُ سَبَبٌ لِلْعَقْرِ ، وَالْأَذَى كَمَنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي
طَرِيقٍ ضَيِّقٍ ، وَوَجَّهَ عَدَمَهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } وَكَسَائِرِ الْبَهَائِمِ فَقَدْ يُتَوَجَّهُ
عَلَى هَذَا أَنَّ اقْتِنَاءَ طَيْرٍ يَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ وَإِنْ
كَانَ مُحَرَّمًا هَلْ يَضْمَنُ مُقْتَنِيهِ ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ
كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّهُ هَلْ يَضْمَنُ مَقَتَنِي الْكَلْبِ مَا
أَتْلَفَهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ فِي تَحْرِيمِ
الِاقْتِنَاءِ فَكَذَا مَقَتَنِي الطَّيْرَ فَهَذِهِ مَسَالِكُ
مُحْتَمَلَةٌ ، أَمَّا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فَبَعِيدٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَأَبَاحَ
أَحْمَدُ اتِّخَاذَ الْحَمَامِ لِلْأُنْسِ وَاعْتَبَرَ أَنْ تَكُونَ
مَقْصُوصَةً لِئَلَّا تَطِيرَ فَتَأْكُلَ زُرُوعَ النَّاسِ فَيُحْتَمَلُ
أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ احْتَجَّ بِالْخَبَرِ فِي ذَلِكَ رَوَى الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ السُّنِّيُّ مِنْ
رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلْوَانَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ
خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْشَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَّخِذَ زَوْجَ
حَمَامٍ وَيَذْكُرَ اللَّهَ عِنْدَ هَدِيرِهِ } .
وَهَذَا الْخَبَرُ ضَعِيفٌ أَوْ مَوْضُوعٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلْوَانَ كَذَّابٌ قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ .
وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَخَالِدٌ لَمْ يُدْرِكْ
مُعَاذًا .
قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ بْنُ
الصَّامِتِ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَشَكَا إلَيْهِ الْوَحْشَةَ فَقَالَ اتَّخِذْ زَوْجًا مِنْ
حَمَامٍ } .
وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِ اتِّخَاذَ الْحَمَامِ
لِتَبْلِيغِ الْأَخْبَارِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ
اللَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ، وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ بِشَرْطِ
أَنْ لَا يَطِيرَ فَيَأْكُلَ طَعَامَ النَّاسِ وَيَتَعَدَّى الضَّرَرُ
إلَى النَّاسِ ، وَأَبَاحُوا أَيْضًا اتِّخَاذَهَا لِاسْتِفْرَاخِهَا
بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ، وَرِوَايَةُ مُهَنَّا السَّابِقَةُ تَدُلُّ
عَلَى كَرَاهَةِ اتِّخَاذِ الْحَمَامِ مُطْلَقًا لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهِ ،
وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِاِتِّخَاذِ الْحَمَامِ الْقِمَارَ ، أَوْ أَنْ
يَصِيدَ بِهِ حَمَامَ غَيْرِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ حَرُمَ وَتَقَدَّمَ فَمَا
يَنْبَغِي عِنْدَ الصَّبَاحِ ، وَالْمَسَاءِ كَلَامُهُ فِي الْمُغْنِي
فِيهِ ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً لَا
تَأْكُلُ زُرُوعَ
النَّاسِ فَقَدْ كَرِهَهُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاحْتَجَّ بِالْأَمْرِ
بِقَتْلِهِ وَرِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَنَّهُ لَا
بَأْسَ بِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَنَقَلَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ
دَاوُد أَنَّهُ قِيلَ : لَهُ الرَّجُلُ يَدْخُلُ بَيْتَهُ حَمَامُ
غَيْرِهِ فَيُفْرِخُ يَأْكُلُ مِنْ فِرَاخِهِ قَالَ : لَا يُعْجِبُنِي
هَذَا طَيْرُ جَارِهِ .
فَصْلٌ ( اتِّخَاذُ الْأَطْيَارِ فِي الْأَقْفَاصِ لِلتَّسَلِّي بِأَصْوَاتِهَا ) .
فَأَمَّا
حَبْسُ الْمُتَرَنِّمَاتِ مِنْ الْأَطْيَارِ كَالْقَمَارِيِّ ،
وَالْبَلَابِلِ لِتَرَنُّمِهَا فِي الْأَقْفَاصِ فَقَدْ كَرِهَهُ
أَصْحَابُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاجَاتِ لَكِنَّهُ مِنْ الْبَطَرِ
، وَالْأَشَرِ وَرَقِيقِ الْعَيْشِ وَحَبْسُهَا تَعْذِيبٌ فَيُحْتَمَلُ
أَنْ تُرَدَّ الشَّهَادَةُ بِاسْتِدَامَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا
تُرَدَّ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ
آخَرَ وَقَدْ مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْحَابُنَا وَسَمَّوْهُ سَفَهًا .
فَصْلٌ ( فِي جَوَازِ اتِّخَاذِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ ) .
يَجُوزُ
اقْتِنَاءُ كَلْبٍ لِصَيْدٍ يَعِيشُ بِهِ ، أَوْ حِفْظِ مَاشِيَةٍ يَرُوحُ
مَعَهَا إلَى الْمَرْعَى وَيَتْبَعُهَا ، أَوْ لِحِفْظِ زَرْعٍ وَلَا
يَجُوزُ اتِّخَاذُهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ ،
أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ }
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقِيلَ : يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ لِحِفْظِ الْبُيُوتِ
وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ :
وَلِبُسْتَانٍ .
فَإِنْ اقْتَنَى كَلْبَ الصَّيْدِ مَنْ لَا يَصِيدُ
بِهِ اُحْتُمِلَ الْجَوَازُ ، وَالْمَنْعُ ، وَهَكَذَا الِاحْتِمَالَانِ
فِيمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لِيَحْفَظَ لَهُ حَرْثًا ، أَوْ مَاشِيَةً إنْ
حَصَلَتْ ، أَوْ يَصِيدَ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَى الصَّيْدِ وَيَجُوزُ
تَرْبِيَةُ الْجَرْوِ الصَّغِيرِ لِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ فِي أَقْوَى
الْوَجْهَيْنِ ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ لَا
يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ اقْتِنَاءُ جَرْوٍ صَغِيرٍ حَيْثُ يُقْتَنَى
الْكَبِيرُ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يُبَاحُ أَوْ يُسْتَحَبُّ قَتْلُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالْحَشَرَاتِ الضَّارَّةِ ) .
وَيُبَاحُ
قَتْلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ، وَالْوَزَغِ
كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
حَقِيقَةَ الْإِبَاحَةِ ، وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِحْبَابِ أَوْلَى
وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ،
وَكَذَا قَالَ فِي كُلِّ مَا فِيهِ أَذًى وَكَذَا فِي الْفُصُولِ
وَغَيْرِهِ قَالَتْ : عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَمَرَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي
الْحِلِّ ، وَالْحَرَمِ : الْغُرَابِ ، وَالْحِدَأَةِ ، وَالْعَقْرَبِ ،
وَالْفَأْرَةِ ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ ، } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَا
جُنَاحَ عَلَى قَتْلِهِنَّ فِي الْحَرَمِ ، وَالْإِحْرَامِ } .
وَرَوَى
عَنْهُ أَيْضًا عَنْ إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْمُرُ
بِقَتْلِهِنَّ وَفِيهِ ، وَالْحَيَّةِ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ
حَدِيثِ أُمِّ شَرِيكٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ } وَفِيهِمَا ، أَوْ فِي مُسْلِمٍ
وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ
كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةَ دُونَ ذَلِكَ ، وَفِي
الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ } .
وَعَبَّرَ بِالِاسْتِحْبَابِ جَمَاعَةٌ
مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْأَحَادِيثِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ إبَاحَةِ
قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذَكَرَهُ
الْأَصْحَابُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَصَرَّحَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ
وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَا مُعَلَّمَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَأَمَّا
قَتْلُ مَا لَا يُبَاحُ إمْسَاكُهُ مِنْ الْكِلَابِ فَإِنْ كَانَ أَسْوَدَ
بَهِيمًا ، أَوْ عَقُورًا أُبِيحَ قَتْلُهُ وَإِنْ كَانَا مُعَلَّمَيْنِ
قَالَ وَعَلَى قِيَاسِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ كُلُّ مَا أَذَى النَّاسَ
وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يُبَاحُ قَتْلُهُ .
وَقَالَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ سَعِيدٍ فِي الْكَلْبِ
سِتُّ خِصَالٍ : ثَمَنُهُ وَسُؤْرُهُ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَتَقْطَعُ الصَّلَاةَ ، وَيُقْتَلُ
الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ الْبَهِيمُ وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِ مَاشِيَةٍ فَلَا
بَأْسَ بِقَتْلِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ
صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ
بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اقْتِنَاءَهُ مُحَرَّمٌ وَذَلِكَ لِلْأَمْرِ
بِقَتْلِهِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهِ لِلْوُجُوبِ
وَإِلَّا لَمَا لَزِمَ مِنْهُ تَحْرِيمُ الِاقْتِنَاءِ .
وَقَدْ
صَرَّحَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ وَحْدَهُ فِيمَا وَجَدْت فِي بَحْثِ
الْمَسْأَلَةِ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ
الْأَمْرُ بِالْقَتْلِ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ إمْسَاكِهِ وَتَعْلِيمِهِ
، وَالِاصْطِيَادِ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَلَى مُقْتَضَى هَذَا
إلْحَاقُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ
أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَكَّدَ قَتْلَهُ فَأَبَاحَهُ فِي الْحَرَمِ
وَعَلَى قِيَاسِ وُجُوبِ قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا نَصَّ الشَّارِع
عَلَى قَتْلِهِ فِي الْحَرَمِ وَكَذَا مَا كَانَ فِيهِ أَذًى وَمَضَرَّةٌ .
قَالَ
فِي الْغُنْيَةِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ قَوْلًا
وَاحِدًا ، وَيَجِبُ قَتْلُهُ لِيُدْفَعَ شَرُّهُ عَنْ النَّاسِ وَقَالَ
الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ
الْبَهِيمُ يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرَ الْكِلَابِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ :
( أَحَدُهَا ) قَطْعُ الصَّلَاةِ بِمُرُورِهِ .
( وَالثَّانِي ) تَحْرِيمُ صَيْدِهِ وَاقْتِنَائِهِ .
( وَالثَّالِثُ ) جَوَازُ قَتْلِهِ .
وَالْبَهِيمُ
هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ سَوَادَهُ شَيْءٌ مِنْ الْبَيَاضِ فِي إحْدَى
الرِّوَايَتَيْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَلَيْسَ
بِبَهِيمٍ وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَهَذَا قَوْلُ
ثَعْلَبٍ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَنَّهُ بَهِيمٌ وَإِنْ كَانَ
بَيْنَ عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ
صَحِيحٌ
لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ
فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ } ، وَالطُّفْيَةُ خُوصُ الْمُقْلِ شَبَّهَ
الْخَطَّيْنِ الْأَبْيَضَيْنِ مِنْهُ بِالْخُوصَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ
الْبَيَاضُ مِنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَضْعِ فَلَيْسَ بِبَهِيمٍ
رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ اللُّغَوِيِّ
وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِخِلَافِهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ خَمْرٌ ، أَوْ
خَنَازِيرُ يُصَبُّ الْخَمْرُ وَتُسَرَّحُ الْخَنَازِيرُ قَدْ حَرُمَا
عَلَيْهِ وَإِنْ قَتَلَهَا فَلَا بَأْسَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ
قَتْلُهَا وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي
تَسْرِيحِهِنَّ ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ فَإِنْ كَانَ
وَجَبَ قَتْلُهَا .
فَصْلٌ ( كَرَاهَةُ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ لِلَّهْوِ وَإِتْيَانِ أَبْوَابِ السَّلَاطِينِ ) .
وَيُكْرَهُ
اقْتِنَاءُ كَلْبِ صَيْدٍ لَهْوًا وَلَعِبًا ، وَيُبَاحُ لِغَيْرِ لَهْوٍ
وَلَعِبٍ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَحَبٌّ ،
وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ إبَاحَةَ اقْتِنَاءِ كَلْبِ الصَّيْدِ ،
وَالِاصْطِيَادَ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ .
وَرَوَى ، التِّرْمِذِيُّ
ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ
ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا ، وَمَنْ
اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ ، وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السَّلَاطِينِ
اُفْتُتِنَ } وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ
وَأَبُو مُوسَى هُوَ إسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ
الْبُخَارِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ .
وَفِي
الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ أَبِي دَاوُد قَالَ سُفْيَانُ
مَرَّةً لَا أَعْلَمُهُ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ
حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ النَّخَعِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ
عَنْ شَيْخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ { : مَنْ لَزِمَ
السُّلْطَانَ اُفْتُتِنَ وَزَادَ وَمَا ازْدَادَ عَبْدٌ مِنْ السُّلْطَانِ
دُنُوًّا إلَّا زَادَ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بُعْدًا } .
وَيُكْرَهُ
اقْتِنَاءُ الْقِرْدِ لَهْوًا وَلَعِبًا ، وَفِي إبَاحَتِهِ فِي غَيْرِ
لَهْوٍ وَلَعِبٍ لِلْحِفْظِ وَجْهَانِ ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِ غَيْرِ
وَاحِدٍ ، وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ بَيْعُ الْقِرْدِ بِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ يُبَاعُ لِلتَّلَهِّي
بِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ مَحْظُورَةٌ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْخَمْرِ .
فَصْلٌ ( فِيمَا يُقَالُ لِحَيَّاتِ الْبُيُوتِ قَبْلَ قَتْلِهَا ) .
يُسَنُّ
أَنْ يُقَالَ لِلْحَيَّةِ الَّتِي فِي الْبُيُوتُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَفْظُهُ فِي الْفُصُولِ ثَلَاثًا وَلَفْظُهُ
فِي الْمُجَرَّدِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اذْهَبْ بِسَلَامٍ لَا تُؤْذُونَا
فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا قَتَلَهُ إنْ شَاءَ ، وَإِنْ رَآهُ ذَاهِبًا
كُرِهَ قَتْلُهُ وَقِيلَ : لَا يُكْرَهُ .
وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ الْإِيذَانُ فِي حَقِّ غَيْرِ ذِي
الطُّفْيَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي بِظَهْرِهِ خَطٌّ أَسْوَدُ ،
وَالْأَبْتَرُ وَهُوَ الْغَلِيظُ الذَّنَبِ كَأَنَّهُ قَدْ قُطِعَ
ذَنَبُهُ فَإِنَّهُمَا يُقْتَلَانِ مِنْ غَيْر إيذَانٍ .
وَإِنْ كَانَ
غَيْرُ ذَلِكَ مِثْلَ هَذَا الدَّقِيقِ الذَّنَبِ فَهُوَ حَيَّاتُ
الْبُيُوتِ يُؤْذِنُهُ ثَلَاثًا يَقُولُ : لَا تُؤْذُونَا اذْهَبْ
بِسَلَامٍ .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي الرِّعَايَةِ .
وَقَالَ
الْمَيْمُونِيُّ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَتْلِ دَوَابِّ
الْبُيُوتِ قَالَ لَا يُقْتَلُ مِنْهُنَّ إلَّا ذُو الطُّفْيَتَيْنِ ،
وَالْأَبْتَرُ وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ خَطَّيْنِ فِي ظَهْرِهِ ، ثُمَّ
ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي لُبَابَةَ قِيلَ : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَمَا
تَقْتُلُ مِنْ الْحَيَّاتِ قَالَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ دَوَابِّ الْبُيُوتِ إلَّا ذِي
الطُّفْيَتَيْنِ ، وَالْأَبْتَرَ فَقُلْنَا لَهُ إنَّهُ رُبَّمَا كَانَ
فِي الْبُيُوتِ مِنْهُنَّ شَيْءٌ الْهَائِلُ مِنْهُنَّ غِلَظًا وَطُولًا
حَتَّى يُفْزِعْنَ فَقَالَ إذَا كَانَ هَذَا فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ
فِي قَتْلِهِ أَيُّ حَرَجٍ } قَالَ فَكَانَ الْأَمْرُ عِنْدَهُ فِيهِ
سُهُولَةٌ إذَا كُنَّ يُخِفْنَ .
وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ سُئِلَ أَبُو
عَبْدِ اللَّه عَنْ الْحَيَّةِ تَظْهَرُ قَالَ تُؤْذَنُ ثَلَاثَةً قُلْت
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، أَوْ ثَلَاثَ مِرَارٍ قَالَ ثَلَاثٌ مِرَارًا إلَّا
أَنْ يَكُونَ ذُو الطُّفْيَتَيْنِ وَهِيَ الَّتِي عَلَيْهَا خَطَّانِ ،
وَالْأَبْتَرُ هُوَ الَّذِي كَانَ مَقْطُوعَ الذَّنَبِ يُقْتَلُ وَلَا
يُؤْذَنُ .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ وَكُنْت أَحْفِرُ بِئْرًا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَخَرَجَتْ حَيَّةٌ حَمْرَاءُ
فَقُلْت يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَقْتُلُهَا ؟ فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لِي لَا تَعْرِضْ لَهَا دَعْهَا .
وَجَوَابُ
أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالنَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ
عِنْدَهُ الْقَتْلُ قَبْلَ الْإِيذَانِ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ النَّهْي
عِنْدَهُ ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حَيَّاتُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ
الْإِنْذَارِ لِلْأَخْبَارِ وَيُسْتَحَبُّ قَتْلُ حَيَّاتِ غَيْرِهَا ،
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْتَلَ الْحَيَّةُ
الْبَيْضَاءُ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيَّ لَا بَأْسَ
بِقَتْلِ الْكُلِّ ، وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَنْهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَّاتِ
الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إلَّا الْأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ
فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتَتَبَّعَانِ مَا فِي
بُطُونِ النِّسَاءِ .
} الطُّفْيَتَانِ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَإِسْكَانِ الْفَاءِ الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ
، وَأَصْلُ الطُّفْيَةِ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَجَمْعُهَا طُفًى .
شَبَّهَ
الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهَا بِخُوصَتَيْ الْمُقْلِ ، وَالْمَعْنَى
يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْمِسَانِهِ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِمَا إلَيْهِ
لِخَاصَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي بَصَرِهِمَا إذَا وَقَعَ عَلَى بَصَرِ
الْإِنْسَانِ .
وَقِيلَ : يَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ ،
وَالنَّهْشِ ، وَفِي الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظِرَ إذَا وَقَعَ
نَظَرُهُ عَلَى عَيْنِ إنْسَانٍ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ .
وَعَنْ أَبِي
سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { إنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّارًا فَحَرِّجُوا
عَلَيْهِنَّ ثَلَاثًا فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ
فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ ، وَفِي
لَفْظٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، وَفِي لَفْظٍ لَهُ " فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ
كَافِرٌ " فِي لَفْظٍ لَهُ " فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ " وَلِأَبِي دَاوُد "
ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْضًا " وَرَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادَيْنِ
جَيِّدَيْنِ " ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ .
وَرُوِيَ
أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ حَيَّاتِ
الْبُيُوتِ فَقَالَ إذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُنَّ شَيْئًا فِي مَسَاكِنِكُمْ
فَقُولُوا أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ نُوحٌ ،
أَنْشُدُكُنَّ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُنَّ سُلَيْمَانُ أَلَّا
تُؤْذُونَنَا ، فَإِنْ عُدْنَ فَاقْتُلُوهُنَّ } .
ابْنُ أَبِي لَيْلَى
مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ،
وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ
ثَابِتٍ إلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى .
وَالْعُمَّارُ
الْحَيَّاتُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ وَكَذَا الْعَوَامِرُ جَمْعُ
عَامِرٍ وَعَامِرَةٍ قِيلَ : سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِطُولِ أَعْمَارِهَا
وَاَلَّتِي فِي الصَّحْرَاءِ يَجُوزُ قَتْلُهَا بِدُونِ إنْذَارِهَا .
وَعَنْ
ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَكَأَنَّمَا قَتَلَ
رَجُلًا مُشْرِكًا وَمَنْ تَرَكَ حَيَّةً مَخَافَةَ عَاقِبَتِهَا فَلَيْسَ
مِنَّا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ الْمَعْنَى
الْآخَرُ مِنْ حَدِيثِهِ .
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ
عَبَّاسٍ ، رُوِيَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ
نُمَيْرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ سَالِمٍ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَرْفَعُ
الْحَدِيثَ فِيمَا أَرَى إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ ، كُلُّهُمْ
ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ لَا أَعْلَمُهُ إلَّا
رَفَعَ الْحَدِيثَ قَالَ { كَانَ يَأْمُرُنَا بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ
وَيَقُولُ : مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ ، أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ فَلَيْسَ
مِنَّا } .
قَالَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ الْحَيَّاتِ مَسْخُ
الْجِنِّ كَمَا مُسِخَتْ الْقِرَدَةُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَرَوَاهُ
الطَّبَرَانِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
وَفِي
رِوَايَةٍ رَفَعَ الْحَدِيثَ { أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ
الْحَيَّاتِ وَقَالَ مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ ، أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ
} " وَبَاقِيهِ مِثْلُهُ " .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ ثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ
الشَّامِيُّ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنْ خَالِدٍ
الْحَذَّاءِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْحَيَّاتُ مَسْخُ الْجِنِّ كَمَا
مُسِخَتْ الْقِرَدَةُ ، وَالْخَنَازِيرُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ }
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
الْمُخْتَارِ وَرَوَاهُ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ
وَالطَّبَرَانِيِّ .
فَصْلٌ ( أَحْكَامُ قَتْلِ الْحَشَرَاتِ وَإِحْرَاقِهَا وَتَعْذِيبِهَا ) .
وَيُكْرَهُ
قَتْلُ النَّمْلِ إلَّا مِنْ أَذِيَّةٍ شَدِيدَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ
قَتْلُهُنَّ وَقَتْلُ الْقُمَّلِ بِغَيْرِ النَّارِ وَيُكْرَهُ
قَتْلُهُمَا بِالنَّارِ وَيُكْرَهُ قَتْلُ الضَّفَادِعِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ .
وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا
يَجُوزُ سَقْيُ حَيَوَانٍ مُؤْذٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ
قَتْلُ مَا لَا يَضُرُّ مِنْ نَمْلٍ وَنَحْلٍ وَهُدْهُدٍ وَصُرَدٍ
وَيَجُوزُ تَدْخِينُ الزَّنَابِيرِ وَتَشْمِيسُ الْقَزِّ ، وَلَا يُقْتَلُ
بِنَارٍ نَمْلٌ وَلَا قُمَّلٌ وَلَا بُرْغُوثٌ وَلَا غَيْرُهَا وَلَا
يُقْتَلُ ضُفْدَعٌ بِحَالٍ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ وَمَالَ صَاحِبُ
النَّظْمِ إلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ إحْرَاقُ كُلِّ ذِي رُوحٍ بِالنَّارِ
وَأَنَّهُ يَجُوزُ إحْرَاقُ مَا يُؤْذِي بِلَا كَرَاهَةٍ إذَا لَمْ يَزُلْ
ضَرَرُهُ دُونَ مَشَقَّةٍ غَالِبَةٍ إلَّا بِالنَّارِ وَقَالَ إنَّهُ
سُئِلَ عَمَّا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ صَاحِبُ
الشَّرْحِ فَقَالَ مَا هُوَ بَعِيدٌ .
وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الشَّرْحِ
بِالْخَبَرِ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ ، أَوْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ {
أَنَّ نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَزَلَ عَلَى قَرْيَةِ نَمْلٍ
فَآذَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَحْرَقَ الْقَرْيَةَ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى
إلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً } وَيُجَابُ مِنْ أَوْجُهٍ : (
أَحَدُهَا ) : أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّوْبِيخِ لَا لِلْإِبَاحَةِ
بِدَلِيلِ إبْهَامِ النَّمْلَةِ الْمُؤْذِيَةِ وَهُوَ مَانِعٌ بِدَلِيلِ
إبْهَامِ حَرْبِيٍّ مُسْتَأْمَنٍ فِي جَمَاعَةٍ يَحْرُمُ قَتْلُ الْكُلِّ .
( الثَّانِي ) : أَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَقَدْ وَرَدَ شَرْعُنَا بِخِلَافِهِ .
( الثَّالِثُ ) : أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ .
(
الرَّابِعُ ) : أَنَّهُ إنْ جُعِلَ دَلِيلًا لِلْجَوَازِ دَلَّ عَلَيْهِ
وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مَشَقَّةٌ غَالِبَةٌ فَاعْتِبَارُهَا يُخَالِفُ
الْخَبَرَ .
وَاحْتَجَّ صَاحِبُ النَّظْمِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى
جَوَازِ شَيِّ الْجَرَادِ ، وَالسَّمَكِ كَذَا قَالَ ، وَالْخِلَافُ
عِنْدَنَا مَعَ
التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ فِي السَّمَكِ ،
وَالْجَرَادِ قَالَ وَقَدْ جَوَّزَ الْأَصْحَابُ إحْرَاقَ نَخْلِ
الْكُفَّارِ إذَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ فِي بِلَادِنَا لِيَنْتَهُوا
فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرَرِ غَيْرِهِ الْمُتَوَقَّعِ
فَجَوَازُهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ الْوَاقِعِ أَوْلَى كَذَا قَالَ
فَانْتَقَلَ مِنْ نَخْلِ الْكُفَّارِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ إلَى
الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ قَالَ وَأَجَازُوا أَيْضًا
تَدْخِينَ الزَّنَابِيرِ وَتَشْمِيسَ الْقَزِّ وَيُجَاب بِأَنَّ هَذَا
لَيْسَ تَحْرِيقًا بِالنَّارِ إنَّمَا هُوَ تَعْذِيبٌ بِغَيْرِهَا
وَلِهَذَا فَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ التَّدْخِينِ ، وَالتَّحْرِيقِ عَلَى
مَا يَأْتِي وَفِي تَرْكِ التَّشْمِيسِ إفْسَادٌ لِلْمَالِ فَاحْتُمِلَ
بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا .
وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي
مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ أَنَّ قَتْلَ النَّمْلِ ، وَالنَّحْلِ ،
وَالضُّفْدَعِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجَّ
جَمَاعَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا وَأَكْلِ الْهُدْهُدِ ، وَالصُّرَدِ
بِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا .
وَقَالَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَأَمَّا النَّمْلُ
وَكُلُّ مَا لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ كَالْخَنَافِسِ ، وَالْجُعْلَانِ
، وَالدِّيدَانِ ، وَالذُّبَابِ ، وَالنَّمْلِ غَيْرِ الَّتِي تَلْسَعُ
فَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا آذَتْهُ يَعْنِي هَذِهِ
الْأَشْيَاءَ قَتَلَهَا وَيُكْرَهُ قَتْلُهَا مِنْ غَيْرِ أَذِيَّةٍ
فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي آخِرِ
الْفُصُولِ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُ النَّمْلِ وَلَا تَخْرِيبُ أَجْحُرِهِنَّ
وَلَا قَصْدُهُنَّ بِمَا يَضُرُّهُنَّ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُ الضُّفْدَعِ .
وَعَنْ
إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ إذَا آذَاكَ النَّمْلُ فَاقْتُلْهُ
وَرَأَى أَبُو الْعَتَاهِيَةِ نَمْلًا عَلَى بِسَاطٍ فَقَتَلَهُنَّ .
وَعَنْ
طَاوُسٍ قَالَ إنَّا لَنُغْرِقُ النَّمْلَ بِالْمَاءِ يَعْنِي إذَا
آذَتْنَا رَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَسُئِلَ
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ بُيُوتِ النَّمْلِ
بِالنَّارِ ؟ فَقَالَ يُدْفَعُ ضَرَرُهُ
بِغَيْرِ التَّحْرِيقِ
وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي فِي مَسْأَلَةِ قَتْلِ الْكَلْبِ أَنَّ مَا لَا
مَضَرَّةَ فِيهِ لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِالنَّهْيِ عَنْ
قَتْلِ الْكِلَابِ فَدَلَّ كَلَامُهُ هَذَا عَلَى التَّسْوِيَةِ ،
وَأَنَّهُ إنْ أُبِيحَ قَتْلُ مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ
الْكِلَابِ أُبِيحَ قَتْلُ الْكِلَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ
وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ تَخْصِيصُ جَوَازِ قَتْلِ
الْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَحْ
قَتْلُ مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ
خَصَّهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَإِلَّا فَلَا يُتَّجَهُ جَوَازُ قَتْلِ
مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ غَيْرُ الْكِلَابِ وَمُنِعَ قَتْلُ الْكِلَابِ
وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ
بِالْكِلَابِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي اقْتِنَائِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ
وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيُحْمَلُ نَهْيُ الشَّارِعِ عَنْ قَتْلِ
الْكِلَابِ عَلَى الْكَرَاهَةِ تَخْصِيصًا لَهُ بِرَأْيِ عُثْمَانَ
وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَأَى قَتْلَهُنَّ وَلِأَنَّ مُقْتَضَاهُ الْكَرَاهَةُ
وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا النَّهْيِ أَخَصُّ
فَإِنَّهُ نَهْيٌ بَعْدَ وُجُوبٍ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ
فِيهِ هَلْ هُوَ لِلتَّحْرِيمِ ، أَوْ لِلْكَرَاهَةِ أَوْ لِإِبَاحَةِ
التَّرْكِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَعَلَى قَوْلِنَا يُمْنَعُ قَتْلُهَا
أَنَّهَا إذَا آذَتْ بِكَثْرَةِ نَجَاسَتِهَا وَأَكْلِهَا مَا غَفَلَ
عَنْهُ النَّاسُ جَازَ قَتْلُهَا عَلَى مَا يَأْتِي نَصَّ أَحْمَدُ فِي
النَّمْلِ يَقْتُلهُ إذَا آذَاهُ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ نَهَى عَنْ
قَتْلِهَا فَمَا جَازَ فِي أَحَدِهِمَا جَازَ فِي الْآخَرِ بَلْ النَّهْيُ
عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ وَنَحْوِهِ آكَدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ
أَمْرٌ بِقَتْلِهِ وَلَمْ يُرَ صَحَابِيٌّ قَتَلَهُ كَمَا فِي الْكِلَابِ
وَهَذَا أَيْضًا دَالٌّ وَلَا بُدَّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْرُمْ
قَتْلُ النَّمْلِ وَنَحْوِهِ بَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ
الْكِلَابِ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى فَقَدْ ظَهَرَ ، وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَسَيَأْتِي
كَلَامُ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْمُغْنِي ، وَالْكَلَامُ فِي
قَتْلِ الْهِرِّ وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الْإِبَاحَةَ فَصَارَتْ
الْأَقْوَالُ فِي قَتْلِ مَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ ثَلَاثَةً :
الْإِبَاحَةُ ، وَالْكَرَاهَةُ ، وَالتَّحْرِيمُ .
قَالَ عَلِيُّ بْنُ
سَعِيدٍ سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ تَشْمِيسِ الْقَزِّ يَمُوتُ الدُّودُ
فِيهِ قَالَ وَلِمَ يُفْعَلُ ذَلِكَ قُلْتُ يَجِفُّ الْقَزَّ وَإِنْ
تَرَكَهُ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ كَثِيرٌ قَالَ إذَا لَمْ يَجِدُوا
مِنْهُ بُدًّا وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبُوا بِالشَّمْسِ
فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ
يُدَخِّنُ الزَّنَابِيرَ ؟ قَالَ إذَا خَشِيَ أَذَاهُمْ فَلَا بَأْسَ هُوَ
أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ تَحْرِيقِهِ ، وَالنَّمْلُ إذَا آذَاهُ يَقْتُلُهُ
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ .
وَقَالَ
الْخَلَّالُ أَخْبَرْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
حَدَّثَنِي أَبِي ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ثَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَوَّازُ حَدَّثَتْنِي حَبِيبَةُ مَوْلَاةُ
الْأَحْنَفِ أَنَّهَا رَأَتْ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَرَآهَا تَقْتُلُ قَمْلَةً فَقَالَ لَا تَقْتُلِيهَا ، ثُمَّ دَعَا
بِكُرْسِيٍّ فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
فَقَالَ إنِّي أُحَرِّجُ عَلَيْكُنَّ إلَّا خَرَجْتُنَّ مِنْ دَارِي
فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلْنَ فِي دَارِي قَالَ فَخَرَجْنَ فَمَا
رُئِيَ مِنْهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاحِدَةٌ .
قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ رَأَيْت أَبِي فَعَلَ ذَلِكَ خَرَجَ عَلَى
النَّمْلِ ، وَأَكْبَرُ عِلْمِي أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيٍّ كَانَ
يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِوُضُوءِ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ رَأَيْت النَّمْلَ قَدْ
خَرَجْنَ بَعْد ذَلِكَ نَمْلٌ كِبَارٌ سُودٌ فَلَمْ أَرَهُنَّ بَعْدَ
ذَلِكَ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { :
نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ
أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ ، وَالنَّحْلَةِ ، وَالْهُدْهُدِ ،
وَالصُّرَدِ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَهُ غَيْرَ طَرِيقٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ
وَأَبُو دَاوُد
وَابْنُ مَاجَهْ { وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ } إسْنَادُهُ حَسَنٌ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ
مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ بِتَحْرِيمِ تَعْذِيبِ كُلِّ حَيَوَانٍ
بِالنَّارِ حَتَّى الْقَمْلَةِ وَنَحْوِهَا .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ } .
وَرَوَى
أَبُو دَاوُد ثَنَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى ثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ
سَعْدٍ وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا
حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتْ
الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ؟ رُدُّوا
وَلَدَهَا إلَيْهَا وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ
مَنْ حَرَقَ هَذِهِ ؟ قُلْنَا نَحْنُ فَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ
يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ } إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ عَنْ الْأَكْثَرِ .
فَأَمَّا مَا
فِيهِ مَنْفَعَةٌ مِنْ وَجْهٍ وَمَضَرَّةٌ مِنْ وَجْهٍ كَالْبَازِي ،
وَالصَّقْرِ ، وَالشَّاهِينِ ، وَالْبَاشِقِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي
قَتْلِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَكَذَا فِي الْفُصُولِ
لَمَّا اسْتَوَتْ حَالَتَاهُ اسْتَوَى الْحَالُ فِي قَتْلِهِ وَتَرْكِهِ
فَمَضَرَّتُهُ فِي اصْطِيَادِهِ لِطُيُورِ النَّاسِ ، وَمَنْفَعَتُهُ
كَوْنُهُ يَصْطَادُ لِلنَّاسِ قَالَ وَكَذَا الْفَهْدُ وَكُلُّ كَلْبٍ
مُعَلَّمٍ لِلصَّيْدِ .
وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي أَنَّ الْكَلْبَ
الْمُعَلَّمَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ
يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ فَحَرُمَ إتْلَافُهُ كَالشَّاةِ قَالَ لَا نَعْلَمُ
فِيهِ خِلَافًا .
وَقَالَ أَيْضًا إنَّمَا حَرُمَ إتْلَافُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْإِضْرَارِ
وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُ
الْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّمًا
وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُ الْبَازِي وَنَحْوِهِ
كَالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَأَوْلَى وَقَدْ يُقَالُ : بِكَرَاهَةِ
الْقَتْلِ فَتَصِيرُ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةً وَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ
بِخَبَرِ إلَّا إذَا مُلِكَتْ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إلَّا إذَا عَدَتْ عَلَى
مَعْصُومِ آدَمِيٍّ أَوْ مَالٍ .
وَيَحْرُمُ قَتْلُ الْهِرِّ وَجَزَمَ
بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ ، وَإِنْ مُلِكَتْ حَرُمَ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ
صَاحِبُ النَّظْمِ ، وَإِنْ كُرِهَ فَقَطْ فَقَتْلُ الْكَلْبِ أَوْلَى .
وَيَجُوزُ
قَتْلُهَا بِأَكْلِهَا لَحْمًا ، أَوْ غَيْرَهُ نَحْوَهُ قَالَ صَاحِبُ
النَّظْمِ بِلَا كَرَاهَةٍ ، وَفِي الْفُصُولِ حِينَ أَكْلِهِ لِأَنَّهُ
لَا يَرْدَعُهُ إلَّا الدَّفْعُ فِي حَالِ صِيَالِهِ ، وَالْقَتْلُ شُرِعَ
فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَإِنْ فَارَقَ الْفِعْلَ لِيَرْتَدِعَ الْجِنْسُ .
وَفِي التَّرْغِيبِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِهِ كَصَائِلٍ .
وَقَالَ
صَاحِبُ النَّظْمِ وَكَذَا لَوْ كَانَ يَبُولُ عَلَى الْأَمْتِعَةِ أَوْ
يَكْسِرُ الْآنِيَةَ وَيَخْطَفُ الْأَشْيَاءَ غَالِبًا إلَّا قَلِيلًا
لِمَضَرَّتِهِ ، وَمَنْ تَعَدَّى بِقَتْلِهَا فَضَمَانُهَا يُخَرَّجُ
عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ وَيَضْمَنُ صَاحِبُهَا
مَا أَتْلَفَهُ إنْ لَمْ يَحْفَظْهَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفُصُولِ زَادَ
فِي الرِّعَايَةِ فِي الْأَقْيَسِ قَالَ جَمَاعَةٌ بِأَكْلِهَا فِرَاخًا
عَادَةً قَالَ جَمَاعَةٌ مَعَ عِلْمِهِ .
فَصْلٌ ( كَرَاهَةُ إطَالَةِ وُقُوفِ الْبَهَائِمِ الْمَرْكُوبَةِ وَالْمُحَمَّلَةِ فَوْقَ الْحَاجَةِ وَآدَابٌ أُخْرَى ) .
يُكْرَهُ
أَنْ يُطَالَ وُقُوفُ الْبَهِيمَةِ الْمَرْكُوبَةِ ، وَالْمُحَمَّلَةِ ،
وَالْحَدِيثُ عَلَيْهَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقِيلَ : وَالْخَطَابَةُ
، وَالْوَعْظُ كَذَا قَالَ وَهُوَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَالْمُرَاد إذَا
طَالَ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فَلَا يَرِدُ كَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ
لِمَصْلَحَةٍ لَا تَحْصُلُ مَعَ النُّزُولِ بِفَوْتِ وَقْتِهَا فَيَجُوزُ
مِثْلُ هَذَا وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ
وَهُمْ وُقُوفٌ عَلَى دَوَابَّ لَهُمْ وَرَوَاحِلَ فَقَالَ لَهُمْ
ارْكَبُوهَا سَالِمَةً وَدَعُوهَا سَالِمَةً وَلَا تَتَّخِذُوهَا
كَرَاسِيَّ لَأَحَادِيثِكُمْ فِي الطُّرُقِ ، ، وَالْأَسْوَاقِ فَرُبَّ
مَرْكُوبَةٍ خَيْرٌ مِنْ رَاكِبِهَا وَأَكْثَرُ ذِكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى
مِنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {
إيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إلَى بَلَدٍ
لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ، وَجَعَلَ لَكُمْ
الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَوَائِجَكُمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ
كُنَّا إذَا نَزَلْنَا مَنْزِلًا لَا نُسَبِّحُ حَتَّى نَحُطَّ الرِّحَالَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ لَا نُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَالَ
وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَطْعَمَ الرَّاكِبُ
إذَا نَزَلَ الْمَنْزِلَ حَتَّى يَعْلِفَ الدَّابَّةَ .
وَأَنْشَدَ
بَعْضُهُمْ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى حَقُّ الْمَطِيَّةِ أَنْ
تَبْدَا بِحَاجَتِهَا لَا أُطْعِمُ الضَّيْفَ حَتَّى أَعْلِفَ الْفَرَسَا .
وَيُكْرَهُ
النَّوْمُ بَيْنَ الْمُسْتَيْقِظِينَ وَجُلُوسُ الْيَقِظَانِ بَيْنَ
النِّيَامِ وَمَدُّ الرِّجْلِ وَالتَّمَطِّي وَإِظْهَارُ التَّثَاؤُبِ
بَيْنَ النَّاسِ بِلَا حَاجَةٍ .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرْعَةَ
قَالَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَنْفُسِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ
، وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا شَبَّهَ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ الدُّبُرِ
بِخُرُوجِ النَّفَسِ مِنْ الْفَمِ ، وَعَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ
قَالَ : " دَخَلَ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بِمِنًى
وَهُمْ يَضْحَكُونَ فَقَالَتْ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ قَالُوا : فُلَانٌ
خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسْطَاطٍ فَكَادَتْ عُنُقَهُ ، أَوْ عَيْنُهُ أَنْ
تَذْهَبَ فَقَالَتْ : لَا تَضْحَكُوا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ
بِشَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً
وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ " .
وَالضَّحِكُ
مِنْ مِثْلِ هَذَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْهِيٌّ
عَنْهُ إنْ أَمْكَنَ تَرْكُهُ ، وَظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَهَذَا
الْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَمَحْوِ السَّيِّئَاتِ
بِالْمَصَائِبِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ
الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا
تُكَفِّرُ الْخَطَايَا فَقَطْ .
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : الْوَجَعُ لَا يُكْتَبُ بِهِ
أَجْرٌ لَكِنْ تُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا
تُكَفِّرُ الْخَطَايَا فَقَطْ .
فَصْلٌ ( فِي الطِّيَرَةِ وَالشُّؤْمِ وَالتَّطَيُّرِ وَالتَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ ) .
قَالَ
فِي الرِّعَايَةِ وَتُكْرَهُ الطِّيَرَةُ وَهُوَ التَّشَاؤُمُ دُونَ
التَّفَاؤُلِ وَهُوَ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ لِحَدِيثِ صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ وَغَيْرِهِ وَصَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا
طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الطَّيِّبَةُ }
وَصَحَّ عَنْهُ أَيْضًا { لَا طِيَرَةَ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ }
رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ ، وَفِي
الطِّيَرَةِ تَوَقُّعُ الْبَلَاءِ وَسُوءُ الظَّنِّ ، وَالْفَأْلُ رَجَاءُ
خَيْرٍ .
وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ إذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ
يَا رَاشِدُ يَا نَجِيحُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { الطِّيَرَةُ شِرْكٌ
وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو
دَاوُد ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَعِنْدَهُمْ " وَمَا مِنَّا إلَّا
" وَجَعَلَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَحْمَدَ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ { مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ
عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ قَالُوا : وَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ ؟
قَالَ : أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إلَّا خَيْرُك وَلَا طَيْرَ
إلَّا طَيْرُك ، وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ } وَعَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ { : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَوْمًا فَبَرِحَ بِي ظَبْيٌ فَمَالَ فِي شِقِّهِ
فَاحْتَضَنْتُهُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَطَيَّرْت قَالَ إنَّمَا
الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاك أَوْ رَدَّك } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَفِيهِ انْقِطَاعٌ .
قَوْلُهُ { بَرِحَ بِي أَيْ : طَارَ عَنْ
الْيَسَارِ ، وَالْبَارِحُ مَا جَرَى مِنْ الْيَسَارِ ، وَالسَّانِحُ مَا
جَرَى مِنْ الْيَمِينِ } .
{ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا رِجَالٌ
يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا
يَصُدُّهُمْ
} وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا يَصُدُّكُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ
الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نُفُوسِكُمْ ضَرُورَةً وَلَا
تَكْلِيفَ بِهِ لَكِنْ لَا تُمْنَعُوا بِسَبَبِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ
لِأَنَّهُ مُكْتَسَبٌ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ
الطِّيَرَةُ هِيَ التَّشَاؤُمُ بِالشَّيْءِ يُقَالُ تَطَيَّرَ طِيَرَةً
وَتَخَيَّرَ خِيرَةً وَلَمْ يَجِئْ مِنْ الْمَصَادِرِ هَكَذَا غَيْرُهُمَا
وَأَصْلُهُ فِيمَا يُقَالُ : التَّطَيُّرُ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ
وَكَانَ ذَلِكَ يَصُدُّهُمْ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ فَنَفَاهُ الشَّرْعُ
وَأَبْطَلَهُ وَنَهَى عَنْهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي
جَلْبِ نَفْعٍ وَلَا دَفْعِ ضَرَرٍ .
وَفِي الْمُسْنَدِ ،
وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { الشُّؤْمُ فِي الْمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ
، وَالدَّابَّةِ } زَادَ مُسْلِمٌ { ، وَالْخَادِمِ } وَرَوَوْا أَيْضًا {
إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ } فَيَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاخْتَارَ
جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ مِنْ النَّهْي عَنْ
الطِّيَرَةِ وَرَوَوْا أَيْضًا { لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَإِنَّمَا
الشُّؤْمُ } .
وَذَكَرُوهُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا {
لَا شُؤْمَ وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ فِي الدَّارِ ، وَالْمَرْأَةِ ،
وَالْفَرَسِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ
حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَفِيهِمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حَكِيمٍ
تَفَرَّدَ عَنْهُ يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ وَلِأَحْمَدَ مِنْ
حَدِيثِ سَعْدٍ { لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَإِنْ يَكُ فَفِي
الْمَرْأَةِ ، وَالْفَرَسِ ، وَالدَّارِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِيهِ {
إنْ تَكُنْ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ } فَذَكَرَهُ وَهُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْهُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { ثَلَاثَةٌ مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ
الصَّالِحَةُ ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ ،
وَثَلَاثَةٌ مِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ الْمَرْأَةُ السُّوءُ ،
وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ } .
وَرَوَى أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ ثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ
بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنَّهُ إذَا أَرَادَ
أَنْ يَأْتِيَ أَرْضًا سَأَلَ عَنْ اسْمِهَا فَإِنْ كَانَ حَسَنًا رُئِيَ
الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ
وَكَانَ إذَا بَعَثَ رَجُلًا سَأَلَ عَنْ اسْمِهِ فَإِنْ كَانَ حَسَنَ
الِاسْمِ رُئِيَ الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا رُئِيَ
ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ } وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مُسْلِمِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ وَفِيهِ فَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً وَذَكَرَ
مَعْنَاهُ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مُثَنَّى عَنْ مُعَاذِ
بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ { لَا تُدِيمُوا إلَى الْمَجْذُومِينَ النَّظَرَ } زَادَ
أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ { وَإِذَا كَلَّمْتُمُوهُمْ فَلْيَكُنْ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ قَدْرُ رُمْحٍ } .
وَذَكَرَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ أَنَّ الطِّيَرَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ
أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ،
وَالْأَوْلَى الْقَطْعُ بِتَحْرِيمِهَا ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ
بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ { لَا
عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ } فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَدِيثَ {
لَا يُورِدْ بِكَسْرِ الرَّاءِ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ } وَهُوَ فِي
الْمُسْنَدِ ، وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ لَيْسَ لِلْعَدْوَى بَلْ لِلتَّأَذِّي بِقُبْحِ صُورَةٍ
وَرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ .
وَالْأَوْلَى أَنَّ حَدِيثَ { لَا عَدْوَى
وَلَا طِيَرَةَ } نَفْيٌ لِاعْتِقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ
يُعْدِي بِطَبْعِهِ وَلَمْ يَنْفِ حُصُولَ الضَّرَرِ عِنْدَ ذَلِكَ
بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ ، فَيَكُون قَوْلُهُ { لَا يُورِدُ
مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ } إرْشَادًا مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى
الِاحْتِرَازِ ، وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَزَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْخَبَرَ الثَّانِيَ مَنْسُوخٌ
بِخَبَرِ " لَا عَدْوَى " وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ .
وَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ بُهْلُولٍ وَذَكَرْت
لِأَحْمَدَ
بْنِ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ جَابِرٍ { أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ
فَوَضَعَ يَدَهُ مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ فَقَالَ بِاسْمِ اللَّهِ ثِقَةً
بِاَللَّهِ } فَقَالَ أَذْهَبُ إلَيْهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَمَا
ذَهَبَ إلَيْهِ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ إلَى الْأَكْلِ مَعَهُ .
وَخَبَرُ
جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ
الشَّهِيدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مُفَضَّلٌ
هُوَ الْبَصْرِيُّ لَا الْمِصْرِيُّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَاكَ .
وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ
بِالْقَوِيِّ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ لَمْ أَرَ
لَهُ أَنْكَرَ مِنْ هَذَا .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ .
وَرَوَاهُ
شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عُمَرَ أَخَذَ بِيَدِ
مَجْذُومٍ وَقَالَ وَحَدِيثُ شُعْبَةَ عِنْدِي أَشْهَرُ وَأَصَحُّ .
وَلِلْبُخَارِيِّ
مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ
مِنْ الْأَسَدِ } وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ
قَالَ { : كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ
فَارْجِعْ } وَعِنْد هَؤُلَاءِ أَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ .
وَيُحْتَمَلُ
أَنَّ مُرَادَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ اجْتِنَابُهُ
وَإِنْ اُسْتُحِبَّ احْتِيَاطًا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَهُوَ أَوْلَى
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلِهَذَا يَقُولُ : الْأَطِبَّاءُ :
إنَّ الْجُذَامَ وَالسُّلَّ مِنْ الْأَمْرَاض الْمُعْدِيَةِ
الْمُتَوَارَثَةِ وَإِنَّ كُلَّ مَرَضٍ لَهُ نَتْنٌ وَرِيحٌ يُعْدِي
كَالْجُذَامِ ، وَالسُّلِّ ، وَالْجَرَبِ ، وَالْحُمَّى الْوَبَائِيَّةِ
وَالرَّمَدِ وَإِنَّهُ أَعْدَى بِالنَّظَرِ إلَيْهِ ، وَالْقُرُوحِ
الرَّدِيئَةِ ، وَالْوَبَاءِ وَهُوَ يَحْدُثُ فِي آخِرِ الصَّيْفِ وَلَا
يُرِيدُونَ بِذَلِكَ مَعْنَى الْعَدْوَى بَلْ لِأَجْلِ الرَّائِحَةِ
وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ الْإِيمَانِ بِيُمْنٍ وَشُؤْمٍ ، لَا
سِيَّمَا وَقَدْ يَكُونُ فِي بَدَنِ الصَّحِيحِ قَبُولٌ وَاسْتِعْدَادٌ
لِذَلِكَ الدَّاءِ ، وَالطَّبِيعَةُ سَرِيعَةُ الِانْفِعَالِ نَقَّالَةٌ
لَا سِيَّمَا مَعَ الْخَوْفِ ، وَالْوَهْمِ فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَلَى
الْقُوَى ، وَالطَّبَائِعِ ، وَيُتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يَجِبُ ذَلِكَ
هُنَا .
وَفِي قَوْلِهِ { لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ }
عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ ، وَالنَّهْيِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ
الضَّرَرِ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَأَظُنُّهُ
قَوْلَ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ .
وَاخْتَارَ
بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّهْيَ ، وَالْأَمْرَ احْتِيَاطًا
لِلْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ضَعِيفِ الْإِيمَانِ ، وَالتَّوَكُّلِ وَيُحْمَلُ
مَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ ، قَوِيِّ
الْإِيمَانِ ، وَالتَّوَكُّلِ فَيَدْفَعُ قُوَّةُ ذَلِكَ قُوَّةَ
الْعَدْوَى كَمَا تَدْفَعُ قُوَّةُ الطَّبِيعَةِ قُوَّةَ الْعِلَّةِ
فَيَكُونُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ قُوَى
النَّاسِ وَطِبَاعِهِمْ وَحَمَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَكْلَهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ مَعَ الْمَجْذُومِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُذَامَ كَانَ يَسِيرًا
لَا يُعْدِي مِثْلُهُ ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ حَدِيثُ { لَا عَدْوَى
وَلَا طِيَرَةَ } رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ التَّحَدُّثِ بِهِ
وَتَرَكَهُ وَقَالَ الرَّاوِي فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ
أَمْ نَسَخَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ الْآخَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ { أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ مَجْذُومٍ }
لَا يَصِحُّ ، وَقَدْ قَالَ شُعْبَةُ غَيْرَهُ اتَّقُوا هَذِهِ
الْغَرَائِبَ ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ
فِي قَوْلِهِ " إنَّا قَدْ بَايَعْنَاك فَارْجِعْ " قَالَ لَا يَجُوزُ
أَنْ يَقُولَ " إنَّا قَدْ بَايَعْنَاك فَارْجِعْ " إلَّا وَبَايَعَهُ
وَإِنَّمَا الْمَعْنَى قَدْ حَصَلَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ فَلَا يَقْدَمُ
مَعَ الْوَفْدِ خَوْفًا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَظُنُّوا إنْ أَصَابَهُمْ
أَمْرٌ أَنَّهُ تَعَدَّى مِنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا
يَلْزَمهُ التَّنَحِّي وَتَوَجَّهَ أَنَّهُمْ إذَا كَثُرُوا لَزِمَهُ
وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي
التَّدَاوِي فِي الْعَائِنِ .
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي
الْمُعْتَمَدِ فِي إبْطَالِ الْقَوْلِ بِالْعَدْوَى وَالطِّيَرَةِ فِي
الْأَمْرَاضِ وَأَصْحَابِ الْعَاهَاتِ رِوَايَتَيْنِ ذَكَرَ رِوَايَةَ
إِسْحَاقَ بْنِ بُهْلُولٍ الْمَذْكُورَةَ وَقَالَ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي
إبْطَالِ الْقَوْلِ بِالْعَدْوَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الطِّيَرَةُ
كَذَلِكَ ؛ إذْ لَا فَرْقَ اخْتَارَهَا الْقَاضِي ، وَالثَّانِيَةُ
إثْبَاتُ الطِّيَرَةِ .
قَالَ أَبُو النَّضْرِ إسْمَاعِيلُ بْنُ
مَيْمُونٍ الْعَسْكَرِيُّ كَتَبْت إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ دَارٍ
أَرَدْت شِرَاءَهَا فَقَالَ النَّاسُ إنَّهَا مَشْئُومَةٌ فَوَقَعَ فِي
قَلْبِي مِنْ قَوْلِهِمْ فَكَتَبَ إلَيَّ : اعْلَمْ أَنِّي نَظَرْتُ فِي
حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ
الْفَرَسِ ، وَالْمَرْأَةِ ، وَالدَّارِ } هَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي الطِّيَرَةِ
وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْعَدْوَى كَذَلِكَ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْ
الطِّيَرَةِ ، ثُمَّ احْتَجَّ لِلْأَوَّلِ بِحَدِيثِ { لَا عَدْوَى وَلَا
طِيَرَةَ وَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ ؟ } وَهُوَ فِي الْمَسْنَدِ ،
وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { وَمَنْ
أَرْجَعَتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ }
وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا فِعْلٌ فَثَبَتَ
أَنَّهُ فِعْلُ اللَّهِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ مَعَ مُلَابَسَةِ ذِي الدَّاءِ
، وَالْعَاهَةِ وَإِنْ شَاءَ فَعَلَهُ مُنْفَرِدًا عَنْهُ وَاحْتُجَّ
لِلثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ { فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ } وَحَدِيثِ
الطَّاعُونِ وَبِقَوْلِهِ { الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ } .
وَبِمَا رَوَى
أَنَسٌ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَزَلْنَا دَارًا
كَثُرَ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثُرَتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا ، ثُمَّ
تَحَوَّلْنَا عَنْهَا إلَى أُخْرَى فَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا وَقَلَّ
فِيهَا عَدَدُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَذَرُوهَا ذَمِيمَةً } انْتَهَى كَلَامُهُ وَالْخَبَرُ
الْأَخِيرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي بَاب الطِّيَرَةِ ثَنَا الْحَسَنُ
بْنُ
يَحْيَى ثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَادٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ
إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ
إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
مُرْسَلًا مَعْنَاهُ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ : اُتْرُكُوهَا
مَذْمُومَةً فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ
بِالتَّحَوُّلِ عَنْهَا إبْطَالًا لِمَا وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ
أَنَّ الْمَكْرُوهَ إنَّمَا أَصَابَهُمْ بِسَبَبِ سُكْنَى الدَّارِ
فَإِذَا تَحَوَّلُوا عَنْهَا انْقَطَعَتْ مَادَّةُ ذَلِكَ الْوَهْمِ
وَزَالَ مَا خَامَرَهُمْ مِنْ الشُّبْهَةِ .
وَفِي مَعْنَى الْحَدِيثِ
الْأَخِيرِ مَا قَالَ أَحْمَدُ ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأْنَا
مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْرٍ أَخْبَرَنِي
مَنْ سَمِعَ فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيَّ قَالَ { قُلْتُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدَنَا أَرْضًا يُقَال لَهَا أَرْضُ أَبَيْنَ
هِيَ أَرْضُ رِيفِنَا وَمِيرَتِنَا وَإِنَّهَا وَبِيئَةٌ ، أَوْ قَالَ
إنَّ بِهَا لَوَبَاءً شَدِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهَا عَنْك فَإِنَّ مِنْ الْقَرَفِ التَّلَفَ }
يَحْيَى تَفَرَّدَ عَنْهُ مَعْمَرٌ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَرَوَاهُ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى
عَنْ فَرْوَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا ثِقَةٌ عِنْدَهُمْ وَكَانَ عَبْدُ
الرَّزَّاقِ يُكَذِّبُهُ .
وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ أَوْثَقُ مِنْ
عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الطِّبِّ حَدِيثَ عَبْدِ
الرَّزَّاقِ وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الطِّبِّ فَلَا
مُعَارَضَةَ لَكِنَّهُ جَعَلَ بَابَ الطِّيَرَةِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ الْقَرَفُ مُدَانَاةُ الْمَرَضِ وَكُلُّ شَيْءٍ
قَارَبْتَهُ فَقَدْ قَارَفْته وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ : الْقَرَفُ
مُلَابَسَةُ الدَّاءِ وَمُدَانَاةُ الْمَرَضِ ، وَالتَّلَفُ الْهَلَاكُ
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَدْوَى وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ
الطِّبِّ فَإِنَّ اسْتِصْلَاحَ الْهَوَاءِ مِنْ أَعْوَنِ الْأَشْيَاءِ
عَلَى صِحَّةِ الْأَبَدَانِ ، وَفَسَادُ الْهَوَاءِ مِنْ أَسْرَعِ
الْأَشْيَاءِ إلَى الْأَسْقَامِ .
وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { مَا طَلَعَ النَّجْمُ صَبَاحًا قَطُّ وَبِقَوْمٍ عَاهَةٌ
إلَّا رُفِعَتْ عَنْهُمْ أَوْ خَفَّتْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالُوا :
الْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الثُّرَيَّا وَرَوَى أَحْمَدُ ثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا عَوْفٌ عَنْ حِبَّانَ أَبِي الْعَلَاءِ ثَنَا قَطَنُ
بْنُ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ .
أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إنَّ الْعِيَافَةَ ، وَالطَّرْقَ
، وَالطِّيَرَةَ مِنْ الْجِبْتِ } قَالَ عَوْفٌ الْعِيَافَةُ زَجْرُ
الطَّيْرِ ، وَالطَّرْقُ الْخَطُّ يُخَطُّ فِي الْأَرْضِ ، وَالْجِبْتُ
قَالَ الْحَسَنُ رَنَّةُ الشَّيْطَانِ إسْنَادٌ جَيِّدٌ وَلِأَبِي دَاوُد
، وَالنَّسَائِيِّ فِي الْمُسْنَدِ مِنْهُ وَقِيلَ : الْجِبْتُ مَا عُبِدَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ وَقِيلَ : السِّحْرُ وَقِيلَ : الْكَاهِنُ .
فَصْلٌ
فِي الْمُسْنَدِ ، وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهَا عَنْهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ قَالَ : { لَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ } زَادَ مُسْلِمٌ
وَغَيْرُهُ { وَلَا نَوْءَ وَلَا غُولَ } فَالْهَامَةُ مُفْرَدُ الْهَامِ
وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لَيْسَ أَحَدٌ يَمُوتُ
فَيُدْفَنُ إلَّا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ هَامَةٌ وَكَانَتْ الْعَرَبُ
تَزْعُمُ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَكَانُوا
يَقُولُونَ إنَّ الْقَتِيلَ يَخْرُجُ مِنْ هَامَتِهِ أَيْ مِنْ رَأْسِهِ
هَامَةٌ فَلَا تَزَالُ تَقُولُ اسْقُونِي اسْقُونِي حَتَّى يُؤْخَذَ
بِثَأْرِهِ وَيُقْتَلَ قَاتِلُهُ .
وَقَوْلُهُ " لَا صَفَرَ " قِيلَ :
كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِدُخُولِ صَفَرَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
لَا صَفَرَ } وَقِيلَ : كَانَتْ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ فِي الْبَطْنِ
حَيَّةً تُصِيبُ الْإِنْسَانَ إذَا جَامَعَ وَتُؤْذِيهِ وَإِنَّمَا
تُعْدِي فَأَبْطَلَهُ الشَّارِعُ .
وَقَالَ مَالِكٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحِلُّونَ صَفَرَ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا .
وَالنَّوْءُ
وَاحِدُ الْأَنْوَاءِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْزِلَةً وَهِيَ
مَنَازِلُ الْقَمَرِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ
مَنَازِلَ } .
وَيَسْقُطُ فِي الْغَرْبِ كُلَّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ
لَيْلَةً مَنْزِلَةً مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَيَطْلُعُ أُخْرَى
مُقَابِلَهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ فِي الشَّرْقِ فَتَنْقَضِي جَمِيعُهَا مَعَ
انْقِضَاءِ السَّنَةِ وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ مَعَ سُقُوطِ
الْمَنْزِلَةِ وَطُلُوعِ نَظِيرِهَا يَكُونُ مَطَرٌ فَيَنْسُبُونَهُ
إلَيْهَا فَيَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ
نَوْءًا لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ السَّاقِطُ مِنْهَا بِالْغَرْبِ نَاءَ
الطَّالِعُ بِالشَّرْقِ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ : نَهَضَ وَطَلَعَ وَقِيلَ :
أَرَادَ بِالنَّوْءِ الْغُرُوبَ وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ .
فَأَمَّا
مَنْ جَعَلَ الْمَطَرَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ
مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا أَيْ : فِي نَوْءِ كَذَا أَيْ : إنَّ اللَّهَ
أَجْرَى الْعَادَةَ بِالْمَطَرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ فَلَنَا خِلَافٌ فِي
تَحْرِيمِهِ وَكَرَاهَتِهِ .
وَالْغُولُ أَحَدُ الْغِيلَانِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنْ
الْجِنِّ ، وَالشَّيَاطِينِ .
كَانَتْ
الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغُولَ فِي الْفَلَاةِ يَتَرَاءَى لِلنَّاسِ
فَيَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا أَيْ : يَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فِي صُوَرٍ
شَتَّى وَيَغُولُهُمْ أَيْ : يُضِلُّهُمْ عَنْ الطَّرِيقِ وَيُهْلِكُهُمْ
، فَنَفَاهُ الشَّارِعُ وَأَبْطَلَهُ قِيلَ هَذَا وَقِيلَ لَيْسَ نَفْيًا
لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إبْطَالُ زَعْمِ
الْعَرَبِ وَتَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهِ
فَيَكُونُ مَعْنَى " لَا غُولَ " لِأَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّ
أَحَدًا وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الْأَخِيرُ { لَا غُولَ وَلَكِنْ
السَّعَالِي } .
وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ، وَالسَّعَالِي
سَحَرَةُ الْجِنِّ لَكِنْ فِي الْجِنِّ سَحَرَةٌ لَهُمْ تَلْبِيسٌ
وَتَخْيِيلٌ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ { إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ
فَبَادِرُوا بِالْأَذَانِ } أَيْ : ادْفَعُوا شَرَّهَا بِذِكْرِ اللَّهِ
وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَجَاءَتْ الْغُولُ
فَكَانَتْ تَأْخُذُ التَّمْرَ وَهُوَ مَشْهُورٌ .
وَرَوَى الْخَلَّالُ
عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ رَجُلًا صَحِبَهُ فَصَاحَ غُرَابٌ فَقَالَ خَيْرٌ
خَيْرٌ ، فَقَالَ لَهُ طَاوُسٌ وَأَيُّ خَيْرٍ عِنْدَ هَذَا وَأَيُّ شَرٍّ
؟ لَا تَصْحَبُنِي .
فَصْلٌ ( فِيمَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ فِي الطَّاعُونِ ) .
وَإِذَا
وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ وَلَسْت فِيهِ فَلَا تُقْدِمْ عَلَيْهِ
وَإِنْ كُنْت فِيهِ فَلَا تَخْرُجْ مِنْهُ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ
الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ ، وَمُرَادُهُمْ فِي دُخُولِهِ ، وَالْخُرُوجِ
مِنْهُ لِغَيْرِ سَبَبٍ بَلْ فِرَارًا وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ ، وَجَوَّزَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقُدُومَ عَلَيْهِ ، وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا
، وَقَالُوا : لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ غَيْرُ
الْمُقَدَّرِ لَكِنْ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَى النَّاسِ لِئَلَّا
يَظُنُّوا أَنَّ هَلَاكَ الْقَادِمِ بِقُدُومِهِ وَسَلَامَةُ الْفَارِّ
بِفِرَارِهِ وَأَنَّ هَذَا مِنْ نَحْوِ النَّهْي عَنْ الطِّيَرَةِ ،
وَالْقُرْبِ مِنْ الْمَجْذُومِ .
وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا
وَلِهَذَا رَوَى أَحْمَدُ ، وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إذَا
سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تُقْدِمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ
بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ } وَرَوَوْهُ
أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ وَفِي أَوَّلِهِ فَقَالَ { رِجْسٌ أَوْ
عَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الْأُمَمِ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ يَذْهَبُ
الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى } .
وَلِأَحْمَدَ ، وَالْبُخَارِيِّ
مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { إنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ
يَشَاءُ ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ
أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا
يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إلَّا
كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ } وَلِأَحْمَدَ { لَا تَفْنَى أُمَّتِي
إلَّا بِالطَّعْنِ ، وَالطَّاعُونِ قُلْنَا : فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ
غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ ، وَالْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ
الزَّحْفِ } وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى { قِيلَ : فَمَا
الطَّاعُونُ قَالَ : وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ } .
الْوَخْزُ طَعْنٌ لَيْسَ بِنَافِذٍ .
وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ { الْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ ، وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالصَّابِرِ فِي
الزَّحْفِ } وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ } .
وَلَمَّا
وَقَعَ الطَّاعُونُ بِالشَّامِّ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إنَّهُ
رِجْزٌ ، وَفِي رِوَايَةٍ رِجْسٌ فَفِرُّوا مِنْهُ فِي الشِّعَابِ ،
وَالْأَوْدِيَةِ ، فَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَلَكِنَّهُ
رَحْمَةُ رَبِّكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ وَوَفَاةُ الصَّالِحِينَ
فَاجْتَمِعُوا وَلَا تَتَفَرَّقُوا عَنْهُ ، فَقَالَ عَمْرٌو صَدَقَ ،
وَبَلَغَ مُعَاذًا قَوْلُ عَمْرٍو فَلَمْ يُصَدِّقْهُ وَقَالَ : بَلْ هُوَ
شَهَادَةٌ وَرَحْمَةٌ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ ، اللَّهُمَّ أَعْطِ
مُعَاذًا وَأَهْلَهُ نَصِيبَهُمْ مِنْ رَحْمَتِك .
وَفِي رِوَايَةٍ
أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أَيّهَا النَّاسُ إنَّ
هَذَا الْوَجَعَ رَحْمَةُ رَبِّكُمْ ، وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ ، وَمَوْتُ
الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ يَسْأَلُ اللَّهَ
تَعَالَى أَنْ يَقْسِمَ لَهُ مِنْهُ حَظَّهُ ، وَمَاتَا فِيهِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا .
قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فَعَرَفْت الشَّهَادَةَ
وَعَرَفْت الرَّحْمَةَ وَلَمْ أَدْرِ مَا دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ حَتَّى {
أُنْبِئْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُصَلِّي ؛ إذْ قَالَ فِي دُعَائِهِ
فَحُمَّى إذًا ، أَوْ طَاعُونًا فَقِيلَ : لَهُ فَقَالَ : سَأَلْتُ رَبِّي
أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا ، وَسَأَلْتُهُ
أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا
وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ
بَأْسَ بَعْضٍ فَأَبَى عَلَيَّ أَوْ قَالَ مُنِعْت فَقُلْتُ حُمَّى إذًا ،
أَوْ طَاعُونًا } .
وَعَنْ عَامِرِ بْنِ قَيْسٍ أَخِي أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا { اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلًا
فِي سَبِيلِك بِالطَّعْنِ ، وَالطَّاعُونِ } رَوَى ذَلِكَ أَحْمَدُ .
فَصْلٌ ( فِي شُعُورِ الْأَنْفُسِ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ وَتَعْلِيلِ ذَلِكَ وَحِكْمَتِهِ ) .
قَالَ
فِي الْفُنُونِ جَرَى فِي مَجْلِسٍ مُذَاكَرَةٌ فَقَالَ قَائِلٌ : إنِّي
لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي ضِيقًا وَإِنْ قَصُرَتْ يَدَيَّ بَلْ طِيبَ
النَّفْسِ كَأَنِّي صَاحِبُ ذَخِيرَةٍ ، فَقَالَ رَئِيسٌ فَاضِلٌ قَدْ
جَرَّبَ الدَّهْرَ وَحَنَّكَتْهُ التَّجَارِبُ : هَذِهِ صِفَةٌ إمَّا
رَجُلٌ قَدْ أَعَدَّتْ لَهُ الْأَيَّامُ سَعَادَةً شَعَرَتْ نَفْسُهُ
بِهَا لِأَنَّ فِي النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ مَا يُشْعِرُ بِالْأَمْرِ
قَبْلَ كَوْنِهِ ، أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ ثِقَةً بِاَللَّهِ لِكُلِّ حَادِثٍ
لِعِلْمِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ لَا يَضَعُ الشَّيْءَ إلَّا فِي
مَوْضِعِهِ ، فَيَسْتَرِيحُ مِنْ تَعَبِ الِاعْتِرَاضِ وَعَذَابِ
التَّمَنِّي قَالَ وَبِالضِّدِّ مِنْ هَذَا إذَا كَانَ بَاكِيًا شَاكِيًا
حَزِينًا لَا لِسَبَبٍ ، بَلْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ جَمَّةٌ .
فَذَلِكَ
شُعُورُ النُّفُوسِ بِمَا يَئُولُ حَالُهُ إلَيْهِ ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِ
الْفَأْلِ ، وَالطِّيَرَةِ ، وَالزَّجْرِ ، وَالْهَاتِفِ ، وَذَلِكَ
كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ اطِّلَاعُ اللَّهِ تَعَالَى لِلنُّفُوسِ عَلَى
عُقْبَاهَا ، وَمِنْ ذَلِكَ الْمَنَامَاتُ ، فَهَذِهِ شَوَاهِدُ الْخَيْرِ
، وَالشَّرِّ ، وَقَدِيمًا رَأَيْنَا الْمَشَايِخَ يَقُولُونَ لَا بُدَّ
أَنْ يَكُونَ مُقَدِّمَةُ النَّحْسِ وَزَوَالَ السَّعَادَةِ كُسُوفَ
الْبَالِ ، وَتَكَاثُفَ الْهَمِّ وَضِيقَ الصَّدْرِ وَتَغَيُّرَ
الْأَخْلَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ
يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنْفُسِهِمْ } .
فَجَعَلَ عِنْوَانَ تَغَيُّرِ النِّعَمِ تَغَيُّرَ النُّفُوسِ لِعَادَتِهِمْ مِنْ تَنَكُّدِهَا .
كَذَا
ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَلَيْسَ بِمُتَّجَهٍ ، وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ
الْمُحَرَّمَاتِ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعَمِ ، وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ مُجَالَسَةِ الْمُتَلَبِّسِينَ بِالْمُنْكَرَاتِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِمْ ) .
يُكْرَهُ
لِكُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ أَنْ يُجَالِسَ مَنْ يَلْعَبُ بِشِطْرَنْجٍ
أَوْ نَرْدٍ وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ بَلْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ
وَيَهْجُرُهُ إنْ لَمْ يَنْزَجِرْ عَنْهُمَا .
وَحَكَى الشَّيْخُ
تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا
إنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى لَاعِبِ الشِّطْرَنْجِ لِأَنَّهُ مُظْهِرٌ
لِلْمَعْصِيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ يُسَلِّمُ
عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ
مَنْصُورٍ فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ : مَا هُوَ أَهْلٌ أَنْ
يُسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ الشَّيْخِ عَبْدِ
الْقَادِرِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُسَلَّمُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِينَ
بِالْمَعَاصِي قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَإِنْ سَلَّمُوا هُمْ
عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ
انْزِجَارُهُمْ بِتَرْكِهِ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ فَإِذًا لَا يَرُدُّ .
وَقَالَ
أَبُو دَاوُد قُلْتُ لِأَحْمَدَ أَمُرُّ بِالْقَوْمِ يَتَقَاذَفُونَ
أُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ قَالَ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سُفَهَاءُ ، وَالسَّلَامُ
اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ لِأَحْمَدَ أُسَلِّمُ عَلَى
الْمُخَنَّثِ قَالَ : لَا أَدْرِي السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَقَدْ تَوَقَّفَ
فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُخَنَّثِ .
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ
وَغَيْرِهَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُجَالِسَ دَنِيئًا ، أَوْ سَخِيفًا ، أَوْ
فَاسِقًا ، أَوْ مُرَائِيًا أَوْ مُتَّهَمًا فِي دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ .
وَيُكْرَهُ أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ عَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مُحَجَّرٍ أَوْ مَحُوطٍ أَوْ فِي بَيْتٍ بِلَا بَابٍ وَتَقَدَّمَ فِيمَا يَقُولُهُ عِنْدَ الصَّبَاحِ قَوْلُ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَكْفِي مِنْهُ كَمُؤَخَّرَةِ الرَّحْلِ .
فَصْلٌ
فِي مَكْرُوهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ لَا يَجْمَعُهَا جِنْسٌ وَلَا نَوْعٌ
يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمًا نِيئًا أَوْ غَيْرَ نَضِيجٍ أَوْ طِينًا
أَوْ تُرَابًا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَحْمَدُ
أَكْرَهُ أَكْلَ الطِّينِ وَلَا يَصِحُّ فِيهِ حَدِيثٌ إلَّا أَنَّهُ
يَضُرُّ بِالْبَدَنِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْأَصْحَابِ فِي
الْكَرَاهَةِ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ هَلْ تُحْمَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ ،
أَوْ التَّنْزِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ ، وَقَطَعَ ابْنُ عَقِيلٍ بِكَرَاهَةِ
أَكْلِ الطِّينِ إذَا تَحَقَّقْنَا ضَرَرَهُ وَلَا يُكْرَهُ لِغَيْرِ
ذَلِكَ ، وَقَطَعَ فِي الْمُغْنِي بِأَكْلِ مَا كَانَ يُتَدَاوَى بِهِ
مِنْهُ كَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ ، أَوْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا لَا
مَضَرَّةَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ لَا يُكْرَهُ .
وَيُكْرَهُ أَنْ
يُحَدِّثَ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ بِنْتَيْ
عَمَّيْنِ أَوْ بَيْنَ بِنْتَيْ خَالَيْنِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ،
وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا .
وَيَحْرُمُ خُرُوجُ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِلَا إذْنِهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، أَوْ وَاجِبٍ شَرْعِيٍّ وَأَنْ تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ بِلَا عُذْرٍ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَأَنْ تَتَزَيَّنَ لِمَحْرَمٍ غَيْرِهِ ، وَيُكْرَهُ تَطَيُّبُهَا لِحُضُورِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَكَلَامُ بَعْضِهِمْ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ .
وَيُكْرَهُ الْخُيَلَاءُ وَالزَّهْوُ فِي الْمَشْيِ
بَلْ يَمْشِي قَصْدًا كَذَا ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ
وَابْنُ حَمْدَانَ ، وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ .
وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ .
وَرَوَى
هُوَ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا {
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إزَارِي
فَمِنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي نَارِي }
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ { الْعِزُّ
إزَارُهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ نَازَعَنِي شَيْئًا
مِنْهُمَا عَذَّبْتُهُ } وَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ أَخْبَارٌ فِي
الْكِبْرِ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ .
وَقَالَ
الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي أَحْكَامِهِ ( بَابُ اسْتِحْبَابِ
الْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ ) ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ
فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : {
الْخُيَلَاءُ الَّتِي يُحِبُّ اللَّهُ اخْتِيَالُ الرَّجُلُ بِنَفْسِهِ
عِنْدَ الْقِتَالِ وَاخْتِيَالُهُ عِنْدَ الصَّدَقَةِ ، وَالْخُيَلَاءُ
الَّتِي يَبْغَضُ اللَّهُ اخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْفَخْرِ ،
وَالْبَغْيِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ
رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ .
قَالَ الْقَاضِي
أَبُو يَعْلَى رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا مَشَيْت فَلَا تَلْتَفِتْ
فَإِنَّهُ يُنْسَبُ فَاعِلُ ذَلِكَ إلَى الْحُمْقِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ
الْقَادِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُكْرَهُ الصَّفِيرُ وَالتَّصْفِيقُ .
وَيُكْرَهُ
الِاتِّكَاءُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ لِأَنَّهُ
تَجَبُّرٌ وَإِهْوَانٌ بِالْجُلَسَاءِ إلَّا مَعَ الْعُذْرِ ، وَيُكْرَهُ
مَضْغُ الْعَلَقِ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ .
وَيُكْرَهُ التَّشَدُّقُ
بِالضَّحِكِ وَالْقَهْقَهَةُ وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَشْيُهُ مُعْتَدِلًا لَا يُسَارِعُ إلَى حَدٍّ
يَصْدِمُ النَّاسَ وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ وَلَا يَخْطِرُ بِحَيْثُ يُورِثُهُ
الْعُجْبَ ، وَيُكْرَهُ فِي الْبُكَاءِ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ ، إلَّا
أَنْ يَكُونَ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالنَّدَمِ عَلَى مَا فَاتَ
مِنْ أَوْقَاتِهِ بِبَطَالَاتِهِ ، وَيُكْرَهُ لَهُ كَشْفُ رَأْسِهِ
بَيْنَ النَّاسِ وَمَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَة
بِسَتْرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَصْلٌ ( مَا يَجِبُ مِنْ الْكَفِّ عَنْ مَسَاوِي النَّاسِ وَمَا وَرَدَ فِي حُقُوقِ الطَّرِيقِ ) .
يُسْتَحَبُّ
الْكَفُّ عَنْ مَسَاوِئِ النَّاسِ وَعُيُوبِهِمْ كَذَا قَالُوا :
وَالْأَوْلَى يَجِبُ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الَّتِي يَسْتُرُونَهَا
وَعَمَّا يَبْدُو مِنْهُمْ غَفْلَةً ، أَوْ غَلَبَةً مِنْ كَشْفِ عَوْرَةٍ
، أَوْ خُرُوجِ رِيحٍ ، أَوْ صَوْتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ
ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ فَالْأَوْلَى لِلسَّامِعِ أَنْ يُظْهِرَ طَرَشًا
أَوْ غَفْلَةً ، أَوْ نَوْمًا ، أَوْ يَتَوَضَّأَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَتْرًا
لِذَلِكَ .
وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الطُّرُقَاتِ لِلْحَدِيثِ
وَنَحْوِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ ، وَالْأَذَى وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
{ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ فَقُلْنَا إنَّمَا قَعَدْنَا
لِغَيْرِ مَا بَأْسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ قَالَ أَمَّا
لَا فَأَدُّوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا : وَمَا حَقُّهَا قَالَ :
غُضُّوا الْبَصَرَ ، وَرُدُّوا السَّلَامَ ، وَحَسِّنُوا الْكَلَامَ } .
وَفِي
رِوَايَةٍ { غَضُّ الْبَصَرِ ، وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ ،
وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ } وَفِي
لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد { وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ } .
وَفِي لَفْظٍ لَهُ
أَيْضًا { وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتَهْدُوا الضَّالَّ } وَرَوَى
أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ مَعْنَى ذَلِكَ ، وَصَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ { خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا
} وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الْبَابِ .
وَفِي الْفُنُونِ
أَمَّا الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ فَالْمُرُوءَةُ ، وَالنَّزَاهَةُ اجْتِنَابُ
الْجُلُوسِ فِيهِ فَإِنْ جَلَسَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ حَقَّ
الطَّرِيقَ ، غَضُّ الْبَصَرِ ، وَإِرْشَادُ الضَّالِّ وَرَدُّ السَّلَامِ
وَجَمْعُ اللُّقَطَةِ لِلتَّعْرِيفِ ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ،
وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَمَنْ جَلَسَ وَلَمْ يُعْطِ الطَّرِيقَ
حَقَّهَا فَقَدْ اسْتَهْدَفَ لِأَذِيَّةِ النَّاسِ قَالَ وَهَذِهِ
الْحُقُوقُ رَأَيْتُهَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَصْلٌ ( فِي صِيَانَةِ الْمَسَاجِدِ وَآدَابِهَا وَكَرَاهَةِ زَخْرَفَتِهَا ) .
يُسَنُّ
أَنْ يُصَانَ كُلُّ مَسْجِدٍ عَنْ كُلِّ وَسَخٍ وَقَذَرٍ وَقَذَاةٍ
وَمُخَاطٍ وَبُصَاقٍ فَإِنْ بَدَرَهُ فِيهِ أَخَذَهُ بِثَوْبِهِ ذَكَرَهُ
فِي الرِّعَايَةِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ
تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَيُكْرَهُ إزَالَةُ
الْأَوْسَاخِ فِي الْمَسَاجِدِ كَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَقَصِّ
الشَّارِبِ وَنَتْفِ الْإِبِطِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ
وَغَيْرِهِ يُسْتَحَبُّ تَنْزِيهُ الْمَسْجِدِ عَنْ الْقَذَاةِ ،
وَالْبَصْقَةُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا
فَإِنْ كَانَتْ عَلَى حَائِطِهِ وَجَبَ إزَالَتُهَا وَيُسْتَحَبُّ
تَخْلِيقُ مَوْضِعِهَا لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَتُكْرَهُ
زَخْرَفَتُهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، أَوْ نَقْشٍ ، أَوْ صَبْغٍ أَوْ
كِتَابَةٍ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْهِي الْمُصَلِّيَ عَنْ
صَلَاتِهِ غَالِبًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ
الْوَقْفِ حَرُمَ وَوَجَبَ الضَّمَانُ .
وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ فِي
مَوْضِعٍ آخَرَ سَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ أَنَّهُ هَلْ يَحْرُمُ
تَحْلِيَةُ الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ ، أَوْ فِضَّةٍ وَتَجِبُ إزَالَتُهُ
وَزَكَاتُهُ بِشَرْطِهَا أَوْ يُكْرَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَقُدِّمَ
الْأَوَّلُ ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَحْلِيَةِ
الْمَسْجِدِ بِذَهَبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ اسْتَحَبَّهُ لِذَلِكَ ، وَعِنْد الْمَالِكِيَّةِ يُكْرَهُ ذَلِكَ
وَيُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ
ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُفِيدِ مِنْهُمْ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي تَحْرِيمِهِ
وَجْهَانِ .
وَأَوَّلُ مَنْ ذَهَّبَ الْكَعْبَةَ فِي الْإِسْلَامِ
وَزَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا بَعَثَ
إلَى خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيِّ ، وَالِي مَكَّةَ
حِينَئِذٍ فَيُضَعِّفُ قَوْلَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ عَمَّنْ قَالَ
بِالْكَرَاهَةِ هُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي
الْكَعْبَةِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْمَسْجِدِ
إذَا فَعَلَ مَا يَرْجِعُ إلَى النَّقْشِ ، وَالزِّينَةِ مِنْ
مَالِ الْوَقْفِ ضَمِنَ وَيُصَانُ عَنْ تَعْلِيقِ مُصْحَفٍ ، أَوْ غَيْرِهِ فِي قِبْلَتِهِ دُونَ وَضْعِهِ بِالْأَرْضِ .
قَالَ
جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ : سَمِعْتُ
أَحْمَدَ يَقُولُ : يُكْرَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي الْقِبْلَةِ شَيْءٌ
يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُكْرَهْ أَنْ يُوضَعَ فِي
الْمَسْجِدِ الْمُصْحَفُ ، أَوْ نَحْوُهُ .
وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِمَا .
وَيَحْرُمَانِ
قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ فِي آخِر
كِتَابِ الِاعْتِكَافِ وَقِيلَ : بَلْ يُكْرَهَانِ قَطَعَ بِهِ فِي
الْفُصُولِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْحِ فِي آخِرِ
كِتَابِ الْبَيْعِ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ
بِهِ فَعَلَى التَّحْرِيمِ فِي الصِّحَّةِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ فِي
الْوَسِيلَةِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ .
وَقَالَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي
رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فَقَالَ : لَا أَرَى لِلرَّجُلِ إذَا دَخَلَ
الْمَسْجِدَ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ الذِّكْرَ ، وَالتَّسْبِيحَ
فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ إنَّمَا بُنِيَتْ لِذَلِكَ ، وَالصَّلَاةِ فَإِذَا
فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ خَرَجَ إلَى مَعَاشِهِ وَإِنَّمَا هَذِهِ بُيُوتُ
اللَّهِ لَا يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يُشْتَرَى ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي
وَابْنُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ مَنَعَ مِنْ
صِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ أَحْمَدُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْبَيْعُ
جَائِزٌ وَيُكْرَهُ إحْضَارُ السِّلَعِ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ الْبَيْعِ
وَيَنْعَقِدُ مَعَ ذَلِكَ ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ مَعَ
الْكَرَاهَةِ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
مَا عُقِدَ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ ، كَذَا
قَالَ .
فَصْلٌ ( فِي صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ مِنْ الْحِرَفِ وَالتَّكَسُّبِ وَالتَّرَخُّصِ فِي الْكِتَابَةِ وَالتَّعْلِيمِ ) .
وَيُسَنُّ
أَنْ يُصَانَ عَنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّانِعُ يُرَاعِي
الْمَسْجِدَ بِكَنْسٍ أَوْ رَشٍّ وَنَحْوِهِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ انْتَهَى
كَلَامُهُ قَالَ حَرْبٌ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْعَمَلِ فِي الْمَسْجِدِ
نَحْوُ الْخَيَّاطِ وَغَيْرِهِ يَعْمَلُ ؟ فَكَأَنَّهُ كَرِهَهُ لَيْسَ
بِذَاكَ الشَّدِيدِ .
وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَكْتُبُ بِالْأَجْرِ فَيَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ
فَقَالَ أَمَّا الْخَيَّاطُ وَأَشْبَاهُهُ فَمَا يُعْجِبُنِي إنَّمَا
بُنِيَ الْمَسْجِدُ لِيُذْكَرَ اللَّهُ فِيهِ وَكَرِهَ الْبَيْعَ ،
وَالشِّرَاءَ فِيهِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ مَا يُعْجِبُنِي
مِثْلُ الْخَيَّاطِ ، وَالْإِسْكَافِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَسَهَّلَ فِي
الْكِتَابَةِ فِيهِ وَقَالَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَدْوَةٍ إلَى اللَّيْلِ ،
فَلَيْسَ هُوَ كُلَّ يَوْمٍ .
وَقَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ
الْحَرَّانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَصَّ الْكِتَابَةَ لِأَنَّهَا نَوْعُ
تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ فِي مَعْنَى الدِّرَاسَةِ وَهَذَا يُوجِبُ
التَّقْيِيدَ بِمَا لَا يَكُونُ تَكَسُّبًا وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ
فَلَيْسَ ذَلِكَ كُلَّ يَوْمٍ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَظَاهِرُ مَا
نَقَلَ الْأَثْرَمُ التَّسْهِيلُ فِي الْكِتَابَةِ فِيهِ مُطْلَقًا لِمَا
فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَتَكْثِيرِ كُتُبِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُخَرَّجَ عَلَى هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ
الْكِتَابَةَ فِي الْمَسْجِدِ بِالْأُجْرَةِ وَتَعْلِيمُهُمْ تَبَرُّعًا
جَائِزٌ كَتَلْقِينِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَهَذَا كُلُّهُ
بِشَرْطِ أَنْ لَا يَحْصُلَ ضَرَرٌ بِحِبْرٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ،
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ الصَّيْرَفِيِّ لَا يَجُوزُ التَّعْلِيمُ فِي
الْمَسَاجِدِ .
وَقَالَ صَالِحٌ لِأَبِيهِ تَكْرَهُ الْخَيَّاطِينَ فِي
الْمَسَاجِدِ قَالَ إي لَعَمْرِي شَدِيدًا ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ
مَنْصُورٍ ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَرِوَايَةُ حَرْبٍ
الْكَرَاهَةُ فَهَاتَانِ رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
فِي
تَحْرِيمِ الصَّنَائِعِ وَكَرَاهَتِهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَسَيَأْتِي فِي
الْفَصْلِ الثَّالِثِ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ بَطَّةَ .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ لَا يَنْبَغِي
أَنْ تُتَّخَذَ الْمَسَاجِدُ حَوَانِيتَ وَلَا مَقِيلًا وَلَا مَبِيتًا
إنَّمَا بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ وَبِالْمَنْعِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَيَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ ،
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْمَسَاجِدِ الْعَمَلُ ،
وَالصَّنَائِعُ كَالْخِيَاطَةِ ، وَالْخَرْزِ ، وَالْحَلْجِ ،
وَالتِّجَارَةِ وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ إذَا كَثُرَ ، وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ
إذَا قَلَّ مِثْلُ رَقْعِ ثَوْبِهِ أَوْ خَصْفِ نَعْلِهِ .
وَحَكَى
صَاحِبُ الشِّفَاءِ الْمَالِكِيُّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ إنَّمَا
يُمْنَعُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ عَمَلِ الصَّنَائِعِ الَّتِي يَخْتَصُّ
بِنَفْعِهَا آحَادُ النَّاسِ وَلَا يُكْتَسَبُ فِيهِ وَلَا يُتَّخَذُ
الْمَسْجِدُ ، مَتْجَرًا فَأَمَّا الصَّنَائِعُ الَّتِي يَشْمَلُ
نَفْعُهَا الْمُسْلِمِينَ فِي دِينِهِمْ مِمَّا لَا امْتِهَانَ
لِلْمَسْجِدِ فِي عَمَلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَدْ مَنَعَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ مِنْ تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَحَكَى
بَعَضُهُمْ خِلَافًا فِي تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ فِيهَا وَيُسَنُّ أَنْ
يُصَانَ عَنْ صَغِيرٍ ، أَطْلَقُوا الْعِبَارَةَ ، وَالْمُرَادُ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ لِغَيْرِ
مَصْلَحَةٍ وَلَا فَائِدَةٍ ، وَعَنْ مَجْنُونٍ حَالَ جُنُونِهِ .
فَصْلٌ ( صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْ اللَّغَطِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ قِيلَ إلَّا بِعِلْمٍ لَا مِرَاءَ فِيهِ ) .
وَيُسَنُّ
أَنْ يُصَانَ عَنْ لَغَطٍ وَكَثْرَةِ حَدِيثٍ لَاغٍ وَرَفْعِ صَوْتٍ
بِمَكْرُوهٍ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ
مُبَاحًا ، أَوْ مُسْتَحَبًّا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ،
وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ يُكْرَهُ
إلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ .
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ مَرَرْت
بِأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ
ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقُلْتُ يَا أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا فِي
الْمَسْجِدِ ، وَالصَّوْتُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ فِيهِ فَقَالَ :
دَعْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَفْقَهُونَ إلَّا بِهَذَا ، وَقِيلَ : لِأَبِي
حَنِيفَةَ فِي مَسْجِدِ كَذَا حَلَقَةٌ يَتَنَاظَرُونَ فِي الْفِقْهِ ،
فَقَالَ : لَهُمْ رَأْسٌ فَقَالُوا : لَا قَالَ : لَا يَفْقَهُونَ أَبَدًا
.
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ سُئِلَ مَالِكٌ
عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ قَالَ :
لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ فِي الْعِلْمِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلَقَدْ
أَدْرَكْت النَّاسَ قَدِيمًا يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَكُونُ فِي
مَجْلِسِهِ وَمَنْ كَانَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ كَانَ يَعْتَذِرُ
مِنْهُ ، وَأَنَا أَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَا أَرَى فِيهِ خَيْرًا رَوَى ذَلِكَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
وَقَالَ صَاحِبُ الشِّفَا الْمَالِكِيُّ قَالَ
مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي
الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ
فِي الْعِلْمِ ، وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
النَّاسُ لِأَنَّهُ مَجْمَعُهُمْ وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ .
وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ آخِرَ بَابِ الْجُمُعَةِ وَلَا بَأْسَ
بِالْمُنَاظَرَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ ، وَالِاجْتِهَادِ فِي
الْمَسَاجِدِ إذَا كَانَ الْقَصْدُ طَلَبَ الْحَقِّ فَإِنْ كَانَ
مُغَالَبَةً وَمُنَافَرَةً دَخَلَ فِي حَيِّزِ الْمُلَاحَاةِ ،
وَالْجِدَالِ فِيمَا لَا يَعْنِي وَلَمْ يَجُزْ فِي الْمَسْجِدِ
وَأَمَّا
الْمُلَاحَاةُ فِي غَيْرِ الْعُلُومِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى لَيْلَةَ
الْقَدْرِ فَخَرَجَ لَيُعْلِمَ النَّاسَ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ فِي
الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَأُنْسِيَهَا فَلَوْ كَانَ فِي
الْمُلَاحَاةِ خَيْرٌ لَمَا كَانَتْ سَبَبًا لِنِسْيَانِهَا وَلِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى صَانَ الْإِحْرَامَ عَنْ الْجِدَالِ فَقَالَ { وَلَا
جِدَالَ فِي الْحَجِّ } .
وَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِ { لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ
كَانَ مُحِقًّا } انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَسَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى فِي
أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَفِي فَصْلِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، وَالْحَثِّ
عَلَى الْعِلْمِ مِنْ فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَفِي حُسْنِ
الْخُلُقِ نَحْوَ نِصْفِ الْكِتَابِ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ أَيْضًا : " وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ الْحَدِيثِ ، وَاللَّغَطِ فِي الْمَسَاجِدِ " .
وَقَالَ
فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا : وَيُبَاح عَقْدُ النِّكَاحِ فِيهِ ،
وَالْقَضَاءُ ، وَالْحُكْمُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ ، وَالْمُنَاظَرَةُ فِي
الْفِقْهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ وَإِنْشَادُ
شِعْرٍ مُبَاحٍ فِيهِ .
فَصْلٌ ( صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَمُكْثِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ ) .
وَيُسَنُّ
أَنْ يُصَانَ عَنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ مِنْ بَصَلٍ وَثُومٍ وَكُرَّاثٍ
وَنَحْوِهَا وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ فَإِنْ دَخَلَهُ أُخْرِجَ .
ذَكَرَهُ
غَيْرُ وَاحِدٍ وَهَلْ يَخْرُجُ وُجُوبًا ، أَوْ اسْتِحْبَابًا ؟
يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَعَلَى قِيَاسِهِ إخْرَاجُ الرِّيحِ مِنْ
دُبُرِهِ فِيهِ وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ مَكْرُوهٌ .
وَيُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ
حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ مُطْلَقًا ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ يَجِبُ
صَوْنُهُ عَنْ جُلُوسِهِمَا فِيهِ وَيُسَنُّ صَوْنُهُ عَنْ الْمُرُورِ
وَكَذَا الْجُنُبُ بِلَا وُضُوءٍ وَفِي جَوَازِ مَبِيتِ الْجُنُبِ فِيهِ
مُطْلَقًا بِلَا ضَرُورَةٍ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ : يَجُوزُ إنْ كَانَ
مُسَافِرًا ، أَوْ مُجْتَازًا وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الرِّعَايَةِ .
وَيُسَنُّ
صَوْنُهُ عَنْ نَوْمٍ وَعَنْهُ كَثِيرٍ وَعَنْهُ إنْ اتَّخَذَهُ مَبِيتًا
، أَوْ مَقِيلًا كُرِهَ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا ،
كَذَا أَطْلَقُوا الْعِبَارَةَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذَا
نَوْمُ الْمُعْتَكِفِ وَاسْتَثْنَاهُ فِي الْغُنْيَةِ وَاسْتَثْنَى
الْغَرِيبَ أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْآذَانِ
أَنَّهُ يُبَاحُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُفَصِّلْ .
وَقَالَ
الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَرَّانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا خِلَافَ
فِي جَوَازِهِ لِلْمُعْتَكِفِ وَكَذَا مَا لَا يُسْتَدَامُ كَبَيْتُوتَةِ
الضَّيْفِ ، وَالْمَرِيضِ ، وَالْمُسَافِرِ وَقَيْلُولَةِ الْمُجْتَازِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَمَا
يُسْتَدَامُ مِنْ النَّوْمِ كَنَوْمِ الْمُقِيمِ بِهِ فَعَنْ أَحْمَدَ
الْمَنْعُ مِنْهُ كَمَا مَرَّ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ
وَأَبِي دَاوُد وَحَكَى الْقَاضِي رِوَايَةً بِالْجَوَازِ وَهُوَ قَوْلُ
الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ قَالَ وَبِهَذَا أَقُولُ .
فَصْلٌ (
يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْ كَلَامٍ وَشِعْرٍ قَبِيحٍ وَغِنَاءٍ وَصَبِيٍّ
وَمَجْنُونٍ ، وَيُبَاحُ فِيهِ اللَّعِبُ بِالسِّلَاحِ ) .
وَيُسَنُّ
صَوْنُهُ عَنْ إنْشَادِ شِعْرٍ قَبِيحٍ وَمُحَرَّمٍ وَغِنَاءٍ وَعَمَلِ
سَمَاعٍ وَإِنْشَادِ ضَالَّةٍ وَنِشْدَانِهَا وَيَقُولُ لَهُ سَامِعُهُ :
وَلَا وَجَدْتهَا وَلَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك ذَكَرَ ذَلِكَ فِي
الرِّعَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك
فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا كَمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَقُولَ : لَا وُجِدَتْ ، إنَّمَا
بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُتَوَجَّهُ فِي نَشْدِ الضَّالَّةِ وَهُوَ
طَلَبُهَا وَإِنْشَادُهَا وَهُوَ تَعْرِيفُهَا مَا فِي الْعُقُودِ مِنْ
التَّحْرِيمِ .
وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّهْيَ
عَنْهَا يَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْعُقُودِ فَدَلَّ عَلَى
التَّسْوِيَةِ لَكِنَّ مَذْهَبَهُ الْكَرَاهَةُ وَإِذَا حَرُمَ وَجَبَ
إنْكَارُهُ قَالَ فِي الْغُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ شِعْرٍ خَالٍ
مِنْ سُخْفِ وَهِجَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْأَوْلَى صِيَانَتُهَا إلَّا
أَنْ يَكُونَ مِنْ الزُّهْدِيَّاتِ فَيَجُوزُ الْإِكْثَارُ إلَّا أَنَّ
الْمَسَاجِدَ وُضِعَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجَلَّ عَنْ
ذَلِكَ وَفِي الشَّرْحِ يُكْرَهُ إنْشَادُ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ .
قَالَ
فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْ نَظَرِ حُرُمِ النَّاسِ وَعَنْ إقَامَةِ حَدٍّ
وَسَلِّ سَيْفٍ وَنَحْوِهِ وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ
لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْحُدُودِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ
فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ السُّنَّةِ
ذِكْرُ اللَّهِ وَذِكْرُ الْعِلْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَرْكُ الْخَوْضِ ،
وَالْفُضُولِ وَحَدِيثِ الدُّنْيَا فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَقَدْ
رُوِيَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ غَلِيظَةٌ صَعْبَةٌ بِطُرُقٍ جِيَادٍ صِحَاحٍ
وَرِجَالٍ ثِقَاتٍ مِنْهَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ
يَجْلِسُونَ فِي الْمَسَاجِدِ إمَامُهُمْ الدُّنْيَا لَا تُجَالِسُوهُمْ
فَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ } .
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ { لَا
تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَجْلِسَ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ لَيْسَ
فِيهِمْ مُؤْمِنٌ حَدِيثُهُمْ فِيهَا الدُّنْيَا .
} وَمِنْهَا مَا
قَالَهُ الْحَسَنُ : سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَجْلِسُونَ فِي
الْمَسَاجِدِ حِلَقًا حِلَقًا حَدِيثُهُمْ الدُّنْيَا لَا تُجَالِسُوهُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَرَكَهُمْ مِنْ يَدِهِ .
فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ
حَدِيثِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْبَيْعِ ،
وَالشِّرَاءِ بِالْجِدَالِ ، وَالْخُصُومَةِ وَإِنْشَادِ الضَّوَالِّ
وَإِنْشَادِ الشِّعْرِ الْغَزَلِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ وَسَلِّ السُّيُوفِ
وَكَثْرَةِ اللَّغَطِ وَدُخُولِ الصِّبْيَانِ ، وَالنِّسَاءِ ،
وَالْمَجَانِينِ ، وَالْجُنُبِ ، وَالِارْتِقَاءُ بِالْمَسْجِدِ
وَاِتِّخَاذَهُ لِلصَّنْعَةِ ، وَالتِّجَارَةِ كَالْحَانُوتِ مَكْرُوهٌ
ذَلِكَ كُلُّهُ ، وَالْفَاعِلُ لَهُ آثِمٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَتَغْلِيظِهِ عَلَى فَاعِلِهِ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ
صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ وَقَدْ سُئِلَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَالَ : يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ
كَرِهَهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَبْلَ
الصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ سَاعَةُ تَسْبِيحٍ .
وَقَالَ مُهَنَّا
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْكَلَامِ ، وَالْحَدِيثِ قَبْلَ
صَلَاةِ الْفَجْرِ فَكَرِهَهُ وَقَالَ عُمَرُ : نَنْهَى عَنْهُ ، وَنَقَلَ
عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ قَالَ كُنَّا نَتَنَاظَرُ فِي الْمَسَائِلِ أَنَا
وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَنَقَلَ عَنْهُ صَالِحٌ
أَنَّهُ أَجَازَ الْكَلَامَ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ لَيْسَ الْكَلَامَ
الْكَثِيرَ قَالَ الْقَاضِي فَقَدْ أَجَازَ الْكَلَامَ فِي الْفِقْهِ
وَأَجَازَ الْيَسِيرَ عِنْدَ الْحَاجَةِ .
{ وَلَعِبَ الْحَبَشَةُ بِدَرَقِهِمْ
وَحِرَابِهِمْ
فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ عِيدٍ وَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُ عَائِشَةَ وَهِيَ تَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَقَالَ
دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَبَنُو أَرِفْدَةَ جِنْسٌ مِنْ الْحَبَشَةِ
يَرْقُصُونَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ :
بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرُهَا أَشْهَرُ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ
جَوَازُ اللَّعِبِ بِالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ فِي
الْمَسْجِدِ وَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَسْبَابِ
الْمُعِينَةِ عَلَى الْجِهَادِ وَفِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّأْفَةِ ، وَالرَّحْمَةِ وَحُسْنِ
الْخُلُقِ ، وَالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ .
وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ { جَاءَ جَيْشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ .
}
يَزْفِنُونَ أَيْ : يَرْقُصُونَ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَمَلَهُ
الْعُلَمَاءُ عَلَى التَّوَثُّبِ بِسِلَاحِهِمْ وَلَعِبِهِمْ
بِحِرَابِهِمْ عَلَى قَرِيبٍ مِنْ هَيْئَةِ الرَّاقِصِ لِأَنَّ مُعْظَمَ
الرِّوَايَاتِ إنَّمَا فِيهَا لَعِبُهُمْ بِحِرَابِهِمْ فَتَنَاوَلَ
هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَزَادَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ { لِتَعْلَمَ
يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً ، أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ
سَمْحَةٍ } وَلِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { لَمَّا
كَانَتْ الْحَبَشَةُ يَزْفِنُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرْقُصُونَ وَيَقُولُونَ مُحَمَّدٌ عَبْدٌ
صَالِحٌ فَقَالَ مَا يَقُولُونَ ؟ قَالُوا : يَقُولُونَ مُحَمَّدٌ عَبْدٌ
صَالِحٌ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ {
بَيْنَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرَابِهِمْ إذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَهْوَى إلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ يَا عُمَرُ }
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ
هَذَا لَا يَلِيقُ
بِالْمَسْجِدِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ .
فَصْلٌ ( فِي إنْكَارِ مَا يُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ فِي إحْيَاءِ لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالْمَوَالِدِ ) .
قَالَ
أَبُو الْوَفَاءِ بْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا أَبْرَأُ
إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا ، فِي الْمَسَاجِدِ
، وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِي يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً .
لَعَمْرِي إنَّهَا
لِإِحْيَاءِ أَهْوَائِهِمْ ، وَإِيقَاظِ شَهَوَاتِهِمْ ، جُمُوعُ
الرِّجَالِ ، وَالنِّسَاءِ مَخَارِجُ ، الْأَمْوَالِ فِيهَا مِنْ أَفْسَدِ
الْمَقَاصِدِ وَهُوَ الرِّيَاءُ ، وَالسُّمْعَةُ وَمَا فِي خِلَالِ كُلِّ
وَاحِدٍ مِنْ اللَّعِبِ ، وَالْكَذِبِ ، وَالْغَفْلَةِ ، مَا كَانَ
أَحْوَجَ الْجَوَامِعِ أَنْ تَكُون مُظْلِمَةً مِنْ سُرُجِهِمْ ،
مُنَزَّهَةً عَنْ مَعَاصِيهمْ وَفِسْقِهِمْ ، مُرْدَانٍ وَنِسْوَةٍ ،
وَفِسْقُ الرَّجُلِ عِنْدِي مَنْ وَزَنَ فِي نَفْسِهِ ثَمَنَ الشَّمْعَةِ
فَأَخْرَجَ بِهِ دُهْنًا وَحَطَبًا إلَى بُيُوتِ الْفُقَرَاءِ وَوَقَفَ
فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ بَعْدَ إرْضَاءِ عَائِلَتِهِ بِالْحُقُوقِ فَكُتِبَ
فِي الْمُتَهَجِّدِينَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِحُزْنٍ وَدَعَا لِنَفْسِهِ
وَأَهْلِهِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَبَكَّرَ إلَى مَعَاشِهِ لَا إلَى
الْمَقَابِرِ فَتَرْكُ الْمَقَابِرِ فِي ذَلِكَ عِبَادَةٌ .
يَا هَذَا اُنْظُرْ إلَى خُرُوجِك إلَى الْمَقَابِرِ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وُضِعَتْ لَهُ .
قَالَ
{ تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ } فَأَشْغَلَكَ بِتَلَمُّحِ الْوُجُوهِ
النَّاضِرَةِ فِي تِلْكَ الْجُمُوعِ لِزَرْعِ اللَّذَّةِ فِي قَلْبِكَ ،
وَالشَّهْوَةِ فِي نَفْسِكَ مِنْ مُطَالَعَةِ الْعِظَامِ النَّاخِرَةِ
يُسْتَدْعَى بِهَا ذِكْرُ الْآخِرَةِ كَلًّا مَا خَرَجْت إلَّا
مُتَنَزِّهًا ، وَلَا عُدْت إلَّا مُتَأَثِّمًا ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَك
بَيْنَ الْقُبُورِ ، وَالْمَسَاكِنِ مَعَ الْفُرْجَةِ لَا أَقَلَّ مِنْ
أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَعَاصِي بَيْنَ الْجُدْرَانِ فَأَمَّا أَنْ
تُجْعَلَ الْمَقَابِرُ ، وَالْمَشَاهِدُ عِلَّةً فِي الِاشْتِهَارِ فَلَا
فَعَلَى مَنْ فَطِنَ لِقَوْلِي فِي رَجَبٍ وَأَمْثَالِهِ { فَلَا
تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } .
عَزَّ عَلَيَّ بِقَوْمٍ فَأَتَتْهُمْ أَيَّامُ الْمَوَاسِمِ الَّتِي يَحْظَى فِيهَا قَوْمٌ بِأَنْوَاعِ الْأَرْبَاحِ
،
وَلَيْتَهُمْ خَرَجُوا مِنْهَا بِالْبَطَالَةِ رَأْسًا بِرَأْسٍ مَا
قَنَعُوا حَتَّى جَعَلُوهَا مِنْ السَّنَةِ إلَى السَّنَةِ خَلْسًا
لِاسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ وَاسْتِلَامِ الشَّهَوَاتِ الْمَحْظُورَاتِ مَا
بَالُ الْوُجُوهِ الْمَصُونَةِ فِي جُمَادَى هُتِكَتْ فِي رَجَبٍ
بِحُجَّةِ الزِّيَارَاتِ { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } { مَا
لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } نُوحَ .
وَقَالَ أَتَرَى
بِمَاذَا تَتَحَدَّثُ عَنْك سَوَارِي الْمَسْجِدِ فِي الظُّلَمِ ،
وَأَفْنِيَةُ الْقُبُورِ ، وَالْقِبَابِ ، بِالْبُكَاءِ مِنْ خَوْفِ
الْوَعِيدِ ، وَالتَّذْكِرَةِ لِلْآخِرَةِ ؟ بِنَظَرِ الْعِبْرَةِ إذَا
تَحَدَّثَتْ عَنْ أَقْوَامٍ خَتَمُوا فِي بُيُوتِهِمْ الْخَتْمَاتِ
وَصَانُوا الْأَهْلَ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حَيْثُ { انْسَلَّ مِنْ فِرَاشِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا إلَى الْمَسْجِدِ لَا جُمُوعَ وَلَا شُمُوعَ ؟ طُوبَى لِمَنْ
سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ فَانْزَوَى إلَى زَاوِيَةِ بَيْتِهِ فَانْتَصَبَ
لِقِرَاءَةِ جُزْءٍ فِي رَكْعَتَيْنِ بِتَدَبُّرٍ وَتَفَكُّرٍ }
فَيَالَهَا مِنْ لَحْظَةٍ مَا أَصْفَاهَا مِنْ أَكْدَارِ الْمُخَالَطَاتِ
وَأَقْذَارِ الرِّيَاءِ ، غَدًا يَرَى أَهْلُ الْجُمُوعِ أَنَّ
الْمَسَاجِدَ تَلْعَنُهُمْ ، وَالْمَشَاهِدَ ، وَالْمَقَابِرَ تَسْتَغِيثُ
مِنْهُمْ .
يُبَكِّرُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ : أَنَا صَائِمٌ ، مَتَى
أَفْلَحَ عُرْسُك حَتَّى يَكُونَ لَهُ صُبْحَةٌ ؟ قُلْ لِي يَا مَنْ
أَحْيَا فِي الْجَامِعِ بِأَيِّ قَلْبٍ رَجَعْت ؟ مَاتَ وَاَللَّهِ
قَلْبُك ، وَعَابَتْ نَفْسُك ، مَا أَخْوَفَنِي عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا
الْفِعْلَ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي أَنْ يَخَافَ فِي مَوَاطِنِ الْأَمْنِ ،
وَيَظْمَأَ فِي مَقَامَاتِ الرِّيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَإِذَا
كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ فَمَا ظَنُّك بِزَمَنِنَا هَذَا الَّذِي
بَيْنَهُمَا نَحْوُ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ وَمَا يَجْرِي بِالشَّامِّ
وَمِصْرَ ، وَالْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي
أَيَّامِ الْمَوَاسِمِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { لَا يَأْتِي عَامٌ إلَّا
وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ } سَمِعْته مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ إنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ فِي حُصُولِ الْمُحَرَّمِ ، وَالْمُنْكَرِ وَلَا بُدَّ حَرُمَ تَعَاطِيهِ وَدُخُولُهُ وَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ كُرِهَ ، وَقَدْ يُقَالُ يَحْرُمُ فَإِنْ ظَنَّ مَعَ ذَلِكَ اشْتِمَالَهُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْخَيْرِ تَزِيدُ عَلَى نَوْعِ الْمَكْرُوهِ ، أَوْ تُسَاوِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَبِكُلِّ حَالٍ فَالنَّوَافِلُ ، وَالتَّطَوُّعَاتُ خُفْيَةً أَوْلَى فِي الْجُمْلَةِ بِلَا إشْكَالٍ وَأَسْلَمُ مِنْ الرِّيَاءِ ، وَالسُّمْعَةِ ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ ، وَالْمُسَامَحَةَ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
فَصْلٌ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ حَصَاهُ وَتُرَابُهُ لِلتَّبَرُّكِ وَغَيْرِهِ كَذَا قَالُوا : وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَيُتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ ، إمَّا مُرَادُهُمْ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ ، وَإِمَّا مُرَادُهُمْ إخْرَاجُ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ لَا الْكَثِيرِ ، قَالُوا : وَيُبَاحُ وَضْعُ حَصًى مَكَانَ غَيْرِهِ فِيهِ .
فَصْلٌ فِي صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ كُلِّ حَدَثٍ وَنَجِسٍ وَإِغْلَاقِ أَبْوَابِهِ لِمَنْعِ الْمُنْكَرِ فِيهِ .
قَالَ
فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُغْرَسَ فِي
الْمَسْجِدِ شَيْءٌ وَلِلْإِمَامِ قَلْعُ مَا غُرِسَ فِيهِ بَعْدَ
إيقَافِهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَى كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ
الْفَرَجِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، وَقَطَعَ فِي التَّلْخِيصِ بِأَنَّهَا
تُقْلَعُ كَمَا لَوْ غُرِسَتْ فِي أَرْضِ غَصْبٍ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ
فِي الْمُحَرَّرِ .
وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْفَرَجِ فِي
الْمُبْهِجِ أَنَّهُ يُكْرَهُ غَرْسُهَا وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ
الْفَرَجِ بْنِ الصَّبَّاحِ : هَذِهِ غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاَلَّذِي
غَرَسَهَا ظَالِمٌ غَرَسَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ .
وَسَأَلَهُ مُثَنَّى عَنْ هَذَا قَالَ مُثَنَّى : فَلَمْ يُعْجِبْهُ .
وَقَالَ
فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى يُسَنُّ أَنْ يُصَانَ عَنْ الزَّرْعِ فِيهِ ،
وَالْغَرْسِ وَأَكْلِ ثَمَرِهِ مَجَّانًا فِي الْأَشْهَرِ ، وَعَنْ
الْجِمَاعِ فِيهِ ، أَوْ فَوْقَهُ .
وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ يُكْرَهُ الْجِمَاعُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالتَّمَسُّحُ بِحَائِطِهِ وَالْبَوْلُ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَهَذَا
النَّصُّ فِي مَسَائِلِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، وَذَكَرَ ابْنُ
عَقِيلٍ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْفُصُولِ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ
أَكْرَهُ لِمَنْ بَالَ أَنْ يَمْسَحَ ذَكَرَهُ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ
قَالَ ، وَالْمُرَاد بِهِ الْحَظْرُ وَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ ،
وَالْقَيْءُ وَنَحْوُهُ .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يُبَاحَ الْفَصْدُ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَسْتٍ لِحَدِيثِ الْمُعْتَكِفَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ إخْرَاجُ كُلِّ نَجَاسَةٍ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ بَالَ خَارِجًا عَنْهُ وَجَسَدُهُ فِيهِ دُونَ ذَكَرِهِ كُرِهَ وَعَنْهُ يَحْرُمُ .
وَيُبَاحُ
غَلْقُ أَبْوَابِهِ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ مَنْ يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ
نَصَّ عَلَيْهِ وَقَتْلُ الْبَرَاغِيثِ ، وَالْقُمَّلِ فِيهِ نَصَّ
عَلَيْهِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى
طَهَارَتِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ
بِإِخْرَاجِهِ لِأَنَّ إلْقَاءَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَبَقَاءَهُ لَا
يَجُوزُ .
وَفِي الْمُفِيدِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَيُكْرَهُ
إغْلَاقُ بَابِ الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعًا عَنْ الصَّلَاةِ
وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْآيَةِ قَالَ وَقَالَ مَشَايِخُنَا لَا بَأْسَ
بِهِ فِي زَمَانِنَا فِي غَيْرِ أَوَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُخَافُ
عَلَى مَا فِيهِ مِنْ السَّرِقَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَفِي كَرَاهَةِ الْوُضُوءِ فِيهِ ، وَالْغُسْلِ رِوَايَتَانِ .
وَحَكَى
بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَعَلَّهُ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ
الْمُسْتَعْمَلَ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ نَجِسٌ ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ
وَاضِحٌ .
فَصْلٌ ( فِي الْخِلَافِ فِي دُخُولِ الْكَافِرِ مَسَاجِدَ الْحِلِّ ، وَالتَّفْصِيلِ فِيهِ ) .
وَفِي
جَوَازِ دُخُولِ الْكَافِرِ مَسَاجِدَ الْحِلِّ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ
لِمَصْلَحَةٍ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ،
وَالْمَنْعُ مُطْلَقًا أَظْهَرُ فَإِنْ جَازَ فَفِي جَوَازِ جُلُوسِهِ
فِيهِ جُنُبًا وَجْهَانِ ، وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةَ
الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ إذْنٍ .
وَقَالَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ هَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُخُولُ مَسَاجِدِ
الْحِلِّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ
أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ دُخُولُهَا بِإِذْنِ مُسْلِمٍ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ،
وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْجَوَازُ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا
أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لِكَافِرٍ دُخُولَ مَسَاجِدِ الْحِلِّ ؟ فِيهِ
رِوَايَتَانِ ، ثُمَّ هَلْ الْخِلَافُ فِي كُلِّ كَافِرٍ أَمْ فِي أَهْلِ
الذِّمَّةِ فَقَطْ ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ .
وَهَلْ مَحَلُّ الْخِلَافِ
مَعَ إذْنِ مُسْلِمٍ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ ، أَوْ يُعْتَبَرُ
إذْنُ الْمُسْلِمِ فَقَطْ ؟ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ .
وَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ جَوَازُ دُخُولِهِ بِإِذْنِ مُسْلِمٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ
وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَمَذْهَبُ أَبِي
حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْكِتَابِيِّ دُونَ غَيْرِهِ وَلَيْسَ
لِكَافِرٍ دُخُولُ الْحَرَمَيْنِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ قَطَعَ بِهِ ابْنُ
حَامِدٍ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَقِيلَ يَجُوزُ .
قَالَ
الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ فِي رِوَايَةِ
الْأَثْرَمِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَحَكَى أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمَنْعَ
مِنْ حَرَمِ مَكَّةَ دُونَ الْمَدِينَةِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا
يَجُوزُ لِكَافِرٍ دُخُولُ الْحَرَمِ وَكَذَا ذَكَرَ فِي الشَّرْحِ
وَغَيْرِهِ .
فَصْلٌ ( فِي الِاجْتِمَاعِ وَالِاسْتِلْقَاءِ وَالْأَكْلِ وَإِعْطَاءِ السَّائِلِ فِي الْمَسْجِدِ ) .
وَلَا
يَجُوزُ دُخُولُ مَسْجِدٍ لِلْأَكْلِ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ
وَابْنُ حَمْدَانَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا
يُنْشَدُ فِيهِ شِعْرٌ وَلَا يُمَرَّ فِيهِ بِلَحْمٍ .
وَذُكِرَ فِي
الشَّرْحِ ، وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لِلْمُعْتَكِفِ الْأَكْلَ
فِي الْمَسْجِدِ وَغَسْلَ يَدِهِ فِي طَسْتٍ .
وَذُكِرَ فِي الشَّرْحِ
فِي آخِرِ بَابِ الْأَذَانِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاجْتِمَاعِ فِي
الْمَسْجِدِ ، وَالْأَكْلِ فِيهِ ، وَالِاسْتِلْقَاءِ فِيهِ قَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ السُّؤَالُ ، وَالتَّصَدُّقُ فِي الْمَسَاجِدِ
وَمُرَادُهُمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّصَدُّقُ عَلَى السُّؤَالِ لَا
مُطْلَقًا وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يَذْكُرْ
الْكَرَاهَةَ وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ مَنْ
سَأَلَ قَبْلَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ جَلَسَ لَهَا تَجُوزُ
الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ
أَوْ سَأَلَ الْخَاطِبُ الصَّدَقَةَ عَلَى إنْسَانٍ جَازَ .
وَرَوَى
الْبَيْهَقِيّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَدْرٍ
قَالَ صَلَّيْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
يَقْرُبُ مِنِّي فَقَامَ سَائِلٌ فَسَأَلَ فَأَعْطَاهُ أَحْمَدُ قِطْعَةً
فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ إلَى ذَلِكَ السَّائِلِ
فَقَالَ أَعْطِنِي تِلْكَ الْقِطْعَةَ فَأَبَى فَقَالَ أَعْطِنِي
وَأُعْطِيكَ دِرْهَمًا فَلَمْ يَفْعَلْ فَمَا زَالَ يَزِيدُهُ حَتَّى
بَلَغَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَإِنِّي أَرْجُو مِنْ
بَرَكَةِ هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَا تَرْجُوهُ أَنْتَ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ
الْبَلْخِيُّ الْحَنَفِيُّ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ سُؤَالَ
الْمَسْجِدِ .
قَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ لَوْ كُنْت قَاضِيًا لَمْ
أَقْبَلْ شَهَادَةَ مَنْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ
الْمُحِيطِ مِنْهُمْ أَنَّهُ إنْ سَأَلَ لِأَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا
ضَرَرَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَلَا كُرْهًا .
فَصْلٌ تَقْدِيمُ
الرِّجْلِ الْيُمْنَى فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْيُسْرَى فِي
الْخُرُوجِ مِنْهُ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِالنَّعْلَيْنِ وَأَيْنَ
يَضَعُهُمَا إذَا خَلَعَهُمَا ؟ ) وَيُقَدِّمُ الْمُسْلِمُ يُمْنَاهُ فِي
دُخُولِهِ وَيُسْرَاهُ فِي خُرُوجِهِ وَيَقُولُ مَا وَرَدَ ، وَيُكْرَهُ
أَنْ يَنْتَعِلَ قَائِمًا ، وَعَنْهُ يُبَاحُ ، وَيُسَنُّ أَنْ يَبْدَأَ
بِخَلْعِ الْيُسْرَى وَلُبْسِ الْيُمْنَى بِيَسَارِهِ فِيهَا ،
وَالْمَسْجِدُ وَنَحْوُهُ فِيهِمَا سَوَاءٌ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ رَأَيْت
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِد خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَهُوَ
قَائِمٌ .
وَلَهُ الصَّلَاةُ فِي نَعْلِهِ وَتَرْكُهُ أَمَامَهُ ،
وَعَنْهُ بَلْ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَمَّا خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَهُمَا
عَنْ يَسَارِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَبِي دَاوُد مِنْ
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ
فَلَا يُؤْذِ بِهِمَا أَحَدًا لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَوْ
لِيُصَلِّ فِيهِمَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِي خَبَرِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ }
رَوَى ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ حَكَاهُ الْقَاضِي قَالَ وَقِيلَ :
إنْ كَانَ مَأْمُومًا جَعَلَهُمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ
مَنْ عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ شِمَالِهِ ، وَإِنْ كَانَ إمَامًا ، أَوْ
مُنْفَرِدًا جَعَلَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ لِئَلَّا يُؤْذِيَ أَحَدًا قَالَ
الْقَاضِي وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا جَانِبَ الْيَسَارِ لِأَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي
سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ .
وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْخَلَّالُ
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ ، وَلِأَنَّ الْيَسَارَ
جُعِلَتْ لِلْأَشْيَاءِ الْمُسْتَقْذَرَةِ مِنْ الْأَفْعَالِ قَالَ
الْقَاضِي : فَأَمَّا مَوْضِعُهَا مِنْ غَيْرِ الْمُصَلَّى فَإِلَى
جَنْبِهِ .
كَذَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ
اللِّبَاسِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ إذَا
جَلَسَ
أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَضَعَهُمَا بِجَنْبِهِ .
وَيُمْنَعُ
السَّكْرَانُ مِنْ دُخُولِهِ وَيُمْنَعُ نَجِسُ الْبَدَنِ مِنْ اللُّبْثِ
فِيهِ بِلَا تَيَمُّمٍ ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ .
فَصْلٌ ( فِيمَنْ سَبَقَ إلَى مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ وَفِي كَنْسِهِ وَتَنْظِيفِهِ وَتَطْيِيبِهِ وَلُقَطَتِهِ ) .
وَإِنْ
جَلَسَ غَيْرُ الْإِمَامِ فِي مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَحَقُّ
بِهِ وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ يُكْرَهُ دَوَامُهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ
فَإِنْ دَامَ فَلَيْسَ هُوَ بِهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ قَامَ
مِنْهُ فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِيهِ .
وَيُسَنُّ كَنْسُ الْمَسْجِدِ
يَوْمَ الْخَمِيسِ وَإِخْرَاجُ كُنَاسَتِهِ وَتَنْظِيفُهُ وَتَطْيِيبُهُ
فِيهِ وَشَعْلُ الْقَنَادِيلِ فِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ ، وَمِمَّا يَنْبَغِي
أَنْ يُتَفَطَّنَ لَهُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ شَيْءٍ ،
أَخَذَ مُلْقًى فِي الْمَسْجِدِ يُصَانُ عَنْهُ ، ثُمَّ يَضَعَهُ فِيهِ
فَإِنَّهُ يُتَوَجَّهُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُلْزَمُ بِالْأَخْذِ لِأَنَّ
خَلَاءَ الْمَسْجِدِ مِنْهُ فَإِذَا أُلْقِيَ فِيهِ فَهُوَ كَنُخَامَةٍ
وَنَحْوِهَا أُلْقِيَتْ فِيهِ .
وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ
اللَّهُ فِي اللُّقَطَةِ يُلْزَمُ بِأَخْذِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ
كَانَ الْمَوْجُودُ مَقْصُودًا وَضْعُهُ فِي الْمَسْجِدِ كَالْحَصْبَاءِ ،
أَوْ لَمْ يُقْصَدْ وَضْعُهُ لَكِنَّهُ أَرْضُ الْمَسْجِدِ وَلَمَّا
أَرْسَلَ ابْنُ عُمَرَ إلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنْ رِوَايَةِ أَبِي
هُرَيْرَةَ فِي قِيرَاطَيْ الْجِنَازَةِ أَخَذَ قَبْضَةً مِنْ حَصْبَاءَ
يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ إلَيْهِ الرَّسُولُ فَقَالَ :
قَالَتْ : عَائِشَةُ : صَدَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ
بِالْحَصْبَاءِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ الْأَرْضَ ، ثُمَّ قَالَ لَقَدْ
فَرَّطْنَا فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْلُهُ فِي
الْبُخَارِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ
بِمِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ .
وَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَمَى الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ فِي الْمَسْجِدِ بِالْحَصْبَاءِ لِيَأْتِيَهُ فَأَتَاهُ .
قَالَ
ابْنُ هُبَيْرَةَ : فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ رَمْيِ الرَّجُلِ
صَاحِبَهُ فِي الْمَسْجِد بِالْحَصْبَاءِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ
بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَزَالُونَ يَسْأَلُونَك يَا
أَبَا
هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ فَقَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا اللَّهُ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ قَالَ فَأَخَذَ حَصًا بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ ، ثُمَّ قَالَ قُومُوا صَدَقَ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَلِمُسْلِمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا { لَيَسْأَلَنَّكُمْ النَّاسُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَقُولُوا اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَمَنْ خَلَقَهُ } وَفِي هَذَا تَأْدِيبُ مَنْ يَسْأَلُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي بِالْقَوْلِ ، وَالْفِعْلِ .
فَصْلٌ ( فِي الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ بِالنَّعْلَيْنِ
وَكَوْنِ طَهَارَتِهِمَا بِمَسْحِهِمَا بِالْأَرْضِ غَيْرَ أَرْضِ
الْمَسْجِدِ ) .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا جَاءَ
أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقْلِبْ نَعْلَيْهِ ، ثُمَّ لِيَنْظُر
فِيهِمَا فَإِنْ رَأَى خَبَثًا فَلْيَمْسَحْهُ بِالْأَرْضِ ، ثُمَّ
لِيُصَلِّ فِيهِمَا } إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَمُرَادُهُ
أَنْ يَمْسَحَ الْخَبَثَ بِغَيْرِ أَرْضِ الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ لَمْ
يُصَلِّ فِي نَعْلَيْهِ وَوَضَعَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَرْمِ
بِهِمَا فِيهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكِبْرِ ، وَالتَّعَاظُمِ أَوْ
كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَرْضِ الْمَسْجِدِ ، أَوْ
فِي أَذَى أَحَدٍ فَلَا خَفَاءَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ
مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فَالْأَدَبُ أَلَّا يَفْعَلَ ذَلِكَ
لِأَنَّهُ خِلَافُ التَّعْظِيمِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي بُيُوتِ اللَّهِ
تَعَالَى وَأَحَبِّ الْبِقَاع إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَيُشْبِهُ هَذَا
رَمْيَ الْكِتَابِ بِالْأَرْضِ وَقَدْ فَعَلَهُ رَجُلٌ عِنْدَ أَحْمَدَ
فَغَضِبَ وَقَالَ هَكَذَا يُفْعَلُ بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ ؟ وَفِي
الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ لَوْ مَشَى فِي الطِّينِ كُرِهَ
لَهُ أَنْ يَمْسَحَهُ بِحَائِطِ الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ مَسَحَهُ بِتُرَابِ
الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَجْمُوعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ
مُنْبَسِطًا يُكْرَهُ .
فَصْلٌ وَسَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّسْخِ فِيهِ دُونَ وَضْعِ النَّعْشِ .
وَقَالَ
أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَسُئِلَ عَنْ النَّعْشِ يُوضَعُ فِي
الْمَسْجِدِ قَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَوَقَّاهُ ، وَكَرِهَ الْإِمَامُ
أَحْمَدُ اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا .
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ
إبْرَاهِيمَ وَسُئِلَ عَنْ الْمَشْيِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ لَا
تَتَّخِذُوا الْمَسْجِدَ طَرِيقًا فَإِنْ كَانَتْ عِلَّةٌ فَلَا بَأْسَ .
فَصْلٌ
قَالَ الْقَاضِي : فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ : فَأَمَّا جُلُوسُ
الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ
وَالتَّصَدِّي لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
زَاجِرٌ مِنْ نَفْسِهِ أَنْ لَا يَتَصَدَّى لِمَا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ
إلَى أَنْ قَالَ وَلِلسُّلْطَانِ فِيهِمْ مِنْ النَّظَرِ مَا يُوجِبهُ
الِاحْتِيَاطُ مِنْ إنْكَارٍ وَإِقْرَارٍ ، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ هُوَ
لِذَلِكَ أَهْلٌ أَنْ يَتَرَتَّبَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ لِتَدْرِيسٍ
أَوْ فُتْيَا نُظِرَ فِي حَالِ الْمَسْجِدِ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مَسَاجِدِ
الْمَحَالِّ الَّتِي لَا تَتَرَتَّبُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا مِنْ جِهَةِ
السُّلْطَانِ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ يَتَرَتَّبُ فِيهَا لِذَلِكَ
اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِي جُلُوسِهِ كَمَا لَا يَلْزَمُ أَنْ
يَسْتَأْذِنَ مَنْ يَتَرَتَّبُ فِيهَا لِلْإِمَامَةِ .
وَإِنْ كَانَ
مِنْ الْجَوَامِعِ وَكِبَارِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ
الْأَئِمَّةُ فِيهَا بِتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ عُرْفُ
الْبَلَدِ وَعَادَتُهُ فِي جُلُوسِ أَمْثَالِهِ ، فَإِنْ كَانَ
لِلسُّلْطَانِ فِي جُلُوسِ مِثْلِهِ نَظَرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ
يَتَرَتَّبَ لِلْجُلُوسِ فِيهِ إلَّا عَنْ إذْنِهِ كَمَا لَا يَتَرَتَّبُ
لِلْإِمَامَةِ فِيهِ إلَّا عَنْ إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ افْتِئَاتٌ عَلَيْهِ
فِي وِلَايَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ فِي مِثْلِهِ نَظَرٌ
مَعْهُودٌ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ
كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ .
قَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ
الْحَارِثِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اعْتِبَارِ
الْإِذْنِ ؛ لِأَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ ؛
لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى إلَى التَّعْطِيلِ وَلِفِعْلِ السَّلَفِ وَمَا
ذُكِرَ مِنْ الِافْتِئَاتِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ
الْقَاضِي : وَيُمْنَعُ النَّاسُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ مِنْ
اسْتِطْرَاقِ حِلَقِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ صِيَانَةً لِحُرْمَتِهَا
، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { لَا حِمَى إلَّا فِي ثَلَاثَةٍ الْبِئْرِ وَطُولِ
الْفَرَسِ وَحَلْقَةِ الْقَوْمِ .
} فَأَمَّا
الْبِئْرُ فَهِيَ
مُنْتَهَى حَرِيمِهَا ، وَأَمَّا طُولُ الْفَرَسِ فَهُوَ مَا دَارَ فِيهِ
بِمَقُودِهِ إذَا كَانَ مَرْبُوطًا ، وَأَمَّا حَلْقَةُ الْقَوْمِ فَهِيَ
اسْتِدَارَتُهُمْ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَاوُرِ وَالْحَدِيثِ .
وَهَذَا
الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي إسْنَادُهُ جَيِّدٌ مِنْ حَدِيثِ
سَعْدٍ الْكَاتِبِ عَنْ بِلَالٍ الْعَنْبَسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ .
وَإِذَا
تَنَازَعَ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ
الِاجْتِهَادُ لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِمْ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْدُثَ
بَيْنَهُمْ تَنَافُرٌ فَيَكُفُّوا عَنْهُ ، وَإِنْ حَدَثَ مُنَازِعٌ
ارْتَكَبَ مَا لَا يَسُوغُ فِي الِاجْتِهَادِ كَفَّ عَنْهُ وَمُنِعَ
مِنْهُ ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَ بِاسْتْغْوَاءِ مَنْ
يَدْعُو إلَيْهِ لَزِمَ السُّلْطَانَ أَنْ يَحْسِمَهُ بِزَوَاجِرِ
السَّلْطَنَةِ ، لِيَتَبَيَّنَ ظُهُورَ بِدْعَتِهِ ، وَيُوَضِّحَ
بِدَلَائِلِ الشَّرْعِ فَسَادَ مَقَالَتِهِ ، فَإِنَّ لِكُلِّ بِدْعَةٍ
مُسْتَمِعًا ، وَلِكُلِّ مُسْتَغْوٍ مُتَّبِعًا .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ إسْنَادِ الظَّهْرِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ جُلُوسِ الْقُرْفُصَاءِ ) .
يُسَنُّ
أَنْ يَشْتَغِلَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ
وَيَجْلِسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْنِدَ ظَهْرَهُ
إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ أَحْمَدُ : هَذَا مَكْرُوهٌ وَصَرَّحَ الْقَاضِي
بِالْكَرَاهَةِ قَالَ إبْرَاهِيمُ : كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ
يَتَسَانَدُوا إلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ رَوَاهُ أَبُو
بَكْرٍ النَّجَّادُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيِّ :
مَا رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ جَالِسًا إلَّا الْقُرْفُصَاءَ إلَّا
أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَنَاقِبِ :
وَهَذِهِ الْجِلْسَةُ تَحْكِيهَا قَيْلَةُ فِي حَدِيثِهَا { إنِّي
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا
جِلْسَةَ الْمُتَخَشِّعِ الْقُرْفُصَاءَ } وَكَانَ أَحْمَدُ يَتَيَمَّمُ
فِي جُلُوسِهِ هَذِهِ الْجِلْسَةَ ، وَهِيَ أَوْلَى الْجِلْسَاتِ
بِالْخُشُوعِ .
وَالْقُرْفُصَاءُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ عَلَى
أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ بِأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ
إلَى الْأَرْضِ ، وَرُبَّمَا احْتَبَى بِيَدِهِ ، وَلَا جِلْسَةَ أَخْشَعُ
مِنْهَا انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَحَدِيثُ قَيْلَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَّانَ
الْعَنْبَرِيِّ حَدَّثَنِي جَدَّتَايَ صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ ابْنَتَا
عُلَيَّةَ وَكَانَتَا رَبِيبَتَيْ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ ، وَكَانَتْ
جَدَّةَ أَبِيهِمَا أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّهَا { رَأَتْ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاعِدٌ
الْقُرْفُصَاءَ فَلَمَّا رَأَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمُتَخَشِّعَ وَفِي لَفْظٍ الْمُتَخَشِّعَ فِي الْجِلْسَةِ
أَرْعَدَتْ مِنْ الْفَرَقِ .
} صَفِيَّةُ وَدُحَيْبَةُ تَفَرَّدَ
عَنْهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِهِ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ
عَنْ قَوْلِهَا { رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَالِسٌ الْقُرْفُصَاءَ } قَالَ : هِيَ
جِلْسَةُ الْمُحْتَبِي
بِيَدَيْهِ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ
مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ هَكَذَا وَصَفَ بِيَدَيْهِ الِاحْتِبَاءَ وَهُوَ
الْقُرْفُصَاءُ .
} وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إذَا جَلَسَ احْتَبَى بِيَدَيْهِ ، } وَصَحَّ عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ قَالَ : { كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ
تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ } قَالَ
فِي الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ النِّيَّةِ : وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ
، وَكَذَا فِي الرِّعَايَةِ وَزَادَ عَلَى خِلَافِ صِفَةِ مَا
شَبَّكَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا
يُكْثِرُ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ الدُّنْيَا أَوْ سُكُوتِهِ وَعَنْهُ لَا
يُسَنُّ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فِيهِ قَبْلَ الْفَرْضِ وَسُنَنِهِ .
فَصْلٌ
فِي عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَمُرَاعَاةِ أَبْنِيَتِهَا وَوَضْعِ
الْمَحَارِيبِ فِيهَا قَالَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ عِمَارَةُ
الْمَسَاجِدِ وَمُرَاعَاةُ أَبْنِيَتِهَا مُسْتَحَبَّةٌ .
وَقَالَ
ابْنُ تَمِيمٍ : بِنَاءُ الْمَسْجِدِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ، وَيُسْتَحَبُّ
اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ فِيهِ وَفِي الْمَنْزِلِ وَقَالَ الشَّيْخُ
وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنْجِي فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : بِنَاءُ
الْمَسْجِدِ مُسْتَحَبٌّ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِالْحَثِّ عَلَيْهِ
وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الرِّعَايَةِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ أَنَّ
الْمَسَاجِدَ وَالْجَوَامِعَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ .
وَقَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ : يَنْبَغِي اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ فِيهِ لِيَسْتَدِلَّ
بِهِ الْجَاهِلُ ، وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
وَيُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ : يُسْتَحَبُّ
أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَتَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ
وَكِسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ وَأَنْ يَبْنِيَهُ
بِيَدِهِ ، فَظَاهِرُ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ
فِي هَذَا بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا
يَكُونُ الْمُرَادُ بِعِمَارَتِهِ فِي الْآيَةِ دُخُولَهُ وَالْجُلُوسُ
فِيهِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ .
يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى
أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ
أَبِي الْهَيْثَمِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
مَرْفُوعًا { إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ
فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ } .
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ
: { إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } دَرَّاجٌ ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا عَنْ أَبِي
الْهَيْثَمِ وَجَوَّزَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ وَقَالَ : لِمَنْ
احْتَجَّ بِالْآيَةِ : الْآيَةُ وَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ ، وَهِيَ
عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِكَافِرٍ
عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ لِشَرَفِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْعِمَارَةَ لَهُ
هَلْ هِيَ دُخُولُهُ وَالْجُلُوسُ فِيهِ أَمْ الْبِنَاءُ لَهُ وَإِصْلَاحُهُ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ : وَكِلَاهُمَا مَحْظُورٌ عَلَى الْكَافِرِ وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ .
فَصْلٌ ( فِي التَّغَلُّبِ عَلَى الْمَسْجِدِ وَغَصْبِهِ وَحُكْمِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَالضَّمَانِ لَهُ ) .
قَالَ
ابْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنْ تَغَلَّبَ مُتَغَلِّبٌ عَلَى
مَسْجِدٍ وَمَنَعَ دُخُولَ النَّاسِ إلَيْهِ نَظَرْتَ إلَيْهِ فَإِنْ
أَزَالَ الْآلَةَ الدَّالَّةَ عَلَى كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَادَّعَاهُ
مِلْكًا كَانَ كَسَائِرِ الْمَغْصُوبِ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ
رِوَايَتَانِ ، فَإِنْ مَنَعَ النَّاسَ عَنْهُ وَانْفَرَدَ بِهِ دُونَهُمْ
مِنْ غَيْرِ تَخْرِيبٍ لَمْ يَصِحَّ غَصْبُهُ حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّهُ
لَوْ تَلِفَ الْمَسْجِدُ فِي مُدَّةِ مَنْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ
كَالْحُرِّ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ
غَصْبُهُ أَنْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تَصِحَّ ؛
لِأَنَّهُ تَغَلَّبَ عَلَى أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا عَلَى سَبِيلِ
التَّعَدِّي أَشْبَهَ مَا إذَا تَغَلَّبَ عَلَى أَمْلَاكِ النَّاسِ ؛
وَلِأَنَّهُ لَيْسَ إذَا لَمْ يُمْلَكْ لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الصَّلَاةِ
غَصْبُهُ كَمَا لَوْ غَصَبَ سِتَارَةَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّى فِيهَا
مُسْتَتِرًا بِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ .
فَقَدْ اعْتَبَرَ
الْمَسْأَلَةَ بِغَصْبِ الْحُرِّ ، وَفِيهِ خِلَافٌ فِي ضَمَانِهِ
بِالْغَصْبِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ اتَّخَذَهُ مَسْكَنًا أَوْ
مَخْزَنًا وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنَّهُ يَضْمَنُ كَمَا نَقُولُ فِي الْحُرِّ :
إذَا اسْتَعْمَلَهُ كُرْهًا ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ
أَنَّهُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِ الْغَنِيمَةِ وَرَكِبَ دَابَّةً
مِنْهَا أَوْ دَابَّةً مِنْ الْجَيْشِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهَا .
وَذَكَرَ
الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ
أَنَّهُ : لَوْ غَصَبَهُ وَاِتَّخَذَهُ مَسْكَنًا وَانْهَدَمَ لَا ضَمَانَ
عَلَيْهِ كَالْحُرِّ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ
الْعُمْدَةِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَالَ : وَأَمَّا
قَوْلُ ابْنِ عَقِيلٍ : إنَّ الْمَسْجِدَ لَوْ تَلِفَ فِي مُدَّةِ
مَنْعِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ، بَلْ
الْمَسْجِدُ عَقَارٌ مِنْ الْعَقَارِ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ إجْمَاعًا
وَيُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ :
إنَّ الْعَقَارَ
يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَمَنْ لَمْ
يُضَمِّنْهُ بِالْغَصْبِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ
وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ تَقَوُّمَ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ
الْحُرِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ نَعَمْ يُشْبِهُ الْعَبْدَ
الْمَوْقُوفَ عَلَى خِدْمَةِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ
مُعَيَّنٌ ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ بِلَا تَرَدُّدٍ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ أَبُو دَاوُد : سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ
يَجِيءُ الرَّجُلُ بِزَكَاتِهِ يَعْنِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى
الْمَسْجِدِ أَوْ يُطْعِمُهُ قَالَ : يُطْعِمُهُ وَقَالَ : سَمِعْتُ
أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ تُجْمَعُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ :
أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَقَدْ وُضِعَ
تَمْرُ الصَّدَقَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَاتَ عِنْدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَجَاءَتْ الْغُولُ وَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَبَرُ مَشْهُورٌ فِي
الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا .
فَصْلٌ فُرُوعٌ فِي رَحْبَةِ
الْمَسْجِدِ وَبِنَائِهِ فِي الطَّرِيقِ وَمَتَى يَجُوزُ هَدْمُهُ
رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَتْ مُحَوَّطَةً فَلَهَا حُكْمُهُ ،
وَإِلَّا فَلَا .
قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُسْتَوْعِبِ .
وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَأَنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَعَنْهُ لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا .
وَهُوَ
ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَعَنْهُ لَهَا حُكْمُهُ مُطْلَقًا ،
وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي طَرِيقٍ
وَاسِعٍ وَعَلَيْهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالنَّاسِ ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ
مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ بُنِيَ عَلَى سَابَاطٍ أَوْ قَنْطَرَةِ جِسْرٍ
وَقَالَ : أَيْضًا حُكْمُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي بُنِيَتْ فِي الطُّرُقِ
أَنْ تُهْدَمَ .
وَقَالَ أَيْضًا : هَذِهِ الْمَسَاجِدُ أَعْظَمُ
جُرْمًا يَخْرُجُونَ عَلَى أَثَرِهِ ، وَعَنْهُ يَجُوزُ الْبِنَاءُ بِلَا
إذْنِهِ وَحَيْثُ جَازَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
، وَتَصِحُّ فِيمَا بُنِيَ عَلَى دَرْبٍ مُشْتَرَكٍ بِإِذْنِ أَهْلِهِ ،
وَفِيهِ وَجْهٌ لَا تَصِحُّ وَإِنْ جُدِّدَ الطَّرِيقُ وَنَحْوُهُ بَعْدَ
الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ .
وَقَالَ الْقَاضِي : إذَا أُحْدِثَ
الطَّرِيقُ بَعْدَ مَا بُنِيَ الْمَسْجِدُ فَقَدْ يَتَوَجَّهُ كُرْهُ
الصَّلَاةِ فِيهِ ، وَمَنْ جَعَلَ عُلْوِيَّتَهُ أَوْ أَسْفَلَهُ
مَسْجِدًا صَحَّ وَانْتَفَعَ بِالْآخَرِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ
الْكُبْرَى ، وَقَالَ : فِي الْمُسْتَوْعِبِ إنْ جَعَلَ أَسْفَلَ بَيْتِهِ
مَسْجِدًا لَمْ يَنْتَفِعْ بِسَطْحِهِ ، وَإِنْ جَعَلَ سَطْحَهُ مَسْجِدًا
انْتَفَعَ بِأَسْفَلِهِ نَصَّ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَسْفَلَ .
وَلَا
يَجُوزُ أَنْ يُهْدَمَ الْمَسْجِدُ وَيُبْنَى تَحْتَهُ حَوَانِيتُ
تَنْفَعُهُ أَوْ سِقَايَةٌ خَاصَّةٌ أَوْ عَامَّةٌ فَإِنْ انْهَدَمَ
الْمَسْجِدُ فَكَذَلِكَ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحَالَيْنِ
أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَهُوَ بَعِيدٌ ، وَقِيلَ
يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِهِ وَقِيلَ : يَجُوزُ أَنْ يُهْدَمَ
الْمَسْجِدُ وَيُجَدَّدَ بِنَاؤُهُ لِمَصْلَحَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ
تَارَةً فِي مَسْجِدٍ لَهُ حَائِطٌ قَصِيرٌ
غَيْرُ حَصِينٍ ، وَلَهُ مَنَارَةٌ : لَا بَأْسَ أَنْ تُهْدَمَ وَتُجْعَلَ فِي الْحَائِطِ ؛ لِئَلَّا تَدْخُلَهُ الْكِلَابُ وَقَالَ : لَا يَبْنِي مَسْجِدًا إلَى جَنْبِ مَسْجِدٍ آخَرَ إلَّا لِحَاجَةٍ كَضِيقِ الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ .
فَصْلٌ كَرَاهَةُ مَدِّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ .
ذَكَرَ
غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ
مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ ، وَهَذَا
إنْ أَرَادُوا بِهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا
فَمُسَلَّمٌ ، وَإِنْ أَرَادُوا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ،
فَالْكَرَاهَةُ تَسْتَدْعِي دَلِيلًا شَرْعِيًّا ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي
الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُهُ أَوْ جَوَازُهُ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ
الْمَيِّتِ .
قَالَ فِي الْمُفِيدِ مِنْ كُتُبِهِمْ : وَلَا يَمُدُّ
رِجْلَيْهِ يَعْنِي فِي الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إهَانَةً بِهِ ،
وَلَمْ أَجِدْ أَصْحَابَنَا ذَكَرُوا هَذَا ، وَلَعَلَّ تَرْكَهُ أَوْلَى
، وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ حُكْمِ
هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ قِيَاسُ كَرَاهَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
رَحِمَهُ اللَّهُ الِاسْتِنَادَ إلَى الْقِبْلَةِ كَمَا سَبَقَ فَإِنَّ
هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ .
وَيَنْبَغِي لِمَنْ
دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ يَنْوِيَ
الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فِيهِ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا
ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِنْهَاجِ ،
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ قَصْدُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ .
فَصْلٌ
فِي حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ : سَأَلْتُ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَفْرِ الْبِئْرِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ : لَا
قُلْتُ : فَإِنْ حَفَرْتَ بِئْرًا تَرَى أَنْ يُؤْخَذَ الْمُغْتَسَلُ
فَيُعْطَى بِهِ الْبِئْرُ قَالَ : لَا إنَّمَا ذَلِكَ لِلْمَوْتَى وَقَالَ
فِي الرِّعَايَةِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ : إنَّ أَحْمَدَ رَحِمَهُ
اللَّهُ لَمْ يَكْرَهْ حَفْرَهَا فِيهِ وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ : إنْ
كُرِهَ الْوُضُوءُ فِيهِ كُرِهَ حَفْرُهَا فِيهِ ، وَإِلَّا فَلَا .
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : ثَلَاثَةُ
أَشْيَاءَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهَا الْجُسُورُ وَالْقَنَاطِرُ
وَأَرَاهُ ذَكَرَ الْمَصَانِعَ وَالْمَسَاجِدَ ، وَقَالَ : قَدْ كَانَ
هَهُنَا قَوْمٌ أَخْرَجَهُمْ هَذَا الْأَمْرُ إلَى أَنْ أَبَاحُوا
السَّرِقَةَ فَقَالُوا : لَوْ سَرَقَ هَذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَطْعٌ
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا قَدْ مَرَقُوا
مِنْ الْإِسْلَامِ قَالَ : نَعَمْ وَقَالَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَبْلَ
مَوْتِهِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ : قَدْ دَخَلْتُ إلَى دَاخِلِ الْمَسْجِدِ
فَصَلَّيْتُ عَلَى الْحُصْرِ ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : هَذَا
الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ يُنْفِقُونَ عَلَيْهِ وَيَعْمُرُونَهُ .
فَصْلٌ ( فِي ذِكْرِ أَخْبَارٍ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ ) .
عَنْ
عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ
بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ
كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي
الْجَنَّةِ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا قَالَ : {
مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد .
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْتُ : لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ
إنَّ ابْنَ أَسْلَمَ الطُّوسِيَّ لَا يُجَصِّصُ مَسْجِدَهُ وَلَا يَرَى
بِطَرَسُوسَ مَسْجِدًا مُجَصَّصًا إلَّا قَلَعَ جِصَّهُ ، فَقَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ : هُوَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا .
وَذَكَرْتُ لِأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ مَسْجِدًا قَدْ بُنِيَ وَأُنْفِقَ عَلَيْهِ مَالٌ كَثِيرٌ
فَاسْتَرْجَعَ وَأَنْكَرَ مَا قُلْتُ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قَدْ
سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْحَلَ
الْمَسْجِدَ قَالَ : { لَا عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى .
} قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِثْلُ الْكُحْلِ يُطْلَى بِهِ .
أَيْ فَلَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَعَنْ
ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا
بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ بِالْجَرِيدِ وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ فَلَمْ
يَزِدْ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ شَيْئًا ، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ
عَلَيَّ بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا ثُمَّ
غَيَّرَهُ عُثْمَانُ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَبَنَى جِدَارَهُ
بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ بِالْقَصَّةِ وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ
حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ .
الْقَصَّةُ الْجِصُّ
.
وَعَنْ
أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ
فِي الْمَسَاجِدِ } إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { أُرَاكُمْ
سَتُشَرِّفُونَ مَسَاجِدَكُمْ كَمَا شَرَّفَتْ الْيَهُودُ كَنَائِسَهَا
وَكَمَا شَرَّفَتْ النَّصَارَى بِيَعَهَا } .
وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إلَّا
زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ } رَوَاهُمَا ابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
الْمُغَلِّسِ ، وَقَدْ كَذَّبَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ :
صَدُوقٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ عِنْدِي عَدْلٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ
: حَدِيثُهُ مُضْطَرِبٌ .
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَتْ : { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ أَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ }
إسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ
وَالتِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا وَأَنَّ
الْمُرْسَلَ أَصَحُّ .
وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ
نَتَّخِذَ الْمَسَاجِدَ فِي دِيَارِنَا وَأَمَرَنَا أَنْ نُنَظِّفَهَا .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُد ، وَلَفْظُهُ { كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْمَسَاجِدِ أَنْ
نَصْنَعَهَا فِي دِيَارِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا .
}
وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ
وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ
تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ } .
رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مَرْفُوعًا { أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَسَاجِدُهَا
وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَثَبَتَ فِي الْخَبَرِ ضَرْبُ الْخِبَاءِ وَاحْتِجَازُ الْحَظِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ .
وَعَنْ أَحْمَدَ فِي
مَسَائِلِ
صَالِحٍ وَابْنِ مَنْصُورٍ تَقْيِيدُ الْإِبَاحَةِ بِوُجُودِ الْبَرْدِ
قَالَ الْقَاضِي سَعْدُ الدِّينِ الْحَارِثِيُّ : مِنْ أَصْحَابِنَا
وَالصَّوَابُ عَدَمِ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ .
وَعَنْ أَبِي
حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَا : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا دَخَلَ
أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ
رَحْمَتِكَ ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ
فَضْلِكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو
دَاوُد وَقَالَا عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ أَوْ عَنْ أَبِي أَسِيدٍ بِالشَّكِّ .
وَعَنْ
فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ
: بِاسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ
بِاسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ } فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ
آخَرَ بِنَحْوِهِ .
وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ .
وَرَوَى
ابْنُ مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
نَحْوَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ { إذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ
اعْصِمْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ فِي الْمَسْجِدِ ضَالَّةً
فَلْيَقُلْ : لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ
تُبْنَ لِهَذَا } .
وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي
الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا
وَجَدْتَ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ } رَوَاهُمَا
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا
تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا
يُسْتَقَادُ فِيهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ .
وَعَنْ
عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ
فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ الْأَشْعَارُ وَأَنْ يُنْشَدَ
فِيهِ الضَّالَّةُ .
} إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ تَكَلَّمَ فِيهِ ، وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ .
وَرَوَى حَدِيثَهُ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
وَعَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : مَرَّ عُمَرُ
فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يَنْشُدُ فَلَحَظَ إلَيْهِ فَقَالَ : كُنْتُ
أَنْشُدُ فِيهِ ، وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ، ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى
أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أُنْشِدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { أَجِبْ عَنِّي ،
اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ نَعَمْ } رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ عَنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ
بِالْقُصَّاصِ وَالْوُعَّاظِ وَأَحَادِيثُ فِي الشِّعْرِ .
قَالَ
الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ : وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ
الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي
النُّعْمَانِ قَالَ : حَجَجْتُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَقَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَتَقَدَّمْتُ إلَى مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ أُصَلِّي إذْ دَخَلَ
عُمَرُ فَرَآنِي فَأَخَذَ بِرَأْسِي وَجَعَلَ يَضْرِبُ بِهِ الْحَائِطَ
وَيَقُولُ : أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَقْدُمُوا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ
بِالسَّحَرِ إنَّ لَهُ عَوَامِرَ .
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : دَخَلَ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ الطَّائِيُّ
الْمَسْجِدَ مِنْ السَّحَرِ ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فَإِذَا نَاسٌ فِي
صَدْرِ الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ فَقَالَ : أَرْعِبُوهُمْ فَمَنْ
أَرْعَبَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ جَرِيرُ بْنُ
عُثْمَانَ : كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكُونُ قَبْلَ
الصُّبْحِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ
عَلَى كَرَاهَةِ
التَّقَدُّمِ فِي الْمَسْجِدِ وَقْتَ السَّحَرِ .
وَعَنْ
عُبَادَةَ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ
رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَلْقِيًا
فِي الْمَسْجِدِ ، وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى } رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
وَلِمَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ .
وَعَنْ جَابِرٍ { أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَرْفَعَ إحْدَى
رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ .
}
إسْنَادُهُ ثِقَاتٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَصَحَّحَهُ { وَرَأَى قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ أَخَاهُ لِأُمِّهِ
أَبَا سَعِيدٍ كَذَلِكَ وَكَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَجِعَةً فَضَرَبَهُ
عَلَيْهَا فَقَالَ : أَوْجَعْتَنِي مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ :
أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ نَهَى عَنْ هَذِهِ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ الْمَرُّوذِيّ :
سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ
وَيَضَعُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى قَالَ : لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ
قَدْ رُوِيَ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ
لَهُ سَرَاوِيلُ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةِ يُكْرَهُ كَشُرْبِهِ
قَائِمًا وَنَهْيِهِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا لَوْ وَضَعَ
إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ اسْتِلْقَاءٍ احْتَمَلَ
وَجْهَيْنِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ مَنْعُ
الِاسْتِلْقَاءِ ، وَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْوَصْفِ .
أَوْ أَنَّ
الْمَقْصُودَ وَضْعُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ، وَالِاسْتِلْقَاءُ
ذُكِرَ ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ لَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحُكْمِ ،
وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ خُولِفَ
لِلْخَبَرِ وَهُوَ فِي أَمْرٍ مَخْصُوصٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ .
وَقَدْ
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ
وَالرَّمْيِ : اتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ جُلُوسِ الْمَرْءِ كَيْفَ
أَحَبَّ مَا لَمْ يَضَعْ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ أَوْ
يَسْتَلْقِي كَذَلِكَ ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الِاسْتِلْقَاءِ وَالْقُعُودِ كَمَا قَدَّمْنَا فَمِنْ مَانِعٍ وَمُبِيحٍ .
فَسَوَّى
ابْنُ حَزْمٍ فِي حِكَايَتِهِ بَيْنَ الْقُعُودِ وَالِاسْتِلْقَاءِ ،
وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَبَقَ وَالْقَوْلُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ
غَيْرُ مُتَّجَهٍ لِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
وَالْأَصْلُ التَّسَاوِي فِي الْأَحْكَامِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ ،
وَقَدْ فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَسَبَقَ قَبْلَ
فُصُولِ آدَابِ الْأَكْلِ قَبْلَ فَصْلِ اسْتِحْبَابِ الْقَائِلَةِ
كَرَاهِيَةُ الِاتِّكَاءِ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ
وَسَبَقَ قَبْلَ فُصُولِ آدَابِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ فَصْلِ الْكَفِّ عَنْ
مَسَاوِي النَّاسِ كَلَامُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ
فِي كَرَاهَةِ الِاتِّكَاءِ ، وَسَوَاءٌ وَحْدَهُ أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ،
وَيَقْتَضِيهِ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ تَجَبُّرٌ .
وَقَوْلُهُ أَهَوَانٌ
بِالْجُلَسَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ
بِالْجَمَاعَةِ بَلْ يُكْرَهُ إنْ كَانَ وَحْدَهُ لِعِلَّةٍ ، وَإِنْ
كَانَ فِي جَمَاعَةٍ لِعِلَّتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ : مُرَادُهُ
فِي جَمَاعَةٍ وَسَبَقَ بِنَحْوِ نِصْفِ كُرَّاسَةٍ فِي فُصُولِ آدَابِ
الْمَسْجِدِ جِلْسَةُ الْمُحْتَبِي وَالْمُتَرَبِّعِ وَتَأْتِي جِلْسَةُ
الْمُتَرَبِّعِ فِي اللِّبَاسِ فِي فَصْلِ كَرَاهَةِ النَّظَرِ إلَى
مَلَابِسِ الْحَرِيرِ .
وَقَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ لِأَبِي عَبْدِ
اللَّهِ : تَكْرَهُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهَا قَالَ :
إي وَاَللَّهِ ، يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَرِهَهُ وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ ابْنِ
سِيرِينَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ .
وَعَنْ ابْنِ
عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ عَزَبٌ لَا أَهْلَ لَهُ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَلَفْظُهُ {
كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَنَقِيلُ فِيهِ .
} وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ، وَلَفْظُهُ {
كُنَّا نَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَابٌ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ .
قَالَ
التِّرْمِذِيُّ : وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا تَتَّخِذُوهُ مَقِيلًا
وَمَبِيتًا قَالَ الْبُخَارِيُّ : وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ : عَنْ أَنَسٍ
: { قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ
فُقَرَاءَ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ
فَإِذَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ بَيْنَ يَدَيْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَاِتَّخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ ، وَفِيهِ كَلَامٌ وَبَاقِيهِ ثِقَاتٌ .
وَعَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ { : كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ
الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ .
} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ : ثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَا ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ زِيَادٍ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ فَذَكَرَهُ ، إسْنَادُهُ جَيِّدٌ
وَسُلَيْمَانُ ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ .
وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ
طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ بَعْدَ دُخُولِهِ الْكَعْبَةَ فَقَالَ : إنِّي
كُنْتُ رَأَيْتُ قَرْنَيْ الْكَبْشِ حِينَ دَخَلْتُ الْبَيْتَ فَنَسِيتُ
أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
فِي قُبَّةِ الْبَيْتِ شَيْءٌ يُلْهِي الْمُصَلِّيَ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَعَنْ
وَاثِلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ
وَمَجَانِينَكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ
وَخُصُومَاتِكُمْ
وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ
وَاِتَّخِذُوا عَلَى أَبْوَابِهَا وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ } .
رَوَاهُ
ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ
حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
أَيْضًا .
وَفِي حَوَاشِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي عِنْدَ مَسَائِلِ
الْقِسْمَةِ قَالَ : مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْقَاسِمِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ
عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيِّ خَرَّجَهُ فِي كِتَابِ الْجَمَاعَاتِ
وَأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ
وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي أُمَامَةَ قَالُوا : سَمِعْنَا
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ يَقُولُ { : جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ خُصُومَاتِكُمْ وَرَفْعَ
أَصْوَاتِكُمْ وَسَلَّ سُيُوفِكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ
وَمَجَانِينَكُمْ وَجَمِّرُوهَا فِي الْجُمَعِ ، وَلَا تَتَّخِذُوا عَلَى
أَبْوَابِ مَسَاجِدِكُمْ مَطَاهِرَ } .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ
عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ مَنْ مَرَّ بِنَبْلٍ فِي
الْمَسْجِدِ أَوْ سُوقٍ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى نِصَالِهَا .
} وَهَذَا
مِنْ شَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُشِيرُ
أَحَدُكُمْ إلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ
الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعَ فِي حُفْرَةِ النَّارِ .
} يَنْزِعُ مَعْنَاهُ يَرْمِي فِي يَدِهِ وَيُحَقِّقُ ضَرْبَتَهُ .
وَرُوِيَ
بِالْغَيْنِ مِنْ الْإِغْرَاءِ أَيْ : يَحْمِلُ عَلَى تَحْقِيقِ الضَّرْبِ
وَيُزَيِّنُهُ وَلِمُسْلِمٍ { مَنْ أَشَارَ إلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ
فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ
وَأُمِّهِ .
} أَيْ حَتَّى يَدَعَهُ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ هَازِلًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ
الْمُسْلِمِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْهُ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا .
} وَرَوَوْا أَيْضًا { لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ جَادًّا وَلَا هَازِلًا .
} إسْنَادُهُمَا
صَحِيحٌ .
وَكَمَا
رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى أَنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ .
}
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ : { جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صَنَائِعَكُمْ .
}
فَصْلٌ ( السَّابِقُ إلَى مَكَان مُبَاحٍ أَحَقُّ بِهِ ) .
لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ إنْسَانًا وَيَجْلِسَ مَكَانَهُ .
مَنْ
قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعُذْرٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ
ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ سَقَطَ حَقُّهُ
بِقِيَامِهِ إلَّا أَنْ يُخَلِّفَ مُصَلًّى أَوْ وَطَاءً فَفِيهِ
وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ ، وَالْأَخْبَارُ فِي
ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ فِي بَابِ إحْيَاءِ
الْمَوَاتِ ، وَمَنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ جَامِعٍ لِفَتْوَى أَوْ
لِإِقْرَاءِ النَّاسِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مَا دَامَ فِيهِ أَوْ غَابَ
لِعُذْرٍ ثُمَّ عَادَ قَرِيبًا ، وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ فِيهَا فَقَطْ ، وَإِنْ غَابَ لِعُذْرٍ ثُمَّ عَادَ قَرِيبًا
فَوَجْهَانِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَهُوَ غَرِيبٌ بَعِيدٌ .
فَصْلٌ ( أَهْلُ الْمَسَاجِدِ أَحَقُّ بِحَرِيمِهَا فَتُمْنَعُ مُزَاحَمَتُهُمْ فِيهَا ) .
قَالَ
الْقَاضِي أَمَّا حَرِيمُ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ فَإِنْ كَانَ
الِارْتِفَاقُ بِهَا مُضِرًّا بِأَهْلِ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ
مُنِعُوا مِنْهُ وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ ؛
لِأَنَّ الْمُصَلِّينَ أَحَقُّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا جَازَ
الِارْتِفَاقُ بِحَرِيمِهَا ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ السُّلْطَانِ
عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي حَرِيمِ الْأَمْلَاكِ ؟ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ
فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ فِي الرَّجُلِ يَحْفِرُ فِي فِنَاءِ
الْمَسْجِدِ وَفِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ بِئْرًا لِلْمَاءِ : مَا
يُعْجِبُنِي أَنْ تُحْفَرَ وَإِنْ حُفِرَتْ تُطَمَّ .
وَأَمَّا مَا
اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ
بِالْمُجْتَازِينَ يُضَيِّقُ الطَّرِيقَ مُنِعُوا مِنْهُ وَلَمْ يَجُزْ
لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا
لِسَعَةِ الطَّرِيقِ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ : إحْدَاهُمَا الْمَنْعُ
أَيْضًا .
( وَالثَّانِيَةُ ) الْجَوَازُ .
قَالَ : وَهَلْ
يَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى إذْنِ السُّلْطَانِ ؟ يُخَرَّجُ عَلَى
الْوَجْهَيْنِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ أَنَّهُ لَمْ
يَعْتَبِرْ إذْنَهُ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا إذْنَهُ لَا يَكُونُ السَّابِقُ
أَحَقَّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ : وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى
الْجُلُوسِ أَجْرًا .
فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ أَعْمَالِ الدُّنْيَا فِي الْمَقَابِرِ قَالَ الْمَرُّوذِيُّ فِي كِتَابِ الْوَرَعِ : مَا كُرِهَ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا فِي الْمَقَابِرِ قُلْتُ وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَتَرَى لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْمَلَ الْمَغَازِلَ وَيَأْتِيَ الْمَقَابِرَ فَرُبَّمَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ فَيَدْخُلُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْقِبَابِ فَيَعْمَلُ فِيهَا ؟ فَقَالَ : الْمَقَابِرُ إنَّمَا هِيَ أَمْرُ الْآخِرَةِ ، وَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ .
فَصْلٌ ( فِي تَجْصِيصِ الْمَسَاجِدِ وَالْقُبُورِ وَالْبُيُوتِ ) .
قَالَ
الْمَرُّوذِيُّ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ إنَّ قَوْمًا
يَحْتَجُّونَ فِي الْجِصِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ فَلَا بَأْسَ
أَنْ يُجَصَّصَ الْحِيطَانُ فَقَالَ : وَإيش بِهَذَا مِنْ الْحُجَّةِ ؟
وَأَنْكَرَهُ وَذَكَرَ الْمَرُّوذِيُّ أَنَّ ابْنَ أَسْلَمَ الطُّوسِيَّ
كَانَ لَا يُجَصِّصُ مَسْجِدَهُ ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَدَعُ بِطَرَسُوسَ
مَسْجِدًا مُجَصَّصًا إلَّا قَلَعَهُ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
هُوَ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا ، وَسَأَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ الْجِصِّ
وَالْآجُرِّ يَفْضُلُ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ : يَصِيرُ فِي مِثْلِهِ .
وَقَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَنْ تَكْحِيلِ الْمَسْجِدِ : { فَقَالَ لَا ، عَرِيشٌ
كَعَرِيشِ مُوسَى ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُطْلَى بِهِ كَالْكُحْلِ } .
أَيْ
فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ فِي الْغَنِيَّةِ لَا بَأْسَ بِتَجْصِيصِ الْمَسَاجِدِ
وَتَطْيِيبِهَا ، وَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الرَّجُلِ
يُجَصِّصُ فَقَالَ : أَمَّا أَرْضُ الْبَيْتِ فَيَقِيهِمْ مِنْ التُّرَابِ
وَكَرِهَ تَجْصِيصَ الْحِيطَانِ قَالَ وَرَأَيْتُ فِي حُجْرَةِ أَبِي
عَبْدِ اللَّهِ بَيْتًا فِيهِ صُوَرٌ سَقْفُهُ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ
فَطَمَسْنَاهُ وَهُوَ مَعَنَا حَتَّى بَيَّضْنَا السَّقْفَ كُلَّهُ .
وَذَكَرَ
حَدِيثَ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ
حَمَّرُوا سِقَافَ بَيْتِهِ وَلَعَلَّهُ سَقْفُ بَيْتِهِ قَالَ : لَا
أَدْخُلُهُ حَتَّى يُغَيَّرَ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُنَاوَلَةً عَنْ
عَبْدِ الصَّمَدِ ثَنَا حَمَّادٌ ثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ عَنْ
سَفِينَةَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلًا ضَافَ عَلِيًّا
فَقَالَتْ لَهُ فَاطِمَةُ : لَوْ دَعَوْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ مَعَنَا ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ قَالَ : { لَيْسَ لِي أَوْ لِنَبِيٍّ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا
مُزَوَّقًا .
} إسْنَادٌ حَسَنٌ وَسَعِيدٌ فِيهِ كَلَامٌ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ .
فَصْلٌ
( إنْكَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُتَحَلِّقِينَ
فِي الْمَسْجِدِ لِتَفَرُّقِهِمْ حِلَقًا حِلَقًا ) .
تَقَدَّمَ فِي
الِاسْتِئْذَانِ الْجُلُوسُ وَسَطَ الْحَلْقَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُد : (
بَابٌ فِي التَّحْلِيقِ ) ثَنَا مُسَدِّدٌ ثَنَا يَحْيَى عَنْ الْأَعْمَشِ
حَدَّثَنِي الْمُسَيِّبُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ
جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : { دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ حِلَقٌ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ
عِزِينَ } ؟ ثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ
الْأَعْمَشِ بِهَذَا قَالَ : كَأَنَّهُ يُحِبُّ الْجَمَاعَةَ ( عِزِينَ )
جَمْعُ عَزَاةٍ أَيْ حَلْقَةٍ وَجَمَاعَةً جَمَاعَةً وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ .
فَصْلٌ
( فِيمَا وَرَدَ فِي الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ ) لَمْ أَجِدْ
أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ذَكَرُوا النَّفَقَةَ فِي الْعِمَارَةِ
وَالْبِنَاءِ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي أَبْوَابِ الْآدَابِ : ( بَابُ
مَا جَاءَ فِي الْبِنَاءِ ) ثُمَّ رَوَى الْخَبَرَ الصَّحِيحَ
الْمَشْهُورَ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ
أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو
وَأُمِّهِ يُطَيِّنَانِ حَائِطًا ، وَفِي لَفْظٍ يُصْلِحَانِ خِصَاصَهُمَا
فَقَالَ : الْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ .
} حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
بْنُ يُونُسَ ثَنَا زُهَيْرٌ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ أَخْبَرَنَا
إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي
طَلْحَةَ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فَرَأَى قُبَّةً فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَرَجَعَ الرَّجُلُ إلَى قُبَّتِهِ
فَهَدَمَهَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَمْ يَرَهَا قَالَ مَا فَعَلَتْ الْقُبَّةُ ؟ قَالُوا شَكَا إلَيْنَا
صَاحِبُهَا إعْرَاضَكَ عَنْهُ فَأَخْبَرْنَاهُ فَهَدَمَهَا ، فَخَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : أَمَا إنَّ كُلَّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى
صَاحِبِهِ إلَّا مَا لَا إلَّا مَا لَا .
} إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَأَبُو طَلْحَةَ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ ، وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ كَلَامًا .
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ ، وَلَفْظُهُ { كَلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ .
}
وَعِنْدَهُمَا فِي آخِرِهِ ، وَالْكَلُّ الثِّقَلُ قَالَ تَعَالَى : {
وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ } قَالَ فِي النِّهَايَةِ : : الْوَبَالُ
فِي الْأَصْلِ الثِّقَلُ وَالْمَكْرُوهُ وَيُرِيدُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ
الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ .
وَفِي الْمُسْنَدِ وَالصَّحِيحَيْنِ عَنْ
خَبَّابٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ :
إنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا فِي
شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي التُّرَابِ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ مُوسَى عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ
حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ خَبَّابٍ مَرْفُوعًا { إنَّ الْعَبْدَ
لَيُؤْجَرُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إلَّا
فِي التُّرَابِ أَوْ قَالَ فِي الْبِنَاءِ .
} إسْنَادٌ جَيِّدٌ .
وَظَاهِرُهُ
أَنَّهُ لَا إثْمَ لَهُ بِذَلِكَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَنَسٍ
مَرْفُوعًا { النَّفَقَةُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا الْبِنَاءَ
فَلَا خَيْرَ فِيهِ .
} وَرَوَى أَحْمَدُ ثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ
لَهِيعَةَ ثَنَا زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ
أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ بَنَى بُنْيَانًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ
وَلَا اعْتِدَاءٍ وَغَرَسَ غَرْسًا فِي غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا اعْتِدَاءٍ
كَانَ لَهُ أَجْرًا جَارِيًا مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ .
} إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .
اعْلَمْ
أَنَّ الْمَسْكَنَ لَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ
فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ،
وَمِثْلُ هَذَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ وَيُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ ،
وَمَوْتُهُ عَنْهُ كَبَقِيَّةِ مَالِهِ الْمُخَلَّفِ عَنْهُ لِوَرَثَتِهِ
يُثَابُ عَلَيْهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { إنَّكَ إنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ
مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا
الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لَا تُعَدُّ فِي
الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ إسْرَافًا وَاعْتِدَاءً وَمُجَاوَزَةً لِلْحَدِّ
فَلَا بَأْسَ بِهَا لَا تُكْرَهُ ، وَهَلْ يُثَابُ عَلَيْهَا ؟ يَحْتَمِلُ
وَجْهَيْنِ .
وَالْأَحَادِيثُ مُحْتَمِلَةٌ وَلَعَلَّ ظَاهِرَهَا
مُخْتَلِفٌ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِثَابَةِ ، وَقَدْ يُحْتَجُّ
لِلْإِثَابَةِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } .
أَيْ : فِي غَيْرِ إسْرَافٍ قَالَهُ
بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ سُبْحَانَهُ
الْجِهَةَ الْمُنْفَقَ فِيهَا .
وَإِخْرَاجُ مَا جَاوَزَ الْحَدَّ
وَأَسْرَفَ فِيهِ لِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُ مَا
دُونَهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ دَلِيلٍ يُخْرِجُ ذَلِكَ ، وَقَدْ قِيلَ :
فِي الْآيَةِ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَظَاهِرُهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْكَرَمِ
وَالْبُخْلِ بَعْدَ فُضُولِ الْكَسْبِ
بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ
السَّلَامُ " أَنْفِقْ يُنْفَقْ عَلَيْكَ " ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا
يَشْرَحُ الصَّدْرَ وَيَسُرُّ النَّفْسَ ، وَقَدْ يَحْفَظُ الصِّحَّةَ
وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَيْهِ ، وَمَحْذُورُ الْإِسْرَافِ مُنْتَفٍ
فَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ .
وَأَمَّا الْإِسْرَافُ وَالِاعْتِدَاءُ فِي
ذَلِكَ فَظَوَاهِرُ الْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ تَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ
وَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلَمْ يُخَالِفَاهَا كَمَا
أَنَّ ظَاهِرَهَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّ فَاعِلَ الْمُحَرَّمِ
لَا يُقَالُ عَادَةً وَغَالِبًا لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا تُخْلَفُ
نَفَقَتُهُ بَلْ يُقَالُ : يَعْصِي وَيَأْثَمُ وَيُعَاقَبُ فَيُذْكَرُ
الْمَعْنَى الْمُخْتَصُّ بِعَمَلِهِ ، وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ
بِالْوَبَالِ وَالْكَلِّ فِي الْخَبَرِ الثِّقَلُ فَيُؤْتَى بِمِثْلِ
هَذَا الْكَلَامِ لِكَرَاهَةِ الْفِعْلِ ، وَلِهَذَا لَمْ يَأْمُرْ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدْمِ تِلْكَ الْقُبَّةِ
وَلَا طَلَبَ صَاحِبَهَا فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ ، وَهَذَا وَاضِحٌ .
وَعَلَى
هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَذَابُ فِي
الْآخِرَةِ غَيْرُ وَاضِحٍ وَلَا مُتَّجَهٍ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ
الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحُهُ بِأَنَّهُ يُحْجَرُ
عَلَى مَنْ بَذَلَهُ فِي مُبَاحٍ زَائِدًا عَلَى الْمَصْلَحَةِ ،
وَالْمَسْأَلَةُ سَبَقَتْ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَمَذْكُورَةٌ فِي
الْفِقْهِ فِي بَابِ الْحَجْرِ .
وَحَيْثُ حَرُمَ أَوْ كُرِهَ
فَأُجْرَةُ فَاعِلِهِ تَابِعَةٌ لِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فِي خِيَاطَةِ
الْمَلْبُوسِ إذَا حَرُمَ حَرُمَتْ الْأُجْرَةُ ، وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي
الْإِسْرَافِ فِي مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ فِي آدَابِ الْأَكْلِ
.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ قَبْلَ
السَّبْقِ وَالرَّمْيِ : اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بِنَاءَ مَا يَسْتُرُ
بِهِ الْمَرْءُ وَعِيَالَهُ وَمَالَهُ مِنْ الْعُيُونِ وَالْبَرْدِ
وَالْحَرِّ أَوْ الْمَطَرِ فَرْضٌ وَاكْتِسَابِ مَنْزِلٍ أَوْ مَسْكَنٍ
يَسْتُرُ مَا ذَكَرْنَا ، وَاتَّفَقُوا أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي
الْمَكَاسِبِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ
اللَّهِ قَبْلَهُ مُبَاحٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا
فَمِنْ كَارِهٍ وَمِنْ غَيْرِ كَارِهٍ ، وَسَبَقَ كَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ فِي هَذَا فِي فُصُولِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ .
وَاعْلَمْ
أَنَّ حَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْمَلُ
الْأَحْوَالِ وَطَرِيقَهُ خَيْرُ الطُّرُقِ لِمَا عُلِمَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ سَفَرٍ لَا دَارُ إقَامَةٍ اتَّخَذَ
مَسَاكِنَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ تَسْتُرُ عَنْ الْعُيُونِ وَتَقِي
مَضَرَّةَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَطَرِ وَالرِّيَاحِ وَتَحْفَظُ مَا
وُضِعَ فِيهَا مِنْ دَابَّةٍ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُزَخْرِفْهَا وَلَمْ
يُشَيِّدْهَا وَلَمْ تَكُنْ ثَقِيلَةً فَيَخَافَ سُقُوطَهَا وَلَا
وَاسِعَةً رَفِيعَةً فَتُعَشِّشَ فِيهَا الْهَوَامُّ وَتَصِيرَ مَهَبًّا
لِلرِّيَاحِ الْمُؤْذِيَةِ ، وَلَا هِيَ مَسَاكِنُ تَحْتَ الْأَرْضِ
فَتُشْبِهَ مَسَاكِنَ الْجَبَابِرَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَرُبَّمَا
تَأَذَّى سَاكِنُهَا بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْهَوَاءِ أَوْ الشَّمْسِ أَوْ
عَدَمِهِمَا أَوْ بِالظُّلْمَةِ أَوْ بِبَعْضِ الْهَوَامِّ ، بَلْ هِيَ
مَسَاكِنُ مُتَوَسِّطَةٌ حَسَنَةٌ طَيِّبَةُ الرَّائِحَةِ بِعَرَقِهِ
وَرَائِحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُحِبُّ
التَّطَيُّبَ وَيَتَّخِذُهُ كَمَا سَبَقَ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ مِنْ
فُصُولِ الطِّبِّ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فَصْلٌ ( مُضَاعَفَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ) .
وَصَلَاةٌ
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَفِي مَسْجِدِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِينَ أَلْفًا ،
وَفِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا ، فَإِذَا
فَضِيلَةُ النَّفْلِ فِيهَا عَلَى النَّفْلِ فِي غَيْرِهَا كَفَضِيلَةِ
الْفَرْضِ فِيهَا عَلَى الْفَرْضِ فِي غَيْرِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي
الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَزَادَ لِلْأَثَرِ .
وَكَذَا ذَكَرَهُ
ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ وَلَمْ أَجِدْ أَثَرًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ،
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا حَدِيثَ أَنَسٍ الْآتِيَ وَوَقَعَ
لَهُمْ فِيهِ غَلَطٌ ، وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ
الْمُضَاعَفَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْفَرْضِ وَكَذَا قَالَهُ مُطَرِّفٌ
الْمَالِكِيُّ وَخَصَّهَا الطَّحَاوِيَّ الْحَنَفِيُّ بِالْفَرْضِ .
وَقَالَ
الْقَاضِي السُّرُوجِيُّ الْحَنَفِيُّ : اسْمُ الصَّلَاةِ يَتَنَاوَلُ
الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ ثُمَّ قَالَ : وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ
فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَمَلَ هَذَا الْخَبَرَ يَعْنِي
صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا عَلَى الْفَرْضِ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ قَوْلِهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { صَلَاةُ أَحَدِكُمْ فِي
بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا
الْمَكْتُوبَةَ } وَلَمْ يَزِدْ السُّرُوجِيُّ عَلَى هَذَا .
وَحَكَى
الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْجُمْهُورِ
اسْتِحْبَابَ الْمُجَاوَرَةِ بِمَكَّةَ قَالَ : قَالُوا : وَلِأَنَّ
الْمُجَاوَرَةَ بِهَا مِنْ تَحْصِيلِ الْعِبَادَاتِ وَتَضْعِيفِهَا مَا
لَا يَكُونُ فِي بَلَدٍ آخَرَ ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا تَتَضَاعَفُ
هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَعْمَالِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَطَعَ بِهِ
الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اسْتِدْلَالِهِ
لِأَفْضَلِيَّةِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ
الْمُعَظَّمَةِ .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ
عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ عَنْ {
مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ
الْمَقْدِسِ قَالَ : أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا
فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ .
قَالَتْ : أَرَأَيْتَ
مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ
فَلْيُهْدِ لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى كَانَ
كَمَنْ صَلَّى فِيهِ } .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيِّ عَنْ عِيسَى كَذَلِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
مِنْ حَدِيثِ مِسْكِينِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَوْدَةَ عَنْهَا فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ ،
وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ نَكَارَةً
مِنْ جِهَةِ أَنَّ الزَّيْتَ يَعِزُّ فِي الْحِجَازِ فَكَيْفَ يَأْمُرُ
الشَّارِعُ بِنَقْلِهِ مِنْ هُنَاكَ إلَى مَعْدِنِهِ ؟ وَرَوَى ابْنُ
مَاجَهْ ثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ
الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا رُزَيْقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَلْهَانِيُّ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ
وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً
وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجْمِعُ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ
صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفَ
صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفَ صَلَاةٍ
وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ .
} أَبُو الْخَطَّابِ هَذَا لَا يُعْرَفُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ .
وَقَالَ
أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ زَيْدٍ الْمَوْصِلِيُّ الْحَنَفِيُّ لَا يَصِحُّ
فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ غَيْرُ ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ : ( أَحَدُهَا ) { لَا تُشَدُّ
الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى .
} ( وَالْآخَرُ ) {
أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَوَّلِ بَيْتٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ :
الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قِيلَ : ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْمَسْجِدُ
الْأَقْصَى قِيلَ : كَمْ كَانَ
بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ عَامًا } وَالْآخَرُ { أَنَّ الصَّلَاةَ تَعْدِلُ سَبْعَمِائَةِ صَلَاةٍ .
} كَذَا قَالَ .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي
هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ إلَّا
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ .
} وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
مِثْلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَزَادُوا { وَصَلَاةٌ فِي
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا
سِوَاهُ } وَلِأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ وَزَادُوا { وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ
مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي هَذَا } فَعَلَى هَذَا الصَّلَاةُ فِي
مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ تَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ فِي غَيْرِهِ سِوَى
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا أَنَّهَا تُعَادِلُ الْأَلْفَ ، وَالصَّلَاةُ
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا
سِوَاهُ سِوَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ، وَالْقَوْلُ بِهَذَا أَوْلَى
مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ، وَهُوَ الَّذِي
اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ فِي أَحْكَامِهِ وَغَيْرُهُ
مِنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ .
وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ أَنَّ
النَّفَلَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ قَالَ : عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا
الْمَكْتُوبَةَ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ
مُرَادُهُمْ إلَّا النِّسَاءَ ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ
أَفْضَلُ ، وَالْأَخْبَارُ مَشْهُورَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ
كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ
فِي الْمُسْنَدِ : ثَنَا هَارُونُ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ
ثَنَا دَاوُد بْنُ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةِ أَبِي حُمَيْدٍ
السَّاعِدِيِّ أَنَّهَا { جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ
مَعَكَ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ
الصَّلَاةَ مَعِي ،
وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ ،
وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ ،
وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ ،
وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي
قَالَ : فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ
بَيْتِهَا ، وَاَللَّهِ كَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ } عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي
تَارِيخِهِ وَقَالَ : رَوَى عَنْهُ دَاوُد بْنُ قَيْسٍ وَلَمْ يَزِدْ
عَلَى ذَلِكَ فَفِيهِ جَهَالَةٌ لَكِنْ الْمُتَقَدِّمُونَ حَالُهُمْ
حَسَنٌ وَبَاقِي رِجَالِهِ ثِقَاتٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَهَذِهِ
الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَوْلِ
الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ :
الْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا كَانَ فِي زَمَانِهِ لَا مَا زِيدَ فِيهِ
لِقَوْلِهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَسْجِدِي هَذَا وَاخْتَارَ
الشَّيْخُ أَنَّ حُكْمَ الزَّائِدِ حُكْمُ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ .
وَعَنْ
أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَأَنْ أُصَلِّيَ عَلَى
رَمْلَةٍ حَمْرَاءَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ
الْمَقْدِسِ ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَوْ سِرْتُ
حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَّا فَرْسَخٌ
أَوْ فَرْسَخَانِ مَا أَتَيْتُهُ أَوْ مَا أُحِبُّ أَنْ آتِيَهُ
رَوَاهُمَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ
وَالْإِسْنَادُ صَحِيحٌ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْحَدِيثُ فِي
ذَلِكَ .
فَصْلٌ ( زِيَادَةُ الْوِزْرِ كَزِيَادَةِ الْأَجْرِ فِي
الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ
الدِّينِ : الْمَعَاصِي فِي الْأَيَّامِ الْمُعَظَّمَةِ وَالْأَمْكِنَةِ
الْمُعَظَّمَةِ تُغَلَّظُ مَعْصِيَتُهَا وَعِقَابُهَا بِقَدْرِ فَضِيلَةِ
الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ
الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ .
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ
التَّمِيمِيُّ فِي التَّرْغِيبِ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ حَمْدَيْهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ
أَبِي الْعَوَّامِ ثَنَا أَبُو خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ {
فَاتَّقُوا شَهْرَ رَمَضَانَ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ فِيهِ
وَكَذَلِكَ السَّيِّئَاتُ } وَهُوَ خَبَرٌ ضَعِيفٌ .
فَصْلٌ ( دُخُولُ مَعَابِدِ الْكُفَّارِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَشُهُودُ أَعْيَادِهِمْ ) .
وَلَهُ
دُخُولُ بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ وَنَحْوِهِمَا وَالصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ
وَعَنْهُ ، يُكْرَهُ إنْ كَانَ ثَمَّ صُورَةٌ ، وَقِيلَ : مُطْلَقًا
ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرِّعَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ :
وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْفَرْضِ فِي الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ مَعَ
الْكَرَاهَةِ ، وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْبِيَعِ
وَالْكَنَائِسِ الَّتِي لَا صُوَرَ فِيهَا وَالصَّلَاةِ فِيهَا .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : يُكْرَهُ كَاَلَّتِي فِيهَا صُوَرٌ ، وَحَكَى فِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَيْنِ .
وَقَالَ
فِي الشَّرْحِ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ النَّظِيفَةِ
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ
، وَكَرِهَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ الْكَنَائِسَ لِأَجْلِ الصُّوَرِ
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ
كَالتَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيلِ لَهَا وَقِيلَ ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِهِمْ .
وَلَنَا
{ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي
الْكَعْبَةِ وَفِيهَا صُوَرٌ } ثُمَّ قَدْ دَخَلَتْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ
عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَصَلِّ فَإِنَّهُ مَسْجِدٌ .
} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُهُ .
وَيَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ دُخُولُ مَسْجِدٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ كَذَلِكَ ، وَعِنْدَنَا
أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَاحْتَجَّ فِي الْمُغْنِي بِدُخُولِ الْكَنَائِسِ
وَالْبِيَعِ ، وَيُبَاحُ تَرْكُ الدَّعْوَةِ لِأَجْلِهِ عُقُوبَةً
لِلدَّاعِي ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ بِاِتِّخَاذِهِ ذَلِكَ .
وَقَالَ
أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ : إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى السُّتُورِ
وَمَا لَيْسَ بِمَوْطُوءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ وَهُوَ الَّذِي
ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مِنْهَاجِ الْقَاصِدِينَ قَالَ فِي
صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى بَابِ الْحَمَّامِ أَوْ دَاخِلِهِ : مَنْ
لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْكَارِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ إلَّا
لِضَرُورَةٍ وَلْيَعْدِلْ إلَى حَمَّامٍ آخَرَ .
وَذَكَرَ أَيْضًا فِي
مُنْكَرَاتِ الضِّيَافَةِ أَنَّ تَعْلِيقَ السُّتُورِ وَفِيهَا الصُّوَرُ
مُنْكَرٌ يَجِبُ تَغْيِيرُهُ وَمَنْ عَجَزَ لَزِمَهُ
الْخُرُوجُ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ .
وَيَدْخُلُ
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْآمِدِيُّ : لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ
النَّصَارَى وَالْيَهُودِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا
وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ
} قَالَ الشَّعَانِينُ : وَأَعْيَادُهُمْ فَأَمَّا مَا يَبِيعُونَ فِي
الْأَسْوَاقِ فَلَا بَأْسَ بِحُضُورِهِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي
رِوَايَةِ مُهَنَّا فَقَالَ : إنَّمَا يُمْنَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوا
عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ وَكَنَائِسَهُمْ ، فَأَمَّا مَا يُبَاعُ فِي
الْأَسْوَاقِ مِنْ الْمَأْكَلِ فَلَا ، وَإِنْ قَصَدَ إلَى تَوْفِيرِ
ذَلِكَ وَتَحْسِينِهِ لِأَجْلِهِمْ .
وَقَالَ الْخَلَّالُ : فِي
جَامِعِهِ ( بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيَادِ
الْمُشْرِكِينَ ) وَذَكَرَ عَنْ مُهَنَّا قَالَ سَأَلْتُ : أَحْمَدَ عَنْ
شُهُودِ هَذِهِ الْأَعْيَادِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَنَا بِالشَّامِ مِثْلَ
دَيْرِ أَيُّوبَ وَأَشْبَاهِهِ يَشْهَدُهُ الْمُسْلِمُونَ يَشْهَدُونَ
الْأَسْوَاقَ وَيَجْلِبُونَ فِيهِ الْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالدَّقِيقَ
وَالْبُرَّ وَغَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي
الْأَسْوَاقِ ، يَشْتَرُونَ وَلَا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ
قَالَ : إذَا لَمْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ وَإِنَّمَا
يَشْهَدُونَ السُّوقَ فَلَا بَأْسَ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
: فَإِنَّمَا رَخَّصَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي دُخُولِ السُّوقِ
بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ بِيَعَهُمْ فَعُلِمَ مَنْعُهُ
مِنْ دُخُولِ بِيَعِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَخَذَ الْخَلَّالُ مِنْ ذَلِكَ
الْمَنْعَ مِنْ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَعْيَادِهِمْ فَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ عَلَى مِثْلِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ
الْمَنْعِ مِنْ دُخُولِ كَنَائِسِهِمْ فِي أَعْيَادِهِمْ وَهُوَ كَمَا
ذَكَرْنَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ
كَفِعْلِهِمْ قَالَ : وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى
مَسْأَلَةٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ حُضُورِ أَعْيَادِهِمْ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ
بِإِسْنَادٍ
صَحِيحٍ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي
كَنَائِسِهِمْ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ يَوْمَ نَيْرُوزِهِمْ
وَمِهْرَجَانِهِمْ .
عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ
يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ : لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى
الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السَّخْطَةَ
تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَكَذَلِكَ
أَيْضًا عَلَى هَذَا لَا نَدَعُهُمْ يُشْرِكُونَا فِي عِيدِنَا يَعْنِي
لِاخْتِصَاصِ كُلِّ قَوْمٍ بِعِيدِهِمْ قَالَ : وَأَمَّا الرَّطَانَةُ
وَتَسْمِيَةُ شُهُورِهِمْ بِالْأَسْمَاءِ الْأَعْجَمِيَّةِ فَقَالَ حَرْبٌ
: ( بَابُ تَسْمِيَةِ الشُّهُورِ بِالْفَارِسِيَّةِ ) قُلْتُ : لِأَحْمَدَ
فَإِنَّ لِلْفُرْسِ أَيَّامًا وَشُهُورًا يُسَمُّونَهَا بِأَسْمَاءِ لَا
تُعْرَفُ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ وَرَوَى فِيهِ عَنْ
مُجَاهِدٍ حَدِيثًا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ أذرماه وذماه قُلْتُ :
فَإِنْ كَانَ اسْمَ رَجُلٍ أُسَمِّيهِ بِهِ فَكَرِهَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ
مَالِكٍ ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِنَهْيِ عُمَرَ عَنْ الرَّطَانَةِ مُطْلَقًا
.
وَقَالَ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ لِمَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ أَنْ
يُسَمِّيَ بِغَيْرِهَا أَوْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا خَالِطًا لَهَا
بِالْعَجَمِيَّةِ فَذَكَرَ كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ آثَارًا .
فَصْلٌ ( النَّظَرُ فِي النُّجُومِ وَمَا يُقَالُ عِنْدَ الرَّعْدِ وَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ) .
وَلَا
يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ إلَّا بِمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ
عِنْدَ الِالْتِبَاسِ وَآخِرَ اللَّيْلِ وَيَتْرُكُ مَا سِوَى ذَلِكَ
ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ :
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ
النُّجُومِ فَقَدْ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنْ السِّحْرِ .
} زَادَ مَا
زَادَ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ
فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَفِي بَابِ الْمُرْتَدِّ .
وَقَدْ
ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ تَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا تَهْتَدُونَ بِهِ فِي
ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ثُمَّ أَمْسِكُوا وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ :
عِلْمُ النُّجُومِ عَلَى الْعُقُولِ وَبَالٌ وَطِلَابُ شَيْءٍ لَا يُنَالُ
ضَلَالٌ هَيْهَاتَ مَا أَحَدٌ مَضَى ذُو فِطْنَةٍ يَدْرِي مَتَى
الْأَرْزَاقُ وَالْآجَالُ إلَّا الَّذِي هُوَ فَوْقَ سَبْعِ سَمَائِهِ
وَلِوَجْهِهِ الْإِعْظَامُ وَالْإِجْلَالُ وَقَالَ آخَرُ : لَوْ أَنَّ
نَجْمًا تَكَلَّمْ لَقَالَ صُكُّوا الْمُنَجِّمْ لِأَنَّهُ قَالَ جَهْلًا
بِالْغَيْبِ مَا لَيْسَ يَعْلَمْ وَرَوَى أَحْمَدُ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ ثَنَا هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ { كُنَّا مَعَ أَبِي
قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتِنَا فَرَأَى
كَوْكَبًا انْقَضَّ فَنَظَرُوا إلَيْهِ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ : إنَّا
قَدْ نُهِينَا أَنْ نُتْبِعَهُ أَبْصَارَنَا } إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ
الشَّيْخُ وَجِيهُ الدِّينِ بْنُ الْمُنْجِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ
الْهِدَايَةِ : كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ الْإِشَارَةَ إلَى الرَّعْدِ
وَالْبَرْقِ وَيَقُولُونَ : عِنْدَ ذَلِكَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، فَيُسْتَحَبُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ انْتَهَى
كَلَامُهُ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : {
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَمِعَ
الرَّعْدَ وَالصَّوَاعِقَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ
، وَلَا
تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ .
}
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَكَانَ ابْنُ
الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ
الْحَدِيثَ وَقَالَ : سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ
وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ رَوَاهُ مَالِكٌ .
وَإِذَا رَأَى
الْهِلَالَ كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ : أَهِلَّهُ عَلَيْنَا
بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ رَبِّي وَرَبُّكَ
اللَّهُ وَيَقُولُ : ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ وَيَقُولُ
: آمَنْتُ بِاَلَّذِي خَلَقَكَ ثُمَّ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي
ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد ثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ أَخْبَرَهُمْ
عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ صَرَفَ وَجْهَهُ
عَنْهُ } ، مُرْسَلٌ حَسَنٌ وَأَبُو هِلَالٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمٍ .
وَرَوَى
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِ
الشَّامِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ : اللَّهُ
أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ،
اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الشَّهْرِ ، وَأَعُوذُ بِكَ
مِنْ شَرِّ الْقَدَرِ ، وَمِنْ سُوءِ الْمَحْشَرِ } .
فَصْلٌ ( النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الرِّيحِ وَمَا يُقَالُ : عِنْدَ هُبُوبِهَا وَعِنْدَ رُؤْيَةِ السَّحَابِ وَالْمَطَرِ ) .
عَنْ
أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِذَا
رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا : اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ
خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ ،
وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا
أُمِرَتْ بِهِ .
} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَعَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَأْتِي
بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا
تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا مِنْ اللَّهِ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا
بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَأَى سَحَابًا مُقْبِلًا مِنْ أُفُقٍ مِنْ
الْآفَاقِ تَرَكَ مَا هُوَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى
يَسْتَقْبِلَهُ فَيَقُولَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا
أُرْسِلَ بِهِ فَإِنْ أَمْطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا
اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا ، وَإِنْ كَشَفَهُ اللَّهُ وَلَمْ يُمْطِرْ
حَمِدَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ .
} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ .
وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَالصَّيِّبُ الْعَطَاءُ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ .
فَصْلٌ
( النَّهْيُ عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَنِسْبَةِ الشَّرِّ إلَيْهِ ،
وَإِنَّمَا الْفَاعِلُ اللَّهُ وَعَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ هَلَكَ النَّاسُ )
.
مِنْ النَّاسِ مَنْ يَفْعَلُ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْمَصَائِبِ مَا
كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ مِنْ سَبِّ الدَّهْرِ وَالزَّمَانِ
فَلِهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { قَالَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ
وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ .
} وَفِيهِمَا { لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ } .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ { لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ .
}
أَيْ : إنَّكُمْ إذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَ ذَلِكَ وَقَعَ السَّبُّ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاعِلُ ، وَالدَّهْرُ لَا
فِعْلَ لَهُ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمِنْ
هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : إذَا قَالَ
الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ } بِرَفْعِ الْكَافِ قَالَ
الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ أَشْهَرُ أَيْ
: أَشَدُّهُمْ هَلَاكًا .
وَرُوِيَ أَهْلَكَهُمْ بِفَتْحِ الْكَافِ
أَيْ جَعَلَهُمْ هَالِكِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي الْحَقِيقَةِ
وَهَذَا النَّهْيُ لِمَنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِقَارِ
وَالْإِزْرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ
قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى مِنْ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ
زَادَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي نَفْسِهِ وَفِي النَّاسِ فَلَا بَأْسَ
كَمَا قَالَ : يَعْنِي الصَّحَابِيَّ أَظُنُّهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ لَا
أَعْرِفُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا
أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا .
هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ
وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ
يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا الْمَعْنَى تَحَزُّنًا لِمَا يَرَاهُ
فِيهِمْ مِنْ النَّقْصِ فَلَا بَأْسَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي
نَفْسِهِ لَكِنْ لَا يُزَكِّي نَفْسَهُ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
مَعْنَاهُ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَعِيبُ النَّاسَ وَيَذْكُرُ
مَسَاوِيَهُمْ وَيَقُولُ : فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا وَنَحْوَ ذَلِكَ ،
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ : أَسْوَأُ حَالًا
مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْإِثْمِ فِي عَيْبِهِمْ وَالْوَقِيعَةِ
فِيهِمْ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إلَى الْعَجَبِ بِنَفْسِهِ
وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ مَنْ
فَتَحَهَا كَانَتْ فِعْلًا مَاضِيًا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ
يُؤَيِّسُونَ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَقُولُونَ : هَلَكَ
النَّاسُ أَيْ : اسْتَوْجَبُوا النَّارَ بِسُوءِ أَعْمَالِهِمْ ، فَإِذَا
قَالَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ لَهُمْ لَا اللَّهُ
تَعَالَى أَوْ هُوَ الَّذِي لَمَّا قَالَ لَهُمْ وَآيَسَهُمْ حَمَلَهُمْ
عَلَى تَرْكِ الطَّاعَةِ وَالِانْهِمَاكِ فِي الْمَعَاصِي فَهُوَ الَّذِي
أَوْقَعَهُمْ فِي الْهَلَاكِ ، وَأَمَّا الضَّمُّ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ
إذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ أَكْثَرُهُمْ هَلَاكًا
، وَهُوَ الرَّجُلُ يُولَعُ بِعَيْبِ النَّاسِ وَيَرَى لَهُ عَلَيْهِمْ
فَضْلًا .
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ { أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا
قَالَ : وَاَللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ
قَالَ : مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ
قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ .
} أَوْ كَمَا قَالَ :
الْمُرَادُ حَبَطَ بِقَدْرِ هَذِهِ السَّيِّئَةِ لَا كُلُّ عَمَلِهِ ،
وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي فُصُولِ التَّوْبَةِ .
فَصْلٌ ( فِي قَوْلِ حَرَثْتُ بَدَلَ زَرَعْتُ مُوَافِقَةً لِلْآيَةِ ) .
رَوَى
أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَرَمِيُّ
ثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَقُولُ : أَحَدُكُمْ
زَرَعْتُ لِيَقُلْ حَرَثْتُ .
} قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ أَلَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } قَالَ مُحَمَّدُ
بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ عَنْ أَبِي
يَعْلَى تَفَرَّدَ بِهِ مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَمَخْلَدٌ مِنْ الثِّقَاتِ الْعُقَلَاءِ قَالَ أَبُو دَاوُد كَانَ
أَعْقَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ .
فَصْلٌ ( النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا ؛ لِأَنَّ الْكَرْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْخَمْرِ ) .
فِي
الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَقُولَنَّ
أَحَدُكُمْ لِلْعِنَبِ الْكَرْمَ فَإِنَّ الْكَرْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ
.
} وَفِي لَفْظٍ { فَإِنَّ الْكَرْمَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ .
} وَلِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { وَلَكِنْ قُولُوا حَدَائِقَ الْأَعْنَابِ .
}
وَتُرْجِمَ عَلَيْهِ ( بَابٌ فِي حِفْظِ الْمَنْطِقِ ) وَلِمُسْلِمٍ عَنْ
وَائِلٍ مَرْفُوعًا { لَا تَقُولُوا الْكَرْمَ وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبَ
وَالْحَبْلَةَ } وَالْحَبْلَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا شَجَرَةُ الْعِنَبِ فَفِي هَذَا
كَرَاهِيَةُ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ أَوْ شَجَرَتِهِ كَرْمًا ، بَلْ يُقَالُ
: عِنَبٌ أَوْ حَبَلَةٌ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُطْلِقُ الْكَرْمَ
عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْخَمْرِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُ فَنَهَى الشَّرْعُ
عَنْ إطْلَاقِهَا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ بِهَا
الْخَمْرَ فَيَقَعُونَ فِيهَا ، وَقَالَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ هَذَا
الِاسْمَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ أَوْ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ؛ لِأَنَّ
الْكَرْمَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَرَمِ بِفَتْحِ الرَّاءِ فَسُمِّيَ قَلْبُ
الْمُؤْمِنِ وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُ كَرْمًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ
، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ : رَجُلٌ كَرْمٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ
وَإِسْكَانِهَا وَكَذَا رَجُلَانِ وَرِجَالٌ وَامْرَأَةٌ وَنِسْوَةٌ
وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ كَضِيقٍ وَعَدْلٍ وَسَبَقَ الْمُفْرَدَاتُ مِنْ
الطِّبِّ .
فَصْلٌ : لِيَقُلْ الْمَرْءُ لَقَسَتْ نَفْسِي بَدَلَ
خَبُثَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَرْفُوعًا { لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ
خَبُثَتْ نَفْسِي وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقَسَتْ نَفْسِي .
} وَهُمَا
بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَفْظُ الْخُبْثِ وَبَشَاعَةُ
الِاسْمِ ، وَمَعْنَى لَقَسَتْ عَتَتْ وَقِيلَ : ضَاقَتْ ، وَإِنَّمَا
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الَّذِي يَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ
فَأَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ ؛ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ عَنْ صِفَةِ
غَيْرِهِ وَعَنْ شَخْصٍ مُبْهَمٍ مَذْمُومٍ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ رَوَى أَحْمَدُ خَبَرَ
عَائِشَةَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِلَفْظِ { لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ
جَاشَتْ نَفْسِي } .
فَصْلٌ قَالَ أَبُو دَاوُد ثَنَا وَهْبُ بْنُ
بَقِيَّةَ عَنْ خَالِدٍ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ
يَعْنِي الْحَذَّاءَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ :
{ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَعَثَرَتْ دَابَّتُهُ فَقُلْتُ : تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَقَالَ : لَا
تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ
حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ : بِقُوَّتِي ، وَلَكِنْ قُلْ
بِسْمِ اللَّهِ فَإِنَّكَ إذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ
مِثْلَ الذُّبَابِ } .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ
وَاللَّيْلَةِ عَنْ بُنْدَارٍ عَنْ الثَّقَفِيِّ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي
تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ : كَانَ رَجُلٌ فَذَكَرَهُ عَنْ
مُحَمَّدٍ بْنِ حَاتِمٍ عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ
عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ رِدْفِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ .
وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ
بْنُ حُمْرَانَ الْقَيْسِيُّ عَنْ خَالِدٍ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ
أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ
وَأَبُو تَمِيمَةَ طَرِيفٌ بْنُ مُجَالِدٍ وَأَبُو الْمَلِيحِ هُوَ ابْنُ
أُسَامَةَ وَمُحَمَّدٌ بْنُ حُمْرَانَ لَهُ إفْرَادٌ وَغَرَائِبُ .
يُقَالُ : تَعِسَ يَتْعَسُ إذَا عَثَرَ وَانْكَبَّ لِوَجْهِهِ وَقَدْ تُفْتَحُ الْعَيْنُ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ .
فَصْلٌ
( مَا وَرَدَ فِي قَطْعِ شَجَرِ السِّدْرِ وَسَبِّهِ ) قَالَ أَبُو دَاوُد
: فِي الْأَدَبِ فِي ( بَابِ قَطْعِ السِّدْرِ ) ثَنَا نَصْرٌ بْنُ
عَلِيٍّ أَنْبَأَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عُثْمَانَ
بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ .
{ مَنْ قَطَعَ سِدْرَةً صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ .
}
ثَنَا مَخْلَدٌ بْنُ خَالِدٍ وَسَلَمَةُ يَعْنِي ابْنَ شَبِيبٍ قَالَا :
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَحْوُهُ .
ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ
مَيْسَرَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، قَالَا : ثَنَا حَسَّانُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ قَالَ : سَأَلْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ عَنْ قَطْعِ
السِّدْرِ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إلَى قَصْرِ عُرْوَةَ فَقَالَ : أَتَرَى
هَذِهِ الْأَبْوَابَ الْمَصَارِيعَ إنَّمَا هِيَ مِنْ سِدْرٍ عُرْوَةُ
يَقْطَعُهُ مِنْ أَرْضِهِ وَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ وَزَادَ أَحْمَدُ
فَقَالَ هِيَ يَا عِرَاقِيُّ جِئْتَنِي بِبِدْعَةٍ قَالَ : قُلْتُ إنَّمَا
الْبِدْعَةُ مِنْ قِبَلِكُمْ سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ بِمَكَّةَ { : لَعَنَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَطَعَ السِّدْرَ
} ثُمَّ سَاقَ مَعْنَاهُ .
انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد ، وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ .
وَرَوَاهُ
النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ
الثَّانِيَ عِلَّةً لِلْأَوَّلِ ، وَلَعَلَّ أَبَا دَاوُد أَرَادَ هَذَا .
وَقَدْ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْعُقَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يَصِحُّ
فِيهِ حَدِيثٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَوْ مَنْ
ذَكَرَ مِنْهُمْ فِي الْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ دُونَ هَذَا .
وَقَالَ
فِي النِّهَايَةِ : قِيلَ : أَرَادَ سِدْرَ مَكَّةَ وَقِيلَ :
الْمَدِينَةِ لِيَكُونَ أُنْسًا وَظِلًّا لِلْمُهَاجِرِينَ إلَيْهَا ،
وَقِيلَ : أَرَادَ السِّدْرَ فِي الْفَلَاةِ يَسْتَظِلُّ بِهِ أَبْنَاءُ
السَّبِيلِ
وَالْحَرَّانُ أَوْ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ قَالَ : وَمَعَ هَذَا فَالْخَبَرُ
مُضْطَرِبُ الرِّوَايَةِ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا يُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ هُوَ يَقْطَعُهُ قَالَ : وَأَهْلُ الْعِلْمِ
مُجْمِعُونَ عَلَى إبَاحَةِ قَطْعِهِ وَفِي هَذَا الْإِجْمَاعِ مَعَ
ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الثَّالِثَ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ
بِالْإِجْمَاعِ لَا يَحْرُمُ ، وَأَرَادَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْكَرَاهَةَ
، وَقَوْلُهُ : أَكْثَرُ مَا يُرْوَى عَنْ عُرْوَةَ مُتَوَجَّهٌ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فِي
الْأَدَبِ مِنْ مَسَائِلِهِ سَأَلْتُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ
السِّدْرَةِ تَكُونُ فِي الدَّارِ فَتُؤْذِي أَتُقْطَعُ قَالَ : لَا
تُقْطَعُ مِنْ أَصْلِهَا وَلَا بَأْسَ أَنْ تُقْطَعَ شَاخَاتُهَا
فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هَذَا النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ
الْقَطْعِ ، وَتَضْعِيفُهُ لِلْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ
فَيَكُونُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هَذَا
يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ ، وَالْخَبَرُ الضَّعِيفُ يَحْتَجُّ بِهِ
أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ : إذَا ضَعَّفَ
أَحْمَدُ الْخَبَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ الْعَمَلُ بِهِ فِي مِثْلِ
هَذَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي آدَابِ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ ،
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَذَكَرَ فِي مَقْبُولِ الْمَنْقُولِ فِي
أَوَّلِ كِتَابِ اللَّوَاحِقِ أَنَّ أَبَا دَاوُد سُئِلَ عَنْ مَعْنَى
هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَصَرٌ يَعْنِي { مَنْ
قَطَعَ سِدْرَةً فِي فَلَاةٍ يَسْتَظِلُّ بِهَا ابْنُ السَّبِيلِ
وَالْبَهَائِمُ عَبَثًا وَظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ يَكُونُ لَهُ فِيهَا
صَوَّبَ اللَّهُ رَأْسَهُ فِي النَّارِ } .
فَصْلٌ ( فِي كَرَاهَةِ سَبِّ الدِّيكِ ) .
عَنْ
زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ
لِلصَّلَاةِ .
} إسْنَادٌ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَحْمَدَ مَعْنَاهُ .
فَصْلٌ
فِي الرُّؤْيَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَسِّرَ
الرُّؤْيَا مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ فِيهَا وَلَا يَعْبُرَهَا عَلَى
الْمَكْرُوهِ ، وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْخَيْرِ وَلَا عَلَى الْخَيْرِ
وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الْمَكْرُوهِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ
يُرِيدَ بِقَوْلِهِ التَّحْرِيمَ .
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ :
وَمَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ بَعْضَ مَا يَكْرَهُهُ تَفَلَ عَنْ يَسَارِهِ
ثَلَاثًا وَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا رَآهُ انْتَهَى كَلَامُهُ
.
التَّفْلُ شَبِيهٌ بِالْبَزْقِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ أَوَّلُهُ
الْبَزْقُ ثُمَّ التَّفْلُ ثُمَّ النَّفْثُ ثُمَّ النَّفْخُ وَقَدْ تَفَلَ
يَتْفُلُ وَيَتْفِلُ وَكَذَا نَفَثَ يَنْفُثُ .
وَرَوَى أَبُو
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ
رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ .
} وَفِي رِوَايَةٍ { أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا .
}
قِيلَ " إذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ " أَيْ : اعْتَدَلَ لَيْلُهُ
وَنَهَارُهُ وَهُوَ أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الرُّؤْيَا ، وَقِيلَ :
الْمُرَادُ إذَا قَارَبَ الْقِيَامَةَ وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مَا يُؤَيِّدُ
هَذَا { وَالرُّؤْيَا ثَلَاثٌ فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنْ
اللَّهِ ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٍ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ
الْمَرْءُ نَفْسَهُ ، وَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ
فَلْيُصَلِّ } .
وَلِمُسْلِمٍ { رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ يَرَاهَا
أَوْ تُرَى لَهُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ
النُّبُوَّةِ .
} وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا
مِنْ النُّبُوَّةِ .
} وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ {
الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ
وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ } .
وَقَالَ عَلَيْهِ
السَّلَامُ { لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قِيلَ
: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ .
}
رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ مِنْ أَجْزَاءٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ ، وَالْأَشْهَرُ
{ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ .
} قِيلَ : لِأَنَّهُ أَقَامَ يُوحَى
إلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَقَبْلَ ذَلِكَ يَرَى فِي
الْمَنَامِ الْوَحْيَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا
وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمَنَامَاتِ شَبَهًا مِمَّا حَصَلَ لَهُ
وَمَرْتَبَةً مِنْ النُّبُوَّةِ بِجُزْءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : إنَّمَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ
النُّبُوَّةِ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ دُونَ غَيْرِهِمْ .
قَالَ :
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرُّؤْيَا
تَأْتِي عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لَا أَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنْ
النُّبُوَّةِ .
وَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنَّ فِي الْمَنَامِ إخْبَارٌ
بِالْغَيْبِ وَهُوَ إحْدَى ثَمَرَاتِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ يَسِيرٌ فِي
جَنْبِ النُّبُوَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا
يُشَرِّعُ الشَّرَائِعَ وَيُبَيِّنُ الْأَحْكَامَ وَلَا يُخْبِرُ بِغَيْبٍ
أَبَدًا ، وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي نُبُوَّتِهِ ، وَهَذَا الْجُزْءُ
مِنْ النُّبُوَّةِ ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالْغَيْبِ إذَا وَقَعَ لَا
يَكُونُ إلَّا صِدْقًا ، وَقِيلَ : هَذَا الِاخْتِلَافُ يَرْجِعُ إلَى
اخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي ، فَالصَّالِحُ رُؤْيَاهُ مِنْ سِتَّةٍ
وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا ، وَالْفَاسِقُ مِنْ سَبْعِينَ ، وَقِيلَ :
الْجَلِيُّ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ وَالْخَفِيُّ مِنْ
سَبْعِينَ وَيَأْتِي كَلَامُ مَالِكٍ .
وَرَوَى مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّإِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
مَرْفُوعًا { لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الرُّؤْيَا
الصَّالِحَةُ .
} وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَا رَسُولَ بَعْدِي
وَلَا نَبِيَّ قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : لَكِنْ
الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ : رُؤْيَا
الْمُسْلِمِ ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ .
} رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : صَحِيحٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ
رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ أَوْ لَكَأَنَّمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَةِ وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي .
}
قَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ
أَدْرَكَهُ وَلَوْ رَآهُ عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ أَوْ رَآهُ جَمَاعَةٌ فِي
مَوَاضِعَ وَإِنْ غَلِطَ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ وَتَخَيَّلَ لَهَا عَلَى
خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْئِيِّ
كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ
صَحِيحَةٌ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ {
فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ } وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا إذَا رَأَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ فِي مَنَامِهِ
أَوْ نَهَاهُ ، وَتَلْخِيصُهُ أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ مَا تَقَرَّرَ فِي
الْيَقَظَةِ شَرْعًا إجْمَاعًا نَظَرًا إلَى تَرْجِيحِ الدَّلِيلَيْنِ ،
وَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ عَنْهُ عَلَيْهِ
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْيَقَظَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ
؟ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : فِي أَوَاخِرِ مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ
قَوْلِ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ إنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَهُ مِنْ
أَبَانَ يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ فَمَا عَرَفَ مِنْهُ إلَّا شَيْئًا
يَسِيرًا قَالَ : وَهَذَا وَمِثْلُهُ اسْتِئْنَاسٌ وَاسْتِظْهَارٌ عَلَى
مَا تَقَرَّرَ مِنْ ضَعْفِ أَبَانَ لَا أَنَّهُ يَقْطَعُ بِأَمْرِ
الْمَنَامِ لَا أَنَّهُ يَبْطُلُ بِسَبَبِهِ سُنَّةٌ ثَبَتَتْ وَلَا
يَثْبُت بِهِ سُنَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ ، وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ
انْتَهَى كَلَامُهُ .
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَاوِيُّ : وَكَذَا
قَالَ غَيْرُهُ : مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ
عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ بِسَبَبِ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مَا
تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُ : { مَنْ رَآنِي
فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي } فَإِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ
رُؤْيَتَهُ صَحِيحَةٌ ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ
وَتَلَبُّسِ الشَّيْطَانِ ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُ حُكْمٍ
شَرْعِيٍّ بِهِ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ النَّوْمِ
لَيْسَتْ حَالَةَ ضَبْطٍ وَتَحْقِيقٍ لِمَا يَسْمَعُهُ الرَّائِي .
وَقَدْ
اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
وَرِوَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَيَقِّظًا لَا مُغَفَّلًا وَلَا سَيِّئَ
الْحِفْظِ وَلَا كَثِيرَ الْخَطَإِ وَلَا مُخْتَلَّ الضَّبْطِ ،
وَالنَّائِمُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ
لِاخْتِلَالِ ضَبْطِهِ ، أَمَّا إذَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِفِعْلٍ مَنْدُوبٍ إلَيْهِ أَوْ يَنْهَاهُ
عَنْ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ يُرْشِدُهُ إلَى فِعْلِ مَصْلَحَةٍ فَلَا
خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعَمَلِ عَلَى وَفْقِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
لَيْسَ حُكْمًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَامِ بَلْ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَصْلِ
ذَلِكَ الشَّيْءِ انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَى كَلَامِ
الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ :
أَيْضًا لَا يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ
بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ .
} : إنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِهِ ؟ فِيهِ خِلَافٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا
يُحِبُّهَا فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا
وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ، وَإِذَا رَأَى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ
فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّهَا وَلَا
يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ } .
رَوَاهُ
الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا { الرُّؤْيَا مِنْ
اللَّهِ ، وَالْحُلْمُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا حَلَمَ أَحَدُكُمْ
حُلْمًا فَلْيَنْفُثْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ
بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ .
} وَفِي رِوَايَةٍ { فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ حِينَ يَهُبُّ مِنْ نَوْمِهِ ثَلَاثًا .
} وَفِي رِوَايَةٍ { فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا .
وَلِمُسْلِمٍ فَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ
الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ .
}
وَفِي رِوَايَةٍ { الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ وَالرُّؤْيَا
السُّوءُ مِنْ الشَّيْطَانِ ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا
شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ
الشَّيْطَانِ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا ،
فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبَشِّرْ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا إلَّا
مَنْ يُحِبُّ } .
وَفِي رِوَايَةٍ { فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ
ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا
وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ .
} رَوَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
الْحُلْمُ
بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَالْفِعْلُ مِنْهُ حَلَمَ
بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فَلْيَنْفُثْ " وَقَدْ قِيلَ
: إنَّ الْكُلَّ بِمَعْنًى وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَعَلَّ الْمُرَادَ
بِالْجَمِيعِ النَّفْثُ فَإِنَّهُ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ وَعَنْ
جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
{ إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الرُّؤْيَا يَكْرَهُهَا فَلْيَبْصُقْ عَنْ
يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا
وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ .
} رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ
وَاثِلَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إنَّ مِنْ أَعْظَمِ
الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، أَوْ يُرِيَ
عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ ، أَوْ يَقُولَ : عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ .
} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَلِأَحْمَدَ { أَعْظَمُ الْفِرَى } بِإِسْقَاطِ مِنْ وَلِلْبُخَارِيِّ
وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ
يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يَفْعَلَ .
} وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ { أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالْأَسْحَارِ } .
وَفِي
خَبَرِ أَنَسٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعْجِبُهُ الرُّؤْيَا
الْحَسَنَةُ فَإِذَا رَأَى الرَّجُلُ رُؤْيَا فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِهِ
بَأْسٌ كَانَ أَعْجَبَ لِرُؤْيَاهُ إلَيْهِ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
وَرَأَى خُزَيْمَةُ أَنَّهُ
يُقَبِّلُهُ فَتَأَوَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ وَجْهَهُ .
} .
وَفِي
رِوَايَةٍ { رَأَى أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ فَوَضَعَ جَبْهَتَهُ
عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ : صَدِّقْ رُؤْيَاكَ فَسَجَدَ عَلَى
جَبْهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَى ذَلِكَ
أَحْمَدُ .
{ وَرَأَى الطُّفَيْلُ بْنُ سَخْبَرَةَ رَهْطًا مِنْ
الْيَهُودِ فَقَالَ : إنَّكُمْ أَنْتُمْ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ
تَزْعُمُونَ عُزَيْرًا ابْنَ اللَّهِ ثُمَّ رَأَى رَهْطًا مِنْ
النَّصَارَى قَالَ : إنَّكُمْ أَنْتُمْ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ
تَقُولُونَ : الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .
وَكِلَاهُمَا قَالَ لَهُ ،
وَأَنْتُمْ الْقَوْمُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تَقُولُونَ : مَا شَاءَ اللَّهُ
وَشَاءَ مُحَمَّدٌ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَخْبَرَ مَنْ أَخْبَرَ ثُمَّ أَتَى
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ :
أَخْبَرْتَ أَحَدًا قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا صَلَّوْا خَطَبَهُمْ فَحَمِدَ
اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إنَّ طُفَيْلًا رَأَى رُؤْيَا
فَأَخْبَرَ بِهَا مَنْ أَخْبَرَ مِنْكُمْ وَإِنَّكُمْ تَقُولُونَ كَلِمَةً
كَانَ يَمْنَعُنِي الْحَيَاءُ مِنْكُمْ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ .
ثَنَا
عَفَّانَ ثَنَا حَمَّادٌ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ عَنْ طُفَيْلٍ وَعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا تَقُصَّ الرُّؤْيَا إلَّا
عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ
وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ مَرْفُوعًا { الرُّؤْيَا
عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ فَإِذَا عُبِرَتْ وَقَعَتْ قَالَ
وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَلَا تَقُصَّهَا إلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ
} وَكِيعٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ
حِبَّانَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي لَفْظٍ { مَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا فَإِذَا
حَدَّثَ بِهَا وَقَعَتْ } .
وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ .
قِيلَ لِمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيَعْبُرُ الرَّجُلُ الرُّؤْيَا عَلَى
الْخَيْرِ ، وَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى الشَّرِّ قَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ أَبِالنُّبُوَّةِ تَلْعَبُ ؟ هِيَ أَجْزَاءُ النُّبُوَّةِ .
قَالَ
حَنْبَلٌ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : رَأَيْتُ عَلِيًّا
بْنَ عَاصِمٍ فِي الْمَنَامِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لِي بِالِانْحِدَارِ
يَعْنِي مِنْ الْعَسْكَرِ أَيَّامَ الْمُتَوَكِّلِ بِلَيْلَتَيْنِ
فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ نَسِيتُهُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ :
فَأَوَّلْتُهُ : عَلِيٌّ عُلُوٌّ وَعَاصِمٌ عِصْمَةُ اللَّهِ فَالْحَمْدُ
لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ .
وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد
عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ { رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا
فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ
طَابٍ فَأَوَّلْتُ : الرِّفْعَةُ لَنَا فِي الدُّنْيَا ، وَالْعَاقِبَةُ
لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ .
} قَوْلُهُ :
بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الرُّطَبِ مَعْرُوفٌ
يُقَالُ : لَهُ رُطَبُ ابْنِ طَابٍ وَتَمْرُ ابْنِ طَابٍ وَعِذْقُ ابْنِ
طَابٍ وَعُرْجُونُ ابْنِ طَابٍ .
وَهُوَ مُضَافٌ إلَى ابْنِ طَابٍ
رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهُ : " وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ
طَابَ " أَيْ : كَمُلَ وَرَأَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
امْرَأَةً سَوْدَاءَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ حَتَّى
نَزَلَتْ بِمَهْيَعَةَ فَتَأَوَّلْتُهَا أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ
نُقِلَ إلَى مَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
فَصْلٌ الرُّؤْيَا
اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى قَالَ : أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِنِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي حَقِيقَةِ
الرُّؤْيَا أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي قَلْبِ النَّائِمِ اعْتِقَادَاتٍ
كَمَا يَخْلُقُهَا فِي قَلْبِ الْيَقْظَانِ ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَفْعَلُ
مَا يَشَاءُ لَا يَمْنَعُهُ نَوْمٌ وَلَا يَقَظَةٌ فَإِذَا خَلَقَ هَذِهِ
الِاعْتِقَادَاتِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ
تَلْحَقُهَا فِي ثَانِي الْحَالِ أَوْ كَانَ قَدْ خَلَقَهَا ، فَإِذَا
خَلَقَ فِي قَلْبِ النَّائِمِ الطَّيَرَانَ وَلَيْسَ بِطَائِرٍ فَأَكْثَرُ
مَا فِيهِ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَمْرًا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ فَيَكُونُ
ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ عَلَمًا عَلَى غَيْرِهِ ، كَمَا يَكُونُ خَلْقُ
اللَّهِ الْغَيْمَ عَلَمًا عَلَى الْمَطَرِ ، وَالْجَمِيعُ خَلْقُ اللَّهِ
تَعَالَى وَلَكِنْ يَخْلُقُ الرُّؤْيَا وَالِاعْتِقَادَاتِ الَّتِي
جَعَلَهَا عَلَمًا عَلَى مَا يَسُرُّ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الشَّيْطَانِ
وَيَخْلُقُ مَا هُوَ عَلَمٌ عَلَى مَا يَضُرُّ بِحَضْرَةِ الشَّيْطَانِ
فَتُنْسَبُ إلَى الشَّيْطَانِ مُجَازَاةً لِحُضُورِهِ عِنْدَهَا وَإِنْ
كَانَ لَا فِعْلَ لَهُ حَقِيقَةً .
وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { اعْتَبِرُوهَا بِأَسْمَائِهَا وَكَنُّوهَا بِكُنَاهَا وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ .
} .
وَذَكَرَ
ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : لَا رُؤْيَا لِخَائِفٍ إلَّا إنْ رَأَى مَا يُحِبُّ .
وَقَالَ
هِشَامٌ بْنُ حَسَّانٍ : كَانَ ابْنُ سِيرِينَ يُسْأَلُ عَنْ مِائَةِ
رُؤْيَا فَلَا يُجِيبُ فِيهَا بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ : اتَّقِ
اللَّهَ وَأَحْسِنْ فِي الْيَقَظَةِ ، فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ مَا
رَأَيْت فِي النَّوْمِ وَكَانَ يُجِيبُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَيَقُولُ :
إنَّمَا أُجِيبُهُ بِالظَّنِّ ، وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ، قِيلَ
لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ : كَمْ تَتَأَخَّرُ الرُّؤْيَا ؟ قَالَ { :
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ كَلْبًا
أَبْقَعَ يَلَغُ فِي دَمِهِ ، } فَكَانَ شِمْرَ بْنَ ذِي الْجَوْشَنِ
قَاتِلَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ أَبْرَصَ أَخْزَاهُ
اللَّهُ ، وَكَانَ