كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد
( وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( أَنْ يُعَيِّنُوا أَسْبَابَ الْمَشْرُوعَاتِ ) وَإِنْ كَانَ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ شَارِعَ الشَّرَائِعِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِإِيجَابِ الْأَحْكَامِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا تُضَافُ إلَى مَا هُوَ سَبَبٌ فِي الظَّاهِرِ بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِجَعْلِ الْأَحْكَامِ مُرَتَّبَةً عَلَيْهَا تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ لِيَتَوَصَّلُوا بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَقَطْعًا لِشُبْهَةِ الْمُعَانِدِينَ إذْ لَوْ لَمْ يُوضَعْ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لَهَا رُبَّمَا أَنْكَرَ الْمُعَانِدُ وُجُوبَهَا وَلَمْ يُمْكِنْ إلْزَامُهُ لِأَنَّ إيجَابَهُ غَيْبٌ عَنَّا فَهِيَ عِلَلٌ جَعْلِيَّةٌ وَضَعَهَا الشَّارِعُ عَلَامَاتٍ عَلَى الْإِيجَابِ لَا مُؤَثِّرَاتٍ بِذَوَاتِهَا فَانْتَفَى نَفْيُ مَنْ نَفَاهَا أَصْلًا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهَا تَوَارُدُ الْعِلَلِ الْمُسْتَقِلَّةِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُضَافَةٌ إلَى إيجَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُ شَارِعُ الشَّرَائِعِ إجْمَاعًا وَنَفْيُ بَعْضِهِمْ إيَّاهَا فِي الْعِبَادَاتِ خَاصَّةً إذْ الْمَقْصُودُ فِيهَا الْفِعْلُ فَقَطْ وَوُجُوبُهُ بِالْخِطَابِ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَيَجُوزُ أَنْ تُضَافَ الْأَمْوَالُ وَتَسْلِيمُ النَّفْسِ لِلْعُقُوبَةِ إلَى الْأَسْبَابِ وَنَفْسُ الْوُجُوبِ إلَى الْخِطَابِ .
( قَالُوا السَّبَبُ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ أَيْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ ) بِوُجُودِهِ تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى كَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّقْلُ وَشَهِدَ بِهِ الْعَقْلُ ( حُدُوثُ الْعَالَمِ ) أَيْ كَوْنُ ( كُلِّ مَا سِوَاهُ تَعَالَى مِمَّا فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ ) مَسْبُوقًا بِالْعَدَمِ وَمَعْنَى سَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ لَا لِوُجُودِ الْبَارِئِ تَعَالَى أَوْ وَحْدَانِيِّتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَزَلِيٌّ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَادِثَ
لِإِمْكَانِهِ وَافْتِقَارِهِ إلَى مُؤَثِّرٍ وَاجِبٍ لِذَاتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُحْدِثًا قَدِيمًا غَنِيًّا عَمَّا سِوَاهُ وَاجِبًا لِذَاتِهِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الْعَالَمُ عَالَمًا فَإِنَّهُ عَلَمٌ عَلَى وُجُودِهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِهِ ثُمَّ وُجُوبُ الْوُجُودِ يُنْبِئُ عَنْ جَمِيعِ الْكَمَالَاتِ وَيَنْفِي جَمِيعَ النَّقَائِصِ ثُمَّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ السَّبَبَ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ أَحَدٍ هُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ فَقَطْ بَلْ مَرَاتِبُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ } الْآيَةَ إلَّا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ هُوَ أَشَدُّ الْمَرَاتِبِ وُضُوحًا وَأَكْثَرُهَا وُقُوعًا وَأَبْيَنُهَا دَوَامًا إذْ كُلٌّ يُشَاهِدُ نَفْسَهُ وَالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَكَانَ مُلَازِمًا لِكُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلُ الْإِيمَانِ وَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْإِيمَانِ حُدُوثُ الْعَالَمِ قَدْ يُوهِمُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ وُجُوبَ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ عَلَى الْمُخْتَارِ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْوُجُوبِ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ فَلِذَا ) أَيْ كَوْنِ سَبَبِ أَصْلِ الْوُجُوبِ حُدُوثَ الْعَالَمِ ( صَحَّ إيمَانُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ) لِتَحَقُّقِ سَبَبِ أَصْلِ وُجُوبِهِ فِي حَقِّهِ ثُمَّ وُجُودِ رُكْنِهِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ وَالْإِقْرَارُ الصَّادِرَانِ عَنْ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ .
( وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهِ ) أَيْ الْإِيمَانِ ( عَلَيْهِ شَرْعًا اتِّفَاقًا تَبَعًا ) لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ ( فَيَصِحُّ ) إيمَانُهُ ( مَعَ إقْرَارِهِ اخْتِيَارًا عَنْ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ ) بِطَرِيقٍ ( أَوْلَى وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ) أَيْ فِي تَحَقُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مِنْ خِلَافِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ( فَأَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ ) لِلْإِيمَانِ ( فَأَبُو الْيُسْرِ ) هُوَ ( بِالْخِطَابِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ
فَعُذِرَ مَنْ بَلَغَ بِشَاهِقٍ وَلَمْ تَبْلُغْهُ ) الدَّعْوَةُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُسْلِمْ وَإِنْ أَدْرَكَ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا التَّجَارِبُ وَالنَّظَرُ فِي الْآيَاتِ .
( وَ ) عِنْدَ ( الْآخَرِينَ ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ ( بِالْأَوَّلِ ) أَيْ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ فَلَا يُعْذَرُ بَعْدَ إمْهَالِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ مُدَّةَ التَّأَمُّلِ ( وَشَرْطُ الْخِطَابِ ) إنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ ( فِيمَا ) أَيْ حُكْمٍ ( يَحْتَمِلُ النَّسْخَ ) وَالْإِيمَانُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافُ ( بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِقْلَالَ الْعَقْلِ يُدْرِكُ إيجَابَهُ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِيمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْآخَرِينَ ( و ) عَلَى ( عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ بِذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ( وَتَقَدَّمَ ) الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ .
( وَ ) السَّبَبُ ( لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ ) الْمَكْتُوبَةِ ( الْوَقْتُ ) أَيْ وَقْتُهَا الْمَشْرُوعَةُ هِيَ فِيهِ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ } إذْ الْإِضَافَةُ مِنْ دَلَائِلِ السَّبَبِيَّةِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ وَكَمَالُهُ فِي اخْتِصَاصِ الْمُسَبَّبِ فِي سَبَبِهِ وَلِتَكَرُّرِ وُجُوبِهَا بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ وَلِصِحَّتِهَا فِيهِ وَعَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَهُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُسْتَوْفًى فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ ثُمَّ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَعَامَّةِ مُتَأَخِّرِي مَشَايِخِنَا ( وَالْوَجْهُ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ ) مِنْهُمْ وَمَنْ وَافَقَهُمْ كَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ ( أَنَّهُ ) أَيْ سَبَبَ الْوُجُوبِ ( لِكُلٍّ ) مِنْ ( الْعِبَادَاتِ تَوَالِي النِّعَمِ الْمُفْضِيَةِ فِي الْعَقْلِ إلَى وُجُوبِ الشُّكْرِ ) فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَسْدَى إلَى كُلٍّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَنْوَاعِ النِّعَمِ مَا تَقْصُرُ الْعُقُولُ عَنْ الْوُقُوفِ عَلَى كُنْهِهَا فَضْلًا عَنْ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا وَأَوْجَبَ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ عَلَيْهِمْ بِإِزَائِهَا وَرَضِيَ بِهَا شُكْرًا لِسَوَابِغِ نِعَمِهِ بِفَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ أَحَدٌ اسْتِيفَاءَ شُكْرِ هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ إذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللَّهِ نِعْمَةٌ عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إلَّا بِفَضْلِهِ وَإِنْ طَالَتْ الْأَيَّامُ وَاتَّسَعَ الْعُمُرُ فَإِنْ مَنَّ بِالنَّعْمَاءِ عَمَّ سُرُورُهَا وَإِنْ مَنَّ بِالضَّرَّاءِ أَعْقَبَهُ الْأَجْرُ ( فَلِلْإِيمَانِ ) أَيْ وَلِسَبَبٍ وُجُوبِهِ ( شُكْرُ نِعْمَةِ الْوُجُودِ ) وَقُوَّةِ النُّطْقِ ( وَكَمَالِ الْعَقْلِ ) الَّذِي هُوَ نَفْسُ الْمَوَاهِبِ ( وَإِلَّا فَالْعَالَمُ دَلِيلُ وُجُودِهِ تَعَالَى دُونَ إيجَابِهِ ) عَلَى الْعُقَلَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلصَّلَاةِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ ) فَيُعْرَفَ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ قَدْرَ الرَّاحَةِ .
( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلصَّوْمِ شُكْرُ نِعْمَةِ اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ ) أَكْثَرَ السَّنَةِ ( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلزَّكَاةِ شُكْرُ نِعْمَةِ الْمَالِ ) الْفَاضِلِ عَنْ الْحَاجَةِ اللَّازِمَةِ وَيَقَعُ بِهِ التَّنَعُّمُ بِالْجَاهِ وَغَيْرِهِ فِي السَّنَةِ ( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلْحَجِّ شُكْرُ نِعْمَةِ الْبَيْتِ الْمَجْعُولِ هُدًى لِلْعَالَمِينَ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ لِأَنَّهُ قِبْلَتُهُمْ وَمُتَعَبَّدُهُمْ وَفِيهِ آيَاتٌ عَجِيبَةٌ وَمَآثِرُ غَرِيبَةٌ وَهُوَ مَوْضِعُ ثَوَابِهِمْ بِحَجِّهِ وَاعْتِمَارِهِ وَأَمْنِهِمْ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّ الْجَانِيَ الْمُلْتَجِئَ إلَيْهِ لَا يُؤَاخَذُ حَتَّى يَخْرُجَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } { وَالْعُمْرَةُ إلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا } { وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ هَذَا وَالْوَجْهُ إمَّا حَذْفُ الْجَارِّ مِنْ كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ فَلِلْإِيمَانِ وَلِلصَّلَاةِ وَلِلزَّكَاةِ وَلِلصَّوْمِ وَلِلْحَجِّ أَوْ حَذْفُ شُكْرٍ فَإِنَّ وُجُوبَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعِهِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ السَّبَبُ الَّذِي هُوَ الشُّكْرُ وَالنِّعَمُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ السَّبَبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَوَّلًا وَأَشَارَ إلَيْهِ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ ( غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَ مَا اُعْتُبِرَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ النِّعَمِ ( سَبَبًا بِوَقْتِهِ ) أَيْ الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا لِلسَّبَبِيَّةِ ( كَالصَّلَاةِ ) فَإِنَّهُ ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرِ مِنْ نِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ أَوْ مُطْلَقِ النِّعْمَةِ عَلَى الْمُكَلَّفِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ بِوَقْتِهَا ( أَوْ قَدْرِهِ ) أَيْ أَوْ قَدَّرَ مَا اُعْتُبِرَ مِنْهَا سَبَبًا بِقَدْرِ الْمِقْدَارِ الْمُعْتَبَرِ مِنْهَا لِلسَّبَبِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ ضَبَطَ الْقَدْرَ الْمُعْتَبَرَ مِنْ نِعْمَةِ الْمَالِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ النِّعْمَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ النِّصَابُ النَّامِي تَحْقِيقًا
أَوْ تَقْدِيرًا كَمَا نَذْكُرُ قَرِيبًا ( أَمَّا الْوَقْتُ ) نَفْسُهُ لِلصَّلَاةِ ( فَجَدِيرٌ بِهِ الْعَلَامَةُ ) كَمَا سَيَأْتِي ( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلزَّكَاةِ النِّصَابُ ) النَّامِي تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا ( لِعَقْلِيَّةِ الْغَنِيِّ سَبَبًا ) لِمُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ بِقَلِيلٍ مِنْ كَثِيرٍ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَشُرِطَ النَّمَاءُ ) فِي النِّصَابِ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ ( تَيْسِيرًا ) لِلْأَدَاءِ وَتَحْقِيقًا لِلْغِنَى لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْمَالِ تَتَجَدَّدُ زَمَانًا فَزَمَانًا وَهُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ نَامِيًا تُغْنِيهِ الْحَوَائِجُ قَرِيبًا فَيَكُونُ الْغِنَى بِدُونِ الِاسْتِنْمَاءِ نَاقِصًا فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ وَإِذَا كَانَ نَامِيًا تَعَيَّنَ صَرْفُ النَّمَاءِ إلَى الْحَاجَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ فَيَبْقَى أَصْلُ الْمَالِ فَاضِلًا عَنْ الْحَوَائِجِ فَيَحْصُلُ بِهِ الْغِنَى وَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ مِنْهُ الْأَدَاءُ ( وَأُقِيمَ الْحَوْلُ مَقَامَهُ ) أَيْ مَقَامَ النَّمَاءِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَوْلَ .
( طَرِيقُهُ ) أَيْ النَّمَاءِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الْمُؤَدِّي إلَى الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِأَنَّ الْحَوْلَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي النَّمَاءِ بِالدَّوْرِ وَالنَّسْلِ وَزِيَادَةِ الْقِيمَةِ بِتَفَاوُتِ الرَّغَبَاتِ فِي شِرَاءِ مَا يُنَاسِبُ كُلَّ فَصْلٍ فَصَارَ الْحَوْلُ شَرْطًا وَتَجَدُّدُهُ تَجَدُّدٌ لِلنَّمَاءِ وَتَجَدُّدُ النَّمَاءِ تَجَدُّدٌ لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمَالُ بِوَصْفِ النَّمَاءِ وَالْمَالُ بِهَذَا النَّمَاءِ غَيْرُهُ بِذَلِكَ النَّمَاءِ ثُمَّ حَيْثُ أُقِيمَ الْحَوْلُ مَقَامَ النَّمَاءِ كَانَ تَكَرُّرُ الْوُجُوبِ بِتَكَرُّرِ الْحَوْلِ تَكَرُّرَ الْحُكْمِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ لَا بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ هَذَا وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ هُوَ الشَّهْرُ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ ثُمَّ ذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ
الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقُوهُمْ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلصَّوْمِ ) أَيْ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ( الْجُزْءُ الْأَوَّلُ ) الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ ( مِنْ الْيَوْمِ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتٍ شَرِيفٍ لَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَقْتِ لِحَقِّ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ فِي الْأَدَاءِ دُونَ الْإِيجَابِ فَإِنَّهُ صُنْعُ اللَّهِ وَالصَّوْمُ وَجَبَ فِي الْيَوْمِ .
( وَلَا دَخْلَ لِلَّيْلِ فِيهِ ) أَيْ فِي الصَّوْمِ فَكَانَ السَّبَبُ الْيَوْمَ ؛ ثُمَّ صَوْمُ كُلِّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ عَلَى حِدَةٍ مُخْتَصٌّ بِشَرَائِطِ وُجُودِهِ مُنْفَرِدٌ بِالِانْتِقَاضِ بِطُرُوءِ نَوَاقِضِهِ مُتَعَلِّقٌ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى اسْتِوَاءِ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فِي سَبَبِيَّتِهِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِمُطْلَقِ شُهُودِ الشَّهْرِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ لِإِظْهَارِ شَرَفِهِ وَشَرَفُهُ فِيهَا جَمِيعًا وَمِنْ ثَمَّةَ تَصِحُّ نِيَّةُ صَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ بَعْدَ تَحَقُّقِ جُزْءٍ مِنْ لَيْلَتِهِ وَلَا تَصِحُّ قَبْلَ دُخُولِ جُزْءٍ مِنْهَا لِأَنَّ نِيَّةَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ تَجُوزُ بَعْدَ تَصَوُّرِ سَبَبِهِ لَا قَبْلَهُ وَلَزِمَ قَضَاءُ الشَّهْرِ لِمَنْ كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ وَاسْتَمَرَّ مَجْنُونًا حَتَّى مَضَى الشَّهْرُ فَأَفَاقَ وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ثُمَّ أَفَاقَ بَعْدَ مُضِيِّ الشَّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَتَقَرَّرْ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ مِمَّا شَهِدَ مِنْ الشَّهْرِ حَالَةَ الْأَهْلِيَّةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ اللَّيَالِي لَهَا دَخْلٌ فِي السَّبَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَأَمَّا جَوَازُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلِأَنَّ اللَّيْلَ تَابِعٌ ) لِلنَّهَارِ ( فِي الشَّرَفِ ) الَّذِي لِلنَّهَارِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ وَقْتًا لِلصَّوْمِ .
فَإِنْ قِيلَ لِلَّيْلِ شَرَفٌ مُسْتَقِلٌّ أَيْضًا
بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتٌ لِقِيَامِهِ .
أُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي شَرَفٍ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ السَّبَبِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِأَدَاءِ مُسَبَّبِهِ ( وَتَحَقَّقَتْ ضَرُورَةٌ فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي جَعْلِ اللَّيْلِ تَابِعًا لِلنَّهَارِ فِي جَوَازِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ شَرَفِهِ لِأَنَّ فِي اقْتِرَانِهَا بِأَوَّلِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ عُسْرًا وَحَرَجًا فَأُقِيمَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ مَقَامَ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَوَّلِ أَجْزَاءِ الصَّوْمِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ .
( وَالْجُنُونُ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ بِالسَّبَبِ ) لِأَنَّهُ بِجُمْلَتِهِ يَثْبُتُ بِهِ جَبْرًا ( بَلْ ) لَا يُنَافِيهَا ( بِالْخِطَابِ ) إذْ كَانَ وُجُوبُهُ ( لِيَظْهَرَ ) أَثَرُهُ ( فِي الْحَالِ فِي ) الْوَاجِبِ ( الْمَالِيِّ غَيْرِ الزَّكَاةِ ) مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْمَالُ وَوُصُولُهُ إلَى مُعَيَّنٍ وَهُوَ لَا يَتَعَذَّرُ مَعَ الْجُنُونِ فَإِنَّهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِالنَّائِبِ بِخِلَافِ الْعِبَادَةِ الْمَحْضَةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إيجَابِهَا إيجَادُ نَفْسِ الْفِعْلِ ابْتِلَاءً لِيَظْهَرَ الطَّائِعُ مِنْ الْعَاصِي وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عَنْ اخْتِيَارِ صَحِيحٍ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ الْعَقْلِ فَانْتَفَى الْوُجُوبُ لِانْتِفَاءِ حُكْمِهِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ ( وَ ) لِيَظْهَرَ ( فِي الْمَالِ ) أَيْ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ ( فَائِدَةُ الْقَضَاءِ بِلَا حَرَجٍ وَهُوَ فِيهِ ) أَيْ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ ( بِالْكَثْرَةِ ) وَهِيَ فِي كُلٍّ بِحَسَبِهِ فَفِي الصَّوْمِ يَحْصُلُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ مِنْ الْكَثْرَةِ بِقَوْلِهِ ( اسْتِيعَابُ الشَّهْرِ جُنُونًا ) لِأَنَّ الشَّهْرَ تَامٌّ وَقْتُهُ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَثِيرٌ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْكَثْرَةُ فِيمَا إذَا أَفَاقَ بَعْضَ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَفِيهِ ) أَيْ تَقْدِيرُ الْكَثْرَةِ بِاسْتِيعَابِ الشَّهْرِ ( تَأَمُّلٌ ) إذْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِهِ بِقَضَاءِ الشَّهْرِ فِيمَا إذَا أَفَاقَ فِي
سَاعَةٍ مِنْهُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ مَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَرَجِ فِي إلْزَامِهِ بِقَضَاءِ الشَّهْرِ لَوْ اسْتَوْعَبَهُ وَإِذَا كَانَ الْحَرَجُ مُسْقِطًا فِي هَذَا فَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ وَإِلَّا عَادَ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ثُمَّ قَدْ أُيِّدَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ لَمْ تَكُنْ الْأَيَّامُ مِعْيَارًا لِلصَّوْمِ لِأَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ الْأَدَاءِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنْ كُلِّ يَوْمٍ فَاصِلًا فَلَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمٍ مِعْيَارًا لِصَوْمِهِ وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى خِلَافِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُؤَيَّدَ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ هُنَا الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُقَارِنًا لَهُ لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَارِنَةٌ لِأَحْكَامِهَا كَالْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ كَمَا فِي الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ ا هـ .
( قُلْت ) لَكِنَّ هَذَا الزَّعْمَ غَيْرُ تَامٍّ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَحْثِ ثُمَّ كَوْنُ الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْلِيَّةً أَوْ شَرْعِيَّةً لَيْسَ بِالْمُتَّجَهِ بَلْ الْمُتَّجَهُ أَنَّهُ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ كَمَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا بَأْسَ بِالْإِسْعَافِ بِذِكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْلَمْ أَنَّ الْعُقَلَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ مَعَ الْمَعْلُولِ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الْمَعْلُولَ يَعْقُبُهَا بِلَا فَصْلٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا فِي الْخَارِجِ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ خَصَّصُوا الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ فَجَعَلُوهَا تَسْتَعْقِبُ الْمَعْلُولَ لِأَنَّهَا اُعْتُبِرَتْ كَالْأَعْيَانِ بَاقِيَةً فَأَمْكَنَ فِيهَا اعْتِبَارُ الْأَصْلِ وَهُوَ تَقَدُّمُ الْمُؤَثِّرِ عَلَى الْأَثَرِ بِخِلَافِ نَحْوِ الِاسْتِطَاعَةِ مَعَ الْفِعْلِ لِأَنَّهَا عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ تَقْدِيمِهَا وَإِلَّا بَقِيَ الْفِعْلُ بِلَا قُدْرَةٍ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ التَّعْقِيبُ فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ حَتَّى أَنَّ
الِانْكِسَارَ يَعْقُبُ الْكَسْرَ فِي الْخَارِجِ غَيْرَ أَنَّهُ لِسُرْعَةِ إعْقَابِهِ مَعَ قِلَّةِ الزَّمَنِ إلَى الْغَايَةِ إذَا كَانَ آنِيًّا لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُ التَّقَدُّمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤَثِّرَ لَا يَقُومُ بِهِ التَّأْثِيرُ قَبْلَ وُجُودِهِ وَحَالَةَ خُرُوجِهِ مِنْ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكْمُلَ هُوِيَّتُه لِيَقُومَ بِهِ عَارِضُهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤَثِّرًا ا هـ .
وَعَلَى التَّعَقُّبِ مَشَى صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ مَا فَرْعٍ ، ثُمَّ مِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي مُقَارَنَةِ الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ لِمَعْلُولِهَا بِالزَّمَانِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّخَلُّفُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ مِنْ أَنَّ كَوْنَ الْإِيجَادِ بَعْدَ وُجُودِ الْعِلَّةِ مَعَ جَمِيعِ جِهَاتِ التَّأْثِيرِ بَعْدِيَّةً زَمَانِيَّةً مَمْنُوعٌ لَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ فِيهِ أَيْضًا قَبْلَ هَذَا وَمَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ يَجِبُ تَقَدُّمُهَا عَلَى الْمَعْلُولِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ الْعِلَّةَ النَّاقِصَةَ أَوْ التَّامَّةُ الَّتِي هِيَ الْفَاعِلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلْحَجِّ الْبَيْتُ لِلْإِضَافَةِ ) أَيْ الْحَجِّ إلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } وَالْإِضَافَةُ مِنْ دَلَائِلِ السَّبَبِيَّةِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ سَبَبِ وُجُوبِهِ الْبَيْتَ ( لَمْ يَتَكَرَّرْ ) وُجُوبُ الْحَجِّ لِأَنَّ سَبَبَهُ وَاحِدٌ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ .
وَأَمَّا الْوَقْتُ فَشَرْطُ جَوَازِ أَدَائِهِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ بِدُونِهِ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ وَإِلَّا تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ وَالِاسْتِطَاعَةُ شَرْطُ وُجُوبِهِ إذْ لَا وُجُوبَ بِدُونِهَا لَا شَرْطُ جَوَازِهِ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْفَقِيرِ وَإِلَّا كَانَ أَدَاءً قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ حِينَئِذٍ ( فَاتَّفَقُوا ) أَيْ الْمُتَأَخِّرُونَ وَالْمُتَقَدِّمُونَ فِي هَذِهِ الْأَسْبَابِ (
فِيمَا سِوَى ) سَبَبِ ( الصَّلَاةِ ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِيمَا سِوَى سَبَبِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ الْوَقْتُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ فِيهِ وَأَنَّهَا قُدِّرَتْ بِالْوَقْتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ آنِفًا وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ سَبَبٌ مَحْضٌ عَلَامَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنِّعَمُ فِيهِ الْعِلَّةُ بِالْحَقِيقَةِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ لَهَا النِّعَمُ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ خَصَّصَهَا بِنِعْمَةِ الْأَعْضَاءِ السَّلِيمَةِ بِخِلَافِ سَبَبِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ إذْ مِنْ قَائِلٍ بِأَنَّهُ نِعْمَةُ الْوُجُودِ وَكَمَالُ الْعَقْلِ وَمِنْ قَائِلٍ بِأَنَّهُ نَفْسُ حَدَثِ الْعَالَمِ .
( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِصَدَقَةِ الْفِطْرِ الرَّأْسُ الَّذِي يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ ) أَيْ يَقُومُ الْإِنْسَانُ بِكِفَايَتِهِ وَيَتَحَمَّلُ ثِقَلَهُ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ الْوِلَايَةَ الْمُطْلَقَةَ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا وَالْوِلَايَةُ نَفَاذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى فَلَا يَكُونُ الرَّأْسُ سَبَبًا حَتَّى يَجْتَمِعَ فِيهِ الْوَصْفَانِ الْوِلَايَةُ وَالْمُؤْنَةُ فَخَرَجَ الصَّغِيرُ الَّذِي لَهُ مَالٌ تَجِب نَفَقَتُهُ فِيهِ لِانْعِدَامِ الْمُؤْنَةِ عَلَى غَيْرِهِ فِي حَقِّهِ حَتَّى الْأَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ وُجِدَتْ الْوِلَايَةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْأَبِ عَلَيْهِ وَالِابْنُ الْبَالِغُ الزَّمِنُ الْمُعْسِرُ وَالْمَرْأَةُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ الْمُطْلَقَةِ لِلْأَبِ وَالزَّوْجِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ وُجِدَتْ الْمُؤْنَةُ لَهُمَا عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ الرَّأْسَ الْمَذْكُورَ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ الْحَدِيثِ وَيَبْقَى بَعْدَهُ عِلَاوَةً إضَافَةُ الصَّدَقَةِ إلَى الرَّأْسِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ زَكَاةُ رُءُوسِ النَّاسِ ضَحْوَةَ فِطْرِهِمْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَاعٌ مِنْ الْبُرِّ لِأَنَّهَا دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ فَلَا يَضُرُّ فِي الْمَطْلُوبِ أَنَّ تَمَامَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِوَضْعِهِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ أَوْ صِحَّةِ مَا قَالُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ الشَّرْطُ ) لِوُجُوبِهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ الْفِطْرِ ( مَجَازٌ ) لِأَنَّهُ زَمَانُ الْوُجُوبِ فَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُلَابَسَةِ ( بِدَلِيلِ التَّعَدُّدِ ) لِوُجُوبِهَا ( بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ ) تَقْدِيرًا لِأَنَّ الرَّأْسَ لَمَّا صَارَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ كَانَ الرَّأْسُ لِتَجَدُّدِهَا مُتَجَدِّدًا تَقْدِيرًا كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي النِّصَابِ
لِلزَّكَاةِ لَا إنْ تَكَرَّرَ الْوَاجِبُ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ مَعَ اتِّحَادِ الرَّأْسِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ سَبَبِيَّةُ الْوَقْتِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ فِي هَذَا مَا فِيهِ .
وَالْأَظْهَرُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ } ) كَذَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ وَتَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ مُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ قَالَ { أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ } فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَفَادَ ) بِهَذَا ( تَعَلُّقَهَا ) أَيْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِالْمَأْمُورِينَ بِهَا مِنْ الْأَبِ وَالْمَوْلَى بِسَبَبِ الْمُشَارِ إلَيْهِمْ ( بِالْمُؤَنِ ) أَيْ بِسَبَبِ وُجُوبِ مُؤْنَتِهِمْ عَلَى الْمَأْمُورِينَ بِهَا حَتَّى كَأَنَّ الْمَعْنَى تَحَمَّلُوا هَذِهِ الصَّدَقَةَ بِسَبَبِ مَنْ وَجَبَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْكُمْ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الْمُؤَنِ رَأْسٌ يَلِي عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ دُونَ الْوَقْتِ إذْ الرَّأْسُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَى الْمُؤْنَةِ دُونَ الْوَقْتِ وَكَيْفَ لَا وَمُؤْنَةُ الشَّيْءِ سَبَبٌ لِبَقَائِهِ وَذَلِكَ يُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ دُونَ الْوَقْتِ فَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ وَالْقَطْعُ مَعَ جِهَةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي مُؤْنَتِهِ وَوِلَايَتِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ إجْمَاعًا عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ عَبْدِ غَيْرِهِ وَوَلَدِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ عَلَيْهِ وَمَانَهُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ بِسَبَبِ غَيْرِ الزَّوْجِيَّةِ فَلَزِمَ أَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ نَعَمْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنْ السَّبَبِ فِي الْجَدِّ إذَا كَانَتْ نَوَافِلُهُ صِغَارًا فِي عِيَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُمْ فَإِنَّهُ لَا
يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِخْرَاجُ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ يُمَوِّنُهُمْ وَيَلِي عَلَيْهِمْ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ صَدَقَةَ فِطْرِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْحَقِيقِيِّ ) أَيْ بِالنَّمَاءِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ النَّمَاءُ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْعُشْرَ اسْمٌ ( إضَافِيٌّ ) إذْ هُوَ اسْمٌ لِوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خَارِجُهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرُهُ وَهُوَ ( عِبَادَةٌ ) أَيْ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ ( بِخِلَافِ الْخَرَاجِ ) الْمُوَظَّفِ فَإِنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ ( بِالتَّقْدِيرِيِّ ) أَيْ بِالنَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ ( بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ ) وَالِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْخَارِجِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالدَّرَاهِمِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْخَارِجِ ( فَكَانَ ) الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ ( عُقُوبَةً ) لِمَا فِي الِاشْتِغَالِ بِتَحْصِيلِهِ بِالزِّرَاعَةِ مِنْ عِمَارَةِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْجِهَادِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَذَلَّةِ ( مُؤْنَةً لَهَا ) أَيْ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَائِهَا فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ ( فَلَزِمَا ) أَيْ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ ( فِي مَمْلُوكَةِ الصَّبِيِّ ) أَيْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَالْأَرْضُ الْمَوْقُوفَةُ فَيَجِبُ فِيهِمَا الْعُشْرُ إنْ كَانَتَا عُشْرِيَّتَيْنِ وَالْخَرَاجُ إنْ كَانَتَا خَرَاجِيَّتَيْنِ لِوُجُودِ سَبَبِهِمَا فِيهِمَا ( وَلَمْ يَجْتَمِعَا ) أَيْ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ ( فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ ذَاتًا لِأَنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ ، وَمَحَلًّا فَإِنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ وَالْخَرَاجُ فِي الذِّمَّةِ ، وَسَبَبًا لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا وَسَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ تَقْدِيرًا بِهِ ، وَمَصْرِفًا إذْ مَصْرِفُ الْعُشْرِ الْفُقَرَاءُ وَمَصْرِفُ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ السَّبَبَانِ وَلَا
مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَيَجِبَانِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا ذَاتًا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَعَدِّدٌ بَلْ هُوَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ إلَّا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ النَّمَاءُ فِي الْعُشْرِ تَحْقِيقًا وَفِي الْخَرَاجِ تَقْدِيرًا وَلِهَذَا يُضَافَانِ إلَيْهَا فَيُقَالُ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَعُشْرُ الْأَرْضِ وَإِذَا كَانَ السَّبَبُ وَاحِدًا كَانَ الْمُسَبَّبُ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا كَالدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ اتِّحَادَ السَّبَبِ يُوجِبُ اتِّحَادَ الْحُكْمِ .
( وَقَدْ يُقَالُ جَازَ ) أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ ( الْوَاحِدُ سَبَبًا لِمُتَعَدِّدٍ ) مِنْ الْأَحْكَامِ ( كَالْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ) أَيْ كَمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ الْوَاحِدَةُ عِلَّةً لِمُتَعَدِّدٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَالزِّنَا فَإِنَّهُ عِلَّةٌ لِلتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَيُجَابُ بِأَنَّ ) الْجَوَازَ الْمَذْكُورَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ جِهَتَيْ الْحُكْمِ تَنَافٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ ( جِهَتَيْهِمَا ) أَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ( مُتَنَافِيَةٌ ) وَالْوَجْهُ مُتَنَافِيَتَانِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْجِهَةَ ( فِي إحْدَاهُمَا ) أَيْ أَرْضَيْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ( أَمَّا ) أَرْضٌ تُسْقَى ( بِمَاءٍ خَاصٍّ ) وَهُوَ الْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَمَاءِ الْعُيُونِ وَالْآبَارِ الَّتِي كَانَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَالْمُسْتَنْبَطَة مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( أَوْ ) أَرْضٍ صَارَتْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ ( فَتْحٍ عَنْوَةً ) أَيْ قَهْرًا لَهَا ( إلَخْ ) أَيْ وَأَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَيْهَا الْخَرَاجَ أَوْ صَالَحَهُمْ مِنْ جَمَاجِمِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ عَلَى وَظِيفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَهَذِهِ الْأَرَاضِي كُلُّهَا خَرَاجِيَّةٌ ( وَفِي ) الْأَرْضِ ( الْأُخْرَى ) وَهِيَ الْعُشْرِيَّةُ الْأَمْرُ فِيهَا ( بِخِلَافِهِمَا ) أَيْ الْمَاءِ
الْمَذْكُورِ وَالْفَتْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ مَاءِ الْبِحَارِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَيْدِي وَبِأَنْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ( فَلَا يَجْتَمِعَانِ ) أَيْ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ ( فِي ) مَحَلٍّ ( وَاحِدٍ ) لِتَنَافِي لَازِمَيْهِمَا إذْ لَازِمُ الْخَرَاجِ الْكَرَّةُ وَلَازِمُ الْعُشْرِ الطَّوْعُ وَتَنَافِي اجْتِمَاعِ اللَّوَازِمِ يُوجِبُ تَنَافِي اجْتِمَاعِ الْمَلْزُومَاتِ .
( قُلْت ) وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مَعْلُومٌ أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ يَكُونُ مَعَ الْفَتْحِ عَنْوَةً وَهُوَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا .
وَكَذَا بَعْضُ صُوَرِ الْعُشْرِ وَهُوَ فِيمَا إذَا فَتَحَهَا عَنْوَةً وَقَسَّمَهُمَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ كَمَا أَنَّ بَعْضَ صُوَرِ الْخَرَاجِ لَا يَكُونُ مَعَ الْعَنْوَةِ بَلْ لِلصُّلْحِ أَوْ بِأَنْ أَحْيَاهَا وَسَقَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الصِّغَارِ أَوْ كَانَتْ قَرِيبَةً مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ تَصَوُّرِ اجْتِمَاعِهِمَا مُطْلَقًا نَعَمْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَعَ هَذَا فَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الرَّاشِدِينَ مِنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَمْ يَأْخُذُوا عُشْرًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَإِلَّا لَنُقِلَ كَمَا نُقِلَ تَفَاصِيلُ أَخْذِهِمْ الْخَرَاجَ بِهَذَا تَقْضِي الْعَادَةُ وَكَوْنُهُمْ فَوَّضُوا الدَّفْعَ إلَى الْمُلَّاكِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ أَرَأَيْت إذَا كَانَ الْعُشْرُ وَظِيفَةً فِي الْأَرْضِ الَّتِي وُظِّفَ فِيهَا الْخَرَاجُ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ فَهَلْ يَقْرُبُ أَنْ يَتَوَلَّوْا أَخْذَ وَظِيفَةٍ وَيَكِلُوا الْأُخْرَى إلَيْهِمْ لَيْسَ لِهَذَا مَعْنًى وَكَيْفَ وَهُمْ كُفَّارٌ لَا يُؤْمِنُونَ عَلَى أَدَائِهِ مِنْ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ وَإِذَا كَانَ الظَّنُّ عَدَمَ أَخْذِ الثَّلَاثَةِ صَحَّ دَلِيلًا بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَيَكُونُ إجْمَاعًا هَذَا وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ حَقِيقَةً كَالْعُشْرِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِمَا
فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْخَانِيَّةِ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَيْءٌ مِنْ الْخَارِجِ وَإِنَّمَا يُفَارِقُ الْعُشْرَ فِي الْمَصْرِفِ .
( وَ ) سَبَبُ الْوُجُوبِ ( لِلطَّهَارَةِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ( { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا } وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْقِيَامِ ) أَيْ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ الْقِيَامُ مُطْلَقًا السَّبَبَ ( بَلْ ) السَّبَبُ لِوُجُوبِهَا ( الْإِرَادَةُ ) لِلصَّلَاةِ وَالْحَدَثُ شَرْطُ وُجُوبِهَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَرَدْتُمْ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَتَرْتِيبُهَا عَلَيْهَا يُشْعِرُ بِسَبَبِيَّتِهَا وَالْغَرَضُ مِنْ الطَّهَارَةِ أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَتِهَا فَلَا يَجِبُ تَحْصِيلُهَا إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا وَذَلِكَ بِالْحَدَثِ فَيَتَوَقَّفُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ شَرْطًا وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِمَا فِي ذِكْرِهِ هُنَا طُولٌ فَيُرَاجَعْ مِنْهُ ( وَالْحَدَثُ ) عِنْدَ بَعْضِهِمْ لِدَوَرَانِهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَأُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ الدَّوَرَانِ دَلِيلَ الْعِلِّيَّةِ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ وُجُودٌ مَوْجُودٌ لِوُجُودِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِي حَقِّ غَيْرِ الْبَالِغِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ مَا يُفْضِي إلَيْهِ وَالْحَدَثُ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَيُنَافِيهَا وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ سَبَبًا لِنَفْسِهَا بَلْ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُفْضِي إلَيْهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ ( ثُمَّ إنْ نَقَضَهَا ) أَيْ نَقَضَ الْحَدَثَ طَهَارَةٌ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ ( لَمْ يَمْتَنِعْ ) مَعَهُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُهُ ( سَبَبًا لِوُجُوبِ ) طَهَارَةٍ ( أُخْرَى ) لَاحِقَةٍ إذْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا ( لَكِنْ مَعَ الصَّلَاحِيَّةِ ) أَيْ صَلَاحِيَّةِ الْحَدَثِ لِسَبَبِيَّتِهِ لَهَا ( يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلِ الِاعْتِبَارِ ) أَيْ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى كَوْنِهِ سَبَّبَهَا لَهَا لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِدَلِيلِ الْجَعْلِ لَا بِمُجَرَّدِ التَّجْوِيزِ وَدَلِيلُ الْجَعْلِ مَفْقُودٌ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ
وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرِينَ سَبَبُ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ وَالْحَدَثُ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِإِضَافَتِهَا إلَى الصَّلَاةِ فَيُقَالُ طَهَارَةُ الصَّلَاةِ وَثُبُوتُهَا بِثُبُوتِهَا وَسُقُوطُهَا بِسُقُوطِهَا وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِ كَوْنِ مُجَرَّدِ الصَّلَاةِ سَبَبًا مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُوجِبَ لَهَا وُجُوبَ مَا يَسْتَلْزِمُ تَحْقِيقَهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الصَّلَاةُ أَيْ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْأَوْجَهُ وُجُوبُ مَشْرُوطِهَا ) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ إيجَابَ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ إيجَابَ شَرْطِهِ ( وَأَسْبَابُ الْعُقُوبَاتِ الْمَحْضَةِ كَالْحُدُودِ مَحْظُورَاتٌ مَحْضَةٌ ) مِنْ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهَا .
( وَ ) أَسْبَابُ ( مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَالْعِبَادَةِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ إذْ لَمْ تَجِبْ ) الْكَفَّارَاتُ ( ابْتِدَاءً تَعْظِيمًا ) لِلَّهِ تَعَالَى كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ بَلْ أَجِزْيَةً عَلَى أَفْعَالٍ مِنْ الْعِبَادِ فِيهَا مَعْنَى الْحَظْرِ زَجْرًا عَنْهَا وَهَذَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ إذْ الْعُقُوبَةُ مَا وَجَبَ جَزَاءً عَلَى ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْمَأْثَمَ بِهِ ( وَشُرِعَ فِيهَا نَحْوُ الصَّوْمِ ) مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِعْتَاقِ ( وَلَزِمَتْ النِّيَّةُ ) فِيهَا شَرْطًا لَهَا وَهَذَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مُوَضَّحًا مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ ثُمَّ أَسْبَابُ مَا فِيهِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( مَا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ ) لِتَقَعَ الْمُلَاءَمَةُ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَى الْعُقُوبَةِ مُضَافًا إلَى صِفَةِ الْحَظْرِ إذْ الْأَثَرُ أَبَدًا يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْمُؤَثِّرِ وَلِذَا لَا يَصْلُحُ الْمَحْظُورُ الْمَحْضُ كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ سَبَبًا لَهَا كَمَا لَا يَصْلُحُ الْمُبَاحُ الْمَحْضُ كَالْقَتْلِ بِحَقٍّ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ سَبَبًا لَهَا وَذَلِكَ ( كَالْإِفْطَارِ ) الْعَمْدِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمَحْظُورٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأُورِدَ عَلَيْهِ الْإِفْطَارَ بِالزِّنَا أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ مَعَ أَنَّ كُلًّا حَرَامٌ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْإِفْطَارَ يُلَاقِي الْإِمْسَاكَ وَالْإِمْسَاكُ حَقُّهُ وَلِهَذَا يَصِيرُ بِهِ مُتَعَبِّدًا لِلَّهِ تَعَالَى فَمِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِفْطَارَ لَاقَى حَقَّهُ يَكُونُ مُبَاحًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الصَّوْمِ يَكُونُ مَحْظُورًا وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَا بِسَبَبَيْنِ لِلْكَفَّارَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَا تَجِبُ
الْكَفَّارَةُ بِهِمَا وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهَا الْفِطْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الْمَمْلُوكِ لَهُ تَمَكَّنَتْ فِيهِ جِهَةُ الْإِبَاحَةِ وَلَا تَفَاوُتَ فِي تَحَقُّقِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفِطْرُ بِالْمُبَاحِ أَوْ الْحَرَامِ وَفِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْقَآنِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْهُ انْتَهَى .
يَعْنِي فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مَحْظُورٌ مَحْضٌ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَالظِّهَارُ ) وَهُوَ تَشْبِيهُ الزَّوْجَةِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهَا شَائِعٌ أَوْ مُعَبَّرٍ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْحُرْمَةِ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ طَلَاقًا مُبَاحٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ مَحْظُورٌ وَالْعَوْدُ شَرْطٌ وَقَدْ أَسْلَفْت فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ أَنَّ آخَرِينَ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا الظِّهَارُ وَالْعَوْدُ جَمِيعًا لِأَنَّ الظِّهَارَ كَبِيرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ سَبَبًا لِلْكَفَّارَةِ وَيَصْلُحُ مَعَ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَأَنَّ آخَرِينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَالظِّهَارُ شَرْطٌ وَبَيَانُ الْوَجْهِ فِي كِلَيْهِمَا وَمَا عَلَيْهِمَا وَمَا لَعَلَّهُ الْأَشْبَهُ مَعَ زِيَادَةِ مَبَاحِثَ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ سُكُوتُهُ بَعْدَ ظِهَارِهِ قَدْرَ مَا يُمْكِنُهُ طَلَاقُهَا وَرُدَّ بِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَالْجِنَايَةِ وَالظِّهَارُ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ الْعَقْدِ لِيَكُونَ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا جِنَايَةً وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ الْإِمْسَاكُ عَنْ طَلَاقِهَا لِلسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ الْكَفَّارَةِ أَوْ لِلتَّرَوِّي فِي طَلَاقِهَا فَلَا يَكُونُ مُجَرَّدُهُ جِنَايَةً فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لَهَا ( وَالْقَتْلُ الْخَطَأُ ) سَوَاءٌ كَانَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ بِأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ
أَوْ فِي الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا فَهُوَ مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَ مَعْصُومِ الدَّمِ وَمَحْظُورٌ بِاعْتِبَارِ إصَابَةِ مَعْصُومِ الدَّمِ ، وَقَتْلُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ أَوْ فِي الْحَرَمِ وَلُبْسُهُ وَتَطَيُّبُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ وَجِمَاعُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَتْلُ صَيْدٍ وَارْتِفَاقٌ بِاللُّبْسِ وَالطِّيبِ وَالْجِمَاعِ مُبَاحَةٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ أَوْ الْحَرَمِ مَحْظُورَةٌ وَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ الْمُنْتَقِضَةُ بِالْحِنْثِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي اجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ } أَيْ بَذْلُهُ فِي كُلِّ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ سَبَبٌ وَالْحِنْثَ شَرْطٌ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَقْضِهِ بِالْحِنْثِ مَحْظُورٌ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ } وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الْحِنْثِ سَبَبٌ .
وَفِي التَّحْقِيقِ وَإِلَى كُلِّ وَاحِدٍ ذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَفِي الْكَشْفِ مَا مُلَخَّصُهُ الْيَمِينُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ بِلَا خِلَافٍ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّهَا عِنْدَنَا سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً لِأَنَّهَا الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا فَوَاتُ الْبِرِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْيَمِينِ الْبِرُّ احْتِرَازًا عَنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ لِيَصِيرَ كَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ فَشُرِطَ فَوَاتُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ وَالْيَمِينِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ بَعْدَ الْحِنْثِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ أَعْنِي الْبِرَّ فَهِيَ قَائِمَةٌ فِي حَقِّ الْخَلَفِ فَالسَّبَبُ فِي الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ وَاحِدٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ
سَبَبٌ بِصِفَةِ كَوْنِهَا مَعْقُودَةً وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَصْلًا لَا خَلَفًا عَنْ الْبِرِّ بِشَرْطِ فَوَاتِ التَّصْدِيقِ مِنْ الْخَبَرِ فَلَا تَجِبُ فِي الْغَمُوسِ عِنْدَنَا وَتَجِبُ فِيهَا عِنْدَهُ ( وَفِي تَحْرِيرِهِ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( نَوْعُ طُولٍ ) لَا بَأْسَ بِطَيِّهِ فِي الْمُتُونِ كَمَا لَا بَأْسَ بِبَسْطِهِ فِي الشُّرُوحِ فَلَا جَرَمَ أَنْ طَوَاهُ وَبَسَطْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ .
( وَ ) السَّبَبُ ( لِشَرْعِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ ) مِنْ بَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِمَا ( الْبَقَاءُ ) لِلْعَالَمِ ( عَلَى النِّظَامِ الْأَكْمَلِ إلَى الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ ) بَقَاؤُهُ إلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ لِهَذَا النِّظَامِ الْمَنُوطِ بِنَوْعِ الْإِنْسَانِ بَقَاءً إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِفْظِ الْأَشْخَاصِ إذْ بِهَا بَقَاءُ النَّوْعِ وَالْإِنْسَانُ لِفَرْطِ اعْتِدَالِ مِزَاجِهِ يَفْتَقِرُ فِي الْبَقَاءِ إلَى أُمُورٍ صِنَاعِيَّةٍ فِي الْغِذَاءِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَسْكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهِيَ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ كُلِّ فَرْدٍ بِهَا وَعَدَمِ تَهَيُّئِهَا لَهُ يُفْتَقَرُ إلَى مُعَاوَنَةٍ وَمُشَارَكَةٍ فِيهَا مِنْ أَفْرَادِ النَّوْعِ ثُمَّ يَحْتَاجُ لِلتَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ إلَى ازْدِوَاجٍ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَقِيَامٍ بِالْمَصَالِحِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يَفْتَقِرُ إلَى أُصُولٍ كُلِّيَّةٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْ الشَّارِعِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا الْأَحْكَامُ الْجُزْئِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَصَالِح الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ لِيَحْفَظَ بِهَا الْعَدْلَ وَالنِّظَامَ بَيْنَهُمْ فِي بَابِ الْمُنَاكَحَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ النَّوْعِ وَالْمُبَايَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِبَقَاءِ الشَّخْصِ إذْ كُلُّ أَحَدٍ يَشْتَهِي مَا يُلَائِمُهُ وَيَغْضَبُ عَلَى مَنْ يُزَاحِمُهُ فَيَقَعُ الْجَوْرُ وَيَخْتَلُّ النِّظَامُ وَهِيَ الْمُعَامَلَاتُ الْمَزْبُورَةُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ فَصَدَقَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَمَا تَقَدَّمَ ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ ( مِنْ حِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ وَالْحَاجِيَّاتِ تَفْصِيلُ هَذَا ) .
( وَ ) السَّبَبُ ( لَلِاخْتِصَاصَاتُ ) الشَّرْعِيَّةُ ( كَالْمِلْكِ ) وَالْحُرْمَةِ وَإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ لَا إلَى أَحَدِ ( التَّصَرُّفَاتِ ) الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ ( الْمَجْعُولَةِ أَسْبَابًا شَرْعًا ) لَهَا ( كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَقَدْ أَطْلَقُوا لَفْظَ السَّبَبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ إطْلَاقُهُمْ عَلَيْهِ ( عِلَّةً ) فَيَحْتَاجُ إلَى إعْطَاءِ ضَابِطٍ فِي ذَلِكَ بَيَانًا لِاصْطِلَاحِهِمْ فِيهِ وَنَفْيًا لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمْ ( فَقِيلَ ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَمْ يَعْقِلْ تَأْثِيرَهُ ) فِي الْحُكْمِ ( وَلَيْسَ ) هُوَ ( صُنْعَ الْمُكَلَّفِ خُصَّ بِاسْمِ السَّبَبِ ) لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَى الْحُكْمِ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ ( وَإِنْ ) كَانَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَلَمْ يَعْقِلْ تَأْثِيرَهُ فِيهِ ثَابِتًا ( بِصُنْعِهِ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ ( وَذَلِكَ الْحُكْمُ هُوَ الْغَرَضُ مِنْ وَضْعِهِ ) أَيْ وَضْعِ ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ( فَعِلَّةٌ ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عِلَّةٌ لِلْحُكْمِ ( وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ سَبَبٌ مَجَازًا كَالْبَيْعِ لِلْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ الْحُكْمُ ( الْغَرَضُ مِنْ وَضْعِهِ كَالشِّرَاءِ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُهُ ) أَيْ لَفْظِ الشِّرَاءِ فِي مِلْكِ الْمُتْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي ( وَلَيْسَ ) مِلْكُ الْمُتْعَةِ ( الْغَرَضَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الشِّرَاءِ ( بَلْ ) الْغَرَضُ مِنْ الشِّرَاءِ ( مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَسَبَبُهُ ) أَيْ فَذَلِكَ سَبَبُ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مُفْضٍ إلَيْهِ ( وَإِنْ عَقَلَ تَأْثِيرَهُ ) أَيْ تَأْثِيرَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْحُكْمِ ( خَصَّ ) ذَلِكَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ( بِاسْمِ الْعِلَّةِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالِاصْطِلَاحُ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا لَمْ يُعْقَلْ تَأْثِيرُهُ أَيْ مُنَاسَبَتُهُ بِنَفْسِهِ بَلْ ) إنَّمَا تُعْقَلُ مُنَاسَبَتُهُ ( بِمَا هُوَ مَظِنَّتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَا ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ ( وَثَبَتَ ) شَرْعًا ( اعْتِبَارُهُ ) أَيْ اعْتِبَارُ مَا هُوَ مَظِنَّتُهُ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ
فَمَظِنَّتُهُ ( عِلَّةٌ ) لَهُ كَالسَّفَرِ لِقَصْرِ الصَّلَاةِ ( وَمَا هُوَ مُفْضٍ ) إلَى الْحُكْمِ ( بِلَا تَأْثِيرٍ ) فِيهِ ( سَبَبٌ وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ ( خَصَّ اسْمَ الْعِلَّةِ الْحِكْمَةُ ) اصْطِلَاحًا ( وَالِاصْطِلَاحُ ) الْأُصُولِيُّ ( نَاطِقٌ بِخِلَافِهِ ) أَيْ تَخْصِيصُ الْحِكْمَةِ بِاسْمِ الْعِلَّةِ ( وَيُطْلَقُ كُلٌّ ) مِنْ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ ( عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا ) وَمِنْ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ .
( وَأَمَّا الشَّرْطُ ) أَيْ أَقْسَامُهُ ( فَمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ) لَفْظُ شَرْطٍ ( حَقِيقِيٌّ ) وَهُوَ مَا ( يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الشَّيْءُ فِي الْوَاقِعِ ) كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ .
( وَ ) شَرْطٌ ( جَعْلِيٌّ ) أَمَّا ( لِلشَّرْعِ فَيَتَوَقَّفُ ) الْمَشْرُوطُ أَيْ وُجُودُهُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ ( شَرْعًا كَالشُّهُودِ لِلنِّكَاحِ وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ ) إذْ لَا وُجُودَ لِلنِّكَاحِ وَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّيْنِ الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِهِمَا ( وَالْعِلْمُ بِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ) وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَتَّى مَضَى زَمَانٌ ثُمَّ عَلِمَ لَا يَلْزَمْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْوَقْتُ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ شُيُوعُ الْخِطَابِ فِي دَارِ السَّلَامِ وَتَيَسُّرُ الْوُصُولُ إلَيْهِ بِأَدْنَى طَلَبٍ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّكْلِيفِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقُدْرَةِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْعِلْمِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَمْ يُوجَدَا وَحَيْثُ فَاتَ الشَّرْطُ فِي حَقِّهِ مُنِعَ السَّبَبُ مِنْ الِانْعِقَادِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ وَكَانَتْ الْأَسْبَابُ مِنْ الْوَقْتِ وَالشَّهْرِ وَالْبَيْتِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ وُجُودِهَا حَقِيقَةً كَالْمَعْدُومَةِ حُكْمًا فِي حَقِّهِ .
وَأَمَّا وُجُوبُ قَضَائِهَا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا حَتَّى مَضَى زَمَانٌ فَعَلَى فَرْضِ انْتِفَاءِ عِلْمِهِ بِهَا لَمْ يَنْتَفِ مَا هُوَ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ شُيُوعُ الْخِطَابِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِوُجُودِهِ فِيهَا .
فَإِنْ قِيلَ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى عِلْمِ الْمُكَلَّفِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ دُونَ نَفْسِ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِالسَّبَبِ وَكَوْنِ السَّبَبِ سَبَبًا إذْ لَوْ كَانَ الْعِلْمُ شَرْطًا لَهُمَا لَمَا وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّائِمِ وَالْمُغْمَى إذَا لَمْ يَمْتَدَّ الْإِغْمَاءُ وَلَمَا وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي لَمْ يَسْتَغْرِقْ جُنُونُهُ الشَّهْرَ لِعَدَمِ الشَّرْطِ وَهُوَ
الْعِلْمُ فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ لِتَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ لِنَفْسِ الْوُجُوبِ وَكَوْنُ السَّبَبِ سَبَبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ حُصُولِ الْعِلْمِ فِي حَقِّهِمْ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا فِي حَقِّهِمْ تَقْدِيرُ الشُّيُوعِ الْخِطَابِ وَبُلُوغُهُ إلَى سَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ بِمَنْزِلَةِ بُلُوغِهِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ .
( أَوْ لِلْمُكَلَّفِ بِتَعْلِيقِ تَصَرُّفِهِ عَلَيْهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَجْعُولِ شَرْطًا لَهُ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ ( مَعَ إجَازَةِ الشَّرْعِ ) لَهُ ذَلِكَ ( كَإِنْ دَخَلْت ) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( أَوْ ) عَلَى ( مَعْنَاهُ ) أَيْ الْمَجْعُولِ شَرْطًا لَهُ بِكَلِمَةِ الشَّرْطِ مَعَ إجَازَةِ الشَّرْعِ بِأَنْ يَدُلَّ الْكَلَامُ عَلَى التَّعْلِيقِ دَلَالَةَ كَلِمَةِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ ( كَالْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا ) طَالِقٌ لِوُقُوعِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ التَّزَوُّجُ وَصْفًا لِامْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَالْوَصْفُ مُعْتَبَرٌ لِتَعَرُّفِهَا وَحُصُولِ تَعَيُّنِهَا الَّذِي لَا بُدَّ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مِنْهُ لِأَنَّ إضَافَةَ الطَّلَاقِ إلَى مَجْهُولٍ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهَا صَارَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ إذْ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ تَعْلِيقٌ لَهُ بِهِ كَالشَّرْطِ فَيَكُونُ شَرْطًا دَلَالَةً لِأَنَّ الشَّرْطَ مَا يَكُونُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَيَتَوَقَّفُ نُزُولُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَقَدْ وُجِدَ هَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَقِيمُ هُنَا ذِكْرُ الْجَزَاءِ بِالْفَاءِ وَبِدُونِهِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطِ صِيغَةٍ بَلْ شَرْطُ مَعْنًى فَاسْتَقَامَ ذِكْرُ الْجَزَاءِ بِالْفَاءِ وَبِدُونِهِ أَيْضًا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَهَذَا ( بِخِلَافِ ) مَا لَوْ دَخَلَ الْوَصْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَشَارَ إلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أَوْ ذَكَرَهَا بِاسْمِهَا الْعَلَمِ فَقَالَ ( هَذِهِ ) الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ ( وَزَيْنَبُ إلَخْ ) الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ
دَلَالَةً عَلَى الشَّرْطِ لِأَنَّ الْوَصْفَ فِي الْمُعَيَّنِ لَغْوٌ ( فَيَلْغُو ) الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ فَتَبْقَى هَذِهِ الْمَرْأَةُ طَالِقٌ وَزَيْنَبُ طَالِقٌ فَيَلْغُو لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا كَإِنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ طَالِقٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ فِيهِمَا جَمِيعًا .
( وَيُسَمَّى ) هَذَا النَّوْعُ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّرْطِ ( شَرْطًا مَحْضًا لِامْتِنَاعِ الْعِلَّةِ ) أَيْ وُجُودِهَا لِلْحُكْمِ ( بِالتَّعْلِيقِ ) أَيْ بِسَبَبِ التَّعْلِيقِ بِهِ فَهُوَ إذَنْ مَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ التَّعْلِيقِ بِهِ وُجُودُ الْعِلَّةِ فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَتْ وَيَصِيرُ وُجُودُ الْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ وُجُوبِهِ ( وَلِمَا شَابَهَ ) الشَّرْطَ ( الْعِلَّةَ لِلتَّوَقُّفِ ) أَيْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفُ فِي الشَّرْطِ لِوُجُودِ الْحُكْمِ وَفِي الْعِلَّةِ لِوُجُوبِهِ ( وَالْوَضْعُ ) أَيْ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا مَوْضُوعَيْنِ أَمَارَةً عَلَى الْحُكْمِ شَرْعًا لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَمَارَاتٌ عَلَى الْأَحْكَامِ كَالشُّرُوطِ ( أَضَافُوا إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الشَّرْطِ ( الْحُكْمَ أَحْيَانًا فِي التَّعَدِّي وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ عِلَّةٍ صَالِحَةٍ لِلْإِضَافَةِ ) أَيْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا لِأَنَّ شَبِيهَ الشَّيْءِ قَدْ يَخْلُفُهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ اعْتِبَارِ حَقِيقَتِهِ فَهُوَ كُلُّ شَرْطٍ لَا يُعَارِضُهُ عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَفِي شَرْحِ الْمُغْنِي لِلْقَآنِيِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يَزِيدَ وَلَا سَبَبَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَصْلُحْ الْعِلَّةُ وَصَلُحَ السَّبَبُ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ دُونَ الشَّرْطِ كَمَا يَلُوحُ مِمَّا سَيَأْتِي وَهُوَ حَسَنٌ ( وَسَمُّوهُ ) أَيْ هَذَا الشَّرْطَ ( شَرْطًا فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ كَشِقِّ الزِّقِّ ) الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَائِعٍ تَعَدِّيًا إذَا سَالَ مِنْهُ وَتَلِفَ ( وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ ) تَعَدِّيًا إذَا وَقَعَ فِيهَا مَالٌ فَتَلِفَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الشَّاقُّ
وَالْحَافِرُ ( لِأَنَّ الْعِلَّةَ ) فِي تَلَفِ الْمَائِعِ أَعْنِي ( السَّيَلَانَ لَا تَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ الضَّمَانَ ) أَيْ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ إلَيْهِ ( إذْ لَا تَعَدِّي فِيهِ ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ لِلْمَائِعِ ثَابِتٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَالشِّقُّ شَرْطُهُ ) أَيْ السَّيْلَانِ ( وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ ) مِنْ السَّيْلَانِ ( تَعَدِّيًا ) عَلَى مَالِكِهِ لِأَنَّ الزِّقَّ كَانَ مَانِعًا مِنْهُ ( فَيُضَافُ ) الضَّمَانُ ( إلَيْهِ ) وَعِلَّةُ السُّقُوطِ فِي الْبِئْرِ الثِّقَلُ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ طَبِيعِيٌّ لَا تَعَدِّيَ فِيهِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ شَرْطُ السُّقُوطِ .
وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْهُ تَعَدِّيًا لِأَنَّ الْأَرْضَ كَانَتْ مَانِعَةً مِنْ عَمَلِ عِلَّتِهِ فَأُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي إذَا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَى الثِّقَلِ أَنْ يُضَافَ إلَى الْمَشْيِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْعِلَّةِ مِنْ الشَّرْطِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْحُكْمِ وَالِاتِّصَالِ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الضَّمَانُ إلَى الْمَشْيِ لِأَنَّ الضَّمَانَ ضَمَانُ عُدْوَانٍ فَلَا بُدَّ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ صِفَةِ التَّعَدِّي وَلَا تَعَدِّيَ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مَحْضٌ بِلَا شُبْهَةٍ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ صِفَةُ التَّعَدِّي بِأَنْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَى الْبِئْرِ فَوَقَعَ فِيهَا وَهَلَكَ يُضَافُ التَّلَفُ إلَيْهِ لِصَلَاحِيَّةِ الْإِضَافَةِ لَا إلَى الشَّرْطِ فَلَا يَضْمَنُ الْحَافِرُ فَظَهَرَ أَنَّ خِلَافَةَ الشَّرْطِ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ لِصَلَاحِيَّةِ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِمَا ( وَكَشُهُودِ وُجُودِ الشَّرْطِ ) وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ مَثَلًا بَعْدَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهِ فِيمَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَدْخُلْ بِزَوْجَتِهِ أَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِهَا إيَّاهَا ( فَإِذَا رَجَعُوا ) أَيْ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ ( بَعْدَ الْقَضَاءِ ) بِالطَّلَاقِ وَلُزُومِ نِصْفِ الْمَهْرِ ( ضَمِنُوا ) نِصْفَ الْمَهْرِ لِلزَّوْجِ ( لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ )
وَلَفْظُهُ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنُوا لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ عَيْنُ الزَّوْجِ لَا تَصْلُحُ عِلَّةً لِلضَّمَانِ لِخُلُوِّهَا عَنْ وَصْفِ التَّعَدِّي إذْ شُهُودُهَا ثَابِتُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَتَجِبُ إضَافَتُهُ إلَى الشَّرْطِ لِظُهُورِ صِفَةِ التَّعَدِّي بِالرُّجُوعِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَقَالَ يَجِبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ انْتَهَى .
( قُلْت ) وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعَا عَلَى الِانْفِرَادِ هَلْ يَضْمَنَانِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَضْمَنَانِ لِأَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ عِنْدَ انْعِدَامِ إمْكَانِ الْإِيجَابِ عَلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَاجِبٌ وَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِلْعَتَّابِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ سَبَّبُوا لِلتَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُ أَثَرٌ فِي وُجُودِ الْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ سَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْحِصَانِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الزِّنَا لَا فِي وُجُودِهِ فَلَا يَلْحَقُ بِالْعِلَّةِ ( وَاَلَّذِي فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا ) يَضْمَنُونَ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ نَقْلًا عَنْ أَبِي الْيُسْرِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لَهُ وَفِي التَّلْوِيحِ الصَّغِيرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا فِي مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلزَّعْفَرَانِيِّ وَلَا لِلْحَصِيرِيِّ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْمُعِينِ وَالتَّحْقِيقُ يَنْفِيهِ أَيْضًا نَعَمْ عَزَاهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى الزِّيَادَاتِ وَفِي التَّحْقِيقِ إلَى عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ( وَعَلَيْهِ ) شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ( السَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَفِي الطَّرِيقَةِ الْبَرْعَزِيَّةِ هُوَ ) أَيْ ضَمَانُ شُهُودِ الشَّرْطِ ( قَوْلُ زُفَرَ
وَالثَّلَاثَةِ ) أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالُوا ( لَا تَضْمِينَ ) نَصَّ عَلَى هَذَا فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ .
( قِيلَ ) وَقَائِلُهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ ( لِأَنَّ الْعِلَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَالِحَةً لِإِيجَابِهِ ) أَيْ الضَّمَانِ لِخُلُوِّهَا عَنْ صِفَةِ التَّعَدِّي ( صَالِحَةٌ لِقَطْعِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( عَنْ الشَّرْطِ إذْ كَانَتْ ) الْعِلَّةُ ( فِعْلَ مُخْتَارٍ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( أَيْ الْفَضَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ ) عِلَّةً لِإِيجَابِ الضَّمَانِ ( وَإِلَّا ) لَوْ صَلُحَ لِإِيجَابِ الضَّمَانِ ( ضَمِنَ الْقَاضِي ) لِأَنَّهُ صَاحِبُهَا وَالْحُكْمُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى غَيْرِ الْعِلَّةِ إذَا لَمْ تَصْلُحْ هِيَ لِإِضَافَتِهِ لَهَا ( وَبِهِ ) أَيْ بِهَذَا التَّقْرِيرِ ( يَنْتَفِي مَا قِيلَ ) أَيْ مَا قَالَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ( إنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْمِثَالَ ( مِثَالُ مَا لَا عِلَّةَ فِيهِ أَصْلًا وَمِمَّا فِيهِ ) أَيْ وَمِنْ الشَّرْطِ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ .
( وَلَا تَصْلُحُ ) الْعِلَّةُ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا ( شَهَادَةُ شَرْطِ الْيَمِينِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ ) لِعَبْدِهِ ( إنْ كَانَ قَيْدُهُ عَشَرَةً ) مِنْ الْأَرْطَالِ ( فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ حَلَّ فَهُوَ حُرٌّ فَشَهِدَا بِعَشَرَةٍ ) أَيْ أَنَّهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ ( فَقَضَى بِعِتْقِهِ ) ثُمَّ حَلَّ الْقَيْدَ ( ثُمَّ وُزِنَ فَبَلَغَ ثَمَانِيَةً ) مِنْ الْأَرْطَالِ ( ضَمِنَا ) قِيمَةَ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا ( لِنَفَاذِهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ بِعِتْقِهِ ( بَاطِنًا ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ كَنَفَاذِهِ ظَاهِرًا إجْمَاعًا ( لِابْتِنَائِهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ بِعِتْقِهِ ( عَلَى مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ ) لِلْقَضَاءِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهِ عَنْ الْبُطْلَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَذَلِكَ بِإِثْبَاتِ التَّصَرُّفِ الْمَشْهُودِ بِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ .
فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ بَاطِنًا عِنْدَهُ أَيْضًا بَعْدَ الْحِلِّ لِتَيَقُّنِ بُطْلَانِهِ بَعْدَهُ بِظُهُورِ كَذِبِهِمَا كَمَا
لَوْ ظَهَرَ الشُّهُودُ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا فَالْجَوَابُ لَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نُفُوذَ الْقَضَاءِ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ مَا لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَتِهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِهِ وَعَدَمِ نُفُوذِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ وَكَوْنُ الشُّهُودِ عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا مِنْ الثَّانِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا ) فَإِنَّ الْقَضَاءَ بِشَهَادَتِهِمْ لَيْسَ عَلَى مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْقَاضِي فِي تَعْرِيفِ الْمَانِعِ مِنْ النُّفُوذِ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى مَا يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِهِمْ ( لِإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كُلٍّ مِنْ رَقِّهِمْ وَكُفْرِهِمْ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمْ يَنْفُذْ ( وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ سَقَطَ ) عَنْ الْقَاضِي تَعَرُّفُ صِدْقِهِمْ لِأَنَّهُ بِمَعْرِفَةِ وَزْنِ الْقَيْدِ وَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهُ ( مَعْرِفَةُ وَزْنِهِ لِأَنَّهُ ) أَيْ عِرْفَانَ وَزْنِهِ ( بِحِلِّهِ ) أَيْ الْقَيْدِ لِيُوزَنَ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِحِلِّهِ ( يُعْتَقُ ) فَلَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا فِي الْوُقُوفِ عَلَى مَا لَا طَرِيقَ إلَى تَعَرُّفِهِ مِنْ الْمَانِعِ مِنْ نُفُوذِهِ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِدُونِ الْحِلِّ ( وَإِذَا نَفَذَ ) الْقَضَاءُ بِعِتْقِهِ بَاطِنًا كَمَا نَفَذَ ظَاهِرًا ( عَتَقَ قَبْلَ الْحِلِّ فَامْتَنَعَ إضَافَتُهُ ) أَيْ الْعِتْقِ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْحِلِّ ( وَالْعِلَّةُ وَهِيَ الْيَمِينُ أَيْ الْجَزَاءُ ) وَهُوَ فَهُوَ حُرٌّ ( فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْكَلَامِ ( غَيْرُ صَالِحٍ لِإِضَافَةِ الضَّمَانِ إلَيْهِ ) أَيْ الْعِلَّةِ وَذَكَرَ ضَمِيرَهَا بِاعْتِبَارِ الْجَزَاءِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْجَزَاءَ ( تَصَرُّفُ الْمَالِكِ ) فِي مِلْكِهِ ( لَا تَعَدٍّ ) مِنْهُ فِيهِ كَمَا إذَا بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ أَوْ أَكَلَهُ ( فَتَعَيَّنَ ) أَنْ يُضَافَ الْحُكْمُ ( إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ ) أَيْ
الشَّرْطُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْقَيْدِ ( عَشَرَةً وَقَدْ كَذَبَ بِهِ الشُّهُودُ تَعَدِّيًا فَيَضْمَنُونَهُ وَعِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا وَمُحَمَّدٍ ( لَا ) يَضْمَنُونَ قِيمَتَهُ لِمَوْلَاهُ ( إذْ لَا يَنْفُذُ ) الْقَضَاءُ عِنْدَهُمَا ( بَاطِنًا ) لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِالْحُجَّةِ وَالْحُجَّةُ بَاطِلَةٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا كَذِبٌ إلَّا أَنَّ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ دَلِيلُ الصِّدْقِ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَتْ حُجَّةً فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ التَّنْفِيذِ حَقِيقَةً وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْحُرِّيَّةِ نَافِذًا فِي الظَّاهِرِ لَا بَاطِنًا ( فَهُوَ رَقِيقٌ بَاطِنًا بَعْدَ الْقَضَاءِ ) بِالْعِتْقِ .
( ثُمَّ عَتَقَ بِالْحِلِّ ) لَا بِالشَّهَادَةِ فَلَا يَضْمَنُونَ ( وَمَا فِيهِ ) أَيْ وَمِثَالُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ شَرْطٌ وَعِلَّةٌ مُعَارِضَةٌ لَهُ ( صَالِحَةٌ ) لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا ( شَهَادَتَا الْيَمِينِ وَالشَّرْطِ ) السَّالِفَانِ ( فَيُضَافُ ) الْحُكْمُ ( إلَيْهَا ) أَيْ شَهَادَةِ الْيَمِينِ ( فَيَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ ) نِصْفَ الْمَهْرِ ( إذَا رَجَعَ الْكُلُّ ) أَيْ شُهُودُ الْيَمِينِ وَشُهُودُ الشَّرْطِ لِأَنَّ شُهُودَ الْيَمِينِ شُهُودُ عِلَّةٍ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا قَوْلَ الزَّوْجِ هِيَ طَالِقٌ وَهِيَ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَلَا جَرَمَ لِإِضَافَتِهِ إلَى الشُّهُودِ وَسَمَّوْا شُهُودَ التَّعْلِيقِ شُهُودَ الْعِلَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعَلَّقُ عِلَّةً إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْعِلَّةَ أَعَمُّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَمِمَّا فِيهِ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ بُعْدِ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ وَقَضَاءِ الْقَاضِي فَقَدْ ثَبَتَ لِلْمُعَلَّقِ اتِّصَالٌ بِالْمَحَلِّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فِي زَعْمِهِمْ وَصَارَتْ عِلَّةً حَقِيقِيَّةً .
فَإِنْ قِيلَ شُهُودُ التَّعْلِيقِ إنَّمَا شَهِدُوا بِالْعِلَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا مُطْلَقًا وَتَحْقِيقُ الْعِلِّيَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ فَشُهُودُهُ أَوْلَى بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ تَحْقِيقِ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرِهَا أُجِيبَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ
أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بَلْ شَهِدُوا بِسَمَاعِ التَّعْلِيقِ مُطْلَقًا وَهُوَ عِلَّةٌ لَوْلَا الْمَانِعُ وَلَا تَعَلُّقَ لِشَهَادَةِ شُهُودِ الشَّرْطِ بِتَحَقُّقِ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرِهَا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهَا وَلَا بِتَحَقُّقِهَا وَتَأْثِيرِهَا بَلْ تَحَقُّقُهَا وَتَأْثِيرُهَا بِشَهَادَةِ شُهُودِ التَّعْلِيقِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَثْبَتُوهُ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ تَحْقِيقُ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرُهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ ضَمِنُوا وَلَوْ تَحَقَّقَ التَّعْلِيقُ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ ثُمَّ شَهِدُوا بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا فَعَرَفْنَا أَنَّ تَحَقُّقَ الْعِلَّةِ وَتَأْثِيرَهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَى شَهَادَةِ الشَّرْطِ بِوَجْهٍ
( وَمَا ) أَيْ وَسَمَّوْا الشَّرْطَ الَّذِي ( لَمْ يُضَفْ ) الْحُكْمُ ( إلَيْهِ أَصْلًا كَأَوَّلِ الْمَفْعُولَيْنِ مِنْ شَرْطَيْنِ عُلِّقَ عَلَيْهِمَا ) طَلَاقٌ أَوْ غَيْرُهُ ( كَإِنْ دَخَلْت هَذِهِ ) الدَّارَ ( وَهَذِهِ ) الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ( شَرْطًا مَجَازًا اصْطِلَاحًا ) لِتَخَلُّفِ حُكْمِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْوُجُودُ عِنْدَ وُجُودِهِ عَنْهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحُكْمُ مُفْتَقِرًا إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ كَانَ شَرْطًا صُورَةً لَا مَعْنًى وَهَذِهِ هِيَ الْعَلَاقَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمُسَمَّى ( جَدِيرٌ بِحَقِيقَتِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ لِتَوَقُّفِ وُجُودِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ وَلَا إفْضَاءٍ ( وَيُقَالُ ) لِهَذَا أَيْضًا ( شَرْطٌ اسْمًا لَا حُكْمًا ) أَمَّا اسْمًا فَلِتَوَقُّفِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَةِ كُلٍّ مِنْ الطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالنِّيَّةِ شَرْطًا سَوَاءٌ تَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَقَدَّمَ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا لَا حُكْمًا فَلِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ .
فَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَيْنِ وَهِيَ فِي نِكَاحِهَا طَلُقَتْ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ وَإِنْ أَبَانَهَا فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَدَخَلَتْ الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ زُفَرَ لِاسْتِوَاءِ الشَّرْطَيْنِ فِي تَوَقُّفِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمَا فَصَارَا كَشَرْطٍ وَاحِدٍ وَالْمِلْكُ شَرْطٌ عِنْدَ وُجُودِ الثَّانِي فَكَذَا عِنْدَ الْأَوَّلِ وَطَلُقَتْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ حَالَ وُجُودِ الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ وُجُودِ الْجَزَاءِ لَا لِصِحَّةِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ دَخَلَتْهُمَا فِي غَيْرِ الْمِلْكِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ وَلَا لِبَقَاءِ الْيَمِينِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْيَمِينِ الذِّمَّةُ فَيَبْقَى بِبَقَائِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ إلَّا عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي لِأَنَّهُ حَالَ نُزُولِ الْجَزَاءِ
الْمُفْتَقِرِ إلَى الْمِلْكِ ( وَمَا ) أَيْ وَسَمَّوْا الْفِعْلَ الَّذِي ( اعْتَرَضَ بَعْدَهُ ) أَيْ حَصَلَ بَعْدَ حُصُولِهِ ( فِعْلٌ مُخْتَارٌ لَمْ يَتَّصِلْ ) هَذَا الْفِعْلُ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ حَالَ كَوْنِ هَذَا الْفِعْلِ ( غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَى الشَّرْطِ ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ( كَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ شَرْطًا فِيهِ مَعْنَى السَّبَبِ فَلَا ضَمَانَ بِهِ ) لِأَنَّ فِعْلَ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الَّذِي بِهَذِهِ الصِّفَةِ صَالِحٌ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ ( فَلَا يَضْمَنُ ) الْحَالُّ ( قِيمَتَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( إنْ أَبَقَ ) لِأَنَّ حُكْمَهُ شَرْطُ الْإِبَاقِ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْ الْإِبَاقِ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ تَلَفِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ صَالِحٌ لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِ وَهُوَ الْإِبَاقُ فَيَمْنَعُ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى الشَّرْطِ ثُمَّ لَمَّا سَبَقَ الْحِلُّ الْإِبَاقَ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ تَلَفٍ كَانَ لِلْحِلِّ حُكْمُ السَّبَبِ لِأَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ يَتَقَدَّمُهُ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ وَشَرْطُهُ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ وُجُودًا فَخَرَجَ الشَّرْطُ الْمَحْضُ نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ إذْ التَّعْلِيقُ وَهُوَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ لَمْ يَعْتَرِضْ عَلَى الشَّرْطِ بَلْ بِالْعَكْسِ وَمَا اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ فِعْلٌ غَيْرُ مُخْتَارٍ بَلْ طَبِيعِيٌّ كَمَا إذَا شَقَّ زِقَّ الْغَيْرِ فَسَالَ الْمَائِعُ مِنْهُ فَتَلِفَ وَمَا إذَا أَمَرَ عَبْدَ الْغَيْرِ بِالْإِبَاقِ فَأَبَقَ لِأَنَّهُ وَإِنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ فِعْلٌ مُخْتَارٌ فَالْأَمْرُ اسْتِعْمَالٌ لِلْعَبْدِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ فَيَصِيرُ غَاصِبًا بِهِ لِلْعَبْدِ فَعَمَلُهُ عَلَى وَفْقِ اسْتِعْمَالِهِ كَالْآلَةِ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهَا وَمَا إذَا كَانَ فِعْلُ الْمُخْتَارِ مَنْسُوبًا إلَى الشَّرْطِ كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ ضَمَانِ الْعَبْدِ إذَا كَانَ عَاقِلًا .
فَإِنْ كَانَ مَجْنُونًا لَا يَضْمَنُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ
بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَجْنُونًا كَانَ الْحَالُ ضَامِنًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اخْتِلَافٍ ( وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ لَا يَضْمَنُهَا ) أَيْ الْفَاتِحُ الطَّيْرَ وَالدَّابَّةَ إذَا ذَهَبَا مِنْهُمَا عَلَى الْفَوْرِ ( خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) فَقَالَ يَضْمَنُهُمَا إذَا ذَهَبَا عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ( جَعَلَهُ ) أَيْ مُحَمَّدٌ فَتْحَ كُلٍّ مِنْهُمَا ( كَشَرْطٍ فِيهِ مَعْنَى الْعِلَّةِ إذْ بَايَعَهُمَا ) أَيْ الطَّيْرَ وَالدَّابَّةَ ( الِانْتِقَالَ ) أَيْ الْخُرُوجَ عَنْهُمَا بِحَيْثُ لَا يَصْبِرَانِ عَنْهُ عَادَةً ( عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ ) مِنْهُ وَالْعَادَةُ إذَا تَأَكَّدَتْ صَارَتْ طَبِيعَةً لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا ( فَهُوَ ) أَيْ انْتِقَالُهُمَا مِنْهُمَا ( كَسَيَلَانِ ) الْمَائِعِ مِنْ ( الزِّقِّ عِنْدَ الشَّقِّ وَلِأَنَّ فِعْلَهُمَا ) أَيْ الطَّيْرِ وَالدَّابَّةِ ( هَدَرٌ ) شَرْعًا لِفَسَادِ اخْتِيَارِهِمَا كَمَا إذَا صَاحَ بِالدَّابَّةِ فَذَهَبَتْ صَارَ ضَامِنًا وَإِنْ ذَهَبَتْ مُخْتَارَةً لِأَنَّهُ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ فَلَا يَصْلُحُ لِإِضَافَةِ التَّلَفِ إلَيْهِ ( فَيُضَافُ التَّلَفُ إلَى الشَّرْطِ ) الَّذِي هُوَ الْفَتْحُ ( وَهُمَا ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ ( مَنَعَا الْإِلْحَاقَ ) أَيْ إلْحَاقَ الطَّائِرِ وَالدَّابَّةِ بِالْجَمَادِ الْمَائِعِ فِي إضَافَةِ التَّلَفِ إلَى الشَّرْطِ ( بَعْدَ تَحْقِيقِ الِاخْتِيَارِ ) لَهُمَا .
( وَكَوْنُهُ ) أَيْ فِعْلِهَا ( هَدَرًا ) أَيْ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ حُكْمٍ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَحِلُّهُ الذِّمَّةُ وَلَا ذِمَّةَ لَهُمَا ( لَا يَمْنَعُ قَطْعَ الْحُكْمِ عَنْ الشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ ) مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ الْمُصَادِ بِهَا ( إلَى صَيْدٍ فَمَالَ ) الْمُرْسَلُ ( عَنْهُ ) أَيْ الصَّيْدِ ( ثُمَّ رَجَعَ ) الْمُرْسَلُ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الصَّيْدِ ( فَأَخَذَهُ مَيْلَةً هَدَرٌ ) فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ بَهِيمَةً ( وَقَطَعَ ) مَيْلَهُ ( النِّسْبَةَ ) لِإِرْسَالِهِ ( إلَى الْمُرْسَلِ ) فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ ( أَمَّا لَوْ نُسِبَ ) خُرُوجُهُمَا ( إلَيْهِ كَفَتْحِهِ ) أَيْ الْفَاتِحِ ( عَلَى وَجْهِ نَفْرِهِ ) أَيْ مَا كَانَ فِيهِمَا مِنْ
طَائِرٍ أَوْ دَابَّةٍ ( فَفِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ) أَيْ فَفَتْحُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى السَّبَبِ بَلْ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ ( فَيَضْمَنُ ) الْفَاتِحُ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ أَنَّ مَا ذَكَرَاهُ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ قَرِيبٌ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْحَاقِ الْعَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ بِالطَّبِيعَةِ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَإِهْدَارًا لِاخْتِيَارِ مَا لَا عَقْلَ لَهُ حُكْمًا فَإِنَّهُ اخْتِيَارٌ لَا حُكْمَ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ فَعَلَى هَذَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَرَجَّحُ الْقِيَاسُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِحْسَانِ قُلْت بَلْ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى اخْتِيَارِ الْفَتْوَى بِالِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ حَسَنٌ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ الْفَتْوَى بِالضَّمَانِ بِالسِّعَايَةِ بَلْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ لُزُومُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي فَوْرِ الْفَتْحِ بَلْ بَعْدَ لَحْظَةٍ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ فِي فَوْرِ الْفَتْحِ عُلِمَ أَنَّهَا تَرَكَتْ عَادَتَهَا وَكَانَ الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الِاخْتِيَارِ فَأَشْبَهَ حِلَّ الْقَيْدِ وَسَاقَ هَذَا الْحُكْمَ مَسَاقَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ .
( وَأَمَّا الْعَلَامَةُ ) وَعَلِمْت أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ مُجَرَّدُ الْعِلْمِ بِهِ لَا هُوَ نَفْسُهُ ( فَكَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ) الْمَفْرُوضَيْنِ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ وُجُوبِهِمَا مِنْ غَيْرِ إفْضَاءٍ وَلَا تَأْثِيرٍ ( وَعُدَّ الْإِحْصَانُ ) لِإِيجَابِ رَجْمِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ ( مِنْهَا ) أَيْ الْعَلَامَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ( لِثُبُوتِهِ ) أَيْ الْإِحْصَانِ قَبْلَ ثُبُوتِ الزِّنَا ( بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ ) أَيْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَزُفَرَ وَلَوْ
كَانَ عِلَّةً أَوْ سَبَبًا أَوْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الرَّجْمِ لَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ مَعَ الرِّجَالِ لِتَوَقُّفِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَهَادَتُهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي الْحُدُودِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ حِينَئِذٍ تَكْمِيلُ الْعُقُوبَةِ وَالْمُكَمِّلُ لَهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُوجِبِ لِأَصْلِهَا فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ كَالزِّنَا بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ثُبُوتِ الزِّنَا فَإِنَّ تَكْمِيلَ الْحَدِّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَالَا الْإِحْصَانُ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْعُقُوبَةِ إذْ هُوَ عَلَى مَا قَالَ كَثِيرٌ كَوْنُ الْإِنْسَانِ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً تَزَوُّجًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَعَزَا السَّرَخْسِيُّ هَذَا إلَى الْمُتَقَدِّمِينَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمْ بِأَنَّ شَرْطَهُ عَلَى الْخُصُوصِ شَيْئَانِ : الْإِسْلَامُ وَالدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِثْلُهُ ثُمَّ قَالَ : فَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطَا الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ لَا شَرْطَا الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ بَعْضُهَا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْقُدْرَةِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَبَعْضُهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ لَهَا الْعِلَّةُ الصَّالِحَةُ وَهِيَ الزِّنَا فَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ هَذِهِ الْخِصَالِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا بَعْدَ ثُبُوتِ الزِّنَا كَمَا قَبْلَ ثُبُوتِهِ ( مُشْكِلٌ بَلْ هُوَ ) أَيْ الْإِحْصَانُ ( شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ ) أَيْ الرَّجْمِ ( كَمَا ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُ ) مِنْهُمْ مُتَقَدِّمُو مَشَايِخِنَا وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( لِتَوَقُّفِهِ ) أَيْ وُجُوبِ الْحَدِّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْإِحْصَانِ ( بِلَا عَقْلِيَّةِ تَأْثِيرٍ ) لَهُ فِي خُصُوصِ هَذَا الْحَدِّ .
( وَلَا إفْضَاءَ ) إلَيْهِ وَهَذَا شَأْنُ الشَّرْطِ ( لَا ) أَنَّهُ عَلَامَةٌ (
لِتَوَقُّفِ مُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِهِ ) أَيْ بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الزِّنَا إذَا ثَبَتَ لَا يَتَوَقَّفُ انْعِقَادُهُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَلَامَةَ إذَا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُودِ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ .
فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الرَّجْمِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَكَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي شُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَالْجَوَابُ لَا ( وَعَدَمُ الضَّمَانِ بِرُجُوعِ شُهُودِ الشَّرْطِ هُوَ الْمُخْتَارُ ) كَمَا سَلَفَ وَجْهُهُ ( وَإِنَّمَا تُكَلِّفُهُ ) أَيْ الْإِحْصَانَ ( عَلَامَةَ الْمُضَمَّنِ ) شُهُودَ الشَّرْطِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ عَدَمُ تَضْمِينِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَكَلُّفُهُ عَلَامَةً لِيَنْدَفِعَ عَنْهُ إلْزَامُ تَضْمِينِهِمْ ( غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ ) كَانَ الْإِحْصَانُ ( شَرْطًا لَمْ تَضْمَنْ ) شُهُودُهُ ( بِهِ ) أَيْ بِالرُّجُوعِ أَيْضًا ( إذْ شَرْطُهُ ) أَيْ تَضْمِينِ شُهُودِ الشَّرْطِ ( عَدَمُ ) الْعِلَّةِ ( الصَّالِحَةِ ) لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا ( وَالزِّنَا عِلَّةٌ صَالِحَةٌ لِإِضَافَةِ الْحَدِّ ) إلَيْهِ فَلَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْإِحْصَانُ .
فَإِنْ قِيلَ الشَّرْطُ مَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ حَقِيقَةً بَعْدَ وُجُودِهَا صُورَةً إلَى حِينِ وُجُودِهِ كَمَا فِي تَعْلِيقِ الْعَتَاقِ بِالدُّخُولِ مَثَلًا وَالزِّنَا إذَا تَحَقَّقَ لَمْ يَتَوَقَّفْ انْعِقَادُهُ عِلَّةً لِلرَّجْمِ عَلَى إحْصَانِ مُحْدِثٍ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْإِحْصَانَ لَوْ وُجِدَ بَعْدَ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّجْمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَتَقَدَّمَهُ ) أَيْ الشَّرْطَ الْإِحْصَانُ ( عَلَى الْعِلَّةِ الزِّنَا غَيْرُ قَادِحٍ ) فِي كَوْنِ الْإِحْصَانِ شَرْطًا لِإِيجَابِ الرَّجْمِ ( إذْ تَأَخُّرُهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ( عَنْهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ صُورَةً ( غَيْرُ لَازِمٍ كَشَرْطِ الصَّلَاةِ ) مِنْ إزَالَةِ حَدَثٍ وَخَبَثٍ وَسَتْرِ عَوْرَةٍ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ مُتَأَخِّرٌ
عَنْ عِلَّةِ الصَّلَاةِ أَيْ الْخِطَابِ بِهَا أَوْ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وُجُوبُ شَرْطِهَا فَيَكُونُ هَذَا مِثَالًا لِتَأَخُّرِ الشَّرْطِ عَنْ الْعِلَّةِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ وُجُودَهُ فَهُوَ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ عِلَّتِهَا بِالتَّفْسِيرِ السَّابِقِ لَهَا إمَّا لِعُذْرٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ تَسَاهُلًا وَقَدْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا اسْتِعْدَادًا لِأَدَائِهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ عِلَّتِهَا وَعَلَى هَذَا فَجَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ مِثَالًا لِمَا لَا يَكُونُ الشَّرْطُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْعِلَّةِ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ هَلْ يَلْزَمُ تَقَدُّمُهُ أَوْ تَأَخُّرُهُ عَنْ عِلَّتِهِ أَوْ لَا يَلْزَمُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ بَلْ قَدْ وَقَدْ ، وَتَقَدُّمُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ هَذَا بِشَيْءٍ ؛ نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَأْخِيرَ الشَّرْطِ عَنْ الْعِلَّةِ الْعَقْلِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عِلَّةٌ لِأَحْكَامِهَا الْمُخْتَصَّةِ بِهَا وَالْعَقْلُ شَرْطٌ لَهَا وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا ( إلَّا فِي ) الشَّرْطِ ( التَّعْلِيقِيِّ ) فَإِنَّ تَأَخُّرَهُ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ لَازِمٌ ( بَلْ قِيلَ ) أَيْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ .
( وَلَا فِيهِ ) أَيْ وَلَيْسَ تَأَخُّرُ التَّعْلِيقِيِّ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ بِلَازِمٍ أَيْضًا ( فَقَدْ يَتَقَدَّمُ ) التَّعْلِيقِيُّ ( وَيَكُونُ الْمُتَأَخِّرُ الْعِلْمَ بِهِ ) وَظُهُورُهُ ( كَالتَّعْلِيقِ بِكَوْنِ قَيْدِهِ عَشَرَةً ) بِأَنْ قَالَ إنْ كَانَ زِنَةُ قَيْدِ عَبْدِي عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَهُوَ حُرٌّ فَقَدْ سَبَقَ الشَّرْطُ وَهُوَ كَوْنُهُ عَشَرَةً الْعِلَّةُ أَيْ الْيَمِينُ أَيْ الْجَزَاءُ مِنْهُ أَعْنِي قَوْلَهُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ نَظَرَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ مَعْدُومٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَذَلِكَ هُوَ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ عَشَرَةً فَكَانَ هُوَ الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ خِلَافَهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( وَالظَّاهِرُ أَنَّ
التَّعْلِيقَ فِي مِثْلِهِ ) يَكُونُ ( عَلَى الظُّهُورِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنْ ظَهَرَ أَنَّ زِنَةَ قَيْدِهِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ ( لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ ) أَيْ الشَّرْطِ التَّعْلِيقِيِّ تَعْلِيقٌ ( عَلَى مَعْدُومٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَعَلَى كَائِنٍ تَنْجِيزُ ) مَعْنًى وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا صُورَةً وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى وَقَدْ أَسْلَفْنَا هَذَا فِي ذَيْلِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ مِنْ مَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ التَّعْلِيقِيَّ قَدْ يُقْصَدُ فِيهِ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُقْصَدُ فِيهِ وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عِنْدَ ظُهُورِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَالْعِلْمُ بِهِ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَالشَّرْطُ التَّعْلِيقِيُّ مُتَأَخِّرٌ عَنْ صُورَةِ الْعِلَّةِ دَائِمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( فَكَوْنُهُ ) أَيْ الْإِحْصَانِ ( عَلَامَةً ) لِوُجُوبِ الرَّجْمِ ( مَجَازٌ ) لِتَوَقُّفِ وُجُودِ وُجُوبِ الرَّجْمِ شَرْعًا عَلَى وُجُودِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ وَلَا إفْضَاءٍ وَلَوْ كَانَ عَلَامَةً حَقِيقَةً لَمَا تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهِ .
( وَلَا تَتَقَدَّمُ الْعَلَامَةُ عَلَى مَا هِيَ ) عَلَامَةٌ ( لَهُ كَالدُّخَانِ ) عَلَامَةٌ عَلَى النَّارِ فَلَا يَتَقَدَّمُ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهَا قُلْت ( وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ) إنْ تَمَّ اشْتِرَاطُ هَذَا فِي الْعَلَامَةِ اصْطِلَاحًا فِيهَا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ عَلَامَةً عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ عَلَامَةٌ عَلَيْهِ سَابِقًا عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ كَالنَّارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدُّخَانِ وَقَدْ يَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ كَالسَّاعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلَامَاتِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَلَامَةَ كَمَا تَكُونُ دَالَّةً عَلَى مَوْجُودٍ فِي الزَّمَانِ السَّابِقِ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى مَوْجُودٍ فِي الزَّمَانِ اللَّاحِقِ .
( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ الْمُسَمَّى بِالْعَلَامَةِ ( وِلَادَةُ الْمَبْتُوتَةِ ) أَيْ الْبَائِنَةِ بِثَلَاثٍ فَمَا دُونَهَا ( وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا ) زَوْجُهَا ( عَلَامَةُ الْعُلُوقِ السَّابِقِ
) عَلَى الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ إذَا أَتَتَا بِهِ فِي مُدَّةٍ تَحْتَمِلُهُ ( وَلَوْ ) أَتَتَا بِهِ ( بِلَا ) تَقَدُّمِ ( حَبَلٍ ظَاهِرٍ وَلَا اعْتِرَافٍ ) مِنْ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ ( عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( فَقَبِلَا شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ ) الْحُرَّةِ الْعَدْلَةِ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْوِلَادَةِ لِأَنَّ شَهَادَتَهَا حِينَئِذٍ لَيْسَتْ إلَّا فِي تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ ( وَهِيَ ) أَيْ شَهَادَتُهَا ( مَقْبُولَةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ ) لِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا { مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ وِلَادَةِ النِّسَاءِ وَعُيُوبِهِنَّ } ( ثُمَّ ثُبُوتُ نَسَبِهِ ) أَيْ الْوَلَدِ إنَّمَا هُوَ ( بِالْفِرَاشِ السَّابِقِ ) عَلَى الْوِلَادَةِ وَهُوَ الْقَائِمُ عِنْدَ الْعُلُوقِ ( وَعِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لَيْسَتْ ) الْوِلَادَةُ ( عَلَامَةً إلَّا مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْحَبَلِ الظَّاهِرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ الْمَوْتِ وَاعْتِرَافِ الزَّوْجِ بِهِ ( فَلَا تُقْبَلُ ) شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ ( دُونَهُ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ) أَيْ عَدَمُ ظُهُورِ الْحَبَلِ وَعَدَمُ اعْتِرَافِهِ بِالْحَبَلِ سَابِقًا ( كَالْعِلَّةِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ ) لَا يُعْلَمُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِهَا ( فَيَلْزَمُ النِّصَابُ ) أَيْ فَيُشْتَرَطُ لِإِثْبَاتِهَا كَمَالُ الْحُجَّةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا أَوْ الْحَبَلُ ظَاهِرًا أَوْ إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ ثُبُوتُ النَّسَبِ وَتَكُونُ الْوِلَادَةُ حِينَئِذٍ عَلَامَةً مُعَرِّفَةً لَهُ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِ الْوِلَادَةِ عَلَامَةً أَوْ لَا ( إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَيْهَا ) أَيْ الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَكُنْ حَبَلٌ ظَاهِرٌ وَلَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِهِ فَقَالَتْ وَلَدْت وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الْوِلَادَةَ فَشَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِهَا ( قُبِلَتْ ) فِي ثُبُوتِ الْوِلَادَةِ اتِّفَاقًا .
وَكَذَا فِيمَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا ضِمْنًا لَا قَصْدًا ( عِنْدَهُمَا ) اعْتِبَارًا لِجَانِبِ كَوْنِهَا عَلَامَةً ( وَعِنْدَهُ ) لَا تُقْبَلُ فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا بَلْ ( يَلْزَمُ النِّصَابُ ) لِثُبُوتِهِ اعْتِبَارًا لِجَانِبِ كَوْنِهَا شَرْطًا لَهُ مَحْضًا لِلطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَمْنَعُ انْعِقَادَهُ عِلَّةً لِلْوُقُوعِ إلَى حِينِ وُجُودِهَا وَشَرْطُ الْحُكْمِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِكَمَالِ الْحُجَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ تُقْبَلْ ( لِأَنَّهَا ) شَهَادَةٌ ( عَلَى ) وُقُوعِ ( الطَّلَاقِ مَعْنًى ) وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَلَيْسَ وُقُوعُهُ حُكْمًا مُخْتَصًّا بِالْوِلَادَةِ لِوُجُودِ الِانْفِكَاكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا بِخِلَافِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَثُبُوتِ اللِّعَانِ عِنْدَ نَفْيِ الْوَلَدِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَثُبُوتِ النَّسَبِ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِهَا لَازِمٌ لَهَا شَرْعًا فَإِذَا ثَبَتَتْ ثَبَتَ فَلَا امْتِنَاعَ فِي ثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا وَالْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِهَا لَا فِي حَقِّ وُقُوعِ الطَّلَاقِ ( كَمَا عَلَى ثِيَابَةِ أَمَةٍ بِيعَتْ بِكْرًا ) أَيْ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهَا ثَيِّبٌ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْبُولَةُ الشَّهَادَةِ بِثِيَابَتِهَا ( لَا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا لِلرَّدِّ ) أَيْ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي رَدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ ( وَإِنْ قُبِلَتْ فِي الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ ) حَتَّى تَثْبُتَ الثِّيَابَةُ فِي هَذِهِ فِي تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا بِحَلِفِهِ بِاَللَّهِ مَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ بِاَللَّهِ لَقَدْ سَلَّمَهَا بِحُكْمِ هَذَا الْبَيْعِ وَمَا بِهَا هَذَا الْعَيْبُ .
فَإِنْ حَلَفَ فَلَا خُصُومَةَ وَإِنْ نَكَلَ تُرَدُّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ ثِيَابَتِهَا فِي نَفْسِهَا لَا فِي حَقِّ اسْتِحْقَاقِ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْوِلَادَةِ أَصْلًا وَوَصْفًا وَهُوَ كَوْنُهَا شَرْطًا وَشَهَادَتُهَا حُجَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَتُقْبَلُ فِي أَصْلِهَا لَا فِي وَصْفِهَا فَلَمْ يَقَعْ الْجَزَاءُ أَمَّا لَوْ قَالَ لَهَا ذَلِكَ وَبِهَا حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتَرَفَ الزَّوْجُ بِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا وَلَدْت عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَقَعُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ الْقَابِلَةُ بِهَا لِأَنَّهَا شَرْطُ وُقُوعِهِ وَهِيَ مِمَّا تَقِفُ عَلَيْهِ الْقَابِلَةُ فَلَا تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهَا كَمَا لَا تُقْبَلُ فِي نَسَبِ الْمَوْلُودِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِبُرُوزٍ مَوْجُودٍ فِي بَاطِنِهَا فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُهَا كَمَا فِي : إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَيْفَ لَا وَالظَّاهِرُ بَلْ الْيَقِينُ وِلَادَتُهَا إذَا جَاءَتْ فَارِغَةً وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِ الْوِلَادَةِ مِنْ أَيِّ وَلَدٍ كَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا بِخِلَافِ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ مُجَرَّدِ الْوِلَادَةِ تَعَيَّنَ هَذَا الْوَلَدُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدٍ آخَرَ مَيِّتٍ ثُمَّ تُرِيدُ حَمْلَ نَسَبِ هَذَا الْوَلَدِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي تَعَيُّنِ الْوِلَادَةِ إلَّا بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( فَصْلٌ قَسَّمَ الشَّافِعِيَّةُ الْقِيَاسَ بِاعْتِبَارِ ) التَّفَاوُتِ فِي ( الْقُوَّةِ إلَى جَلِيٍّ مَا عُلِمَ فِيهِ نَفْيُ اعْتِبَارِ الْفَارِقِ ) أَيْ إلْغَاؤُهُ ( بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ كَقِيَاسِ الْأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ مِنْ التَّقْوِيمِ عَلَى مُعْتِقِ الْبَعْضِ ) الثَّابِتِ فِيهِ ذَلِكَ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ بِهِ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ } فَإِنَّا نَقْطَعُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ الذُّكُورَةَ وَالْأُنُوثَةَ وَأَنْ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا سِوَى ذَلِكَ ( وَخَفِيَ بِظَنِّهِ ) أَيْ مَا يَكُونُ نَفْيُ الْفَارِقِ فِيهِ مَظْنُونًا ( كَالنَّبِيذِ ) أَيْ كَقِيَاسِهِ ( عَلَى الْخَمْرِ فِي حُرْمَةِ الْقَلِيلِ مِنْهُ ) أَيْ الْخَمْرِ ( لِتَجْوِيزِ اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ ) أَيْ كَوْنِ الشَّرَابِ مَاءَ الْعِنَبِ الْخَاصِّ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَلِذَا ) أَيْ تَجْوِيزِ هَذَا الِاعْتِبَارِ ( قَالَتْهُ الْحَنَفِيَّةُ ) أَيْ ذَهَبُوا إلَى اعْتِبَارِ خُصُوصِيَّةِ الْخَمْرِ فِي الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ لِمَا هُوَ مَسْطُورٌ لَهُمْ فِي مَوْضِعِهِ وَهَذَا التَّجْوِيزُ عِنْدَ غَيْرِهِمْ احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ فَلَا يُنَافِي ظَنَّ نَفْيِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَمِنْ الْجَلِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَا كَانَ احْتِمَالُ الْفَارِقِ فِيهِ احْتِمَالًا ضَعِيفًا بَعِيدًا كُلَّ الْبُعْدِ كَإِلْحَاقِ الْعَمْيَاءِ بِالْعَوْرَاءِ فِي حَدِيثِ الْمَنْعِ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالْعَوْرَاءِ يَعْنِي حَدِيثَ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ { أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا } إلَخْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ جَلِيٌّ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ وَخَفِيَ وَهُوَ الشَّبَهُ وَوَاضِحٌ وَهُوَ مَا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْجَلِيُّ قِيَاسُ الْأُولَى كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ فِي التَّحْرِيمِ
وَالْوَاضِحُ الْمُسَاوِي كَقِيَاسِ إحْرَاقِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى أَكْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْخَفِيُّ الْأَدْوَنُ كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ فِي بَابِ الرِّبَا وَالْجَلِيُّ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَعَمُّ مِنْ الْجَلِيِّ بِهَذَا الْمَعْنَى .
( وَ ) قَسَّمُوهُ ( بِاعْتِبَارِ الْعِلَّةِ إلَى قِيَاسِ عِلَّةِ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِهَا ) أَيْ بِالْعِلَّةِ كَأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ لِلْإِسْكَارِ كَالْخَمْرِ ( وَ ) إلَى ( قِيَاسِ دَلَالَةٍ أَنْ يَجْمَعَ ) فِيهِ ( بِمُلَازِمِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( كَرَائِحَةِ ) الْعَصِيرِ ( الْمُشْتَدِّ ) بِالشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ ( بَيْنَ النَّبِيذِ وَالْخَمْرِ ) فِي الْحُرْمَةِ ( لِدَلَالَتِهِ ) أَيْ الْمُلَازِمِ الَّذِي هُوَ الرَّائِحَةُ ( عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ الْإِسْكَارِ ) الْحَاصِلِ مِنْ ذِي الشِّدَّةِ ( إذْ كَانَ ) الْإِسْكَارُ ( مُلَازِمًا لَهَا ) أَيْ لِلرَّائِحَةِ فَيُقَالُ النَّبِيذُ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَحَاصِلُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ فِي الْفَرْعِ هُوَ وَحُكْمٍ آخَرَ تُوجِبُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْأَصْلِ فَيُقَالُ ثَبَتَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ لِثُبُوتِ الْآخِرِ فِيهِ وَهُوَ مُلَازِمٌ لَهُ فَيَكُون قَدْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ أَيْ الْحُكْمَيْنِ الْحَاصِلَيْنِ مِنْهَا فِي الْأَصْلِ لِوُجُودِهِ فِي الْفَرْعِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمُوجِبِ الْآخَرِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ لَهُ وَيَرْجِعُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَدِ الْمُوجِبَيْنِ عَلَى الْعِلَّةِ وَبِالْعِلَّةِ عَلَى الْمُوجِبِ الْآخَرِ لَكِنْ يُكْتَفَى بِذِكْرِ مُوجِبِ الْعِلَّةِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهَا ( وَ ) إلَى ( قِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ أَنْ يَجْمَعَ ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( بِنَفْيِ الْفَارِقِ أَيْ بِإِلْغَائِهِ ) أَيْ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الْفَارِقِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ بِوَصْفٍ هُوَ الْعِلَّةُ ( كَإِلْغَاءِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ( أَعْرَابِيًّا وَكَوْنِهَا ) أَيْ الْمُجَامَعَةُ ( أَهْلًا ) لِلْمُجَامِعِ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حُكْمِ وُقُوعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ لَهُ الْمُجَابِ بِبَيَانِ
الْكَفَّارَةِ ( فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَجَامِعِ غَيْرِ الْأَعْرَابِيِّ ( وَبِالزِّنَا وَكَذَا إذَا أَلْغَى الْحَنَفِيُّ كَوْنَهُ ) أَيْ الْمُفْطِرِ ( جِمَاعًا فَتَجِبُ ) الْكَفَّارَةُ ( بِعَمْدِ الْأَكْلِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي الْإِيمَاءِ ( وَلَوْ تَعَرَّضَ ) الْقَائِسُ ( لِغَيْرِ نَفْيِ الْفَارِقِ مِنْ عِلَّةٍ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ نَفْيِ الْفَارِقِ ( وَكَانَ ) نَفْيُ الْفَارِقِ ( قَطْعِيًّا خَرَجَ ) مِنْ كَوْنِهِ قِيَاسًا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ ( إلَى الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ أَوْ ) كَانَ نَفْيُ الْفَارِقِ ( ظَنِّيًّا فَإِلَى ) الْقِيَاسِ ( الْخَفِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا ) التَّقْسِيمَ ( تَقْسِيمٌ لِمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْقِيَاسِ إذْ الْجَمْعُ بِنَفْيِ الْفَارِقِ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ .
( وَالْحَنَفِيَّةُ ) قَسَّمُوا الْقِيَاسَ ( إلَى جَلِيٍّ مَا تَبَادَرَ ) أَيْ سَبَقَ إلَى الْأَفْهَامِ ( وَ ) إلَى ( مَا هُوَ خَفِيٌّ مِنْهُ فَالْأَوَّلُ الْقِيَاسُ وَالثَّانِي الِاسْتِحْسَانُ فَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِحْسَانُ ( الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى ) قِيَاسٍ ( ظَاهِرٍ مُتَبَادِرٍ وَيُقَالُ ) الِاسْتِحْسَانُ ( لِمَا هُوَ أَعَمُّ ) مِنْ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ أَيْ ( كُلُّ دَلِيلٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ نَصٌّ كَالسَّلَمِ ) فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ } السَّالِفَ تَخْرِيجُهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ الْمُفِيدِ لِجَوَازِ السَّلَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْعَقْدِ فِي السَّلَمِ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً عِنْدَ الْعَقْدِ ، وَالْعَقْدُ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ فَتُرِكَ هَذَا الْقِيَاسُ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ وَأُقِيمَتْ الذِّمَّةُ مُقَامَ مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ وَأُورِدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ مُخَصَّصًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } أَيْ لَيْسَ
بِمَمْلُوكٍ لَك وَلَا وِلَايَةَ لَك عَلَى بَيْعِهِ كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا أَنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ بِهِ أُجِيبَ : سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مُخَصَّصًا لَهُ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ مُوجِبِ قِيَاسِ السَّلَمِ عَلَى سَائِرِ الْبِيَاعَاتِ بِهَذَا النَّصِّ ( أَوْ إجْمَاعٌ كَالِاسْتِصْنَاعِ ) أَيْ طَلَبِ صَنْعَةٍ لِمَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ خُفٍّ وَغَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِخَفَّافٍ اصْنَعْ لِي خُفًّا مِنْ جِلْدِ كَذَا صِفَتُهُ كَذَا وَمِقْدَارُهُ كَذَا بِكَذَا وَلَا يَذْكُرُ لَهُ أَجَلًا وَيُسَلِّمُ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسَلِّمُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ لِلْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ كَمَا قَالَ بِهِ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ حَقِيقَةً وَوَصْفًا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْبُيُوعِ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَتَعَيَّنْ حَقِيقَةً وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ وَقَصُرُوا الْجَوَازَ عَلَى مَا فِيهِ تَعَامُلٌ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ مَوْضِعِ التَّعَامُلِ عَلَى أَصْلِهِ وَخُصَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك } فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْ السَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ .
( أَوْ ضَرُورَةً كَطَهَارَةِ الْحِيَاضِ وَالْآبَارِ ) الْمُتَنَجِّسَةِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى طَهَارَتِهَا بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِيهَا مِنْ نَزْحٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ الْمُحْوِجَةُ إلَى ذَلِكَ لِعَامَّةِ النَّاسِ وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي سُقُوطِ التَّكْلِيفِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَى طَهَارَتِهَا بَعْدَ تَنَجُّسِهَا وَهُوَ بَقَاءُ شَيْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ فِيهَا لِأَنَّ خُرُوجَ بَعْضِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي الْحَوْضِ وَالْبِئْرِ لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَلَوْ أَخْرَجَ الْكُلَّ فَمَا يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلَ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ
أَعْلَى يُلَاقِي نَجَسًا مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيُنَجَّسُ بِمُلَاقَاتِهِ قُلْت وَالْحَقُّ أَنَّ تَطْهِيرَ الْآبَارِ لَا يُعَدُّ مُطْلَقًا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مَا وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ الْبَعْضِ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ بَلْ قَوْلُهُمْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ مَسَائِلُ الْآبَارُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الْآثَارِ دُونَ الْقِيَاسِ يُفِيدُ أَنَّ تَطْهِيرَهَا مُطْلَقًا مِنْ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ أَوْ قِيَاسٌ خَفِيٌّ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ( فَمُنْكِرُهُ ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ : مَنْ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ ( لَمْ يَدْرِ الْمُرَادَ بِهِ ) عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَارِعَ إلَى رَدِّهِ وَاعْتَذَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي تَفْسِيرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقَ لُغَةً عَلَى مَا يَهْوَاهُ الْإِنْسَانُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقْبَحًا عِنْدَ غَيْرِهِ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَاسِ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ إنْكَارُ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِمَعْنَاهُ مُسْتَحْسَنًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِنْهُ إذْ لَا وَجْهَ لِقَبُولِ الْعَمَلِ بِمَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ .
وَفِي هَذَا الِاعْتِذَارِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ بَعْدَمَا عُلِمَ أَنَّهُ اسْمٌ لِدَلِيلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ نَصًّا كَانَ أَوْ إجْمَاعًا أَوْ ضَرُورَةً أَوْ قِيَاسًا خَفِيًّا إذَا وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ يَسْبِقُ إلَيْهِ الْإِفْهَامُ حَتَّى لَا يُطْلَقَ عَلَى مَا لَا يُقَابِلُ مِنْهَا الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَصَوُّرِ خِلَافٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
( وَقَسَّمُوا الِاسْتِحْسَانَ إلَى مَا قَوِيَ أَثَرُهُ ) أَيْ تَأْثِيرُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( وَ ) إلَى ( مَا خَفِيَ فَسَادُهُ ) أَيْ ضَعْفُهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَعُفَ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِهِ فَسَدَ ثُمَّ خَفَاؤُهُ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى ظُهُورِ صِحَّتِهِ
وَإِنْ كَانَ ) ظُهُورُ صِحَّتِهِ ( خَفِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسِ ) الْمُقَابِلِ لَهُ ( وَظَهَرَ صِحَّتُهُ ) عَطْفٌ عَلَى خَفِيَ يَعْنِي إذَا تُؤُمِّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ عُلِمَ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنًى آخَرَ انْضَمَّ إلَى مُقَابِلِهِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ وَإِذَا نَظَرَ إلَيْهِ أَدْنَى النَّظَرِ يُرَى صَحِيحًا .
( وَ ) قَسَّمُوا ( الْقِيَاسَ إلَى مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ و ) إلَى ( مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْضَمَّ إلَى وَجْهِهِ مَعْنًى دَقِيقٌ يُورِثُهُ قُوَّةً وَرُجْحَانًا عَلَى وَجْهِ مُقَابِلِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ ( فَأَوَّلُ الْأَوَّلِ ) أَيْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ ( مُقَدَّمٌ عَلَى أَوَّلِ الثَّانِي ) أَيْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ ( وَثَانِي الثَّانِي ) أَيْ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَخَفِيَ صِحَّتُهُ مُقَدَّمٌ ( عَلَى ثَانِي الْأَوَّلِ ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ صِحَّتُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلظَّاهِرِ بِظُهُورِهِ وَلَا لِلْبَاطِنِ بِبُطُونِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي مَضْمُونِهِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا صَارَتْ عِلَّةً بِأَثَرِهَا فَيَسْقُطُ ضَعِيفُ الْأَثَرِ بِمُقَابَلَةِ قَوِيِّ الْأَثَرِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفِيًّا .
( مِثَالُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَوَّلُ كُلٍّ ) مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ( سِبَاعُ الطَّيْرِ ) أَيْ سُؤْرُهَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي إذْ ( الْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا ) قِيَاسًا وَالِاسْتِحْسَانُ ( عَلَى ) نَجَاسَةِ سُؤْرِ ( سِبَاعِ الْبَهَائِمِ ) كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ لِأَنَّ السُّؤْرَ مُعْتَبَرٌ بِاللَّحْمِ ، وَلَحْمُ سِبَاعِ الطَّيْرِ نَجِسٌ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَحُرْمَتُهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ فَكَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا كَسُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ فَإِنَّ لَحْمَهَا لَمَّا كَانَ حَرَامًا وَكَانَتْ حُرْمَتُهُ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ لَا لِلْكَرَامَةِ آيَةَ النَّجَاسَةِ
كَانَ سُؤْرُهَا نَجِسًا فَالْمَعْنَى الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا نَجَاسَةُ اللَّحْمِ وَهَذَا مَعْنًى ظَاهِرُ الْأَثَرِ ثُمَّ حَيْثُ اسْتَوَيَا فِيهِ اسْتَوَيَا فِي أَثَرِهِ وَهُوَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ ( وَالِاسْتِحْسَانُ ) طَهَارَةُ سُؤْرِهَا وَهُوَ ( الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ عَلَى ) طَهَارَةِ سُؤْرِ ( الْآدَمِيِّ ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَإِنْ كَانَ حُرْمَةُ أَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ لِلْكَرَامَةِ وَحُرْمَةُ أَكْلِ لَحْمِ سِبَاعِ الطَّيْرِ لِلنَّجَاسَةِ ( لِضَعْفِ أَثَرِ الْقِيَاسِ ) الْمَذْكُورِ ( أَيْ مُؤَثِّرُهُ ) أَيْ مُؤَثِّرُ حُكْمِهِ الَّذِي هُوَ نَجَاسَةُ السُّؤْرِ ( وَهُوَ ) أَيْ مُؤَثِّرُهُ ( مُخَالَطَةُ اللُّعَابِ النَّجِسِ ) لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهَا وَهِيَ تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا وَهُوَ رَطْبٌ بِهِ فَيَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْمَاءِ عَادَةً ( لِانْتِفَائِهِ ) أَيْ هَذَا الْمُؤَثِّرِ فِي سُؤْرِ سِبَاعِ الطَّيْرِ ( إذْ تَشْرَبُ ) سِبَاعُ الطَّيْرِ ( بِمِنْقَارِهَا الْعَظْمِ الطَّاهِرِ ) لِأَنَّهُ جَافٌّ وَلَا رُطُوبَةَ فِيهِ وَإِذْ كَانَ طَاهِرًا مِنْ الْمَيِّتِ فَمِنْ الْحَيِّ أَوْلَى ثُمَّ تَأْخُذُ الْمَاءَ بِهِ ثُمَّ تَبْتَلِعُهُ وَلَا يَنْفَصِلُ شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهَا فِي الْمَاءِ ( فَانْتَفَتْ عِلَّةُ النَّجَاسَةِ ) وَهِيَ مُخَالَطَةُ النَّجَاسَةِ لِلْمَاءِ فِي سُؤْرِهَا ( فَكَانَ طَاهِرًا كَسُؤْرِ الْآدَمِيِّ وَأَثَرُهُ ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ ( أَقْوَى ) مِنْ ذَلِكَ الْقِيَاسِ الظَّاهِرِ الْأَثَرِ لِأَنَّ تَأْثِيرَ مُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ لِلطَّاهِرِ فِي تَبْقِيَتِهِ طَاهِرًا أَشَدُّ مِنْ مُجَرَّدِ تَأْثِيرِ نَجَاسَةٍ لِلَّحْمِ فِي نَجَاسَةِ السُّؤْرِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ مَضْبُوطَةً تُغَذَّى بِالطَّاهِرِ فَقَطْ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا كَمَا هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَوْا بِهِ .
وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى الْمَيْتَةُ فَكَانَتْ كَالدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَلِذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ مَا يَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ مِنْهَا سُؤْرُهُ
نَجِسٌ لِأَنَّ مِنْقَارَهُ لَا يَخْلُو مِنْ نَجَاسَةٍ عَادَةً كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تُدَلِّكُ مِنْقَارَهَا بِالْأَرْضِ بَعْدَ الْأَكْلِ وَهُوَ شَيْءٌ صُلْبٌ فَيَزُولُ مَا عَلَيْهِ بِالدَّلْكِ فَيَطْهُرُ وَلِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِالنَّجَاسَةِ عَلَى مِنْقَارِهَا مَعَ الْبَلْوَى بِهَا فَإِنَّهَا تَنْقَضُّ مِنْ الْهَوَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّحَارِي فَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لَا النَّجَاسَةُ كَمَا فِي الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ .
( فَإِنْ قُلْت سَبَقَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( أَنْ لَا تَعْلِيلَ بِالْعَدَمِ وَهَذَا الِاسْتِحْسَانُ قِيَاسُ عِلَلٍ فِيهِ بِهِ ) أَيْ بِالْعَدَمِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيلُ الطَّهَارَةِ بِعَدَمِ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ النَّجِسِ ( قُلْنَا تَقَدَّمَ ) ثَمَّةَ ( اسْتِثْنَاءُ عِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ ) لِحُكْمٍ ( فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِ حُكْمِهَا لَا ) أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ ( تَعْلِيلٌ حَقِيقِيٌّ ) وَهَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ عِلَّةَ نَجَاسَةِ سُؤْرِهَا مُخَالَطَةُ لُعَابِهَا النَّجِسِ لِلْمَاءِ فَيُسْتَدَلُّ بِعَدَمِهَا عَلَى عَدَمِهَا ( وَمَثَّلُوا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَانِيَاهُمَا ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَهُمَا الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ فَسَادُهُ ، الْخَفِيُّ صِحَّتُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ الظَّاهِرُ صِحَّتُهُ ، الْخَفِيُّ فَسَادُهُ ( بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الصَّلَاةِ الْقِيَاسُ ) أَنَّهُ يَجُوزُ ( أَنْ يَرْكَعَ بِهَا ) فِي الصَّلَاةِ نَاوِيهَا بِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَيْرَ رُكُوعِ الصَّلَاةِ أَوْ رُكُوعَهَا إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا ( لِظُهُورِ أَنَّ إيجَابَهَا ) أَيْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ( لِإِظْهَارِ التَّعْظِيمِ ) لِلَّهِ تَعَالَى بِالْخُضُوعِ لَهُ مُوَافَقَةً لِمَنْ عَظَّمَ وَمُخَالَفَةً لِمَنْ اسْتَكْبَرَ ( وَهُوَ ) أَيْ إظْهَارُ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ مَوْجُودٌ ( فِي الرُّكُوعِ ) أَيْضًا ( وَلِذَا ) أَيْ وُجُودِ التَّعْظِيمِ بِالْخُضُوعِ فِي الرُّكُوعِ ( أَطْلَقَ عَلَيْهَا ) أَيْ السَّجْدَةِ ( اسْمَهُ ) أَيْ اسْمَ الرُّكُوعِ فِي قَوْله تَعَالَى
( { وَخَرَّ رَاكِعًا } ) أَيْ سَقَطَ سَاجِدًا لِأَنَّ الْخُرُورَ السُّقُوطُ عَلَى الْوَجْهِ فَجَازَ إسْقَاطُهَا عَنْهُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى سُقُوطِهَا عَنْهُ بِهَا نَفْسِهَا بِجَامِعِ الْخُضُوعِ تَعْظِيمًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعْظِيمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ فَكَانَا فِي حُصُولِ التَّعْظِيمِ بِهِمَا جِنْسًا وَاحِدًا .
نَعَمْ السُّجُودُ بِهَا أَفْضَلُ كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا مُطْلَقًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَائِعِ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ لِلْوَاجِبِ وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْجُدُوا لِلَّهِ } بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ وَأَمَّا بِالرُّكُوعِ فَبِمَعْنَاهُ ( وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ النُّكْتَةُ ( صِحَّتُهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( الْخَفِيَّةُ وَفَسَادُهُ ) أَيْ ضَعْفُهُ ( الظَّاهِرُ لُزُومُ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ ) وَهُوَ السُّجُودُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْجُدُوا لِلَّهِ } ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ الرُّكُوعُ ( وَ ) لُزُومُ ( الْعَمَلِ بِالْمَجَازِ ) وَهُوَ الرُّكُوعُ ( مَعَ إمْكَانِهِ ) أَيْ الْعَمَلِ ( بِالْحَقِيقَةِ ) وَهُوَ السُّجُودُ ( وَالِاسْتِحْسَانُ لَا ) يَجُوزُ أَنْ يَرْكَعَ بِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ ( قِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ لَا يَنُوبُ رُكُوعُهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( عَنْهُ ) أَيْ سُجُودِهَا مَعَ قُرْبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَمُوجِبَاتِ التَّحْرِيمَةِ فَلَأَنْ لَا يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَوْلَى وَعَلَى عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الرُّكُوعُ رُكُوعَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِجِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ خَارِجُهَا غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ لِجِهَةٍ أُخْرَى ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ( صِحَّتُهُ ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسِ ( الظَّاهِرَةِ لِوَجْهِ فَسَادِ ذَلِكَ ) الْقِيَاسِ ( مِنْ تَأَدِّي إلَخْ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِغَيْرِهِ وَالْعَمَلِ بِالْمَجَازِ مَعَ إمْكَانِهِ بِالْحَقِيقَةِ فَإِنَّ وَجْهَ فَسَادِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ هُوَ هَذَا ( وَفَسَادُ الْبَاطِنِ ) أَيْ بَاطِنِ هَذَا الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ ( أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِحْسَانَ ( قِيَاسٌ مَعَ
الْفَارِقِ وَهُوَ ) أَيْ الْفَارِقُ ( أَنَّ فِي الصَّلَاةِ كُلًّا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَطْلُوبٌ بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ ) عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } ( { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا السُّجُودِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( فَمَنْعُ ) كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بِطَلَبٍ يَخُصُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ( تَأَدَّى أَحَدُهُمَا فِي ضِمْنِ الْآخَرِ ) أَيْ بِالْآخَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجَمْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ طُلِبَتْ وَحْدَهَا وَعُقِلَ أَنَّهُ ) أَيْ طَلَبُهَا ( لِذَلِكَ الْإِظْهَارِ ) لِلتَّعْظِيمِ ( وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ ) عَنْ السُّجُودِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاضِعِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ إظْهَارِ التَّعْظِيمِ وَمُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ ( حَاصِلٌ بِمَا اُعْتُبِرَ عِبَادَةً ) وَهُوَ الرُّكُوعُ .
( غَيْرَ أَنَّ الرُّكُوعَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَمْ يُعْرَفْ عِبَادَةً فَتَعَيَّنَ ) أَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ الْمُجَرَّدُ عَنْهَا ( فِيهَا ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ لِحُصُولِ مَعْنَى التَّوَاضُعِ تَعْظِيمًا وَالْعِبَادَةِ فِيهِ ( فَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ ) بِسَبَبِ قُوَّةِ أَثَرِهِ الْبَاطِنِ الْمُتَضَمِّنِ فَسَادَ الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِمَا أَسْلَفْنَا مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِقُوَّةِ الْأَثَرِ الْبَاطِنِ ( وَنُظِرَ فِي أَنَّ ذَلِكَ ) الْقِيَاسَ ( ظَاهِرٌ وَهَذَا ) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ ( خَفِيٌّ وَهُوَ ) أَيْ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى ( ظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ مَنْعَ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ أَقْوَى تَبَادُرًا مِنْ جَوَازِهِ ) أَيْ تَأَدِّي الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا بِغَيْرِهِ ( لِمُشَارَكَتِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَأْمُورِ بِهِ ( فِي مَعْنًى كَالتَّعْظِيمِ أَوْ لِإِطْلَاقِ لَفْظِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ ( كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَخَرَّ رَاكِعًا } أَيْ سَاجِدًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظٍ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ جَوَازُ إيقَاعِ مُسَمَّاهُ ) أَيْ ذَلِكَ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ ( مَكَانَ مُسَمَّى الْآخَرِ ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لَهُ ( شَرْعًا وَإِنْ كَانَ الْمُطْلِقُ الشَّارِعَ ) إذْ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ غَيْرُ طَرِيقِ الْقِيَاسِ إذْ الْأَوَّلُ يَصِحُّ مَعَ عَلَاقَةٍ مَا وَالثَّانِي يَتَوَقَّفُ عَلَى صَلَاحِ الْعِلَّةِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ وَعَدَالَتِهَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ طَرِيقُ الِاسْتِعَارَةِ طَرِيقَ الْقِيَاسِ لَصَحَّ أَنْ يَنُوبَ الرُّكُوعُ عَنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ لِثُبُوتِ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ مُطْلَقِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ فِي النَّصِّ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ لَا الرُّكُوعُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ ( وَلَوْ فُرِضَ قِيَامُ دَلَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ
جَوَازُ قِيَامِ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَقَامَهَا ( لَا يُصَيِّرُهُ ) جَوَازُ قِيَامِهِ فِي الصَّلَاةِ مَقَامَهَا الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ ( أَظْهَرَ ) مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِحْسَانُ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَوُّرِ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ غَيْرُهُ وَوَجْهُ الْقِيَاسِ يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا وَعَلَى أَنَّ الرُّكُوعَ أُطْلِقَ عَلَى السُّجُودِ فِي الْآيَةِ مَجَازًا وَالْإِطْلَاقُ بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ يَعْتَمِدُ الْعَلَاقَةَ الْمُعْتَبَرَةَ وَعَلَى أَنَّ تِلْكَ هِيَ الْخُضُوعُ وَعَلَى أَنَّهَا تَصْلُحُ مَنَاطًا لِلْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْمَنَاطَ ثَابِتٌ فِي الرُّكُوعِ فَيَصْلُحُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ السُّجُودِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا كَانَ تَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَقَلَّ يَكُونُ أَجْلَى عِنْدَ الْعَقْلِ مِمَّا يَكُونُ تَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ أَكْثَرَ .
وَلِهَذَا قِيلَ الْعَامُّ أَجْلَى عِنْدَ الْعَقْلِ مِنْ الْخَاصِّ فَلَا جَرَمَ أَنَّ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي هَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا التَّكَلُّفَاتِ صَفْحًا وَيُقَالُ ظَاهِرُ النَّصِّ وَإِنْ وَرَدَ بِالسُّجُودِ إلَّا أَنَّ مَوَاضِعَ السَّجْدَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِإِظْهَارِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ جَرَيَانِ التَّدَاخُلِ فِيهِ وَالرُّكُوعُ فِيهِ صَالِحٌ لِلتَّوَاضُعِ فَيُعْطِي مَعْنَاهُ كَأَدَاءِ الْقِيمَةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ وَالنَّجْمِ أَوْ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك فِي صَلَاةٍ وَبَلَغَ آخِرَهَا كَبَّرَ وَرَكَعَ وَإِنْ قَرَأَهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سَجَدَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ السَّجْدَةِ تَكُونُ آخِرَ السُّورَةِ أَيَسْجُدُ لَهَا أَمْ يَرْكَعُ قَالَ إنْ شِئْت فَارْكَعْ وَإِنْ شِئْت فَاسْجُدْ ثُمَّ اقْرَأْ بَعْدَهَا سُورَةً رَوَاهُ سَعِيدٌ وَحَرْبٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمَا خِلَافُهُ بَلْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ
عَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالْأَسْوَدِ وَطَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ تَبَادُرُ عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ أَظْهَرَ مِنْ تَبَادُرِ تَأَدِّيهَا بِهِ ( وَجَبَ كَوْنُ الْحُكْمِ الْوَاقِعِ مِنْ تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ حُكْمَ الِاسْتِحْسَانِ ) لِأَنَّهُ أَخْفَى مِنْ عَدَمِ تَأَدِّيهَا بِهِ ( لَا كَوْنُهُ ) أَيْ تَأَدِّيهَا بِهِ ( مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَحَيْثُ كَانَ فِي تَأَدِّيهَا بِالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ أَدَاؤُهَا بِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالْأَثَرِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِهِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ غَيْرَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ وَقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ أَوْ لَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يَكُنْ لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَلَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَظَهَرَ ) مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ( أَنْ لَا اسْتِحْسَانَ ) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعٌ أَوْ أَثَرٌ أَوْ ضَرُورَةٌ ( إلَّا مُعَارِضًا لِقِيَاسٍ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا ) ثَبَتَ ( بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَهُوَ ) أَيْ غَيْرُ الْقِيَاسِ ( اسْتِحْسَانٌ أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَيْسَ بِاسْتِحْسَانٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِغَيْرِ الْقِيَاسِ ( مَعْدُولٌ ) عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا عَنْهُ ( كَإِيجَابِ يَمِينِ الْبَائِعِ فِي اخْتِلَافِهِمَا ) أَيْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ( فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ ) وَقِيَامِهِ فَإِنَّهُ حُكْمُ هَذَا الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا ( بِإِطْلَاقِ النَّصِّ ) النَّبَوِيِّ الْقَائِلِ { إذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ
يَتَرَادَّانِ } كَمَا تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ مُخَرَّجًا فِي مَسْأَلَةِ إذَا انْفَرَدَ الثِّقَةُ بِزِيَادَةٍ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ ( لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي عَلَيْهِ ) أَيْ الْبَائِعِ ( مَبِيعًا لِتَسَلُّمِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( إيَّاهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ يُقِرُّ بِذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي مُدَّعِيًا لَمْ يَتَوَجَّهْ الْيَمِينُ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ وَأَوْرَدَ صُورَةَ الدَّعْوَى حَاصِلَةً مِنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً وَقَدْ اكْتَفَى بِهَا فِي قَبُولِ بَيِّنَةِ الْمُشْتَرِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِهَا فِي تَوَجُّهِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَائِعِ وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الْمَانِعِ مِنْ الْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقِفٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِصُورَةِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُمْ لَا وُقُوفَ لَهُمْ عَلَى حَقِيقَةِ الدَّعْوَى فَاكْتَفَى بِصُورَتِهَا وَإِنَّمَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَدَّعِيهَا الْبَائِعُ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَا يُحْمَلُ النَّصُّ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا قَبْلَ الْقَبْضِ بِدَلِيلِ النَّصِّ الْآخَرِ وَهُوَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ؟ ، فَالْجَوَابُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ التَّرَادِّ رَدَّ الْمَأْخُوذِ حِسًّا فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ رَدَّ الْعَقْدِ وَفَسْخَهُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ لَلَغَا قَوْلُهُ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ إذْ هَلَاكُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ لَكِنَّ الْفَرْضَ تَصَوَّرَهُ فَجَرَيَانُهُ الْمُوجِبُ لِلتَّحَالُفِ يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمَبِيعِ فَيَكُونُ التَّقْيِيدُ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ لَغْوًا فَيَقْتَصِرُ ثُبُوتُ التَّحَالُفِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى هَذَا الْمَوْرِدِ ( فَلَا يَتَعَدَّى إلَى
الْإِجَارَةِ ) أَيْ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي مِقْدَارِ الْأُجْرَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ ( وَ ) إلَى ( الْوَارِثَيْنِ ) بِلَفْظِ الْمُثَنَّى أَيْ وَارِثِ الْبَائِعِ وَوَارِثِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ اخْتَلَفَ وَارِثُ الْبَائِعِ مَعَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَعَ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثَاهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بَلْ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي أَوْ وَارِثِهِ ( خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) فَإِنَّهُ قَالَ يَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَ الْوَارِثِينَ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ مُحَمَّدٍ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ ( إذْ كُلٌّ ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( يَدَّعِي ) عَلَى صَاحِبِهِ ( عَقْدًا غَيْرَ ) الْعَقْدِ ( الْآخَرِ ) الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَيُنْكِرُ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ إذْ الْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُهُ بِأَلْفَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى الْوَارِثِينَ ( دُفِعَ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الثَّمَنِ لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ ( كَمَا فِي زِيَادَتِهِ وَحَطِّهِ ) أَيْ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَالْحَطِّ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَيْعَ بِأَلْفٍ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفَيْنِ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ بِأَلْفَيْنِ يَصِيرُ بِعَيْنِهِ بِأَلْفٍ بِالْحَطِّ مِنْهُمَا وَوَافَقَهُمَا مُحَمَّدٌ عَلَى عَدَمِ التَّعْدِيَةِ إلَى الْإِجَارَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّرَادِّ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَسْخِ لِتَلَاشِي الْمَنَافِعِ وَعَدَمِ تَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَلَوْ تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْعَقْدُ تَبَيَّنَ أَنْ لَا عَقْدَ فَيَرْجِعُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ .
وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يُقَيِّدْ خِلَافَهُ بِالْوَارِثَيْنِ لِإِرْشَادِ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ كَوْنِهِ قَيْدًا لِمَا يَلِيهِ خَاصَّةً ( بِخِلَافِ مَا ) ثَبَتَ ( بِهِ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ إنْ كَانَ عَلَى وَفْقِهِ اسْتِحْسَانًا كَانَ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يُعَدَّى بِشَرْطِهِ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ وَلَزِمَ أَنْ لَا يُعَدَّى مَا بِغَيْرِ قِيَاسٍ
( وَهُوَ ) أَيْ مَا ثَبَتَ بِهِ ( مَا ) أَيْ تَحَالُفُهُمَا الَّذِي ( قَبْلَ الْقَبْضِ ) لِلْمَبِيعِ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ فَإِنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وُجُوبَ زِيَادَةِ الثَّمَنِ فَيَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْمُنْكِرِ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقَطْ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي شَيْئًا عَلَى الْبَائِعِ لِيَكُونَ الْبَائِعُ أَيْضًا مُنْكِرًا وَإِذَا كَانَ تَحَالُفُهُمَا عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ ( فَتَعَدَّى ) التَّحَالُفُ ( إلَيْهِمَا ) أَيْ إلَى الْوَارِثِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الْمَاضِيَةِ إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي حُقُوقِ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ مَعْقُولٌ فَوَارِثُ الْبَائِعِ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ وَوَارِثُ الْمُشْتَرِي يُطَالِبُ الْبَائِعَ أَوْ وَارِثَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا ( وَإِلَى الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْعَمَلِ كَتَحَالُفِ الْقَصَّارِ وَرَبَّيْ الثَّوْبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصْلُحُ مُدَّعِيًا وَمُنْكِرًا ( وَفُسِخَتْ ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ قَبْلَ إقَامَةِ الْعَمَلِ وَفِي التَّحَالُفِ ثَمَّ الْفَسْخُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَالتَّحَالُفُ مَشْرُوعٌ لِذَلِكَ فَيَجْرِي بَيْنَهُمَا ( وَاسْتُشْكِلَ اخْتِصَاصُ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَفَسَادِ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ بِالِاسْتِحْسَانِ وَقَلْبُهُمَا ) أَيْ وَاخْتِصَاصُ ضَعْفُ الْأَثَرِ وَصِحَّةِ الظَّاهِرِ مَعَ فَسَادِ الْبَاطِنِ ( بِالْقِيَاسِ ) وَالْمُسْتَشْكِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ ( فَأَجْرَى تَقْسِيمَ ) أَيْ فَذَكَرَ أَنَّ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ
يَنْقَسِمُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ ( بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ ) أَيْ قُوَّةِ الْأَثَرِ وَضَعْفِهِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُمَا ( إمَّا قَوِيَّاهُ أَوْ ضَعِيفَاهُ أَوْ الْقِيَاسُ قَوِيُّهُ وَالِاسْتِحْسَانُ ضَعِيفُهُ أَوْ بِالْقَلْبِ ) أَيْ الْقِيَاسُ ضَعِيفُهُ وَالِاسْتِحْسَانُ قَوِيُّهُ ( وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ الِاسْتِحْسَانُ ) فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْقَلْبِ .
( وَ ) يَتَرَجَّحُ ( الْقِيَاسُ فِيمَا سِوَى ) الْقِسْمِ ( الثَّانِي ) وَهُوَ ضَعِيفَاهُ ( لِلظُّهُورِ ) كَمَا فِي الْأَوَّلِ ( وَالْقُوَّةِ ) كَمَا فِي الثَّالِثِ ( أَمَّا فِيهِ ) أَيْ الثَّانِي ( فَيَحْتَمِلُ سُقُوطَهُمَا ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لِضَعْفِهِمَا كَمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْقِيَاسِ لِظُهُورِهِ ( وَضُعِّفَ ) وَفِي التَّلْوِيحِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ ( بِقَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ) وَلَمَّا صَارَتْ الْعِلَّةُ عِنْدَنَا عِلَّةً بِأَثَرِ هَذَا ( فَسَمَّيْنَا مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا ) أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ قِيَاسًا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ وَمَا قَوِيَ أَثَرُهُ اسْتِحْسَانًا ظَهَرَ أَوْ خَفِيَ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ نَوْعًا وَاحِدًا ضَعِيفَ الْأَثَرِ فِي الْأَوَّلِ قَوِيَّهُ فِي الثَّانِي وَدُفِعَ بِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَسَّمَ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ بِقَوْلِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ فَمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا ظَهَرَ فَسَادُهُ وَاسْتَتَرَتْ صِحَّتُهُ وَأَحَدُ نَوْعَيْ الِاسْتِحْسَانِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا وَالثَّانِي مَا ظَهَرَ أَثَرُهُ وَخَفِيَ فَسَادُهُ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَحَدَ نَوْعَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِ النَّوْعِ الْآخَرِ فَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ مَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَمِنْ الِاسْتِحْسَانِ مَا ضَعُفَ أَثَرُهُ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ وَظَهَرَ مِنْهُ أَنْ لَيْسَ تَسْمِيَتُهُ بِالْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ بِاعْتِبَارِ ضَعْفِ الْأَثَرِ وَقُوَّتِهِ بَلْ
بِاعْتِبَارِ خَفَائِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ جَلِيًّا حَيْثُ اُعْتُبِرَ الْخَفَاءُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَالْجَلَاءُ فِي الْقِيَاسِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْكَلَامُ فِي الِاصْطِلَاحِ وَهُوَ ) أَيْ الِاصْطِلَاحُ ( عَلَى اعْتِبَارِ الْخُلَفَاءِ فِيهِ وَفِي أَثَرِهِ وَفَسَادِهِ ) وَالضَّمَائِرُ الْمَجْرُورَةُ لِلِاسْتِحْسَانِ .
وَقَدْ ظَهَرَ انْتِفَاءُ مَا فِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ مِنْ أَنْ لَا شَيْءَ مِنْ نَوْعَيْ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِمَا قَوِيَ أَثَرُهُ وَلَا مِنْ نَوْعَيْ الِاسْتِحْسَانِ بِمَا ضَعُفَ أَثَرُهُ ( وَبِالثَّانِي ) أَيْ وَأَجْرَى التَّقْسِيمَ لَهُمَا بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَهُوَ فَسَادُ الْبَاطِنِ مَعَ صِحَّةِ الظَّاهِرِ وَقَلْبِهِ أَيْ يَنْقَسِمَانِ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ إلَى أَقْسَامٍ تَظْهَرُ ثَمَرَتُهَا فِي تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّهُمَا ( إمَّا صَحِيحَا الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَوْ فَاسِدَاهُمَا أَوْ الْقِيَاسُ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ وَالِاسْتِحْسَانُ قَلْبُهُ ) أَيْ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ ( أَوْ قَلْبُهُ ) أَيْ أَوْ الْقِيَاسُ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ وَالِاسْتِحْسَانُ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ ( فَصُوَرُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ( سِتَّةَ عَشَرَ ) صُورَةً قِيَاسٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانِ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ قِيَاسٌ فَاسِدُهُمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ قِيَاسٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الْبَاطِنِ لَا الظَّاهِرِ مَعَ اسْتِحْسَانِ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ
الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ صَحِيحِهِمَا مَعَ فَاسِدِهِمَا حَاصِلَةٌ ( مِنْ أَرْبَعَةٍ فِي أَرْبَعَةٍ ) أَيْ مِنْ ضَرْبِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلْقِيَاسِ فِي الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ لِلِاسْتِحْسَانِ ( فَصَحِيحُهُمَا ) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ( مِنْ الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ لِظُهُورِهِ أَوْ صِحَّتِهِ عَلَى أَقْسَامِ الِاسْتِحْسَانِ وَلَا شَكَّ فِي رَدِّ فَاسِدِهِمَا ) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْقِيَاسِ لِفَسَادِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ( فَتَسْقُطُ أَرْبَعَةٌ ) أَيْ قِيَاسٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِهِمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ كَمَا سَقَطَتْ أَرْبَعَةٌ عَلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهِيَ قِيَاسٌ صَحِيحُهُمَا مَعَ اسْتِحْسَانٍ كَذَلِكَ مَعَ اسْتِحْسَانٍ صَحِيحِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِ الظَّاهِرِ لَا الْبَاطِنِ مَعَ اسْتِحْسَانٍ فَاسِدِهِمَا .
( تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ ) حَاصِلَةٌ ( مِنْ ) ضَرْبِ ( بَاقِي حَالَاتِ الْقِيَاسِ ) وَهُمَا كَوْنُهُ فَاسِدًا لِظَاهِرٍ صَحِيحِ الْبَاطِنِ وَقَلْبِهِ ( مَعَ أَرْبَعَةِ الِاسْتِحْسَانِ ) أَيْ فِيهِمَا ( يُقَدَّمُ صَحِيحُهُمَا ) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ( مِنْهُ ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى بَاقِي حَالَاتِ الْقِيَاسِ لِصِحَّتِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ( وَيُرَدُّ فَاسِدُهُمَا ) أَيْ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لِفَسَادِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَسَقَطَتْ أَرْبَعَةٌ ( تَبْقَى أَرْبَعَةٌ ) حَاصِلَةٌ ( مِنْ ) ضَرْبِ ( بَاقِي كُلٍّ ) مِنْ حَالَاتِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْآخَرَيْنِ أَحَدُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ بِالْقَلْبِ ثَانِيهَا اسْتِحْسَانٌ فَاسِدُ الظَّاهِرِ صَحِيحُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ بِالْقَلْبِ ثَالِثُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الظَّاهِرِ فَاسِدُ الْبَاطِنِ مَعَ قِيَاسٍ كَذَلِكَ رَابِعُهَا اسْتِحْسَانٌ صَحِيحُ الْبَاطِنِ فَاسِدُ الظَّاهِرِ مَعَ قِيَاسٍ كَذَلِكَ ( فَالِاسْتِحْسَانُ الصَّحِيحُ الْبَاطِنِ الْفَاسِدُ الظَّاهِرِ
مَعَ عَكْسِهِ ) أَيْ فَاسِدِ الْبَاطِنِ صَحِيحِ الظَّاهِرِ ( مِنْ الْقِيَاسِ مُقَدَّمٌ ) عَلَى عَكْسِهِ مِنْ الْقِيَاسِ ( وَفِي قَلْبِهِ ) أَيْ الِاسْتِحْسَانِ الْفَاسِدِ الْبَاطِنِ الصَّحِيحِ الظَّاهِرِ مَعَ الْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ ( الْقِيَاسُ ) مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ( كَمَا ) الْقِيَاسُ مُقَدَّمٌ ( مَعَ الِاسْتِحْسَانِ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ إلَخْ ) أَيْ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ ( مَعَ مِثْلِهِ ) أَيْ الصَّحِيحِ الْبَاطِنِ الْفَاسِدِ الظَّاهِرِ ( مِنْ الْقِيَاسِ لِلظُّهُورِ ) فِي الْقِيَاسِ ( وَيَرِدُ قَلْبُهُمَا ) أَيْ صَحِيحِ الظَّاهِرِ فَاسِدِ الْبَاطِنِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ لَا أَنَّ الْقِيَاسَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ فِي هَذَا كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ .
( قِيلَ ) أَيْ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( وَالظَّاهِرُ امْتِنَاعُ التَّعَارُضِ فِي هَذَيْنِ ) أَيْ صَحِيحِ الْبَاطِنِ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ صِحَّتُهُمَا الْبَاطِنَةُ مَعَ الِاتِّفَاقِ فِي صِحَّةِ الظَّاهِرِ أَوْ دُونَهُ ( وَفِي قَوِيِّ الْأَثَرِ ) مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ( لِلُزُومِ التَّنَاقُضِ فِي الشَّرْعِ ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّعَارُضِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ وَصْفًا مِنْ الْأَوْصَافِ عِلَّةً لِحُكْمٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ مُطْلَقًا أَوْ بِلَا مَانِعٍ يُوجَدُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لَكِنَّهُ قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي فَرْعٍ فَوُجِدَ الْحُكْمُ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْعُ أَيْضًا وَصْفًا آخَرَ عِلَّةً لِنَقِيضِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ثُمَّ يُوجَدُ هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حُكْمُهُ بِالتَّنَاقُضِ وَهُوَ مُحَالٌ عَلَى الشَّارِعِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ التَّعَارُضُ لِجَهْلِنَا بِالصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ ( وَبِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَنْتَفِي التَّرْجِيحُ بِالظُّهُورِ أَيْ التَّبَادُرِ إذْ لَا أَثَرَ لَهُ ) أَيْ لِلظُّهُورِ ( مَعَ اتِّحَادِ جِهَةِ الْإِيجَابِ ) لِلْحُكْمِ ( بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ )
لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الْكَائِنَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ( إنْ جَازَ تَعَارُضُهُمَا بِمَا تَتَرَجَّحُ بِهِ الْأَقْيِسَةُ الْمُتَعَارِضَةُ غَيْرَ أَنَّا لَا نُسَمِّي أَحَدَهُمَا اسْتِحْسَانًا اصْطِلَاحًا ) .
وَحَيْثُ انْجَرَّ الْكَلَامُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي تَعَارُضِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَلْنُتِمَّهُ بِذِكْرِ التَّرْجِيحَاتِ بَيْنَ الْأَقْيِسَةِ عِنْدَ تَعَارُضِهَا فَنَقُولُ ( وَهَذِهِ تَتِمَّةٌ فِيهِ ) أَيْ فِيمَا تُرَجَّحُ بِهِ الْأَقْيِسَةُ الْمُتَعَارِضَةُ ( يُقَدَّمُ ) الْقِيَاسُ الَّذِي هُوَ ( مَنْصُوصُ الْعِلَّةِ ) أَيْ مَا كَانَتْ عِلَّتُهُ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ ( صَرِيحًا عَلَى مَا ) أَيْ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتَةِ عِلَّتُهُ ( بِإِيمَاءٍ ) مِنْ النَّصِّ لِأَنَّهُ دُونَ الصَّرِيحِ ثُمَّ فِي الْإِيمَاءِ يُرَجَّحُ مَا يُفِيدُ ظَنًّا أَغْلَبَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَطْعِ عَلَى غَيْرِهِ ( وَمَا بِقَطْعِيٍّ عَلَى مَا بِظَنِّيٍّ وَمَا غَلَبَ ظَنُّهُ ) أَيْ وَالْقِيَاسُ الثَّابِتُ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ أَوْ غَالِبِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْقَاطِعَ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْعِلِّيَّةِ بِخِلَافِهِمَا وَمَا غَلَبَ ظَنُّهُ عَلَى مَا لَمْ يَغْلِبْ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقَطْعِ مِنْهُ ( وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ ) الْعِلَّةِ ( ذَاتِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ) أَيْ الثَّابِتَةِ بِهِ ( عَلَى ) الْعِلَّةِ ( الْمَنْصُوصَةِ ) بِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَطْعِيًّا كَمَا نَقَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ تَقْدِيمَ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالنَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ حُكْمُ أَصْلِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاصِلِ وَالْبَيْضَاوِيُّ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ قَابِلَةٌ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ هَذَا بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ فَرْعٌ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ نَعَمْ إنْ كَانَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَنْصُوصَةِ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ عَلَى الْمَنْصُوصَةِ بِقَطْعِيٍّ غَيْرِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِجْمَاعِ التَّخْصِيصَ وَالتَّأْوِيلَ فَلَا يَتِمُّ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَنْصُوصَةُ ثَابِتَةً
بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ مُفَسَّرٍ أَوْ مُحْكَمٍ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُمَا لَا يَحْتَمِلَانِهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ مَا قِيلَ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِجْمَاعِ النَّسْخَ فَلَا يَتِمُّ فِي الْمَنْصُوصَةِ بِنَصٍّ قَطْعِيٍّ مُحْكَمٍ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضِعِهِ .
وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَتَقْدِيمِ الثَّابِتِ عِلَّتُهُ بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ عَلَى النَّصِّ الْقَطْعِيِّ ( وَمَا بِالْإِيمَاءِ عَلَى مَا بِالْمُنَاسَبَةِ ) أَيْ وَتَقْدِيمُ الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِإِيمَاءِ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ عِلَّتِهِ بِالْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِمَا فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلِأَنَّ الشَّارِعَ أَوْلَى بِتَعْلِيلِ الْأَحْكَامِ وَمَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُنَاسَبَةِ عَلَى الْإِيمَاءِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي وَصْفًا مُنَاسِبًا وَالْإِيمَاءُ لَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُنَاسِبًا أَوْ لَا وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ حَيْثُ تَوَافَقَا فِي الثُّبُوتِ بِالْمُنَاسَبَةِ ( فَمَا ) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي ( عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ ) أَيْ الْحُكْمُ ( أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ عَلَى مَا ) أَيْ الْوَصْفُ الَّذِي ( عُرِفَ بِهِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ( تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي نَوْعِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ كُلَّمَا كَانَتْ أَخَصَّ كَانَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ أَقْوَى وَالْأَقْوَى مُقَدَّمٌ عَلَى مَا دُونَهُ .
( وَهَذَا ) الْوَصْفُ الَّذِي عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ جِنْسِهِ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ ( أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ ) وَهُوَ الْوَصْفُ الَّذِي عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ تَأْثِيرُ نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ شَأْنِ الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ أَهَمُّ وَأَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ شَأْنِ الْعِلَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي أُصُولِ ابْنِ
الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ مِنْ اللَّذَيْنِ الْمُشَارَكَةُ فِيهِمَا فِي عَيْنٍ وَاحِدٍ وَجِنْسُ الْآخَرِ مَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِي عَيْنِ الْعِلَّةِ عَلَى مَا الْمُشَارَكَةُ فِيهِ فِي عَيْنِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي التَّعْدِيَةِ لِأَنَّ تَعْدِيَةَ الْحُكْمِ فَرْعُ تَعْدِيَتِهَا فَكُلَّمَا كَانَ التَّشَابُهُ فِي عَيْنِهَا أَكْثَرَ كَانَ أَقْوَى ( وَكُلٌّ مِنْهُمَا ) أَيْ هَذَيْنِ ( أَوْلَى مِنْ الْجِنْسِ فِي الْجِنْسِ ) أَيْ مِمَّا عُرِفَ بِطَرِيقَةِ تَأْثِيرِ جِنْسِ الْوَصْفِ فِيهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا ( ثُمَّ الْجِنْسُ الْقَرِيبُ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ ) أَوْلَى ( مِنْ ) الْجِنْسِ ( غَيْرِ الْقَرِيبِ ) فِي غَيْرِ الْقَرِيبِ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ( وَتَقَدَّمَ ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ ( أَنَّ الْمُرَكَّبَ أَوْلَى مِنْ الْبَسِيطِ ) وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ وَجْهَهُ وَمَا عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ التَّعَقُّبِ ( وَأَقْسَامِ الْمُرَكَّبَاتِ ) يُقَدَّمُ فِيهَا ( مَا تَرْكِيبُهُ أَكْثَرُ ) عَلَى مَا تَرْكِيبُهُ أَقَلُّ ( وَمَا تَرَكَّبَ مِنْ رَاجِحَيْنِ أَوْلَى مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبِ ( مِنْ مُسَاوٍ وَمَرْجُوحٍ ) فَضْلًا عَنْ الْمُرَكَّبِ مِنْ مَرْجُوحَيْنِ ( فَيُقَدَّمُ مَا ) أَيْ الْمُرَكَّبُ ( مِنْ تَأْثِيرِ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ الْقَرِيبِ ) فِي الْعَيْنِ ( عَلَى مَا ) أَيْ الْمُرَكَّبِ ( مِنْ ) تَأْثِيرِ ( الْعَيْنِ فِي الْجِنْسِ الْقَرِيبِ وَالْجِنْسِ فِي الْعَيْنِ وَيَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا سَبَقَ ) مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ وَغَيْرِهَا ( أَقْسَامٌ ) أُخَرُ كَالْمُرَكَّبَيْنِ الْمُشْتَمِلِ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى رَاجِحٍ وَمَرْجُوحٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ فِيهِ مَا يَكُونُ الرَّاجِحُ فِي جَانِبِ الْحُكْمِ عَلَى مَا يَكُونُ فِي جَانِبِ الْعِلَّةِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ .
وَيُعَارِضُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا مِنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَيُقَدِّمُ مَا يَقْطَعُ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي فَرْعِهِ عَلَى مَا يَظُنُّ وُجُودَهَا فِيهِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الْقَادِحِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ
بِالتَّتَبُّعِ وَالتَّأَمُّلِ ( وَلِلشَّافِعِيَّةِ تَرَجُّحُ الْمَظِنَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْحِكْمَةِ عَلَى التَّعْلِيلِ بِنَفْسِ الْحِكْمَةِ قَالُوا لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْمَظِنَّةِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ بِالْحِكْمَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَيَنْبَغِي ) أَنْ يَكُونَ هَذَا ( عِنْدَ عَدَمِ انْضِبَاطِهَا ) أَيْ الْحِكْمَةِ .
قُلْت حَكَى الْآمِدِيُّ فِي جَوَازِ التَّعْلِيلِ بِالْحِكْمَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَعَارُضَ لِيَحْتَاجَ إلَى التَّرْجِيحِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقِيَاسُ الْمُعَلَّلُ بِالْمَظِنَّةِ وَالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ تَرَجُّحُ الْمَظِنَّةِ عَلَى الْحِكْمَةِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْبَيْضَاوِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَوْ بِمَا أَلْحَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَازُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً مُنْضَبِطَةً بِنَفْسِهَا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْآمِدِيِّ وَهَذَا يَحْتَمِلُ جَرَيَانَ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا وَالتَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْعَدَمِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَدَمِ لَا يَدْعُو إلَى شَرْعِ الْحُكْمِ إلَّا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِاشْتِمَالِ الْعَدَمِ عَلَى نَوْعِ مَصْلَحَةٍ فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْلَى وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى تَرْجِيحَ الْحِكْمَةِ عَلَى الْوَصْفِ الْحَقِيقِيِّ لَكِنْ عَارَضَهُ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ أَضْبَطَ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالتَّعْلِيلُ بِالْحِكْمَةِ رَاجِحٌ عَلَيْهِ بِالْأَوْصَافِ الْإِضَافِيَّةِ وَالتَّقْدِيرِيَّة لِأَنَّهَا عَدَمِيَّةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( ثُمَّ الْوَصْفُ الْوُجُودِيُّ ) أَيْ التَّعْلِيلُ بِهِ لِلْحُكْمِ الْوُجُودِيِّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِيِّ لِلْعَدَمِيِّ أَوْ لِلْوُجُودِيِّ وَبِالْوُجُودِيِّ لِلْعَدَمِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ
وَالْمَعْلُولِيَّة وَصْفَانِ ثُبُوتِيَّانِ فَحَمْلُهُمَا عَلَى الْمَعْدُومِ لَا يُمْكِنُ إلَّا إذَا قُدِّرَ الْمَعْدُومُ مَوْجُودًا وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّهُمَا عَدَمِيَّانِ كَمَا صَرَّحَ هُوَ بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لِكَوْنِهِمَا مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ ثُمَّ يَلِي هَذَا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ تَعْلِيلُ الْعَدَمِيِّ بِالْعَدَمِيِّ لِلْمُشَابَهَةِ وَتَوَقَّفَ هُوَ وَصَاحِبُ التَّحْصِيلِ فِي التَّرْجِيحِ بَيْنَ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ وَعَكْسِهِ .
وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ بِأَنَّ تَعْلِيلَ الْعَدَمِيِّ بِالْوُجُودِيِّ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ هَذَا وَهَلْ يَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِيِّ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَفِي الْمَحْصُولِ وَالْحَاصِلِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ التَّرْجِيحُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْوُجُودِيَّ وَأَنْ يُقَالَ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ الْعَدَمَ أَشْبَهُ بِالْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ اتِّصَافَ الشَّيْءِ بِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْعٍ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَرَجَّحَ صَاحِبُ التَّحْصِيلِ وَالْبَيْضَاوِيُّ الْعَدَمِيَّ وَيَلْزَمُهُ كَوْنُ التَّقْدِيرِيِّ أَوْلَى مِنْ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ التَّقْدِيرِيَّ عَدَمِيٌّ لَكِنْ جَزَمَ فِي الْمَحْصُولِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالشَّرْعِيِّ تَعْلِيلٌ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى وَفْقِ الْأُصُولِ فَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْعَدَمِيِّ أَيْضًا وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ مَشَى عَلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ ( وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ ) أَيْ يَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِهِ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ بَلْ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْوُجُودِيَّ وَالْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ سَوَاءٌ ( وَالْبَسِيطُ ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الْبَسِيطِ عَلَيْهِ بِالْوَصْفِ الْمُرَكَّبِ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ فِيهِ أَقَلُّ فَيَبْعُدُ عَنْ الْخَطَأِ بِخِلَافِ الْمُرَكَّبِ وَقِيلَ الْكَثِيرُ الْأَوْصَافِ أَوْلَى ( وَالْحَنَفِيَّةُ ) عَلَى أَنَّ الْبَسِيطَ ( كَالْمُرَكَّبِ ) وَهُوَ مُقْتَضَى بُرْهَانِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ
وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمُرَكَّبَ أَوْلَى مِنْ الْبَسِيطِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ ثَمَّةَ الْوَصْفُ الْمُتَعَدِّدُ جِهَاتُ اعْتِبَارِهِ مِنْ كَوْنِهِ بَعُدَ أَنَّهُ ثَبَتَ اعْتِبَارُ عَيْنِهِ فِي عَيْنِهِ فِي الْمَحَلِّ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِهِ فِي جِنْسِهِ إلَخْ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ بَسِيطًا كَالْإِسْكَارِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذُو جُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( وَلَيْسَ الْبَسِيطُ مُقَابِلًا لِذَلِكَ الْمُرَكَّبِ وَمَا بِالْمُنَاسَبَةِ ) أَيْ وَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ ( أَيْ الْإِخَالَةِ عَلَى مَا بِالشَّبَهِ وَالدَّوَرَانِ ) أَيْ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِأَحَدِ هَذَيْنِ لِأَنَّ الظَّنَّ الْحَاصِلَ بِالْمُنَاسَبَةِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْحَاصِلِ بِهِمَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى زِيَادَةِ الْمَصْلَحَةِ ثُمَّ مَا بِالشَّبَهِ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ يُقَدَّمُ مَا بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا بِالْمُنَاسَبَةِ وَالشَّبَهِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ اطِّرَادَ الْعِلَّةِ وَانْعِكَاسَهَا بِخِلَافِهِمَا ( وَمَا بِالسَّبْرِ ) أَيْ وَيُرَجَّحُ التَّعْلِيلُ بِالْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِالسَّبْرِ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى التَّعْلِيلِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالشَّبَهِ وَالتَّعْلِيلِ الثَّابِتِ عِلِّيَّةُ وَصْفِهِ بِالدَّوَرَانِ كَمَا اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ( وَعَلَّلَ ) وَتَرْجِيحُ مَا بِالسَّبْرِ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ ( بِمَا فِيهِ ) أَيْ السَّبْرِ ( مِنْ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ الْمُعَارِضِ ) بِالْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْمُعَارِضِ .
وَالْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ مُقْتَضِيهِ فِي الْأَصْلِ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِفَاءِ مُعَارِضِ مُقْتَضِيهِ فِيهِ أَيْضًا فَمَا دَلَّ عَلَيْهِمَا أَوْلَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( فَقَدْ يُقَالُ فَكَذَا الدَّوَرَانُ ) يَتَرَجَّحُ الْوَصْفُ
الثَّابِتُ عِلِّيَّتُهُ بِهِ عَلَى الْوَصْفِ الثَّابِتِ عِلِّيَّتُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الطُّرُقِ ( لِزِيَادَةِ إثْبَاتِ الِانْعِكَاسِ ) أَيْ لِأَنَّ الْعِلِّيَّةَ الْمُسْتَفَادَةَ مِنْهُ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ تَقْدِيمُ الدَّوَرَانِ لِإِثْبَاتِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ( تَقْدِيمُ مَا بِالسَّبْرِ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ ) لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا فِيهِ ( لِانْعِكَاسِ عِلَّتِهِ ) أَيْ الْعِلَّةِ الثَّابِتَةِ بِهِ ( لِلْحَصْرِ ) أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَصْرُ الْأَوْصَافِ الصَّالِحَةِ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرًا فِي عَدَدٍ ثُمَّ إلْغَاءُ بَعْضِهَا بِطَرِيقِهِ فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعِلِّيَّةِ ( وَيَزِيدُ ) السَّبْرُ عَلَى الدَّوَرَانِ ( بِنَفْيِ الْمُعَارِضِ فَيَبْطُلُ مَا قِيلَ ) أَيْ مَا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ ( مِنْ عَكْسِهِ ) أَيْ تَقْدِيمِ مَا بِالدَّوَرَانِ عَلَى مَا بِالسَّبْرِ قُلْت وَلَمْ يَظْهَرْ فِي السَّبْرِ تَعَرُّضٌ لِثُبُوتِ الِانْعِكَاسِ أَلْبَتَّةَ فَإِنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُجَرَّدَ الْحَصْرِ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا الْإِلْغَاءُ أَيْضًا عِنْدَ التَّحْقِيقِ بَلْ إنَّمَا يُشْبِهُ بَعْضَ طُرُقِ الْإِلْغَاءِ الْعَكْسِ وَلَيْسَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ نَعَمْ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ السَّبْرِ عَلَى الدَّوَرَانِ بِمَا تَقَدَّمَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ إلَّا بِنَفْيِ الْمُعَارِضِ وَالِاخْتِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الِانْعِكَاسِ فِي الْعِلَّةِ ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِ وَهَذَا إذَا كَانَ السَّبْرُ مَظْنُونًا .
فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِهِ فَالْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيِّنٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّرْجِيحِ .
( وَلَا يُتَصَوَّرُ ) هَذَا التَّرْجِيحُ ( لِلْحَنَفِيَّةِ ) لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ هَذِهِ طُرُقًا صَحِيحَةً لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ ؛ وَالتَّرْجِيحُ فَرْعُ كَوْنِهَا كَذَلِكَ بَلْ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ مَنْ قَبِلَ السَّبْرَ مِنْهُمْ يَتَعَيَّنُ عِنْدَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَيَسْقُطُ مَا عَدَاهُ فَلَمْ يُوجَدْ أَيْضًا رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا وُجُودُ التَّرْجِيحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (
وَالضَّرُورِيَّةُ عَلَى الْحَاجِيَّةِ وَالدِّينِيَّةُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهَا ) أَيْ وَإِذَا تَعَارَضَتْ أَقْسَامٌ مِنْ الْمُنَاسِبِ رَجَحَتْ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْمَصْلَحَةِ فَرَجَحَتْ الْمَقَاصِدُ الْخَمْسَةُ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسْلِ وَالْمَالِ عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الْحَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ لِزِيَادَةِ مَصْلَحَةِ الضَّرُورِيَّةِ وَلِذَا لَمْ تَخْلُ شَرِيعَةٌ مِنْ مُرَاعَاتِهَا ( وَهِيَ ) أَيْ وَرَجَحَتْ الْحَاجِيَّةُ ( عَلَى مَا بَعْدَهَا ) وَهِيَ الْمَقَاصِدُ التَّحْسِينِيَّةُ لِتَعَلُّقِ الْحَاجَةِ بِالْحَاجِيَّةِ دُونَ التَّحْسِينِيَّةِ ( وَمُكَمِّلُ كُلٍّ ) مِنْ الضَّرُورِيَّةِ وَالْحَاجِيَّةِ وَالتَّحْسِينِيَّة ( مِثْلُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْمُكَمِّلُ ( فَمُكَمِّلُهُ ) أَيْ الضَّرُورِيِّ مُرَجَّحٌ ( عَلَى الْحَاجِيِّ ) فَضْلًا عَنْ مُكَمِّلِهِ لِقُرْبِ الْمُكَمِّلِ مِنْ الْمُكَمَّلِ عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ مِثْلَهُ ( وَعَنْهُ ) أَيْ عَنْ كَوْنِ مُكَمِّلِ كُلٍّ مِثْلَهُ ( ثَبَتَ ) شَرْعًا مِنْ الْحَدِّ ( فِي ) شُرْبِ ( قَلِيلِ الْخَمْرِ ) وَلَوْ قَطْرَةً ( مَا ) ثَبَتَ مِنْهُ ( فِي ) شُرْبِ ( كَثِيرِهَا وَيُقَدَّمُ حِفْظُ الدِّينِ ) مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ عَلَى مَا عَدَاهُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ قَالَ تَعَالَى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ } وَغَيْرُهُ مَقْصُودٌ مِنْ أَجْلِهِ وَلِأَنَّ ثَمَرَتَهُ أَكْمَلُ الثَّمَرَاتِ وَهِيَ نَيْلُ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي جِوَارِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
( ثُمَّ ) يُقَدَّمُ حِفْظُ ( النَّفْسِ ) عَلَى حِفْظِ النَّسَبِ وَالْعَقْلِ وَالْمَالِ لِتَضَمُّنِهِ الْمَصَالِحَ الدِّينِيَّةَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْعِبَادَاتِ وَحُصُولُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى بَقَاءِ النَّفْسِ ( ثُمَّ ) يُقَدَّمُ حِفْظُ ( النَّسَبِ ) عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّهُ لِبَقَاءِ نَفْسِ الْوَلَدِ إذْ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَا يَحْصُلُ اخْتِلَاطُ النَّسَبِ فَيُنْسَبُ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَهْتَمَّ بِتَرْبِيَتِهِ وَحِفْظِ نَفْسِهِ
وَإِلَّا أُهْمِلَ فَتَفُوتُ نَفْسُهُ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى حِفْظِهَا ( ثُمَّ ) يُقَدِّمُ حِفْظَ ( الْعَقْلِ ) عَلَى حِفْظِ الْمَالِ لِفَوَاتِ النَّفْسِ بِفَوَاتِهِ حَتَّى أَنَّ الْإِنْسَانَ بِفَوَاتِهِ يَلْتَحِقُ بِالْحَيَوَانَاتِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ التَّكْلِيفُ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ بِتَفْوِيتِهِ مَا وَجَبَ بِتَفْوِيتِ النَّفْسِ وَهِيَ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ قُلْت وَلَا يَعْرَى كَوْنُ بَعْضِ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ مُفِيدَةً لِتَرْتِيبِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ مِنْ تَأَمُّلٍ ( ثُمَّ ) حِفْظُ ( الْمَالِ وَقِيلَ ) يُقَدِّمُ ( الْمَالَ ) أَيْ حِفْظَهُ فَضْلًا عَنْ حِفْظِ النَّفْسِ وَالْعَقْلِ وَالنَّسَبِ ( عَلَى ) حِفْظِ ( الدِّينِ ) كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ نَبَّهَ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ تَقْدِيمَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى الدِّينِيِّ لِأَنَّهَا حَقُّ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ وَالْمُشَاحَّةِ وَيَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ وَالدِّينِيُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالْمُسَامَحَةِ وَهُوَ لِغِنَاهُ وَتَعَالِيهِ لَا يَتَضَرَّرُ بِفَوَاتِهِ ( وَلِذَا ) أَيْ تَقْدِيمِ هَذِهِ عَلَى الدِّينِيِّ ( تُتْرَكُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ ) وَهُمَا دِينِيَّانِ ( لِحِفْظِهِ ) أَيْ الْمَالِ وَهُوَ دُنْيَوِيٌّ ( وَلِأَبِي يُوسُفَ تُقْطَعُ ) الصَّلَاةُ ( لِلدِّرْهَمِ ) وَلَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَلَوْ سُرِقَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ دِرْهَمٌ يَقْطَعُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ انْتَهَى وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِ صَلَاتِهِ وَلَا فَصْلَ فِي الْكِتَابِ بَيْنَ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَدَّرُوا ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ مَا دُونَهُ حَقِيرٌ فَلَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِأَجْلِهِ لِأَنَّ اكْتِسَابَهُ ذَمِيمٌ ( وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَتْلِ بِهِمَا فَإِنَّ الْقِصَاصَ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَأَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لِحِفْظِ النَّفْسِ وَقَتْلُ الرِّدَّةِ
أَمْرٌ دِينِيٌّ ( وَرَدُّ ) كَوْنِ الْعِلَّةِ فِي تَقْدِيمِ قَتْلِ الْقِصَاصِ عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ تَقْدِيمُ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ ( بِأَنَّ فِي الْقِصَاصِ حَقَّهُ تَعَالَى ) وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ وَالتَّصَرُّفُ بِمَا يُفْضِي إلَى تَفْوِيتِهَا فَقُدِّمَ لِتَرَجُّحِهِ بِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ وَإِيضَاحِهِ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الشَّارِعَ لَا مَقْصِدَ لَهُ فِي إزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ إنَّمَا مَقْصِدُهُ دَعْوَةُ الْخَلْقِ إلَيْهِ وَهُدَاهُمْ وَإِرْشَادُهُمْ .
فَإِنْ حَصَلَ فَهُوَ الْغَايَةُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ حَسْمُ الْفَسَادِ بِإِرَاقَةِ دَمِ مَنْ لَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهِ فَإِرَاقَةُ دَمِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي بَقَائِهِ لَا لِقَصْدٍ فِي الْإِزْهَاقِ فَإِذَا زَاحَمَهُ قَتْلُ الْقِصَاصِ وَكَانَ وَلِيُّ الدَّمِ لَا قَصْدَ لَهُ إلَّا التَّشَفِّيَ بِاسْتِيفَاءِ ثَأْرِ مُوَلِّيهِ سَلَّمْنَاهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ الْمَقْصِدَانِ جَمِيعًا لِتَطْهُرَ الْأَرْضُ مِنْ الْمُفْسِدِينَ بِإِرَاقَةِ دَمِ هَذَا الْكَافِرِ وَبِتَشَفِّي وَلِيِّ الدَّمِ وَلَا كَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ مَقْصِدُ وَلِيِّ الدَّمِ بِالْأَصَالَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَسْلِيمَهُ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لَيْسَ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بَلْ هُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ .
وَأَمَّا مَا فِي حَاشِيَةِ الْأَبْهَرِيِّ مِنْ أَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُ هَذَا الْجَوَابِ بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَحْضُ حَقِّ الْآدَمِيِّ إذْ لَوْ كَانَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَصَّ وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الدَّمِ كَمَا قِيلَ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَحْضَةِ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِاسْتِدْعَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ وَلَوْ عَفَا عَنْهُ كَانَ لِلْإِمَامِ اسْتِيفَاؤُهُ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ نَعَمْ الْغَالِبُ فِي الْقِصَاصِ حَقُّ الْعَبْدِ .
وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ كَمَا سَلَفَ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ الْحَنَفِيَّةِ
لِمُتَعَلِّقَاتِ الْأَحْكَامِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَالْأَوَّلُ ) أَيْ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِحِفْظِ الْمَالِ ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ تَقْدِيمِ حَقِّ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ ( إذْ لَهُ ) أَيْ لِتَرْكِهِمَا ( خَلَفٌ ) يُجْبَرَانِ بِهِ وَهُوَ الظُّهْرُ وَالِانْفِرَادُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ فَاتَ فِيهَا صِفَتُهَا الَّتِي هِيَ الْجَمَاعَةُ وَالْفَائِتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَائِتٍ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّرْكِ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ عَنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِسَرِقَةِ دِرْهَمٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ إلَى خَلَفٍ مِنْ إعَادَةٍ أَوْ قَضَاءٍ لَا إلَى تَرْكٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَأَمَّا ) تَرْجِيحُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ ( بِتَرْجِيحِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِهِ عَلَى دَلِيلِ حُكْمِ ) الْأَصْلِ ( الْآخَرِ ) كَكَوْنِ دَلِيلِ حُكْمِ أَصْلِ أَحَدِهِمَا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُحْكَمًا أَوْ حَقِيقَةً أَوْ صَرِيحًا أَوْ عِبَارَةً بِخِلَافِ الْآخَرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( فَلِلنُّصُوصِ بِالذَّاتِ ) لَا لِلْقِيَاسِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ ( وَتَرَكْنَا أَشْيَاءَ مُتَبَادِرَةً ) مِنْ تَرَاجِيحِ الْأَقْيِسَةِ الْمُتَعَارِضَةِ اعْتِمَادًا عَلَى ظُهُورِهَا لِلْمُتْقِنِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَبَاحِثِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا عِلَّتُهُ مُنْضَبِطَةٌ وَعِلَّةُ الْآخَرِ مُضْطَرِبَةٌ أَوْ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ لِلْحِكْمَةِ فَكُلَّمَا وُجِدَتْ وُجِدَتْ الْحِكْمَةُ وَكُلَّمَا انْتَفَتْ انْتَفَتْ الْحِكْمَةُ وَعِلَّةُ الْآخَرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمُثَارُهَا زِيَادَةُ غَلَبَةِ الظَّنِّ ( وَتَتَعَارَضُ الْمُرَجِّحَاتِ ) لِلْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَمَا لِغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُتَعَارِضَاتِ ( فَيَحْتَمِلُ ) التَّرْجِيحُ ( الِاجْتِهَادَ كَالْمُلَائِمَةِ وَالْبَسِيطَةِ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ الْقِيَاسَ بِعِلَّةٍ ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهَا بِالْمُلَائِمَةِ تُرَجَّحُ عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ مَثَلًا فَلَوْ كَانَتْ الْمُلَائِمَةُ مُرَكَّبَةً وَالْمُطَّرِدَةُ الْمُنْعَكِسَةُ بَسِيطَةً تَعَارَضَ
مُرَجِّحَانِ وَاحْتَمَلَ التَّرْجِيحُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ ( وَعَادَةُ الْحَنَفِيَّةِ ذِكْرُ أَرْبَعَةٍ ) مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْقِيَاسِ ( قُوَّةُ الْأَثَرِ وَالثَّبَاتُ عَلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةُ الْأُصُولِ وَالْعَكْسُ فَأَمَّا قُوَّةُ الْأَثَرِ ) أَيْ التَّأْثِيرِ فَلِأَنَّهُ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ صَارَ الْوَصْفُ حُجَّةً فَمَهْمَا قَوِيَ قَوِيَتْ لِأَنَّ قُوَّةَ الْمُسَبِّبِ يُسَبِّبُ قُوَّةَ سَبَبِهِ فَإِذَا قَوِيَ أَثَرُ وَصْفٍ عَلَى أَثَرِ وَصْفٍ آخَرَ زَادَتْ قُوَّتُهُ عَلَى قُوَّتِهِ فَتَرَجَّحَتْ حُجَّتُهُ عَلَى حُجَّتِهِ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ مُرَجَّحَةٌ فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِهِ وَسَقَطَ الْآخَرُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَهُوَ ( مَا ذُكِرَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ فَإِذَا تَعَارَضَا فَأَيُّهُمَا كَانَ أَثَرُ وَصْفِهِ أَقْوَى قُدِّمَ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ ( فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ ) لِلْحُرِّ ( مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ ) أَيْ قُدْرَتِهِ عَلَى تَزَوُّجِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ مَهْرِهَا وَنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ الطَّوْلُ عَلَى الْحُرَّةِ أَيْ الْفَضْلُ فَاتَّسَعَ فِيهِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ثُمَّ أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إلَى الْمَفْعُولِ فَقُلْنَا يَجُوزُ لَهُ إذْ ( يَمْلِكُهُ ) أَيْ نِكَاحَ الْأَمَةِ ( الْعَبْدُ ) مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ بِأَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي نِكَاحِ مَنْ شَاءَ مِنْ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ وَيَدْفَعَ لَهُ مَهْرًا يَصْلُحُ لَهُمَا ( فَكَذَا الْحُرُّ ) يَمْلِكُهُ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْعَبْدُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ قِيَاسًا عَلَى الْحُرِّ الَّذِي تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ إجْمَاعًا فَإِنَّ قِيَاسَنَا ( أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ بِجَامِعِ إرْقَاقِ مَائِهِ مَعَ غُنْيَتِهِ ) عَنْ إرْقَاقِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَصْفًا بَيِّنَ الْأَثَرِ فِي الْمَنْعِ إذْ الْإِرْقَاقُ إهْلَاكٌ مَعْنًى لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ وَالْكُفْرُ مَوْتٌ
حُكْمًا فَكَمَا يَحْرُمُ قَتْلُ وَلَدِهِ شَرْعًا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إرْقَاقُهُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ وَلِهَذَا يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ فَلَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ نِكَاحِ الْحُرَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا قِيَاسُنَا أَقْوَى ( لِأَنَّ أَثَرَ الْحُرِّيَّةِ فِي اتِّسَاعِ الْحِلِّ أَقْوَى مِنْ الرِّقِّ فِيهِ ) أَيْ فِي اتِّسَاعِ الْحِلِّ ( تَشْرِيفًا ) لِلْحُرِّ ( كَالطَّلَاقِ ) فَإِنَّ كَوْنَهُ ثَلَاثًا يَتْبَعُ الْحُرِّيَّةَ إلَّا أَنَّا اعْتَبَرْنَاهَا فِي جَانِبِ الزَّوْجَةِ وَاعْتَبَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي جَانِبِ الزَّوْجِ ( وَالْعِدَّةِ ) فَإِنَّهَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْرُؤٍ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ قُرْآنِ ، وَشَهْرٌ وَنِصْفٌ ، وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ ( وَالتَّزَوُّجِ ) فَإِنَّهُ يُبَاحُ لِلْحُرِّ أَرْبَعٌ وَلِلْعَبْدِ ثِنْتَانِ ( وَكَثِيرٍ ) مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَأَسْبَابِ الْكَرَامَةِ وَالشَّرَفِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْبَشَرِ فِي الدُّنْيَا إذْ بِهَا يَكُونُ أَهْلًا لِلْوِلَايَاتِ وَيَمْلِكُ الْأَشْيَاءَ فَيَكُونُ تَأْثِيرُهَا فِي الْإِطْلَاقِ وَالِاتِّسَاعِ فِي بَابِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ مِنْ النِّعَمِ لَا فِي الْمَنْعِ وَالْحَجْرِ وَالرِّقِّ مِنْ أَوْصَافِ النُّقْصَانِ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْآدَمِيِّ بِهِ لِلْوِلَايَاتِ وَالتَّمَلُّكَاتِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَثَرُهُ فِي الْمَنْعِ وَالتَّضْيِيقِ فَلَوْ اتَّسَعَ الْحِلُّ الَّذِي هُوَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ لِلْعَبْدِ وَضَاقَ عَلَى الْحُرِّ بِأَنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَعَ طَوْلِ الْحُرَّةِ لَكَانَ قَلَبَ الْمَشْرُوعَ وَعَكَسَ الْمَعْقُولَ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ يَزْدَادُ بِزِيَادَةِ الشَّرَفِ وَلِهَذَا جَازَ لِمَنْ كَانَ أَفْضَلَ الْبَشَرِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ .
قُلْت وَأَمَّا مَا فِي التَّلْوِيحِ وَرُبَّمَا يُجَابُ أَنَّ هَذَا التَّضْيِيقَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ حَيْثُ مُنِعَ الشَّرِيفُ مِنْ تَزَوُّجِ الْخَسِيسِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ
الْإِرْقَاقِ وَذَلِكَ كَمَا جَازَ نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ لِلْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ انْتَهَى فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا خِسَّةَ كَالْكُفْرِ وَقَدْ جَازَ تَزَوُّجُ الْمُسْلِمِ الْقَادِرِ عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ بِالْكَافِرَةِ الْكِتَابِيَّةِ
( وَمَنْعُ ) الشَّارِعِ مِنْ ( الْإِرْقَاقِ وَإِنْ تَضَمَّنَهُ ) أَيْ التَّشْرِيفَ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ الْإِرْقَاقَ بِتَزَوُّجِ الْأَمَةِ ( مُنْتَفٍ لِأَنَّ اللَّازِمَ ) مِنْ تَزَوُّجِهَا ( الِامْتِنَاعُ عَنْ ) إيجَادِ ( الْجُزْءِ ) أَيْ الْوَلَدِ ( الْحُرِّ ) إذْ الْمَاءُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَلَا يُوصَفُ بِالْحُرِّيَّةِ بَلْ هُوَ قَابِلٌ لَأَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ فَتَزَوُّجُهَا امْتِنَاعٌ مِنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ وُجُودِ الْحُرِّيَّةِ فَحِينَ يُخْلَقُ يُخْلَقُ رَقِيقًا ( لَا ) أَنَّ اللَّازِمَ مِنْهُ ( إرْقَاقُهُ ) أَيْ الْجُزْءُ أَيْ لَا أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ الْحُرِّيَّةِ إلَى الرِّقِّ وَالْهَلَاكُ إنَّمَا هُوَ فِي إرْقَاقِ الْحُرِّ ( وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ ) أَيْ الِامْتِنَاعَ عَنْ الْجُزْءِ الْحُرِّ هُوَ ( الْمُرَادُ بِالْإِرْقَاقِ نُقِضَ بِنِكَاحِ الْعَبْدِ الْقَادِرِ ) عَلَى طَوْلِ الْحُرَّةِ ( أَمَةً لِأَنَّ مَاءَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ إذَا تَخَلَّقَ مِنْهُ وَلَدٌ فِي الْحُرَّةِ ( حُرٌّ إذْ الرِّقُّ مِنْ الْأُمِّ لَا الْأَبِ ) وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا ( وَبِعَزْلِ الْحُرِّ ) عَنْ أَمَتِهِ مُطْلَقًا وَعَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ بِرِضَاهَا وَبِنِكَاحِ الصَّغِيرَةِ وَالْعَجُوزِ وَالْعَقِيمِ فَإِنَّ الْعَزْلَ وَمَا مَعَهُ إتْلَافٌ حَقِيقَةً وَالْإِرْقَاقَ إتْلَافٌ حُكْمًا إذْ فِي الْعَزْلِ وَنَحْوِهِ يَفُوتُ أَصْلُ الْوَلَدِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى وُجُودُهُ وَفِي الْإِرْقَاقِ إنَّمَا يَفُوتُ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ لَا أَصْلُ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْعِتْقِ وَإِذَا جَازَ الْأَوَّلُ كَانَ الثَّانِي بِالْجَوَازِ أَحْرَى ( وَمِنْهُ ) أَيْ وَمِنْ التَّرْجِيحِ بِقُوَّةِ الْأَثَرِ فِي الْقِيَاسَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ فِي نَفْيِ اسْتِنَانِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا عَلَى الْقِيَاسِ بِاسْتِنَانِ تَثْلِيثِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ ( مَسْحٌ فَلَا يُثَلَّثُ كَالْخُفِّ ) أَيْ كَمَسْحِهِ فَإِنَّ قِيَاسَنَا هَذَا ( أَقْوَى أَثَرًا ) فِي مَنْعِ التَّثْلِيثِ ( مِنْ ) أَثَرِ ( قِيَاسِهِ ) فِي اسْتِنَانِ التَّثْلِيثِ وَهُوَ مَسْحُ الرَّأْسِ ( رُكْنٌ فَيُثَلَّثُ
كَالْمَغْسُولِ ) أَيْ كَغُسْلِ الْوَجْهِ أَوْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ ثُمَّ كَوْنُ قِيَاسِنَا أَقْوَى أَثَرًا مِنْ أَثَرِ قِيَاسِهِ ( بَعْدَ تَسْلِيمِ تَأْثِيرِهِ ) أَيْ كَوْنِهِ رُكْنًا فِي التَّثْلِيثِ ( فِي الْأَصْلِ ) وَهُوَ الْمَغْسُولُ وَإِنَّمَا قُلْنَا قِيَاسُنَا أَقْوَى حِينَئِذٍ .
( فَإِنْ شَرْعَهُ ) أَيْ مَسْحَ الرَّأْسِ ( مَعَ إمْكَانِ شَرْعِ غَسْلِ الرَّأْسِ وَخُصُوصًا مَعَ عَدَمِ اسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ ) أَيْ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ فَرْضًا ( لَيْسَ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ ) وَهُوَ فِي عَدَمِ التَّكْرَارِ فَظَهَرَ أَنَّ تَأْثِيرَ قِيَاسِنَا أَقْوَى مِنْ تَأْثِيرِ قِيَاسِهِ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَسْلَمْ تَأْثِيرُ الرُّكْنِيَّةِ فِي التَّثْلِيثِ ( فَقَدْ نُقِضَ ) كَوْنُ الرُّكْنِيَّةِ مُؤَثِّرَةً فِي التَّثْلِيثِ ( طَرْدًا وَعَكْسًا لِوُجُودِهِ ) أَيْ التَّثْلِيثِ .
( وَلَا رُكْنَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَوُجُودُ الرُّكْنِ دُونَهُ ) أَيْ التَّثْلِيثِ ( كَثِيرٌ ) كَمَا فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ مِنْ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ وَأَرْكَانِ الْحَجِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَصْلُحُ التَّعْلِيلُ بِهَا أَصْلًا .
فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ رُكْنًا كَوْنُهُ رُكْنًا فِي الْوُضُوءِ لَا مُطْلَقُ الرُّكْنِيَّةِ فَلَا يَرِدُ أَرْكَانُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ إيرَادَ النَّقْضِ بِسَائِرِ الْأَرْكَانِ بَلْ بَيَانَ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ وَإِنْ سَلِمَ تَأْثِيرُهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّكْرَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَوَصْفُ الْمَسْحِ مُؤَثِّرٌ فِي التَّخْفِيفِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَيَكُونُ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى .
( وَأَمَّا الثَّبَاتُ ) أَيْ قُوَّةُ ثَبَاتِ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي يَشْهَدُ الْوَصْفُ بِثُبُوتِهِ ( فَكَثْرَةُ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ فِي الْحُكْمِ ) أَيْ اعْتِبَارُ الشَّارِعِ ذَلِكَ الْوَصْفَ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَيْ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَمَعَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ وَصْفُ أَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ أَلْزَمَ لِلْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ مِنْ وَصْفِ الْقِيَاسِ الْآخَرِ لِأَنَّ بِذَلِكَ
يَزْدَادُ قُوَّةً لِفَضْلِ مَعْنَاهُ الَّذِي صَارَ بِهِ حُجَّةً وَهُوَ رُجُوعُ أَثَرِهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَوَقِّفِ اعْتِبَارُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ فَكَانَ زِيَادَةُ ثَبَاتِهِ عَلَى الْحُكْمِ ثَابِتَةً بِأَحَدِهَا أَيْضًا كَثُبُوتِ أَصْلِ الْأَثَرِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ هَذِهِ الْقُوَّةُ ( كَالْمَسْحِ فِي ) دَلَالَتِهِ عَلَى ( التَّخْفِيفِ فِي كُلِّ تَطْهِيرٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ كَالتَّيَمُّمِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ ) فَإِنَّ الْمَسْحَ فِي هَذِهِ لَا يُسَنُّ فِيهِ التَّكْرَارُ إجْمَاعًا بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ بِغَيْرِ الْمَاءِ مِنْ الْحَجَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَقَدْ شُرِعَ فِيهِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ عَقْلٌ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّنْقِيَةُ وَالتَّكْرَارُ يُؤَثِّرُ فِي تَحْصِيلِهَا .
وَلِهَذَا قُلْنَا إذَا حَصَلَتْ بِمَرَّةٍ لَا يُكَرَّرُ الْمَسْحُ فَكَانَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى التَّخْفِيفِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ مَسْحٌ فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ أَثْبَتُ مِنْ دَلَالَةِ الرُّكْنِ عَلَى التَّكْرَارِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رُكْنٌ فَيُسَنُّ لَهُ التَّكْرَارُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( بِخِلَافِ الرُّكْنِ فَإِنَّ أَثَرَهُ ) أَيْ الرُّكْنَ ( فِي الْإِكْمَالِ وَهُوَ ) أَيْ الْإِكْمَالُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ ( الْإِيعَابُ ) بِالْمَسْحِ لِلْمَحَلِّ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ لَا فِي سُنِّيَّةِ التَّكْرَارِ لِانْتِفَائِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَرْكَانِ ( وَكَقَوْلِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي ) صَوْمِ ( رَمَضَانَ ) صَوْمٌ ( مُتَعَيِّنٌ فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ ) فَيَسْقُطُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الصَّوْمِ إذْ التَّعْيِينُ أَثْبَتُ فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ صَوْمُ فَرْضٍ فِي دَلَالَةِ التَّعْيِينِ وَكَيْفَ لَا ( وَهُوَ ) أَيْ التَّعْيِينُ شَرْعًا ( وَصْفٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ ) فِي سُقُوطِ التَّعْيِينِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَائِرِ الْمُتَعَيِّنَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَفِي الْكَثِيرِ مِنْهَا كَمَا ( فِي الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ ) أَيْ دِرْهَمًا ( وَرَدِّ الْمَبِيعِ فِي ) الْبَيْعِ
( الْفَاسِدِ ) إلَى الْمَالِكِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الرَّدُّ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ يَقَعُ عَنْ الْجِهَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِوُجُودِ تَعَيُّنِ الْمَحَلِّ لِذَلِكَ شَرْعًا ( وَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ ) وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ( لَا يُشْتَرَطُ ) فِي خُرُوجِهِ بِهِ عَنْ الْفَرْضِ ( تَعْيِينُ نِيَّةِ الْفَرْضِ بِهِ ) مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى الْفَرَائِضِ بَلْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِكَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا غَيْرَ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْفَرْضِيَّةُ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا الِامْتِثَالَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا تَعْيِينَ النِّيَّةِ حَتَّى أَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ أَثَرُهُ مُخْتَصًّا بِبَعْضِ الْعِبَادَاتِ .
( وَأَمَّا كَثْرَةُ الْأُصُولِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ ) فِي عَيْنِ الْحُكْمِ أَوْ جِنْسِ الْحُكْمِ ( أَوْ عَيْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي جِنْسِ ذَلِكَ الْحُكْمِ ( عَلَى مَا ذَكَرْنَا لِلشَّافِعِيَّةِ ) فِي الْمَقْصِدِ الْأَوَّلِ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ ( فَقِيلَ لَا تُرَجَّحُ ) الْوَصْفُ الْكَائِنَةُ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِيَ عَنْهَا وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ ( كَكَثْرَةِ الرُّوَاةِ ) أَيْ كَالتَّرْجِيحِ بِهَا إذَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ الشُّهْرَةِ أَوْ التَّوَاتُرِ وَالْخَبَرُ لَا يُرَجَّحُ بِهِمَا فَالْوَصْفُ لَا يَتَرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ ( وَلِأَنَّ كُلَّ أَصْلٍ كَعِلَّةٍ ) عَلَى حِدَةٍ ( فَبِالْقِيَاسِ ) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ بِهَذَا النَّوْعِ تَرْجِيحُ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( وَالْمُخْتَارُ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ( نَعَمْ ) أَيْ تُرَجِّحُ كَثْرَةُ الْأُصُولِ الْوَصْفَ الْكَائِنَةَ لَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَارِي عَنْهَا ( لِأَنَّ مَرْجِعَهُ ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ الَّذِي هُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ ( اشْتِهَارُ الدَّلِيلِ أَيْ الْوَصْفِ ) هُنَا فَصَارَ
الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ الْحَاصِلَةِ لَهُ مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ ( كَالْخَبَرِ الْمُشْتَهِرِ ) .
وَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ يَتَرَجَّحُ بِالشُّهْرَةِ فَكَذَا الْوَصْفُ بِهَذِهِ الْقُوَّةِ لِأَنَّهَا شُهْرَةٌ لَهُ ( فَازْدَادَ ظَنُّ اعْتِبَارِ الشَّارِعِ حُكْمَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ بِهَذِهِ الْوَسَاطَةِ ( بِخِلَافِ مَا ) أَيْ الْوَصْفِ ( إذَا لَمْ يَبْلُغْهَا ) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ الظَّنِّ كَالْخَبَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ الشُّهْرَةَ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّ أُصُولَهُ كَثِيرَةٌ وَكَثْرَةُ الْأَقْيِسَةِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ قِيَاسٍ عِلَّةٌ عَلَى حِدَةٍ وَذَلِكَ ( كَالْمَسْحِ ) فَإِنَّهُ وَصْفٌ يَشْهَدُ لِتَأْثِيرِهِ ( فِي التَّخْفِيفِ ) أُصُولٌ إذْ ( يُوجَدُ فِي التَّيَمُّمِ وَمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ وَالْجَوْرَبِ وَالْخُفِّ ( فَيَتَرَجَّحُ عَلَى تَأْثِيرِ وَصْفِ الرُّكْنِيَّةِ ) فِي تَأْثِيرِهِ ( فِي التَّثْلِيثِ ) فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ إلَّا الْغُسْلُ ( فَلِذَا ) أَيْ كَوْنِ الْمَسْحِ فِي تَأْثِيرِهِ التَّخْفِيفُ مِثَالًا لِهَذَا وَلِلثَّانِي .
( قِيلَ ) أَيْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( هُوَ ) أَيْ هَذَا الثَّالِثُ ( قَرِيبٌ مِنْ الثَّانِي ) قِيلَ لِأَنَّ فِي الثَّالِثِ اُعْتُبِرَ الْمُؤَثِّرُ وَهُوَ كَثْرَةُ الْأُصُولِ وَفِي الثَّانِي اُعْتُبِرَ الْأَثَرُ وَهُوَ ثَبَاتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ فِي الثَّالِثِ أُخِذَ مِنْ نَظَائِرِ الْوَصْفِ كَالتَّيَمُّمِ وَنَحْوِهِ وَفِي الثَّانِي أُخِذَ مِنْ قُوَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ الْمَسْحُ فِي مَسْأَلَةِ التَّثْلِيثِ مَثَلًا وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّأْثِيرَ إذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ الشَّارِعِ جِنْسَ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعَهُ فِي نَوْعِ الْحُكْمِ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِشَهَادَةِ الْأَصْلِ فَقُوَّةُ الثَّبَاتِ حِينَئِذٍ تَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَإِذَا كَانَ بِحَسَبِ اعْتِبَارِ جِنْسِ الْوَصْفِ أَوْ
نَوْعِهِ فِي جِنْسِ الْحُكْمِ أَوْ نَوْعِهِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ ( وَالْحَقُّ أَنَّ الثَّلَاثَةَ تَرْجِعُ إلَى قُوَّةِ الْأَثَرِ وَالتَّفْرِقَةُ ) بَيْنَهَا إنَّمَا هِيَ ( بِالِاعْتِبَارِ فَهُوَ ) أَيْ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ قُوَّةُ الْأَثَرِ ( بِالنَّظَرِ إلَى ) نَفْسِ ( الْوَصْفِ وَالثَّبَاتِ ) أَيْ وَقُوَّةِ الثَّبَاتِ عَلَى الْحُكْمِ بِالنَّظَرِ ( إلَى الْحُكْمِ وَكَثْرَةِ الْأُصُولِ ) بِالنَّظَرِ ( إلَى الْأَصْلِ ) وَعَزَاهُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ إلَى الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَمَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَرَّرْته فِي مَسْأَلَةٍ إلَّا وَتَبَيَّنَ بِهِ إمْكَانُ تَقْرِيرِ النَّوْعَيْنِ فِيهِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ وَقَلَّمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إلَّا وَمَعَهُ الْآخَرَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُوجَدُ عَلَى مَا قِيلَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَأَمَّا الْعَكْسُ ) وَيُسَمَّى الِانْعِكَاسَ أَيْضًا وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ وَلَا وُجُودَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لِأَنَّ الرُّجْحَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ صَالِحٌ لِلتَّرْجِيحِ لِأَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ الَّذِي جُعِلَ حُجَّةً دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ وَوَكَادَةِ تَعَلُّقِهِ بِهِ فَصَلُحَ مُرَجِّحَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنَّهُ تَرْجِيحٌ ضَعِيفٌ كَمَا يَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا ( كَمَسْحٍ ) أَيْ كَقَوْلِنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ هُوَ مَسْحٌ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ ( فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ ) فَإِنَّهُ يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَسْحٍ لَمْ يُعْقَلْ فِيهِ مَعْنَى التَّطْهِيرِ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ ( بِخِلَافِ ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هُوَ ( رُكْنٌ فَيُكَرَّرُ ) لِأَنَّهُ لَا يَنْعَكِسُ صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ لَا
يُكَرَّرُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّكْرَارَ ( يُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ الرُّكْنِ ( كَمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ .
( وَقَوْلُنَا فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ ) أَيْ الْمَطْعُومِ حِنْطَةً كَانَ أَوْ غَيْرَهَا بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( مَبِيعٌ مُعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ أَوْلَى مِنْ ) قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( مَأْكُولٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ حَرُمَ التَّفَاضُلُ ) فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ ( إذْ لَا يَنْعَكِسُ ) هَذَا صَادِقًا إلَى كُلِّ مَا لَا يُقَابَلُ بِجِنْسِهِ لَا يَحْرُمُ الْفَضْلُ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ ( لِاشْتِرَاطِ قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ ) حَالَ كَوْنِ رَأْسِ مَالِهِ ( غَيْرَ رِبَوِيٍّ ) مِنْ ثِيَابٍ وَغَيْرِهَا ( بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ) أَيْ مَبِيعٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ ( إذْ كُلَّمَا انْتَفَى ) التَّعْلِيلُ الَّذِي هُوَ التَّعْيِينُ ( انْتَفَى ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِأَجْلِ كَوْنِ عِلَّةِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ مَا ذَكَرْنَا ( لَزِمَ الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ ) أَيْ بَيْعُ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمِ ( لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنَ بِالتَّعْيِينِ ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ فَانْتَفَى عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ وَلَوْ صَحَّ بِدُونِ الْقَبْضِ لَكَانَ بَيْعُ دَيْنٍ بِدِينٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .
( وَ ) فِي ( السَّلَمِ لِانْتِفَاءِ تَعْيِينِ الْمَبِيعِ ) وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ النَّقْدِ غَالِبًا فَيَكُونُ دَيْنًا فَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ أَيْضًا فَيَكُونُ انْتِفَاءُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ التَّعْيِينِ أَيْضًا .
قُلْت لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ إذَا كَانَ قَائِلًا بِقَوْلِ أَصْحَابِنَا إنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ التَّعْيِينَ فِي الْعُقُودِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عِنْدَهُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا تَمَّ عَلَيْهِ
أَوْ لَا عُدِمَ تَعْيِينُهَا بِالتَّعْيِينِ هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ مَا ذَكَرْتُمْ غَيْرَ مُطَّرِدٍ فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِي بَيْعِ إنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءٍ كَذَلِكَ وَرَأْسُ مَالِ السَّلَمِ إذَا كَانَ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَعَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وُرُودَهُمَا عَلَى الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَرُبَّمَا يَقَعُ عَقْدُهُمَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَعَذَّرُ عَلَى عَامَّةِ التُّجَّارِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَيَّنُ وَمَا لَا يَتَعَيَّنُ أُقِيمَ اسْمُ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ مَقَامَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَعُلِّقَ وُجُوبُ الْقَبْضِ بِهِمَا تَيْسِيرًا عَلَى النَّاسِ فَوَجَبَ الْقَبْضُ بِهِمَا سَوَاءٌ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى دَيْنٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ بِعَيْنٍ لِأَنَّ الْكُلَّ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ تَقْدِيرًا إذْ الشَّيْءُ إذَا أُقِيمَ مَقَامَ غَيْرِهِ فَالْمَنْظُورُ نَفْسُهُ لَا الشَّيْءُ الَّذِي أُقِيمَ هُوَ مَقَامَهُ كَالسَّفَرِ لَمَّا أُقِيمَ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ صَارَ الْمَنْظُورُ السَّفَرَ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى الْمَشَقَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ .
وَفِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قِيلَ الْمَبِيعُ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَلَيْسَ بِمَقْبُوضٍ وَالْمَقْبُوضُ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ وَلَيْسَ بِمَبِيعٍ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ مُتَعَيِّنٍ لَا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ مَبِيعٍ لَا يَكُونُ مُتَعَيِّنًا يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِهِ وَثَانِيهِمَا الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ أَصْلًا وَيَنْعَكِسُ إلَى كُلِّ بَيْعٍ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمَبِيعُ وَلَا ثَمَنُهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ نَوْعَ نَبْوَةٍ مِنْ تَقْرِيرِ التَّرْجِيحِ بِالْعَكْسِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ لِأَنَّ حَاصِلَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَدَمُ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْبَدَلِ فِي الْأَصْلِ
وَاشْتِرَاطُهُ فِي الِانْعِكَاسِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَاشْتِرَاطِهِ وَمُؤَدَّى الْوَجْهِ الثَّانِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ قَبَضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ أَوْ قَبَضَ أَحَدَهُمَا فِي الْأَصْلِ وَاشْتِرَاطُ الْقَبْضِ فِي الْعَكْسِ فِي الْجُمْلَةِ أَيُّهُمَا كَانَ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ هَلْ الْقَبْضُ فِي هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ .
قِيلَ أَشَارَ مُحَمَّدٌ إلَى كُلٍّ وَصَحَّحَ الثَّانِي ( وَهَذَا ) أَيْ الْعَكْسُ ( أَضْعَفُهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ( لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِعِلَلٍ شَتَّى ) فَيَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ الْحُكْمُ مَعَ انْتِفَاءِ عِلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِغَيْرِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ انْعِدَامُهُ عِنْدَ انْعِدَامِهَا مَعَ وُجُودِهِ عِنْدَ وُجُودِهَا مُطْلَقًا صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى وَكَادَةِ اتِّصَالِهِ بِهَا صَلُحَ مُرَجِّحًا عَلَى مَا يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ضَعْفِهِ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهُ إذَا عَارَضَهُ تَرْجِيحٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ كَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ( وَابْتَنَى عَلَى مَا سَلَفَ ) فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ ( مِنْ عَدَمِ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَالرُّوَاةِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا فِي عَدَمِ التَّرْجِيحِ مِنْ بَحْثٍ تَقَدَّمَ فِيهِ ( أَنْ لَا يُرَجَّحَ قِيَاسٌ بِآخَرَ بِأَنْ خَالَفَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ ( فِي الْعِلَّةِ لَا الْحُكْمِ عَلَى ) قِيَاسِ ( مُعَارِضِهِ ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ ( وَلَوْ اتَّفَقَا ) أَيْ الْقِيَاسَانِ ( فِيهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ كَمَا فِي الْحُكْمِ ( كَانَ ) اتِّفَاقُهُمَا ( مِنْ كَثْرَةِ الْأُصُولِ لَا ) مِنْ كَثْرَةِ ( الْأَدِلَّةِ ) إذْ لَا يَتَحَقَّقُ تَعَدُّدُ الْقِيَاسَيْنِ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ تَعَدُّدِ الْعِلَّتَيْنِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْقِيَاسِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ حُجَّةً هِيَ الْعِلَّةُ لَا الْأَصْلُ ( فَيُرَجَّحُ ) الْقِيَاسُ الْمُنْضَمُّ إلَيْهِ
ذَلِكَ ( عَلَى مُخَالِفِهِ ) لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ مُرَجِّحٌ صَحِيحٌ .
( وَكَذَا كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً ) مُسْتَقِلَّةً لِحُكْمٍ ( لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا ) لِعِلَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ أُخْرَى لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى عِلَّةٍ مُعَارِضَةٍ لَهَا فِيهِ إذْ تَقَوِّي الشَّيْءِ إنَّمَا يَكُونُ بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ وَتَكُونُ تَبَعًا لَهُ وَالْمُسْتَقِلُّ لِاسْتِقْلَالِهِ لَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ فَلَا يُفِيدُ الْقُوَّةَ ( فَلَمْ يَتَفَاوَتْ بِتَفَاوُتِ الْمِلْكِ لِلشَّفِيعَيْنِ ) كَأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُ الدَّارِ وَلِلْآخَرِ سُدُسُهَا ( مَا يَشْفَعَانِ فِيهِ ) وَهُوَ النِّصْفُ الْآخَرُ مِنْهَا إذَا بَاعَهُ مَالِكُهُ وَطَلَبَا أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثَا النِّصْفِ الْمَبِيعِ وَلِصَاحِبِ السُّدُسِ ثُلُثَهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَرَجَّحَ صَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْفَرِدُ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَيَسْقُطُ صَاحِبُ السُّدُسِ بَلْ يَكُونُ النِّصْفُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَنْصَافًا لِتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَحَقِّقَةِ فِي كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ نَصِيبِهِمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فِي اسْتِحْقَاقِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ وَلَيْسَ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الثُّلُثِ الْأَكْثَرِ الْعِلَّةُ وَهِيَ لَا تَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَكُونُ الْمَبِيعُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ وَثُلُثَاهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ( قَالَ ) الشَّافِعِيُّ ( هِيَ ) أَيْ الشُّفْعَةُ ( مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ ) أَيْ مَنَافِعِهِ ( كَالْوَلَدِ ) لِلْحَيَوَانِ ( وَالثَّمَرَةِ ) لِلشَّجَرَةِ الْمُشْتَرِكَيْنِ بَيْنَهُمَا فَيُقْسَمُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ ( أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ انْقِسَامَ الْمَعْلُولِ بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ ( فِي الْعِلَلِ الْمَادِّيَّةِ ) الَّتِي يَتَوَلَّدُ الْمَعْلُولُ مِنْهَا كَالْحَيَوَانِ لِلْوَلَدِ وَالشَّجَرِ لِلثَّمَرِ ( وَعِلَّةُ الْقِيَاسِ ) لَيْسَتْ مِنْهَا بَلْ هِيَ ( كَالْفَاعِلِيَّةِ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهَا مُؤَثِّرَةٌ فِي الْمَعْلُولِ وَقَدْ
ثَبَتَ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ تَأْثِيرَ الْعِلَّةِ الْفَاعِلَةِ فِي الْمَعْلُولِ لَيْسَ بِطَرِيقِ التَّوَلُّدِ بَلْ بِإِيجَادِ اللَّهِ تَعَالَى إيَّاهُ عَقِبَهُ وَمِلْكُ الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّهُ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ لَا عِلَّةٌ مَادِّيَّةٌ تَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَلَا يَكُونُ تَرَتُّبُ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ كَتَرَتُّبِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ فَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ هَذَا .
( وَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ الْمِلْكَ عِلَّةً لِلشُّفْعَةِ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ الْمِلْكِ ( فَجَعْلُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْعِلَّةِ عِلَّةً لِجُزْءٍ مِنْ الْمَعْلُولِ نَصْبُ الشَّرْعِ بِالرَّأْيِ ) وَهُوَ بَاطِلٌ ( وَلَوْ عَجَزَ ) الْمُجْتَهِدُ ( عَنْ التَّرْجِيحِ ) لِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ ( عَمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ ( وَقَابَلُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( أَرْبَعَةَ الصِّحَّةِ ) أَيْ أَرْبَعَةَ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ الصَّحِيحَةِ السَّالِفَةِ الْآنَ ( بِأَرْبَعَةٍ ) مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ ( فَاسِدَةِ التَّرْجِيحِ بِمَا يَصْلُحُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً ) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَقَدْ عَرَفْت وَجْهَهُ وَدَفْعَهُ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ فَهَذَا أَحَدُهَا ( وَبِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ بِهَا أَيْ ( كَوْنُ الْفَرْعِ لَهُ بِأَصْلٍ أَوْ أُصُولِ وُجُوهِ شَبَهٍ فَلَا يُرَجَّحُ ) أَيْ لَا يُقَدَّمُ إلْحَاقُ الْفَرْعِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ الْأُصُولِ بِوَاسِطَةِ تَعَدُّدِ شَبَهِهِ بِهِ أَوْ بِهَا ( عَلَى مَا ) أَيْ عَلَى إلْحَاقِهِ بِأَصْلٍ آخَرَ يُخَالِفُ الْأَوَّلَ ( لَهُ ) أَيْ لِلْفَرْعِ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْأَصْلِ ( شَبَهٌ ) وَاحِدٌ ( وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَعَمْ ) يُرَجَّحُ مَا لَهُ وُجُوهُ شَبَهٍ بِأَصْلٍ أَوْ أُصُولٍ عَلَى مَا لَهُ شَبَهٌ بِأَصْلٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْقَوَاطِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا جُعِلَ حُجَّةً لِإِفَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَهِيَ تَزْدَادُ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ كَمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْأُصُولِ
وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تُرَجَّحُ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْأَشْبَاهَ ( تَعَدُّدُ أَوْصَافٍ ) تُجْعَلُ عِلَلًا فَكُلُّ شَبَهٍ وَصْفٌ عَلَى حِدَةٍ يَصْلُحُ عِلَّةً ( فَتَرْجِيعُ ) الْأَشْبَاهِ ( إلَى تَعَدُّدِ الْأَقْيِسَةِ ) فَالتَّرْجِيحُ بِهَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( بِخِلَافِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ ) فَإِنَّهُ لَيْسَ التَّرْجِيحُ بِهَا مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ ( لِاتِّحَادِ الْوَصْفِ ) فِيهَا .
( وَكُلُّ أَصْلٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فَيُوجِبُ ثَبَاتَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ وَقُوَّتِهِ ( وَاعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الْأُصُولِ ) تَكُونُ ( بِوَحْدَةِ الْوَصْفِ ) أَيْ مَعَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ وَهَذَا ( مَحَلُّ التَّرْجِيحِ ) أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ التَّرْجِيحُ فَيَكُونُ مُرَجِّحًا ( وَ ) تَكُونُ ( مَهْ تَعَدُّدَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( اتِّحَادُ الْحُكْمِ وَهِيَ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَتَعَدَّدُ الْوَصْفُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ ( أَقْيِسَةٌ مُتَمَاثِلَةٌ لَا تَرْجِيحَ مَعَهَا ) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدِلَّةٌ مُتَكَثِّرَةٌ وَلَا تَرْجِيحَ بِهَا .
( وَ ) تَكُونُ ( مَعَ تَعَدُّدِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ حَالَ كَوْنِهَا ( مُتَبَايِنَةً مُتَعَارِضَةً وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّرْجِيحُ ) ثُمَّ مِثَالُ التَّرْجِيحِ بِغَلَبَةِ الْأَشْبَاهِ ( كَمَا لَوْ قِيلَ الْأَخُ كَالْأَبَوَيْنِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ و ) مِثْلُ ( ابْنِ الْعَمِّ فِي حِلِّ الْحَلِيلَةِ وَالزَّكَاةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقِصَاصِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ) إذْ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْأَخَوَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَلِيلَةَ أَخِيهِ وَأَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَيْهِ وَأَنْ يَشْهَدَ لَهُ وَأَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ إذَا وَجَدَ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ وَانْتَفَى الْمَانِعُ مِنْهُ كَمَا فِي ابْنِ الْعَمِّ ( فَيُرَجَّحُ إلْحَاقُهُ ) أَيْ الْأَخِ ( بِهِ ) أَيْ بِابْنِ الْعَمِّ فَلَا يَعْتِقُ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ كَمَا لَا يُعْتِقُ ابْنُ عَمِّهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ لِأَنَّ شَبَهَ الْأَخِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَبَهِهِ بِالْأَبَوَيْنِ ( فَيَمْنَعُ ) تَرْجِيحَ إلْحَاقِ الْأَخِ بِابْنِ الْعَمِّ بِكَثْرَةِ الْأَشْبَاهِ (
بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّرْجِيحَ بِهَا ( بِمُسْتَقِلٍّ ) أَيْ تَرْجِيحٌ بِوَصْفٍ مُسْتَقِلٍّ ( إذْ كُلٌّ ) مِنْ وُجُوهِ الْمُشَبَّهِ بِهِ ( يَسْتَقِلُّ ) وَصْفًا ( جَامِعًا ) بَيْنَ الْأَخِ وَابْنِ الْعَمِّ فِي الْحُكْمِ وَلَا تَرْجِيحَ بِمُسْتَقِلٍّ وَهَذَا ثَانِيهَا ( وَبِزِيَادَةِ التَّعْدِيَةِ ) أَيْ وَالتَّرْجِيحُ بِكَوْنِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ أَكْثَرَ مَحَالَّ مِنْ الْأُخْرَى ( كَتَرْجِيحِ الطُّعْمِ ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِهِ لِحُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ عَلَى تَعْلِيلِ حُرْمَتِهِ فِيهَا بِالْكَيْلِ وَالْجِنْسِ ( لِتَعَدِّيهِ ) أَيْ الطُّعْمِ ( إلَى الْقَلِيلِ ) كَمَا لِلْكَثِيرِ فَيَحْرُمُ بَيْعُ تُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ ( دُونَ الْكَيْلِ ) فَإِنَّهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْقَلِيلِ الَّذِي هُوَ نِصْفُ صَاعٍ عَلَى مَا قَالُوا ( وَلَا أَثَرَ لَهُ ) أَيْ كَوْنُهَا أَكْثَرَ مَحَالَّ مِنْ مُعَارِضَتِهَا فِي تَأْثِيرِهَا وَقُوَّتِهَا الَّذِي بِهِ يَكُونُ التَّرْجِيحُ ( بَلْ ) الْأَثَرُ ( لِدَلَالَةِ الدَّلِيلِ ) أَيْ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ ( عَلَى الْوَصْفِ ) أَيْ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ قَلَّتْ مَحَالُّهُ أَوْ كَثُرَتْ وَهَذَا ثَالِثُهَا ( وَبِالْبَسَاطَةِ ) أَيْ وَالتَّرْجِيحِ بِكَوْنِ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَصْفًا لَا جُزْءَ لَهُ عَلَى الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ وَصْفٌ ذُو أَجْزَاءَ لِسُهُولَةِ إثْبَاتِهَا وَالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهَا ( كَالطُّعْمِ ) أَيْ كَتَرْجِيحِ كَوْنِهِ عِلَّةَ حُرْمَةِ الرِّبَا فِيمَا تَقَدَّمَ ( عَلَى الْكَيْلِ وَالْجِنْسِ ) أَيْ كَوْنُهُمَا عِلَّتَهُ .
( وَلَا أَثَرَ لَهُ ) أَيْ كَوْنِهَا لَا جُزْءَ لَهَا فِي تَأْثِيرِهَا وَقُوَّتِهَا ؛ لِلَّذِي بِهِ يَكُونُ التَّرْجِيحُ بَلْ لِقُوَّةِ دَلَالَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عِلِّيَّتِهَا ( كَمَا ذَكَرْنَا ) آنِفًا فَالْمُرَكَّبُ وَالْبَسِيطُ سَوَاءٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فَرْعُ ثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ الْمُوجَزُ لَا يَتَرَجَّحُ عَلَى الْمُطَوَّلِ فِي الْبَيَانِ فَكَذَا الْعِلَّةُ وَكَيْفَ لَا وَالْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ صُورَةُ الْعِلَّةِ
وَالتَّأْثِيرُ مَعْنَاهَا وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَقَعُ بِالْمَعَانِي بِزِيَادَةِ قُوَّتِهَا وَتَأْثِيرِهَا لَا بِالصُّورَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ رُبَّمَا كَانَ الْمُرَكَّبُ أَرْجَحَ وَالْوَصْفُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ أَقْوَى تَأْثِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةُ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ ( فِي الْفَرْعِ وَهُوَ ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْفَرْعِ ( التَّعَدِّيَةُ بِالِاصْطِلَاحِيَّةِ فَلَزِمَهُ ) أَيْ الْقِيَاسُ ( أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً كَإِبَاحَةِ الرَّكْعَةِ ) الْوَاحِدَةِ ( وَحُرْمَةِ الْمَدِينَةِ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ لَهَا حَرَمٌ كَحَرَمِ مَكَّةَ ( أَوْ وَصْفُهُ ) أَيْ الْحُكْمُ ( كَصِفَةِ الْوِتْرِ ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِنَانِ ( بَعْدَ مَشْرُوعِيَّتِهِ ) بَلْ إنَّمَا يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ ، وَلِذَا لَمْ يَسْتَنِدْ مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ الْمَدِينَةِ أَوْ كَوْنِ الْوِتْرِ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً إلَّا إلَى السَّمْعِ كَمَا عُرِفَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَإِنَّمَا لَمْ يَثْبُتَا بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً ( لِانْتِفَاءِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَكَذَا ) لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ ( الشَّرْطِيَّةَ وَالْعِلِّيَّةَ كَكَوْنِ الْجِنْسِ فَقَطْ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ ) أَيْ الْبَيْعَ نَسِيئَةً ( إلَّا ) أَيْ لَكِنْ يَثْبُتُ كُلٌّ مِنْهُمَا ( بِالنَّصِّ دَلَالَةً وَغَيْرَهَا ) أَيْ عِبَارَةً أَوْ إشَارَةً أَوْ اقْتِضَاءً فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهَذِهِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ كَمَا عُرِفَ ( وَكَذَا ) لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ ( صِفَةَ السَّوْمِ ) أَيْ اشْتِرَاطَهُ لِنَصْبِ الْأَنْعَامِ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا ( وَالْحِلِّ ) أَيْ وَكَذَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ اشْتِرَاطَ صِفَةِ الْحِلِّ ( لِلْوَطْءِ الْمُوجِبِ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ ) فِي ثُبُوتِ حُرْمَتِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ ( وَشَرْطِيَّةَ التَّسْمِيَةِ ) أَيْ وَكَذَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَذْبُوحِ ( لِلْحِلِّ ) لَهُ ( وَوَصْفِيَّةَ شَرْطِ النِّكَاحِ ) أَيْ وَكَذَا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُثْبِتَ اشْتِرَاطَ وَصْفِيَّةِ شَرْطِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الشَّهَادَةُ ( بِالْعَدَالَةِ ) وَالذُّكُورَةِ فِي شُهُودِهِ بَلْ إنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأُمُورُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْجِنْسِ بِمُفْرَدِهِ مُحَرَّمًا لِلنَّسِيئَةِ وَأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّوْمِ فِي نَصْبِ الْأَنْعَامِ لِلزَّكَاةِ وَذِكْرَ اسْمِ
اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّبِيحَةِ فِي حِلِّهَا إنَّمَا هِيَ بِالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ إبَاحَةَ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ وَحُرْمَةَ الْمَدِينَةِ وَاشْتِرَاطَ وَصْفِ الْحِلِّ لِلْوَطْءِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْعَدَالَةَ وَالذُّكُورَةَ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ إنَّمَا هِيَ بِالنُّصُوصِ فِيهَا كَمَا ذَلِكَ كُلُّهُ مَسْطُورٌ فِي فُرُوعِ الْفَرِيقَيْنِ ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ وَمَحَلِّ الْخَوْضِ فِيهِ كُتُبُ الْفُرُوعِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَزِمَ حُكْمُ الْقِيَاسِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مُفِيدَ الثُّبُوتِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ حُرْمَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فِي فَرْعٍ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ مَوْجُودٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ عَدَمُ إثْبَاتِهِ ابْتِدَاءً لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطٍ لَهُ أَوْ صِفَةٍ لِأَحَدِهَا لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ الْقِيَاسِ بِانْتِفَاءِ الْأَصْلِ الْمُعَدَّى مِنْهُ إلَى الْمَحَلِّ الْمُدَّعَى فَرْعِيَّتُهُ لَهُ فَيَتَمَحَّضُ إثْبَاتُ هَذِهِ إمَّا نَصْبًا لِلشَّرْعِ بِالرَّأْيِ كَمَا فِيمَا عَدَا إثْبَاتِ الشَّرْطِ وَوَصْفِهِ ابْتِدَاءً وَإِمَّا إبْطَالًا وَنَسْخًا بِالرَّأْيِ كَمَا فِي الشَّرْطِ وَوَصْفِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الشَّرْطِ وَقَبْلَ وَصْفِهِ وَبَعْدَ مَا شُرِطَ لَهُ شَرْطٌ أَوْ أُثْبِتَ لَهُ وَصْفٌ صَارَ مُتَعَلِّقًا بِهِ وَمَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِهِ ، فَالتَّعْلِيلُ ابْتِدَاءً بِهِ رَفْعٌ لِلْحُكْمِ الثَّابِتِ وَنَسْخٌ لَهُ بِالضَّرُورَةِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا إلَى الْعِبَادِ ( وَ ) لَزِمَهُ ( أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ ) بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ( مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ ) لِشَيْءٍ ( أَوْ شَرْطِيَّتُهُ ) أَيْ أَمْرٌ لِشَيْءٍ ( أَوْ وَصْفُهُمَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةُ وَالشَّرْطِيَّةُ لِشَيْءٍ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْضًا فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِثَبَتَ ( كَانَ ) غَيْرُ ذَلِكَ الْأَمْرِ ( فِي مِثْلِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( عِلَّةً وَشَرْطًا ) بِوَاسِطَةِ تَحَقُّقِ مَنَاطِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ (
لِانْتِفَاءِ التَّحَكُّمِ ) اللَّازِمِ مِنْ تَقْدِيرِ جَعْلِ بَعْضِ أَفْرَادِ مَا تَحَقَّقَ فِيهِ الْمَنَاطُ لِعِلِّيَّةِ حُكْمٍ أَوْ شَرْطِيَّتِهِ عِلَّةً أَوْ شَرْطًا دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ الْمُتَحَقِّقِ فِيهِ ذَلِكَ أَيْضًا لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّحَكُّمُ اللَّازِمُ مِنْ جَعْلِ الْقِيَاسِ مُظْهِرًا لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ بِعِلِّيَّةٍ وَلَا شَرْطِيَّةٍ فِي فَرْعٍ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ غَيْرَ مُظْهِرٍ لِثُبُوتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ أَوْ شَرْطِيَّتُهُ لِآخَرَ فِي مَحَلٍّ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ إلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ فِي الشَّرْعِ ثَابِتٍ فِيهِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصَّلَاحِيَّةِ وَارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ ( وَالْخِلَافُ فِي الْمَذْهَبَيْنِ ) الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ ( شَهِيرٌ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْأَخِيرِ ( فَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ ) وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ ) وَعَزَاهُ إلَى مَشَايِخِنَا أَيْضًا ( وَطَائِفَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ) بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ ( نَعَمْ ) يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ ( وَوُجِدَ ) ذَلِكَ أَيْضًا ( وَهُوَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ ) الْمُعَيَّنِ ( بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّهُ وُجِدَ لِإِثْبَاتِهِ ) أَيْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي هَذَا الْبَيْعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَصْحَابُنَا ( أَصْلٌ هُوَ الصَّرْفُ ) فَإِنَّ التَّقَابُضَ فِيهِ شَرْطٌ ( بِجَامِعِ أَنَّهُمَا .
) أَيْ الْبَدَلَيْنِ فِيهِمَا ( مَالَانِ يَجْرِي فِيهِمَا رِبَا الْفَضْلِ وَلِنَفْيِهِ ) أَيْ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِيهِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ ( أَصْلٌ ) هُوَ ( بَيْعُ سَائِرِ السِّلَعِ بِمِثْلِهَا أَوْ بِالدَّرَاهِمِ ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ ( وَقِيلَ لَا ) يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَمِنْ الشَّافِعِيَّةِ
كَالْآمِدِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ وَفِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ ) مَنَاطَ شَرْطِيَّةِ التَّقَابُضِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ فِي الصَّرْفِ ثُمَّ وُجِدَتْ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ ( قِيلَ وَلَوْ ثَبَتَ ) مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ لِحُكْمٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ أَيْضًا ( كَانَ السَّبَبُ ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( ذَلِكَ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ ) وَكَانَ ظَاهِرًا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ وَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا ( فَمَظِنَّتُهُ ) أَيْ الْوَصْفُ الظَّاهِرُ الْمُنْضَبِطُ الَّذِي ضُبِطَ هُوَ بِهِ ( إنْ كَانَ ) أَيْ وُجِدَ وَأَيًّا مَا كَانَ فَقَدْ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ ( وَمَا يُخَالُ ) أَيْ يُظَنُّ ( أَصْلًا وَفَرْعًا ) أَنَّهُمَا هُمَا ( فَرْدَاهُ ) أَيْ الْمَنَاطُ الْمَذْكُورُ ( كَمَا لَوْ ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْوِقَاعِ ) عَمْدًا مِنْ الْمُكَلَّفِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ( لِلْكَفَّارَةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ الْمُتَكَامِلَةِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ ) وَهِيَ هَتْكُ حُرْمَتِهِ ( فَهِيَ ) أَيْ الْجِنَايَةُ الْمُتَكَامِلَةُ عَلَيْهِ ( الْعِلَّةُ ) لِلْكَفَّارَةِ ( وَكُلٌّ مِنْ الْأَكْلِ ) وَالشُّرْبِ ( وَالْجِمَاعِ ) فِيهِ مِنْ الْمُكَلَّفِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ مُبِيحٍ لِلْفِطْرِ ( صُوَرُ وُجُودِهِ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِتَحَقُّقِ هَتْكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ بِكُلٍّ مِنْهَا ( وَكَعِلِّيَّةِ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَتْلُ ( بِالسَّيْفِ ) لِلْقِصَاصِ إذْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيْ عِلَّةَ الْقِصَاصِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعِدْوَانُ ( فَالْمُثْقَلُ ) أَيْ فَالْقَتْلُ بِهِ ( مِنْ مَحَالِّهِ ) أَيْ مِنْ مَنَاطِ الْقِصَاصِ ( وَقَدْ يُخَالُ عَدَمُ التَّوَارُدِ ) لِهَذَا الْخِلَافِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ الْقَوْلُ بِجَوَازِ التَّعَدِّيَةِ فِي الْعِلِّيَّةِ مَعْنَاهُ ( تَعَدِّي عِلِّيَّةِ الْوَاحِدِ لِشَيْءٍ ) أَيْ الْحُكْمُ ( إلَى شَيْءٍ آخَرَ ) فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ عِلَّةً لَهُ
أَيْضًا فَتَتَعَدَّدُ الْعِلَّةُ وَيَتَّحِدُ الْحُكْمُ ( وَالثَّانِي ) أَيْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّعَدِّيَةِ فِي الْعِلِّيَّةِ مَعْنَاهُ ( تَعَدِّي عِلِّيَّتِهِ ) أَيْ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ لِحُكْمٍ ( إلَى ) شَيْءٍ ( آخَرَ لِآخَرَ ) أَيْ لِحُكْمٍ آخَرَ فَيَكُونُ الشَّيْءُ الْآخَرُ الْمُعَدَّى إلَيْهِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فَيَتَعَدَّدُ الْعِلَّةُ وَالْحُكْمُ هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ ( وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ) كَوْنُ مَعْنَى الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّ مَعْنَى الثَّانِي مَا ذَكَرَ فَلَا بَلْ كُلٌّ مِنْ الْعِلَّةِ وَالْحُكْمِ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِلِاتِّحَادِ فِي النَّوْعِ وَلَا عِبْرَةَ لِلتَّغَايُرِ بِحَسَبِ الشَّخْصِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مِنْ أَفْرَادِ الْقِيَاسِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَلَا يَتَأَتَّى إنْكَارُهُ مِنْ قَائِلٍ بِهِ كَمَا أَنَّ الْمَعْنَى الثَّانِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَا قَائِلَ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ فَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ ) أَيْ جَرَيَانَ الْقِيَاسِ فِي السَّبَبِ أَيْ الْعِلَّةِ ( مَنْ اعْتَرَفَ بِقِيَاسِ أَنْتِ حَرَامٌ ) فِي إثْبَاتِهِ الطَّلَاقَ بَائِنًا ( عَلَى طَالِقٍ بَائِنٍ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسُ قِيَاسٌ ( فِي السَّبَبِ ) فَهُوَ بِهَذَا مُنَاقِضٌ نَفْسَهُ فِي الْمَنْعِ حِينَئِذٍ ( وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي هَذَا ) أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ شَيْءٍ لِحُكْمٍ بِنَاءً عَلَى مَعْنًى صَالِحٍ لِتَعْلِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا أَوْ مُلَائِمًا وَوُجِدَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ أَوْ الْمُلَائِمُ يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْآخَرُ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ ثُمَّ لَا يَكُونُ هَذَا مِنْ إثْبَاتِ الْعِلَّةِ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ بِالْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَقَدْ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهُ بِمَا هُوَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ شَيْئًا وَاحِدًا لَهُ تَعَدُّدٌ بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ ( بَلْ ) الْخِلَافُ ( فِيمَا إذَا كَانَتْ ) عِلِّيَّةُ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ ( لِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهَا
) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ فَجَعَلَ ذَلِكَ الْوَصْفَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ لِيَحْصُلَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ( مَحَلٌّ آخَرُ ) تَحَقَّقَتْ فِيهِ عِلِّيَّتُهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ مُعَلَّلًا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( لِأَنَّا إنَّمَا نُثْبِتُ سَبَبِيَّةَ ) وَصْفٍ ( آخَرَ ) غَيْرِ الْوَصْفِ الثَّابِتِ فِي الْأَصْلِ إذْ الْمَفْرُوضُ تَغَايُرُ الْوَصْفَيْنِ ( فَلَيْسَ ذَلِكَ ) أَيْ إثْبَاتُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ بِمُجَرَّدِ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْهَدَ بِاعْتِبَارِهِ أَصْلٌ ( إلَّا الْمُرْسَلُ ) فَيَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِصِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ التَّأْثِيرَ أَوْ الْمُلَائَمَةَ ( وَهَذَا عَلَى ) قَوْلِ ( الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي سَبَبِيَّتِهِ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( بِعَيْنِهِ لِآخَرَ ) فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ بِالطَّعَامِ الْمُعَيَّنِ ( فَيَنْبَغِي كَوْنُهُ ) أَيْ هَذَا التَّعْلِيلِ ( الْقَرِيبَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأُوَلِ ) مِنْ أَقْسَامِ الْمُنَاسِبِ ( لِوُجُودِ أَصْلِهِ ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ شَرْطُ التَّقَابُضِ وَهُوَ الصَّرْفُ ( إذَا كَانَتْ سَبَبِيَّتُهُ ) أَيْ أَصْلُهُ ( لِشَيْءٍ ) وَهُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ( ثَابِتَةً شَرْعًا ) بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَدًا بِيَدٍ } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ ( وَهُوَ الْعَيْنُ مَعَ الْعَيْنِ فِي الْمَحَلِّ لَكِنْ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ وَ ) هَذَا هُوَ الْقَرِيبُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَدَّمَ ( كَانَ الظَّاهِرُ اتِّفَاقَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( عَلَى مَنْعِهِ ) أَيْ هَذَا ( لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِخَالَةِ إنْ لَمْ يَكُنْهَا ) أَيْ الْإِخَالَةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ هِيَ فِي الْمَعْنَى ( لَكِنَّ الْخِلَافَ ) فِي هَذَا ثَابِتٌ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَلَوْ سَلِمَ عَدَمُ الْإِرْسَالِ ) فِي
ثُبُوتِ السَّبَبِيَّةِ بِالْقِيَاسِ ( لَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ ) أَيْ ثُبُوتُهَا بِهِ أَيْضًا ( لِأَنَّ الْوَصْفَ الْأَصْلُ أَنْ تَثْبُتَ عِلِّيَّتُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ ) أَيْ بِثُبُوتِهَا بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ ( فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُنَاسَبَةُ فِي ) وَصْفٍ ( آخَرَ كَانَ ) الْوَصْفُ الْآخَرُ ( عِلَّةً بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لَا بِالْإِلْحَاقِ بِالْأَوَّلِ لِاسْتِقْلَالِهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ ( بِإِثْبَاتِ ) عِلِّيَّةِ ( مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ وَإِنْ ثَبَتَتْ ) عِلِّيَّتُهُ ( بِالنَّصِّ ثُمَّ عَقَلَتْ مُنَاسَبَتُهَا ) لِلْحُكْمِ ( وَوُجِدَتْ ) الْمُنَاسَبَةُ الْمَذْكُورَةُ ( فِي مَا ) أَيْ وَصْفٍ ( لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ ) أَيْضًا ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الَّذِي لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ عِلَّةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ( لِلِاسْتِقْلَالِ ) أَيْ اسْتِقْلَالِ الْمُنَاسَبَةِ بِإِثْبَاتِ عِلِّيَّةِ مَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ هَذَا ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ الْحَالُ هَذَا ( ثُبُوتُ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ بِالنَّصِّ وَ ) عِلِّيَّةِ وَصْفٍ ( آخَرَ بِالْمُنَاسَبَةِ ) وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِهِ خِلَافٌ ( فَالْوَجْهُ أَنْ يُقْصَرَ الْخِلَافُ عَلَى مِثْلِ حَمْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ) أَيْ حَمْلُهُ أَيْ قِيَاسُهُ ( أَنْ يَنُصَّ عَلَى عِلَّةٍ مُنْضَبِطَةٍ بِنَفْسِهَا فَيَلْحَقُ بِهَا مَا تَصْلُحُ مَظِنَّةً لَهَا فَيَثْبُتُ مَعَهَا حُكْمُ الْمَنْصُوصَةِ كَمَا أَلْحَقَ ) عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( الشُّرْبَ ) لِلْخَمْرِ ( بِالْقَذْفِ ) فِي الْحَدِّ بِهِ ثَمَانِينَ ( بِجَامِعِ الِافْتِرَاءِ ) بَيْنَهُمَا ( لِكَوْنِهِ ) أَيْ شُرْبِهَا ( مَظِنَّتَهُ ) أَيْ الِافْتِرَاءَ وَقَدْ أَسْلَفْنَا الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا مَخْرَجًا فِي مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ قُلْت ثَمَّ قَدْ يُقَالُ وَإِذَا قَصُرَ الْخِلَافُ عَلَى هَذَا هَلْ يَتَرَجَّحُ الْمُلْحَقُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيِّ عَلَى الْإِلْحَاقِ الْمَذْكُورِ وَالْجَوَابُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ مِمَّنْ يَرَى الْإِجْمَاعَ
السُّكُوتِيَّ حَجَّةً ، نَعَمْ وَعِنْدَهُمْ لَا كَمَا سَتَعْلَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَلَكِنْ الشَّأْنُ فِي مُوجِبِ الْقَصْرِ عَلَيْهِ مَعَ نَقْلِ عُمُومِ الْخِلَافِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّ هَذَا مِنْ الْمُصَنِّفِ إعْرَاضٌ عَمَّا أَفَادَهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوَّلًا مِنْ جَوَازِ ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ بِطَرِيقِ التَّعَدِّيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَبَقَ تَقْرِيرُهُ وَيَنْدَفِعُ وَجْهُهُ الَّذِي هُوَ لُزُومُ التَّحَكُّمِ لَوْلَا جَوَازُهُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُرْسَلِ الْمَرْدُودِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَالْغَرِيبُ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ فَلَا تَحَكُّمَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ عِلِّيَّةِ أَمْرٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْأَمْرِ كَانَ السَّبَبُ الْمَنَاطُ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا إنْ انْضَبَطَ وَإِلَّا مَظِنَّتُهُ وَأَيًّا مَا كَانَ اتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالسَّبَبُ لِأَنَّهُ لَوْ تَمَّ هَذَا انْتَفَى الْقِيَاسُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْعِلِّيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ لِتَأَتِّي هَذَا بِعَيْنِهِ فِيهِ لَكِنْ انْتِفَاؤُهَا فِيهِ مَمْنُوعٌ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
{ مَسْأَلَةٌ } قَالَ ( الْحَنَفِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِهِ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ ( الْحُدُودُ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى تَقْدِيرَاتٍ لَا تُعْقَلُ ) كَعَدَدِ الْمِائَةِ فِي الزِّنَا وَالثَّمَانِينَ فِي الْقَذْفِ وَالْقِيَاسُ فَرْعُ تَعَقُّلِ الْمَعْنَى ( وَمَا يُعْقَلُ ) مِنْهَا ( كَالْقَطْعِ ) لِيَدِ السَّارِقِ لِكَوْنِهَا الْجَانِيَةَ بِالسَّرِقَةِ ( فَلِلشُّبْهَةِ ) فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ لِاحْتِمَالِهِ الْخَطَأَ { وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ } كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَدَرْؤُهَا فِي عَدَمِ ثُبُوتِهَا بِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ يَثْبُتُ بِهِ ( قَالُوا أَدِلَّةُ الْقِيَاسِ ) الدَّالَّةُ عَلَى حُجِّيَّتِهِ ( مُعَمِّمَةٌ ) لَهَا كَمَا لِغَيْرِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِيهِمَا ( قُلْنَا ) عُمُومُهَا ( فِي مُسْتَكْمِلِ الشُّرُوطِ اتِّفَاقًا ) وَالْحُدُودُ لَيْسَتْ بِمُسْتَكْمِلَةٍ لَهَا لِمَا ذَكَرْنَا ( وَانْتِهَاضُ أَثَرِ عَلِيٍّ ) السَّالِفِ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيزُونَ ( مَوْقُوفٌ عَلَى إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى صِحَّةِ طَرِيقِهِ ) الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى الْقَذْفِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِهِ بَلْ ( أَنَّهُ ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ ( عَلَى حُكْمِهِ ) الَّذِي هُوَ وُجُوبُ جَلْدِ ثَمَانِينَ ( بِاجْتِمَاعِ دَلَالَاتٍ سَمْعِيَّةٍ عَلَيْهِ ) أَيْ حُكْمِهِ الْمَذْكُورِ ( كَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي الْفِقْهِ ) أَيْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَلَمْ نَذْكُرْهَا هُنَا تَحَامِيًا مِنْ التَّطْوِيلِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفُرُوعِ بِهَا أَلْيَقُ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ فَإِنْ قِيلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَكُمْ إثْبَاتُ الْحُدُودِ بِالْقِيَاسَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ قَدْ اتَّفَقَتْ عَلَى إثْبَاتِ حَدِّ الْخَمْرِ قِيَاسًا فَهَذَا إبْطَالٌ لِأَصْلِكُمْ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ قِيَاسًا قِيلَ الَّذِي نَمْنَعُهُ أَنْ يَبْتَدِئَ إيجَابُ حَدٍّ بِقِيَاسٍ فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الِاجْتِهَادِ فِي
شَيْءٍ وَرَدَ فِيهِ التَّوْقِيفُ فَيُتَحَرَّى فِيهِ مَعْنَى التَّوْقِيفِ فَهَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا وَاسْتِعْمَالُ اجْتِهَادِ السَّلَفِ فِي حَدِّ الْخَمْرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ضَرَبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَرُوِيَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا كُلُّ رَجُلٍ بِنَعْلِهِ ضَرْبَتَيْنِ فَتَحَرَّوْا فِي اجْتِهَادِهِمْ مُوَافَقَةَ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلُوهُ ثَمَانِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَنَقَلُوا ضَرْبَهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ إلَى السَّوْطِ كَمَا يَجْتَهِدُ الْجَلَّادُ فِي الضَّرْبِ وَكَمَا يَخْتَارُ السَّوْطَ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْجِلْدِ اجْتِهَادًا [ تَنْبِيهٌ ] الْكَفَّارَاتُ فِي هَذَا كَالْحُدُودِ بَلْ قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
( مَسْأَلَةُ النَّصِّ ) مِنْ الشَّارِعِ ( عَلَى الْعِلَّةِ ) لِلْحُكْمِ ( يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا ) أَيْ بِالْعِلَّةِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ الْمَنْصُوصِ الْمُشَارِكِ لَهُ فِيهَا ( وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ شَرْعِيَّةُ الْقِيَاسِ وِفَاقًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَأَحْمَدَ وَالنَّظَّامِ وَالْقَاسَانِيِّ ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ ( وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ ) قَالَ يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا ( فِي التَّحْرِيمِ ) أَيْ إذَا كَانَتْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ الْفِعْلَ دُونَ غَيْرَهُ ( خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ ) فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي إيجَابِ تَعَدِّيهِ الْحُكْمَ بِهَا مُطْلَقًا ( لَهُمْ ) أَيْ الْجُمْهُورِ ( انْتِفَاءُ دَلِيلِ الْوُجُوبِ ) لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا ثَابِتٌ ( وَهُوَ ) أَيْ دَلِيلُهُ ( الْأَمْرُ ) بِالتَّعَدِّيَةِ بِهَا ( أَوْ الْإِخْبَارُ بِهِ ) أَيْ بِالْوُجُوبِ فَيَنْتَفِي الْوُجُوبُ ( وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال ) لَهُمْ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( بِلُزُومِ عِتْقِ كُلِّ ) عَبْدٍ ( أَسْوَدَ ) لَهُ ( لَوْ قَالَ أَعْتَقْت ) عَبْدِي ( غَانِمًا لِسَوَادِهِ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَثَابَةِ أَعْتَقْت كُلَّ عَبْدٍ لِي أَسْوَدَ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ مَقْطُوعٌ بِهِ ( فَمَرْدُودٌ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنَّهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ وَمَنْ مَعَهُمْ ( لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ اللَّفْظِ لِيَلْزَمَ ذَلِكَ ) اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ ( بَلْ ) يَقُولُونَ ( إنَّهُ ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ ( دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ إثْبَاتِ الْحُكْمِ ) بِهَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ ( أَيْنَ وُجِدَ ) الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فَذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى نَقْلِ الْأَكْثَرِينَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّنْصِيصَ عَلَى الْعِلَّةِ أَمْرًا بِالْقِيَاسِ وَإِلَّا فَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْآمِدِيُّ عَنْ النَّظَّامِ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْعِلَّةِ يَقْتَضِي تَعْمِيمَ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ مَوَارِدِهَا بِطَرِيقِ عُمُومِ اللَّفْظِ فَيَتِمُّ اللُّزُومُ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِ .
( وَكَذَا )
الِاسْتِدْلَال لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ ( بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَرَّمْت الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا وَ ) حَرَّمْت ( كُلَّ مُسْكِرٍ إذَا كَانَ مِنْ وَاجِبِ الِامْتِثَالِ ) وَالثَّانِي يُفِيدُ عُمُومَ الْحُرْمَةِ لِكُلِّ مُسْكِرٍ فَكَذَا الْأَوَّلُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذِكْرِ الْعِلَّةِ صَرِيحًا وَبَيْنَ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ مَرْدُودٌ ( لِمَا ذَكَرْنَا ) آنِفًا مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْفَرْعِ مِنْ اللَّفْظِ لِيَلْزَمَ عَدَمُ الْفَرْقِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّظَّامِ عَلَى نَقْلِ غَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ ( وَالْفَرْقُ ) الْمُدَّعَى لِلْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ مَعَهُمْ بَيْنَ كَوْنِ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ يُوجِبُ تَعَدِّيَةَ الْحُكْمِ بِهَا وَبَيْنَ عَدَمِ لُزُومِ الْعِتْقِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ( بِأَنَّ الْقِيَاسَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ وَالْعِتْقُ زَوَالُ حَقِّ آدَمِيٍّ فَبِالصَّرِيحِ ) أَيْ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَقَوْلُهُ أَعْتَقْت غَانِمًا لِسَوَادِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ ( مَمْنُوعٌ بِأَنَّ الْعِتْقَ كَذَلِكَ ) أَيْ يَكْفِي فِيهِ الظُّهُورُ ( لِتَشَوُّفِهِ ) أَيْ الشَّارِعِ ( إلَيْهِ ) حَتَّى كَانَ أَحَبَّ الْمُبَاحَاتِ إلَيْهِ ( وَلِأَنَّ فِيهِ ) أَيْ الْعِتْقِ ( حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى .
( وَلَنَا أَنَّ ذِكْرَ الْعِلَّةِ مَعَ الْحُكْمِ يُفِيدُ تَعْمِيمَهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( فِي مَحَالِّ وُجُودِهَا لِأَنَّهُ يَتَبَادَرُ إلَى فَهْمِ كُلِّ مَنْ سَمِعَ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ تَحْرِيمَ كُلِّ مَا أَسْكَرَ وَمِنْ قَوْلِ طَبِيبٍ لَا تَأْكُلْهُ ) أَيْ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ ( لِبُرُودَتِهِ مَنَعَهُ ) أَيْ الْمُخَاطَبَ ( مِنْ ) أَكْلِ ( كُلِّ بَارِدٍ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ إنَّمَا هُوَ ( لِبَيَانِ حِكْمَتِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مَعَ مَنْعِ الْمُجْتَهِدِ مِنْ مِثْلِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ ( أَوْ أَنَّهُ ) أَيْ النَّصَّ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ حَرَّمْت الْخَمْرَ لِإِسْكَارِهَا إنَّمَا هُوَ (
لِخُصُوصِ إسْكَارِ الْخَمْرِ ) أَيْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ إسْكَارُ الْخَمْرِ بِحَيْثُ يَكُونُ قَيْدُ الْإِضَافَةِ إلَى الْخَمْرِ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلَّةِ لِجَوَازِ اخْتِصَاصِ إسْكَارِهَا بِتَرَتُّبِ مَفْسَدَةٍ عَلَيْهِ دُونَ إسْكَارِ غَيْرِهَا لَا أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِسْكَارُ مُطْلَقًا احْتِمَالٌ ( لَا يَقْدَحُ فِي الظُّهُورِ كَاحْتِمَالِ خُصُوصِ الْعَامِّ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ) وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْعَامَّ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَعَدَمِ الْعُثُورِ عَلَيْهِ ( ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ التَّخْصِيصِ ) فَإِنَّ الظُّهُورَ لَا يَدْفَعُ بِالِاحْتِمَالِ الْغَيْرَ الظَّاهِرَ وَكَيْفَ وَهُوَ لَازِمُهُ ( فَبَطَلَ مَنْعُهُ ) أَيْ كَوْنُ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ مُوجِبًا لِتَعَدِّيَةِ الْحُكْمِ بِهَا ( بِتَجْوِيزِ كَوْنِهِ ) أَيْ النَّصِّ عَلَى الْعِلَّةِ ( لِتُعْقَلَ فَائِدَةُ شَرْعِيَّتِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مَعَ قَصْرِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا بَطَلَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ( وَأَبْعَدُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ التَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ ( تَعْلِيلُ كَوْنِهِ ) أَيْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ ( بِإِسْكَارِهَا بِأَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ لَا تُعَلَّلُ بِكُلِّ إسْكَارٍ ) بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ ( لِأَنَّ الْمُدَّعَى ظُهُورُ ) نَحْوِ ( حُرْمَتِهَا لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ فِي التَّعْلِيلِ بِالْإِسْكَارِ الدَّائِرِ فِي كُلِّ إسْكَارٍ دُونَ الْإِسْكَارِ الْمُقَيَّدِ بِالْإِضَافَةِ الْخَاصَّةِ ) وَهِيَ الْإِضَافَةُ إلَى الْخَمْرِ ( لِتَبَادُرِ الْغَايَةِ ) أَيْ خُصُوصِ الْإِضَافَةِ ( إلَى عَقْلِ كُلِّ مَنْ فَهِمَ مَعْنَى السُّكْرِ وَاعْتَرَفَ هَذَا الْقَائِلُ ) يَعْنِي عَضُدَ الدِّينِ ( بِإِفَادَةِ قَوْلِ الطَّبِيبِ لَا تَأْكُلْهُ لِبَرْدِهِ التَّعْمِيمَ ) أَيْ الْمَنْعَ مِنْ أَكْلِ كُلِّ بَارِدٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ .
( وَهُوَ ) أَيْ وَحُرْمَةُ الْخَمْرِ لِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ ( مِثْلُهُ ) فَيَكُونُ مُفِيدًا مَنْعَ شُرْبِ كُلِّ مُسْكِرٍ ( دُونَ ) أَنْ يَقُولَ ( إنَّ الْمَنْعَ )
فِيهِ إنَّمَا هُوَ ( مِنْ ذَلِكَ الْبَارِدِ ) بِخُصُوصِهِ ( وَلَا يُعَلَّلُ ) الْمَنْعُ مِنْهُ ( بِكُلِّ بُرُودَةٍ ) كَمَا قَالَ فِي حُرْمَةِ الْخَمْرِ لِإِسْكَارِهَا لَا تَعْلِيلَ بِكُلِّ إسْكَارٍ بَلْ بِالْإِسْكَارِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا ( وَفَرَّقَ الْبَصْرِيُّ بِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُوجِبٌ ضَرَرًا ) لِأَنَّ النَّهْيَ الشَّرْعِيَّ الْمُفِيدُ لِلتَّحْرِيمِ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ مُضِرٍّ ( فَيُفِيدُ ) النَّهْيُ عَنْهُ ( الْعُمُومَ ) فِي عِلَّتِهِ فَالنَّهْيُ عَنْ أَكْلِ شَيْءٍ لِأَذَاهُ دَالٌّ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ أَكْلِ كُلِّ مُؤْذٍ كَقَوْلِ الطَّبِيبِ الْمَذْكُورِ ( وَالْفِعْلُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ ) كَالتَّصَدُّقِ عَلَى فَقِيرٍ لِلْمَثُوبَةِ ( لَا يُوجِبُ كُلَّ تَحْصِيلٍ ) لِكُلِّ مَثُوبَةٍ ( لَا يُفِيدُ ) مَطْلُوبَهُ ( بَعْدَ ظُهُورِ أَنَّهُ ) أَيْ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ ( مِنْ الشَّارِعِ يُفِيدُ إيجَابَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ ( وَيَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ ) لِذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْوَصْفِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا لِاعْتِبَارِهِ وَمُسْتَلْزِمًا لِوُجُوبِ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ( لَزِمَتْ مُخَالَفَةُ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( وَهُوَ ) أَيْ خِلَافُ اعْتِبَارِهِ ( مُضِرٌّ كَالنَّهْيِ وَهَذَا ) الْجَوَابُ ( تَفْصِيلُ رَدِّ دَلِيلِهِمْ ) أَيْ الْجُمْهُورِ وَالظَّاهِرُ رَدُّ تَفْصِيلِ دَلِيلِهِمْ ( الْأَوَّلِ ) وَهُوَ انْتِفَاءُ الْأَمْرِ بِالتَّعَدِّيَةِ وَالْإِخْبَارِ بِوُجُوبِهَا بِهَا فَإِنَّ إفَادَةَ اعْتِبَارِ الْوَصْفِ بِحَيْثُ يَجِبُ تَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ إخْبَارُ مَعْنَى بِوُجُوبِهَا .
( وَأَمَّا مَا ذُكِرَ ) فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ ( مِنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَجْرِي الْخِلَافُ ) فِي جَرَيَانِ الْقِيَاسِ ( فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ ) بِمَعْنَى أَنَّ ثَمَّ قَائِلًا بِجَرَيَانِهِ فِي جَمِيعِهَا وَقَائِلًا بِامْتِنَاعِهِ فِي بَعْضِهَا ( فَمَعْلُومَةٌ مِنْ الشُّرُوطِ ) لَهُ لِكَوْنِ حُكْمِ الْأَصْلِ مَعْقُولَ الْمَعْنَى وَكَوْنِ الْفَرْعِ لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ حُكْمُ نَصٍّ وَإِجْمَاعٍ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِ مَسْأَلَةٍ فِيهِ
ثُمَّ الَّذِي فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَغَيْرِهَا لَا يَجْرِي الْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ خِلَافًا لِشُذُوذِ الْمُرَادِ وَاحِدٌ ( وَيَجِبُ الْحُكْمُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَنْقُولِ عَلَى الْإِطْلَاقِ ) فِي هَذَا ( بِالْخَطَأِ ) إذْ لَا خِلَافَ يُنْقَلُ بَلْ وَلَا يُعْقَلُ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِ الْقِيَاسِ فِي حُكْمٍ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَاَلَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي امْتِنَاعِ جَرَيَانِهِ فِي بَعْضِهَا اتِّفَاقًا عَلَى مَا فِي بَعْضِهَا مِنْ خِلَافٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَمَا حَكَى مِنْ شُبْهَةِ الْمُخَالِفِ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَمَاثِلَةٌ لِشُمُولِ حَدِّ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَهَا وَقَدْ جَرَى الْقِيَاسُ فِي الْبَعْضِ فَلْيَجْرِ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَاتِ بِحَسَبِ اشْتِرَاكِهَا فِيمَا يَجُوزُ عَلَيْهَا فَسَاقِطٌ لِأَنَّ شُمُولَ الْحَدِّ الْوَاجِبِ لَا يُوجِبُ تَمَاثُلَهَا عَلَى أَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُوجِبًا التَّمَاثُلَ لَكَانَ مُسَوِّغًا لِقِيَاسِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ ثُمَّ هَذَا .
( فَصْلٌ فِي بَيَانِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ ) وَنَذْكُرُ فِي طَيِّهَا مَا يَرِدُ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا ( يَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ أَسْئِلَةٌ مَرْجِعُ مَا سِوَى الِاسْتِفْسَارِ إلَى الْمَنْعِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ ) لَا جَمِيعِهَا كَمَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ ثُمَّ هَذَا عَلَى مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْجَدَلِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِدَلِيلِهِ يَكُونُ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَاتِهِ لِيَصْلُحَ لِلشَّهَادَةِ وَبِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ لِتَنْفُذَ شَهَادَتُهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَغَرَضُ الْمُعْتَرِضِ مِنْ عَدَمِ إثْبَاتِهِ بِهِ بِهَدْمِ أَحَدِهِمَا يَكُونُ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ الدَّلِيلِ بِمَنْعِ مُقَدِّمَةٍ مِنْهُ أَوْ بِمُعَارَضَتِهِ بِمَا يُقَاوِمُهَا وَيَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا وَمَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقَبِيلَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَقْصُودِ الِاعْتِرَاضِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَمَشَى السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْمَنْعِ وَحْدَهُ مُوَافَقَةً لِبَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ مَنْعُ الْعِلَّةِ عَنْ الْجَرَيَانِ ( أَوَّلُهَا ) أَيْ الْأَسْئِلَةِ وَطَلِيعَتُهَا ( الِاسْتِفْسَارُ ) وَهُوَ طَلَبُ بَيَانِ مَعْنَى اللَّفْظِ ( وَلَا يَخْتَصُّ ) الْقِيَاسُ ( بِهِ ) بَلْ هُوَ جَارٍ فِي كُلِّ خَفِيِّ الْمُرَادِ وَهُوَ ( مُتَّفَقٌ ) عَلَيْهِ ( وَلَمْ تَذْكُرْهُ الْحَنَفِيَّةُ لِثُبُوتِهِ بِالضَّرُورَةِ ) إذْ بِالضَّرُورَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا لَمْ يَفْهَمْهُ الْمُخَاطَبُ يُسْتَفْسَرُ عَنْهُ .
( وَإِنَّمَا يَسْمَعُ فِي لَفْظٍ يُخْفَى مُرَادُهُ ) وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْقَاضِي مَا تَمَكَّنَ فِيهِ الِاسْتِبْهَامُ حَسُنَ فِيهِ الِاسْتِفْهَامُ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظَاهِرًا ( فَتَعَنُّتٌ ) أَيْ فَالِاسْتِفْسَارُ تَعَنُّتٌ ( مَرْدُودٌ ) لِتَفْوِيتِهِ فَائِدَةَ الْمُنَاظَرَةِ إذْ يَأْتِي فِي كُلِّ لَفْظٍ يُفَسَّرُ بِهِ لَفْظٌ وَيَتَسَلْسَلُ وَفِي الصِّحَاحِ جَاءَنِي فُلَانٌ مُتَعَنِّتًا إذَا جَاءَ بِطَلَبِ زَلَّتِك ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( أَنْ لَا يَقْبَلَهُ ) أَيْ اسْتِفْسَارَ
الْمُعْتَرِضِ ( حَتَّى يُبَيِّنَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ خَفَاءَ الْمُرَادِ مِنْهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْخَفَاءَ ( خِلَافُ الْأَصْلِ ) إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخَفَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَضْعُ الْأَلْفَاظِ لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَالْبَيِّنَةُ عَلَى مُدَّعِي خِلَافِ الْأَصْلِ ( وَيَكْفِيهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ فِي بَيَانِ الْخَفَاءِ ( صِحَّةُ إطْلَاقِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لِمُتَعَدِّدٍ وَلَوْ ) كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ ( بِلَا تَسَاوٍ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( يُخْبِرُ بِالِاسْتِبْهَامِ عَلَيْهِ لِتِلْكَ الصِّحَّةِ ) أَيْ صِحَّةِ إطْلَاقِهِ لِمُتَعَدِّدٍ فَيَكْفِيهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ظَنَّ التَّعَنُّتِ فِي حَقِّهِ وَيَصْدُقُ لِعَدَالَتِهِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ .
( وَجَوَابُهُ ) أَيْ الِاسْتِفْسَارُ ( بَيَانُ ظُهُورِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِي مُرَادِهِ ) مِنْهُ ( بِالْوَضْعِ ) أَيْ بِبَيَانِ وَضْعِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمُرَادِ كَقَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ لِانْتِهَاءِ حُرْمَةِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا عَلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ بِوَطْءِ زَوْجٍ ثَانٍ شَرْعًا إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْوَطْءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فِي جَوَابِ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ مَا الْمُرَادُ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ يُقَالُ شَرْعًا عَلَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُرَادُ الْوَطْءُ لِوَضْعِهِ لَهُ مَعَ عَدَمِ الْمُوجِبِ لِلْعُدُولِ عَنْهُ ( أَوْ الْقَرِينَةِ ) الْمُنْضَمَّةِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ قَائِلًا بِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعَقْدِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَصْلُحُ مُبَاشَرَتُهَا لَهُ فِي جَوَابِ الْمُعْتَرِضِ الْمَذْكُورِ الْمُرَادُ الْعَقْدُ بِقَرِينَةِ الْإِسْنَادِ إلَى الْمَرْأَةِ ( أَوْ ذِكْرِ مَا أَرَادَ ) بِهِ إذَا عَجَزَ عَنْ بَيَانِ ظُهُورِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ ( بِلَا مُشَاحَّةِ تَكَلُّفِ نَقْلِ اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ فِيهِ ) نَعَمْ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ يَجِبُ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ كَتَفْسِيرِ يُخْرِجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الثَّوْرَ لِقَائِلٍ مَا الثَّوْرُ الْقِطْعَةُ
مِنْ الْأَقِطِ وَإِلَّا كَانَ مِنْ جِنْسِ اللَّعِبِ فَيَخْرُجُ عَمَّا وُضِعَتْ لَهُ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ إظْهَارِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُ وَقِيلَ يَسْمَعُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَاظَرَهُ بِلُغَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّ فِيهِ فَتْحَ بَابٍ لَا يَنْسَدُّ .
قَالَ السُّبْكِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ مَشْهُورًا فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَالْجَزْمُ تَبْكِيتُ الْمُعْتَرِضِ وَفِي مِثْلِهِ مَرَّ فَتَعَلَّمْ ثُمَّ ارْجِعْ فَتَكَلَّمْ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ التَّوْقَادِيُّ ( وَأَمَّا ) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَفْعِ خَفَاءِ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِهِ لِلْمُعْتَرِضِ ( يَلْزَمُ ظُهُورُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ اللَّذَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي أَحَدِهِمَا ( فَالْإِجْمَالُ ) أَيْ فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ لَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِجْمَالُ ( خِلَافُ الْأَصْلِ أَوْ ) يَلْزَمُ ظُهُورُهُ ( فِيمَا قَصَدْتَ إذْ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي الْآخَرِ ) بِمُوَافَقَتِكَ إيَّايَ عَلَى ذَلِكَ ( فَالْحَقُّ نَفْيُهُ ) أَيْ هَذَا الدَّفْعِ كَمَا عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ نَفْيَهُ كَمَا عَلَيْهِ آخَرُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ وُرُودِهِ ( فَاتَ الْغَرَضُ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( ذَكَرَ عَدَمَ فَهْمِهِ ) مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ ( فَلَمْ يُبَيَّنْ ) لَهُ مُرَادُهُ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ سُؤَالُ الِاسْتِفْسَارِ فِي عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ بِالْقِيَاسِ ( سُؤَالُ التَّقْسِيمِ ) فَإِنَّهُ جَارٍ فِي جَمِيعِ الْمُقَدِّمَاتِ الَّتِي تَقْبَلُ الْمَنْعَ وَلِذَا عَقَّبَهُ بِهِ وَهُوَ ( مَنْعُ أَحَدِ مَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ) بِعَيْنِهِ ( مَعَ تَسْلِيمِ الْآخَرِ ) أَيْ كَوْنُهُ مُسْلِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالَ كَوْنِهِ الْمَنْعَ ( مُقْتَصِرًا ) إنْ لَمْ يَقْرُنْ بِذِكْرِ تَسْلِيمِ الْآخَرِ بِأَنْ سَكَتَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ مُسْلِمًا ( أَوْ ) قَرَنَ ( بِذِكْرِهِ ) أَيْ التَّسْلِيمِ لَهُ ( كَفَى الصَّحِيحَ الْمُقِيمَ ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي إجَازَةِ التَّيَمُّمِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ ( فَقْدُ الْمَاءِ فَوُجِدَ سَبَبُ
التَّيَمُّمِ ) وَهُوَ فَقْدُ الْمَاءِ ( فَيَجُوزُ ) التَّيَمُّمُ ( فَيُقَالُ ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ ( سَبَبِيَّةُ الْفَقْدِ ) لِلْمَاءِ فَقْدُهُ ( مُطْلَقًا أَوْ ) فَقْدُهُ ( فِي السَّفَرِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَطْلُوبُ إذْ الْكَلَامُ فِي الصَّحِيحِ الْحَاضِرِ .
( وَفِي الْمُلْتَجِئِ ) أَيْ وَكَمَا يُقَالُ فِي الْقَاتِلِ عَمْدًا عُدْوَانًا إذَا لَاذَ بِالْحَرَمِ يُقْتَصُّ مِنْهُ إذْ ( الْقَتْلُ ) الْعَمْدُ ( الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ ) أَيْ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ ( فَيُقْتَصُّ فَيُقَالُ ) الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ سَبَبُهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مَعَ الِالْتِجَاءِ وَبِدُونِهِ ( أَوْ ) هُوَ سَبَبُهُ ( مَا لَمْ يَلْتَجِ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ ) وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ وَلَا يُلْزِمُ الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُلْتَجِئِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا السُّؤَالِ ( فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَمْنُوعِ مُرَادًا ) لِلْمُعْتَرِضِ وَلَا يَبْطُلُ كَلَامُ الْمُسْتَدِلِّ حَتَّى يَكُونَ الْمَمْنُوعُ مُرَادَهُ ( وَلِأَنَّ حَاصِلَهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ ( ادِّعَاءُ الْمُعْتَرِضِ مَانِعًا ) لِلْحُكْمِ ( وَبَيَانُهُ ) أَيْ الْمَانِعُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ لِدَعْوَاهُ أَمْرًا عَارِضًا ( وَالْمُخْتَارُ قَبُولُهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالُ ( لِجَوَازِ عَجْزِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( عَنْ إثْبَاتِهِ ) أَيْ الْمَمْنُوعِ وَلَهُ مَدْخَلٌ فِي هَدْمِ الدَّلِيلِ ( وَاللَّفْظُ ) لِلسَّائِلِ ( يُفِيدُ نَفْيَ السَّبَبِيَّةِ لَا وُجُودَ الْمَانِعِ مَعَ السَّبَبِ وَأَمَّا كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ ( بِهِ ) أَيْ بِالْإِبْطَالِ ( يَتَبَيَّنُ مُرَادُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ وَرُبَّمَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَتْمِيمُ الدَّلِيلِ مَعَ الْإِبْطَالِ كَمَا ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ فِي تَوْجِيهِ هَذَا ( فَلَيْسَ ) كَذَلِكَ ( بَلْ قِيَاسُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ ( يُفِيدُهُ ) أَيْ تَبْيِينُ مُرَادِهِ ( إذْ تَرْتِيبُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ ( عَلَى الْفَقْدِ ) لِلْمَاءِ مُطْلَقًا ( وَالْقَتْلِ ) الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ ( مُطْلَقًا فَهُوَ ) أَيْ مُرَادُهُ ( مَعْلُومٌ ) بِهَذَا .
( وَتَرْدِيدُ
السَّائِلِ تَجَاهُلٌ أَوْ تَحْرِيرُ التَّرْتِيبِ عَلَى الْفَقْدِ الْمُقَيَّدِ ) بِقَوْلِهِ فِي السَّفَرِ ( مُبَالَغَةٌ فِي الِاسْتِيضَاحِ وَيَكْفِيهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ ( الْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ ) وَلَا يَلْزَمُ بَيَانُهُ فَإِنَّ الدَّلِيلَ مَا لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهِ أَيْ بِلَا الْتِفَاتِ إلَى وُجُودِ الْمَانِعِ وَعَدَمِهِ أَفَادَ الظَّنَّ وَإِنَّمَا بَيَانُ كَوْنِهِ مَانِعًا عَلَى الْمُعْتَرِضِ ( هَذَا وَيُقْبَلُ ) هَذَا السُّؤَالُ ( وَإِنْ اشْتَرَكَا ) أَيْ احْتِمَالًا لِلَّفْظِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا ( فِي التَّسْلِيمِ إذَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِمَا مِنْ ) الْأَسْئِلَةِ ( الْفَوَادِحِ ) فِيهِمَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْسِيمِ مَعْنًى كَمَا لَوْ اشْتَرَكَا فِي الْمَنْعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَمْنُوعًا وَالْآخَرُ مُسَلَّمًا هَذَا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَعِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَ هَذَا سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ سُؤَالِ الِاسْتِفْسَارِ فَلَا مَعْنَى لِجَعْلِهِ وَاحِدًا مُسْتَقِلًّا مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ .
( ثُمَّ ) قَالَ ( الْحَنَفِيَّةُ الْعِلَلُ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ ) وَعَلِمْتُ أَنَّ ( مِنْهَا ) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ الْعِلَّةَ ( الْمُلَائِمَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ لِلسَّائِلِ فِيهَا ) أَيْ الْمُؤَثِّرَةِ ( إلَّا الْمَانِعَةُ ) أَيْ مَنْعُ مُقَدِّمَةِ الدَّلِيلِ مَعَ السَّنَدِ أَيْ مَا الْمَنْعُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَوَّلًا مَعَهُ وَهِيَ مَنْعُ ثُبُوتِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعُ صَلَاحِيَّةِ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ أَوْ مَنْعُ نِسْبَةِ الْحُكْمِ إلَى الْوَصْفِ ( وَالْمُعَارَضَةُ ) وَهِيَ لُغَةً الْمُقَابَلَةُ عَلَى سَبِيلِ الْمُمَانَعَةِ وَاصْطِلَاحًا تَسْلِيمُ دَلِيلِ الْمُعَلَّلِ دُونَ مَدْلُولِهِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى نَفْيِ مَدْلُولِهِ ( لِأَنَّهُمَا لَا يَقْدَحَانِ فِي الدَّلِيلِ ) كَمَا عَلِمْت ( بِخِلَافِ فَسَادِ الْوَضْعِ ) أَيْ كَوْنِ الْعِلَّةِ مُرَتَّبًا عَلَيْهَا نَقِيضُ مَا تَقْتَضِيهِ ( وَ ) فَسَادِ ( الِاعْتِبَارِ ) أَيْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَمَا سَنَذْكُرُ ( وَالْمُنَاقَضَةُ ) أَيْ وُجُودُ الْعِلَّةِ فِي صُورَةٍ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا قَالَ ( أَيْ النَّقْضُ ) لِئَلَّا يَتَبَادَرَ بِمَعْنَى مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ بِعَيْنِهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ الْجَدَلِيِّينَ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لَيْسَتْ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ ( إذْ يُوجِبُ ) كُلٌّ مِنْهَا ( تَنَاقُضَ الشَّرْعِ ) لِأَنَّ التَّأْثِيرَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ لَا تَحْتَمِلُ التَّنَاقُضَ فَكَذَا التَّأْثِيرُ الثَّابِتُ بِهَا لِأَنَّ فِي مُنَاقَضَتِهِ مُنَاقَضَتُهَا ( وَهَذَا ) أَيْ هَذَا النَّقْضُ إنَّمَا لَا يَكُونُ لِلسَّائِلِ فِي الْمُؤَثِّرَةِ ( عَلَى مَنْعِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ ) .
أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَوْرَدَ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ كَمَا لَا تَحْتَمِلُ الْمُنَاقَضَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْمُعَارَضَةَ أَيْضًا فَلِمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أُجِيبَ بِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْمُعَارَضَةُ
حَقِيقَةً تَحْتَمِلُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِلْجَهْلِ بِالنَّاسِخِ بِخِلَافِ الْمُنَاقَضَةِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهَا أَصْلًا لِأَنَّ التَّنَاقُضَ يُبْطِلُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَةُ الْجَهْلِ إلَى الشَّارِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَافْتَرَقَا ( وَأَمَّا وُجُودُ الْحُكْمِ دُونَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( وَهُوَ الْعَكْسُ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ ) عَنْ الْمُؤَثِّرَةِ وَالطَّرْدِيَّةِ عِنْدَ شَارِطِي انْعِكَاسِ الْعِلَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِهَا مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ ( وَكَذَا الْمُفَارَقَةُ ) أَيْ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ وَإِبْدَاءُ وَصْفٍ صَالِحٍ لِلْعِلِّيَّةِ غَيْرَهُ أَوْ مَنْعُ اسْتِدْلَالِهِ بِالْعِلَّةِ بِادِّعَاءِ أَنَّهُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلَّةُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ فَعَامُّ الِانْتِفَاءِ عَنْهُمَا أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَإِنْ وُجِدَتْ صُورَةُ النَّقْضِ ) فِي الْمُؤَثِّرَةِ ( دُفِعَ بِأَرْبَعٍ ) مِنْ الطُّرُقِ ( نَذْكُرُهَا وَعَلَى الطَّرْدِ تَرِدُ ) هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ الْمُمَانَعَةِ وَالْمُعَارَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ وَالْمُنَاقَضَةِ ( مَعَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ) أَيْ الْتِزَامِ السَّائِلِ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ ( وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا ) أَيْ الطَّرْدِيَّةِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا بَلْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ الْعِلَلُ قِسْمَانِ طَرْدِيَّةٌ وَمُؤَثِّرَةٌ وَعَلَى كُلٍّ ضُرُوبٌ مِنْ الدَّفْعِ أَمَّا الْمُؤَثِّرَةُ فَبِطَرِيقٍ صَحِيحٍ وَطَرِيقٍ فَاسِدٍ أَمَّا الْفَاسِدُ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْمُنَاقَضَةُ وَفَسَادُ الْوَضْعِ وَقِيَامُ الْحُكْمِ مَعَ عَدَمِ الْعِلَّةِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَأَمَّا الصَّحِيحُ فَوَجْهَانِ الْمُعَارَضَةُ وَالْمُمَانَعَةُ وَوُجُوهُ دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ أَرْبَعَةٌ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ ثُمَّ الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ بَيَانُ
فَسَادِ الْوَضْعِ ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ ا هـ مُلَخَّصًا وَتَابَعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى هَذَا يُوهِمُ اخْتِصَاصَ كُلٍّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ بِمَا ذُكِرَ لَهَا مِنْ وُجُوهِ الدَّفْعِ وَمِنْ ثَمَّةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي الطَّرِيقَ الصَّحِيحَ فِي دَفْعِ الْمُؤَثِّرَةِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ أَوَّلُهَا الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ الْقَلْبُ الْمُبْطِلُ ثُمَّ الْعَكْسُ الْكَاسِرُ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُنَوَّعَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا وَاَلَّتِي ذُكِرَتْ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ يَتَدَاخَلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَاَلَّتِي لَا تَدَاخُلَ فِيهَا لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا بَلْ تَجْرِي فِيهَا فَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ هُنَا وَتِلْكَ الْأَرْبَعَةِ هُنَالِكَ لَا يَخْلُو عَنْ تَحَكُّمٍ وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي تَرْتِيبِ وُجُوهِ دَفْعِ الطَّرْدِيَّةِ مَا هُوَ الْمُتَدَاوَلُ مِنْ أَنَّهُ قَدَّمَ الْقَوْلَ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الْخِلَافَ بِتَسْلِيمِ مُوجِبِ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إذْ الْمَصِيرُ إلَى الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْمُوَافَقَةِ ثُمَّ الْمُمَانَعَةِ عَلَى الْبَاقِيَيْنِ لِأَنَّ الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنْهُمَا ثُمَّ فَسَادِ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ أَقْوَى فِي الدَّفْعِ إذْ الْمُنَاقَضَةُ خَجَلُ مَجْلِسٍ وَهَذَا انْقِطَاعٌ كُلِّيٌّ .
قَالَ وَلَمْ أَدْرِ مَا دَعَاهُمْ إلَى تَرْكِ الْمُعَارَضَةِ هُنَا مَعَ أَنَّ الْعِلَّةَ الطَّرْدِيَّةَ قَدْ تُدْفَعُ كَمَا تُدْفَعُ بِهَا الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ كَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الطَّرْدِيَّةَ تَنْدَفِعُ لَا مَحَالَةَ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ السَّائِلُ إلَى الِاشْتِغَالِ بِهَا هَذَا وَقَدْ وَافَقَ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى فَسَادِ الِاعْتِرَاضِ بِالْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ إنْ أَرَادُوا فَسَادَهَا قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الْوَصْفِ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِالْمُمَانَعَةِ لَمَّا صَحَّ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ مُؤَثِّرًا صَحَّ
الِاعْتِرَاضُ بِهِمَا أَيْضًا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَإِنْ أَرَادُوا بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِهِ فَلَا فَرْقَ إذًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَانِعَةِ فِي الْفَسَادِ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ لَمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ مَحَلُّ الْمُمَانَعَةِ كَمَا لَمْ يَبْقَ مَحَلُّهَا وَأُجِيبُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بُطْلَانُ دَفْعِ السَّائِلِ بِهِمَا بَعْد ظُهُورِ أَثَرِ الْوَصْفِ عِنْدَ الْمُجِيبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ظُهُورِهِ لَا يَحْتَمِلُهُمَا وَلَكِنَّهُ يَقْبَلُ الْمُمَانَعَةَ لِأَنَّ السَّائِلَ إنَّمَا يَمْنَعُهُ حَتَّى تَظْهَرَ صِحَّتُهُ وَأَثَرُهُ عِنْدَهُ أَيْضًا كَمَا ظَهَرَ عِنْدَ الْمُجِيبِ فَتَنْفَعُهُ الْمُمَانَعَةُ وَجَوَّزَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وُرُودَ النَّقْضِ وَفَسَادَ الْوَضْعِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ لِأَنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ لَا يَرِدَانِ عَلَى عِلَّةِ الشَّارِعِ بَلْ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ الْمُجِيبُ عِلَّةً مُؤَثِّرَةً وَذَا فِي الْحَقِيقَةِ يَثْبُتُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ .
وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَدُفِعَ ) التَّخْصِيصُ مُطْلَقًا ( بِأَنَّ الْإِيرَادَ ) لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ ( بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( لِلْعِلِّيَّةِ إنْكَارِ ظَنِّهِ ) أَيْ إنْكَارِ السَّائِلِ مُطَابَقَةَ ظَنِّ الْمُسْتَدِلِّ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( لَا عَلَى ) الْعِلَلِ ( الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا ) إذَا كَانَ الْإِيرَادُ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( فَيَجِبُ نَفْيُ ) إيرَادِ ( الْمُعَارَضَةِ أَيْضًا ) عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ ( إذْ بَعْدَ ظُهُورِ تَأْثِيرِ الْوَصْفِ ) يَلْزَمُ ( فِي الْمُعَارَضَةِ الْمُنَاقَضَةُ ) لِلشَّرْعِ ( خُصُوصًا بِطَرِيقِ الْقَلْبِ ) وَمُنَاقَضَتُهُ بَاطِلَةٌ فَالْمُعَارَضَةُ بَاطِلَةٌ بَلْ وَعَزَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ كَوْنَ النَّقِيضِ سُؤَالًا صَحِيحًا تَبْطُلُ بِهِ الْعِلَّةُ خُصُوصًا عِنْدَ مَنْ لَمْ يُجَوِّزْ تَخْصِيصَهَا إلَى غَايَةِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ عَلَى الْعِلَلِ الْمُؤَثِّرَةِ فَسَادَهُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ تَأْثِيرُهَا
بِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ فَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّأْثِيرِ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ مُمَانَعَتُهُ فِي نَفْسِ الْوَصْفِ فِي التَّحْقِيقِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ فَالِاعْتِرَاضَاتُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْعِلَلِ خَمْسَةٌ : الْأَوَّلُ الْمُمَانَعَةُ ثُمَّ فَسَادُ الْوَضْعِ ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ ثُمَّ الْقَلْبُ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الِاعْتِرَاضَاتُ الْفَاسِدَةُ عَلَى الْعِلَلِ وَالطَّرْدِيَّاتِ الْفَاسِدَةِ فَلَا نِهَايَةَ لَهَا لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فَاسِدُ الْخَاطِرِ يَعْتَرِضُ بِأَلْفِ أَلْفِ اعْتِرَاضَاتٍ فَاسِدَةٍ وَيَأْتِي بِأَلْفِ أَلْفِ طَرْدِيَّاتٍ فَاسِدَةٍ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى حَصْرِهَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ .
وَهَكَذَا ذَكَرَ عَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( وَإِذْ لَا تَخْصِيصَ ) لِبَعْضِ الِاعْتِرَاضَاتِ بِالْمُؤَثِّرَةِ دُونَ الطَّرْدِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ ( نَذْكُرُهَا ) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ ( بِلَا تَفْصِيلٍ وَتَعَرُّضٍ لِخُصُوصِيَّاتِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا ( الْأَوَّلُ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ كَوْنُ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَا وُجُودَ لَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ لَهُ ( حِينَئِذٍ لِيَنْظُرَ فِي مُقَدِّمَاتِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقِيَاسِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَ وَضْعُهُ وَتَرْكِيبُهُ صَحِيحًا لِكَوْنِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الصَّالِحَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ( وَتَخَلُّصِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ( بِالطَّعْنِ فِي السَّنَدِ ) لِلنَّصِّ ( إنْ أَمْكَنَ ) بِأَنْ لَا يَكُونَ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً مُتَوَاتِرَةً بِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ أَوْ كَذَّبَ الْأَصْلُ الْفَرْعَ فِيهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي الْوَاقِعِ كَذَلِكَ ( أَوْ ) فِي ( دَلَالَتِهِ ) عَلَى مَطْلُوبِ الْمُعْتَرِضِ بِأَنَّهُ غَيْرُ شَامِلٍ لَهُ أَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِيهِ ( أَوْ أَنَّهُ ) وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ مَا ذَكَرْتُ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ بَلْ هُوَ ( مَا دَلَّ بِدَلِيلِهِ ) أَيْ التَّأْوِيلِ الْمُفِيدِ
يُرَجِّحُهُ عَلَى الظَّاهِرِ ( أَوْ ) أَنَّهُ ( خَصَّ مِنْهُ حُكْمَ الْقِيَاسِ ) مَعَ بَيَانِ دَلِيلِ التَّخْصِيصِ وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ فَإِنَّ التَّأْوِيلَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ إضْمَارٍ أَوْ غَيْرِهِ .
( وَمُعَارَضَتِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ نَصُّ الْمُعْتَرِضِ ( بِمُسَاوٍ فِي النَّوْعِ ) لَهُ كَالْكِتَابِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالسَّنَةِ ( وَالتَّرْجِيحِ ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ التَّسَاوِي ( بِالْخُصُوصِيَّةِ ) الْمُمْتَازِ بِهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْمُحْكَمِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَهُوَ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْخُصُوصِيَّةُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَتَّى يَتَسَاقَطَ النَّصَّانِ سَلِمَ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ ( فَلَوْ عَارَضَ الْآخَرَ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( بِآخَرَ ) أَيْ بِنَصٍّ آخَرَ مَعَ الْأَوَّلِ ( مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ ) أَيْ نَوْعِ الْأَوَّلِ ( وَجَبَ أَنْ يَبْنِيَ ) تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ( عَلَى التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ ) وَالْوَجْهُ الرُّوَاةُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشُّهْرَةِ فِي فَصْلِ التَّرْجِيحِ ( وَعَلَى ) الْقَوْلِ بِأَنْ ( لَا تَرْجِيحَ بِكَثْرَةِ ) الرُّوَاةِ ( لَا يُعَارِضُ النَّصُّ النَّصَّ وَالْقِيَاسَ لِيَقِفَ الْقِيَاسُ لِلْعِلْمِ بِسُقُوطِ هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي نَظَرِ الصَّحَابَةِ ) فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرْجِعُونَ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ إلَى الْقِيَاسِ فَمَا أَوْجَبَهُ الْقِيَاسُ أَخَذُوا بِهِ عَلَى مَا يُفِيدُهُ تَتَبُّعُ أَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْمُنَاظَرُ تِلْوَ الْمُنَاظَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَصْدِ إلَى إظْهَارِ الصَّوَابِ ( وَمِنْ نَوْعِهِ ) أَيْ لَوْ عَارَضَ الْمُعْتَرِضَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ بِنَصٍّ آخَرَ مِنْ نَوْعِ دَلِيلِهِ الْأَوَّلِ أَيْضًا مَعَ دَلِيلِهِ الْأَوَّلِ ( لَا يَرْجَحُ ) دَلِيلُ الْمُعْتَرِضِ الْأَوَّلِ بِهِ ( اتِّفَاقًا ) بَلْ كِلَاهُمَا يُعَارِضُهُمَا نَصُّ الْمُسْتَدِلِّ الْوَاحِدِ كَمَا يُعَارِضُ شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ شَهَادَةَ الْأَرْبَعِ ( وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَدِلُّ ) لِلْمُعْتَرِضِ ( عَارَضَ نَصُّك قِيَاسِي فَسَلِمَ نَصِّي فَبَعُدَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ هُوَ ( الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُثْبَتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْإِثْبَاتِ بِالْقِيَاسِ ( مُعْتَرِفٌ بِفَسَادِ
الِاعْتِبَارِ عَلَى قِيَاسِهِ ) لِاعْتِرَافِهِ بِمُعَارَضَةِ قِيَاسِهِ النَّصَّ مِثَالُهُ ( نَحْوَ ) أَنْ يَقُولَ الشَّافِعِيُّ فِي حِلِّ ذَبِيحَةِ الْمُسْلِمِ الْمَتْرُوكَةِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا ( ذَبْحِ التَّارِكِ ) لَهَا ذَبْحٌ ( مِنْ أَهْلِهِ ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُسْلِمًا ( فِي مَحَلِّهِ ) أَيْ فِيمَا جَازَ أَكْلُ لَحْمِهِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا ( فَيَحِلُّهَا كَالنَّاسِي ) أَيْ كَذَبْحِ نَاسِي التَّسْمِيَةِ .
( فَيُقَالُ ) فِي جَوَابِهِ هَذَا قِيَاسٌ ( فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُعَارَضَةِ { وَلَا تَأْكُلُوا } الْآيَةَ ) أَيْ { مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } ( فَالْمُسْتَدِلُّ ) الشَّافِعِيُّ يَقُولُ هَذَا ( مُؤَوَّلٌ بِذَبْحِ الْوَثَنِيِّ بِقَوْلِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { الْمُؤْمِنُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ } ) وَيَتَمَشَّى لَهُ فِي الْجُمْلَةِ إذَا أَثْبَتَ هَذَا وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَاهُ فَفِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ الصَّلْتِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ إنَّهُ إذَا ذَكَرَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا اسْمَ اللَّهِ } وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا يَضُرُّ حِينَئِذٍ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ ( وَمَا قِيلَ ) فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ( خَصَّ ) مَذْبُوحَ ( النَّاسِي ) مِنْ نَصِّ { وَلَا تَأْكُلُوا } الْآيَةَ ( بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْ قِيسَ عَلَيْهِ ) أَيْ النَّاسِي ( الْعَامِدُ أَوْجَبَ ) الْقِيَاسُ عَلَيْهِ ( كَوْنَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( نَاسِخًا ) لِلنَّصِّ ( لَا مُخَصِّصًا إذَا لَمْ يَبْقَ تَحْتَ الْعَامِّ ) يَعْنِي مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ( شَيْءٌ ) لِأَنَّ تَحْتَهُ النَّاسِيَ وَالْعَامِدَ وَقَدْ خَرَجَا ( إنَّمَا يَنْتَهِضُ ) دَافِعًا لَهُ ( إذَا لَمْ يَلْزَمْ ) أَنْ يَكُونَ النَّصُّ ( مُؤَوَّلًا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ الْحَاصِلُ أَنَّ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إفْسَادِ هَذَا الْقِيَاسِ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى فَسَادُ الِاعْتِبَارِ فَإِذَا أَثْبَتَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّصَّ مُؤَوَّلٌ انْدَفَعَ الثَّانِي إفْسَادُهُ
بِإِلْزَامِ أَنَّ قِيَاسَهُ حِينَئِذٍ نَاسِخٌ لِلْكِتَابِ وَهُوَ أَيْضًا مُنْدَفِعٌ بِالتَّأْوِيلِ يَعْنِي بِمَا إذَا ذَبَحَ لِلنَّصِّ وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْعَامِدِ فَالْعَامِدُ يَنْقَسِمُ إلَى تَارِكٍ فَقَطْ وَتَارِكٍ مَعَ الذَّبْحِ لِلنُّصُبِ وَإِذَا أُرِيدَ بِالْآيَةِ هَذَا الثَّانِي فَيَلْزَمُ إمَّا أَنْ يَبْقَى تَحْتَ الْعَامِّ هَذَا الْعَامِدُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُخْرِجْهُ بَلْ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ الثَّانِي قِسْمًا مِنْ التَّارِكِ الْعَامِدِ فَلَيْسَ حِينَئِذٍ مِنْ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي فَصْلِ الشُّرُوطِ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
( فَلَوْ قَالَ ) الْمُسْتَدِلُّ لَمَّا أَلْزَمَهُ الْمُعْتَرِضُ فَسَادَ الِاعْتِبَارِ ( قِيَاسِي أَرْجَحُ مِنْ نَصِّكَ ) فَلَا يَلْزَمُنِي فَسَادُ الِاعْتِبَارِ ( فَلَيْسَ لِلْمُعْتَرِضِ ) أَنْ يُبَيِّنَ فَسَادَ قِيَاسِهِ بِالْفَارِقِ لِيَنْدَفِعَ قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ قِيَاسَهُ أَرْجَحُ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ فَيَثْبُتُ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي هَذَا الْمِثَالِ ( إبْدَاءُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَامِدَ ( صَدَفَ ) أَيْ أَعْرَضَ ( عَنْ الذِّكْرِ مَعَ اسْتِحْضَارِ مَطْلُوبِيَّتِهِ ) أَيْ الذِّكْرِ مِنْهُ ( شَرْعًا ) فَكَانَ مُقَصِّرًا ( بِخِلَافِ النَّاسِي ) فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فَكَانَ الْعِلَّةُ أَنَّهُ ذَبْحٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ غَيْرُ مُقَصِّرٍ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَامِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ بَيَانَ الْفَارِقِ مُسْتَقِلٌّ بِفَسَادِ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ رُجُوعًا عَنْ إفْسَادِهِ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ إلَى إفْسَادِهِ بِبَيَانِ الْفَارِقِ فَهُوَ كَمَا قَالَ ( انْتِقَالٌ عَنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ ) أَيْ إفْسَادِ الْقِيَاسِ بِهِ إلَى إفْسَادِهِ بِبَيَانِ الْفَارِقِ وَأَيُّ شَيْءٍ أَقْبَحُ فِي الْمُنَاظَرَةِ مِنْ الِانْتِقَالِ .
( وَلِلْمُعْتَرِضِ مَنْعُ مُعَارَضَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِعَامِّ الْكِتَابِ ) أَيْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ( فَلَا يَتِمُّ ) أَنْ يَكُونَ ( مُؤَوَّلًا وَلِلْمُجِيبِ إثْبَاتُهُ ) أَيْ كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُعَارِضًا لِعَامِّ الْكِتَابِ ( إنْ قَدَرَ ) عَلَى ذَلِكَ ( وَلَيْسَ ) إثْبَاتُهُ ( انْقِطَاعًا وَإِنْ كَانَ مُنْتَقِلًا إلَى ) دَلِيلٍ ( آخَرَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مِثْلِ مُقَدِّمَاتِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ ( أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ انْقِطَاعًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُجِيبَ ( يُعَدُّ سَاعٍ فِي إثْبَاتِ نَفْسِ مُدَّعَاهُ كَمَنْ احْتَجَّ بِالْقِيَاسِ فَمَنَعَ جَوَازَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( فَاحْتَجَّ ) الْمُحْتَجُّ بِهِ ( بِقَوْلِ عُمَر لِأَبِي مُوسَى اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ وَقِسْ الْأُمُورَ عِنْدَ ذَلِكَ ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا ( فَمَنَعَ ) مَانِعٌ جَوَازَهُ ( حُجِّيَّةَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَأَثْبَتَهُ ) أَيْ الْمُحْتَجُّ حُجِّيَّتَهُ ( بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ } ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْإِجْمَاعِ ( فَمَنَعَ ) الْمَانِعُ الْمَذْكُورُ ( حُجِّيَّةَ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَأَثْبَتَهُ ) أَيْ الْمُحْتَجُّ كَوْنُهُ حُجَّةً بِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَّةِ .
( وَإِذْ يَتَرَدَّدُ فِي الْأَجْوِبَةِ ) شَيْءٌ ( مِنْ هَذَا ) أَيْ الِانْتِقَالِ مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ ( فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ فِي الِانْتِقَالِ ) مِنْ كَلَامٍ إلَى آخَرَ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُسْتَدِلُّ إثْبَاتَ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ هُوَ ( إمَّا مِنْ عِلَّةٍ إلَى ) عِلَّةٍ ( أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ ( أَوْ ) مِنْ حُكْمٍ ( إلَى حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ) الْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ ( بِتِلْكَ الْعِلَّةِ ) الَّتِي هِيَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ ( أَوْ ) إلَى حُكْمٍ آخَرَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ الْمُنْتَقِلُ ( بِأُخْرَى ) وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ اتِّفَاقًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ الْتَزَمَ إثْبَاتَ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّةِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ ثُبُوتَهَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهَا فَمَا دَامَ سَعْيُهُ فِي إثْبَاتِ تِلْكَ الْعِلَّةِ يَكُونُ وَفَاءً مِنْهُ بِمَا الْتَزَمَ وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُمَانَعَةِ فَإِنَّ السَّائِلَ لَمَّا مَنَعَ وَصْفَ الْمُعَلَّلِ عَنْ كَوْنِهِ عِلَّةً لَزِمَهُ إثْبَاتُ عِلِّيَّتِهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ ضَرُورَةً فَلَا يُعَدُّ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا هُوَ وَظِيفَتُهُ .
وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ الْخَصْمِ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ السَّائِلَ لَمَّا سَلَّمَ الْحُكْمَ الَّذِي رَتَّبَهُ الْمُجِيبُ عَلَى الْعِلَّةِ وَادَّعَى النِّزَاعَ فِي حُكْمٍ آخَرَ لَمْ يَتِمَّ غَرَضُ الْمُجِيبِ فَيَنْتَقِلُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَذَلِكَ آيَةُ كَمَالِ فِقْهِهِ حَيْثُ عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ يُمَكِّنُهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ وَدَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ وَصْفِهِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ بِهِ ( أَوْ ) مِنْ عِلَّةٍ ( إلَى ) عِلَّةٍ ( أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ ) لَا