كتاب : زاد المسير في علم التفسير
المؤلف : جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
فعلى هذا : يرون ما عملوا من خير أو شر في موقف العَرْضِ { فمن يعمل مثقال ذرة } قال المفسرون : من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من الخير أو الشر يره وقرأ أبان عن عاصم «يُرَه» بضم الياء في الحرفين . وقد بَيَّنَّا معنى «الذَّرَّة» في سورة [ النساء : 40 ] وفي معنى هذه الرؤية قولان .
أحدهما : أنه يراه في كتابه .
والثاني : يرى جزاءه . وذكر مقاتل : أنها نزلت في رجلين كانا بالمدينة ، كان أحدهما يستقلُّ أن يعطيَ السائل الكِسْرة ، أو التمرة . وكان الآخر يتهاون بالذَّنب اليسير ، فأنزل الله عز وجل هذا يُرَغِّبُهم في القليل من الخير ، ويُحَذِّرهم اليسير من الشر .
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
قوله تعالى : { والعاديات } فيه قولان :
أحدهما : أنها الإبل في الحج ، قاله علي ، وابن مسعود ، وعبيد بن عمير ، والقرظي ، والسدي . وروي عن علي أنه قال : و «العاديات ضبحاً» من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى ، وروي عن علي أنه قال هذا في صفة وقعة بدر . قال : وما كان معنا يومئذ إلا فرس . وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان .
والثاني : أنها الخيل في سبيل الله ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وعكرمة ، وقتادة ، وعطية ، والربيع ، واللغويون . وكان ابن عباس يذهب إلى أن هذا كان في سريَّة ، فروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خيلاً ، فلم يأته خبرها شهراً ، فنزلت «والعاديات ضبحاً» ضبحت بمناخرها { فالموريات قدحاً } قدحت بحوافرها الحجارة فأورت ناراً { فالمغيرات صبحاً } صبحت القوم بغارة { فأثرن به نقعاً } أثارت بحوافرها التراب { فوسطن به جمعاً } قال : صبحت الحي جميعاً . وقال مقاتل : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّة إلى حَيَّيْن من كنانة واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري ، فأبطأ عنه خبرها ، فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تناجَوْا ، فيظن الرجل أنه قد قُتِلَ أخوه أو أبوه ، أو عمه ، فيجد من ذلك حزناً ، فنزلت «والعاديات ضبحاً» فأخبر الله كيف فعل بهم . قال الفراء : الضبح : أصوات أنفاس الخيل إذا عَدَوْنَ . وقال ابن قتيبة : الضبح : صوت حلوقها إذا عَدَتْ . وقال الزجاج : ضبحها : صوت أجوافها إذا عَدَتْ .
قوله تعالى : { فالموريات قَدْحاً } فيه خمسة أقوال .
أحدها : أنها الخيل تُوري النار بحوافرها إذا جرت ، وهذا قول الجمهور .
قال الزجاج : إذا عدت الخيل بالليل ، فأصابت بحوافرها الحجارة ، انقدحت منها النيران .
والثاني : أنها نيران المجاهدين إذا أُوقدت ، روي عن ابن عباس .
والثالث : مَكْرُ الرجال في الحرب ، قاله مجاهد ، وزيد بن أسلم .
والرابع : نيران الحجيج بالمزدلفة ، قاله القرظي .
والخامس : أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأُقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل ، قاله عكرمة .
قوله تعالى : { فالمغيرات صبحاً } هي التي تغير على العَدُوِّ عند الصباح ، هذا قول الأكثرين . وقال ابن مسعود : فالمغيرات صبحاً حين يُفيضون من جمع .
قوله تعالى : { فأَثَرْنَ به } قال الفراء : يريد بالوادي ولم يذكره قبل ذلك ، وهذا جائز ، لأن الغبار لا يثار إلا من موضع . والنقع : الغبار ، ويقال : التراب . وقال الزجاج : المعنى : فأثرن بمكان عَدْوِهِنَّ ، ولم يتقدم ذكر المكان ، ولكن في الكلام دليل عليه { فوسطن به جمعاً } قال المفسرون : المعنى : توسطن جمعاً من العدو ، فأغارت عليهم . وقال ابن مسعود : فوسطن به جمعاً ، يعني مزدلفة .
قوله تعالى : { إن الإنسان لربه لكنود } هذا جواب القسم .
والإنسان هاهنا : الكافر . قال الضحاك : نزلت في الوليد بن المغيرة ، وقال مقاتل : نزلت في قرط بن عبد الله بن عمرو بن نوفل القرشي .
وفي «الكَنُود» ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه الذي يأكل وحده ، ويمنع رِفْده ، ويضرب عبده ، رواه أبو أُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثاني : أنه الكفور ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك .
والثالث : لَوَّام لِرَبِّهِ يَعُدُّ المصيبات ، وينسى النِّعَم ، قاله الحسن . قال ابن قتيبة : والأرض الكنود : التي لا تُنْبِتُ شيئاً . قوله تعالى : { وإنه على ذلك لشهيد } في هاء الكناية قولان .
أحدهما : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، [ تقديره ] : وإن الله على كفره لشهيد .
والثاني : أنها ترجع إلى الإنسان ، فتقديره : إن الإنسان شاهد على نفسه أنه كنود ، روي القولان عن ابن عباس .
قوله تعالى : { وإنه } يعني : الإنسان { لحبِّ الخير } يعني : المال { لشديدٌ } . وفي معنى الآية قولان .
أحدهما : وإنه من أجل حُبِّ المال لبخيلٌ ، هذا قول الحسن ، وابن قتيبة ، والزجاج . قال أبو عبيدة : ويقال للبخيل : شديد ، ومُتَشَدِّدٌ . قال طرفة :
أَرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَام ويَصْطَفي ... عَقِيلَةَ مَالِ البَاخِلِ المُتَشدِّدِ
والثاني : وإنه للخير لشديد الحبِّ ، وهذا اختيار الفراء . قال : فكأن الكلمة لمَّا تقدم فيها الحب ، وكان موضعه أن يضاف إليه «شديد» ، حذف الحبّ من آخره لما جرى ذكره في أوله ، ولرؤوس الآي . ومثله { اشتدت به الريح في يوم عاصف } [ إبراهيم : 18 ] فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره .
قوله تعالى : { أفلا يعلم } يعني : الإنسان المذكور { إذا بُعْثِرَ ما في القبور } أي : أُثير وأُخرج { وحُصِّل ما في الصدور } أي : مُيِّز واستُخرج . والتحصيل : تمييز ما يحصل . وقال ابن عباس : أُبرز ما فيها وقال ابن قتيبة : مُيِّزَ ما فيها من الخير والشر . وقال أبو سليمان الدمشقي : المعنى : لو علم الإنسان الكافر ما له في ذلك اليوم لزهد في الكفر ، وبادر إلى الإسلام . ثم ابتدأ فقال تعالى : { إن ربهم بهم يومئذ لخبير } وقال غيره : إنما قرئت «إن» بالكسر لأجل اللام ، ولولاها كانت مفتوحة بوقوع العلم عليها .
فإن قيل : أليس الله خبيراً بهم في كل حال ، فلم خص ذلك اليوم؟
فالجواب أن المعنى : أنه يجازيهم على أفعالهم يومئذ ، ومثله { أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم } [ النساء : 63 ] ، ومعناه : يجازيهم على ذلك ، ومثله : { يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء } [ غافر : 16 ]
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
قوله تعالى : { يوم يكون النَّاس } اليوم منصوب على الظرف . المعنى : يكون يوم يكون الناس { كالفراش المبثوث } وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه غوغاء الجراد ، قاله الفراء . قال ابن قتيبة : غوغاء الجراد : صغاره ، ومنه قيل لعامة الناس : غوغاء .
والثاني : أنه طير ليس ببعوض ولا ذِبَّان ، قاله أبو عبيدة .
والثالث : أنه ما تهافت في النار من البعوض ، قاله ابن قتيبة . وكذلك قال الزجاج : ما يُرى كصغار البَقِّ يتهافت في النار . وشَبَّه الناس في وقت البعث به وبالجراد المنتشر ، لأنهم إذا بعثوا ماج بعضهم في بعض . وذكر الماوردي : أن هذا التشبيه للكفار ، فهم يتهافتون في النار يوم القيامة تَهَافُتَ الفراش .
فأما «المبثوث» فهو المنتشر والمتفرِِّق .
قوله تعالى : { وتكون الجبال كالعهن } وقد شرحناه في [ سأل سائل : 9 ] و«المنفوش» الذي قد ندف . قال مقاتل : وتصير الجبال كالصوف المندوف . فإذا رأيت الجبل قلت : هذا جبل : فإذا مسسته لم تر شيئاً ، وذلك من شِدَّة الهَوْل .
قوله تعالى : { فأما من ثقلت موازينه } ، أي : رجحت بالحسنات ، وقد بَّينَّا هذه الآية في أول [ الأعراف : 8 ] وبيَّنَّا معنى «عيشة راضية» في [ الحاقة : 21 ]
قوله تعالى : { فأمُّه هاوية } ، قرأ ابن مسعود ، وطلحة بن مصرف ، والجحدري «فإمه» بكسر الهمزة . وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أُمُّ رأسه هاوية ، يعني : أنه يهوي في النار على رأسه ، هذا قول عكرمة ، وأبي صالح .
والثاني : أنها كلمة عربية كان الرجل إذا وقع في أمر شديد قالوا : هَوَتْ أُمُّه ، قاله قتادة .
والثالث : أن المعنى ، فمسكنُه النار . وإنما قيل لمسكنه : أُمُّه ، لأن الأصل السكون إلى الأمَّهات . والنَّار لهذا كالأُمِّ ، إذ لا مأوى له غيرها ، هذا قول ابن زيد ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج ، ويدل على صحة هذا ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا مات العبد تلقى رُوحُه أرواحَ المؤمنين ، فتقول له : ما فعل فلان؟ فإذا قال : مات ، قالوا : ذُهِبَ به إلى أُمِّه الهاوية ، فَبَئِسَتِ الأُمُّ ، وبِئستِ المربَّيَة .
قوله تعالى : { وما أدراك ماهِيَهْ } يعني : الهاوية . قرأ حمزة ، ويعقوب «ما هي» بحذف الهاء الأخيرة في الوصل ، وإثباتها في الوقف . لتبيين فتحة الياء ، فالوقف «هيه» والوصل هي نار . والذي يجب اتباعُ المصحف . والهاء فيه ثابتة فتوقف عليها ، ولا توصل «نار حامية» أي : حارَّة قد انتهى حرها .
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
قوله [ تعالى ] : { ألهاكم } وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق ، وابن عباس ، والشعبي ، وأبو العالية ، وأبو عمران ، وابن أبي عبلة : «أَأَلهاكم» بهمزتين مقصورتين على الاستفهام . وقرأ معاوية ، وعائشة «آلهاكم» بهمزة واحدة ممدودة استفهاماً أيضاً . ومعنى ألهاكم : شغلكم عن طاعة الله وعبادته . وفي المراد بالتكاثر ثلاثة أقوال .
أحدها : التكاثر بالأموال والأولاد ، قاله الحسن .
والثاني : التفاخر بالقبائل والعشائر ، قاله قتادة .
والثالث : التشاغل بالمعاش والتجارة ، قاله الضحاك .
وفي قوله تعالى { حتى زرتم المقابر } قولان .
أحدهما : حتى أدرككم الموت على تلك الحال ، فصرتم في المقابر زُوَّاراً ترجعون منها إلى منازلكم من الجنة أو النار ، كرجوع الزائر إلى منزله .
والثاني : حتى زرتم المقابر فَعَدَدْتم من فيها [ من ] موتاكم .
قوله تعالى : { كلا } قال الزحاج : هي ردع وتنبيه . والمعنى : ليس الأمر الذي ينبغي أن يكونوا عليه التكاثر .
قوله تعالى : { سوف تعلمون } عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت . وقيل : العلم الأول : يقع عند نزول الموت . والثاني : عند نزول القبر .
قوله تعالى : { كلا لو تعلمون علم اليقين } المعنى : لو تعلمون الأمر علماً يقيناً لَشَغَلَكم ما تعلمون عن التكاثر ، والتفاخر . وجواب «لو» محذوف : وهو ما ذكرنا . ثم أوعدهم وعيداً آخر فقال تعالى : { لَتَرَوُنَّ الجحيم } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة «لتَرون» «ثم لتَرونها» بفتح التاء . وقرأ مجاهد ، وعكرمة ، وحميد ، وابن أبي عبلة «لتُرون» «لتُرونها» بضم التاء فيهما من غير همز { ثم لَتَرَوُنَّها عين اليقين } أي : مشاهدة ، فكان المراد ب «عين اليقين» نفسه ، لأن عين الشيء : ذاته .
قوله تعالى : { ثم لتسألُنَّ يومئذ عن النعيم } اختلفوا ، هل هذا السؤال عام ، أم لا؟ على قولين .
أحدهما : أنه خاص للكفار ، قاله الحسن .
والثاني : عام ، قاله قتادة . وللمفسرين في المراد بالنعيم عشرة أقوال .
أحدها : أنه الأمن والصحة ، رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتارة يأتي موقوفاً عليه ، وبه قال مجاهد والشعبي .
والثاني : أنه الماء البارد ، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والثالث : أنه الخبز البُرّ والماءُ العَذْبُ ، قاله أبو أُمامة .
والرابع : أنه ملاذ المأكول والمشروب ، قاله جابر بن عبد الله .
والخامس : أنه صحة الأبدان ، والأسماع ، والأبصار ، قاله ابن عباس . وقال قتادة : هو العافية .
والسادس : أنه الغداء والعشاء ، قاله الحسن .
والسابع : الصحة والفراغ ، قاله عكرمة .
والثامن : كل شيء من لذة الدنيا ، قاله مجاهد .
والتاسع : أنه إنعام الله على الخلق بإرسال محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله القرظي .
والعاشر : أنه صنوف النعم ، قاله مقاتل .
والصحيح أنه عام في كل نعيم ، وعام في جميع الخلق ، فالكافر يسأل توبيخاً إذا لم يشكر المنعم ، ولم يوحِّده . والمؤمن يسأل عن شكرها . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى : " ثلاث لا أسأل عبدي عن شكرهن وأسأله عما سوى ذلك ، بيت يُكنُّه؛ وما يقيم به صلبه من الطعام ، وما يواري به عورته من اللباس " .
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
قوله تعالى { والعصر } فيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه الدهر ، قاله ابن عباس ، وزيد بن أسلم ، والفراء ، وابن قتيبة . وإنما أقسم بالدهر لأن فيه عبرة للناظر من مرور الليل والنهار على تقدير لا ينخرم .
والثاني : أنه العشي ، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها ، قاله الحسن وقتادة .
والثالث : صلاة العصر ، قاله مقاتل .
قوله تعالى : { إن الإنسان لفي خسر } قال الزجاج : هو جواب القسم . والإنسان هاهنا بمعنى الناس ، كما تقول : كثر الدرهم في أيدي الناس ، تريد الدراهم . والخسر والخسران في معنى واحد . قال أهل المعاني : الخسر : هلاك رأس المال أو نقصه . فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم ، فهو في خسران ، لأنه عمل في إهلاك نفسه ، وهما أكبر رأس ماله { إلا الذين آمنوا } أي : صدَّقوا الله ورسوله ، وعملوا بالطاعة { وتَواصَوْا بالحق } أي : بالتوحيد ، والقرآن ، واتباع الرسول { وتواصَوْا بالصبر } على طاعة الله ، والقيام بشريعته .
وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة : إن الإنسان إذا عُمِّر في الدنيا لفي نقص وضعف ، إلا المؤمنين ، فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحتهم .
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
قوله تعالى : { ويل لكل هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } اختلفوا في الهُمَزَة واللُّمَزَة هل هما بمعنى واحد ، أم مختلفان؟ على قولين .
أحدهما : أنهما مختلفان . ثم فيهما سبعة أقوال .
أحدها : أن الهُمَزَة : المُغْتَاب ، واللُّمَزَة : العيَّاب ، قاله ابن عباس .
والثاني : أن الهُمَزَة : الذي يهمز الإنسان في وجهه . واللُّمَزَة : يَِلْمِزُه إذا أدبر عنه ، قاله الحسن ، وعطاء ، وأبو العالية .
والثالث : أن الهُمَزَة : الطعَّان في الناس ، واللُّمَزَة : الطعَّان في أنساب الناس ، قاله مجاهد .
والرابع : أن الهُمَزَة : بالعين ، واللُّمَزَة : باللسان ، قاله قتادة .
والخامس : أن الهُمَزَة : الذي يهمز الناس بيده ويضربهم ، واللُّمَزَة : الذي يَلْمِزهم بلسانه ، قاله ابن زيد .
والسادس : أن الهُمَزَة : الذي يهمز بلسانه ، واللُّمَزَة : الذي يلمز بعينه ، قاله سفيان الثوري .
والسابع : أن الهُمَزَة : المغتاب ، واللُّمَزَة : الطاعن على الإنسان في وجهه ، قاله مقاتل .
والقول الثاني : أن الهُمَزَة : العَيَّاب الطعان ، واللُّمَزَة مثله . وأصل الهمز واللمز : الدفع ، قاله ابن قتيبة ، وكذلك قال الزجاج : الهُمَزَة اللُّمَزَة : الذي يغتاب الناس ويَغُضُّهم . قال الشاعر :
إذا لَقِيتُكَ عَنْ كُرْهٍ تُكَاشِرُني ... وإن تَغَيَّبْتُ كُنْتَ الهَامِزَ اللُّمَزَهْ
قوله تعالى : { الذي جمع مالاً } قرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، وروح «جَمَّع» بالتشديد . والباقون بالتخفيف .
قوله تعالى : { وَعَدَّده } قرأ الجمهور بتشديد الدال . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، وابن يعمر بتخفيفها .
وللمفسرين في معنى الكلام قولان .
أحدهما : أحصى عَدَدَه ، قاله السدي .
والثاني : أَعَدَّه لما يكفيه في السِّنين ، قاله عكرمة . قال الزجاج : من قرأ «عدَّده» بالتشديد ، فمعناه : عدَّده للدهور . ومن قرأ «عَدَدَه» بالتخفيف ، فمعناه : جمع مالاً وَعَدَداً . أي : وقوماً اتخذهم أنصاراً .
قوله تعالى : { يحسب أنَّ ماله أخلده } أخلده بمعنى يخلده ، والمعنى : يظن ماله مانعاً له من الموت ، فهو يعمل عمل من لا يظن أنه يموت { كلا } أي : لا يخلده ماله ولا يبقى له { ليُنْبَذَنَّ } أي : ليُطْرَحَنَّ { في الحطمة } وهو اسم من أسماء جهنم . سميت بذلك لأنها تحطم ما يُلقى فيها ، أي : تكسره ، فهي تكسر العظم بعد أكلها اللحم . ويقال للرجل الأكول : إنه لَحُطَمة . وقرأ أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وأبو عبد الرحمن ، والحسن ، وابن أبي عبلة ، وابن محيصن ، «لينبذانِّ» بألف ممدودة ، وبكسر النون ، وتشديدها ، أي : هو وماله .
قوله تعالى : { التي تَطَّلع على الأفئدة } أي : تأكل اللحم والجلود حتى تقع على الأفئدة فتحرقها ، قال الفراء : يبلغ ألمها الأفئدةَ . والاطِّلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد ، والعرب تقول : متى طلعَت أرضنا؟ أي : بلغتَ . وقال ابن قتيبة : تَطَّلع على الأفئدة ، أي : توفي عليها وتشرف . وخص الأفئدة ، لأن الألم إذا صار إلى الفؤاد مات صاحبه ، فأخبر أنهم في حال من يموت ، وهم لا يموتون . وقد ذكرنا تفسير «المؤصدة» في سورة [ البلد : 20 ] .
قوله تعالى : { في عَمَدٍ } قرأ حمزة ، وخلف ، والكسائي ، وعاصم إلا حفصاً بضم العين ، وإسكان الميم . قال المفسرون : وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار . و «في» بمعنى الباء . والمعنى : مطبَقة بعُمُدٍ . قال قتادة : وكذلك هو في قراءة عبد الله . وقال مقاتل : أُطبقت الأبواب عليهم ، ثم شُدَّت بأوتادٍ من حديد ، حتى يرجع عليهم غَمُّها وحَرُّها . و «ممدَّدة» صفة العُمُد ، أي : أنها ممدودة مطوّلة ، وهي أرسخ من القصيرة . وقال قتادة : هي عُمُدٌ يعذَّبون بها في النار . وقال أبو صالح : «في عَمَدٍ مُمَدَّدة» قال : القيود الطوال .
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
قوله تعالى : ( ألم تر ) فيه قولان .
أحدهما : ألم تُخْبَرْ ، قاله الفراء .
والثاني : ألم تَعْلَم ، قاله الزجاج . ومعنى الكلام معنى التعجب . وأصحاب الفيل هم الذين قصدوا تخريب الكعبة .
وفي سبب قصدهم لذلك قولان :
أحدهما : أن أبرهة بني بيعةً وقال : لست منتهياً حتى أضيف إليها حَجَّ العرب ، فسمع بذلك رجل من بني كنانة ، فخرج ، فدخلها ليلاً ، فأحدث فيها ، فبلغ ذلك أبرهة ، فحلف ليسيرنَّ إلى الكعبة فيهدِمَها ، قاله ابن عباس .
والثاني : أن قوماً من قريش خرجوا في تجارة إلى أرض النجاشي فنزلوا في جنب بِيعَةٍ ، فأوقدوا ناراً ، وشَوَوْا لحماً ، فلما رَحَلُوا هَبَّت الرِّيح ، فاضطرم المكان ناراً ، فغضب النجاشي لأجل البِيَعة ، فقال له كبراء أصحابه - منهم حجر بن شراحيل ، وأبو يكسوم : لا تحزن ، فنحن نَهدِم الكعبة ، قاله مقاتل . وقال ابن اسحاق : أبو يكسوم اسمه أبرهة بن الأشرم . وقيل : وزيره ، وحِجْر من قُوَّادِه .
ذكر الإشارة إلى القصة
ذكر أهل التفسير أن أبرهة لما سار بجنوده إلى الكعبة ليهدِمها خرج معه بالفيل ، فلما دنا من مكة أمر أصحابه بالغارة على نَعَم الناس ، فأصابوا إبلاً لعبد المطلب ، وبعث بعض جنوده ، فقال : سل عن شريف مكة ، وأخبره أني لم آتِ لقتال ، وإنما جئت لأهدِم هذا البيت ، فانطلق حتى دخل مكة ، فلقيَ عبد المطلب بن هاشم ، فقال إن الملك أرسلني إليك لأخبركَ أنه لم يأتِ لقتال إلا أن تقاتلوه ، إنما جاء لهدم هذا البيت ، ثم ينصرف عنكم ، فقال عبد المطلب : ما له عندنا قتال ، وما لنا به يد ، إنا سنخلي بينه وبين ما جاء له ، فإن هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام ، فإن يمنعه ، فهو بيته وحرمه ، وإن يخلِّ بينه وبين ذلك ، فوالله ما لنا به قوة . قال : فانطلق معي إلى الملك ، فلما دخل عبد المطلب على أبرهة أعظمه ، وكرمه ، ثم قال لترجمانه : قل له : ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان ، فقال : حاجتي أن يردَّ عليَّ مائتي بعير أصابها . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ولقد زهدت الآن فيك ، جئت إلى بيت هو دينك لأهدمه ، فلم تكلِّمني فيه ، وكلَّمتني لإبل أصبتُها . فقال عبد المطلب : أنا ربُّ هذه الإبل ، ولهذا البيت رَبُّ سيمنعه . فأمر بإبله فَرُدَّت عليه ، فخرج ، فأخبر قريشاً ، وأمرهم أن يتفرَّقوا في الشعاب ورؤوس الجبال خوفاً من مَعَرَّة الجيش إذا دخل ، ففعلوا ، فأتى عبد المطلب الكعبة ، فأخذ بحلقة الباب ، وجعل يقول :
يَا رَبِّ لاَ أَرْجُو لهم سِوَاكَا ... يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا
إنَّ عَدُوَّ البيت مَنْ عَادَاكا ... إمْنَعْهُمُ أن يُخْرِبُوا قُرَاكا
وقال أيضاً :
لاَ هُمَّ إنَّ المرْءَ يَمْ ... َنُع رَحْلَه فامنع حِلاَلَكْ
لاَ يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ ... وَمِحَالُهم غَدْواً مِحَالَكْ
جَرُّوا جميعَ بلادهم ... والفيلَ كي يَسْبُوا عِيَالَكْ
عَمِدُوا حِمَاك بكيدِهم ... جهلاً وما رَقَبُوا جَلاَلَكْ
إنْ كنتَ تاركهم وكَعْ ... تَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدَالَكْ
ثم إن أبرهة أصبح متهيئاً للدخول ، فبرك الفيل ، فبعثوه فأبى ، فضربوه ، فأبى ، فوجَّهوه إلى اليمن راجعاً ، فقام يهرول ، ووجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، وإلى المشرق ففعل مثل ذلك ، فوجَّهوه إلى الحرم ، فأبى ، فأرسل الله طيراً من البحر .
واختلفوا في صفتها ، فقال ابن عباس : كانت لهم خراطيم كخراطيم الطير ، وأكفّ كأكفّ الكلاب . وقال عكرمة : كانت لها رؤوس كرؤوس السباع .
وقال ابن إسحاق : كانت أمثال الخطاطيف .
واختلفوا في ألوانِها على ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها كانت خضراء ، قاله عكرمة ، وسعيد بن جبير .
والثاني : سوداء ، قاله عبيد بن عمير .
والثالث : بيضاء ، قاله قتادة . قال : وكان مع كل طير ثلاثة أحجار ، حَجَرانِ في رجليه ، وحجر في منقاره .
واختلفوا في صفة الحجارة فقال بعضهم : كانت كأمثال الحمص والعدس . وقال عبيد بن عمير : بل كان الحجر كرأس الرجل والجمل ، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم ، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك . وكان الحجر يقع على رأس الرجل ، فيخرج من دبره . وقيل : كان على كل حجر اسم الذي وقع عليه ، فهلكوا ولم يدخلوا الحرم ، وبعث الله على أبرهة داء في جسده ، فتساقطت أنامله ، وانصدع صدره قطعتين عن قلبه ، فهلك ، ورأى أهل مكة الطير وقد أقبلت من ناحية البحر ، فقال عبد المطلب : إن هذه الطير غريبة . ثم إن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس ينظر إلى القوم ، فرجع يركض ويقول : هلك القوم جميعاً ، فخرج عبد المطلب وأصحابه فغنموا أموالهم . وقيل : لم ينج من القوم إلا أبو يكسوم ، فسار ، وطائر يطير من فوقه ، ولا يشعر به حتى دخل على النجاشي ، فأخبره بما أصاب القوم ، فلما أتم كلامه رماه الطائر فمات ، فأرى الله تعالى النجاشي كيف كان هلاك أصحابه .
واختلفوا كم كان بين مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين هذه القصة على ثلاثة أقوال .
أحدها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل ، وهو الأصح .
والثاني : كان بينهما ثلاث وعشرون سنة ، قاله أبو صالح عن ابن عباس .
والثالث : أربعون سنة ، حكاه مقاتل .
قوله تعالى : { ألم يجعل كيدهم } وهو ما أرادوا من تخريب الكعبة { في تضليل } أي : في ذهاب . والمعنى : أن كيدهم ضَلَّ عما قصدوا له ، فلم يصلوا إلى مرادهم { وأرسل عليهم طيراً أبابيل } .
وفي «الأبابيل» خمسة أقوال .
أحدهما : أنها المتفرِّقة من هاهنا وهاهنا ، قاله ابن مسعود ، والأخفش .
والثاني : أنها المتتابعة التي يتبع بعضها بعضاً ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، ومقاتل .
والثالث : الكثيرة ، قاله الحسن ، وطاووس .
والرابع : أنها الجمع بعد الجمع ، قاله عطاء ، وأبو صالح ، وكذلك قال أبو عبيدة ، وابن قتيبة ، والزجاج ، «الأبابيل» : جماعات في تفرقة .
والخامس : المختلفة الألوان ، قاله زيد بن أسلم . قال الفراء ، وأبو عبيدة : «الأبابيل» لا واحد لها .
قوله تعالى : { ترميهم } قرأ أبو عبد الرحمن السلمي «يرميهم» بالياء . وقد بينا معنى «سجِّيل» في [ هود : 82 ] ومعنى «العصف» في سورة [ الرحمن : 12 ] عز وجل .
وفي معنى «مأكول» ثلاثة أقوال .
أحدهما : أن يكون أراد أنه أُخذ ما فيه من الحب فأكل ، وبقي هو لا حب فيه .
والثاني : أن يكون أراد أن العصف مأكول البهائم ، كما يقال للحنطة : هذا المأكول ولمَّا يؤكل . وللماء : هذا المشروب ولمَّا يشرب . يريد أنهما مما يؤكل ويشرب ، ذكرهما ابن قتيبة .
والثالث : أن المأكول هاهنا : الذي وقع فيه الأُكال . فالمعنى : جعلهم كَوَرَقِ الزَّرْعِ الذي جَفَّ وأُكل : أي : وقع فيه الأُكال ، قاله الزجاج .
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
قوله تعالى : { إيلافهم } قرأ أبو جعفر وابن فليح عن ابن كثير ، والوليد بن عتبة عن ابن عامر ، والتغلبي عن ابن ذكوان ، عنه «إلافهم» بهمزة مكسورة من غير ياءٍ بعدها ، مثل : علافهم . وروى الخزاعي عن ابن فليح ، وأبان بن تغلب عن عاصم «إلفهم» بسكون اللام أيضاً . ورواه الشموني إلا حماداً بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ، ورواه حماد كذلك إلا أنه حذف الياء . وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة مثل «عيلافهم» . وجمهور العلماء على أن الرَّحلتين كانتا للتجارة ، وكانوا يخرجون إلى الشام في الصيف ، وإلى اليمن في الشتاء لشدة برد الشام . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانوا يشتون بمكة ، ويصيفون بالطائف . قال الفراء : والرحلة منصوبة بايقاع الفعل عليها .
قوله تعالى : { فليعبدوا ربَّ هذا البيت } أي : ليوحِّدوه { الذي أطعمهم من جوع } أي : بعد الجوع ، كما تقول : كسوتك من عُرْي ، وذلك أن الله تعالى آمَنَهم بالحرم ، فلم يُتَعرَّض لهم في رحلتهم ، فكان ذلك سبباً لإطعامهم بعدما كانوا فيه من الجوع . وروى عطاء عن ابن عباس قال : كانوا في ضُرٍّ ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرّحلتين ، فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى استَغْنوا .
قوله تعالى : { وآمنهم من خوف } وذلك أنهم كانوا آمنين بالحرم ، إن حضروا حماهم ، وإن سافروا قيل : هؤلاء أهل الحرم ، فلا يَعْرِضُ لهم أحد .
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
قوله تعالى : { أرأيت الذي يكذب بالدين } اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ستة أقوال .
أحدها : نزلت في رجل من المنافقين ، قاله ابن عباس .
والثاني : نزلت في عمرو بن عائذ ، قاله الضحاك .
والثالث : في الوليد بن المغيرة ، قاله السدي .
والرابع : في العاص بن وائل ، قاله ابن السائب .
والخامس : في أبي سفيان بن حرب ، قاله ابن جريج .
والسادس : في أبي جهل ، حكاه الماوردي .
وفي «الدين» أربعة أقوال .
أحدها : أنه حكم الله عز وجل ، قاله ابن عباس .
والثاني : الحساب ، قاله مجاهد ، وعكرمة .
والثالث : الجزاء ، حكاه الماوردي .
والرابع : القرآن ، حكاه بعض المفسرين . و «يَدُعُّ» بمعنى يدفع . وقد ذكرناه في قوله تعالى : { يوم يُدَعُّون إِلى نار جهنم } [ الطور : 13 ] والمعنى : أنه يدفع اليتيم عن حقه دفعاً عنيفاً ليأخذ ماله ، وقد بينا فيما سبق أنهم كانوا لا يورِّثون الصغير ، وقيل : يدفع اليتيم إبعاداً له ، لأنه لا يرجو ثواب إطعامه { ولا يحض على طعام المسكين } أي : لا يطعمه ، ولا يأمر بإطعامه ، لأنه مكذِّب بالجزاء .
قوله تعالى : { فويل للمصلين . الذين هم عن صلاتهم ساهون } نزل هذا في المنافقين الذين لا يرجون لصلاتهم ثواباً ، ولا يخافون على تركها عقاباً . فإن كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلوا رياءً ، وإن لم يكونوا معه لم يصلوا ، فذلك قوله تعالى : { الذين هم يراؤون } وقال ابن مسعود : والله ما تركوها البتَّة ولو تركوها البتة كانوا كفاراً ، ولكن تركوا المحافظة على أوقاتها . وقال ابن عباس : يؤخِّرونها عن وقتها . ونقل عن أبي العالية أنه قال : هو الذي لا يدري عن كم انصرف ، عن شفع ، أو عن وتر . وردَّ هذا بعض العلماء فقال : هذا ليس بشيء ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سها في صلاته ، ولأنه قال تعالى : { عن صلاتهم } ولم يقل : في صلاتهم ، ولأن ذاك لا يكاد يدخل تحت طوق ابن آدم .
قال الشيخ رحمه الله : قلت : ولا أظن أبا العالية أراد السهو النادر ، وإنما أراد السهو الدائم ، وذلك ينبئنا عن التفات القلب عن احترام الصلاة ، فيتوجَّه الذمُّ إلى ذلك لا إلى السهو .
وفي «الماعون» ستة أقوال .
أحدها : أنه الإبرة ، والماء ، والنار ، والفأس ، وما يكون في البيت من هذا النحو ، رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإلى نحوه ذهب ابن مسعود وابن عباس في رواية . وروى عنه أبو صالح أنه قال : الماعون : المعروف كلُّه حتى ذَكَرَ القِدر ، والقصعة ، والفأس . وقال عكرمة : ليس الويل لمن منع هذا ، إنما الويل لمن جمعهن ، فراءى في صلاته ، وسها عنها . ومنع هذا . قال الزجاج : والماعون في الجاهلية : كل ما كان فيه منفعة كالفأس ، والقدر ، والدلو ، والقداحة ، ونحو ذلك ، وفي الإسلام أيضاً .
والثاني : أنه الزكاة ، قاله علي ، وابن يعمر ، والحسن ، وعكرمة ، وقتادة .
والثالث : أنه الطاعة ، قاله ابن عباس في رواية .
والرابع : المال ، قاله سعيد بن المسيب ، والزهري .
والخامس : المعروف ، قاله محمد بن كعب .
والسادس : الماء ذكره الفراء عن بعض العرب قال : وأنشدني :
يمج صَبِيرُهُ الماعونَ صَبَّاً ... والصبير : السحاب .
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
وفي «الكوثر» ستة أقوال .
أحدها : أنه نهر في الجنة . روى البخاري في أفراده من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب الدُّرِّ المجوَّف . قلت : ما هذا يا جبريل؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك عز وجل ، فإذا طِينُه ، أو طيبه ، مسك أذفر " . وروى مسلم أيضاً في أفراده من حديث أنس أيضاً قال : " أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسِّماً إما قال لهم ، وإما قالوا له : لم ضَحِكْتَ؟ فقال : «إنه أُنزل عليَّ الآن آنفاً سورة» فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم { إنا أعطيناك الكوثر } حتى ختمها . وقال : «هل تدرون ما الكوثر؟» فقالوا : الله ورسوله أعلم . قال : «هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير تَرِدُ عليه أُمتي يوم القيامة آنيته عدد كواكب السماء ، يختلج العبد منهم ، فأقول : يا رب إنه من أمتي ، فيقال لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» " . والثاني : أن الكوثر : الخير الكثير الذي أُعْطِيَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس .
والثالث : العلم والقرآن ، قاله الحسن .
والرابع : النبوة ، قاله عكرمة .
والخامس : أنه حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يكثر الناس عليه ، قاله عطاء .
والسادس : أنه كثرة أتباعه ، وأمته ، قاله أبو بكر بن عياش .
قوله تعالى : { فصل لربك } في هذه الصلاة ثلاثة أقوال .
أحدها : صلاة العيد . وقال قتادة : صلاة الأضحى .
والثاني : صلاة الصبح بالمزدلفة ، قاله مجاهد .
والثالث : الصلوات الخمس ، قاله مقاتل .
وفي قوله تعالى : { وانحر } خمسة أقوال .
أحدها : اذبح يوم النحر ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، ومجاهد ، والجمهور .
والثاني : وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة .
والثالث : أنه رفع اليدين بالتكبير إلى النحر ، قاله أبو جعفر محمد بن علي .
والرابع : أن المعنى : صل لله ، وانحر لله ، فإن ناساً يصلون لغيره ، وينحرون لغيره ، قاله القرظي .
والخامس : أنه استقبال القبلة بالنحر ، حكاه الفراء .
قوله تعالى : { إن شانئك } اختلفوا فيمن عنى بذلك على خمسة أقوال .
أحدها : أنه العاص بن وائل السهمي ، قاله ابن عباس : نزلت في العاص ابن وائل ، لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب المسجد فوقف يحدثه حتى دخل العاص المسجد ، وفيه أُناس من صناديد قريش ، فقالوا له : مَن الذي كنتَ تُحَدِّث؟ قال : ذاك الأبتر ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يسمون من ليس له ابن : أبتر ، فأنزل الله عز وجل هذه السورة . وممن ذهب إلى أنها نزلت في العاص سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة .
والثاني : أنه أبو جهل ، روي عن ابن عباس أيضاً .
والثالث : أبو لهب ، قاله عطاء .
والرابع : عقبة بن أبي معيط ، قاله شمر بن عطية .
والخامس : أنه عنى به جماعة من قريش ، قاله عكرمة . والشانىء : المبغض ، والأبتر : المنقطع عن الخير .
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
وفيها قولان .
أحدهما : مكية ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، والجمهور .
والثاني : مدنية ، روي عن قتادة .
ذكر سبب نزولها . اختلفوا على ثلاثة أقوال .
أحدها : أن رهطاً من قريش منهم الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسود بن عبد يغوث لقوا العباس بن عبد المطلب ، فقالوا : يا أبا الفضل : لو أن ابن أخيك أسلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول ولآمنا بالاهه ، فأتاه العباس فأخبره ، فنزلت هذه السورة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .
والثاني : أن عتبة بن ربيعة ، وأميّة بن خَلَف لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا محمد : لا ندعك حتى تتبع ديننا ، ونتبع دينك ، فإن كان أمرنا رشداً كنتَ قد أخذتَ بحظِّك منه ، وإن كان أمرك رشداً كنا قد أخذنا بحظنا منه ، فنزلت هذه السورة ، قاله عبيد ابن عمير .
والثالث : أن قريشاً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن سَرَّك أن نتبع دينك عاماً ، وترجع إلى ديننا عاماً ، فنزلت هذه السورة ، قاله وهب . قال مقاتل في آخرين : نزلت هذه السورة في أبي جهل وفي المستهزئين ، ولم يبق من الذين نزلت فيهم أحد . وأما قوله تعالى : { لا أَعْبُدُ } فهو في موضع «مَنْ» ولكنه جعل مقابلاً لقوله تعالى : { ما تعبدون } وهي الأصنام . وفي تكرار الكلام قولان .
أحدهما : لتأكيد الأمر ، وحسم أطماعهم فيه ، قاله الفراء . وقد أنعمنا شرح هذا في سورة [ الرحمن : 13 ] .
والثاني : أن المعنى { لا أعبد ما تعبدون } في حالي هذه { ولا أنتم } في حالكم هذه { عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم } فيما أستقبل ، وكذلك أنتم ، فنفى عنه وعنهم ذلك في الحال والاستقبال ، وهذا في قوم بأعيانهم ، أعلمه الله عز وجل أنهم لا يؤمنون ، كما ذكرنا عن مقاتل ، فلا يكون حيئذ تكراراً ، هذا قول ثعلب ، والزجاج . وقوله تعالى : { لكم دينكم ولي دين } فتح ياء «وليَ» نافع ، وحفص ، وأبان عن عاصم . وأثبت ياء «ديني» في الحالين يعقوب . وهذا منسوخ عند المفسرين بآية السيف .
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
قوله تعالى : { إذا جاء نصر الله } أي : معونته على الأعداء . والفتح : فتح مكة . قال الحسن : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قالت العرب : أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان فدخلوا في دين الله أفواجاً . قال أبو عبيدة : والأفواج : جماعات في تفرقة .
قوله تعالى : { فسبح بحمد ربك } فيه قولان .
أحدهما : أنه الصلاة ، قاله ابن عباس .
والثاني : التسبيح المعروف ، قاله جماعة من المفسرين . قال المفسرون : نُعِيَتْ إليه نفسُهُ بنزول هذه السورة ، وأُعْلِم أنه قد اقترب أجله ، فأُمر بالتسبيح والاستغفار ليختم له عمره بالزيادة في العمل الصالح . قال ابن عباس : إذا جاء نصر الله والفتح : داعٍ من الله ، وَوَدَاع من الدنيا . قال قتادة : وعاش بعد نزول هذه السورة سنتين .
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : " لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } [ الشعراء : 214 ] صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال : «يا صباحاه» . فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا : مالك؟ فقال : «أرأيتُكم إن أخبرتُكم أن العدوَّ مصبِّحكم ، أو ممسِّيكم ، أما كنتم تصدقوني؟» قالوا : بلى . قال : «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» . قال أبو لهب : تَباً لك ، ألهذا دَعوتَنَا؟ فأنزل الله تعالى : { تبت يدا أبي لهب } " ومعنى تبت : خسرت يدا أبي لهب { وتب } أي : وخسر هو . قال الفراء : الأول : دعاء ، والثاني : خبر ، كما يقول الرجل : أهلكك الله وقد أهلكك ، وجعلك الله صالحاً وقد جعلك . وقيل : ذكر يديه ، والمراد نفسه ، ولكن هذا عادة العرب يعبِّرون ببعض الشيء عن جميعه ، كقوله تعالى : { ذلك بما قدَّمت يداك } [ الحج : 10 ] . وقال مجاهد : «تبت يدا أبي لهب وتب» ولد أبي لهب . فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : إن اسمه عبد العزى . وقرأ ابن كثير وحدُه «أبي لَهْبٍ» بإسكان الهاء . قال أبو علي : يشبه أن يكون لغة كالشَّمْعِ ، والشَّمْعِ والنَّهْرِ ، والنَّهَرِ .
فإن قيل : كيف كناه الله عز وجل ، وفي الكنية نوع تعظيم؟
فعنه جوابان .
أحدهما : أنه إن صح أن اسمه عبد العُزَّى ، فكيف يذكره الله بهذا الاسم وفيه معنى الشرك؟!
والثاني : أن كثيراً من الناس اشتهروا بكناهم ، ولم يعرف لهم أسماء . قال ابن قتيبة : خبِّرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء ، وأبا سفيان ابن العلاء أسماؤهما كناهما ، فإن كان اسم أبي لهب كنيته ، فإنما ذكره بما لايعرف إلا به .
قوله تعالى : { ما أغنى عنه ماله } قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربيه إلى الله عز وجل قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقاً ، فإني أفتدي بمالي ، وولدي ، فقال الله عز وجل : { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال الزجاج : و «ما» في موضع رفع . المعنى : ما أغنى عنه ماله وكسبه أي : ولده . وكذلك قال المفسرون : المراد بكسبه هاهنا : ولده . و «أغنى» بمعنى يغني { سيصلى ناراً ذات لهب } أي : تلتهب عليه من غير دخان { وامرأته } أي : ستصلى امرأته ، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان . وفي هذا دلالة على صحة نُبوَّة نبينا عليه الصلاة والسلام ، لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر ، فكان كذلك . إذ لو قالا بألسنتهما : قد أسلمنا ، لوجد الكفار متعلقاً في الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطناً ولا ظاهراً ، فأخبره بذلك .
قوله تعالى : { حمَّالة الحطب } فيه أربعة أقوال .
أحدهما : أنها كانت تمشي بالنميمة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والسدي ، والفراء ، وقال ابن قتيبة : فشبَّهوا النميمة بالحطب ، والعداوة والشحناء بالنار ، لأنهما يقعان بالنميمة ، كما تلتهب النار بالحطب .
والثاني : أنها كانت تحتطب الشوك ، فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً ، رواه عطية عن ابن عباس . وبه قال الضحاك ، وابن زيد .
والثالث : أن المراد بالحطب : الخطايا ، قاله سعيد بن جبير .
والرابع : أنها كانت تُعيِّرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب فَعُيِّرتْ بذلك ، قاله قتادة . وليس بالقوي ، لأن الله تعالى وصفه بالمال . وقرأ عاصم وحده { حمالةَ الحطب } بالنصب .
قال الزجاج : من نصب «حمالةَ» فعلى الذَّم . والمعنى : أعني : حمالةَ الحطب . والجيد : العُنُق . والمَسَدُ في لغة العرب : الحَبْل إذا كان من ليف المُقْل . وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال : المَسَد . قال الشاعر :
وَمَسَدٍ أُمِرَّ مِنْ أَيَانُقِ ... [ صُهْبٍ عِتاقٍ ذات مُخٍّ زَاهِقِ ]
وقال ابن قتيبة : المَسَد عند كثير من الناس : اللِّيف دون غيره ، وليس كذلك ، إنما المسد : كُلُّ ما ضُفِرَ وفُتِل من اللِّيف وغيره .
واختلف المفسرون في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها حبال كانت تكون بمكة ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال الضحاك : حبل من شجر كانت تحتطب به .
والثاني : أنه قلادة من وَدَع ، قاله قتادة .
والثالث : أنه سلسلة من حديد ذَرْعُها سبعون ذراعاً ، قاله عروة بن الزبير . وقال غيره : المراد بهذا الحبل : السلسلة التي ذكرها الله تعالى في النار ، طولها سبعون ذراعاً ، والمعنى : أن تلك السلسلة قد فتلت فتلاً مُحْكَماً ، [ فهي ] في عنقها تعذَّب بها في النار .
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
وفيها قولان .
أحدهما : أنها مكية ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وجابر .
والثاني : مدنية ، روي عن ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك . وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده إنها لَتَعْدِل ثُلُثَ القرآن " وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنها تعدل ثلث القرآن " . وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها : أن المشركين قالوا : يا محمد انسب لنا ربك ، فنزلت هذه السورة ، قاله أُبَيّ بن كعب .
والثاني : أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إلام تدعونا يا محمد؟ قال : إلى الله عز وجل . قال : صفه لي ، أمن ذهب هو ، أو من فضة ، أو من حديد ، فنزلت هذه السورة ، قاله ابن عباس .
والثالث : أن الذين قالوا هذا ، قوم من أحبار اليهود قالوا : من أي جنس هو ، وممن ورث الدنيا ، ولمن يورِّثها؟ فنزلت هذه السورة ، قاله قتادة ، والضحاك . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، «أحدٌ اللهُ» وقرأ أبو عمرو «أحدُ اللهُ» بضم الدال ، ووصلها باسم الله . قال الزجاج : هو كناية عن ذكر الله عز وجل . والمعنى : الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و «أحد» مرفوع على معنى : هو أحد ، فالمعنى : هو الله ، وهو أحد . وقرئت «أحدٌ اللهُ الصمد» بتنوين أحد . وقرئت «أحدُ الله» بترك التنوين ، وقرئت بإسكان الدال «أحدْ اللهُ» ، وأجودها الرفع بإثبات التنوين ، وكُسِرَ التنوين لسكونه وسكون اللام في «الله» ، ومن حذف التنوين ، فلالتقاء الساكنين أيضاً ، ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ «الله الصمد» وهو أردؤها .
فأما «الأحد» فقال ابن عباس ، وأبو عبيدة : هو الواحد . وفرَّق قوم بينهما . وقال أبو سليمان الخطابي : [ الواحد ] : هو المنفرد بالذات ، فلا يضاهيه أحد .
والأحد : هو المنفرد بالمعنى ، فلا يشاركه فيه أحد . وأصل «الأحد» عند النحويين : الوحد ، ثم أبدلوا من الواو الهمزة .
وفي «الصمد» أربعة أقوال .
أحدها : أنه السيِّد الذي يُصْمَدُ إليه في الحوائج ، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : الصمد : السيد الذي قد كمل في سؤْدُدِه . قال أبو عبيدة : هو السيد الذي ليس فوقه . أحد والعرب تسمي أشرافها : الصَّمد . قال الأسدي :
لَقَدْ بَكَّرَ النَّاعي بِخَيْريْ بَني أَسَدْ ... بعمرو بن مَسْعودٍ وبالسَّيدِ الصَّمَدْ
وقال الزجاج : هو الذي ينتهي إليه السُّؤدُد ، فقد صمد له كل شيء قصد قصده . وتأويل صمود كل شيء له : أن في كل شيء أثر صُنْعه . وقال ابن الأنباري : لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد : السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم .
والثاني : أنه الذي لا جوف له ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وابن جبير ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي . وقال ابن قتيبة : فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء ، والمصمت من هذا .
والثالث : أنه الدائم .
والرابع : الباقي بعد فناء الخلق ، حكاهما الخطابي وقال : أصح الوجوه الأول ، لأن الاشتقاق يشهد له ، فإن أصل الصمد : القصد . يقال : اصمد صمد فلان ، أي اقصد قصده . فالصمد : السيد الذي يصمد إليه في الأمور ، ويقصد في الحوائج .
قوله تعالى : { لم يلد } قال مقاتل : لم يلد فيورَّث { ولم يولد } فيشارَك ، وذلك أن مشركي العرب قالوا : الملائكة بناتُ الرحمن . وقالت اليهود : عزير ابن الله ، وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، فبرَّأ نفسه من ذلك .
قوله تعالى : { ولم يكن له كُفُواً أحد } قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز . ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واواً . وقرأ حمزة بسكون الفاء . والكفء : المثل المكافئ . وفيه تقديم وتأخير ، تقديره : ولم يكن له أحد كُفُوَاً ، فقدَّم وأخرَّ لتتفق رؤوس الآيات .
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
وفيها قولان .
أحدهما : مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة في آخرين .
والثاني : مكية رواه كريب عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وجابر . والأول أصح ، ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر وهو مع عائشة ، فنزلت عليه المعوذتان .
فذكر أهل التفسير في نزولهما : " أن غلاماً من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل به اليهود حتى أخذ مُشَاطة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعِدَّة أسنانٍ من مُشْطه ، فأعطاها اليهود فسحروه فيها . وكان الذي تولَّى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي . ثم دسَّها في بئر لبني زريق ، يقال لها : بئر ذروان . ويقال : ذي أروان ، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتشر شعر رأسه ، وكان يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن ، ويخيَّل إليه أنه يفعل الشيء ، وما يفعله ، فبينا هو ذات يوم نائم أتاه مَلَكان ، فقعد أحدهما عند رأسه ، والآخر عند رجليه ، فقال أحدهما للآخر : ما بال الرجل؟ قال : طُبَّ . قال : وما طُبَّ؟ قال : سُحِر . قال : ومن سَحَره؟ قال : لبيد بن أعصم . قال : وبم طَبَّه؟ قال : بمُشْط ومُشَاطة . قال : وأين هو؟ قال في جُفِّ طلعةٍ تحت راعوفة في بئر ذروان والجف : قشر الطلع . والراعوفة : صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت . فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقِّي عليها ، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا عائشة أما شعرتِ أن الله أخبرني بدائي ، ثم بعث علياً ، والزبير ، وعمار بن ياسر ، فنزحوا ماء تلك البئر ، ثم رفعوا الصخرة ، وأخرجوا الجُفَّ ، وإذا فيه مُشَاطة رأسه ، وأسنان مشطه ، وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة [ مغروزة بالإبرة ، فأنزل الله تعالى المعوذتين ، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ] . ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خِفَّة حين انحلت العُقْدَةُ الأخيرة ، وجعل جبريل عليه السلام يقول : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ، ومن حاسد وعين ، والله يشفيك . فقالوا يا رسول الله : أفلا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال : «أما أنا فقد شفاني الله ، وأكره أن أُثير على الناس شراً» " . وقد أخرج البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث عائشة حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد بينا معنى «أعوذ» في أول كتابنا .
وفي «الفلق» ستة أقوال .
أحدها : أنه الصبح ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والقرظي ، وابن زيد ، واللغويون قالوا : ويقال : هذا أبين من فَلَق الصبح وَفَرَقَ الصبح .
والثاني : أنه الخَلْق ، رواه الوالبي عن ابن عباس . وكذلك قال الضحاك : الفَلَق : الخَلْق كلُّه .
والثالث : سِجْن في جهنم ، روي عن ابن عباس أيضاً .
وقال وهب والسدي : جُبٌّ في جهنم . وقال ابن السائب : وادٍ في جهنم .
والرابع : شجرة في النار ، قاله عبد الله بن عمرو .
والخامس : أنه كُلُّ ما انفلق عن شيء كالصبح ، والحَبُّ ، والنَّوى ، وغير ذلك . قاله الحسن . قال الزجاج : وإذا تأملت الخلق بَانَ لك أن أكثره عن انفلاق ، كالأرض بالنبات ، والسحاب بالمطر .
والسادس : أنه اسم من أسماء جهنم ، قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي .
قوله تعالى : { من شر ما خلق } وقرأ ابن السميفع ، وابن يعمر : «خُلِق» بضم الخاء ، وكسر اللام . وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه عام ، وهو الأظهر .
والثاني : أن شر ما خُلِق : إبليسُ وذُريته ، قاله الحسن .
والثالث : جهنم ، حكاه الماوردي .
وفي «الغاسق» أربعة أقوال .
أحدها : أنه القمر ، روت عائشة قالت : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر ، فقال : استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب ، رواه الترمذي ، والنسائي في كتابيهما . قال ابن قتيبة : ويقال : الغاسق : القمر إذا كسف فاسودَّ . ومعنى «وقب» دخل في الكسوف .
والثاني : أنه النجم ، رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثالث : أنه الليل ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، والقرظي ، والفراء ، وأبو عبيد ، وابن قتيبة ، والزجاج . قال اللغويون : ومعنى «وقب» دخل في كل شيء فأظلم . و «الغسق» الظلمة . وقال الزجاج : الغاسق : البارد ، فقيل لِلَّيل : غاسق ، لأنه أبرد من النهار .
والرابع : أنه الثريا إذا سقطت ، وكانت الأسقام ، والطواعين تكثر عند وقوعها ، وترتفع عند طلوعها ، قاله ابن زيد .
فأما { النفاثات } فقال ابن قتيبة : هن السواحر ينفثن . أي : يَتْفُلن إذا سحرن ، ورَقَيْن . قال الزجاج : يَتْفُلْنَ بلا ريق ، كأنه نفح . وقال ابن الأنباري : قال اللغويون : تفسير نَفَثَ : نَفَخَ نفخاً ليس معه ريق ، ومعنى تفل : نفخ نفخاً معه ريق . قال ذو الرُّمَّة :
ومن جَوْفِ ماءٍ عَرْمَضُ الحَوْلِ فَوْقَهُ ... متى يَحْسُ منه مائِحُ القومِ يَتْفُلِ
وقد روى ابن أبي سُرَيج «النافثات» بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها . وقال بعض المفسرين : المراد بالنَّفَّاثات هاهنا : بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ ومن شر حاسد } يعني : اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد ذكرنا حدَّ الحسد في [ البقرة : 109 ] والحسد : أخس الطبائع . وأولُ معصية عُصِيَ الله بها في السماء حَسَدُ إبليس لآدم ، وفي الأرض حَسَدُ قابيلَ هَابيلَ .
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
فإن قيل : لم خص الناس هاهنا بأنه ربُّهم ، وهو ربُّ كل شيء؟
فعنه جوابان .
أحدهما : لأنهم معظَّمون متميزون على غيرهم .
والثاني : لأنه لما أمر بالاستعاذة من شَرِّهم أعلم أنه ربهم ، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم . ولما كان في الناس ملوك قال تعالى : { ملك الناس } ولما كان فيهم من يعبد غيره قال تعالى : { إله الناس } .
و { الوسواس } الشيطان ، وهو { الخناس } يوسوس في الصدور ، فإذا ذُكِرَ اللهُ ، خَنَس ، أي : كفَّ وأَقصر . قال الزجاج : الوسواس هنا : ذو الوسواس . وقال ابن قتيبة : الصدور هاهنا : القلوب . قال ابن عباس : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل ، وسوس ، فإذا ذَكَرَ الله ، خَنَسَ .
قوله تعالى : { من الجِنَّة والناس } الجِنَّة : الجن . ومن معنى الآية قولان .
أحدهما : يوسوس في صدور الناس جِنَّتهم وناسهم ، فسمى الجن هاهنا ناساً ، كما سمَّاهم رجالاً في قوله تعالى { يعوذُون برجال من الجن } [ الجن : 6 ] وسماهم نفراً بقوله تعالى : { استَمَعَ نفر من الجن } [ الجن : 1 ] هذا قول الفراء . وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوساً للجن ، كما يوسوس للإنس .
والثاني : أن الوسواس : الذي يوسوس في صدور الناس ، هو من الجِنَّة ، وهم من الجن . والمعنى : من شر الوسواس الذي هو من الجن . ثم عطف قوله تعالى : «والناس» على «الوسواس» . والمعنى : من شر الوسواس ، ومن شر الناس ، كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس ، هذا قول الزجاج .