كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد
فَلِأَنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا عَلَى هَذَا السَّبِيلِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فِي حَالِ الِاسْتِعْلَاءِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الْأَمْرِ
( وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الصِّيغَةُ خَاصٌّ ( لِلتَّحْرِيمِ ) دُونَ الْكَرَاهَةِ ( أَوْ الْكَرَاهَةِ ) دُونَ التَّحْرِيمِ أَوْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ أَوْ مَعْنَوِيٌّ لِوَضْعِهَا لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَلَبُ الْكَفِّ اسْتِعْلَاءً أَوْ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا بِمَعْنَى لَا نَدْرِي لِأَيِّهِمَا وُضِعَتْ ( كَالْأَمْرِ ) أَيْ كَصِيغَتِهِ هَلْ هِيَ خَاصٌّ لِلْوُجُوبِ فَقَطْ أَوْ لِلنَّدْبِ فَقَطْ أَوْ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا أَوْ مَعْنَوِيٌّ أَوْ مُتَوَقَّفٌ فِيهَا لَا نَدْرِي لِأَيِّهِمَا وُضِعَتْ ثُمَّ يُرِيدُ الْأَمْرَ بِبَاقِي الْمَذَاهِبِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَّةَ ( وَالْمُخْتَارُ ) أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ حَقِيقَةٌ ( لِلتَّحْرِيمِ لِفَهْمِ الْمَنْعِ الْحَتْمِ مِنْ الْمُجَرَّدَةِ ) وَهُوَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ ( وَمَجَازٌ فِي غَيْرِهِ ) أَيْ التَّحْرِيمِ لِعَدَمِ تَبَادُرِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ فِي التَّحْرِيمِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ فَانْتَفَى الِاشْتِرَاكُ الْمَعْنَوِيُّ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْهُ فَتَعَيَّنَ ثَمَّ هَذَا الْحَدُّ النَّفْسِيُّ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ نَحْوَهُ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ النَّفْسِيَّةِ ( فَمُحَافَظَةُ عَكْسِ النَّفْسِيِّ بِزِيَادَةِ حَتْمٍ ، وَإِلَّا دَخَلَتْ الْكَرَاهَةُ النَّفْسِيَّةُ فَالنَّهْيُ ) النَّفْسِيُّ ( نَفْسُ التَّحْرِيمِ ، وَإِذَا قِيلَ مُقْتَضَاهُ ) أَيْ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ ( يُرَادُ اللَّفْظِيُّ ) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ نَفْسُ النَّفْسِيِّ لَا مُقْتَضَاهُ ( وَتَقْيِيدُ الْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمَ بِقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَكَرَاهَتَهُ ) أَيْ التَّحْرِيمِ ( بِظَنِّيِّهِ ) أَيْ الثُّبُوتِ ( لَيْسَ خِلَافًا ) فِي أَنَّ النَّهْيَ النَّفْسِيَّ نَفْسُ التَّحْرِيمِ ( وَلَا تَعَدُّدَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ) فَإِنَّ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ طَلَبُ التَّرْكِ حَتْمًا لَيْسَ غَيْرُ ، وَهَذَا الطَّلَبُ قَدْ يَصِلُ مَا يَدُلُّ بِهِ عَلَيْهِ بِقَاطِعٍ إلَيْنَا فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِ الطَّلَبِ قَطْعًا وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَقَدْ يَصِلُ بِظَنِّيٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ الطَّلَبُ
مَظْنُونًا فَنُسَمِّيهِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
( وَكَوْنُ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ ) لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْهُ ( قَرِينَةَ الْإِبَاحَةِ ) أَيْ كَوْنُ النَّهْيِ لِلْإِبَاحَةِ ( ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ ) أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ( نَفْيَهُ ) أَيْ نَفْيَ كَوْنِ تَقَدُّمِهِ قَرِينَةً لِكَوْنِ النَّهْيِ لِلْإِبَاحَةِ ( إجْمَاعًا ، وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ ) أَيْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ صِيغَةَ النَّهْيِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الْوُجُوبِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخَطَرِ ، وَالْوُجُوبُ السَّابِقُ لَا يَنْتَهِضُ قَرِينَةً فِي حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى رَفْعِ الْوُجُوبِ ، وَادَّعَى الْوِفَاقَ فِي ذَلِكَ وَلَسْت أَرَى ذَلِكَ مُسَلَّمَا أَمَّا أَنَا فَسَاحِبٌ ذَيْلَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْته فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ وَمَا أَرَى الْمُخَالِفِينَ يُسَلِّمُونَ ذَلِكَ ، ا هـ .
( لَا يُتَّجَهُ إلَّا بِالطَّعْنِ فِي نَقْلِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( وَنَقْلِ الْخِلَافِ ) فِيهِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا تَخْمِينًا فَلَا يَقْدَحُ ( إذْ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ ( يَلْزَمُ اسْتِقْرَاؤُهُمْ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَيْسَ قَرِينَةَ كَوْنِهِ لِلْإِبَاحَةِ .
( وَمُوجَبُهَا ) أَيْ صِيغَةِ النَّهْيِ وَلَوْ اسْمَهَا ( الْفَوْرُ وَالتَّكْرَارُ أَيْ الِاسْتِمْرَارُ خِلَافًا لِشُذُوذٍ ) ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ مُطْلَقُ الْكَفِّ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الدَّوَامِ وَالْمَرَّةِ ، وَنَصَّ فِي الْمَحْصُولِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ، وَفِي الْحَاصِلِ أَنَّهُ الْحَقُّ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَالْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ خِلَافُ الْأَصْلِ فَيَكُونُ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ وَأُجِيبُوا بِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِالنَّهْيِ عَلَى التَّرْكِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ لِلدَّوَامِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ وَمِنْ هُنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَكَى ابْنُ بَرْهَانٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالتَّكْرَارِ دَوَامَ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَانَ مُغْنِيًا عَنْ الْفَوْرِ لِاسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ .
( وَمَا خَالَفَ ) مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ بُطْلَانِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا نَهْيُ التَّحْرِيمِ ( فَلِدَلِيلٍ كَالصَّلَاةِ ) النَّافِلَةِ ( فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ عَلَى ظَنِّهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا مَعَ النَّهْيِ الْمُحَرِّمِ أَوْ الْمُوجِبِ لِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالسُّنَنِ الْأَرْبَعِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ { ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ } .
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ " عَلَى ظَنِّهِمْ " إلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَنِّهِمْ ثُمَّ لَمَّا كَانَ حَاصِلُ وَجْهِ ظَنِّهِمْ أَنَّ النَّهْيَ تَعَلَّقَ بِمُسَمَّى الصَّلَاةِ ، وَمُسَمَّاهَا مَجْمُوعُ الْأَرْكَانِ وَبِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ لَا تَتَحَقَّقُ الْأَرْكَانُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَصَحَّ الشُّرُوعُ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ النَّهْيِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْسَاكِ بِنِيَّةٍ يَكُونُ مُرْتَكِبًا لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِيهِ لِيَلْزَمَ الْقَضَاءُ بِالْإِفْسَادِ ، أَشَارَ إلَيْهِ مَعَ دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ ( وَكَوْنُ مُسَمَّاهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْأَرْكَانِ لَا يَقْتَضِي ) إفْسَادُهَا ( وُجُوبَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ ) أَيْ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِالْإِفْسَادِ ( بِوُجُوبِ الْإِتْمَامِ قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَالثَّابِتُ نَقِيضُهُ ) أَيْ نَقِيضُ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَهُوَ حُرْمَةُ الْإِتْمَامِ ( وَيَلْزَمُ ) أَيْضًا ( أَنْ تَفْسُدَ ) الصَّلَاةُ ( بَعْدَ رَكْعَةٍ ) لِارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ حِينَئِذٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الْفَسَادُ بَعْدَ رَكْعَةٍ ( مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الشُّرُوعُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا بِجَعْلِهَا ) أَيْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ
الْمَكْرُوهَةِ ( تَنْزِيهِيَّةً وَهُوَ ) أَيْ وَجَعْلُهَا تَنْزِيهِيَّةً ( مُنْتَفٍ إلَّا عِنْدَ شُذُوذٍ .
أَمَّا الْبَيْعُ فَحُكْمُهُ الْمِلْكُ وَيَثْبُتُ ) الْمِلْكُ ( مَعَ الْحُرْمَةِ فَيَثْبُتُ ) الْبَيْعُ مَعَ النَّهْيِ ( مُسْتَعْقِبًا لَهُ ) أَيْ لِلْمِلْكِ حَالَ كَوْنِهِ ( مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ إلَّا بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ وَهُوَ ) أَيْ وَثُبُوتُ الْمِلْكِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ ( فَسَادُ الْمُعَامَلَةِ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ، وَقَيَّدَ بِهَا لِيُخْرِجَ الْعِبَادَةَ ، فَإِنَّ فَسَادَهَا عِنْدَهُمْ وَبُطْلَانَهَا سَوَاءٌ ، إنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ هُوَ التَّحْرِيمُ ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ مِنْ الْمِلْكِ فَلَمْ يَكُنْ النَّهْيُ مَانِعًا مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ ، وَهُوَ نَفْسُ الصِّحَّةِ وَمَعَ كَوْنِهِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ هُوَ الْفَسَادُ ( بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَضَامِينِ ) جَمْعُ مَضْمُونٍ مِنْ ضَمِنَ الشَّيْءَ بِمَعْنَى تَضَمَّنَهُ مَا تَضَمَّنَهُ صُلْبُ الْفَحْلِ مِنْ الْوَلَدِ ، فَيَقُولُ : بِعْت الْوَلَدَ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْفَحْلِ فَإِنَّهُ ( بَاطِلٌ ) لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى ثُبُوتِ الْبُطْلَانِ فِيهِ مَعَ النَّهْيِ عَنْهُ .
فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْمَضَامِينِ } ، وَالدَّلِيلُ كَوْنُ النَّهْيِ عَنْهُ ( لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ) أَيْ مَحَلِّيَّتِهِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَاءَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ لَيْسَ بِمَالٍ ، وَالْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الْمَحَلِّ فَكَانَ بَاطِلًا بِالضَّرُورَةِ ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ حَقَّ الْعِبَادَةِ أَنْ يُقَالَ رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ ، وَهُوَ فَسَادُ الْمُعَامَلَةِ عِنْدَهُمْ إلَّا بِدَلِيلِ الْبُطْلَانِ كَبَيْعِ الْمَضَامِينِ إلَى آخِرِهِ ، فَلْيُتَأَمَّلْ .
( أَمَّا الْأَوَّلُ ) أَيْ كَوْنُ حُكْمِ الْبَيْعِ الْمِلْكَ ( فَلِعَدَمِ النَّافِي ) لَهُ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ ( وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي ، وَهُوَ الْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ ) لِأَنَّ الشَّرْعَ وَضَعَ
الْبَيْعَ - وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ - لِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ سِوَى نَهْيِهِ عَنْهُ إذَا كَانَ بِصِفَةِ كَذَا ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجِبُ تَخَلُّفَ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْوَضْعِ ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْقَائِلَ : لَا تَفْعَلْهُ ) أَيْ : لَا تَفْعَلْ مَا جَعَلْته سَبَبًا لِكَذَا ( عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَإِنْ فَعَلْت ) ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ( ثَبَتَ حُكْمُهُ وَعَاقَبْتُك لَمْ يُنَاقِضْ ) قَوْلُهُ الثَّانِي قَوْلَهُ الْأَوَّلَ فَكَانَ إثْبَاتُ الْبُطْلَانِ وَنَفْيُ حُكْمِ التَّصَرُّفِ مِنْ مُجَرَّدِ النَّهْيِ لِوَصْفٍ لَازِمٍ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ مُوجِبٍ .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ النَّهْيُ عَنْ الْبَيْعِ ( ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ ) أَيْ الْمِلْكِ فِيهِ ( شَرْعًا مَمْنُوعٌ ) فَإِنَّ أَثَرَ النَّهْيِ لَيْسَ إلَّا فِي التَّحْرِيمِ ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يُضَادُّ حُكْمَهُ ( فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ شَرْعًا فِي بَيْعِ الرِّبَا وَالشَّرْطِ ) الْمُفْسِدِ حَالَ كَوْنِهِ ( مَطْلُوبَ الْفَسْخِ ) رَفْعًا لِلْمَعْصِيَةِ ( وَيَلْزَمُهُ الصِّحَّةُ بِإِسْقَاطِ الزِّيَادَةِ فِي الشَّرْطِ لِأَنَّهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالشَّرْطِ هُوَ ( الْمُفْسِدُ ) وَقَدْ زَالَ إلَّا أَنَّ بُعْدَ كَوْنِ هَذَا قَوْلَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ فِي بَعْضِ الْمُفْسِدَاتِ بِشَرْطٍ فِيهِ ، وَمَحَلُّ هَذِهِ الْجُمْلَةِ كُتُبُ الْفُرُوعِ ( وَأَمَّا الثَّانِي ) أَيْ لُزُومُ التَّفَاسُخِ ( فَلِرَفْعِ الْمَعْصِيَةِ وَيُصَرِّحُ بِثُبُوتِ الِاعْتِبَارَيْنِ ) أَيْ اسْتِعْقَابِ الْحُكْمِ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ مِنْ غَيْرِ الْعِبَادَاتِ ( ) ( طَلَاقُ الْحَائِضِ ) الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْحَيْضِ ( ثَبَتَ حُكْمُهُ ، وَأُمِرَ بِالرَّجْعَةِ رَفْعًا ) لِلْمَعْصِيَةِ ( بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لِيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ فَتَطْهُرَ فَإِنْ
بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَتِلْكَ الْعِدَّةُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى } ( بِخِلَافِ مَا لَا يُمْكِنُ ) رَفْعُهُ ( كَحِلِّ مَذْبُوحِ مِلْكِ الْغَيْرِ ) فَإِنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى رَفْعِ الْمَعْصِيَةِ اللَّازِمَةِ مِنْ ذَبْحِهِ حَيَوَانَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِإِعَادَتِهِ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ وَبِهِ الرُّوحُ ، فَلَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِذَلِكَ ، وَالْمُفِيدُ لِهَذَا مَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ } ، وَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ قَوْمًا مِنْ الْأَنْصَارِ فِي دَارِهِمْ فَذَبَحُوا لَهُ شَاةً فَصَنَعُوا لَهُ مِنْهَا طَعَامًا فَأَخَذَ مِنْ اللَّحْمِ شَيْئًا فَلَاكَهُ فَمَضَغَهُ سَاعَةً لَا يُسِيغُهُ فَقَالَ مَا شَأْنُ هَذَا اللَّحْمِ ؟ .
قَالُوا شَاةٌ لِفُلَانٍ ذَبَحْنَاهَا حَتَّى يَجِيءَ فَنُرْضِيَهُ مِنْ ثَمَنِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى } ( قَالُوا ) أَيْ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ مُطْلَقًا : ( لَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ ) فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ ( يَسْتَدِلُّونَ بِهِ ) أَيْ النَّهْيِ ( عَلَى الْفَسَادِ أَيْ الْبُطْلَانِ ) مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ عَلَيْهِمْ فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى فَهْمِ ذَلِكَ مِنْهُ ( قُلْنَا ) إنَّمَا لَمْ يَزَالُوا يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْبُطْلَانِ ( فِي الْعِبَادَاتِ وَمَعَ الْمُقْتَضِي فِي غَيْرِهَا ) أَيْ وَعَلَى الْبُطْلَانِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَعَ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ ( وَإِلَّا ) فَحَيْثُ لَا مُقْتَضَى لِلْبُطْلَانِ فِيهَا ( فَعَلَى مُجَرَّدِ التَّحْرِيمِ ) أَيْ فَإِنَّمَا يَسْتَدِلُّونَ عَلَى مُجَرَّدِ تَحْرِيمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( وَلَوْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْبُطْلَانِ ) أَيْ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ فِي الْمُعَامَلَاتِ ( فَكَقَوْلِكُمْ وَبِهِ ) أَيْ بِهَذَا الدَّلِيلِ ( اُسْتُدِلَّ لِلُّغَةِ ) أَيْ
بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْبُطْلَانِ لُغَةً ( وَمُنِعَ بِأَنَّ فَهْمَهُ ) أَيْ الْبُطْلَانِ مِنْهُ ( شَرْعًا ) لِأَنَّ فَسَادَ الشَّيْءِ أَيْ بُطْلَانَهُ عِبَارَةٌ عَنْ سَلْبِ أَحْكَامِهِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِ النَّهْيِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً قَطْعًا .
( قَالُوا ) أَيْ الذَّاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسَادِ أَيْ الْبُطْلَانِ لُغَةً : ( الْأَمْرُ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ فَضِدُّهُ ) وَهُوَ النَّهْيُ يَقْتَضِي ( ضِدَّهَا ) وَهُوَ الْفَسَادُ أَيْ الْبُطْلَانُ ( أُجِيبَ بِمَنْعِ اقْتِضَائِهِ ) أَيْ الْأَمْرِ الصِّحَّةَ ( لُغَةً وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ ( فَيَجُوزُ اتِّحَادُ أَحْكَامِ الْمُتَقَابِلَاتِ ) لِجَوَازِ اشْتِرَاكِهَا فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ أَحْكَامَ الْمُتَقَابِلَةِ مُتَقَابِلَةٌ ( فَاللَّازِمُ عَدَمُ اقْتِضَاءِ الصِّحَّةِ لَا اقْتِضَاءُ عَدَمِهَا ) وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ ، وَالْأَعَمُّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ ( وَدَلِيلُ تَفْصِيلِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِيمَا ) يَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ لِقُبْحٍ ( لِعَيْنِهِ وَغَيْرِهِ أَمَّا فِي الْحِسِّيِّ فَالْأَصْلُ ) أَيْ فَلِأَنَّ كَوْنَهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ هُوَ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَثْبُتَ الْقُبْحُ بِاقْتِضَاءِ النَّهْيِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِهِ فَلَا يُتْرَكُ الْأَصْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا لِإِمْكَانِ تَحَقُّقِ الْحِسِّيَّاتِ مَعَ صِفَةِ الْقُبْحِ لِأَنَّهَا تُوجَدُ حِسًّا ، فَلَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهَا بِسَبَبِ الْقُبْحِ إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ كَالنَّهْيِ عَنْ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَأَمَّا فِي الشَّرْعِيِّ فَلَوْ ) كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ ( لِعَيْنِهِ ) لِقُبْحِهَا ( امْتَنَعَ الْمُسَمَّى شَرْعًا ) لِامْتِنَاعِ وُجُودِ الْقَبِيحِ شَرْعًا ( فَحَرُمَ نَفْسُ الصَّوْمِ وَالْبَيْعِ لَكِنَّهُمَا ثَابِتَانِ فَكَانَ ) الشَّرْعِيُّ ( مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ بِالضَّرُورَةِ ، وَقِيلَ لَوْ كَانَ ) الْقُبْحُ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الشَّرْعِيِّ لِعَيْنِهِ ( امْتَنَعَ النَّهْيُ لِامْتِنَاعِ الْمَنْهِيِّ ) حِينَئِذٍ لَكِنَّ النَّهْيَ وَاقِعٌ فَكَذَا
الْمَنْهِيُّ ( وَدُفِعَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( لَا يَمْنَعُ تَصَوُّرَهُ ) أَيْ وُجُودِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( حِسًّا وَهُوَ ) أَيْ تَصَوُّرُهُ حِسًّا ( مُصَحِّحٌ النَّهْيَ ، وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ ( بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ لِلصُّورَةِ ) فَقَطْ ( وَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( يَمْنَعُونَهُ ) أَيْ كَوْنَهُ لِلصُّورَةِ فَقَطْ ( بَلْ ) هُوَ عِنْدَهُمْ لَهَا ( بِقَيْدِ الِاعْتِبَارِ ) وَهُوَ مُنْتَفِي التَّحَقُّقِ .
( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الِاسْمَ الشَّرْعِيَّ لِلصُّورَةِ فَقَطْ : ( النَّهْيُ ) النَّفْسِيُّ ( عَنْ صَلَاةِ الْحَائِضِ ) وَهُوَ مَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ } ( وَ ) النَّهْيُ عَنْ ( صَوْمِ الْعِيدِ ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ قَرِيبًا ( وَلُزُومُ كَوْنِ مِثْلِ الطَّهَارَةِ ) مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( جُزْءَ مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ ) الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْمَفْعُولَةُ بِشُرُوطِهَا وَهُوَ بَاطِلٌ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا شُرُوطٌ لَا أَرْكَانٌ ( وَ ) لُزُومُ ( بُطْلَانِ صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ وَصْفِهَا بِالْفَسَادِ ( يُوجِبُهُ ) أَيْ كَوْنَ الِاسْمِ بِإِزَاءِ الْهَيْئَةِ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُتَصَوَّرَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الصُّورَةُ فَقَطْ .
( الْجَوَابُ ) الْمَنْعُ بَلْ ( إنَّمَا تُوجِبُ ) النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الْحَائِضِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْعِيدِ وَقَوْلِهِمْ " صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ " ( صِحَّةُ التَّرْكِيبِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) صِحَّةُ التَّرْكِيبِ ( الْحَقِيقَةَ ) أَيْ كَوْنَ الِاسْمِ حَقِيقَةً فِي الصُّورَةِ فَقَطْ ( فَالِاسْمُ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ فِي الْجُزْءِ ) الَّذِي هُوَ الصُّورَةُ ( لِلْقَطْعِ بِصِدْقِ لَمْ يَصُمْ لِلْمُمْسِكِ حِمْيَةً ) مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً لِلصُّورَةِ فَقَطْ لَمْ يَصْدُقْ ( وَالْوَضْعُ لَمَّا وُجِدَ شَرْطُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ اعْتِبَارَ الشَّرْطِ جُزْءًا ) مِنْهُ فَانْتَفَى لُزُومُ كَوْنِ الشَّرْطِ جُزْءَ
مَفْهُومِ الْمَشْرُوطِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ آلَ كَلَامُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ ( إلَى أَنَّ مُصَحِّحَ النَّهْيِ جُزْءُ الْمَفْهُومِ ، وَهُوَ مُجَرَّدُ الْهَيْئَةِ ، فَسَلَّمُوا قَوْلَ الْخَصْمِ ) فِي الْمَعْنَى لِمُوَافَقَتِهِمْ لَهُ عَلَى أَنَّ مُصَحِّحَ النَّهْيِ الْوُجُودُ الْحِسِّيُّ لِلْمَنْهِيِّ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلصُّورَةِ فَقَطْ أَوْ بِقَيْدِ الِاعْتِبَارِ .
( غَيْرَ أَنَّ ضَعْفَ الدَّلِيلِ ) الْمُعَيِّنِ ( لَا يُبْطِلُ الْمَدْلُولَ ) لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِغَيْرِهِ ( وَيَكْفِيهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ ( مَا ذَكَرْنَاهُ لَهُمْ ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِعَيْنِهِ لَامْتَنَعَ الْمُسَمَّى لِامْتِنَاعِ كَوْنِهِ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُتَّصِفًا بِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا لِلشَّارِعِ .
( تَنْبِيهٌ لَمَّا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ بِحُسْنِ بَعْضِ الْأَفْعَالِ وَقُبْحِهَا لِنَفْسِهَا وَغَيْرِهَا كَانَ تَعَلُّقُ النَّهْيِ الشَّرْعِيِّ بِاعْتِبَارِ الْقُبْحِ مَسْبُوقًا بِهِ ) أَيْ بِالْقُبْحِ ( ضَرُورَةَ حِكْمَةِ النَّاهِي ) لِأَنَّ الْحَكِيمَ لَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إلَّا لِقُبْحِهِ ، قَالَ تَعَالَى { وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } ( لَا ) أَنَّهُ يَكُونُ ( مَدْلُولَ الصِّيغَةِ فَانْقَسَمَ مُتَعَلِّقُهُ ) أَيْ النَّهْيِ ( إلَى حِسِّيٍّ فَقُبْحُهُ لِنَفْسِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَا جِهَةَ مُحَسَّنَةٌ فَلَا تَقْبَلُ حُرْمَتُهُ النَّسْخَ وَلَا يَكُونُ سَبَبَ نِعْمَةٍ كَالْعَبَثِ ) أَيْ اللَّعِبِ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ ( وَالْكُفْرِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْكُفْرَانِ بِالْمُنْعِمِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ وَدَقَائِقِهَا ، وَقُبْحُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَكُفْرَانِ الْمُنْعِمِ مَرْكُوزٌ فِي الْعُقُولِ بِحَيْثُ لَا يُتَصَوَّرُ جَرَيَانُ النَّسْخِ فِيهِ ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ : إنَّهُ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ أَنَّ عَيْنَ الْفِعْلِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ النَّهْيُ قَبِيحٌ ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَعْنًى زَائِدٍ عَلَى ذَاتِهِ ( بِخِلَافِ الْكَذِبِ الْمُتَعَيَّنِ طَرِيقًا لِعِصْمَةِ نَبِيٍّ ) فَإِنَّ فِيهِ جِهَةً مُحَسَّنَةً ( أَوْ ) قُبْحَهُ ( لِجِهَةٍ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا فَكَذَلِكَ ) أَيْ لَا تَقْبَلُ حُرْمَتُهُ النَّسْخَ وَلَا يَكُونُ سَبَبَ نِعْمَةٍ .
( وَيُقَالُ فِيهِ قُبْحٌ لِعَيْنِهِ شَرْعًا كَالزِّنَا لِلتَّضْيِيعِ ) أَيْ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا } - قَبِيحٌ لِجِهَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا وَهِيَ تَضْيِيعُ النَّسْلِ ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ ابْتِغَاءَ النَّسْلِ بِالْوَطْءِ عَلَى مَحَلٍّ مَمْلُوكٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ( فَلَمْ يُبِحْهُ ) اللَّهُ تَعَالَى ( فِي مِلَّةٍ ) مِنْ الْمِلَلِ .
فَإِنْ قِيلَ : ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ نِعْمَةٌ لِأَنَّهَا تُلْحِقُ الْأَجْنَبِيَّاتِ بِالْأُمَّهَاتِ وَالْأَجَانِبَ بِالْآبَاءِ وَقَدْ ثَبَتَتْ
مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ، وَهُوَ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جَعْلَ الزِّنَا مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ .
فَالْجَوَابُ مَنْعُ ثُبُوتِهَا مُسَبَّبَةً عَنْ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَاءِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْبَعْضِيَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْوَلَدِ الَّذِي هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْكَرَامَاتِ ، وَمِنْهَا حُرْمَةُ الْمَحَارِمِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ الْمُفْضِي إلَى الْمُسَبِّبِ الْخَفِيِّ مَقَامَهُ كَمَا فِي الْوَطْءِ الْحَلَالِ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُلُوقِ مُتَعَذَّرٌ ، وَالْوَلَدَ عَيْنٌ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى حُرْمَةُ آبَاءِ الْوَاطِئِ وَأَبْنَائِهِ مِنْ الْوَلَدِ إلَى الْمَوْطُوءَةِ ، وَحُرْمَةُ أُمَّهَاتِ الْمَوْطُوءَةِ وَبَنَاتِهَا مِنْهُ أَيْضًا إلَى الْوَاطِئِ لِصَيْرُورَةِ كُلٍّ مِنْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بَعْضًا مِنْ الْآخَرِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا وَمُضَافٌ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( وَثُبُوتُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ عِنْدَهُ ) أَيْ الزِّنَا ( بِأَمْرٍ آخَرَ ) لَا بِالزِّنَا .
وَهَذَا التَّقَصِّي مِنْ هَذَا الْإِيرَادِ كَالتَّقَصِّي مِنْ الْإِيرَادِ الْقَائِلِ : الْغَصْبُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } - قَبِيحٌ لِجِهَةٍ فِيهِ لَمْ يَرْجُحْ عَلَيْهَا غَيْرُهَا - وَهِيَ التَّعَدِّي عَلَى الْغَيْرِ - وَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ حَيْثُ جَعَلْتُمُوهُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ إذَا تَغَيَّرَ اسْمُهُ وَكَانَ مِمَّا يُمْلَكُ ، وَالْمِلْكُ نِعْمَةٌ ، بِأَنْ يُقَالَ : لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ بِالْغَصْبِ مَقْصُودًا كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ بَلْ يَثْبُتُ بِأَمْرٍ آخَرَ : وَهُوَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ حُكْمًا لِلضَّمَانِ الْمُتَقَرِّرِ عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( كَثُبُوتِ مِلْكِ الْغَاصِبِ عِنْدَ زَوَالِ الِاسْمِ وَتَقَرُّرِ الضَّمَانِ فِيمَا
بِحَيْثُ يُمْلَكُ ) وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنَّ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْمِلْكَ عِنْدَنَا يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعُ الْغَاصِبِ وَسَلِمَ الْكَسْبُ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْمُخْتَارُ : الْغَصْبُ عِنْدَ الْفَوَاتِ سَبَبُ الضَّمَانِ مَقْصُودًا جَبْرًا ) لِلْفَائِتِ رِعَايَةً لِلْعَدْلِ ( فَاسْتَدْعَى ) كَوْنُهُ سَبَبَ الضَّمَانِ ( تَقَدُّمَ الْمِلْكِ فَكَانَ ) الْغَصْبُ ( سَبَبًا لَهُ ) أَيْ الْمِلْكِ ( غَيْرَ مَقْصُودٍ بَلْ بِوَاسِطَةِ سَبَبِيَّتِهِ ) أَيْ الْغَصْبِ ( لِمُسْتَدْعِيهِ ) أَيْ الْمِلْكِ وَهُوَ الضَّمَانُ ( وَهَذَا قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي الْفِقْهِ : هُوَ ) أَيْ الْغَصْبُ ( بِعَرَضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا ) لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ ( لَا يُقَالُ لَا أَثَرَ لِلْعِلَّةِ الْبَعِيدَةِ ) فِي الْحُكْمِ ( فَيَصْدُقُ نَفْيُ سَبَبِيَّتِهِ ) أَيْ الْغَصْبِ ( لِلْمِلْكِ ) لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْبَعِيدُ لَهُ وَحِينَئِذٍ ( فَالْحَقُّ الْأَوَّلُ ) أَيْ كَوْنُ السَّبَبِ لَهُ أَمْرًا آخَرَ ، هُوَ الضَّمَانُ لَا نَفْسُ الْغَصْبِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : لَيْسَ الْحَقُّ الْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى هَذَا ( لِأَنَّ ) نَفْيَ السَّبَبِيَّةِ لِلْمِلْكِ ( الصَّادِقَ ) عَلَى الْغَصْبِ هُوَ نَفْيُ السَّبَبِيَّةِ ( الْمُطْلَقُ ) أَيْ لِلْمِلْكِ الْمُطْلَقِ ( وَسَبَبِيَّتُهُ ) أَيْ الْغَصْبِ لِلْمِلْكِ إنَّمَا هُوَ ( بِقَيْدِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمِلْكِ ( غَيْرَ مَقْصُودٍ مِنْهُ ) أَيْ الْغَصْبِ بَلْ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ .
( وَلَوْلَاهُ ) أَيْ مِلْكُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ ( لَمْ يَصِحَّ ) أَيْ لَمْ يَنْفُذْ ( بَيْعُ الْغَاصِبِ ) لَهُ قَبْلَ الضَّمَانِ لِانْتِفَاءِ مَا عَدَا الْمِلْكَ مِنْ شُرُوطِ النُّفُوذِ وَحَيْثُ انْتَفَى الْمِلْكُ أَيْضًا فَقَدْ انْتَفَى شَرْطُ النُّفُوذِ مُطْلَقًا لَكِنَّهُ نَافِذٌ ، فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ ، فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ بِعَدَمِ نُفُوذِ عِتْقِهِ ، قِيلَ : لَا ، لِأَنَّ الْمُسْتَنَدَ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَكُونُ نَاقِصًا ، وَالنَّاقِصُ يَكْفِي لِنُفُوذِ الْبَيْعِ لَا الْعِتْقِ كَالْمُكَاتَبِ يَبِيعُ وَلَا يُعْتِقُ ( وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْكَسْبُ السَّابِقُ ) لِانْتِفَاءِ
مُوجِبِ السَّلَامَةِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ يَسْلَمُ لَهُ ، فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : يُشْكِلُ مِلْكُهُ الْمَغْصُوبَ بِالْغَصْبِ بِعَدَمِ مِلْكِهِ زَوَائِدَهُ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ ، أُجِيبَ : لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَعَدَمُ مِلْكِ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ لِأَنَّهُ ) أَيْ مِلْكَ الْمَغْصُوبِ ( ضَرُورِيٌّ ) أَيْ يَثْبُتُ شَرْطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى خُرُوجِ الْمَغْصُوبِ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِيَكُونَ الْقَضَاءُ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا لِمَا فَاتَ إذْ لَا جَبْرَ بِدُونِ الْفَوَاتِ ، وَمَا يَثْبُتُ شَرْطًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ضَرُورَةَ تَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ فَزَوَالُ مِلْكِ الْأَصْلِ مُقْتَضًى ، وَمِلْكُ الْبَدَلِ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهِ ، ثَمَّ حَيْثُ كَانَ زَوَالُ الْمِلْكِ ضَرُورِيًّا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيمَا لَيْسَ تَبَعًا لِلْمَغْصُوبِ ( وَالْمُنْفَصِلُ ) مِنْ الزِّيَادَةِ كَالْوَلَدِ ( لَيْسَ تَبَعًا ) لَهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ ( بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ) كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ ( وَالْكَسْبِ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَبَعٌ مَحْضٌ لَهُ ، أَمَّا الْمُتَّصِلَةُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْكَسْبُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ فِي التَّبَعِ بِثُبُوتِهِ فِي الْأَصْلِ سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي الْمَتْبُوعِ مَقْصُودًا سَبَبُهُ أَوْ شَرْطًا لِغَيْرِهِ ، ثُمَّ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ شَرْطَ الشَّيْءِ تَابِعٌ لَهُ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْغَاصِبِ حَسُنَ بِحُسْنِ مَشْرُوطِهِ ، وَإِنْ قَبُحَ فِي نَفْسِهِ ( بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ ) فَإِنَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْغَاصِبِ وَإِنْ أَدَّى الضَّمَانَ كَمَا وَقَعَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بِحَيْثُ يُمْلَكُ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْغَاصِبَ ( يَمْلِكُ كَسْبَهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ ( إنْ كَانَ ) لَهُ كَسْبٌ ( بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرَ ( خَرَجَ عَنْ ) مِلْكِ ( الْمَوْلَى تَحْقِيقًا لِلضَّمَانِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ) .
فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مِلْكُ الْكَافِرِ مَالَ الْمُسْلِمِ إذَا أَحْرَزَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِذَاتِهِ فَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا بَعْدَ النَّهْيِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ جَعَلُوهُ بَعْدَ النَّهْيِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( وَأَمَّا الْكَافِرُ بِالْإِحْرَازِ ) .
قُلْنَا لَا يَرِدُ ( فَإِمَّا لِعَدَمِ النَّهْيِ ) لِلْكَافِرِ عَنْ ذَلِكَ ( بِنَاءً عَلَى عَدَمِ خِطَابِهِمْ بِالْفُرُوعِ فَلَيْسَ مِنْ الْبَابِ وَإِمَّا ) أَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِالِاسْتِيلَاءِ ( عِنْدَ ثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ ) أَيْ إبَاحَةِ ذَلِكَ الْمَالِ لَهُ ( بِانْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ ) أَيْ بِسَبَبِ انْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ لِذَلِكَ الْمَالِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِثُبُوتِ الْإِبَاحَةِ ( بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ ) أَيْ بِسَبَبِ زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِانْتِهَاءِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ ( بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ ) أَيْ بِسَبَبِ زَوَالِ كَوْنِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ حَرَامَ التَّعَرُّضِ لَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ أَوْ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ ( بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ ) أَيْ بِسَبَبِ إحْرَازِهِمْ مَالَ الْمُسْلِمِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِزَوَالِ الْعِصْمَةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ إحْرَازُهُمْ لَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ مُزِيلًا لِلْعِصْمَةِ ( لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ ) أَيْ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ وَالْإِلْزَامِ فَكَانَ اسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَى هَذَا الْمَالِ وَعَلَى الصَّيْدِ سَوَاءً .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِصْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ انْتَهَتْ بِانْتِهَاءِ سَبَبِهَا وَهُوَ إحْرَازُهُ لَهُ لِأَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْيَدِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً بِأَنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِهِ أَوْ بِالدَّارِ وَقَدْ انْتَهَى كِلَاهُمَا بِإِحْرَازِهِمْ الْمَأْخُوذَ بِدَارِ الْحَرْبِ ، وَإِذَا انْتَهَتْ سَقَطَ النَّهْيُ فَلَمْ يَكُنْ الِاسْتِيلَاءُ مَحْظُورًا ، فَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ثُمَّ يَتَلَخَّصُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا هُوَ مَحْظُورٌ - وَهُوَ ابْتِدَاءُ
الِاسْتِيلَاءِ - لَيْسَ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَمَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ - وَهُوَ حَالُ الْبَقَاءِ - لَيْسَ بِمَحْظُورٍ فَلَا يَرِدُ النَّقْضُ وَلَا يُقَالُ فَكَمَا ابْتِدَاؤُهُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْمِلْكِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَكَذَا بَقَاؤُهُ كَمَنْ اشْتَرَى خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ، وَإِنْ صَارَتْ مَحَلًّا لَهُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ عُرِفَ أَنَّ مَا لَهُ امْتِدَادٌ فَلِحَالَةِ بَقَائِهِ مِنْ الْحُكْمِ مَا لِابْتِدَائِهِ كَأَنَّهُ يَحْدُثُ سَاعَةً فَسَاعَةً كَمَا فِي مَسْأَلَتَيْ اللُّبْسِ وَالسُّكْنَى ( وَالِاسْتِيلَاءُ مُمْتَدٌّ فَبَقَاؤُهُ كَابْتِدَائِهِ ) فَصَارَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ ابْتِدَاءً بِدَارِ الْحَرْبِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْعِ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَدٍّ فَإِذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ بَطَلَ أَصْلًا ، فَإِنْ قِيلَ : يَرِدُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ جَوَازُ تَرَخُّصِ الْمُسَافِرِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ بِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ إبَاقٍ فَإِنَّهُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَنْتَفِي مَشْرُوعِيَّتُهُ ، وَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِهَا حَيْثُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ الَّتِي هِيَ نِعْمَةٌ ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ مَنْهِيًّا عَنْهُ لِذَاتِهِ بَلْ كَمَا قَالَ .
( وَالتَّرَخُّصُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ ) أَيْ النَّهْيَ ( فِيهِ ) أَيْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِغَيْرِ ذَاتِ السَّفَرِ ( مُجَاوِرًا ) لِلسَّفَرِ ( مِنْ الْقَصْدِ لِلْمَعْصِيَةِ ، إذْ قَدْ لَا تُفْعَلُ ) الْمَعْصِيَةُ بَلْ يَتَبَدَّلُ قَصْدُهَا بِقَصْدِ طَاعَةٍ ( وَيُدْرِكُ الْآبِقُ الْإِذْنَ ) بِالسَّفَرِ مِنْ مَوْلَاهُ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَاصِيًا فَلَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا الْمَعْنَى الْمُجَاوِرُ لَهُ فِي كَوْنِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ سَيْرٌ مَدِيدٌ سَبَبًا لِلنِّعْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ غَيْرُ مَحْظُورٍ ( وَكَذَا وَطْءُ الْحَائِضِ عُرِفَ ) أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } ( لِلْأَذَى ) بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { قُلْ هُوَ
أَذًى } وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَحَلِّ قَابِلٌ لِلِانْفِكَاكِ كَمَا تَقَدَّمَ ( فَاسْتَعْقَبَ الْإِحْصَانَ وَتَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ ) ثَلَاثًا لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْهُمَا وَصَارَ كَمَا يَثْبُتُ حُرْمَتُهُ بِالْيَمِينِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهِ إحْصَانُ الْقَذْفِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِهِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ إلَى حِسِّيٍّ قَوْلَهُ ( وَإِلَى شَرْعِيٍّ فَالْقَطْعُ بِأَنَّهُ ) أَيْ النَّهْيَ فِيهِ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِلَّا لَمْ يُشْرَعْ أَصْلًا قَطْعًا ( وَلَا يَنْتَهِضُ ) الْمَنْهِيُّ عَنْهُ ( سَبَبًا ) لِلنِّعْمَةِ ( إذَا رَتَّبَ ) الشَّارِعُ عَلَيْهِ ( حُكْمًا يُوجِبُ كَوْنَهُ ) أَيْ النَّهْيِ عَنْهُ ( لِعَيْنِهِ ) أَيْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( أَيْضًا كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ ) ذَوَاتِ الرَّحِمِ فَإِنَّهُ فِعْلٌ ( شَرْعِيٌّ عُقِلَ قُبْحُهُ لِأَنَّهُ طَرِيقُ الْقَطْعِيَّةِ ) لِلرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ بِالِاسْتِفْرَاشِ وَغَيْرِهِ .
( فَحِينَ أُخْرِجْنَ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ ) لِنِكَاحِهِ ( صَارَ ) نِكَاحُهُ إيَّاهُنَّ ( عَبَثًا فَقَبُحَ لِعَيْنِهِ فَبَطَلَ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ ) عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ ( لَيْسَ إلَّا لَازِمًا لِمَا مَهَّدْنَاهُ ) سَالِفًا ( مِنْ أَنَّهُ ) أَيْ الشَّارِعَ ( لَمْ يَجْعَلْ لَهُ ) أَيْ لِلنِّكَاحِ ( حُكْمًا إلَّا الْحِلَّ فَنَافَى ) حُكْمُهُ ( مُقْتَضَى النَّهْيِ ) وَهُوَ التَّحْرِيمُ فَكَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَاطِلًا ( وَكَذَا الصَّلَاةُ بِلَا طَهَارَةٍ بَاطِلَةٌ لِمِثْلِهِ ) أَيْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لَهَا بِلَا طَهَارَةٍ شَرْعًا ، لِأَنَّ الشَّارِعَ قَصَرَ أَهْلِيَّتَهُ لَهَا عَلَى حَالِ الطَّهَارَةِ فَصَارَ فِعْلُهَا بِدُونِ الطَّهَارَةِ عَبَثًا فَقَبُحَ لِعَيْنِهِ .
( وَكَانَ يَجِبُ مِثْلُهُ ) أَيْ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ ( فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ ) لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ( لَكِنَّ الظَّنَّ الْمُتَقَدِّمَ ) لَهُمْ أَوْجَبَ خِلَافَهُ ، وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ ( وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بُطْلَانُهَا كَمَا اخْتَرْنَاهُ ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ) وَالدَّارِيَّةُ تُقَوِّي هَذِهِ الرِّوَايَةَ
فَلْيَكُنْ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا ( فَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ ) الشَّارِعُ حُكْمًا يُوجِبُ كَوْنَ النَّهْيِ عَنْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِعَيْنِهِ أَيْضًا ( ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ جِهَةً تُوجِبُ قُبْحًا فِي عَيْنِهِ كَالْبَيْعِ ) الْفَاسِدِ وَفِي وَقْتِ النِّدَاءِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ ( عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَنْعَقِدُ سَبَبًا ) لِحُكْمِهِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ ( فَظَهَرَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ ) فِي الْمَنْهِيَّاتِ الشَّرْعِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ الِانْتِهَاضُ سَبَبًا وَعَدَمُهُ ( لَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الشَّرْعِيِّ يَدُلُّ عَلَى الصِّحَّةِ ) لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْحَنَفِيَّةِ ، وَإِلَّا لَمَا اخْتَلَفَتْ فِي انْتِهَاضِهَا سَبَبًا ، بَلْ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ إنْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ لِمُنَافَاةِ حُكْمِهِ لَهَا لَمْ تَنْتَهِضْ سَبَبًا ، وَإِلَّا انْتَهَضَتْ سَبَبًا .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ النَّهْيُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ ( يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ( بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ إنَّمَا يُفِيدُ صِحَّةَ الْأَصْلِ ) أَيْ أَصْلِ الْفِعْلِ ( وَلَا يُخْتَلَفُ فِيهِ ) أَيْ فِي كَوْنِ أَصْلِ الْفِعْلِ صَحِيحًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْأَصْلَ ( غَيْرُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ) الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ ( فَلَا يَسْتَعْقِبُ ) كَوْنُ النَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْفِعْلِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ ( صِحَّتَهُ ) أَيْ الْأَصْلِ ( بِوَصْفٍ يُلَازِمُهُ ) أَيْ الْأَصْلَ فَلَا يَتِمُّ كَوْنُ النَّهْيِ عَنْ الشَّرْعِيِّ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، فَلْيُتَأَمَّلْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ( الْفَصْلُ الْخَامِسُ ) فِي الْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ ( هُوَ ) أَيْ الْمُفْرَدُ ( بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ يَنْقَسِمُ إلَى : حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ ) وَوَجْهُ حَصْرِهِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا ( فَالْحَقِيقَةُ ) فَعِيلَةٌ إمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ حَقَّ الشَّيْءُ يَحِقُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ إذَا ثَبَتَ وَالتَّاءُ لِلتَّأْنِيثِ وَإِمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ حَقَقْت الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَحُقُّهُ بِالضَّمِّ إذَا أَثْبَتُّهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْكَلِمَةَ الثَّابِتَةَ أَوْ الْمُثْبَتَةَ فِي مَكَانِهَا الْأَصْلِيِّ وَالتَّاءُ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ الصِّرْفَةِ كَالْأَكِيلَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلِلتَّأْنِيثِ عِنْدَ السَّكَّاكِيِّ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيرِ لَفْظِ الْحَقِيقَةِ صِفَةُ مُؤَنَّثٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ أَيْ الْكَلِمَةُ وَنُوقِشَ بِأَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ اصْطِلَاحًا ( اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ) أَيْ أَوْ فِي فَرْدٍ مِنْ مَاصَدَقَاتِ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ( فِي عُرْفٍ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْعُرْفِ ( ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ ) فَخَرَجَ بِالْمُسْتَعْمَلِ الْمُهْمَلُ وَالْمَوْضُوعُ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِحَقِيقَةٍ وَلَا مَجَازٍ وَبِقَوْلِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ الْمَجَازُ وَالْغَلَطُ وَسَيَنُصُّ عَلَيْهِ وَتَأْتِي فَائِدَةٌ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ فِي عُرْفٍ بِهِ ذَلِكَ الِاسْتِعْمَالُ اللَّفْظُ الَّذِي لَهُ وَضْعَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي عُرْفَيْنِ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا بِغَيْرِ الْوَضْعِيِّ فِي الْعُرْفِ الَّذِي بِهِ التَّخَاطُبُ فَإِنَّهُ فِيهِ مَجَازٌ ( وَتَنْقَسِمُ ) الْحَقِيقَةُ ( بِحَسَبِ ذَلِكَ ) الْوَضْعِ ( إلَى لُغَوِيَّةٍ ) بِأَنْ يَكُونَ لِوَاضِعِ اللُّغَةِ ( وَشَرْعِيَّةٍ ) بِأَنْ يَكُونَ لِلشَّارِعِ ( كَالصَّلَاةِ ) فَإِنَّهَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ وَاضِعَ اللُّغَةِ وَضَعَهَا لَهُ وَحَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ
وَضَعَهَا لَهَا ( وَعُرْفِيَّةٌ عَامَّةٌ ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ ( كَالدَّابَّةِ ) فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الْحَوَافِرِ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَضَعُوهَا لَهَا ( وَخَاصَّةٍ ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْعُرْفِ الْخَاصِّ ( كَالرَّفْعِ ) لِلْحَرَكَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ وَضَعُوهُ لَهَا ( وَالْقَلْبِ ) كَجَعْلِ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَقَلْبِهِ فَإِنَّ الْأُصُولِيِّينَ وَضَعُوهُ لَهُ ( وَيَدْخُلُ ) فِي الْحَقِيقَةِ اللَّفْظُ ( الْمَنْقُولُ مَا وُضِعَ لِمَعْنًى بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَةٍ لِمَا كَانَ لَهُ أَوَّلًا ) عَلَى مَا فِيهِ مِنْ تَفْصِيلٍ آتٍ قَرِيبًا ( وَالْمُرْتَجَلُ ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعِيٍّ لَمْ يُسْبَقْ بِآخَر ( وَالْأَعَمُّ ) الْمُسْتَعْمَلُ ( فِي الْأَخَصِّ كَرَجُلٍ فِي زَيْدٍ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ لِلْأَعَمِّ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ كَإِنْسَانٍ فِي زَيْدٍ لَا يَعْرِفُ الْقُدَمَاءُ غَيْرَ هَذَا إلَى أَنْ حَدَثَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الشَّخْصِ يَعْنِي بِجَعْلِ خُصُوصِ عَوَارِضِهِ الْمُشَخِّصَةِ مُرَادًا مَعَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ بِلَفْظِ الْأَعَمِّ فَيَكُونُ مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةً وَكَأَنَّ هَذِهِ الْإِرَادَةَ قَلَّمَا تَخْطُرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى تَرَكَ الْأَقْدَمُونَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ بَلْ الْمُتَبَادَرَ مِنْ مُرَادِ مَنْ يَقُولُ لِزَيْدٍ يَا إنْسَانُ يَا مَنْ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ لَا يُلَاحَظُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا فَائِدَةٌ أَوْ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ ( وَزِيَادَةُ أَوَّلًا ) بَعْدَ قَوْلِهِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ كَمَا ذَكَرَ الْآمِدِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ ( تُخِلُّ بِعَكْسِهِ لِصِدْقِ الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ فِي الْمُتَأَخِّرِ وَضْعُهُ لَهُ ) وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَمْنَعُ صِدْقَ الْحَدِّ عَلَيْهِ ( وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ أَنَّهُ ) أَيْ أَوَّلًا ( بِاعْتِبَارِ وَضْعِ الْمَجَازِ ) لِيَخْرُجَ بِهِ الْمَجَازُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ ( عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ )
وَضْعُ الْمَجَازِ ( جَازَ أَوَّلِيَّةُ وَضْعِ الْمَجَازِ كَاسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ أَوَّلِيَّةُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يُوضَعَ اللَّفْظُ لِمَعْنًى ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَاقَةٌ قَبْلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَذَلِكَ يَجُوزُ أَوَّلِيَّةُ وَضْعِ الْمَجَازِ فِيهِ قَبْلَ وَضْعِهِ لِمَعْنَاهُ بِأَنْ يَقُولَ : وَضَعْت هَذَا اللَّفْظَ لِأَسْتَعْمِلَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَأَضَعُهُ لَهُ مُنَاسَبَةٌ اعْتَبَرْتهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَبِلَا تَأْوِيلٍ ) أَيْ وَزِيَادَةُ السَّكَّاكِيِّ بِلَا تَأْوِيلٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْوَضْعِ لِيَحْتَرِزَ بِهِ عَنْ الِاسْتِعَارَةِ لِعَدِّ الْكَلِمَةِ فِيهَا مُسْتَعْمَلَةً فِيمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ لَكِنْ بِالتَّأْوِيلِ فِي الْوَضْعِ وَهُوَ أَنْ يُسْتَعَارَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ لِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الِادِّعَاءِ مُبَالَغَةً ثُمَّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا فِيمَا هُوَ مَوْضُوعٌ لَهُ ادِّعَاءً لَا تَحْقِيقًا وَهِيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَيْهِ فِي صِحَّةِ الْحَدِّ ( إذْ حَقِيقَةُ الْوَضْعِ لَا تَشْمَلُ الِادِّعَائِيَّ ) كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا وَأَحْسَنُ مَا اُعْتُذِرَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ دَفْعَ الْوَهْمِ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فِي الِاسْتِعَارَةِ هَلْ هِيَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ أَوْ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَنَظِيرُهُ فِي دَفْعِ الْوَهْمِ الِاحْتِرَازُ فِي حَدِّ الْفَاعِلِ بِقَيْدِ تَقْدِيمِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ عَنْ الْمُبْتَدَأِ فِي زَيْدٌ قَائِمٌ ( وَالْمَجَازُ ) فِي الْأَصْلِ مَفْعَلٌ إمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ الْجَوَازِ بِمَعْنَى الْعُبُورِ وَالتَّعَدِّي كَمَا اخْتَارَهُ السَّكَّاكِيُّ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ لِعَلَاقَةِ الْجُزْئِيَّةِ لِأَنَّ الْمُشْتَقَّ مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ الْمُشْتَقِّ أَوْ اسْمُ مَكَان مِنْهُ سُمِّيَتْ بِهِ الْكَلِمَةُ الْجَائِزَةُ أَيْ الْمُتَعَدِّيَةُ مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ أَوْ الْكَلِمَةُ الْمُجَوَّزُ بِهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ جَازُوا
بِهَا مَكَانَهَا الْأَصْلِيَّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فَالتَّسْمِيَةُ مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِ أَوْ مِنْ جَعَلْت كَذَا مَجَازًا إلَى حَاجَتِي أَيْ طَرِيقًا لَهَا عَلَى أَنَّ مَعْنَى جَازَ الْمَكَانَ سَلَكَهُ فَإِنَّ الْمَجَازَ طَرِيقٌ إلَى تَصَوُّرِ مَعْنَاهُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَاصْطِلَاحًا ( مَا اُسْتُعْمِلَ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لَفْظٌ مُسْتَعْمَلٌ لِغَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ وَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَا وُضِعَ لَهُ ( لِمُنَاسِبَةٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْغَيْرِ ( اُعْتُبِرَ نَوْعُهَا وَيَنْقَسِمُ ) الْمَجَازُ إلَى لُغَوِيٍّ وَشَرْعِيٍّ وَعُرْفِيٍّ عَامٍّ وَخَاصٍّ ( كَالْحَقِيقَةِ ) لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُوضَعْ لَهُ إنْ كَانَ لِمُنَاسِبَةٍ لِمَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَقْسَامِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَجَازٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى مَعْنًى لَوْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِيهِ كَانَ حَقِيقَةً فَيَكُونُ الْمَجَازُ تَابِعًا لِلْحَقِيقَةِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ( وَتَدْخُلُ الْأَعْلَامُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَالْمُرْتَجَلُ فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْمَنْقُولُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَمَجَازٌ فِي الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ فِي الثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الثَّانِي مِنْ أَفْرَادِ مَعْنَاهُ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْأَوَّلِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الثَّانِي فَحَقِيقَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الثَّانِي مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ الْأَوَّلِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ يَدْخُلُ فِي الْأَعْلَامِ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ ابْنُ لُقْمَانِ الْحَنَفِيُّ : ذَهَبَ عَامَّتُهُمْ إلَى أَنَّ الْأَلْقَابَ يَدْخُلُ فِيهَا الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ ( وَعَلَى
مَنْ أَخْرَجَهَا ) أَيْ الْأَعْلَامَ مِنْهُمَا كَالْآمِدِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ ( تَقْيِيدُ الْجِنْسِ ) الْمَأْخُوذُ فِي تَعْرِيفِهِمَا بِغَيْرِ الْعَلَمِ وَاقْتَصَرَ الْبَيْضَاوِيُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُوصَفُ بِالْمَجَازِ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا لَمْ تُنْقَلْ لِعَلَاقَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ ( وَخَرَجَ عَنْهُمَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ( الْغَلَطُ ) كَخُذْ هَذَا الْفَرَسَ مُشِيرًا إلَى كِتَابٍ بِيَدِك أَمَّا عَنْ الْحَقِيقَةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْوَضْعِيِّ وَأَمَّا عَنْ الْمَجَازِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِ الْوَضْعِيِّ لِعَلَاقَةٍ اُعْتُبِرَ نَوْعُهَا وَقَدْ يُقَالُ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ يُؤْذِنُ بِالْقَصْدِ إذْ كَانَ فِعْلًا اخْتِيَارِيًّا وَلَا قَصْدَ فِي الْغَلَطِ إلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْشِيَةِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ غَلَطٌ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْغَلَطِ الْمُخْرِجِ عَنْهُمَا مَا يَكُونُ سَهْوًا مِنْ اللِّسَانِ بَلْ يَكُونُ خَطَأً فِي اللُّغَةِ صَادِرًا عَنْ قَصْدٍ فَإِنْ قِيلَ حَدُّ الْمَجَازِ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ الْمَجَازِ بِالنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } وَ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } عَنْهُ أُجِيبُ بِأَنَّ لَفْظَ الْمَجَازِ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ مِمَّا هُوَ صِفَةُ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى وَعَلَى الْمَجَازِ الْمُورِدِ الَّذِي هُوَ صِفَةُ الْإِعْرَابِ أَوْ اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ حُكْمِ إعْرَابِهِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ نَقُولُ ( : وَمَجَازُ الْحَذْفِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ ) كَالْقَرْيَةِ ( بِاعْتِبَارِ تَغَيُّرِ إعْرَابِهِ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ ) أَيْ بِالْمَذْكُورِ كَالْقَرْيَةِ اللَّفْظُ ( الْمَحْذُوفُ ) كَالْأَهْلِ حَتَّى كَانَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ مُسْتَعْمَلًا فِي أَهْلِ الْقَرْيَةِ ( كَانَ ) الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَجَازُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ ( الْمَحْدُودِ وَمَجَازُ الزِّيَادَةِ قِيلَ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لِمَعْنًى وَمُقْتَضَاهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ ( لَا حَقِيقَةَ وَلَا مَجَازَ
) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَعْمَلٌ لِمَعْنَى ( وَلَمَّا لَمْ يَنْقُصْ ) مَجَازُ الزِّيَادَةِ ( عَنْ التَّأْكِيدِ قِيلَ لَا زَائِدَ ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ مَجَازَ الزِّيَادَةِ ( حَقِيقَةٌ لِوَضْعِهِ لِمَعْنَى التَّأْكِيدِ ) فِي التَّرْكِيبِ الْخَاصِّ وَإِنْ عُرِفَ لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِهِ مَثَلًا مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَلِلِابْتِدَاءِ فَإِذَا وَقَعَتْ قَبْلَ نَكِرَةٍ عَامَّةٍ كَانَتْ لِتَأْكِيدِ عُمُومِهِ وَضْعًا وَقِسْ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( لَا مَجَازَ لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ ) الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْمَجَازِ ( فَكُلُّ مَا اُسْتُعْمِلَ زَائِدًا مُشْتَرَكٌ ) بَيْنَ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ مَعْنًى أَصْلًا وَهُوَ الْمَنْفِيُّ عَنْ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَبَيْنَ مَا لَا يُخِلُّ سُقُوطُهُ بِالْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَهُوَ لَا يُعَرَّى عَنْ التَّأْكِيدِ وَهَذَا هُوَ الْمُدَّعَى وُجُودُهُ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ
( وَزَائِدًا بِاصْطِلَاحٍ ) لِلنَّحْوِيَّيْنِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى حَقِيقَةٍ ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَضْعَ يَكُونُ لِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ جُزْئِيَّاتُ مَوْضُوعِهَا أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ وَ ) يَكُونُ ( لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ ) أَيْ الْوَضْعُ لِمَعْنًى خَاصٍّ ( الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ وَالْأَوَّلُ ) أَيْ الْوَضْعُ لِقَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ إلَخْ الْوَضْعُ ( النَّوْعِيُّ وَيَنْقَسِمُ ) النَّوْعِيُّ : ( إلَى مَا يَدُلُّ جُزْئِيُّ مَوْضُوعَ مُتَعَلِّقِهِ ) عَلَى الْمَعْنَى ( بِنَفْسِهِ ) فَالضَّمِيرُ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَبِنَفْسِهِ رَاجِعٌ إلَى مَا ثَمَّ بِنَفْسِهِ مُتَعَلِّقٌ بِبَدَلٍ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ ( وَضْعُ قَوَاعِدِ التَّرْكِيبِ وَالتَّصَارِيفِ وَبِالْقَرِينَةِ ) أَيْ وَإِلَى مَا يَدُلُّ جُزْئِيُّ مَوْضُوعِ مُتَعَلِّقِهِ بِالْقَرِينَةِ ( وَهُوَ وَضْعُ الْمَجَازِ كَقَوْلِ الْوَاضِعِ : كُلُّ مُفْرَدٍ بَيَّنَ مُسَمَّاهُ وَغَيْرَهُ مُشْتَرَكٌ اعْتَبَرْتَهُ ) أَيْ الْمُفْرَدَ ( أَيْ اسْتَعْمَلْتَهُ فِي الْغَيْرِ بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْ النَّاسِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ ( ذَلِكَ ) الْمُفْرَدَ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ بِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا ( مَعَ قَرِينَةٍ ) تُفِيدُ ذَلِكَ ( وَلَفْظُ الْوَضْعِ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ ) الشَّخْصِيِّ وَالنَّوْعِيِّ الدَّالِ جُزْئِيُّ مَوْضُوعِ مُتَعَلِّقِهِ بِنَفْسِهِ لِتَبَادُرِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِ الْوَضْعِ ( مَجَازٌ فِي الثَّالِثِ ) أَيْ النَّوْعِيِّ الدَّالِ جُزْئِيِّ مَوْضِعِ مُتَعَلِّقِهِ بِالْقَرِينَةِ ( إذْ لَا يُفْهَمُ بِلَا تَقْيِيدِهِ ) أَيْ الْوَضْعِ بِالْمَجَازِ كَأَنْ يُقَالَ وَضْعُ الْمَجَازِ ( فَانْدَفَعَ ) بِهَذَا التَّحْقِيقِ ( مَا قِيلَ ) عَلَى حَدِّ الْحَقِيقَةِ ( إنْ أُرِيدَ بِالْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ خَرَجَ مِنْ الْحَقِيقَةِ ) كَثِيرٌ مِنْ الْحَقَائِقِ ( كَالْمُثَنَّى وَالْمُصَغَّرِ ) وَالْمَنْسُوبِ وَبِالْجُمْلَةِ كُلُّ مَا يَكُونُ دَلَالَتُهُ بِحَسَبِ الْهَيْئَةِ دُونَ الْمَادَّةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِالنَّوْعِ لَا بِالشَّخْصِ ( أَوْ ) أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقُ الْوَضْعِ ( الْأَعَمِّ ) مِنْ الشَّخْصِيِّ
وَالنَّوْعِيِّ ( دَخَلَ الْمَجَازُ ) فِي تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِالنَّوْعِ وَإِنَّمَا انْدَفَعَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ إطْلَاقِهِ وَهُوَ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى بِنَفْسِهِ أَيْ لَا بِضَمِيمَةِ قَرِينَةٍ إلَيْهِ فَتَدْخُلُ الْحَقَائِقُ الْمَذْكُورَةُ وَلَا يَدْخُلُ الْمَجَازُ ( وَظَهَرَ اقْتِضَاءُ الْمَجَازِ وَضْعَيْنِ ) وُضِعَا ( لِلَّفْظِ ) لِمَعْنًى بِحَيْثُ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ يَكُونُ اسْتِعْمَالًا لَهُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ وَهُوَ الْحَقِيقَةُ ( وَ ) وُضِعَا ( لِمَعْنَى نَوْعِ الْعَلَاقَةِ ) بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ مَا يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهِ عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَا يُعَلِّقُ الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ نَحْوَ عِلَاقَةُ السَّوْطِ وَعِلَاقَةُ الْمَجَازِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُعَلِّقُهُ بِمَحَلِّ الْحَقِيقَةِ بِأَنْ يَنْتَقِلَ الذِّهْنُ بِوَاسِطَتِهَا عَنْ مَحَلِّ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا ذَكَرْنَا أَمَّا بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَهِيَ عَلَاقَةُ الْخُصُومَةِ وَالْحُبِّ وَهُوَ تَعَلُّقُ الْخَصْمِ بِخَصْمِهِ وَالْمُحِبِّ بِمَحْبُوبِهِ ذَكَرَهُ الطُّوفِيُّ هَذَا وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَضْعُ اللَّفْظِ بِإِزَائِهِ أَوْ لَا لَفْظِيٌّ مَنْشَؤُهُ أَنَّ وَضْعَ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى فُسِّرَ بِوَجْهَيْنِ : الْأَوَّلُ تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِنَفْسِهِ لِلْمَعْنَى فَعَلَى هَذَا لَا وَضْعَ فِي الْمَجَازِ أَصْلًا لَا شَخْصِيًّا وَلَا نَوْعِيًّا لِأَنَّ الْوَاضِعَ لَمْ يُعَيِّنْ اللَّفْظَ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بَلْ بِالْقَرِينَةِ الشَّخْصِيَّةِ أَوْ النَّوْعِيَّةِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بِالْمُنَاسَبَةِ لَا بِالْوَضْعِ وَالثَّانِي تَعْيِينُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَعَلَى هَذَا فَفِي الْمَجَازِ وَضْعٌ نَوْعِيٌّ قَطْعًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُهَا عِنْدَ الْوَاضِعِ وَأَمَّا الْوَضْعُ الشَّخْصِيُّ فَرُبَّمَا يَثْبُتُ فِي بَعْضٍ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ عَلَى مَذْهَبَيْ وُجُوبِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ
فَعَلَى الثَّانِي اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ بِمُجَرَّدِ الْمُنَاسَبَةِ الْمُعْتَبَرَةِ نَوْعًا وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ هَذَا الِاعْتِبَارَ وُضِعَ أَوَّلًا وَعَلَى الْأَوَّلِ اسْتِعْمَالُهُ بِالْمُنَاسَبَةِ الْمُعْتَبَرِ نَوْعُهَا مَعَ الِاسْتِعْمَالِ الشَّخْصِيِّ وَالنِّزَاعُ فِيمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ الِاسْتِعْمَالُ مَعَ الْقَرِينَةِ مُسْتَلْزِمًا لِلْوَضْعِ بِالْمَعْنَيَيْنِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ تَفَرُّعُ الْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ التَّعَقُّلِ قَالَ بِالْوَضْعِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ قَالَ بِعَدَمِ الْوَضْعِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : مَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْوَضْعَ هَلْ هُوَ تَخْصِيصُ عَيْنِ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَيَكُونُ تَخْصِيصًا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ اللَّفْظِ بِالْقِيَاسِ إلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ تَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِالْمَعْنَى فَيَنْقَسِمُ إلَى شَخْصِيٍّ وَنَوْعِيٍّ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَجَازُ مَوْضُوعٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِطِينَ النَّقْلَ فِي الْآحَادِ إذْ قَدْ عُلِمَ بِالِاسْتِعْمَالِ تَخْصِيصُ عَيْنِهِ بِإِزَاءِ الْمَعْنَى وَلَيْسَ بِمَوْضُوعٍ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَالِاخْتِلَافُ مَعْنَوِيٌّ رَاجِعٌ إلَى وُجُوبِ النَّقْلِ وَعَدَمِهِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ وَيَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ نَقْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ وَأَيْضًا الْمُشْتَقَّاتُ كَاسْمِ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ مَوْضُوعَةٌ لِمَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَضْعَهَا نَوْعِيٌّ .
( وَهِيَ ) أَيْ الْعَلَاقَةُ ( بِالِاسْتِقْرَاءِ ) عَلَى تَحْرِيرِ الْمُصَنِّفِ خَمْسَةٌ ( مُشَابَهَةٌ صُورِيَّةٌ ) بَيْنَ مَحَلِّ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ( كَإِنْسَانٍ لِلْمَنْقُوشِ ) أَيْ كَإِطْلَاقِ لَفْظِ إنْسَانٍ عَلَى شَكْلِهِ الْمَنْقُوشِ بِجِدَارٍ وَغَيْرِهِ ( أَوْ ) مُشَابَهَةٌ بَيْنَهُمَا ( فِي مَعْنًى مَشْهُورٍ ) أَيْ صِفَةٍ غَيْرِ الشَّكْلِ ظَاهِرَةِ الثُّبُوتِ لِمَحَلِّ الْحَقِيقَةِ لَهَا بِهِ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ وَشُهْرَةٍ لِيَنْتَقِلَ الذِّهْنُ عِنْدَ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مِنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَعْنِي الْمَوْصُوفَ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَيُفْهَمُ الْمَعْنَى الْآخَرُ أَعْنِي الْمَجَازِيَّ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الصِّفَةِ لَهُ ( كَالشَّجَاعَةِ لِلْأَسَدِ ) فَإِنَّهَا صِفَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ فَإِذَا أُطْلِقَ فُهِمَ مِنْهُ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ وَانْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى الشُّجَاعِ وَإِذَا نُصِّبَتْ قَرِينَةٌ مُنَافِيَةٌ لِإِرَادَةِ الْمُفْتَرِسِ كَفِي الْحَمَّامِ فُهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شُجَاعٌ غَيْرُ الْأَسَدِ فَصَحَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الشَّجَاعَةِ ( بِخِلَافِ الْبَخَرِ ) فَإِنَّهُ صِفَةٌ خَفِيَّةٌ لَهُ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَبْخَرِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْبَخَرِ .
فَهَذَا النَّوْعُ بِقِسْمَيْهِ إحْدَى الْعِلَاقَاتِ وَقَدْ يُعَدَّانِ نَوْعَيْنِ ( وَيُخَصُّ ) هَذَا النَّوْعُ ( بِالِاسْتِعَارَةِ فِي عُرْفٍ ) أَيْ لِأَهْلِ عِلْمِ الْبَيَانِ فَهِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا شُبِّهَ بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ لِعِلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ وَكَثِيرًا مَا تُطْلَقُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ مُسْتَعَارٌ مِنْهُ وَالْمُشَبَّهُ مُسْتَعَارٌ لَهُ وَلَفْظُ الْمُشَبَّهِ بِهِ مُسْتَعَارٌ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ اللِّبَاسِ الْمُسْتَعَارِ مِنْ وَاحِدٍ فَأُلْبِسَ غَيْرَهُ وَمَا عَدَا هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْمَجَازِ يُسَمَّى مَجَازًا مُرْسَلًا وَحَكَى الْقَرَافِيُّ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كُلُّ مَجَازٍ مُسْتَعَارٍ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ ( وَالْكَوْنُ ) عَلَيْهِ أَيْ ( كَوْنُ الْمَجَازِيِّ سَابِقًا بِالْحَقِيقِيِّ عَلَى
اعْتِبَارِ الْحُكْمِ كَآتُوا الْيَتَامَى ) فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ وَهُوَ الْيُتْمُ سَبَقَ اعْتِبَارَ حَقِيقَتِهِ الْحُكْمُ وَهُوَ الْإِيتَاءُ وَإِنْ كَانَ الْحَقِيقِيُّ ثَابِتًا حَالَ التَّكَلُّمِ فَهُوَ مَجَازٌ لِانْتِفَاءِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَنْهُ حَالَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْإِيتَاءُ فَآتُوا الْيَتَامَى فِي زَمَانِ ثُبُوتِ الْيُتْمِ مَجَازٌ وَإِنْ وَقَعَ التَّكَلُّمُ بِهِ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِيقِيِّ لِلْيَتَامَى لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَّصِفًا بِهِ حَالَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ إيتَاءُ الْأَوْلِيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِي مَعْنَاهُ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُرِدْ إثْبَاتُهُ فِيهِ حَالَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ حَالُ التَّكَلُّمِ بَلْ إذَا صَارَ إلَى خِلَافِهِ فَكَانَ النَّظَرُ إلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمِنْ هَذَا رَأَيْت عَبْدًا تُرِيدُ مَعْتُوقًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ وُقُوعِ نِسْبَةِ الرُّؤْيَةِ إلَيْهِ وَقَبْلَ التَّكَلُّمِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا النَّوْعُ عَلَاقَةٌ ثَانِيَةٌ ( وَالْأَوَّلُ ) أَيْ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ ( آيِلًا إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمَجَازِيِّ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْحُكْمِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْحَاصِلُ هُوَ ( الْحَقِيقِيُّ حَالَ التَّكَلُّمِ ) أَيْ زَمَانَ إيقَاعِ النِّسْبَةِ وَالتَّكَلُّمِ كَوْنُ الْحَقِيقِيِّ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ آيِلًا إلَى الْمَجَازِيِّ أَيْ يَصِيرُ إيَّاهُ بَعْدَ وُقُوعِ النِّسْبَةِ إلَيْهِ ( كَقَتَلْت قَتِيلًا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ ) هَذَا ( حَقِيقَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ ) قَتَلْت ( حَيًّا ) وَإِنَّهُ يَصِيرُ قَتِيلًا بَعْدَ الْقَتْلِ فَكَانَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَوْلِهِ بَعْدَ الْقَتْلِ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ فَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدٍ تَوَهُّمِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ كَثِيرٌ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِتَوَهُّمِهَا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ بِالْفِعْلِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَكَفَى ) فِي كَوْنِهِ
مَجَازَ الْأَوَّلِ ( تَوَهُّمُهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ إلَيْهِ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَعَصَرْت خَمْرًا فَهُرِيقَتْ فِي الْحَالِ ) وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَئُولُ إلَيْهِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ ( بِالْقُوَّةِ الِاسْتِعْدَادُ فَيُسَاوِي ) الِاسْتِعْدَادَ ( الْأَوَّلَ عَلَى التَّوَهُّمِ ) أَيْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِعْدَادِ لِلشَّيْءِ حُصُولُهُ .
( وَعَلَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الْحُصُولِ لَا ) يُسَاوِي الِاسْتِعْدَادَ الْأَوْلَ بَلْ يَكُونُ الِاسْتِعْدَادُ أَعَمَّ مِنْ الْأَوْلِ ( فَهُوَ ) أَيْ الِاعْتِبَارُ لِتَحَقُّقِ الصَّيْرُورَةِ إلَيْهِ فِي الْأَوْلِ ( أَوْلَى ) وَيُجْعَلُ الْمُكْتَفَى فِيهِ بِالتَّوَهُّمِ مَجَازَ الِاسْتِعْدَادِ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَلَاقَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ الِاتِّحَادِ ( وَيُصْرَفُ الْمِثَالُ ) أَيْ عَصَرْت خَمْرًا فَهُرِيقَتْ فِي الْحَالِ ( لِلِاسْتِعْدَادِ ) لَا لِلْأَوْلِ لِوُجُودِ التَّوَهُّمِ فِيهِ دُونَ تَحَقُّقِ الْحُصُولِ فَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ الْعِلَاقَاتِ ثَالِثَةٌ وَرَابِعَةٌ ( وَالْمُجَاوَرَةُ ) وَهَذِهِ هِيَ الْعَلَاقَةُ الْخَامِسَةُ ( وَمِنْهَا ) أَيْ الْمُجَاوَرَةِ ( الْجُزْئِيَّةُ لِلْمُنْتَفِي عُرْفًا بِانْتِفَائِهِ ) أَيْ كَوْنُ الْمُسَمَّى الْحَقِيقِيِّ لِلِاسْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى غَيْرِهِ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِحَيْثُ يَنْتَفِي ذَلِكَ الْغَيْرُ بِانْتِفَائِهِ إمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ عُرْفًا عَامًّا إنْ كَانَ التَّخَاطُبُ بِهِ أَوْ خَاصًّا إنْ كَانَ التَّخَاطُبُ بِهِ فَأَبْهَمَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَتَنَاوَلَ كِلَيْهِمَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى صَلَاحِيَّةُ الْجُزْئِيَّةِ لِلْمُنْتَفِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِانْتِفَائِهِ لِلْعَلَامَةِ ( كَالرَّقَبَةِ ) أَيْ كَإِطْلَاقِهَا عَلَى الذَّاتِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } .
فَإِنَّ الذَّاتَ تَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ الرَّقَبَةِ ( لَا الظُّفْرِ ) فَإِنَّ الذَّاتَ لَا تَنْتَفِي بِانْتِفَائِهَا فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَيْهَا ( بِخِلَافِ الْكُلِّ فِي الْجُزْءِ ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ
عَلَى الْجُزْءِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْجُزْءُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ قُلْتُ : وَعَلَى هَذَا فَلَا يَتِمُّ كَوْنُ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يَسْتَلْزِمُ الْجُزْءَ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ ( وَمِنْهُ ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ ( الْعَامُّ لِفَرْدِهِ { الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ } ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَجَزَمَ بِهِ السُّهَيْلِيُّ قُلْت وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْعُمُومَ مِنْ بَابِ الْكُلِّيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْكُلِّ وَالْفَرْدُ مِنْهُ مِنْ بَابِ الْجُزْئِيَّةِ لَا مِنْ بَابِ الْجُزْءِ ا هـ .
فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ مَبَاحِثِ الْعَامِّ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ عَلَى الْعَامِّ نَحْوُ ( { عَلِمَتْ نَفْسٌ } ) فَإِنَّ الْمُرَادَ كُلُّ نَفْسٍ { وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } أَيْ رُفَقَاءَ ( وَالذِّهْنِيَّةُ ) أَيْ وَمِنْ الْمُجَاوَرَةِ الْمُجَاوَرَةُ الْجُزْئِيَّةُ الذِّهْنِيَّةُ ( كَالْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ كَالْمِشْفَرِ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ شَفَةُ الْبَعِيرِ ( عَلَى الشَّفَةِ مُطْلَقًا وَلِاجْتِمَاعِ الِاعْتِبَارَيْنِ ) وَهُمَا التَّشْبِيهُ وَعَدَمُهُ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعْنَى الْوَاحِدِ ( صَحَّ ) أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُ الْمِشْفَرِ عَلَى شَفَةِ الْإِنْسَانِ ( اسْتِعَارَةً ) إذَا كَانَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَهَا بِمِشْفَرِ الْإِبِلِ فِي الْغِلَظِ كَمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى التَّشْبِيهِ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ .
( وَالْمُرَادُ أَنْ يُرَادَ خُصُوصُ الشَّخْصِ ) كَزَيْدٍ ( بِاسْمِ الْمُطْلَقِ ) كَرَجُلٍ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا مَجَازٌ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ ( مُسْتَحْدَثٌ وَالْغَلَطُ ) فِيهِ جَاءَ ( مِنْ ظَنِّ ) أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ
بِوُقُوعِ ( الِاسْتِعْمَالِ فِيمَا وُضِعَ لَهُ ) وُقُوعَهُ ( فِي نَفْسِ الْمُسَمَّى ) الْكُلِّيِّ ( لَا أَفْرَادِهِ ) فَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ فِي فَرْدٍ مِنْهَا مُرَادًا بِهِ خُصُوصُ عَوَارِضِ الْفَرْدِ الْمُشَخِّصَةِ مَعَ مَعْنَاهُ الْأَعَمِّ اسْتِعْمَالًا فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا وَلَيْسَ هَذَا الظَّنُّ بِمُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ إذْ هَذِهِ الْإِرَادَةُ قَلَّمَا تَخْطُرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( وَيَلْزَمُهُمْ أَنَّ أَنَا مِنْ مُتَكَلِّمٍ خَاصٍّ وَهَذَا لِمُعَيَّنِ مَجَازٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَوْضُوعٌ لِمَعْنًى كُلِّيٍّ شَامِلٍ لِأَفْرَادِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْهَا اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ ( وَكَثِيرٌ ) أَيْ وَمَجَازِيَّةٌ كَثِيرٌ مِمَّا عَدَا هَذَيْنِ مِمَّا هُوَ كُلِّيٌّ وَضْعًا جُزْئِيٌّ اسْتِعْمَالًا ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ نَفْيِ كَوْنِ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ فِي أَفْرَادٍ خَاصَّةٍ مِنْهَا مَجَازًا ( فَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمُطْلَقِ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ ( حَقِيقَةً كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْبَحْثِ وَكَوْنُهُمَا ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( عَرْضَيْنِ فِي مَحَلٍّ كَالْحَيَاةِ لِلْعِلْمِ ) فَيُسَمَّى الْعِلْمُ حَيَاةً لِهَذِهِ الْعَلَاقَةِ .
قُلْت : إلَّا أَنَّهُ لَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَوْ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ بَيْنَهُمَا فِي صِحَّةِ تَسْمِيَةِ الْعِلْمِ حَيَاةً هَذِهِ لَجَازَ الْعَكْسُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ لَاحْتَاجَ إلَى جَوَابٍ ( أَوْ ) كَوْنُهُمَا عَرْضَيْنِ ( فِي مَحَلَّيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ ) أَيْ مُتَقَارِبَيْنِ ( كَكَلَامِ السُّلْطَانِ لِكَلَامِ الْوَزِيرِ ) وَبِالْعَكْسِ ( أَوْ ) كَوْنُهُمَا ( جِسْمَيْنِ فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَحَلَّيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ ( كَالرَّاوِيَةِ ) وَهِيَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ الَّذِي يَحْمِلُ الْمَزَادَةَ ( لِلْمَزَادَةِ ) أَيْ الْمِزْوَدِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ أَيْ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ كَذَا فِي شَرْحَيْ التَّلْخِيصِ وَشَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِلتَّفْتَازَانِيِ وَاَلَّذِي فِي شَرْحِهِ لِلْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ وَالْمَزَادَةُ ظَرْفُ الْمَاءِ يَسْتَقِي بِهِ عَلَى الدَّابَّةِ الَّتِي تُسَمَّى رَاوِيَةً
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : لَا تَكُونُ الْمَزَادَةُ إلَّا مِنْ جِلْدَيْنِ تُفْأَمُ بِجِلْدٍ ثَالِثٍ بَيْنَهُمَا لِتَتَّسِعَ وَجَمْعُهَا الْمَزَادُ وَالْمَزَايِدُ وَأَمَّا الظَّرْفُ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ أَيْ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ فَهُوَ الْمِزْوَدُ وَجَمْعُهُ الْمَزَاوِدُ انْتَهَى .
وَالْجُمْلَةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ لَا بِالْتِزَامِ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ كَالرَّاوِيَةِ لِلْقِرْبَةِ إذْ هِيَ مَا يُسْتَقَى فِيهِ الْمَاءُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ( وَكَوْنُهُمَا ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( مُتَلَازِمِينَ ذِهْنًا ) بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ( كَالسَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ ) نَحْوُ رَعَيْنَا الْغَيْثَ أَيْ النَّبَاتَ الَّذِي سَبَبُهُ الْغَيْثُ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْ شَرْطُ قَلْبِهِ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الِاخْتِصَاصُ ) أَيْ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ ( كَإِطْلَاقِ الْمَوْتِ عَلَى الْمَرَضِ ) الْمُهْلِكِ ( وَالنَّبْتِ عَلَى الْغَيْثِ ) قُلْت : وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : فِي هَذَيْنِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالْمَرَضِ لِوُقُوعِهِ بِدُونِهِ كَثِيرًا وَالنَّبْتُ لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ بِالْغَيْثِ لِوُجُودِهِ بِدُونِ خُصُوصِ الْغَيْثِ نَعَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمَاءِ وَلَعَلَّهُ مُطْلَقًا هُوَ الْمُرَادُ بِالْغَيْثِ مِنْ إطْلَاقِ الْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ وَالنَّبْتُ عَلَى الْمَاءِ ( وَالْمَلْزُومُ عَلَى اللَّازِمِ كَنَطَقَتِ الْحَالُ ) مَكَانَ دَلَّتْ فَإِنَّ النُّطْقَ مَلْزُومٌ لِلدَّلَالَةِ وَقَلْبُهُ كَشَدِّ الْإِزَارِ لِاعْتِزَالِ النِّسَاءِ كَمَا فِي قَوْلِهِ قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ دُونَ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارٍ .
( أَوْ ) مُتَلَازِمَيْنِ ( خَارِجًا كَالْغَائِطِ عَلَى الْفَضَلَاتِ ) لِأَنَّ الْغَائِطَ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ مِمَّا يُقْصَدُ عَادَةً لِإِزَالَتِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ إطْلَاقُ الْغَائِطِ عَلَيْهَا ( الْمَحَلُّ عَلَى الْحَالِ وَقَلْبُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَمَّا الَّذِينَ
ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ } أَيْ الْجَنَّةِ الَّتِي تَحِلُّ فِيهَا الرَّحْمَةُ ( وَأُدْرِجَ فِي ) التَّجَاوُرِ ( الذِّهْنِيِّ أَحَدُ الْمُتَقَابِلَيْنِ فِي الْآخَرِ ) فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مُجَاوَرَةً فِي الْخَيَالِ وَلَا سِيَّمَا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ حَتَّى إنَّ الذِّهْنَ يَنْتَقِلُ مِنْ مُلَاحَظَةِ السَّوَادِ مَثَلًا إلَى الْبَيَاضِ ( وَمُنِعَ الْإِدْرَاجُ الْمَذْكُورُ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ ) مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَقَابُلَ التَّضَايُفِ وَمُجَاوَرَةً مِنْ قَبِيلِ التَّلَازُمِ فِي الْوُجُودِ ذِهْنًا وَخَارِجًا ( وَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ إطْلَاقُ أَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ( مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِتَنْزِيلِ التَّضَادِّ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ لِتَمْلِيحٍ ) أَيْ إتْيَانٍ بِمَا فِيهِ مَلَاحَةٌ وَظَرَافَةٌ ( أَوْ تَهَكُّمٍ ) أَيْ سُخْرِيَةٍ وَاسْتِهْزَاءٍ ( أَوْ تَفَاؤُلٍ كَالشُّجَاعِ عَلَى الْجَبَانِ ) فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْغَرَضُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَلَاحَةِ لَا السُّخْرِيَةِ فَتَمْلِيحٌ وَإِلَّا فَتَهَكُّمٌ فَهُوَ صَالِحٌ لَهُمَا ( وَالْبَصِيرُ عَلَى الْأَعْمَى ) .
وَهَذَا صَالِحٌ لِلْكُلِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْمُقَامِ ( أَوْ ) مُتَلَازِمَيْنِ ( لَفْظًا ) فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا بِخُصُوصِهِ عَلَى الْآخَرِ مُشَاكَلَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } فَأَطْلَقَ السَّيِّئَةَ عَلَى الْجَزَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَسَنٌ لِوُقُوعِهِ فِي صُحْبَتِهَا وَقَدْ يُقَالُ : إنَّمَا سُمِّيَ جَزَاؤُهَا سَيِّئَةً لِأَنَّهُ يَسُوءُ مَنْ يَنْزِلُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَيْسَ مِثَالًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ بَلْ مِنْ مِثْلِهِ قَوْلُهُ قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا أَيْ خِيطُوا فَذَكَرَهَا بِلَفْظِ الطَّبْخِ لِوُقُوعِهَا فِي صُحْبَةِ طَبْخِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ .
( وَمَا ذُكِرَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مِنْ الْعَلَاقَةِ ) كَمَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ ( مُنْتَفٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ ( وَالْمَجَازُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مُتَعَلَّقِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ( مَجَازٌ ) لِانْتِفَاءِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِيهِ وَالْعَلَاقَةُ الْمُشَابَهَةُ فِي التَّعَدِّي مِنْ أَمْرٍ أَصْلِيٍّ إلَى أَمْرٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ ( وَيَجْمَعُهَا ) أَيْ الْعَلَاقَاتِ ( قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ اتِّصَالُ ) بَيْنَهُمَا ( صُورَةٍ أَوْ مَعْنًى ) لِأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ الصُّوَرِ لَهُ صُورَةٌ وَمَعْنَى لَا ثَالِثَ لَهُمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ الِاتِّصَالُ بِوَجْهٍ ثَالِثٍ انْتَهَى ( زَادَ ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ ( فِي الصُّورِيِّ ) أَيْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ اتِّصَالُ صُورَةٍ ( لَا تَدْخُلُهُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ فَانْدَفَعَ ) بِهَذَا ( لُزُومُ إطْلَاقِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ عَلَى بَعْضٍ ) فَإِنَّ اتِّصَالَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ يَدْخُلُهُ شُبْهَةُ الِاتِّحَادِ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لَهَا حَتَّى صَحَّ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْمَجْمُوعِ شَخْصٌ وَاحِدٌ وَنَحْوُهُ ( وَلَمْ يُحَقِّقُوا عَلَاقَةَ التَّغْلِيبِ ) حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ : وَأَمَّا بَيَانُ مَجَازِيَّةِ التَّغْلِيبِ وَالْعَلَاقَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَيِّ أَنْوَاعِهِ فَمَا لَمْ أَرَ أَحَدًا حَامَ حَوْلَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَعَلَّهَا فِي الْعُمَرَيْنِ ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( الْمُشَابَهَةُ سِيرَةٌ وَخُصُوصُ الْمُغَلَّبِ لِلْخِفَّةِ ) فَإِنَّ لَفْظَ عُمَرَ أَخَفُّ مِنْ لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ ( وَهُوَ ) أَيْ تَغْلِيبُ لَفْظِ عُمَرَ عَلَى لَفْظِ أَبِي بَكْرٍ ( عَكْسُ التَّشْبِيهِ ) أَصَالَةً وَهُوَ إلْحَاقُ الشَّيْءِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ فِي الْوَاقِعِ عُمَرُ وَالْمُشَبَّهَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ ( وَفِي الْقَمَرَيْنِ الْإِضَاءَةُ وَالْخُصُوصُ ) أَيْ وَتَغْلِيبُ خُصُوصِ لَفْظِ الْقَمَرِ عَلَى لَفْظِ الشَّمْسِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الشَّمْسِ أَخَفَّ ( لِلتَّذْكِيرِ ) أَيْ لِتَذْكِيرِ الْقَمَرِ
وَتَأْنِيثِ الشَّمْسِ فَإِنَّ الْمُذَكَّرَ أَخَفُّ ( مَعْكُوسًا ) أَيْ عُكِسَ التَّشْبِيهُ أَيْضًا فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ فِي الْوَاقِعِ الْقَمَرُ وَالْمُشَبَّهَ بِهِ الشَّمْسُ ( وَأَمَّا الْخَافِقَانِ فَلَا تَغْلِيبَ ) فِيهِ ( عَلَى أَنَّهُ لِلضِّدَّيْنِ وَقَدْ نُقِلَ ) فَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ : الْخَافِقَانِ أُفُقَا الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَخْفِقَانِ فِيهِمَا أَيْ يَضْطَرِبَانِ وَهُوَ مَعْنَى مَا قِيلَ هُمَا الْهَوَاءَانِ الْمُحِيطَانِ بِجَانِبَيْ الْأَرْضِ جَمِيعًا .
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ : هُمَا طَرَفُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ الْخَافِقَ حَقِيقَةً فِي الْمَغْرِبِ مِنْ خَفَقَتْ النُّجُومُ إذَا غَابَتْ أَوْ فِي الْمَشْرِقِ لِأَنَّهُ تَخْفِقُ مِنْهُ الْكَوَاكِبُ أَيْ تَلْمَعُ فَقَدْ غَلَّبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَيَّامًا كَانَ فَيَحْتَاجُ إلَى عَلَاقَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهَا .
( تَنْبِيهٌ يُقَالُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ بِالِاشْتِرَاكِ الْعُرْفِيِّ فَعَلَى الْإِسْنَادِ عِنْدَ قَوْمٍ ) كَصَاحِبِ التَّلْخِيصِ ( وَعَلَى الْكَلَامِ عَلَى الْأَكْثَرِ ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيُّ ( وَهُوَ ) أَيْ وَصْفُ الْكَلَامِ بِهِمَا ( أَقْرَبُ ) مِنْ وَصْفِ الْإِسْنَادِ بِهِمَا وَيَأْتِي وَجْهُهُ قَرِيبًا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ ( فَالْحَقِيقَةُ الْجُمْلَةُ الَّتِي أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ ) مِنْ الْمَصْدَرِ وَاسْمَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَالصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَاسْمِ التَّفْضِيلِ وَالظَّرْفِ ( إلَى مَا ) أَيْ شَيْءٍ ( هُوَ ) أَيْ الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ ( لَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الشَّيْءِ كَالْفَاعِلِ فِيمَا بُنِيَ لَهُ وَالْمَفْعُولُ فِيمَا بُنِيَ لَهُ نَحْوُ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا أَوْ ضُرِبَ عَمْرٌو فَإِنَّ الضَّارِبِيَّةَ لِزَيْدٍ وَالْمَضْرُوبِيّةَ لِعَمْرٍو بِخِلَافِ نَهَارُهُ صَائِمٌ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ لِلنَّهَارِ فَمَعْنَى كَوْنِهِ لَهُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ بِهِ وَوَصْفٌ لَهُ وَحَقُّهُ أَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَرَبَ أَوْ لَا كَمَاتَ ( عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ ) .
وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِلَهُ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ بِأَنْ يُفْهَمَ مِنْ ظَاهِرِ حَالِهِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا يَدْخُلُ فِي التَّعْرِيفِ مَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ طَابَقَ الْوَاقِعَ أَوْ لَا كَقَوْلِك جَاءَ زَيْدٌ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ لَمْ يَجِئْ إذَا قَصَدْت تَرْوِيجَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لِغَرَضٍ لَك فِيهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اقْتَصَرَ فِي الْمِفْتَاحِ عَلَيْهِ وَظَهَرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا حَاجَةَ إلَى فِي الظَّاهِرِ ) كَمَا فِي التَّلْخِيصِ لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ لِدُخُولِهِ بِدُونِهِ ( لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ الْحَقِيقَةُ فِي نَفْسِهَا ثُمَّ الْحُكْمُ
بِوُجُودِهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ ( بِدَلِيلِهِ ) أَيْ الْوُجُودِ ( غَيْرُ ذَلِكَ ) أَيْ غَيْرُ الْحَقِيقَةِ فِي نَفْسِهَا نَعَمْ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ الْمُسْنَدُ فِعْلًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ نَحْوُ زَيْدٌ إنْسَانٌ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَالسَّكَّاكِيِّ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ وَلَا مَحِيصَ إلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يُسَمَّى حَقِيقَةً كَمَا لَا يُسَمَّى مَجَازًا أَيْضًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ .
( وَالْمَجَازُ ) الْجُمْلَةُ الَّتِي أُسْنِدَ فِيهَا الْفِعْلُ أَوْ مَعْنَاهُ ( إلَى غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ ( لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ ) بَيْنَ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ وَبَيْنَ غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ وَعَلَى أَنَّهُمَا وَصْفُ الْإِسْنَادِ قَوْلُهُ ( أَوْ الْإِسْنَادُ كَذَلِكَ ) أَيْ إسْنَادُ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ أَوْ مَعْنَاهُ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ ( وَالْأَحْسَنُ فِيهِمَا مُرَكَّبٌ ) نُسِبَ فِيهِ أَمْرٌ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا وَصْفًا لِلْكَلَامِ ( وَنِسْبَةٌ ) لِأَمْرٍ إلَى مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ إلَى غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لِمُشَابَهَةِ الْمُلَابَسَةِ عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُمَا وَصْفًا لِلنِّسْبَةِ ( لِيَدْخُلَ ) الْمُرَكَّبُ ( الْإِضَافِيُّ إنْبَاتَ الرَّبِيعِ ) وَشِقَاقَ بَيْنِهِمَا وَمَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لِشُمُولِ النِّسْبَةِ النِّسْبَةَ التَّامَّةَ وَغَيْرَهَا بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ وَهَذِهِ الْمُرَكَّبَاتُ لَا إسْنَادَ فِيهَا بِهَذَا الْمَعْنَى .
ثُمَّ إنَّمَا قَالَ الْأَحْسَنُ لِإِمْكَانِ دَفْعِ إيرَادِ خُرُوجِ الْمُرَكَّبِ الْإِضَافِيِّ أَوْ النِّسْبَةِ الْإِضَافِيَّةِ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُرَكَّبِ الْإِسْنَادِيِّ وَمَا سِوَاهُ مُتَفَرِّعٌ عَلَيْهِ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ
بِالْإِسْنَادِ مُطْلَقُ النِّسْبَةِ هَذَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : كُلٌّ مِنْ هَذِهِ التَّعَارِيفِ لِلْمَجَازِ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُ قَاصِدًا بِهِ صُدُورَ الْكَذِبِ عَنْهُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجَازٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُطَابِقٍ لِاعْتِقَادِهِ بَلْ مُخَالِفٌ لِمَا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ بِصَدَدِ تَرْوِيجِهِ بِمَا يُمْكِنُهُ فَلَا يَرْتَكِبُ فِيهِ تَأْوِيلًا أَصْلًا فَالْوَجْهُ زِيَادَةٌ بِضَرْبٍ مِنْ التَّأْوِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّكَّاكِيُّ وَغَيْرُهُ لِئَلَّا يَصْدُقَ التَّعْرِيفُ عَلَيْهِ ( وَيُسَمَّيَانِ ) أَيْ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ وَهَذَا الْمَجَازُ ( عَقْلِيَّيْنِ ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحَلِّهِ أَوْ مُجَاوِزٌ عَنْهُ هُوَ الْعَقْلُ لَا الْوَضْعُ .
( وَوَجْهُ الْأَقْرَبِيَّةِ ) أَيْ كَوْنِ قَوْلِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى الْكَلَامِ أَقْرَبَ مِنْ قَوْلِهِمَا عَلَى الْإِسْنَادِ ( اسْتِقْرَارُ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ بِهِمَا ( لِلَّفْظِ وَالْمُرَكَّبِ ) الْكُلِّيِّ ( مَوْضُوعٌ لِلتَّرْكِيبِيِّ ) أَيْ لِلْمَعْنَى التَّرْكِيبِيِّ وَضْعًا ( نَوْعِيًّا تَدُلُّ أَفْرَادُهُ ) أَيْ الْمُرَكَّبِ الْكُلِّيِّ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمُعَيَّنَةِ عَلَى مَعَانِيهَا التَّرْكِيبِيَّةِ ( بِلَا قَرِينَةٍ فَهِيَ ) أَيْ أَفْرَادُهُ الَّتِي هِيَ الْمُرَكَّبَاتُ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الْمَذْكُورَةِ ( حَقَائِقُ ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهَا ( فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ ) الْمُرَكَّبُ ( فِيمَا ) أَيْ فِي الْمَعْنِيِّ ( بِهَا ) أَيْ بِالْقَرِينَةِ ( فَمَجَازٌ ) أَيْ فَذَلِكَ الْمُرَكَّبُ مَجَازٌ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي مَعْنًى غَيْرِ وَضْعِيٍّ لَهُ بِالْقَرِينَةِ فَلَا يَنْهَضُ تَوْجِيهُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ اخْتِيَارَ كَوْنِهِمَا وَصْفًا لِلْإِسْنَادِ بِأَنَّ الْإِسْنَادَ يُنْسَبُ إلَى الْعَقْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالْكَلَامُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْإِسْنَادَ مَنْسُوبٌ إلَى الْعَقْلِ عَلَى تَوْجِيهِ اخْتِيَارِ كَوْنِهِمَا وَصْفًا لِلْمُرَكَّبِ ( وَالْأَوَّلَانِ ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي الْمُفْرَدِ ( لُغَوِيَّيْنِ تَعْمِيمًا لِلُّغَةِ
فِي الْعُرْفِ ) فَيَشْمَلَانِ الْعُرْفِيَّيْنِ وَإِنَّمَا سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ صَاحِبَ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَاضِعُ اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي الْغَيْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَوْعِ حَقِيقَتِهَا ( وَتُوصَفُ النِّسْبَةُ بِهِمَا ) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَيُقَالُ نِسْبَةُ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ .
( وَتُنْسَبُ ) النِّسْبَةُ إلَيْهِمَا ( لِنِسْبَتِهَا ) أَيْ نِسْبَةِ النِّسْبَةِ ( إلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ) فَيُقَالُ : نِسْبَةٌ حَقِيقِيَّةٌ وَنِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ ( وَاسْتِبْعَادُهُ ) أَيْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ ( بِاتِّحَادِ جِهَةِ الْإِسْنَادِ ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ إذْ لَيْسَ لِلْإِسْنَادِ جِهَتَانِ جِهَةُ الْحَقِيقَةِ وَجِهَةُ الْمَجَازِ كَالْأَسَدِ وَالْمَجَازُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ ( بَعِيدٌ إذْ لَا يَمْنَعُ اتِّحَادُهُ ) أَيْ الْإِسْنَادِ ( بِحَسَبِ الْوَضْعِ ) اللُّغَوِيِّ ( انْقِسَامَهُ ) أَيْ الْإِسْنَادِ ( عَقْلًا إلَى مَا هُوَ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ ) فَيَكُونُ إلَيْهِ حَقِيقَةً ( وَمَا لَيْسَ لَهُ ) فَيَكُونُ إلَيْهِ مَجَازًا وَإِنَّمَا يُنَافِيه اتِّحَادُ جِهَتِهِ بِحَسَبِ الْعَقْلِ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ فَإِنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ مَحَلًّا لَهُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ وَمُتَعَلِّقًا لَهُ فِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلُ وَيَرْتَضِيهِ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَأْبَاهُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ ( ثُمَّ ) .
لَا يَمْنَعُ ( وَضْعُ الِاصْطِلَاحِ ) ذَلِكَ ( وَالطَّرَفَانِ ) أَيْ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ وَالْمُسْنَدُ وَالْمُضَافُ وَالْمُضَافُ إلَيْهِ فِي الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ ( حَقِيقِيَّانِ كَأَشَابَ الصَّغِيرُ الْبَيْتَ ) أَيْ أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِيرَ كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيِّ يَعْنِي إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ قَائِلَهُ قَالَهُ عَنْ اعْتِقَادٍ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْإِشَابَةِ وَالْإِفْنَاءِ وَالْكَرِّ وَالْمَرِّ مُرَادٌ بِهِ حَقِيقَتُهُ أَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ قَالَهُ عَنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ وَلَمْ يَظُنَّ شَيْئًا مِنْهُمَا تَرَدَّدَ بَيْنَ كَوْنِهِ مَجَازًا
صَادِقًا وَكَوْنِهِ حَقِيقَةً كَاذِبَةً وَهُوَ لِلصَّلَتَانِ الْعَبْدِيِّ ( أَوْ مَجَازَانِ كَأَحْيَانِي اكْتِحَالِي بِطَلْعَتِك ) .
فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْيَاءِ السُّرُورُ وَبِالِاكْتِحَالِ الرُّؤْيَةُ وَكِلَاهُمَا مَجَازٌ عَنْهُمَا ( أَوْ أَحَدِهِمَا ) وَهُوَ الْمُسْنَدُ إلَيْهِ حَقِيقَةٌ وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمُسْنَدُ مَجَازٌ نَحْوُ قَوْلِ الْجَاهِلِ أَحْيَا الرَّبِيعُ الْأَرْضَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالرَّبِيعِ حَقِيقَتُهُ وَبِإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِلْإِحْيَاءِ وَهُوَ تَهْيِيجُ الْقُوَى النَّامِيَةِ فِيهَا وَإِحْدَاثُ نَضَارَتِهَا بِأَنْوَاعِ النَّبَاتِ إذْ الْإِحْيَاءُ حَقِيقَةً إعْطَاءُ الْحَيَاةِ وَهِيَ صِفَةٌ تَقْتَضِي الْحِسَّ وَالْحَرَكَةَ الْإِرَادِيَّةَ أَوْ بِالْعَكْسِ نَحْوُ كَسَا الْبَحْرُ الْفَيَّاضَ الْكَعْبَةَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرِ الْفَيَّاضِ الشَّخْصُ الْجَوَادُ وَهُوَ مَجَازِيٌّ لَهُ وَبِالْكُسْوَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الْمَعْرُوفُ .
( وَقَدْ يَرِدُ ) الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ ( إلَى التَّجَوُّزِ بِالْمُسْنَدِ فِيمَا يَصِحُّ نِسْبَتُهُ ) إلَى الْمُسْنَدِ إلَيْهِ ( وَإِلَى كَوْنِ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ اسْتِعَارَةً بِالْكِنَايَةِ كَالسَّكَّاكِيِّ وَلَيْسَ ) هَذَا الْقَوْلُ ( مُغْنِيًا ) عَنْ الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْإِسْنَادِ مَجَازِيًّا ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الِاسْتِعَارَةَ بِالْكِنَايَةِ ( إرَادَةُ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِلَفْظِ الْمُشَبَّهِ بِادِّعَائِهِ ) أَيْ الْمُشَبَّهِ ( مِنْ أَفْرَادِهِ ) أَيْ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَيَدَّعِي أَنَّ اسْمَ الْمَنِيَّةِ مَثَلًا فِي مَخَالِبِ الْمَنِيَّةِ نَشِبَتْ بِفُلَانٍ اسْمٌ لِلسَّبُعِ مُرَادِفٌ لَهُ بِارْتِكَابِ تَأْوِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَنِيَّةَ تَدْخُلُ فِي جِنْسِ السِّبَاعِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ فَالْمُرَادُ بِهَا السَّبُعُ بِادِّعَاءِ السَّبُعِيَّةِ لَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ السَّكَّاكِيُّ ( فَلَمْ يَخْرُجْ ) الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ ( عَنْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ إلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ ) عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ فَيَكُونُ مَجَازًا عَقْلِيًّا .
( وَقَدْ يُعْتَبَرُ ) الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ ( فِي الْهَيْئَةِ التَّرْكِيبِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّلَبُّسِ
الْفَاعِلِيِّ وَلَا مَجَازَ فِي الْمُفْرَدَاتِ ) حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا الْمَجَازُ الْعَقْلِيُّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْ حَيْثُ أُسْنِدَ فِيهِ الْفِعْلُ إلَى غَيْرِ مَا يَقْتَضِي الْعَقْلُ إسْنَادَهُ إلَيْهِ تَشْبِيهًا بِالْفَاعِلِ الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ شَبَّهَ التَّلَبُّسَ الْغَيْرَ الْفَاعِلِيَّ بِالتَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ اللَّفْظَ الْمَوْضُوعَ لِإِفَادَةِ التَّلَبُّسِ الْفَاعِلِيِّ ( فَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَجَازُ ( اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ ) وَهِيَ اسْتِعَارَةُ وَصْفِ إحْدَى صُورَتَيْنِ مُنْتَزَعَتَيْنِ مِنْ أُمُورٍ لِوَصْفِ الْأُخْرَى فَمَثَلًا إذَا شَبَّهْت تَرَدُّدَ الْمُفْتِي فِي حُكْمٍ بِصُورَةِ تَرَدُّدِ مَنْ قَامَ لِيَذْهَبَ وَقُلْت : أَرَاك أَيُّهَا الْمُفْتِي تُقَدِّمُ رِجْلًا وَتُؤَخِّرُ أُخْرَى لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي تُقَدِّمُ وَتُؤَخِّرُ رِجْلًا اسْتِعَارَةٌ إذْ لَمْ يَقَعْ بِهَذَا التَّجَوُّزِ تَصَرُّفٌ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا قَبْلَ الِاسْتِعَارَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَجْمُوعِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّجَوُّزُ فِي مَجْمُوعِ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ بِاعْتِبَارِ انْتِزَاعِ صُورَةٍ مِنْهُ وَتَشْبِيهِهَا بِصُورَةٍ أُخْرَى مِثْلِهَا وَادِّعَاءِ دُخُولِ الْأُولَى فِي جِنْسِ الْأُخْرَى رَوْمًا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّشْبِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَبَّهَةِ اللَّفْظُ الْمُرَكَّبُ الدَّالُ عَلَى الصُّورَةِ الْمُشَبَّهِ بِهَا ( وَلَمْ يَقُولُوهُ ) أَيْ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ هَذَا ( هُنَا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( فَإِنَّمَا هِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْإِرَادَاتُ الْمَجَازِيَّةُ ( اعْتِبَارَاتٌ ) وَتَصَرُّفَاتٌ عَقْلِيَّةٌ لِلْمُتَكَلِّمِ ( قَدْ يَصِحُّ الْكُلُّ فِي مَادَّةٍ وَقَدْ لَا ) يَصِحُّ الْكُلُّ فِيهَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي خُصُوصِهَا بَعْضُهَا ( فَلَا حَجْرَ ) فِيهَا لِأَنَّ الْمَجَازَ يَكْفِي فِيهِ الْعَلَاقَةُ الْمُعْتَبَرُ نَوْعُهَا وَلَا يُجْبَرُ الِاسْتِعْمَالُ وَالتَّرْكِيبُ الْوَاحِدُ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ اعْتِبَارُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَيُمْكِنُ
اعْتِبَارُ التَّجَوُّزِ فِيهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّةَ اعْتَبَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْمَجَازَ فِي قَوْله تَعَالَى { خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ لَا خِلَافَ أَنَّ ) الْأَسْمَاءَ ( الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ) فِي غَيْرِ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ ( حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٍ يَتَبَادَرُ مِنْهَا مَا عُلِمَ ) لَهَا مِنْ مَعَانِيهَا الْمَذْكُورَةِ ( بِلَا قَرِينَةٍ ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَكُونُ مَنْقُولًا أَوْ لَا فَيَكُونُ مُبْتَدَأً ( بَلْ ) الْخِلَافُ ( فِي أَنَّهَا ) أَيْ الْأَسْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِأَهْلِ الشَّرْعِ فِي الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ حَقِيقَةً ( عُرْفِيَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ ) أَيْ بِسَبَبِ وَضْعِهِمْ إيَّاهَا لِتِلْكَ الْمَعَانِي فَهِيَ فِي تَخَاطُبِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِلَا قَرِينَةٍ وَأَمَّا الشَّارِعُ فَإِنَّمَا اسْتَعْمَلَهَا فِيهَا مَجَازًا عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَلَا تُحْمَلُ عَلَيْهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ ( أَوْ ) حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ ( بِوَضْعِ الشَّارِعِ ) حَتَّى أَنَّهَا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِلَا قَرِينَةٍ ( فَالْجُمْهُورُ ) الْوَاقِعُ ( الثَّانِي ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ الثَّانِي ( يُحْمَلُ كَلَامُهُ ) أَيْ الشَّارِعُ .
وَكَلَامُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ وَمَنْ يُخَاطَبُ بِاصْطِلَاحِهِمْ أَيْضًا إذَا وَقَعَتْ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرَائِنِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَمِنْهُمْ ( وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ) الْوَاقِعُ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ لِلْمُتَشَرِّعَةِ لَا لِلشَّارِعِ ( فَعَلَى اللُّغَوِيِّ ) يُحْمَلُ إذَا وَقَعَتْ فِي كَلَامِهِ مُحْتَمِلَةً لِلُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ ( إلَّا بِقَرِينَةٍ ) تُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ لِزَعْمِهِ أَنَّهَا مُبْقَاةٌ عَلَى حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَسَيَأْتِي مَا يُوَافِقُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ كَمَا يُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَأَشَارَ هُنَا إلَى إنْكَارِهِ بِقَوْلِهِ ( وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَوْنَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلَةً ( لِلْأَفْعَالِ ) الْمَعْلُومَةِ شَرْعًا ( فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ وَأَشْهَرُ )
أَيْ وَإِنَّهُ مَجَازٌ أَشْهَرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : إذْ لَا شَكَّ فِي اشْتِهَارِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ قَبْلَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَجَازَاتٍ حِينَ ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهَا لَكِنَّهَا صَارَتْ فِيهَا أَشْهُرُ مِنْهَا فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ ( وَهُمْ ) أَيْ الْقَاضِي وَالْجُمْهُورُ ( يُقَدِّمُونَهُ ) أَيْ الْمَجَازَ الْأَشْهَرَ مِنْ الْحَقِيقَةِ ( عَلَى الْحَقِيقَةِ ) فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ إذَا وَقَعَ فِي لَفْظِهِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ : فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَتَرَتَّبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ اللُّغَوِيِّ عَلَى كَوْنِهَا مَجَازَاتٍ فِي اسْتِعْمَالِهِ ؟ قُلْت : لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَجَازَاتٍ لَا يُحْكَمُ بِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَعَهَا فِي اسْتِعْمَالِهِ وَالْفَرْضُ أَنْ لَا نَقْلَ لَزِمَ حَمْلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَحُكِمَ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : إنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا حَقَائِقَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ لَزِمَ كَوْنُهَا مَجَازًا فِي اسْتِعْمَالِهِ فِيهَا وَأُنْكِرَ كَوْنُ قَوْلِ الْقَاضِي إنَّ الشَّارِعَ اسْتَعْمَلَهَا فِي حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ يَقُولَ عَالِمٌ إنَّ قَوْله تَعَالَى { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ } مَعْنَاهُ أَقِيمُوا الدُّعَاءَ .
ثُمَّ شَرَطَ فِيهِ الْأَفْعَالَ الَّتِي هِيَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَتَكُونُ خَارِجَةً عَنْ الصَّلَاةِ شَرْطًا كَالْوُضُوءِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ هَذَا عَنْهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمَحْصُولِ وَحَكَمَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِنَفْيِهِ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ الْآتِي الْمُتَضَمِّنُ كَوْنَهَا فِي الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ وَالزِّيَادَاتِ شُرُوطٌ مِنْ الْتِزَامِ النَّافِينَ عَنْهُ وَأَيْضًا ( فَمَا قِيلَ ) أَيْ قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ ( الْحَقُّ أَنَّهَا مَجَازَاتٌ ) لُغَوِيَّةٌ ( اُشْتُهِرَتْ يَعْنِي فِي لَفْظِ الشَّارِعِ ) لَا
مَوْضُوعَاتٌ مُبْتَدَأَةٌ لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ بَلْ هُوَ ( مَذْهَبُ الْقَاضِي ) بِعَيْنِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الِاشْتِهَارِ بَعْدَ تَجَوُّزِ الشَّارِعِ بِاللَّفْظِ ( وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ) وِفَاقًا لِأَخِيهِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ ( بِأَنَّهَا أَيْ الصَّلَاةَ اسْمٌ لِلدُّعَاءِ سَمَّى بِهَا عِبَادَةً مَعْلُومَةً لِمَا أَنَّهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ ( شُرِعَتْ لِلذِّكْرِ ) أَيْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِنُعُوتِ جَلَالِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ قَالَ تَعَالَى { وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } .
قِيلَ : أَيْ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي أَرْكَانِهَا فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَكُلُّ دُعَاءٍ ذِكْرٌ لِأَنَّ الدُّعَاءَ ذِكْرُ الْمَدْعُوِّ لِطَلَبِ أَمْرٍ مِنْهُ فَسُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ الْمَعْلُومَةُ بِهَا مَجَازًا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ ( يُرِيدُ مَجَازًا لُغَوِيًّا هُجِرَتْ حَقَائِقُهَا أَيْ مَعَانِيهَا الْحَقِيقِيَّةُ لُغَةً فَلَيْسَ ) قَوْلُهُ ( مَذْهَبًا آخَرَ ) غَيْرَ الْمَذْهَبَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ ( كَالْبَدِيعِ ) أَيْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَدِيعِ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شَارِحِي الْبَزْدَوِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ اسْتِعْمَالِهَا فِي هَذِهِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ صَيَّرَتْهَا كَالْحَقَائِقِ لَا أَنَّهَا حَقَائِقُ شَرْعِيَّةٌ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ ( لَنَا ) عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِوَضْعِ الشَّارِعِ ( الْقَطْعُ بِفَهْمِ الصَّحَابَةِ قَبْلَ حُدُوثِ الِاصْطِلَاحَاتِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَهُوَ ظَرْفٌ لِفَهْمِ الصَّحَابَةِ وَمَفْعُولُهُ ( ذَلِكَ ) أَيْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيَّ لَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ فَهْمُهُمْ ذَلِكَ ( فَرَّعَهُ ) أَيْ فَرَّعَ الْوَضْعَ لَهَا ( نَعَمْ لَا بُدَّ أَوَّلًا مِنْ نَصْبِ قَرِينَةِ النَّقْلِ ) دَفْعًا لِتَبَادُرِ اللُّغَوِيِّ ( فَمَدَارُ التَّوْجِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَزِمَ تَقْدِيرُ قَرِينَةِ غَيْرِ
اللُّغَوِيِّ فَهَلْ الْأَوْلَى تَقْدِيرُهَا قَرِينَةَ تَعْرِيفِ النَّقْلِ أَوْ الْمَجَازِ .
وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ) أَيْ تَقْدِيرُ قَرِينَةِ غَيْرِ اللُّغَوِيِّ قَرِينَةَ تَعْرِيفِ النَّقْلِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ( إذْ عُلِمَ اسْتِمْرَارُهُ ) أَيْ الشَّارِعُ ( عَلَى قَصْدِهِ ) أَيْ الشَّرْعِيِّ ( مِنْ اللَّفْظِ أَبَدًا إلَّا لِدَلِيلٍ ) فَإِنَّ اسْتِمْرَارَهُ عَلَى ذَلِكَ أَمَارَةُ نَسْخِ إرَادَةِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَعْنَى النَّقْلِ ( وَالِاسْتِدْلَالُ ) لِلْمُخْتَارِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْبَدِيعِ ( بِالْقَطْعِ بِأَنَّهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ فِي الشَّرْعِ مَوْضُوعَةٌ ( لِلرَّكَعَاتِ وَهُوَ ) أَيْ وَالْقَطْعُ بِأَنَّهَا لَهَا فِي الشَّرْعِ هُوَ ( الْحَقِيقَةُ ) الشَّرْعِيَّةُ ( لَا يُفِيدُ ) إثْبَاتَ الْمُخْتَارِ ( لِجَوَازِ ) كَوْنِهَا مَجَازًا فِيهَا ثُمَّ ( طَرُّوهُ ) أَيْ الْقَطْعُ بِذَلِكَ ( بِالشُّهْرَةِ ) أَيْ بِشُهْرَتِهَا فِيهَا شَرْعًا ( أَوْ بِوَضْعِ أَهْلِ الشَّرْعِ ) إيَّاهَا لَهَا ( قَالُوا ) أَيْ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ أَوَّلًا ( إذَا أَمْكَنَ عَدَمُ النَّقْلِ تَعَيَّنَ وَأَمْكَنَ ) عَدَمُ النَّقْلِ ( بِاعْتِبَارِهَا ) بَاقِيَةً ( فِي اللُّغَوِيَّةِ وَالزِّيَادَاتِ ) الَّتِي جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا ( شُرُوطُ اعْتِبَارِ الْمَعْنَى شَرْعًا .
وَهَذَا ) الدَّلِيلُ جَارٍ ( عَلَى غَيْرِ مَا حَرَّرْنَا عَنْهُ ) أَيْ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهَا مَجَازٌ أَشْهُرُ مِنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ ( مُخْتَرَعٌ بِاخْتِرَاعِ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِيَ ( قَائِلٌ بِأَنَّهَا ) مُسْتَعْمَلَةٌ ( فِي حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ ) وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ فِيهِ قُلْت : لَكِنْ ذَكَرَ الْأَبْهَرِيُّ أَنَّ لِلْقَاضِي قَوْلَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْآخَرُ هَذَا وَقَالَ : قَالَ الْإِمَامُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَاسْتَمَرَّ عَلَى لَجَاجٍ ظَاهِرٍ فَقَالَ : الصَّلَاةُ الدُّعَاءُ وَالْمُسَمَّى بِهَا فِي الشَّرْعِ هُوَ الدُّعَاءُ لَكِنْ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ وُقُوعِ أَفْعَالٍ وَأَحْوَالٍ وَطَرَدَ ذَلِكَ فِي الْأَلْفَاظِ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ فَإِذَا صَحَّ هَذَا عَنْ الْقَاضِي فَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ ( وَأُجِيبَ
بِاسْتِلْزَامِهِ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( عَدَمَ السُّقُوطِ ) لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِ ( بِلَا دُعَاءٍ لِافْتِرَاضِهِ ) أَيْ الدُّعَاءِ ( بِالذَّاتِ وَ ) بِاسْتِلْزَامِهِ ( السُّقُوطَ ) لَهَا عَنْ ذِمَّتِهِ ( بِفِعْلِ الشَّرْطِ ) الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَقَطْ ( مُطَّرِدًا ) أَيْ دَائِمًا ( فِي الْأَخْرَسِ الْمُنْفَرِدِ ) لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ اللُّغَوِيُّ وَكِلَاهُمَا مَمْنُوعٌ إلَّا أَنَّ السُّبْكِيَّ قَالَ : وَلَك مَنْعُ كَوْنِ الْأَخْرَسِ لَيْسَ بِدَاعٍ إذْ الدُّعَاءُ هُوَ الطَّلَبُ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ وَذَلِكَ يُوجَدُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَبِأَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ مُلَازِمًا لِلصَّلَاةِ ا هـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ( ثُمَّ لَا يَتَأَتَّى ) هَذَا التَّوْجِيهُ ( فِي بَعْضِهَا ) أَيْ الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لُغَةُ النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ وَشَرْعًا تَمْلِيكُ قَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ لِشَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ ثَانِيًا ( لَوْ نَقَلَهَا ) أَيْ الشَّارِعُ الْأَسْمَاءَ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى غَيْرِهَا ( فَهَّمَهَا ) أَيْ الْمَعَانِيَ الْمَنْقُولَةَ ( لَهُمْ ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ بِمَا تَضَمَّنَتْهَا وَالْفَهْمُ شَرْطُ التَّكْلِيفِ ( وَلَوْ وَقَعَ ) التَّفْهِيمُ ( نُقِلَ ) إلَيْنَا لِأَنَّنَا مُكَلَّفُونَ بِهِ أَيْضًا ( وَلَزِمَ تَوَاتُرُهُ ) أَيْ النَّقْلِ ( عَادَةً ) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِلَّا لَمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي النَّقْلِ ( وَالْجَوَابُ الْقَطْعُ بِفَهْمِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ الْمَعَانِيَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْهَا ( كَمَا ذَكَرْنَا ) صَدْرَ الِاسْتِدْلَالِ ( وَفَهْمُنَا ) أَيْ وَالْقَطْعُ بِفَهْمِنَا تِلْكَ الْمَعَانِيَ أَيْضًا مِنْهَا ( وَبَعْدَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ لَا يَلْزَمُ تَعْيِينُ طَرِيقِهِ وَلَوْ الْتَزَمْنَاهُ ) أَيْ تَعْيِينَ طَرِيقِهِ ( جَازَ ) أَنْ يَكُونَ التَّفْهِيمُ ( بِالتَّرْدِيدِ ) أَيْ بِمَعُونَةِ التَّكْرَارِ ( بِالْقَرَائِنِ ) أَيْ مَعَهَا ( كَالْأَطْفَالِ ) يَتَعَلَّمُونَ اللُّغَاتِ مِنْ غَيْرِ
تَصْرِيحٍ لَهُمْ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى بَلْ إذَا رُدِّدَ اللَّفْظُ وَكُرِّرَ يَحْفَظُونَهُ وَيَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ بِالْقَرِينَةِ ( أَوْ ) جَازَ أَنْ يَكُونَ ( أَصْلُهُ ) أَيْ التَّفْهِيمِ ( بِإِخْبَارِهِ ) أَيْ الشَّارِعِ ( ثُمَّ اسْتَغْنَى عَنْ إخْبَارِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( لِمَنْ يَلِيهِمْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ لِحُصُولِ الْقَصْدِ ) بِدُونِهِ لِلشُّهْرَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَبَادُرِهَا مِنْهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ ثَالِثًا ( لَوْ نُقِلَتْ ) الْأَسْمَاءُ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ ( كَانَتْ ) الْأَسْمَاءُ الْمَنْقُولَةُ إلَيْهَا ( غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ لِأَنَّهُمْ ) أَيْ الْعَرَبَ ( لَمْ يَضَعُوهَا وَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهَا وَمَا بَعْضُهُ عَرَبِيٌّ دُونَ بَعْضٍ لَا يَكُونُ كُلُّهُ عَرَبِيًّا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } ( أُجِيبَ ) بِالْمَنْعِ وَالْقَوْلُ ( بِأَنَّهَا عَرَبِيَّةٌ إذْ وَضْعُ الشَّارِعِ لَهَا يُنْزِلُهَا مَجَازَاتٍ لُغَوِيَّةً وَيَكْفِي فِي الْعَرَبِيَّةِ ) أَيْ فِي كَوْنِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً ( كَوْنُ اللَّفْظِ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ ( وَالِاسْتِعْمَالُ عَلَى شَرْطِهَا ) أَيْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَضَعُوا عَيْنَ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي كَوْنِهَا عَرَبِيَّةً ( لَمْ يُخِلَّ ) كَوْنُهَا عَرَبِيَّةً ( بِعَرَبِيَّتِهِ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( إمَّا لِكَوْنِ الضَّمِيرِ ) فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } ( لَهُ ) أَيْ لِلْقُرْآنِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقُرْآنُ ( مِمَّا يَصْدُقُ الِاسْمُ ) أَيْ اسْمُهُ ( عَلَى بَعْضِهِ ) أَيْ بَعْضِ مُسَمَّاهُ ( كَكُلِّهِ كَالْعَسَلِ ) فَإِنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ الْعَسَلُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ يَصْدُقُ الْقُرْآنُ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَعَلَى جَمِيعِهِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَرَأَ جُزْءًا مِنْهُ حَنِثَ لِمُشَارَكَةِ الْجُزْءِ الْكُلَّ فِي
الِاتِّفَاقِ فِي الْحَقِيقَةِ فَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ الْقُرْآنُ وَيُرَادُ بِهِ بَعْضُهُ وَلَا رَيْبَ فِي كَوْنِهِ عَرَبِيًّا ( بِخِلَافِ الْمِائَةِ وَالرَّغِيفِ ) مِمَّا لَا يُشَارِكُ الْجُزْءُ الْكُلَّ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ فِيهِ الِاسْمُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْكُلِّ وَالْجُزْءِ حَقِيقَةً فَلَا يُطْلَقُ الِاسْمُ وَيُرَادُ بِهِ الْجُزْءُ حَقِيقَةً ( أَوْ ) لِكَوْنِ الضَّمِيرِ ( لِلسُّورَةِ ) بِاعْتِبَارِ الْمُنْزَلِ أَوْ الْمَذْكُورِ أَوْ الْقُرْآنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَآلَ هَذَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى أَنَّ عَلَى هَذَا الضَّمِيرَ لِبَعْضٍ مُعَيَّنٍ هُوَ السُّورَةُ وَعَلَى الْأَوَّلِ الضَّمِيرُ لِبَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّورَةَ أَوْ غَيْرَهَا وَأَنَّ الْقُرْآنَ كَمَا يُطْلَقُ مُرَادًا بِهِ الْمَفْهُومُ الْكُلِّيُّ الصَّادِقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُ وَعَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرْنَا يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَجْمُوعُ الشَّخْصِيُّ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إرَادَتُهُ فِي كَلَامِ إطْلَاقٍ لِيَنْدَفِعَ بِهِ كُلٌّ مِنْ التَّوْجِيهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَذَا وَابْنُ الْحَاجِبِ إنَّمَا أَجَابَ أَوَّلًا بِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلسُّورَةِ ثُمَّ تَنَزَّلَ إلَى أَنَّهُ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لِلْقُرْآنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ عَرَبِيًّا بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِيهِ إذْ يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مَا غَالِبُهُ عَرَبِيٌّ مَجَازًا كَشِعْرٍ فِيهِ فَارِسِيٌّ وَعَرَبِيٌّ أَكْثَرُ مِنْهُ وَإِطْلَاقُ الْعَرَبِيِّ عَلَى الْقُرْآنِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ حَقِيقَةً فِيهِ غَايَتُهُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنْ يُقَالَ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ لَكِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يُرْتَكَبُ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى كَوْنِهَا حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ سَمَّوْا قِسْمًا مِنْ ) الْحَقَائِقِ ( الشَّرْعِيَّةِ ) حَقِيقَةً ( دِينِيَّةً وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الدِّينِ وَعَدَمِهِ اتِّفَاقًا كَالْإِيمَانِ
وَالْكُفْرِ وَالْمُؤْمِنِ ) وَالْكَافِرِ ( بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ ) أَيْ مَا هِيَ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَارِحِ فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا ( كَالصَّلَاةِ وَالْمُصَلِّي وَلَا مُشَاحَّةَ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ ) عَلَى قَوْلِهِمْ ( الدِّينُ لِأَنَّهُ ) أَيْ الدِّينَ اسْمٌ ( لِمَجْمُوعِ التَّصْدِيقِ الْخَاصِّ ) الْقَلْبِيِّ بِكُلِّ مَا عُلِمَ مَجِيءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ضَرُورَةً ( مَعَ الْمَأْمُورَاتِ وَالْمَنْهِيَّاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } بَعْدَ ذِكْرِ الْأَعْمَالِ ) أَيْ قَوْله تَعَالَى { وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتَوْا الزَّكَاةَ } فَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى الْمَذْكُورِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لِيَعْبُدُوا اللَّهَ } عَلَى أَنَّهَا لِلْعُمُومِ لِأَنَّ يَعْبُدُوا فِي تَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ إلَى الضَّمِيرِ لِكَوْنِهِ مَنْصُوبًا بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ الْمُقَدَّرَةِ بَعْدَ لَامِ كَيْ وَالْمَصْدَرُ الْمُضَافُ إلَى الْمَعْرِفَةِ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيَكُونُ يَعْبُدُوا فِي مَعْنَى عِبَادَاتِهِمْ وَتَذْكِيرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِاعْتِبَارِ لَفْظِ أَنْ يَعْبُدُوا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ { وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتَوْا الزَّكَاةَ } مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا } وَقَدْ تَعَلَّقَ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ لِلْوُجُوبِ بِهَا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ { وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ دِينُ الْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى اعْتِبَارِ التَّصْدِيقِ فِي مُسَمَّاهُ ) أَيْ الدِّينِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ ( فَنَاسَبَ تَمْيِيزَ الِاسْمِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ) أَيْ لِلتَّصْدِيقِ الْخَاصِّ ( شَرْعًا بِالدِّينِيَّةِ وَهَذِهِ ) الْمُنَاسَبَةُ ( عَلَى رَأْيِهِمْ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ ( فِي اعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ جُزْءُ مَفْهُومِهِ ) أَيْ الْإِيمَانِ ( وَعَلَى ) رَأْيِ ( الْخَوَارِجِ ) الْمُنَاسَبَةُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ( أَظْهَرُ ) مِنْهَا عَلَى رَأْيِ
الْمُعْتَزِلَةِ لِجَعْلِ الْمُعْتَزِلَةِ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ وَجَعْلِ الْخَوَارِجِ مُرْتَكِبَهَا كَافِرًا ( وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنِ الْأَعْمَالِ جُزْءَ مَفْهُومِ الْإِيمَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا ( نَفْيُهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي مَا يُصْلَحُ مُنَاسَبَةً لِوَضْعِ الِاصْطِلَاحِ ( إذْ يَكْفِي أَنَّهَا ) أَيْ الدِّينِيَّةَ ( اسْمٌ لِأُصَلِّ الدِّينِ وَأَسَاسِهِ أَعْنِي التَّصْدِيقَ فَظَهَرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي إثْبَاتِ نَفْيِ أَنَّهَا مِنْهُ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ( يَخْرُجُ إلَى فَنٍّ آخَرَ ) أَيْ عِلْمِ الْكَلَامِ ( وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ ( مَطْلُوبٌ أُصُولِيٌّ بَلْ اصْطِلَاحِيٌّ وَفِي غَرَضٍ سَهْلٍ وَهُوَ إثْبَاتُ مُنَاسَبَةِ تَسْمِيَةٍ اصْطِلَاحِيَّةٍ لَا يُفِيدُ نَفْيُهَا فَعَلَى الْمُحَقِّقِ تَرْكُهُ ) وَفِي هَذَا تَعْرِيضٌ بِابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ تَعَرَّضَ لَهُ ( تَتِمَّةً كَمَا يُقَدَّمُ الشَّرْعِيُّ فِي لِسَانِهِ ) .
أَيْ خِطَابِ الشَّارِعِ ( عَلَى مَا سَلَفَ ) أَيْ اللُّغَوِيِّ ( كَذَا الْعُرْفِيُّ فِي لِسَانِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الْعُرْفِ خَاصًّا كَانَ أَوْ عَامًّا يُقَدَّمُ عَلَى اللُّغَوِيِّ أَيْضًا لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْهُمْ ( فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا كَانَ ) الْبَيْضُ ( ذَا الْقِشْرِ ) فَفِي الْمَبْسُوطِ فَهُوَ عَلَى بَيْضِ الطَّيْرِ مِنْ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَدْخُلُ بَيْضُ السَّمَكِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهَذَا بَيْضُ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ بَيْضَ الدُّودِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَيْضِ وَيُؤْكَلُ عَادَةً وَهُوَ كُلُّ بَيْضٍ لَهُ قِشْرٌ كَبِيضِ الدَّجَاجِ وَنَحْوِهَا ( فَيَدْخُلُ النَّعَامُ ) أَيْ بِيضُهُ بَلْ كَمَا قَالَ فِي الْكَشْفِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ بِمَ سِوَى الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ كَبَيْضِ النَّعَامِ وَالْحَمَامِ وَسَائِرِ الطُّيُورِ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فِي أُصُولِهِ يَتَنَاوَلُ يَمِينُهُ بَيْضَ الدَّجَاجِ وَالْإِوَزِّ
خَاصَّةً لِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَكْلِ عُرْفًا وَلَا يَتَنَاوَلُ بَيْضَ الْحَمَامِ وَالْعُصْفُورِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَوَافَقَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ كَانَ الْمُوجِبُ لِلِاخْتِصَاصِ اخْتِصَاصَ التَّعَارُفِ بِذَلِكَ فَيَدُورُ ذَلِكَ مَعَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ فَلَا رَيْبَ فِي اخْتِلَافِ الْجَوَابِ بِاخْتِلَافِهِ ( أَوْ ) لَا يَأْكُلُ ( طَبِيخًا فَمَا طَبَخَ مِنْ اللَّحْمِ فِي الْمَاءِ وَمَرَقِهِ ) أَيْ فَيَمِينُهُ عَلَيْهِمَا لِلْعُرْفِ فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا يَحْنَثُ بِهِمَا وَلَا يَحْنَثُ بِمَا طَبَخَ قَلِيَّةً يَابِسَةً مِنْ اللَّحْمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ نَعَمْ فِي الْخُلَاصَةِ يَحْنَثُ بِالْأُرْزِ إذَا طُبِخَ بِوَدَكٍ لِأَنَّهُ يُسَمَّى طَبِيخًا إلَّا بِمَا يُطْبَخُ بِزَيْتٍ أَوْ سَمْنٍ وَإِذَا كَانَ الْمَدَارُ تَعَارُفَ تَسْمِيَتِهِ طَبِيخًا فَفِي عُرْفِنَا يُسَمَّى مَا يُطْبَخُ بِهِمَا طَبِيخًا وَلَا سِيَّمَا فِي عُرْفِ الْقَرَوِيِّينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ بِأَكْلِهِ أَيْضًا ( أَوْ ) لَا يَأْكُلُ ( رَأْسًا فَمَا يُكْبَسُ ) فِي التَّنَانِيرِ فِي عُرْفِ الْحَالِفِ وَيُبَاعُ فِيهِ مِنْ الرُّءُوسِ مَشْوِيًّا ( بَقَرًا وَغَنَمًا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا غَيْرُ كَانَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَنِهِ آخِرًا وَإِبِلًا أَيْضًا عِنْدَهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُ أَيْضًا كَانَ مُتَعَارَفًا لِأَهْلِ الْكُوفَةِ أَوَّلًا ثُمَّ تَرَكُوهُ دُونَهُمَا ( وَلَوْ تُعُورِفَ الْغَنَمُ فَقَطْ تَعَيَّنَ ) كَوْنُ الرَّأْسِ رَأْسَهَا كَمَا هُوَ مَحَلُّ قَوْلِهِمَا إنَّ يَمِينَهُ عَلَى رُءُوسِ الْغَنَمِ خَاصَّةً لِمُشَاهَدَتِهِمَا اقْتِصَارَ أَهْلِ بَغْدَادَ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهَا فَالْخِلَافُ خِلَافُ زَمَانٍ لَا بُرْهَانٍ ( أَوْ ) لَا يَأْكُلُ ( شِوَاءً خَصَّ اللَّحْمَ ) فَلَا يَحْنَثُ بِالْمَشْوِيِّ مِنْ الْبَيْضِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ التَّعَارُفَ مُخْتَصٌّ بِهِ ( وَقَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ) فِي تَوْجِيهِ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ ( لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ وَحَاجَتِهِمْ فَيَصِيرُ الْمَجَازُ بِاسْتِعْمَالِهِمْ كَالْحَقِيقَةِ
يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْمَلِ ) الْمَاضِي قَرِيبًا وَهُوَ أَنَّهُ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مَهْجُورُ الْحَقِيقَةِ .
( مَسْأَلَةٌ لَا شَكَّ أَنَّ الْمَوْضُوعَ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِانْتِفَاءِ جِنْسِهِمَا ) وَهُوَ الْمُسْتَعْمَلُ ( وَلَا ) شَكَّ أَيْضًا ( فِي عَدَمِ اسْتِلْزَامِ الْحَقِيقَةِ مَجَازًا ) إذْ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنَاهُ الْوَضْعِيِّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ ( وَاخْتُلِفَ فِي قَلْبِهِ ) أَيْ اسْتِلْزَامِ الْمَجَازِ الْحَقِيقَةَ ( وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ ) أَيْ نَفْيُ قَلْبِهِ ( وَيَكْفِي فِيهِ ) أَيْ فِي نَفْيِ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهَا ( تَجْوِيزُ التَّجَوُّزِ بِهِ ) أَيْ بِاللَّفْظِ لِمَا يُنَاسِبُهُ ( بَعْدَ الْوَضْعِ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ ) لَهُ فِي الْمَعْنَى الْمَوْضُوعِ لَهُ ( لَكِنَّهُمْ اسْتَدَلُّوا بِوُقُوعِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ وَلَا حَقِيقَةَ ( بِنَحْوِ شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ ) إذَا ظَهَرَتْ فِيهِ تَبَاشِيرُ الصُّبْحِ فَإِنَّ هَذَا مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ لَهُ ( وَدُفِعَ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال دَفْعًا إلْزَامِيًّا ( بِأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ) أَيْ كَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ الْمُلْزِمُ يُمْكِنُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ النَّافِي ( لِاسْتِلْزَامِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ ( وَضْعًا ) إذْ الْوَضْعُ لِلْمَجَازِ ثَابِتٌ اتِّفَاقًا وَقَطْعًا وَهَذَا الدَّلِيلُ يَنْفِيه بِأَنْ يُقَالَ لَوْ اسْتَلْزَمَ الْمَجَازُ الْوَضْعَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُرَكَّبُ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى مُتَحَقِّقٍ ( وَالِاتِّفَاقُ أَنَّ الْمُرَكَّبَ لَمْ يُوضَعْ شَخْصِيًّا وَالْكَلَامُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَضْعِ الشَّخْصِيِّ لِلْمُرَكَّبِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الدَّلِيلُ صَحِيحًا بِجَمِيعِ مُقَدَّمَاتِهِ ( وَأَيْضًا إنْ اُعْتُبِرَ الْمَجَازُ فِيهِ ) أَيْ فِي شَابَتْ لُمَّةُ اللَّيْلِ ( فِي الْمُفْرَدِ ) أَيْ فِي شَابَتْ حَيْثُ أُرِيدَ بِالشَّيْبِ هُنَا حُدُوثُ بَيَاضِ الصُّبْحِ فِي آخِرِ سَوَادِ اللَّيْلِ أَوْ فِي لُمَّةٍ بِأَنْ أُرِيدَ بِهَا سَوَادُ آخِرِ اللَّيْلِ وَهُوَ الْغَلَسُ ( مَنَعْنَا عَدَمَ حَقِيقَةِ شَابَتْ أَوْ لُمَّةٍ ) لِاسْتِعْمَالِهِمَا فِي الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَهُمَا مِنْ بَيَاضِ الشَّعْرِ وَالشَّعْرِ الْمُجَاوِزِ لِشَحْمَةِ الْأُذُنِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمُرَكَّبِ ( أَوْ ) اُعْتُبِرَ
الْمَجَازُ فِيهِ ( فِي نِسْبَتِهِمَا ) أَيْ النِّسْبَةِ الْإِسْنَادِيَّةِ لِلشَّيْبِ إلَى اللُّمَّةِ وَالنِّسْبَةِ الْإِضَافِيَّةِ لِلُمَّةٍ إلَى اللَّيْلِ ( فَلَيْسَ ) الْمَجَازُ فِيهِمَا ( النِّزَاعُ ) لِأَنَّهُ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِهِ ( وَأَمَّا مَنْعُ الثَّانِي ) أَيْ الْمَجَازِ فِي النِّسْبَةِ ( لِاتِّحَادِ جِهَةِ الْإِسْنَادِ ) كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ فِي تَنْبِيهٍ يُقَالُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ ( فَغَيْرُ وَاقِعٍ لِمَا تَقَدَّمَ ) هُنَاكَ وَأَوْضَحْنَاهُ فَلْيُرَاجَعْ ( وَأَيْضًا الرَّحْمَنُ لِمَنْ لَهُ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَلَمْ يُطْلَقْ ) إطْلَاقًا ( صَحِيحًا إلَّا عَلَيْهِ تَعَالَى ) وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ الْوَصْفِ بِهَا ( فَلَزِمَ ) كَوْنُ إطْلَاقِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ( مَجَازًا بِلَا حَقِيقَةٍ ) قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ صِفَاتٌ لَا أَعْلَامٌ أَمَّا إنْ جَعَلْنَاهَا أَعْلَامًا فَالْعَلَمُ لَا حَقِيقَةٌ وَلَا مَجَازٌ ا هـ قُلْت وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِهِمْ كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَأَنَّ التَّحْقِيقَ خِلَافُهُ وَعَلَيْهِ فَكَوْنُ إطْلَاقِ الرَّحْمَنِ عَلَى اللَّهِ مَجَازًا وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ مِنْ الْأَعْلَامِ عَلَيْهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَعْنَى الرَّحْمَةِ فِي الْأَصْلِ رِقَّةُ الْقَلْبِ ظَاهِرٌ ( بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ) أَيْ بَنِي حَنِيفَةَ فِي مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ ( رَحْمَنُ الْيَمَامَةِ ) وَقَوْلُ شَاعِرِهِمْ وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْت رَحْمَانَا فَإِنَّهُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ إطْلَاقًا صَحِيحًا بَلْ هُوَ مَرْدُودٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ اللُّغَةَ أَوْقَعَهُمْ فِيهَا لَجَاجُهُمْ فِي الْكُفْرِ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِهِ ) أَيْ بِلَفْظِ رَحْمَنٍ فِي إطْلَاقِهِ عَلَى مُسَيْلِمَةَ الْمَعْنَى ( الْحَقِيقِيَّ مِنْ رِقَّةِ الْقَلْبِ ) بَلْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْإِلَهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ أَثْبَتُوا لَهُ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَهِيَ النُّبُوَّةُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ : جَوَابُهُ عِنْدِي
أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الرَّحْمَنَ الْمُعَرَّفَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوهُ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ فِي رَحْمَنِ الْيَمَامَةِ وَمُنَكَّرًا فِي لَا زِلْت رَحْمَانَا وَدَعْوَانَا إنَّمَا هِيَ فِي الْمُعَرَّفِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُلْزِمُونَ ( لَوْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ) الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ ( انْتَفَتْ فَائِدَةُ الْوَضْعِ ) لِأَنَّ فَائِدَتَهُ إفَادَةُ الْمَعَانِي الْمُرَكَّبَةِ فَإِذَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ لَمْ يَقَعْ فِي التَّرْكِيبِ فَتَنْتَفِي فَائِدَتُهُ ( وَلَيْسَ ) هَذَا ( بِشَيْءٍ ) تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ( لِأَنَّ التَّجَوُّزَ ) بِاللَّفْظِ ( فَائِدَةٌ لَا تَسْتَدْعِي غَيْرَ الْوَضْعِ ) لَهُ لِمَعْنًى غَيْرِ الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ فَلَا يَسْتَدْعِي لُزُومَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ فَلَا يَسْتَدْعِي الْحَقِيقَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ الْمَجَازُ وَاقِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ خِلَافًا للإسفراييني فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي اللُّغَةِ وَحَكَى السُّبْكِيُّ النَّفْيَ لِوُقُوعِهِ مُطْلَقًا عَنْهُ وَعَنْ الْفَارِسِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ عَنْهُ وَعَنْ جَمَاعَةٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ ( قَدْ يُفْضِي إلَى الْإِخْلَالِ بِغَرَضِ الْوَضْعِ ) وَهُوَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ ( لِخَفَاءِ الْقَرِينَةِ ) الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَيَقْضِي بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِتَبَادُرِهِ وَعَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ خِلَافُهُ فِي وُقُوعِهِ ( بَعِيدٌ عَلَى بَعْضِ الْمُمَيِّزِينَ فَضْلًا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ ( لِأَنَّ الْقَطْعَ بِهِ ) أَيْ بِوُقُوعِهِ ( أَثْبَتُ مِنْ أَنْ يُورَدَ لَهُ مِثَالٌ ) لِكَثْرَتِهِ فِي اللُّغَةِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ ( نَفْيُ الْإِجْمَالِ مُطْلَقًا ) لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُخِلٌّ بِفَهْمِ عَيْنِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ : الْأُسْتَاذُ لَا يُنْكِرُ اسْتِعْمَالَ الْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ وَأَمْثَالَهُ بَلْ يَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ الْقَرِينَةَ وَيُسَمِّيهِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةً وَيُنْكِرُ تَسْمِيَتَهُ مَجَازًا وَانْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَ بِاخْتِلَالِ الْفَهْمِ وَمَعَ الْقَرِينَةِ لَا اخْتِلَالَ فَالْخِلَافُ لَفْظِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إِلْكِيَا ( وَلِلظَّاهِرِيَّةِ فِي الثَّانِي ) أَيْ الْقُرْآنِ وَكَذَا فِي الثَّالِثِ وَهُوَ الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ مُطْبِقِينَ عَلَى إنْكَارِ وُقُوعِهِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ الظَّاهِرِيُّ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَابْنُ الْقَاصِّ مِنْ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِإِنْكَارِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ دَاوُد وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازُ الِاسْتِعَارَةِ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ مَجَازٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَدَ فِي كِتَابٍ وَسُنَّةٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ ( كَذِبٌ لِصِدْقِ نَقِيضِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ يَنْفِي فَيَصِحُّ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّجُلِ
الْبَلِيدِ حِمَارٌ لَيْسَ الرَّجُلُ الْبَلِيدُ حِمَارًا وَكُلُّ مَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَهُوَ كَذِبٌ فَالْمَجَازُ كَذِبٌ ( فَيَصْدُقَانِ ) أَيْ النَّقِيضَانِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْكَذِبُ مُحَالٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ فِي حَقِّ رَسُولِهِ وَصِدْقُ النَّقِيضِينَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا قَطْعًا ( قُلْنَا جِهَةُ الصِّدْقِ مُخْتَلِفَةٌ ) فَمُتَعَلِّقُ الْإِثْبَاتِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ وَمُتَعَلِّقُ النَّفْيِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ فَلَا كَذِبَ وَلَا صِدْقَ لِلنَّقِيضَيْنِ إنَّمَا ذَلِكَ لَوْ اتَّحِدْ مُتَعَلِّقُهُمَا ( وَتَحْقِيقُ صِدْقِ الْمَجَازِ صِدْقُ التَّشْبِيهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعَلَاقَةِ ) لِلْمَجَازِ بِحَسَبِ مَوَاقِعِهِ وَتَنَوُّعِ عِلَاقَتِهِ فَصَدَقَ الْمَجَازُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ أَسَدٌ بِصِدْقِ كَوْنِهِ شَبِيهًا بِهِ فِي الشَّجَاعَةِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِين كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( هُوَ ) أَيْ الْمَجَازُ ( أَبْلَغُ ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا فِي هَذَا الْإِطْلَاقِ مِنْ بَحْثٍ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةٍ إذَا لَزِمَ مُشْتَرَكًا إلَخْ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ ( يَلْزَمُ ) عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِ الْمَجَازِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَصْفُهُ تَعَالَى بِالْمُتَجَوِّزِ ) لِأَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ فِعْلٌ اُشْتُقَّ لَهُ مِنْهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِامْتِنَاعِ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ( قُلْنَا إنْ ) لَزِمَ وَصْفُهُ بِهِ ( لُغَةً مَنَعْنَاهُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْهُ لُغَةً ( أَوْ ) لَزِمَ وَصْفُهُ بِهِ ( شَرْعًا مَنَعْنَا الْمُلَازَمَةَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُنَا مَانِعٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُتَجَوِّزَ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَسَمَّحُ وَيَتَوَسَّعُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ وَمَا يُوهِمُ نَقْصًا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا وَلَنَا { اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } فَإِنَّ النُّورَ فِي الْأَصْلِ كَيْفِيَّةٌ تُدْرِكُهَا الْبَاصِرَةُ أَوَّلًا وَبِوَاسِطَتِهَا سَائِرُ الْمُبْصِرَاتِ كَالْكَيْفِيَّةِ الْفَائِضَةِ مِنْ النَّيِّرَيْنِ
عَلَى الْأَجْرَامِ الْكَثِيفَةِ الْمُحَاذِيَةِ لَهُمَا وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ كَزَيْدٍ كَرَمٍ بِمَعْنَى ذُو كَرْمٍ أَوْ عَلَى تَجَوُّزٍ بِمَعْنَى مُنَوِّرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ قُرِئَ بِهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى نَوَّرَهَا بِالْكَوَاكِبِ وَمَا يَفِيضُ عَنْهَا مِنْ الْأَنْوَارِ وَبِالْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ أَوْ مُدَبِّرُهَا مِنْ قَوْلِهِمْ لِلرَّيِّسِ الْفَائِقِ فِي التَّدْبِيرِ : نُورُ الْقَوْمِ لِأَنَّهُمْ يَهْتَدُونَ بِهِ فِي الْأُمُورِ أَوْ مُوجِدُهَا فَإِنَّ النُّورَ ظَاهِرٌ بِذَاتِهِ مُظْهِرٌ لِغَيْرِهِ وَأَصْلُ الظُّهُورِ هُوَ الْوُجُودُ كَمَا أَنَّ أَصْلَ الْخَفَاءِ هُوَ الْعَدَمُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْجُودٌ بِذَاتِهِ مُوجِدٌ لِمَا عَدَاهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَكَرُوا ( { وَمَكَرَ اللَّهُ } ) لِأَنَّ الْمَكْرَ فِي الْأَصْلِ حِيلَةٌ يَجْلِبُ بِهَا غَيْرَهُ إلَى مَضَرَّةٍ فَلَا يُسْنَدُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أُسْنِدَ هُنَا إلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالِازْدِوَاجِ ( { اللَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } ) لِأَنَّ الِاسْتِهْزَاءَ السُّخْرِيَةُ وَالِاسْتِخْفَافُ وَهُوَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أُسْنِدَ إلَيْهِ هُنَا مُشَاكَلَةً أَوْ اسْتِعَارَةً لِمَا يُنْزِلُهُ بِهِمْ مِنْ الْحَقَارَةِ وَالْهَوَانِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ الِاسْتِهْزَاءِ أَوْ الْغَرَضِ مِنْهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ جَزَاءُ الِاعْتِدَاءِ اعْتِدَاءً إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعَدٍّ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ بَلْ هُوَ عَدْلٌ وَحَقٌّ وَلَا جَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْهُ شَرْعًا وَالسَّيِّئَةُ مَا نُهِيَ عَنْهُ شَرْعًا بَلْ هُوَ حَسَنٌ فَهُمَا مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِجَامِعِ الْمُجَاوِرَةِ فِي التَّخَيُّلِ أَوْ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ ( وَكَثِيرٌ ) إلَى أَنْ بَلَغَ فِي الْكَثْرَةِ حَدًّا يُفِيدُ الْجَزْمَ بِوُجُودِهِ وَلَا يُفِيدُ الْمَانِعِينَ تَجَشُّمُ دَفْعِ ذَلِكَ فِي صُوَرٍ
مَعْدُودَةٍ مِنْهَا الْمَثَلُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ لَا تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَالنُّورُ مَعْنَاهُ الظَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ لَا الْعَرَضُ الَّذِي شَأْنُهُ هَذَا فَيَكُونُ إطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ حَقِيقَةً وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ : الْمَكْرُ إيصَالُ الْمَكْرُوهِ إلَى الْغَيْرِ عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى فِيهِ وَالِاسْتِهْزَاءُ إظْهَارُ الْإِكْرَامِ وَإِخْفَاءُ الْإِهَانَةِ فَيَجُوزُ صُدُورُهُمَا مِنْ اللَّهِ حَقِيقَةً لِحِكْمَةٍ وَقَوْلُهُ { أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ } لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ اسْتِهْزَاءٍ حَقِيقَةُ الْجَهْلِ وَالِاعْتِدَاءُ إيقَاعُ الْفِعْلِ الْمُؤْلِمِ أَوْ هَتْكُ حُرْمَةِ الشَّيْءِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى الْآيَةِ كَمَا هَتَكُوا حُرْمَةَ شَيْءٍ أَيَّ حُرْمَةٍ كَانَتْ مِنْ الْحُرَمِ أَوْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ أَوْ النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ أَوْ الْعِرْضِ فَاهْتِكُوا حُرْمَةً لَهُ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } وَالسَّيِّئَةُ مَا يَسُوءُ مَنْ يَنْزِلُ بِهِ ( وَأَمَّا { وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } فَقِيلَ ) : الْقَرْيَةُ فِيهِ ( حَقِيقَةٌ ) وَأَمَرَ بَنُو يَعْقُوبَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ أَبَاهُمْ أَنْ يَسْأَلَهَا ( فَتُجِيبُهُ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إنْطَاقِهَا لَا سِيَّمَا وَالزَّمَانُ زَمَانُ النُّبُوَّةِ وَخَرْقِ الْعَوَائِدِ فَلَا يَمْتَنِعُ نُطْقُهَا بِسُؤَالِ نَبِيٍّ وَضَعُفَ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا إنَّمَا يَقَعُ لِنَبِيٍّ عِنْدَ التَّحَدِّي وَإِظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ ( وَقَدَّمْنَاهُ ) أَيْ لَفْظَ الْقَرْيَةِ ( حَقِيقَةً مَعَ حَذْفِ الْأَهْلِ ) وَيَشْهَدُ لَهُ تَخْصِيصُهُمْ الْقَرْيَةَ بِاَلَّتِي كُنَّا فِيهَا وَهِيَ مِصْرُ أَوْ قَرْيَةٌ بِقُرْبِهَا لَحِقَهُمْ الْمُنَادِي فِيهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُهَا مِنْ الْأَحْيَاءِ الْمُدْرِكِينَ لِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ يُوسُفَ لَا نَفْسُ الْقَرْيَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ الْجَمَادَاتِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي عَدَمِ الْإِدْرَاكِ وَفِي أَنَّهَا لَوْ
أَجَابَتْ لَكَانَ جَوَابُهَا دَالًّا عَلَى صِدْقِهِمْ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا قَبْلَهُ ( وَ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) وَهُوَ مَجَازُ الْعَلَاقَةِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَجَازِ الزِّيَادَةِ ( أَلَّا يَرَى إلَى تَعْلِيلِهِمْ ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ بِأَنَّهُ كَذِبٌ وَهُوَ لَا يَصْدُقُ عَلَى مَجَازِ الزِّيَادَةِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( وَقَدْ أُجِيبَ ) أَيْضًا مِنْ قَبْلِهِمْ بِغَيْرِ هَذَا فَأُجِيبَ ( تَارَةً بِأَنَّهُ ) أَيْ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } لِنَفْيِ الشَّبِيهِ ( حَقِيقَةً ) فَالْكَافُ فِيهِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَفْهُومِهَا الْوَضْعِيِّ وَهُوَ الشَّبِيهُ ( وَالْمِثْلُ يُقَالُ لِنَفْسِهِ ) أَيْ لِنَفْسِ الشَّيْءِ وَذَاتِهِ فَيُقَالُ ( لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِك ) كَذَا أَيْ لَك { فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ } أَيْ بِنَفْسِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ أَوْ دَيْنُ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْآيَةِ فَالْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ ( وَتَمَامُهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ ( بِاشْتِرَاكِ مِثْلٍ ) بَيْنَ النَّفْسِ وَالشَّبِيهِ إذْ لَا رَيْبَ فِي إطْلَاقِ مِثْلٍ عَلَى الْمُمَاثِلِ وَهُوَ غَيْرُ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ فِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ بَلْ كَانَ مَجَازًا ( ثَبَتَ نَقِيضُ مَطْلُوبِهِمْ ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ وُجُودُ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاشْتِرَاكُ ( مَمْنُوعٌ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْهُ ( وَتَارَةً بِأَنَّ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } حَقِيقَةٌ ) فِي نَفْيِ التَّشْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى مِثْلٍ وَكُلٌّ مِنْهَا وَمِنْهُ غَيْرُ زَائِدٍ ثُمَّ هُوَ ( إمَّا لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ نَفْيُ مِثْلِ مِثْلِهِ تَعَالَى ( نَفْيَ مِثْلِهِ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ نَفْيَ مِثْلِهِ ( تَنَاقَضَ لِأَنَّهُ ) تَعَالَى ( مِثْلُ مِثْلِهِ ) فَلَا يَصِحُّ نَفْيُ مِثْلِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَنَفْيُ مِثْلِهِ صَحِيحٌ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ
الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ ثُبُوتُ الْمِثْلِ فَإِنَّك إذَا قُلْت : لَيْسَ شَيْءٌ مِثْلَ مِثْلِ زَيْدٍ تَبَادَرَ مِنْهُ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ لِزَيْدٍ مِثْلًا وَقَدْ نَفَيْتَ عَنْهُ أَنَّهُ يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ لَهُ تَعَالَى مِثْلٌ كَانَ هُوَ مِثْلًا لِمِثْلِهِ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَ النَّفْيِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ نَفْيُهُ تَعَالَى مَعَ إثْبَاتِ مِثْلِهِ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْمِثْلِ مَعَ ثُبُوتِ ذَاتِهِ وَهُمَا مُتَنَاقِضَانِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ ثُبُوتَ مِثْلِهِ تَعَالَى مُسْتَلْزِمٌ لِثُبُوتِ مِثْلِ مِثْلِهِ فَنُفِيَ اللَّازِمُ وَجُعِلَ دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ الْمَلْزُومِ ( وَلِلُزُومِ التَّنَاقُضِ ) عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَلْزَمُهُ نَفْيُ مِثْلِهِ ( انْتَفَى ظُهُورُهُ ) أَيْ نَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ ( فِي إثْبَاتِ مِثْلِهِ وَبِهِ ) أَيْ بِلُزُومِ التَّنَاقُضِ ( يَنْدَفِعُ دَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ وَدَافَعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( بِاقْتِضَائِهِ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ ( إثْبَاتَ الْمِثْلِ فِي مَقَامِ نَفْيِهِ ) أَيْ الْمِثْلِ ( وَظُهُورَهُ ) أَيْ الْمِثْلِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي إثْبَاتِ مِثْلِهِ ( وَجَعَلَ هَذَا ) الدَّفْعَ الَّذِي لِابْنِ الْحَاجِبِ ( مُرَتَّبًا عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ سَهْوًا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقَعَ فِي حَوَاشِي الشَّيْخِ سَعْدِ الدِّينِ الِاقْتِصَارُ عَلَى نَقْلِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ لِلظَّاهِرِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى الذَّاتِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمَذْكُورَ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ هَذَا سَهْوٌ ا هـ قُلْت : لِأَنَّ كَوْنَ الْمَعْنَى لَيْسَ كَذَاتِهِ شَيْءٌ لَا يَقْتَضِي إثْبَاتَ الْمِثْلِ فِي مَقَامِ نَفْيِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى الذَّاتِ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْمِثْلَ بِمَعْنَى الذَّاتِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَسْهُو ( وَإِمَّا لِنَفْيِ شَبَهِ الْمِثْلِ فَيَنْتَفِي الْمِثْلُ بِأَوْلَى كَمِثْلِك لَا يَبْخَلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ اقْتِضَاءَ شَبَهٍ صِفَتُهُ انْتِفَاءُ الْبُخْلِ أَوْلَى مِنْهُ ) أَيْ مِنْ اقْتِضَاءِ شَبَهٍ صِفَتُهُ انْتِفَاءُ الْبُخْلِ ( اقْتِضَاءُ
صِفَتِهِ ) انْتِفَاءُ الْبُخْلِ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي ذَلِكَ أَقْوَى فَيَكُونُ الْمَعْنَى مَنْ كَانَ عَلَى صِفَةِ الْمِثْلِ وَشَبَهِهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ فَكَيْفَ الْمِثْلُ حَقِيقَةً فَيُفِيدُ الْكَلَامُ نَفْيَ التَّشْبِيهِ وَالتَّشْرِيكِ مِنْ غَيْرِ تَنَاقُضٍ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَعَقَّبَ هَذَا بِقَوْلِهِ ( لَكِنْ لَيْسَ مِنْهُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ ) لِيَنْتَفِيَ الْمِثْلُ ( وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ نَفْيُ مِثْلِ مِثْلٍ لِثَابِتٍ لَهُ مِثْلٌ وَاحِدٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَإِذَا قِيلَ لَيْسَ مِثْلُ مِثْلِ زَيْدٍ أَحَدًا اقْتَضَى ) هَذَا الْقَوْلُ ( ثُبُوتَ مِثْلٍ لِزَيْدٍ وَصَرَفَ ) هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا ( لُزُومَ التَّنَاقُضِ ) اللَّازِمِ مِنْ لُزُومِ نَفْيِ مِثْلِهِ لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ ( إلَى نَفْيِ مِثْلٍ ) آخَرَ ( غَيْرِ زَيْدٍ ) وَحِينَئِذٍ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ( فَلَمْ يَتَّحِدْ مَحَلُّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الصَّرْفُ ( أَظْهَرُ مِنْ صَرْفِهِ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ التَّنَاقُضَ ( السَّابِقَ عَنْ ظُهُورِهِ ) أَيْ الْمِثْلِ ( فِي إثْبَاتِ الْمِثْلِ ) إلَى نَفْيِ ذَاتِهِ وَإِثْبَاتِهِ ( لِأَسْبَقِيَّةِ هَذَا ) إلَى الْفَهْمِ ( مِنْ التَّرْكِيبِ فَالْوَجْهُ ) فِي دَفْعٍ أَنَّهُ لِنَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ اللَّازِمُ مِنْهُ نَفْيُ مِثْلِهِ ( ذَلِكَ الدَّفْعُ ) أَيْ دَفْعُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَدْ يُقَرِّرُ لُزُومَ نَفْيِ الْمِثْلِ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ الْمِثْلِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ مِثْلَ الْمِثْلِ إنَّمَا هُوَ ذَاتُهُ تَعَالَى مَعَ وَصْفِ أَنَّهُ مِثْلُ الْمِثْلِ لِأَنَّ مِثْلَهُ تَعَالَى لَا يَكُونُ لَهُ مِثْلٌ إلَّا ذَاتُهُ تَعَالَى وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ مِثْلِ مِثْلِهِ نَفْيُ مِثْلِهِ بِطَرِيقٍ بُرْهَانِيٍّ وَهُوَ أَنَّ نَفْيَ مِثْلِ مِثْلِهِ إمَّا بِانْتِفَاءِ ذَاتِهِ أَوْ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ لِذَاتِهِ مُتَقَرِّرٌ فِي الْعُقُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ وَانْتِفَاءُ الْوَصْفِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَ
انْتِفَاءِ الْمِثْلِ فِي الْعَقْلِ وَالْخَارِجِ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ مِثْلُهُ عَقْلًا أَوْ خَارِجًا لَزِمَ أَنْ يَثْبُتَ وَصْفٌ أَنَّهُ مِثْلُ مِثْلِهِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ هُنَا الْمِثْلُ الْمُتَوَهَّمُ وَلَيْسَ لِمُتَوَهِّمِهِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ لِأَنَّهُ شِرْكٌ بَلْ اللَّهُ بِخِلَافِهِ لَا مِثْلِهِ وَقَدْ يُقَالُ مِثْلٌ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى الصِّفَةِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ الَّتِي لَا عَهْدَ بِمِثْلِهَا وَالْمَعْنَى لَيْسَ كَصِفَتِهِ الْعَجِيبَةِ الشَّأْنِ شَيْءٌ وَإِنَّهُ لَصِدْقٌ فَهِيَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَهُوَ حَسَنٌ لَا كُلْفَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْمَجَازِ نَقْلِيًّا فَقِيلَ فِي آحَادِهِ وَقِيلَ فِي نَوْعِ الْعَلَاقَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ) فَحَاصِلُ الْمَذَاهِبِ لَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْآحَادِ وَلَا نَقْلُ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ يُشْتَرَطُ نَقْلُ الْآحَادِ يُشْتَرَطُ نَقْلُ نَوْعِ الْعِلَاقَةِ فَقَطْ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ قَائِلًا قَالَ : لَيْسَ نَقْلِيًّا وَآخَرُ قَالَ : نَقْلٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ : نَقْلُ الْآحَادِ وَقِيلَ : بَلْ نَقْلُ نَوْعِ الْعَلَاقَةِ كَالسَّبَبِيَّةِ وَالْمُسَبَّبِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ( فَالشَّارِطُ ) لِلنَّقْلِ فِي نَوْعِ الْعَلَاقَةِ يَقُولُ مَعْنَاهُ ( أَنْ يَقُولَ ) الْوَاضِعُ ( مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اتِّصَالٌ كَذَا إلَخْ ) أَيْ أَجَزْت أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَقْلِ آحَادِهِ فَإِذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا اسْمَ اللَّازِمِ عَلَى الْمَلْزُومِ وَيَكْفِينَا هَذَا فِي إطْلَاقِ كُلِّ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُمْ فِي عَيْنِ كُلِّ صُورَةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ وَالشَّارِطُ لِلنَّقْلِ فِي الْآحَادِ يَشْتَرِطُ سَمَاعَهُ مِنْهُمْ فِي عَيْنِ كُلِّ صُورَةٍ ( وَالْمُطْلِقُ ) لِلْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نَقْلٍ فِي الْآحَادِ وَلَا فِي النَّوْعِ يَقُولُ ( الشَّرْطُ ) فِي صِحَّةِ التَّجَوُّزِ أَنْ يَكُونَ ( بَعْدَ وَضْعِ التَّجَوُّزِ اتِّصَالٌ ) بَيْنَ الْمُتَجَوِّزِ بِهِ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ ( فِي ظَاهِرٍ ) مِنْ الْأَوْصَافِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَحَيْثُ وُجِدَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى غَيْرِهِ ( وَعَلَى النَّقْلِ ) أَيْ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهِ آحَادًا أَوْ نَوْعًا ( لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِوَضْعِ نَوْعِهَا ) وَإِلَّا كَانَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى وَضْعًا جَدِيدًا أَوْ غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ ( وَاسْتَدَلَّ ) لِلْمُطْلَقِ أَنَّهُ ( عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ) أَيْ تَقْدِيرِ شَرْطِ نَقْلِ الْآحَادِ وَتَقْدِيرِ شَرْطِ نَقْلِ الْأَنْوَاعِ ( لَوْ شَرَطَ ) أَحَدُهُمَا ( تَوَقُّفَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ) فِي إحْدَاثِ آحَادِ الْمَجَازَاتِ عَلَى
التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَأَنْوَاعِهَا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي ( وَلَا يَتَوَقَّفُونَ أَيْ فِي الْآحَادِ وَإِحْدَاثِ أَنْوَاعِهَا ) أَيْ الْعَلَاقَةِ بَلْ يَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ الْبَلَاغَةِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُدَوِّنُوا الْمَجَازَاتِ تَدْوِينَهُمْ الْحَقَائِقَ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ ( مُنْتَهِضٌ فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي الْآحَادِ ( مَمْنُوعُ التَّالِي ) وَالْوَجْهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ مَمْنُوعٌ اسْتِثْنَاءُ نَقِيضِ التَّالِي وَهُوَ عَدَمُ التَّوَقُّفِ ( فِي الثَّانِي ) أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي الْأَنْوَاعِ ( وَعَلَى الْآحَادِ ) أَيْ وَاسْتُدِلَّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي الْآحَادِ ( لَوْ شُرِطَ ) النَّقْلُ فِيهَا ( لَمْ يَلْزَمْ الْبَحْثُ عَنْ الْعَلَاقَةِ ) لِأَنَّ النَّقْلَ بِدُونِهَا مُسْتَقِلٌّ بِتَصْحِيحِهِ حِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلنَّظَرِ فِيهَا لَكِنَّهُ لَازِمٌ بِإِطْبَاقِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يُشْتَرَطُ النَّقْلُ فِي الْآحَادِ ( وَدَفَعَ إنْ أُرِيدَ نَفْيُ التَّالِي ) وَهُوَ لُزُومُ الْبَحْثِ عَنْ الْعَلَاقَةِ ( فِي غَيْرِ الْوَاضِعِ مَنَعْنَاهُ ) أَيْ نَفْيَ التَّالِي ( بَلْ يَكْفِيهِ ) أَيْ غَيْرُ الْوَاضِعِ ( نَقْلُهُ ) الْآحَادَ ( وَبَحْثُهُ ) عَنْ الْعَلَاقَةِ ( لِلْكَمَالِ ) وَهُوَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ وَتَعَرُّفُ جِهَةِ حُسْنِهِ ( أَوْ ) أُرِيدَ نَفْيُ التَّالِي ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَاضِعِ ( مَنَعْنَا الْمُلَازَمَةَ ) فَإِنَّ الْوَاضِعَ مُحْتَاجٌ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ الْمُسَوِّغَةِ لِلتَّجَوُّزِ عَنْهُ إلَيْهِ وَأَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَغَيْرَ النِّزَاعِ ) لِأَنَّ النِّزَاعَ فِي غَيْرِ الْوَاضِعِ لَا فِي الْوَاضِعِ ( قَالُوا ) أَيْ الشَّارِطُونَ لِلنَّقْلِ فِي الْآحَادِ : ( لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ ) النَّقْلُ فِيهَا ( جَازَ نَخْلَةٌ لِطَوِيلٍ غَيْرِ إنْسَانٍ ) لِلْمُشَابِهَةِ فِي الطُّولِ كَمَا جَازَتْ لِلْإِنْسَانِ الطَّوِيلِ ( وَشَبَكَةٌ لِلصَّيْدِ ) لِلْمُجَاوَرَةِ بَيْنَهُمَا ( وَابْنٌ لِأَبِيهِ ) إطْلَاقًا
لِلْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ أَبٌ لِابْنِهِ إطْلَاقًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ ( وَهَذَا ) الدَّلِيلُ ( لِلْأَوَّلِ ) أَيْ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي نَقْلِ الْآحَادِ ( وَالْجَوَابُ وُجُوبُ تَقْدِيرِ الْمَانِعِ ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَوَقَّفُونَ ) عَنْ اسْتِعْمَالِ مَجَازَاتٍ لَمْ يُسْمَعْ أَعْيَانُهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مِنْ مَظَاهِرِ الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ نَوْعًا وَتَخَلُّفُ الصِّحَّةِ عَنْ الْمُقْتَضَى فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِمَانِعٍ مَخْصُوصٍ بِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الِاقْتِضَاءِ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْمُقْتَضَى وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ يَتِمُّ مَقْصُودُنَا وَلَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُ الْمَانِعِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِعْمَالِهِ مَعَ الْعَلَاقَةِ حُكْمٌ بِوُجُودِ مَانِعٍ هُنَاكَ إجْمَالًا مَا لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ ذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وُجُودَ مَانِعٍ فِيهِ لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَإِلَّا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَانِعِ عَلَى أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ نَخْلَةٌ لِطَوِيلٍ غَيْرِ إنْسَانٍ لِانْتِفَاءِ الْمُشَابَهَةِ فِيمَا لَهُ مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِالنَّخْلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ جَوَازَهَا لِإِنْسَانٍ طَوِيلٍ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الطُّولِ بَلْ مَعَ فُرُوعٍ وَأَغْصَانٍ فِي أَعَالِيهَا وَطَرَاوَةٍ وَتَمَايُلٍ فِيهَا .
( الْمُعَرِّفَاتُ ) لِلْمَجَازِ ( يُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَصْرِيحِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ اللُّغَةِ ( بِاسْمِهِ ) كَهَذَا اللَّفْظِ مَجَازٌ فِي كَذَا ( أَوْ حَدِّهِ ) كَهَذَا اللَّفْظِ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ ( أَوْ بَعْضِ لَوَازِمِهِ ) كَاسْتِعْمَالِهِ فِي كَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَاقَةٍ ( وَبِصِحَّةِ نَفْيِ مَا ) أَيْ مَعْنًى ( لَمْ يُعْرَفْ ) مَعْنًى حَقِيقِيًّا ( لَهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِي الْوَاقِعِ ) كَقَوْلِك لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِحِمَارٍ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْوَاقِعِ لِصِحَّةِ سَلْبِ الْإِنْسَانِ لُغَةً وَعُرْفًا عَنْ الْفَاقِدِ بَعْضِ صِفَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُعْتَدِّ بِهَا كَالْبَلِيدِ وَغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارَاتٍ خَطَابِيَّةٍ ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ : ( وَعَكْسُهُ ) وَهُوَ عَدَمُ صِحَّةِ نَفْيِ مَا لَمْ يُعْرَفْ حَقِيقِيًّا لَهُ فِي الْوَاقِعِ ( دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ ) وَلِذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِلْبَلِيدِ لَيْسَ بِإِنْسَانٍ ( وَاعْتُرِضَ ) أَيْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَشْكُلُ هَذَا ( بِالْمُسْتَعْمَلِ ) أَيْ بِالْمَجَازِ ( فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ ) الْمَحْمُولِ ( مِنْ قَوْلِنَا عِنْدَ نَفْيِ خَوَاصِّ الْإِنْسَانِيَّةِ ) عَنْ زَيْدٍ ( مَا زَيْدٌ بِإِنْسَانٍ أَيْ كَاتِبٌ أَوْ نَاطِقٌ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ وَلَا حَقِيقَةَ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْحَقُّ الصِّحَّةُ ) أَيْ صِحَّةُ النَّفْيِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ فَيَكُونُ مَجَازًا ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ : ( وَأَنْ يُعْرَفَ لَهُ مَعْنَيَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ وَيُتَرَدَّدُ فِي الْمُرَادِ ) مِنْهُمَا فِي مَوْرِدٍ ( فَصِحَّةُ نَفْيِ الْحَقِيقِيِّ ) عَنْ الْمَوْرِدِ ( دَلِيلُهُ ) أَيْ كَوْنُ اللَّفْظِ مَجَازًا فِي ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ) أَيْ بِصِحَّةِ نَفْيِ الْحَقِيقِيِّ عَنْهُ ( يُحِيلُ الصُّورَةَ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ( فَرْعُ عَدَمِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ أُرِيدَ ) أَنَّ صِحَّةَ نَفْيِ الْحَقِيقِيِّ بِالْأَخِرَةِ دَلِيلُهُ ( لِظُهُورِ الْقَرِينَةِ ) الْمُفِيدَةِ لِلْمَجَازِيَّةِ ( بِالْآخِرَةِ
فَقُصُورٌ إذْ حَاصِلُهُ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَجَازٌ فَهُوَ مَجَازٌ وَمَعْلُومٌ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَبِأَنْ يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَبَادُرِ غَيْرِ الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ إلَى الْفَهْمِ ( لَوْلَا الْقَرِينَةُ ) فَيَكُونُ فِي الْمَعْنَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ مَجَازًا ( وَقَلْبُهُ ) وَهُوَ أَنْ لَا يَتَبَادَرَ غَيْرُ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لَوْلَا الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَتَبَادَرَ هُوَ أَوَّلًا ( عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ ) يَعْنِي فَهَذِهِ مُطَّرِدَةٌ مُنْعَكِسَةٌ إذْ تَبَادُرُ الْغَيْرِ عَلَامَةُ الْمَجَازِ وَعَدَمُهُ عَلَامَةِ الْحَقِيقَةِ ( وَإِيرَادُ الْمُشْتَرَكِ ) عَلَى عَلَامَةِ الْحَقِيقَةِ ( إذْ لَا يَتَبَادَرُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ ( حَقِيقَةٌ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنِ ( مَبْنِيٌّ عَلَى انْعِكَاسِ الْعَلَامَةِ وَهُوَ ) أَيْ انْعِكَاسُهَا ( مُنْتَفٍ ) لِأَنَّ شَرْطَهَا الِاطِّرَادُ لَا الِانْعِكَاسُ ( وَإِصْلَاحُهُ ) أَيْ إيرَادُ الْمُشْتَرَكِ ( تَبَادُرُ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ ( وَهُوَ الْمُبْهَمُ إلَّا بِقَرِينَةٍ ) تُعَيِّنُ الْمُعَيَّنَ ( وَدَفَعَهُ ) أَيْ الْإِيرَادَ بَعْدَ الْإِصْلَاحِ ( بِأَنَّ فِي مَعْنَى التَّبَادُرِ ) أَيْ مَأْخُوذٌ فِي مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا أَنْ لَا يَتَبَادَرَ غَيْرُهُ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْغَيْرَ ( مُرَادٌ وَهُوَ ) أَيْ تَبَادُرُ الْغَيْرِ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ ( مُنْتَفٍ بِالْمُبْهَمِ وَانْدَفَعَ مَا إذَا قَرَّرَ ) الْإِيرَادَ عَلَى عَلَامَةِ الْحَقِيقَةِ ( بِمَا إذَا اُسْتُعْمِلَ ) الْمُشْتَرَكُ ( فِي مَجَازِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ الْمَجَازِيِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ لِتَرَدُّدٍ بَيْنَ مَعَانِيه ( فَبَقِيَتْ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ فِي الْمَجَازِ ) وَهُوَ بَاطِلٌ انْدِفَاعًا بَيِّنًا ( بِأَنَّ عَلَامَةَ الْحَقِيقَةِ تَبَادُرُ الْمَعْنَى لَوْلَا الْقَرِينَةُ وَهُوَ ) أَيْ تَبَادُرُهُ لَوْلَا الْقَرِينَةُ هُوَ ( الْمُرَادُ بِعَدَمِ تَبَادُرِ غَيْرِهِ ) لَوْلَا الْقَرِينَةُ كَمَا سَلَفَ
( فَلَا وُرُودَ لِهَذَا إذْ لَيْسَ يَتَبَادَرُ الْمَجَازِيُّ ) مِنْ لَفْظِ الْمُشْتَرَكِ حَتَّى يَكُونَ حَقِيقَةً ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ هَذَا التَّقْرِيرُ ( يُنَاقِصُ مُنَاضَلَةَ الْمُقَرِّرِ ) أَيْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( فِيمَا سَلَفَ ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ ( عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرَكَ ظَاهِرٌ فِي كُلِّ مُعَيَّنِ ضَرْبَةٍ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَةِ مُعَيَّنٍ وَبِعَدَمِ اطِّرَادِهِ ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِعَدَمِ اطِّرَادِ اللَّفْظِ فِي مَدْلُولِهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لُغَوِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ عَنْ الِاطِّرَادِ ( بِأَنْ اسْتَعْمَلَ ) اللَّفْظَ فِي مَحَلٍّ ( بِاعْتِبَارٍ وَامْتَنَعَ ) اسْتِعْمَالُهُ ( فِي آخَرَ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ ( كَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ دُونَ الْبِسَاطِ ) فَإِنَّ لَفْظَ اسْأَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَحَلٍّ هُوَ نِسْبَةُ السُّؤَالِ إلَى الْقَرْيَةِ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ السُّؤَالِ بِأَهْلِهَا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ هُوَ نِسْبَةُ السُّؤَالِ إلَى الْبِسَاطِ وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ تَعَلُّقُ السُّؤَالِ بِالْأَهْلِ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا الْكَلَامُ فِيهِ كَمَا يُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ وَلَا يُقَالُ : لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْقَرْيَةَ أُطْلِقَتْ عَلَى أَهْلِهَا بِعِلَاقَةِ الْحُلُولِ وَقَدْ وَجَدْت فِي الْبِسَاطِ وَلَمْ يُطْلَقْ عَلَى أَهْلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ : لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مِثْلِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ اللَّفْظُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ نَظِيرُهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ مَعَ وُجُودِ ذَلِكَ الْمَعْنَى ( وَلَا تَنْعَكِسُ ) هَذِهِ الْعَلَامَةُ أَيْ لَيْسَ الِاطِّرَادُ دَلِيلَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَطَّرِدُ كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ ( وَأَوْرَدَ ) عَلَى هَذَا ( السَّخِيُّ وَالْفَاضِلُ امْتَنَعَا فِيهِ تَعَالَى مَعَ الْمَنَاطِ ) أَيْ وُجُودِ مَنَاطِ إطْلَاقِهِمَا وَهُوَ الْجُودُ وَالْعِلْمُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ( وَالْقَارُورَةُ فِي الدَّنِّ ) أَيْ لَا يُسَمَّى قَارُورَةً مَعَ وُجُودِ الْمَنَاطِ لِتَسْمِيَتِهَا بِهَا فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَقَرًّا
لِلْمَائِعِ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَدَمَهُ ) أَيْ التَّجَوُّزِ فِي هَذِهِ ( لُغَةً عُرْفٌ تَقْيِيدُهَا بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْجُودِ ( مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ يَبْخَلَ وَ ) الْعِلْمُ مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ ( يَجْهَلَ وَبِالزُّجَاجِيَّةِ ) أَيْ وَبِكَوْنِ مَا هُوَ مَقَرٌّ لِلْمَائِعِ مِنْ الزُّجَاجِ فَانْتَفَى مَنَاطُ التَّجَوُّزِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِشُمُولِ جُودِهِ تَعَالَى وَكَمَالِ عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَعَدَمِ الزُّجَاجِيَّةِ فِي الدَّنِّ ( وَيَجِيءُ مِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابُ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ فِي كُلِّ مَا اُسْتُعْمِلَ بِاعْتِبَارٍ وَامْتَنَعَ فِي آخَرَ مَعَهُ ( إذْ لَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِيَّةٍ ) لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ ذَلِكَ فِيهِ ( فَتُجْعَلُ ) الْخُصُوصِيَّةُ ( جُزْءًا ) مِنْ الْمُقْتَضِي فَيَكُونُ الِانْتِفَاءُ فِيمَا تَخَلَّفَ فِيهِ لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي ( وَبِجَمْعِهِ عَلَى خِلَافِ مَا عُرِفَ لِمُسَمَّاهُ ) أَيْ إذَا كَانَ لِلِاسْمِ جَمْعٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنًى آخَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ أَوْ مَجَازٌ غَيْرَ أَنَّ جَمْعَهُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى مُخَالِفٌ لِجَمْعِهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ كَانَ اخْتِلَافُ جَمْعِهِ بِاعْتِبَارِهِمَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ حَقِيقِيَّتُهُ وَمَجَازِيَّتُهُ كَلَفْظِ الْأَمْرِ فَإِنَّ جَمَعَهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى طَلَبِ الْفِعْلِ اسْتِعْلَاءً عَلَى أَوَامِرَ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ فَوُجِدَ أَنَّهُ يُجْمَعُ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى أُمُورٍ دُونَ أَوَامِرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ ( دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ ) اللَّفْظِيِّ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُ ( وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ يُفِيدُ أَنْ لَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الْجَمْعِ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحُكْمِ بِالْمَجَازِيَّةِ دَفْعُ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ لَا يَنْفِي كَوْنَ اخْتِلَافِ الْجَمْعِ مُعَرَّفًا ( وَلَا تَنْعَكِسُ ) هَذِهِ الْعَلَامَةُ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ يُخَالِفُ جَمْعُهُ جَمْعَ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ
الْأَسَدَ بِمَعْنَى الشُّجَاعِ وَالْحِمَارَ بِمَعْنَى الْبَلِيدِ يُجْمَعَانِ عَلَى أَسَدٍ وَحُمُرٍ كَمَا يُجْمَعَانِ عَلَيْهِمَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ ( كَالَّتِي قَبْلَهَا ) لِتَصْرِيحِهِ بِهِ ثَمَّةَ ( وَبِالْتِزَامِ تَقْيِيدِهِ ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِهَذَا بِأَنْ يُسْتَعْمَلَ اللَّفْظُ فِي مَعْنًى مُطْلَقًا ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي آخَرَ مُقَيَّدًا لُزُومًا بِشَيْءٍ مِنْ لَوَازِمِهِ كَجُنَاحِ الذُّلِّ وَنَارِ الْحَرْبِ وَنُورِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ جُنَاحًا وَنَارًا وَنُورًا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعَانِيهَا الْمَشْهُورَةِ بِلَا قَيْدٍ وَفِي هَذِهِ بِهَذِهِ الْقُيُودِ فَكَانَ لُزُومُ تَقْيِيدِهَا بِهَا دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهَا مَجَازَاتٍ فِي هَذِهِ وَحَقَائِقَ فِي الْمَعَانِي الْمَشْهُورَةِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا لِأَنَّهُ أُلِفَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ إذَا اسْتَعْمَلُوا لَفْظًا فِي مُسَمَّاهُ أَطْلَقُوهُ إطْلَاقًا وَإِذَا اسْتَعْمَلُوهُ بِإِزَاءِ غَيْرِهِ قَرَنُوا بِهِ قَرِينَةً لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ وَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ دُونَ الْمَجَازِ لِكَوْنِهَا أَغْلَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِذَا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ اللَّفْظَ فِي مَعْنًى إلَّا مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ هُوَ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ وَلَا عَكْسَ إذْ قَدْ يُسْتَعْمَلُ الْمَجَازُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ اعْتِمَادًا عَلَى الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ أَوْ الْمَقَالِيَّةِ غَيْرِ التَّقْيِيدِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ اللُّزُومُ فِيهِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُشْتَرَكِ إذْ رُبَّمَا يُقَيَّدُ كَرَأَيْتُ عَيْنًا جَارِيَةً لَكِنْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ ( وَبِتَوَقُّفِ إطْلَاقِهِ ) أَيْ وَيُعَرَّفُ الْمَجَازُ بِتَوَقُّفِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ مُرَادًا بِهِ ذَلِكَ ( عَلَى ) ذِكْرِ ( مُتَعَلِّقِهِ ) حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ ( مُقَابِلًا لِلْحَقِيقَةِ ) أَيْ لِلَّفْظِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَيْ بِهَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ شُرُوطٌ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِيمَا لَمْ يَتَوَقَّفْ مَجَازًا فِيمَا
تَوَقَّفَ فَفِي الْعِبَارَةِ تَعْقِيدٌ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى ( { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } ) فَإِنَّ إطْلَاقَ الْمَكْرِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْحَقِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْنَى الْمُتَصَوَّرِ مِنْ الْخَلْقِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَقِّ مَجَازًا وَإِلَى الْخَلْقِ حَقِيقَةً وَهَذَا بِنَاءً ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ ( مَكْرُ الْمُفْرَدِ وَإِلَّا ) إنْ كَانَ الْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ ( فَلَيْسَ ) هُوَ ( الْمَقْصُودُ كَالتَّمْثِيلِ لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ بِاِسْأَلْ الْقَرْيَةَ ) فَإِنَّ الْمَجَازَ فِيهِ فِي النِّسْبَةِ لَا فِي الْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْقَرْيَةِ لَا يَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ وَإِنَّمَا قُلْنَا : الْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالتَّمْثِيلِ هُنَا ( فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي ) الْمَجَازِ ( اللُّغَوِيِّ لَا الْعَقْلِيِّ ) وَالْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ عَقْلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ إذَا لَزِمَ ) كَوْنُ اللَّفْظِ ( مُشْتَرَكًا ) بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لَكَانَ ( مَجَازًا ) فِي أَحَدِهِمَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي آخَرَ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ حَتَّى دَارَ بَيْنَ لُزُومِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ أَيْضًا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا أَوْ غَيْرَ مَوْضُوعٍ لَهُ فَيَكُونُ مَجَازًا ( لَزِمَ الْمَجَازُ ) أَيْ كَوْنُهُ مَجَازًا فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنُهُ مَجَازًا فِيهِ ( لَا يُخِلُّ بِالْحُكْمِ ) بِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ ( إذْ هُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ ( عِنْدَ عَدَمِهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازِيَّ ( بِالْحَقِيقِيِّ وَمَعَهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجَازِيَّ ( بِالْمَجَازِيِّ أَمَّا الْمُشْتَرَكُ فَلَا ) يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ مِنْ مَعْنَيَيْهِ ( إلَّا مَعَهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَا يَخْفَى عَدَمُ الْمُطَابِقَةِ ) فَإِنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ مِنْ مَعْنَيَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ قَرِينَتِهِ لَا يُوجِبُ الْخَلَلَ بِالْحُكْمِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى الْمُشْتَرَكَ عَامًّا اسْتِغْرَاقِيًّا فِي مَفَاهِيمِهِ أَوْ يَرَاهُ وَالْمَعْنَيَانِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فَظَاهِرٌ لِانْتِفَائِهِ حِينَئِذٍ حَتَّى يَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مُجْمَلًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَل التَّوَقُّفُ عَيْنَ الْخَلَلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَامًّا فِيهَا وَكَانَتْ مِمَّا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهَا فَلِحَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِهَا لِظُهُورِهَا فِيهِ عِنْدَهُ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُرَجِّحِينَ لِلْحَمْلِ عَلَى الِاشْتِرَاكِ ( يَحْتَاجُ ) الْمُشْتَرَكُ ( إلَى قَرِينَتَيْنِ ) بِحَسَبِ مَعْنَيَيْهِ ( بِخِلَافِ الْمَجَازِ ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى وَاحِدَةٍ فَبَعُدَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى عَدَمِ تَعْمِيمِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ ( لَيْسَ بِشَيْءٍ ) مُقْتَضٍ
لِتَرْجِيحِهِ عَلَى الْمَجَازِ لِتَسَلُّطِ الْمَنْعِ عَلَى احْتِيَاجِ الِاشْتِرَاكِ إلَى قَرِينَتَيْنِ فِي كُلِّ اسْتِعْمَالٍ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ فَيَكْفِي قَرِينَتُهُ وَأَمَّا اقْتِضَاءُ الْمَعْنَى الْآخَرِ قَرِينَةً أُخْرَى فَإِنَّمَا هُوَ فِي اسْتِعْمَالٍ آخَرَ ( بَلْ كُلٌّ ) مِنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَجَازِ ( فِي الْمَادَّةِ ) الِاسْتِعْمَالِيَّة ( يَحْتَاجُ ) فِي إفَادَةِ مَا هُوَ الْمُرَادُ بِهِ ( إلَى قَرِينَةٍ وَتَعَدُّدِهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ فِي الْمُشْتَرَكِ ( لِتَعَدُّدِهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ ( عَلَى الْبَدَلِ كَتَعَدُّدِهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ الْمَجَازِ ( لِتَعَدُّدِ ) الْمَعَانِي ( الْمَجَازِيَّاتُ كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى الْبَدَلِ فَهُمَا سِيَّانِ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الِاحْتِيَاجِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرِينَةَ الْمُشْتَرَكِ لِتَعْيِينِ الدَّلَالَةِ وَقَرِينَةَ الْمَجَازِ لِنَفْسِ الدَّلَالَةِ فَكَمَا لَا يُقَالُ فِي اللَّفْظِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي كُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ الْمَجَازِيَّيْنِ فِي حَالَتَيْنِ إنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى قَرِينَتَيْنِ فِي إفَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَقَطْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمُشْتَرَكِ أَيْضًا ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهٍ عَسَاهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ تَصْحِيحًا لَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَقَالَ : ( وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ لُزُومُ الِاحْتِيَاجِ ) إلَى قَرِينَتَيْنِ ( دَائِمًا عَلَى تَقْدِيرِ الِاشْتِرَاكِ دُونَ الْمَجَازِ ) إحْدَاهُمَا ( لِتَعْيِينِ الْمُرَادِ ) بِهِ وَالْأُخْرَى كَمَا قَالَ ( وَنَفْيِ الْآخَرِ ) أَيْ لِنَفْيِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْآخَرُ هُوَ الْمُرَادُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَجَازُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْ الْحَقِيقِيِّ إلَيْهِ لَا غَيْرُ ، غَايَتُهَا أَنَّهَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ( وَهَذَا ) أَيْ احْتِيَاجُ الْمُشْتَرَكِ إلَى قَرِينَتَيْنِ ( عَلَى مُعَمَّمِهِ فِي حَالَةِ عَدَمِ التَّعْمِيمِ ) لِمَانِعٍ مِنْ التَّعْمِيمِ لِتَدُلَّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَالْأُخْرَى عَلَى عَدَمِ التَّعْمِيمِ (
وَالْمَجَازُ كَذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ ) أَيْ يَلْزَمُ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا إلَى قَرِينَتَيْنِ إحْدَاهُمَا لِإِرَادَةِ الْمُرَادِ بِهِ وَالْأُخْرَى لِنَفْيِ الْحَقِيقِيِّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ نَعَمْ يَتَرَجَّحُ عَلَى قَوْلِ الْمَانِعِ مِنْهُ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ مُرَادٌ كَفَى إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مَعَ الْحَقِيقِيِّ أَيْضًا ( وَأَبْلَغُ ) أَيْ وَلِأَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ ( وَإِطْلَاقُهُ ) أَيْ أَنَّ الْمَجَازَ دَائِمًا أَبْلَغُ ( بِلَا مُوجِبٍ لِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَهُ أَبْلَغُ ( مِنْ الْبَلَاغَةِ ) مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَهُوَ ظَاهِرُ حِكَايَةِ السَّكَّاكِيِّ لَهُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ ( مَمْنُوعٌ ) وَكَيْفَ لَا ( وَصَرَّحَ بِأَبْلَغِيَّةِ الْحَقِيقَةِ ) مِنْ الْمَجَازِ ( فِي مَقَامِ الْإِجْمَالِ ) مُطْلَقًا لِدَاعٍ دَعَا إلَيْهِ مِنْ إبْهَامٍ عَلَى السَّامِعِ كَلِيَ عَيْنٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ أَوَّلًا ثُمَّ التَّفْصِيلُ ثَانِيًا لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّيْءِ مُجْمَلًا ثُمَّ مُفَصَّلًا أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ ( فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ هُوَ الْمُطَابِقُ لِمُقْتَضَى الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَجَازِ ) فَإِنَّ اللَّفْظَ مَعَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَعَهَا عَلَى الْمَجَازِ فَلَا إجْمَالَ ( وَبِمَعْنَى تَأْكِيدِ إثْبَاتِ الْمَعْنَى ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ الْبَلَاغَةِ أَيْ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِمَعْنَى كَوْنِهِ أَكْمَلُ وَأَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا أُرِيدَ بِهَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ مَمْنُوعٌ أَيْضًا ( لِلْقَطْعِ بِمُسَاوَاةِ رَأَيْت أَسَدًا وَرَجُلًا هُوَ وَالْأَسَدُ سَوَاءٌ ) فِي الشُّجَاعَةِ فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ الْمَفْهُومَةَ مِنْهُ وَمِنْ رَأَيْت أَسَدًا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ ( نَعَمْ هُوَ ) أَيْ الْمَجَازُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ يُفِيدُ التَّأْكِيدَ فِي ( رَجُلًا كَالْأَسَدِ )
بِالنِّسْبَةِ إلَى رَأَيْت شُجَاعًا ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمَجَازُ ( كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِبَيِّنَةٍ ) أَيْ فِيهِ تَأْكِيدٌ لِلدَّلَالَةِ وَتَقْوِيَتُهَا ( بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْمَجَازِيِّ ) مِنْ الْحَقِيقِيِّ يَكُونُ ( دَائِمًا مِنْ الْمَلْزُومِ ) إلَى اللَّازِمِ كَالِانْتِقَالِ مِنْ الْغَيْثِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومُ النَّبْتِ إلَى النَّبْتِ كَمَا الْتَزَمَهُ السَّكَّاكِيُّ فَإِنَّ وُجُودَ الْمَلْزُومِ يَقْتَضِي وُجُودَ اللَّازِمِ لِامْتِنَاعِ انْفِكَاكِ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ ( وَلُزُومُهُ ) أَيْ الِانْتِقَالُ فِي الْمَجَازِ دَائِمًا مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ ( تَكَلُّفٌ ) حَيْثُ يُرَادُ بِاللُّزُومِ الِانْتِقَالُ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ هُنَاكَ لُزُومٌ عَقْلِيٌّ حَقِيقِيٌّ أَوْ عَادِيٌّ أَوْ اعْتِقَادِيٌّ أَوْ ادِّعَائِيٌّ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ أَكْثَرُ مَا يُعْتَبَرُ مِنْ اللُّزُومِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِاللَّازِمِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ وَالرَّدِيفِ وَبِالْمَلْزُومِ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَتْبُوعِ وَالْمَرْدُوفِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّكَلُّفُ ( مُؤْذِنٌ بِحَقِّيَّةِ انْتِفَائِهِ ) أَيْ لُزُومُ الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ الْمُسْتَنِدِ إلَيْهِ الْأَبْلَغِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ ( مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ) هَذَا التَّرْجِيحُ ( فِي ) اللُّزُومِ ( التَّحْقِيقِيِّ لَا الِادِّعَائِيِّ ) كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ ( وَأَمَّا الْأَوْجَزِيَّةُ ) أَيْ وَأَمَّا تَرْجِيحُ الْمَجَازِ عَلَى الْمُشْتَرَكِ بِأَنَّ الْمَجَازَ أَوْجَزُ فِي اللَّفْظِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ أَسَدًا يَقُومُ مَقَامَ رَجُلٍ شُجَاعٍ ( وَالْأَخَفِّيَّةُ ) أَيْ بِأَنَّ الْمَجَازَ أَخَفُّ لَفْظًا مِنْ الْحَقِيقَةِ كَالْحَادِثَةِ وَالْخَنْفَقِيقِ لِلدَّاهِيَةِ ( وَالتَّوَصُّلُ إلَى السَّجْعِ ) أَيْ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَوَاطُؤِ الْفَاصِلَتَيْنِ مِنْ النَّثْرِ عَلَى الْحَرْفِ الْآخِرِ نَحْوُ حِمَارٍ ثَرْثَارٍ إذَا وَقَعَا فِي أَوَاخِرِ الْقَرَائِنِ بِخِلَافِ بَلِيدٍ ثَرْثَارٍ أَيْ كَثِيرِ الْكَلَامِ ( وَالطِّبَاقِ ) أَيْ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ
مُتَقَابِلَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ نَحْوُ قَوْلِ دِعْبِلٍ لَا تَعْجَبِي يَا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ضَحِكَ الْمَشِيبُ بِرَأْسِهِ فَبَكَى فَضَحِكَ مَجَازٌ عَنْ ظَهْرٍ وَلَوْ ذَكَرَهُ مَكَانَهُ لَفَاتَ هَذَا التَّحْسِينُ الْبَدِيعِيُّ ( وَالْجِنَاسِ ) أَيْ وَبِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَشَابُهِ اللَّفْظَيْنِ لَفْظًا مَعَ تَغَايُرِهِمَا مَعْنًى وَأَصْنَافُهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْ مِثْلِ الْجِنَاسِ التَّامِّ الْمُمَاثِل قَوْلُهُ أَقُمْ إلَى قَصْدِهِمْ سُوقَ السُّرَى وَأَقُمْ بِدَارِ عَزِّ وَسُوقِ الْأَيْنُقِ الْتَثَمَ فَأَقُمْ الْأَوَّلُ مَجَازٌ لَوْ ذُكِرَ حَقِيقَتُهُ وَهِيَ التَّنْفِيقُ لَفَاتَ الْجِنَاسُ ( وَالرَّوِيِّ ) أَيْ بِأَنَّ الْمَجَازَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْحَرْفِ الَّذِي تُبْتَنَى عَلَيْهِ الْقَصِيدَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ عَارَضْنَنَا أَصْلًا فَقُلْنَا الرَّبْرَبَ حَتَّى تَبَدَّى الْأُقْحُوَانُ الْأَشْنَبُ الرَّبْرَبُ الْقَطِيعُ مِنْ بَقَرِ الْوَحْشِ وَالْأُقْحُوَانُ الْبَابُونَجُ وَالشَّنَبُ حِدَّةُ الْأَسْنَانِ وَبَرْدُهَا تَجُوزُ بِهِمَا عَنْ السِّنِّ الْأَبْيَضِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى الرَّوِيِّ فَتَحْصُلُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْأَشْنَبِ وَالرَّبْرَبِ لِفَوَاتِهِ بِسِنِّهِنَّ الْأَبْيَضِ ( فَمُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ ) فَقَدْ يَكُونُ أَوْجَزَ وَأَخَفَّ كَالْعَيْنِ لِلْجَاسُوسِ وَلِلْيَنْبُوعِ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى السَّجْعِ وَالرَّوِيِّ مِثْلُ لَيْثٍ مَعَ غَيْثٍ دُونَ أَسَدٍ وَالْمُطَابَقَةُ نَحْوُ خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خِيَاركُمْ وَالْجِنَاسُ نَحْوُ رَحْبَةٍ رَحْبَةٍ بِخِلَافِ وَاسِعَةٍ ( وَيَتَرَجَّحُ ) الْمُشْتَرَكُ ( بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ الْعَلَاقَةِ وَمُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ وَهُوَ ) أَيْ الظَّاهِرُ ( الْحَقِيقَةُ وَهَذَا ) أَيْ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ ( إنْ عُمِّمَ فِي غَيْرِ الْمُنْفَرِدِ ) وَهُوَ الْمُشْتَرَكُ ( فَمَمْنُوعٌ ) لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ فِي شَيْءٍ مِنْ مَعَانِيهِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ مُعَيِّنَةَ لَهُ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يُعَمَّمْ فِيهِ ( لَا يُفِيدُ ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ ( وَعَنْ ارْتِكَابِ
الْغَلَطِ لِلْوَقْفِ ) فِيمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ ( لِعَدَمِهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ الْمُعَيِّنَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يُعَمِّمُهُ ( أَوْ لِلتَّعْمِيمِ ) عَطْفٌ عَلَى لِلتَّوَقُّفِ أَيْ أَوْ لِتَعْمِيمِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ لِحَمْلِهِ عَلَى الْجَمِيعِ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِهَا بَلْ يُحْكَمُ بِإِرَادَةِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحَالُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَقَدْ لَا يُرَادُ الْحَقِيقِيُّ وَتَخْفَى الْقَرِينَةُ ) فَيَقَعُ الْغَلَطُ فِي الْحُكْمِ بِإِرَادَتِهِ ( وَالْوَجْهُ أَنَّ جَوَازَ الْغَلَطِ فِيهِمَا ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمَجَازِ ( بِتَوَهُّمِهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ وَهُمَا فِي تَوَهُّمِهَا سَوَاءٌ ( وَلَا أَثَرَ لِلِاحْتِيَاجِ ) أَيْ لِاحْتِيَاجِ الْمَجَازِ ( إلَى عَلَاقَتِهِ ) الْمُسَوِّغَةِ لِلتَّجَوُّزِ بِهِ عَنْ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَاقَةٍ فِي تَرْجِيحِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الْمَجَازِ كَمَا ذَكَرُوهُ ( بِقَلِيلٍ تَأَمَّلْ ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا بَعْدَ تَحَقُّقِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا تَحَقُّقَ لِلْمَجَازِ بِدُونِ عَلَاقَتِهِ الْمَذْكُورَةِ ( وَبِأَنَّهُ يَطَّرِدُ ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ الْمُشْتَرَكُ أَيْضًا بِاطِّرَادِهِ فِي كُلٍّ مِنْ مَعَانِيه لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَحَالِّهِ فَلَا يَضْطَرِبُ بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّ مِنْ عَلَامَاتِهِ أَنْ لَا يَطَّرِدَ فَيَضْطَرِبَ فِيهِ بِحَسَبِ مَحَالِّهِ وَمَا لَا يَضْطَرِبُ أَوْلَى لِأَنَّ الِاضْطِرَابَ يَكُونُ لِمَانِعٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ( وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ) فَإِنَّ الْمَجَازَ قَدْ يَطَّرِدُ كَالْأَسَدِ لِلشُّجَاعِ ( وَبِالِاشْتِقَاقِ ) أَيْ وَيَتَرَجَّحُ الْمُشْتَرَكُ أَيْضًا بِالِاشْتِقَاقِ ( مِنْ مَفْهُومَيْهِ ) إذَا كَانَ مِمَّا يُشْتَقُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مِنْ خَوَاصِّهَا ( فَيَتَّسِعُ ) الْكَلَامُ وَتَكْثُرُ الْفَائِدَةُ وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَصْلُحُ لَهُ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيِّ وَإِلْكِيَا مَانِعِي الِاشْتِقَاقِ مِنْ
الْمَجَازِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى قَصْرِ الْمَجَازَاتِ كُلِّهَا عَلَى الْمَصَادِرِ فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ الْجُمْهُورُ هَذَا ( وَالْحَقُّ أَنَّ الِاشْتِقَاقَ يَعْتَمِدُ الْمَصْدَرِيَّةَ حَقِيقَةً كَانَ ) الْمَصْدَرُ ( أَوْ مَجَازًا كَالْحَالِ نَاطِقَةٍ وَنَطَقَتْ ) الْحَالُ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى الدَّلَالَةِ ( وَقَدْ تَتَعَدَّدُ ) الْمَعَانِي ( الْمَجَازِيَّةُ لِلْمُنْفَرِدِ أَكْثَرَ مِنْ مُشْتَرَكٍ فَلَا يَلْزَمُ أَوْسَعِيَّتُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ عَلَى الْمَجَازِ ( فَلَا يَنْضَبِطُ ) الِاتِّسَاعُ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْجِيحِ ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ الِاشْتِقَاقِ ( مِنْ الْأَمْرِ بِمَعْنَى الشَّأْنِ لِعَدَمِهَا ) أَيْ الْمَصْدَرِيَّةِ لَا لِأَنَّهُ مَجَازٌ فِيهِ كَمَا قِيلَ ( وَمِنْ فَإِنَّمَا هِيَ إقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ ) مَعَ وُجُودِ الْمَصْدَرِ ( لِفَوْتِ غَرَضِ الْمُبَالَغَةِ ) الْحَاصِلَةِ مِنْ حَمْلِ الْمَصْدَرِ عَلَى النَّاقَةِ الْمُفِيدِ جَعْلِهَا لِكَثْرَةِ مَا تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ كَأَنَّهَا تَجَسَّمَتْ مِنْ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَالتَّخَلُّفِ لِمَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِي اقْتِضَاءِ الْمُقْتَضِي كَمَا تَقَدَّمَ ( وَتَرَجَّحَ أَكْثَرِيَّةُ الْمَجَازِ الْكُلِّ ) أَيْ مُرَجِّحَاتُ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَ الْعَرَبِ عَلِمَ أَنَّ الْمَجَازَ فِيهِ أَغْلَبُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ حَتَّى ظَنَّ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ أَكْثَرَ اللُّغَةِ مَجَازٌ فَيَتَرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَيْهِ إلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ .
( مَسْأَلَةٌ يَعُمُّ الْمَجَازُ فِيمَا تَجُوزُ بِهِ فِيهِ فَقَوْلُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلَا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّمَاءَ وَالرِّمَاءُ هُوَ الرِّبَا } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ ( يَعُمُّ فِيمَا يُكَالُ بِهِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي نَحْوِ الْجَصِّ ) مِمَّا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ ( وَيُفِيدُ مَنَاطُهُ ) أَيْ الرِّبَا لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالْمَكِيلِ فَيُفِيدُ عَلَيْهِ مَبْدَأَ الِاشْتِقَاقِ ( وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لَا ) يَعُمُّ وَعَزَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إلَى الشَّافِعِيِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ ( ضَرُورِيٌّ ) أَيْ لِضَرُورَةِ التَّوْسِعَةِ فِي الْكَلَامِ كَالرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ الثَّابِتَةِ ضَرُورَةُ التَّوْسِعَةِ عَلَى النَّاسِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَلِذَا تَتَرَجَّحُ عَلَى الْمَجَازِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالضَّرُورَةِ بِدُونِ إثْبَاتِ الْعُمُومِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ( فَانْتَفَى ) الرِّبَا ( فِيهِ ) أَيْ فِي نَحْوِ الْجَصِّ وَوَجْهُ تَرْتِيبِهِ عَلَى كَوْنِهِ ضَرُورِيًّا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَعُمُّ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّعَامُ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ } أَخْرَجَ مَعْنَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ فَلَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ مُرَادًا فَصَارَ الْمُرَادُ بِالصَّاعِ الطَّعَامَ ( فَسَلَّمَ عُمُومَ الطَّعَامِ لِانْتِفَاءِ عِلِّيَّةِ الْكَيْلِ ) أَيْ فَتَعَيَّنَ الطَّعْمُ لِلْعِلِّيَّةِ وَبَطَلَ عِلِّيَّةُ الْكَيْلِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُعَلَّلْ بِعِلَّتَيْنِ فَسَلِمَ عِلِّيَّتُهُ عَنْ الْمُعَارِضِ وَعُمُومِهِ ( فَامْتَنَعَ ) أَنْ تُبَاعَ ( الْحَفْنَةُ بِالْحَفْنَتَيْنِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الطَّعَامِ ( وَلَزِمَتْ عِلِّيَّتُهُ ) أَيْ الطَّعْمِ عِنْدَهُمْ ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ مَا مَعْنَاهُ : ( لَمْ يُعْرَفْ ) نَفْيُ عُمُومِ الْمَجَازِ ( عَنْ أَحَدٍ
وَيَبْعُدُ ) أَيْضًا نَفْيُهُ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الضَّرُورَةَ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَكَلِّمِ مَمْنُوعٌ ) وُجُودُهَا ( لِلْقَطْعِ بِتَجْوِيزِ الْعُدُولِ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَجَازِ ( مَعَ قُدْرَةِ الْحَقِيقَةِ لِفَوَائِدِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ الَّتِي مِنْهَا لَطَائِفُ الِاعْتِبَارَاتِ وَمَحَاسِنُ الِاسْتِعَارَاتِ وَالْمُوجِبَةُ لِزِيَادَةِ بَلَاغَةِ الْكَلَامِ أَيْ عُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ وَاقِعٌ فِي كَلَامِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ وَالِاضْطِرَارُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَلَامِ ( وَإِلَى السَّامِعِ أَيْ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهَا وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ضَرُورَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ إلْغَاءُ الْكَلَامِ وَإِخْلَاءُ اللَّفْظِ مِنْ الْمَرَامِ ( لَا تَنْفِي الْعُمُومَ ) فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَعِنْدَ الضَّرُورَةِ إلَى حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا قَصَدَهُ الْمُتَكَلِّمُ وَاحْتَمَلَهُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ إنْ عَامًّا فَعَامٌّ وَإِنْ خَاصًّا فَخَاصٌّ ( وَلَا ) تَتَحَقَّقُ الضَّرُورَةُ أَيْضًا ( بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَاضِعِ بِأَنْ اشْتَرَطَ فِي اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ ( تَعَذُّرَهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ ( لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْفِي الْعُمُومَ ( وَلِأَنَّ الْعُمُومَ لِلْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِ شُمُولِ الْمُرَادِ ) بِاللَّفْظِ ( بِمُوجِبِهِ ) أَيْ الشُّمُولِ مِنْ أَسْبَابٍ زَائِدَةٍ عَلَى ذَاتِهَا كَأَدَاةِ التَّعْرِيفِ وَوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ( لَا ) بِاعْتِبَارِ ( ذَاتِهَا ) أَيْ لَيْسَ الْعُمُومُ ذَاتِيًّا لِلْحَقِيقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْهَا إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا انْفَكَّ عَنْهَا لِأَنَّ مُوجِبَ الذَّاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا فَكَانَتْ لَا تُوجَدُ إلَّا عَامَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِذَا وُجِدْت فِي الْمَجَازِ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُمُومِ فِي الْحَقِيقَةِ كَانَ عَامًّا أَيْضًا لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ ( قِيلَ ) أَيْ
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ : ( وَلَا يَتَأَتَّى نِزَاعٌ لِأَحَدٍ فِي صِحَّةِ قَوْلِنَا جَاءَنِي الْأُسُودُ الرُّمَاةُ إلَّا زَيْدًا لَكِنَّ الْوَاجِدَ ) لِلْخِلَافِ ( مُقَدَّمٌ ) عَلَى نَافِيهِ لِعَدَمِ اسْتِيعَابِ النَّافِي عَامَّةَ الْمَحَالِّ ( وَانْدَرَجَ الْوَجْهُ ) لِعُمُومِ الْمَجَازِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ ( وَلَزِمَتْ الْمُعَارَضَةُ ) بَيْنَ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الطَّعْمِ وَكَوْنِهِ يُكَالُ وَيَتَرَجَّحُ الْأَعَمُّ وَهُوَ كَوْنُهُ يُكَالُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الطَّعْمِ لِتَعَدِّيهِ إلَى مَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ وَذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ تَرْجِيحِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةُ الْحَنَفِيَّةِ وَفُنُونِ الْعَرَبِيَّةِ ) أَيْ عَامَّةُ أَهْلِ الْأَدَبِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ ( وَجَمْعٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ ) مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ ( لَا يَسْتَعْمِلُ ) اللَّفْظَ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ( مَقْصُودَيْنِ بِالْحُكْمِ ) فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( وَفِي الْكِنَايَةِ الْبَيَانِيَّةِ ) إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَعْنَيَيْهِ ( لِيَنْتَقِلَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ الْوَاقِعِ بَيْنَهُ إلَى الْمَجَازِيِّ ) كَقَوْلِهِمْ كِنَايَةً عَنْ طَوِيلِ الْقَامَةِ طَوِيلِ النِّجَادِ فَمَنَاطُ الْحُكْمِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ اللَّفْظُ فِيهَا مُرَادًا بِهِ كِلَاهُمَا مَقْصُودَيْنِ بِالْحُكْمِ ( وَأَجَازَهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ ) كَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ ( مُطْلَقًا إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ الْجَمْعُ ) بَيْنَهُمَا ( كَافْعَلْ أَمْرًا وَتَهْدِيدًا ) لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي الْفِعْلَ وَالتَّهْدِيدَ يَقْتَضِي التَّرْكَ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( وَالْغَزَالِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ يَصِحُّ ) اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا ( عَقْلًا لَا لُغَةً ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ الصَّحِيحُ إلَّا فِي غَيْرِ الْمُفْرَدِ ) أَيْ مَا لَيْسَ بِمَثْنًى وَلَا مَجْمُوعٍ ( فَيَصِحُّ لُغَةً ) أَيْضًا ( لِتَضَمُّنِهِ ) أَيْ غَيْرُ الْمُفْرَدِ ( الْمُتَعَدِّدَ فَكُلُّ لَفْظٍ لِمَعْنًى وَقَدْ ثَبَتَ الْقَلَمُ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَالْخَالُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ ) فَأُرِيدَ بِأَحَدِ اللِّسَانَيْنِ الْقَلَمُ وَهُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِلِّسَانِ وَبِاللِّسَانِ الْآخَرِ الْجَارِحَةُ وَهُوَ مَعْنًى حَقِيقِيٌّ لَهُ وَبِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ الْخَالُ وَهُوَ مَعْنَى مَجَازِيٌّ لِلْأَبِ وَبِالْآخِرِ مِنْ وَلَدِهِ وَهُوَ مَعْنَى حَقِيقِيٌّ لَهُ ( وَالتَّعْمِيمُ فِي الْمَجَازِيَّةِ ) أَيْ وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعَانِيه الْمَجَازِيَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( قِيلَ ) أَيْ قَالَ الْقَرَافِيُّ هُوَ ( عَلَى الْخِلَافِ كَلَا
أَشْتَرِي بِشِرَاءِ الْوَكِيلِ وَالسَّوْمِ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَعْنًى مَجَازِيٌّ لِقَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي ( وَالْمُحَقِّقُونَ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ ) فَعَلَى هَذَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ مَنْ قَالَ : لَا أَشْتَرِي وَأَرَادَ شِرَاءَ الْوَكِيلِ وَالسَّوْمِ ( وَلَا ) خِلَافَ أَيْضًا ( فِيهِ ) أَيْ فِي مَنْعِ تَعْمِيمِهِ فِي الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ ) بِحَيْثُ يَكُونُ اللَّفْظُ بِحَسَبِ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا ( وَلَا ) خِلَافَ أَيْضًا ( فِي جَوَازِهِ ) أَيْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ ( فِي مَجَازِيٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَقِيقِيُّ ) وَيَكُونُ مِنْ أَفْرَادِهِ ( لَنَا فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي صِحَّتِهِ عَقْلًا ( صِحَّةُ إرَادَةِ مُتَعَدِّدٍ بِهِ قَطْعًا ) لِلْإِمْكَانِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا ( لِبَعْضِهَا ) أَيْ الْمَعَانِي وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ دُونَ الْبَعْضِ ( لَا يُمْنَعُ عَقْلًا إرَادَةُ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ ( بَعْدَ صِحَّةِ طَرِيقِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ( إذْ حَاصِلُهُ نَصْبُ مَا يُوجِبُ الِانْتِقَالَ مِنْ لَفْظٍ بِوَضْعٍ وَقَرِينَةٍ ) وَمَا قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ تَوْجِيهِ الذِّهْنِ إلَى أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَالْآخَرِ مَجَازًا وَكُلُّ مِنْهُمَا قَضِيَّةٌ وَالذِّهْنُ لَا يَتَوَجَّهُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى حُكْمَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ وَإِنَّمَا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ تَوْجِيهُ الذِّهْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةِ إلَى تَصَوُّرَيْنِ مَمْنُوعٌ ( فَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) بَلْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْهُمْ ( يَسْتَحِيلُ ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( كَالثَّوْبِ ) الْوَاحِدِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى اللَّابِسِ الْوَاحِدِ ( مِلْكًا وَعَارِيَّةً فِي وَقْتٍ ) وَاحِدٍ ( تَهَافَتَ ) أَيْ تَسَاقَطَ ( إذْ ذَاكَ ) أَيْ كَوْنُ اجْتِمَاعِ الشَّيْئَيْنِ الْمُتَنَافِيَيْنِ مُحَالًا إنَّمَا هُوَ فِيهِمَا حَالَ كَوْنِهِمَا جِسْمَيْنِ ( فِي الظَّرْفِ الْحَقِيقِيِّ ) فَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِحَالَةُ
إطْلَاقِ اللَّفْظِ وَإِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ مَعًا وَإِنْ كَانَ تَوْضِيحًا وَتَمْثِيلًا لِلْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى اسْتِحَالَةِ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ( لَا يُقَالُ الْمَجَازِيُّ يَسْتَلْزِمُ مُعَانِدَ الْحَقِيقِيِّ ) أَيْ وُجُودَ مُعَانِدِهِ أَعْنِي ( قَرِينَةَ عَدَمِ إرَادَتِهِ ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ فَلَا يُعْقَلُ اجْتِمَاعُهُمَا لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ اسْتِلْزَامُهُ ذَلِكَ ( بِلَا مُوجِبٍ ) لَهُ فَلَا يُسْمَعُ ( بَلْ ذَاكَ ) أَيْ اسْتِلْزَامُهُ إيَّاهُ ( عِنْدَ عَدَمِ قَصْدِ التَّعْمِيمِ أَمَّا مَعَهُ ) أَيْ قَصْدِ تَعْمِيمِهِ بِهِ ( فَلَا يُمْكِنُ ) عِنْدَ الْمُعَمَّمِ ( نَعَمْ يَلْزَمُ عَقْلًا كَوْنُهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ وَهُمْ يَنْفُونَهُ ) أَيْ كَوْنَهُ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فِي اسْتِعْمَالٍ وَاحِدٍ لُغَةً ( لَا يُقَالُ ) عَلَى هَذَا ( بَلْ ) هُوَ ( مَجَازٌ لِلْمَجْمُوعِ ) كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ حَيْثُ قَالَ عَلَى أَنَّا لَا نَجْعَلُ اللَّفْظَ عِنْدَ إرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا لِيَكُونَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِعْمَالِ الثَّوْبِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ وَالْعَارِيَّةِ بَلْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا قَطْعًا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمَجْمُوعِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ اللَّفْظَ ( لِكُلٍّ ) مِنْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( إذْ كُلٌّ ) مِنْهُمَا ( مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ لَا الْمَجْمُوعُ لَكِنَّ نَفْيَهُمْ غَيْرُ عَقْلِيٍّ ) وَإِنَّمَا هُوَ لُغَوِيٌّ ( بَلْ يَصِحُّ عَقْلًا حَقِيقَةً لِإِرَادَةِ الْحَقِيقِيِّ وَمَجَازًا لِنَحْوِهِ ) أَيْ لِإِرَادَةِ نَحْوِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمَجَازِيُّ ( وَلَنَا فِي الثَّانِي ) أَيْ نَفْيِ صِحَّتِهِ لُغَةً ( تَبَادُرُ الْوَضْعِيِّ فَقَطْ ) مِنْ إطْلَاقِهِ ( يَنْفِي غَيْرَ الْحَقِيقِيِّ ) أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ فِيهِ ( حَقِيقَةً ) لِأَنَّ التَّبَادُرَ أَمَارَةُ الْحَقِيقَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ وَعَدَمُهُ أَمَارَةُ
عَدَمِهَا وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْعِلْمِ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِغَيْرِهِ وَتَأَكُّدِهِ بِالْمُبَادَرَةِ وَكَوْنِ الْأَصْلِ عَدَمَ الِاشْتِرَاكِ وَكَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ الْوَضْعِيِّ إلَّا أَنَّهُ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ لِزِيَادَةِ التَّمَكُّنِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ وَالْحَقِيقِيَّ مَكَانَ الْوَضْعِيِّ لِبَيَانِ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهِ ( وَعَدَمُ الْعَلَاقَةِ يَنْفِيهِ ) أَيْ غَيْرُ الْحَقِيقِيِّ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ فِيهِ ( مَجَازًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُشْتَرَكِ ) مِنْ انْتِفَاءِ الْعَلَاقَةِ وَانْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي الْمَعْنَى بِمَنْعِ صِحَّتِهِ لُغَةً ( وَعَلَى النَّفْيِ ) أَيْ نَفْيِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ ( اخْتَصَّ الْمَوَالِي بِالْوَصِيَّةِ لَهُمْ دُونَ مَوَالِيهِمْ ) أَيْ مَوَالِي الْمَوَالِي فِيمَا إذَا أَوْصَى مَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَعُتَقَاءُ عُتَقَاء لِأَنَّ الْعُتَقَاءَ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً لِمُبَاشَرَتِهِ عِتْقَهُمْ وَعُتَقَاءُ الْعُتَقَاءِ مَوَالِيه مَجَازًا لِتَسَبُّبِهِ فِي عِتْقِهِمْ بِإِعْتَاقِ مُعْتِقِيهِمْ لِأَنَّهُمْ بِعِتْقِهِ صَارُوا أَهْلًا لِإِعْتَاقِ غَيْرِهِمْ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَتْ الْحَقِيقَةُ لِتَرَجُّحِهَا وَإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) أَيْ يُوجَدَ ( وَاحِدٌ ) مِنْ الْمَوَالِي لَا غَيْرُ ( فَلَهُ النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَتْ الْحَقِيقَةُ وَاسْتَحَقَّ الِاثْنَانِ مِنْهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ لَهُمَا حُكْمَ الْجَمْعِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ كَانَ بِالضَّرُورَةِ النِّصْفُ لِلْوَاحِدِ وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ لَا لِعُتَقَاءِ الْعَتِيقِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَأَوْرَدَ هَبْ أَنَّ الْمَوَالِيَ لِمَنْ بَاشَرَ إعْتَاقَهُمْ لَكِنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ لَهُ مُعْتَقًا وَاحِدًا فَلِمَ لَا يَكُونُ ذَكَرَ الْجَمْعَ وَأَرَادَ الْمُفْرَدَ مَجَازًا وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَوُجُودِهِ فِي الْخَارِجِ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الثَّانِي انْتِفَاءُ الْأَوَّلِ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا أَرَادَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ لِأَنَّ بَعْضَ أَفْرَادِهِ مَوْجُودٌ وَبَعْضَهَا مُنْتَظِرُ الْوُجُودِ إذْ الْإِعْتَاقُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ ( وَكَذَا لِأَبْنَاءِ فُلَانٍ مَعَ حَفَدَتِهِ عِنْدَهُ ) أَيْ وَمِثْلُ حُكْمِ الْمَوَالِي مَعَ مَوَالِي الْمَوَالِي فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمْ حُكْمُ الْأَبْنَاءِ مَعَ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِأَبْنَاءِ فُلَانِ وَلِفُلَانٍ أَبْنَاءٌ وَأَبْنَاءُ أَبْنَاءٍ فَقَالَ : تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِلصُّلْبِيِّينَ خَاصَّةً لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِيهِمْ مَجَازٌ فِي بَنِيهِمْ وَالْجَمْعُ مُتَعَذِّرٌ فَتَعَيَّنَتْ الْحَقِيقَةُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ ابْنٌ صُلْبِيٌّ لَا غَيْرُ فَيَكُونُ لَهُ النِّصْفُ وَالنِّصْفُ لِلْوَرَثَةِ دُونَ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ ( وَقَالَا ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ( يَدْخُلُونَ ) أَيْ مَوَالِي الْمَوَالِي وَالْحَفَدَةِ ( مَعَ الْوَاحِدِ ) مِنْ الْمَوَالِي وَالْأَبْنَاءِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( بِعُمُومِ الْمَجَازِ ) لِأَنَّ الْمَوَالِيَ تُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ وَالْأَبْنَاءُ تُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ أَيْضًا وَلَا تَدْخُلُ مَوَالِي الْمَوَالِي وَلَا أَبْنَاءُ الْأَبْنَاءِ مَعَ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ ( وَالِاتِّفَاقُ دُخُولُهُمْ ) أَيْ مَوَالِي الْمَوَالِي وَأَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ ) مِنْ الْمَوَالِي وَالْأَبْنَاءِ ( لِتَعْيِينِ الْمَجَازِ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ أَحَدٌ لِلْإِرَادَةِ بِهِمْ احْتِرَازًا مِنْ الْإِلْغَاءِ ( وَأَمَّا النَّقْضُ ) لِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ ( بِدُخُولِ حَفَدَةِ الْمُسْتَأْمِنِ عَلَى بَنِيهِ ) مَعَ بَنِيهِ فِي الْأَمَانِ مَعَ أَنَّ الْأَبْنَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الصُّلْبِيِّينَ مَجَازٌ فِي الْحَفَدَةِ ( وَبِالْحِنْثِ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا ) أَوْ مُتَنَعِّلًا ( فِي حَلِفِهِ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ دَخَلَهَا
حَافِيًا مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً مَجَازٌ فِي دُخُولِهِ رَاكِبًا وَمُتَنَعِّلًا ( وَبِهِ ) أَيْ بِالْحِنْثِ ( بِدُخُولِ دَارِ سُكْنَاهُ ) أَيْ فُلَانٍ ( إجَارَةٌ ) أَوْ إعَارَةٌ ( فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ ) أَيْ فُلَانٍ وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارَ سُكْنَاهُ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ مَعَ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْمَمْلُوكَةِ بِدَلِيلِ عَدَمِ صِحَّةِ نَفْيِهَا عَنْهُ مَجَازٌ فِي الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ نَفْيِهِمَا عَنْهُ ( وَبِالْعِتْقِ ) أَيْ عِتْقُ عَبْدِهِ مَثَلًا ( فِي إضَافَتِهِ إلَى يَوْمٍ يَقْدُمُ ) فُلَانٌ ( فَقَدِمَ لَيْلًا ) وَلَا نِيَّةَ لَهُ كَمَا لَوْ قَدِمَ نَهَارًا مَعَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ حَتَّى لَوْ نَوَاهُ صُدِّقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً مَجَازٌ فِي اللَّيْلِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْهُ ( وَيَجْعَلُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا بِنِيَّةِ النَّذْرِ وَالْيَمِينُ يَمِينًا وَنَذْرًا حَتَّى وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِمُخَالَفَتِهِ ) أَيْ بِعَدَمِ صِيَامِ مَا سَمَّاهُ الْقَضَاءَ بِتَفْوِيتِ مُوجِبِ النَّذْرِ وَهُوَ الْوَفَاءُ بِمَا الْتَزَمَهُ وَالْكَفَّارَةُ بِتَفْوِيتِ مُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْبِرِّ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَقِيقَةٌ لِلنَّذْرِ حَتَّى لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ مَجَازٌ لِلْيَمِينِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ عَلَى نِيَّتِهَا لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ يَكُونُ نَذْرًا فَقَطْ ( فَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ النَّقْضِ بِدُخُولِ حَفَدَتِهِ فِي الِاسْتِئْمَانِ عَلَى بَنِيهِ ( بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْحَقْنِ ) أَيْ حِفْظِ الدَّمِ وَصِيَانَتِهِ عَنْ السَّفْكِ ( أَوْجَبَهُ ) أَيْ دُخُولُ الْحَفَدَةِ ( تَبَعًا لِحُكْمِ الْحَقِيقِيِّ ) أَيْ حَقْنُ دِمَاءِ الْأَبْنَاءِ ( عِنْدَ تَحَقُّقِ شُبْهَتِهِ ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ فِيهِمْ ( لِلِاسْتِعْمَالِ ) أَيْ لِاسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْبَنِينَ فِيهِمْ كَمَا فِي ( نَحْوِ بَنِي هَاشِمٍ وَكَثِيرٍ ) لِوُجُودِ شُبْهَةِ صُورَةِ الِاسْمِ لِأَنَّ الْأَمَانَ مِمَّا يُحْتَاطُ
فِي إثْبَاتِهِ وَلَوْ بِالشُّبْهَةِ حَتَّى ثَبَتَ بِمُجَرَّدِ صُورَةِ الْمُسَالَمَةِ بِأَنْ أَشَارَ مُسْلِمٌ إلَى كَافِرٍ بِالنُّزُولِ مِنْ حِصْنٍ أَوْ قَالَ : انْزِلْ إنْ كُنْت رَجُلًا أَوْ تُرِيدُ الْقِتَالَ أَوْ تَرَى مَا أَفْعَلُ بِك وَظَنَّ الْكَافِرُ مِنْهُ الْأَمَانَ يَثْبُتُ الْأَمَانُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِصُورَةِ الِاسْمِ وَالشُّبْهَةِ ( فَفَرَّعُوا عَدَمَهُ ) أَيْ عَدَمَ الدُّخُولِ ( فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ بِالِاسْتِئْمَانِ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الْأَصَالَةِ فِي الْخَلْقِ ) فِي الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ ( يَمْنَعُ التَّبَعِيَّةَ فِي الدُّخُولِ ) أَيْ دُخُولِهِمْ ( فِي اللَّفْظِ ) أَيْ لَفْظِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ قَالُوا : لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ فِي الدُّخُولِ بِاعْتِبَارِ تَنَاوُلِ صُورَةِ الِاسْمِ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ فِي نَفْسِهِ فَإِذَا عَارَضَهُ كَوْنُهُمْ أُصُولًا لَهُمْ فِي الْخِلْقَةِ سَقَطَ الْعَمَلُ بِهِ ( وَإِعْطَاءُ الْجَدِّ السُّدُسَ لِعَدَمِ الْأَبِ لَيْسَ بِإِعْطَائِهِ الْأَبَوَيْنِ ) أَيْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لِلْأَبِ مَعَ كَوْنِهِ أَصْلًا لَهُ خِلْقَةً لِيَقْدَحَ فِي كَوْنِ الْأَصَالَةِ خِلْقَةً غَيْرَ قَادِحَةٍ فِي التَّبَعِيَّةِ ( بَلْ بِغَيْرِهِ ) أَيْ بَلْ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ إقَامَةُ الشَّرْعِ إيَّاهُ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ كَمَا فِي بِنْتِ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْبِنْتِ ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابَ ( يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ الْأُمُّ الْأَصْلُ لُغَةً وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ الْبَنَاتُ الْفُرُوعُ لُغَةً ) فَإِنَّ هَذَا يُفِيدُ اسْتِوَاءَهُمْ فِي الدُّخُولِ ( وَأَيْضًا إذَا صُرِفَ الِاحْتِيَاطُ عَنْ الِاقْتِصَارِ فِي الْأَبْنَاءِ ) عَلَى الْأَبْنَاءِ ( عِنْدَ شُبْهَةِ الْحَقِيقَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ فَعَنْهُ ) أَيْ فَيُصْرَفُ الِاحْتِيَاطُ عَنْ الِاقْتِصَارِ ( فِي الْآبَاءِ ) عَلَى الْآبَاءِ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِشُبْهَةِ الْحَقِيقَةِ بِالِاسْتِعْمَالِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ كَمَا فِي الْأَبْنَاءِ ( بِعُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْأُصُولِ ) أَيْ بِجَعْلِ الْآبَاءِ مَجَازًا عَنْ الْأُصُولِ ( كَمَا هُوَ ) أَيْ لَفْظُ الْأَبْنَاءِ مَجَازٌ ( فِي الْفُرُوعِ إنْ
لَمْ يَكُنْ ) اللَّفْظُ ( حَقِيقَةً ) فِي ذَلِكَ ( فَيَدْخُلُونَ ) أَيْ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فِي الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ( وَمَانِعِيَّةُ الْأَصَالَةِ خِلْقَةً ) مِنْ الدُّخُولِ أَمْرٌ ( مَمْنُوعٌ ) لِعَدَمِ اقْتِضَاءِ عَقْلٍ أَوْ نَقْلِ ذَلِكَ ( هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ جَوَازِ الْجَمْعِ عِنْدَنَا ) أَيْ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ( لِأَنَّ الْأَبْنَاءَ وَالْآبَاءَ جَمْعٌ ) وَنَحْنُ قَدْ جَوَّزْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لُغَةً وَعَقْلًا فِي غَيْرِ الْمُفْرَدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَيْ النَّقَضِ بِالْحِنْثِ بِالدُّخُولِ رَاكِبًا فِي حَلِفِهِ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ فُلَانٍ ( بِهَجْرِ ) الْمَعْنَى ( الْحَقِيقِيُّ ) لِوَضْعِ الْقَدَمِ لِأَنَّهُ لَوْ اضْطَجَعَ خَارِجَهَا وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ فِيهَا لَا يُقَالُ عُرْفًا وَضَعَ الْقَدَمَ فِي الدَّارِ حَتَّى لَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَمَا ذَاكَ إلَّا ( لِفَهْمٍ صَرَفَ الْحَامِلَ ) عَلَى هَجْرِهِ إلَى الدُّخُولِ بِوَاسِطَةِ الْيَمِينِ لِظُهُورِ أَنَّ مَقْصُودَهُ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ الدُّخُولِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ وَضْعِ الْقَدَمِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ مَقْصُودِهِ كَأَنَّهُ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فَأَطْلَقَ السَّبَبَ وَأَرَادَ الْمُسَبَّب وَالدُّخُولُ مُطْلَقٌ عَنْ الرُّكُوبِ وَالتَّنَعُّلِ وَالْحَفَا فَيَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهَا لِحُصُولِ الدُّخُولِ الْمَقْصُودِ بِالْمَنْعِ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ ) أَيْ النَّقْضِ بِالْحِنْثِ بِدُخُولِ دَارِ سُكْنَى فُلَانٍ إعَارَةً فِي حَلِفِهِ لَا يَدْخُلُ دَارِهِ ( بِأَنَّ حَقِيقَةَ إضَافَةِ الدَّارِ بِالِاخْتِصَاصِ ) الْكَامِلِ الْمُصَحَّحِ لَأَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمُضَافِ بِأَنَّهُ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ ( بِخِلَافِ نَحْوِ كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ ) فِي قَوْلِهِ إذَا كَوْكَبُ الْخَرْقَاءِ لَاحَ بِسَحَرَةٍ سُهَيْلٌ أَذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي الْقَرَائِبِ فَإِنَّ إضَافَةَ كَوْكَبٍ الَّذِي هُوَ سُهَيْلٌ وَهُوَ كَوْكَبٌ بِقُرْبِ الْقُطْبِ الْجَنُوبِيِّ يَطْلُعُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْبَرْدِ إلَى الْخَرْقَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي عَقْلِهَا هَوَجٌ وَبِهَا حَمَاقَةٌ إضَافَةٌ مَجَازِيَّةٌ لِاخْتِصَاصٍ مَجَازِيٍّ وَهُوَ
كَوْنُ زَمَانِ طُلُوعِهِ وَقْتَ ظُهُورِ جَدِّهَا فِي تَهْيِئَةِ مَلَابِسِ الشِّتَاءِ بِتَفْرِيقِهَا قُطْنَهَا فِي قَرَائِبِهَا لِيَغْزِلَ لَهَا فَجَعَلَتْ هَذِهِ الْمُلَابَسَةَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِصَاصِ الْكَامِلِ ( وَهُوَ ) أَيْ اخْتِصَاصُهُ الْكَامِلُ بِالدَّارِ يَكُونُ ( بِالسُّكْنَى وَالْمِلْكِ فَيَحْنَثُ ) بِكُلٍّ حَتَّى يَحْنَثَ ( بِالْمَمْلُوكَةِ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ كَقَاضِي خَانَ ) لِوُجُودِ الِاخْتِصَاصِ الْكَامِلِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِكَوْنِ الدَّارِ مُضَافَةً إلَى فُلَانٍ نِسْبَةُ السُّكْنَى إلَيْهِ حَقِيقَةً كَانَتْ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ تَكُونَ مِلْكَهُ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ السُّكْنَى فِيهَا ( خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ ) وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْكَافِي بِنَاءً عَلَى انْقِطَاعِ نِسْبَةِ السُّكْنَى إلَيْهِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْبَاعِثَ عَلَى الْيَمِينِ قَدْ يَكُونُ الْغَيْظُ اللَّاحِقُ لَهُ مِنْ فُلَانٍ وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ مِنْ دُخُولِ الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ بِالِاخْتِصَاصِ مَمْلُوكَةً كَانَتْ وَلَوْ غَيْرَ مَسْكُونَةٍ لَهُ أَوْ مَسْكُونَةً لَهُ وَلَوْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) أَيْ وَعَنْ النَّقْضِ بِعِتْقِ مَنْ أَضَافَ عِتْقَهُ إلَى يَوْمِ يَقْدُمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْيَوْمَ ( مَجَازٌ فِي الْوَقْتِ ) الْمُطْلَقِ ( عَامٌّ لِثُبُوتِ الِاسْتِعْمَالِ ) لَهُ كَذَلِكَ ( عِنْدَ ظَرْفِيَّتِهِ لِمَا لَا يَمْتَدُّ ) مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ مَا لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } فَإِنَّ التَّوَلِّيَ عَنْ الزَّحْفِ حَرَامٌ لَيْلًا كَانَ أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ ( فَيُعْتَبَرُ ) الْمَجَازِيُّ الْعَامُّ ( إلَّا لِمُوجِبٍ ) يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ بَيَاضُ النَّهَارِ خَاصَّةً ( كَطَالِقٍ يَوْمَ أَصُومُ ) فَإِنَّ الطَّلَاقَ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ بَيَاضِ النَّهَارِ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَكُونُ فِيهِ وَفِي التَّلْوِيحِ عَلَى أَنَّهُ لَا
امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ وَيَحْصُلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ : طَالِقٌ حِينَ يَصُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ ( بِخِلَافِ ) مَا كَانَ ظَرْفُ ( مَا يَمْتَدُّ ) مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ مَا يَقْبَلُ التَّأْقِيتَ ( كَالسَّيْرِ وَالتَّفْوِيضِ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ بَيَاضَ النَّهَارِ ( إلَّا لِمُوجِبٍ ) يَقْتَضِي كَوْنَ الْمُرَادِ بِهِ مُطْلَقَ الْوَقْتِ ( كَأَحْسِن الظَّنَّ يَوْمَ تَمُوتُ ) فَإِنَّ إحْسَانَ الظَّنِّ مِمَّا يَمْتَدُّ وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ مُطْلَقِ الْوَقْتِ بِهِ إضَافَتُهُ إلَى الْمَوْتِ وَفِي التَّلْوِيحِ عَلَى أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي حَمْلِ الْيَوْمِ فِيهِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ( وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ هَذَا ) الْفَرْقُ لِلْقَائِلِ ( فَقَرِينَةُ ) إرَادَةِ ( الْمَجَازِ ) بِهِ فِي النَّقْضِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ( عُلِمَ أَنَّهُ ) أَيْ الْعِتْقَ إنَّمَا هُوَ ( لِلسُّرُورِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالنَّهَارِ ) فَلَمْ يُسْتَعْمَلْ حِينَئِذٍ إلَّا فِي مَجَازٍ عَامٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْحَقِيقَةُ ( وَعَنْ الْخَامِسِ ) أَيْ عَنْ النَّقْضِ بِكَوْنِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا نَذْرًا وَيَمِينًا بِنِيَّتِهِمَا ( تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ ) الَّذِي هُوَ فِطْرُ الْأَيَّامِ الْمَنْذُورِ صِيَامَهَا ( وَهُوَ ) أَيْ وَتَحْرِيمُهُ ( مَعْنَى الْيَمِينِ ) هُنَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاح يَمِينٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( يَثْبُتُ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِلصِّيغَةِ ) أَيْ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ كَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إيجَابُ الْمَنْذُورِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْمَنْذُورَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّذْرِ مُبَاحُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِيَصِحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَحَيْثُ صَارَ كَذَا صَارَ تَرْكُهُ الَّذِي كَانَ مُبَاحًا حَرَامًا بِهِ لَازِمًا لَهُ ( ثُمَّ يُرَادُ بِهِ ) أَيْ بِالْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ ( الْيَمِينُ ) أَيْ مَعْنَاهَا ( فَأُرِيدَ ) الْيَمِينُ أَيْ مَعْنَاهَا ( يُلَازِمُ مُوجَبَ اللَّفْظِ ) الَّذِي هُوَ النَّذْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ
حُكْمُهُ ( لَا بِهِ ) أَيْ بِاللَّفْظِ الَّذِي هُوَ النَّذْرُ ( وَلَا جَمَعَ ) بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ ( دُونَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا ) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ وَلَا اسْتِعْمَالَ لِلَّفْظِ الْوَاحِدِ هُنَا فِيهِمَا فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا ( وَمَا قِيلَ لَا عِبْرَةَ لِإِرَادَةِ النَّذْرِ ) لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِنَفْسِ الصِّيغَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ لِلْإِرَادَةِ ( فَالْمُرَادُ الْيَمِينُ فَقَطْ ) أَيْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ ( غَلَطٌ إذْ تَحَقُّقُهُ ) أَيْ النَّذْرِ ( مَعَ الْإِرَادَةِ وَعَدَمِهَا ) أَيْ إرَادَتِهِ ( لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ تَحَقُّقِهَا ) أَيْ إرَادَتِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ اسْتَلْزَمَ تَحَقُّقُ النَّذْرِ عَدَمَ تَحَقُّقِ إرَادَتِهِ ( لَمْ يَمْتَنِعْ الْجَمْعُ ) بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( فِي صُورَةٍ ) لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ يَثْبُتُ بِاللَّفْظِ فَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا ( وَقَدْ فَرَضَ إرَادَتَهُمَا ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( وَفِيهِ ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا النَّقْضِ ( نَظَرٌ إذْ ثُبُوتُ الِالْتِزَامِيِّ ) حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ مُرَادٍ ) هُوَ ( خُطُورُهُ عِنْدَ فَهْمِ مَلْزُومِهِ ) الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ ( مَحْكُومًا بِنَفْيِ إرَادَتِهِ ) أَيْ الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ لِلْمُتَكَلِّمِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ ( يُنَافِي إرَادَةَ الْيَمِينِ ) بِهِ أَعْنِي ( الَّتِي هِيَ إرَادَةُ التَّحْرِيمِ عَلَى وَجْهٍ أَخَصَّ مِنْهُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِأَنَّهُ ) أَيْ إرَادَةَ التَّحْرِيمِ بِمَعْنَى قَصْدِهِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ ( تَحْرِيمٌ يَلْزَمُ بِخُلْفِهِ الْكَفَّارَةُ ) وَلَا كَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ الثَّابِتِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لَهُ بَلْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ( وَعَدَمُ إرَادَةِ الْأَعَمِّ ) الَّذِي هُوَ تَحْرِيمُ الْمُبَاحِ الثَّابِتِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا ( يُنَافِيهِ إرَادَةُ الْأَخَصِّ ) أَيْ تَحْرِيمُهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ( وَظَاهِرُ بَعْضِهِمْ ) كَصَاحِبِ الْبَدِيعِ ( إرَادَتُهُ ) أَيْ مَعْنَى الْيَمِينِ (
بِالْمُوجَبِ ) أَيْ مُوجَبِ النَّذْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ ( نَفْسِهِ إلْحَاقًا لِإِيجَابِ الْمُبَاحِ ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى النَّذْرِ ( بِتَحْرِيمِهِ ) أَيْ الْمُبَاحِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْيَمِينِ ( فِي الْحُكْمِ وَهُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ ( لُزُومُ الْكَفَّارَةِ وَيَتَعَدَّى اسْمُ الْيَمِينِ ) إلَى الْمُوجِبِ ( ضِمْنَهُ ) أَيْ ضِمْنَ هَذَا الْقَصْدِ وَتَبَعًا لَهُ ( لَا لِتَعْدِيَةِ الِاسْمَ ابْتِدَاءً ) ثُمَّ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّ إرَادَةَ الْإِيجَابِ عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ إرَادَتُهُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْكَفَّارَةَ بِالْخُلْفِ وَإِرَادَتُهُ مِنْ اللَّفْظِ نَذْرًا إرَادَتُهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ لَا يَسْتَعْقِبَهَا بَلْ الْقَضَاءُ وَذَلِكَ تَنَافٍ فَيَلْزَمُ إذَا أُرِيدَ يَمِينًا وَثَبَتَ حُكْمُهَا شَرْعًا وَهُوَ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ بِالْخُلْفِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَذْرًا إذْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِيهِ ( وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) السَّرَخْسِيُّ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ ( أُرِيدَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ) لِأَنَّهُ قَسَمٌ بِمَنْزِلَةِ بِاَللَّهِ ( وَالنَّذْرُ بِعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَجَبَ ) يَعْنِي مُعَيِّنًا وَهُوَ مَا يَتَعَقَّبُ الْيَمِينَ لِيَصِحَّ مَنْعُهُ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ الرَّجَبِ كَمَا فِي سَحَرٍ لِسَحَرٍ بِعَيْنِهِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ غَلَبَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى مَعْنَى النَّذْرِ عَادَةً فَإِذَا نَوَاهُمَا فَقَدْ نَوَى لِكُلِّ لَفْظٍ مَا هُوَ مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ ( وَجَوَابُ الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْمَنْذُورِ كَأَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ لَأَصُومَنَّ وَعَلَيَّ أَنْ أَصُومَ وَعَلَى هَذَا لَا يَرِدَانِ ) أَيْ النَّذْرُ وَالْيَمِينُ ( بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ ) لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بَلْ أُرِيدَا بِلَفْظَيْنِ إنْ كَانَ الْقَسَمُ مَعْنًى مَجَازِيًّا لِلَّامِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ( وَعَلَى مَا قَبْلَهُ يُرَادَانِ ) بِنَحْوِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ مُسَامَحَةٍ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ مُرَادَةً بِالْمُوجِبِ ( وَهَذَا )
أَيْ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ ( يُخَالِفُ الْأَوَّلَ ) وَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِهِمْ أَيْضًا ( بِاتِّحَادِ الْمَنْذُورِ وَالْمَحْلُوفِ ) فِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ نَادِرًا لِلصِّيَامِ مُقْسِمًا عَلَيْهِ ( وَالْأَوَّلُ ) وَمَا هُوَ ظَاهِرُ بَعْضِهِمْ لَيْسَا كَذَلِكَ بَلْ فِيهِمَا ( الْمَحْلُوفُ تَحْرِيمُ التَّرْكِ وَالْمَنْذُورُ الصَّوْمُ ) نَعَمْ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ نَظَرٌ لِأَنَّ اللَّامَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْقَسَمِ إذَا كَانَتْ لِلتَّعَجُّبِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّحْوِيُّونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ مِمَّا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ دَخَلَ آدَم الْجَنَّةَ فَلِلَّهِ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ حَتَّى خَرَجَ وَفِي قَوْلِ الشَّاعِرِ لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حَيْدٍ بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظِّبْيَانُ وَالْآسُ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ نَذْرَ الْإِنْسَانِ وَإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَمْرٌ عَجِيبٌ صَالِحٌ لَأَنْ يُتَعَجَّبَ مِنْهُ فَمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فَهْمَ النَّذْرِ إنَّمَا هُوَ مِنْ مَجْمُوعٍ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِبَيَانِ مَنْ أُثْبِتَ لَهُ الْوُجُوبُ وَأَمَّا مَا قِيلَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ نَذْرًا لَا يَمِينًا نَحْوُ نَذَرْت أَنْ أَصُومَ رَجَبًا وَإِنْ نَوَى النَّذْرَ وَالْيَمِينَ لِعَدَمِ اللَّفْظِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْيَمِينُ فَظَاهِرٌ وَلَكِنْ إنَّمَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ كَانَ قَائِلًا بِلُزُومِهِمَا وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ { تَتْمِيمٌ } وَكَمَا أَوْرَدَ النَّقْضَ بِهَذَا نَاوِيًا بِهِ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ : هُوَ نَذْرٌ فَقَطْ أَوْ وَرَدَ بِهِ أَيْضًا نَاوِيًا بِهِ الْيَمِينَ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ النَّذْرُ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَذْرًا وَيَمِينًا عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لَهُ حَيْثُ قَالَ : هُوَ يَمِينٌ لَا غَيْرُ وَبَقِيَ لِلْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ : هِيَ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا نَوَى النَّذْرَ وَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ الْيَمِينُ نَوَى النَّذْرَ أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا فَهُوَ نَذْرٌ بِالِاتِّفَاقِ نَوَى الْيَمِينَ وَأَنْ لَا يَكُونَ نَذْرًا فَهُوَ يَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ .
( تَنْبِيهٌ لَمَّا لَمْ يَشْرِطْ نَقْلَ الْآحَادِ ) لِأَنْوَاعِ الْعَلَاقَاتِ فِي أَفْرَادِ الْمَجَازَاتِ فِي الْأَلْفَاظِ اللُّغَوِيَّةِ بَلْ جَازَ الْمَجَازُ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ الْوَضْعِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ ( جَازَ ) الْمَجَازُ ( فِي ) الْأَلْفَاظِ ( الشَّرْعِيَّةِ ) إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَيْنَ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعَلَاقَةُ مَعْنَوِيَّةً أَوْ صُورِيَّةً ( فَالْمَعْنَوِيَّةُ فِيهَا ) أَيْ فِي الشَّرْعِيَّةِ ( أَنْ يَشْتَرِكَ التَّصَرُّفَانِ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهِمَا عِلَّتِهِمَا الْغَائِيَّةِ كَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا التَّوَثُّقُ فَيُطْلَقُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ كَلَفْظِ الْكَفَالَةِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ ) تُطْلَقُ عَلَى الْحَوَالَةِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ اشْتِرَاكِهِمَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الْمَعْنَوِيِّ ( وَهُوَ ) أَيْ شَرْطُ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ ( الْقَرِينَةُ فِي جَعْلِهِ ) أَيْ لَفْظِ الْكَفَالَةِ ( مَجَازًا فِي الْحَوَالَةِ وَهِيَ ) أَيْ الْحَوَالَةُ ( بِشَرْطِ مُطَالَبَتِهِ ) أَيْ الْأَصِيلِ ( كَفَالَةً ) وَالْقَرِينَةُ فِي جَعْلِ لَفْظِ الْحَوَالَةِ مَجَازًا فِي الْكَفَالَةِ شَرْطُ مُطَالَبَةِ الْأَصِيلِ وَكَلَفْظِ الْحَوَالَةِ لِلْوَكَالَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ ) أَيْ وَكَقَوْلِهِ فِيمَا إذَا افْتَرَقَ الْمُضَارِبُ وَرَبُّ الْمَالِ وَلَيْسَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ وَبَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ دَيْنٌ لَا يُجْبَرُ الْمُضَارِبُ عَلَى نَقْدِهِ ( وَيُقَالُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ ( أَحَلَّ رَبُّ الْمَالِ ) عَلَى الْمَدِينِينَ ( أَيْ وَكَّلَهُ ) بِقَبْضِ الدُّيُونِ ( لِاشْتِرَاكِهَا ) أَيْ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ ( فِي إفَادَةِ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ ) لِلْمَدِينِ ( لَا ) لِاشْتِرَاكِهَا ( فِي النَّقْلِ الْمُشْتَرَكِ الدَّاخِلِ ) فِي مَفْهُومِهَا أَعْنِي النَّقْلَ الْمُشْتَرَكَ ( بَيْنَ الْحَوَالَةِ الَّتِي هِيَ نَقْلُ الدِّينِ ) مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ (
وَالْكَفَالَةُ عَلَى أَنَّهَا نَقْلُ الْمُطَالَبَةِ ) بِالدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ إلَى ذِمَّةِ الْكَفِيلِ ( وَالْوَكَالَةُ عَلَى أَنَّهَا نَقْلُ الْوِلَايَةِ ) مِنْ الْمُوَكِّلِ إلَى الْوَكِيلِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ ( إذْ الْمُشْتَرَكُ ) بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( الدَّاخِلِ ) فِي مَفْهُومِهِمَا ( غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ) عَلَاقَةٌ لِلتَّجَوُّزِ ( لَا يُقَالُ لِإِنْسَانٍ فَرَسٌ وَقَلْبُهُ لَهُ ) أَيْ وَلَا يُقَالُ لِفَرَسٍ إنْسَانٌ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْحَيَوَانِيَّةِ الدَّاخِلَةِ فِي مَفْهُومِهِمَا بَلْ الِاتِّصَالُ الْمَعْنَوِيُّ الْمُعْتَبَرُ عِلَاقَةٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ هُوَ الْمَعْنَى الْخَارِجُ عَنْ مَفْهُومِهَا الصَّادِقِ عَلَيْهَا الَّذِي يَلْزَمُ مِنْ تَصَوُّرِهَا تَصَوُّرُهُ ( فَكَيْفَ وَلَا نَقْلَ فِي الْأَخِيرِينَ ) أَيْ الْكَفَالَةِ فَإِنَّهَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ فِي الدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ إقَامَةُ الْإِنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي تَصَرُّفٍ مَعْلُومٍ ( وَالصُّورِيَّةُ الْعِلِّيَّةُ وَالسَّبَبِيَّةُ ) لِأَنَّ الْمُجَاوَرَةَ الَّتِي بَيْنَ الْحُكْمِ وَالْعِلَّةِ وَبَيْنَ الْمُسَبَّبِ وَالسَّبَبِ شَبِيهٌ بِالِاتِّصَالِ الصُّورِيِّ فِي الْمَحْسُوسَاتِ ( فَالْعِلِّيَّةُ كَوْنُ الْمَعْنَى وُضِعَ شَرْعًا لِحُصُولِ الْآخَرِ فَهُوَ ) أَيْ الْآخَرُ ( عِلَّتُهُ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ شَرْعًا لِحُصُولِهِ ( الْغَائِيَّةُ كَالشِّرَاءِ ) وُضِعَ شَرْعًا ( لِلْمِلْكِ فَصَحَّ كُلٌّ ) مِنْ الشِّرَاءِ وَالْمِلْكِ مَجَازًا ( فِي الْآخَرِ لِتَعَاكُسِ الِافْتِقَارِ ) أَيْ لِافْتِقَارِ الْعِلَّةِ إلَى حُكْمِهَا مِنْ حَيْثُ الْغَرَضُ وَالشَّرْعِيَّةُ وَلِهَذَا لَمْ تُشْرَعْ فِي مَحَلٍّ لَا يَقْبَلُهُ كَشِرَاءِ الْحُرِّ وَافْتِقَارِ الْحُكْمِ إلَى عِلَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالُوا : الْأَحْكَامُ الْعِلَلُ الْمَآلِيَّةُ وَالْأَسْبَابُ الْعِلَّةُ الْآلِيَّةُ ( وَإِنْ كَانَ ) الِافْتِقَارُ ( فِي الْمَعْلُولِ ) إلَى عِلَّتِهِ ( عَلَى الْبَدَلِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ عِلَّتِهِ بِمَعْنَى الْمُوجِدِ
أَوْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الشِّرَاءُ ( وَمِنْ نَحْوِ الْهِبَةِ ) كَالصَّدَقَةِ لِوَضْعِهَا شَرْعًا لِلْمِلْكِ أَيْضًا وَإِنَّمَا امْتَازَ كُلٌّ بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَوْضِعِهِ ( فَلَوْ عَنَى بِالشِّرَاءِ الْمِلْكَ فِي قَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْتُ ) عَبْدًا بِأَنْ أَرَادَ إنْ مَلَكْتُهُ ( فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَهُ وَبَاعَهُ وَاشْتَرَى ) النِّصْفَ ( الْآخَرَ لَا يَعْتِقُ هَذَا النِّصْفُ إلَّا قَضَاءً ) أَيْ لَا يَعْتِقُ دِيَانَةً لِأَنَّهُ تَجُوزُ بِالْعِلَّةِ عَنْ حُكْمِهَا وَيَعْتِقُ قَضَاءً لَا لِعَدَمِ صِحَّةِ هَذَا التَّجَوُّزِ بَلْ لِلتُّهْمَةِ لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُ ( وَفِي قَلْبِهِ ) أَيْ فِيمَا لَوْ عَنَى بِالْمِلْكِ الشِّرَاءَ بِأَنْ قَالَ : إنْ مَلَكْت عَبْدًا وَأَرَادَ بِهِ إنْ اشْتَرَيْت فَهُوَ حُرٌّ فَاشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ وَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ يَعْتِقُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً ( لِتَغْلِيظِهِ ) عَلَى نَفْسِهِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( لَا يَعْتِقُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمِلْكِ ( مَا لَمْ يَجْتَمِعْ ) جَمِيعُ الْعَبْدِ ( فِي الْمِلْكِ قَضِيَّةٌ لِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمِلْكِ وَالشِّرَاءِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ عُرْفًا الِاسْتِغْنَاءُ بِمِلْكِ الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَإِنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَتَّى لَوْ قَالَ : إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ يَحْنَثُ فَضْلًا عَنْ اشْتِرَاطِ الْغِنَى فَإِذَا الشَّرْطُ شِرَاءُ عَبْدٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الِاجْتِمَاعِ وَقَدْ حَصَلَ يُوَضِّحُهُ مَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَكَانَ إمَامًا بِبَلْخٍ وَلَهُ بَوَّابٌ يُقَالُ لَهُ إِسْحَاقُ فَكَانَ إذَا أَرَادَ تَفْهِيمَ أَصْحَابِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَعَاهُ وَقَالَ : هَلْ اشْتَرَيْت بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ بِأُلُوفٍ ثُمَّ يَقُولُ هَلْ مَلَكْت مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ؟ فَيَقُولُ : وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُهَا قَطُّ ثُمَّ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ : كَمْ تَرَوْنَ أَنَّهُ مَلَكَ
مِنْ الدَّرَاهِمِ مُتَفَرِّقَةً وَأَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُنْكَرًا كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِأَنْ قَالَ لِعَبْدٍ : إنْ اشْتَرَيْتُك أَوْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَعْتِقُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي الْمُنْكَرِ دُونَ الْمُعِينِ إذْ فِي الْمُعَيَّنِ قَصْدُهُ نَفْيُ مِلْكِهِ عَنْ الْمَحَلِّ وَقَدْ ثَبَتَ مِلْكُهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ فِي أَزْمِنَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّ الِاجْتِمَاعَ وَالتَّفَرُّقَ مِنْ الْأَوْصَافِ وَالصِّفَةُ فِي الْحَاضِرِ لَغْوٌ ثُمَّ هَذَا إنْ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ فَاسِدًا لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ اشْتَرَاهُ جُمْلَةً لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجِدَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَلَا مِلْكَ لَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَحْنَثُ وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ حَتَّى لَا يَعْتِقَ أَيْضًا بَعْدَ الْقَبْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِنَفْسِهِ فِي يَدِهِ حِينَ اشْتَرَاهُ حَتَّى يَنُوبَ قَبْضُهُ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ فَيَعْتِقُ لِوُجُودِ الشِّرَاءِ وَتَمَلَّكَهُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِعِتْقِ النِّصْفِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَاشٍ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ كُلُّهُ ثُمَّ تَجِبُ السِّعَايَةُ أَوْ الضَّمَانُ لِلِاخْتِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تُجْزِئُ الْإِعْتَاقُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَالسَّبَبُ ) الْمَحْضُ ( لَا يَقْصِدُ ) حُصُولَ الْمُسَبَّبِ ( بِوَضْعِهِ ) يَعْنِي لَمْ يُوضَعْ لِحُصُولِهِ ( وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ) الْمُسَبَّبُ ( عَنْ الْمَقْصُودِ ) بِالسَّبَبِ اتِّفَاقًا ( كَزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِالْعِتْقِ لَمْ يُوضَعْ ) الْعِتْقُ ( لَهُ ) أَيْ لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ ( بَلْ يَسْتَتْبِعُهُ ) أَيْ بَلْ يَتْبَعُ زَوَالُ مِلْكِ الْمُتْعَةِ ( مَا هُوَ ) أَيْ السَّبَبُ الَّذِي الْعِتْقُ مَوْضُوعٌ ( لَهُ ) وَهُوَ زَوَالُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ ( فَيُسْتَعَارُ ) السَّبَبُ ( لِلْمُسَبَّبِ لِافْتِقَارِهِ ) أَيْ الْمُسَبَّبِ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى السَّبَبِ ( عَلَى الْبَدَلِ مِنْهُ ) أَيْ
مِنْ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ ( وَمِنْ الْهِبَةِ وَالْبَيْعِ ) وَالصَّدَقَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا سَبَبٌ لِزَوَالِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ افْتِقَارِ الْحُكْمِ إلَى الْعِلَّةِ لِقِيَامِهِ بِهِ ( فَصَحَّ الْعِتْقُ ) مَجَازًا ( لِلطَّلَاقِ ) حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَعْتَقْتُك أَوْ أَنْتِ حُرَّةٌ وَنَوَى الطَّلَاقَ بِهِ وَقَعَ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ لِتَعْيِينِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لَهُ بَلْ لِحَقِيقَةِ الْوَصْفِ بِالْحُرِّيَّةِ ( وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ ) مَجَازًا ( لِلنِّكَاحِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَبَبٌ مُفْضٍ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ ( وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ هَذَا ) التَّجَوُّزَ بِهِمَا عَنْهُ ( لِانْتِفَاءِ ) الْعَلَاقَةِ ( الْمَعْنَوِيَّةِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ( لَا يَنْفِي غَيْرَهَا ) وَهُوَ السَّبَبِيَّةُ الْمَحْضَةُ الَّتِي هِيَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْعَلَاقَةِ الصُّورِيَّةِ وَبِهَا كِفَايَةٌ ( وَلَا عَكْسَ ) أَيْ وَلَا يَتَجَوَّزُ بِالْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ ( خِلَافًا لَهُ ) أَيْ لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ ( فَصَحَّ عِنْدَهُ الطَّلَاقُ ) مَجَازًا ( لِلْعِتْقِ لِشُمُولِ الْإِسْقَاطِ ) فِيهِمَا لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إسْقَاطَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِزَالَتَهُ وَفِي الطَّلَاقِ إسْقَاطَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ وَإِزَالَتَهُ وَالِاتِّصَالُ الْمَعْنَوِيُّ عَلَاقَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِلْمَجَازِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَالْحَنَفِيَّةُ تَمْنَعُهُ ) أَيْ التَّجَوُّزُ بِالطَّلَاقِ عَنْ الْعِتْقِ ( وَالْمُجَوِّزُ ) لِلتَّجَوُّزِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْمُتَجَوِّزِ وَالْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فِي الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُتَجَوِّزِ ( الْمَشْهُورُ الْمُعْتَبَرُ ) أَيْ الثَّابِتُ اعْتِبَارُهُ عَنْ الْوَاضِعِ نَوْعًا بِاسْتِعْمَالِهِ اللَّفْظَ بِاعْتِبَارِ جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمُشْتَرَكِ الْمَذْكُورِ أَوْ نَقْلِ اعْتِبَارِهِ عَنْهُ ( وَلَمْ يَثْبُتْ ) هَذَا بِالتَّجَوُّزِ ( بِالْفَرْعِ ) أَيْ الْمُسَبَّبِ عَنْ الْأَصْلِ أَيْ السَّبَبِ ( بَلْ ) ثَبَتَ هَذَا فِي التَّجَوُّزِ ( بِالْأَصْلِ ) عَنْ الْفَرْعِ ( إذْ لَمْ يُجِيزُوا الْمَطَرَ لِلسَّمَاءِ بِخِلَافِ
قَلْبِهِ ) أَيْ وَأَجَازُوا السَّمَاءَ لِلْمَطَرِ فَنُقِلَ عَنْهُمْ مَا زِلْنَا نَطَأُ السَّمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ أَيْ الْمَطَرَ ( مَعَ اشْتِرَاكِهِمَا ) أَيْ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ ( فِي ) الِاتِّصَالِ ( الصُّورِيِّ ) فَوَجَبَ مُرَاعَاةُ طَرِيقِهِمْ ( فَلَا يَصِحُّ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ لِلْعِتْقِ ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَمَزِيدُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا ( إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ ) الْمُسَبَّبُ ( بِالسَّبَبِ ) بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ الْمُسَبَّبُ بِدُونِهِ ( فَكَالْمَعْلُولِ ) أَيْ فَيَجُوزُ التَّجَوُّزُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ لِأَنَّهُمَا يَصِيرَانِ فِي مَعْنَاهُمَا كَالنَّبْتِ لِلْغَيْثِ وَبِالْعَكْسِ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بَحْثٍ .
( مَسْأَلَةُ الْمَجَازِ خُلْفٌ ) عَنْ الْحَقِيقَةِ ( اتِّفَاقًا ) أَيْ فَرْعٌ لَهَا بِمَعْنَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الرَّاجِحُ الْمُقَدَّمُ فِي الِاعْتِبَارِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ ( فَأَبُو حَنِيفَةَ ) خُلْفٌ عَنْهَا ( فِي التَّكَلُّمِ ) حَتَّى يَكْفِيَ صِحَّةُ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ صَحَّ مَعْنَاهُ أَوْ لَا ( فَالْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا ابْنِي فِي التَّحْرِيرِ ) الَّذِي هُوَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهُ خُلْفٌ ( عَنْ التَّكَلُّمِ بِهِ ) أَيْ بِهَذَا ابْنِي ( فِي النَّسَبِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي ثُبُوتِ الْخَلْفِيَّةِ إلَى الْحُكْمِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ لَا خُلْفًا عَنْ شَيْءٍ كَمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّكَلُّمِ ( وَهُمَا ) خُلْفٌ عَنْهَا ( فِي حُكْمِهَا فَأَنْتَ ابْنِي لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ مِنْهُ ) مَجَازٌ ( عَنْ عِتْقٍ عَلَى مَنْ وَقَّتَ مُلْكَتَهُ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِعْمَالًا لِاسْمِ الْمَلْزُومِ فِي لَازِمِهِ ( وَقَالَا : لَا ) يَعْتِقُ ( لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحَقِيقِيِّ ) وَإِذَا لَمْ يُمْكِنُ لَمْ يُمْكِنْ حُكْمُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْخُلْفِ إمْكَانُ الْأَصْلِ ( فَلَغَا ) وَإِنَّمَا اعْتَبَرَا الْخَلْفِيَّةَ فِي الْحُكْمِ ( لِأَنَّ الْحُكْمَ ) هُوَ ( الْمَقْصُودُ فَالْخَلْفِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( أَوْلَى وَقَدْ يَلْحَقُ ) عَدَمُ الْعِتْقِ فِي هَذِهِ ( بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْحَلِفِ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءً لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ فِي كِلَيْهِمَا وَالْخُلْفُ إنَّمَا يَصِيرُ خُلْفًا عَنْ الْأَصْلِ إذَا أَمْكَنَ الْأَصْلُ وَلَا إمْكَانَ لَهُ فِيهِمَا ( وَعَنْ هَذَا ) أَيْ اشْتِرَاطِ تَصَوُّرِ حُكْمِ الْأَصْلِ لِلْخُلْفِ ( لَغَا قُطِعَتْ يَدُك ) خَطَأً ( إذَا أَخْرَجَهُمَا ) أَيْ الْيَدَيْنِ ( صَحِيحَتَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ ) أَيْ دِيَةَ الْيَدِ لِعَدَمِ إمْكَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ
( لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِ إمْكَانِ مَحَلِّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ) وَهُوَ مَاءُ الْكُوزِ فِي الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ وُجُوبِ الْبِرِّ ( لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخُلْفِهِ ) أَيْ الْخِطَابِ بِخُلْفِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْبِرِّ ( لُزُومُ صِدْقِ مَعْنَى لَفْظٍ ) حَقِيقِيٍّ ( لِاسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ لِأَجْلِ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ اللَّفْظِ ( مَجَازًا ) فِي مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي بَعْدَ صِحَّةِ التَّرْكِيبِ لُغَةً إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْإِلْحَاقُ بِهِ ( وَالثَّانِي ) أَيْ وَلَغْوُ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الْيَدِ إذَا أَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ لَيْسَ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ فَقَطْ بَلْ لِتَعَذُّرِهِ وَ ( لِتَعَذُّرِ الْمَجَازِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْقَطْعَ سَبَبُ مَالٍ مَخْصُوصٍ ) وَهُوَ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ( فِي سَنَتَيْنِ ) لِمَا عُرِفَ أَنَّ مِثْلَهُ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَلَيْسَ ) هَذَا الْمَالُ الْمَخْصُوصُ هُوَ ( الْمُتَجَوَّزُ عَنْهُ ) بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْقَطْعِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اللَّفْظِ تَجَوُّزًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ ( وَالْمُطْلَقُ ) أَيْ وَالْمَالُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ ( لَيْسَ مُسَبَّبًا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْقَطْعِ فَامْتَنَعَ إيجَابُ الْمَالِ بِهِ مُطْلَقًا فَلَغَا ضَرُورَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا يَخْتَلِفُ ذَاتُهَا حَاصِلَةً عَنْ لَفْظِ حُرٍّ أَوْ لَفْظِ ابْنِي فَأَمْكَنَ الْمَجَازِيُّ حِينَ تَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ فَوَجَبَ صَوْنُهُ عَنْ اللَّغْوِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ ( أَنَّهُ ) أَيْ التَّجَوُّزَ ( حُكْمٌ لُغَوِيٌّ يَرْجِعُ لِلَّفْظِ هُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ ( صِحَّةُ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لُغَةً فِي مَعْنًى ) مَجَازِيٍّ ( بِاعْتِبَارِ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِي ) مَعْنَى ( آخَرَ وَضْعِيٍّ ) أَيْ حَقِيقِيٍّ ( لِمُشَاكَلَتِهِ وَمُطَابَقَتِهِ ) أَيْ الْوَضْعِيِّ لِلْوَاقِعِ ( لَيْسَتْ جُزْءَ الشَّرْطِ ) لِتَجَوُّزٍ عَنْهُ بِغَيْرِهِ (
فَكُلٌّ ) مِنْ اللَّفْظِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ( أَصْلٌ فِي إفَادَةِ حُكْمِهِ فَإِذَا تَكَلَّمَ وَتَعَذَّرَ الْحَقِيقِيُّ وَجَبَ مَجَازِيَّتُهُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْإِقْرَارِ ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِبُنُوَّتِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ ( فَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهُ كَمَا جَعَلَ إقْرَارًا بِحُرِّيَّتِهِ جَعَلَ إقْرَارًا بِأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَمَا تَكَلَّمَ بِهِ سَبَبٌ يُوجِبُ هَذَا الْحَقَّ لَهَا فِي مِلْكِهِ كَمَا هُوَ مُوجِبٌ حَقِيقَةً الْحُرِّيَّةَ لِلْوَلَدِ ( وَقِيلَ ) وَجَبَ مَجَازِيَّتُهُ ( فِي إنْشَائِهِ ) الْعِتْقَ وَإِحْدَاثِهِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامًا هُوَ سَبَبٌ لِلتَّحْرِيرِ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ ( فَلَا تَصِيرُ ) أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ ابْتِدَاءُ تَأْثِيرٍ فِي إثْبَاتِ أُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إيجَابَ ذَلِكَ الْحَقِّ لَهَا بِعِبَارَتِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بِفِعْلٍ هُوَ اسْتِيلَادٌ ( وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ) أَيْ مَجَازِيَّتُهُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ عِتْقِهِ ( لِقَوْلِهِ ) أَيْ مُحَمَّدٍ ( فِي ) كِتَابِ ( الْإِكْرَاهِ إذَا أُكْرِهَ عَلَى هَذَا ابْنِي لِعَبْدِهِ لَا تَعْتِقُ وَالْإِكْرَاهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ لَا إنْشَائِهِ ) عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي جَعْلِهِ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً وَهُوَ فِي نَفْسِهِ إخْبَارٌ ( فَإِنْ تَحَقَّقَ ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ بِأَنْ كَانَ عِتْقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ( عِتْقٌ مُطْلَقًا ) أَيْ قَضَاءً وَدِيَانَةً ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ ( فَقَضَاءُ ) مُؤَاخَذَةٍ لَهُ بِإِقْرَارِهِ لَا دِيَانَةً ( لَكَذِبِهِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَمْنَعُ تَعَيُّنَ الْمَجَازِيِّ ) الَّذِي هُوَ ( الْعِتْقُ لِجَوَازِ مَعْنَى الشَّفَقَةِ وَدَفْعِهِ ) أَيْ تَعَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى ( بِتَقَدُّمِ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ ) وَهِيَ الْعِتْقُ ( عِنْدَ إمْكَانِهَا ) أَيْ الْفَائِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ ( وَغَيْرِهَا ) وَهُوَ الشَّفَقَةُ ( مُعَارَضٌ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الْمُحَقَّقِ مَعَ
احْتِمَالِ عَدَمِهِ ) أَيْ زَوَالِ الْمِلْكِ وَالْمُتَيَقَّنُ لَا يَزُولُ بِالِاحْتِمَالِ فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَجَازَيْنِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هَذَا لِأَنَّهُ أَخَفُّ ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ( فِي هَذَا أَخِي بَنَوْهُ عَلَى اشْتِرَاكِهِ ) أَيْ الْأَخِ ( اسْتِعْمَالًا فَاشِيًا فِي الْمُشَارِكِ نَسَبًا وَدِينًا وَقَبِيلَةً وَنَصِيحَةً فَتَوَقَّفَ ) الْعَمَلُ بِهِ ( إلَى قَرِينَةٍ كَمِنْ أَبِي ) أَوْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ ( فَيَعْتِقُ ) لِكَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ( وَعَلَى أَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ ) لَهُ ذِكْرٌ لِيَكُونَ مَجَازًا عَنْ لَازِمِهِ فَامْتَنَعَ لِعَدَمِ طَرِيقِهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ بِعِلَّةِ الْوِلَادِ ( بُنِيَ عَدَمُهُ ) أَيْ الْعِتْقِ ( فِي جَدِّي لِعَبْدِهِ الصَّغِيرِ ) فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللَّفْظِ ( وَيَرِدُ أَنَّهَا ) أَيْ عِلَّةُ عِتْقِ الْقَرِيبِ ( الْقَرَابَةُ الْمُحَرِّمَةُ ) لَا خُصُوصُ الْوِلَادِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِهَا الْعِلَّةَ فِيهِ عِتْقٌ ( بِعَمِّي وَخَالِي ) بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا ( فَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ ) الْعِتْقَ فِي جَدِّي ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ الْعِتْقِ ( بِيَا ابْنِي لِأَنَّهُ ) أَيْ النِّدَاءَ ( لِإِحْضَارِ الذَّاتِ وَلَمْ يَفْتَقِرْ هَذَا الْقَدْرُ لِتَحْقِيقِ الْمَعْنَى ) أَيْ الْبُنُوَّةِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الذَّاتِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ ( حَقِيقِيًّا أَوْ مَجَازِيًّا ) لِأَنَّ إعْلَامَ الْمُنَادِي بِمَطْلُوبِيَّةِ حُضُورِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ فَانْتَفَى أَنْ يُقَالَ يَجِبُ أَنْ يَعْتِقَ بِهِ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ وَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ وَإِيضَاحُ انْتِفَائِهِ أَنَّ النِّدَاءَ وُضِعَ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادِي وَطَلَبِ إقْبَالِهِ بِصُورَةِ الِاسْمِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى مَعْنَاهُ فَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَصْحِيحِ الْكَلَامِ بِإِثْبَاتِ مُوجِبِهِ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْمَجَازِيِّ بِخِلَافِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ لِتَحْقِيقِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَلَا
بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِهِ بِمَا أَمْكَنَ ( بِخِلَافِ يَا حُرُّ ) حَيْثُ يَعْتِقُ بِهِ ( لِأَنَّ لَفْظَهُ صَرِيحٌ فِي الْمَعْنَى ) لِأَنَّ الْحُرَّ مَوْضُوعٌ لِلْعِتْقِ وَعَلَمٌ لِإِسْقَاطِ الرِّقِّ فَيَقُومُ عَيْنُهُ مَقَامَ مَعْنَاهُ ( فَيَثْبُتُ بِلَا قَصْدٍ ) حَتَّى لَوْ قَصَدَ التَّسْبِيحَ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَبْدِي حُرٌّ يَعْتِقُ ( وَقِيلَ إذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الذَّاتِ يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ مِنْ جِهَتِهِ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمِ ( بِاللَّفْظِ حُكِمَ بِتَحْقِيقِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( مَعَ الِاسْتِحْضَارِ ) تَصْدِيقًا لَهُ ( كَيَا حُرُّ ) فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا مِنْ جِهَةِ التَّكَلُّمِ بِهَذَا اللَّفْظِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ اسْمُهُ ذَلِكَ الْوَصْفَ فَنَادَاهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّ الْمُرَادَ حِينَئِذٍ إعْلَامُهُ بِاسْمِهِ الْعَلَمِ لَا إثْبَاتَ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا يُرَاعَى فِيهَا الْمَعَانِي حَتَّى لَوْ نَادَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ كَعَتِيقٍ عَتَقَ لِأَنَّ الْأَعْلَامَ لَا تُغَيَّرُ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْوَصْفُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الذَّاتِ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ مِنْ جِهَتِهِ بِاللَّفْظِ ( لَغَا ) ذَلِكَ الْوَصْفُ ( ضَرُورَةً ) وَتَجَرَّدَ لِلْأَعْلَامِ ( كَيَا ابْنِي إذْ تَحَقُّقُ الْأَبْنِيَة غَيْرُ مُمْكِنٍ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ إنْ تَخَلَّقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا ) إنْ تَخَلَّقَ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَائِهِ ( لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِهِ ) أَيْ بِتَخَلُّقِهِ مِنْ مَائِهِ ( لَا بِاللَّفْظِ وَأَمَّا إلْزَامُهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( الْمُنَاقَضَةَ بِالِانْعِقَادِ ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ انْعِقَادِ النِّكَاحِ ( بِالْهِبَةِ فِي الْحُرَّةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحَقِيقِيُّ ) الَّذِي هُوَ ( الرِّقُّ ) فِيهَا لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ تَمَلُّكُهَا بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ مَا دَامَتْ حُرَّةً ( فَلَا يَلْزَمُهُمَا إذْ لَمْ يَشْرِطَاهُ ) أَيْ إمْكَانَ الْحَقِيقِيِّ ( إلَّا عَقْلًا ) وَهُوَ مُمْكِنٌ عَقْلًا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ وَقَعَ فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ( وَلَمْ تَذْكُرْ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا الْأَصْلَ ) وَهُوَ أَنَّ الْخَلْفِيَّةَ لِلْمَجَازِ فِي التَّكَلُّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ ( وَمُوَافَقَتُهُمَا ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لَهُمَا ( فِي الْفَرْعِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ أَنْتَ ابْنِي ( لَا يُوجِبُهَا ) أَيْ الْمُوَافَقَةَ ( فِي ؛ أَصْلِهِمَا ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمَبْنِيَّ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ ثُبُوتِ السَّبَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْخَلْفِيَّةِ ) أَيْ خَلْفِيَّةِ الْمَجَازِ عَنْ الْحَقِيقَةِ ( تَعَيُّنُهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ ( إذَا أَمْكَنَا ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ ( بِلَا مُرَجِّحٍ ) لِرُجْحَانِهَا فِي نَفْسِهَا عَلَيْهِ ( فَيَتَعَيَّنُ الْوَطْءُ مِنْ { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } ) لِأَنَّهُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِلنِّكَاحِ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ مَعَ مَجَازِيِّهِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ ( فَحَرُمَتْ مَزْنِيَّةُ الْأَبِ ) عَلَى فُرُوعِهِ بِالنَّصِّ وَأَمَّا حُرْمَةُ الْمَعْقُودِ لَهُ عَلَيْهَا عَقْدًا صَحِيحًا عَلَيْهِمْ فَبِالْإِجْمَاعِ ( وَتَعَلَّقَ بِهِ ) أَيْ بِالْوَطْءِ الْجَزَاءُ ( فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ إنْ نَكَحْتُك ) فَأَنْتِ كَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ إبَانَةٍ ) قَبْلَ الْوَطْءِ ( طَلُقَتْ بِالْوَطْءِ ) لَا بِالْعَقْدِ لِمَا ذَكَرْنَا ( وَفِي الْأَجْنَبِيَّةِ ) أَيْ وَفِي قَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ تَتَعَلَّقُ الْحُرِّيَّةُ ( بِالْعَقْدِ ) لِأَنَّ وَطْأَهَا لَمَّا حَرُمَ عَلَيْهِ شَرْعًا كَانَ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً شَرْعًا فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ ( وَأَمَّا الْمُنْعَقِدَةُ ) أَيْ إرَادَةُ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ أَمْرًا أَوْ يَتْرُكَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( بِعَقْدٍ تَمَّ ) مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } ( لِأَنَّ الْعَقْدَ ) حَقِيقَةٌ ( لِمَا يَنْعَقِدُ ) أَيْ لِلَّفْظِ يُرْبَطُ بِآخَرَ لِإِيجَابِ حُكْمٍ فَالْعَقْدُ إذًا كَمَا قَالَ ( وَهُوَ مَجْمُوعُ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْقِبِ حُكْمُهُ مَجَازًا فِي الْعَزْمِ ) أَيْ الْقَصْدِ الْقَلْبِيِّ ( السَّبَبُ لَهُ ) أَيْ لِمَجْمُوعِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِهِ ( فَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ ) وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ بِهِ ( لِعَدَمِ الِانْعِقَادِ لِعَدَمِ اسْتِعْقَابِهَا وُجُوبَ الْبِرِّ لِتَعَذُّرِهِ ) أَيْ الْبِرِّ فِيهَا ( فَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهَا ) أَيْ الْمُنْعَقِدَةُ ( حَقِيقَةً فِيهِ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ لَا
يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ كَوْنُهَا حَقِيقَةً ( فِي عُرْفِ الشَّارِعِ وَهُوَ ) أَيْ عُرْفُهُ ( الْمُرَادُ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ ( فِي لَفْظِهِ ) أَيْ الشَّارِعِ ( وَيُدْفَعُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مِثْلِهِ اسْتِصْحَابُ مَا قَبْلَهُ إلَّا بِنَافٍ ) لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ النَّافِي لَهُ ( وَأَيْضًا ) يَتَعَيَّنُ إرَادَةُ الْمُنْعَقِدَةِ ( إنْ كَانَ ) الْعَقْدُ فِي مَجْمُوعِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعْقِبِ حُكْمَهُ حَقِيقَةً ( وَإِلَّا فَالْمَجَازُ الْأَوَّلُ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعَقْدُ فِي هَذَا حَقِيقَةً فَهُوَ الْمَجَازُ الْأَوَّلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَدُّ بَعْضِ الْحَبْلِ بِبَعْضٍ ( بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَزْمِ لِقُرْبِهِ ) إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْعَزْمِ وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ مُقَدَّمٌ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ لِإِمْكَانِهَا وَلَا مُرَجِّحَ لِلْمَجَازِ قَوْلُهُ هَذَا ( ابْنِي لِمُمْكِنٍ ) أَيْ لِعَبْدٍ لَهُ يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ( مَعْرُوفِ النَّسَبِ ) مِنْ غَيْرِهِ ( لِجَوَازِهِ ) أَيْ كَوْنِهِ ( مِنْهُ ) بِأَنْ كَانَ مِنْ مَنْكُوحَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ حَقِيقَةً وَلَا يُمْكِنُهُ الْإِثْبَاتُ لِعَارِضٍ ( مَعَ اشْتِهَارِهِ مِنْ غَيْرِهِ ) فَيَكُونُ الْمُقِرُّ صَادِقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ فَحِينَئِذٍ ( عَتَقَ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدِهِ وَعَلَى ذَلِكَ ) أَيْ تُعَيَّنُ الْحَقِيقَةُ لِإِمْكَانِهَا وَلَا مُرَجِّحَ لِلْمَجَازِ ( فَرْعٌ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِعِتْقِ ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ) الْأَوْلَادِ ( إذَا أَتَتْ بِهِمْ الْأَمَةُ فِي بُطُونٍ ثَلَاثَةٍ ) أَيْ بَيْنَ كُلٍّ وَمَنْ يَلِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ( بِلَا نَسَبٍ ) مَعْرُوفٍ لَهُمْ ( فَقَالَ ) الْمَوْلَى فِي صِحَّتِهِ ( أَحَدُهُمْ ابْنِي وَمَاتَ ) الْمَوْلَى ( مُجْهِلًا ) أَيْ قَبْلَ الْبَيَانِ ( خِلَافًا لِقَوْلِهِمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( بِعِتْقِ الْأَصْغَرِ وَنِصْفِ الْأَوْسَطِ وَثُلُثِ الْأَكْبَرِ نَظَرًا إلَى مَا يُصِيبُهُمَا ) أَيْ الْأَوْسَطَ وَالْأَكْبَرَ ( مِنْ الْأُمِّ لِأَنَّهُ ) أَيْ مَا يُصِيبُهُمَا مِنْ الْعِتْقِ مِنْ الْأُمِّ ( كَالْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ
إلَى إقْرَارِهِ لِلْوَاسِطَةِ ) أَيْ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ الْأُمِّ بِخِلَافِ مَا يُصِيبُهُمَا مِنْ الْعِتْقِ بِإِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ كَالْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى شَيْءٍ فَاعْتَبَرَهُ وَلَمْ يَعْتَبِرْ مَا يُصِيبُهُمَا مِنْ الْأُمِّ وَإِيضَاحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُ أَوَّلِ أَوْلَادِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ مَوْلَاهَا إلَّا بِالدَّعْوَةِ وَيَثْبُتُ نَسَبُ مَنْ عَدَاهُ بِدُونِهَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ فَقَالَا : يَعْتِقُ كُلٌّ الثَّالِثَ لِأَنَّهُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ أَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ لَهُ أَوْ لِلثَّانِي أَوْ لِلثَّالِثِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَنِصْفُ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَعْتِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَةُ لَهُ أَوْ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَعْتِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ لِلثَّالِثِ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ وَإِنْ كَثُرَتْ حَالَةٌ وَاحِدَةٌ إذْ الشَّيْءُ لَا يُصَابُ إلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْمِلْكِ مَثَلًا إذَا أُصِيبَ بِالشِّرَاءِ لَا يُصَابُ بِالْهِبَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّالِثِ مُحَالٌ بِخِلَافِ الْحِرْمَانِ يَجُوزُ أَنْ تَتَعَدَّدَ جِهَاتُهُ فَإِنَّ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ أَصْلًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَاصِلٍ بِجِهَةِ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالْإِرْثِ وَهَلُمَّ جَرًّا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْعِتْقِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صَيْرُورَةِ أُمِّهِمَا فِرَاشًا لِأَبِيهِمَا بِدَعْوَى نَسَبِ أَحَدِهِمْ إذْ لَوْلَاهُ لِمَا حَصَلَ وَأَمَّا الثُّلُثُ فَبِاعْتِبَارِ مَا يَحْصُلُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِمَا فَالزَّائِدُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَجَازِ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ مَعَ وُجُودِهَا كَمَا فِي حَقِيقَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَوُضِعَتْ فِي بُطُونٍ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ثَبَتَ نَسَبُ كُلٍّ عَلَى مَا عُرِفَ وَقُيِّدَتْ بِكَوْنِهِ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَقِيمَتُهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ يُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةَ أَسْهُمٍ
لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ نِصْفٌ وَثُلُثٌ وَأَقَلُّهُ سِتَّةٌ ثُمَّ تُجْمَعُ سِهَامُ الْعِتْقِ وَهِيَ سَهْمَانِ وَثَلَاثَةٌ وَسِتَّةٌ فَتَبْلُغُ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا وَقَدْ ضَاقَ ثُلُثُ الْمَالِ وَهُوَ سِتَّةٌ عَنْهُ فَجَعَلَ كُلَّ رَقَبَةٍ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَعْتِقُ مِنْ الْأَكْبَرِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي تِسْعَةٍ وَمِنْ الْأَوْسَطِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي ثَمَانِيَةٍ وَمِنْ الْأَصْغَرِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ لِيَسْتَقِيمَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ ( وَالْبَدِيعُ ) أَيْ وَصَاحِبُهُ فَرَّعَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ( عَلَى تَقْدِيمِ الْمَجَازِ بِلَا وَاسِطَةٍ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَجَازِ ( بِهَا ) أَيْ بِوَاسِطَةٍ ( لِقُرْبِهِ ) أَيْ الْمَجَازِ بِلَا وَاسِطَةٍ ( إلَى الْحَقِيقَةِ وَتَقْرِيرُهُ ) أَيْ كَلَامُهُ ( تَعَذُّرَ الْحَقِيقِيِّ ) الَّذِي هُوَ النَّسَبُ ( لِامْتِنَاعِ ) ثُبُوتِ ( نَسَبِ الْمَجْهُولِ ) مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْمَجْهُولِ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ لِيَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِخَطَرِ الْبَيَانِ وَالنَّسَبُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ ( فَلَزِمَ مَجَازِيَّتُهُ فِي اللَّازِمِ إقْرَارُهُ بِحُرِّيَّتِهِ فَيَعْتِقُ كَذَلِكَ ) أَيْ ثُلُثُ كُلٍّ ( بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُمَا ) يَعْتِقُ الْأَصْغَرُ وَنِصْفُ الْأَوْسَطِ وَثُلُثُ الْأَكْبَرِ ( بِوَاسِطَةٍ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ اللَّفْظِ ( وَالْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْعِتْقُ بِلَا وَاسِطَةٍ ( أَقْرَبُ ) إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ الْعِتْقِ بِهَا فَيَتَعَيَّنُ ( مُنْتَفٍ ) وَهُوَ خَبَرُ تَقْرِيرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ مَنْفِيًّا ( إذْ لَا مُوجِبَ حِينَئِذٍ لِلْأُمُومَةِ وَهِيَ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْأُمُومَةَ ( ثَانِيَةٌ وَأَيْضًا لَا صَارِفَ لِلْحَقِيقِيِّ إذْ الْحَقِيقِيُّ مُرَادٌ فَيَثْبُتُ لَوَازِمُهُ مِنْ الْأُمُومَةِ وَحُرِّيَّةِ أَحَدِهِمْ وَانْتَفَى مَا تَعَذَّرَ مِنْ النَّسَبِ فَيَنْقَسِمُ ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ بَيْنَهُمْ ( بِالسَّوِيَّةِ لَا بِتِلْكَ الْمُلَاحَظَةِ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُلَاحَظَةَ ( مَبْنِيَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ ) وَهُوَ مُنْتَفٍ ( وَعُرِفَ تَقْدِيمُ مَجَازٍ عَلَى آخَرَ بِالْقُرْبِ ) إلَى الْحَقِيقَةِ (
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي صِحَّتِهِ لِابْنَيْ ابْنِ عَبْدِهِ لِبَطْنَيْنِ وَأَبِيهِمَا ) أَيْ وَلِأَبِيهِمَا وَجَدِّهِمَا فَثَنَّى الْأَبَ عَلَى لُغَةِ النَّقْضِ فِيهِ ( أَحَدُهُمْ ابْنَيْ وَهُوَ ) أَيْ وَكُلٌّ مِنْهُمْ ( مُمْكِنٌ ) أَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ ( وَمَاتَ ) الْمَوْلَى ( مُجْهِلًا فَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ الْأَصَحُّ الْوِفَاقُ عَلَى عِتْقِ رُبْعِ عَبْدِهِ إنْ عَنَاهُ لَا ) إنْ عَنَى ( أَحَدَ الثَّلَاثَةِ ) الْبَاقِينَ فَقَدْ عَتَقَ فِي حَالٍ وَرَقَّ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ فَيَعْتِقُ رُبُعُهُ ( وَثُلُثُ ابْنِهِ ) أَيْ وَعَلَى عِتْقِ ثُلُثِ ابْنِ عَبْدِهِ ( لِعِتْقِهِ إنْ عَنَاهُ أَوْ أَبَاهُ ) لَا بِسَبَبِ عِتْقِ الْأَبِ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْأَبِ لَا تُوجِبُ حُرِّيَّةَ الِابْنِ بِخِلَافِ الْأُمِّ بَلْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَفِيدَ الْمُعْتِقِ ( لَا ) إنْ عَنَى ( أَحَدَ الِابْنَيْنِ وَأَحْوَالُ الْإِصَابَةِ حَالَةٌ ) وَاحِدَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَقَدْ عَتَقَ فِي حَالٍ وَرَقَّ فِي حَالَتَيْنِ فَيَعْتِقُ ثُلُثُهُ ( وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ وَعَلَى عِتْقِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ كُلٍّ مِنْ الِابْنَيْنِ ( لِعِتْقِ أَحَدِهِمَا فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْأَحْوَالِ بِيَقِينٍ بِأَنْ يُرَادَ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ ( وَالْآخَرُ ) أَيْ وَعِتْقُ الْآخَرِ ( فِي ثَلَاثٍ ) مِنْ الْأَحْوَالِ بِأَنْ أُرِيدَ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ ( لَا إنْ عَنَى أَخَاهُ وَلَا أَوْلَوِيَّةَ ) أَيْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِجَعْلِهِ الْمَعْتُوقَ بِكُلِّ حَالٍ دُونَ الْآخَرِ ( فَبَيْنَهُمَا عِتْقٌ وَنِصْفٌ ) فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فَيَعْتِقُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَلَوْ كَانَ ) ابْنُ ابْنِ عَبْدِهِ ( فَرْدًا أَوْ تَوْأَمَيْنِ يَعْتِقُ كُلُّهُ ) لِعِتْقِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ( وَثُلُثُ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ فِي حَالَةٍ وَهُوَ مَا إذَا عَنَاهُ وَرَقَّ فِي حَالَةٍ وَهُوَ مَا إذَا عَنَى وَلَدَهُ أَوْ حَفِيدَهُ ( وَنِصْفُ الثَّانِي ) لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِصَابَةِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا إذَا عَنَاهُ أَوْ أَبَاهُ وَأَحْوَالُ الْحِرْمَانِ وَهِيَ مَا إذَا عَنَى ابْنَهُ فَيَتَنَصَّفُ ( وَجَزَمَ فِي
الْكَشْفِ الصَّغِيرِ بِعِتْقِ رُبُعِ كُلٍّ ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَحَدُ هَؤُلَاءِ حُرٌّ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَهُوَ الْأَقْيَسُ بِمَا قَبْلَهُ إذْ الْكُلُّ مُضَافٌ إلَى الْإِيجَابِ بِلَا وَاسِطَةٍ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَبِوَاسِطَةٍ ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُ الْعِتْقِ لِكُلٍّ مُضَافًا إلَى الْإِيجَابِ ( لَوْ اسْتَعْمَلَ ) أَحَدُهُمْ ابْنِي ( مَجَازًا فِي الْإِعْتَاقِ ) أَيْ تَحْرِيرًا مُبْتَدَأً ( عَتَقَ فِي الثَّانِيَةِ ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ وَابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ وَاحِدًا أَوْ تَوْأَمَيْنِ ( ثُلُثُ كُلِّهِ ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ كَمَا لَوْ قَالَ : أَحَدُهُمْ حُرٌّ ( وَرُبُعُهُ ) أَيْ وَعَتَقَ رُبُعُ كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ ( فِي الْأُولَى ) أَيْ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ وَابْنِهِ وَابْنَيْ ابْنِهِ فِي بَطْنَيْنِ وَقُيِّدَتْ بِكَوْنِهِ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي مَرَضِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ عَتَقُوا مِنْ الثُّلُثِ بِحِسَابِ حَقِّهِمْ فَيَجْعَلُ كُلَّ رَقَبَةٍ اثْنَيْ عَشَرَ لِحَاجَتِنَا إلَى حِسَابٍ لَهُ ثُلُثٌ وَرُبْعٌ وَأَدْنَاهُ اثْنَا عَشَرَ حَقُّ الْأَوَّلِ فِي رُبْعِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَالثَّانِي فِي ثُلُثِهِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخَرِينَ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ وَهِيَ تِسْعَةٌ فَصَارَتْ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ وَثُلُثُ الْمَالِ سِتَّةَ عَشَرَ فَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ سِهَامِ الْوَصَايَا فَجُعِلَ الثُّلُثُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالْمَالُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الرَّقَبَةِ مِنْ الثُّلُثِ لِيَظْهَرَ مِقْدَارُ مَا يَعْتِقُ مِنْهَا وَمِقْدَارُ مَا نَسْعَى فِيهِ فَنَقُولُ : ثُلُثُ الْمَالِ رَقَبَةٌ وَثُلُثٌ وَالرَّقَبَةُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَلَيْسَ لِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رُبْعٌ صَحِيحٌ فَاضْرِبْهُ فِي أَرْبَعَةٍ فَيَصِيرُ مِائَةً وَالْمَالُ ثَلَثَمِائَةٍ وَالرَّقَبَةُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمِائَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ كَانَ حَقُّ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةً ضَرَبْنَاهَا فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَ
اثْنَيْ عَشَرَ وَصَارَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لِلثَّانِي سِتَّةَ عَشَرَ وَلِكُلٍّ مِنْ الْآخَرِينَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ وَتِسْعُونَ فِي الْبَاقِي ثُمَّ الْأَصَحُّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَمَّا فِي الزِّيَادَاتِ مِنْ اعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْإِصَابَةِ كَاعْتِبَارِ أَحْوَالِ الْحِرْمَانِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَثْبُتُ أَصْلُهُ إلَّا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالْعِتْقُ لَهُ أَسْبَابٌ مِنْ تَنْجِيزِهِ وَالْكِتَابَةُ وَالِاسْتِيلَادُ وَالتَّدْبِيرُ فَإِذَا اُعْتُبِرَ أَحْوَالُ مَا اتَّحَدَ سَبَبُهُ مُتَعَدِّدَةً فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ أَحْوَالُ مَا تَعَدَّدَ سَبَبُهُ أَوْلَى وَوَجْهُ الْأَصَحِّ كَمَا قَدَّمْنَا أَوْجَهُ .
( مَسْأَلَةٌ يَلْزَمُ الْمَجَازُ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ كَحَلِفِهِ وَلَا نِيَّةَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذَا الْقِدْرِ فَلِمَا يُحِلُّهُ ) أَيْ الْقَدْرَ بِتَأْوِيلِ الْمَحَلِّ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ يُحِلُّهَا لِأَنَّهَا مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ أَيْ فَيَمِينُهُ عَلَى مَا يُطْبَخُ فِيهَا لِتَعَذُّرِ أَكْلِ عَيْنِهَا عَادَةً تَجُوزَا بِاسْمِ الْمَحَلِّ عَنْ الْحَالِ ( وَلِعُسْرِهِ ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ ( كَمِنْ الشَّجَرَةِ ) فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ مِنْ الشَّجَرَةِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهَا عَادَةً ( فَلَمَّا تَخْرُجُ ) الشَّجَرَةُ مِنْ الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( مَأْكُولًا بِلَا كَثِيرٍ صُنْعٍ ) تَجَوُّزًا بِاسْمِ السَّبَبِ وَهُوَ الشَّجَرَةُ عَنْ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْخَارِجُ الْمَذْكُورُ ( وَمِنْهُ ) أَيْ وَمِمَّا تُخْرِجُهُ مَأْكُولًا ( الْجُمَّارُ ) وَهُوَ شَحْمُ النَّخْلِ ( وَالْخَلُّ لِأَبِي الْيُسْرِ ) وَأَبِي اللَّيْثِ وَالظَّاهِرُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وِفَاقًا لِكَثِيرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ كَذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرِيقَانِ فِيهِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ ( لَا نَاطِفُهَا وَنَبِيذُهَا ) لِأَنَّ مَا تَوَقَّفَ عَلَى الصُّنْعِ لَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مُطْلَقًا وَلِذَا عُطِفَ عَلَى الثَّمَرِ فِي قَوْله تَعَالَى { لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } فَلَا يَحْنَثُ بِهِ ( وَلَوْ لَمْ تَخْرُجْ مَأْكُولًا فَلِثَمَنِهَا ) فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ ( وَلِلْهَجْرِ ) أَيْ لِهَجْرِ الْحَقِيقِيِّ ( عَادَةً وَإِنْ سَهُلَ ) تَنَاوُلُهُ ( كَمِنْ الدَّقِيقِ فَلِمَا لَهُ ) كَالْعَصِيدَةِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهَا لَا بِسَفَهٍ لِتَرْكِ تَنَاوُلِهِ هَكَذَا عَادَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( وَلَا يَشْرَبُ مِنْ الْبِئْرِ ) وَهِيَ غَيْرُ مَلْأَى ( فَلِمَائِهِ ) أَيْ الْمَكَانِ الْمُسَمَّى بِالْبِئْرِ وَإِلَّا فَهِيَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِيمَا سَيَأْتِي ( اغْتِرَافًا اتِّفَاقًا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ ) أَيْ بِتَنَاوُلِهِ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ أَوْ بِإِنَاءٍ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْفَتَاوَى
الظَّهِيرِيَّةِ وَتَفْسِيرُ الْكَرْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يَخُوضَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ وَيَتَنَاوَلُهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْخَوْضِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ الْكُرَاعِ وَهُوَ مِنْ الْإِنْسَانِ مَا دُونَ الرُّكْبَةِ وَمِنْ الدَّوَابِّ مَا دُونَ الْكَعْبِ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ ا هـ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُتَبَادِرُ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي التَّلْوِيحِ أَصْلُ ذَلِكَ فِي الدَّابَّةِ لَا تَكَادُ تَشْرَبُ إلَّا بِإِدْخَالِ أَكَارِعِهَا فِيهِ ثُمَّ قِيلَ لِلْإِنْسَانِ كَرَعَ فِي الْمَاءِ إذَا شَرِبَ بِفِيهِ خَاضَ أَوْ لَمْ يَخُضْ ( فِي الْأَصَحِّ ) وَفِي الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( مَلْأَى فَعَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي لَا يَشْرَبُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ ) فَعِنْدَهُ عَلَى الْكَرْعِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى الِاغْتِرَافِ ( وَأَفَادُوا أَنَّ مَجَازِيَّ الْبِئْرِ الِاغْتِرَافُ وَفِيهِ بُعْدٌ ) لِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ الثَّابِتَةِ الِاعْتِبَارِ ( وَالْأَوْجَهُ أَنَّ تَعْلِيقَ الشُّرْبِ بِهَا ) أَيْ بِالْبِئْرِ ( عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ) أَيْ مِنْ مَائِهَا ( فَهِيَ ) أَيْ الْبِئْرُ ( حَقِيقَةٌ ) قُلْت : أَوْ عَبَّرَ بِالْبِئْرِ عَنْ مَائِهَا تَجَوُّزًا بِاسْمِ الْمَحَلِّ عَنْ الْحَالِ وَهُوَ أَوْجَهُ لِأَكْثَرِيَّةِ مَجَازِ الْعَلَاقَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجَازِ الْحَذْفِ وَأَيًّا مَا كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ تَرَجَّحَ الْحِنْثُ بِالْكَرْعِ مِنْ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَلْأَى كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ هَذَيْنِ التَّوْجِيهَيْنِ فِي وَجْهِ قَوْلِهِمَا بِالْحِنْثِ كَيْفَمَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ فِي حَلِفِهِ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ مِنْ لُزُومِ الْمَجَازِيِّ لِلْهَجْرِ عَادَةً حَلِفُهُ ( لَا يَضَعُ قَدَّمَهُ ) فِي دَارِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ مَجَازٌ ( عَمَّا تَقَدَّمَ ) وَهُوَ دُخُولُهَا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ ( وَشَرْعًا ) أَيْ وَلِلْهَجْرِ شَرْعًا حَلِفُهُ ( لَيَنْكِحَنَّ أَجْنَبِيَّةً لَمْ يَحْنَثْ بِالزِّنَا إلَّا بِنِيَّتِهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ الَّذِي
هُوَ الْوَطْءُ إذْ الْمَهْجُورُ شَرْعًا كَالْمَهْجُورِ عُرْفًا لِمَنْعِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ظَاهِرًا مِنْهُ فَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَالْخُصُومَةُ فِي التَّوْكِيلِ بِهَا ) أَيْ بِالْخُصُومَةِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهَا وَهِيَ الْمُنَازَعَةُ مَهْجُورَةٌ شَرْعًا فِيمَا عُرِفَ الْخَصْمُ فِيهِ مُحِقًّا لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَنَازَعُوا } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَانْصَرَفَ الْوَكِيلُ بِهَا ( لِلْجَوَابِ ) مَجَازًا إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ لِأَنَّهَا سَبَبُهُ أَوْ لِلْمُقَيَّدِ عَلَى الْمُطْلَقِ أَوْ لِلْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ بِنَاءً عَلَى عُمُومِ الْجَوَابِ لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَهَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ ( عِنْدَ الْقَاضِي ) لَا غَيْرَ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جَوَابُ الْخُصُومَةِ مَجَازًا وَالْخُصُومَةُ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا جَوَابُهَا أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ وَلَا اسْتِحْلَافٌ وَلَا إعْدَاءٌ وَلَا حَبْسٌ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ يَكُونُ صُلْحًا فَإِذَا كَانَ الْجَوَابُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْجَوَابُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بَلْ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَاهُ بَعْدَهُ لِتَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ عَلَى مُوَكِّلِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ضِدُّ الْخُصُومَةِ وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ مِمَّا سَبَقَ ( فَيَعُمُّ ) الْجَوَابُ ( الْإِقْرَارَ ) كَالْإِنْكَارِ لِأَنَّ الْجَوَابَ كَلَامٌ يَسْتَدْعِيهِ كَلَامُ الْغَيْرِ وَيُطَابِقُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ جَابَ الْفَلَاةَ إذَا قَطَعَهَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ وَذَلِكَ
كَمَا يَكُونُ بِلَا يَكُونُ بِنَعَمْ ( وَلَا يُكَلِّمُ الصَّبِيَّ فَيَحْنَثُ بِهِ ) أَيْ بِكَلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( شَيْخًا ) لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ حَيْثُ هُوَ صَبِيٌّ مَأْمُورٌ فِيهِ بِالْمَرْحَمَةِ شَرْعًا وَالْهَجْرُ يُنَافِيهِ فَانْصَرَفَ الْيَمِينُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَى خُصُوصِ ذَاتِ صَبِيٍّ إلَى خُصُوصِ ذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ فِيهَا آخَرَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَنٍ مِنْ الصِّبَا أَوْ لِشِدَّةِ كَرَاهَةِ ذَاتِهِ فَيَحْنَثُ بِهِ شَيْخًا لِوُجُودِ ذَاتِهِ ( بِخِلَافِ الْمُنْكِرِ ) أَيْ لَا يُكَلِّمُ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشِرْ إلَى خُصُوصِ ذَاتٍ كَانَ الصِّبَا نَفْسُهُ مُثِيرَ الْيَمِينِ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ تَقْيِيدُ الْيَمِينِ بِهِ لِقَصْدِهِ بِهَا وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَحَلِفِهِ لَيَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ خَمْرًا أَوْ لَيَسْرِقَنَّ اللَّيْلَةَ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَا حَرَامَيْنِ ( وَقَدْ يَتَعَذَّرُ حُكْمُهُمَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ ( فَيَتَعَذَّرَانِ ) أَيْ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فَيَكُونُ ذَلِكَ الْكَلَامُ لَغْوًا ( كَبِنْتِي لِزَوْجَتِهِ الْمَنْسُوبَةِ ) أَيْ كَقَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ الثَّابِتِ نَسَبُهَا مِنْ غَيْرِهِ هَذِهِ ابْنَتِي ( فَلَا تَحْرُمُ ) عَلَيْهِ أَبَدًا بِهَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْهُ أَوْ أَصْغَرَ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ رَجَعَ بِأَنْ قَالَ : غَلِطْت أَوْ وَهِمْت ( وَإِنْ أَصَرَّ ) أَيْ دَامَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ ( فَفَرَّقَ ) أَيْ حَتَّى فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ( مَنْعًا مِنْ الظُّلْمِ ) أَيْ ظُلْمِهِ لَهَا بِتَرْكِ قُرْبَانِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ هُنَا ( لِلِاسْتِحَالَةِ فِي الْأَكْبَرِ مِنْهُ ) سِنًّا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( وَصِحَّةُ رُجُوعِهِ ) عَنْ كَوْنِهَا بِنْتَهُ ( فِي الْمُمْكِنَةِ ) أَيْ فِي الْأَصْغَرِ مِنْهُ سِنًّا وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْحَالِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمُتَحَقِّقِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَتَكْذِيبُ الشَّرْعِ ) لَهُ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ إبْطَالَهُ شَرْعًا ( بَدَلُهُ ) أَيْ قَائِمٌ مَقَامَ رُجُوعِهِ
لِأَنَّ تَكْذِيبَ الشَّرْعِ لَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ تَكْذِيبِ نَفْسِهِ ( فَكَأَنَّهُ رَجَعَ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ صَحِيحٌ ) وَعِنْدَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَبْقَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ مُطْلَقًا وَلَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ ( فِي عَبْدِهِ الْمُمْكِنِ ) كَوْنُهُ مِنْهُ مِنْ حَيْثُ صِغَرُ سِنِّهِ الثَّابِتِ نَسَبُهُ مِنْ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ لِأَنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَبْدُ وَالْأَبُ لَا يَتَضَرَّرَانِ بِهَا وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَهَا حُكْمٌ يُصَارُ إلَى إثْبَاتِ حُكْمِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ مَجَازًا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ وَحَيْثُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ ( لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ ) وَلَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ فِي قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ هَذِهِ بِنْتِي ( وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ) أَيْ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ لِهَذِهِ بِنْتِي ( إمَّا حُكْمًا لِلنَّسَبِ وَهُوَ ) أَيْ النَّسَبُ قَدْ ثَبَتَ ( مِنْ الْغَيْرِ ) فَيَثْبُتُ لِلْغَيْرِ لَا لَهُ ( أَوْ بِالِاسْتِعْمَالِ ) لِهَذِهِ بِنْتِي ( فِيهِ ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَحْرِيمُ النَّسَبِ ( مُنَافٍ لِسَبْقِ الْمِلْكِ ) أَيْ لِلنِّكَاحِ لِمُنَافَاتِهِ لِمِلْكِ النِّكَاحِ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحَرَّمَاتِ ( لَا أَنَّهُ ) أَيْ تَحْرِيمَ النَّسَبِ ( مِنْ حُقُوقِهِ ) أَيْ مِلْكِ النِّكَاحِ ( وَاَلَّذِي مِنْ حُقُوقِهِ ) أَيْ وَالتَّحْرِيمُ الَّذِي هُوَ مِنْ حُقُوقِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَهُوَ إنْشَاءُ التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ بِالطَّلَاقِ ( لَيْسَ اللَّازِمَ ) لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لِهَذِهِ بِنْتِي ( لِيَتَجَوَّزَ بِهِ ) أَيْ بِهَذِهِ بِنْتِي ( فِيهِ ) أَيْ فِي التَّحْرِيمِ الْكَائِنِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ بَيْنَ التَّحْرِيمَيْنِ مُنَافَاةٌ لِتَنَافِي لَوَازِمِهِمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُنَافِي مَحَلِّيَّةَ النِّكَاحِ وَيُثْبِتُ حُرْمَةً لَا تَرْتَفِعُ وَلَا
يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَالْآخَرُ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يَخْرُجُ الْمَحَلُّ عَنْ مَحَلِّيَّةِ النِّكَاحِ وَيَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَتَنَافِي اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ فَتَعَذَّرَ الْمَجَازِيُّ أَيْضًا .
( مَسْأَلَةٌ الْحَقِيقَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ الْأَسْبَقِ مِنْهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَعِنْدَهُمَا وَالْجُمْهُورُ قَلْبُهُ ) أَيْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ الْأَسْبَقِ مِنْهَا أَوْلَى مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ ( وَتَفْسِيرُ التَّعَارُفِ بِالتَّفَاهُمِ ) كَمَا قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ ( أَوْلَى مِنْهُ ) أَيْ مِنْ تَفْسِيرِهِ ( بِالتَّعَامُلِ ) كَمَا قَالَ مَشَايِخُ بَلْخَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّعَامُلَ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ) أَيْ الْمَجَازِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّعَامُلَ ( كَوْنُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مُتَعَلِّقَ عَمَلِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الْعُرْفِ ( وَهَذَا ) أَيْ عَمَلُهُمْ ( سَبَبُهُ ) أَيْ التَّعَارُفُ ( إذْ بِهِ ) أَيْ بِالتَّعَامُلِ ( يَصِيرُ ) الْمَجَازُ ( أَسْبَقَ ) إلَى الْفَهْمِ فَمَحَلُّ التَّعَامُلِ الْمَعْنَى وَمَحَلُّ الِاسْتِعْمَالِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ اللَّفْظُ ( ثُمَّ هَذَا عَلَى تَسْمِيَةِ الْمَعْنَى بِهِمَا ) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُسَامَحَةً لِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهُمَا مِنْ أَوْصَافِ اللَّفْظِ ( وَالتَّحْرِيرُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ هُوَ ( الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا فِي الْمَجَازِيِّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ ( فِي الْحَقِيقِيِّ وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَمَا قَالَهُ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ التَّفْسِيرُ ( الثَّانِي قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ لِلْحِنْثِ عِنْدَهُ بِأَكْلِ آدَمِيٍّ وَخِنْزِيرٍ ) أَيْ لَحْمِهِمَا فِي حَلِفِهِ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لِأَنَّ التَّفَاهُمَ يَقَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى لَحْمًا وَعَدَمُهُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّعَامُلَ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً ( غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ ) الْحِنْثُ عِنْدَهُ فِيهِمَا ( لِاسْتِعْمَالِ اللَّحْمِ فِيهِمَا ) أَيْ فِي لَحْمَيْ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ ( فَيُقَدَّمُ ) الِاعْتِبَارُ لِلْحَقِيقَةِ وَعَدَمِ الْحِنْثِ عِنْدَهُمَا لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ ( وَلِأَسْبَقِيَّةِ مَا سِوَاهُمَا ) أَيْ لَحْمَيْ الْآدَمِيِّ وَالْخِنْزِيرِ إلَى الْأَفْهَامِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( عِنْدَهُمَا وَيَشْكُلُ
عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ ( مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَادَةِ بِلَا خِلَافٍ ) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي اقْتِصَارَ الْحِنْثِ عَلَى مَا اُعْتِيدَ أَكْلُهُ مِنْ اللُّحُومِ فَلَا جَرَمَ إنْ قِيلَ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ أَكْلَهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ وَمَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ قَالَ الْعَتَّابِيُّ : وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ( وَكَوْنُ هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةِ ( فَرْعَ جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ فَرَجَحَ التَّكَلُّمُ بِهَا ) أَيْ بِالْحَقِيقَةِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِالْمَجَازِ لِرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ ( وَرَجَّحَا الْحُكْمَ بِأَعَمِّيَّتِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْمَجَازِ ( لِحُكْمِهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ شَمِلَهَا حَتَّى صَارَتْ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ فَكَثُرَتْ فَائِدَتُهُ وَكَانَ فِيهِ عَمَلٌ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ وَجْهٍ لِدُخُولِهَا فِيهِ كَمَا هُوَ حَاصِلُ مَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ( لَا يَتِمُّ إذْ الْغَرَضُ يَتَعَلَّقُ بِالْخُصُوصِ كَضِدِّهِ ) أَيْ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ ( وَالْمُعَيَّنُ ) لِمَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْهُمَا ( الدَّلِيلُ ) مَعَ أَنَّ الْمَجَازَ الْمُتَعَارَفَ قَدْ لَا يَعُمُّ الْحَقِيقَةَ ( فَالْمَبْنِيُّ ) لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( صُلُوحُ غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ دَلِيلًا ) مُرَجِّحًا لِلْغَالِبِ اسْتِعْمَالًا فِيهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( فَأَثْبَتَاهُ وَنَفَاهُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ لَا تُرَجَّحُ بِالزِّيَادَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَتَكَافَآ ) أَيْ فَتَسَاوَى الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي الِاعْتِبَارِ ( ثُمَّ تَتَرَجَّحُ ) الْحَقِيقَةُ عِنْدَهُ لِرُجْحَانِهَا عَلَيْهِ ( لَا ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنُ الْمَجَازِ أَعَمُّ كَمَا قَالَاهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ تَمَّ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الْمَجَازِ الْأَسْبَقِ مِنْ الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ فِي جِهَةِ الْخَلْفِيَّةِ ( اطَّرَدَ ) التَّرْجِيحُ بِالْعُمُومِ عِنْدَهُمَا ( فَرَجَّحَا ) حِينَئِذٍ الْمَجَازَ ( الْمُسَاوِيَ ) لِلْحَقِيقَةِ فِي التَّبَادُرِ لِلْفَهْمِ ( إذَا عَمَّ ) حُكْمُهُ الْحَقِيقَةَ ( وَقَالَا ) حِينَئِذٍ أَيْضًا ( الْعَقْدُ الْعَزْمُ لِعُمُومِهِ ) أَيْ
الْعَزْمِ ( الْغَمُوسَ وَكَثِيرٌ وَلَيْسَ ) شَيْءٌ مِنْهَا كَذَلِكَ وَكَيْفَ ( وَالْمُسَاوِي اتِّفَاقٌ ) أَيْ مَحْكِيٌّ فِيهِ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْحَقِيقَةِ إذَا سَاوَاهَا الْمَجَازُ مُطْلَقًا ( وَفَرَّعَهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ حَلَفَ ( لَا يَشْرَبُ مِنْ الْفُرَاتِ ) وَهِيَ بِالتَّاءِ الْمَمْدُودَةِ فِي الْخَطِّ فِي حَالَتَيْ الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ النَّهْرُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ وَرُبَّمَا قِيلَ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ حَلَفَ ( لَا يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ انْصَرَفَ ) الْحَلِفُ ( عِنْدَهُ إلَى الْكَرْعِ ) فِي الشُّرْبِ مِنْ الْفُرَاتِ ( وَعَيْنِهَا ) أَيْ وَإِلَى أَكْلِ عَيْنِ الْحِنْطَةِ ( وَإِلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْحِنْطَةِ ( وَمَائِهِ ) أَيْ الْفُرَاتِ ( عِنْدَهُمَا وَعَلَى الْحِنْطَةِ ) أَيْ يَرِدُ عَلَى مَسْأَلَتِهَا ( التَّخْصِيصُ بِالْعَادَةِ ) فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ اقْتِصَارُ الْحِنْثِ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا عَادَةً لِأَنَّ الْعُرْفَ الْعَمَلِيَّ مُخَصِّصٌ كَمَا سَلَفَ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا ) أَيْ الْعَادَةَ مُخَصِّصَةٌ أَوْ الْمَسْأَلَةَ الْخِلَافِيَّةَ ( فِي ) الْحِنْطَةِ ( غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ أَمَّا فِيهَا ) أَيْ الْمُعَيَّنَةِ ( فَقَوْلُهُ مِثْلُهُمَا ) وَالصَّوَابُ الْقَلْبُ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ : وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا حَلَفَ عَلَى حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ا هـ فَيُطَالَبُ بِالْفَرْقِ ( وَيُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ( أَنَّ الْعَادَةَ فِيهَا ) أَيْ فِي الْمُعَيَّنَةِ ( مُشْتَرَكَةٌ ) بَيْنَ تَنَاوُلِ عَيْنِهَا وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهَا ( وَإِنْ غَلَبَتْ ) الْعَادَةُ ( فِيمَا ) يُتَّخَذُ ( مِنْهَا كَالْكَرْعِ ) فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي الشُّرْبِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّرْبِ بِالْإِنَاءِ وَنَحْوِهِ فَانْصَرَفَتْ الْيَمِينُ عِنْدَهُ إلَى الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي تَعَلُّقِ