كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد
مَعْلُومٌ أَوْ مَجْهُولٌ لَا يَبْقَى حُجَّةً بَلْ يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ ، انْتَهَى وَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ إنَّمَا لَمْ يَسْتَثْنُوا أَخَصَّ الْخُصُوصِ كَالْأَوَّلَيْنِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ نَسْخًا كَمَا سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مَعَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ بِقَيْدِ التَّعْيِينِ قَبْلَ الْبَيَانِ أَيْضًا لِأَنَّ كُلَّ فَرْضٍ مِنْ الْبَاقِي يَحْتَمِلُ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْبَاقِيَ وَأَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا ، وَلَكِنْ عَلَى هَذَا لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِ الْأَوَّلَيْنِ هَذَا بِمَا إذَا كَانَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا فَإِنَّهُ كَذَلِكَ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لِعَيْنِ هَذَا التَّوْجِيهِ ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ قَوْلَ الْبَلْخِيّ هُوَ بِعَيْنِهِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ شَارِحُو مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي قَوْلِهِ وَفَصَّلَ الْكَرْخِيُّ ، انْتَهَى .
فَقَالَ إنْ خُصَّ بِمُتَّصِلٍ كَانَ حُجَّةً وَإِلَّا فَلَا وَظَهَرَ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْبَدِيعِ الِاسْتِثْنَاءُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ فِي الْحَقِيقَةِ إلَيْهِ ( لَنَا ) عَلَى الْأَوَّلِ ( اسْتِدْلَالُ الصَّحَابَةِ بِهِ ) أَيْ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِمُبَيِّنٍ ، وَتَكَرَّرَ وَشَاعَ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ إجْمَاعًا .
( وَلَوْ قَالَ : أَكْرِمْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَا تُكْرِمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَتَرَكَ ) إكْرَامَ سَائِرِهِمْ ( قُطِعَ بِعِصْيَانِهِ ) فَدَلَّ عَلَى ظُهُورِهِ فِيهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَلِأَنَّ تَنَاوُلَ الْبَاقِي بَعْدَهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( بَاقٍ ، وَحُجِّيَّتَهُ ) أَيْ الْعَامِّ ( فِيهِ ) أَيْ الْبَاقِي ( كَانَ بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ التَّنَاوُلِ ( وَبِهَذَا ) الدَّلِيلِ الْأَخِيرِ ( اسْتَدَلَّ الْمُطْلِقُ ) لِحُجِّيَّتِهِ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي وَجْهُهُ ( وَيُدْفَعُ ) قَوْلُ الْمُطْلِقِ ( بِاسْتِدْلَالِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا كَانَ بِعَامٍّ مَخْصُوصٍ بِمُبَيِّنٍ ( وَالْعِصْيَانُ ) بِتَرْكِ فِعْلِ مَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ طَلَبُ فِعْلِهِ إنَّمَا هُوَ أَيْضًا ( فِي الْمُبَيَّنِ ، وَالْحُجَّةُ فِيهِ ) أَيْ الثَّانِي ( قَبْلَهُ ) أَيْ
التَّخْصِيصِ أَيْضًا إنَّمَا كَانَ ( لِعَدَمِ الْإِجْمَالِ ) فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِي الْمَخْصُوصِ بِمُجْمَلٍ لِتَحَقُّقِ الْإِجْمَالِ حِينَئِذٍ ( وَبَقَاؤُهُ ) أَيْ التَّنَاوُلِ إنَّمَا هُوَ أَيْضًا ( فِي الْمُبَيَّنِ لَا الْمُجْمَلِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْعَامُّ عِنْدَهُ كَالْخَاصِّ ) فِي قَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - : ( لِلْمُخَصِّصِ شَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ ) بِحُكْمِهِ ( لِبَيَانِهِ عَدَمَ إرَادَةِ الْمُخْرَجِ ) مِمَّا تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ بِحُكْمِهِ ( وَ ) شَبَهُ ( النَّاسِخِ ) بِصِيغَتِهِ ( لِاسْتِقْلَالِهِ ) بِنَفْسِهِ فِي الْإِفَادَةِ ( فَيَبْطُلُ ) الْمُخَصِّصُ ( إذَا كَانَ مَجْهُولًا ) أَيْ مُتَنَاوِلًا لِمَا هُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَ السَّامِعِ ( لِلثَّانِي ) أَيْ لِشَبَهِ النَّاسِخِ ( وَيَبْقَى الْعَامُّ عَلَى قَطْعِيَّتِهِ لِبُطْلَانِ النَّاسِخِ الْمَجْهُولِ ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْمَعْلُومِ وَلَا تَتَعَدَّى جَهَالَةُ الْمُخَصِّصِ إلَيْهِ لِكَوْنِ الْمُخَصِّصِ مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفٍ قَائِمٍ بِصَدْرِ الْكَلَامِ لَا يُفِيدُ بِدُونِهِ حَتَّى إنَّ مَجْمُوعَ الِاسْتِثْنَاءِ وَصَدْرِ الْكَلَامِ بِمَنْزِلَةِ كَلَامٍ وَاحِدٍ فَجَهَالَتُهُ تُوجِبُ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَصِيرُ مَجْهُولًا مُجْمَلًا مُتَوَقِّفًا عَلَى الْبَيَانِ ( وَيَبْطُلُ الْأَوَّلُ ) أَيْ كَوْنُ الْعَامِّ قَطْعِيًّا ( لِلْأَوَّلِ ) أَيْ لِشَبَهِهِ بِالِاسْتِثْنَاءِ لِتَعَدِّي جَهَالَتِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ ( وَفِي ) الْمُخَصِّصِ ( الْمَعْلُومِ شَبَهِ النَّاسِخِ ) مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُسْتَقِلًّا ( يُبْطِلُهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( لِصِحَّةِ تَعْلِيلِهِ ) أَيْ الْمُخَصِّصِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَإِنْ كَانَ النَّاسِخُ لَا يُعَلَّلُ ( وَجَهْلِ قَدْرِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ ) بِالْقِيَاسِ ( فَيُجْهَلُ الْمُخْرِجُ ) بِهَذَا السَّبَبِ ( وَشَبَهُ الِاسْتِثْنَاءِ ) مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ وَعَدَمُ دُخُولِ الْمَخْصُوصِ تَحْتَ الْحُكْمِ الْعَامِّ ( يَبْقَى قَطْعِيَّتُهُ )
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ ( ضَعِيفٌ لِأَنَّ إعْمَالَ الشَّبَهَيْنِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ - وَهُوَ ) أَيْ إمْكَانُ إعْمَالِهِمَا ( مُنْتَفٍ - فِي الْمَجْهُولِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ ) أَيْ الشَّبَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ( لَا بِهِ ) أَيْ الشَّبَهُ بِهِ ( مَعْنَوِيٌّ ) لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُخْرِجُ مِنْ الْعَامِّ كَالْمُسْتَقِلِّ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ تَخْصِيصًا ( اصْطِلَاحًا وَشَبَهُ النَّاسِخِ طَرْدٌ ) لَا أَثَرَ لَهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّبَهَ بِهِ ( فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ ) أَيْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُحْتَاجُ فِي صِحَّةِ التَّكَلُّمِ بِهِ إلَى غَيْرِهِ ( وَعَلَى هَذَا ) وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ شَبَهُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ ( تَبْطُلُ حُجِّيَّتُهُ ) فِي الْمَجْهُولِ ( كَالْجُمْهُورِ وَصَيْرُورَتُهُ ظَنِّيًّا فِي الْمَعْلُومِ لِمَا تَحَقَّقَ مِنْ عَدَمِ إرَادَةِ مَعْنَاهُ ) أَيْ الْعَامِّ بِسَبَبِ التَّخْصِيصِ بِالْمَعْلُومِ ( مَعَ احْتِمَالِ قِيَاسٍ آخَرَ مُخْرِجٍ ) مِنْهُ بَعْضَهُ أَيْضًا ( وَهَذَا لِتَضَمُّنِهِ ) أَيْ الْمُخَصِّصِ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ ( حُكْمًا ) لَا حَقِيقَةً فَقَدْ تَضَمَّنَ مَا يُوجِبُ الِاحْتِمَالَ لِلْإِخْرَاجِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ لِتَضَمُّنِ الْمُخَصَّصِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ - حُكْمًا شَرْعِيًّا ، وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ ( لَا لِشَبَهِ النَّاسِخِ بِاسْتِقْلَالِ صِيغَتِهِ ) لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ ( وَكَوْنُ السَّمْعِيِّ حُجَّةً ) فِي إثْبَاتِ حُكْمٍ ( فَرْعُ مَعْلُومِيَّةِ مَحَلِّ حُكْمِهِ وَالْقَطْعِ بِنَفْيِهَا ) أَيْ مَعْلُومِيَّةِ مَحَلِّ حُكْمِهِ ( فِي نَحْوِ لَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ فَإِنْ دُفِعَ ) هَذَا ( بِثُبُوتِهَا ) أَيْ الْحُجِّيَّةِ مَعَ انْتِفَاءِ مَعْلُومِيَّةِ حُكْمِ الْمُخَصِّصِ ( فِي نَحْوِ { وَحَرَّمَ الرِّبَا } ) مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ( لِلْعِلْمِ بِحِلِّ الْبَيْعِ قُلْنَا : إنْ عَلِمُوهُ ) أَيْ الرِّبَا ( نَوْعًا مَعْرُوفًا مِنْ الْبَيْعِ فَلَا إجْمَالَ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوهُ نَوْعًا مِنْهُ ( فَكَ حَرَّمَ بَعْضَ الْبَيْعِ ) أَيْ فَهُوَ مُجْمَلٌ
يَتَوَقَّفُ الْعَمَلُ بِهِ إلَى الْبَيَانِ مَعَ اعْتِقَادِ حَقِّيَّةِ الْمُرَادِ بِهِ .
( وَإِخْرَاجِ سَارِقِ أَقَلَّ مِنْ ) مِقْدَارِ قِيمَةِ ( الْمِجَنِّ ) الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَيْمَنَ قَالَ { لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ وَثَمَنُهُ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَيْ فِي مِقْدَارِ ثَمَنِهِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمَجْهُولِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ أَنَّ مِقْدَارَ قِيمَتِهِ كَانَ مَجْهُولًا بَلْ هُوَ مَعْلُومٌ كَمَا أَفَادَهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ { كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَصْحَابُنَا : لَا تُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَإِنَّهَا كَانَتْ قِيمَةَ الدِّينَارِ ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَظْهَرِ رِوَايَاتِهِ : تُقْطَعُ إذَا سَرَقَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعَ دِينَارٍ ، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدَلِيلِ مَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ } وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( مُدَّعَى كُلِّ مَعْلُومِيَّةِ كَمِّيَّةِ ثَلَاثَةٍ أَوْ عَشَرَةٍ فَلَيْسَ ) تَخْصِيصُ عُمُومِ الْآيَةِ بِهِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْمُجْمَلِ فَلَا يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِآيَةِ السَّرِقَةِ عَلَى قَطْعِ السَّارِقِ شَرْعًا ( أَوْ ) سَلَّمْنَا أَنَّهُ مِنْهُ لَكِنَّهُمْ ( تَوَقَّفُوا أَوَّلًا ) فِي الْعَمَلِ بِآيَةِ السَّرِقَةِ ( حَتَّى بَانَ
) مِقْدَارُ قِيمَةِ الْمِجَنِّ ( عَلَى الِاخْتِلَافِ ) فِيهِ فَعَمِلُوا بِهَا .
( وَقَوْلُهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَعْلُومِ يُبْطِلُ الْعُمُومَ لِصِحَّةِ تَعْلِيلِهِ ( وَلَا يُدْرَى قَدْرُ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ إنْ أَرَادَ ) أَنَّهُ لَا يُدْرَى ذَلِكَ ( بِالْفِعْلِ ) أَيْ فِعْلِ الْقِيَاسِ ( لَيْسَ بِضَائِرٍ ) وَالْأَوْلَى فَلَيْسَ بِضَائِرٍ ( إلَّا لَوْ لَزِمَ فِي حُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ ( فِي الْبَاقِي تَعَيُّنُ عَدَدِهِ لَكِنَّ اللَّازِمَ تَعَيُّنُ النَّوْعِ وَالتَّعْلِيلُ يُفِيدُهُ ) أَيْ تَعَيُّنَ النَّوْعِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ عِلَّةَ الْإِخْرَاجِ حِينَئِذٍ ( وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ فَمَا تَحَقَّقَتْ فِيهِ ) مِنْ الْمُنْدَرِجِ تَحْتَ الْعَامِّ ( ثَبَتَ خُرُوجُهُ وَمَا لَا ) تَتَحَقَّقُ فِيهِ ( فَتَحْتَ الْعَامِّ ) بَاقٍ ( أَوْ ) أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُدْرَى ( قَبْلَهُ ) أَيْ التَّعْلِيلِ بِالْفِعْلِ ( أَيْ بِمُجَرَّدِ عِلْمِ الْمُخَصِّصِ ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ ( يَجِبُ التَّوَقُّفُ ) فِي الْبَاقِي ( لِلْحُكْمِ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُخْرَجَ ( مُعَلَّلٌ ظَاهِرًا وَلَا يُدْرَى إلَخْ فَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاقِفِيَّةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَتَوَقَّفُ لِذَلِكَ ) أَيْ لِكَوْنِهِ لَا يُدْرَى قَدْرُ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ ( إلَى أَنْ يُسْتَنْبَطَ ) مِنْ الْمُخْرَجِ بِوَاسِطَةِ عِلَّةِ إخْرَاجِهِ مَا يَلْحَقُ بِهِ فِي الْإِخْرَاجِ لِتَحَقُّقِ عِلَّتِهِ فِيهِ أَيْضًا ( فَيُعْلَمَ الْمُخْرَجُ بِالْقِيَاسِ حِينَئِذٍ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَجْهُولِ ) وَهَذَا فِيمَا يَظْهَرُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَتَوَقَّفُ إلَخْ لَكِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي الْمَجْهُولِ مَا يُفِيدُ هَذَا وَإِنَّمَا تَقَدَّمَ فِيهِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا يُفِيدُ كَوْنَهُ حُجَّةً ظَنِّيَّةً مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلِلْمُصَنِّفِ مَا يُفِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ الْحُجِّيَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ثُمَّ لَمْ يَظْهَرْ لِي مَا يُتَّجَهُ أَنْ يُعْطَفَ عَلَيْهِ ( وَزِيَادَةُ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ أَعْنِي الْقِيَاسَ الَّذِي حُكِمَ بِهِ ) أَيْ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْمُخَصِّصُ ( لِلْحُكْمِ
بِمَعْلُولِيَّةِ التَّخْصِيصِ ) نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ يُرِيدُ يُتَوَقَّفُ فِيهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ إلَى الْبَيَانِ لِجَهَالَةِ قَدْرِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِجَهَالَةِ الْبَاقِي وَلِعَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَلَكِنْ فِي إفَادَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِهَذَا مَا تَرَى ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى ( حَسَنٌ ) لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَادِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ حُجَّةً ، وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ وَإِنَّمَا حَاصِلُ مُرَادِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّ الْمُخَصِّصَ الْمَجْهُولَ بِاعْتِبَارِ الصِّيغَةِ لَا يُبْطِلُ الْعَامَّ وَبِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ يُبْطِلُهُ ، وَالْمَعْلُومُ بِالْعَكْسِ فَيَقَعُ الشَّكُّ فِي بُطْلَانِهِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ أَصْلَ الْيَقِينِ بَلْ وَصْفَ كَوْنِهِ يَقِينًا فَيَكُونُ حُجَّةً فِيهِ شُبْهَةٌ ثُمَّ يَطْرُقُهُ مَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ شَبَهَهُ بِالنَّاسِخِ طَرْدٌ لَا أَثَرَ لَهُ وَأَنَّ شَبَهَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَيُتَوَجَّهُ حِينَئِذٍ إبْطَالُهُ فِي الْمَجْهُولِ وَظَنِّيَّتُهُ فِي الْمَعْلُومِ ، وَأَنَّ احْتِمَالَ جَهَالَةِ قَدْرِ الْمُتَعَدَّى إلَيْهِ فِي الْمَعْلُومِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الظَّنِّيَّةِ لِعَدَمِ الظُّهُورِ وَقَدْ عُرِفَ فِيمَا سَلَفَ مَا فِي وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ مِنْ الْمَقَالِ وَأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ مَشَايِخِنَا عَدَمُهُ ( وَقَوْلُ الْإِسْقَاطِ ) لِلْعَامِّ الْمَخْصُوصِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ فِي أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَغَيْرِهِ ( إنْ صَحَّ ) أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِهِ ( بَعِيدٌ ) وَإِنْ نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ ( سَاقِطٌ لِقَطْعِيَّتِهِ ) أَيْ الْعَامِّ ( فِي أَخَصِّ الْخُصُوصِ ) مَعْلُومًا كَانَ الْمُخَصِّصُ أَوْ مَجْهُولًا لِأَنَّ تَنَاوُلَ الْعَامِّ لِأَخَصِّ الْخُصُوصِ بَعْدَ التَّخْصِيصِ قَطْعِيٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ خُرُوجِهِ وَهُوَ الْمُسْقَطُ ( وَإِلَّا ) لَوْ جَازَ خُرُوجُهُ أَيْضًا ( كَانَ
نَسْخًا ) لَا تَخْصِيصًا فَيَخْرُجُ الْبَحْثُ مِنْ الْكَلَامِ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ إلَى نَسْخِ الْعَامِّ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ بِسُقُوطِهِ مُطْلَقًا .
هَذَا وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ : الْقَاصِرُ لِلْعَامِّ عَلَى بَعْضِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ سُمِّيَ تَخْصِيصًا أَوْ لَمْ يُسَمَّ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ بِهِ مَعْلُومًا فَالْعَامُّ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَصْرِ مِنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ لِعَدَمِ مُورِثِ الشُّبْهَةِ مِنْ جَهَالَةِ الْمُخْرِجِ وَاحْتِمَالِ التَّعْلِيلِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَقِلِّ لَا يَحْتَمِلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ بِهِ مَجْهُولًا فَهُوَ غَيْرُ حُجَّةٍ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ تَبَيُّنَ الْمُرَادِ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا وَكَانَ عَقْلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَخْصُوصُ مَعْلُومًا كَمَا فِي الْخِطَابَاتِ الَّتِي خُصَّ مِنْهَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَالْعَامُّ قَطْعِيٌّ فِي الْبَاقِي لِعَدَمِ مُورِثِ الشُّبْهَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولًا فَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً إلَى بَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمُخْرِجِ أَوْرَثَتْ جَهَالَةً فِي الْبَاقِي لَا أَنَّ الْمَخْصُوصَ بِالْعَقْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَقْلِيًّا كَمَا أَطْلَقَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَلَا أَنَّهُ يَكُونُ ظَنِّيًّا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَثِيرٍ ، وَإِنْ كَانَ كَلَامًا فَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْعَقْلِ وَالْكَلَامِ فَفِي التَّلْوِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى قَطْعِيًّا لِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ وَخَفَاءِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَعَدَمِ اطِّلَاعِ الْحِسِّ عَلَى تَفَاصِيلِ الْأَشْيَاءِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ الْقَدْرُ الْمَخْصُوصُ قَطْعًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْمَفْهُومِ ) الْمُخَالِفِ ( خَصُّوا بِهِ الْعَامَّ كَفِي الْغَنَمِ الزَّكَاةُ مَعَ فِي الْغَنَمِ السَّائِمَةِ ) الزَّكَاةُ فَخَصُّوا عُمُومَ الْأَوَّلِ بِالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ لِلثَّانِي وَهُوَ لَيْسَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ فَلَا يَجِبُ فِي الْمَعْلُوفَةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا ( لِجَمْعِ الظَّنِّيَّةِ إيَّاهُمَا ) أَيْ الْعَامَّ وَالْمَفْهُومَ الْمُخَالِفَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ ( وَمُسَاوَاتِهِمَا ) أَيْ الْمَخْصُوصِ وَالْمَخْصُوصِ بِهِ ( ظَنًّا لَيْسَ شَرْطًا ) لِلتَّخْصِيصِ حَتَّى يُقَالَ عَلَى اشْتِرَاطِهِ إنَّمَا يُصَارُ إلَى التَّخْصِيصِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ فَإِنَّ الْمَنْطُوقَ أَقْوَى مِنْهُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمَفْهُومِ مَعَهُ ( لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ ) أَيْ الْكِتَابِ بِالْقَطْعِيِّ مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ أَقْوَى ( لِلْجَمْعِ ) بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَعَارِضَةِ لِأَنَّ إعْمَالَ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ لِتَتِمَّ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ لِأَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ابْتِدَاءً كَمَا سَيَأْتِي ( وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ مَعَ ظَنِّيَّةِ الدَّلَالَةِ فِيهِمَا ) أَيْ الْعَامِّ وَالْمَفْهُومِ الْمُخَالِفِ ( يَقْوَى ظَنُّ الْخُصُوصِ ) فِي الْعَامِّ ( لِغَلَبَتِهِ فِي الْعَامِّ ) فَلَا يَكُونُ الْعَامُّ أَقْوَى مِنْهُ ثُمَّ كَوْنُهُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ يَخُصُّ الْعُمُومَ قَالَ الْآمِدِيُّ لَا نَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَهُمْ وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ الْحَنْبَلِيُّ مَنْعَهُ عَنْ قَوْمٍ مِنْهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ فِي الْمُنْتَخَبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاصِلِ : إنَّهُ الْأَشْبَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُهُمْ أَوْجَهُ .
( مَسْأَلَةُ الْعَادَةِ ) وَهِيَ الْأَمْرُ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ عَقْلِيَّةٍ وَالْمُرَادُ ( الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ ) لِقَوْمٍ ( مُخَصِّصٌ ) لِلْعَامِّ الْوَاقِعِ فِي مُخَاطَبَتِهِمْ وَتَخَاطُبِهِمْ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ كَ حَرَّمْت الطَّعَامَ وَعَادَتُهُمْ ) أَيْ الْمُخَاطَبِينَ ( أَكْلُ الْبُرِّ انْصَرَفَ ) الطَّعَامُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْبُرِّ ( وَهُوَ ) أَيْ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ ( الْوَجْهُ أَمَّا ) تَخْصِيصُ الْعَامِّ ( بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ ) وَهُوَ أَنْ يَتَعَارَفَ قَوْمٌ إطْلَاقَ لَفْظٍ لِمَعْنًى بِحَيْثُ لَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ سَمَاعِهِ إلَّا ذَاكَ الْمَعْنَى ( فَاتِّفَاقٌ كَالدَّابَّةِ عَلَى الْحِمَارِ وَالدِّرْهَمِ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ لَنَا الِاتِّفَاقُ عَلَى فَهْمِ ) لَحْمِ ( الضَّأْنِ بِخُصُوصِهِ فِي : اشْتَرِ لَحْمًا وَقُصِرَ الْأَمْرُ ) بِشِرَاءِ اللَّحْمِ ( عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَكْلَهُ فَوَجَبَ ) كَوْنُ الْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ مُخَصِّصًا ( كَالْقَوْلِيِّ لِاتِّحَادِ الْمُوجِبِ ) وَهُوَ تَبَادُرُهُ بِخُصُوصِهِ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ فِيهِمَا ( وَإِلْغَاءِ الْفَارِقِ ) بَيْنَهُمَا ( بِالْإِطْلَاقِ ) فِي الْعَمَلِيِّ ( وَالْعُمُومِ ) فِي الْقَوْلِيِّ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا ( وَكَوْنِ دَلَالَةِ الْمُطْلَقِ ) كَلَحْمٍ فِي : اشْتَرِ لَحْمًا ( عَلَى الْمُقَيَّدِ ) كَلَحْمِ الضَّأْنِ ( دَلَالَةَ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ وَ ) دَلَالَةِ ( الْعَامِّ عَلَى الْفَرْدِ قَلْبَهُ ) أَيْ دَلَالَةِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَقَدْ قِيلَ هَذِهِ أَقْوَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صَرْفِ الْأُولَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ صَرْفُ الثَّانِيَةِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ فَرْقٌ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا لِظُهُورِ أَنَّهُ فَارِقٌ مَلْغِيٌّ .
( تَنْبِيهُ مِثْلِ جَمْعٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْمَنَارِ ( لِذَلِكَ ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْعَادَةِ ( بِالنَّذْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ يَنْصَرِفُ إلَى الشَّرْعِيِّ ) مِنْهُمَا ( فَقَدْ يَخَالُ ) أَيْ يُظَنُّ كُلٌّ مِنْهُمَا ( غَيْرَ مُطَابِقٍ ) لَهُ وَإِنَّمَا هُمَا مِثَالَانِ لِلتَّخْصِيصِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ ( وَالْحَقُّ
صِدْقُهُمَا ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْعُرْفِ الْعَمَلِيِّ وَالتَّخْصِيصِ بِالْعُرْفِ الْقَوْلِيِّ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالْمُعْتَادَ فِي فِعْلِ الْمُسْلِمِ لَهُمَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَفِي إطْلَاقِ كُلٍّ مِنْ لَفْظِهِمَا شَرْعًا وَخُصُوصًا فِي النَّذْرِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ لَهُ ، وَلَا يُقَالُ وَضْعُ الْحَنَفِيَّةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ ( إذْ وَضْعُهُمْ ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ ) بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْحَقِيقَةُ ( عَامًّا أَوْ غَيْرَهُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ ) هَذَا أَحَدُ الْخَمْسَةِ ( وَبِدَلَالَةِ اللَّفْظِ فِي نَفْسِهِ ) هَذَا ثَانِي الْخَمْسَةِ وَفَسَّرُوهُ كَمَا قَالَ ( أَيْ إنْبَاءِ الْمَادَّةِ عَنْ كَمَالٍ فَيُخَصُّ ) اللَّفْظُ ( بِمَا فِيهِ ) ذَلِكَ الْكَمَالُ ( كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَا نِيَّةَ مُعَمِّمَةٌ ) لِكُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ لَحْمٍ ( لَا يَدْخُلُ السَّمَكُ ) أَيْ لَحْمُهُ فِي حَلِفِهِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ لَحْمًا فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى { لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } أَيْ مِنْ الْبَحْرِ سَمَكًا وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ تُدْخِلُهُ ( لِإِنْبَائِهِ ) أَيْ لَفْظِ اللَّحْمِ ( عَنْ الشِّدَّةِ بِالدَّمِ ) لِأَنَّ مَادَّتَهُ تَدُلُّ عَلَى الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَسُمِّيَ اللَّحْمُ لَحْمًا لِقُوَّةٍ بِاعْتِبَارِ تَوَلُّدِهِ مِنْ الدَّمِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى الْأَخْلَاطِ فِي الْحَيَوَانِ وَلَيْسَ لِلسَّمَكِ دَمٌ بِدَلَالَةِ عَيْشِهِ فِي الْمَاءِ وَحِلِّهِ بِلَا ذَكَاةٍ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَعِيشُ فِيهِ وَلَا يَحِلُّ بِدُونِهَا فَلِكَمَالِ الِاسْمِ وَنُقْصَانٍ فِي الْمُسَمَّى خَرَجَ مِنْ مُطْلَقِ اللَّفْظِ لِأَنَّ النَّاقِصَ فِيهِ فِي مُقَابَلَةِ الْكَامِلِ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ .
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ : حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا
فَهُوَ عَلَى الْحَيَوَانِ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ مُحَرَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ قُلْت : إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : الْحَيَوَانَ الدَّمَوِيَّ الَّذِي يَعِيشُ فِي الْبَرِّ لِيَخْرُجَ الْجَرَادُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا دَمَ فِيهِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّحْمُ مَطْبُوخًا أَوْ مَشْوِيًّا ، وَفِي حِنْثِهِ بِالنِّيءِ خِلَافٌ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ الْأَظْهَرُ لَا يَحْنَثُ وَعِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ يَحْنَثُ ، انْتَهَى .
قُلْت إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِاَلَّذِي لَيْسَ بِقَدِيدٍ فَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ قَدِيدًا ( وَقَدْ يَدْخُلُ ) هَذَا ( فِي الْعُرْفِيِّ ) فَفِي التَّحْقِيقِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ تَمَسَّكُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْعُرْفِ فَقَالُوا : إنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ اسْتِعْمَالَ اللَّحْمِ فِي الْبَاجَاتِ وَبَائِعُهُ لَا يُسَمَّى لَحَّامًا ، وَالْعُرْفُ فِي الْيَمِينِ مُعْتَبَرٌ فَيُخَصَّصُ الْيَمِينُ بِهِ كَمَا يُخَصَّصُ الرَّأْسُ فِي قَوْلِهِ " لَا يَأْكُلُ رَأْسًا " بِرَأْسِ الْغَنَمِ أَوْ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَمْ يَنْصَرِفْ إلَى رَأْسِ الْبَعِيرِ وَالْعُصْفُورِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ رَأْسًا حَقِيقَةً وَقَوَّى الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةٍ قُبَيْلَ مَسَائِلِ الْحُرُوفِ مِنْ الْحِنْثِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَسَنَذْكُرُ مَا قِيلَ فِيهِ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا قَالَ وَلَا نِيَّةَ مُعَمِّمَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَاهُ حَنِثَ ( نَعَمْ لَوْ انْفَرَدَ ) إنْبَاءُ اللَّفْظِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْعَامِّ أَوْ الْمُطْلَقِ ( أَخْرَجَ وَلَوْ عَارَضَهُ ) أَيْ الْإِنْبَاءَ عُرْفٌ ( قُدِّمَ الْعُرْفُ ) عَلَى الْإِنْبَاءِ لِرُجْحَانِ اعْتِبَارِهِ عَلَيْهِ .
( وَقَوْلُهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يُعْتِقُ مُكَاتَبَهُ ) وَيُعْتِقُ مُدَبَّرَهُ وَأُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ
مَمْلُوكٌ رَقَبَةً لَا يَدًا حَتَّى مَلَكَ هُوَ أَكْسَابَهُ لَا الْمَوْلَى وَلَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْءُ الْمُكَاتَبَةِ وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْمُكَاتَبِ بِنْتَ مَوْلَاهُ بِمَوْتِ مَوْلَاهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ نَعَمْ إنْ نَوَاهُ عَتَقَ وَالْمِلْكُ فِي الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ كَامِلٌ وَلِذَا يَحِلُّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا وَوَطْءُ الْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِكَمَالِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ فَتَنَاوَلَهُمَا الْمَمْلُوكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا صَحَّ عِتْقُ الْمُكَاتَبِ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَهُمَا لِأَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْفَسْخِ وَفِيهِمَا نَاقِصٌ بِدَلِيلِ عَدَمِ قَبُولِ الْفَسْخِ ، وَتَحْرِيرُ الرَّقَبَةِ يَسْتَدْعِي كَمَالَ الرِّقِّ ( أَوْ ) إنْبَاءُ الْمَادَّةِ ( عَنْ نَقْصٍ ) فِي الْمُسَمَّى ( فَلَا يَتَنَاوَلُ ) اللَّفْظُ مُسَمًّى ( ذَا كَمَالٍ كَحَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ فَاكِهَةً لَا يَحْنَثُ بِالْعِنَبِ لِأَنَّ التَّرْكِيبَ دَالٌّ عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَالْقُصُورِ فِي الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ ) وَهُوَ التَّغَذِّي لِأَنَّ الْفَاكِهَةَ اسْمٌ مِنْ التَّفَكُّهِ وَهُوَ التَّنَعُّمُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ أَصَالَةً بِمَا يَكُونُ بِهِ الْقِوَامُ لِأَنَّ مَا يَكُونُ بِهِ الْقِوَامُ لَا يُسَمَّى تَنَعُّمًا وَكُلُّ النَّاسِ سَوَاءٌ فِي تَنَاوُلِهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ كَيْفِيَّةً وَكَمِّيَّةً وَالْعِنَبُ فِيهِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِالْقِوَامِ حَتَّى يُكْتَفَى بِهِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، وَمِثْلُهُ الرُّطَبُ وَالرُّمَّانُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَا يَحْنَثُ لِأَنَّ مَعْنَى التَّفَكُّهِ فِيهَا مَوْجُودٌ بَلْ هِيَ أَعَزُّ الْفَوَاكِهِ ، وَالتَّنَعُّمُ بِهَا يَفُوقُ التَّنَعُّمَ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَوَاكِهِ ثُمَّ الْمَشَايِخُ قَالُوا : هَذَا اخْتِلَافُ زَمَانٍ فَفِي زَمَانِهِ لَمْ تُعَدَّ مِنْ الْفَاكِهَةِ فَأَفْتَى عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَفِي زَمَانِهِمَا عُدَّتْ مِنْهَا فَأَفْتَيَا بِهِ وَلَا يُقَالُ هَذَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا لِجَوَازِ
كَوْنِ الْعُرْفِ وَافَقَ اللُّغَةَ فِي زَمَنِهِ ثُمَّ خَالَفَهَا فِي زَمَنِهِمَا ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ نَوَاهَا حَنِثَ .
هَذَا وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ وَاعْلَمْ أَنَّك إذَا دَقَقْت النَّظَرَ وَجَدْت الْقِسْمَيْنِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فِي الْعِنَبِ مِنْ مَعْنَى التَّغَذِّي نَقَصَ مِنْهُ مِنْ مَعْنَى التَّفَكُّهِ وَإِذَا كَانَ نَاقِصًا فِي الْفَاكِهِيَّةِ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ اسْمُ الْفَاكِهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالْمُكَاتَبِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَمْلُوكِ فَالتَّحْقِيقُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَوَّلِ لِانْدِرَاجِ الثَّانِي فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فَاضِلٌ آخَرُ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إذَا كَانَ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا يَثْبُتُ التَّخْصِيصُ فِيهِ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يَسْتَدْعِي سَابِقَةَ التَّنَاوُلِ ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَبِمَعْنًى مِنْ الْمُتَكَلِّمِ ) هَذَا ثَالِثُ الْخَمْسَةِ أَيْ وَبِدَلَالَةِ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْمُتَكَلِّمِ رَاجِعَةٍ إلَيْهِ ( كَإِنْ خَرَجْتِ فَطَالِقٌ عَقِيبَ تَهَيُّئِهَا لِخَرْجَةٍ لَجَّتْ فِيهَا ) أَيْ حُرِّضَتْ عَلَيْهَا ( لَا يَحْنَثُ بِهِ ) أَيْ بِخُرُوجِهَا ( بَعْدَ سَاعَةٍ وَتُسَمَّى يَمِينَ الْفَوْرِ ) وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوَرَانِ الْقِدْرِ سُمِّيَتْ بِهِ بِاعْتِبَارِ صُدُورِهَا مِنْ فَوَرَانِ الْغَضَبِ أَوْ لِأَنَّ الْفَوْرَ اُسْتُعِيرَ لِلسُّرْعَةِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا لُبْثَ فِيهَا يُقَالُ خَرَجَ مِنْ فَوْرِهِ أَيْ مِنْ سَاعَتِهِ وَأَوَّلُ مَنْ اسْتَخْرَجَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَقُولُونَ الْيَمِينُ مُؤَبَّدَةٌ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَمُؤَقَّتَةٌ كَلَا أَفْعَلُ الْيَوْمَ كَذَا ، وَهِيَ مُؤَبَّدَةٌ لَفْظًا مُؤَقَّتَةٌ مَعْنًى تَتَقَيَّدُ بِالْحَالِ لِكَوْنِهَا جَوَابًا بِالْكَلَامِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَالِ فَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَلَالَةُ مَعْنًى قَائِمٍ بِالْمُتَكَلِّمِ وَحَالَةٍ رَاجِعَةٍ إلَيْهِ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ الَّذِي تَهَيَّأَتْ لَهُ حَتَّى
كَأَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجْتِ السَّاعَةَ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ فِيهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَحَقِيقَتُهُ ) أَيْ الْمُخَصِّصِ فِي هَذَا الْقِسْمِ ( دَلَالَةُ حَالِهِمَا ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ كَكَوْنِهَا مُلِحَّةً عَلَى الْخُرُوجِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَكَوْنِهِ مُلِحًّا عَلَى مَنْعِهَا حِينَئِذٍ ( وَبِدَلَالَةِ مَحَلِّ الْكَلَامِ ) بِأَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَقِيقَةِ فَإِنَّ تَعَذُّرَ قَبُولِهِ حُكْمَهَا مُوجِبٌ لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَاقِلَ لَا يَسْتَعْمِلُ الْكَلَامَ فِي الْمَفْهُومِ الْحَقِيقِيِّ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُهُ وَأَنَّ كَلَامَهُ مَصُونٌ عَنْ الْكَذِبِ وَاللَّغْوِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا رَابِعُ الْخَمْسَةِ .
( { كَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } وَرُفِعَ الْخَطَأُ ) أَيْ وَحَدِيثِ { رَفَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ } وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي تَقْسِيمِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ حُمِلَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَمَا وُجِدَ عَمَلٌ بِلَا نِيَّةٍ وَلَا خَطَأٍ وَلَا نِسْيَانٍ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ قَطْعًا فَتَعَيَّنَ إرَادَةُ الْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْدِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفْيِ فِي الْحَصْرِ بِإِنَّمَا لِغَيْرِ الْآخَرِ قِيلَ بِالْمَفْهُومِ وَمَسْأَلَةِ الْمُقْتَضَى ( وَقَدْ يُدْرَجُ هَذَا فِي ) الْمُخَصِّصِ ( الْعَقْلِيِّ ) لِأَنَّ نَفْسَ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ لِحُصُولِ الْعَمَلِ كَثِيرًا بِلَا نِيَّةٍ وَوُقُوعِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ جَمًّا غَفِيرًا مِنْ الْأُمَّةِ لَكِنْ تُعُقِّبَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَعْمَالِ بِالنِّيَّاتِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ نَفْسَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ مُتَعَلِّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ عَامًّا ، مِثْلُ الْحُصُولِ وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ مُتَعَلِّقُهُ خَاصًّا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ ، مِثْلُ الِاعْتِبَارِ - وَغَيْرُهُ مِمَّا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ - فَلَا وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالطِّيبِيُّ بَلْ التَّقْدِيرُ مَا الْأَعْمَالُ
مَحْسُوبَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ كَالشُّرُوعِ فِيهَا وَالتَّلَبُّسِ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّاتِ وَمَا خَلَا عَنْهَا لَا يُعْتَدُّ بِهَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ : وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْءِ بِأَصْغَرَيْهِ أَيْ بِحَسَبِهِمَا الْمَعْنَى الْأَعْمَالُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ بِحَسَبِ النِّيَّاتِ وَتَتَفَاوَتُ عَلَى حَسَبِ تَفَاوُتِهَا فَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً لِلَّهِ فَتِلْكَ الْأَعْمَالُ فِي الْمَرْتَبَةِ الْعُلْيَا وَإِنْ كَانَتْ لِلدُّنْيَا فَفِي مَنْزِلَةٍ دُنْيَا وَإِنْ كَانَتْ لِسُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ أَوْ مَدْحٍ وَثَنَاءٍ فَأَدْنَى فَاتَّضَحَ مَا بَعْدَهُ وَانْدَفَعَ الْمَجَازُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ اللَّفْظِ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الْعَقْلُ فِي نَحْوِ النِّيَّةِ هَذَا كَلَامُهُ وَكُلٌّ مُخَيَّلٍ وَقَدْ قِيلَ وَنُقِلَ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَتَحْقِيقُ فَصْلِ الْخِطَابِ فِيهِ بِبَيَانِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ وَمِنْ الْمَظِنَّاتِ الْحَسَنَةِ لَهُ كِتَابُ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ غَيْرَ أَنَّ بِالْجُمْلَةِ قَدْ حَطَّ آخِرُ كَلَامِ الْمُتَعَقِّبِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ خَصَّ هَذَا الْعُمُومَ بِمَا خَصَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَبِالسِّيَاقِ ) أَيْ وَبِدَلَالَةِ سَوْقِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِلَّفْظِ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ سَابِقَةٌ عَلَيْهِ أَوْ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فَالسِّيَاقُ بِمَعْنَى السَّوْقِ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُطْلَقُ غَالِبًا عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ ، وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمُتَقَدِّمَةِ وَهَذَا خَامِسُ الْخَمْسَةِ ( كَ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا ) أَوْ إنْ قَدَرْت ( فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ التَّوْكِيلَ بِهِ ) أَيْ بِتَطْلِيقِهَا الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ طَلِّقْ امْرَأَتِي لِهَذِهِ الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ إظْهَارَ عَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ قُلْت وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ هَذَا قَرِينَةً عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ صَدْرِ
الشَّرِيعَةِ وَفِي قَوْلِهِ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ كُنْت رَجُلًا الْحَقِيقَةُ مُمْتَنِعَةٌ عُرْفًا ، انْتَهَى .
فَيَنْدَرِجُ هَذَا فِي الْعُرْفِيِّ ( وَيَأْتِي التَّخْصِيصُ بِفِعْلِ الصَّحَابِيِّ ) فِي ذَيْلِ الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ مِنْ هَذِهِ ثُمَّ فِي مَبَاحِثِ السُّنَّةِ مُشْبَعًا .
( مَسْأَلَةُ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ ) أَيْ الْعَامِّ ( لَا يُخَصِّصُهُ ) أَيْ الْعَامَّ ( وَهُوَ ) أَيْ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ مِنْهُ بِحُكْمِهِ ( قَلْبُ الْمُتَعَارَفِ فِي التَّخْصِيصِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ ( قَصْرُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( عَلَى غَيْرِ مُتَعَلِّقِ دَلِيلِهِ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ، وَمُتَعَلِّقُ دَلِيلِهِ هُوَ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ ( بَلْ هَذَا ) أَيْ إفْرَادُ فَرْدٍ مِنْهُ بِحُكْمِهِ ( قَصْرُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ مُتَعَلِّقِ دَلِيلِهِ الَّذِي هُوَ الْفَرْدُ الْمَخْصُوصُ ( مِثَالُهُ ) مَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ } ( مَعَ قَوْلِهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ { دِبَاغُهَا طَهُورُهَا } ) فَلَا يَخُصُّ الطَّهُورِيَّةُ جِلْدَ شَاةِ مَيْمُونَةَ إذَا دُبِغَتْ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُهُبِ إلَّا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ بَلْ فِي الْمَيْتَةِ مُطْلَقًا كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ وَقَفْت عَلَيْهِ فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ إلَى هَذَا اللَّفْظِ مَا أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { مَاتَتْ شَاةٌ لِمَيْمُونَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا فَإِنَّ دِبَاغَ الْأَدِيمِ طَهُورُهَا } فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمِنْهُ ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ ( أَوْ شَبَهُهُ ) مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } مَعَ ) مَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ { وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا } إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ وَالْأَوْلَى مَعَ " وَتُرَابُهَا لَنَا طَهُورًا " كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتُّرْبَةِ مَا فِيهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُقَارِبُهُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا قَالَ " أَوْ شَبَهُهُ "
لِجَوَازِ أَنْ يُقَالَ التُّرَابُ جُزْءٌ مِنْ الْأَرْضِ لَا جُزْءٌ لَهَا كَجِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَيُّمَا إهَابٍ وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا شَبَهٌ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلًّا بَعْضٌ مِنْ الْمُسَمَّى وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ حُكْمُ الْمُسَمَّى ثُمَّ كَمَا أَنَّ إفْرَادَ بَعْضِ ذَاكَ بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ فَكَذَا إفْرَادُ بَعْضِ هَذَا بِحُكْمِهِ لَا يُخَصِّصُهُ وَقِيلَ يُخَصِّصُهُ ( لَنَا لَا تَعَارُضَ ) بَيْنَ الْبَعْضِ وَالْكُلِّ فِي حُكْمٍ حُكِمَ بِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا فَلَا يَخُصُّ الطَّهُورِيَّةُ التُّرَابَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ قَالُوا الْمَفْهُومُ مُخَصِّصٌ ) لِلْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَفْهُومُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ نَفْيُ الْحُكْمِ عَنْ سَائِرِ أَفْرَادِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا ذَلِكَ فَيَكُونُ مَفْهُومُ " دِبَاغُ جِلْدِ شَاةِ مَيْمُونَةَ طَهُورُهَا " دَالًّا عَلَى نَفْيِ طَهُورِيَّةِ مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ إذَا دُبِغَ ( قُلْنَا ) كَوْنُ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرًا ( مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ سُلِّمَ ) اعْتِبَارُهُ ( فَهَذَا ) أَيْ مَفْهُومُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِهِ ( مَفْهُومُ لَقَبٍ مَرْدُودٍ ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ ذَلِكَ الْفَرْدِ نَفْيُ احْتِمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْ الْعَامِّ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ إلَّا اللَّقَبَ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ غَيْرُ مَفْهُومِ اللَّقَبِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَفْرَادِ الْعَامِّ كَمَفْهُومِ الصِّفَةِ مَثَلًا يَكُونُ مُخَصِّصًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ نَعَمْ يَتِمُّ هَذَا عَلَى الْقَائِلِ بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَلَعَلَّ الْقَائِلَ بِتَخْصِيصِهِ هُوَ الْقَائِلُ بِهِ .
( مَسْأَلَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ ) الْوَاقِعِ بَعْدَ الْعَامِّ ( إلَى الْبَعْضِ ) مِنْ أَفْرَادِهِ ( لَيْسَ تَخْصِيصًا ) لِلْعَامِّ ( مِثْلُ وَالْمُطَلَّقَاتُ مَعَ وَبُعُولَتُهُنَّ ) أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فَإِنَّ الْمُطَلَّقَاتِ عَامٌّ فِي الْبَائِنَاتِ وَالرَّجْعِيَّاتِ وَضَمِيرَ بُعُولَتُهُنَّ إنَّمَا يَصِحُّ عَوْدُهُ إلَى الرَّجْعِيَّاتِ فَقَطْ لِأَنَّ الرَّدَّ إنَّمَا يُمْكِنُ فِيهِنَّ ( فَلَا يَخُصُّ التَّرَبُّصُ الرَّجْعِيَّاتِ ) بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ وَبِالْبَائِنَاتِ وَهَذَا عَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ ( وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ) عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَا ( تَخْصِيصٌ ) لَهُ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَزَاهُ الْآمِدِيُّ إلَى بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْقَرَافِيِّ إلَى الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ الْأَوْجَهُ قِيلَ بِالْوَقْفِ ) وَهَذَا عَزَاهُ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمَحْصُولِ ( لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لَهُ ( حَقِيقَتُهُ ) أَيْ الضَّمِيرِ ( رَابِطٌ لِمَعْنًى مُتَأَخِّرٍ بِمُتَقَدِّمٍ أَعُمَّ مِنْ مَذْكُورٍ أَوْ مُقَدَّرٍ بِدَلِيلٍ ) يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهِ ، وَقَوْلُهُ ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الرَّابِطَ ( هُوَ ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ مُتَعَلِّقٌ بِرَابِطٍ ( فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاخْتِلَافُ ) بَيْنَهُمَا ( وَمَا قِيلَ ) فِي وَجْهٍ إنَّهُ لَا يَخُصُّ ( التَّجَوُّزَ فِيهِ ) أَيْ الضَّمِيرِ بِخُرُوجِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ الْعُمُومُ ( غَيْرُ مَلْزُومٍ لِلتَّجَوُّزِ فِي الْأَوَّلِ ) يَعْنِي الْعَامَّ أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الضَّمِيرِ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ كَوْنُ الْعَامِّ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ ( فَبَعِيدٌ إذْ رُجُوعُهُ ) أَيْ الضَّمِيرِ ( إلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ ) أَيْ الضَّمِيرِ ( مَجَازًا ) فِي الْبَعْضِ وَمَرْجِعُهُ - الَّذِي هُوَ الْعَامُّ - بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ الَّتِي هِيَ الْعُمُومُ مِنْ غَيْرِ
تَخْصِيصٍ ضَرُورَةَ اتِّحَادِهِمَا ( فَإِذَا خَصَّ ) الضَّمِيرُ ( الرَّجْعِيَّاتِ ) مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ ( مَعَ كَوْنِهِ ) أَيْ الضَّمِيرِ ( عِبَارَةً عَنْ الْمُطَلَّقَاتِ فَهُنَّ ) أَيْ الرَّجْعِيَّاتُ ( الْمُرَادُ بِهِ ) أَيْ الْعَامِّ وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ هُوَ نَفْسُ مَرْجِعِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِالْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّاتِ لَا غَيْرُ هُوَ ( التَّخْصِيصُ ) لِلْمُطَلَّقَاتِ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ ( ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ ( فِي جَوَابِ قَوْلِ الْوَاقِفِ ) لَزِمَ تَخْصِيصُ الظَّاهِرِ أَوْ الضَّمِيرِ دَفْعًا لِلْمُخَالَفَةِ ، وَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ تَحَكُّمٌ إذْ ( لَا تَرَجُّحَ لِاعْتِبَارِ الْخُصُوصِ فِي أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ) فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ وَمَقُولُ قَوْلِهِمْ ( إنَّ دَلَالَةَ الضَّمِيرِ أَضْعَفُ ) مِنْ دَلَالَةِ الظَّاهِرِ لِتَوَقُّفِ الضَّمِيرِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ( فَالتَّغْيِيرُ فِيهِ ) أَيْ الضَّمِيرِ ( أَسْهَلُ ) مِنْ التَّغْيِيرِ فِي الظَّاهِرِ فَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُ الْخُصُوصِ فِي الضَّمِيرِ وَانْتَفَى التَّحَكُّمُ ( لَا يُفِيدُ ) لِمَا ظَهَرَ مِنْ وَحْدَتِهِمَا بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْ لَفْظِهِمَا ( وَامْتَنَعَ الْخِلَافُ ) وَفِي نُسْخَةٍ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الضَّمِيرِ وَمَرْجِعِهِ ( فِي الْآيَةِ فَبَطَلَ تَرْجِيحُهُ ) أَيْ قَوْلِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ التَّخْصِيصِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ تَخْصِيصَ الضَّمِيرِ ( لَا يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ قَلْبِهِ ) أَيْ تَخْصِيصِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَخْصِيصَ الضَّمِيرِ وَإِنَّمَا بَطَلَ لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُمَا وَاحِدٌ مَعْنًى اسْتَلْزَمَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ بَعْضُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ أَنْ يَكُونَ هُوَ عَيْنَ الْمُرَادِ بِالْآخَرِ ( وَاللَّازِمُ فِي الْآيَةِ إمَّا عَوْدُهُ ) أَيْ الضَّمِيرِ ( عَلَى مُقَدَّرٍ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الرَّجْعِيَّاتُ ( مَدْلُولًا ) تَضَمُّنِيًّا ( لِلْمُتَضَمِّنِ ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ( وَإِمَّا عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُتَضَمِّنِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ - وَهُوَ الْمُطَلَّقَاتُ مُرَادًا بِهِنَّ الرَّجْعِيَّاتُ ( مَجَازًا ) مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ ( وَوُجُوبُ تَرَبُّصُ غَيْرِ الرَّجْعِيَّاتِ بِدَلِيلٍ آخَرَ ) كَالْإِجْمَاعِ .
( مَسْأَلَةٌ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةً ) بَلْ مُسْتَطْرَدَةً قَالَ ( الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ) وَالْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ ) أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَطْعِيًّا أَوْ ظَنِّيًّا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ لَا الظَّنِّيُّ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقَطْعِيِّ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ شَارِحُ الْبُرْهَانِ وَغَيْرُهُ نَعَمْ ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ قِيَاسُ نَصٍّ خَاصٍّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي حَصْرِ الْجَوَازِ فِيهِ تَأَمُّلٌ .
ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي جَوَازِهِ بِالْقِيَاسِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ( إلَّا أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ ) قَيَّدُوا الْجَوَازَ بِهِ ( بِشَرْطِ تَخْصِيصٍ بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْقِيَاسِ مِنْ سَمْعِيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ .
( وَتَقْيِيدُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِهِ ( بِالْقَبْلِيَّةِ ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كَثِيرٍ ( لَا يُتَصَوَّرُ ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَرَاخِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَلَى الْمَنْصُوصِ الْمُخْرَجِ مِنْهُ عَنْ خُرُوجِهِ مِنْهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا حِينَئِذٍ فِي الْعِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخُرُوجِ بَلْ وَلَا تَرَاخِي الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ( وَتَقَدَّمَتْ إشَارَةٌ إلَيْهِ ) فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ وَبَيَّنَّا وَجْهَهُ ( فَالْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ ) لِلْغَيْرِ ( ظُهُورُ الْغَيْرِ سَابِقًا ) عَلَى ظُهُورِ مَا سِوَاهُ وَقَالَ ( ابْنُ سُرَيْجٍ : إنْ كَانَ ) الْقِيَاسُ ( جَلِيًّا ) جَازَ تَخْصِيصُهُ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا لَا يَجُوزُ ، فِي الْجَلِيِّ مَذَاهِبُ الرَّاجِحُ مِنْهَا فِي الْمُنْتَخَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ قِيَاسُ الْمَعْنَى ، وَالْخَفِيُّ قِيَاسُ الشَّبَهِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَسَيَحْكِيهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ
، وَالْخَفِيُّ مَا ظُنَّ فِيهِ نَفْيُ تَأْثِيرِهِ بَيْنَهُمَا ( وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ يَعْنِي الْمَقِيسَ عَلَيْهِ ( مُخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِنَصٍّ ) خُصَّ وَإِلَّا فَلَا ( وَالْجُبَّائِيُّ يُقَدِّمُ الْعَامَّ مُطْلَقًا ) أَيْ جَلِيًّا كَانَ الْقِيَاسُ أَوْ خَفِيًّا مُخْرَجًا أَصْلُهُ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ أَوْ لَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ .
( وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَاضِي وَقِيلَ إنْ كَانَ أَصْلُهُ مُخَصِّصًا ) أَيْ مُخْرِجًا مِنْ الْعُمُومِ ( أَوْ ) ثَبَتَتْ ( الْعِلَّةُ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ) خُصَّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( اُعْتُبِرَتْ قَرَائِنُ التَّرْجِيحِ ) فَإِنْ ظَهَرَ تَرْجِيحُ خَاصٍّ بِالْقِيَاسِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا عُمِلَ بِالْعَامِّ ( وَاخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ قُلْت وَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَهُوَ آيِلٌ إلَى اتِّبَاعِ أَرْجَحِ الظَّنَّيْنِ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَالْوَقْفُ وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ وَاعْتَرَفَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّهُ حَقٌّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْقَرَافِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَصْفَهَانِيُّ : إنَّهُ حَقٌّ وَاضِحٌ ا هـ .
لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا وَقْفَ أَصْلًا فِي هَذَا الْمُخْتَارِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَأَمَّا أَنَّهُ حَقٌّ فَسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهِ ( لَنَا ) عَلَى الْأَوَّلِ ( الِاشْتِرَاكُ ) أَيْ الْعَامُّ وَالْقِيَاسُ مُتَشَارِكَانِ ( فِي الظَّنِّيَّةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ ) أَيْ أَمَّا عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ( فَمُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ الْعَامُّ أَوْ لَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَأَمَّا الطَّائِفَةُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ ( فَبِالتَّخْصِيصِ ) صَارَ ظَنِّيًّا عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ تَحَقُّقِ عَدَمِ إرَادَةِ مَعْنَاهُ وَاحْتِمَالِ إخْرَاجِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ ( وَالتَّفَاوُتُ فِي الظَّنِّيَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ ) مِنْ تَخْصِيصِ الْأَقْوَى فِيهَا بِمَا دُونَهُ فِيهَا لِأَنَّ مُسَاوَاةَ
الْمُخَصَّصِ وَالْمُخَصِّصِ فِيهَا لَيْسَتْ شَرْطًا ( كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ ( وَوَجْهُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ ( إعْمَالُهُمَا ) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ ( مَا أَمْكَنَ أَوْ تَرَجُّحُ الْمُخَصِّصِ ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ الْمُخَصَّصُ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ - أَقْوَى مِنْهُ فِي الظَّنِّ ( هُوَ الْوَاقِعُ كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي التَّخْصِيصِ بِالْمَفْهُومِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِلْكِتَابِ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ بِقَطْعِيٍّ ( فَبَطَلَ تَوْجِيهُ الْأَخِيرِ ) أَيْ مُخْتَارِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( بِكَوْنِ الْعِلَّةِ كَذَلِكَ ) أَيْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ( تُوجِبُ كَوْنَ الْقِيَاسِ كَالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ) وَإِنَّمَا بَطَلَ ( لِأَنَّ ) الْعِلَّةَ ( الْمُسْتَنْبَطَةَ دَلِيلٌ ، وَوُجُوبَ الْإِعْمَالِ عَامٌّ ) لِكُلِّ دَلِيلٍ فَوَجَبَ إعْمَالُ الْمُسْتَنْبَطَةِ كَالْمَنْصُوصَةِ ( وَمَا قِيلَ ) فِي وَجْهِ عَدَمِ إعْمَالِهَا إذَا عَارَضَتْ عَامًّا ( الْمُسْتَنْبَطَةُ إمَّا رَاجِحَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ أَوْ مَرْجُوحَةٌ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامِّ ( فَالتَّخْصِيصُ عَلَى تَقْدِيرٍ ) أَيْ رُجْحَانِهَا ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصِ ( عَلَى تَقْدِيرَيْنِ ) أَيْ مُسَاوَاتِهَا وَمَرْجُوحِيَّتِهَا ( فَيَتَرَجَّحُ ) عَدَمُ التَّخْصِيصِ بِهَا لِأَنَّ وُقُوعَ احْتِمَالٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ ( يُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُخَصِّصِ مُطْلَقًا ) إذْ يُقَالُ كُلُّ مُخَصِّصٍ إمَّا رَاجِحٌ عَلَى الْعَامِّ الْمُخْرَجِ مِنْهُ أَوْ مُسَاوٍ أَوْ مَرْجُوحٌ فَالتَّخْصِيصُ عَلَى تَقْدِيرٍ ، وَعَدَمُهُ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ فَيَتَرَجَّحُ عَدَمُ التَّخْصِيصِ لِمَا ذَكَرْنَا فَيَبْطُلُ التَّخْصِيصُ مِنْ أَصْلِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( بَلْ الرُّجْحَانُ ) لِلْمُخَصِّصِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ - ( دَائِمِيٌّ بِإِعْمَالِهِمَا ) أَيْ بِسَبَبِ إعْمَالِهِ وَإِعْمَالِ الْمُخَصَّصِ - عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ - حَيْثُ أَمْكَنَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إذَا قُدِّرَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ لِلْمُخَالِفِينَ إذْ
يُقَالُ لَهُمْ مِثْلُ هَذَا فِي التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ ابْتِدَاءً ( وَلِمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَنَّ تَرَجُّحَ الْمُخَصِّصِ وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمُخَصَّصِ فِي الظَّنِّ هُوَ الْوَاقِعُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ ( وَلِتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ) عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لَهُ وَقَدْ كَانَ الْأَحْسَنُ " وَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ " أَوْ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَدْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ " وَلِمَا تَقَدَّمَ " فَزِيدَ وَلَوْ زِيدَ عِوَضَهُ عَلَى أَنَّ ذَاكَ يُقْلَبُ عَلَيْهِ لِيُشْرَحَ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ كَمَا يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ الرُّجْحَانِ يَكُونُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُسَاوَاةِ فَالتَّخْصِيصُ عَلَى تَقْدِيرَيْنِ هُمَا ذَاكَ وَعَدَمُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ وَهُوَ الْمَرْجُوحِيَّةُ فَيَتَرَجَّحُ التَّخْصِيصُ لَعَيْنِ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَكَانَ أَوْلَى ( الْجُبَّائِيُّ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْأَضْعَفِ ) أَيْ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَقْوَى وَهُوَ الْعَامُّ ( عَلَى مَا يَأْتِي ) تَقْرِيرُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَعَارُضِ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ ( فِي الْخَبَرِ وَيَأْتِي جَوَابُهُ ) وَمَا يَفْتَحُ اللَّهُ فِي بَيَانِهِ ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَبِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ لُزُومَ مَا ذُكِرَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَضْعَفِ عَلَى الْأَقْوَى إنَّمَا هُوَ ( عِنْدَ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا ) الَّذِي هُوَ الْعَامُّ ( وَهَذَا ) أَيْ وَتَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ ( إعْمَالُهُمَا ) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ لَا إبْطَالُ أَحَدِهِمَا فَانْتَفَى اللَّازِمُ الْبَاطِلُ ( وَبِأَنَّهُ ) أَيْ الْجُبَّائِيَّ ( يُخَصِّصُ الْكِتَابَ بِالسُّنَّةِ وَبِالْمَفْهُومِ ) الْمُخَالِفِ وَالسُّنَّةَ بِهِ أَيْضًا مَعَ قُصُورِهِمَا فِي الْقُوَّةِ عَنْ الْكِتَابِ وَقُصُورِ الْمَفْهُومِ عَنْهَا أَيْضًا فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ ذَاكَ ( وَقَالُوا ) لِلْجُبَّائِيِّ أَيْضًا ( أَخَّرَ مُعَاذٌ الْقِيَاسَ ) عَنْ السُّنَّةِ ( وَأَقَرَّهُ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ قَالَ كَيْفَ تَقْضِي إذَا عَرَضَ لَك أَمْرٌ قَالَ أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو قَالَ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ } وَكُلٌّ مِنْ تَقْدِيمِ مُعَاذٍ وَتَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ خَالَفَهُ أَوْ وَافَقَهُ ( أُجِيبَ أَخَّرَ السُّنَّةَ أَيْضًا عَنْ الْكِتَابِ وَتَخْصِيصُهُ ) أَيْ الْكِتَابِ ( بِهَا ) أَيْ بِالسُّنَّةِ ( اتِّفَاقٌ ) فَمَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ تَأْخِيرِ الْقِيَاسِ عَنْ السُّنَّةِ مَعَ جَوَازِ تَخْصِيصِهَا بِهِ .
( وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ ) أَيْ حَدِيثِ مُعَاذٍ ( مَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ ) بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْعَامِّ ( عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالتَّخْصِيصِ مِنْهُ ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ السُّنَّةُ بِالْقِيَاسِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ ، انْتَهَى .
لَكِنَّ شُهْرَتَهُ وَتَلَقِّيَ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِالْقَبُولِ لَا يُقْعِدُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ دَرَجَةِ الْحُجِّيَّةِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَالبَاقِلَّانِيِّ وَأَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ .
قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ ثُمَّ أَسْنَدَ مِنْ طَرِيقِ الدَّارِمِيِّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا نُسْأَلُ وَلَسْنَا هُنَاكَ ثُمَّ بَلَّغَنَا اللَّهُ مَا تَرَوْنَ فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَلْيَنْظُرْ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ فَلْيَجْتَهِدْ رَأْيَهُ وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إنِّي أَخْشَى فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَدَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ دُونَ مَا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ الْقَضَاءِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ .
( وَلَهُ ) أَيْ الْجُبَّائِيِّ ( أَيْضًا دَلِيلُ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ الْإِجْمَاعُ وَلَا إجْمَاعَ عِنْدَ مُخَالَفَتِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( الْعُمُومَ ) لِلْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ فَامْتَنَعَ الْعَمَلُ بِهِ ، إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ بِلَا دَلِيلٍ ( وَالْجَوَابُ إذَا ثَبَتَتْ حُجِّيَّتُهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( بِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( ثَبَتَ حُكْمُهَا ) أَيْ مُخَالَفَةِ هَذَا الْقِيَاسِ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْقِيَاسِ الْكُلِّيِّ الثَّابِتِ اعْتِبَارُهُ بِالْإِجْمَاعِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ حُكْمِهَا ( الْجَمْعُ ) بَيْنَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ وَبَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُعَارِضِ لَهُ ( مَا أَمْكَنَ ) وَقَدْ أَمْكَنَ كَمَا ذَكَرْنَا ( وَلِلْمُفَصِّلِ الثَّانِي ) أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ جَوَابٌ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ الْعِلَّةُ ( الْمُؤَثِّرَةُ ) أَيْ مَا ثَبَتَ تَأْثِيرُهَا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ( وَالْمُخَصَّصُ ) أَيْ الْعَامُّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ التَّخْصِيصِ ( تَرْجِعَانِ إلَى النَّصِّ ) وَهُوَ مَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ } وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ هَذَا اللَّفْظُ وَأَنَّهُ وَرَدَ مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْعِلِّيَّةُ أَوْ الْحُكْمُ فِي حَقِّ وَاحِدٍ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ بِهَذَا النَّصِّ وَلَزِمَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَبِهِ كَانَ بِالْحَقِيقَةِ تَخْصِيصًا بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ ( وَإِذَا تَرَجَّحَ ظَنُّ
التَّخْصِيصِ ) أَيْ تَخْصِيصِ الْقِيَاسِ لِلْعَامِّ فِيمَا سِوَاهُمَا ( فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّبَاعِ الرَّاجِحِ ) يَجِبُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِهِ ( وَهَذَا ) الْجَوَابُ بِنَاءٌ ( عَلَى اعْتِبَارِ رُجْحَانِ ظَنِّ الْقِيَاسِ ) عَلَى الْعَامِّ ( فِي تَخْصِيصِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ لِلْعَامِّ ( وَعَلِمْت انْتِفَاءَهُ ) أَيْ انْتِفَاءَ اعْتِبَارِهِ حَيْثُ قُلْنَا التَّفَاوُتُ فِي الظَّنِّيَّةِ غَيْرُ مَانِعٍ ( أَوْ لُزُومِهِ ) أَيْ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ ( بِلَا تِلْكَ الْقُيُودِ ) مِنْ كَوْنِ الْعِلَّةِ ثَابِتَةً بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ مُرَجِّحٍ خَاصٍّ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ وَيَجِبُ إعْمَالُ كُلِّ دَلِيلٍ مَا أَمْكَنَ ( الْوَاقِفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْعَامِّ وَالْقِيَاسِ ( جِهَةُ قَطْعٍ ) فَفِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الثُّبُوتِ وَفِي الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحُجِّيَّةِ ( وَظَنٍّ ) فَفِي الْعَامِّ بِاعْتِبَارِ الدَّلَالَةِ وَفِي الْقِيَاسِ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ ( فَيُتَوَقَّفُ قُلْنَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحٌ - وَهُوَ إعْمَالُهُمَا - وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَقْيِيدُهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( بِهِ ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( وَ ) تَخْصِيصُ ( الْكُتُبِ بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ فَفِي مَوَاضِعِهَا ) تَأْتِي مُفَصَّلَةً مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَنَذْكُرُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُيَسِّرُهُ الْكَرِيمُ الْوَهَّابُ .
( وَأَمَّا ) تَخْصِيصُ الْعَامِّ ( بِالتَّقْرِيرِ ) أَيْ تَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْعُمُومِ ( كَعِلْمِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِفِعْلٍ مُخَالِفٍ لِلْعَامِّ وَلَمْ يُنْكِرْهُ يَكُونُ الْفَاعِلُ مُخَصَّصًا ) مِنْ ذَلِكَ الْعَامِّ ( فَوَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ) وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْ مُقَارَنَةَ الْمُخَصَّصِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِعْلُ الْفَاعِلِ عَقِبَ ذِكْرِ الْعَامِّ فِي مَجْلِسِ ذِكْرِهِ أَوْ لَا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ ( أَسْهَلُ مِنْ النَّسْخِ وَأَكْثَرُ وَبِشَرْطِ كَوْنِ الْعِلْمِ ) بِفِعْلِ الْفَاعِلِ الْمُخَالِفِ لِلْعُمُومِ ( عَقِيبَ ذِكْرِ الْعَامِّ فِي مَجْلِسِهِ وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ ( فَنَسْخٌ ) لِذَلِكَ الْعُمُومِ ( عِنْدَ شَارِطِي الْمُقَارَنَةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) لِلتَّخْصِيصِ لِتَرَاخِيهِ ثُمَّ عَلَى كَوْنِهِ مُخَصَّصًا ( فَإِنْ عَلَّلَ ذَلِكَ ) أَيْ تَخْصِيصَ الْفَاعِلِ مِنْ الْعَامِّ بِمَعْنًى ( تَعَدَّى ) ذَلِكَ التَّخْصِيصُ ( إلَى غَيْرِ الْفَاعِلِ ) أَيْضًا إمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَإِمَّا بِعُمُومٍ حُكْمِيٍّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٍّ عَلَى الْجَمَاعَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَ ذَلِكَ الْمَعْنَى جَمِيعَ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَإِلَّا يَكُونُ نَسْخًا وَإِنْ لَمْ يُعَلِّلْ فَالْمُخْتَارُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى غَيْرِهِ لِتَعَذُّرِ دَلِيلِ التَّعْدِيَةِ أَمَّا بِالْقِيَاسِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بِحُكْمِيٍّ عَلَى الْوَاحِدِ فَلِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا عُلِمَ فِيهِ عَدَمُ الْفَارِقِ وَهُنَا لَمْ يُعْلَمْ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْأَحْكَامِ بِوَاسِطَةِ عُرُوضِ الْأَوْصَافِ وَالْأَعْذَارِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا ثَبَتَ حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى الْعِلْمِ بِالْجَامِعِ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْفَارِقِ ، وَالْأَصْلُ بَعْدَ ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَلْقَ فِي الشَّرْعِ شَرْعٌ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا التَّعْمِيمُ وَإِنَّمَا يَظْهَرْ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَظْهَرْ مَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ ثُمَّ إنْ اسْتَوْعَبَ
الْأَفْرَادَ كُلَّهَا فَهُوَ نَسْخٌ وَإِلَّا فَتَخْصِيصٌ ، انْتَهَى .
( وَيَأْتِي تَمَامُهُ ) فِي مَسْأَلَةٍ قَبْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ بِثَلَاثِ مَسَائِلَ .
( وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ ) الْمُخَالِفِ لِلْعُمُومِ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُخَصِّصًا إذَا عُرِفَ عِلْمُهُ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ( بِالْعَامِّ إذْ قَالُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ وَوَافَقَهُمْ الْحَنَابِلَةُ ( بِحُجِّيَّتِهِ ) أَيْ فِعْلِ الصَّحَابِيِّ ( حَمْلًا عَلَى عَمَلِهِ ) الصَّحَابِيِّ ( بِالْمُقَارِنِ ) أَيْ بِالْمُخَصَّصِ الْمُقَارِنِ لِلْعَامِّ ( وَهُوَ ) أَيْ حَمْلُ فِعْلِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمُخَصَّصِ ( أَسْهَلُ مِنْ حَمْلِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( مَرْوِيَّهُ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ إذَا فَعَلَ بِخِلَافِهِ ( عَلَى عِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ ) لِأَنَّ التَّخْصِيصَ أَخَفُّ مِنْ النَّسْخِ فَيَتَعَيَّنُ حَيْثُ أَمْكَنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ الْأَكْثَرُ أَنَّ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ ) جَمْعُ كَثِيرٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَامُّ جَمْعًا كَالرِّجَالِ أَوْ غَيْرَ جَمْعٍ كَمَنْ وَمَا ، غَيْرَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ الْمَحْصُورِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَخُصُوصًا إذَا كَانَ الْقَائِلُ بِهَذَا يَرَى الِاسْتِثْنَاءَ تَخْصِيصًا وَيُجِيزُ اسْتِثْنَاءَ الْأَكْثَرِ كَالْبَيْضَاوِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ مَا يَقْرُبُ مِنْ مَدْلُولِ الْعَامِّ وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ قَدْ فَسَّرُوهُ بِمَا فَوْقَ النِّصْفِ ، وَلَا خَفَاءَ فِي امْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا يُعْلِمُ عَدَدَ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( جَمْعٌ يَزِيدُ عَلَى نِصْفِهِ وَلَا يَسْتَقِيمُ إلَّا فِي نَحْوِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ مِمَّا يَنْحَصِرُ ) لَكِنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْإِطْلَاقُ عَلَى النِّصْفِ فِيمَا لَمْ يُعْلِمْ عَدَدَ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا جَدْوَى لَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فَوْقَ النِّصْفِ فِيهِ فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَهْلُ بَلَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ وَقِيلَ كُلُّ مَنْ فِي الْبَلَدِ مُؤْمِنٌ وَاسْتُثْنِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِهِ إلَى مِائَةٍ مَثَلًا عُلِمَ قَطْعًا أَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ التَّخْصِيصِ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ ( وَقِيلَ ) مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ ( ثَلَاثَةٌ وَقِيلَ اثْنَانِ وَقِيلَ وَاحِدٌ ) وَنَقَلَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ عَنْ سَائِرِ الشَّافِعِيَّةِ ( وَهُوَ مُخْتَارُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَأَمَّا قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ كَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( الْوَاحِدُ فِيمَا هُوَ جِنْسٌ وَالثَّلَاثَةُ فِيمَا هُوَ جَمْعٌ فَمُرَادُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجَمْعِ الْجَمْعُ ( الْمُنَكَّرُ صَرَّحَ بِهِ ) حَيْثُ قَالُوا كَالْعَبِيدِ وَنِسَاءٍ ( وَبِإِرَادَةِ نَحْوِ الرَّجُلِ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ وَالطَّائِفَةِ بِالْجِنْسِ ) وَكَانَ فِي الْأَصْلِ وَأَنَّ هَذِهِ مُفْرَدٌ دَلَالَةً فَنَسْخُهَا يَعْنِي وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّجُلِ وَمَا بَعْدَهُ
مُفْرَدٌ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا جَمْعًا صِيغَةً كَالْعَبِيدِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْجِنْسُ ( مُعْظَمُ الِاسْتِغْرَاقِيِّ وَفِيهِ ) أَيْ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ ( الْكَلَامُ ) أَيْ أَنَّ مُنْتَهَى تَخْصِيصِهِ كَذَا فَلَزِمَ أَنَّ مُنْتَهَى تَخْصِيصِ صِيَغِ الْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ إلَى وَاحِدٍ لَيْسَ غَيْرُ ( وَأَمَّا ) الْجَمْعُ ( الْمُنَكَّرُ فَمِنْ الْخَاصِّ خُصُوصَ جِنْسٍ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ ) فِي أَوَّلِ التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ التَّقْسِيمِ الثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ فَهُوَ ( حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّهَا ) أَيْ كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِهِ ( مَا صَدَقَاتُهُ كَرَجُلٍ فِي كُلِّ فَرْدٍ زَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ سُلِّمَ ) كَوْنُهُ عَامًّا كَمَا هُوَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الْعُمُومِ ( فَعُمُومُهُ لَا يَقْبَلُ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ إذْ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَعُمُومِ الْمَعْنَى وَالْمَفْهُومِ عَلَى مَا قِيلَ وَكَوْنُهُ ) أَيْ الشَّأْنِ ( قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( أَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ ) فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى ( لَيْسَ مَسْلُوبًا مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ ) إلَى الْجِنْسِيَّةِ ( بِاللَّامِ بَلْ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ ) هُوَ الَّذِي يُسْلَبُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ إذَا كَانَ جَمْعًا إلَى الْجِنْسِيَّةِ بِاللَّامِ ( شَيْءٌ آخَرُ ) غَايَةُ مَا يَلْزَمُهُ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَهُ فِي الْجَمْعِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ وَلَا بَأْسَ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي أَنَّ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ مُطْلَقًا إلَى الْوَاحِدِ لِثُبُوتِهِ فِي الْجَمْعِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِغَيْرِهِ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ ( وَاخْتَارَ بَعْضُ مَنْ يُجَوِّزُ التَّخْصِيصَ بِالْمُتَّصِلِ ) وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( أَنَّهُ ) أَيْ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ ( بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالْبَدَلِ وَاحِدٌ وَبِالصِّفَةِ وَالشَّرْطِ اثْنَانِ وَبِالْمُنْفَصِلِ فِي الْمَحْصُورِ الْقَلِيلِ إلَى اثْنَيْنِ كَ قَتَلْتُ كُلَّ زِنْدِيقٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ ) وَقَدْ قَتَلَ اثْنَيْنِ وَعُلِمَ ذَلِكَ بِكَلَامٍ أَوْ حِسٍّ ( وَفِي غَيْرِ
الْمَحْصُورِ وَالْعَدَدِ الْكَثِيرُ الْأَوَّلُ ) أَيْ جَمْعٌ يَقْرُبُ مِنْ مَدْلُولِهِ ( وَعَلِمْت أَنْ لَا ضَابِطَ لَهُ ) وَعَلِمْت أَيْضًا مَا قِيلَ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ ( إلَّا أَنْ يُرَادَ كَثْرَةٌ كَثِيرَةٌ عُرْفًا ) وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ ( قَالُوا ) أَيْ الْأَكْثَرُ ( لَوْ قَالَ قَتَلْت كُلَّ مَنْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةً عُدَّ لَاغِيًا فَبَطَلَ ) مَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ ( مَذْهَبُ الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ ) بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَالْجَوَابُ أَنَّهُ ) أَيْ عَدَّهُ لَاغِيًا ( إذَا لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ مَعَهُ فَإِنْ ذَكَرَهُ ) أَيْ دَلِيلَ التَّخْصِيصِ مَعَ الْعَامِّ ( مَنَعْنَاهُ ) أَيْ عَدَّهُ لَاغِيًا ( إلَّا إنْ أَرَادَ انْحِطَاطَ رُتْبَةِ الْكَلَامِ ) عَنْ دَرَجَةِ الْبَلَاغَةِ عَلَى مَا فِيهِ ( وَلَيْسَ فِيهِ الْكَلَامُ وَتَعَيُّنُ الِاثْنَيْنِ فِي الْقَلِيلِ كَقَتَلْتُ كُلَّ زِنْدِيقٍ لِاثْنَيْنِ وَهُمْ أَرْبَعَةٌ حَتَّى امْتَنَعَ ) كَوْنُهُ مُنْتَهَى التَّخْصِيصِ ( مَا دُونَهُمَا ) أَيْ الِاثْنَيْنِ فِيهِ ( وَفِي الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ ) قَوْلٌ ( بِلَا دَلِيلٍ ) وَكَيْفَ لَا ( وَمِنْ الْبَيِّنِ صِحَّةُ أَكْرِمْ النَّاسَ الْعُلَمَاءَ أَوْ إنْ كَانُوا عُلَمَاءَ وَلَيْسَ فِي الْوُجُودِ إلَّا عَالِمٌ ) وَاحِدٌ ( لَزِمَ إكْرَامُهُ وَهُوَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ وَمُعَيَّنُ الْجَمْعِ ) أَيْ الثَّلَاثَةِ ( وَالِاثْنَيْنِ مَا قِيلَ فِي الْجَمْعِ ) مِنْ أَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ فَرْعَ كَوْنِ الْجَمْعِ حَقِيقَةً فِي الثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ ( وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ) مُثْبِتٍ الْعَامُّ لَا فِي أَقَلِّ مَرْتَبَةٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ لِأَنَّهُ الَّذِي فِيهِ الِاخْتِلَافُ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ بِعَامٍّ اسْتِغْرَاقِيٍّ ، وَالْكَلَامُ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ وَأَنَّ عُمُومَ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ ( وَلَا تَلَازُمَ ) أَيْضًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْأَقَلَّيْنِ فَلَا يَكُونُ الْمُثْبِتُ لِأَحَدِهِمَا مُثْبِتًا لِلْآخَرِ (
وَلَنَا ) عَلَى مَا هُوَ مُخْتَارُ الْحَنَفِيَّةِ ( { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ } وَالْمُرَادُ نُعَيْمُ ) بْنُ مَسْعُودٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ فِي الْمُبْهَمَاتِ وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَالثَّعْلَبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُقَاتِلٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ لَا بِاتِّفَاقِ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّاسَ لِلْمَعْهُودِ فَلَا عُمُومَ ) لِأَنَّ الْمَعْهُودَ لَيْسَ بِعَامٍّ كَمَا تَقَدَّمَ ( فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ كَوْنَ النَّاسِ الْمَعْهُودَ لِوَاحِدٍ مِثْلِهِ ) أَيْ مِثْلِ النَّاسِ الْعَامِّ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَادَ بِالنَّاسِ الْمَعْهُودُ وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَاهُ الْكَثِيرُ جَازَ فِي النَّاسِ لِلْكَثِيرِ غَيْرِ الْمَعْهُودِ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذَلِكَ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَأَيْضًا لَا مَانِعَ لُغَوِيٌّ مِنْ الْإِرَادَةِ ) أَيْ إرَادَةِ وَاحِدٍ بِالْعَامِّ ( بِالْقَرِينَةِ وَإِنَّمَا يُعَدُّ لَاغِيًا ) بِإِرَادَةِ وَاحِدٍ بِهِ ( إذَا لَمْ يَنْصِبْهَا وَنَحْنُ اشْتَرَطْنَا الْمُقَارَنَةَ فِي التَّخْصِيصِ ) فَلَمْ يَرِدْ بِهِ إلَّا مَقْرُونًا بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَتِهِ فَلَا مَحْذُورَ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَامِّ .
( وَأَمَّا الْخَاصُّ فَعَلِمْت ) فِي أَوَائِلِ هَذَا التَّقْسِيمِ ( أَنَّهُ يَنْتَظِمُ الْمُطْلَقَ وَمَا بَعْدَهُ ) مِنْ الْعَدَدِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَحَيْثُ كَانَ الْبَحْثُ عَنْ كُلٍّ مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِنْ مُهِمَّاتِ عِلْمِ الْأُصُولِ دُونَ الْعَدَدِ فَلَا بَأْسَ بِتَعْرِيفِ كُلٍّ وَذِكْرِ أَحْوَالِهِ الَّتِي يُبْحَثُ عَنْهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ فَنَقُولُ ( أَمَّا الْمُطْلَقُ فَمَا دَلَّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادٍ ) وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ وَمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَيْسَ بِأَحَدِهِمَا مِمَّا هُوَ كَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْضٌ وَلَمْ يَقُلْ فَرْدٌ لِيَشْمَلَ الْوَاحِدَ وَالْأَكْثَرَ فَيَدْخُلَ فِي الْمُطْلَقِ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ فَإِنَّهُ حَيْثُ خَرَجَ مِنْ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ إلَّا الْمُطْلَقُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَرِجَالٍ إلَّا بِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ فِي الْآحَادِ وَرِجَالًا فِي الْجُمُوعِ قَوْلُهُ ( شَائِعٌ ) صِفَةُ بَعْضِ مُخْرِجٌ لِلْعَامِّ وَلِلْمَعَارِفِ كُلِّهَا إلَّا الْمَعْهُودَ الذِّهْنِيَّ وَزَادَ ( لَا قَيْدَ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْبَعْضِ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ دَالٌّ عَلَى بَعْضٍ شَائِعٍ وَقَوْلُهُ ( مُسْتَقِلًّا لَفْظًا ) لِئَلَّا يَخْرُجَ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ فَإِنَّهُ مِنْ الْمُطْلَقِ ، وَاللَّامُ فِيهِ قَيْدٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ إذْ الْمُرَادُ بِالِاسْتِقْلَالِ اللَّفْظِيِّ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ اللَّفْظِيُّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ لَا التَّمَامُ فِي الْمَعْنَى الَّذِي يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّمَا قَالَ ( فَوَضْعُهُ ) أَيْ الْمُطْلَقِ ( لَهُ ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ شَائِعٍ إلَى آخِرِهِ تَمْهِيدًا لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَأَثْبَتَهُ بِقَوْلِهِ ( لِأَنَّ الدَّلَالَةَ ) أَيْ تَبَادُرَ الْبَعْضِ الشَّائِعِ مِنْ اللَّفْظِ ( عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دَلِيلُهُ ) أَيْ الْوَضْعُ لِلْمُتَبَادِرِ لِأَنَّ التَّبَادُرَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ ( وَلِأَنَّ الْأَحْكَامَ )
الْمُتَعَلِّقَةَ بِمُطْلَقٍ إنَّمَا هِيَ ( عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْوَضْعُ لِلِاسْتِعْمَالِ ) أَيْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِمَعْنًى اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَالْفَرْضُ هُنَا أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمُطْلَقِ يُفِيدُ كَوْنَهُ لِلْأَفْرَادِ ( فَكَانَتْ ) الْأَحْكَامُ عَلَى الْأَفْرَادِ ( دَلِيلَهُ ) أَيْ وَضْعِ الْمُطْلَقِ لِلْبَعْضِ الشَّائِعِ لَا لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ الْمُطْلَقِ وَيُرَادُ بِهِ الطَّبِيعِيَّةُ أَيْضًا قُلْنَا نَعَمْ فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ ( وَالْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةُ ) غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي الْعُلُومِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْفُنُونِ وَإِنَّمَا قَدْ يَعْرِضُ إرَادَتُهَا بِهِ قَلِيلًا قِلَّةً ( لَا نِسْبَةَ لَهَا بِمُقَابِلِهَا ) أَيْ لَا يُنْسَبُ فِي الْقِلَّةِ إلَى اسْتِعْمَالِهَا لِلْأَفْرَادِ بِنِسْبَةٍ ( فَاعْتِبَارُهَا ) أَيْ الطَّبِيعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّفْظَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ مُرَادًا بِهِ إيَّاهَا ( دَلِيلُ الْوَضْعِ ) لِلْمَاهِيَّةِ حِينَئِذٍ ( عَكْسُ الْمَعْقُولِ وَالْأُصُولِ ) لِأَنَّ الدَّلَالَةَ إنَّمَا تُنْسَبُ إلَى الْأَكْثَرِ لَا إلَى مَا لَا وُجُودَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ ( فَالْمَاهِيَّةُ فِيهَا ) أَيْ فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ ( إرَادَةٌ لَا دَلَالَةُ قَرِينَتِهَا ) أَيْ إرَادَتِهَا ( خُصُوصَ الْمُسْنَدِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْنَدَ إلَّا إلَيْهَا ، مِثْلُ الرَّجُلُ نَوْعٌ أَوْ صِنْفٌ وَنَحْوُهُ بِخِلَافِ تَبَادُرِ الْفَرْدِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْإِسْنَادِ وَغَيْرِهِ ( فَلَا دَلِيلَ عَلَى وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ إلَّا عَلَمَ الْجِنْسِ إنْ قُلْنَا بِالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ الْجِنْسِ وَالنَّكِرَةِ وَهُوَ ) أَيْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ( الْأَوْجَهُ إذْ اخْتِلَافُ أَحْكَامِ اللَّفْظَيْنِ يُؤْذِنُ بِفَرْقٍ فِي الْمَعْنَى ) بَيْنَهُمَا وَقَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ عَلَمَ الْجِنْسِ كَأُسَامَةَ يَمْتَنِعُ مِنْ أَلْ وَالْإِضَافَةِ وَالصَّرْفِ وَيُوصَفُ بِالْمَعْرِفَةِ ، وَيَجِيءُ الْحَالُ عَنْهُ مُتَأَخِّرَةً ، وَاسْمُ الْجِنْسِ كَأَسَدٍ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ كَانَ عَلَمُ الْجِنْسِ
مَوْضُوعًا لِلْحَقِيقَةِ الْمُتَّحِدَةِ فِي الذِّهْنِ وَاسْمُ الْجِنْسِ مَوْضُوعًا لِلْفَرْدِ الشَّائِعِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي الْمَعْنَى كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ غَيْرُ الْأَوْجَهِ ( فَلَا ) وَضْعَ لِلْحَقِيقَةِ أَصْلًا ( فَقَدْ سَاوَى ) الْمُطْلَقُ ( النَّكِرَةَ مَا لَمْ يَدْخُلْهَا عُمُومٌ وَالْمُعَرَّفُ لَفْظًا فَقَطْ ) أَيْضًا نَحْوُ ( اشْتَرِ اللَّحْمَ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ دَالٌّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ لَا قَيْدَ مَعَهُ مُسْتَقِلًّا لَفْظًا وَلِكَوْنِ الْمُعَرَّفِ لَفْظًا لَا مَعْنًى بَاقِيًا عَلَى عَدَمِ التَّعَيُّنِ سَاغَ وَصْفُهُ بِالنَّكِرَةِ اعْتِبَارًا بِمَعْنَاهُ كَمَا سَاغَ وَصْفُهُ بِالْمَعْرِفَةِ اعْتِبَارًا بِلَفْظِهِ وَجَازَ فِي الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْهُ مُلَاحَظَةً لِجَانِبِ اللَّفْظِ وَصِفَةً لَهُ مُلَاحَظَةً لِجَانِبِ الْمَعْنَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا } وَرُبَّمَا يُرَجَّحُ الْوَصْفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي فَتَأَمَّلْ .
( فَبَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالنَّكِرَةِ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ ) لِصِدْقِهِمَا فِي نَحْوِ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } وَانْفِرَادُ النَّكِرَةِ عَنْ الْمُطْلَقِ فِي نَكِرَةٍ عَامَّةٍ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ وَانْفِرَادِ الْمُطْلَقِ عَنْهَا فِي نَحْوِ اشْتَرِ اللَّحْمَ فَإِنَّهُ مَعْرِفَةٌ فِي الِاصْطِلَاحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَانْتَفَى قَوْلُ صَاحِبِ التَّحْقِيقِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّكِرَةِ وَالْمُطْلَقِ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ إذْ تَمْثِيلُ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ الْمُطْلَقَ بِالنَّكِرَةِ فِي كُتُبِهِمْ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ الْمُطْلَقُ هُوَ النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ ( وَدَخَلَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ ) فِي الْمُطْلَقِ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ ( وَمَنْ خَالَفَ الدَّلِيلَ ) الدَّالَّ عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ النَّكِرَاتِ لَيْسَتْ إلَّا لِلْمَفَارِيدِ الشَّائِعَةِ لَا لِلْمَاهِيَّاتِ الْمَذْكُورِ
بِقَوْلِهِ الدَّلَالَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ دَلِيلُهُ إلَخْ ، وَهُوَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيُّ ثُمَّ السُّبْكِيُّ ( فَجَعَلَ النَّكِرَةَ لِلْمَاهِيَّةِ ) احْتَاجَ إلَى فَرْقٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَعْلَامِ الْأَجْنَاسِ لِأَنَّهَا لِلْمَاهِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَتَكَلَّفَ اعْتِبَارَ قَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى الْمَاهِيَّةِ فِي مَوْضُوعِهَا فَقَالَ مَعْنَى عَلَمِ الْجِنْسِ الْمَاهِيَّةُ بِاعْتِبَارِ حُضُورِهَا الذِّهْنِيِّ الَّذِي هُوَ نَوْعُ تَشَخُّصٍ لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( أُخِذَ فِي عَلَمِ الْجِنْسِ حُضُورُهَا الذِّهْنِيُّ فَكَانَ ) حُضُورُهَا الذِّهْنِيُّ ( جُزْءَ مُسَمَّاهُ ) أَيْ عَلَمِ الْجِنْسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمُقْتَضَاهُ ) أَيْ هَذَا الْأَخْذِ ( أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أُسَامَةَ يَقَعُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ) أُسَامَةُ ( مِنْ أَسَدٍ وَحُضُورٍ ذِهْنِيٍّ أَوْ ) كَانَ الْحُضُورُ الذِّهْنِيُّ ( مُقَيَّدًا بِهِ ) الْمَاهِيَّةِ الَّتِي وُضِعَ لَهَا عَلَمُ الْجِنْسِ فَيَقَعُ الْحُكْمُ عَلَى أُسَامَةَ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَسَدٍ بِقَيْدِ الْحُضُورِ الذِّهْنِيِّ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُ الْحُكْمِ وَاقِعًا عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَسَدٍ وَحُضُورٍ ذِهْنِيٍّ أَوْ مِنْ أَسَدٍ بِقَيْدِ حُضُورٍ ذِهْنِيٍّ فِيهِ ( مُنْتَفٍ ) فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَى أُسَامَةَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مِنْ أَسَدٍ فَقَطْ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) عَدَمُ انْتِفَاءِ هَذَا ( فَقَدْ اسْتَقَلَّ مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ تَبَادُرِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ مِنْ الْإِطْلَاقِ إلَى آخِرِهِ ( بِنَفْيِهِ ) أَيْ وَضْعِ الْمُطْلَقِ لِلْمَاهِيَّةِ ( فَالْحَقُّ الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنْ لَا وَضْعَ لِلْحَقِيقَةِ أَصْلًا إلَّا عَلَمَ الْجِنْسِ ( وَكَذَا ) خَالَفَ الدَّلِيلَ ( مَنْ جَعَلَهَا ) أَيْ النَّكِرَةَ ( قَسِيمَ الْمُطْلَقِ فَهِيَ ) أَيْ النَّكِرَةُ ( لِلْفَرْدِ ) الشَّائِعِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُطْلَقُ ( لِلْمَاهِيَّةِ ) مِنْ حَيْثُ هِيَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْقِيقِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ ( مَعَ كَوْنِهِ بِلَا مُوجِبٍ يَنْفِيهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ مِنْ مِثْلِهِ ) أَيْ الْمُطْلَقِ ( رَقَبَةً ) فِي { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ
} ( وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ ) أَيْ لَفْظَ رَقَبَةٍ ( نَكِرَةٌ وَالْمُقَيَّدُ مَا ) أَيْ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى بَعْضٍ شَائِعٍ ( مَعَهُ ) قَيْدَ مَلْفُوظٍ مُسْتَقِلٍّ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَالرَّقَبَةُ الْمُؤْمِنَةُ ( فَالْمَعَارِفُ بِلَا قَيْدٍ ) مَعَهَا مُسْتَقِلٌّ لَفْظًا ( ثَالِثٌ ) أَيْ لَا مُطْلَقَ وَلَا مُقَيَّدَ ( وَقَدْ يُتْرَكُ ) الْقَيْدُ فِي تَعْرِيفَيْهِمَا أَيْ لَا قَيْدَ مَعَهُ وَمَا مَعَهُ قَيْدٌ فَيُقَالُ فِي الْمُطْلَقِ مَا دَلَّ عَلَى بَعْضٍ شَائِعٍ وَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ الْمُقَيَّدُ مَا دَلَّ لَا عَلَى شَائِعٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( فَتَدْخُلُ ) الْمَعَارِفُ وَكَذَا الْعُمُومَاتُ ( فِي الْمُقَيَّدِ وَلَيْسَ ) دُخُولُهُمَا فِي الْمُقَيَّدِ ( بِمَشْهُورٍ ) أَيْ بِاصْطِلَاحٍ شَائِعٍ ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا الِاصْطِلَاحُ يَعْنِي فِي الْمُقَيَّدِ مَا أُخْرِجَ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَرَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الرَّقَبَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أُخْرِجَتْ مِنْ الشِّيَاعِ بِوَجْهٍ مَا حَيْثُ كَانَتْ شَائِعَةً بَيْنَ الْمُؤْمِنَةِ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَأُزِيلَ ذَلِكَ الشِّيَاعُ عَنْهُ ، وَقُيِّدَ بِالْمُؤْمِنَةِ فَكَانَ مُطْلَقًا مِنْ وَجْهٍ مُقَيَّدًا مِنْ وَجْهٍ ، ثُمَّ قَالُوا : وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ مِنْ مُتَّفِقٍ وَمُخْتَلِفٍ وَمُخْتَارٍ وَمُزَيَّفٍ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيَزِيدُ هَذَا بِهَذِهِ .
( مَسْأَلَةٌ إذَا اخْتَلَفَ حُكْمُ مُطْلَقٍ وَمُقَيَّدِهِ ) أَيْ وَحُكْمُ مُقَيَّدٍ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ وَهُوَ الْمُسْنَدُ كَأَطْعِمْ فَقِيرًا وَاكْسُ فَقِيرًا عَارِيًّا ( لَمْ يُحْمَلْ ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( إلَّا ضَرُورَةً ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا لِذَلِكَ أَلْبَتَّةَ ( كَأَعْتِقْ رَقَبَةً وَلَا تَتَمَلَّكْ إلَّا رَقَبَةً مُؤْمِنَةً ) فَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مَعَ الْأَمْرِ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمُعْتَقَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْمِلْكِ وَقَدْ فُرِضَ نَهْيُهُ عَنْ تَمَلُّكِ غَيْرِ الْمُؤْمِنَةِ فَيَكُونُ مَأْمُورًا بِعِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ .
قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ فِيهِ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ تَمَلُّكِ مَا عَدَا الرَّقَبَةَ الْمُؤْمِنَةَ مُوجِبًا تَقْيِيدَ الرَّقَبَةِ بِالْمُؤْمِنَةِ فِي الْأَمْرِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِ الْمَأْمُورِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ كَافِرَةٌ فَلَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُ الرَّقَبَةِ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِيَسْتَلْزِمَ كَوْنَ الْمُعْتَقَةِ مُؤْمِنَةً أَلْبَتَّةَ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرَةَ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ إلَّا مُؤْمِنَةً كَانَ مُتَمَثِّلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِتْقَ الرَّقَبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ لِإِمْكَانِ الْعِتْقِ بِدُونِ تَمَلُّكِ الْمُؤْمِنَةِ بِأَنْ يَرِثَ رَقَبَةً كَافِرَةً فَيُعْتِقَهَا فَإِنَّ التَّمَلُّكَ يَقْتَضِي الِاخْتِيَارَ وَلَا اخْتِيَارَ فِي الْإِرْثِ فَيَكُونَ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ تَمْثِيلَ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِهَذَا بِ أَعْتِقْ عَنِّي رَقَبَةً وَلَا تُمَلِّكْنِي رَقَبَةً كَافِرَةً لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ بَلْ الْمِثَالُ الْمُطَابِقُ لَهُ أَعْتَقْت رَقَبَةً وَلَمْ أَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً أَوْ إلَّا رَقَبَةً
مُؤْمِنَةً ( أَوْ اتَّحَدَ ) حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَحُكْمُ مُقَيَّدِهِ حَالَ كَوْنِهِمَا ( مَنْفِيَّيْنِ ) كَلَا تُعْتِقْ رَقَبَةً لَا تُعْتِقْ رَقَبَةً كَافِرَةً ( فَمِنْ بَابٍ آخَرَ ) أَيْ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ لِلْعَامِّ عَلَى الْمُخْتَارِ لَا مِنْ بَابِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ( أَوْ ) حَالَ كَوْنِهِمَا ( مُثْبَتَيْنِ مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ وَرَدَا مَعًا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقَيَّدِ ( بَيَانًا ضَرُورَةَ أَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ الْمُتَنَافِيَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَصَوْمِ ) كَفَّارَةِ ( الْيَمِينِ عَلَى التَّقْدِيرِ ) أَيْ تَقْدِيرِ وُرُودِ الْمُطْلَقِ - وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } - وَالْمُقَيَّدِ وَهُوَ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فِيهَا مَعًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَصْحَابُنَا بِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِيهِ ( أَوْ جُهِلَ ) كَوْنُهُمَا مَعًا ( فَالْأَوْجَهُ عِنْدِي كَذَلِكَ ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( حَمْلًا ) لَهُمَا ( عَلَى الْمَعِيَّةِ تَقْدِيمًا لِلْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ ) بَيْنَهُمَا ( لِلْأَغْلَبِيَّةِ ) أَيْ أَغْلَبِيَّةِ الْبَيَانِ عَلَى النَّسْخِ ( مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي التَّعَارُضِ ) : الدَّلِيلَانِ الْمُتَعَارِضَانِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَارِيخُهُمَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا ( يُؤْنِسُهُ ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ الْمُطْلَقَ فَسَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُقَيَّدَ ( فَالْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ أُرِيدَ الْإِطْلَاقُ ثُمَّ رُفِعَ بِالْقَيْدِ فَلِذَا ) أَيْ فَلِكَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( لَمْ يُقَيِّدْ خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُمْ الْمُتَوَاتِرَ وَهُوَ ) أَيْ تَقْيِيدُ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْمُتَوَاتِرِ هُوَ ( الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ ) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ
وَالْمُتَوَاتِرَ قَطْعِيٌّ ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ الْقَطْعِيِّ بِالظَّنِّيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْمُطْلَقِ نَاسِخًا لَهُ ( الْأَوْجَهُ وَالشَّافِعِيَّةُ ) قَالُوا وُرُودُ الْمُقَيَّدِ بَعْدَ الْمُطْلَقِ ( تَخْصِيصٌ ) لِلْمُطْلَقِ ( أَيْ بَيَّنَ الْمُقَيَّدُ أَنَّهُ ) نَفْسَهُ ( الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُهُ مُبَيِّنًا أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ ( مَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( إنَّهُ ) أَيْ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( جَمْعٌ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ) الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ( مُغَالَطَةُ قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُقَيَّدِ عَمَلٌ بِهِ ) أَيْ الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ ( قُلْنَا ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ عَمَلٌ بِالْمُطْلَقِ مُطْلَقًا ( بَلْ بِالْمُطْلَقِ الْكَائِنِ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ) أَيْ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُطْلَقُ فِي ضِمْنِ الْمُقَيَّدِ ( الْمُقَيَّدُ فَقَطْ وَلَيْسَ الْعَمَلُ بِالْمُطْلَقِ كَذَلِكَ ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ فِي ضِمْنِ مُقَيَّدٍ فَقَطْ ( بَلْ ) الْعَمَلُ بِهِ ( أَنْ يُجْزِئَ كُلُّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ) الْمُطْلَقُ ( مِنْ الْمُقَيَّدَاتِ ) فَيُجْزِئَ كُلٌّ مِنْ الْمُؤْمِنَةِ وَالْكَافِرَةِ فِي { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } مَثَلًا ( وَمَنْشَأُ الْمُغَالَطَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ بِاصْطِلَاحٍ ) - وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمَنْطِقِيِّينَ - ( الْمَاهِيَّةُ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ ) فَظُنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هَذَا هُنَا ( لَكِنْ ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الشَّائِعُ ( هُنَا بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ ) أَوْ الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ الْإِطْلَاقِ حَتَّى كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ أَيِّ فَرْدٍ شَاءَ ، وَالتَّقْيِيدُ يُنَافِي هَذِهِ الْمُكْنَةَ ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا ( وَلِأَنَّ فِيهِ ) أَيْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْقَيْدِ وَاعْتِبَارُ الْمُطْلَقِ لَا يُتَيَقَّنُ مَعَهُ بِفِعْلِهِ ) أَيْ الْمُقَيَّدِ الْمُكَلَّفِ بِهِ حِينَئِذٍ لِتَجْوِيزِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِفِعْلِ
مُقَيَّدٍ غَيْرِهِ مِنْ مُقَيَّدَاتِهِ ( قُلْنَا قَضَيْنَا عُهْدَتَهُ ) أَيْ الْمُطْلَقِ ( بِإِيجَابِ الْمُقَيَّدِ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ ( وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ ) أَيْ إيجَابَ الْمُقَيَّدِ ( حَمْلٌ ) هُوَ ( بَيَانٌ ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمْ ( أَوْ نَسْخٌ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا ( فَالْمُقَيَّدُ ) لِلشَّافِعِيَّةِ ( فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إثْبَاتُ أَنَّهُ بَيَانٌ وَلَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( فِيهِ ) أَيْ إثْبَاتِ أَنَّهُ بَيَانٌ ( أَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ النَّسْخِ ) لِأَنَّهُ دَفْعٌ ، وَالنَّسْخُ رَفْعٌ ، وَالدَّفْعُ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ ( فَوَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قُلْنَا إذْ لَا مَانِعَ ) مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ ( وَحَيْثُ كَانَ الْإِطْلَاقُ مِمَّا يُرَادُ قَطْعًا وَثَبَتَ ) الْإِطْلَاقُ ( غَيْرَ مَقْرُونٍ بِمَا يَنْفِيهِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَخَصُّصِ الْمُتَأَخِّرِ وَمَا قِيلَ ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَيَّدُ الْمُتَأَخِّرُ بَيَانًا لَكَانَ كُلُّ تَخْصِيصٍ نَسْخًا ) لِلْعَامِّ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُخَالِفٌ لَهُ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ ( مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ اللَّازِمُ كَوْنُ كُلِّ ) لَفْظٍ مُسْتَقِلٍّ مُخْرِجٍ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْعَامُّ مِنْ إرَادَتِهِ بِهِ ( مُتَأَخِّرٍ ) عَنْ الْعَامِّ ( نَاسِخًا ) لِحُكْمِهِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ ( لَا تَخْصِيصًا وَبِهِ نَقُولُ عَلَى أَنَّ فِي عِبَارَتِهِ مُنَاقَشَةً بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَخْصِيصًا وَنَسْخًا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا ( ثُمَّ أُجِيبَ ) عَنْ هَذَا ( فِي أُصُولِهِمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ - وَالْمُجِيبُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنَّ فِي التَّقْيِيدِ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلُ ) أَيْ قَبْلَ التَّقْيِيدِ كَوُجُوبِ إيمَانِ الرَّقَبَةِ مَثَلًا ( بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ دَفْعٌ لِبَعْضِ حُكْمِ الْأَوَّلِ ) فَقَطْ لَا إثْبَاتُ حُكْمٍ آخَرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَيَنْبُو ) أَيْ وَيَبْعُدُ هَذَا الْجَوَابُ ( عَنْ الْفَرِيقَيْنِ ) الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( فَإِنَّ الْمُطْلَقَ
مُرَادٌ بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ إذَا وَجَبَ الْحَمْلُ ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( اتِّفَاقًا ) وَإِذَا كَانَ الْمُطْلَقُ مُرَادًا بِحُكْمِ الْمُقَيَّدِ مِنْ حِينِ تَكَلَّمَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلُ ( وَإِلْزَامُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ ( كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا ) لِلْمُقَيَّدِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ اللَّاحِقَ كَمَا يُنَافِي الْإِطْلَاقَ السَّابِقَ وَيَرْفَعُهُ فَكَذَا بِالْعَكْسِ وَإِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ ( لَا أَعْلَمُ فِيهِ تَصْرِيحًا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) وَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِمْ فَلْيَأْتِ بِهِ ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ وَكَيْفَ لَا ( وَعُرِفَ ) مِنْ قَوَاعِدِهِمْ ( إيجَابُهُمْ وَصْلَ بَيَانِ الْمُرَادِ بِالْمُطْلَقِ ) بِالْمُطْلَقِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِهِ الْإِطْلَاقَ ( كَقَوْلِهِمْ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ ) يَجِبُ وَصْلُ الْمُخَصِّصِ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ عُمُومَهُ ( بِذَلِكَ الْوَجْهِ ) الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ ثَمَّةَ فَلْيُرَاجَعْ .
( وَيَجِيءُ فِيهِ ) أَيْ فِي تَأْخِيرِ الْمُقَيَّدِ ( مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ إرَادَتِهِمْ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي الْحُسَيْنِ مِنْ ) وَصْلِ الْبَيَانِ ( الْإِجْمَالِيِّ كَهَذَا الْإِطْلَاقِ مُقَيَّدٌ وَيَصِيرُ ) الْمُطْلَقُ حِينَئِذٍ ( مُجْمَلًا أَوْ التَّفْصِيلِيِّ وَلَنَا أَنْ نَلْتَزِمَهُ ) أَيْ كَوْنَ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخًا لِلْمُقَيَّدِ ( عَلَى قِيَاسِ نَسْخِ الْعَامِّ الْمُتَأَخِّرِ الْخَاصَّ الْمُتَقَدِّمَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَمَعْنَى النَّسْخِ فِيهِ ) أَيْ فِي نَسْخِ الْمُطْلَقِ الْمُتَأَخِّرِ الْمُقَيَّدَ ( نَسْخُ الْقَصْرِ عَلَى الْمُقَيَّدِ ) وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ حُكْمَ الْمُقَيَّدِ لَمْ يُرْفَعْ بِالْمُطْلَقِ .
هَذَا وَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَشُرُوحِهِ : الْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ الْمُثْبَتَانِ إنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِالْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِدْقِهِ بِغَيْرِ الْمُقَيَّدِ ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ
بِالْمُطْلَقِ دُونَ الْعَمَلِ ، أَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنْ الْمُقَيَّدِ مُطْلَقًا ، أَوْ تَقَارَنَا ، أَوْ جُهِلَ تَارِيخُهُمَا حُمِلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَقِيلَ الْمُقَيَّدُ نَاسِخٌ لِلْمُطْلَقِ إنْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ بِهِ كَمَا لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ بِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ بِأَنْ يُلْغَى الْقَيْدُ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُقَيَّدِ ذِكْرٌ جُزْئِيٌّ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَيِّدُهُ كَمَا أَنَّ ذِكْرَ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ .
وَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ الْجَادَّةَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الْمُفَصَّلُ فَإِمَّا عِنْدَهُ وَإِمَّا عِنْدَهُمْ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ قَالَ عَطْفًا عَلَى مُتَّحِدَيْ السَّبَبِ ( أَوْ مُخْتَلِفَيْ السَّبَبِ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ) حَيْثُ قَالَ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ( وَتَقْيِيدِهَا فِي ) كَفَّارَةِ ( الْقَتْلِ ) حَيْثُ قَالَ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } ( فَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُحْمَلُ ) الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَجِبُ كَوْنُهَا مُؤْمِنَةً فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ ( فَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ - يَعْنِي - بِجَامِعٍ ) بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ، وَهُوَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْمِثَالِ حُرْمَةُ سَبَبِهِمَا أَعْنِي الظِّهَارَ وَالْقَتْلَ ( وَالْحَنَفِيَّةُ يَمْنَعُونَهُ ) أَيْ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِجَامِعٍ ( لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْقِيَاسِ وَهُوَ عَدَمُ مُعَارَضَةِ مُقْتَضَى نَصٍّ ) فِي الْمَقِيسِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ نَصٌّ دَالٌّ عَلَى إجْزَاءِ الْمُقَيَّدِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ بِالْقِيَاسِ عَدَمُ إجْزَاءِ غَيْرِ الْمُقَيَّدِ لِانْتِفَاءِ صِحَّتِهِ ( وَبَعْضُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ جَامِعٍ بَيْنَهُمَا ( لِوَحْدَةِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَخْتَلِفُ ) بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ ( بَلْ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا ) فَإِذَا نَصَّ عَلَى الْإِيمَانِ
فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَزِمَ أَيْضًا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ ( أَضْعَفُ ) مِنْ الْأَوَّلِ ( وَإِذَا نَظَرْنَا فِي مُقْتَضَيَاتِ الْعِبَارَاتِ ) وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ قَطْعًا لَا فِي الصِّفَةِ الْأَزَلِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ ( وَلَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِالْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ فِي سَبَبِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ كَ أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ) أَيْ كَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ { خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَالَ أَدُّوا صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَقَعُ فِيهِ التَّقَيُّدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ ( مَعَ رِوَايَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ التَّقْيِيدُ بِإِسْلَامِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ ، إذْ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ الْمُخْرِجُ وَيَلِي عَلَيْهِ ، وَقَدْ وَقَعَ تَارَةً مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْإِسْلَامِ وَتَارَةً مُقَيَّدًا بِهِ ( فَلَا حَمْلَ ) لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ ) مَنْ أَنَّهُ قَيْدٌ وَلَا يَقُولُونَ بِالْمَفْهُومِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءٌ فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ سَبَبًا وَلَا حَمْلَ .
نَعَمْ لَوْ قَالُوا بِالْمَفْهُومِ حَتَّى لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَنْهُ لَزِمَ الْحَمْلُ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ الْمُطْلَقِ : مِلْكُ الْعَبْدِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ
عَنْهُ - مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا - وَمِنْ الْمُقَيَّدِ : مِلْكُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ سَبَبٌ ، وَمِلْكُ غَيْرِهِ لَيْسَ سَبَبًا لِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَرْضِ فَإِذَا فُرِضَ تَرْجِيحٌ بِمُقْتَضَى الْمَفْهُومِ تَقَيَّدَ الْآخَرُ ، لَكِنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ بِحُجِّيَّةِ الْمَفْهُومِ فَبَقِيَ حَاصِلُ الْمُقَيَّدِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ سَبَبٌ فَقَطْ ، وَالْمُطْلَقُ يُفِيدُ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ غَيْرَهُ سَبَبٌ أَيْضًا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي سَبَبِيَّةِ الْغَيْرِ ، إذْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ مُعَارِضًا فَوَجَبَ سَبَبِيَّةُ غَيْرِهِ أَيْضًا ، وَلَا حَمْلَ ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ : ( وَالِاحْتِيَاطُ الْمُتَقَدِّمُ لَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعَمَلِ بِالْمُقَيَّدِ ( يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ ) فِي حَمْلِهِمْ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي هَذَا ( إذْ هُوَ ) أَيْ الِاحْتِيَاطُ هُنَا ( فِي جَعْلِ كُلٍّ ) مِنْ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ( سَبَبًا ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا مُدَافَعَةَ فِي الْأَسْبَابِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٍ شَرْعًا وَحِسًّا ، ثُمَّ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ السَّبَبُ هُوَ الْمُطْلَقَ فَإِذَا لَمْ يُعْمَلْ إلَّا بِمُقَيَّدٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ تَارِكًا لِلْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ سَبَبِهِ .
وَأُورِدَ حُكْمُ الْمُقَيَّدِ يُفْهَمُ مِنْ الْمُطْلَقِ فَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَيْهِ يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْمُقَيَّدِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ الْمُقَيَّدِ وَفَضْلَهُ وَأَنَّهُ عَزِيمَةٌ وَالْمُطْلَقَ رُخْصَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ لِطَلَبِ فَائِدَةِ الْمُقَيَّدِ عِنْدَ إمْكَانِ الْجَمْعِ ، فَيَجْعَلُ سَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُطْلَقِ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ الْمُطْلَقِ وَسَبَبِيَّةَ مَفْهُومِ الْمُقَيَّدِ ثَابِتَةً بِالْمُقَيَّدِ وَالْمُطْلَقِ جَمِيعًا ، وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ فِي الشَّرْعِ إثْبَاتُ شَيْءٍ بِنَصَّيْنِ وَبِنُصُوصٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا .
ثُمَّ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا
بَأْسَ بِذِكْرِهِ تَتْمِيمًا وَهُوَ مَا إذَا أُطْلِقَ الْحُكْمُ فِي مَوْضِعٍ وَقُيِّدَ فِي مَوْضِعَيْنِ بِقَيْدَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ مَاذَا يَكُونُ حُكْمُهُ .
؟ قَالُوا : مَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ مُطْلَقًا قَالَ بِبَقَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ لَيْسَ التَّقْيِيدُ بِأَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، وَمَنْ قَالَ بِالْحَمْلِ قِيَاسًا حَمَلَهُ عَلَى مَا حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قِيَاسٌ رُجِعَ إلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ وَيُشْكِلُ عَلَى الْكُلِّ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّعْفِيرِ بِالتُّرَابِ فِي الْأُولَى وَالثَّامِنَةِ وَمِنْ غَسَلَاتِ وُلُوغِ الْكَلْبِ ، وَأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُهُ غَيْرُ ذَلِكَ مَعَ وُرُودِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُطْلَقًا ، وَكَوْنُ الْإِطْلَاقِ مَحْمُولًا عَلَى إحْدَاهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى ، وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأُولَى وَبِغَيْرِهَا لَيْسَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ ، وَأَمَّا قَوْلُ السُّبْكِيّ : وَكَأَنَّ أَبِي يَقُولُ إنَّمَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ إيجَابُ كِلَيْهِمَا لِوُرُودِ الْحَدِيثِ فِيهِمَا - وَلَا تَنَافِيَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا - فَعَجِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ وَكَذَا عَدَمُ تَعَقُّبِ وَلَدِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَأَمَّا الْأَمْرُ فَلَفْظُهُ ) أَيْ أَمَر ( حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِلصِّيغَةِ الْمَعْلُومَةِ ( اتِّفَاقًا ) ثُمَّ قِيلَ ( مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ ) غَيْرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي تَعْزِمُ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فِيهِمَا ) أَيْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ ( وَقِيلَ ) مُشْتَرَكٌ ( مَعْنَوِيٌّ ) بَيْنَهُمَا ( وَقِيلَ ) مَوْضُوعٌ ( لِلْفِعْلِ الْأَعَمِّ مِنْ اللِّسَانِيِّ ، وَرُدَّ بِلُزُومِ كَوْنِ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ أَمْرًا ) حِينَئِذٍ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَبَرِ وَالنَّهْيِ فِعْلٌ لِسَانِيٌّ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( وَقِيلَ ) مَوْضُوعٌ ( لِأَحَدِهِمَا الدَّائِرِ ) بَيْنَ الْقَوْلِ الْخَاصِّ وَالْفِعْلِ ( وَدُفِعَ بِلُزُومِ كَوْنِ اللَّفْظِ الْخَاصِّ لَيْسَ أَمْرًا لِأَنَّهُ ) أَيْ اللَّفْظَ الْخَاصَّ ( لَيْسَ إيَّاهُ ) أَيْ الْأَحَدَ الدَّائِرَ بَلْ وَاحِدٌ مُعَيَّنٌ ( وَإِنَّمَا يَتِمُّ ) هَذَا الدَّفْعُ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّ الْأَعَمَّ مَجَازٌ فِي فَرْدِهِ ) وَسَيُدْفَعُ وَهَذَا ( مَا لَمْ يُؤَوَّلْ ) الْأَحَدُ الدَّائِرُ - الَّذِي هُوَ الْأَعَمُّ - بِالْمَعْنَى الَّذِي فِي ضِمْنِ الْأَخَصِّ أَمَّا إذَا أُوِّلَ بِهَذَا فَلَا يُدْفَعُ بِلُزُومِ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَائِهِ بَلْ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَيُدْفَعُ ) كَوْنُ الْمُرَادِ هَذَا ( بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ لَازِمٌ لِلْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ ) حَتَّى يَكُونَ الْمُرَادُ بِ جَاءَنِي إنْسَانٌ الْمَاهِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ الْمُقَيَّدَةَ بِعَوَارِضَ مَانِعَةٍ مِنْ فَرْضِ الِاشْتِرَاكِ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ خُطُورِ هَذَا لِلْمُتَكَلِّمِ فَضْلًا عَنْ إرَادَتِهِ ( فَيُؤَيِّدُ ) لُزُومُ هَذَا التَّكَلُّفِ الْمُنْتَفِي ( نَفْيَهُ ) أَيْ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ ( وَقَدْ نَفَيْنَاهُ ) أَيْ الْوَضْعَ لَهَا مَا عَدَا عَلَمَ الْجِنْسِ قَرِيبًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( فَمَعْنَى ) وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ ( لِأَحَدِهِمَا ) وَضْعُهُ ( لِفَرْدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْبَدَلِ ) وَهُوَ مَعْنَى الْوَضْعِ لِلْفَرْدِ الشَّائِعِ
وَإِنَّمَا فُسِّرَ الْأَحَدُ الدَّائِرُ بِهَذَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْأَحَدَ الدَّائِرَ مَاهِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ ، وَالْآحَادَ الْمُسْتَعْمَلَ فِيهَا أَفْرَادُهُ فَيَجِيءَ تَحَقُّقُ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ فَيَلْزَمَ فِي اسْتِعْمَالِهَا مَا تَقَدَّمَ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَضْعَ لِلْفَرْدِ مَعْنَاهُ لِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ فَرْدٌ لَا لِمَفْهُومِ فَرْدٍ بِقَيْدِ كُلِّيَّتِهِ ( وَدُفِعَ ) كَوْنُ الْأَعَمِّ مَجَازًا فِي فَرْدِهِ أَيْضًا ( عَلَى تَقْدِيرِهِ ) أَيْ الْوَضْعِ لِلْمَاهِيَّةِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَ الْأَعَمِّ مَجَازًا فِي فَرْدِهِ ( غَلَطٌ ) نَاشِئٌ ( مِنْ ظَنِّ كَوْنِ الِاسْتِعْمَالِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ) اللَّفْظُ فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ اسْتِعْمَالَهُ ( فِي الْمُسَمَّى دُونَ أَفْرَادِهِ وَلَا يَخْفَى نُدْرَتُهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ نُدْرَةُ الْحَقَائِقِ وَكَوْنُ كُلِّ الْأَلْفَاظِ مَجَازَاتٍ إلَّا النَّادِرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
( لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ حَقِيقَةٌ فِي الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ أَنَّهُ ( يَسْبِقُ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ ) إلَى الْفَهْمِ عِنْدَ إطْلَاقِ لَفْظِ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ دُونَ الْفِعْلِ ( وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ ) أَيْ لَفْظُ الْأَمْرِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا بَيْنَ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ ( لَمْ يَسْبِقْ مُعَيَّنٌ ) مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ ، وَإِنَّمَا بَادَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْخُطُورِ ( وَاسْتَدَلَّ ) أَيْضًا عَلَى الْمُخْتَارِ ( لَوْ كَانَ ) لَفْظُ الْأَمْرِ ( حَقِيقَةً فِيهِمَا ) أَيْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ ( لَزِمَ الِاشْتِرَاكُ ) اللَّفْظِيُّ ( فَيُخِلُّ بِالْفَهْمِ ) لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ ( فَعُورِضَ بِأَنَّ الْمَجَازَ مُخِلٌّ ) بِالْفَهْمِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ ( لَيْسَ ) هَذَا ( بِشَيْءٍ ) دَافِعٍ ( لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ ( بِالْقَرِينَةِ ) الظَّاهِرَةِ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ ( فَبِالْحَقِيقَةِ فَلَا إخْلَالَ ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ ) أَيْ
هَذَا الِاسْتِدْلَالَ ( لَا يُبْطِلُ التَّوَاطُؤَ ) لِأَنَّ التَّوَطُّؤَ غَيْرُ مُخِلٍّ بِالْفَهْمِ لِمُسَاوَاةِ أَفْرَادِهِ فِيهِ وَلِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِكُلٍّ مِنْهَا ( فَلَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبُ ) وَهُوَ أَنَّ لَفْظَ الْأَمْرِ مَجَازٌ فِي الْفِعْلِ ( فَإِنْ نَظَمَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ التَّوَاطُؤَ ( فِي الِاشْتِرَاكِ ) بِأَنْ أَرَادَ بِهِ أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ ( قَدَّمَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( الْمَجَازَ عَلَى التَّوَاطُؤِ وَهُوَ ) أَيْ تَقْدِيمُ الْمَجَازِ عَلَيْهِ ( مُنْتَفٍ ) لِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ ، فَلَا مُوجِبَ بِخِلَافِ تَقْدِيمِ التَّوَاطُؤِ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ ( صَرَّحَ بِهِ اللَّفْظِيُّ يُطْلَقُ ) لَفْظُ الْأَمْرِ ( لَهُمَا ) أَيْ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ ( وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ ، قُلْنَا أَيْنَ لُزُومُ اللَّفْظِيِّ ؟ ) مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ بِالْمَعْنَوِيِّ ( وَالْمَعْنَوِيُّ يُطْلَقُ لَهُمَا وَهُوَ ) أَيْ الْمَعْنَوِيُّ ( خَيْرٌ مِنْ اللَّفْظِيِّ وَالْمَجَازِ .
أُجِيبَ لَوْ صَحَّ ) هَذَا ( ارْتَفَعَا ) أَيْ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ وَالْمَجَازُ ( لِجَرَيَانِ مِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ ( فِي كُلِّ مَعْنَيَيْنِ لِلَّفْظِ ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( وَالْحَلُّ أَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ تَعَيُّنَ الْمَعْنَوِيِّ بِالتَّوْجِيهِ الْمَذْكُورِ ( عِنْدَ التَّرَدُّدِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ( لَا مَعَ دَلِيلِ أَحَدِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ تَبَادُرِ الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ بِخُصُوصِهِ ( وَاسْتُدِلَّ ) عَلَى الْمُخْتَارِ أَيْضًا ( لَوْ كَانَ ) لَفْظُ الْأَمْرِ ( حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ اُشْتُقَّ بِاعْتِبَارِهِ فَيُقَالُ أَمْرٌ وَآمِرٌ ) مَثَلًا لِمَنْ قَامَ بِهِ الْأَكْلُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَبِاعْتِبَارِ قِيَامِهِ بِهِ ( كَ أَكْلٍ وَآكِلٍ ، وَيُجَابُ إنْ اُشْتُقَّ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْتَقَّ - وَهُوَ الظَّاهِرُ - ( فَكَالْقَارُورَةِ ) أَيْ لِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا امْتَنَعَ أَنْ تُقَالَ : الْقَارُورَةُ لِلظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ مِمَّا يَصْلُحُ مَقَرًّا لِلْمَائِعَاتِ ، كَمَا تُقَالُ لِلظَّرْفِ الزُّجَاجِيِّ الصَّالِحِ لِذَلِكَ
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ( لِدَلِيلِنَا ) الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إطْلَاقِ الْقَارُورَةِ عَلَى الظَّرْفِ غَيْرِ الزُّجَاجِيِّ انْتِفَاءُ الزُّجَاجِ الَّذِي الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُهُ فِي إطْلَاقِهَا عَلَى مَا هُوَ مَقَرُّ الْمَائِعَاتِ مِنْ الظُّرُوفِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إطْلَاقِ أَمْرٍ وَآمِرٍ عَلَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَكْلٌ وَآكِلٌ غَيْرُ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُخْبَرِ بِهِ فِي الْأَوَّلِ وَالْقَائِمِ بِمَا اتَّصَفَ بِهِ فِي الثَّانِي لَيْسَ بِالْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ ثُمَّ لَا دَلِيلَ غَيْرَ مَخْدُوشٍ يُفِيدُ تَقْدِيرَ الْمَانِعِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ نَحْوُ أَمْرٍ وَآمِرٍ وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ .
( وَ ) اُسْتُدِلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا ( بِلُزُومِ اتِّحَادِ الْجَمْعِ ) أَيْ جَمْعِ أَمْرٍ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْمَخْصُوصِ وَالْفِعْلِ - لَوْ كَانَ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا - ( وَهُوَ ) أَيْ اتِّحَادُ جَمْعِهِ بِهِمَا ( مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ ) أَيْ جَمْعَهُ ( فِي الْفِعْلِ أُمُورٌ وَالْقَوْلِ أَوَامِرُ ، وَيُجَابُ بِجَوَازِ اخْتِلَافِ جَمْعِ لَفْظٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَيَيْهِ ) الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ كَالْيَدِ فَإِنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ - الَّذِي هُوَ الْجَارِحَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيْدٍ ، وَبِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ - الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ - تُجْمَعُ عَلَى أَيَادٍ هَذَا وَقَدْ مَنَعَ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرِهِ كَوْنَ أَوَامِرَ جَمْعَ أَمْرٍ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى فَوَاعِلَ بَلْ هِيَ جَمْعُ آمِرَةٍ كَضَوَارِبَ جَمْعِ ضَارِبَةٍ ، ثُمَّ قِيلَ وَحَيْثُ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الصِّيغَةِ أَنَّهَا طَالِبَةٌ وَآمِرَةٌ ؛ فَأَوَامِرُ جَمْعٌ لَهَا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، يَعْنِي بِأَنْ سُمِّيَتْ بِهَا ثُمَّ جُمِعَتْ عَلَى فَوَاعِلَ كَمَا هُوَ قِيَاسُ جَمْعِهَا ، وَقِيلَ جُمِعَ أَمْرٌ مَجَازًا بِهَذَا التَّأْوِيلِ وَقِيلَ جُمِعَ آمِرٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعُلٍ جَمْعَ أَمْرٍ عَلَى الْقِيَاسِ ، كَأَكَالِبَ جَمْعِ أَكْلُبٍ جَمْعِ كَلْبٍ فَعَلَى هَذَا وَزْنُهُ أَفَاعِلُ لَا
فَوَاعِلُ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الْقَاآنِيِّ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا لَهُ مَبْنِيًّا عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ ، نَحْوُ أَرَاهِطَ فِي رَهْطٍ ( وَ ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا ( بِلُزُومِ اتِّصَافِ مَنْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( مُطَاعًا أَوْ مُخَالِفًا ) لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْفِعْلِ كَمَا فِي الْقَوْلِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ الْحَقِيقِيَّ يُوصَفُ بِذَلِكَ ، وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَكَذَا الْمَلْزُومُ .
( وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ) أَيْ اتِّصَافَ الْفِعْلِ بِذَلِكَ ( لَوْ كَانَ ) ثُبُوتُ الطَّاعَةِ وَالْمُخَالَفَةِ ( لَازِمًا عَامًّا ) لِلْأَمْرِ بِاعْتِبَارِ كُلِّ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ حَقِيقَةً ( لَكِنَّهُ ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ ( لَازِمُ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَخْصُوصُ لَا غَيْرُ ( وَ ) اسْتَدَلَّ لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا ( بِصِحَّةِ نَفْيِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ ( عَنْ الْفِعْلِ ) إذْ الْحَقِيقَةُ لَا تُنْفَى لَكِنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ لِلْقَطْعِ لُغَةً وَعُرْفًا بِصِحَّةِ : فُلَانٌ لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ الْيَوْمَ إذَا لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ الصِّيغَةُ الطَّالِبَةُ وَإِنْ صَدَرَ عَنْهُ أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ فَلَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً ، قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ ( مُصَادَرَةٌ ) عَلَى الْمَطْلُوبِ ؛ إذْ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْفِعْلِ يَمْنَعُ صِحَّةَ هَذَا النَّفْيِ مُرَادًا بِهِ نَفْيُ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : حَيْثُ كَانَ صِحَّةُ النَّفْيِ مَقْطُوعًا بِهَا لُغَةً وَعُرْفًا فِي مِثْلِ هَذَا لَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِهِ نَفْيَ وَضْعِ لَفْظِ الْأَمْرِ لَهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ النَّفْيِ مُصَادَرَةً بَلْ مَنْعُ هَذَا حِينَئِذٍ مُكَابَرَةٌ ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَحَدُّ النَّفْسِيِّ ) بِأَنَّهُ ( اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ عَلَى وَجِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ ) وَهَذَا الْحَدُّ لِابْنِ الْحَاجِبِ فَاقْتِضَاءُ فِعْلِ مَصْدَرٍ مُضَافٍ إلَى الْمَفْعُولِ - أَيْ طَلَبُهُ شَامِلٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالِالْتِمَاسِ وَالدُّعَاءِ - وَغَيْرِ كَفٍّ مُخْرِجٌ لِلنَّهْيِ ، وَعَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ أَيْ طَلَبِ عُلُوِّ الطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَعَدِّ نَفْسِهِ عَالِيًا مُخْرِجٌ لِلِالْتِمَاسِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَاوِي وَالدُّعَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّسَفُّلِ لَكِنْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَسَيَتَحَقَّقُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُ ) أَيْ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ ( مَعْنَى الْإِيجَابِ فَيَفْسُدُ طَرْدُهُ بِالنَّدْبِ النَّفْسِيِّ ) لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِيجَابِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ اقْتِضَاءُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ حَتْمًا ( فَيَجِبُ زِيَادَةٌ حَتْمًا ) لِيُخْرَجَ النَّدْبُ ، قُلْت لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ لِأَنَّهُ الطَّلَبُ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَازِمِ وَغَيْرِهِ ، ثُمَّ كَوْنُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ - وَهُوَ مَعْنَى الْإِيجَابِ - يُحَقِّقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ إنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ لَا غَيْرُ ( وَأُورِدَ : اُكْفُفْ ) وَانْتَهِ وَذَرْ وَاتْرُكْ ( عَلَى عَكْسِهِ ) فَإِنَّهَا أَوَامِرُ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ عَلَيْهَا لِاقْتِضَائِهَا فِعْلًا - هُوَ الْكَفُّ - فَلَا يَكُونُ مُنْعَكِسًا لِوُجُودِ الْمَحْدُودِ مَعَ عَدَمِ الْحَدِّ ( وَلَا تَتْرُكْ ) وَلَا تَنْتَهِ وَلَا تَذَرْ وَلَا تَكُفَّ ( عَلَى طَرْدِهِ ) فَإِنَّهَا نَوَاهٍ وَيَصْدُقُ حَدُّ الْأَمْرِ عَلَيْهَا لِأَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ " : افْعَلْ ، وَهَلُمَّ جَرًّا فَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا لِصِدْقِ الْحَدِّ مَعَ عَدَمِ الْمَحْدُودِ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَحْدُودَ النَّفْسِيَّ فَيَلْتَزِمُ أَنَّ مَعْنَى " لَا تَتْرُكْ " مِنْهُ ) أَيْ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ ( وَاكْفُفْ { وَذَرُوا الْبَيْعَ } نَهْيٌ ) فَاطَّرَدَ وَانْعَكَسَ ( وَإِذَا كَانَ مَعْنَى اُطْلُبْ فِعْلَ كَذَا الْحَالُ دَخَلَ ) فِي الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ لِصِدْقِ حَدِّهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا صِيغَةً (
وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ ) دُخُولُهُ ( فِي الصِّيغِيِّ فَلَا يُحْتَاجُ ) فِي تَقْدِيرِ دُخُولِ نَحْوِ اُكْفُفْ فِي الْأَمْرِ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ وَأَفْصَحَ بِهِ التَّفْتَازَانِيُّ مِنْ ( أَنَّ الْمُرَادَ ) بِالْكَفِّ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ كَفٍّ ( الْكَفُّ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ ) وَنَحْوُ اُكْفُفْ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَفٌّ لَكِنْ عَنْ مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ ثَمَّ كَمَا قَالَ .
( وَالْأَلْيَقُ بِالْأُصُولِ تَعْرِيفُ الصِّيغِيِّ لِأَنَّ بَحْثَهُ ) أَيْ عِلْمِ الْأُصُولِ ( عَنْ ) الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ ( السَّمْعِيَّةِ ) مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمُ بِأَحْوَالِهَا الْعَارِضَةِ لَهَا مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ كَانَ مَرْجِعُ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَمْرُ اللَّفْظِيُّ ( اصْطِلَاحًا ) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ( صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ ) سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ أَوْ الْعُلُوِّ أَوْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَلُغَةً هِيَ ) أَيْ صِيغَتُهُ الْمَعْلُومَةُ ( فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ اسْمُهَا ) كَصَهٍ وَنَزَالِ فِيهِ أَيْضًا ( مَعَ اسْتِعْلَاءٍ ) فَمَا فِي الْمِفْتَاحِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا - أَعْنِي اسْتِعْمَالَ لِيَنْزِلْ وَانْزِلْ وَنَزَالِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْلَاءِ لَعَلَّهُ يُرِيدُ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ ( بِخِلَافِ فِعْلِ الْأَمْرِ ) فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الطَّلَبُ الْجَازِمُ وَلَا الِاسْتِعْلَاءُ ( فَيَصْدُقُ ) الْأَمْرُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ( مَعَ الْعُلُوِّ وَعَدَمِهِ وَعَلَيْهِ ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعُلُوِّ ، وَهُوَ كَوْنُ الطَّالِبِ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ ( الْأَكْثَرُ وَأَهْدَرَهُمَا ) أَيْ الِاسْتِعْلَاءَ وَالْعُلُوَّ أَبُو الْحَسَنِ ( الْأَشْعَرِيُّ ) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ : إنَّهُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ ( وَاعْتَبَرَ الْمُعْتَزِلَةُ الْعُلُوَّ ) أَيْ أَشْتَرَطُوهُ إلَّا أَبَا الْحُسَيْنِ مِنْهُمْ وَوَافَقَهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالسَّمْعَانِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاخْتَارَهُ مَعَ الِاسْتِعْلَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا أَمْرَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ ( إلَّا الصِّيغَةُ ) لِإِنْكَارِهِمْ
الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ ( وَرُجِّحَ نَفْيُ الْأَشْعَرِيِّ الْعُلُوَّ بِذَمِّهِمْ ) أَيْ الْعُقَلَاءِ ( الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْعُلُوُّ شَرْطًا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْأَمْرُ مِنْ الْأَدْنَى فَلَا ذَمَّ ( وَالِاسْتِعْلَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } ) خِطَابًا لِقَوْمِهِ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى قَوْلِهِمْ الْمُقْتَضِيَ لَهُ فِعْلًا غَيْرَ كَفٍّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ اسْتِعْلَاءٌ عَلَيْهِ ، وَكَيْفَ وَهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَهُ وَالْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ ( وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ ) أَيْ { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } ( لِنَفْيِ الْعُلُوِّ ) لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُلُوٌّ عَلَى فِرْعَوْنَ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُهُمَا ( وَالْحَقُّ اعْتِبَارُ الِاسْتِعْلَاءِ ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَعَالِمِ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ( وَنَفْيُ ) اشْتِرَاطِ ( الْعُلُوِّ لِذَمِّهِمْ الْأَدْنَى بِأَمْرِ الْأَعْلَى ) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اُشْتُرِطَ الْعُلُوُّ لَمْ يَكُنْ هَذَا أَمْرًا لِانْتِفَاءِ الْعُلُوِّ وَلَوْلَا أَنَّ فِيهِ اسْتِعْلَاءً لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ مُوَافَقَةً لِلتَّفْتَازَانِيِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ بِتَوْجِيهِهِ ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِعْلَاءٌ لَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ ، لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ الذَّمَّ لِكَوْنِهِ آتِيًا بِصُورَةِ الْأَمْرِ مَعَ انْتِفَاءِ الْعُلُوِّ عَنْهُ ، نَعَمْ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ : الِاسْتِعْلَاءُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَمَاذَا يَقُولُونَ فِيهِ مَمْنُوعٌ ، وَكَيْفَ لَا { وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمِ } ( وَالْآيَةُ ) أَيْ { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ ( أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي ) وَكَانَ مِنْ التَّوْفِيقِ قَتْلُ ابْنِ هَاشِمِ لَمَّا خَرَجَ هَذَا مِنْ الْعِرَاقِ عَلَى
مُعَاوِيَةَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ سَابِقَةٍ كَانَ مُعَاوِيَةُ قَدْ أَمْسَكَهُ فِيهَا وَأَشَارَ عَلَيْهِ عَمْرُو بِقَتْلِهِ فَخَالَفَهُ وَأَطْلَقَهُ لِحِلْمِهِ ، أَوْ حُضَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ يُخَاطِبُ يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ أَمِيرَ خُرَاسَانَ وَالْعِرَاقِ إلَّا أَنَّ تَمَامَهُ عَلَى هَذَا فَأَصْبَحْت مَسْلُوبَ الْإِمَارَةِ نَادِمًا ( مَجَازٌ عَنْ تُشِيرُونَ وَأَشَرْتُ ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ فِي التَّضَرُّعِ وَالتَّسَاوِي لَا تُسَمَّى أَمْرًا ) وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَيَكُونُ تَأْمُرُونَ فِي الْآيَةِ مَجَازًا عَنْ تُشِيرُونَ وَفِي الْكَشَّافِ تَأْمُرُونَ مِنْ الْمُؤَامَرَةِ - وَهِيَ الْمُشَاوَرَةُ - أَوْ مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ ، جَعَلَ الْعَبِيدَ آمِرِينَ وَرَبَّهُمْ مَأْمُورًا لِمَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ فَرْطِ الدَّهَشِ وَالْحِيرَةِ ، انْتَهَى .
وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بِسَبَبِ مَا بَهَرَهُ الْمُعْجِزِ بِسُلْطَانِهِ أَظْهَرَ التَّوَاضُعَ لِمَلَئِهِ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِهِمْ وَخَاطَبَهُمْ بِهَذَا الْخِطَابِ ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ الصَّوَابِ ، وَأَمَّا أَنَّ أَمَرْتُ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى أَشَرْتُ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَاهِرِ التَّرْكِيبِ وَمَا تَقْتَضِيهِ صِنَاعَةُ الْإِعْرَابِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ : لَا ضَيْرَ فَإِنَّ هَذَا تَوْجِيهُ مَعْنًى لَا تَوْجِيهُ إعْرَابٍ .
وَقَالَ ( الْقَاضِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ) وَالْغَزَالِيُّ ( الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي ) بِنَفْسِهِ ( طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ ) قَالُوا : فَالْقَوْلُ احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَى احْتِرَازٌ عَمَّا عَدَا الْأَمْرِ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَبِنَفْسِهِ لِقَطْعِ وَهْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْأَمْرَ عَلَى الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا يُشْعَرُ بِمَعْنَاهَا عَنْ اصْطِلَاحٍ أَوْ تَوْقِيفٍ عَلَيْهَا ، قُلْت : وَمِنْ ثَمَّةَ لَمَّا كَانَ مَحْذُوفًا فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ كَمَا وَافَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ بِنَاءً عَلَيْهِ هَذَا : الْحَدُّ يَحْتَمِلُ اللَّفْظِيَّ وَالنَّفْسِيَّ ،
وَالطَّاعَةُ احْتِرَازٌ عَنْ الدُّعَاءِ وَالرَّغْبَةِ مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ فِي طَلَبِ الطَّاعَةِ ( وَيَسْتَلْزِمُ ) هَذَا الْحَدُّ ( الدَّوْرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ ) ذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَتُهُ الْأَمْرَ ، وَالْمَأْمُورَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْأَمْرِ فَيَتَوَقَّفُ مَعْرِفَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُضَافَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُضَافٌ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ، وَمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مَوْجُودٌ فِي الْمُشْتَقِّ وَزِيَادَةٌ ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْأَمْرَ يَتَوَقَّفُ مَعْرِفَتُهُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( وَدَفَعَهُ ) أَيْ الدَّوْرَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنَّا إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ عَلِمْنَا الْمُخَاطَبَ بِهِ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ - ، وَمَا يَتَضَمَّنُهُ - وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ - ، وَفِعْلَهُ ) أَيْ مَضْمُونَهُ ( - وَهُوَ الطَّاعَةُ - وَلَا يَتَوَقَّفُ ) الْعِلْمُ بِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ ( عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ الْمَطْلُوبَةِ بِالتَّعْرِيفِ فَإِنْ أَرَادَ ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمْنَا الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَلَامٌ ( الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ ) أَيْ الْقَوْلِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُفِيدُ ( لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الْأَوَّلَيْنِ ) أَيْ الْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ وَالْعِلْمِ بِمُخَاطَبٍ بِهِ ( ثُمَّ لَمْ يُفِدْ ) هَذَا ( حَقِيقَةَ الْمَأْمُورِ ) أَيْ بَيَانَهَا ( مِنْ مُجَرَّدِ فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَلَا ) بَيَانَ حَقِيقَةِ ( الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ) أَيْ مَأْمُورٌ بِهِ ( مِنْ مَعْرِفَةِ أَنَّ الْكَلَامَ مَعْنًى تَضَمَّنَهُ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ أَخَصُّ مِنْ الْمُخَاطَبِ ، وَالْمَأْمُورَ بِهِ أَخَصُّ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْكَلَامُ وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَعَمُّ عَلَى أَخَصَّ بِخُصُوصِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَخَصُّ .
( وَأَمَّا فِعْلُهُ ) أَيْ وَأَمَّا إفَادَتُهُ لِفِعْلِ مَضْمُونِهِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ فِعْلِهِ ( طَاعَةً فَأَبْعَدُ ) وَهُوَ وَاضِحٌ فَلَا يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ .
( أَوْ ) أَرَادَ
الْحَاصِلَ مِنْ الْجِنْسِ ( بِقُيُودِهِ ) الْمَذْكُورَةِ ( فَعَيْنُ الْحَقِيقَةِ ) أَيْ فَهَذَا الْمُرَادُ عَيْنُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ ( وَيَعُودُ الدَّوْرُ ) لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ ، وَمَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ مُتَوَقِّفَةً عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الْآخَرِ وَهُوَ دَوْرٌ .
إلَّا أَنَّ هَذَا قَدْ يُدْفَعُ بِتَسْلِيمِ أَنَّ تَصَوُّرَ الْأَمْرِ بِحَقِيقَتِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ هَذِهِ الْأُمُورِ ؛ وَمُنِعَ أَنَّ تَصَوُّرَ هَذِهِ الْأُمُورِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَصَوُّرِ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ بَلْ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى تَمَيُّزِ الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِهِ ، فَإِذَا عَرَّفْنَا الْأَمْرَ بِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْكَلَامِ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ بِاقْتِضَاءِ مُوَافَقَةِ الْمُخَاطَبِ لِمَا خُوطِبَ بِهِ كَفَانَا ذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ .
( وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِ أَمَرْتُكَ بِفِعْلِ كَذَا ) فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ مَعَ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ كَانَ هَذَا حَدًّا لِلنَّفْسِيِّ فَهَذَا مِنْهُ فَلَا يَبْطُلُ طَرْدُهُ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ هُوَ الْخَبَرُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ وَفِيهِ ) أَيْ هَذَا الْحَدِّ ( جَعْلُ الْمُبَايِنِ ) لِلْمَحْدُودِ - وَهُوَ الْخَبَرُ - ( جِنْسًا ) لَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي ( وَالْمُعْتَزِلَةُ ) أَيْ وَقَالَ جُمْهُورُهُمْ كَمَا فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ : ( قَوْلُ الْقَائِلِ لِمَنْ دُونَهُ : افْعَلْ ) أَيْ لَفْظًا مَوْضُوعًا لِطَلَبِ الْفِعْلِ مِنْ الْفَاعِلِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ عَلَمُ جِنْسٍ لِهَذَا الْمَعْنَى - كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ - لَا خُصُوصِيَّةُ هَذَا اللَّفْظِ ( وَإِبْطَالُ طَرْدِهِ ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفِ ( بِالتَّهْدِيدِ وَغَيْرِهِ ) أَيْ بِمَا لَمْ يَرِدُ بِهِ الطَّلَبُ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِقَائِلِهَا لِمَنْ دُونَهُ تَهْدِيدًا
كَانَ نَحْوَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ أَوْ إبَاحَةً نَحْوَ { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } أَوْ غَيْرَهُمَا لِصِدْقِ الْحَدِّ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَمْرٍ ( مَدْفُوعٌ بِظُهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ ) قَوْلُ الْقَائِلِ ( افْعَلْ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُرَادًا بِهِ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ - وَهُوَ الطَّلَبُ - ( وَ ) إبْطَالُ طَرْدِهِ ( بِالْحَاكِي ) لَا مِنْ غَيْرِهِ لِمَنْ دُونَهُ ( وَالْمُبَلِّغِ ) لَهُ مِنْ دُونِهِ لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَى الْمَحْكِيِّ وَالْمُبَلَّغِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِأَمْرٍ مَدْفُوعٌ أَيْضًا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْمَحْكِيِّ وَالْمُبَلَّغِ ( لَيْسَ قَوْلَ الْقَائِلِ ) الَّذِي هُوَ الْحَاكِي وَالْمُبَلِّغُ ( عُرْفًا يُقَالُ لِلْمُتَمَثِّلِ ) بِشِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ ( لَيْسَ ) مَا تَمَثَّلَ بِهِ ( قَوْلَهُ ) وَإِنْ كَانَ حَاكِيًا لَهُ ( وَلَيْسَ الْقُرْآنُ قَوْلَهُ ) أَيْ النَّبِيِّ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَإِنْ كَانَ مُبَلِّغَهُ فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَى كُلٍّ الْحَدُّ فَلَمْ يَبْطُلْ الطَّرْدُ .
( نَعَمْ الْعُلُوُّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ) عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَنَا وَلَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ بِأَمْرِ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى كَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ لِأَنَّ إيرَادَهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُلُوِّ ، لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : هَذَا التَّعْرِيفُ إنَّمَا هُوَ لِأَكْثَرِهِمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الْعُلُوَّ فَلِمَ لَا يُورَدُ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِمْ ؟ وَيُجَابُ حِينَئِذٍ بِمَنْعِ كَوْنِهِ أَمْرًا عِنْدَهُمْ لُغَةً ، وَإِنْ سُمِّيَ بِهِ عُرْفًا كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ كَانَتْ الْإِشَارَةُ إلَى إيرَادِ هَذَا وَجَوَابِهِ هَكَذَا أَوْلَى .
( وَطَائِفَةٌ ) مِنْهُمْ ( الصِّيغَةُ مُجَرَّدَةٌ عَنْ الصَّارِفِ عَنْ الْأَمْرِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ تَعْرِيفُ الشَّيْءِ ( بِنَفْسِهِ وَلَوْ أَسْقَطَهُ ) أَيْ لَفْظَ " عَنْ الْأَمْرِ " ( صَحَّ ) التَّعْرِيفُ ( لِفَهْمِ
الصَّارِفِ عَنْ الْمُتَبَادَرِ ) الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ مِنْ إطْلَاقِ الصَّارِفِ .
( وَطَائِفَةٌ ) مِنْ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ ( الصِّيغَةُ بِإِرَادَةِ وُجُودِ اللَّفْظِ ) أَيْ إرَادَةِ إحْدَاثِ الصِّيغَةِ ، لِأَنَّ الْآمِرَ هُوَ الْمُوجِدُ لِلْكَلَامِ عِنْدَهُمْ وَالْأَمْرَ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ ( وَدَلَالَتِهِ عَلَى الْأَمْرِ ) أَيْ وَإِرَادَةِ كَوْنِ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَمْرًا فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يُرِيدُ بِهَا التَّهْدِيدَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ بِأَمْرٍ ( وَالِامْتِثَالِ ) أَيْ وَإِرَادَةِ وُجُودِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَيُحْتَرَزُ بِالْأَخِيرِ ) أَيْ الِامْتِثَالِ ( عَنْهَا ) أَيْ الصِّيغَةِ صَادِرَةً ( مِنْ نَائِمٍ وَمُبَلِّغٍ وَمَا سِوَى الْوُجُوبِ ) وَمِنْ تَهْدِيدٍ وَغَيْرِهِ ( وَمَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْأَخِيرِ ( تَنْصِيصٌ عَلَى الذَّاتِيِّ ) كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ : إنَّهُ الْأَوْلَى .
( وَأُورِدَ : إنْ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْمَحْدُودِ اللَّفْظُ أَفْسَدَهُ إرَادَةُ دَلَالَتِهَا عَلَى الْأَمْرِ ) لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ مَدْلُولٍ عَلَيْهِ ( أَوْ ) أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْمَحْدُودِ ( الْمَعْنَى أَفْسَدَهُ جِنْسُهُ ) أَيْ صِيغَتُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ صِيغَةً ( وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُرَادَ بِالْمَحْدُودِ ( اللَّفْظُ ) وَبِمَا فِي الْحَدِّ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ ( وَاسْتُعْمِلَ الْمُشْتَرَكُ ) الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ ( فِي مَعْنَيَيْهِ بِالْقَرِينَةِ ) الْعَقْلِيَّةِ .
( وَقَالَ قَوْمٌ ) آخَرُونَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ ( إرَادَةُ الْفِعْلِ ، وَأُورِدَ غَيْرُ جَامِعٍ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ وَلَا إرَادَةَ فِي أَمْرِ عَبْدِهِ بِحَضْرَةِ مَنْ تَوَعَّدَهُ ) أَيْ السَّيِّدَ بِالْإِهْلَاكِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ ( عَلَى ضَرْبِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ ( فَاعْتَذَرَ ) عَنْ ضَرْبِهِ ( بِمُخَالَفَتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ لَهُ فَإِنَّ فِي هَذَا أَمْرَهُ ، وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ عُذْرُهُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ ، وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُ الْفِعْلَ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ مَا يُفْضِي إلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ وَإِلَّا لَكَانَ مَرِيدًا لِهَلَاكِ نَفْسِهِ ، وَإِرَادَةُ الْعَاقِلِ ذَلِكَ مُحَالٌ ( وَأَلْزَمَ تَعْرِيفَهُ )
أَيْ الْأَمْرِ ( بِالطَّلَبِ النَّفْسِيِّ لَهُ ) أَيْ هَذَا الْإِيرَادِ ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْأَمْرُ ، وَلَا طَلَبَ فَإِنَّ الْعَاقِلَ كَمَا لَا يُرِيدُ هَلَاكَ نَفْسِهِ لَا يَطْلُبُهُ ( وَدَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا الْإِلْزَامِ كَمَا قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِتَجْوِيزِ طَلَبِهِ ) أَيْ الْعَاقِلِ الْهَلَاكَ لِغَرَضٍ ( إذَا عَلِمَ عَدَمَ وُقُوعِهِ ) أَيْ الْهَلَاكِ ( إنَّمَا يَصِحُّ فِي اللَّفْظِيِّ ، أَمَّا النَّفْسِيُّ فَكَالْإِرَادَةِ لَا يَطْلُبُهُ أَيْ سَبَبَ هَلَاكِهِ بِقَلْبِهِ كَمَا لَا يُرِيدُهُ ) وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْعَاقِلِ طَلَبُ هَلَاكِهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ ، وَلَا يَجُوزُ إرَادَتُهُ أَصْلًا مَمْنُوعٌ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ إنَّهُ الْأَوْلَى ( لَوْ كَانَ ) الْأَمْرُ ( إرَادَةً لَوَقَعَتْ الْمَأْمُورَاتُ بِمُجَرَّدِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْإِرَادَةَ ( صِفَةٌ تُخَصِّصُ الْمَقْدُورَ بِوَقْتِ وُجُودِهِ ) أَيْ الْمَقْدُورِ ( فَوُجُودُهَا ) أَيْ الْإِرَادَةِ ( فَرْعٌ مُخَصِّصٌ ) وَالتَّالِي بَاطِلٌ فَإِنَّ الْكَافِرَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ مَوْتَهُ عَلَى الْكُفْرِ كَفِرْعَوْنَ مَأْمُورٌ بِالْإِيمَانِ اتِّفَاقًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ ( لَا يَلْزَمُهُمْ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةَ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْإِرَادَةَ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ ( مَيْلٌ يَتْبَعُ اعْتِقَادَ النَّفْعِ أَوْ دَفْعِ الضَّرَرِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ - سُبْحَانَهُ - الْعِلْمُ بِمَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مُحَقِّقِيهِمْ ثُمَّ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى تَفْسِيرِهِمْ الْإِرَادَةَ بِهَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَاقِي تَفَاسِيرِهِمْ إيَّاهَا أَيْضًا ، وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي الْكَلَامِ .
( مَسْأَلَةٌ : صِيغَةُ الْأَمْرِ خَاصٌّ ) أَيْ حَقِيقَةٌ عَلَى الْخُصُوصِ ( فِي الْوُجُوبِ ) فَقَطْ ( عِنْدَ الْجُمْهُورِ ) وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ ، وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ إنَّهُ الْحَقُّ ، وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ ، وَقِيلَ وَهُوَ الَّذِي أَمْلَاهُ الْأَشْعَرِيُّ عَلَى أَصْحَابِ الْإسْفَرايِينِيّ ( أَبُو هَاشِمٍ ) فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَعَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ حَقِيقَةٌ ( فِي النَّدْبِ ) فَقَطْ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ - مِنْ الْمَالِكِيَّةِ - : أَمْرُهُ تَعَالَى وَأَمْرُ رَسُولِهِ الْمُوَافِقُ لَهُ أَوْ الْمُبَيِّنُ لَهُ لِلْوُجُوبِ وَالْمُبْتَدَأُ مِنْهُ لِلنَّدْبِ ( وَتَوَقَّفَ الْأَشْعَرِيُّ وَالْقَاضِي فِي أَنَّهُ ) مَوْضُوعٌ ( لِأَيِّهِمَا ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ( وَقِيلَ ) تَوَقَّفَا فِيهِ ( بِمَعْنًى لَا يُدْرَى مَفْهُومُهُ ) أَصْلًا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْآمِدِيِّ انْتَهَى .
قُلْت : وَلَا يُنَافِي هَذَا نَقْلَ ابْنِ بَرْهَانٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الطَّلَبِ وَالتَّهْدِيدِ وَالتَّكْوِينِ وَالتَّعْجِيزِ ، وَنَقْلِ غَيْرِهِ كَصَاحِبِ التَّحْقِيقِ - عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ وَابْنِ سُرَيْجٍ اشْتِرَاكَهُ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ نَعَمْ يُخَالِفُ كِلَيْهِمَا تَقْرِيرُ غَيْرِ وَاحِدٍ تَوَقُّفَهُمَا بِمَعْنَى أَنَّ الصِّيغَةَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ فَقَطْ أَوْ النَّدْبِ فَقَطْ أَوْ فِيهِمَا بِالِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لَكِنْ لَا يُدْرَى مَا هُوَ ، وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى ، قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْآمِدِيُّ : لَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْأَحْكَامِ التَّوَقُّفُ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِرْشَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ ) لَفْظِيٌّ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ ( وَقِيلَ ) مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ( وَالْإِبَاحَةِ وَقِيلَ ) مَوْضُوعٌ ( لِلْمُشْتَرَكِ
بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ، وَهُوَ الطَّلَبُ أَيْ تَرْجِيحُ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَعَزَاهُ فِي الْمِيزَانِ إلَى مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ ( وَقِيلَ ) مَوْضُوعٌ ( لِمَا ) أَيْ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ ( بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( مِنْ الْإِذْنِ ) وَهُوَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَفِي التَّحْقِيقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُرْتَضَى مِنْ الشِّيعَةِ وَقَالَ ( الشِّيعَةُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ) أَيْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( وَالتَّهْدِيدِ ) وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ( لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ( تَكَرَّرَ اسْتِدْلَالُ السَّلَفِ بِهَا ) أَيْ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرَائِنِ ( عَلَى الْوُجُوبِ ) اسْتِدْلَالًا ( شَائِعًا بِلَا نَكِيرٍ فَأَوْجَبَ الْعِلْمَ الْعَادِيَّ بِاتِّفَاقِهِمْ ) عَلَى أَنَّهَا لَهُ ( كَالْقَوْلِ ) أَيْ كَإِجْمَاعِهِمْ الْقَوْلِيِّ عَلَى ذَلِكَ .
( وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْوُجُوبَ فِي اسْتِدْلَالِ السَّلَفِ بِهَا عَلَيْهِ ( كَانَ بِأَوَامِرَ مُحَقَّقَةٍ بِقَرَائِنِ الْوُجُوبِ بِدَلِيلِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِكَثِيرٍ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ صِيَغِ الْأَمْرِ ( عَلَى النَّدْبِ قُلْنَا تِلْكَ ) أَيْ صِيَغُ الْأَمْرِ الْمَنْسُوبُ إلَيْهَا النَّدْبُ ثُبُوتُهُ لَهَا ( بِقَرَائِنَ ) مُفِيدَةٍ لَهُ بِخِلَافِ الصِّيَغِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا الْوُجُوبُ ( بِاسْتِقْرَاءِ الْوَاقِعِ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الصِّيَغِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا الْوُجُوبُ وَالصِّيَغِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا النَّدْبُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْعُرْفِ ( قَالُوا ) مَا يُفِيدُهُ هَذَا الدَّلِيلُ ( ظَنٌّ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكُورَ ( سُكُوتِيٌّ وَلِمَا قُلْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ ) أَيْ احْتِمَالِ كَوْنِهِ بِقَرَائِنَ تُفِيدُ الْوُجُوبَ ، وَالظَّنُّ فِيهَا لَا يَكْفِي لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا الْعِلْمُ ( قُلْنَا لَوْ سُلِّمَ ) أَنَّهُ ظَنٌّ ( كَفَى وَإِلَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الظَّوَاهِرِ ) لِأَنَّ الْمَقْدُورَ فِيهَا إنَّمَا هُوَ تَحْصِيلُ الظَّنِّ بِهَا ،
وَأَمَّا الْقَطْعُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ، ثُمَّ فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ الْمَسْأَلَةُ وَسِيلَةٌ إلَى الْعِلْمِ فَيَكْفِي الظَّنُّ ( لَكِنَّا نَمْنَعُهُ ) أَيْ الظَّنَّ هُنَا ( لِذَلِكَ الْعِلْمِ ) الْعَادِيِّ بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لِلْوُجُوبِ ( وَلِقَطْعِنَا بِتَبَادُرِ الْوُجُوبِ مِنْ ) الْأَوَامِرِ ( الْمُجَرَّدَةِ ) عَنْ الْقَرَائِنِ ( فَأَوْجَبَ ) الْقَطْعُ بِتَبَادُرِ الْوُجُوبِ مِنْهَا ( الْقَطْعَ بِهِ ) أَيْ الْوُجُوبِ أَيْضًا ( مِنْ اللُّغَةِ وَأَيْضًا ) قَوْله تَعَالَى - لِإِبْلِيسَ { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ } يَعْنِي { اُسْجُدُوا لِآدَمَ } الْمُجَرَّدُ ) عَنْ الْقَرَائِنِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا وَإِلَّا لَمَا لَزِمَهُ اللَّوْمُ ، وَلَقَالَ : أَمَرْتنِي وَمُقْتَضَى الْأَمْرِ النَّدْبُ أَوْ مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى ، فَإِنَّهُ قَدْ نَاظَرَ بِأَشَدَّ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالَ : { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ } وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ لَعَلَّهُ فُهِمَ مِنْ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ لَمْ يَحْكِهَا الْقُرْآنُ أَوْ مِنْ خُصُوصِيَّةِ تِلْكَ اللُّغَةِ الَّتِي وَقَعَ الْأَمْرُ بِهَا ، إذْ الْقَرِينَةُ لَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا حَكَى الْقُرْآنُ مَا وَقَعَ بِغَيْرِهَا احْتِمَالٌ مَرْجُوحٌ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الظُّهُورِ وقَوْله تَعَالَى ( { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ } ذَمَّهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ ارْكَعُوا ) بِقَوْلِهِ لَا يَرْكَعُونَ حَيْثُ رَتَّبَهُ عَلَى مُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِالرُّكُوعِ ( وَأَمَّا ) الِاسْتِدْلَال لِلْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِنَا ( تَارِكُ الْأَمْرِ عَاصٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ خِطَابِ مُوسَى لِهَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } أَيْ تَرَكْت مُقْتَضَاهُ ( وَهُوَ ) وَالْوَجْهُ وَكُلُّ عَاصٍ ( مُتَوَعَّدٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } فَتَارِكُ الْأَمْرِ مُتَوَعَّدٌ وَهُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى
مَنْعِ صُغْرَاهُ بِقَوْلِهِ ( فَنَمْنَعُ كَوْنَهُ ) أَيْ الْعَاصِي ( تَارِكَ ) الْأَمْرِ ( الْمُجَرَّدِ ) عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ لِصِدْقِهِ عَلَى مَا هُوَ لِلنَّدَبِ وَلَيْسَ تَارِكُهُ بِعَاصٍ اتِّفَاقًا ( بَلْ ) الْعَاصِي ( تَارِكُ مَا ) هُوَ مُحْتَفٌّ مِنْ الْأَوَامِرِ ( بِقَرِينَةِ الْوُجُوبِ فَإِذَا اسْتَدَلَّ ) لِكَوْنِ تَارِكِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ عَاصِيًا ( بِ { أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } أَيْ : اُخْلُفْنِي مَنَعْنَا تَجَرُّدَهُ ) أَيْ هَذَا الْأَمْرِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُوبِ مُقْتَضَاهُ ، وَكَيْفَ لَا ، وَقَدْ قَرَنَهُ بِقَوْلِهِ { وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ } ( فَأَمَّا ) الِاسْتِدْلَال لِلْوُجُوبِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ } ) أَيْ يُخَالِفُونَ أَمْرَهُ أَوْ يُعْرِضُونَ عَنْ أَمْرِهِ بِتَرْكِ مُقْتَضَاهُ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَيْ مِحْنَةٌ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ رَتَّبَ عَلَى تَرْكِ مُقْتَضَى أَمْرِهِ أَحَدَ الْعَذَابَيْنِ ( فَصَحِيحٌ لِأَنَّ عُمُومَهُ ) أَيْ أَمْرِهِ ( بِإِضَافَةِ الْجِنْسِ الْمُقْتَضِي كَوْنَ لَفْظِ أَمْرٍ لِمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ خَاصَّةً يُوجِبُهُ ) أَيْ الْوُجُوبَ ( لِلْمُجَرَّدَةِ ) أَيْ لِصِيغَةِ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدَةِ مِنْ قَرَائِنِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا مِنْ أَفْرَادِهِ ، ثُمَّ تَلْخِيصُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا ، وَكُلُّ مُتَوَعَّدٍ عَلَيْهِ حَرَامٌ ، فَمُخَالَفَةُ أَمْرِهِ حَرَامٌ وَامْتِثَالُهُ وَاجِبٌ ( وَالِاسْتِدْلَالُ ) لِلْوُجُوبِ أَيْضًا ( بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْأَصْلِ ) لِإِخْلَالِهِ بِالْفَهْمِ ( فَيَكُونُ ) الْأَمْرُ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ ( لِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالتَّهْدِيدِ حَقِيقَةً وَفِي الْبَاقِي مَجَازًا .
وَقَالُوا وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِيهِ .
قُلْت : وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا
فِي الْمِيزَانِ ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْوَاقِفِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا صِيغَةَ لِلْأَمْرِ بِطَرِيقِ التَّعَيُّنِ بَلْ هِيَ صِيغَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مَعْنَى الْأَمْرِ وَبَيْنَ الْمَعَانِي الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِيهَا ، فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِكُلِّ حَقِيقَةٍ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ الْبَعْضُ بِالْقَرِينَةِ ، وَهُمْ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَأَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ .
( وَالْإِبَاحَةُ وَالتَّهْدِيدُ بَعِيدٌ لِلْقَطْعِ بِفَهْمِ تَرْجِيحِ الْوُجُودِ ) وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا ( وَانْتِفَاءُ النَّدْبِ ) أَيْضًا ثَابِتٌ ( لِلْفَرْقِ بَيْنَ اسْقِنِي وَنَدَبْتُكَ ) إلَى أَنْ تَسْقِيَنِي وَلَا فَرْقَ إلَّا الذَّمُّ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فِي اسْقِنِي ، وَعَدَمُهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ فِي نَدَبْتُكَ إلَى أَنْ تَسْقِيَنِي وَلَوْ كَانَ لِلنَّدَبِ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ لِلْوُجُوبِ ، اسْتِدْلَالٌ ( ضَعِيفٌ لِمَنْعِهِمْ ) أَيْ النَّادِبِينَ ( الْفَرْقَ ) بَيْنَهُمَا ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ( فَيَكُونُ نَدَبْتُكَ نَصًّا ) فِي النَّدْبِ ( وَاسْقِنِي ) لَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ بَلْ ( يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ ) وَالنَّدْبَ لَكِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الْفَرْقِ بِالنُّصُوصِيَّةِ وَالظُّهُورِ عَدَمُ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى ( وَأَيْضًا لَا يَنْتَهِضُ ) هَذَا ( عَلَى الْمَعْنَوِيِّ ، إذْ نَفْيُ اللَّفْظِيِّ لَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْحَقِيقَةِ بِأَحَدِهَا ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ ( وَلَوْ أَرَادَ ) الْمُسْتَدِلُّ بِالِاشْتِرَاكِ خِلَافَ الْأَصْلِ ( مُطْلَقَ الِاشْتِرَاكِ ) لِيَشْمَلَ اللَّفْظِيَّ وَالْمَعْنَوِيَّ ( مَنَعْنَا كَوْنَ الْمَعْنَوِيِّ خِلَافَ الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( الْمَعْنَوِيُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعْنَوِيٍّ أَخَصَّ مِنْهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ، إذْ الْإِفْهَامُ بِاللَّفْظِ ) وَالْأَصْلُ فِيهِ الْخُصُوصُ لِإِفَادَتِهِ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ مُزَاحِمٍ لَهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ كُلَّمَا كَانَ أَخَصَّ كَانَ فِي إفْهَامِهِ الْمُرَادَ أَسْرَعَ وَلِتَوَهُّمِ مُزَاحَمَةِ غَيْرِهِ أَدْفَعَ ( اُتُّجِهَ ) قَوْلُهُ هَذَا ( كَالْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْمُشْتَرَكُ
بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ) وَهُوَ الطَّلَبُ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ وُجُوبٌ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ( جِنْسٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُوبِ إذْ هُوَ ) أَيْ الْوُجُوبُ ( نَوْعٌ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلَبِ .
( فَدَارَ ) مَعْنَى الْأَمْرِ ( بَيْنَ خُصُوصِ الْجِنْسِ وَخُصُوصِ النَّوْعِ ) وَخُصُوصُ النَّوْعِ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ الِاشْتِرَاكِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ اتِّجَاهِهِ .
وَأَقُولُ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَوَّلًا : إنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ عَلَى مِنْوَالِ الْقَوْلِ بِتَقْدِيمِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى ذَلِكَ إلَّا بِمُرَجِّحٍ مِنْ خَارِجٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ .
وَثَانِيًا إنَّ هَذَا إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَازِمِ الْمَاهِيَّةِ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ الْأَخَصِّيَّةَ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ وَجَعَلْتُمْ صِيغَةَ الْأَمْرِ بِاعْتِبَارِهَا لِلْوُجُوبِ وَهُوَ بَاطِلٌ .
وَثَالِثًا أَنَّهُ إذَا كَانَ خُصُوصُ النَّوْعِ أَوْلَى مِنْ خُصُوصِ الْجِنْسِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوُجُوبَ كَمَا هُوَ خُصُوصُ النَّوْعِ كَذَلِكَ النَّدْبُ فَلَا تَتِمُّ الْأَخَصِّيَّةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مُرَجِّحَةٌ لِلْوُجُوبِ عَلَى النَّدْبِ لِتَسَاوِيهِمَا فِيهَا ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
وَاسْتَدَلَّ ( النَّادِبُ ) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : وَ ( { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الْأَمْرَ إلَى مَشِيئَتِنَا وَهُوَ مَعْنَى النَّدْبِ ( قُلْنَا ) مَمْنُوعٌ بَلْ رَدَّهُ إلَى اسْتِطَاعَتِنَا وَحِينَئِذٍ ( هُوَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ ) لِأَنَّ السَّاقِطَ عَنَّا حِينَئِذٍ مَا لَا اسْتِطَاعَةَ لَنَا فِيهِ عَلَى أَنَّ تَقْرِيرَهُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى مُدَّعَاهُمْ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُبَاحَ أَيْضًا بِمَشِيئَتِهِمْ ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ قَوْلَهُمْ رَدَّهُ إلَى مَشِيئَتِنَا مَعَ رِوَايَتِهِمْ لِلْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَا
اسْتَطَعْتُمْ ذُهُولٌ عَظِيمٌ وَاسْتَدَلَّ ( الْقَائِلُ بِالطَّلَبِ ) بِأَنَّهُ ( ثَبَتَ رُجْحَانُ الْوُجُودِ ) الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ اللُّغَةِ ( وَلَا مُخَصِّصَ ) لَهُ بِأَحَدِهِمَا ( فَوَجَبَ كَوْنُهُ ) أَيْ رُجْحَانِ الْوُجُودِ ( الْمَطْلُوبَ مُطْلَقًا دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( وَالْمَجَازِ ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِأَحَدِهِمَا لَا غَيْرُ فَإِنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْهُمَا ( قُلْنَا ) بَلْ هُوَ لِأَحَدِهِمَا وَهُوَ الْوُجُوبُ ( بِمُخَصِّصٍ وَهِيَ ) أَيْ الْمُخَصِّصُ - وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ - ( أَدِلَّتُنَا عَلَى الْوُجُوبِ مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ جَعْلَهُ لِلطَّلَبِ ( إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَازِمِ الْمَاهِيَّةِ ) وَهُوَ الرُّجْحَانُ لِجَعْلِ الرُّجْحَانِ لَازِمًا لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَجَعْلِ صِيغَةِ الْأَمْرِ لَهُمَا بِاعْتِبَارِ هَذَا اللَّازِمِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَيَّدِ بِأَحَدِهِمَا أَوْ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ ( الِاشْتِرَاكُ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ وَالِاثْنَيْنِ ) وَالثَّلَاثَةِ أَيْضًا ( ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ ) عَلَى الْأَرْبَعَةِ وَعَلَى الِاثْنَيْنِ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ ( وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ قُلْنَا الْمَجَازُ خَيْرٌ ) مِنْ الِاشْتِرَاكِ ( وَتَعْيِينُ الْحَقِيقِيِّ ) الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ ( بِمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَدِلَّتِهِ ( وَالْوَاقِفُ كَوْنُهَا ) أَيْ الصِّيغَةِ ( لِلْوُجُوبِ أَوْ غَيْرِهِ بِالدَّلِيلِ ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهَا دُونَ الْبَاقِي ( مُنْتَفٍ إذْ الْآحَادُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ ) وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( وَلَوْ تَوَاتَرَ لَمْ يُخْتَلَفْ ) فِيهِ لِإِيجَابِهِ اسْتِوَاءَ طَبَقَاتِ الْبَاحِثِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْكُلِّ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لِبَذْلِهِمْ جُهْدَهُمْ فِي طَلَبِهِ لَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَمْ يَتَوَاتَرْ وَالْعَقْلُ الصِّرْفُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ ( قُلْنَا ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَتَوَاتَرُ
إذْ ( تَوَاتُرُ اسْتِدْلَالَاتِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ تَوَاتُرُ أَنَّهَا ) أَيْ الصِّيغَةَ ( لَهُ ) أَيْ لِلْوُجُوبِ وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةُ الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُفْرِغَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ جُهْدَهُ فِي ذَلِكَ لِعَارِضٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ التَّوَاتُرُ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ ، وَكِلَاهُمَا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّهُ لَمْ يَتَوَاتَرْ ( كَفَى الظَّنُّ ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ تَتَبُّعِ مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الصِّيغَةِ فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْوَاجِبُ وَتَقَدَّمَ مَا فِي الْمَحْصُولِيَّاتِ ( الْقَائِلُ بِالْإِذْنِ كَالْقَائِلِ بِالطَّلَبِ ) وَهُوَ أَنَّهُ ثَبَتَ الْإِذْنُ بِالضَّرُورَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ مُخَصِّصٌ لَهُ بِأَحَدِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ فَوَجَبَ جَعْلُهُ لِلْمُشْتَرَكِ بَيْنَهَا وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الْفِعْلِ ، وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ بَلْ وُجِدَ وَهُوَ أَدِلَّتُنَا الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ .
( مَسْأَلَةٌ ) لَيْسَتْ مَبْدَئِيَّةً لُغَوِيَّةً بَلْ شَرْعِيَّةً ( مُسْتَطْرَدَةٌ : أَكْثَرُ الْمُتَّفِقِينَ عَلَى الْوُجُوبِ ) لِصِيغَةِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ ( أَنَّهَا بَعْدَ الْحَظْرِ ) أَيْ الْمَنْعِ ( فِي لِسَانِ الشَّرْعِ لِلْإِبَاحَةِ بِاسْتِقْرَاءِ اسْتِعْمَالَاتِهِ ) أَيْ الشَّرْعِ لَهَا ( فَوَجَبَ الْحَمْلُ ) أَيْ حَمْلُهَا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الْإِبَاحِيِّ ( عِنْدَ التَّجَرُّدِ ) عَنْ الْمُوجِبِ لِغَيْرِهِ ( لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ ) لِصَيْرُورَتِهِ كَالْأَصْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ ( مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَحْمُولَ ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ الْغَالِبِ ( نَحْوُ { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } فَالْأَمْرُ هُنَا لِلْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْعِلْمِ بِوُجُوبِ قَتْلِ الْمُشْرِكِ إلَّا لِمَانِعٍ وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ ( وَظَهَرَ ) مِنْ الِاسْتِنَادِ فِي الْإِبَاحَةِ إلَى اسْتِقْرَاءِ اسْتِعْمَالَاتِ الشَّارِعِ الْأَمْرَ فِيهَا ( ضَعْفُ قَوْلِهِمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَظْرِ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَالْبَيْضَاوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَعَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ عَزَاهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ إلَى عَامَّةِ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ قَبْلَ الْحَظْرِ .
( وَلَوْ كَانَ ) الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ ( امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ ) بَعْدَ الْحَظْرِ وَلَا يَمْتَنِعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إيجَابِ الشَّيْءِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ مُحَالٌ ، وَوَجْهُ ظُهُورِ ضَعْفِهِ أَنَّ كَوْنَهُ لِلْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَقَعَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِبْعَادِهِ ثُمَّ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ الظَّاهِرِ عَلَى مَعْنًى لَا يَمْنَعُ التَّصْرِيحَ بِخِلَافِهِ ، وَيَكُونُ التَّصْرِيحُ قَرِينَةً صَارِفَةً عَمَّا يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْهَا ( وَلَا مُخَلِّصَ ) مِنْ أَنَّهُ
لِلْإِبَاحَةِ لِلِاسْتِقْرَاءِ الْمَذْكُورِ ( إلَّا بِمَنْعِ صِحَّةِ الِاسْتِقْرَاءِ إنْ تَمَّ ) مَنْعُ صِحَّتِهِ وَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ ( وَمَا قِيلَ أَمْرُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ) بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِمَا عَلَيْهِمَا فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ يُفِيدُ الْوُجُوبَ لَا الْإِبَاحَةَ ( غَلَطٌ لِأَنَّهُ ) أَيْ أَمْرَهُمَا بِهِمَا ( مُطْلَقٌ ) عَنْ التَّرْتِيبِ عَلَى سَبْقِ الْحَظْرِ ( وَالْكَلَامُ ) فِي أَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ إنَّمَا هُوَ
( فِي الْمُتَّصِلِ بِالنَّهْيِ إخْبَارًا ) كَمَا عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَدْ كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ( وَ ) فِي الْأَمْرِ ( الْمُعَلَّقِ بِزَوَالِ سَبَبِهِ ) أَيْ سَبَبِ الْحَظْرِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } فَالصَّيْدُ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ حَرُمَ بِسَبَبٍ هُوَ الْإِحْرَامُ ثُمَّ عُلِّقَ الْإِذْنُ فِيهِ بِالْحِلِّ وَهُوَ زَوَالُ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْإِحْرَامُ ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا التَّغْلِيظُ ( بِوُرُودِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ لِلْحَائِضِ فِي الصَّلَاةِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ مُعَلَّقًا بِزَوَالِ سَبَبِ الْحَظْرِ ( فَفِي الْحَدِيثِ ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ( { فَإِذَا أَدْبَرَتْ الْحَيْضَةُ فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي } ) إلَّا أَنَّ الْحَيْضَةَ لَمْ تُذْكَرْ بَعْدَ " أَدْبَرَتْ " اكْتِفَاءً بِضَمِيرِهَا الْمُسْتَتِرِ فِيهِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهَا فِي قَوْلِهِ فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ فِي حَائِهَا وَهِيَ الْحَيْضُ فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى زَوَالِ سَبَبِ حُرْمَتِهَا وَهُوَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَأَمَّا دَفْعُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَمْرِهَا بِالصَّوْمِ وَإِلَى أَمْرِ النُّفَسَاءِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ .
هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الِاشْتِرَاطِ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ اتِّفَاقٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ الْمَعْلُومِ وُرُودُهُ بَعْدَ الْحَظْرِ أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ مُتَّصِلًا بِالنَّهْيِ إخْبَارًا أَوْ مُعَلَّقًا عَلَى زَوَالِ سَبَبِ الْحَظْرِ ؟ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْخِلَافِ مَحْكِيًّا فِي أَفْرَادٍ مِنْ هَذَيْنِ الْحَصْرُ فِيهِمَا ( وَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْأَمْرَ ( بَعْدَ الْحَظْرِ لِمَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ ) أَيْ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ
الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ قَبْلَ الْمَنْعِ ( فَإِنْ ) اعْتَرَضَ الْحَظْرُ ( عَلَى الْإِبَاحَةِ ) ثُمَّ وَقَعَ الْأَمْرُ بِذَاكَ الْمُبَاحِ أَوْ لَا ( كَ اصْطَادُوا فَلَهَا ) أَيْ فَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ ( أَوْ ) اعْتَرَضَ ( عَلَى الْوُجُوبِ كَ اغْسِلِي عَنْكِ وَصَلِّي فَلَهُ ) أَيْ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ وَاجِبَةً ثُمَّ حَرُمَتْ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ ( فَلْنَخْتَرْ ذَلِكَ ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِلَفْظِ قِيلَ ، ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ وَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ : الْفِعْلُ إنْ كَانَ مُبَاحًا فِي أَصْلِهِ ثُمَّ وَرَدَ حَظْرٌ مُعَلَّقٌ بِغَايَةٍ أَوْ بِشَرْطٍ أَوْ بِعِلَّةٍ عَرَضَتْ فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بَعْدَ زَوَالِ مَا عُلِّقَ الْحَظْرُ بِهِ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } لِأَنَّ الصَّيْدَ كَانَ حَلَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ ثُمَّ حَرُمَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ فَكَانَ قَوْلُهُ " فَاصْطَادُوا " إعْلَامًا بِأَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ قَدْ ارْتَفَعَ وَعَادَ الْأَمْرُ إلَى أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْحَظْرُ وَارِدًا ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعَلَّلٍ بِعِلَّةٍ عَارِضَةٍ وَلَا مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ وَلَا غَايَةٍ فَالْأَمْرُ الْوَارِدُ بَعْدَهُ هُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ .
زَادَ فِي الْكَشْفِ وَذَكَرَ فِي الْمُعْتَمَدِ : الْأَمْرُ إذَا وَرَدَ بَعْدَ حَظْرٍ عَقْلِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ أَفَادَ مَا يُفِيدُهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ حَظْرٌ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ لِلْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَظْرِ ( الْإِبَاحَةُ فِيهَا ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ مِنْ الِاصْطِيَادِ وَأَخَوَاتِهِ ( لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَأْمُورَاتِ ( شُرِعَتْ لَنَا فَلَا تَصِيرُ ) وَاجِبَةً ( عَلَيْنَا ) بِالْأَمْرِ لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ ( لَا يَدْفَعُ اسْتِقْرَاءَ أَنَّهَا ) أَيْ صِيغَةَ الْأَمْرِ ( لَهَا ) أَيْ لِلْإِبَاحَةِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِقْرَاءَ مَعَ الْقَرِينَةِ دَلِيلٌ ( مُوجِبٌ
لِلْحَمْلِ ) أَيْ حَمْلِ الْأَمْرِ ( عَلَى الْإِبَاحَةِ فِيمَا لَا قَرِينَةَ مَعَهُ ) عَلَى مَا نُسِبَ إلَى اخْتِيَارِ الْأَكْثَرِ أَوَّلًا ( وَ ) مُوجِبٌ لِحَمْلِهِ ( عَلَى مَا اخْتَرْنَا عَلَى مَا اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ ) مِنْ الْحُكْمِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا كُلَّمَا وَرَدَتْ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ كَانَتْ مُتَجَوَّزًا بِهَا فِي الْإِبَاحَةِ فَإِذَا غَلَبَ وَاسْتَمَرَّ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَى الْغَالِبِ حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْهُ ، وَمِنْ هُنَا قَالَ ( ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ ) هَذَا ( مَنْ قَدَّمَ الْمَجَازَ الْمَشْهُورَ ) عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ وَهُوَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَنْ وَافَقَهُمَا ( لَا أَبَا حَنِيفَةَ ) لِأَنَّهُ لَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهَا بَلْ يُقَدِّمُهَا عَلَيْهِ ( إلَّا أَنَّ تَمَامَ الْوَجْهِ ) - أَيْ وَجْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - ثَابِتٌ ( عَلَيْهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فِيهَا ) كَمَا سَيَأْتِي فَيَلْزَمُ تَرَجُّحُ كَوْنِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ - حَيْثُ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيعًا عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا الْمَذْكُورِ - وَكَوْنِهِ لِلْوُجُوبِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَصْرِفُهُ عَنْهُ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ ، وَوَجْهُ اخْتِيَارِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَظْرَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى رَفْعِ الْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ الْحَظْرُ انْتَفَى الْمَانِعُ فَبَقِيَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى كَأَنَّ الْآمِرَ قَالَ : قَدْ كُنْت مَنَعْت مِنْ كَذَا وَقَدْ رَفَعْت ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ مَا كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَ الْمَنْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَهُ فَإِنْ قُلْت لَكِنَّ كَوْنَهُ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ فَكَمَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ قَرِينَتِهَا يَكُونُ لَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا حَمْلًا لَهُ عَلَى الْأَغْلَبِ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْت لَا نُسَلِّمُ : كَوْنُهُ لِلْإِبَاحَةِ هُوَ الْأَغْلَبُ سَلَّمْنَاهُ ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَكُونُ لَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لَهَا بَلْ إنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ لَهَا وَلَا لِغَيْرِهَا وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ
فَإِذَا انْتَفَتْ قَرِينَتُهَا كَانَتْ قَرِينَةُ غَيْرِهَا مَوْجُودَةً فَيُعْمَلُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوُجُوبَ - وَهُوَ ظَاهِرٌ - أَوْ غَيْرَهُ لِانْتِفَاءِ مُزَاحَمَةِ الْمَجَازِ الَّذِي لَا قَرِينَةَ لَهُ لِمَا لَهُ قَرِينَةٌ ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ انْتِفَاءُ التَّوَقُّفِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ، وَفِي الْمَحْصُولِ وَالْأَمْرُ بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ كَالْأَمْرِ بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى التَّعَرُّضِ لَهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ
( مَسْأَلَةٌ : لَا شَكَّ فِي تَبَادُرِ كَوْنِ الصِّيغَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ مَجَازًا بِتَقْدِيرِ أَنَّهَا خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ ، وَحَكَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّقْدِيرِ ) أَيْ تَقْدِيرِ كَوْنِهَا خَاصًّا فِي الْوُجُوبِ ( خِلَافًا فِي أَنَّهَا مَجَازٌ ) فِيهِمَا ( أَوْ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا ، فَقِيلَ أَرَادَ لَفْظَ أَمْرٍ وَبَعُدَ ) كَوْنُهُ مُرَادَهُ ( بِنَظْمِهِ الْإِبَاحَةَ ) مَعَ النَّدْبِ فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَالْمَعْرُوفُ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي النَّدْبِ فَقَطْ هَلْ يَصْدُقُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً وَسَيُذْكَرُ ) فِي فَصْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ ( وَقِيلَ ) أَرَادَ بِالْأَمْرِ ( الصِّيغَةَ ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ خَاصَّةٌ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ التَّجَرُّدِ ) عَنْ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهَا عَنْهُ ( وَلِلنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ مَعَهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُفِيدَةِ أَنَّهَا لَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ حَقِيقَةٌ فِي الْكُلِّ خَاصَّةً بِدُونِ الِاسْتِثْنَاءِ وَفِي الْبَاقِي مَعَ الِاسْتِثْنَاءِ ( وَدُفِعَ ) هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّلْوِيحِ ( بِاسْتِلْزَامِهِ رَفْعَ الْمَجَازِ ) لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ ( وَبِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِعْمَالُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِي الْوَضْعِيِّ بِلَا قَرِينَةٍ ) تُفِيدُهُ وَهَذَا يُوجِبُهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ .
( وَقِيلَ بَلْ الْقِسْمَةُ ) لِلَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى ( ثُلَاثِيَّةٌ ) وَهِيَ أَنَّهُ إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنًى خَارِجٍ عَمَّا وُضِعَ لَهُ فَمَجَازٌ ، وَإِلَّا فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ فِي عَيْنِ مَا وُضِعَ لَهُ فَحَقِيقَةٌ ، وَإِلَّا فَحَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا ( بِإِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ الْقَاصِرَةِ وَهِيَ مَا ) أَيْ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ ( فِي الْجُزْءِ ) أَيْ جُزْءِ مَا وُضِعَ لَهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ( فَالْكَرْخِيُّ وَالرَّازِيُّ وَكَثِيرٌ ) بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( مَجَازٌ إذْ لَيْسَا ) أَيْ النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ ( جُزْأَيْ الْوُجُوبِ لِمُنَافَاتِهِ ) أَيْ الْوُجُوبِ ( فَصْلَهُمَا )
أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ كَمَا يَظْهَرُ عَلَى الْأَثَرِ ( وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَبَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ، وَالْأَحْسَنُ بَيْنَهَا قَدْرٌ ( مُشْتَرَكٌ هُوَ الْإِذْنُ ) فِي الْفِعْلِ ثُمَّ امْتَازَ الْوُجُوبُ بِمَعَ امْتِنَاعَ التَّرْكِ ، وَالنَّدْبُ بِمَعَ جَوَازَ التَّرْكِ مَرْجُوحًا ، وَالْإِبَاحَةُ بِمَعَ جَوَازَ التَّرْكِ مُسَاوِيًا ( وَالْقَائِلُ ) بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ فِيهِمَا ( حَقِيقَةٌ ) يَقُولُ ( الْأَمْرُ فِي الْإِبَاحَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُشْتَرَكِ الْإِذْنِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ ( الْجُزْءُ ) مِنْ الْوُجُوبِ ( فَحَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ ) أَيْ فَهُوَ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ قَاصِرَةٌ ( وَثُبُوتُ إرَادَةِ مَا بِهِ الْمُبَايَنَةُ ) لِلْوُجُوبِ أَوْ جَوَازِ التَّرْكِ مَرْجُوحًا وَمُسَاوِيًا ( وَهُوَ ) أَيْ مَا بِهِ الْمُبَايَنَةُ ( فَصْلُهُمَا ) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ( بِالْقَرِينَةِ لَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ ) أَيْ صِيغَتِهِ ( وَمَبْنَاهُ ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ ( عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ ) أَيْ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ ( وَكَذَا النَّدْبُ ) رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ ( مَعَ تَرْجِيحِ الْفِعْلِ ، وَالْوُجُوبُ ) رَفْعُ الْحَرَجِ ( عَنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ الْفِعْلُ ( وَمَنْ ظَنَّ جُزْئِيَّتَهُمَا ) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْوُجُوبِ ( فَبَنَى الْحَقِيقَةَ ) أَيْ فَجَعَلَ كَوْنَهُ فِيهِمَا حَقِيقَةً قَاصِرَةً بِنَاءً ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كَوْنِهَا جُزْءًا مِنْهُ وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( غَلِطَ لِتَرْكِ فَصْلِهِمَا ) وَلَمَّا كَانَ حَاصِلُ تَقْرِيرِهِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ لَيْسَ مَعْنَى كَوْنِ الْأَمْرِ لِلنَّدَبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ وَجَوَازِ التَّرْكِ مَرْجُوحًا أَوْ مُسَاوِيًا حَتَّى يَكُونَ الْمَجْمُوعُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الصِّيغَةَ لِطَلَبِ الْفِعْلِ ، وَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَصْلًا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّدْبِ أَوْ الْإِبَاحَةِ ، أَعْنِي جَوَازَ الْفِعْلِ
الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ لَهُمَا وَلِلْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَوْ امْتِنَاعِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ التَّرْكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى حُرْمَةِ التَّرْكِ ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ جَوَازِ الْفِعْلِ جُزْءٌ مِنْ الْوُجُوبِ الْمُرَكَّبِ مِنْ جَوَازِ الْفِعْلِ مَعَ امْتِنَاعِ التَّرْكِ ، فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْوُجُوبِ فِي مُجَرَّدِ جَوَازِ الْفِعْلِ مِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ ، وَيَكُونُ مَعْنَى اسْتِعْمَالِهَا فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ هُوَ اسْتِعْمَالَهَا فِي جُزْئِهِمَا الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ لَهُمَا وَيَثْبُتُ الْفَصْلُ الَّذِي هُوَ جَوَازُ التَّرْكِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَيَثْبُتُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ فِي النَّدْبِ بِوَاسِطَةِ الْقَرِينَةِ .
أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى ) الْوَضْعِيِّ بِتَمَامِهِ ( وَعَدَمَهَا ) أَيْ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ إمَّا بِأَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَيْهِ أَصْلًا أَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى جُزْئِهِ ( لَا دَخْلَ لَهَا ) وَالظَّاهِرُ لَهُمَا أَيْ لِلدَّلَالَةِ وَعَدَمِهَا ( فِي كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا وَعَدَمِهِ ) أَيْ وَعَدَمِ كَوْنِ اللَّفْظِ مَجَازًا ( بَلْ ) الَّذِي لَهُ دَخْلٌ فِي كَوْنِ اللَّفْظِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لَهُ مَجَازًا ( اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِيهِ ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ لَهُ ( وَإِرَادَتُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ ( بِهِ ) أَيْ بِاللَّفْظِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : يَعْنِي كَوْنَ اللَّفْظِ حَقِيقَةً مُطْلَقَةً بِاسْتِعْمَالِهِ فِي تَمَامِ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ، وَكَوْنَهُ حَقِيقَةً قَاصِرَةً بِاسْتِعْمَالِهِ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ ، وَكَوْنَهُ مَجَازًا بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُنَاسِبَةِ لِلْوَضْعِيِّ وَلَا دَخْلَ لِدَلَالَتِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلِذَا ثَبَتَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ ، وَيَنْتَفِي عَنْهُ كَوْنُهُ حَقِيقَةً إذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ بَلْ
فِي مَعْنًى خَارِجٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مَجَازٌ وَلَهُ دَلَالَةٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَلَيْسَ حَقِيقَةً إذْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى الْمَعْنَى مَعْلُومَةٌ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَضْعِيِّ فَثَبَتَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ وَهُوَ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ ( وَلَا شَكَّ أَنَّهُ ) أَيْ الْأَمْرَ ( اُسْتُعْمِلَ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ بِالْفَرْضِ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ الْأَمْرُ حِينَئِذٍ إلَّا عَلَى جُزْئِهِ إطْلَاقُ الْفِعْلِ ) أَيْ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي الْإِبَاحَةِ مَثَلًا - الَّتِي هِيَ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً قَاصِرَةً ، وَإِنْ دَلَّ اللَّفْظُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى جُزْءِ الْإِبَاحَةِ أَعْنِي رَفْعَ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ، وَهُوَ الْوُجُوبُ بَلْ وَعَلَى جُزْئِهِ الْآخَرِ وَهُوَ إثْبَاتُهُ بِالتَّرْكِ ، إذْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْوَضْعِيِّ لَا يَسْقُطُ فَدَلَّ تَضَمُّنًا عَلَيْهِ لِدَلَالَتِهِ فِي حَالِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِبَاحَةِ عَلَى رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ الْفِعْلِ وَإِثْبَاتِهِ عَلَى التَّرْكِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَحَدَ الْجُزْأَيْنِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي هَذَا الْجُزْءِ بِخُصُوصِهِ بَلْ لِلْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ رَفْعِ الْحَرَجِ عَنْ التَّرْكِ الَّذِي بِهِ يُبَايِنُ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيَّ ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا ثَمَّ فِي التَّلْوِيحِ فَإِنْ قُلْت : صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَالِ الْأَمْرِ فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَإِرَادَتِهِمَا مِنْهُ ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَمْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي جِنْسِ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ عُدُولًا عَنْ الظَّاهِرِ ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّرْكِ أَصْلًا وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ فَغَيْرُ مُفِيدٍ وَإِنْ أَرَادَ بِحَسَبِ الْمَجَازِ فَمَمْنُوعٌ .
لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ
لِطَلَبِ الْفِعْلِ جَزْمًا فِي طَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ إجَازَةِ التَّرْكِ وَالْإِذْنِ فِيهِ مَرْجُوحًا أَوْ مُسَاوِيًا بِجَامِعِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ فِيهِ ، قُلْت : هُوَ كَمَا صَرَّحُوا بِاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الْإِنْسَانِ الشُّجَاعِ وَإِرَادَتِهِ مِنْهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الشُّجَاعِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّ لَفْظَ الْأَسَدِ يَدُلُّ عَلَى ذَاتِيَّاتِ الْإِنْسَانِ كَالنَّاطِقِ مَثَلًا ، فَإِذَا كَانَ الْجَامِعُ هَاهُنَا هُوَ جَوَازَ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ فِيهِ كَانَ اسْتِعْمَالُ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِي النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا مِنْ أَفْرَادِ جَوَازِ الْفِعْلِ وَالْإِذْنِ ، وَتَثْبُتُ خُصُوصِيَّةُ كَوْنِهِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ أَوْ بِدُونِهِ بِالْقَرِينَةِ كَمَا أَنَّ الْأَسَدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الشُّجَاعِ وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ إنْسَانًا بِالْقَرِينَةِ ، ا هـ .
وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِقَوْلِهِ ( وَكَوْنُ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ ( فِيهَا ) أَيْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( مِنْ حَيْثُ هُمَا ) أَيْ النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ ( مِنْ أَفْرَادِ الْجَامِعِ ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوُجُوبِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْجَامِعُ ( الْإِذْنُ ) فِي الْفِعْلِ ( كَاسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي الرَّجُلِ الشُّجَاعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ) أَيْ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ ( مِنْ أَفْرَادِهِ ) أَيْ الْأَسَدِ ( وَيُعْلَمُ أَنَّهُ ) أَيْ الْأَسَدَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي إنْسَانٍ ( إنْسَانٌ بِالْقَرِينَةِ ) كَ يُلَاعِبُ بِالْأَسِنَّةِ ( لَا يُصْرَفُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ كَوْنِ لَفْظِ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلًا فِي تَمَامِ مَا وُضِعَ لَهُ مِنْ الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ ( إلَى كَوْنِ الِاسْتِعْمَالِ فِي جُزْءِ مَفْهُومِهِ ) الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْفِعْلِ ( وَلَا ) إلَى ( كَوْنِ دَلَالَتِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ ( عَلَى مُجَرَّدِ الْجُزْءِ ) أَيْ جُزْءِ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ مُجَرَّدُ الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ ( لِمُجَرَّدِ تَسْوِيغِ الِاسْتِعْمَالِ فِي تَمَامِهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الْغَيْرِ الْوَضْعِيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِعْمَالُ فِي تَمَامِ الْمَعْنَى الْغَيْرِ الْوَضْعِيِّ ( مَنَاطُ
الْمَجَازِيَّةِ دُونَ الدَّلَالَةِ لِثُبُوتِهَا ) أَيْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ ( عَلَى الْوَضْعِيِّ مَعَ مَجَازِيَّتِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْوَضْعِيِّ ( كَمَا قَدَّمْنَا وَالْقَرِينَةُ ) إنَّمَا هِيَ ( لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ لَمْ يُرَدْ بِهِ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ ) لَا الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْوَضْعِيِّ أَوْ جُزْئِهِ ( وَالْمُرَادُ بِحَيَوَانٍ فِي قَوْلِنَا " يَكْتُبُ حَيَوَانٌ " إنْسَانٌ اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْأَعَمِّ فِي الْأَخَصِّ بِقَرِينَةِ يَكْتُبُ وَتَقَدَّمَ ) فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ فِي الْأَمْرِ ( أَنَّهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالَ الْأَعَمِّ فِي الْأَخَصِّ ( حَقِيقَةٌ ) .
مَسْأَلَةُ الصِّيغَةِ أَيْ الْمَادَّةِ بِاعْتِبَارِ الْهَيْئَةِ الْخَاصَّةِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ لَا بِقَيْدِ مَرَّةٍ وَلَا تَكْرَارٍ وَلَا ( يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ التَّكْرَارَ ( وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ عَلَى نَقْلِهِمَا وَالْبَيْضَاوِيِّ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : وَأَرَاهُ رَأْيَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ( وَكَثِيرٌ لِلْمَرَّةِ ) وَهَذَا عَزَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ إلَى أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَقَالَ الْإسْفَرايِينِيّ : إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّهُ الصَّحِيحُ الْأَشْبَهُ بِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ ، لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيُّ : النَّقَلَةُ لِهَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّأْيِ الْمُخْتَارِ ، وَلَيْسَ غَرَضُهُمْ إلَّا نَفْيَ التَّكْرَارِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْمَرَّةِ ، وَلِذَا لَمْ يَحْكِ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ مَعَ حِكَايَةِ هَذَا فَهُوَ عِنْدَهُمْ هُوَ ( وَقِيلَ لِلتَّكْرَارِ أَبَدًا ) أَيْ مُدَّةَ الْعُمُرِ مَعَ الْإِمْكَانِ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ لِيَخْرُجَ أَزْمِنَةُ ضَرُورِيَّاتِ الْإِنْسَانِ مِنْ قَضَاءِ حَاجَةٍ وَغَيْرِهِ ، وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ( وَقِيلَ ) الْأَمْرُ ( الْمُعَلَّقُ ) عَلَى شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ لِلتَّكْرَارِ لَا الْمُطْلَقُ ، وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( وَقِيلَ ) الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْمَرَّةِ ( وَيَحْتَمِلُهُ ) أَيْ التَّكْرَارَ ، وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الشَّافِعِيِّ ( وَقِيلَ بِالْوَقْفِ ) إمَّا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ ( لَا نَدْرِي ) أَوُضِعَ لِلْمَرَّةِ وَلِلتَّكْرَارِ أَوْ لِلْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَيْهِمَا ( أَوْ ) عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ ( لَا يُدْرَى مُرَادُهُ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ ( لِلِاشْتِرَاكِ ) اللَّفْظِيِّ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ فِي جَمَاعَةٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى
قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ ، هَذَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إنَّ الْمَرَّةَ لَا تَفْعَلُ بَلْ فِعْلُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَاقْتِضَاءُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ خِلَافَهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ ( لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ ( إطْبَاقُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ هَيْئَةَ الْأَمْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا إلَّا عَلَى الطَّلَبِ فِي خُصُوصِ زَمَانٍ وَخُصُوصِ الْمَطْلُوبِ ) مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَغَيْرِهِمَا إنَّمَا هُوَ ( مِنْ الْمَادَّةِ وَلَا دَلَالَةَ لَهَا ) أَيْ الْمَادَّةِ ( عَلَى غَيْرِ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ ) أَيْ الْمَصْدَرِ ( فَلَزِمَ ) مِنْ مَجْمُوعِ الْهَيْئَةِ وَالْمَادَّةِ ( أَنَّ تَمَامَ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ طَلَبُ الْفِعْلِ فَقَطْ ، وَالْبَرَاءَةَ بِمَرَّةٍ لِوُجُودِهِ ) أَيْ وَالْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً لِضَرُورَةِ إدْخَالِهِ فِي الْوُجُودِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ بِأَقَلَّ مِنْهَا ( فَانْدَفَعَ دَلِيلُ الْمَرَّةِ ) وَهُوَ أَنَّ الِامْتِثَالَ يَحْصُلُ بِالْمَرَّةِ فَيَكُونُ لَهَا بِهَذَا ( وَاسْتُدِلَّ ) لِلْمُخْتَارِ أَيْضًا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ ( مَدْلُولُهَا ) أَيْ الصِّيغَةِ ( طَلَبُ حَقِيقَةِ الْفِعْلِ فَقَطْ ، وَالْمَرَّةُ وَالتَّكْرَارُ خَارِجَانِ ) عَنْ حَقِيقَتِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ الِامْتِثَالُ بِهِ فِي أَيِّهِمَا وُجِدَ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِأَحَدِهِمَا ( وَدُفِعَ ) هَذَا كَمَا أَفَادَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالنِّزَاعِ ) لِأَنَّ الْمُخَالِفَ يَقُولُ : هِيَ لِلْحَقِيقَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِالْمَرَّةِ أَوْ التَّكْرَارِ ( وَبِأَنَّهُمَا ) أَيْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْمَرَّةَ وَالتَّكْرَارَ ( مِنْ صِفَاتِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ كَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ ( وَلَا دَلَالَةَ لِلْمَوْصُوفِ ) بِالصِّفَاتِ الْمُتَقَابِلَةِ ( عَلَى الصِّفَةِ ) الْمُعَيَّنَةِ مِنْهَا فَلَا دَلَالَةَ لِلْأَمْرِ الدَّالِّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ عَلَيْهِمَا ( وَدُفِعَ ) هَذَا كَمَا أَفَادَهُ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ أَيْضًا ( بِأَنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَ دَلَالَةِ الْمَادَّةِ أَيْ الْمَصْدَرِ عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ
الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ ( وَالْكَلَامَ ) فِي انْتِقَاءِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِمَا ( فِي الصِّيغَةِ ) فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَدُلَّ الصِّيغَةُ عَلَى الْمَرَّةِ وَالتَّكْرَارِ ، وَهُوَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ، وَاحْتِمَالُ الصِّيغَةِ لَهُمَا لَا يَمْنَعُ ظُهُورَ أَحَدِهِمَا وَالْمُدَّعَى الدَّلَالَةُ بِحَسَبِ الظُّهُورِ لَا النُّصُوصِيَّةُ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُكَرِّرُونَ ( تَكَرَّرَ ) الْمَطْلُوبُ ( فِي النَّهْيِ فَعُمَّ ) فِي الْأَزْمَانِ ( فَوَجَبَ ) التَّكْرَارُ أَيْضًا ( فِي الْأَمْرِ لِأَنَّهُمَا ) أَيْ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ ( طَلَبٌ قُلْنَا ) هَذَا ( قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ لِأَنَّهُ فِي دَلَالَةِ لَفْظٍ ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهُ ( وَ ) أُجِيبَ أَيْضًا ( بِالْفَرْقِ ) بَيْنَهُمَا ( بِأَنَّ النَّهْيَ لِتَرْكِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( وَتَحَقُّقِهِ ) أَيْ التَّرْكِ ( بِهِ ) أَيْ بِالتَّرْكِ ( فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ ، وَالْأَمْرُ لَا يُنَافِيهِ ) أَيْ الْفِعْلَ ( وَيَتَحَقَّقُ ) الْفِعْلُ ( بِمَرَّةٍ وَيَأْتِي ) فِي هَذَا أَيْضًا ( أَنَّهُ مَحَلُّ النِّزَاعِ ) لِأَنَّ كَوْنَهُ لِمُجَرَّدِ إثْبَاتِهِ الْحَاصِلِ بِمَرَّةٍ عَيْنُ النِّزَاعِ إذْ هُوَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ لِإِثْبَاتِهِ دَائِمًا .
( وَأَمَّا ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ ( بِأَنَّ التَّكْرَارَ مَانِعٌ مِنْ ) فِعْلِ ( غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ ) لِأَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا لَا تُجَامِعُ كُلَّ فِعْلٍ ( فَيَتَعَطَّلُ ) مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَأْمُورِ وَالْمَصَالِحِ الْمُهِمَّاتِ ( بِخِلَافِ النَّهْيِ ) فَإِنَّ التُّرُوكَ تُجَامِعُ كُلَّ فِعْلٍ ، فَقَالَ الْمُصَنِّفُ : ( فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَدْلُولِهِ ) أَيْ لَفْظِ الْأَمْرِ ( وَلَيْسَ ) مَدْلُولُهُ ( مَلْزُومَ الْإِرَادَةِ ) لِلتَّكْرَارِ ( فَيَجِبُ انْتِفَاؤُهَا ) أَيْ إرَادَةِ التَّكْرَارِ ( لِلْمَانِعِ ) مِنْهَا ( قَالُوا ) أَيْ الْمُكَرِّرُونَ أَيْضًا : الْأَمْرُ ( نَهْيٌ عَنْ أَضْدَادِهِ ، وَهُوَ ) أَيْ النَّهْيُ ( دَائِمِيٌّ ) أَيْ يَمْنَعُ مِنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ دَائِمًا ( فَيَتَكَرَّرُ ) الْأَمْرُ ( فِي الْمَأْمُورِ ) أَيْ بِهِ ، وَالْوَجْهُ عَدَمُ حَذْفِهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ
فَيَتَكَرَّرُ الْمَأْمُورُ بِهِ .
( قُلْنَا : تَكَرُّرُ ) النَّهْيِ ( الْمَضْمُونِ فَرْعُ تَكَرُّرِ ) الْأَمْرِ ( الْمُتَضَمِّنِ ، فَإِثْبَاتُ تَكَرُّرِهِ ) أَيْ تَكَرُّرِ الْأَمْرِ الْمُتَضَمِّنِ ( بِهِ ) أَيْ بِتَكَرُّرِ النَّهْيِ الْمَضْمُونِ ( دَوْرٌ ) لِتَوَقُّفِ تَكَرُّرِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَلَيْسَ ) هَذَا الْجَوَابُ ( بِشَيْءٍ ) دَافِعٍ لِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ ( بَلْ إذَا كَانَ ) تَكَرُّرُ النَّهْيِ الْمَضْمُونِ ( فَرْعَهُ ) أَيْ تَكَرُّرِ الْأَمْرِ الْمُتَضَمِّنِ ( وَتَحَقَّقْنَا ثُبُوتَهُ ) أَيْ تَكَرُّرِ النَّهْيِ ( اسْتَدْلَلْنَا بِهِ ) أَيْ بِتَكَرُّرِهِ ( عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ ) أَيْ الْأَمْرَ ( كَذَلِكَ ) أَيْ لِلتَّكْرَارِ ( مِنْ قَبِيلِ ) الْبُرْهَانِ ( الْآنِيِّ ) هُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤْثَرِ ( بَلْ ) يَلْزَمُ ( لِلْفَرْعِيَّةِ ) أَيْ لِكَوْنِ تَكْرَارِ النَّهْيِ فَرْعَ تَكْرَارِ الْأَمْرِ ( إذَا كَانَ ) الْأَمْرُ ( دَائِمًا كَانَ ) نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ ( دَائِمًا أَوْ ) كَانَ الْأَمْرُ ( فِي ) وَقْتٍ ( مُعَيَّنٍ فَفِيهِ ) أَيْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ الْأَمْرُ ( نَهْيُ الضِّدِّ ) أَيْ عَنْ أَضْدَادِهِ ( أَوْ ) كَانَ الْأَمْرُ مُطْلَقًا فَفِي ( وَقْتِ الْفِعْلِ ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ يَكُونُ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنْ أَضْدَادِهِ ( الْمُعَلَّقِ ) أَيْ الْقَائِلِ الْأَمْرُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ قَالَ ( تَكَرُّرُ ) الْمَأْمُورِ بِهِ ( فِي نَحْوِ { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فَتَكَرُّرُ وُجُوبِ الِاطِّهَارِ بِتَكَرُّرِ الْجَنَابَةِ .
( قُلْنَا : الشَّرْطُ هُنَا عِلَّةٌ فَيَتَكَرَّرُ ) مُوجَبُ الْأَمْرِ ( بِتَكْرَارِهَا اتِّفَاقًا ) ضَرُورَةَ تَكَرُّرِ الْمَعْلُولِ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ ( لَا بِالصِّفَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُ ) أَيْ مَا لَا يَكُونُ عِلَّةً ( كَإِذَا دَخَلَ الشَّهْرُ فَأَعْتِقْ فَخِلَافٌ ) فِي كَوْنِهِ لِلتَّكْرَارِ ( وَالْحَقُّ النَّفْيُ ) أَيْ نَفْيُ التَّكْرَارِ فِيهِ ( فَإِنْ قُلْت فَكَيْفَ نَفَاهُ ) أَيْ تَكَرُّرَ الْحُكْمِ بِتَكْرَارِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ عِلَّتُهُ ( الْحَنَفِيَّةُ فِي السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ ) { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } (
فَلَمْ يَقْطَعُوا فِي ) الْمَرَّةِ ( الثَّالِثَةِ ) يَدَ السَّارِقِ الْيُسْرَى إذَا كَانَ قَدْ قُطِعَ فِي الْأُولَى يَدُهُ الْيُمْنَى ، وَفِي الثَّانِيَةِ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مَعَ أَنَّ السَّرِقَةَ عِلَّةُ الْقَطْعِ ( وَجَلَدُوا فِي الزَّانِي بِكْرًا أَبَدًا ) أَيْ كُلَّمَا زَنَى مَعَ أَنَّ الزِّنَا عِلَّةُ الْجَلْدِ ( فَالْجَوَابُ أَمَّا مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَلَمْ يُعَلَّقْ ) الْقَطْعُ عِنْدَهُمْ ( بِعِلَّةٍ ) هِيَ السَّرِقَةُ ( لِأَنَّ عَدَمَ قَطْعِ يَدِهِ فِي الثَّانِيَةِ إجْمَاعًا نَقْضٌ ) لِكَوْنِهَا عِلَّةً لِتَخَلُّفِ حُكْمِهَا عَنْهَا ( فَوَجَبَ عَدَمُ الِاعْتِبَارِ ) لَهَا عِلَّةً لَهُ ( فَبَقِيَ مُوجِبُهُ ) أَيْ النَّصُّ ( الْقَطْعُ مَرَّةً مَعَ السَّرِقَةِ ) بِخِلَافِ الْجَلْدِ فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ عُلِّقَ بِعِلَّةٍ هِيَ الزِّنَا فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ .
( وَالْوَجْهُ الْعَامُ ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَبِعَدَمِ جَوَازِهِ بَيْنَ هَذَيْنِ ( أَنَّهُ ) أَيْ نَصَّ الْقَطْعِ ( مُؤَوَّلٌ إذْ حَقِيقَتُهُ قَطْعُ الْيَدَيْنِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ ) وَهِيَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهَا إجْمَاعًا ( بَلْ صُرِفَ ) النَّصُّ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ قَطْعِ الْيَدَيْنِ ( إلَى وَاحِدَةٍ هِيَ الْيُمْنَى بِالسُّنَّةِ ) قُلْت : غَيْرَ أَنَّ كَوْنَ السُّنَّةِ مُفِيدَةً لِلِاقْتِصَارِ عَلَى وَاحِدَةٍ كَثِيرٌ ، وَسَنَذْكُرُ بَعْضًا مِنْهُ ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مُعَيِّنَةً لِلْيُمْنَى فَلَا يَحْضُرُنِي مِنْهَا مَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ تَعَيُّنَ الْيُمْنَى أَلْبَتَّةَ بَلْ غَايَةُ مَا حَضَرَنِي مِنْهَا { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَطَعَ يَمِينَهُ } كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ لَا يُفِيدُ تَعَيُّنَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا يُمْنَى بَلْ إنَّمَا يُفِيدُ كَوْنَ قَطْعِهَا مُخْرِجًا عَنْ الْعَهْدِ لِكَوْنِهَا مِنْ صَدَقَاتِ الْيَدِ ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَمِ إجْزَاءِ قَطْعِ الْيُسْرَى ، نَعَمْ إذَا ضُمَّ إلَيْهِ .
وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعُ الْيُسْرَى مَعَ قِيَامِ الْيُمْنَى فَحَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ الْيُسْرَى حِينَئِذٍ وَالْيُمْنَى أَنْفَعُ ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ
بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِالْيُسْرَى ، وَمِنْ عَادَتِهِ طَلَبُ الْأَيْسَرِ لِلْأُمَّةِ مَا أَمْكَنَ دَلَّ عَلَى تَعَيُّنِ الْيُمْنَى لِلْقَطْعِ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ ( وَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ) فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا عَلَى مَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ ، أَوْ وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى مَا فِي تَفْسِيرِ الزَّجَّاجِ وَالْكَشَّافِ ، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ( وَالْإِجْمَاعِ ) وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا نُقِلَ عَنْ شُذُوذٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِ الْأَصَابِعِ لِأَنَّ بِهَا الْبَطْشَ ( فَظَهَرَ ) بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ ( أَنَّ الْمُرَادَ ) مِنْ النَّصِّ ( انْقِسَامُ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ أَيْ كُلُّ سَارِقٍ فَاقْطَعُوا يَدَهُ الْيُمْنَى بِمُوجَبِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ ) وَهُوَ " أَيْدِيَهُمَا " ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقَيَّدِ وَهُوَ الْيُمْنَى لِمَا ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّا نَقُولُ ( فَلَوْ فُرِضَتْ ) السَّرِقَةُ ( عِلَّةً ) لِلْقَطْعِ ( تَعَذَّرَ ) الْقَطْعُ فِي الثَّانِيَةِ ( لِفَوْتِ مَحَلِّ الْحُكْمِ ) الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَهُوَ الْيُمْنَى ( فِي الثَّانِيَةِ ) لِقَطْعِهَا فِي الْأُولَى ( بِخِلَافِ الْجَلْدِ ) فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ بِالزِّنَا لِعَدَمِ فَوْتِ مَحَلِّهِ وَهُوَ الْبَدَنُ بِالْجَلْدِ السَّابِقِ ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَمَّا تَعَذَّرَ فِي الثَّانِيَةِ أُقِيمَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى مَقَامَهَا فِيهِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِيهِ .
( وَقَطْعُ الرِّجْلِ فِي الثَّانِيَةِ بِالسُّنَّةِ ابْتِدَاءً ) فَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِالْإِجْمَاعِ ، وَقَالَ ( الْوَاقِفُ ) لَوْ ثَبَتَ كَوْنُهُ لِلْمَرَّةِ أَوْ لِلتَّكْرَارِ ( فَأَمَّا بِالْآحَادِ ) وَهِيَ إنَّمَا تُفِيدُ الظَّنَّ - وَالْمَسْأَلَةُ عِلْمِيَّةٌ - أَوْ بِالتَّوَاتُرِ وَهُوَ يَمْنَعُ الْخِلَافَ وَالْعَقْلُ الصِّرْفُ لَا
مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ فَلَزِمَ الْوَقْفُ ( وَتَقَدَّمَ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ " صِيغَةُ الْأَمْرِ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ لِلْوَاقِفِ فِي كَوْنِهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ " وَجَوَابُهُ ( وَسُؤَالُ ) الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَجِّ ( أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ أَوْرَدَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) دَلِيلًا ( لِاحْتِمَالِ التَّكْرَارِ ) ، فَقَالَ فَلَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ لَمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُهُ دَلِيلًا ( لِلْوَقْفِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي ) وَهُوَ لَا يَدْرِي مُرَادَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ أَهُوَ الْمَرَّةُ أَمْ التَّكْرَارُ ( أَظْهَرُ ) مِنْ كَوْنِهِ دَلِيلًا لِاحْتِمَالِ التَّكْرَارِ لِأَنَّ كَوْنَهُ ظَاهِرًا لِلْمَرَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ السُّؤَالِ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ لِجَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الِاسْتِخْبَارِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ خَفِيًّا عَلَى السَّامِعِ فَإِنَّ سُؤَالَهُ فِي مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ وَالْأَصْلُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَصْلِ ( وَإِيرَادُهُ ) دَلِيلًا ( لِإِيجَابِ التَّكْرَارِ وُجِّهَ بِعِلْمِهِ ) أَيْ السَّائِلِ ( بِدَفْعِ الْحَرَجِ ) فِي الدِّينِ وَفِي حَمْلِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَلَى التَّكْرَارِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَإِنَّمَا يُصَحِّحُ ) هَذَا التَّوْجِيهَ ( السُّؤَالُ ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْأَمْرِ لِلتَّكْرَارِ ، إذْ يُقَالُ : إنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَيُعْتَذَرُ بِهَذَا ( لَا كَوْنُهُ دَلِيلًا لِوُجُوبِ التَّكْرَارِ ) لِاسْتِغْنَائِهِ حِينَئِذٍ عَنْ السُّؤَالِ ظَاهِرًا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ ( أَوْ احْتِمَالِهِ ) فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْسَارَ قَدْ يَكُونُ لِلْقَطْعِ بِالْمَرْجُوحِ لِظَنِّهِ بِقَرِينَةٍ عَلَيْهِ ( ثُمَّ الْجَوَابُ ) لِلْجُمْهُورِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ ( أَنَّ الْعِلْمَ بِتَكْرِيرِ ) الْحُكْمِ ( الْمُتَعَلِّقِ بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ ثَابِتٌ فَجَازَ كَوْنُهُ ) أَيْ سُؤَالِ السَّائِلِ ( لِإِشْكَالِ أَنَّهُ ) أَيْ سَبَبَ الْحَجِّ ( الْوَقْتُ فَيَتَكَرَّرُ )
الْحَجُّ لِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ ( أَوْ ) أَنَّ سَبَبَهُ ( الْبَيْتُ فَلَا ) يَتَكَرَّرُ لَا لِكَوْنِ الْأَمْرِ يُوجِبُ التَّكْرَارَ أَوْ يَحْتَمِلُهُ أَوْ لِلْوَقْفِ فِي مُقْتَضَاهُ ، وَالِاحْتِمَالُ مُسْقِطٌ لِلِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ ، وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ } ، نَعَمْ كَوْنُ السَّائِلِ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ هُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ ، ثُمَّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْمَعْنَى لَوْ قُلْت نَعَمْ لَتَقَرَّرَ الْوُجُوبُ فِي كُلِّ عَامٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ ، وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ مَعْنَاهُ لَصَارَ الْوَقْتُ سَبَبًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَاحِبَ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ نَصْبُ الشَّرَائِعِ .
هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ سُرَاقَةُ ، فَقَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ ا هـ .
وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ بِذَلِكَ وَاَلَّذِي فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْآثَارِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { لَمَّا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَمَرَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ عُمْرَتِنَا هَذِهِ أَلَنَا خَاصَّةً أَمْ هِيَ لِلْأَبَدِ قَالَ هِيَ لِلْأَبَدِ } ( وَبَنَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ) أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( عَلَى التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ وَاحْتِمَالِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ أَوْ طَلِّقْهَا يَمْلِكُ ) الْمَأْمُورُ أَنْ يُطَلِّقَ ( أَكْثَرَ مِنْ
الْوَاحِدَةِ ) جُمْلَةً وَمُتَفَرِّقَةً ( بِلَا نِيَّةٍ عَلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ التَّكْرَارِ ، أَمَّا مَا لَوْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَفِي الْكَشْفِ وَالتَّحْقِيقِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى مَا نَوَى عِنْدَهُمْ ، لِأَنَّهُ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّكْرَارَ عِنْدَهُمْ فَقَدْ يَمْنَعُ عَنْهُ بِدَلِيلٍ ، وَالنِّيَّةُ دَلِيلٌ ، انْتَهَى .
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ عَنْهُ مُسَلَّمٌ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ ، وَفِيمَا فِيهِ تَخْفِيفٌ وُجِدَ الْمَانِعُ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ مُوجَبِهِ ، وَهُوَ الثَّلَاثُ لِلتَّخْفِيفِ ( وَبِهَا ) أَيْ وَيَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاحِدَةِ بِالنِّيَّةِ ( عَلَى الثَّالِثِ ) أَيْ احْتِمَالِ التَّكْرَارِ مُطَابِقًا لِنِيَّتِهِ مِنْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ لَا غَيْرُ ( وَعَلَى الثَّانِي ) أَيْ عَدَمِ احْتِمَالِهِ التَّكْرَارَ ( وَهُوَ ) أَيْ الثَّانِي ( قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ يَقَعُ ( وَاحِدَةٌ ) سَوَاءٌ نَوَاهَا أَوْ الثِّنْتَيْنِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ( وَالثَّلَاثُ بِالنِّيَّةِ لَا الثِّنْتَانِ ) وَإِنْ نَوَاهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَفَرِّعَ ) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( تَعْدَادُ الْأَفْرَادِ ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ وَعَدَمُ تَعْدَادِهَا ( وَلَيْسَ ) تَعْدَادُهَا ( التَّكْرَارَ ) لِلْفِعْلِ ( وَلَا مَلْزُومَهُ ) أَيْ التَّكْرَارِ ( لِلتَّعَدُّدِ ) فِي الْأَفْرَادِ ( وَالْفِعْلُ وَاحِدٌ فِي التَّطْلِيقِ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا ) فَإِنَّ فِيهِ تَعَدُّدَ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ تَكَرُّرِ فِعْلِ الْمُطَلِّقِ ( فَهُوَ ) أَيْ تَعَدُّدُ الْأَفْرَادِ ( لَازِمٌ لِلتَّكْرَارِ أَعَمَّ ) مِنْهُ لِصِدْقِهِ مَعَ التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ ( فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ التَّعَدُّدِ ثُبُوتُهُ ) أَيْ التَّكْرَارِ ( وَلَا مِنْ انْتِفَاءِ التَّكْرَارِ انْتِفَاؤُهُ ) أَيْ التَّعَدُّدِ ( فَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَأَمْثَالُهَا غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ عَلَى هَذَا الْمُبْتَنَى بَلْ هِيَ مَسْأَلَةٌ ( مُبْتَدَأَةٌ ) .
هَكَذَا ( صِيغَةُ الْأَمْرِ لَا تَحْتَمِلُ التَّعَدُّدَ الْمَحْضَ لِأَفْرَادِ مَفْهُومِهَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ ) أَيْ التَّعَدُّدِ الْمَحْضِ مِنْهَا ( كَالطَّلَاقِ ) أَيْ كَمَا لَا يَصِحُّ إرَادَةُ الطَّلَاقِ ( مِنْ اسْقِنِي ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) فَإِنَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَحْتَمِلُهُ ( لِأَنَّهَا مُخْتَصَرَةٌ مِنْ طَلَبِ الْفِعْلِ بِالْمَصْدَرِ النَّكِرَةِ ) حَتَّى كَانَ قَائِلُ : طَلِّقْ أَوْقَعَ طَلَاقًا ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَصْدَرُ النَّكِرَةُ ( فَرْدٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ فَرْدِيَّةِ مَعْنَاهُ فَلَا يَحْتَمِلُ ضِدَّ مَعْنَاهُ ) وَهُوَ التَّعَدُّدُ الْمَحْضُ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْفَرْدَ مَا لَا تَرَكُّبَ فِيهِ ، وَالْعَدَدَ مَا تَرَكَّبَ مِنْ الْأَفْرَادِ ، فَإِنْ قِيلَ : فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ إرَادَةُ الثِّنْتَيْنِ فِي قَوْلِهِ : طَلِّقِي نَفْسَكِ ، لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ، وَلَا إرَادَةُ الثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِ هَذَا لِزَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ كَمَا لَا تَصِحُّ إرَادَةُ الثِّنْتَيْنِ فِيهِ لَهَا ، فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ ( وَصِحَّةُ إرَادَةِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْأَمَةِ وَالثَّلَاثِ فِي الْحُرَّةِ لِلْوَحْدَةِ الْجِنْسِيَّةِ ) فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا كُلُّ جِنْسِ طَلَاقِهِمَا ، إذْ لَا مَزِيدَ لَهُ فِي حَقِّ الْأَمَةِ عَلَى الثِّنْتَيْنِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ عَلَى الثَّلَاثِ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ أَجْنَاسِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ ، فَيَقَعُ بِالنِّيَّةِ ( بِخِلَافِ الثِّنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ لَا جِهَةَ لِوَحْدَتِهِ ) فِيهَا لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا ( فَانْتَفَى ) كَوْنُهُ مُحْتَمَلَ اللَّفْظِ فَلَا يُنَالُ بِالنِّيَّةِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَرْدَ الْحَقِيقِيَّ مُوجَبُهُ وَالْفَرْدَ الِاعْتِبَارِيَّ مُحْتَمَلُهُ ، وَالْعَدَدَ لَا مُوجَبُهُ وَلَا مُحْتَمَلُهُ ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مُوجَبَ اللَّفْظِ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ وَمُحْتَمَلَ اللَّفْظِ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا نَوَى ، وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَا يَثْبُتُ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ النِّيَّةَ لِتَعْيِينِ مُحْتَمَلِ اللَّفْظِ لَا لِإِثْبَاتِهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَبَعْدَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اتِّحَادُ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ وَتَعَدُّدُهُ ) أَيْ مَدْلُولِهَا بَلْ قَدْ يَكُونُ وَاحِدًا ، وَقَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّدًا ( فَقَدْ يَبْعُدُ نَفْيُ الِاحْتِمَالِ ) أَيْ احْتِمَالِ التَّعَدُّدِ ( لِثُبُوتِ الْفَرْقِ لُغَةً بَيْنَ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمَعَانِي وَبَعْضِ ) أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ ( الْأَعْيَانِ ، إذْ لَا يُقَالُ لِرَجُلَيْنِ رَجُلٌ ، وَيُقَالُ لِلْقِيَامِ الْكَثِيرِ قِيَامٌ ، كَالْأَعْيَانِ الْمُتَمَاثِلَةِ الْأَجْزَاءِ كَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ فَإِذَا صَدَقَ الطَّلَاقُ عَلَى طَلْقَتَيْنِ كَيْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ الطَّلَاقُ هَذَا الْعَدَدَ الصَّادِقُ عَلَيْهِ ؟ ( لَكِنَّهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ ( اسْتَمَرُّوا عَلَى مَا سَمِعْت ) مِنْ عَدَمِ الِاحْتِمَالِ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الْمَعَانِي وَالْأَعْيَانِ حَتَّى قَالُوا تَفْرِيعًا عَلَى ذَلِكَ ( فَلَوْ حَلَفَ : لَا يَشْرَبُ مَاءً انْصَرَفَ إلَى أَقَلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ) مَاءٌ وَهُوَ قَطْرَةٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( وَلَوْ نَوَى مِيَاهَ الدُّنْيَا صَحَّ فَيَشْرَبُ مَا شَاءَ ) مِنْهَا وَلَا يَحْنَثُ لِصِدْقِ أَنَّهُ لَمْ يَشْرَبْهَا ( أَوْ ) قَدْرًا مِنْ الْأَقْدَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ كَمَا لَوْ نَوَى ( كُوزًا لَا يَصِحُّ ) ذَلِكَ مِنْهُ لِخُلُوِّ الْمَنْوِيِّ عَنْ صِفَةِ الْفَرْدِيَّةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ : الْفَوْرُ ) لِلْأَمْرِ وَهُوَ امْتِثَالُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَقِبَهُ ( ضَرُورِيٌّ لِلْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ ) لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ لَازِمِ اسْتِغْرَاقِ الْأَوْقَافِ بِالْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ( وَأَمَّا غَيْرُهُ ) أَيْ الْقَائِلِ بِالتَّكْرَارِ ( فَإِمَّا ) أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ ( مُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِفَوْتِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ ، يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ مُسْتَوْفًى فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ فِي الْمَحْكُومِ فِيهِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِفَوْتِهِ ، وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فِي وَقْتٍ لَا مَحَالَةَ ( كَالْأَمْرِ بِالْكَفَّارَاتِ وَالْقَضَاءِ ) لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ( فَالثَّانِي ) أَيْ غَيْرُ الْمُقَيَّدِ الْمَذْكُورُ ( لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ ) عَلَى وَجْهٍ لَا يُفَوِّتُ الْمَأْمُورَ بِهِ أَصْلًا كَمَا يَجُوزُ الْبِدَارُ بِهِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَعُزِيَ إلَى الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ ، وَاخْتَارَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْبَيْضَاوِيُّ ، .
وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ : لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ نَصٌّ ، وَإِنَّمَا فُرُوعُهُمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ا هـ .
وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالتَّرَاخِي ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ جَائِزٌ كَالْبِدَارِ لَا أَنَّ الْبِدَارَ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( وَقِيلَ يُوجِبُ الْفَوْرَ أَوَّلَ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ ) لِلْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ ( الْقَاضِي ) الْأَمْرُ يُوجِبُ ( إمَّا إيَّاهُ ) أَيْ فِعْلَ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ ( أَوْ الْعَزْمَ ) عَلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ .
( وَتَوَقَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَنَّهُ لُغَةً لِلْفَوْرِ أَمْ لَا فَيَجُوزُ التَّرَاخِي وَلَا يَحْتَمِلُ وُجُوبَهُ ) أَيْ التَّرَاخِي ( فَيَمْتَثِلُ بِكُلٍّ ) مِنْ الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي ( مَعَ التَّوَقُّفِ فِي إثْمِهِ بِالتَّرَاخِي ، وَقِيلَ بِالْوَقْفِ فِي الِامْتِثَالِ ) إنْ بَادَرَ بِهِ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ كَمَا
يَتَوَقَّفُ فِي الْفَوْرِ ( لِاحْتِمَالِ وُجُوبِ التَّرَاخِي ، لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ أَنَّهُ ( لَا يَزِيدُ دَلَالَةً عَلَى مُجَرَّدِ الطَّلَبِ ) مِنْ فَوْرٍ أَوْ تَرَاخٍ لَا بِحَسَبِ الْمَادَّةِ وَلَا بِحَسَبِ الصِّيغَةِ ( بِالْوَجْهِ السَّابِقِ ) فِي السَّابِقَةِ ، وَهُوَ إطْبَاقُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ هَيْئَةَ الْأَمْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا إلَّا عَلَى الطَّلَبِ فِي خُصُوصِ زَمَانٍ إلَى آخِرِهِ ( وَكَوْنُهُ ) دَالًّا ( عَلَى أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي ( خَارِجٌ ) عَنْ مَدْلُولِهِ ( يُفْهَمُ بِالْقَرِينَةِ كَ اسْقِنِي ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ لِلْعِلْمِ الْعَادِيِّ بِأَنَّ طَلَبَ السَّقْيِ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عَاجِلًا ( وَافْعَلْ بَعْدَ يَوْمٍ ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاخِي بِقَوْلِهِ بَعْدَ يَوْمٍ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالْفَوْرِ .
أَوَّلًا ( كُلُّ مُخْبِرٍ ) بِكَلَامٍ خَبَرِيٍّ كَ زَيْدٌ قَائِمٌ ( وَمُنْشِئٍ كَ بِعْت وَطَلِّقْ يَقْصِدُ الْحَاضِرَ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَالتَّجَرُّدِ مِنْ الْقَرَائِنِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِدًا لِلْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ بِمَا ذَكَرَهُ ( فَكَذَا الْأَمْرُ ) وَالْجَامِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَبَرِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْإِنْشَاءَاتِ - الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا الْحَاضِرُ - كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا إنْشَاءً .
( قُلْنَا ) هَذَا ( قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ ) لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْأَمْرِ فِي إفَادَتِهِ الْفَوْرَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ وَهُوَ مَعَ عَدَمِ اخْتِلَافِ حُكْمِهِ غَيْرُ جَائِزٍ فَمَا الظَّنُّ ( مَعَ اخْتِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ تَعَيُّنُ الْحَاضِرِ وَيَمْتَنِعُ فِي الْأَمْرِ غَيْرُ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْمَطْلُوبِ ) لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَا يُطْلَبُ ( وَالْحَاضِرُ الطَّلَبُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ ) أَيْ فِي الطَّلَبِ بَلْ فِي الْمَطْلُوبِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا ( أَوَّلَ زَمَانٍ يَلِيهِ ) أَيْ الطَّلَبَ ( فَالْفَوْرُ أَوْ ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا فِي زَمَانٍ هُوَ ( مَا بَعْدَهُ ) أَيْ مَا
بَعْدَ أَوَّلِ زَمَانٍ يَلِي الطَّلَبَ ( فَوُجُوبُ التَّرَاخِي أَوْ ) إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ إيجَادُهُ مَطْلُوبًا ( مُطْلَقًا فَمَا يُعَيِّنُهُ ) الْمَأْمُورَ مِنْ الْوَقْتِ ( لَا عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ التَّرَاخِيَ ( مَدْلُولُ الصِّيغَةِ قَالُوا ) ثَانِيًا ( النَّهْيُ يُفِيدُ الْفَوْرَ فَكَذَا الْأَمْرُ ) لِأَنَّهُ طَلَبٌ مِثْلُهُ .
( قُلْنَا ) قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَأَيْضًا الْفَوْرُ ( فِي النَّهْيِ ضَرُورِيٌّ بِخِلَافِ الْأَمْرِ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ تَحْقِيقَ الْمَطْلُوبِ بِهِ ) أَيْ بِالنَّهْيِ ( وَهُوَ الِامْتِثَالُ ) إنَّمَا يَكُونُ ( بِالْفَوْرِ ) لِأَنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ لِتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَتَحَقُّقُ تَرْكِهِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ ( لَا أَنَّهُ ) أَيْ النَّهْيَ ( يُفِيدُهُ ) أَيْ الْفَوْرَ .
( وَقَوْلُنَا ضَرُورِيٌّ فِيهِ أَيْ فِي امْتِثَالِهِ قَالُوا ) ثَالِثًا ( الْأَمْرُ نَهْيٌ عَنْ الْأَضْدَادِ وَهُوَ ) أَيْ النَّهْيُ ( لِلْفَوْرِ فَيَلْزَمُ فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ عَلَى الْفَوْرِ لِيَتَحَقَّقَ امْتِثَالُ النَّهْيِ عَنْهَا ) أَيْ أَضْدَادِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَتَقَدَّمَ ) الْآنَ ( نَحْوُهُ وَمَا هُوَ التَّحْقِيقُ ) فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الِامْتِثَالَ بِالْفَوْرِ لَا أَنَّ النَّهْيَ يُفِيدُهُ ( قَالُوا ) رَابِعًا ( ذَمَّ ) اللَّهُ - تَعَالَى - إبْلِيسَ ( عَلَى عَدَمِ الْفَوْرِ ) بِقَوْلِهِ ( { مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُكَ } ) حَيْثُ قَالَ { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَمَ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لِلْفَوْرِ ، وَإِلَّا لَأَجَابَ بِأَنَّك مَا أَمَرْتَنِي بِالْبِدَارِ ، وَسَوْفَ أَسْجُدُ ( قُلْنَا ) هَذَا ( مُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ ) أَيْ وَقْتِ تَسْوِيَتِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ ، وَقَدْ ( فَوَّتَهُ ) أَيْ إبْلِيسُ الِامْتِثَالَ ( عَنْهُ بِدَلِيلِ { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي " إذَا " " فَقَعُوا " فَالتَّقْدِيرُ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ وَقْتَ تَسْوِيَتِي إيَّاهُ وَنَفْخِي فِيهِ الرُّوحَ ، فَامْتِنَاعُ تَأْخِيرِ السُّجُودِ عَنْ زَمَانِ التَّسْوِيَةِ وَالنَّفْخِ مُسْتَفَادٌ مِنْ امْتِنَاعِ تَأْخِيرِ الْمَظْرُوفِ عَنْ
ظَرْفِهِ الزَّمَانِيِّ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ ( قَالُوا ) خَامِسًا ( لَوْ جَازَ التَّأْخِيرُ لَوَجَبَ إلَى ) وَقْتٍ ( مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى آخِرِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ وَالْأَوَّلُ ) أَيْ وُجُوبُ التَّأْخِيرِ إلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ ( مُنْتَفٍ ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَذْكُورًا فَالْفَرْضُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُطْلَقِ عَنْ الْوَقْتِ لَا فِي الْمُقَيَّدِ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فَلَا إشْعَارَ لِلْأَمْرِ بِهِ وَلَا دَلِيلَ مِنْ خَارِجٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ ، وَهُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِفَوَاتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّا لَا نَعْنِي بِالْوَقْتِ الْمَذْكُورِ إلَّا ذَلِكَ .
أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلظَّنِّ مِنْ أَمَارَةٍ وَلَيْسَتْ إلَّا كِبَرَ السِّنِّ أَوْ الْمَرَضَ الشَّدِيدَ وَنَحْوَهُمَا وَهِيَ مُضْطَرِبَةٌ إذْ كَمْ مِنْ شَابٍّ يَمُوتُ فَجْأَةً وَشَيْخٍ وَمَرِيضٍ يَعِيشُ مُدَّةً ( وَالثَّانِي ) أَيْ وُجُوبُ تَأْخِيرِهِ إلَى آخِرِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ تَكْلِيفُ ( مَا لَا يُطَاقُ ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لِلْمُكَلَّفِ فَيَكُونُ مُكَلَّفًا بِالْفِعْلِ فِي وَقْتٍ يَجْهَلُهُ ، وَبِالْمَنْعِ عَنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتٍ لَا يَعْلَمُهُ وَهُوَ مُحَالٌ ( أُجِيبَ بِالنَّقْضِ ) الْإِجْمَالِيِّ ( بِجَوَازِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ ) بِأَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ افْعَلْ وَلَك التَّأْخِيرُ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ إجْمَاعًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ الدَّلِيلِ جَارٍ فِيهِ ( وَ ) بِالنَّقْضِ التَّفْصِيلِيِّ ( بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ) تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ( بِإِيجَابِ التَّأْخِيرِ إلَيْهِ ) أَيْ آخِرِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ .
( أَمَّا جَوَازُهُ ) أَيْ التَّأْخِيرِ ( إلَى وَقْتٍ يُعَيِّنُهُ الْمُكَلَّفُ فَلَا ) يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ( لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِامْتِثَالِ ) بِالْبِدَارِ فِي أَوَّلِ أَزْمِنَةِ الْإِمْكَانِ ( قَالُوا ) سَادِسًا ( وَجَبَتْ الْمُسَارَعَةُ ) إلَى الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ - - لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ } لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
الْمُسَارَعَةُ إلَى سَبَبِ الْمَغْفِرَةِ لِأَنَّ نَفْسَ الْمَغْفِرَةِ لَيْسَتْ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ ، فَأُطْلِقَ الْمُسَبَّبُ وَأُرِيدَ السَّبَبُ ، وَمِنْ سَبَبِهَا فِعْلُ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ الْخَيْرَاتِ فَتَجِبُ الْمُسَارَعَةُ وَالْمُسَابَقَةُ إلَيْهِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقَانِ بِفِعْلِهِ عَلَى الْفَوْرِ .
( الْجَوَابُ جَازَ ) أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مُفِيدَةً لِإِيجَابِ الْفَوْرِ ( تَأْكِيدًا لِإِيجَابِهِ بِالصِّيغَةِ ) كَمَا قَالُوا ( وَتَأْسِيسًا ) أَيْ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُفِيدَةً لِفَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ ، وَهِيَ وُجُوبُ الْفَوْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ مُتَعَرِّضَةٍ لِوُجُوبِهِ كَمَا قُلْنَا ( فَلَا يُفِيدُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( أَنَّهُ ) أَيْ الْفَوْرَ ( مُوجَبُهَا ) أَيْ الصِّيغَةِ عَيْنًا كَمَا هُوَ مَطْلُوبُهُمْ لِعَدَمِ انْتِهَاضِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مَعَ احْتِمَالِ خِلَافِهِ ( فَكَيْفَ وَالتَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ ) عَلَى التَّأْكِيدِ إذَا تَعَارَضَا فَيَتَرَجَّحُ أَنَّ الصِّيغَةَ غَيْرُ دَالَّةٍ عَلَيْهِ ( فَانْقَلَبَ ) دَلِيلُهُمْ عَلَيْهِمْ ( إذْ أَفَادَ ) دَلِيلُهُمْ ( حِينَئِذٍ نَفْيَهُ ) أَيْ الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُسَارَعَةِ وَالِاسْتِبَاقِ مُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ مَعَ جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِهِ فِي غَيْرِهِ .
( الْقَاضِي ثَبَتَ حُكْمُ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ فِي الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ وَهُوَ ) أَيْ حُكْمُهَا ( الْعِصْيَانُ بِتَرْكِهِمَا ) أَيْ الْفِعْلِ وَالْعَزْمِ ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ الْعِصْيَانِ ( بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ بِالْفِعْلِ أَوْ الْعَزْمِ ( فَكَانَ ) الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ ( مُقْتَضَاهُ ) أَيْ الْأَمْرِ .
( وَالْجَوَابُ : الْجَزْمُ بِأَنَّ الطَّاعَةَ ) إنَّمَا هِيَ ( بِالْفِعْلِ بِخُصُوصِهِ ، فَوُجُوبُ الْعَزْمِ لَيْسَ مُقْتَضَاهُ ) أَيْ الْأَمْرِ ( عَلَى التَّخْيِيرِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِعْلِ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ الْعَزْمُ ( عَلَى ) فِعْلِ ( مَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ ) يَثْبُتُ مَعَ ثُبُوتِ الْإِيمَانِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ وَلَا بِهَذَا الْفِعْلِ .
( الْإِمَامُ الطَّلَبُ مُحَقَّقٌ ،
وَالشَّكُّ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ فَوَجَبَ الْفَوْرُ ) لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ ( وَاعْتَرَضَ ) عَلَى هَذَا بِأَنَّهُ ( لَا يُلَائِمُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( مِنْ التَّوَقُّفِ فِي كَوْنِهِ لِلْفَوْرِ ، وَأَيْضًا وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ يُنَافِي قَوْلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( أَقْطَعُ بِأَنَّهُ مَهْمَا أَتَى بِهِ مَوْقِعٌ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ لِلْمَطْلُوبِ ) ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَأَنْتَ إذَا وَصَلْت قَوْلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( لِلْمَطْلُوبِ يُنَافِي قَوْلَهُ : وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ هَلْ يَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَثِلٌ لِأَصْلِ الْمَطْلُوبِ لَمْ تَقِفْ عَنْ الْجَزْمِ بِالْمُطَابَقَةِ ، فَإِنَّ وُجُوبَ الْفَوْرِ بَعْدَ مَا قَالَ لَيْسَ إلَّا احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ الْفَوْرِ لَا أَنَّهُ مُقْتَضَى الصِّيغَةِ ، وَأَنَّ الشَّكَّ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ بِالشَّكِّ فِي الْفَوْرِ ) أَيْ بِسَبَبِهِ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَحَدِ الضِّدَّيْنِ شَكٌّ فِي الْآخَرِ بِالضَّرُورَةِ ( ثُمَّ كَوْنُهُ مُمْتَثِلًا بِحُكْمِ الصِّيغَةِ يُنَافِي الْإِثْمَ إلَّا أَنْ يُرَادَا ثُمَّ تَرَكَ الِاحْتِيَاطَ ) وَبَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْفَوْرَ احْتِيَاطٌ فَكَوْنُ تَرْكِهِ مُؤَثِّمًا مَحَلُّ نَظَرٍ ( نَعَمْ لَوْ قَالَ ) الْإِمَامُ ( الْقَضَاءُ بِالصِّيغَةِ لَا بِسَبَبٍ جَدِيدٍ أَمْكَنَ ) عَدَمُ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الِامْتِثَالِ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ وَالتَّأْثِيمِ بِالتَّأْخِيرِ إلَى مَا بَعْدَ زَمَنِ الْفَوْرِ لِجَوَازِ جَعْلِهِ مُمْتَثِلًا بِحُكْمِ الصِّيغَةِ - مِنْ حَيْثُ الْقَضَاءُ - وَآثِمًا بِتَرْكِهِ الِامْتِثَالَ بِحُكْمِ الصِّيغَةِ - مِنْ حَيْثُ الْأَدَاءُ - ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَعَلَيْهِ مِنْ التَّعَقُّبِ .
أَوَّلًا أَنَّ الْمُصْطَلَحَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ - كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ - لَا تُوصَفُ بِأَدَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ .
وَثَانِيًا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ .
وَثَالِثًا أَنَّ نَفْسَ الْإِمَامِ
قَدْ قَالَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ : فَأَمَّا وَضْعُ التَّوَقُّفِ فِي أَنَّ الْمُؤَخِّرَ هَلْ يَكُونُ كَمَنْ أَوْقَعَ مَا طُلِبَ مِنْهُ وَرَاءَ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَأَقَّتُ بِهِ الْأَمْرُ حَتَّى لَا يَكُونَ مُمْتَثِلًا أَصْلًا ؟ فَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ الصِّيغَةَ مُرْسَلَةٌ ، وَلَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِزَمَانٍ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ .
( وَأُجِيبَ لَا شَكَّ ) فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ ( مَعَ دَلِيلِنَا ) الْمُفِيدِ لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ هَذَا .
[ تَنْبِيهٌ ] كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ " صِيغَةُ الْأَمْرِ خَاصٌّ فِي الْوُجُوبِ " ( قِيلَ مَسْأَلَةُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ شَرْعِيَّةٌ لِأَنَّ مَحْمُولَهَا الْوُجُوبُ وَهُوَ شَرْعِيٌّ وَقِيلَ لُغَوِيَّةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ) ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ ( إذْ كَرَّرُوا قَوْلَهُمْ فِي الْأَجْوِبَةِ : قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ وَإِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِلَوَازِمِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهَا لُغَوِيَّةً ( الْوَجْهُ إذْ لَا خَلَلَ ) فِي ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ مَحْمُولُهَا الْوُجُوبَ ( فَإِنَّ الْإِيجَابَ لُغَةً الْإِثْبَاتُ وَالْإِلْزَامُ ، وَإِيجَابَهُ - سُبْحَانَهُ - لَيْسَ إلَّا إلْزَامَهُ ، وَإِثْبَاتَهُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ بِطَلَبِهِ الْحَتْمِ فَهُوَ ) أَيْ الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ ( مِنْ أَفْرَادِ اللُّغَوِيِّ ) فَإِنْ قِيلَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ شَرْعِيَّةً لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي تَعْرِيفِ الْوُجُوبِ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِالتَّرْكِ وَهُوَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ ( وَاسْتِحْقَاقُهُ الْعِقَابَ بِالتَّرْكِ لَيْسَ جُزْءَ الْمَفْهُومِ ) لِلْوُجُوبِ ( بَلْ ) لَازِمٌ ( مُقَارَنٌ بِخَارِجٍ عَقْلِيٍّ أَوْ عَادِيٍّ لِأَمْرِ كُلِّ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ وَهُوَ ) أَيْ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ ( حُسْنُ عِقَابِ مُخَالِفِهِ ) أَيْ أَمْرِ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ ( وَتَعْرِيفُ الْوُجُوبِ طَلَبٌ ) لِفِعْلٍ ( يَنْتَهِضُ تَرْكُهُ سَبَبًا لِلْعِقَابِ ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( تَجُوزُ ) بِمُطْلَقِ الْوُجُوبِ ( لِإِيجَابِهِ - تَعَالَى - أَوْ ) لِإِيجَابِ ( مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِقَرِينَةٍ يَنْتَهِضُ إلَى آخِرِهِ ، فَيَصْدُقُ إيجَابُهُ - تَعَالَى - فَرْدًا مِنْ مُطْلَقِهِ ) أَيْ الْوُجُوبِ اللُّغَوِيِّ ( وَظَهَرَ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ) لِلْعِقَابِ بِالتَّرْكِ ( لَيْسَ لَازِمَ التَّرْكِ ) مُطْلَقًا ( بَلْ ) هُوَ لَازِمٌ ( لِصِنْفٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْوُجُوبِ ( لِتَحَقُّقِ الْأَمْرِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ مُفِيدًا لِلْإِيجَابِ فَيَتَحَقَّقُ هُوَ ) أَيْ الْوُجُوبُ فِيهِ ( وَلَا اسْتِحْقَاقَ ) لِلْعِقَابِ ( بِتَرْكِهِ ) لِأَنَّهُ (
بِلَا وِلَايَةٍ ) لِلْآمِرِ عَلَيْهِ .
( مَسْأَلَةٌ الْآمِرُ ) لِشَخْصٍ ( بِالْأَمْرِ ) لِغَيْرِهِ ( بِالشَّيْءِ لَيْسَ آمِرًا بِهِ ) أَيْ بِالشَّيْءِ ( لِذَلِكَ الْمَأْمُورِ ، وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ آمِرًا بِهِ لِذَلِكَ ( كَأَنْ " مُرْ عَبْدَك بِبَيْعِ ثَوْبِي " تَعَدِّيًا ) عَلَى الْمُخَاطَبِ بِالتَّصَرُّفِ فِي عَبْدٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( وَنَاقَضَ قَوْلَك لِلْعَبْدِ لَا تَبِعْهُ ) لِنَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ مَا أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ .
قَالُوا : وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فِيهِمَا قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا لَوْ كَانَ أَمْرُهُ لِعَبْدِ الْغَيْرِ غَيْرَ لَازِمٍ لِأَمْرِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ هُنَا لِدَلَالَةِ " مُرْ عَبْدَك بِكَذَا " عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ بِأَمْرِ عَبْدِهِ بِذَلِكَ وَعَلَى أَمْرِهِ هُوَ الْعَبْدَ بِذَلِكَ وَهَذَا لَازِمٌ لِلْأَوَّلِ بِمَعْنَى أَنَّ أَمْرَ الْقَائِلِ لِلْعَبْدِ بِذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَمْرِ السَّيِّدِ إيَّاهُ بِهِ لَازِمٌ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ أَمْرُهُ لِلْعَبْدِ تَعَدِّيًا لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَمْرِ السَّيِّدِ لَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ آمِرٌ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ سَيِّدُهُ .
سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّعَدِّيَ لِأَجْلِ أَنَّ الصِّيغَةَ لَمْ تَقْتَضِهِ بَلْ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ عَلَيْهِ - وَهَذَا الْمَانِعُ مَفْقُودٌ فِي أَوَامِرِ الشَّرْعِ لِوُجُودِ سُلْطَانِ التَّكْلِيفِ لَهُ عَلَيْنَا فَلَا تَعَدِّيَ حِينَئِذٍ .
وَعَلَى الثَّانِي إنَّمَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ لَوْ كَانَ اللَّازِمُ مُسْتَلْزِمًا لِلْإِرَادَةِ ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ غَيْرَ مُرَادٍ فَلَا تَنَاقُضَ ، انْتَهَى .
وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا تَدَافُعٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بَلْ بَيْنَ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ( وَلَا يَخْفَى مَنْعُ بُطْلَانِ ) اللَّازِمِ ( الثَّانِي ) الَّذِي هُوَ التَّنَاقُضُ ( إذْ لَا يُرَادُ بِالْمُنَاقَضَةِ هُنَا إلَّا مَنْعُهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ مِنْ الْبَيْعِ ( بَعْدَ طَلَبِهِ ) أَيْ الْبَيْعِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ
مَنْعُهُ مِنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْهُ ( نَسْخٌ ) لِطَلَبِهِ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ أَمْرٌ بِهِ .
( قَالُوا فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - رَسُولَهُ بِأَنْ يَأْمُرَنَا ) فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْآمِرَ هُوَ اللَّهُ - تَعَالَى - ( وَ ) أَمْرِ ( الْمَلِكِ وَزِيرَهُ ) بِأَنْ يَأْمُرَ فُلَانًا بِكَذَا فَإِنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ الْآمِرَ الْمَلِكُ .
( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ فَهْمَ ذَلِكَ فِي كِلَيْهِمَا ( مِنْ قَرِينَةِ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَأْمُورَ أَوَّلًا ( رَسُولٌ ) وَمُبَلِّغٌ عَنْ اللَّهِ كَمَا فِي الْأَوَّلِ ، وَعَنْ الْمَلِكِ كَمَا فِي الثَّانِي ( لَا مِنْ لَفْظِ الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَأْمُورِ بِهِ ثَانِيًا ، وَمَحَلُّ النِّزَاعِ إنَّمَا هُوَ هَذَا ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَمَحَلُّ النِّزَاعِ قَوْلُ الْقَائِلِ : مُرْ فُلَانًا بِكَذَا ، أَمَّا لَوْ قَالَ : قُلْ لِفُلَانٍ افْعَلْ كَذَا فَالْأَوَّلُ آمِرٌ وَالثَّانِي مُبَلِّغٌ بِلَا نِزَاعٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي الْمُنْتَهَى وَسَوَّى التَّفْتَازَانِيُّ بَيْنَهُمَا فِي الْإِرَادَةِ بِمَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ سَبَقَ إلَى بَعْضِ الْأَوْهَامِ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ فَقَطْ ، يَعْنِي مَا كَانَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا هُوَ الثَّبْتُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ فَاخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ فَوْرًا لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( وَلَا يَقْتَضِيهِ ) أَيْ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ ( عَقْلًا ، وَالْمَنْسُوبُ إلَى الْعَامَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْهُ إنْ كَانَ ) الضِّدُّ ( وَاحِدًا ) فَالْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ نَهْيٌ عَنْ الْكُفْرِ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ ( فَعَنْ الْكُلِّ ) أَيْ فَهُوَ يَنْهَى عَنْ كُلِّهَا فَالْأَمْرُ بِالْقِيَامِ نَهْيٌ عَنْ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهَا ، ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ .
( وَقِيلَ ) نَهْيٌ ( عَنْ وَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ ) مِنْ أَضْدَادِهِ ( وَهُوَ بَعِيدٌ ) ظَاهِرُ الْبُعْدِ ( وَإِنَّ النَّهْيَ أَمْرٌ بِالضِّدِّ الْمُتَّحِدِ ) فَالنَّهْيُ عَنْ الْكُفْرِ أَمْرٌ بِالْإِيمَانِ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ لَهُ أَضْدَادٌ ( فَقِيلَ ) أَيْ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ أَمْرٌ ( بِالْكُلِّ ) أَيْ بِأَضْدَادِهِ كُلِّهَا ( وَفِيهِ بُعْدٌ ) يَظْهَرُ مِمَّا سَيَأْتِي .
( وَالْعَامَّةُ : ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمُحَدِّثِينَ هُوَ أَمْرٌ ( بِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ ) مِنْ أَضْدَادِهِ ( فَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ) الْبَاقِلَّانِيُّ قَالَ ( أَوَّلًا كَذَلِكَ ) أَيْ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ ( وَآخِرًا يَتَضَمَّنَانِ ) أَيْ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ ( وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ ) أَيْ قَالَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، وَسَكَتَ عَنْ النَّهْيِ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَمُتَابِعِيهِ ( وَعَمَّمَ ) الْأَمْرَ فِي أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ الضِّدِّ ( فِي الْإِيجَابِيِّ وَالنَّدْبِيِّ فَهُمَا ) أَيْ الْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ وَالْأَمْرُ النَّدْبِيُّ ( نَهْيَا تَحْرِيمٍ وَكَرَاهَةٍ فِي الضِّدِّ ) أَيْ فَالْأَمْرُ الْإِيجَابِيُّ نَهْيٌ تَحْرِيمِيٌّ عَنْ الضِّدِّ ،
وَالْأَمْرُ النَّدْبِيُّ نَهْيٌ تَنْزِيهِيٌّ عَنْ الضِّدِّ ( وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ أَمْرَ الْوُجُوبِ ) فَجَعَلَهُ نَهْيًا تَحْرِيمِيًّا عَنْ الضِّدِّ دُونَ النَّدْبِ ( وَاتَّفَقَ الْمُعْتَزِلَةُ لِنَفْيِهِمْ ) الْكَلَامَ ( النَّفْسِيَّ عَلَى نَفْيِ الْعَيْنِيَّةِ فِيهِمَا ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ ، وَلَا بِالْعَكْسِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ذَلِكَ فِيهِمَا لَفْظًا .
( وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُوجِبُ كُلٌّ مِنْ الصِّيغَتَيْنِ ) أَيْ صِيغَتَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( حُكْمًا فِي الضِّدِّ ؟ فَأَبُو هَاشِمٍ وَأَتْبَاعُهُ لَا بَلْ ) الضِّدُّ ( مَسْكُوتٌ ) عَنْهُ ( وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ ) الْأَمْرُ ( يُوجِبُ حُرْمَتَهُ ) أَيْ الضِّدِّ ( وَعِبَارَةُ ) طَائِفَةٍ ( أُخْرَى ) الْأَمْرُ ( يَدُلُّ عَلَيْهَا ) أَيْ حُرْمَةِ ضِدِّهِ ( وَ ) عِبَارَةُ طَائِفَةٍ ( أُخْرَى ) الْأَمْرُ ( يَقْتَضِيهَا ) أَيْ حُرْمَةَ ضِدِّهِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُرْمَةَ الضِّدِّ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنْ مُوجِبَاتِ صِيغَةِ الْأَمْرِ فِرَارًا مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ تَنَوَّعَتْ أَشَارَتُهُمْ إلَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالُوا ، فَمَنْ قَالَ يُوجِبُ أَشَارَ إلَى أَنَّ حُرْمَةَ الضِّدِّ تَثْبُتُ ضَرُورَةَ تَحَقُّقِ حُكْمِ الْأَمْرِ كَالنِّكَاحِ أَوْجَبَ الْحِلَّ - فِي حَقِّ الزَّوْجِ بِصِيغَتِهِ - وَالْحُرْمَةَ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِحُكْمِهِ دُونَ صِيغَتِهِ ، وَمَنْ قَالَ يَدُلُّ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ تَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحُرْمَةُ مِنْ مُوجَبَاتِهَا ، كَالنَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُرْمَتُهُ مِنْ مُوجَبَاتِ لَفْظِ التَّأْفِيفِ ، وَمَنْ قَالَ يَقْتَضِي أَشَارَ إلَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى غَيْرِ لَفْظِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمُقْتَضَى يَثْبُتُ زِيَادَةً عَلَى اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ ، وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ مَا فِيهِ ( وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) السَّرَخْسِيُّ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ (
وَأَتْبَاعُهُمْ ) مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَمْرُ ( يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الضِّدِّ ، وَلَوْ كَانَ ) الْأَمْرُ ( إيجَابًا وَالنَّهْيُ ) يَقْتَضِي ( كَوْنَهُ ) أَيْ الضِّدِّ ( سُنَّةً مُؤَكَّدَةً ، وَلَوْ ) كَانَ النَّهْيُ ( تَحْرِيمًا ، وَحُرِّرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي أَمْرِ الْفَوْرِ لَا التَّرَاخِي ) ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْقَوَاطِعِ وَغَيْرُهُمْ ( وَفِي الضِّدِّ ) الْوُجُودِيِّ ( الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّرْكِ ، لَا التَّرْكِ ) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ قَالُوا ( وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي لَفْظِهِمَا ) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِأَنْ يُطْلَقَ لَفْظُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ افْعَلْ وَنَحْوُهَا ، وَصِيغَةَ النَّهْيِ لَا تَفْعَلْ ( وَلَا الْمَفْهُومَيْنِ ) أَيْ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ مَفْهُومَ أَحَدِهِمَا - وَهُوَ الصِّيغَةُ الَّتِي هِيَ كَذَا - عَيْنُ مَفْهُومِ الْآخَرِ أَوْ فِي ضِمْنِهِ ( لِلتَّغَايُرِ ) أَيْ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَفْهُومَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَفْهُومِ الْآخَرِ ( بَلْ ) النِّزَاعُ ( فِي أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ - الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ - عَيْنُ طَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ ) فَالْجُمْهُورُ : نَعَمْ فَالْمُتَعَلِّقُ وَاحِدٌ وَالْمُتَعَلَّقُ بِهِ شَيْئَانِ مُتَلَازِمَانِ ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ كَالْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِمَعْلُومَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ ، فَكَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا وَيُجْهَلَ الْآخَرُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَقَّقَ الِاقْتِضَاءُ النَّفْسِيُّ لِفِعْلٍ دُونَ اقْتِضَائِهِ لِتَرْكِ ضِدِّهِ ، وَالْقَاضِي آخِرًا : لَا ، إلَّا أَنَّهُ يُثَنِّي الْمُتَعَلِّقَ وَالْمُتَعَلَّقَ بِهِ جَمِيعًا فَيَرَى أَنَّ الْأَمْرَ النَّفْسِيَّ يُقَارِنُهُ نَهْيٌ نَفْسِيٌّ أَيْضًا فَيَكُونُ وُجُودُ الْقَوْلِ النَّفْسِيِّ - الَّذِي هُوَ اقْتِضَاءُ الْقِيَامِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِ قُمْ - مُتَضَمِّنًا وُجُودَ قَوْلٍ آخَرَ فِي النَّفْسِ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَا تَقْعُدْ وَيَكُونُ الْقَوْلُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِ قُمْ مُتَضَمِّنًا لِلْقَوْلِ الثَّانِي وَمُقَارِنَهُ حَتَّى لَا يُوجَدَ
مُنْفَرِدًا عَنْهُ وَيَجْرِي مَجْرَى الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْفِصَالُهُمَا .
وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا لَا أَيْضًا ، إلَّا أَنَّهُمْ يُوَحِّدُونَ الْمُتَعَلِّقَ وَالْمُتَعَلَّقَ بِهِ هَذَا ، وَذَهَبَ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا إلَى أَنَّ غَيْرِيَّةَ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ إنَّمَا هِيَ فِي غَيْرِ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ طَلَبُ الْقِيَامِ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ طَلَبُ تَرْكِ الْقُعُودِ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ فَرْضُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى - فَإِنَّ كَلَامَهُ وَاحِدٌ ، وَهُوَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ ، فَلَا تَتَطَرَّقُ الْغَيْرِيَّةُ إلَيْهِ فَلْيُفْرَضْ فِي الْمَخْلُوقِ وَهُوَ أَنَّ طَلَبَهُ لِلْحَرَكَةِ هَلْ هُوَ بِعَيْنِهِ كَرَاهَةُ السُّكُونِ وَطَلَبٌ لِتَرْكِهِ ، ا هـ .
وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا أَبُو نَصْرٍ الْقُشَيْرِيُّ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ وَاحِدٌ وَلَكِنَّهُ مُتَعَدِّدٌ بِاعْتِبَارِ الْمُتَعَلِّقَاتِ ، وَكَلَامُنَا فِي الْغَيْرِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ قَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّ النِّزَاعَ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ لَا إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ طَلَبَ الْكَفِّ عَنْ الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ هَلْ هُوَ عَيْنُ طَلَبِ فِعْلِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الْأَمْرُ أَمْ لَا ، فَقِيلَ نَعَمْ اتَّحَدَ الضِّدُّ أَمْ تَعَدَّدَ وَقِيلَ بَلْ أَمْرٌ بِالْمُتَّحِدِ ، وَإِلَّا فَبِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ وَقِيلَ لَا وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُهُ ، وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ يُرْشِدُ إلَيْهِ ( وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ مَعَهُ ) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ ضِدِّهِ ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي كَوْنَ ضِدِّهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً ( لَا يَسْتَلْزِمُ اللَّفْظِيَّ ) أَيْ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْأَمْرِ الْأَمْرَ اللَّفْظِيَّ وَبِالنَّهْيِ النَّهْيَ اللَّفْظِيَّ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ ( كَالتَّضَمُّنِ فِي قَوْلِ الْقَاضِي آخِرًا ) فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّهُ اخْتَارَ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا فِي الْآخَرِ ضَرُورَةً لَا مَقْصُودًا ،
وَكَانَ الثَّابِتُ بِغَيْرِهِ ضَرُورَةً لَا يُسَاوِي بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ثَابِتٌ بِقَدْرِ مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ ، وَالثَّانِيَ ثَابِتٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ سَمَّاهُ اقْتِضَاءً ، ثُمَّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالِاقْتِضَاءِ هُنَا الْمُصْطَلَحَ - وَهُوَ جَعْلُ غَيْرِ الْمَنْطُوقِ مَنْطُوقًا لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ إذْ لَا تَوَقُّفَ لِصِحَّةِ الْمَنْطُوقِ عَلَيْهِ - بَلْ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، فَسُمِّيَ بِهِ لِشَبَهِهِ بِهِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ ضَرُورَةً ، وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ مُوجَبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُنَا بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ الْكَرَاهَةُ وَالتَّرْغِيبُ كَمَا يُجْعَلُ الْمُقْتَضَى مَذْكُورًا بِقَدْرِ مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ وَهُوَ صِحَّةُ الْكَلَامِ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ الْمُرَادِ بِالتَّضَمُّنِ لَكِنَّ هَذَا لَا يُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ النَّفْسِيَّ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ اللَّفْظِيَّ هُوَ الْمُرَادُ لَهُ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ كِتَابَهُ إلَى هَذَا الْبَابِ ( وَمُرَادُهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( غَيْرُ أَمْرِ الْفَوْرِ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَقَالَ : وَفَائِدَةُ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ التَّحْرِيمَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِالْأَمْرِ لَمْ يُعْتَبَرْ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُفَوِّتُ الْأَمْرَ فَإِذَا لَمْ يُفَوِّتْهُ كَانَ مَكْرُوهًا كَالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ لَيْسَ بِنَهْيٍ عَنْ الْقُعُودِ قَصْدًا حَتَّى إذَا قَعَدَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بِنَفْسِ الْقُعُودِ ، وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ ، ا هـ .
وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَمْرَ الْفَوْرِ إمَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الرَّازِيّ أَوْ لِأَنَّهُ مُضَيَّقٌ ابْتِدَاءً كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ بِسَبَبِ ضِيقِ الْوَقْتِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لَمْ يَتَأَتَّ الْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الضِّدِّ لِأَنَّهُ مَا مِنْ ضِدٍّ إلَّا ، وَالِاشْتِغَالُ بِهِ مُفَوِّتٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ
حِينَئِذٍ ( وَعَلَى هَذَا ) الَّذِي تَحَرَّرَ مُرَادًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ ( يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الضِّدِّ بِالْمُفَوِّتِ ثُمَّ إطْلَاقُ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهِ فَوْرِيًّا ) فَيُقَالُ : الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ الْمُفَوِّتِ لَهُ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ ، وَعَلَى قِيَاسِهِ : وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ الْمُفَوِّتِ عَدَمَهُ لَهُ فَيَئُولُ فِي الْمَعْنَى إلَى قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ : إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الضِّدَّ إنْ فَوَّتَ الْمَقْصُودَ بِالْأَمْرِ يَحْرُمُ ، وَإِنْ فَوَّتَ عَدَمَهُ الْمَقْصُودَ بِالنَّهْيِ يَجِبُ ، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْ فَالْأَمْرُ يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ ، وَالنَّهْيُ كَوْنَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَكِنْ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ : حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ تَرْكِهِ ، وَحُرْمَةَ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَرْكِهِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نِزَاعٌ ، انْتَهَى .
وَأَمَّا الْبَاقِي فَسَيَأْتِي مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ ) فِي كَوْنِ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ .
أَوْ لَا تَظْهَرُ إذَا تَرَكَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَفَعَلَ ضِدَّهُ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِنَهْيٍ مِنْ حَيْثُ ( اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَقَطْ ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ ( أَوْ ) اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ ( بِهِ ) أَيْ بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَبِفِعْلِ الضِّدِّ حَيْثُ عَصَى أَمْرًا وَنَهْيًا ) كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ ، وَفِي كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ تَظْهَرُ إذَا فَعَلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَتَرَكَ ضِدَّهُ الَّذِي لَمْ يُقْصَدْ بِأَمْرٍ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا بِضِدِّهِ أَوْ بِهِ وَبِتَرْكِ فِعْلِ الضِّدِّ كَمَا هُوَ لَازِمُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ أَمْرٌ بِضِدِّهِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِإِرْشَادِ الْأَوَّلِ إلَيْهِ ( لِلنَّافِينَ ) كَوْنَ الْأَمْرِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ أَنَّهُ ( لَوْ كَانَا ) أَيْ النَّهْيُ عَنْ الضِّدِّ وَالْأَمْرُ بِالضِّدِّ ( إيَّاهُمَا ) أَيْ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ ( أَوْ لَازِمَيْهِمَا ) أَيْ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ ( لَزِمَ تَعَقُّلُ الضِّدِّ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْكَفِّ ) فِي الْأَمْرِ وَالْأَمْرِ فِي النَّهْيِ ( لِاسْتِحَالَتِهِمَا ) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حِينَئِذٍ ( مِمَّنْ لَمْ يَتَعَقَّلْهُمَا ) أَيْ الضِّدَّ وَالْكَفَّ فِي الْأَمْرِ وَالضِّدَّ وَالْأَمْرَ فِي النَّهْيِ ( وَالْقَطْعُ بِتَحَقُّقِهِمَا ) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( وَعَدَمِ خُطُورِهِمَا ) أَيْ الضِّدِّ وَالْكَفِّ فِي الْأَمْرِ وَالضِّدِّ وَالْأَمْرِ فِي النَّهْيِ ( وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا لَا يَخْطُرُ الْأَضْدَادُ الْجُزْئِيَّةُ ، وَالْمُرَادُ ) بِالضِّدِّ هُنَا ( الضِّدُّ الْعَامُّ ) أَيْ الْمُطْلَقُ وَهُوَ مَا لَا يُجَامِعُ الْمَأْمُورَ بِهِ الدَّائِرَ فِي الْأَضْدَادِ الْجُزْئِيَّةِ .
( وَتَعَلُّقُهُ
) أَيْ الضِّدِّ الْعَامِّ ( لَازِمٌ ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( إذْ طَلَبُ الْفِعْلِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْحَاصِلِ وَهُوَ ) أَيْ الْعِلْمُ بِعَدَمِهِ ( مَلْزُومُ الْعِلْمِ بِالْخَاصِّ ) أَيْ بِالضِّدِّ الْخَاصِّ ( وَهُوَ ) أَيْ الضِّدُّ الْخَاصُّ ( مَلْزُومٌ لِلْعَامِّ ) أَيْ لِلضِّدِّ الْعَامِّ ( وَلَا يَخْفَى مَا فِي الِاعْتِرَاضِ مِنْ عَدَمِ التَّوَارُدِ أَوَّلًا ، وَتَنَاقُضِهِ فِي نَفْسِهِ ثَانِيًا ، إذْ فَرْضُهُمْ الْجُزْئِيَّةَ ) لِلضِّدِّيَّةِ فِي نَفْيِ الْخُطُورِ ( فَلَا تَخْطُرُ ) الْأَضْدَادُ الْجُزْئِيَّةُ ( تَسْلِيمٌ ) لِنَفْيِ خُطُورِ الضِّدِّ الْجُزْئِيِّ ( وَقَوْلُهُ ) الْعِلْمُ بِعَدَمِ الْفِعْلِ ( مَلْزُومُ الْعِلْمِ بِالْخَاصِّ يُنَاقِضُ مَا لَا يَخْطُرُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ الْأَضْدَادَ الْجُزْئِيَّةَ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالضِّدِّ الْخَاصِّ إثْبَاتُ خُطُورٍ لَهُ ( وَأُجِيبَ ) عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ( بِمَنْعِ التَّوَقُّفِ ) لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ ( عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ التَّلَبُّسِ ) بِذَلِكَ الْفِعْلِ فِي حَالِ الْأَمْرِ ( لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُسْتَقْبَلٌ فَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى مَا فِي الْحَالِ وَلَوْ سُلِّمَ ) تَوَقُّفُ الْأَمْرِ بِالْفِعْلِ عَلَى الْعِلْمِ بِعَدَمِ التَّلَبُّسِ بِهِ .
( فَالْكَفُّ ) عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الضِّدُّ ( مُشَاهَدٌ ) مَحْسُوسٌ ( وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) الْكَفُّ حِينَئِذٍ ( الْعِلْمَ بِفِعْلِ ضِدٍّ خَاصٍّ لِحُصُولِهِ ) أَيْ الْكَفِّ ( بِالسُّكُونِ ) فَلَا يَلْزَمُ تَعَقُّلُ الضِّدِّ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) لُزُومُ تَعَقُّلِ الضِّدِّ ( فَمُجَرَّدُ تَعَقُّلِهِ الضِّدَّ لَيْسَ مَلْزُومًا لِطَلَبِ تَرْكِهِ ) الضِّدَّ ( لِجَوَازِ الِاكْتِفَاءِ ) فِي الْأَمْرِ ( بِمَنْعِ تَرْكِ الْفِعْلِ ) الْمَأْمُورِ بِهِ ( إمَّا لِمَا قِيلَ : لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ تَرْكِهِ ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ ) أَيْ مَنْعَ تَرْكِهِ ( بِطَلَبٍ آخَرَ ) غَيْرِ طَلَبِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( لِخُطُورِ التَّرْكِ عَادَةً ، وَطَلَبُ تَرْكِ تَرْكِهِ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ ( الْكَائِنِ بِفِعْلِهِ وِزَانَ لَا تَتْرُكْ وَكَذَا الضِّدُّ
الْمُفَوِّتُ ) أَيْ مَطْلُوبٌ بِطَلَبٍ آخَرَ لِخُطُورِهِ عَادَةً وَطَلَبِ تَرْكِهِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( فَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِلنَّهْيِ عَنْ تَرْكِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ) اسْتِلْزَامًا ( بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ) فِيهِ ( وَكَذَا ) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ ( عَنْ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ لِخُطُورِهِ كَذَلِكَ ) يَعْنِي إذَا تَعَقَّلَ مَفْهُومَ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ وَتَعَقَّلَ مَعْنَى طَلَبِ التَّرْكِ حُكِمَ بِهِ فِيهِ وَبِلُزُومِهِ لَهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( فَإِنَّمَا التَّعْذِيبُ بِهِ ) أَيْ بِالضِّدِّ ( لِتَفْوِيتِهِ ) الْمَأْمُورَ بِهِ فَالتَّعْذِيبُ عَلَى فِعْلِ الضِّدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُفَوِّتٌ لَا مُطْلَقًا ( فَإِمَّا ضِدٌّ بِخُصُوصِهِ ) إذَا كَانَ لِلْمَأْمُورِ بِهِ ضِدٌّ غَيْرُهُ ( فَلَيْسَ لَازِمًا عَادَةً لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ خُطُورِ الْأَكْلِ مِنْ تَصَوُّرِ الصَّلَاةِ فِي الْعَادَةِ ، الْقَاضِي لَوْ لَمْ يَكُنْ ) الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ ( إيَّاهُ ) أَيْ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ ( فَضِدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ خِلَافُهُ ) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ إنْ تَنَافَيَا لِذَاتَيْهِمَا أَيْ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَاتَيْهِمَا فَضِدَّانِ ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الذَّاتِيَّاتِ وَاللَّازِمِ فَمِثْلَانِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَنَافَيَا بِأَنْفُسِهِمَا بِأَنْ لَمْ يَتَنَافَيَا أَوْ تَنَافَيَا لَا بِأَنْفُسِهِمَا فَخِلَافَانِ .
( وَالْأَوَّلَانِ ) أَيْ كَوْنُهُمَا ضِدَّيْنِ وَكَوْنُهُمَا مِثْلَيْنِ ( بَاطِلَانِ ) ، وَإِلَّا لَمْ يَجْتَمِعَا لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَالْمِثْلَيْنِ ( وَاجْتِمَاعُ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ مَعَ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ ) لِأَنَّ وُقُوعَهُ ضَرُورِيٌّ كَمَا فِي : تَحَرَّكْ وَلَا تَسْكُنْ ( وَكَذَا الثَّالِثُ ) أَيْ كَوْنُهُمَا خِلَافَيْنِ بَاطِلٌ أَيْضًا ( وَإِلَّا جَازَ كُلٌّ ) أَيْ اجْتِمَاعُ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ ( مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ كَالْحَلَاوَةِ وَالْبَيَاضِ ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ تَجْتَمِعَ الْحَلَاوَةُ مَعَ ضِدِّ الْبَيَاضِ ، وَهُوَ السَّوَادُ ( فَيَجْتَمِعُ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ
مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ ) أَيْ الشَّيْءِ ( وَهُوَ ) أَيْ ضِدُّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّ الشَّيْءِ ( الْأَمْرُ بِضِدِّهِ ) أَيْ الشَّيْءِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْأَمْرُ بِشَيْءٍ مَعَ ضِدِّ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ ( تَكْلِيفٌ بِالْمُحَالِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْأَمْرَ ( طَلَبَهُ ) أَيْ الْفِعْلَ ( فِي وَقْتٍ طُلِبَ فِيهِ عَدَمُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ فَقَدْ طُلِبَ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُحَالٌ .
( أُجِيبَ بِمَنْعِ كَوْنِ لَازِمِ كُلِّ خِلَافَيْنِ ذَلِكَ ) أَيْ اجْتِمَاعَ كُلٍّ مَعَ ضِدِّ الْآخَرِ ( لِجَوَازِ تَلَازُمِهِمَا ) أَيْ الْخِلَافَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّغَايُرِ جَوَازُ الِانْفِكَاكِ كَالْجَوْهَرِ مَعَ الْعَرَضِ وَالْعِلَّةِ مَعَ مَعْلُولِهَا الْمُسَاوِي ( فَلَا يُجَامِعُ ) أَحَدُهُمَا ( الضِّدَّ ) لِلْآخَرِ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ أَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ مَعَ شَيْءٍ يُوجِبُ اجْتِمَاعَ الْآخَرِ مَعَهُ فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ كُلٍّ مَعَ ضِدِّهِ ، وَهُوَ مُحَالٌ ( وَإِذَنْ فَالنَّهْيُ إنْ كَانَ طَلَبَ تَرْكِ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ اخْتَرْنَاهُمَا ) أَيْ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ وَالنَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ ( خِلَافَيْنِ وَلَا يَجِبُ اجْتِمَاعُهُ ) أَيْ النَّهْيِ ( مَعَ ضِدِّ طَلَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالصَّلَاةِ مَعَ إبَاحَةِ الْأَكْلِ ) فَإِنَّهُمَا خِلَافَانِ وَلَا يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا ( وَبَعْدَ تَحْرِيرِ النِّزَاعِ لَا يُتَّجَهُ التَّرْدِيدُ بَيْنَهُ ) أَيْ تَرْكِ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ ( وَبَيْنَ فِعْلِ ضِدِّ ضِدِّهِ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ ( الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ ضِدِّهِ ، وَهُوَ ) أَيْ فِعْلُ ضِدِّ ضِدِّهِ ( عَيْنُهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ .
وَإِذَنْ ( فَحَاصِلُهُ طَلَبُ الْفِعْلِ طَلَبُ عَيْنِهِ وَإِنَّهُ لَعِبٌ ثُمَّ إصْلَاحُهُ ) حَتَّى لَا يَكُونَ لَعِبًا ( بِأَنْ يُرَادَ أَنَّ طَلَبَ الْفِعْلِ لَهُ اسْمَانِ أَمْرٌ بِالْفِعْلِ وَنَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ ، وَهُوَ ) أَيْ النِّزَاعُ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ : هَذَا نِزَاعٌ ( لُغَوِيٌّ ) فِي تَسْمِيَةِ فِعْلِ
الْمَأْمُورِ بِهِ تَرْكًا لِضِدِّهِ وَفِي تَسْمِيَةِ طَلَبِهِ نَهْيًا وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ .
( وَلَهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ عَيْنُ النَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ وَبِالْعَكْسِ وَهُوَ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ ( أَيْضًا فِعْلُ السُّكُونِ عَيْنُ تَرْكِ الْحَرَكَةِ ، وَطَلَبُهُ ) أَيْ فِعْلِ السُّكُونِ ( اسْتِعْلَاءً - وَهُوَ ) أَيْ طَلَبُهُ اسْتِعْلَاءً ( الْأَمْرُ - طَلَبُ تَرْكِهَا ) أَيْ الْحَرَكَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ طَلَبُ تَرْكِهَا ( النَّهْيُ وَهَذَا ) الدَّلِيلُ ( كَالْأَوَّلِ يَعُمُّ النَّهْيَ ) لِأَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا بِالْقَلْبِ ( وَالْجَوَابُ بِرُجُوعِ النِّزَاعِ لَفْظِيًّا ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ ) أَيْ النِّزَاعُ ( فِي وَحْدَةِ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِالنَّفْسِ وَتَعَدُّدِهِ ) أَيْ الطَّلَبِ الْقَائِمِ بِهَا ( بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ - أَعْنِي الْحَاصِلَ بِالْمَصْدَرِ وَتَرْكِ أَضْدَادِهِ - وَاحِدٌ فِي الْوُجُودِ بِوُجُودٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَيْسَ كَذَلِكَ ( بَلْ الْجَوَابُ مَا تَضَمَّنَهُ دَلِيلُ النَّافِينَ مِنْ الْقَطْعِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الضِّدِّ وَأَيْضًا فَإِنَّمَا يَتِمُّ ) هَذَا الدَّلِيلُ ( فِيمَا أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( تَرْكُ الْآخَرِ كَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ لَا الْأَضْدَادِ الْوُجُودِيَّةِ فَلَيْسَ ) مَا أَحَدُهُمَا تَرْكُ الْآخَرِ ( مَحَلَّ النِّزَاعِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا تَمَامَهُ ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( عِنْدَنَا ) لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ( وَلِلْمُعَمِّمِ ) أَيْ الْقَائِلِ ( فِي النَّهْيِ ) : إنَّهُ أَمْرٌ بِالضِّدِّ ( دَلِيلَا الْقَاضِي ) وَهُمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَفْسَهُ لَكَانَ مِثْلَهُ أَوْ ضِدَّهُ أَوْ خِلَافَهُ ، وَهِيَ بَاطِلَةٌ ، وَتَرْكُ السُّكُونِ الْحَرَكَةُ ، فَطَلَبُهُ طَلَبُهَا ( وَالْجَوَابُ ) عَنْهُمَا ( مَا تَقَدَّمَ ) آنِفًا وَهُوَ مَنْعُ كَوْنِ لَازِمِ الْخِلَافَيْنِ ذَلِكَ لِجَوَازِ تَلَازُمِهِمَا وَالْقَطْعِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الضِّدِّ ( وَأَيْضًا يَلْزَمُ فِي نَهْيِ الشَّارِعِ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمَعَاصِي الْمُضَادَّةِ ) كَاللِّوَاطِ وَالزِّنَا ( مَأْمُورًا بِهِ
مُخَيَّرًا ) مُثَابًا عَلَيْهِ إذَا تَرَكَ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ عَلَى قَصْدِ الِامْتِثَالِ وَالْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبِ ( وَلَوْ الْتَزَمُوهُ ) أَيْ هَذَا ( لُغَةً غَيْرَ أَنَّهَا ) أَيْ الْمَعَاصِيَ ( مَمْنُوعَةٌ بِشَرْعِيٍّ كَالْمُخْرَجِ مِنْ الْعَامِّ ) مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَامَّ ( يَتَنَاوَلُهُ ) أَيْ الْمُخْرَجَ ( وَيَمْتَنِعُ فِيهِ ) أَيْ الْمُخْرَجِ ( حُكْمُهُ ) أَيْ الْعَامِّ بِمُوجِبٍ لِذَلِكَ ( أَمْكَنَهُمْ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ فَالْمَطْلُوبُ ضِدٌّ لَمْ يَمْنَعْهُ الدَّلِيلُ وَأَمَّا إلْزَامُ نَفْيِ الْمُبَاحِ ) عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ؛ إذْ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَهُوَ تَرْكُ حَرَامٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْكَعْبِيِّ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا يَأْتِي ( فَغَيْرُ لَازِمٍ ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الشَّيْءِ فِعْلُ ضِدِّهِ ( الْمُضَمِّنِ ) أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّهِ قَالَ ( أَمْرُ الْإِيجَابِ طَلَبُ فِعْلٍ يُذَمُّ تَرْكُهُ فَاسْتَلْزَمَ النَّهْيَ عَنْهُ ) أَيْ تَرْكِ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَعَمَّا يَحْصُلُ بِهِ ) تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ ( الضِّدُّ ) لِلْأَمْرِ ، وَهُوَ النَّهْيُ ( وَنُقِضَ ) هَذَا بِأَنَّهُ ( لَوْ تَمَّ لَزِمَ تَصَوُّرُ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ لِكُلِّ أَمْرٍ ) لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْ الْفِعْلِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ حِينَئِذٍ ، وَالنَّهْيَ طَلَبُ فِعْلٍ هُوَ كَفٌّ فَيَكُونُ الْأَمْرُ مُتَضَمِّنًا لِطَلَبِ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ ، وَالْحُكْمُ بِالشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ فَيَلْزَمُ تَصَوُّرُ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِطَلَبِ الْفِعْلِ مَعَ عَدَمِ خُطُورِ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ فَلَا يَكُونُ الْكَفُّ الَّذِي ذُمَّ عَلَيْهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرُ بِالشَّيْءِ النَّهْيَ عَنْ الْكَفِّ وَلَا عَنْ الضِّدِّ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) عَدَمُ النَّقْصِ بِهَذَا لِعَدَمِ لُزُومِ تَصَوُّرِ الْكَفِّ عَنْ الْكَفِّ فِي كُلِّ أَمْرٍ لِلدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْكَفَّ مُشَاهَدٌ فَيُسْتَغْنَى بِمُشَاهَدَتِهِ عَنْ تَصَوُّرِهِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مَقْصُودٌ بِالْعَرَضِ فَهُوَ
مُعْتَرِضٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( مَنْعُ كَوْنِ الذَّمِّ بِالتَّرْكِ جُزْءًا لِوُجُوبٍ ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَإِنْ وَقَعَ ) الذَّمُّ بِالتَّرْكِ ( جُزْءَ التَّعْرِيفِ ) الرَّسْمِيِّ لَهُ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ الْوُجُوبُ ( الطَّلَبُ الْجَازِمُ ثُمَّ يَلْزَمُ تَرْكُهُ ) أَيْ مُقْتَضَاهُ ( ذَلِكَ ) أَيْ الذَّمَّ ( إذَا صَدَرَ ) الْأَمْرُ ( مِمَّنْ لَهُ حَقُّ الْإِلْزَامِ ) فَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مُتَضَمِّنًا لِلنَّهْيِ لِأَنَّ الْمَبْحَثَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ بِحَسَبِ مَفْهُومِهِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ مَفْهُومِهِ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) كَوْنُ الذَّمِّ بِالتَّرْكِ جُزْءَ الْوُجُوبِ ( فَجَازَ كَوْنُ الذَّمِّ عِنْدَ التَّرْكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ) مَا أُمِرَ بِهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ الذَّمُّ عَلَى الْعَدَمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ عَدَمٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلُ الْمُكَلَّفِ وَلَيْسَ الْعَدَمُ فِعْلَهُ بَلْ التَّرْكُ الْمُبْقِي لِلْعَدَمِ عَلَى الْأَصْلِ وَمَا قِيلَ لَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ مُتَضَمِّنٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ ( فَلَا مُبَاحَ ) لِأَنَّ الشَّيْءَ حِينَئِذٍ مَطْلُوبٌ فِعْلُهُ وَتَرْكُ ضِدِّهِ ، وَالْمُبَاحُ لَيْسَ أَحَدَهُمَا ( غَيْرُ لَازِمٍ ) لِجَوَازِ عَدَمِ طَلَبِ فِعْلِ شَيْءٍ ، وَعَدَمِ طَلَبِ تَرْكِ ضِدِّهِ ، وَفِعْلُ أَوْ تَرْكُ مَا هُوَ كَذَلِكَ هُوَ الْمُبَاحُ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا نَفْيَ الْمُبَاحِ ( امْتَنَعَ التَّصْرِيحُ بِلَا تَعَقُّلِ الضِّدِّ الْمُفَوِّتِ ) لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ .
( وَالْحَلُّ أَنَّ لَيْسَ كُلُّ ضِدٍّ مُفَوِّتًا ، وَلَا كُلُّ مُقَدَّرٍ ضِدًّا كَذَلِكَ ) أَيْ مُفَوِّتًا ( كَخَطْوِهِ فِي الصَّلَاةِ وَابْتِلَاعِ رِيقِهِ وَفَتْحِ عَيْنِهِ وَكَثِيرٍ ، وَأَيْضًا لَا يَسْتَلْزِمُ ) هَذَا الدَّلِيلُ ( مَحَلَّ النِّزَاعِ وَهُوَ : الضِّدُّ ) لِلْأَمْرِ ( غَيْرُ التَّرْكِ ) لِلْمَأْمُورِ بِهِ ( لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ اللَّازِمِ ) لِلْأَمْرِ ( أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ التَّرْكِ وَالضِّدِّ ) أَيْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالضِّدِّ الْجُزْئِيِّ لِقَطْعِنَا بِأَنَّ
لُزُومَهُ لِنَفْيِ التَّفْوِيتِ ، وَهُوَ كَمَا يَثْبُتُ بِفِعْلِ الضِّدِّ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ التَّرْكِ ( فَنَخْتَارُ الْأَوَّلَ ) أَيْ أَنَّ اللَّازِمَ النَّهْيُ عَنْ التَّرْكِ فَلَا يَثْبُتُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ ضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ ( وَزَادَ الْمُعَمِّمُونَ فِي النَّهْيِ ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ ( أَنَّهُ ) أَيْ النَّهْيَ ( طَلَبُ تَرْكِ فِعْلٍ وَتَرْكِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( بِفِعْلِ أَحَدِ أَضْدَادِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( فَوَجَبَ ) أَحَدُ أَضْدَادِهِ وَهُوَ الْأَمْرُ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ ( وَدُفِعَ ) هَذَا ( بِلُزُومِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى آخِرِهِ ) أَيْ الْمُضَادَّةِ مَأْمُورًا بِهِ مُخَيَّرًا ( وَبِأَنَّ لَا مُبَاحَ وَبِمَنْعِ وُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُحَرَّمُ إلَّا بِهِ وَفِيهِمَا ) أَيْ لُزُومِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمَعَاصِي إلَى آخِرِهِ وَبِأَنَّ لَا مُبَاحَ ( مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ الْتَزَمُوا الْأَوَّلَ لُغَةً أَمْكَنَهُمْ وَأَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ لَازِمٍ ( وَأَمَّا الْمَنْعُ ) لِوُجُوبِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُحَرَّمُ إلَّا بِهِ ( فَلَوْ لَمْ يَجِبْ ) مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَوْ الْمُحَرَّمُ إلَّا بِهِ ( جَازَ تَرْكُهُ وَيَسْتَلْزِمُ ) جَوَازُ تَرْكِهِ ( جَوَازَ تَرْكِ الْمَشْرُوطِ أَوْ جَوَازَ فِعْلِهِ ) أَيْ الْمَشْرُوطِ ( بِلَا شَرْطِهِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ ) فِي مَسْأَلَةِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ الْأَمْرِ ( بَلْ يَمْنَعُ أَنَّهُ ) أَيْ النَّهْيَ ( لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ ) أَيْ طَلَبِ فِعْلِ الضِّدِّ الْمُعَيَّنِ ( بَلْ يَحْصُلُ ) النَّهْيُ ( بِالْكَفِّ الْمُجَرَّدِ ) عَنْ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ تَرْكُهُ ( وَالْمُخَصَّصِ فِي الْعَيْنِيَّةِ وَاللُّزُومِ ) أَيْ الْمُقْتَصِرِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ وَلَيْسَ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ ( فَإِمَّا لِأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيٍ )
أَيْ فَإِمَّا لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْيِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمٌ مَحْضٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي هَاشِمٍ لَا طَلَبُ الْكَفِّ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ ضِدُّهُ فَلَا يَكُونُ أَمْرًا بِالضِّدِّ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ إذْ لَا فِعْلَ ثَمَّةَ حِينَئِذٍ وَلَا ضِدَّ لِلْعَدَمِ الْمَحْضِ ( مَعَ مَنْعِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عِلَاوَةً عَلَى هَذَا ( وَإِمَّا لِظَنِّ وُرُودِ الْإِلْزَامِ الْفَظِيعِ ) وَهُوَ كَوْنُ الزِّنَا وَاجِبًا لِكَوْنِهِ تَرْكًا لِلِّوَاطِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ ( أَوْ الظَّنِّ أَنَّ أَمْرَ الْإِيجَابِ اسْتَلْزَمَ النَّهْيَ بِاسْتِلْزَامِ ذَمِّ التَّرْكِ ) أَيْ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ ( وَالنَّهْيُ لَا ) يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ هُوَ كَفٌّ وَذَاكَ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ ( مَعَ مَنْعِ أَنَّ مَا لَا يَتِمُّ إلَى آخِرِهِ ) عِلَاوَةً عَلَى هَذَا ( وَإِمَّا لِظَنِّ وُرُودِ إبْطَالِ الْمُبَاحِ كَالْكَعْبِيِّ ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرًا بِضِدِّهِ دُونَ الْعَكْسِ لِأَنَّ الْمُبَاحَ تَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَأْمُورًا بِهِ كَانَ الْمُبَاحُ مَأْمُورًا بِهِ فَلَا يَكُونُ الْمُبَاحُ مُبَاحًا ( وَمُخَصِّصِ أَمْرِ الْإِيجَابِ ) بِكَوْنِهِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ أَوْ مُسْتَلْزِمًا لَهُ دُونَ النَّدْبِ ( لِظَنِّ وُرُودِ الْأَخِيرَيْنِ ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ أَمْرِ النَّدْبِ بِالشَّيْءِ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ دُونَ أَمْرِ الْوُجُوبِ وَهُمَا أَنَّ اسْتِلْزَامَ الذَّمِّ لِلتَّرْكِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلنَّهْيِ إنَّمَا هُوَ فِي أَمْرِ الْوُجُوبِ وَأَنَّ لُزُومَ إبْطَالِ الْمُبَاحِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْأَمْرِ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ وَهُوَ ظَنٌّ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ أَمْرَ النَّدْبِ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَمَّ التَّرْكِ ، وَأَوَامِرُ النَّدْبِ تَسْتَغْرِقُ الْأَوْقَاتِ فَلَوْ اسْتَلْزَمَتْ كَرَاهَةَ أَضْدَادِ الْمَنْدُوبَاتِ بَطَلَ بِالْكُلِّيَّةِ الْمُبَاحَاتُ الْمُضَادَّةُ لَهَا بِخِلَافِ أَوَامِرِ الْإِيجَابِ فَإِنَّهَا
إنَّمَا تَمْنَعُ الْمُبَاحَاتِ الْمُضَادَّةَ لِلْوَاجِبَاتِ فِي وَقْتِ لُزُومِ الْأَدَاءِ خَاصَّةً ، وَتَبْقَى فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مُبَاحَةً فَلَا يَنْتَفِي الْمُبَاحُ بِالْكُلِّيَّةِ ( وَعَلِمْت مَرْجِعَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى الْعَامَّةِ ) فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا فِيهِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَثَّلَ بِهِ لِكَرَاهَةِ الضِّدِّ مِنْ أَمْرِ قِيَامِ الصَّلَاةِ لَا يَفُوتُ بِالْقُعُودِ فِيهَا ) لِجَوَازِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الزَّمَانِ ( وَيُكْرَهُ اتِّفَاقِيٌّ لَا مِنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ بَلْ مَبْنَى الْكَرَاهَةِ خَارِجٌ هُوَ التَّأْخِيرُ ) لِلْقِيَامِ عَنْ وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيتٍ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْقُعُودُ فِيهَا مُفَوِّتًا لِأَمْرِ الْقِيَامِ ( فَسَدَتْ ) وَكَانَ ذَلِكَ الْقُعُودُ حَرَامًا ( وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِالصِّحَّةِ فِيمَنْ سَجَدَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ فِي الصَّلَاةِ وَأَعَادَ عَلَى طَاهِرٍ ) لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْأَمْرِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ سُجُودَهُ عَلَى نَجِسٍ ( تَأْخِيرُ السَّجْدَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عَنْ وَقْتِهَا لَا تَفْوِيتٌ ) لَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا ( مَكْرُوهٌ وَفَسَدَتْ ) الصَّلَاةُ ( عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( لِلتَّفْوِيتِ ) لِأَمْرِ الطَّهَارَةِ ( بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ فِي الصَّلَاةِ ) وَصْفٌ ( مَفْرُوضُ الدَّوَامِ ) فِي جَمِيعِهَا فَاسْتِعْمَالُ النَّجِسِ فِي جُزْءٍ مِنْهَا فِي وَقْتٍ مَا يَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَقْصُودِ بِالْأَمْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ النَّجَاسَةِ كَمَا يَكُونُ بِحَمْلِهَا تَحْقِيقًا يَكُونُ بِحَمْلِهَا تَقْدِيرًا كَمَا هُنَا لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ وَضْعِ الْوَجْهِ يَصِيرُ وَضْعًا لِلْوَجْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ اتِّصَالَهُ بِالْأَرْضِ وَلُصُوقَهُ بِهَا يُصَيِّرُ مَا هُوَ وَصْفٌ لِلْأَرْضِ وَصْفًا لَهُ ، وَحِكَايَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ هَكَذَا مَذْكُورَةٌ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَابَعِيهِمَا وَالْمَنْظُومَةِ وَالْمَجْمَعِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ
سُجُودِهِ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تُجْزِئُ إلَّا أَنْ يُعِيدَ السُّجُودَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ .
وَجْهُ الْأُولَى أَنَّ السُّجُودَ فِي الصَّلَاةِ كَالْقِيَامِ فَكَمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ فَكَذَا السُّجُودُ .
وَجْهُ الْأُخْرَى أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى طَرَفِ أَنْفِهِ ، وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ، وَاسْتِعْمَالُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ فَأَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَ عَلَى طَاهِرٍ جَازَ لِأَنَّ السُّجُودَ عَلَى النَّجَاسَةِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ ، وَلَا يُجْعَلُ كَمَنْ اسْتَعْمَلَهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَضْعَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَهْوَنُ مِنْ حَمْلِهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ إلَّا مَا إذَا افْتَتَحَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ ثُمَّ نَقَلَ قَدَمَهُ إلَى مَكَان نَجِسٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى مَكَان طَاهِرٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ حَتَّى يَصِيرَ فِي حُكْمِ الْفِعْلِ الَّذِي إذَا زِيدَ فِي الصَّلَاةِ أَفْسَدَهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا قَوْلُهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( النَّهْيُ يُوجِبُ فِي أَحَدِ الْأَضْدَادِ السُّنِّيَّةَ كَنَهْيِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْمَخِيطِ ، سُنَّ لَهُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ فَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ عَنْ وَجْهِ الِاسْتِلْزَامِ ) قُلْت وَفِي هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ لَفْظَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ فَهَلْ لَهُ حُكْمٌ فِي ضِدِّهِ فَسَاقَ مَا سَاقَ إلَى أَنْ قَالَ : وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ ضِدُّهُ فِي مَعْنَى سُنَّةٍ وَاجِبَةٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَقْتَضِيَ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
أَيْ كَوْنُ الضِّدِّ فِي مَعْنَى سُنَّةٍ مُؤَكَّدَةٍ إذَا كَانَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ ، وَوُجِّهَ بِأَنَّ النَّهْيَ الثَّابِتَ فِي ضِمْنِ الْأَمْرِ لَمَّا اقْتَضَى الْكَرَاهَةَ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْحُرْمَةِ بِدَرَجَةٍ وَجَبَ أَنْ يَقْتَضِيَ الْأَمْرُ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ النَّهْيِ سُنِّيَّةَ الضِّدِّ الَّتِي هِيَ أَدْنَى مِنْ الْوَاجِبِ بِدَرَجَةٍ اعْتِبَارًا لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا التَّلَازُمَ غَيْرُ لَازِمٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يُرِدْ بِالسُّنَّةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنَّقْلِ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَرْغِيبًا يَكُونُ قَرِيبًا إلَى الْوُجُوبِ ، وَقَالَ يَحْتَمِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ هَذَا الْقَوْلُ نَصًّا عَنْ السَّلَفِ وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ اقْتَضَى ذَلِكَ حَتَّى قَالَ أَبُو زَيْدٍ فِي التَّقْوِيمِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَقْوَالِ النَّاسِ فِي حُكْمِ النَّهْيِ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ كَمَا وَقَفْت عَلَى حُكْمِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ ضِدُّ الْأَمْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ عَلَى حَسَبِ أَقْوَالِهِمْ فِي الْأَمْرِ ، وَالنَّهْيُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ فَقَالَ لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا الْبَرَانِسَ
وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ } نَعَمْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ الْمُتَّحِدِ ، وَإِلَّا فَبِوَاحِدٍ غَيْرِ عَيْنٍ مِنْ أَضْدَادِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ بِمَعْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ذَلِكَ ذُو ضِدٍّ مُتَّحِدٍ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ لُبْسِ الْمَخِيطِ وَلُبْسِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لُبْسُ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَاجِبًا لَا سُنَّةً عَلَى أَنَّ كَوْنَ لُبْسِ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ ضِدًّا لِلُبْسِ الْمَخِيطِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ إذَا لُوحِظَ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يُفِيدُ حُكْمَ لُبْسِهِمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي ضِدٍّ لَمْ يُقْصَدْ بِأَمْرٍ وَهَذَا قَدْ قُصِدَ بِهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ } إلَّا أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا تَرَجَّلَ وَادَّهَنَ وَلَبِسَ إزَارَهُ وَرِدَاءَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْأُزُرِ وَالْأَرْدِيَةِ تُلْبَسُ إلَّا الْمُزَعْفَرَةَ الَّتِي تَرْدَعُ عَلَى الْجِلْدِ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى اسْتَوَى عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ هُوَ وَأَصْحَابُهُ } ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا النَّهْيُ فَالنَّفْسِيُّ طَلَبُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ ) فَخَرَجَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ طَلَبُ فِعْلٍ غَيْرِ كَفٍّ ( عَلَى جِهَةِ الِاسْتِعْلَاءِ ) فَخَرَجَ الِالْتِمَاسُ وَالدُّعَاءُ ( وَإِيرَادُ : كُفَّ نَفْسَكَ ) عَنْ كَذَا عَلَى طَرْدِهِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ أَمْرُ جَوَابِهِ ( إنْ كَانَ ) الْمُرَادُ بِهِ ( لَفْظَهُ فَالْكَلَامُ فِي النَّفْسِيِّ ) فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ( أَوْ ) كَانَ الْمُرَادُ ( مَعْنَاهُ الْتَزَمْنَاهُ نَهْيًا ) نَفْسِيًّا فَلَا يَقْدَحُ دُخُولُهُ فِي طَرْدِهِ بَلْ هُوَ مُحَقِّقٌ لَهُ ( وَكَذَا مَعْنَى اُطْلُبْ الْكَفَّ ) نَهْيٌ نَفْسِيٌّ ( لِوَحْدَةِ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ ) أَيْ كُفَّ نَفْسَك ، أَوْ اُطْلُبْ الْكَفَّ ، وَكَذَا اُتْرُكْ كَذَا وَأَنَا طَالِبٌ كَفَّك إذَا أُرِيدَ بِهِمَا الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دَالَّةٌ عَلَى قِيَامِ طَلَبِ الْكَفِّ بِالْقَائِلِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الْكَفُّ هُوَ ( النَّهْيُ النَّفْسِيُّ وَاللَّفْظِيُّ وَهُوَ غَرَضُ الْأُصُولِيِّ ) لِأَنَّ بَحْثَهُ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْأَدِلَّةِ اللَّفْظِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ مِنْ حَيْثُ يُوصِلُ الْعِلْمَ بِأَحْوَالِهَا إلَى قُدْرَةِ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمُكَلَّفِينَ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَمْرِ ( مَبْنَى تَعْرِيفِهِ أَنَّ لِذَلِكَ الطَّلَبِ صِيغَةً تَخُصُّهُ ) بِمَعْنَى أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ حَقِيقَةً ( وَفِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي أَنَّ لَهُ صِيغَةً تَخُصُّهُ مِنْ الْخِلَافِ ( مَا فِي الْأَمْرِ ) وَالصَّحِيحُ فِي كِلَيْهِمَا نَعَمْ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ تَعْرِيفِ النَّهْيِ اللَّفْظِيِّ ( ذِكْرُ مَا يُعَيِّنُهَا ) أَيْ مَا يُمَيِّزُ تِلْكَ الصِّيغَةَ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ الصِّيَغِ ( فَسُمِّيَتْ ) الْمَذْكُورَاتُ لِذَلِكَ ( حُدُودًا وَالْأَصَحُّ ) فِي تَعْرِيفِهِ ( لَا تَفْعَلْ أَوْ اسْمُهُ كَمَهْ حَتْمًا اسْتِعْلَاءً ) وَظَاهِرٌ أَنْ لَا تَفْعَلْ نَهْيٌ لَفْظِيٌّ ، وَأَمَّا زِيَادَةُ أَوْ اسْمُ لَا تَفْعَلْ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى كَمَهْ فَلِأَنَّهُ اسْمُ لَا تَكْفُفْ ، وَهُوَ وَ " لَا تَفْعَلْ " وَاحِدٌ فِي الْمَعْنَى وَأَمَّا حَتْمًا