كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد
الْأَكْلِ بِهَا إرَادَةُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا وَهَذَا أَقْرَبُ مِنْ دَعْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ التَّعَارُفَ فِي حِنْطَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ لَا فِي حِنْطَةٍ بِعَيْنِهَا وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُفُ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا يَتْرُكُ الْعَمَلَ بِالْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تُتْرَكُ بِنِيَّةِ غَيْرِهَا أَوْ بِالْعُرْفِ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هَذَا وَبَعْدَ أَنْ ذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا تَقَدَّمَ قَالَ : وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَالدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ الْمُتَّفَقُ عَلَى إيرَادِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ يَعُمُّ الْمُعَيَّنَةَ وَالْمُنَكَّرَةَ وَهُوَ أَنَّ عَيْنَهَا مَأْكُولٌ ( وَتَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الصَّوَارِفِ فِي التَّخْصِيصِ ) فِي مَسْأَلَةِ الْعَادَةِ الْعُرْفُ الْعَمَلِيُّ مُخَصِّصٌ فَلْيُرَاجَعْ .
( تَتِمَّةٌ ) ( يَنْقَسِمُ كُلٌّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ تَبَادُرِ الْمُرَادِ ) مِنْ إطْلَاقِهِ ( لِلْغَلَبَةِ اسْتِعْمَالًا وَعَدَمِهِ ) أَيْ وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِ تَبَادُرِ الْمُرَادِ لِعَدَمِ الْغَلَبَةِ اسْتِعْمَالًا ( إلَى صَرِيحٍ يَثْبُتُ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ بِلَا نِيَّةٍ وَكِنَايَةٍ ) لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ قَائِمٍ مَقَامَهَا ( مِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي هُوَ الْكِنَايَةُ ( أَقْسَامُ الْخَفَاءِ ) أَيْ الْخَفِيُّ وَالْمُشْكِلُ وَالْمُجْمَلُ ( وَالْمَجَازُ غَيْرُ الْمُشْتَهِرِ وَيَدْخُلُ الصَّرِيحُ الْمُشْتَرَكُ الْمُشْتَهِرُ فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ ( بِحَيْثُ تَبَادَرَ ) ذَلِكَ الْأَحَدُ مِنْ إطْلَاقِهِ ( وَالْمَجَازُ ) الْغَالِبُ الِاسْتِعْمَالِ ( مَعَ الْهَجْرِ ) لِحَقِيقَتِهِ ( اتِّفَاقًا كَذَلِكَ ) أَيْ صَرِيحٌ ( وَمَعَ اسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةِ ) هُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا ( عِنْدَهُمَا وَالظَّاهِرُ وَبَاقِي الْأَرْبَعَةِ ) النَّصُّ وَالْمُفَسَّرُ وَالْمُحْكَمُ ( إنْ اُشْتُهِرَتْ فَإِخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الظَّاهِرِ وَبَاقِي الْأَرْبَعَةِ ( مُطْلَقًا ) مِنْ الصَّرِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ ( لَا يَتَّجِهُ ) بَلْ يَخْرُجُ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِمُشْتَهِرٍ ( لَكِنْ مَا لَا يَشْتَهِرُ مِنْهَا لَا يَكُونُ كِنَايَةً وَالْحَالُ تَبَادُرُ الْمُعَيَّنِ ) مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ ( وَإِنْ كَانَ ) تَبَادُرُهُ ( لَا لِلْغَلَبَةِ ) الِاسْتِعْمَالِيَّة ( بَلْ ) تَبَادُرُهُ ( لِلْعِلْمِ بِالْوَضْعِ ) أَيْ وَضْعِ اللَّفْظِ لَهُ ( وَقَرِينَةُ النَّصِّ ) مِنْ كَوْنِ الْكَلَامِ مَسُوقًا ( وَأَخَوَيْهِ ) أَيْ وَقَرِينَةِ الْمُفَسِّرِ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِهِ لِلتَّخْصِيصِ وَالتَّأْوِيلِ وَقَرِينَةِ الْمُحْكَمِ مِنْ كَوْنِهِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ ( فَيَلْزَمُ تَثْلِيثُ الْقِسْمَةِ إلَى مَا لَيْسَ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً لَكِنَّ حُكْمَهُ ) أَيْ هَذَا الْقَسَمِ ( إنْ اتَّحَدَ بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالْكِنَايَةِ فَلَا فَائِدَةَ ) فِي تَثْلِيثِهَا بِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ ( فَلْيُتْرَكْ مَا مَالَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ ) ذِكْرِ ( قَيْدِ الِاسْتِعْمَالِ ) كَمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ
أَوَّلًا ( وَيُقْتَصَرُ ) فِي تَعْرِيفِ الصَّرِيحِ ( عَلَى مَا تَبَادَرَ خُصُوصُ مُرَادِهِ لِغَلَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) مِنْ تَنْصِيصٍ أَوْ تَفْسِيرٍ أَوْ إحْكَامٍ كَمَا مَالَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ ( لَكِنْ أَخْرَجُوا ) مِنْ الصَّرِيحِ ( الظَّاهِرَ عَلَى هَذَا ) التَّعْرِيفِ لِأَنَّ الظُّهُورَ فِيهِ لَيْسَ بِتَامٍّ ( وَلَا فَرْقَ ) بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالصَّرِيحِ ( إلَّا بِعَدَمِ الْقَصْدِ الْأَصْلِيِّ ) فِي الظَّاهِرِ بِخِلَافِهِ فِي الصَّرِيحِ وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي التَّبَادُرِ ( ثُمَّ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ ) أَيْ الصَّرِيحِ ( بِلَا نِيَّةِ جَرَيَانِهِ ) عَلَى لِسَانِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ حُرَّةٌ ( غَلَطًا فِي نَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَاسْقِنِي ) أَيْ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ هَذَا فَقَالَ ذَاكَ قَالُوا : فَيَثْبُتُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ ( وَأَمَّا قَصْدُهُ ) أَيْ الصَّرِيحُ ( مَعَ صَرْفِهِ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ فَلَهُ ذَلِكَ دِيَانَةً كَقَصْدِ الطَّلَاقِ مِنْ وَثَاقٍ ) فِي قَوْلِهِ هِيَ طَالِقٌ ( فَهِيَ زَوْجَتُهُ دِيَانَةً ) لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ لَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ ( وَمُقْتَضَى النَّظَرِ كَوْنُهُ ) أَيْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ بِلَا نِيَّةٍ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ فِي الْغَلَطِ وَمَا قَصَدَ صَرْفَهُ بِالنِّيَّةِ إلَى مُحْتَمَلِهِ ( قَضَاءً فَقَطْ وَإِلَّا ) لَوْ ثَبَتَ حُكْمُهُ فِيهِمَا مُطْلَقًا ( أَشْكَلَ بِعْت وَاشْتَرَيْت إذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي الْوَاقِعِ مَعَ الْهَزْلِ ) مَعَ أَنَّهُمَا صَرِيحٌ ( وَفِي نَحْوِ الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ ) إنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مُطْلَقًا فِي الْهَزْلِ ( بِخُصُوصِهِ دَلِيلٌ ) وَهُوَ الْحَدِيثُ الْآتِي عَلَى الْأَثَرِ وَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى ( وَكَذَا فِي الْغَلَطِ ) يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُهُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي الْكُلِّ قَضَاءً فَقَطْ فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ لِيَصِلَ بِهِ ( لِمَا ذَكَرْتُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ) مِنْ أَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ
أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالَمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ فَرَفَعَ حُكْمَهُ الدُّنْيَوِيَّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ نَقْصِدْ وَكَيْفَ وَقَدْ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعِلْمِ وَهُوَ الْقَاضِي ( وَلَا يَنْفِيهِ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( الْحَدِيثُ ) الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ { ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ إلَى آخِرِهِ أَيْ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ } لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالسَّبَبِ لَا بِالْحُكْمِ وَالْغَالِطُ غَيْر رَاضٍ بِهِمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَقَوْلُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ مَشَايِخِنَا ( لَفْظُ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَجَازٌ لِأَنَّهَا ) أَيْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ( عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا غَلَطٌ إذْ لَا تُنَافِي الْحَقِيقَةُ الْكِنَايَةَ وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَقَوْلُهُمْ أَيْضًا فِي وَجْهٍ أَنَّهَا مَجَازٌ ( الْكِنَايَةُ الْحَقِيقَةُ ) حَالَ كَوْنِهَا ( مُسْتَتِرَةَ الْمُرَادِ وَهَذِهِ ) أَيْ كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ ( مَعْلُومَتُهُ ) أَيْ الْمُرَادِ ( وَالتَّرَدُّدُ فِيمَا يُرَادُ بِهَا ) فَيَتَرَدَّدُ
مَثَلًا فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِيَ بَائِنٌ ( أَبَائِنٌ مِنْ الْخَيْرِ أَوْ النِّكَاحِ مُنْتَفٍ بِأَنَّ الْكِنَايَةَ بِالتَّرَدُّدِ فِي الْمُرَادِ ) مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً كَانَ أَوْ مَجَازًا إلَّا فِي الْوَضْعِيِّ ( وَإِنَّمَا هِيَ مَعْلُومَةُ الْوَضْعِيِّ كَالْمُشْتَرَكِ وَالْخَاصِّ فِي فَرْدٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ ) بِكَوْنِهَا مَجَازًا ( مَجَازِيَّةَ إضَافَتِهَا إلَى الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ ) مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ( أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الطَّلَاقِ ( وَلَيْسَ ) كَذَلِكَ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَتْ كِنَايَةً عَنْهُ ( وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ) مُطْلَقًا بِهَا لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ رَجْعِيٌّ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ أَوْ الثَّالِثُ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ أَوْ الثَّانِي فِي حَقِّ الْأَمَةِ وَلَيْسَ هِيَ مُطْلَقًا كَذَلِكَ بَلْ بَعْضُهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ .
( مَسَائِلُ الْحُرُوفِ قِيلَ ) أَيْ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : ( جَرَى فِيهَا ) أَيْ الْحُرُوفِ ( الِاسْتِعَارَةُ تَبَعًا كَالْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفًا بِتَبَعِيَّةِ اعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ فِي الْمَصْدَرِ لِاعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهُ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ كُلِّيَّةٌ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فَيُسْتَعْمَلُ فِي جُزْئِيِّ الْمُشَبَّهِ ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْحَرْفِيُّ لِلْحَرْفِ يَعْنِي كَمَا جَرَتْ الِاسْتِعَارَةُ فِي الْمُشْتَقِّ فِعْلًا وَوَصْفًا بِتَبَعِيَّةِ اعْتِبَارِ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا فِي الْمَصْدَرِ فَقَوْلُنَا : نَطَقَتْ الْحَالُ فَرْعُ تَشْبِيهِ الْحَالِ بِاللِّسَانِ ثُمَّ نِسْبَةُ النُّطْقِ إلَيْهَا ثُمَّ اُشْتُقَّ مِنْ النُّطْقِ بِمَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ نَطَقَتْ فَصَارَ اسْتِعَارَةُ نَطَقَتْ تَبَعِيَّةُ اسْتِعَارَةِ النُّطْقِ هَكَذَا الْحَرْفُ يُعْتَبَرُ أَوَّلًا التَّشْبِيهُ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهُ الْجُزْئِيِّ وَهُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الْمُنْدَرِجُ فِيهِ مَعْنَى الْحَرْفِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كُلِّيَّةِ بَيَانِهِ أَنَّ مَا تَذْكُرُهُ بِلَفْظِ اسْمٍ لِمَعْنَى حَرْفٍ لَيْسَ هُوَ عَيْنُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ التَّبْعِيضَ الْمُفَادَ بِقَوْلِك مِنْ لِلتَّبْعِيضِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ مَعْنَى مِنْ بَلْ تَبْعِيضُ كُلِّيٍّ وَمَعْنَى مِنْ تَبْعِيضُ جُزْئِيٍّ مَلْحُوظٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ خَاصَّيْنِ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ مُطْلَقِ التَّبْعِيضِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلًا التَّشْبِيهُ لِلْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْمُتَعَلِّقِ لِمَعْنَى الْحَرْفِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ الْحَرْفُ فِي جُزْئِيٍّ مِنْهُ كَمَا شَبَّهَ تَرَتُّبَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ عَلَى الِالْتِقَاطِ بِتَرَتُّبِ الْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ عَلَى الْفِعْلِ فَاسْتَعْمَلَ فِيهَا اللَّامَ الْمَوْضُوعَةَ لِلتَّرَتُّبِ الْعَلِيِّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَهَذَا ) الْكَلَامُ ( لَا يُفِيدُ وُقُوعَ ) الْمَجَازِ ( الْمُرْسَلِ فِيهَا ) أَيْ فِي الْحُرُوفِ لِانْتِفَاءِ عِلَاقَةِ الْمُشَابَهَةِ فِي مُتَعَلِّقِ مَعْنَاهَا ( ثُمَّ لَا يُوجِبُ ) هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا ( الْبَحْثَ عَنْ خُصُوصِيَّاتِهَا فِي الْأُصُولِ لَكِنَّ الْعَادَةَ ) جَرَتْ بِهِ ( تَتْمِيمًا )
لِلْفَائِدَةِ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَذُكِرَتْ عَقِبَ مَبَاحِثِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّهَا تَنْقَسِمُ إلَيْهِمَا أَيْضًا ( وَهِيَ ) أَيْ الْحُرُوفُ ( أَقْسَامٌ حُرُوفُ الْعَطْفِ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ فَقَطْ ) أَيْ بِلَا شَرْطِ تَرْتِيبٍ وَلَا مَعِيَّةٍ ( فَفِي الْمُفْرَدِ ) أَيْ فَهِيَ فِيهِ اسْمًا كَانَ أَوْ فِعْلًا حَالَ كَوْنِهِ ( مَعْمُولًا ) لِجَمْعِ الْمَعْطُوفِ ( فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْفَاعِلِيَّةِ وَالْمَفْعُولِيَّة وَالْحَالِيَّةِ وَعَامِلًا ) أَيْ وَحَالَ كَوْنِهِ عَامِلًا لِجَمْعِ الْمَعْطُوفِ ( فِي مُسْنَدِيَّتِهِ ) أَيْ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ( كَضَرَبَ وَأَكْرَمَ فِي جُمَلٍ لَهَا مَحَلٌّ ) مِنْ الْإِعْرَابِ لِجَمْعِ الْمَعْطُوفَةِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا ( كَالْأَوَّلِ ) أَيْ كَكَوْنِهَا فِي الْمُفْرَدِ مَعْمُولًا ( وَفِي مُقَابِلِهَا ) أَيْ الْجُمَلِ الَّتِي لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ ( لِجَمْعِ مَضْمُونِهَا فِي التَّحَقُّقِ وَهَلْ يُجْمَعُ فِي مُتَعَلِّقَاتِهَا ) أَيْ الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا ( يَأْتِي ) فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذَا ( وَقِيلَ ) الْوَاوُ ( لِلتَّرْتِيبِ وَنُسِبَ لِأَبِي حَنِيفَةَ ) وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا ( كَمَا نُسِبَ إلَيْهِمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ أَيْضًا ( الْمَعِيَّةُ لِقَوْلِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فِي إنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ لِغَيْرِ الْمَدْخُولِ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَعِنْدَهُمَا ) تَبِينُ ( بِثَلَاثٍ ) فَإِنَّ قَوْلَهُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي جَعْلِهَا لِلتَّرْتِيبِ حَيْثُ أَبَانَهَا بِالْأُولَى فَقَطْ لَا إلَى عِدَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالْفَاءِ أَوْ ثُمَّ فَلَمْ يَقَعْ مَا بَقِيَ وَقَوْلُهُمَا ظَاهِرٌ فِي جَعْلِهَا لِلْمُقَارَنَةِ كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَإِلَّا لَأَوْقَعَا وَاحِدَةً لَا غَيْرَ ( وَلَيْسَ ) كِلَا الْقَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ( بَلْ لِأَنَّ مُوجِبَهُ ) أَيْ الْعَطْفِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( تَعَلَّقَ الْمُتَأَخِّرُ بِوَاسِطَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَيَنْزِلْنَ كَذَلِكَ ) أَيْ مُتَرَتِّبَاتٍ ( فَيَسْبِقُ ) الطَّلَاقُ ( الْأَوَّلُ
فَيُبْطِلُ مَحَلِّيَّتَهَا ) لِمَا بَعْدَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ وَالْعِدَّةِ ( وَقَالَا بَعْدَ مَا اشْتَرَكَتْ ) الْمَعْطُوفَاتُ ( فِي التَّعَلُّقِ وَإِنْ ) كَانَ اشْتِرَاكُهَا ( بِوَاسِطَةٍ ) أَيْ عَطْفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ ( تَنْزِلُ دَفْعَةً لِأَنَّ نُزُولَ كُلٍّ ) مِنْهَا ( حُكْمُ الشَّرْطِ فَتَقْتَرِنُ أَحْكَامُهُ ) عِنْدَ وُجُودِهِ ( كَمَا فِي تَعَدُّدِ الشَّرْطِ ) لِكُلِّ وَاحِدٍ نَحْوَ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَدْ تَعَلَّقَ طَلَاقٌ بَعْدَ طَلَاقٍ بِكُلٍّ مِنْ الشَّرْطَيْنِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ بِأَنْ دَخَلَتْ مَرَّةً يَقَعُ ثِنْتَانِ ( وَدُفِعَ هَذَا ) أَيْ تَعَدُّدُ الشَّرْطِ الْمُلْحَقِ بِهِ ( بِالْفَرْقِ بِانْتِفَاءِ الْوَاسِطَةِ ) أَيْ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الثَّانِي فِيهِ لَيْسَ بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ ( لَا يَضُرُّ ) فِي الْمَطْلُوبِ ( إذْ يَكْفِي ) فِي الدَّفْعِ لَهُمَا ( مَا سِوَاهُ ) أَيْ سِوَى هَذَا الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِمَا التَّعَلُّقُ وَإِنْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْوَاسِطَةِ وَتَعَلُّقِ الثَّانِي صَارَ الْحَاصِلُ تَعَلُّقَ كُلٍّ مِنْ طَلَاقَيْنِ بِشَرْطٍ فَيَكُونُ نُزُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمًا لِثُبُوتِهِ فَإِذَا ثَبَتَ نَزَلَ كُلُّ حُكْمٍ لَهُ دَفْعَةً لِوُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ فِي ثُبُوتِ كُلٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ شَيْءٌ مِنْهَا فَقَدْ رَجَّحَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُمَا ( وَفِيهِ ) أَيْ فِي الْجَوَابِ لَهُمَا عَنْ دَلِيلِهِ ( تَرْدِيدٌ آخَرُ ذَكَرْنَاهُ فِي الْفِقْهِ ) فَقَالَ : وَقَوْلُهُمَا أَرْجَحُ قَوْلُهُ تَعَلَّقَ بِوَاسِطَةِ تَعَلُّقِ الْأَوَّلِ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ عِلَّةُ تَعَلُّقِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ عِلِّيَّتُهُ جَمْعُ الْوَاوِ إيَّاهُ إلَى الشَّرْطِ وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهُ سَابِقَ التَّعَلُّقِ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُ كَالْأَيْمَانِ الْمُتَعَاقِبَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأَوَّلِ عِلَّةٌ لِتَعَلُّقِ الثَّانِي لَمْ يَلْزَمْ كَوْنُ نُزُولِهِ عِلَّةً لِنُزُولِهِ إذْ لَا تَلَازُمَ فَجَازَ كَوْنُهُ عِلَّةً لِتَعَلُّقِهِ
فَيَتَقَدَّمُ فِي التَّعَلُّقِ وَلَيْسَ نُزُولُهُ عِلَّةً لِنُزُولِهِ بَلْ إذَا تَعَلَّقَ الثَّانِي بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ صَارَ مَعَ الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقَيْنِ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ نُزُولِ الشَّرْطِ يَنْزِلُ الْمَشْرُوطُ ( لَنَا النَّقْلُ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَتَكَرَّرَ مِنْ سِيبَوَيْهِ كَثِيرًا ) فَذَكَرَهُ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ ( وَنَقَلَ إجْمَاعَ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ ) الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ ( عَلَيْهِ ) نَقَلَهُ السِّيرَافِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَالْفَارِسِيُّ إلَّا أَنَّهُمْ نُوقِشُوا فِيهِ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ثَعْلَبٌ وَغُلَامُهُ وَقُطْرُبٌ وَهِشَامٌ عَلَى أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ ( وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال ) لِلْمُخْتَارِ ( بِلُزُومِ التَّنَاقُضِ ) عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ ( فِي تَقَدُّمِ السُّجُودِ عَلَى قَوْلِ حِطَّةٍ ) كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ تَقْدِيمُ قَوْلِ حِطَّةٍ عَلَى السُّجُودِ كَمَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ ( مَعَ الِاتِّحَادِ ) أَيْ اتِّحَادِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ وُجُوبَ دُخُولِ الْبَابِ سُجَّدًا يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِ حِطَّةٍ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الْبَقَرَةِ مُؤَخَّرًا عَنْهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الْأَعْرَافِ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا أَمْرًا وَمَأْمُورًا وَزَمَانًا وَالتَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى مُحَالٌ وَمَعْنَى حِطَّةٍ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا ( وَامْتِنَاعُ تَقَاتُلِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ) أَيْ وَبِلُزُومِ امْتِنَاعِهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي فِعْلٍ يُعْتَبَرُ فِي مَفْهُومِهِ الْإِضَافَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمَعِيَّةِ تَرْتِيبٌ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ ( وَجَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو قَبْلَهُ ) أَيْ وَبِلُزُومِ امْتِنَاعِهِ لِلتَّنَاقُضِ فَإِنَّ عَمْرًا يَكُونُ جَائِيًا بَعْدَ زَيْدٍ لِلْوَاوِ وَقَبْلَهُ لِقَبْلِهِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ ( وَالتَّكْرَارُ بَعْدَهُ ) أَيْ وَبِلُزُومِ التَّكْرَارِ فِي جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بَعْدَهُ لِدَلَالَةِ الْوَاوِ عَلَى الْبَعْدِيَّةِ وَلَيْسَ بِتَكْرَارٍ اتِّفَاقًا ( فَمَدْفُوعٌ بِجَوَازِ التَّجَوُّزِ بِهَا ) أَيْ بِالْوَاوِ ( فِي الْجَمْعِ فَصَحَّتْ ) لِلْجَمْعِ ( فِي الْخُصُوصِيَّاتِ ) أَيْ فِي
هَذِهِ الصُّوَرِ الْمَخْصُوصَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمَطْلُوبُ ( وَبِلُزُومِ صِحَّةِ دُخُولِهَا فِي الْجَزَاءِ ) أَيْ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَزِمَ صِحَّةُ دُخُولِهَا عَلَى جَزَاءِ الشَّرْطِ لِرَبْطِهِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّرْتِيبِ عَلَيْهِ ( كَالْفَاءِ ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ إذْ لَا يَصِحُّ إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَأَكْرَمَهُ كَمَا يَصِحُّ فَأَكْرَمَهُ مَدْفُوعٌ ( بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ كَثُمَّ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَصَحَّ دُخُولُهَا عَلَى الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِثُمَّ فَإِنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ اتِّفَاقًا وَلَا يَجُوزُ دُخُولُهَا عَلَى الْجَزَاءِ اتِّفَاقًا ( وَيَحْسُنُ الِاسْتِفْسَارُ ) أَيْ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا حَسُنَ مِنْ السَّامِعِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ ( عَنْ الْمُتَقَدِّمِ ) وَالْمُتَأَخِّرِ فِي نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو لِكَوْنِهِمَا مَفْهُومَيْنِ مِنْ الْوَاوِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ مَدْفُوعٌ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ حُسْنُ الِاسْتِفْسَارِ ( لِدَفْعِ وَهْمِ التَّجَوُّزِ بِهَا ) لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ ( وَبِأَنَّهُ مَقْصُودٌ ) أَيْ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمُخْتَارِ بِأَنَّ مُطْلَقَ الْجَمْعِ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِلْمُتَكَلِّمِ ( فَاسْتَدْعَى ) لَفْظًا ( مُفِيدًا ) لَهُ كَيْ لَا تُقْصَرَ الْأَلْفَاظُ عَنْ الْمَعَانِي ( وَلَمْ يُسْتَعْمَلُ فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الْمَعْنَى ( إلَّا الْوَاوُ ) فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لَهُ فَلَا تَكُونُ لِلتَّرْتِيبِ وَالْأَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ مَدْفُوعٌ ( بِأَنَّ الْمَجَازَ كَافٍ فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي إفَادَتِهِ فَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ مَجَازًا لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ عَلَى أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ الْمُطْلَقَ أَيْضًا مَعْنًى مَقْصُودٌ كَالْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يُعَبِّرُ بِهِ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ غَيْرَ الْوَاوِ اتِّفَاقًا فَتَكُونُ مَوْضُوعَةً لَهُ ( وَالنَّقْضُ ) لِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ ( بِالتَّرْتِيبِ ) أَيْ بِأَنَّهَا تُفِيدُهُ ( لِلْبَيْنُونَةِ بِوَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ
لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ كَمَا بِالْفَاءِ وَثُمَّ ) وَإِلَّا لَوْ كَانَتْ لِلْجَمْعِ لَجُمِعَتْ الثَّلَاثُ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ ) أَيْ وُقُوعَ الْوَاحِدَةِ لَا غَيْرَ ( لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ قَبْلَ الثَّانِيَةِ إذْ لَا تَوَقُّفَ ) لِلْأُولَى عَلَى ذِكْرِ الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ مُوجِبِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ مُنْجَزٌ لَيْسَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ أَوَّلَهُ مِنْ شَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَنْزِلُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي الْمَحَلِّ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَيَرْتَفِعُ مَحَلِّيَّتُهَا لِلْبَاقِي لِعَدَمِ الْعِدَّةِ فَيَلْغُو لِهَذَا لَا لِكَوْنِ الْوَاوِ لِلتَّرْتِيبِ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِمُتَأَخِّرٍ ) أَيْ بِشَرْطٍ مُتَأَخِّرٍ كَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَإِنَّهُ يَقَعُ الثَّلَاثُ اتِّفَاقًا لِتَوَقُّفِ الْكُلِّ عَلَى آخَرِ الْكَلَامِ لِوُجُودِ الْمُغَيَّرِ فِيهِ فَتَعَلَّقَتْ دَفْعَةٌ وَنَزَلَتْ دَفْعَةٌ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ بِالثَّانِي ( وَمَا عَنْ مُحَمَّدٍ إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَخِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ ) أَيْ بِالْوُقُوعِ أَيْ لَا يَعْلَمُ وُقُوعَ مَا قَبْلَ الْأَخِيرِ إلَّا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَخِيرِ ( لِتَجْوِيزِ إلْحَاقِ الْمُغَيَّرِ ) بِهِ مِنْ شَرْطٍ وَنَحْوِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا ( لَمْ تَفُتْ الْمَحَلِّيَّةُ فَيَقَعَ الْكُلُّ ) بِنَصَبِ يَقَعَ عَلَى جَوَابِ النَّفْيِ لِوُجُودِ الْمَحَلِّيَّةِ حَالَةَ التَّكَلُّمِ بِالْبَاقِي كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اسْتَبْعَدَ كَوْنَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّدْرُ مُتَوَقِّفًا فَتَأْخِيرُ حُكْمِهِ إلَى غَايَةٍ خَاصَّةٍ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ تَأْخِيرَ حُكْمِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الْأَخِيرِ ( قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ ) فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَوَّلِ وَحِينَ أَوَّلَ الْمُصَنِّفُ
كَلَامَ مُحَمَّدٍ بِمَا تَقَدَّمَ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ إذْ لَا شَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْعِلْمِ بِالْوُقُوعِ عَنْ تَمَامِ الْكَلَامِ لَكِنْ عِنْدَ تَمَامِهِ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْوُقُوعَ كَانَ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَوَّلِ ( وَبِبُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ ) أَيْ وَالنَّقْضِ لِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الثَّانِيَةِ ( فِي قَوْلِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى لِأَمَتِهِ ( هَذِهِ حُرَّةٌ وَهَذِهِ ) حُرَّةٌ ( عِنْدَ بُلُوغِهِ تَزْوِيجَ فُضُولِيٍّ أَمَتَيْهِ مِنْ وَاحِدٍ ) كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا بِكَلَامَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ وَإِلَّا لَمَا بَطَلَ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا لَوْ أَعْتَقَهُمَا مَعًا مَدْفُوعٌ ( بِتَعَذُّرِ تَوَقُّفِهِ ) أَيْ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْأُولَى بِهَذِهِ حُرَّةٌ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِقَوْلِهِ وَهَذِهِ بَطَلَتْ مَحَلِّيَّةٌ وَتَوَقَّفَ النِّكَاحُ فِي الثَّانِيَةِ ( إذْ لَا يَقْبَلُ الْإِجَازَةَ ) لِأَنَّ النِّكَاحَ الْمَوْقُوفَ مُعْتَبَرٌ بِابْتِدَاءِ النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ الْأَمَةُ مُنْضَمَّةً إلَى الْحُرَّةِ بِمَحَلٍّ لِابْتِدَائِهِ فَكَذَا لِتَوَقُّفِهِ ( لِامْتِنَاعِ ) نِكَاحِ ( الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ ) وَإِذَا بَطَلَ التَّوَقُّفُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُ مَحَلِّيَّتِهَا لَهُ لِتَعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لَا يَعُودُ بَعْدَ الْبُطْلَانِ فَالتَّرْتِيبُ جَاءَ فِي ثُبُوتِ الْعِتْقِ لِوُجُودِ اللَّفْظَيْنِ مُتَعَاقِبَيْنِ لَا لِكَوْنِهَا لِلتَّرْتِيبِ ( وَبِالْمَعِيَّةِ ) أَيْ وَالنَّقْضِ لِكَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ بِأَنَّهَا لِلْمُقَارَنَةِ ( لِبُطْلَانِ إنْكَاحِهِ ) أَيْ الْفُضُولِيِّ الْآخَرِ ( أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ مِنْ وَاحِدٍ فَقَالَ ) الزَّوْجُ ( أَجَزْت فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ ) أَيْ نِكَاحَ فُلَانَةَ وَنِكَاحَ فُلَانَةَ كَمَا لَوْ قَالَ : أَجَزْت نِكَاحَهُمَا وَإِلَّا لَبَطَلَ نِكَاحُ الْأَخِيرَةِ لَا غَيْرُ كَمَا لَوْ أَجَازَهُمَا مُتَفَرِّقًا بِأَنْ قَالَ : أَجَزْت نِكَاحَ فُلَانَةَ ثُمَّ أَجَازَ نِكَاحَ الْأُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْجَمْعُ بَيْنَ نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ وَقَيَّدَ بِفِي عَقْدَيْنِ لِأَنَّ
تَزْوِيجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَا يَنْفُذُ بِحَالٍ ( وَلِعِتْقِ ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ إذَا قَالَ : مَنْ مَاتَ أَبُوهُ عَنْهُمْ ) أَيْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ ( فَقَطْ ) وَهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي الْقِيمَةِ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَمَقُولُ قَوْلِهِ ( أَعْتَقَ ) أَبِي ( فِي مَرَضِهِ هَذَا وَهَذَا وَهَذَا مُتَّصِلًا ) بَعْضُهُ بِبَعْضٍ بِالْوَاوِ وَكَمَا لَوْ قَالَ : أَعْتَقَهُمْ كُلَّهُمْ أَيْ وَإِلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُقَارَنَةِ لَعَتَقَ كُلُّ الْأَوَّلِ وَثُلُثُ الثَّالِثِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ مُتَفَرِّقًا بِأَنْ قَالَ : أَعْتَقَ أَبِي هَذَا وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ : أَعْتَقَ أَبِي هَذَا وَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ : أَعْتَقَ أَبِي هَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ سِعَايَةٍ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ ثُمَّ لَمَّا أَقَرَّ بِإِعْتَاقِ الثَّانِي فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ فَيَصْدُقُ فِي حَقِّ الثَّانِي لَا فِي حَقِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُغَيَّرَ يُغَيَّرُ بِشَرْطِ الْوَصْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ثُمَّ لَمَّا أَقَرَّ لِلثَّالِثِ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا يَصْدُقُ فِي حَقِّ الثَّالِثِ لَا الْأَوَّلَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا مَدْفُوعٌ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ بُطْلَانِ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ وَعِتْقِ كُلٍّ مِنْ الْأَعْبُدِ الثَّلَاثَةِ ( لِلتَّوَقُّفِ ) لِصَدْرِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ ( لِمُغَيِّرِهِ مِنْ صِحَّةٍ إلَى فَسَادٍ بِالضَّمِّ فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي نِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ ( وَمِنْ كَمَالِ الْعِتْقِ إلَى تَجْزِئَتِهِ ) لِلْعِتْقِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( مِنْ بَرَاءَةٍ ) لِذِمَّتِهِ ( إلَى شَغْلٍ ) لَهَا ( عِنْدَ الْكُلِّ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ عِنْدَهُ رَقِيقٌ فِي الْأَحْكَامِ كَالْمُكَاتَبِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ بِالْعَجْزِ وَعِنْدَهُمَا كَالْحُرِّ الْمَدْيُونِ ( بِخِلَافِ النَّقْضَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ) أَيْ النَّقْضِ بِالْبَيْنُونَةِ بِوَاحِدَةٍ
فِي تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ بِطَالِقٍ وَطَالِقٍ وَطَالِقٍ وَالنَّقْضِ بِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْأَمَةِ الثَّانِيَةِ فِي هَذِهِ حُرَّةٌ وَهَذِهِ ( لِأَنَّ الضَّمَّ ) لِلطَّلَاقِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْأَوَّلِ إلَى مَا قَبْلَهُ ( لَا يُغَيِّرُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْوُقُوعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : الضَّمُّ الْمُفْسِدُ لَهُمَا ) أَيْ لِنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ هُوَ الضَّمُّ ( الدَّفْعِيُّ كَتَزَوَّجْتُهُمَا وَأَجَزْتُهُمَا ) أَيْ نِكَاحَ الْأُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ( لَا ) الضَّمُّ ( الْمُرَتَّبُ لَفْظًا لِأَنَّهُ ) أَيْ الْفَسَادَ لَهُمَا فِيهِ ( فَرْعُ التَّوَقُّفِ ) لِلْأَوَّلِ عَلَى الْآخَرِ ( وَلَا مُوجِبَ لَهُ ) أَيْ لِلتَّوَقُّفِ ( فَيَصِحُّ الْأُولَى ) أَيْ نِكَاحُهَا ( دُونَ الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ كَانَ ) الضَّمُّ ( بِمَفْصُولٍ ) أَيْ بِكَلَامٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْأَوَّلِ بِزَمَانٍ اسْتَدَلَّ ( الْمُرَتِّبُونَ ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } وَثُبُوتُ الْوَاوِ فِي ارْكَعُوا كَمَا فِي النُّسَخِ سَهْوٌ فَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ السُّجُودَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَلَوْلَا الْوَاوُ لِلتَّرْتِيبِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَكَانَتْ حَقِيقَةً فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَجَازِ ( وَسُؤَالُهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( لَمَّا نَزَلَ { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ } بِمَ نَبْدَأُ ) كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَإِنَّمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ { ثُمَّ خَرَجَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ { إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا } الْحَدِيثُ وَهُوَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ لِلْمُتَكَلِّمِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ نَبْدَأُ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ ابْدَءُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَلَوْلَا أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ لَمَا سَأَلُوهُ وَلَمَا قَالَ : أَبْدَأُ وَابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَلَمَا وَجَبَ الِابْتِدَاءُ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ غَيْرُهُ (
وَإِنْكَارُهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ ) عَلَى الْحَجِّ ( مَعَ { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } فَإِنَّ جَعْلَ هَذِهِ الْآيَةَ مُسْتَنِدَ إنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ دَلِيلُ فَهْمِهِمْ التَّرْتِيبَ مِنْهَا بِوَاسِطَةِ الْوَاوِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَهَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا أَيْضًا ( وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ لِقَائِلِ وَمَنْ يَعْصِهِمَا أَيْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى } كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ ( هَلَّا قُلْت وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) كَذَا فِي الْبَدِيعِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَلَّا مُخَرَّجًا وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { قُلْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } فَلَوْ لَمْ تَكُنْ لِلتَّرْتِيبِ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَا بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَلَا فَرْقَ ) بَيْنَهُمَا ( إلَّا بِالتَّرْتِيبِ وَبِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ لِلتَّرَتُّبِ الْوُجُودِيِّ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّرْتِيبَ بَيْنَهُمَا ( مِنْ ) قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إذَا نُقِلَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيغَةٍ لَا عُمُومَ لَهَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُوَافَقَةِ حُكْمٍ لِدَلِيلِ كَوْنِهِ مِنْهُ وَمِنْ عَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ مُطْلَقًا ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَيْ عَنْ سُؤَالِهِمْ عَمَّا يَبْدَءُونَ بِالطَّوَافِ مِنْهُ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ( بِالْقَلْبِ ) وَهُوَ ( لَوْ ) كَانَتْ الْوَاوُ ( لِلتَّرْتِيبِ لَمَا سَأَلُوا ) ذَلِكَ لِفَهْمِهِمْ إيَّاهُ مِنْهَا فَسُؤَالُهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوهُ مِنْهَا ( فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لِلْجَمْعِ وَالسُّؤَالُ لِتَجْوِيزِ إرَادَةِ الْبُدَاءَةِ بِمُعَيَّنٍ ) مِنْهُمَا ( وَالتَّحْقِيقُ سُقُوطُهُ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ ( لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهَا ) أَيْ فِي الْآيَةِ ( إنَّمَا يُضَمُّ ) الْمَعْطُوفُ
إلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ( فِي الشَّعَائِرِ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهَا ) أَيْ الشَّعَائِرِ ( فَسُؤَالُهُمْ ) إنَّمَا هُوَ ( عَمَّا لَمْ يُفِدْ بِلَفْظِهِ ) أَيْ الْوَاوِ ( بَلْ ) عَمَّا أُفِيدَ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ الْوَاوِ وَهُوَ التَّطَوُّفُ بَيْنَهُمَا ( وَأَجَابَ هُوَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَيْ إنْكَارُهُمْ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْكَلَامَ ( لِتَعْيِينِهِ ) تَقْدِيمَهَا عَلَيْهِ ( وَالْوَاوُ لِلْأَعَمِّ مِنْهُ ) أَيْ تَقْدِيمِهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْجَمْعِ الْمُفِيدِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْعُهْدَةِ بِكُلٍّ مِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَعَنْ الرَّابِعِ ) أَيْ إنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَائِلِ وَمِنْ يَعْصِهِمَا ( بِأَنَّهُ تَرَكَ الْأَدَبَ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ ) بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ فِي الْإِفْرَادِ بِالذَّكَرِ تَعْظِيمًا لَيْسَ فِي الْقِرَانِ مِثْلُهُ مِنْ مِثْلِ الْقَائِلِ ( بِخِلَافِ مِثْلِهِ ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُمَا بِضَمِيرِ الْمُثَنَّى ( مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَمَا فِي الصَّحِيحِ { لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا } فَإِنَّهُ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً فَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ مِنْهُ إخْلَالٌ بِالتَّعْظِيمِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَ الْمَعْصِيَتَيْنِ لِأَنَّ مَعْصِيَةَ اللَّهِ مَعْصِيَةٌ لِرَسُولِهِ وَبِالْعَكْسِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا ( وَعَنْ الْخَامِسِ ) أَيْ التَّرْتِيبِ اللَّفْظِيِّ لِلتَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ ( بِالْمَنْعِ وَالنَّقْضِ بِرَأَيْتُ زَيْدًا رَأَيْت عَمْرًا ) لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ مَعَ تَقَدُّمِ رُؤْيَةِ عَمْرٍو عَلَى رُؤْيَةِ زَيْدٍ فِي الْوَاقِعِ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { كَذَلِكَ يُوحِي إلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك } ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّ التَّرْتِيبَ اللَّفْظِيَّ لِلتَّرَتُّبِ الْوُجُودِيِّ ( فَغَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) لِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ
الْمَذْكُورَ بَعْدَ الْوَاوِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا قَبْلَهَا لَا فِي مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ اللَّفْظِيِّ .
( مَسْأَلَةٌ ) الْوَاوُ ( إذَا عَطَفْتَ جُمْلَةً تَامَّةً ) أَيْ غَيْرَ مُفْتَقِرَةٍ إلَى مَا تَتِمُّ بِهِ ( عَلَى أُخْرَى لَا مَحَلَّ لَهَا شَرَّكْت ) بَيْنَهُمَا ( فِي مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ ) لِاسْتِقْلَالِهَا بِالْحُكْمِ وَمِنْ ثَمَّةَ سَمَّاهَا بَعْضُهُمْ وَاوَ الِاسْتِئْنَافِ وَالِابْتِدَاءِ نَحْوَ { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ } ( وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ ) أَيْ الثُّبُوتِ ( مِنْ جَوْهَرِهِمَا يُبْطِلُهُ ظُهُورُ احْتِمَالِ الْإِضْرَابِ مَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ الْوَاوِ ( وَانْتِفَاؤُهُ ) أَيْ احْتِمَالِ الْإِضْرَابِ ( مَعَهَا ) أَيْ الْوَاوِ فَإِنْ قَامَ زَيْدٌ قَامَ عَمْرٌو يَحْتَمِلُ قَصْدَ الْإِضْرَابِ عَنْ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ إلَى الْإِخْبَارِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَسَّطَتْ الْوَاوُ ( فَلِذَا ) أَيْ فَلِكَوْنِ عَطْفِ التَّامَّةِ عَلَى أُخْرَى لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ تُشَرَّكُ فِي مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ ( وَقَعَتْ وَاحِدَةً فِي هَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ طَالِقٌ ) عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهَا ثَانِيًا لِأَنَّ الثَّانِيَةَ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ ( وَمَا لَهَا ) أَيْ وَإِذَا عُطِفَتْ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ عَلَى جُمْلَةٍ لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَابِ ( شُرِّكَتْ الْمَعْطُوفَةُ فِي مَوْقِعِهَا إنْ خَبَرًا ) عَنْ الْمُبْتَدَأِ ( أَوْ جَزَاءً ) لِلشَّرْطِ ( فَخَبَرٌ وَجَزَاءٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ جُمْلَةَ الْجَزَاءِ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَحَلٌّ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ بَعْدَ الْفَاءِ وَإِذَا جَوَابًا لِشَرْطٍ جَازِمٍ ( وَكَذَا مَا ) أَيْ الْجُمْلَةُ الَّتِي ( لَهَا مَوْقِعٌ ) مِنْ الْإِعْرَابِ ( مِنْ غَيْرِ ) الْجُمْلَةِ ( الِابْتِدَائِيَّةِ مِمَّا ) أَيْ مِنْ الْجُمَلِ الَّتِي ( لَيْسَ لَهَا مَحَلٌّ ) مِنْ الْإِعْرَابِ إذَا عُطِفَتْ عَلَيْهَا أُخْرَى شُرِّكَتْ الْمَعْطُوفَةُ فِي مَوْقِعِهَا إنْ خَبَرًا فَخَبَرٌ وَإِنْ جَزَاءً فَجَزَاءٌ هَذَا مَا يُعْطِيهِ السِّيَاقُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الِاحْتِيَاجُ إلَى هَذَا لِانْدِرَاجِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مِنْ الْمُلْحَقَاتِ ( كَإِنْ
دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَعَبْدِي حُرٌّ فَيَتَعَلَّقُ ) عَبْدِي حُرٌّ بِدُخُولِ الدَّارِ لِكَوْنِهِ مَعْطُوفًا عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءً لِإِنْ دَخَلْت ( إلَّا بِصَارِفِ ) عَنْ تَعَلُّقِهِ بِهِ نَحْوُ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ( وَضَرَّتُك طَالِقٌ ) فَإِنَّ إظْهَارَ خَبَرِهَا صَارِفٌ عَنْ تَعَلُّقِهَا بِهِ إذْ لَوْ أُرِيدَ عَطْفُهَا عَلَى الْجَزَاءِ اقْتَصَرَ عَلَى مُبْتَدَئِهَا وَإِذْ صُرِفَتْ عَنْ عَطْفِهَا عَلَى الْجَزَاءِ ( فَعَلَى الشَّرْطِيَّةِ ) أَيْ فَهِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ بِرُمَّتِهَا ( فَيَتَنَجَّزُ ) طَلَاقُهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ ( وَمِنْهُ ) أَيْ وَمِمَّا اشْتَمَلَ عَلَى الصَّارِفِ عَنْ تَعَلُّقِهَا بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى ( { وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } بَعْدَ وَلَا تَقْبَلُوا بِنَاءً عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ عَدَمِ عَطْفِ الْإِخْبَارِ عَلَى الْإِنْشَاءِ ) فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْعَطْفِ عَلَى وَلَا تَقْبَلُوا أَوْ فَاجْلِدُوا ( وَمُفَارِقَةُ الْأُولَيَيْنِ ) أَيْ جُمْلَةِ فَاجْلِدُوا وَجُمْلَةِ لَا تَقْبَلُوا لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ ( بِعَدَمِ مُخَاطَبَةِ الْأَئِمَّةِ ) بِمَضْمُونِهَا بِخِلَافِهِمَا ( مَعَ الْأَنْسَبِيَّةِ مِنْ إيقَاعِ الْجَزَاءِ عَلَى الْفَاعِلِ أَعْنِي اللِّسَانَ كَالْيَدِ فِي الْقَطْعِ ) فَإِنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ حَدٌّ فِي اللِّسَانِ الصَّادِرِ مِنْهُ جَرِيمَةُ الْقَذْفِ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا أَنَّهُ ضُمَّ إلَيْهِ الْإِيلَامُ الْحِسِّيُّ لِكَمَالِ الزَّجْرِ وَعُمُومِهِ جَمِيعَ النَّاسِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مِنْ لَا يَنْزَجِرُ بِالْإِيلَامِ بَاطِنًا ( وَأَمَّا اعْتِبَارُ قُيُودِ ) الْجُمْلَةِ ( الْأُولَى فِيهَا ) أَيْ فِي الثَّانِيَةِ وَبِالْعَكْسِ ( فَإِلَى الْقَرَائِنِ لَا الْوَاوِ وَإِنْ ) عُطِفَتْ جُمْلَةٌ ( نَاقِصَةٌ وَهِيَ الْمُفْتَقِرَةُ فِي تَمَامِهَا إلَى مَا تَمَّتْ بِهِ الْأُولَى ) بِعَيْنِهِ ( وَهُوَ عَطْفُ الْمُفْرَدِ انْتَسَبَ ) الْمُفْرَدُ الْمَعْطُوفُ ( إلَى عَيْنِ مَا انْتَسَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُ بِجِهَتِهِ مَا أَمْكَنَ فَإِنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ تَعَلَّقَ ) فِيهِ طَالِقٌ الثَّانِي وَطَالِقٌ
الثَّالِثُ ( بِهِ ) أَيْ بِدَخَلْتِ بِعَيْنِهِ ( لَا بِمِثْلِهِ كَقَوْلِهِمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( فَبِتَعَدُّدِ الشُّرُوطِ وَعَلِمْت أَنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِي الِاتِّحَادِ وَمَا تَقَدَّمَ لَهُمَا ) فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْوَاوِ مِنْ إلْحَاقِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ بِتَعَدُّدِ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ( تَنْظِيرٌ لَا اسْتِدْلَالٌ لِاسْتِقْلَالِ مَا سِوَاهُ ) وَأَنَّهُمَا لَوْ اعْتَبِرَاهُ دَلِيلًا لَمْ يَضُرَّهُمَا بُطْلَانُهُ إذْ يَكْفِيهِمَا مَا ذُكِرَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ ( فَتَفْرِيعُ كُلَّمَا حَلَفْت ) بِطَلَاقِك ( فَطَالِقٌ ثُمَّ ) قَالَ لَهَا ( إنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَطَالِقٌ ) أَنَّهُ ( عَلَى الِاتِّحَادِ يَمِينٌ وَالتَّعَدُّدُ يَمِينَانِ ) لِتَكَرُّرِهَا بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ ( فَتَطْلَقُ ثِنْتَيْنِ ) كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ تَفْرِيعٌ ( عَلَى غَيْرِ خِلَافِيَّةٍ ) فَإِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ أَنْ يَكُونَا قَائِلَيْنِ بِالتَّعَدُّدِ كَمَا تَقَدَّمَ ( بَلْ ) الْمُرَادُ ( لَوْ فُرِضَ ) خِلَافٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ( كَانَ ) التَّعَدُّدُ ( كَذَا ) أَيْ يَمِينَيْنِ ( وَالنَّقْضُ ) لِهَذَا ( بِهَذِهِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَهَذِهِ إذْ طَلُقَتَا ثَلَاثًا لِاثْنَتَيْنِ بِانْقِسَامِ الثَّلَاثِ عَلَيْهِمَا ) بِأَنْ تُجْعَلَ مُشَارِكَةً لِلْأُولَى فِيهَا ( دُفِعَ بِظُهُورِ الْقَصْدِ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ ) بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا لِيَسُدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ التَّدَارُكِ وَبِالِانْقِسَامِ بِفَوْتِ هَذَا الْغَرَضِ ( وَالْمُنَاقَشَةِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَعْطِفْ الثَّانِيَةَ عَلَيْهَا ( احْتِمَالٌ لَا يَدْفَعُ الظُّهُورَ ) أَيْ ظُهُورَ الْقَصْدِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ قَسِيمِ قَوْلِهِ إنْ انْتَسَبَ إلَى آخِرِهِ بِقَوْلِهِ ( وَفِيمَا لَا يُمْكِنُ ) انْتِسَابُ الْعَيْنِ ( يُقَدَّرُ الْمِثْلُ ) كَيْ لَا يَلْغُوَ وَإِنْ كَانَ الْإِضْمَارُ خِلَافَ الْأَصْلِ فَإِنَّ ارْتِكَابَهُ بِالْقَرِينَةِ
وَهِيَ دَلَالَةُ الْعَطْفِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ ( كَجَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ شَخْصِ الْمَجِيءِ ) لِاسْتِحَالَةِ تَصَوُّرِ الِاشْتِرَاكِ فِي مَجِيءِ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْعَرْضَ الْوَاحِدَ لَا يَقُومُ بِمَحِلَّيْنِ ( وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ يَنْصِبُ عَلَيْهِمَا مَعًا لِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرُ حَقِيقَةِ الْمَعْنَى وَعَنْهُ ) أَيْ عَنْ اعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْمَعْطُوفِ بِعَيْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْمُفْرَدِ أَنَّ ( فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلِفُلَانِ انْقَسَمَتْ عَلَيْهِمَا ) فَيَكُونُ لِكُلٍّ خَمْسُمِائَةٍ تَحْقِيقًا لِلشَّرِكَةِ ( وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ عَطْفَهَا ) أَيْ الْوَاوِ الْجُمْلَةَ ( الْمُسْتَقِلَّةِ ) عَلَى غَيْرِهَا ( تُشَرِّكُ فِي الْحُكْمِ وَبِهِ انْتَفَتْ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَالصَّلَاةِ مِنْ { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخَاطَبُ بِأَحَدِهِمَا غَيْرَ الْمُخَاطَبِ بِالْآخِرِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مُخَاطَبًا بِأَقِيمُوا الصَّلَاةَ لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِآتُوا الزَّكَاةَ ( وَدُفِعَ ) بِأَنَّ الصَّبِيَّ ( خُصَّ مِنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ أُقِيمُوا الصَّلَاةَ ( بِالْعَقْلِ لِأَنَّهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ عِبَادَةٌ ( بَدَنِيَّةٌ ) وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَنْ الصَّبِيِّ ( بِخِلَافِ الزَّكَاةِ ) فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ ( تَتَأَدَّى بِالنَّائِبِ فَلَا مُوجِبَ لِتَخْصِيصِهِ ) أَيْ الصَّبِيِّ مِنْهَا .
( تَتِمَّةٌ تُسْتَعَارُ ) الْوَاوُ ( لِلْحَالِ ) أَيْ لِرَبْطِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ بذيها لِأَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَهَا مُطْلَقُ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بَيْنَ الْحَالِ وذيها مِنْ مُحْتَمَلَاتِهِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ بِعَيْنِهِ كَانَتْ مَجَازًا فِيهِ ( بِمُصَحِّحِ الْجَمْعِ ) بَيْنَهُمَا ( عَلَى مَا فِيهِ ) لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ أَنَّ الِاسْمَ الْأَعَمَّ فِي الْأَخَصِّ حَقِيقَةً يَنْفِيهِ ( بَلْ هُوَ مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ وَالْعَطْفُ أَكْثَرُ فَيَلْزَمُ إلَّا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ ) فَلَا يَلْزَمُ حِينَئِذٍ ( فَإِنْ أَمْكَنَا ) أَيْ الْعَطْفُ وَالْحَالُ ( رَدَّهُ ) أَيْ الْحَالَ ( الْقَاضِي ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ وَحَكَمَ بِالْعَطْفِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ ( وَصَحَّ نِيَّتُهُ ) أَيْ الْحَالُ ( دِيَانَةً ) لِلِاحْتِمَالِ فَقَوْلُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ ( فَأَدِّ ) إلَيَّ أَلْفًا ( وَأَنْتَ حُرٌّ ) وَالْإِمَامِ لِلْحَرْبِيِّ ( وَانْزِلْ وَأَنْتَ آمِنٌ تَعَذَّرَ ) الْعَطْفُ ( لِكَمَالِ الِانْقِطَاعِ ) لِأَنَّ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةَ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ فَانْتَفَى الِاتِّصَالُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَطْفِ ( وَلِلْفَهْمِ ) أَيْ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فَإِنَّ الْمَفْهُومَ تَعَلُّقُ الْحُرِّيَّةِ وَالْأَمَانِ بِالْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ لَا مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ بِهِمَا ( فَلِلْحَالِ عَلَى الْقَلْبِ أَيْ كُنْ حُرًّا وَأَنْتَ مُؤَدٍّ ) وَكُنْ آمِنًا وَأَنْتَ نَازِلٌ أَيْ أَنْتَ حُرٌّ فِي حَالَةِ الْأَدَاءِ وَآمِنٌ فِي حَالَةِ النُّزُولِ وَالْقَلْبُ سَائِغٌ فِي الْكَلَامِ وَإِنَّمَا قُلْنَا يُحْمَلُ عَلَى هَذَا ( لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَدَاءُ وَالنُّزُولُ ) لَا الْحُرِّيَّةُ وَالْأَمَانُ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَعْلِيقِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْجِيزِهِ وَهُوَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْجِيزِ الْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَعْلِيقِهِمَا وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالْأَمَانِ تَنْجِيزًا فَكَذَا تَعْلِيقًا فَكَانَا مَشْرُوطَيْنِ خُصْيَتَيْهِ شَرْطَيْنِ ( وَقِيلَ عَلَى الْأَصْلِ ) فِي الْحَالِ مِنْ وُجُوبِ
مُقَارَنَةِ حُصُولِ مَضْمُونِهَا لِحُصُولِ مَضْمُونِ الْعَامِلِ ( فَيُفِيدُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ مُقَارَنًا لِمَضْمُونِ الْعَامِلِ وَهُوَ ) أَيْ مَضْمُونُهُ ( التَّأْدِيَةُ وَبِهِ ) أَيْ بِهَذَا الْقَدْرِ ( يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ ) مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَانْتَفَى مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحُرِّيَّةُ وَالْأَمَانُ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَالنُّزُولِ لِوُجُوبِ تَقَدُّمِ مَضْمُونِ الْحَالِ عَلَى الْعَامِلِ لِكَوْنِهَا قَيْدًا لَهُ وَشَرْطًا لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِائْتِنِي وَأَنْتَ رَاكِبٌ إلَّا عَلَى كَوْنِهِ رَاكِبًا حَالَةَ الْإِتْيَانِ لَا غَيْرُ ( وَمُقَابِلُهُ ) أَيْ تَعَذُّرِ الْعَطْفِ وَهُوَ عَدَمُ تَعَذُّرِهِ مَعَ تَعَذُّرِ الْحَالِ وَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ لِلْمُضَارِبِ : ( خُذْهُ ) أَيْ هَذَا النَّقْدَ ( وَاعْمَلْ فِي الْبَزِّ ) وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنْ الثِّيَابِ خَاصَّةً وَقَالَ مُحَمَّدٌ : هُوَ فِي عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةَ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ دُونَ الصُّوفِ وَالْخَزِّ ( تَعَيَّنَ الْعَطْفُ لِلْإِنْشَائِيَّةِ ) فِيهِمَا ( وَلِأَنَّ الْأَخْذَ لَيْسَ حَالَ الْعَمَلِ ) أَيْ لَا يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ بَلْ الْعَمَلُ بَعْدَ الْأَخْذِ فَلَا تَكُونُ لِلْحَالِ وَإِنْ نَوَى ( فَلَا تَتَقَيَّدُ الْمُضَارَبَةُ بِهِ ) أَيْ بِالْعَمَلِ فِي الْبَزِّ بَلْ تَكُونُ مَشُورَةً ( وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ أَوْ مُصَلِّيَةٌ يَحْتَمِلُهُمَا ) أَيْ الْعَطْفُ وَالْحَالُ ( إذْ لَا مَانِعَ ) مِنْ كُلٍّ ( وَلَا مُعَيَّنٍ ) لَهُ لِوُجُودِ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ الْمُصَحِّحِ لِلْعَطْفِ وَلِقَبُولِ الطَّلَاقِ التَّعْلِيقَ بِهِمَا ( فَتَنَجَّزَ ) الطَّلَاقُ ( قَضَاءً ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ وَخُصُوصًا وَحَالَةُ الْمَرَضِ وَالصَّلَاةِ مَظِنَّةُ الشَّفَقَةِ وَالْإِكْرَامِ وَالْأَصْلُ فِي التَّصَرُّفَاتِ التَّنْجِيزُ وَالتَّعَلُّقُ بِعَارِضِ الشَّرْطِ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ ( وَتَعَلَّقَ ) بِالْمَرَضِ وَالصَّلَاةِ ( دِيَانَةً إنْ أَرَادَهُ ) أَيْ التَّعْلِيقَ بِهِمَا لِإِمْكَانِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ ( وَاخْتُلِفَ فِيهَا ) أَيْ الْوَاوِ (
مِنْ طَلِّقْنِي وَلَكَ أَلْفٌ فَعِنْدَهُمَا لِلْحَالِ ) فَيَجِبُ لَهُ عَلَيْهَا الْأَلْفُ إذَا طَلَّقَهَا ( لِلتَّعَذُّرِ ) أَيْ تَعَذُّرِ الْعَطْفِ ( بِالِانْقِطَاعِ ) لِأَنَّ الْأُولَى فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَالثَّانِيَةُ اسْمِيَّةٌ خَبَرِيَّةٌ ( وَفَهْمِ الْمُعَاوَضَةِ ) فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذَا قَصْدُ الْخُلْعِ بِهِ وَهُوَ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا وَلِذَا صَحَّ رُجُوعُهَا قَبْلَ إيقَاعِهِ فَكَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلِّقْنِي فِي حَالٍ يَكُونُ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ عِوَضًا عَنْ الطَّلَاقِ الْمُوجِبِ لِسَلَامَةِ نَفْسِي لِي فَإِذَا قَالَ الزَّوْجُ : طَلَّقْت فَكَأَنَّهُ قَالَ : طَلَّقْت بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْ إنْ قَبِلْتِ الْأَلْفَ وَقَدْ ثَبَتَ قَبُولُهَا بِدَلَالَةِ قَوْلِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا ( أَوْ ) لِأَنَّ الْوَاوَ هُنَا ( مُسْتَعَارَةٌ لِلْإِلْصَاقِ ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْبَاءِ بِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمُنَاسِبُ لِلْمُعَاوَضَةِ الْبَاءُ لَا الْوَاوُ لِأَنَّهُ لَا يُعْطَفُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَصَارَ كَأَنَّهَا قَالَتْ : طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ وَإِنَّمَا اُسْتُعِيرَتْ لِلْإِلْصَاقِ ( لِلْجَمْعِ ) أَيْ لِلتَّنَاسُبِ بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ ( وَعِنْدَهُ ) الْوَاوُ ( لِلْعَطْفِ تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ فَلَا شَيْءَ لَهَا ) إذَا طَلَّقَهَا ( وَصَارِفُ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ لَازِمٍ فِيهِ ) أَيْ فِي الطَّلَاقِ ( بَلْ عَارِضٌ ) لِنُدْرَةِ عُرُوضِ الْتِزَامِ الْمَالِ فِي الطَّلَاقِ وَغَلَبَةِ وُجُودِ الطَّلَاقِ بِدُونِهِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْبِضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ وَالْعَارِضُ لَا يُعَارِضُ الْأَصْلِيَّ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِعُرُوضِهِ ( لَزِمَ فِي جَانِبِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ فَصَارَ يَمِينًا ( فَلَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ قَبْلَ قَبُولِهَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ احْمِلْهُ وَلَك دِرْهَمٌ ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ قَصْدُ الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّهَا فِيهَا أَصْلِيَّةٌ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بَيْعُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ فَتُحْمَلُ الْوَاوُ بِدَلَالَةِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْبَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : احْمِلْهُ بِدِرْهَمٍ ( وَالْأَوْجَهُ ) فِي طَلِّقْنِي
وَلَك أَلْفٌ ( الِاسْتِئْنَافُ ) لِقَوْلِهَا وَلَك أَلْفٌ ( عِدَةً ) مِنْهَا لَهُ وَالْمَوَاعِيدُ لَا تَلْزَمُ ( أَوْ غَيْرُهُ ) أَيْ أَوْ غَيْرُ وَعْدٍ بِأَنْ تُرِيدَ وَلَك أَلْفٌ فِي بَيْتِك وَنَحْوِهِ ( لِلِانْقِطَاعِ ) بِهِمَا مَا ذُكِرَا ( فَلَمْ يَلْزَمْ الْحَالُ لِجَوَازِ مَجَازِيٍّ آخَرَ تَرَجَّحَ بِالْأَصْلِ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَعَدَمُ إلْزَامِ الْمَالِ بِلَا مُعَيَّنٍ ) لِإِلْزَامِهِ وَفِي بَعْضِ هَذَا مَا فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ الْفَاءُ لِلتَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ فَدَخَلَتْ فِي الْأَجْزِيَةِ ) لِتَعَقُّبِهَا الشُّرُوطَ بِلَا مُهْلَةٍ ( فَبَانَتْ غَيْرُ الْمَلْمُوسَةِ ) أَيْ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا ( بِوَا حِدَةٍ فِي طَالِقٌ فَطَالِقٌ ) لِانْتِفَاءِ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلثَّانِيَةِ ( وَ ) دَخَلَتْ فِي ( الْمَعْلُولَاتِ ) لِأَنَّ الْمَعْلُولَ يَتَعَقَّبُ عِلَّتَهُ بِلَا تَرَاخٍ ( كَجَاءَ الشِّتَاءُ فَتَأَهَّبَ عَلَى التَّجَوُّزِ بِجَاءٍ عَنْ قُرْبٍ فَإِنَّ قُرْبَهُ عِلَّةُ التَّأَهُّبِ لَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) { لَنْ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( لِأَنَّ الْعِتْقَ مَعْلُولُ مَعْلُولِهِ ) أَيْ الشِّرَاءِ وَهُوَ الْمِلْكُ فَإِنَّ الْمِلْكَ مَعْلُولُ الشِّرَاءِ وَالْعِتْقَ مَعْلُولُ مِلْكِ الْوَلَدِ فَصَحَّتْ إضَافَةُ الْعِتْقِ إلَى الشِّرَاءِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ( فَيَعْتِقُ بِسَبَبِ شِرَائِهِ فَلَيْسَ ) هَذَا الْحَدِيثُ ( مِنْ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ فِي الْوُجُودِ وَلَا نَحْوُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ ) مِنْهُ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ الْإِرْوَاءَ غَرَضُهُ لَا فِعْلُهُ ( فَلِذَلِكَ ) أَيْ لِكَوْنِهَا لِلتَّرْتِيبِ عَلَى سَبِيلِ التَّعَقُّبِ ( تَضْمَنُ الْقَبُولَ ) لِلْبَيْعِ ( قَوْلُهُ فَهُوَ حُرٌّ جَوَابُ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ ) حَتَّى صَحَّ عِتْقُهُ لِأَنَّ تَرَتُّبَ الْعِتْقِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ بِالْقَبُولِ فَيَثْبُتُ اقْتِضَاءً وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ قَبِلْت فَهُوَ حُرٌّ ( لَا هُوَ حُرٌّ بَلْ هُوَ رَدٌّ لِلْإِيجَابِ ) وَإِنْكَارٌ عَلَى الْمُوجِبِ بِالْإِخْبَارِ عَنْ حُرِّيَّتِهِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْإِيجَابِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ : أَتَبِيعُهُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ هُوَ حُرٌّ فَكَيْفَ تَبِيعُهُ ( وَضَمِنَ الْخَيَّاطُ ) ثَوْبًا ( قَالَ لَهُ ) مَالِكُهُ ( أَيَكْفِينِي ) قَمِيصًا ( قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ) لِأَنَّهُ كَانَ كَفَانِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ وَلَوْ قَالَهُ فَقَطَعَ فَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَ فَكَذَا هَذَا ( لَا فِي اقْطَعْهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ) إذَا
قَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ لِوُجُودِ الْإِذْنِ مُطْلَقًا ( وَتَدْخُلُ ) الْفَاءُ ( الْعِلَلَ ) وَإِنْ كَانَ ( خِلَافَ الْأَصْلِ ) لِأَنَّ تَعَقُّبَ الْعِلَّةِ حُكْمُهَا مُسْتَحِيلٌ دُخُولًا ( كَثِيرًا لِدَوَامِهَا ) أَيْ لِكَوْنِ تِلْكَ الْعِلَّةِ مَوْجُودَةً بَعْدَ وُجُودِ الْمَعْلُولِ ( فَتَتَأَخَّرُ ) الْعِلَّةُ عَنْ الْمَعْلُولِ ( فِي الْبَقَاءِ ) فَتَدْخُلُ الْفَاءُ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى ( أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ عِلَّةٌ فِي الذِّهْنِ لِلْمَعْلُولِ ( مَعْلُولَةٌ فِي الْخَارِجِ لِلْمَعْلُولِ وَمِنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي الْبَقَاءِ ( لَا الثَّانِي ) أَيْ لَا مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَعْلُولَةِ فِي الْخَارِجِ مَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي شِدَّةٍ ( أَبْشِرْ ) أَيْ صِرْ ذَا فَرَحٍ وَسُرُورٍ فَهُوَ هُنَا لَازِمٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا ( فَقَدْ أَتَاك الْغَوْثُ ) أَيْ الْمُغِيثُ فَإِنَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الْإِبْشَارِ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ( وَمِنْهُ ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي الْبَقَاءِ أَيْضًا ( أَدِّ ) إلَيَّ أَلْفًا ( فَأَنْتَ حُرٌّ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَاخِيَ عَنْ الْحُكْمِ وَهُوَ الْأَدَاءُ ( وَانْزِلْ فَأَنْتَ آمِنٌ ) لِأَنَّ الْأَمَانَ يَمْتَدُّ فَأَشْبَهَ الْمُتَرَاخِيَ عَنْ الْحُكْمِ وَهُوَ النُّزُولُ ( وَتَعَذَّرَ الْقَلْبُ ) وَهُوَ كَوْنُهُ دَاخِلًا عَلَى الْمَعْلُولِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالنُّزُولُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقَلْبَ ( بِكَوْنِهِ جَوَابَ الْأَمْرِ وَجَوَابَهُ ) أَيْ الْأَمْرِ ( يَخُصُّ الْمُضَارِعَ ) لِأَنَّ الْأَمْرَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ بِتَقْدِيرِ أَنْ وَهِيَ إنْ كَانَتْ تَجْعَلُ كُلًّا مِنْ الْمَاضِي وَالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّمَا ذَاكَ إذَا كَانَتْ مَلْفُوظَةً كَمَا فِي إنْ تَأْتِنِي أَكْرَمْتُك أَوْ فَأَنْتَ مُكْرَمٌ لَا إذَا كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَلَا يَجُوزُ ائْتِنِي أَكْرَمْتُك أَوْ فَأَنْتَ مُكْرَمٌ ( فَيَعْتِقُ ) فِي الْحَالِ أَدَّى أَوْ لَمْ يُؤَدِّ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِأَنَّك حُرٌّ ( وَيَثْبُتُ الْأَمَانُ فِي الْحَالِ ) نَزَلَ أَوْ
لَمْ يَنْزِلْ لِأَنَّ الْمَعْنَى لِأَنَّك آمِنٌ ( وَمِنْ الثَّانِي ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى الْعِلَّةِ الْمَعْلُولُ فِي الْخَارِجِ مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { زَمِّلُوهُمْ الْحَدِيثَ أَيْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ } فَإِنَّ الْإِتْيَانَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِلَّةُ تَزْمِيلِهِمْ أَيْ تَكْسِيَتِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَهُوَ مَعْلُولُ التَّزْمِيلِ فِي الْخَارِجِ ( وَاخْتَلَفُوا فِي عَطْفِهَا ) أَيْ الْفَاءِ ( لِطَلْقَاتٍ مُعَلَّقَةٍ ) فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ فَطَالِقٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ ( قِيلَ كَالْوَاوِ ) أَيْ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ فَعِنْدَهُ تَبِينُ بِوَاحِدَةٍ وَيَسْقُطُ مَا بَعْدَهَا وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ الثَّلَاثُ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ ( وَالْأَصَحُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِلتَّعْقِيبِ ) فَصَارَتْ كَثُمَّ وَبَعْدَ وَمِمَّنْ اخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ( وَتُسْتَعَارُ ) الْفَاءُ ( لِمَعْنَى الْوَاوِ فِي لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَدِرْهَمٌ ) إذْ التَّرْتِيبُ فِي الْأَعْيَانِ لَا يُتَصَوَّرُ فَلَا يُقَالُ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَعَمْرٌو فَبَكْرٌ لِأَنَّ الْمُجْتَمَعِينَ فِي الدَّارِ لَا تَرْتِيبَ فِيهِمْ حَالَ الِاجْتِمَاعِ قِيلَ وَيَكُونُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْوَاوِ جُزْءُ مَفْهُومِ الْفَاءِ ثُمَّ قَدْ سَمِعْت هَذِهِ الِاسْتِعَارَةَ قَالَ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ لِأَنَّ الْبَيْنِيَّةِ مِنْ الْأَعْرَاضِ الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِشَيْئَيْنِ كَالشَّرِكَةِ وَالْخُصُومَةِ وَقِيلَ : بَلْ هِيَ عَلَى حَقِيقَتِهَا مِنْ التَّرْتِيبِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ إلَى الْوُجُوبِ بِأَنْ يُرَادَ وُجُوبُ هَذَا أَسْبَقُ مِنْ وُجُوبِ ذَاكَ لَا إلَى الْوَاجِبِ وَأَيًّا مَا كَانَ ( يَلْزَمُهُ اثْنَانِ ) وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا عَنْ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ لِأَنَّ مَعْنَى
التَّرْتِيبِ لَغْوٌ فَيُحْمَلُ عَلَى جُمْلَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِتَحْقِيقِ الدِّرْهَمِ الْأَوَّلِ وَتَأْكِيدِهِ وَيُضْمَرُ الْمُبْتَدَأُ أَيْ فَهُوَ دِرْهَمٌ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ لِتَصْحِيحِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ لَا لِإِلْغَائِهِ .
( مَسْأَلَةٌ ثُمَّ لِتَرَاخِي مَدْخُولِهَا عَمَّا قَبْلَهُ ) حَالَ كَوْنِ مَدْخُولِهَا ( مُفْرَدًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْمَدْخُولَةِ فِي طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ فِي الْحَالِ بِلَا زَمَانٍ ) مُتَرَاخٍ بَيْنَهُمَا ( لِاسْتِعَارَتِهَا لِمَعْنَى الْفَاءِ وَتَنْجِيزِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فِي غَيْرِهَا ) أَيْ الْمَدْخُولَةِ ( وَاحِدَةً وَإِلْغَاءُ مَا بَعْدَهَا فِي طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ ثُمَّ طَالِقٍ إنْ دَخَلْت وَفِي الْمَدْخُولَةِ تَنَجُّزًا ) أَيْ الْأَوَّلَانِ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ وَفِي الْمَدْخُولَةِ إلَّا الْأُولَيَيْنِ بَدَلَ تَنَجُّزًا ( وَتَعَلَّقَ الثَّالِثُ ) هَذَا إنْ كَانَ آخِرَ الشَّرْطِ ( وَإِنْ قُدِّمَ الشَّرْطُ تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَوَقَعَ مَا بَعْدَهُ فِي الْمَدْخُولَةِ وَفِي غَيْرِهَا ) أَيْ الْمَدْخُولَةِ ( تَعَلَّقَ الْأَوَّلُ وَتَنَجَّزَ الثَّانِي فَيَقَعُ الْأَوَّلُ عِنْدَ الشَّرْطِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ الثَّانِي ) لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُ الْيَمِينَ ( وَلَغَا الثَّالِثُ ) لِعَدَمِ الْمَحَلِّ ثُمَّ تَنْجِيزُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( لِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّرَاخِيَ ( فِي التَّكَلُّمِ فَكَأَنَّهُ سَكَتَ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَمَا يَلِيهِ وَحَقِيقَتُهُ ) أَيْ السُّكُوتِ ( قَاطِعَةٌ لِلتَّعَلُّقِ ) بِالشَّرْطِ فَكَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ ( كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا ) أَيْ غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ ( بِلَا أَدَاةٍ : إنْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ ) وَهَذَا تَشْبِيهٌ فِي الْحُكْمِ لَا فِي الْوَجْهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ طَالِقَ الْأُولَى تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْطِ وَطَالِقَ الثَّانِيَةِ وَقَعَتْ مُنَجَّزَةً بِتَقْدِيرِ أَنْتِ وَلَغَتْ الثَّالِثَةُ لِإِبَانَتِهَا لَا إلَى عِدَّةٍ ( وَعَلَّقَاهَا ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ بِالشَّرْطِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي تَقَدُّمِ الشَّرْطِ وَتَأَخُّرِهِ ( فَيَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ فِي غَيْرِهَا ) أَيْ الْمَدْخُولَةِ ( وَاحِدَةً ) وَهِيَ الْأُولَى ( لِلتَّرْتِيبِ ) وَيَلْغُو الْبَاقِي لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ بِالْبَيْنُونَةِ لَا إلَى عِدَّةٍ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْمَدْخُولَةِ يَقَعُ ( الْكُلُّ مُرَتَّبًا
لِأَنَّ التَّرَاخِيَ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا لَا فِي التَّكَلُّمِ وَاعْتِبَارِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ التَّرَاخِيَ فِي التَّكَلُّمِ حَتَّى كَأَنَّهُ ( سَكَتَ ) اعْتِبَارٌ لِخِلَافِ الظَّاهِرِ ( بِلَا مُوجِبٍ وَمَا خُيِّلَ دَلِيلًا ) عَلَى ذَلِكَ ( مِنْ ثُبُوتِ تَرَاخِي حُكْمِ الْإِنْشَاءَاتِ عَنْهَا ) أَيْ الْإِنْشَاءَاتِ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرَاخِي فِي الْحُكْمِ لَا فِي التَّكَلُّمِ بِهَا ( وَهِيَ ) أَيْ الْأَحْكَامُ ( لَا تَتَأَخَّرُ ) عَنْ الْإِنْشَاءَاتِ ( فَلَزِمَ الْحُكْمُ عَلَى اللُّغَةِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ) وَهُوَ التَّرَاخِي فِي التَّكَلُّمِ كَمَا ذَكَرَ هَذَا التَّوْجِيهَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ شَرْعًا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ لُغَةً ( وَلَوْ اكْتَفَى بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ التَّرَاخِي بِمَعْنَى السُّكُوتِ ( شَرْعًا ) فِي الْإِنْشَاءِ ( فَفِي مَحَلِّ تَرَاخِي حُكْمِهِ ) أَيْ الْإِنْشَاءِ لَا غَيْرُ ( وَهُوَ ) أَيْ مَحَلُّ تَرَاخِيهِ ( فِي الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ دُونَ عَطْفِهِ بِثُمَّ ) فَلَا يَتِمُّ الْمَرَامُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَطْفَ ( النِّزَاعُ ) أَيْ مَحَلُّهُ ( عَلَى أَنَّا نَمْنَعُهُ ) أَيْ تَرَاخِي الْحُكْمِ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْإِضَافَةِ وَالتَّعْلِيقِ ( أَيْضًا بِمَعْنَى اعْتِبَارِ السُّكُوتِ وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ أَيْضًا ( هِيَ ) أَيْ ثُمَّ ( لِلتَّرَاخِي فَوَجَبَ كَمَالُهُ ) إذْ الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَمَالُهُ ( بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ التَّرَاخِي بِمَعْنَى السُّكُوتِ ( مَمْنُوعٌ ) الْمُقَدَّمَةُ ( الثَّانِيَةُ ) أَيْ كَمَالُهُ بِاعْتِبَارِهِ ( إذْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ غَيْرَ حُكْمِ اللَّفْظِ فِي الْإِنْشَاءِ وَمَعْنَاهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( فِي الْخَبَرِ وَهَذَا ) الْجَوَابُ ( يَصْلُحُ ) جَوَابًا ( عَنْ الْأَوَّلِ أَيْضًا ) وَهُوَ مَا ظُنَّ دَلِيلًا ( وَكَذَا ) ثُمَّ لِلتَّرَاخِي أَيْضًا ( فِي الْجُمَلِ وَمُوهِمٌ خِلَافَهُ ) أَيْ التَّرَاخِي فِيهَا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى } وقَوْله تَعَالَى {
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاك مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا } فَإِنَّ الِاهْتِدَاءَ لَيْسَ بِمَسْبُوقٍ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ بِدُونِ الْإِيمَانِ غَيْرُ مُعْتَدّ بِهِ إذْ الْإِيمَانُ مُقَوِّمُ كُلِّ عِبَادَةٍ وَأَصْلُ كُلِّ طَاعَةٍ ( تُؤَوَّلُ بِتَرَتُّبِ الِاسْتِمْرَارِ ) أَيْ ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْهُدَى ثُمَّ اسْتَمَرَّ عَلَى الْإِيمَانِ وَصَاحِبُ الْكَشَّافِ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا فِي الْآيَةِ الْأُولَى دَالَّةٌ عَلَى تَبَايُنِ الْمَنْزِلَتَيْنِ دَلَالَتُهَا عَلَى تَبَايُنِ الْوَقْتَيْنِ فِي جَاءَ زَيْدٌ ثُمَّ عَمْرٌو ، أَعْنِي أَنَّ مَنْزِلَةَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى الْخَيْرِ مُبَايِنَةٌ لِمَنْزِلَةِ الْخَيْرِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهَا وَأَفْضَلُ .
ا هـ .
وَالصَّبْرُ عَلَيْهَا أَبْلَغُ وَأَكْمَلُ وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ لِكُلٍّ إلَى نَيْلِ الْعُلَى حَرَكَاتٌ وَلَكِنْ عَزِيزٌ فِي الرِّجَالِ ثَبَاتٌ وَفِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ لِتَرَاخِي الْإِيمَانِ وَتَبَاعُدِهِ فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ عَنْ الْعِتْقِ وَالصَّدَقَةِ لَا فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ السَّابِقُ الْمُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَثْبُتُ عَمَلٌ صَالِحٌ إلَّا بِهِ وَمَشَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ بِمَعْنَى الْوَاوِ .
( مَسْأَلَةٌ تُسْتَعَارُ ) ثُمَّ ( لِمَعْنَى الْوَاوِ ) قَالُوا : لِلْمُجَاوِرَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ } أَيْ وَاَللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَقِيقَتُهُ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْحَوَادِثِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا عَنْ مُعَاقِبٍ فِي مَقَامِ التَّهْدِيدِ ) أَيْ ثُمَّ اللَّهُ مُعَاقِبٌ لَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ أَوْ مُرَادًا بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى مُؤَدٍّ شَهَادَاتِهِ عَلَى أَفْعَالِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ تَنْطِقُ جُلُودُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِذَلِكَ فَتَكُونُ ثُمَّ عَلَى مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ ( فَفِي ) قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلِيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّر عَنْ يَمِينِهِ } أَخْرَجَهُ السَّرَقُسْطِيُّ فِي الدَّلَائِلِ ( حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ عَنْ الْجَمْعِ ) الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ ( فِي فَلْيُكَفِّرْ ثُمَّ لِيَأْتِ ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مُخَرَّجًا وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ مُخَرَّجًا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ { إذَا حَلَفْت عَلَى يَمِينٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِك ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ } وَبِهِ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ أَيْضًا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَحْمِلْ ثُمَّ عَلَى الْوَاوِ فِي هَذَا ( كَانَ الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ ) إذْ لَا قَائِلَ بِوُجُوبِ التَّكْفِيرِ قَبْلَ الْحِنْثِ ( وَالْمُطْلَقُ ) أَيْ التَّكْفِيرُ ( لِلْمُقَيَّدِ ) أَيْ مَا سِوَى الصَّوْمِ مِنْهُ مِنْ الْأَطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالتَّحْرِيرِ ( فَيَتَحَقَّقُ مَجَازَانِ ) كَوْنُ الْأَمْرِ لِلْإِبَاحَةِ وَالْمُطْلَقِ لِلْمُقَيَّدِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ ( وَعَلَى قَوْلِنَا ) مَجَازٌ ( وَاحِدٌ ) وَهُوَ كَوْنُ ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ ضَرُورَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ
الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا شَكَّ فِي أَوْلَوِيَّتِهِ .
( مَسْأَلَةٌ بَلْ قَبْلَ مُفْرَدٍ لِلْإِضْرَابِ فَبَعْدَ الْأَمْرِ كَاضْرِبْ زَيْدًا بَلْ بَكْرًا وَالْإِثْبَاتُ قَامَ زَيْدٌ بَلْ بَكْرٌ لِإِثْبَاتِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي قَبْلَهَا ( لِمَا بَعْدَهَا ) وَهُوَ بَكْرٌ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ ( وَجَعَلَ الْأَوَّلَ ) وَهُوَ زَيْدٌ فِيهِمَا ( كَالْمَسْكُوتِ فَهُوَ ) أَيْ الْأَوَّلُ ( عَلَى الِاحْتِمَالِ ) أَيْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَطْلُوبٍ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ مُخْبَرًا بِقِيَامِهِ وَغَيْرَ مُخْبَرٍ بِهِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي هَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ مَعَ لَا ( وَمَعَ لَا ) نَحْوُ جَاءَ زَيْدٌ لَا بَلْ عَمْرٌو ( يَنُصُّ عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ الْأَوَّلِ فَيُفِيدُ عَدَمَ مَجِيءِ زَيْدٍ قَطْعًا ( وَهُوَ ) أَيْ بَلْ ( فِي كَلَامِ غَيْرِهِ تَعَالَى تَدَارُكٌ أَيْ كَوْنُ الْإِخْبَارِ الْأَوَّلِ أَوْلَى مِنْهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( الثَّانِي فَيُعْرِضُ عَنْهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( إلَيْهِ ) أَيْ الثَّانِي ( لَا إبْطَالُهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الثَّانِي تَدَارُكًا لِمَا وَقَعَ أَوَّلًا مِنْ الْغَلَطِ ( كَمَا قِيلَ : وَيُعَدُّ النَّهْيُ ) كَلَا تَضْرِبْ زَيْدًا بَلْ عَمْرًا ( وَالنَّفْيُ ) كَمَا قَامَ زَيْدٌ بَلْ عَمْرٌو ( لِإِثْبَاتِ ضِدِّهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَوَّلِ لِمَا بَعْدَهَا ( وَتَقْرِيرُ الْأَوَّلِ ) فَفِي الْأَوَّلِ قَرَّرْت النَّهْيَ عَنْ ضَرْبِ زَيْدٍ وَأَثْبَتُّ الْأَمْرَ بِضَرْبِ عَمْرٍو وَفِي الثَّانِي قَرَّرْت نَفْيَ الْقِيَامِ لِزَيْدٍ وَأَثْبَتُهُ لِعَمْرٍو ( وَعَبْدُ الْقَاهِرِ ) الْجُرْجَانِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشْفِ أَوْ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ابْنُ أُخْتِ الْفَارِسِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ النَّحْوِيِّينَ وَلَعَلَّهُ عَنْ كِلَيْهِمَا وِفَاقًا لِلْمُبَرِّدِ عَلَى أَنَّهَا كَذَلِكَ لَكِنْ ( يُحْتَمَلُ نَقْلُ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ إلَيْهِ ) أَيْ الثَّانِي قَالَ ابْنُ مَالِكٍ : وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ ( فَقَوْلُ زُفَرَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةٌ فِي لَهُ دِرْهَمٌ بَلْ دِرْهَمَانِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إفَادَةِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قِيلَ بِهِ ) أَيْ بِإِبْطَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ( بَلْ يَكْفِي ) فِي
لُزُومِ الثَّلَاثَةِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُقِرِّ أَعْرَضَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِدِرْهَمٍ ( كَالسَّاكِتِ عَنْهُ ) أَيْ الْإِقْرَارِ بِهِ ( بَعْدَ إقْرَارِهِ فِي رَدِّهِ ) أَيْ كَالْمَلْفُوظِ فِي بَلْ لَهُ دِرْهَمَانِ ( كَالْإِنْشَاءِ ) نَحْوُ قَوْلِهِ لِلْمَدْخُولِ بِهَا أَنْتِ ( طَالِقٌ وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ ثَلَاثٌ وَفِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ وَاحِدَةٌ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ تَعْلِيقِهِ ) كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ ( بِقَوْلِهِ إنْ دَخَلْت فَطَالِقٌ وَاحِدَةً بَلْ ثِنْتَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ ثَلَاثٌ لِأَنَّهُ ) أَيْ كَالْمَلْفُوظِ ( كَتَقْدِيرِ شَرْطٍ آخَرَ ) مُمَاثِلٍ لِلْمَذْكُورِ حَتَّى يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ بِتَكْرِيرِ الشَّرْطِ مِثْلُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي هَذَا يَقَعُ الثَّلَاثُ بِالدُّخُولِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَكَذَا فِي ذَاكَ ( لَا حَقِيقَتِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( إذْ لَا مُوجِبَ ) لِاعْتِبَارِ شَرْطٍ آخَرَ ( وَتَحْمِيلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ تَشْبِيهٌ لِلْعَجْزِ عَنْ إبْطَالِ ) الطَّلَاقِ ( الْأَوَّلِ ) الْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ ( فَلَا يَتَوَسَّطُ ) الْأَوَّلُ لِتَعْلِيقِ الثَّانِي بِذَلِكَ الشَّرْطِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ هَذَا بِالْعَطْفِ ( بِالْوَاوِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا عُطِفَ عَلَى الْجَزَاءِ بِالْوَاوِ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ لَفْظِهِ لِيُعْلَمَ ظُهُورُ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ : لَمَّا كَانَ مَعْنَى بَلْ لِإِبْطَالِ الْأَوَّلِ وَإِقَامَةِ الثَّانِي مَقَامَهُ كَانَ مِنْ قَضِيَّتِهِ اتِّصَالُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ إبْطَالِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إبْطَالُ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ فِي وُسْعِهِ إفْرَادُ الثَّانِي بِالشَّرْطِ لِيَتَّصِلَ بِهِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا بَلْ أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَيَصِيرُ كَالْحَلِفِ بِيَمِينَيْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ قَالَ : إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ
وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَنَّهَا تَبِينُ بِالْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ عَلَى تَقْدِيرِ الْأُولَى فَيَصِيرُ مَعْطُوفًا عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ فَيَصِيرُ مُتَّصِلًا بِذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ وَلَا يَصِيرُ مُنْفَرِدًا بِشَرْطِهِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُشَارَكَةِ فِي اتِّحَادِ الشَّرْطِ فَيَصِيرُ الثَّانِي مُتَّصِلًا بِهِ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فَقَدْ جَاءَ التَّرْتِيبُ ا هـ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَبِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ يَظْهَرُ أَنْ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا تَقْدِيرُ شَرْطٍ آخَرَ أَلْبَتَّةَ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ الْمُبْطَلِ مُجَرَّدَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ اتِّصَالُهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي هَذَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَالْحَلِفِ بِيَمِينَيْنِ تَشْبِيهٌ يَعْنِي كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ فِي الْيَمِينَيْنِ كَذَلِكَ فِي الْعَطْفِ بِبَلْ فِي الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَّقَ وَاحِدًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ تَعْلِيقَهُ بِقَيْدِ الْوِحْدَةِ إلَى تَعْلِيقِهِ مَعَ آخَرَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ فَلَزِمَ اتِّصَالُ الِاثْنَيْنِ مَعَهُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَيَقَعُ الثَّلَاثُ ثُمَّ يَقُولُ ( وَقُلْنَا ) فِي جَوَابِ زُفَرَ كَالْمَلْفُوظِ ( يَحْصُلُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الدِّرْهَمِ إلَى دِرْهَمَيْنِ بِإِضَافَةِ ) دِرْهَمٍ ( آخَرَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْأَوَّلِ ( فَلَمْ يَبْطُلْ الْإِقْرَارُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ ثَلَاثَةٌ وَأَمَّا قَبْلَ الْجُمْلَةِ فَلِلْإِضْرَابِ عَمَّا قَبْلَهُ ) أَيْ بَلْ ( بِإِبْطَالِهِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } أَيْ بَلْ هُمْ ) عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَقَوْلُهُ { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ } أَمَّا فِي كَلَامِهِ تَعَالَى فَلِلْإِفَاضَةِ فِي غَرَضٍ آخَرَ ) مِنْ غَيْرِ إبْطَالٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } وَقَوْلُهُ { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي
غَمْرَةٍ } وَادِّعَاءُ حَصْرِ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّهَا لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَضٍ إلَى آخَرَ كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ ( مُنِعَ بِالْأَوَّلِ ) أَيْ بِقَوْلِهِ { بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } { بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ } وَتَوْجِيهُهُ بِأَنَّ كَلَامَهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يَبْطُلَ مِنْهُ شَيْءٌ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْإِبْطَالَ لَيْسَ لِكَلَامِهِ تَعَالَى بَلْ لِقَوْلِ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ قِصَّتَهُمْ وَقَوْلُهُ ( لَا عَاطِفَةٌ ) عَطْفٌ عَلَى فَلِلْإِضْرَابِ أَيْ بَلْ قَبْلَ الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْإِضْرَابِ أَوْ لِلِانْتِقَالِ حَرْفُ ابْتِدَاءٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ رَصْفِ الْمَبَانِي وَغَيْرُهُ وَنَصَّ ابْنُ هِشَامٍ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ لِأَنَّك لَمَّا أَضْرَبْت صَارَ الْمَضْرُوبُ عَنْهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ وَصَارَتْ هِيَ أَوَّلُ الْكَلَامِ وَكَانَ مَا بَعْدَهَا كَلَامًا مُفِيدًا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ مُنْقَطِعَ التَّعَلُّقِ عَمَّا قَبْلَهُ لَا أَنَّهَا عَاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ مَالِكٍ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةٌ لَكِنْ لِلِاسْتِدْرَاكِ ) حَالَ كَوْنِهَا ( خَفِيفَةً ) مِنْ الثَّقِيلَةِ وَعَاطِفَةٌ ( وَثَقِيلَةٌ وَفُسِّرَ ) الِاسْتِدْرَاكُ ( بِمُخَالَفَةِ حُكْمِ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا ) أَيْ لِحُكْمِهِ ( فَقَطْ ) حَالَ كَوْنِهِ ( ضِدًّا ) نَحْوَ مَا زَيْدٌ أَبْيَضُ لَكِنْ عَمْرٌو أَسْوَدُ ( أَوْ نَقِيضًا ) نَحْوُ مَا زَيْدٌ سَاكِنًا لَكِنْ عَمْرٌو مُتَحَرِّكٌ ( وَاخْتُلِفَ فِي الْخِلَافِ مَا زَيْدٌ قَائِمٌ ) عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ ( لَكِنْ ) عَمْرٌو ( شَارِبٌ ) ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا ابْنُ هِشَامٍ ( وَقِيلَ ) الِاسْتِدْرَاكُ مَا تَقَدَّمَ ( بِقَيْدِ رَفْعِ تَوَهُّمِ تَحَقُّقِهِ ) أَيْ مَا قَبْلَهَا هَذَا مَا يُعْطِيهِ السُّوقُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ نَقْلًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَسِيطِ مِنْ النُّحَاةِ أَنَّهُمْ فَسَرُّوا الِاسْتِدْرَاكَ بِرَفْعِ مَا تُوُهِّمَ ثُبُوتُهُ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفَسَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِرَفْعِ التَّوَهُّمِ النَّاشِئِ مِنْ الْكَلَامِ السَّابِقِ مِثْلُ مَا جَاءَنِي زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو إذَا تَوَهَّمَ الْمُخَاطَبُ عَدَمَ مَجِيءٍ مَرَّةً أَيْضًا بِنَاءً عَلَى مُخَالَطَةٍ وَمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا ( كَلَيْسَ بِشُجَاعٍ لَكِنْ كَرِيمٌ ) لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ وَالْكَرْمَ لَا يَكَادَانِ يَفْتَرِقَانِ فَنَفْيُ أَحَدِهِمَا يُوهِمُ انْتِفَاءَ الْآخِرِ ( وَمَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ بَكْرٌ لِلْمُتَلَابِسَيْنِ وَإِذَا وَلِيَ الْخَفِيفَةَ فَحَرْفُ ابْتِدَاءٍ وَاخْتَلَفَا ) أَيْ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا ( كَيْفًا وَلَوْ مَعْنَى كَسَافَرَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو حَاضِرٌ أَوْ ) وَلِيَهَا ( مُفْرَدٌ فَعَاطِفَةٌ وَشَرْطُهُ ) أَيْ عَطْفِهَا ( تَقَدُّمُ نَفْيٍ ) نَحْوُ مَا قَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو ( أَوْ نَهْيٌ ) نَحْوُ لَا يَقُمْ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو ( وَلَوْ ثَبَتَ ) مَا قَبْلَهَا ( كَمُلَ مَا بَعْدَهَا كَقَامَ زَيْدٌ لَكِنْ عَمْرٌو لَمْ يَقُمْ وَلَا شَكَّ فِي تَأْكِيدِهَا ) أَيْ لَكِنْ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا ( فِي نَحْوِ لَوْ جَاءَ أَكْرَمْتُهُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجِئْ ) لِدَلَالَةٍ لَوْ عَلَى انْتِفَاءِ الثَّانِي لِانْتِفَاءِ الْأَوَّلِ ( وَلَمْ يَخُصُّوا ) أَيْ الْأُصُولِيُّونَ ( الْمِثْلَ بِالْعَاطِفَةِ إذْ لَا
فَرْقَ ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمُشَدَّدَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ مِنْهَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الِاسْتِدْرَاكُ فَلَا يُعْتَرَضُ بِالتَّمْثِيلِ بِغَيْرِ الْعَاطِفَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْبَحْثَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَاطِفَةِ ( وَفَرَّقَهُمْ ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا ( بَيْنَهَا ) أَيْ لَكِنْ ( وَبَيْنَ بَلْ بِأَنَّ بَلْ تُوجِبُ نَفْيَ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتِ الثَّانِي بِخِلَافِ لَكِنْ ) فَإِنَّهَا تُوجِبُ إثْبَاتَ الثَّانِي فَأَمَّا نَفْيُ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ النَّفْيُ الْمَوْجُودُ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ ( مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ إيجَابَهَا نَفْيُ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتُ الثَّانِي هُوَ ( كَالْمَلْفُوظِ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ ( لَا جَعْلُهُ ) أَيْ لَا أَنَّ كَالْمَلْفُوظِ جَعْلَ الْأَوَّلِ ( كَالْمَسْكُوتِ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ ( وَعَلَى الْمُحَقِّقِينَ يُفَرِّقُ بِإِفَادَتِهَا ) أَيْ بَلْ ( مَعْنَى السُّكُوتِ عَنْهُ ) أَيْ الْأَوَّلِ ( بِخِلَافِ لَكِنْ ) قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ لَكِنْ حَيْثُ كَانَتْ لِإِثْبَاتِ مَا بَعْدَهَا فَقَطْ فَمَا قَبْلَهَا فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ أَيْضًا بَلْ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ أَنْ بَلْ لِلْإِضْرَابِ عَنْ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا فَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَافُهُمَا بِالْإِيجَابِ وَالسَّلْبِ بِخِلَافِ لَكِنْ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عَطْفِ الْمُفْرَدَيْنِ بِهَا كَوْنُ الْأَوَّلِ مَنْفِيًّا وَالثَّانِي مُثْبَتًا وَفِي عَطْفِ الْجُمْلَتَيْنِ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَعَلِمْت عَدَمَ اخْتِلَافِ الْفُرُوعِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ) أَيْ جَعْلِ الْأَوَّلِ كَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ حَتَّى لَزِمَ قَائِلٌ لَهُ عَلَى دِرْهَمٍ بَلْ دِرْهَمَانِ ثَلَاثَةٌ عِنْدَ زُفَرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَمَا عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ( وَقَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ بِعَيْنٍ ) بِأَنْ قَالَ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ هَذَا لِفُلَانٍ وَمَقُولُ قَوْلِ الْمُقَرِّ لَهُ ( مَا كَانَ لِي قَطُّ لَكِنْ لِفُلَانٍ مَوْصُولًا يَحْتَمِلُ رَدَّ الْإِقْرَارِ ) وَتَكْذِيبَهُ لَهُ فِيهِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ نَفْيِ مِلْكِهِ عَنْهُ
( فَلَا يَثْبُتُ ) أَيْ الْعَيْنُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِانْفِرَادِهِ بِذَلِكَ ( وَالتَّحْوِيلُ ) أَيْ وَيَحْتَمِلُ تَحْوِيلَ الْعَبْدِ عَنْ مِلْكِهِ إلَى فُلَانٍ وَنَقْلَهُ إلَيْهِ أَعْنِي ( قَبُولَهُ ) أَيْ كَوْنِ الْعَبْدِ لَهُ ( ثُمَّ الْإِقْرَارُ بِهِ ) أَيْ بِالْعَبْدِ لِفُلَانٍ لَا تَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ وَرَدًّا لِإِقْرَارِهِ ( فَاعْتُبِرَ ) هَذَا الِاحْتِمَالُ ( صَوْنًا ) لِإِقْرَارِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ ( وَالنَّفْيُ مَجَازٌ أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ ) مِلْكُ هَذَا لِي ( فَانْتُقِلَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى فُلَانٍ ( أَوْ حَقِيقَةٌ أَيْ اُشْتُهِرَ لِي وَهُوَ لَهُ فَهُوَ ) أَيْ لَكِنْ لِفُلَانٍ ( تَغْيِيرٌ لِلظَّاهِرِ فَصَحَّ مَوْصُولًا فَيَثْبُتُ النَّفْيُ مَعَ الْإِثْبَاتِ ) لَا مُتَرَاخِيًا عَنْهُ كَيْ لَا يَصِيرَ النَّفْيُ رَدًّا لِلْإِقْرَارِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا صَحَّ مَوْصُولًا ( لِلتَّوَقُّفِ ) لِأَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ( لِلْمُغَيِّرِ ) لِلْحُكْمِ فِيهِ عَنْ كَوْنِهِ نَفْيًا مُطْلَقًا وَلَمْ يَصِحَّ مَفْصُولًا لِأَنَّ النَّفْيَ يَكُونُ حِينَئِذٍ مُطْلَقًا فَيَكُونُ رَدًّا لِلْإِقْرَارِ وَتَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ حَمْلًا لِلْكَلَامِ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَكُونُ لَكِنْ لِفُلَانٍ بَعْدَ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي عَلَى الْمُقِرِّ الْأَوَّلِ وَبِشَهَادَةِ الْمُقِرِّ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فَتَبْقَى الْعَيْنُ مِلْكًا لِلْمُقِرِّ الْأَوَّلِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ( ادَّعَى دَارًا عَلَى جَاحِدٍ بِبَيِّنَةٍ فَقُضِيَ ) لَهُ بِهَا ( فَقَالَ ) الْجَاحِدُ ( مَا كَانَتْ لِي لَكِنْ لِزَيْدٍ مَوْصُولًا فَقَالَ ) زَيْدٌ : ( كَأَنَّ ) الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ الْمُقِرَّ بِهِ الَّذِي هُوَ الدَّارُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْجَاحِدِ ( فَبَاعَنِيهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ ) أَوْ وَهَبَنِيهِ فَأَفَادَ بِلَكِنْ تَكْذِيبَهُ فِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ وَتَصْدِيقَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا لَهُ ( فَهِيَ ) أَيْ الدَّارُ ( لِزَيْدٍ لِثُبُوتِهِ ) أَيْ الْإِقْرَارِ ( مُقَارِنًا لِلنَّفْيِ لِلْوَصْلِ ) لِلِاسْتِدْرَاكِ بِالنَّفْيِ ( وَالتَّوَقُّفِ ) لِأَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى آخِرِهِ لِوُجُودِ
الْمُغَيِّرِ فِيهِ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى إثْبَاتِهِمَا مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ حُكِمَ بِالنَّفْيِ أَوَّلًا يُنْتَقَضُ الْقَضَاءُ وَيَصِيرُ الْمِلْكُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَالِاسْتِدْرَاكُ يَكُونُ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ وَإِخْبَارًا بِأَنَّ مِلْكَهُ لِلْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ ثَمَّ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَهُوَ الْمُقِرُّ قِيمَتُهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَتَكْذِيبُ شُهُودِهِ ) أَيْ الْمَقْضِيِّ لَهُ ( وَإِثْبَاتُ مِلْكِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ ) لِزَيْدٍ ( حُكْمُهُ ) أَيْ مَجْمُوعُ هَذَا الْكَلَامِ ( فَتَأَخَّرَ ) هَذَا الْحُكْمُ ( عَنْهُ فَقَدْ أَتْلَفَهَا عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا ) تَوْجِيهُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ مُقَارَنَةُ النَّفْيِ عَنْ نَفْسِهِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ لِلْإِثْبَاتِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لَمْ يَمْتَنِعْ ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ فَيَثْبُتُ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَمَّ هَذَا النَّفْيُ الْمُقَارِنُ يُوجِبُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلنَّفْيِ وَلَازِمُ الشَّيْءِ بِمَعْنَى حُكْمِهِ مُتَأَخِّرٌ لَهُ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْمُقَارِنِ لِلشَّيْءِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَقَدْ اعْتَرَفَ أَنَّهَا لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لَهُ ا هـ وَحِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ لَا حَاجَةَ إلَى مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لِتَأْكِيدِ الْإِثْبَاتِ عُرْفًا فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمُؤَكِّدِ لَا حُكْمُ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّ وَسَكَتَ أَوْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُتَأَخِّرِ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْمُؤَكَّدِ أَوْ أَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ تَصْحِيحَ إقْرَارِهِ وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ الْإِلْغَاءِ ا هـ وَهَذِهِ التَّوْجِيهَاتُ الثَّلَاثَةُ فِي الْكَشْفِ ( وَلَوْ صَدَّقَهُ ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي النَّفْيِ أَيْضًا ( رُدَّتْ ) الدَّارُ ( لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى بُطْلَانِ
الْحُكْمِ بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَشَرْطُ عَطْفِهَا ) أَيْ لَكِنَّ ( الِاتِّسَاقَ عَدَمُ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ) لِيُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاتِّصَالُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِيَتَحَقَّقَ الْعَطْفُ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاتِّسَاقُ ( الْأَصْلُ فَيُحْمَلُ ) الْعَطْفُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الِاتِّسَاقِ ( مَا أَمْكَنَ فَلِذَا ) أَيْ فَلِوُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ ( صَحَّ ) قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ مُتَّصِلًا ( لَا لَكِنْ غَصْبُ جَوَابٍ ) قَوْلُ الْمُقِرِّ ( لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ قَرْضًا لِصَرْفِ النَّفْيِ إلَى السَّبَبِ ) أَيْ لِإِمْكَانِ صَرْفٍ لَا إلَى كَوْنِهِ قَرْضًا ثُمَّ إنَّهُ تَدَارَكَهُ بِكَوْنِهِ غَصْبًا فَصَارَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا فَلَا يَكُونُ رَدًّا لِإِقْرَارِهِ بَلْ نَفْيًا لِذَلِكَ السَّبَبِ الْخَطَأِ فِيهِ فَلَا يُصْرَفُ إلَى الْوَاجِبِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ اسْتِقَامَةِ الِاسْتِدْرَاكِ وَعَدَمِ اتِّسَاقِ الْكَلَامِ وَارْتِبَاطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ ( بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَهُ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ بِمِائَةٍ ) فُضُولًا ( فَقَالَ : لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ وَلَكِنْ ) أُجِيزُهُ ( بِمِائَتَيْنِ ) فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاتِّسَاقِ لِأَنَّ اتِّسَاقَهُ أَنْ لَا يَصِحَّ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ بِمِائَةٍ لَكِنْ يَصِحُّ بِمِائَتَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِعَيْنِهِ بِمِائَتَيْنِ ( لِلِاتِّحَادِ ) أَيْ اتِّحَادِ مَحَلِّ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ حِينَئِذٍ ( لِنَفْيِ أَصْلِ النِّكَاحِ ) بِقَوْلِهِ لَا أُجِيزُ النِّكَاحَ ( ثُمَّ ابْتِدَائِهِ بِقَدْرٍ آخَرَ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ ) فَيُحْمَلُ لَكِنْ أُجِيزُهُ بِمِائَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ فَيَكُونُ إجَازَةٌ لِنِكَاحٍ آخَرَ مَهْرُهُ مِائَتَانِ ( بِخِلَافِ لَا أُجِيزَ ) النِّكَاحَ ( بِمِائَةٍ لَكِنْ ) أُجِيزُهُ ( بِمِائَتَيْنِ لِأَنَّ التَّدَارُكَ فِي قَدْرِ الْمَهْرِ لَا أَصْلِ النِّكَاحِ ) حِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُتَّسِقًا .
( مَسْأَلَةٌ أَوْ قَبْلَ مُفْرَدٍ لِإِفَادَةِ أَنَّ حُكْمَ مَا قَبْلَهَا ظَاهِرٌ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ ) اسْمَيْنِ كَانَا أَوْ فِعْلَيْنِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا قَبْلَهَا ( وَمَا بَعْدَهَا ) وَسَيَظْهَرُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ظَاهِرًا ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِهَا لِإِفَادَةِ هَذَا ( عَمَّ ) أَوْ ( فِي النَّفْيِ وَشِبْهِهِ ) كَالنَّهْيِ ( عَلَى الِانْفِرَادِ ) لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْوَاحِدِ الْمُبْهَمِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِانْتِفَاءِ الْمَجْمُوعِ فَفِي لَا تُطِعْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا أَوْ بَكْرًا مُنِعَ ) الْمُخَاطَبُ وَالْحَالِفُ ( مِنْ كُلٍّ ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا تُطِعْ ( وَاحِدًا مِنْهُمَا ) وَلَا أُكَلِّمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ وَالنَّفْيِ فَيَعُمُّ ( لَا ) أَنَّ التَّقْدِيرَ لَا تُطِعْ وَلَا أُكَلِّمُ ( أَحَدَهُمَا لِيَكُونَ مَعْرِفَةً ) فَلَا يَعُمُّ ( وَحِينَئِذٍ ) كَانَ التَّقْدِيرُ وَاحِدًا مِنْهُمَا ( لَا يَشْكُلُ بِلَا أَقْرَبُ ذِي أَوْ ذِي ) حَيْثُ ( يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُمَا ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّهُمَا ( فَتَبِينَانِ ) مَعًا عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ ( وَفِي إحْدَاكُمَا مِنْ إحْدَاهُمَا ) أَيْ وَلَا يَشْكُلُ بِصَيْرُورَتِهِ مُولِيًا مِنْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ الْمُخَاطَبَتَيْنِ بِلَا أَقْرَبُ إحْدَاكُمَا لَا مِنْهُمَا جَمِيعًا حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ تَبِينُ إحْدَاهُمَا لَا هُمَا لِأَنَّ إحْدَاكُمَا مَعْرِفَةٌ غَيْرِ عَامَّةٍ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْعَطْفِ ( بِالْوَاوِ ) كَلَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْحَلِفَ عَلَى الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِهَا مَنَعَ ( مِنْ الْجَمْعِ ) لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمَجْمُوعِ ( لِعُمُومِ الِاجْتِمَاعِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ امْتِنَاعُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِأَحَدِهِمَا ( كَلَا يَزْنِي وَيُشْرِبُ ) الْخَمْرَ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِلْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ
امْتِنَاعُهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ حُرْمَتُهُ فِي الشَّرْعِ ( أَوْ يَأْتِي بِلَا ) الزَّائِدَةِ الْمُؤَكِّدَةِ لِلنَّفْيِ مِثْلُ مَا رَأَيْت ( لَا زَيْدًا وَلَا بَكْرًا وَنَحْوُهُ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ فِي الْوَاوِ عَلَى شُمُولِ الْعَدَمِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَهُوَ لِعَدَمِ الشُّمُولِ وَأَوْ بِالْعَكْسِ ( وَتَقْيِيدُهُ ) أَيْ كَوْنِ الدَّلِيلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعَ ( بِمَا إذَا كَانَ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَانِعِ لِلْحَالِفِ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ كَمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَنَاوَلُ السَّمَكَ وَاللَّبَنَ فَإِنَّ لِلِاجْتِمَاعِ هُنَا تَأْثِيرًا فِي الْمَنْعِ كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( بَاطِلٌ بِنَحْوِ لَا أُكَلِّمُ زَيْدًا وَعَمْرًا وَكَثِيرٌ ) مِمَّا هُوَ لِنَفْيِ الْمَجْمُوعِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلِاجْتِمَاعِ فِي الْمَنْعِ ( وَالْعُمُومِ بِأَوْ فِي الْإِثْبَاتِ كَلَا أُكَلِّمُ أَحَدًا إلَّا زَيْدًا أَوْ بَكْرًا ) فَيَحْنَثُ بِتَكْلِيمِ مَنْ عَدَاهُمَا لَا بِتَكْلِيمِهِمَا وَلَا بِتَكْلِيمِ أَحَدِهِمَا ( مِنْ خَارِجٍ ) وَهُوَ الْإِبَاحَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْحَظْرِ لِأَنَّهَا إطْلَاقٌ وَرَفْعُ قَيْدٍ ( فَهِيَ ) أَيْ أَوْ ( لِلْأَحَدِ فِيهِمَا ) أَيْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ( فَمَا قِيلَ ) أَيْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ أَوْ ( تُسْتَعَارُ لِلْعُمُومِ تَسَاهَلَ ) فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعُمُومَ مَعْنًى لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( بَلْ يَثْبُتُ ) الْعُمُومُ ( مَعَهَا لَا بِهَا وَلَيْسَتْ فِي الْخَبَرِ لِلشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ ) كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ النُّحَاةِ وَسَتَعْلَمُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ( لَا لِأَنَّ الْوَضْعَ لِلْإِفْهَامِ وَهُوَ ) أَيْ الْإِفْهَامُ ( مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إفْهَامُ الْمُعَيَّنِ ) أَيْ غَيْرِ الْأَحَدِ الدَّائِرِ كَمَا فِي جَاءَ زَيْدٌ ( مَنَعْنَا الْحَصْرَ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوَضْعَ لَا يَكُونُ إلَّا لِإِفْهَامِ الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا انْتَفَى الْإِجْمَالُ حِينَئِذٍ وَهُوَ بَاطِلٌ ( أَوْ مُطْلَقًا )
يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ مُبْهَمًا أَوْ مُعَيَّنًا ( لَمْ يُفِدْ ) فِي الْمَطْلُوبِ شَيْئًا وَهُوَ أَنَّ أَوْ لَيْسَتْ لِلتَّشْكِيكِ أَوْ الشَّكِّ ( بَلْ ) إنَّمَا لَمْ تَكُنْ لِلشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ ( لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَوَّلًا إفَادَةُ النِّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الْمَذْكُورِينَ فَيَفْهَمُ السَّامِعُ مِنْ جَاءَ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو نِسْبَةَ الْمَجِيءِ إلَى أَحَدِهِمَا غَيْرِ عَيْنٍ ( ثُمَّ يَنْتَقِلُ ) الذِّهْنُ بَعْدَ ذَلِكَ ( إلَى كَوْنِ سَبَبِ الْإِبْهَامِ أَحَدَهُمَا ) أَيْ الشَّكِّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُتَكَلِّمُ عَالِمًا وَقْتَ الْحُكْمِ بِمَجِيءِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا أَوْ التَّشْكِيكِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ عَيْنًا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُلَبِّسَ عَلَى السَّامِعِ ( فَهُوَ ) أَيْ الشَّكُّ أَوْ التَّشْكِيكُ النَّاشِئُ عَنْ الْمُتَكَلِّمِ إنَّمَا هُوَ مَدْلُولٌ ( الْتِزَامِيٌّ عَادِيٌّ ) لِلْكَلَامِ ( لَا عَقْلِيٌّ ) قَالَ الْمُصَنَّفُ : إذْ لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُمَا بِأَنْ يَسْتَفِيدَ السَّامِعُ نِسْبَةَ الْمَجِيءِ إلَى أَحَدِهِمَا مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِلَ ذِهْنُهُ إلَى سَبَبِ الْإِبْهَامِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( لِإِمْكَانِ عَدَمِ إخْطَارِهِ ) فَالْمُصَنِّفُ مُسَاعِدٌ عَلَى أَنَّهَا فِي الْخَبَرِ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَلَا لِلتَّشْكِيكِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ ( وَعَنْهُ ) أَيْ كَوْنِ الشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا عَادِيًّا لِأَوْ ( تَجُوزُ بِأَنَّهَا لِلشَّكِّ ) بِعِلَاقَةِ التَّلَازُمِ الْعَادِيِّ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ ( وَقَدْ يُعْلَمُ بِخَارِجِ التَّعْيِينِ ) لِمُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( فَيَكُونُ لِلْإِنْصَافِ ) أَيْ إظْهَارِ النَّصَفَةِ حَتَّى إنَّ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ مُوَالٍ أَوْ مُخَالِفٍ يَقُولُ لِمَنْ خُوطِبَ بِهِ : قَدْ أَنْصَفَك الْمُتَكَلِّمُ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى ( { وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ } الْآيَةُ ) أَيْ { لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أَيْ وَإِنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الْمُتَوَحِّدَ بِالرِّزْقِ وَالْقُدْرَةِ الذَّاتِيَّةِ بِالْعِبَادَةِ وَالْمُشْرِكِينَ بِهِ الْجَمَادِ النَّازِلِ فِي أَدْنَى الْمَرَاتِبِ
الْإِمْكَانِيَّة لَعَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْهُدَى وَالضَّلَالِ الْمُبِينِ وَهُوَ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّقْرِيرِ الْبَلِيغِ الدَّالِّ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى الْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالِ أَبْلَغُ مِنْ التَّصْرِيحِ لِأَنَّهُ فِي صُورَةِ الْإِنْصَافِ الْمُسْكِتِ لِلْخَصْمِ الْمُشَاغِبِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ قَبْلَ مُفْرَدٍ قَوْلُهُ ( وَقَبْلَ جُمْلَةٍ ) يَعْنِي وَأَوْ قِيلَ جُمْلَةٌ ( لِأَنَّ الثَّابِتَ ) أَيْ لِإِفَادَةِ أَنَّ الثَّابِتَ ( أَحَدُ الْمَضْمُونَيْنِ وَكَذَا تَجُوزُ ) أَيْ كَمَا تَجُوزُ بِأَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّشْكِيكِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ كَذَلِكَ تَجُوزُ ( بِأَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْأَمْرِ ) وَفِيهِ تَسَاهُلٌ أَيْضًا ( وَإِنَّمَا هِيَ لِإِيصَالِ مَعْنَى الْمَحْكُومِ بِهِ إلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ ) الْمَحْكُومُ بِهِ ( أَمْرًا لَزِمَ أَحَدَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ ) كُلٌّ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ ( بِالْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ ) الْأَصْلُ ( الْمَنْعَ فَتَخْيِيرٌ فَلَا يَجْمَعُ ) الْمُخَاطَبُ بَيْنَهُمَا ( كَبِعْ عَبْدِي ذَا أَوْ ذَا ) فَيَبِيعُ أَحَدَهُمَا لَا كِلَيْهِمَا ( أَوْ ) كَانَ الْأَصْلُ ( الْإِبَاحَةَ فَإِلْزَامُ أَحَدِهِمَا وَجَازَ الْآخَرُ بِالْأَصْلِ وَفِي ) قَوْلِهِ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثَةِ ( هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا ) بِأَوْ ( وَذَا ) بِالْوَاوِ ( قِيلَ : لَا عِتْقَ إلَّا بِالْبَيَانِ لِهَذَا أَوْ هَذَانِ ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْأَخِيرَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَالْفَرَّاءِ ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي جَامِعِهِ ( وَقِيلَ : يَعْتِقُ الْأَخِيرُ ) فِي الْحَالِ وَيَتَخَيَّرُ فِي الْأَوَّلَيْنِ يُعَيِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ ( لِأَنَّهُ كَأَحَدِهِمَا وَهَذَا ) لِأَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ لِإِيجَابِ الْعِتْقِ فِي أَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ وَتَشْرِيكِ الثَّالِثِ فِيمَا سَبَقَ لَهُ الْكَلَامُ فَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمَأْخُوذُ مِنْ صَدْرِ الْكَلَامِ لَا أَحَدُ الْمَذْكُورِينَ بِعَيْنِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ ( وَرَجَّحَ ) وَالْمُرَجِّحُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ (
بِاسْتِدْعَاءِ الْأَوَّلِ تَقْدِيرَ حُرَّانِ ) لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ حُرٌّ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لِلِاثْنَيْنِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَتَقْدِيرُ حُرَّانِ ( بِدَلَالَةِ ) الْخَبَرِ ( الْأَوَّلِ وَهُوَ ) أَيْ الْأَوَّلُ ( مُفْرَدٌ ) وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا لِأَنَّ الْعَطْفَ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَوْ لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مِثْلِهِ لَا لِإِثْبَاتِ خَبَرٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ لَفْظًا ( وَيُجَابُ ) وَالْمُجِيبُ التَّفْتَازَانِيُّ ( بِأَنَّهَا ) أَيْ دَلَالَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمُقَدَّرِ ( تَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَادَّةِ لَا الصِّيغَةِ ) بِدَلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَتَاقِ الزِّيَادَاتِ رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدَ فَقَالَ : أَنْتُمْ أَحْرَارٌ أَوْ هَذَا وَهَذَانِ مُدَبَّرَانِ فَقَوْلُهُ أَوْ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتُمْ وَخَبَرُهُ لَا يَصْلُحُ خَبَرًا لَهُ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ ( وَلَوْ سَلَّمَ ) أَوْلَوِيَّةَ اتِّحَادِ الدَّالِّ وَالْمَدْلُولِ فِي الصِّيغَةِ أَيْضًا ( فَإِنَّمَا يَلْزَمُ ) مَا ذَكَرَهُ ( لَوْ ثَنَّى مَا بَعْدَ أَوْ ) هُنَا لَكِنَّهُ لَمْ يُثَنِّ ( فَالْمُقَدَّرُ مُفْرَدٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ هَذَا وَذَا إذْ التَّقْدِيرُ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَذَا حُرٌّ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ كَثْرَةُ الْحَذْفِ لِأَنَّا نَقُولُ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إذْ التَّقْدِيرُ فِيمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُرَجِّحِ هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ تَكْمِيلًا لِلْجُمَلِ النَّاقِصَةِ بِتَقْدِيرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ الْقَائِمَةَ بِكُلِّ تَغَايُرٍ حُرِّيَّةُ الْآخَرِ وَلَوْ سَلَّمَ فَمُعَارَضٌ بِالْقُرْبِ وَكَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَذْكُورًا صَحِيحًا لَكِنْ قَدْ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْطُوفَ بِأَوْ فِي هَذَا الْوَجْهِ هُوَ مَجْمُوعُ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بَعْدَ عَطْفِ الثَّالِثِ عَلَى الثَّانِي بِالْوَاوِ وَلِهَذَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا بِمَا يُحْكَمُ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَهَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْوَاوِ فِي قَوْله
تَعَالَى { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ } حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا الْوَاوُ الْوُسْطَى فَمَعْنَاهَا الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ الْجَامِعُ بَيْنَ مَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَمَجْمُوعِ الصِّفَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُتَعَدِّدَ فِي حُكْمِ الْوَاحِدِ بِوَاسِطَةِ الْوَاوِ فَيَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ جِهَةُ الْوِحْدَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ دُونَ التَّعَدُّدِ الصُّورِيِّ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا وَهَذَا فِي مَعْنَى هَذَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَانِ يَقْتَضِي خَبَرًا يُطَابِقُهُ فِي التَّثْنِيَةِ وَهُوَ حُرَّانِ لَا حُرٌّ وَحُرٌّ ( وَبِأَنَّ أَوْ مُغَيِّرَةٌ ) أَيْ وَرَجَحَ الْأَوَّلُ أَيْضًا بِأَنَّ أَوْ هَذَا مُغَيِّرٌ لِمَعْنَى هَذَا حُرٌّ ( فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ لَا الْوَاوُ ) أَيْ لَا أَنَّهَا مُغَيِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا ( لِلتَّشْرِيكِ ) فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْأَوَّلِ ( فَلَا يَتَوَقَّفُ ) الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِهِ وَهَذَا حُرٌّ ( فَلَيْسَ ) الثَّالِثُ ( فِي حَيِّزٍ أَوْ فَيَنْزِلُ ) وَيَثْبُتُ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الثَّالِثِ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ أَحَدُهُمَا حُرٌّ وَهَذَا حُرٌّ ( وَيُمْنَعُ ) هَذَا التَّرْجِيحُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ قَوْلَهُ وَهَذَا ( عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ أَوْ فَشُرِّكَ فِي حُكْمِهِ ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوْ يَعْنِي فِي ( ثُبُوتِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ ) الَّذِي هُوَ حُرٌّ ( لِلْأَحَدِ مِنْهُ ) أَيْ مَا بَعْدَ أَوْ ( وَمِمَّا قَبْلَهُ فَتَوَقَّفَ ) مَا قَبْلَهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهِ مُغَيِّرًا لَهُ لِأَنَّهُ لَوْلَا هَذَا التَّشْرِيكُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الثَّانِيَ وَحْدَهُ وَبَعْدَهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ اخْتِيَارُ الْأَوَّلِ وَحْدَهُ أَوْ الْأَخِيرِينَ مَعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَمْ يَعْتِقْ ) أَحَدُهُمْ ( إلَّا بِاخْتِيَارِهِمَا ) فَيَعْتِقَانِ ( أَوْ الْأَوَّلُ ) فَيَعْتِقُ وَحْدَهُ ( وَصَارَ كَحَلِفِهِ لَا يُكَلِّمُ ذَا أَوْ ذَا وَذَا لَا يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِ الْأَخِيرِينَ ) وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِتَكْلِيمِهِمَا أَوْ تَكْلِيمِ الْأَوَّلِ قُلْت وَأَفَادَ فِي
الدِّرَايَةِ أَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ رَوَى عَنْ مُحَمَّدٍ كَوْنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالْيَمِينِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عِتْقُ الْآخَرِ وَطَلَاقُ الْأَخِيرَةِ وَالْخِيَارُ فِي الْأُولَيَيْنِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا : وَالْفَرْقُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْيَمِينِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَنَّ أَوْ إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ تَتَنَاوَلُ أَحَدُهُمَا نَكِرَةً إلَّا أَنَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْإِثْبَاتِ فَالنَّكِرَةُ فِيهِ تَخْتَصُّ بِتَنَاوُلِ إحْدَاهُمَا فَإِذَا عُطِفَ الثَّالِثُ عَلَى إحْدَاهُمَا صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَهَذِهِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ مَا قُلْنَا وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ النَّفْيِ فَتَعُمُّ فِيهِ النَّكِرَةُ وَتَكُونُ كَلِمَةُ أَوْ بِمَعْنَى لَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا } أَيْ وَلَا كَفُورًا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَلَا فُلَانًا فَلَمَّا عَطَفَ الثَّالِثَ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَا هَذَيْنِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى هَذَا كَانَ الْحُكْمُ هَكَذَا فَكَذَا هُنَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانَ وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ طَالِقٌ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ قَالَ : هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ طَالِقٌ وَهَذِهِ لِيَصِحَّ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا تَطْلُقُ الثَّالِثَةُ وَخُيِّرَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَكَذَا هَذَا وَثَمَّ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا هَذَا وَلَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ ا هـ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ شَارِحِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لَوْ قَالَ : أَعْتَقْت هَذَا أَوْ هَذَا وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْتِقَ أَحَدُ الْأَوَّلَيْنِ وَالثَّالِثُ ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْيَمِينَ عُقِدَتْ لِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا أُكَلِّمُ هَذَيْنِ وَهَذَا أَوْ لَا أُكَلِّمُ هَذَا أَوْ هَذَيْنِ وَالثَّانِي أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ مَتَى حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ هَذَا أَوْ هَذَيْنِ فَقَدْ
حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ أَحَدِ هَذَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّهُ مَتَى تَكَلَّمَ مَعَ أَحَدِ هَذَيْنِ وَهَذَا فَقَدْ تَكَلَّمَ مَعَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَوْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَوَجَدَ التَّكَلُّمَ مَعَ الْأَوَّلِ أَوْ مَعَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَكَانَ حَسَنًا وَالِاحْتِيَاطُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ ثُمَّ لَمَّا تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مَنْعَ التَّكْلِيفِ بِوَاحِدٍ مُبْهَمٍ مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مَجْهُولٌ وَالْمَجْهُولُ لَا يُكَلَّفُ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْجَمِيعُ وَيَسْقُطُ بِوَاحِدٍ وَكَانَ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ الْكَلَامِ فِي التَّخْيِيرِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّهِ فَقَالَ : ( وَمُنِعَ صِحَّةِ التَّكْلِيفِ مَعَ التَّخْيِيرِ فَحُكِمَ بِوُجُوبِ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ ) الَّتِي هِيَ الْإِطْعَامُ وَالْكُسْوَةُ وَالتَّحْرِيرُ ( وَيَسْقُطُ ) وُجُوبُهَا ( بِالْبَعْضِ ) مُنِعَ ( بِلَا مُوجِبٍ لِأَنَّ صِحَّتَهُ ) أَيْ التَّكْلِيفِ ( بِإِمْكَانِ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ) أَيْ إمْكَانُهُ ( ثَابِتٌ مَعَ التَّخْيِيرِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الِامْتِثَالَ ( بِفِعْلِ إحْدَاهَا ) أَيْ الْخِصَالِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَالْإِنْشَاءُ كَالْأَمْرِ ) فَيَكُونُ أَوْ فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ ( فَلِذَا ) أَيْ لِكَوْنِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ الْإِبَاحَةِ بَعْدَ الْإِنْشَاءِ ( وَعَدَمِ الْحَاجَةِ ) إلَى أَوْ أَوْ إلَى تَحَمُّلِ الْجَهَالَةِ ( أَبْطَلَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْمِيَةَ وَحُكْمَ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي التَّزَوُّجِ عَلَى كَذَا أَوْ كَذَا لِأَنَّهُ جَهَالَةٌ لَا حَاجَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا إذَا كَانَ لَهُ ) أَيْ لِلنِّكَاحِ ( مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ ) مَعْلُومٌ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ( وَصَحَّحَاهُ ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ التَّخْيِيرُ مِنْ الْمُسَمَّى ( إنْ أَفَادَ التَّخْيِيرَ ) بِأَنْ وَقَعَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَوْعُ يُسْرٍ وَذَلِكَ ( بِاخْتِلَافِ الْمَالَيْنِ حُلُولًا وَأَجَلًا ) كَعَلَيَّ أَلْفٌ حَالَّةٌ أَوْ أَلْفَيْنِ إلَى وَقْتِ كَذَا لِتَرَدُّدِ
الْيُسْرِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْحُلُولِ فِي أَحَدِهِمَا وَالزِّيَادَةِ فِي الْآخَرِ ( أَوْ جِنْسًا ) كَعَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ مِائَةُ دِينَارٍ لِتَرَدُّدِ الْيُسْرِ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ الْقُدْرَةِ حِينَئِذٍ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيَتَخَيَّرُ الزَّوْجُ فِي الْفَصْلَيْنِ فِي أَدَاءِ أَيِّهِمَا شَاءَ عَمَلًا بِكَلِمَةِ التَّخْيِيرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ( وَإِلَّا ) إنْ لَمْ يُفِدْ التَّخْيِيرَ بِأَنْ وَقَعَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَيْسَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا نَوْعُ يُسْرٍ بَلْ الْيُسْرُ مُتَعَيِّنٌ فِي أَحَدِهِمَا كَعَلَيَّ أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ( تَعَيَّنَ الْأَقَلُّ ) لِتَعَيُّنِ الرِّفْقِ فِيهِ وَمَعْلُومٌ بِالْبَدِيهَةِ أَنَّهُ يَخْتَارُهُ وَكَيْفَ لَا وَقَدْ أُحْضِرَتْ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ هَذَا وَذِكْرُ الْمَالِ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ مِنْ تَمَامِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِ مَالٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَيَجِبُ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ ( كَالْإِقْرَارِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ ) بِأَنْ أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ أَوْ خَالَعَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ( وَلُزُومُ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ ) الْمَعْلُومِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ إنَّمَا هُوَ ( عِنْدَ عَدَمِ تَسْمِيَةٍ مُمْكِنَةٍ ) وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ وَهَذَا تَرْجِيحٌ ظَاهِرٌ لِقَوْلِهِمَا فَلَا يَضُرُّهُمَا الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ وَمَا مَعَهَا بِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ الْأَقَلُّ فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مُوجِبٌ أَصْلِيٌّ مَعْلُومٌ يُعَارِضُ الْمُسَمَّى كَمَا فِي هَذِهِ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا بِلَا عِوَضٍ وَعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمُسَمَّى بِالضَّرُورَةِ ( تَنْبِيهٌ ) ثُمَّ مَعْنَى تَحْكِيمِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى مِقْدَارِ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ شَاءَتْ أَخَذَتْ الْأَلْفَ الْحَالَّةَ أَوْ الْأَلْفَيْنِ
عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ أَحَدَ وَجْهَيْ الْحَظِّ إمَّا الْقَدْرُ وَإِمَّا الْأَجَلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَيُّهُمَا شَاءَ أَعْطَاهَا وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي بَاقِي الصُّوَرِ إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْأَقَلِّ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ يَجِبُ الْأَقَلُّ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْأَكْثَرِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ يَجِبُ الْأَكْثَرُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ( وَفِي وَكَّلْت هَذَا أَوْ هَذَا ) مُشِيرًا إلَى رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ أَوْ شِرَائِهِ ( صَحَّ ) التَّوْكِيلُ لِأَحَدِهِمَا بِذَلِكَ ( لِإِمْكَانِ الِامْتِثَالِ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا ) وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا عَلَى ذَلِكَ ( وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمَا ) عَلَيْهِ أَيْضًا ( فَهُوَ تَسْوِيَةُ مُلْحَقٍ بِالْإِبَاحَةِ بِخَارِجٍ لِلْعِلْمِ ) بِأَنَّهُ إذَا رَضِيَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ( بِرَأْيِهِمَا أَرْضَى بِخِلَافِ بِعْ ذَا أَوْ ذَا ) مُشِيرًا إلَى عَبْدَيْنِ مَثَلًا ( يَمْتَنِعُ الْجَمْعُ ) بَيْنَهُمَا فِي الْبَيْعِ ( لِانْتِفَائِهِ ) أَيْ الرِّضَا بِبَيْعِهِمَا جَمِيعًا ( وَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ فِي هَذِهِ طَالِقٌ أَوْ هَذِهِ لِإِيجَابِهِ ) الطَّلَاقَ ( فِي الْمُبْهَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ) الطَّلَاقُ ( فِيهِ ) أَيْ الْمُبْهَمِ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ هَذِهِ طَالِقٌ وَكَذَا هَذِهِ حُرَّةٌ ( شَرْعًا إنْشَاءٌ عِنْدَ عَدَمِ احْتِمَالِ الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ قِيَامِ طَلَاقِ إحْدَاهُمَا وَعَدَمِ حُرِّيَّتِهَا ) أَيْ إحْدَاهُمَا ( فِي هَذِهِ حُرَّةٌ أَوْ هَذِهِ مُوجِبٌ لِلتَّعْيِينِ ) وَهُوَ بِالرَّفْعِ صِفَةُ إنْشَاءٍ حَالَ كَوْنِ التَّعْيِينِ ( إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ بِهِ ) أَيْ التَّعْيِينِ ( الْوُقُوعَ فَلَزِمَ قِيَامُ أَهْلِيَّتِهِ وَمَحَلِّيَّتهمَا عِنْدَهُ ) أَيْ التَّعْيِينِ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْمُنْشِئِ وَمَحَلِّيَّةُ الْمَنْشَأِ ( فَلَا يُعَيَّنُ ) الْمُطَلِّقُ وَكَذَا الْمُعْتِقُ ( الْمَيِّتُ ) لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِيهِ ( وَاعْتِبَارِهِ ) أَيْ وَلَزِمَ اعْتِبَارُ الْإِنْشَاءِ ( فِي التُّهْمَةِ فَلَمْ يَصِحَّ تَزَوُّجُ أُخْتِ
الْمُعَيَّنَةِ مِنْ الْمَدْخُولَتَيْنِ ) وَحَالَ كَوْنِ التَّعْيِينِ ( إخْبَارًا مِنْ وَجْهٍ ) لِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ إخْبَارٍ ( فَأُجْبِرَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْبَيَانِ إذْ لَا جَبَرَ فِي الْإِنْشَاءَاتِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ صَحَّ وَأُجْبِرَ عَلَى بَيَانِهِ ( وَاعْتُبِرَ ) الْإِخْبَارُ ( فِي غَيْرِهِمَا ) أَيْ الْمَدْخُولَتَيْنِ ( فَصَحَّ ذَلِكَ ) أَيْ تَزَوُّجُ أُخْتِ الْمُعَيَّنَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَحَاصِلُ الصُّورَتَيْنِ إذَا طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهِمَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَ إحْدَاهُمَا ثُمَّ بَيَّنَ الطَّلَاقَ فِي أُخْتِ الْمُتَزَوِّجَةِ جَازَ النِّكَاحُ اعْتِبَارًا لَهُ إظْهَارًا لِعَدَمِ التُّهْمَةِ إذْ يُمْكِنُ إنْشَاءُ الطَّلَاقِ فِي الَّتِي عَيَّنَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَلَوْ كَانَ دَخَلَ بِهِمَا لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْأُخْتِ لِقِيَامِ الْعِدَّةِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِلتُّهْمَةِ الْمُحَقَّقَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ تَزَوُّجَهَا فِي الْحَالِ بِإِنْشَاءِ الطَّلَاقِ لِمَكَانِ الْعِدَّةِ إذْ لَا تَتَزَوَّجُ الْأُخْتُ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ فَإِنْ قِيلَ : يَشْكُلُ عَلَى كَوْنِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْإِنْشَاءِ آيَةُ الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَوْ فِي الْإِنْشَاءِ مَعَ أَنَّكُمْ لَمْ تُوجِبُوا التَّخْيِيرَ فِيمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ قُلْنَا إنَّمَا يَشْكُلُ لَوْ لَمْ يَكُنْ صَارِفٌ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ نَقُولُ ( وَتَرَكَ مُقْتَضَاهَا ) أَيْ أَوْ وَهُوَ التَّخْيِيرُ ( لِلصَّارِفِ ) عَنْ الْعَمَلِ بِهِ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ أَثَرٌ ) مُفِيدٌ لِمُخَالِفَتِهِ أَيْضًا ( وَهُوَ ) أَيْ الصَّارِفُ ( أَنَّهَا ) أَيْ آيَةَ الْمُحَارَبَةِ ( أَجْزِيَةٌ بِمُقَابِلَةِ جِنَايَاتٍ لِتَصَوُّرِ الْمُحَارَبَةِ بِصُوَرِ أَخْذٍ ) لِلْمَالِ الْمَعْصُومِ فَقَطْ ( أَوْ قَتْلٍ ) لِلنَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ فَقَطْ ( أَوْ كِلَيْهِمَا ) أَيْ أَخْذٍ وَقَتْلٍ ( أَوْ إخَافَةٍ ) لِلطَّرِيقِ فَقَطْ ( فَذَكَرَهَا ) أَيْ الْأَجْزِيَةَ ( مُتَضَمِّنٌ ذِكْرَهَا ) أَيْ الْجِنَايَاتِ ضَرُورَةً أَنَّهَا أَجْزِيَتُهَا (
وَمُقَابَلَةُ مُتَعَدِّدٍ بِمُتَعَدِّدٍ ظَاهِرٌ فِي التَّوْزِيعِ وَأَيْضًا مُقَابَلَةُ أَخَفِّ الْجِنَايَاتِ بِالْأَغْلَظِ وَقَلْبِهِ ) أَيْ مُقَابَلَةُ أَغْلَظِ الْجِنَايَاتِ بِالْأَخَفِّ ( يَنْبُو عَنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ ) وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ( { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } فَوَجَبَ الْقَتْلُ بِالْقَتْلِ وَقَطْعُ الْيَدِ ) الْيُمْنَى ( وَالرِّجْلِ ) الْيُسْرَى ( بِالْأَخْذِ ) لِلْمَالِ الْمَعْصُومِ إذَا أَصَابَ كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابًا وَمَالِكٌ شَرَطَ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا فَصَاعِدًا أَصَابَ كُلًّا نِصَابٌ أَوْ لَا وَإِنَّمَا قُطِعَتَا مَعًا فِي الْأَخْذِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ السَّرِقَةِ لِأَنَّ هَذَا الْأَخْذَ أَغْلَظُ مِنْ أَخْذِ السَّرِقَةِ حَيْثُ كَانَ مُجَاهَرَةً وَمُكَابَرَةً مَعَ إشْهَارِ السِّلَاحِ فَجُعِلَتْ الْمَرَّةُ مِنْهُ كَالْمَرَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ تَعَدُّدِ النِّصَابِ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْغِلَظَ فِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ لَا مِنْ جِهَةِ مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي هُوَ الْمَالُ ( وَالصَّلْبِ ) حَيًّا ثُمَّ يُبَعَّجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ كَمَا عَنْ الْكَرْخِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ الْقَتْلِ كَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَيًّا مَا كَانَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ أَوَّلًا أَوْ الْقَتْلِ بِلَا صَلْبٍ وَلَا قَطْعٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ ( بِالْجَمْعِ ) بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْأَخْذِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي فِعْلِهِ تَعَدُّدُ الْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَاتِّحَادُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَجْمُوعَ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَبِالنَّظَرِ إلَى تَعَدُّدِهَا يَسْتَحِقُّ جَزَاءَيْنِ مُنَاسِبَيْنِ لِلْجِنَايَتَيْنِ وَهُمَا الْقَطْعُ الْمُنَاسِبُ لِلْأَخْذِ وَالْقَتْلِ الْمُنَاسِبِ لِلْقَتْلِ وَإِلَى اتِّحَادِهَا يَسْتَحِقُّ جَزَاءً وَاحِدًا فَيَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ وَقَالَا : لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ ( وَالنَّفْيِ ) مِنْ الْأَرْضِ أَيْ الْحَبْسِ ( بِالْإِخَافَةِ فَقَطْ فَأَثَرُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ إلَى آخِرِهِ أَيْ أَبَا بُرْدَةَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيّ فَجَاءَ أُنَاسٌ يُرِيدُونَ الْإِسْلَامَ فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ أَبِي بُرْدَةَ الطَّرِيقَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَدِّ أَنَّ مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ صُلِبَ وَمَنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ قُتِلَ وَمَنْ أَخَذَ مَالًا وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَمَنْ جَاءَ مُسْلِمًا هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ مِنْهُ فِي الشِّرْكِ } وَفِي رِوَايَةِ عَطِيَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ نُفِيَ } ( عَلَى وَفْقِهِ ) أَيْ الصَّارِفِ ( زِيَادَةً لَا يَضُرُّهَا التَّضْعِيفُ ) بِمُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ لِاتِّهَامِهِ بِالْكَذِبِ ( فَكَيْفَ وَلَا يَنْفِي ) التَّضْعِيفُ ( الصِّحَّةَ فِي الْوَاقِعِ ) لِجَوَازِ إجَادَةِ الضَّعِيفِ فِي خُصُوصٍ مَرْوِيٍّ ( فَمُوَافَقَةُ الْأُصُولِ ) أَيْ الْأَثَرِ لَهَا ( ظَاهِرٌ فِي صِحَّتِهَا ) أَيْ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الَّذِي عَنَاهُ بِقَوْلِهِ آنِفًا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَثَرٌ ( وَإِذْ قُبِلَتْ ) أَوْ ( مَعْنَى التَّعْيِينِ كَالْآيَةِ ) أَيْ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ ( وَصُورَةُ الْإِنْصَافِ ) كَ { إنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } ( وَجَبَ ) الْمُعَيَّنُ الَّذِي هُوَ الْمَجَازِيُّ ( فِي تَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ ) الَّذِي هُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ أَعَمُّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ وَإِبْطَالِهِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي عَبْدَيْنِ لَهُ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ فِي عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عِتْقُ عَبْدِهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْغَيْرِ مَحَلٌّ لِإِيجَابِ الْعِتْقِ أَيْضًا لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ ( فَعَنْهُ ) أَيْ وُجُوبِ الْمَجَازِيِّ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقِيِّ ( قَالَ ) أَبُو حَنِيفَةَ : ( فِي هَذَا حُرٌّ أَوْ ذَا لِعَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ يَعْتِقُ )
عَبْدُهُ ( وَأَلْغَيَاهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ ) وَهُوَ عِتْقُ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْإِيجَابِ ضَرُورَةً أَنَّ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الدَّابَّةُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لَهُ شَرْعًا وَبِدُونِ صَلَاحِيَّةِ الْمَحَلِّ لَا يَصِحُّ الْإِيجَابُ كَذَا فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ عِنْدَهُمَا بِالنِّيَّةِ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّغْوَ لَا حُكْمَ لَهُ أَصْلًا وَفِي مَبْسُوطِهِ يَعْتِقُ ثُمَّ هَذَا مِنْهُمَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمَجَازَ خُلْفٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ فِي الْحُكْمِ ( كَمَا هُوَ أَصْلُهُمَا ) فَلَمَّا لَمْ يَنْعَقِدْ هُنَا الْإِيجَابُ لِلْحُكْمِ فِي الْمُبْهَمِ بَطَلَ فِي الْمُعَيَّنِ كَمَا عِنْدَهُمَا فِي هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ مِنْهُ سِنًّا ( لَكِنْ ) يَرِدُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ التَّجَوُّزَ فِي الضِّدِّ ) شَرْعًا ( وَالْمُعَيَّنُ ضِدُّ الْمُبْهَمِ بِخِلَافِ ابْنِي لِلْأَكْبَرِ لَا يُضَادُّ حَقِيقِيُّهُ مَجَازِيَّهُ وَهُوَ الْعِتْقُ فَالْوَجْهُ أَنَّهَا ) أَيْ أَوْ ( دَائِمًا لِلْأَحَدِ وَفَهْمُ التَّعْيِينِ أَحْيَانَا بِخَارِجٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ ) فَالتَّعْيِينُ فِي { وَإِنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى } الْآيَةُ مِنْ عِلْمٍ الْمُرَادُ مِنْ خَارِجِ لَا أَنَّ أَوْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ وَالتَّعْيِينُ فِي قَوْلِهِ لِعَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ هَذَا حُرٌّ أَوْ ذَا بِخَارِجٍ وَهُوَ لُزُومُ صَوْنِ عِبَارَةِ الْعَاقِلِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ إذْ عُرِفَ أَنَّ أَوْ تَقَعُ فِي مَوْقِعٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْمُرَادُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا وَقَالَ بَعْضُ شَارِحِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ : وَيَجُوزُ أَنْ يُفْصَلَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ وَمَا يُشَاكِلُهَا تَفْصِيلٌ مَلِيحٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَوْ قَدَّمَ الْإِشَارَةَ إلَى الْعَبْدِ يَعْتِقُ الْعَبْدُ وَيَلْغُو الْعَطْفُ وَإِنْ قَدَّمَ الْإِشَارَةَ إلَى الدَّابَّةِ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ لِأَنَّ الْمَحَلَّ غَيْرُ صَالِحٍ لِلْعِتْقِ أَصْلًا فَيَلْغُو الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَيَصِيرُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَإِذَا صَارَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ أَوْ
هَذَا لَمْ يُفِدْ شَيْئًا كَمَا لَوْ اسْتَأْنَفَهُ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( مَسْأَلَةٌ تُسْتَعَارُ ) أَوْ ( لِلْغَايَةِ ) أَيْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ مَا يَنْتَهِي أَوْ يَمْتَدُّ إلَيْهِ الشَّيْءُ ( قَبْلَ مُضَارِعٍ مَنْصُوبٍ وَلَيْسَ قَبْلَهَا ) أَيْ أَوْ ( مِثْلُهُ ) أَيْ مُضَارِعٌ مَنْصُوبٌ بَلْ فِعْلٌ مُمْتَدٌّ يَكُونُ كَالْعَامِّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَيَقْصِدُ انْقِطَاعَهُ بِالْفِعْلِ الْوَاقِعِ بَعْدَ أَوْ ( كَلَأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تُعْطِينِي ) حَقِّي إذْ الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ الْإِلْزَامِ مُمْتَدٌّ إلَى غَايَةٍ هِيَ وَقْتُ إعْطَاءِ الْحَقِّ كَمَا لَوْ قَالَ : حَتَّى تُعْطِيَنِي حَقِّي وَمِنْ ثَمَّةَ ذَهَبَ النُّحَاةُ إلَى أَنَّ أَوْ هَذِهِ بِمَعْنَى إلَى أَنْ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ مُمْتَدٌّ إلَى وُقُوعِ الثَّانِي أَوْ إلَّا أَنَّ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْأَوَّلَ مُمْتَدٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَقْتَ وُقُوعِ الْفِعْلِ الثَّانِي فَعِنْدَهُ يَنْقَطِعُ وَمِنْ هَذَا تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ أَوْ وَالْغَايَةِ فَإِنَّ أَوْ لِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ وَتَعْيِينِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ قَاطِعٌ لِاحْتِمَالِ الْآخَرِ كَمَا أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْغَايَةِ قَاطِعٌ لِلْفِعْلِ ( وَلَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ أَوْ لِلْغَايَةِ قَوْله تَعَالَى ( { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ) كَمَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ تَبَعًا لِلْفَرَّاءِ حَيْثُ قَالَ : إنَّ أَوْ هُنَا بِمَعْنَى حَتَّى لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى شَيْءٍ أَوْ عَلَى لَيْسَ وَالْأَوَّلُ عَطَفَ الْفِعْلَ عَلَى الِاسْمِ وَالثَّانِي عَطَفَ الْمُضَارِعَ عَلَى الْمَاضِي وَهُوَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِاخْتِلَافِهِمَا حَدًّا وَحُكْمًا فَسَقَطَتْ حَقِيقَتُهُ وَاسْتُعِيرَ لِمَا يَحْتَمِلُهُ وَهُوَ الْغَايَةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْأَمْرِ فِي عَذَابِهِمْ أَوْ اسْتِصْلَاحِهِمْ شَيْءٌ حَتَّى تَقَعَ تَوْبَتُهُمْ أَوْ تَعْذِيبُهُمْ ( بَلْ عَطَفَ عَلَى يَكْبِتَهُمْ ) كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْضَاوِيُّ وَالنَّسَفِيُّ أَوْ يَقْطَعُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ وَكَلَامُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ : أَوْ
يَتُوبَ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ عَطْفٌ عَلَى لِيَقْطَعَ أَوْ لِيَكْبِتَ ثُمَّ قَالَ : وَوَجْهُ سَبَبِيَّةِ النَّصْرِ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ اللَّامِ بِقَوْلِهِ { وَمَا النَّصْرُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِهَا بِقَوْلِهِ { لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ } فَلِأَنَّ النَّصْرَ الْوَاقِعَ بِبَدْرٍ كَانَ مِنْ أَظْهَرِ الْآيَاتِ وَأَبْهَرِ الْبَيِّنَاتِ فَيَصْلُحُ سَبَبًا لِلتَّوْبَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ أَوْ لِتَعْذِيبِهِمْ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ لِجُحُودِهِمْ بِالْآيَاتِ وَإِنْ أُرِيدَ التَّعْذِيبُ فِي الدُّنْيَا بِالْأَسْرِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ فَإِنْ قِيلَ : هُوَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِتَوْبَتِهِمْ وَالْكَلَامُ فِي التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ قُلْنَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِإِسْلَامِهِمْ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلتَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ فَيَكُونُ سَبَبًا لَهَا بِالْوَاسِطَةِ وَاسْتَشْكَلَ الْفَاضِلُ عَلَاءُ الدِّينِ الْبَهْلَوَانُ سَبَبِيَّةَ النَّصْرِ لِلتَّعْذِيبِ بِأَنَّ مَوْتَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ سَبَبٌ لِتَعْذِيبِهِمْ لَا النَّصْرِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّصْرَ سَبَبٌ لِكَوْنِهِمْ مَقْتُولِينَ عَلَى الْكُفْرِ ، وَهُوَ سَبَبٌ لِلتَّعْذِيبِ قَالُوا : وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ أَمْرِهِمْ فَإِمَّا أَنْ يُهْلِكَهُمْ أَوْ يَهْزِمَهُمْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنْ أَسْلَمُوا أَوْ يُعَذِّبَهُمْ إنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إنَّمَا أَنْتَ عَبْدٌ مَبْعُوثٌ لِإِنْذَارِهِمْ وَمُجَاهِدَتِهِمْ ( وَلَيْسَ وَمَعْمُولَاهَا ) وَهُمَا لَك شَيْءٌ مَعَ الْحَالِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ مِنْ الْأَمْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَبُو الْبَقَاءِ ( اعْتِرَاضٌ ) بَيْنَ الْمَعْطُوفِ الَّذِي هُوَ التَّوْبَةُ وَالتَّعْذِيبُ الْمُتَعَلِّقُ بِالْآجِلِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْكَبْتُ وَهُوَ شِدَّةُ الْغَيْظِ أَوْ وَهْنٌ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَاجِلِ فَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ مَا أَحْسَنُهُ وَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَمْثِلَةٍ أَوْ بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَى ( لِمَا فِي
ذَلِكَ ) أَيْ جَعْلِهَا لِلْغَايَةِ ( مِنْ التَّكَلُّفِ مَعَ إمْكَانِ الْعَطْفِ ) إمَّا عَلَى يَقْطَعُ أَوْ يَكْبِتُ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِمَّا عَلَى الْأَمْرِ أَوْ شَيْءٍ بِإِضْمَارِ أَنْ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الْخَاصِّ أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ أَوْ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ تَعْذِيبِهِمْ كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ ثُمَّ الْبَيْضَاوِيُّ وَلَمْ يَتَعَقَّبَاهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عَطْفَ يَتُوبَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عَطْفِ الِاسْمِ فِي الْمَعْنَى عَلَى الِاسْمِ نَعَمْ تَعَقَّبَهُ التَّفْتَازَانِيُّ بِلَكِنَّ فِي مِثْلِ هَذَا الْعَطْفِ بِكَلِمَةٍ أَوْ نَظَرٍ ا هـ وَبَيَّنَهُ الْبَهْلَوَانُ بِأَنَّ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ بِأَوْ عَزِيزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } وَأَنَّ كَوْنَ الضَّمِيرِ فِي يَتُوبَ اللَّهُ لَا يُسَاعِدُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورَ وَالْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ يَقُولُ : وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْجُمْلَةَ رَأَيْت أَنَّ الْعَطْفَ لَا يَخْلُو مِنْ شَائِبَةٍ وَأَنَّ التَّكَلُّفَ فِيهِ لَا فِي كَوْنِهَا بِمَعْنَى حَتَّى أَوْ إلَّا أَنَّ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى سِيبَوَيْهِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَك مِنْ أَمْرِهِمْ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَتَفْرَحُ بِحَالِهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَتَتَشَفَّى مِنْهُمْ وَأَنَّ ارْتِكَابَ مَجَازِيَّتِهِ عَنْ حَتَّى وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ إنَّ حَتَّى هِيَ النَّاصِبَةُ أَوْلَى مِنْ الْعَطْفِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
( مَسْأَلَةٌ حَتَّى جَارَّةٌ ) كَإِلَى إلَّا أَنَّ بَيْنَهُمَا فُرُوقًا تُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْعَرَبِيَّةِ ( وَعَاطِفَةٌ ) يَتْبَعُ مَا بَعْدَهَا لِمَا قَبْلَهَا فِي الْإِعْرَابِ ( وَابْتِدَائِيَّةٌ ) أَيْ مَا بَعْدَهَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لَا يَتَعَلَّقُ مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ بِمَا قَبْلَهَا لَا أَنَّهَا يَجِبُ أَنْ يَلِيَهَا الْمُبْتَدَأُ أَوْ الْخَبَرُ بَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لَهُمَا فَتَقَعُ ( بَعْدَهَا جُمْلَةٌ بِقِسْمَيْهَا ) فِعْلِيَّةٌ بِقِسْمَيْهَا : مِنْ الْمُضَارِعِ وَالْمَاضِي نَحْوُ { وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ } بِالرَّفْعِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا } وَقَالُوا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْمِيَّةٌ مَذْكُورٌ خَبَرُهَا نَحْوُ فَمَا زَالَتْ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا بِدِجْلَةَ حَتَّى مَاءِ دِجْلَةَ أَشْكَلَ وَمَحْذُوفٌ بِقَرِينَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَصَحَّتْ ) الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ ( فِي أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا ) فَتُجَرُّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ وَتُنْصَبُ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى السَّمَكَةِ وَتُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَهُوَ مَأْكُولٌ لِقَرِينَةِ الْكَلَامِ السَّابِقِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ وَإِلَّا فَالْبَصْرِيُّونَ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ رَفْعُ مَا بَعْدَهَا عَلَى الِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ بَعْدَهُ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لَهُ قَالُوا : وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسُهَا بِالرَّفْعِ وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ اتِّفَاقًا أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا أَكَلْته قِيلَ وَقَدْ رُوِيَ بِالْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ عَمَّمْتُهُمْ بِالنَّدَى حَتَّى غُوَاتِهِمْ فَكُنْت مَالِكَ ذِي غَيٍّ وَذِي رَشَدٍ فَإِنْ صَحَّ الرَّفْعُ فِي غُوَاتِهِمْ تَرَجَّحَ وَجْهُ جَوَازِ الرَّفْعِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا دُخُولُ الرَّأْسِ فِي الْأَكْلِ فِيهِ وَعَدَمِهِ فَسَتَعْلَمُ مَا
فِيهِ عَلَى الْأَثَرِ مِنْ هَذَا ( وَهِيَ ) أَيْ حَتَّى ( لِلْغَايَةِ ) وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا مَعْنَاهَا ( وَفِي دُخُولِهَا ) أَيْ الْغَايَةِ فِيمَا قَبْلَهَا حَالَ كَوْنِهَا ( جَارَّةً ) أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا لِابْنِ السَّرَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ تَدْخُلُ مُطْلَقًا ثَانِيهَا لِجُمْهُورِ النَّحْوِيِّينَ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ لَا تَدْخُلُ مُطْلَقًا ( ثَالِثُهَا ) لِلْمُبَرِّدِ وَالْفَرَّاءِ وَالسِّيرَافِيِّ وَالرُّمَّانِيِّ وَعَبْدِ الْقَاهِرِ ( إنْ كَانَ ) مَا جُعِلَ غَايَةً ( جُزْءًا ) مِمَّا قَبْلَهُ ( دَخَلَ ) وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلْ ( رَابِعُهَا لَا دَلَالَةَ ) عَلَى الدُّخُولِ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ ( إلَّا لِلْقَرِينَةِ ) وَهُوَ ظَاهِرُ مَا عَنْ ثَعْلَبٍ حَتَّى لِلْغَايَةِ وَالْغَايَةُ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ يُقَالُ : ضَرَبْت الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٍ فَيَكُونُ مَرَّةً مَضْرُوبًا وَمَرَّةً غَيْرَ مَضْرُوبٍ وَيَظْهَرُ مِنْ ابْنِ مَالِكٍ مُوَافَقَتُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ ( أَحَدُ ) الْقَوْلَيْنِ ( الْأَوَّلَيْنِ إلَّا أَنْ يُرَادَ ) بِهَذَا ( أَنَّهَا ) دَالَّةٌ ( عَلَى الْخُرُوجِ ) لِمَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا ( كَمَا ) هِيَ دَالَّةٌ ( عَلَى الدُّخُولِ ) لِمَا بَعْدَهَا ( فِيمَا قَبْلَهَا وَفِيهِ ) أَيْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مُرَادًا مِنْهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ( بَعْدَ ) ظَاهِرٍ وَكَيْفَ لَا وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنَّهُ قَوْلٌ بِكَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَائِلٌ ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّ مَدْلُولَ حَتَّى دُخُولُ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَرِينَةٍ فَيُحْكَمُ بِالدُّخُولِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى خِلَافِهِ وَمَعْنَى الثَّانِي هُوَ أَنَّ مَدْلُولَ حَتَّى عَدَمُ دُخُولِ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا مُطْلَقًا إلَّا بِقَرِينَةٍ تُفِيدُ الدُّخُولَ فَيُحْكَمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَى الدُّخُولِ وَأَنَّ مَعْنَى الرَّابِعِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِحَتَّى
عَلَى دُخُولٍ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ بَلْ الدَّالُّ عَلَى أَحَدِهِمَا الْقَرِينَةُ فَحَيْثُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ يُحْكَمُ بِعَدَمِ الدُّخُولِ بِالْأَصْلِ لَا بِاللَّفْظِ إذَا احْتَجْنَا إلَى الْحُكْمِ وَإِلَّا لَا يُحْكَمُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا تَجْوِيزًا ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى دُخُولِهَا ) أَيْ الْغَايَةِ فِيمَا قَبْلَهَا ( فِي الْعَطْفِ ) بِحَتَّى لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ فَتُفِيدُ الْجَمْعَ فِي الْحُكْمِ ( وَفِي الِابْتِدَائِيَّةِ بِمَعْنَى وُجُودِ الْمَضْمُونَيْنِ فِي وَقْتِ وَشَرْطِ الْعَطْفِ الْبَعْضِيَّةِ ) أَيْ كَوْنُ مَا بَعْدَهَا بَعْضًا مِمَّا قَبْلَهَا كَقَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةُ وَأَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسَهَا ( أَوْ نَحْوُهُ ) نَحْوُ قُتِلَ الْجُنْدُ حَتَّى دَوَابُّهُمْ وَخَرَجَ الصَّيَّادُونَ حَتَّى كِلَابُهُمْ وَأَعْجَبَتْنِي الْجَارِيَةُ حَتَّى حَدِيثُهَا وَيَمْتَنِعُ حَتَّى وَلَدُهَا وَضَبْطُ مَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِمَّا قَبْلَهَا بِمَا يُلَازِمُهُ فَالْوَلَدُ لَا يُلَازِمُ الْجَارِيَةَ إذْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ جَارِيَةٍ وَلَدٌ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُلَازِمُهَا وَالدَّوَابِّ فَإِنَّهَا تُلَازِمُ الْجُنْدَ وَالْكِلَابِ فَإِنَّهَا تُلَازِمُ الصَّيَّادِينَ وَخَالَفَ الْفَرَّاءُ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَأَجَازَ إنَّ كَلْبِي لَيَصِيدُ الْأَرَانِبَ حَتَّى الظِّبَاءَ وَالظِّبَاءُ لَيْسَتْ بَعْضُ الْأَرَانِبِ وَلَا كَبَعْضِهَا قَالَ الصَّفَّارُ : وَهَذَا خَطَأٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ( فَامْتَنَعَ جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى بَكْرٌ ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ يَعِيشَ ( وَفِي كَوْنِهَا ) أَيْ الْعَاطِفَةِ ( لِلْغَايَةِ ) كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ( نَظَرٌ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَطْفِ غَايَةٌ إذْ هِيَ لَيْسَتْ إلَّا مُنْتَهَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمْلَةِ قَبْلَهَا وَمِنْ ثَمَّةَ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إلَى مَنْعِ الْعَطْفِ بِهَا وَتَأَوَّلُوا مَا ظَاهِرُهُ ذَلِكَ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمَعْطُوفِ ( أَعْلَى مُتَعَلِّقٍ لِلْحُكْمِ ) كَمَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءِ ( أَوْ أَحَطَّ ) مُتَعَلِّقٍ لَهُ كَاسْتَنَّتِ الْفِصَالُ حَتَّى الْقَرْعَى مَثَلًا يُضْرَبُ لِمَنْ يَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ
لَا يَنْبَغِي التَّكَلُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ أَيْ عَدَتْ مَرَحًا حَتَّى الْفُصْلَانُ الَّتِي بِهَا قَرَعٌ وَهُوَ بَثْرٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ بِهَا وَهِيَ الطَّرَفُ الْأَدْنَى مِنْهَا وَالطَّرَفُ الْأَعْلَى الْفِصَالُ السَّلِيمَةُ النَّشِيطَةُ ( لَيْسَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ إذْ لَيْسَ ) مَفْهُومُهَا ( إلَّا مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) كَوْنُ الْمَعْطُوفِ أَعْلَى أَوْ أَحَطَّ ( كَوْنُهُ مُنْتَهًى وَفِي ) أَكَلْت السَّمَكَةَ ( حَتَّى رَأْسَهَا بِالنَّصْبِ ) كَوْنُ الرَّأْسِ ( مُنْتَهَى الْحُكْمِ ) الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ أَمْرٌ ( اتِّفَاقِيٌّ ) وُقُوعُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( لَا مَدْلُولِهَا ) أَيْ لَا أَنَّ حَتَّى تَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَا يَطَّرِدُ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْعَطْفِ لَا غَايَةَ مَعَهُ ( ظَاهِرُ الْقَائِلِ ) وَهُوَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ حَتَّى ( لِلْغَايَةِ وَلِلْعَطْفِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ ( الْحَقُّ ) لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ( وَتَأْوِيلُهُ ) أَيْ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَتْ عَاطِفَةً بِأَنْ يَنْقَضِيَ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَعْطُوفِ ( فِي اعْتِبَارِ الْمُتَكَلِّمِ ) لَا بِحَسَبِ الْوُجُودِ نَفْسِهِ إذْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمَعْطُوفِ أَوَّلًا كَمَا فِي قَوْلِك مَاتَ كُلُّ أَبٍ لِي حَتَّى آدَم أَوْ فِي الْوَسَطِ كَمَا فِي مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ ( تَكَلُّفٌ يَنْفِيهِ الْوِجْدَانُ إذْ لَا يَجِدُ الْمُتَكَلِّمُ اعْتِبَارَهُ كَوْنَ الْمَوْتِ تَعَلَّقَ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ انْتَهَى إلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَاتَ الْآبَاءُ حَتَّى آدَم وَكَثِيرٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ ) أَيْ الْقَائِلِ حَتَّى لِلْعَطْفِ وَالْغَايَةِ مَا مَعْنَاهُ ( وَقَدْ تَعْطِفُ تَامًّا أَيْ جُمْلَةً ) وَإِلَّا فَلَفْظُهُ وَقَدْ يَعْطِفُ بِهَا تَامَّةً أَيْ جُمْلَةً مُصَرَّحٌ بِجُزْأَيْهَا ( مُمَثَّلًا بِضَرَبْتُ الْقَوْمَ حَتَّى زَيْدٌ غَضْبَانُ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ ) بَلْ الْمَعْرُوفُ عَطْفُهَا الْمُفْرَدَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ شَرْطِ عَطْفِهَا إذْ لَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا فِي الْمُفْرَدِ وَلِأَنَّ الْعَاطِفَةَ مَحْمُولَةٌ
عَلَى الْجَارَّةِ وَالْجَارَّةُ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى الْأَسْمَاءِ فَكَذَا الْعَاطِفَةُ ثُمَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَعْنَى الْغَايَةِ فِيهِ أَنَّهُ ضَرَبَ الْقَوْمَ إلَى أَنْ غَضَبَ زَيْدٌ وَخَالَفَ الْأَخْفَشُ فَجَعَلَهَا تَعْطِفُ الْفِعْلَ عَلَى الْفِعْلِ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا إذَا كَانَ فِيهَا مَعْنَى السَّبَبِ نَحْوُ ضَرَبْت زَيْدًا حَتَّى بَكَى أَيْ فَبَكَى وَلَأَضْرِبَنَّهُ حَتَّى يَبْكِيَ أَيْ فَيَبْكِيَ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ يَرْفَعُهُ بِالْعَطْفِ عَلَى لَأَضْرِبَنَّهُ وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ فِيهِ إلَّا النَّصْبَ ( وَادِّعَاؤُهُ ) أَيْ عَطْفِهَا الْجُمْلَةَ ( فِي حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ ) عَلَى سَرَيْت بِهِمْ مِنْ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ سَرَيْت بِهِمْ حَتَّى تَكِلَّ مَطِيُّهُمْ وَحَتَّى الْجِيَادِ مَا يُقَدْنَ بِأَرْسَانِ كَمَا زَعَمَهُ ابْنُ السَّيِّدِ فِي رِوَايَةِ رَفْعِ تَكِلُّ ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ جَوَازُهُ مُطْلَقًا قِيَاسًا مُطَّرِدًا لِأَنَّهُ فَرْدٌ شَاذٌّ هَذَا ( لَوْ لَزِمَ ) الْعَطْفُ فِيهِ فَكَيْفَ ( وَهُوَ ) أَيْ اللُّزُومُ فِيهِ ( مُنْتَفٍ بَلْ ) حَتَّى فِيهِ ( ابْتِدَائِيَّةٌ وَصَرَّحَ فِي الِابْتِدَائِيَّةِ بِكَوْنِ الْخَبَرِ مِنْ جِنْسِ ) الْفِعْلِ ( الْمُتَقَدِّمِ ) وَمِنْ الْمُصَرِّحِينَ بِهِ الْإِسْتِرَابَاذِي ( فَامْتَنَعَ رَكْبُ الْقَوْمُ حَتَّى زَيْدٌ ضَاحِكٌ بَلْ ) إنَّمَا يُقَالُ حَتَّى زَيْدٌ ( رَاكِبٌ ) وَمَعْنَى الْبَيْتِ سَرَيْت بِهِمْ لَيْلًا وَامْتَدَّ بِهِمْ السَّيْرُ حَتَّى أَعْيَتْ الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ أَيْضًا فَطَرَحَتْ أَرْسَانَهَا أَيْ حِبَالَهَا عَلَى أَعْنَاقِهَا وَتُرِكَتْ تَمْشِي مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى قَوْدِهَا لِذَهَابِ نَشَاطِهَا فَهِيَ إذَا خُلِّيَتْ لَمْ تَذْهَبْ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلْ سَارَتْ مَعَهُمْ فَوُضِعَ مَا يَقُدْنَ مَوْضِعَ الْكَلَالِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ قِسْمِ الِابْتِدَائِيَّةِ ( سِرْت حَتَّى كَلَّتْ الْمَطِيُّ وَيَتَجَوَّزُ بِالْجَارَّةِ دَاخِلَةً عَلَى
الْفِعْلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْغَايَةِ بِأَنْ لَا يَصْلُحَ الصَّدْرُ ) مِمَّا قَبْلَهَا ( لِلِامْتِدَادِ ) إلَى مَا بَعْدَهَا أَيْ لِضَرْبِ الْمُدَّةِ فِيهِ ( وَمَا بَعْدَهَا لِلِانْتِهَاءِ ) أَيْ دَلِيلًا عَلَى انْتِهَاءِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُمْتَدِّ إلَيْهِ وَانْقِطَاعِهِ عِنْدَهُ ( فِي سَبَبِيَّةِ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا إنْ صَلُحَ ) مَا قَبْلَهَا لِسَبَبِيَّةِ مَا بَعْدَهَا فَمَدْخُولٌ فِي هُوَ الْمُتَجَوَّزُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَالْوَجْهُ ) أَنْ يُقَالَ يَتَجَوَّزُ بِهَا ( فِي سَبَبِيَّةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ ) أَيْ مَا قَبْلَهَا لِمَا بَعْدَهَا وَبِالْقَلْبِ ( ذِهْنًا أَوْ خَارِجًا لِمُسَاعِدَةِ الْمِثْلِ ) الَّتِي هِيَ فِيهَا لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا عِلَّةً غَائِبَةً لِمَا قَبْلَهَا وَمِنْ شَأْنِ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ كَوْنُهَا عِلَّةً ذِهْنًا لِمَا هِيَ لَهُ مَعْلُولَةٌ لَهُ خَارِجًا وَمَا هِيَ لَهُ مَعْلُولٌ لَهَا ذِهْنًا عِلَّةٌ لَهَا خَارِجًا ( كَأَسْلَمْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى إحْدَاثِهِ لَا يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ وَأَيْضًا ( لَيْسَ ) دُخُولُ الْجَنَّةِ ( مُنْتَهَاهُ ) أَيْ الْإِسْلَامِ بِمَعْنَى إحْدَاثِهِ لِانْقِطَاعِهِ دُونَهُ وَكَيْفَ لَا وَمَا لَا يَقْبَلُ الِامْتِدَادَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ بِآخِرِهِ مَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ ( إلَّا إنْ أُرِيدَ ) بِالْإِسْلَامِ ( بَقَاؤُهُ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ بَقَاءَهُ ( لَا يَصْلُحُ الْآخَرُ ) أَيْ دُخُولُ الْجَنَّةِ ( مُنْتَهًى ) لَهُ أَيْضًا وَكَيْفَ وَالْإِسْلَامُ أَكْثَرُ وَأَقْوَى وَبِهِ نِيلَ وَتَحَصَّلَ فَكَيْفَ يَنْتَهِي عِنْدَهُ فَحَتَّى فِيهِ لِلسَّبَبِيَّةِ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهَا ثُمَّ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ فِي الْخَارِجِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَيُعْقَلُ دُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَهُ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَيْهِ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ لَا يَصْلُحُ مُنْتَهَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْبَقَاءِ عَلَيْهِ مِمَّا يَمْتَدُّ ( رَدُّ تَعْيِينِ
الْعَلَاقَةِ ) بَيْنَ الْغَايَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ اشْتِرَاكُهُمَا فِي ( انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِمَا بَعْدَهَا ) لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْجَزَاءِ وَالْمُسَبَّبِ كَمَا يَنْتَهِي بِوُجُودِ الْغَايَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً حَيْثُ احْتَمَلَ الصَّدْرُ أَعْنِي السَّبَبَ الِامْتِدَادَ وَالْآخَرُ أَعْنِي الْمُسَبَّبَ الِانْتِهَاءُ إلَيْهِ وَالرَّادُّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ وَالْمَرْدُودُ لِصَاحِبَيْ الْكَشْفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( وَاخْتِيرَ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ تَقْرِيرِهِ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْعَلَاقَةَ بَيْنَهُمَا ( مَقْصُودِيَّتُهُ ) أَيْ كَوْنُ مَا بَعْدَ حَتَّى مَقْصُودًا ( مِمَّا قَبْلَهُ ) بِمَنْزِلَةِ الْغَايَةِ مِنْ الْمُغَيَّا ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارُ ( أَبْعَدُ ) مِنْ الْأَوَّلِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْغَايَةَ ( لَا تَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ كَوْنُهَا الْمَقْصُودُ مِمَّا قَبْلَهَا ( كَرَأْسِهَا ) فِي أَكَلْت السَّمَكَةَ حَتَّى رَأْسِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَكْلِهَا ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ وَغَيْرِ رَأْسِهَا مِمَّا جُعِلَ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالتَّتَبُّعِ لِمَوَارِدِهَا ( وَالْأَوَّلُ ) أَيْ كَوْنُ الْعَلَاقَةِ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكَهُمَا فِي انْتِهَاءِ الْحُكْمِ بِمَا بَعْدَهَا ( أَوْجَهُ ) فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بِمَعْنَى إحْدَاثِ إسْلَامِ الدُّنْيَا غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَهُوَ صَالِحٌ لِسَبَبِيَّةِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَذَا الصَّلَاةُ فِي صَلَّيْت حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى ( وَالدُّخُولُ مُنْتَهَى إسْلَامِ الدُّنْيَا ) أَيْ الْقِيَامُ بِالتَّكَالِيفِ الْإِلَهِيَّةِ فِيهَا ( وَالصَّلَاةُ ) أَيْ وَمُنْتَهَى فِعْلِهَا ( فِي صَلَّيْت حَتَّى أَدْخُلَ ) الْجَنَّةَ لِأَنَّ انْتِفَاءَ كَوْنِهَا لِلْغَايَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِانْتِفَاءِ الِامْتِدَادِ وَالِانْتِهَاءُ يَحْصُلُ بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْ إحْدَاثِ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاةِ مُمْتَدًّا فَلَيْسَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُنْتَهَاهُمَا لِانْقِطَاعِهِمَا قَبْلَهُ إذْ الصَّدْرُ مَتَى لَمْ يَقْبَلْ الِامْتِدَادَ
يَمْتَنِعُ أَنْ يَلْحَقَ بِآخِرِهِ مَا يَكُونُ غَايَةً لَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلَوْ أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ إسْلَامُ الدُّنْيَا بِمَعْنَى الثَّبَاتِ عَلَيْهِ فَكَوْنُ الدُّخُولِ مُنْتَهَاهُ صَحِيحٌ لَكِنْ يَكُونُ فِيهِ حَتَّى لِلْغَايَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَمِنْهُ ) أَيْ كَوْنِهَا لِلسَّبَبِيَّةِ قَوْلُك ( لَآتِيَنَّكَ حَتَّى تُغَدِّيَنِي ) لِأَنَّ الْإِتْيَانَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ وَحَتَّى تُغَدِّيَنِي لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِهَاءِ بَلْ هُوَ دَاعٍ إلَى زِيَادَةِ الْإِتْيَانِ فَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَلَى حَقِيقَةِ الْغَايَةِ ثُمَّ الْإِتْيَانُ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْغَدَاءِ وَالْغَدَاءُ يَصْلُحُ جَزَاءً لَهُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِكَيْ تُغَدِّيَنِي ( فَيَبَرُّ ) إذَا أَتَاهُ ( بِلَا تَغَدٍّ ) أَيْ وَلَمْ يَتَغَدَّ عِنْدَهُ لِأَنَّ شَرْطَ بِرِّهِ حِينَئِذٍ الْإِتْيَانُ عَلَى وَجْهٍ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ بِالْغَدَاءِ وَقَدْ وُجِدَ ( بِخِلَافِ مَا إذَا صَلُحَ ) الصَّدْرُ لِلِامْتِدَادِ ( فَبِمَعْنَى إلَى ) نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى } لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ إقَامَتِهِمْ عَلَى الْعُكُوفِ صَالِحٌ لِلِامْتِدَادِ وَرُجُوعَ مُوسَى إلَيْهِمْ صَالِحٌ لَأَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى الِانْتِهَاءِ ( فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ ) الصَّدْرُ ( لَهُمَا ) أَيْ لِلْغَايَةِ وَالسَّبَبِيَّةِ ( فَلِعَطْفِ مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ ) الْأَعَمِّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُهْلَةٍ وَبِلَا مُهْلَةٍ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ إذْ جَعَلَهَا كَثُمَّ وَلِمَنْ قَالَ : لَا تَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ أَصْلًا بَلْ قَدْ يَتَعَلَّقُ الْعَامِلُ بِمَا بَعْدَهَا قَبْلَ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهَا وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي النَّحْوِ غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى آدَمَ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا ثَبَتَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ لَا مِنْ أَهْلِ الْعُرْفِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( لِعَلَاقَةِ التَّرْتِيبِ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ ) الْغَايَةُ ( بِالتَّعْقِيبِ أَنْسَبَ ) مِنْهَا بِالتَّرَاخِي لِأَنَّ الْغَايَةَ لَا تَتَرَاخَى عَنْ الْمُغَيَّا ( كَجِئْتُ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك
مِنْ مَالِي لَا عَقْلِيَّةَ لِسَبَبِيَّتِهِ ) أَيْ الْمَجِيءِ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِلْغَدَاءِ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ ( فَشَرْطُ الْفِعْلَانِ ) الْمَعْطُوفُ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ فِي الْبِرِّ ( لِلتَّشْرِيكِ ) أَيْ لِيَتَحَقَّقَ التَّشْرِيكُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ ( كَكَوْنِهِ غَايَةً ) أَيْ كَمَا شَرَطَ الْأَمْرَانِ مِمَّا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا فِي الْبَرِّ إذَا كَانَتْ لِلْغَايَةِ لِأَنَّ الْغَايَةَ فَرْعُ الْمُغَيَّا ( كَإِنْ لَمْ أَضْرِبْك حَتَّى تَصِيحَ ) أَوْ حَتَّى يَشْفَعَ فُلَانٌ أَوْ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ فَكَذَا فَإِذَا كَفَّ قَبْلَ هَذِهِ الْغَايَاتِ حَنِثَ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالتَّكْرَارِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ فِي حُكْمِ الْبِرِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْهُ بِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِهِ لِأَنَّهُ عَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَالْكَفُّ عَنْ الضَّرْبِ يَحْتَمِلُ الِامْتِدَادَ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ وَهَذِهِ الْغَايَاتُ دَلَالَاتٌ عَلَى الْإِقْلَاعِ عَنْ الضَّرْبِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةٍ حَتَّى وَهِيَ الْغَايَةُ فَصَارَ شَرْطُ الْحِنْثِ الْكَفُّ عَنْ الضَّرْبِ قَبْلَ الْغَايَةِ إمَّا بِعَدَمِ الضَّرْبِ أَصْلًا أَوْ بِضَرْبٍ لَا يَتْبَعُهُ صِيَاحٌ أَوْ شَفَاعَةٌ أَوْ دُخُولُ اللَّيْلِ ثُمَّ الشَّرْطُ وُجُودُ الْفِعْلَيْنِ حَالَ كَوْنِ الْمَعْطُوفِ ( مُعْقِبًا ) لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ( وَمُتَرَاخِيًا ) عَنْهُ ( فَيَبَرُّ بِالتَّغَدِّي فِي إتْيَانٍ وَلَوْ ) كَانَ التَّغَدِّي ( مُتَرَاخِيًا عَنْهُ ) أَيْ الْإِتْيَانِ فِي إنْ لَمْ آتِك حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك فَكَذَا وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَهُ ( كَمَا فِي الزِّيَادَاتِ ) وَشُرُوحِهَا وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يَتَغَدَّ مُتَّصِلًا بِالْإِتْيَانِ أَوْ مُتَرَاخِيًا عَنْهُ فِي جَمِيعِ الْعُمْرَانِ أَطْلَقَ ( إلَّا إنْ نَوَى الْفَوْرَ ) وَالِاتِّصَالَ فَيَبَرُّ إذَا تَغَدَّى عَقِبَ الْإِتْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ أَوْ أَتَى وَتَغَدَّى مُتَرَاخِيًا عَنْهُ حَنِثَ ( وَفِي الْمُقَيَّدِ بِوَقْتٍ يَلْزَمُ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتَ ( التَّرَاخِي كَإِنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ إلَى آخِرِهِ ) أَيْ حَتَّى أَتَغَدَّى عِنْدَك فَكَذَا فَإِنْ قِيلَ :
التَّرْتِيبُ الْأَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ بِمُهْلَةٍ أَوْ لَا لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُ لَفْظٍ أَصْلًا وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ مَدْلُولُ لَفْظِ التَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ كَمَا لِلْفَاءِ أَوْ بِمُهْلَةٍ كَمَا لِثُمَّ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ قُلْنَا لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْمَجَازِ وُجُودُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمَعْنَى لِلَّفْظِ وَمَعْنًى آخَرَ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْآخَرِ وُضِعَ لَهُ لَفْظٌ أَصْلًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَإِذْ كَانَ التَّجَوُّزُ بِاللَّفْظِ ) عَنْ مَعْنًى ( لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُتَجَوَّزِ فِيهِ ( فِي مُطَابِقِي لَفْظٍ بَلْ وَلَا مَعْنَى لَفْظٍ أَصْلًا وَإِذْ لَمْ يُشْرَطْ فِي الْمَجَازِ نَقْلٌ جَازَ هَذَا ) الْمَجَازُ أَعْنِي كَوْنَ حَتَّى لِعَطْفِ مُطْلَقِ التَّرْتِيبِ ( وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَبِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ هَذَا الْمَجَازِ ( جَوَّزُوا ) أَيْ الْفُقَهَاءُ ( جَاءَ زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٍو ) إذَا جَاءَ عَمْرٌو وَبَعُدَ زَيْدٌ ( وَإِنْ مَنَعَهُ النُّحَاةُ ) بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا بَعْضَ مَا قَبْلَهَا أَوْ كَبَعْضِهِ ( غَيْرَ أَنَّ الثَّابِتَ ) عَلَاقَةٌ بَيْنَ هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْمُجَوِّزِينَ ( التَّرْتِيبَ ) فَإِنَّهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيِّ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا ثَابِتٌ هُنَا بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ( وَتَقَدَّمَ النَّظَرُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ هَذَا كَمَا بَيْنَ الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا حَالَ كَوْنِهَا ( عَاطِفَةً كَمَاتَ النَّاسُ حَتَّى الْأَنْبِيَاءُ وَحَتَّى آدَم وَأَنَّهُ لَا غَايَةَ يَلْزَمُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَطْفِ ( بَلْ ذَلِكَ الْغَايَةُ ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْكَائِنُ بَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَمَا قَبْلَهَا إنَّمَا هُوَ ( فِي الرِّفْعَةِ وَالضَّعَةِ ) بِأَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا أَقْوَى أَجْزَاءَ مَا قَبْلَهَا وَأَشْرَفَهَا أَوْ أَضْعَفَهَا وَأَدْنَاهَا ( لَا ) الْغَايَةَ ( الِاصْطِلَاحِيَّةَ مُنْتَهَى الْحُكْمِ ) وَهَذَا مَا قَالُوا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا
بَعْدَ حَتَّى آخِرَ أَجْزَاءِ مَا قَبْلَهَا حِسًّا وَلَا آخِرَهَا دُخُولًا فِي الْعَمَلِ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ لَكِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى الْأَجْزَاءِ إذَا ابْتَدَأْت مِنْ الْجَانِبِ الْأَضْعَفِ مُصَعِّدًا نَحْوَ مَاتَ النَّاسُ حَتَّى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ لَيْسَ آخِرَهُمْ حِسًّا وَلَا مَوْتًا بَلْ آخِرُهُمْ قُوَّةً وَشَرَفًا وَأَضْعَفُهَا إذَا ابْتَدَأْت بِعِنَايَتِك مِنْ الْجَانِبِ الْأَقْوَى مُنْحَدِرًا نَحْوَ قَدِمَ الْحَاجُّ حَتَّى الْمُشَاةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَادِمِينَ قَبْلَ الرُّكْبَانِ أَوْ مَعَهُمْ قَالَ نَجْمُ الدِّينِ الْإِسْتِرَابَاذِي : وَأَمَّا الْجَارَّةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا كَذَلِكَ وَأَنْ لَا يَكُونَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ كَوْنُهُ آخَرَ الْأَجْزَاءِ حِسًّا أَوْ مُلَاقِيًا لَهُ نَحْوُ قَرَأْت الْقُرْآنَ حَتَّى سُورَةِ النَّاسِ وَسِرْت النَّهَارَ حَتَّى اللَّيْلِ ( وَلَمْ يَلْزَمْ الِاسْتِثْنَاءُ بِهَا ) أَيْ بِحَتَّى أَيْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى إلَّا أَنَّ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَابْنُ هِشَامٍ الْخَضْرَاوِيُّ وَنَقَلَهُ أَبُو الْبَقَاءِ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا } بَلْ هِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْغَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَبُو حَيَّانَ وَابْنُ هِشَامٍ الْمِصْرِيُّ وَالْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ : ( وقَوْله تَعَالَى حَتَّى يَقُولَا صَحَّتْ غَايَةً لِلنَّفْيِ كَإِلَى وَكَذَا لَا أَفْعَلُ حَتَّى تَفْعَلَ ) أَيْ إلَى أَنْ تَفْعَلَ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى إلَّا ظَاهِرٌ فِيمَا أَنْشَدَهُ ابْنُ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ الْعَطَاءُ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلٌ وَفِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا يَذْهَبُ شَيْخِي بَاطِلًا حَتَّى أُبِيرَ مَالِكًا وَكَاهِلًا لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا لَيْسَ غَايَةً لِمَا قَبْلَهَا وَلَا مُسَبَّبًا عَنْهُ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى رَدِّهِ بِقَوْلِهِ ( وَقَوْلُهُ حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْك قَلِيلٌ وَحَتَّى أُبِيرَ مَالِكًا وَكَاهِلًا لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ
لِلْغَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ) إذْ مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ إعْطَاءُ الْإِنْسَاءِ مِنْ الْفُضُولِ سَمَاحَةً حَتَّى يُعَدُّ بِهِ الْمُعْطِي سَمْحًا جَوَادًا إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ بِوَصْفِ الْإِعْطَاءِ وَمَا لَدَيْهِ قَلِيلٌ فَإِنَّ الَّذِي يَجُودُ وَمَا لَدَيْهِ قَلِيلٌ هُوَ الَّذِي إعْطَاؤُهُ مِنْ الْفُضُولِ إذَا كَانَتْ سَمَاحَةً وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَتَّصِفْ بِالْإِعْطَاءِ مِنْ قَلِيلٍ لَيْسَ لَهُ سِوَاهُ إذَا أَعْطَى مِنْ كَثِيرٍ لَا يُقَالُ فِيهِ سَمْحٌ وَسَمَاحَةٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا فِيهِ لِلْغَايَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُرَادَى وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهَا فِيهِ بِمَعْنَى إلَى وَمَعْنَى الْبَيْتِ الثَّانِي لَا أَتْرُكُ أَخْذَ ثَأْرِ أَبِي إلَى أَنْ أُهْلِكَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ مِنْ أَسَدٍ فَإِنَّهُمَا الْمُتَعَاضِدَانِ عَلَى قَتْلِهِ فَحِينَئِذٍ أَتَرْكُ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا فِيهِ لِلْغَايَةِ أَيْضًا أَوْ أَنَّ سَبَبَ إبَارَتِهِمْ أَنَّ أَبَاهُ لَا يَذْهَبُ بَاطِلًا فَإِبَارَتُهُمْ سَبَبُ عَدَمِ ذَهَابِهِ بَاطِلًا فِي الْخَارِجِ مُسَبِّبَةٌ لَهُ ذِهْنًا فَإِنْ تَعَقَّلَ عَدَمَ ذَهَابِهِ بَاطِلًا إذْ إبَارُهُمْ سَبَبٌ دَاعٍ لِإِبَارَتِهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ التَّرْدِيدَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالْغَايَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَيْتِ الثَّانِي لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
( حُرُوفُ الْجَرِّ ) .
( مَسْأَلَةُ الْبَاءِ مُشَكِّكٌ لِلْإِلْصَاقِ ) أَيْ تَعْلِيقِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ وَإِيصَالِهِ بِهِ ( الصَّادِقُ فِي أَصْنَافِ الِاسْتِعَانَةِ ) أَيْ طَلَبِ الْمَعُونَةِ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى آلَةِ الْفِعْلِ كَكَتَبْتُ بِالْقَلَمِ لِإِلْصَاقِك الْكِتَابَةَ بِالْقَلَمِ ( وَالسَّبَبِيَّةِ ) وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى اسْمٍ لَوْ أُسْنِدَ الْفِعْلُ الْمُعَدَّى بِهَا إلَيْهِ صَلُحَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مَجَازًا نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ } إذْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فَاعِلًا لِأَخْرَجَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَأَخْرَجَ هُوَ أَيْ الْمَاءُ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا بَاءُ الِاسْتِعَانَةِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ كَتَبَ الْقَلَمُ قَالَ : وَالنَّحْوِيُّونَ يُعَبِّرُونَ عَنْ هَذِهِ الْبَاءِ بِبَاءِ الِاسْتِعَانَةِ وَآثَرْت عَلَى ذَلِكَ بَاءَ السَّبَبِيَّةِ مِنْ أَجْلِ الْأَفْعَالِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ } فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ السَّبَبِيَّةِ فِيهَا يَجُوزُ وَاسْتِعْمَالَ الِاسْتِعَانَةِ فِيهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ ( وَالظَّرْفِيَّةِ ) مَكَانًا وَزَمَانًا وَهِيَ مَا يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِهَا فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرِ } { نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ } ( وَالْمُصَاحَبَةِ ) وَهِيَ مَا يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِهَا مَعَ وَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا وَعَنْ مُصَاحِبِهَا بِالْحَالِ نَحْوُ { قَدْ جَاءَكُمْ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ } ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْإِلْصَاقَ ( فِي الظَّرْفِيَّةِ مَثَلًا كَقُمْتُ بِالدَّارِ أَتَمُّ مِنْهُ ) أَيْ الْإِلْصَاقِ ( فِي مَرَرْت بِزَيْدٍ فَتَفْرِيعُ بَاءِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْإِلْصَاقِ كَمَا فَعَلَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ تَفْرِيعٌ ( عَلَى النَّوْعِ ) أَيْ نَوْعِ الْإِلْصَاقِ الْأَعَمِّ ( وَعَلَى الْخُصُوصِ الْإِلْصَاقِ الِاسْتِعَانَةِ ) أَيْ وَأَمَّا تَفْرِيعُهَا عَلَى خُصُوصٍ مِنْ الْإِلْصَاقِ فَتَفْرِيعُهَا عَلَى الِاسْتِعَانَةِ ( الْمُتَعَلِّقَةِ
بِالْوَسَائِلِ دُونَ الْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ ) إذْ بِالْوَسَائِلِ يُسْتَعَانُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْ الْبَيْعِ الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ وَالثَّمَنُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مِنْ النُّقُودِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِالذَّاتِ بَلْ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ فِي قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَأَحْسِنْ بِقَوْلِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِئْسَ الرَّفِيقُ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ لَا يَنْفَعَانِك حَتَّى يُفَارِقَانِك ( فَصَحَّ الِاسْتِبْدَالُ بِالْكُرِّ ) مِنْ الْحِنْطَةِ ( قَبْلَ الْقَبْضِ فِي اشْتَرَيْت هَذَا الْعَبْدَ بِكُرِّ حِنْطَةٍ وَصَفَهُ ) بِمَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْجَهَالَةِ مِنْ جَوْدَةٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ ثَمَنٌ لِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ فَكَانَ كَسَائِرِ الْأَثْمَانِ فِي صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ وَالْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا لِأَنَّ الْمَكِيلَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ حَالًّا ( دُونَ الْقَلْبِ ) أَيْ بِعْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَذَا عَلَى وَجْهٍ يُخْرِجُهَا مِنْ الْجَهَالَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقَلْبَ ( سَلَّمَ ) لِأَنَّ الْعَبْدَ حِينَئِذٍ ثَمَنٌ لِدُخُولِ الْبَاءِ عَلَيْهِ وَالْكُرُّ مَبِيعٌ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَالْمَبِيعُ الدَّيْنُ لَا يَكُونُ إلَّا سَلَمًا ( يُوجِبُ الْأَجَلَ ) الْمُعَيَّنَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا ( وَغَيْرُهُ ) كَقَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فِي الْمَجْلِسِ ( فَامْتَنَعَ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ ) أَيْ بِالْكُرِّ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الْقَبْضِ ( وَإِثْبَاتُ الشَّافِعِيِّ كَوْنُهَا ) أَيْ الْبَاءِ ( لِلتَّبْعِيضِ فِي امْسَحُوا ) بِرُءُوسِكُمْ ( هُوَ الْإِلْصَاقُ مَعَ تَبْعِيضِ مَدْخُولِهَا وَأَنْكَرَهُ ) أَيْ التَّبْعِيضَ ( مُحَقِّقُو الْعَرَبِيَّةِ ) مِنْهُمْ ابْنُ جِنِّي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُذَيَّلِ بِهَا الْمُجْمَلِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ النَّحْوِيُّ الْأُصُولِيُّ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ فَقَدْ أَتَى أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ ( وَشَرِبَتْ بِمَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ ) أَيْ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِ
عَنْتَرَةَ إخْبَارًا عَنْ النَّاقَةِ شَرِبَتْ بِمَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ فَأَصْبَحَتْ زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ ( لِلظَّرْفِيَّةِ ) أَيْ شَرِبَتْ النَّاقَةُ فِي مَحَلِّ هَذَا الْمَاءِ قُلْت : أَوْ لِلْإِلْصَاقِ وَالشُّرْبُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ مُضَمَّنًا مَعْنَى رَوَيْت كَمَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي { عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ } وَلَعَلَّ هَذَا أَشْبَهَ كَمَا لَعَلَّ بَقِيَّةَ الْبَيْتِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَالدَّحْرَضَانُ مَاءَانِ : يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا وَشِيعٌ وَلِلْآخَرِ الدَّحْرَضُ فَغَلَبَ فِي التَّثْنِيَةِ وَقِيلَ مَاءٌ لِبَنِي سَعْدٍ وَقِيلَ بَلَدٌ وَالزَّوْرَاءُ الْمَائِلَةُ وَالدَّيْلَمُ نَوْعٌ مِنْ التَّرْكِ ضَرَبَهُمْ مَثَلًا لِأَعْدَائِهِ يَقُولُ هَذِهِ النَّاقَةُ تَتَجَانَفُ عَنْ حِيَاضِ أَعْدَائِهِ وَلَا تَشْرَبُ مِنْهَا وَقِيلَ الدَّيْلَمُ : أَرْضٌ ( وَشَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ) أَيْ وَالْبَاءُ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا ( زَائِدَةٌ وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهَا زَائِدَةً ( اسْتِعْمَالٌ كَثِيرٌ مُتَحَقِّقٌ ) كَمَا يَشْهَدُ بِهِ التَّتَبُّعُ ( وَإِفَادَةُ الْبَعْضِيَّةِ لَمْ تُثْبِتْ بَعْدُ ) مَعْنَى مُسْتَقِلًّا لَهَا ( فَالْحَمْلُ عَلَيْهِ ) أَيْ كَوْنِهَا زَائِدَةً ( أَوْلَى ) مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ ) عَلَى الْبَعْضِيَّةِ ( إذْ الْمُتَحَقِّقُ عِلْمُ الْبَعْضِيَّةِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ) عِلْمُهَا ( عَلَى الْبَاءِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّهَا ) أَيْ النَّاقَةَ ( لَمْ تَشْرَبْ كُلَّ مَاءِ الدَّحْرَضَيْنِ وَلَا اسْتَغْرَقْنَ ) أَيْ السُّحُبُ ( الْبَحْرَ ) قُلْت : وَهَذَا مِمَّا يَمْنَعُ الْحَمْلُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ كَثِيرَةً فِي الْمَفْعُولِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا وَهِيَ غَيْرُ مَقِيسَةٍ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ مَا أَمْكَنَ تَخْرِيجُهُ عَلَى غَيْرِ الزِّيَادَةِ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ مَالِكٍ : وَالْأَجْوَدُ تَضْمِينُ شَرِبْنَ مَعْنَى رُوِينَ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ هَذَا التَّبْعِيضِ ( تَبْعِيضُ الرَّأْسِ فَإِنَّهَا ) أَيْ الْبَاءَ ( إذَا دَخَلَتْ
عَلَيْهِ ) أَيْ الرَّأْسِ ( تَعَدَّى الْفِعْلُ ) أَيْ الْمَسْحُ ( إلَى الْآلَةِ الْعَادِيَةِ ) لِلْمَسْحِ ( أَيْ الْيَدِ فَالْمَأْمُورُ اسْتِيعَابُهَا ) أَيْ الْآلَةِ ( وَلَا يَسْتَغْرِقُ ) اسْتِيعَابُهَا ( غَالِبًا سِوَى رُبُعِهِ ) أَيْ الرَّأْسِ ( فَتَعَيَّنَ ) الرُّبُعُ ( فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَلَزِمَ التَّبْعِيضُ عَقْلًا غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهَا ) أَيْ الْبَاءِ ( وَلَا عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي ) سُنَنِ ( أَبِي دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ ) فَهُوَ حُجَّةٌ لِقَوْلِهِ ذَكَرْت فِيهِ الصَّحِيحَ وَمَا يُشْبِهُهُ وَيُقَارِبُهُ وَقَوْلُهُ مَا كَانَ فِي كِتَابِي مِنْ حَدِيثٍ فِيهِ وَهَنٌ شَدِيدٌ فَقَدْ بَيِّنَتُهُ وَمَا لَمْ أَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا فَهُوَ صَالِحٌ وَبَعْضُهَا أَصَحُّ مِنْ بَعْضٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَعَلَى هَذَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِهِ مَذْكُورًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَلَا نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ عَرَفْنَاهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْحَسَنِ عِنْدَهُ وَتَعَقَّبَ ابْنُ رَشِيدٍ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ صَحِيحًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ غَيْرِهِ كَذَلِكَ دُفِعَ بِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ إلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَبْلُغَهَا عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ فَهُوَ صَالِحٌ أَيْ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْيُهُ انْقِسَامُ الْحَدِيثِ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ كَالْمُتَقَدِّمِينَ فَهُوَ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ يُقَالَ : صَالِحٌ كَمَا هُوَ قَالَ وَلَفْظُ حَدِيثِهِ { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَطَرِيَّةٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ } ( بَلْ هُوَ ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ ( مَعَ ذَلِكَ الدَّلِيلِ ) الْمَذْكُورِ آنِفًا ( قَائِم عَلَى مَالِكٍ ) فِي إيجَابِ مَسْحِ الْجَمِيعِ ( إذْ قَوْلُهُ ) أَيْ أَنَسٍ ( فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ ) وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ يَدَهُ ( مِنْ تَحْتِ الْعِمَامَةِ فَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ ظَاهِرٌ فِي
الِاقْتِصَارِ ) عَلَيْهِ وَهُوَ الرُّبُعُ الْمُسَمَّى بِالنَّاصِيَةِ كَمَا يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطَاءٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَحَسَرَ الْعِمَامَةَ وَمَسَحَ مُقَدِّمَ رَأْسِهِ أَوْ قَالَ : النَّاصِيَةُ } وَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا كَيْفَ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِالْمُتَّصِلِ نَعَمْ بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ كَوْنَ الْمَفْرُوضِ مِقْدَارَ النَّاصِيَةِ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَشْبَهُ دَلِيلًا وَأَمَّا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَيُعَكِّرُهُ أَنَّ فِي الْأَصْلِ تَقْدِيرُهُ بِثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَذْكُورُ فِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ( وَلُزُومُ تَكَرُّرِ الْإِذْنِ ) لِلْبِرِّ ( فِي إنْ خَرَجْت إلَّا بِإِذْنِي لِأَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ ( مُفَرَّغٌ لِلْمُتَعَلِّقِ أَيْ ) إنْ خَرَجْت خُرُوجًا ( إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِهِ ) أَيْ بِإِذْنِي ( فَمَا لَمْ يَكُنْ ) مِنْ الْخُرُوجِ ( بِهِ ) أَيْ بِأَنَّهُ ( دَاخِلٌ فِي الْيَمِينِ لِعُمُومِ النَّكِرَةِ ) الْمُؤَوَّلَةِ مِنْ الْفِعْلِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا تَخْرُجِي خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا مُلْصَقًا بِإِذْنِي ( فَيَحْنَثُ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ الَّذِي لَيْسَ بِإِذْنِهِ ( بِخِلَافِ ) إنْ خَرَجْت ( إلَّا أَنْ آذَنَ ) لَك ( لَا يَلْزَمُ فِي الْبَرِّ تَكَرُّرُهُ ) أَيْ إذْنِهِ ( لِأَنَّ الْإِذْنَ غَايَةٌ ) لِلْخُرُوجِ ( تَجَوُّزٌ بِإِلَّا فِيهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِثْنَاءِ الْإِذْنِ مِنْ الْخُرُوجِ ) لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَلَا يَحْسُنُ فِيهِ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ لِاخْتِلَالِ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا إلَّا خُرُوجًا أَنْ آذَنَ لَك وَبَيْنَ الْغَايَةِ وَالِاسْتِثْنَاءِ مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهَا قَصْرٌ لِامْتِدَادِ الْمُغَيَّا وَبَيَانٌ لِانْتِهَائِهِ كَمَا أَنَّهُ قَصْرٌ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَبَيَانٌ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهِ وَأَيْضًا كُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الصَّدْرُ فَلَا بِدْعَ فِي أَنْ يَتَجَوَّزَ
بِإِلَّا فِيهَا ( وَبِالْمَرَّةِ ) مِنْ الْإِذْنِ ( يَتَحَقَّقُ ) الْبَرُّ ( فَيَنْتَهِي الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَلُزُومُ تَكْرَارِ الْإِذْنِ ) مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي دُخُولِ بُيُوتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ تِلْكَ الصِّيغَةِ ) أَيْ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ لَيْسَ بِهَا بَلْ ( بِخَارِجٍ ) عَنْهَا أَيْ ( تَعْلِيلِهِ ) تَعَالَى الدُّخُولَ بِلَا إذْنٍ ( بِالْأَذَى ) حَيْثُ قَالَ : { إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ } فَلَا إشْكَالَ
( مَسْأَلَةٌ عَلَى لِلِاسْتِعْلَاءِ حِسًّا ) كَقَوْلِهِ { وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } ( وَمَعْنَى ) كَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( فَهِيَ فِي الْإِيجَابِ وَالدَّيْنِ حَقِيقَةٌ ) أَمَّا فِي الْإِيجَابِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الدَّيْنَ ( يَعْلُو الْمُكَلَّفَ ) مَعْنًى ( وَيُقَالُ : رَكِبَهُ دَيْنٌ ) إذَا عَلَاهُ مَعْنًى وَهُوَ لُزُومُهُ لَهُ ( فَيَلْزَمُ فِي عَلَيَّ أَلْفٌ ) لِفُلَانٍ أَلْفٌ لَهُ لِأَنَّ بِاللُّزُومِ يَتَحَقَّقُ الِاسْتِعْلَاءُ حَتَّى يَثْبُتَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْمُطَالَبَةُ وَالْحَبْسُ لِلْمُقِرِّ وَهَذَا ( مَا لَمْ يَصِلْهُ بِمُغَيَّرِ وَدِيعَةٍ ) فَإِنْ وَصَلَهُ بِهَا حُمِلَ عَلَى وُجُوبِ الْحِفْظِ الَّذِي هُوَ مَجَازٌ ( لِقَرِينَةِ الْمَجَازِ ) وَهُوَ وَدِيعَةٌ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ وَصْلُهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْبَيَانَ الْمُغَيِّرَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمُغَيِّرِ ( وَفِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ ( كَالْإِجَارَةِ ) فَإِنَّهَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَنَافِعَ ( وَالنِّكَاحِ ) فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِالْبُضْعِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ ( مَجَازٌ فِي الْإِلْصَاقِ ) نَحْوُ بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ عَلَى أَلْفٍ وَنَحْوُ ( احْمِلْهُ عَلَى دِرْهَمٍ وَتَزَوَّجْت عَلَى أَلْفٍ لِمُنَاسِبَتِهِ ) أَيْ الْإِلْصَاقِ ( اللُّزُومَ ) فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا لَزِمَ شَيْئًا الْتَصَقَ بِهِ ( وَفِي الطَّلَاقِ لِلشَّرْطِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَفِي طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَيَّ أَلْفٌ لَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا إذَا أَجَابَهَا ( بِوَاحِدَةٍ ) وَإِنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ عِنْدَهُ ( لِعَدَمِ انْقِسَامِ الشَّرْطِ عَلَى الْمَشْرُوطِ ) اتِّفَاقًا لِأَنَّ ثُبُوتَهُمَا بِطَرِيقِ الْمُعَاقَبَةِ اتِّفَاقًا ضَرُورَةٌ تُوَقِّفُ الْمَشْرُوطَ عَلَى الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَزِمَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ بِوَاحِدَةٍ ( تَقَدَّمَ بَعْضُهُ ) أَيْ الْمَشْرُوطِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الشَّرْطِ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَجْمُوعُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَلَا
تَتَحَقَّقُ الْمُعَاقَبَةُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا ( وَعِنْدَهُمَا لِلْإِلْصَاقِ عِوَضًا ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ مُعَاوَضَةٌ مِنْ جَانِبِهَا وَلِذَا كَانَ لَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ كَلَامِ الزَّوْجِ وَكَلِمَةُ عَلَى تَحْتَمِلُ مَعْنَى الْبَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ ( فَتَنْقَسِمُ الْأَلْفُ ) عَلَى الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ بِثُلُثِ الْأَلْفِ عِنْدَهُمَا ( لِلْمَعِيَّةِ ) الثَّابِتَةِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ فِي مُقَابِلَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْعِوَضَيْنِ بِطَرِيقِ الْمُقَابِلَةِ اتِّفَاقًا وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِالْمُقَارَنَةِ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ لَا يُقَابِلُ الْمُتَقَدِّمَ فَيَثْبُتُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي مُقَابَلَةِ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الْآخَرِ وَيَمْتَنِعُ تَقَدُّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ كَالْمُتَضَايِفَيْنِ ( وَلِمَنْ يُرَجِّحُهُ ) أَيْ قَوْلَهُمَا أَنْ يَقُولَ ( إنَّ الْأَصْلَ فِيمَا عَلِمَتْ مُقَابَلَتَهُ ) بِمَالِ ( الْعِوَضِيَّةِ ) وَهَذَا مِمَّا عَلِمَتْ مُقَابَلَتَهُ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعِوَضِيَّةُ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ الْعِوَضَ تَنْقَسِمُ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمُعَوَّضِ فَتَبِينُ مِنْهُ بِوَاحِدَةٍ بِثُلُثِ الْأَلْفِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ عَلَى ( مَجَازًا فِيهِ ) أَيْ الْإِلْصَاقِ ( حَقِيقَةً فِي الشَّرْطِ ) كَمَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ( مَمْنُوعٌ لِفَهْمِ اللُّزُومَ فِيهِمَا ) أَيْ الشَّرْطِ وَالْإِلْصَاقِ ( وَهُوَ ) أَيْ اللُّزُومُ هُوَ الْمَعْنَى ( الْحَقِيقِيُّ وَكَوْنُهُ ) أَيْ عَلَى حَقِيقَةً ( فِي مَعْنًى يُفِيدُ اللُّزُومَ ) وَهُوَ الْإِلْصَاقُ ( لَا فِيهِ ) أَيْ لَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللُّزُومِ ( ابْتِدَاءً يُصَيِّرُهُ ) أَيْ عَلَى لَفْظًا ( مُشْتَرَكًا ) بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْإِلْصَاقِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( فَمَجَازٌ ) أَيْ فَعَلَى مَجَازٍ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْإِلْصَاقِ وَالشَّرْطِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ فَحَقِيقَةٌ فِيهِمَا كَمَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا كَتَبَهُ الْمُصَنِّفُ حَاشِيَةً عَلَى بَعْضِ أَوَائِلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ الْوَجْهَ مَا
ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهَا لِلِاسْتِعْلَاءِ الصَّادِقِ فِي ضِمْنِ اللُّزُومِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَرْعٌ أَنَّهَا فِي كُلٍّ مِنْ الْإِلْصَاقِ فِي الْعِوَضِ وَالشَّرْطِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَفْرَادِ اللُّزُومِ فَانْتَظَمَ أَنَّ عَلَى ضِمْنِيٌّ وُضِعَ لِلِاسْتِعْلَاءِ الصَّادِقِ فِي مَحَالِّ اللُّزُومِ وَغَيْرِهِ كَجَلَسَ عَلَى السَّطْحِ ا هـ وَإِذَا كَانَ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِمُتَرَجِّحٍ عَلَى الْآخَرِ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً بَلْ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَالشَّأْنُ فِيمَا تَقَدَّمَ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ أَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ فِيمَا عَلِمْت مُقَابَلَتِهِ الْعِوَضِيَّةَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا وَجَبَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَحْضَةُ أَمَّا مَا يَصِحُّ هِيَ أَوْ الشَّرْطُ الْمَحْضُ فِيهِ فَلَا وَالطَّلَاقُ مِنْ هَذَا وَلَيْسَ كَوْنُ مَدْخُولِهَا مَا لَا مُرَجِّحًا لِمَعْنَى الِاعْتِيَاضِ فَإِنَّ الْمَالَ يَصِحُّ جَعْلُهُ شَرْطًا مَحْضًا غَيْرَ مُنْقَسِمٍ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ كَإِنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا فَلَكَ أَلْفٌ فَإِنَّ فِي هَذَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ الثَّلَاثِ مُقَابِلًا لِشَيْءٍ مِنْ الْأَلْفِ بَلْ الْمَجْمُوعُ يَلْزَمُ عِنْدَ الْمَجْمُوعِ كَمَا يَصِحُّ جَعْلُهُ عِوَضًا مُنْقَسِمًا أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ مُقَابِلِهِ كَإِنْ طَلَّقْتَنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ لُزُومِ ثُلُثِ الْأَلْفِ وَعَدَمِهِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ وَلَا يُحْتَاطُ فِي اللُّزُومِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فَرَاغُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ اشْتِغَالُهَا فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَذَا عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِعْلَاءِ وَاللُّزُومُ مِنْ أَفْرَادِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَوْ تَنَزَّلْنَا إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الِاسْتِعْلَاءِ مَجَازٌ فِي اللُّزُومِ لَمْ يَضُرَّنَا فِي الْمَطْلُوبِ فَنَقُولُ : لَمَّا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ أَعْنِي الِاسْتِعْلَاءَ كَانَ فِي الْمَجَازِيِّ أَعْنِي اللُّزُومَ وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ مَعْنًى كُلِّيٌّ صَادِقٌ مَعَ مَا يَجِبُ فِيهِ الشَّرْطِيَّةُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ إلَى آخِرِ مَا قُلْنَا
بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( مَسْأَلَةُ مِنْ تَقَدَّمَ مَسَائِلُهَا ) فِي بَحْثَيْ مِنْ وَمَا ( وَالْغَرَضُ ) هُنَا ( تَحْقِيقُ مَعْنَاهَا فَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ ) كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ هِيَ ( لِلتَّبْعِيضِ ) وَعَلَامَتُهُ إمْكَانُ سَدِّ بَعْضِ مَسَدِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ مُرَادَفَتُهَا لَهُ فَإِنَّ التَّرَادُفَ لَا يَكُونُ بَيْنَ مُخْتَلِفِي الْجِنْسِ ( وَكَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ) كَالْمُبَرِّدِ ذَهَبُوا إلَى كَوْنِهَا ( لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَرَجَّعَ مَعَانِيهَا إلَيْهِ ) أَيْ إلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَالْمُرَادُ بِالْغَايَةِ فِي قَوْلِهِمْ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَإِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ هُوَ الْمَسَافَةُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ إذْ الْغَايَةُ مِنْ النِّهَايَةِ وَلَيْسَ لَهَا ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ وَسَتَعْلَمُ مَا لِلْمُصَنِّفِ فِي هَذَا فِي إلَى ( فَالْمَعْنَى فِي أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ ابْتِدَاءُ أَكْلِي ) الرَّغِيفَ وَفِي أَخَذْت مِنْ الدَّرَاهِمِ ابْتِدَاءُ أَخْذِي الدَّرَاهِمَ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ( مَعَ تَعَسُّفِهِ ) لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ ( لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ أَكْلِي وَأَخْذِي لَا يُفْهَمُ مِنْ التَّرْكِيبِ وَلَا مَقْصُودَ الْإِفَادَةِ بَلْ تَعَلُّقَهُ ) أَيْ الْفِعْلِ كَالْأَكْلِ وَالْأَخْذِ فِيهِمَا ( بِبَعْضِ مَدْخُولِهَا ) الَّذِي هُوَ الرَّغِيفُ وَالدَّرَاهِمُ ( وَكَيْفَ ) يَصِحُّ هَذَا ( وَابْتِدَاؤُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( مُطْلَقًا قَدْ يُكَذِّبُ ) لِكَوْنِهِ قَدْ فَعَلَهُ مُتَعَلِّقًا بِغَيْرِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْمَذْكُورِ ( وَتَخْصِيصُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( بِذَلِكَ الْجُزْئِيِّ ) الْخَاصِّ كَالرَّغِيفِ وَالدَّرَاهِمِ ( غَيْرُ مُفِيدٍ وَاسْتِقْرَاءُ مَوَاقِعِهَا يُفِيدُ أَنَّ مُتَعَلِّقَهَا إنْ تَعَلَّقَ بِمَسَافَةٍ قَطْعًا لَهَا ) أَيْ لِلْمَسَافَةِ ( كَسِرْتُ وَمَشَيْت أَوْ لَا ) قَطْعًا لَهَا ( كَبِعْت ) مِنْ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ ( وَآجَرْت ) الدَّارَ مِنْ شَهْرِ كَذَا إلَى شَهْرِ كَذَا ( فَلِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ ذِي الْغَايَةِ وَهُوَ ) أَيْ ذُو الْغَايَةِ ( ذَلِكَ الْفِعْلُ أَوْ مُتَعَلِّقُهُ ) أَيْ ذَلِكَ
الْفِعْلِ وَهُوَ الْمَكَانُ أَوْ الزَّمَانُ ( الْمُبَيَّنُ مُنْتَهَاهُ وَإِنْ أَفَادَ ) مُتَعَلِّقُهَا ( تَنَاوُلًا كَأَخَذْتُ وَأَكَلْت وَأَعْطَيْت فَلِإِيصَالِهِ ) أَيْ الْمُتَعَلِّقِ ( إلَى بَعْضِ مَدْخُولِهَا فَعَلِمْت تَبَادُرَ كُلٌّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ ) ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ وَالتَّبْعِيضُ ( فِي مَحَلِّهِ أَيْ مَعَ خُصُوصِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إظْهَارٌ مُشْتَرَكٌ ) مَعْنَوِيٌّ ( يَكُونُ ) لَفْظُ مِنْ مَوْضُوعًا ( لَهُ أَوْ ) الِاشْتِرَاكُ ( اللَّفْظِيُّ ) بَيْنَهُمَا ( إمَّا ) أَنْ مِنْ ( حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا مَجَازٌ فِي الْآخَرِ بَعْدَ اسْتِوَائِهِمَا ) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ ( فِي الْمُدْلَوْلِيَةِ وَالتَّبَادُرِ فِي مَحَلَّيْهِمَا فَتَحْكُمُ وَانْتَفَى جَعْلُهَا ) أَيْ حَقِيقَتِهَا ( الِابْتِدَاءَ وَرَدَّ التَّبْعِيضِ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى ابْتِدَاءِ الْغَايَةِ ( فَمُشْتَرَكٌ ) أَيْ فَإِذَا مِنْ مُشْتَرَكٌ ( لَفْظِيٌّ ) بَيْنَ مَعَانِيهَا وَالْمُعَيَّنُ لِكُلِّ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمُتَعَلِّقِ الْخَاصِّ ( وَيَرُدُّ الْبَيَانُ ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْبَيَانِ وَعَلَامَتُهُ صَلَاحِيَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَوْضِعَهَا وَجَعْلُ مَدْخُولِهَا مَعَ ضَمِيرِ مَرْفُوعٍ قَبْلَهُ صِلَتُهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } إذْ يَصِحُّ الرِّجْسُ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ ( إلَى التَّبْعِيضِ بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّبْعِيضَ ( أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ ) أَيْ التَّبْعِيضِ ( تَبْعِيضَ مَدْخُولِهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْفِعْلِ أَوْ كَوْنُ مَدْخُولِهَا ) فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ( بَعْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى مُتَعَلِّقِ الْفِعْلِ ) فَالْأَوْثَانُ بَعْضُ الرِّجْسِ
مَسْأَلَةٌ إلَى لِلْغَايَةِ أَيْ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى حُكْمِ مَا قَبْلَهَا وَقَوْلُهُمْ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ تَسَاهُلٌ وَكَذَا هُوَ تَسَاهُلٌ ( بِإِرَادَةِ الْمَبْدَأِ إذْ يُطْلِقُ ) الْغَايَةَ ( بِالِاشْتِرَاكِ عُرْفًا بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ كَوْنِ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى حُكْمِ مَا قَبْلَهَا ( وَنِهَايَةُ الشَّيْءِ مِنْ طَرَفَيْهِ ) أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ ( وَمِنْهُ لَا تَدْخُلُ الْغَايَتَانِ ) فِي عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ حَتَّى يَلْزَمَهُ ثَمَانِيَةٌ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ تَسَاهُلًا ( لِأَنَّ الدَّلَالَةَ بِهَا ) أَيْ بِإِلَى ( عَلَى انْتِهَاءِ حُكْمِهِ ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا ( لَا ) عَلَى ( انْتِهَائِهِ ) أَيْ الْمُغَيَّا نَفْسُهُ وَمِنْ ثَمَّةَ جَازَ أَكَلْت السَّمَكَةَ إلَى نِصْفِهَا ( وَفِي دُخُولِهِ ) أَيْ مَا بَعْدَهَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهَا أَرْبَعَةُ مَذَاهِبُ يَدْخُلُ مُطْلَقًا لَا يَدْخُلُ مُطْلَقًا يَدْخُلُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلهَا وَلَا يَدْخُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَالِاشْتِرَاكُ أَيْ يَدْخُلُ حَقِيقَةً وَلَا يَدْخُلُ حَقِيقَةً كَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( كَحَتَّى ) وَهُوَ يُعَيِّنُ كَوْنَ الرَّابِعِ فِي حَتَّى الِاشْتِرَاكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بُعْدٍ كَمَا ذَكَرَهُ ثَمَّةَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ الْقَوْلُ بِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الدُّخُولِ فَقَطْ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ ا هـ وَعَزَاهُ الْإِسْتِرَابَاذِي إلَى بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَنَقْلُ مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ فِي إلَى غَيْرُ مَعْرُوفٍ ) وَكَذَا فِي حَتَّى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ثَمَّةَ ( وَمَذْهَبٌ يُدْخِلُ ) بِالْقَرِينَةِ ( وَلَا يُدْخِلُ بِالْقَرِينَةِ غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرُ مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْمَذْهَبِ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهَا لَا تُفِيدُ سِوَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى الْحُكْمِ وَدُخُولُهُ وَعَدَمُ دُخُولِهِ غَيْرُ مَدْلُولٍ لَهَا بَلْ لِلْقَرِينَةِ بِخِلَافِ مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ أَنَّهَا وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ أَنَّ مَا بَعْدَهَا مُنْتَهَى مَعَ
دُخُولِهِ وَوُضِعَتْ وَضْعًا آخَرَ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ مُنْتَهَى مَعَ عَدَمِ دُخُولِهِ فَكَانَ دُخُولُهَا وَعَدَمُ دُخُولِهَا مَدْلُولَيْنِ لَهَا ( فَلَعَلَّهُ ) أَيْ مَذْهَبٌ يَدْخُلُ وَلَا يَدْخُلُ بِالْقَرِينَةِ ( الْتَبَسَ بِهِ ) أَيْ بِمَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ فَوُضِعَ مَذْهَبُ الِاشْتِرَاكِ مَوْضِعَهُ ثُمَّ أَوْضَحَ مَعْنَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ ( فَلَا يُفِيدُ حَتَّى وَإِلَى سِوَى أَنَّ مَا بَعْدَهُمَا ) أَيْ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا ( مُنْتَهَى الْحُكْمِ ) أَيْ حُكْمِ مَا قَبْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَدُخُولُهُ ) أَيْ مَا بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهُ ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ دُخُولِ مَا بَعْدَ كُلٍّ فِي حُكْمِ مَا قَبْلَهُ إنَّمَا هُوَ ( بِالدَّلِيلِ ) عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَارِدِ اسْتِعْمَالِهِمَا ( وَإِلَيْهِ ) أَيْ إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ( أَذْهَبُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي حَتَّى وَإِلَى .
( وَلَا يُنَافِي ) هَذَا الْمَذْهَبُ ( إلْزَامَ الدُّخُولِ فِي حَتَّى ) عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ ( وَعَدَمَهُ ) أَيْ وَإِلْزَامَ عَدَمِ الدُّخُولِ ( فِي إلَى ) عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ أَيْضًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ إلْزَامَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ ( إيجَابُ الْحَمْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ لِلْأَكْثَرِيَّةِ فِيهِمَا حَمْلًا عَلَى الْأَغْلَبِ لَا مَدْلُولًا لَهُمَا ) فَإِنَّ الْأَغْلَبَ فِي حَتَّى الدُّخُولُ مَعَ قَرِينَتِهِ وَفِي إلَى عَدَمُ الدُّخُولِ مَعَ قَرِينَتِهِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ ( وَالتَّفْصِيلُ ) إلَى إنْ كَانَ مَا بَعْدَهَا مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهَا فَيَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا تَفْصِيلَ ( بِلَا دَلِيلٍ ) وَأَشَارَ إلَى نَفْي مَا يَخَالُ دَلِيلًا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَيْسَ يَلْزَمُ الْجُزْئِيَّةَ الدُّخُولُ وَلَا ) يَلْزَمُ ( عَدَمُهَا ) أَيْ الْجُزْئِيَّةِ ( عَدَمُهُ ) أَيْ الدُّخُولِ ( إلَّا أَنْ يَثْبُتَ اسْتِقْرَاؤُهُ ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلِ ( كَذَلِكَ فَيُحْمَلُ ) إلَى حِينَئِذٍ عَلَيْهِ ( كَمَا قُلْنَا ) وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ ( وَكَذَا ) بِلَا دَلِيلٍ ( تَفْصِيلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ
إنْ كَانَتْ ) الْغَايَةُ ( قَائِمَةً أَيْ مَوْجُودَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ غَيْرَ مُفْتَقِرَةٍ ) فِي الْوُجُودِ ( إلَى الْمُغَيَّا أَيْ مُتَعَلَّقِ الْفِعْلِ لَا الْفِعْلِ لَمْ تَدْخُلْ كَإِلَى هَذَا الْحَائِطِ وَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ إلَّا إنْ تَنَاوَلَهَا ) أَيْ الْغَايَةَ ( الصَّدْرُ كَالْمَرَافِقِ ) فِي وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ لِأَنَّ الْيَدَ تَتَنَاوَلُ الْجَارِحَةَ الْمَعْرُوفَةَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْإِبِطِ وَلَيْسَتْ الْمَرَافِقُ آخِرَهَا فَيَدْخُلُ ( فَأَدْخَلَ ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ ( فِي الْقَائِمَةِ الْجُزْءَ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ آخِرًا أَوْ لَا ( وَاللَّيْلُ ) فِي وَأَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَإِنَّمَا لَزِمَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهَا مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَالْجُزْءُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ هَذَا بِلَا دَلِيلٍ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِمَّا يَشْمَلُهُ الصَّدْرُ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ كَمَا فِيمَا بَعْدَهُ فَكَمَا أَخْرَجَ مَا بَعْدَ مَدْخُولِهَا وَهُوَ مَشْمُولُ اللَّفْظِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى إخْرَاجِهِ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ مَدْخُولُهَا لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ مَدْخُولَهَا عِنْدَ الْمُنْتَهَى لَا مَعَهُ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ كَصَاحِبِ الْمَنَارِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ قَالَ : ( إنْ قَامَتْ ) الْغَايَةُ ( لَا ) تَدْخُلُ ( كَرَأْسِ السَّمَكَةِ وَإِلَّا ) إنْ لَمْ تَقُمْ ( فَإِنْ تَنَاوَلَهَا ) الصَّدْرُ ( كَالْمَرَافِقِ دَخَلَتْ وَإِلَّا ) إنْ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا الصَّدْرُ ( لَا ) تَدْخُلُ ( كَاللَّيْلِ ) فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِمْسَاكِ سَاعَةً بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ ( فَأَخْرَجُوهُمَا ) أَيْ الْمَرَافِقِ وَاللَّيْلِ عَنْ الْقَائِمَةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَدْخَلَهُمَا ( قِيلَ ) : أَيْ قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ مَا مَعْنَاهُ ( مَبْنَاهُ ) أَيْ قَوْلِ غَيْرِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ( عَلَى تَفْسِيرِ الْقَائِمَةِ ) بِنَفْسِهَا ( بِكَوْنِهَا غَايَةً قَبْلَ التَّكَلُّمِ ) أَيْ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ ( غَايَةً بِذَاتِهَا لَا
بِجَعْلِهَا ) غَايَةً ( بِإِدْخَالِ إلَى عِنْدَهُمْ ) وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَرَافِقِ وَاللَّيْلِ لَيْسَ غَايَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنَّمَا صَارَ غَايَةً بِالْجَعْلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( مَبْنِيٌّ عَلَى إرَادَةِ مُنْتَهَى الشَّيْءِ لَا ) مُنْتَهَى ( الْحُكْمِ ) بِالْقَائِمَةِ ( فَخَرَجَ اللَّيْلُ وَالْجُزْءُ غَيْرُ الْمُنْتَهَى ) كَالْمَرَافِقِ مِنْ الْقَائِمَةِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مُنْتَهَى الصِّيَامِ وَالْمَرَافِقِ لَيْسَتْ مُنْتَهَى الْيَدِ ( وَاخْتَصَّ ) كَوْنُهَا قَائِمَةً عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ ( بِنَحْوِ إلَى الْحَائِطِ وَرَأْسِ السَّمَكَةِ ) مِمَّا هُوَ مُنْتَهَى الشَّيْءِ ( وَبِالْمَجْمُوعِ ) أَيْ وَاخْتَصَّ كَوْنُهَا قَائِمَةٌ بِمَجْمُوعِ كَوْنِهَا مُنْتَهَى الْمُغَيَّا وَمُنْتَهَى حُكْمِهِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( فَدَخَلَا ) أَيْ الْمَرَافِقُ وَاللَّيْلُ فِي الْقَائِمَةِ ( وَفِيهِ ) أَيْ كَوْنِ هَذَا مَبْنَى الْخِلَافِ ( نَظَرٌ لِأَنَّهُ ) أَيْ فَخْرَ الْإِسْلَامِ ( أَدْخَلَ الْمَرَافِقَ ) فِي الْقَائِمَةِ ( مَعَ انْتِفَاءِ صِدْقِ الْمَجْمُوعِ عَلَيْهَا ) أَيْ الْمَرَافِقِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمُنْتَهَى الْيَدِ وَلَا حُكْمَ الْيَدِ ( وَالْحَقُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ ) فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ ( بِالتَّنَاوُلِ ) أَيْ بِتَنَاوُلِ صَدْرِ الْكَلَامِ لِلْمُغَيَّا وَالْغَايَةِ مَعًا ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ التَّنَاوُلِ ( فَيَرْجِعُ ) كَوْنُ مَنَاطِ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ التَّنَاوُلُ وَعَدَمُهُ ( إلَى التَّفْصِيلِ النَّحْوِيِّ ) إلَى أَنَّ مَا بَعْدَهَا إنْ كَانَ جُزْءًا مِمَّا قَبْلَهَا دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا ( وَلِذَا خَطِئَ مَنْ أَدْخَلَ الرَّأْسَ ) مِنْ السَّمَكَةِ ( فِي الْقَائِمَةِ وَحَكَمَ بِعَدَمِ دُخُولِ الْقَائِمَةِ مُطْلَقًا ) فِي حُكْمِ الْمُغَيَّا وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( وَلَمْ يَزِدْ التَّفْصِيلَ إلَى الْقَائِمَةِ وَغَيْرِهَا سِوَى الشَّغَبِ ) فِي الْمُرَادِ بِالْقَائِمَةِ ثُمَّ هُوَ بِالتَّسْكِينِ تَهْيِيجُ الشَّرِّ وَلَا يُقَال شَغَبٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ رَجُلٌ ذُو شَغَبٍ وَشَغَبٍ (
فَعَدَمُ دُخُولِ الْعَاشِرِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فِي لَهُ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ ) أَيْ الدِّرْهَمِ ( إيَّاهُ ) أَيْ الْعَاشِرَ فَلَزِمَهُ تِسْعَةٌ ( وَأَدْخَلَاهُ ) أَيْ الْعَاشِرَ ( بِادِّعَاءِ الضَّرُورَةِ إذْ لَا يَقُومُ ) الْعَاشِرُ غَايَةً ( بِنَفْسِهَا ) لِعَدَمِ وُجُودِهِ بِدُونِ تِسْعَةٍ قَبْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وُجُودٌ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ ( فَلَا يَكُونُ ) الْعَاشِرُ غَايَةً ( إلَّا مَوْجُودَةً ) أَيْ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ ( وَهُوَ ) أَيْ وُجُودُهَا ( بِوُجُوبِهَا ) فَيَجِبُ ( وَصَارَ ) الْعَاشِرُ ( كَالْمُبْدَأِ ) وَهُوَ الدِّرْهَمُ الْأَوَّلُ فِي الدُّخُولِ ضَرُورَةً فَلَزِمَهُ عَشَرَةُ ( وَقَالَ ) أَبُو حَنِيفَةَ ( الْمَبْدَأُ ) أَيْ دُخُولُهُ ( بِالْعُرْفِ ) وَدَلَالَةِ الْحَالِ ( وَالْإِثْبَاتِ ) لِلْأَوَّلِ ( لِمَعْرُوضِ الثَّانَوِيَّةِ ) أَيْ لِأَجْلِ إثْبَاتِ الثَّانَوِيَّةِ لِلثَّانِي ضَرُورَةُ ثُبُوتِ الثَّانِي وَهَلُمَّ جَرًّا ( إلَى الْعَاشِرِيَّةِ ) أَيْ لِإِثْبَاتِهَا لِلْعَاشِرِ ( لَا يَثْبُتُ الْعَاشِرُ ) لِعَدَمِ احْتِيَاجِ إثْبَاتِ التَّاسِعِيَّةِ لِلتَّاسِعِ إلَى الْعَاشِرِ ( وَوُجُودُهُ ) أَيْ الْعَاشِرِ إنَّمَا هُوَ ( لِكَوْنِهِ غَايَةٌ فِي التَّعَقُّلِ لِتَحْدِيدِ الثَّابِتِ دُونَهُ ) أَيْ دُونِ الْعَاشِرِ وَهُوَ التَّاسِعُ ( وَإِضَافَةُ كُلِّ مَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْعَاشِرِ ( مِنْ الثَّانِي إلَى التَّاسِعِ يَسْتَدْعِي مَا قَبْلَهَا لَا مَا بَعْدَهَا كَالْعَاشِرِ وَلَوْ اسْتَدْعَاهُ ) أَيْ مَا بَعْدَهَا الْعَاشِرُ ( كَانَ ) اسْتِدْعَاؤُهُ إيَّاهُ ( فِي الْوُجُودِ لَا فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ ) أَيْ الْوُجُودِ وَهُوَ الْوُجُوبُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْعَاشِرِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ ( عَلَى مَعْرُوضِ وَصْفٍ مُضَايِفٍ ) لِوَصْفٍ آخَرَ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ آخَرَ ( عَلَى مَعْرُوضِ ) الْوَصْفِ ( الْآخَرِ وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى مَعْرُوضِ وَصْفٍ مُضَايِفٍ لِوَصْفٍ آخَرَ يُوجِبُهُ عَلَى مَعْرُوضِ الْوَصْفِ الْآخَرِ ( وَجَبَ قِيَامُ الِابْنِ لِلْحُكْمِ بِهِ ) أَيْ لِمَا يَحْكُمُ بِهِ ( عَلَى الْأَبِ ) لِمُضَايَفَتِهِ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّةَ
لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِكَوْنِ الْأَبِ فِي الدَّارِ كَوْنُ الِابْنِ فِيهَا ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَبَ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الِابْنِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ عَلَى مَعْرُوضِ وَصْفٍ مُضَايِفٍ لِوَصْفٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِهِ عَلَى مَعْرُوضِ الْوَصْفِ الْآخَرِ ( لَمْ يَقَعْ بِطَالِقٍ ثَانِيَةً غَيْرُ وَاحِدَةٍ ) لِكَوْنِ الثَّانِيَةِ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِوُقُوعِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّ وَصْفَ الثَّانَوِيَّةِ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَقْصُودِ الثُّبُوتِ هُنَا .
وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ مُمْكِنُ الثُّبُوتِ بِدُونِ كَوْنِهِ ثَانِيَةً وَكَوْنِهِ ثَانِيَةً هُنَا غَيْرُ مُمْكِنِ الثُّبُوتِ لِأَنَّ كَوْنَهُ ثَانِيَةً إنَّمَا هُوَ بِإِيقَاعِ أُخْرَى سَابِقَةٍ عَلَى هَذَا الْإِيقَاعِ وَهِيَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ هُنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ وَالطَّلَاقُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِاللَّفْظِ لَغَا وَصْفُ الثَّانَوِيَّةِ وَوَقَعَ مَعْرُوضُهَا الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ( وَوُقُوعُهُمَا ) أَيْ الطَّلْقَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( فِي ) أَنْتِ طَالِقٌ ( مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى ثَلَاثٍ بِوُقُوعِ الْأُولَى لِلْعُرْفِ لَا لِذَلِكَ ) أَيْ التَّضَايُفِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ ( وَلَا لِجَرَيَانِ ذِكْرِهَا ) أَيْ الْأُولَى ( لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ ) أَيْ ذِكْرِهَا ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ وُقُوعَهَا ( إذَا لَمْ تَقْتَضِهِ ) أَيْ وُقُوعُهَا بِمُجَرَّدِ ذِكْرِهَا ( اللُّغَةُ وَبِهَذَا ) أَيْ كَوْنِ مُجَرَّدِ ذِكْرِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَهُ إذَا لَمْ تَقْتَضِهِ اللُّغَةُ ( بَعْدَ قَوْلِهِمَا فِي إيقَاعِ الثَّالِثَةِ ) أَيْ بِإِيقَاعِهَا ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ ( الْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْغَدِ غَايَةً لِلْخِيَارِ وَالْيَمِينِ ) فِي بِعْتُك هَذَا بِكَذَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ إلَى غَدٍ ، وَوَاللَّهِ لَا أُكَلِّمُك إلَى غَدٍ ( فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ ) بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِلتَّنَاوُلِ ) أَيْ تَنَاوُلِ الْكَلَامِ الْغَايَةَ ( لِأَنَّ مُطْلَقَهُ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَنَفْيِ الْكَلَامِ (
يُوجِبُ الْأَبَدَ فَهِيَ ) أَيْ الْغَايَةُ فِيهِمَا ( لِإِسْقَاطِ مَا بَعْدَهَا ) فَيَدْخُلُ الْغَدُ فِي الْخِيَارِ وَفِي الْيَمِينِ ( وَمَا وَقَعَ ) فِي نُسَخٍ مِنْ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَذَلِكَ ( فِي الْآجَالِ وَالْأَثْمَانِ ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ ( غَلَطٌ لِإِنْفَاقِ الرِّوَايَةِ عَلَى عَدَمِهِ ) أَيْ دُخُولِ الْغَايَةِ ( فِي أَجَلِ الدَّيْنِ وَالثَّمَنِ وَالْإِجَارَةِ ) كَاشْتَرَيْتُ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى شَهْرِ كَذَا أَوْ آجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِمِائَةٍ إلَى شَهْرِ كَذَا فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ الشَّهْرُ فِي الْأَجَلِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ الدُّخُولِ هُوَ ( الظَّاهِرُ ) أَيْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ ( فِي الْيَمِينِ ) فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ الصَّوَابُ فِي الْآجَالِ فِي الْأَيْمَانِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( فَلَزِمَهُ ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ ( الْفَرْقُ ) بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ ( فَقِيلَ ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ : ذِكْرُ الْغَايَةِ ( فِي الْأَوَّلَيْنِ ) أَيْ الدَّيْنِ وَالثَّمَنِ ( لِلتَّرْفِيهِ ) أَيْ التَّخْفِيفِ وَالتَّوْسِعَةِ ( وَيَصْدُقُ ) التَّرْفِيهُ ( بِالْأَقَلِّ زَمَانًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْهَا ) أَيْ الْكَلَامُ الْغَايَة ( فَهِيَ ) أَيْ الْغَايَة فِيهِمَا ( لِلْمَدِّ ) أَيْ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا ( وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةٍ ) بِعِوَضٍ مَالِيٍّ ( وَيَصْدُقُ ) تَمْلِيكُهَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ بِالْأَقَلِّ زَمَانًا ( وَهُوَ ) أَيْ تَمْلِيكُهَا كَذَلِكَ ( غَيْرُ مُرَادٍ فَكَانَ ) الْمُرَادُ مِنْهَا ( مَجْهُولًا ) لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الْمُرَادَةِ ( فَهِيَ ) أَيْ الْغَايَةُ فِيهَا ( لِمُدَّةِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( إلَيْهَا ) أَيْ الْغَايَةِ ( بَيَانًا لِقَدْرٍ ) مَجْهُولٍ فَلَمْ تَدْخُلْ الْغَايَةُ ( وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي وَجْهِ الظَّاهِرِ ) فِي عَدَمِ دُخُولِ الْغَدِ فِي الْيَمِينِ ( فِي حُرْمَةِ الْكَلَامِ ) وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِهِ ( فِي مَوْضِعِ الْغَايَةِ شَكٌّ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحُرْمَةِ لِلنَّهْيِ عَنْ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِكَلَامِهِ ( وَمَا نُسِبَ إلَيْهِمَا ) أَيْ الصَّاحِبَيْنِ مِنْ أَنَّ الْغَايَةَ فِي
هَذِهِ الْمَسَائِلِ ( لَا تَدْخُلُ ) فِي الْمُغَيَّا ( إلَّا بِدَلِيلٍ وَلِذَا ) أَيْ وَلِعَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِ ( سُمِّيَتْ غَايَةً لِأَنَّ الْحُكْمَ يَنْتَهِي إلَيْهَا وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الْمَرَافِقُ بِالسُّنَّةِ ) فِعْلًا كَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ { جَابِرٍ قَالَ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدِيرُ الْمَاءَ عَلَى الْمَرَافِقِ } ( وَبَحْثُ الْقَاضِي إذَا قَرَنَ الْكَلَامَ بِغَايَةٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَرْطٍ لَا يُعْتَبَرُ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يَخْرُجْ بِالْقَيْدِ ) عَنْ الْإِطْلَاقِ ( بَلْ بِجُمْلَتِهِ ) أَيْ بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَ الْقَيْدِ جُمْلَةً وَاحِدَةً ( فَالْفِعْلُ مَعَ الْغَايَةِ كَلَامٌ وَاحِدٌ لِلْإِيجَابِ إلَيْهَا ) أَيْ الْغَايَةِ ( لَا لِلْإِيجَابِ وَالْإِسْقَاطِ ) لِأَنَّهُمَا ضِدَّانِ فَلَا يَثْبُتَانِ إلَّا بِنَصَّيْنِ وَالْكَلَامُ مَعَ الْغَايَةِ نَصٌّ وَاحِدٌ ( يُوجِبُ أَنْ لَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ ) النَّحْوِيِّ فَقَوْلُهُ وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُبْتَدَأٌ وَكُلٌّ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا نُسِبَ إلَيْهِمَا وَمِنْ قَوْلِهِ وَبَحْثُ الْقَاضِي مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَيُوجِبُ خَبَرَهُ يَعْنِي أَنَّهُ يُؤَيِّدُ مَا رَدَّهُ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ مَحَلِّ الْغَايَةِ مُتَنَاوِلَ الصَّدْرِ فَيَدْخُلُ أَوْ لَا ، فَلَا حَيْثُ قَالَ : وَالتَّفْصِيلُ بِلَا دَلِيلٍ وَالْوَجْهُ الْمَذْكُورُ لَهُمْ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَشْمُولًا كَانَ اللَّفْظُ مُثْبِتًا لِلْحُكْمِ فِيهَا وَفِيمَا وَرَاءَهَا فَذِكْرُهَا يَكُونُ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا غَيْرُ تَامٍّ إذْ يُقَالُ : لِمَ لَا يَكُونُ ذِكْرُهَا لِإِخْرَاجِ الْكُلِّ مِنْهَا وَمِمَّا وَرَاءَهَا فَإِنَّ الْحَاصِلَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِبَعْضِ الْمُسَمَّى فَجَازَ كَوْنُهُ الْبَعْضَ الَّذِي مِنْهُ مَحَلُّ الْغَايَةِ كَمَا جَازَ كَوْنُهُ مَا سِوَاهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( بَلْ الْإِدْخَالُ بِالدَّلِيلِ مِنْ وُجُوبِ احْتِيَاطٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَهُوَ ) أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى الْإِدْخَالِ ( فِي الْخِيَارِ كَوْنُهُ ) أَيْ الْخِيَارِ شُرِعَ ( لِلتَّرَوِّي وَقَدْ ضَرَبَ الشَّرْعُ لَهُ ) أَيْ لِلتَّرَوِّي ( ثَلَاثَةً ) مِنْ الْأَيَّامِ
بِلَيَالِيِهَا ( حَيْثُ ثَبَتَ ) التَّرَوِّي ( كَالْبَيْعِ ) فَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرِكِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { كَانَ حِبَّانُ بْنُ مُنْقِذٍ رَجُلًا ضَعِيفًا وَكَانَ قَدْ أَصَابَتْهُ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةٌ فَجَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخِيَارَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَاهُ } وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يَشْكُو إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ فَقَالَ لَهُ : إذَا ابْتَعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَالرِّدَّةُ ) فَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ لَهُ : هَلْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ قَالَ : نَعَمْ رَجُلٌ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَام فَقَتَلْنَاهُ فَقَالَ : هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ فِي بَيْتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا لَعَلَّهُ يَتُوبُ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرُ وَلَمْ أَرْضَ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الثَّلَاثَةَ ( مَظِنَّةُ إتْقَانِهِ ) أَيْ التَّرَوِّي اتَّقَانَا ( تَامًّا فَالظَّاهِرُ إدْخَالُ مَا عُيِّنَ غَايَةً ) لِلتَّرَوِّي ( دُونَهَا ) أَيْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( وَعَلَى هَذَا ) الْبَحْثِ ( انْتَفَى بِنَاءُ إيجَابِ ) غَسْلِ ( الْمَرَافِقِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كَوْنِهِ مُتَنَاوَلًا لِلصَّدْرِ إذْ ظَهَرَ أَنْ لَا أَثَرَ لِكَوْنِهِ جُزْءًا فِي الدُّخُولِ فِي الْحُكْمِ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ افْتِرَاضَ غَسْلِ الْمَرَافِقِ بِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا ( عَلَى اسْتِعْمَالِهَا ) أَيْ إلَى ( لِلْمَعِيَّةِ ) كَمَا فِي { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ } ( بَعْدَ قَوْلِهِمْ الْيَدِ ) مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ ( إلَى الْمَنْكِبِ ) وَإِنَّمَا انْتَفَى ( لِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( يُوجِبُ الْكُلَّ ) أَيْ غَسْلَ الْيَدِ إلَى الْمَنْكِبِ ( لِأَنَّهُ كَاغْسِلْ الْقَمِيصَ
وَكُمَّهُ وَغَايَتُهُ ) أَيْ ذِكْرِ الْمَرَافِقِ حِينَئِذٍ ( كَإِفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ ) بِحُكْمِ الْعَامِّ ( إذْ هُوَ ) أَيْ ذِكْرُ الْمَرَافِقِ ( تَنْصِيصٌ عَلَى بَعْضِ مُتَعَلِّقِ الْحُكْمِ ) وَهُوَ الْيَدُ ( بِتَعْلِيقِ عَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ ) بِذَلِكَ الْبَعْضِ ( وَذَلِكَ ) أَيْ وَإِفْرَادُ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ ( لَا يُخْرِجُ غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ ذَلِكَ الْفَرْدِ عَنْ حُكْمِ الْعَامِّ فَكَذَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْمَرَافِقِ لَا يَقْتَضِي إخْرَاجَ مَا وَرَاءَهَا مِنْ وُجُوبِ الْغَسْلِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَيْدِي ( وَلَوْ أَخْرَجَ ) التَّنْصِيصُ عَلَى الْفَرْدِ مِنْهُ غَيْرَهُ عَنْ حُكْمِهِ ( كَانَ ) إخْرَاجًا ( بِمَفْهُومِ اللَّقَبِ ) وَهُوَ مَرْدُودٌ فَكَذَا هَذَا ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُحِيطِ رَضِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ فِي تَوْجِيهِ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمَرَافِقِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ ( لِضَرُورَةِ غَسْلِ الْيَدِ إذْ لَا يَتِمُّ ) غَسْلُهَا ( دُونَهُ ) أَيْ غَسْلِ الْمَرْفَقِ ( لِتَشَابُكِ عَظْمَاتِ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ ) وَعَدَمِ إمْكَانِ التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا فَيَتَعَيَّنُ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ افْتِرَاضِ غَسْلِ الذِّرَاعِ بِيَقِينٍ غَسْلُ الْمِرْفَقِ وَإِنَّمَا انْتَفَى ( لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذِّرَاعِ لَيَجِبَ غَسْلُ مَا لَازِمُهُ ) وَهُوَ طَرَفُ عَظْمِ الْعَضُدِ ( بَلْ ) تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْغَسْلِ ( بِالْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ وَمَا بَعْدُ إلَى لِمَا لَمْ يَدْخُلْ ) كَمَا هُوَ الْفَرْضُ ( لَمْ يَدْخُلْ جَزَآهُمَا ) أَيْ الذِّرَاعُ وَالْعَضُدُ ( الْمُلْتَقِيَانِ ) فِي الْمِرْفَقِ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا اشْتَبَهَ الْمُرَادُ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ ( لِلْإِجْمَالِ ) لِأَنَّ إلَى تُسْتَعْمَلُ لِلْغَايَةِ وَبِمَعْنَى مَعَ ( وَغَسْلُهُ ) الْمِرْفَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَالْتَحَقَ ) غَسْلُهُ ( بِهِ ) أَيْ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ ( بَيَانًا ) لِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَإِنَّمَا انْتَفَى ( لِأَنَّ عَدَمَ
دَلَالَةِ اللَّفْظِ ) يَعْنِي وَأَيْدِيكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ عَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقِ فِي الْغَسْلِ ( لَا يُوجِبُ الْإِجْمَالَ ) فِيمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إلَى الْمَرَافِقِ وَلَا سِيَّمَا ( وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ بَلْ ) الَّذِي يُوجِبُ الْإِجْمَالَ ( الدَّلَالَةُ الْمُشْتَبِهَةُ ) عَلَى الْمُرَادِ اشْتِبَاهًا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ هُنَا وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( فَبَقِيَ مُجَرَّدُ فِعْلِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( دَلِيلُ السُّنَّةِ ) كَمَا فَعَلَ زُفَرُ بِقَوْلِهِ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْغَايَةَ ( تَدْخُلُ ) تَارَةً كَمَا فِي حَفِظْت الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ ( وَلَا ) تَدْخُلُ أُخْرَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } ( فَتَدْخُلُ احْتِيَاطًا ) هُنَا لِأَنَّ الْحَدَثَ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا انْتَفَى ( لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى الدَّلِيلِ لَا يَجِبُ مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ وَالْفَرْضُ انْتِفَاءُ دَلِيلِ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ وُجُوبُ غَسْلِ الْمِرْفَقِ فِي الْآيَةِ ( وَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَهُوَ ) أَيْ الْعَمَلُ بِأَقْوَاهُمَا ( فَرْعٌ تَجَاذُبُهُمَا وَهُوَ ) أَيْ تَجَاذُبُهُمَا ( مُنْتَفٍ ) إذْ لَمْ يَشْتَمِلْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ عَلَى دَلِيلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي غَسْلِ الْمِرْفَقِ إيجَابًا وَنَفْيًا ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ افْتِرَاضِ غَسْلِ الْمَرَافِقِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَوْلَهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ غَايَةٌ ( لِمَسْقَطَيْنِ مُقَدَّرٌ ) حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ : فَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ مُسْقِطِينَ الْمَنْكِبَ إلَى الْمِرْفَقِ وَإِنَّمَا انْتَفَى ( لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِلَا مُلْجِئٍ ) إلَيْهِ إذْ الظَّاهِرُ تَعَلُّقُهُ بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَانْتَفَى أَيْضًا تَوْجِيهُ وُجُوبِ غَسْلِ الْمِرْفَقِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ
الْكَاكِيُّ مِنْ أَنَّ إلَى الْمَرَافِقِ ( مُتَعَلِّقٌ بِاغْسِلُوا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِسْقَاطُ ) أَيْ فَهُوَ غَايَةٌ لَا غَسَلُوا لَكِنْ لِأَجْلِ إسْقَاطِ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقِ عَنْ حُكْمِ الْغَسْلِ وَإِنَّمَا انْتَفَى ( لِأَنَّهُ ) أَيْ اللَّفْظَ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ هَذَا الْمُرَادُ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ إلَى الْمَرَافِقِ ( مُتَعَلِّقًا بِاغْسِلُوا مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ ) أَيْ اغْسِلُوا ( الْإِسْقَاطُ ) عَمَّا وَرَاءِ الْمِرْفَقِ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ الْإِسْقَاطُ ( عَمَّا فَوْقَ الْمَرَافِقِ بَلْ ) إنَّمَا يُوجِبُ الْإِسْقَاطَ ( عَمَّا قَبْلَهُ ) أَيْ الْمَرَافِقِ ( بِاللَّفْظِ مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهَ ( بِلَا قَاعِدَةٍ وَالْأَقْرَبُ ) مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ لُزُومَ غَسْلِهَا ( الِاحْتِيَاطُ لِثُبُوتِ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ ) أَيْ الدُّخُولِ ( كَثِيرًا وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ تَرْكُهُ ) أَيْ غَسْلِ الْمَرَافِقِ ( فَقَامَتْ قَرِينَةُ إرَادَتِهِ ) أَيْ الدُّخُولِ ( مِنْ النَّصِّ ظَنًّا فَأَوْجَبَ ) هَذَا التَّوْجِيهُ ( لِلِاحْتِيَاطِ ) بِالْغَسْلِ ( إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ ( وُجُوبُ إدْخَالِهِمَا ) أَيْ الْمِرْفَقَيْنِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ ( عَلَى أَصْلِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ لَا افْتِرَاضِ دُخُولِهِمَا وَلَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ الِافْتِرَاضُ وَإِنْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ إطْلَاقَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الِاصْطِلَاحِيِّ لَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِ الْفَرْضِ عَلَيْهِ لَا بِالْقَلْبِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُكَفِّرُوا هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ الْمُخَالِفَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( أَوْ يَثْبُتُ اسْتِقْرَاءُ التَّفْصِيلِ ) بَيْنَ مَا كَانَ جُزْءًا فَيَدْخُلُ وَإِلَّا فَلَا ( فَيَحْمِلُ ) الْغَايَةَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ ( عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ فِي الْآيَةِ ) فَتَدْخُلُ افْتِرَاضًا إنْ كَانَ الِاسْتِقْرَاءُ تَامًّا قَطْعِيًّا وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ
( مَسْأَلَةٌ فِي لِلظَّرْفِيَّةِ ) بِأَنْ يَشْتَمِلَ الْمَجْرُورُ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ اشْتِمَالًا مَكَانِيًّا أَوْ زَمَانِيًّا ( حَقِيقَةً ) كَالْمَاءِ فِي الْكُوزِ وَالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( فَلَزِمَا ) أَيْ الظَّرْفُ وَالْمَظْرُوفُ ( فِي غَصَبْتُهُ ثَوْبًا فِي مَنْدِيلٍ ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبِ مَظْرُوفٍ فِي ظَرْفٍ وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ ( وَمَجَازًا كَالدَّارِ فِي يَدِهِ وَ ) هُوَ ( فِي نِعْمَةٍ ) جُعِلَتْ يَدُهُ ظَرْفًا لِلدَّارِ لِاخْتِصَاصِهَا بِهَا مَنْفَعَةً وَتَصَرُّفًا وَالنِّعْمَةُ ظَرْفًا لَهُ لِغَمْرِهَا إيَّاهُ ( وَعَمَّ مُتَعَلِّقُهَا مَدْخُولَهَا ) حَالَ كَوْنِهَا ( مُقَدَّرَةً لَا مَلْفُوظَةً ) وَهَذَا الْعُمُومُ ثَابِتٌ ( لُغَةً لِلْفَرْقِ ) لُغَةً وَعُرْفًا ( بَيْنَ صُمْت سَنَةً وَفِي سَنَةٍ ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ يُفِيدُ اسْتِيعَابَ السَّنَةِ بِالصَّوْمِ وَالثَّانِي يُفِيدُ وُقُوعَهُ فِيهَا وَهُوَ يَصْدُقُ بِوُقُوعِهِ فِي بَعْضِ يَوْمٍ مِنْهَا إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الظَّرْفِيَّةِ الِاسْتِيعَابُ وَمِمَّا يُرْشِدُ إلَى هَذَا قَوْله تَعَالَى { إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } فَإِنَّهُ لَا اسْتِيعَابَ فِيمَا فِيهِ الْحَرْفُ وَهُوَ ثَابِتٌ فِيمَا لَا حَرْفَ فِيهِ وَالنُّكْتَةُ فِيهِ أَنَّ نُصْرَةَ اللَّهِ إيَّاهُمْ فِي الْعُقْبَى دَائِمَةٌ بِخِلَافِ النُّصْرَةِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهَا إنَّمَا هِيَ فِي أَوْقَاتٍ لِأَنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ ( فَلَمْ يَصْدُقْ قَضَاءً فِي نِيَّتِهِ آخِرَ النَّهَارِ فِي طَالِقٌ غَدًا ) وَصَدَقَ دِيَانَةً عِنْدَ الْكُلِّ ( وَصَدَقَ فِي ) طَالِقٌ ( فِي غَدٍ ) قَضَاءً وَدِيَانَةً فِي نِيَّتِهِ آخِرَ النَّهَارِ عِنْدَهُ ( خِلَافًا لَهُمَا ) فَقَالَا : يَصْدُقُ دِيَانَةً لَا غَيْرَ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي جَمِيعِ الْغَدِ كَالْأَوَّلِ لِأَنَّ حَذْفَ لَفْظَةِ مَعَ إرَادَتِهَا وَإِثْبَاتِهَا سَوَاءٌ وَحَيْثُ كَانَ حَذْفُهَا يُفِيدُ عُمُومَ الزَّمَانِ فَإِثْبَاتُهَا كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّةَ يَقَعُ فِي إثْبَاتِهَا فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْغَدِ عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا
وَلَهُ أَنَّ ذِكْرَهَا يُفِيدُ وَصْلَ مُتَعَلِّقِهَا بِجُزْءٍ مِنْ مَدْخُولِهَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا بِجُزْءٍ آخَرَ أَوْ كُلِّهِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يُعْرَفُ أَحَدُهَا مِنْ خَارِجٍ لَا مَدْلُولَ اللَّفْظِ فَإِذَا نَوَى جُزْءًا مِنْ الزَّمَانِ خَاصًّا فَقَدْ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ أَفْرَادِ الْمُتَوَاطِئِ ( وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَوَّلُ أَجْزَائِهِ ) أَيْ الْغَدِ ( مَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ ( لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ ) لِسَبْقِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ وَوَصَلَ الْفِعْلَ إلَى الْغَدِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الْمُفَادَ حِينَئِذٍ الْعُمُومُ مِنْ اللُّغَةِ قَطْعًا كَمَا ذَكَرْنَا فَنِيَّةُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يَصْدُقُ قَضَاءً ( وَتَنَجَّزَ نَحْوُ طَالِقٌ فِي الدَّارِ وَالشَّمْسِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ الدَّارِ وَالشَّمْسِ ( لِلْإِضَافَةِ ) أَيْ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ مَعْنَى وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَكُونُ بِمَعْدُومٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْمَكَانِ الْمُعَيَّنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الثَّابِتَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذَا بَطَلَ التَّعْلِيقُ فَقَدْ خَلَا اللَّفْظُ فِي الْمَعْنَى عَنْهُ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ ( إلَّا أَنْ يُرَادَ ) بِقَوْلِهِ فِي الدَّارِ ( نَحْوُ دُخُولُكَهَا ) أَيْ فِي دُخُولِك الدَّارَ حَالَ كَوْنِ الدُّخُولِ ( مُضَافًا ) إلَى الدَّارِ وَحُذِفَ اخْتِصَارًا ( أَوْ ) يُرَادُ بِهِ ( الْمَحَلُّ فِي الْحَالِ ) الَّذِي هُوَ الدُّخُولُ مَجَازًا ( أَوْ ) يُرَادُ بِهِ ( اسْتِعْمَالُهَا ) أَيْ فِي ( فِي الْمُقَارَنَةِ ) أَيْ بِمَعْنَى مَعَ لِأَنَّ فِي الظَّرْفِ مَعْنَى الْمُقَارَنَةِ لِلْمَظْرُوفِ إذْ مِنْ قَضِيَّتِهِ الِاحْتِوَاءُ عَلَيْهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ ( كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا ) كَمَا لِلْمُقَارِنِ مَعَ مُقَارِنِهِ ( لَا ) كَالتَّعْلِيقِ ( تَرَتُّبًا ) كَمَا لِلْمُعَلَّقِ عَلَى الشَّرْطِ مَعَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْبَعْضُ ( فَعَنْهُ ) أَيْ كَوْنِهِ كَالتَّعْلِيقِ تَوَقُّفًا لَا تَرَتُّبًا ( لَا تَطْلُقُ أَجْنَبِيَّةٌ قَالَ لَهَا : أَنْتِ طَالِقٌ فِي نِكَاحِك ) ثُمَّ تَزَوَّجَهَا
كَمَا لَوْ قَالَ : مَعَ نِكَاحِك ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الطَّلَاقِ الْمُقَارِنِ لِلنِّكَاحِ لَغْوٌ وَإِلَّا لَوْ كَانَ كَالتَّعْلِيقِ تَرَتُّبًا طَلُقَتْ كَمَا لَوْ قَالَ : إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ هَذَا وَحَذْفُ الْمُضَافِ أَوْ التَّجَوُّزُ الْمَذْكُورُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَصْدُقْ فِيهِ قَضَاءً وَصَدَقَ دِيَانَةً لِاحْتِمَالِ اللَّفْظِ ثُمَّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَصْلُحُ الدُّخُولُ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ شَاغِلٌ لَهُ لِأَنَّهُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَارَ إلَى أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَصْدَرِ الْمُرَادِ بِهِ الزَّمَانُ كَأَتَيْتُكَ قُدُومَ الْحَاجِّ وَخُفُوقَ النَّجْمِ وَهُوَ شَائِعٌ لُغَةً أَوْ إلَى اسْتِعَارَةِ فِي لِلْمُقَارَنَةِ لِلْمُنَاسِبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ التَّحْقِيقُ أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يُرَادَ نَحْوُ دُخُولُكَهَا أَوْ الْمَحَلُّ فِي الْحَالِ إمَّا عَلَى إرَادَةِ الزَّمَانِ أَوْ الْمُقَارَنَةِ بَقِيَ ( وَتَعَلَّقَ طَالِقٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ ) بِمَشِيئَةِ اللَّهِ كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ ( فَلَمْ يَقَعْ ) الطَّلَاقُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ وُقُوعَهُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ ( غَيْبٌ لِاخْتِصَاصِهَا ) أَيْ الْمَشِيئَةِ بِاَللَّهِ بِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فَيَكُونُ الْحَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوُقُوعُ بِطَرِيقِهِ ( وَتَنَجَّزَ ) الطَّلَاقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ ( فِي عِلْمِ اللَّهِ لِشُمُولِهِ ) أَيْ عِلْمِهِ جَمِيعَ الْمَعْلُومَاتِ أَلَا إنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ( فَلَا خَطَرَ ) فِي التَّعْلِيقِ بِهِ ( بَلْ ) التَّعْلِيقُ بِهِ ( تَعْلِيقٌ بِكَائِنٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِمَوْجُودٍ فَكَانَ تَنْجِيزًا ( وَأَوْرَدَ ) عَلَى هَذَا ( فَيَجِبُ الْوُقُوعُ فِي ) أَنْتِ طَالِقٌ ( فِي قُدْرَةِ اللَّهِ لِلشُّمُولِ ) أَيْ لِشُمُولِ الْقُدْرَةِ جَمِيعَ الْمُمْكِنَاتِ ( أُجِيبَ بِكَثْرَةِ إرَادَةِ التَّقْدِيرِ ) أَيْ تَقْدِيرِ اللَّهِ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ ( فَكَالْمَشِيئَةِ ) أَيْ فَالْحُكْمُ فِيهِ حِينَئِذٍ كَالْحُكْمِ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا
وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ وَكَوْنُ هَذَا مِمَّا قَدَّرَ وُقُوعَهُ غَيْبٌ عَنَّا فَلَا يَقَعُ بِالِاحْتِمَالِ ( وَدُفِعَ ) هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّهَا ( تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ بِكَثْرَةٍ أَيْضًا وَأُجِيبَ ) هَذَا الدَّفْعُ ( بِأَنَّ الْمَعْنَى بِهِ ) أَيْ بِفِي قُدْرَةِ اللَّهِ ( آثَارُ الْقُدْرَةِ ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ( وَلَا أَثَرَ لِلْعِلْمِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصِفَةٍ مُؤَثِّرَةٍ ( وَدُفِعَ ) هَذَا ( بِاتِّحَادِ الْحَاصِلِ مِنْ مَقْدُورٍ وَآثَارِ الْقُدْرَةِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ ) فِي قُدْرَةِ اللَّهِ بِمَعْنَى مَقْدُورِ اللَّهِ ( كَالْمَعْلُومِ ) فِي عِلْمِ اللَّهِ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَالْوَجْهُ إذْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى التَّعْلِيقِ أَنْ لَا مَعْنَى لِلتَّعْلِيقِ بِمَقْدُورِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ وُجُودُهُ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ أَوْ ) كَانَ الْمَعْنَى ( عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَقْدُورَاتِهِ فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ ( كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ فِي عِلْمِهِ ) بِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَعْلُومِ اللَّهِ أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَعْلُومَاتِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَقَعْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَعْلُومِ اللَّهِ ( وَيُجَابُ بِاخْتِيَارِ الثَّانِي ) وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ فِي جُمْلَةِ مَقْدُورَاتِهِ ( وَبِالْفَرْقِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ فِي عِلْمِهِ ( بِأَنَّ ثُبُوتَهُ ) أَيْ طَلَاقِهَا ( فِي عِلْمِهِ بِثُبُوتِهِ فِي الْوُجُودِ وَهُوَ ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْوُجُودِ ( بِوُقُوعِهِ بِخِلَافِ ثُبُوتِهِ فِي الْقُدْرَةِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ ) أَيْ ثُبُوتِهِ فِي الْقُدْرَةِ ( أَنَّهُ مَقْدُورٌ ) أَيْ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ ( وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَقْدُورًا كَوْنُهُ مَوْجُودًا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ ) وَمِنْ ثَمَّةَ يُقَالُ لِفَاسِدِ الْحَالِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْحَالِ ( هَذَا حَقِيقَةُ الْفَرْقِ وَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ وَأَيْضًا الْمَبْنِيُّ ) فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي التَّرْكِيبِ
مُعَلَّقًا عَلَيْهِ ( الْحَمْلُ عَلَى الْأَكْثَرِ فِيهِ اسْتِعْمَالًا فَلَا يَرِدُ الثَّانِي ) وَهُوَ كَوْنُ الْقُدْرَةِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الْمَقْدُورِ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا بِمَعْنَاهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّقْدِيرِ ( وَلَوْ تَسَاوَيَا لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ ) هَذَا وَلَوْ أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي ( وَلِبُطْلَانِ الظَّرْفِيَّةِ لَزِمَ عَشَرَةٌ فِي لَهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ ) لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِنَفْسِهِ لَا يُقَالُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِحَقِيقَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَعَ أَوْ وَاوِ الْعَطْفِ كَمَا هُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ عِنْدَ تَعَدُّدِ جِهَةِ الْمَجَازِ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ فَيَتَعَيَّنُ الْإِلْغَاءُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ فَلَا يَجِبُ الْمَالُ بِالشَّكِّ نَعَمْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( إلَّا إنْ قَصَدَ بِهِ ) أَيْ بِفِي ( الْمَعِيَّةَ ) أَيْ مَعْنَى مَعَ ( أَوْ الْعَطْفَ ) أَيْ وَاوَهُ ( فَعِشْرُونَ لِمُنَاسِبَةِ الظَّرْفِيَّةِ كِلَيْهِمَا ) أَيْ الْمَعِيَّةِ وَالْعَطْفِ أَمَّا الْمَعِيَّةُ فَكَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْعَطْفُ فَلِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ وَالظَّرْفُ يَجْمَعُ الْمَظْرُوفَ فَكَانَ مُحْتَمَلٌ كَلَامُهُ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَشْدِيدًا عَلَيْهِ فَيُحْكَمُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُعْلَمُ قَرِيبًا ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ فِي بُطْلَانِ الظَّرْفِيَّةِ أَنْتِ ( طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي وَاحِدَةٍ ) فَيَقَعُ وَاحِدَةً مَا لَمْ يَنْوِ الْمَعِيَّةَ أَوْ الْعَطْفَ فَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا وَقَعَ وَاحِدَةً فِي نِيَّةِ الْعَطْفِ وَثِنْتَانِ فِي نِيَّةِ الْمَعِيَّةِ ( وَإِنَّمَا يُشْكِلُ إذَا أَرَادَ عُرْفَ الْحِسَابِ ) فِي مِثْلِ لَهُ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ حَيْثُ قَالُوا : يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ ( لِأَنَّ مُؤَدَّى اللَّفْظِ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ أَرَادَ عُرْفَ الْحِسَابِ ( كَمُؤَدَّى عَشْرِ عَشْرَاتٍ ) لِأَنَّ عُرْفَهُمْ
تُضِيفُ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ بِعَدَدِ الْآخَرِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعُرْفِهِمْ وَأَرَادَهُ عَالِمًا بِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَهُوَ يَدْرِيهَا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ زُفَرُ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ : يَلْزَمُهُ مِائَةٌ حَتَّى لَوْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ مَجْمُوعَ الْحَاصِلِ وَأَنْكَرَ الْمُقِرُّ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
( أَدَوَاتُ الشَّرْطِ أَيْ تَعْلِيقُ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ عَلَى أُخْرَى تَلِيهَا وَحَاصِلُهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ( رَبْطُ خَاصٍّ وَنِسْبَتُهَا ) أَيْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِمْ جُمْلَةً شَرْطِيَّةً ( لِدَلَالَتِهَا ) أَيْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ( وَيُقَالُ ) لَفْظُ الشَّرْطِ أَيْضًا ( لِمَضْمُونِ ) الْجُمْلَةِ ( الْأُولَى ) فَقَطْ ( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الثَّانِي قَوْلُهُمْ ( الشَّرْطُ مَعْدُومٌ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ) أَيْ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَا مُسْتَحِيلٌ وَلَا مُتَحَقِّقٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِلْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا ( وَإِنَّ أَصْلَهَا ) أَيْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ ( لِتَجَرُّدِهَا لَهُ ) أَيْ لِلشَّرْطِ ( وَغَيْرِهَا ) أَيْ أَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِ ( مَعَ خُصُوصِ زَمَانٍ وَنَحْوِهِ ) وَمَا فِي التَّحْرِيرِ شَرْحُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْأَصْلُ فِي أَلْفَاظِ الشَّرْطِ كُلَّمَا وَالْبَاقِي مُلْحَقٌ بِهَا غَرِيبٌ ( وَاشْتُرِطَ ) لُغَةً ( الْخَطَرُ فِي مَدْخُولِهَا ) أَيْ إنَّ ( وَمَدْخُولِ الْأَسْمَاءِ الْجَازِمَةِ كَمَتَى حَتَّى امْتَنَعَ إنْ أَوْ مَتَى طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَفْعَلُ ) لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ لَا خَطَرَ فِيهِ ( إلَّا لِنُكْتَةٍ ) مِنْ تَوْبِيخٍ أَوْ تَغْلِيبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي وَهَذَا الِامْتِنَاعُ وَاقِعٌ لُغَةً ( لَا لِأَنَّهُ ) أَيْ الْخَطَرَ ( شَرْطُ الشَّرْطِ ) مُطْلَقًا ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ الْكَلَامِ فِي إنْ ( أَنَّهَا إنَّمَا وُضِعَتْ لِإِفَادَةِ التَّعْلِيقِ كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِكَوْنِ الْخَطَرِ لَيْسَ بِشَرْطِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا ( صَحَّ ) الشَّرْطُ ( مَعَ ضِدِّهِ ) أَيْ الْخَطَرِ ( فِي إذَا جَاءَ غَدٌ أُكْرِمْك ) فَإِنَّ مَجِيءَ الْغَدِ مُحَقَّقٌ ( لِوَضْعِهَا ) أَيْ إذَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ لِإِفَادَةِ التَّعْلِيقِ عَلَى مَا هُوَ مُحَقَّقٌ مَقْطُوعٌ بِهِ إذَا كَانَتْ لِلشَّرْطِ ( إلَّا لِنُكْتَةٍ كَإِذَا جَاءَ زَيْدٌ تَفَاؤُلًا ) إذَا كَانَ مَجِيئُهُ مَطْلُوبًا وَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ
وَكَقَوْلِ عَبْدِ قَيْسٍ بْنِ خِفَافٍ وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى ( وَإِذَا تُصِبْك ) خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ ( تَنْزِيلًا لَهُ ) أَيْ لِلْخَطَرِ وَهُوَ إصَابَةُ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ إيَّاهُ ( مُحَقَّقًا ) أَيْ مَنْزِلَةُ الْوَاقِعِ ( لِعَادَةِ الْوُجُودِ ) لِأَنَّ مِنْ شِيَمِهِ رَدَّ الْمَوَاهِبِ وَحَطَّ الْمَرَاتِبِ ( وَتَوْطِينًا ) لِلنَّفْسِ عَلَى تَحَمُّلِ مَشَقَّةِ الْفَقْرِ وَالْفَاقَةِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا ( لِدَفْعِ الْجَزَعِ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَيَأْمَنُ مِنْ مُفَاجَأَةِ الْمَكْرُوهِ ( وَتَخْصِيصُهُمْ ) أَيْ الْمَشَايِخِ ( تَفْرِيعَ إنْ لَمْ أُطَلِّقُك فَطَالِقٌ لَا تَطْلُقُ إلَّا بِآخِرِ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ إذَا لَمْ يُطَلِّقْهَا مِنْ عَقِبِ التَّعْلِيقِ إلَى وَقْتَئِذٍ ( عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَوْتِهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الشَّرْطَ ( الْعَدَمُ مُطْلَقًا ) أَيْ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَبَدًا وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْ الْحَيَاةِ مِنْ غَيْرِ تَطْلِيقِهَا مِنْ عَقِبِ التَّطْلِيقِ إلَى هَذَا الْحِينِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا مَا لَا يَسَعُ التَّطْلِيقَ بِلَفْظٍ مَا فَذَلِكَ الْقَدْرُ صَالِحٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ وَالْمَحَلِّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَوْتِهَا احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ إنَّهَا لَا تَطْلُقُ فِي مَوْتِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَطْلِيقِهَا وَإِنَّمَا عَجَزَ بِمَوْتِهَا وَصَارَ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ بِمَوْتِهِ لَا بِمَوْتِهَا وَوَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ قَدْ عُرِفَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الدُّخُولِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ الْيَأْسُ بِمَوْتِهَا ثُمَّ إنْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ وَرِثَتْهُ بِحُكْمِ الْقَرَارِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَلَا تَرِثُهُ وَوَجَبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتُ لَمْ يَرِثْ مِنْهَا وَكَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا وَإِلَّا فَتَمَامُهُ كَمَا عُرِفَ ثُمَّ
تَخْصِيصُهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( لِدَفْعٍ وَهْمِ الْوُقُوعِ بِسُكُوتٍ يَسْعَهُ ) الطَّلَاقُ بَعْدَ هَذَا التَّعْلِيقِ ( كَمَا هُوَ ) الْحُكْمُ ( فِي مَتَى ) لَمْ أُطَلِّقْك فَأَنْتِ طَالِقٌ لِإِضَافَتِهِ الطَّلَاقَ إلَى زَمَانٍ خَالٍ عَنْ تَطْلِيقِهَا فَإِنَّ مَتَى ظَرْفُ زَمَانٍ وَبِمُجَرَّدِ سُكُوتِهِ وَجَدَ الزَّمَانَ الْمُضَافَ إلَيْهِ فَيَقَعُ ( فَقَدْ تَضَمَّنَ ) هَذَا الْكَلَامُ ( مَسْأَلَتَهَا ) أَيْ مَتَى ( وَمِنْهَا ) أَيْ وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهُ إذَا قَالَ : ( أَنْتِ طَالِقٌ مَتَى شِئْت لَا يَتَقَيَّدُ ) تَفْوِيضُ الْمَشِيئَةِ إلَيْهَا ( بِالْمَجْلِسِ فَلَهَا مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ ) أَيْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ إيهَامِهَا تَعُمُّ الْأَزْمِنَةَ بِخِلَافِ إنْ شِئْت
( مَسْأَلَةُ إذَا لِزَمَانِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى } أَيْ وَقْتَ غَشَيَانِهِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ اللَّيْلِ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقُ الْقَسَمِ بِغَشَيَانِ اللَّيْلِ وَتَقْيِيدُهُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهُ حَالًا مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ يُفِيدُ تَقْيِيدَ الْقَسَمِ بِذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا ( وَتُسْتَعْمَلُ لِلْمُجَازَاةِ ) أَيْ لِلشَّرْطِ عَلَى خِلَافِ أَصْلِهَا فَإِنَّ أَصْلَهَا أَنْ تَكُونَ ظَرْفَ زَمَانِ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ مِنْ الْجُمَلِ ( دَاخِلَةً عَلَى مُحَقَّقٍ ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا حِينَئِذٍ ( وَمَوْهُومٌ ) لِنُكْتَةٍ كَمَا سَبَقَ ( وَتَوَهَّمَ أَنَّهُ ) أَيْ دُخُولَهَا عَلَى مَوْهُومٍ ( مَبْنِيُّ حُكْمِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا حِينَئِذٍ حَرْفٌ فَدَفَعَ بِجَوَازِهِ ) أَيْ دُخُولِهَا عَلَى مَوْهُومٍ ( لِلنُّكْتَةِ ) وَهَذَا التَّوَهُّمُ وَدَفْعُهُ وَقَعَا لِلتَّفْتَازَانِيِ قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَلَيْسَ ) هُوَ مَبْنَاهُ ( وَكَلَامُهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مَا مُخْتَصَرُهُ ( يُجَازَى بِهَا وَلَا ) يُجَازَى بِهَا ( عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَإِذَا جُوزِيَ ) بِهَا ( سَقَطَ عَنْهَا الْوَقْتُ كَأَنَّهَا حَرْفُ شَرْطٍ ثُمَّ قَالَ ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ : ( لَا يَصِحُّ طَرِيقُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ ) مِثْلُ إنْ وَقَدْ ادَّعَى ذَلِكَ أَهْلُ الْكُوفَةِ ( ثُمَّ أَثْبَتَهُ ) أَيْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَوْنُهَا حَرْفًا بِمَعْنَى الشَّرْطِ ( بِالْبَيْتِ وَإِذْ تُصِبْك ) خَصَاصَةٌ فَتَحَمَّلْ ( فَلَاحَ أَنَّ الْمَبْنِيَّ ) أَيْ مَبْنَى قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا حَرْفٌ ( كَوْنُهَا إذَنْ لِمُجَرَّدِ الشَّرْطِ وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُهَا كَذَلِكَ مَبْنِيٌّ ( صَحِيحٌ ) لِدَعْوَى حَرْفِيَّتِهَا ( لِأَنَّ مُجَرَّدَهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ( رَبْطٌ خَاصٌّ وَهُوَ مِنْ مَعَانِي الْحُرُوفِ وَقَدْ تَكُونُ الْكَلِمَةُ حَرْفًا وَاسْمًا ) كَالْكَافِ الْمُفْرَدَةِ وَقَدْ بَلْ وَفِعْلًا أَيْضًا كَعَلَى وَعَنْ ( بَلْ الْوَارِدُ ) وُرُودًا صَحِيحًا ( مَنْعُ سُقُوطِهِ ) أَيْ
الزَّمَانِ عَنْهَا إذَا جَزَمَ بِهَا ( وَالْجَزْمُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ كَوْنُهَا حَرْفًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَزْمِ بِهَا وَبَيْنَ دَلَالَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ ( كَمَتَى وَأَخَوَاتِهَا وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُهَا يُجَازِي بِهَا مَعَ عَدَمِ سُقُوطِ دَلَالَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ ( قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ ) أَيْ كَوْنِهَا لِلشَّرْطِ مَعَ دَلَالَتِهَا عَلَى الزَّمَانِ ( تَفَرَّعَ الْوُقُوعُ فِي الْحَالِ عِنْدَهُمَا فِي إذَا لَمْ أُطَلِّقْك فَطَالِقٌ وَكَانَ عِنْدَهُ ) أَيْ وَهِيَ كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا تَطْلُقُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَأَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ أَوْ الشَّرْطَ الْمَحْضَ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَرَادَ مَعْنَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْقَاضِي لِظُهُورِهَا عِنْدَهُمَا فِي الظَّرْفِ فَإِرَادَةُ الشَّرْطِ فَقَطْ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُصَدَّقُ قَضَاءً بَلْ يَصِحُّ دِيَانَةً لَا غَيْرُ ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْهَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت ) إذَا قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ مَشِيئَةٍ ( لِشَكِّ الْخُرُوجِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الدُّخُولِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِجَوَازِ عَدَمُ الْمُجَازَاةِ كَقَوْلِهِ فِي إذَا لَمْ أُطَلِّقُك ) فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ قَالَ : الْأَصْلُ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ عَقِبَ تَعْلِيقِهِ بِالشَّكِّ لِجَوَازِ كَوْنِهَا سَقَطَ الْوَقْتُ عَنْهَا فَصَارَتْ كَانَ وَالْمُلَخَّصُ أَنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا بِالتَّفْوِيضِ ثُمَّ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَاسْتَشْكَلَهُ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ وَقَالَ : مُقْتَضَى الْوَجْهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى قَوْلِهِ يَخْرُجُ وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى وَلَمْ تَدْرِ نِيَّتَهُ لِعَارِضٍ عَرَاهُ وَأَمَّا إذَا عَرَفَتْ بِأَنْ اُسْتُفْسِرَ
فَقَالَ : أَرَدْت الزَّمَانَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَكَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الشَّرْطَ صُدِّقَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ أَعْلَمُ
( مَسْأَلَةُ لَوْ لِلتَّعْلِيقِ فِي الْمَاضِي مَعَ انْتِفَاءِ الشَّرْطِ فِيهِ ) أَيْ الْمَاضِي ( فَيَمْتَنِعُ الْجَوَابُ الْمُسَاوِي ) لِلشَّرْطِ فِي الْعُمُومِ كَلَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ طَالِعَةً كَانَ النَّهَارُ مَوْجُودًا لِاسْتِلْزَامِ انْتِفَاءِ السَّبَبِ انْتِفَاءَ مُسَبَّبِهِ الْمُسَاوِي لَهُ ( فَدَلَالَتُهُ ) أَيْ لَوْ ( عَلَيْهِ ) أَيْ امْتِنَاعِ الْجَوَابِ الْمُسَاوِي دَلَالَةً ( الْتِزَامِيَّةً وَلَا دَلَالَةَ ) لِلَوْ ( فِي ) الْجَوَابِ ( الْأَعَمِّ ) مِنْ الشَّرْطِ ( الثَّابِتِ ) امْتِنَاعُهُ ( مَعَهُ ) أَيْ الشَّرْطِ ( وَضِدَّهُ ) أَيْ وَمَعَ ضِدِّ الشَّرْطِ ( كَلَوْ لَمْ يَخَفْ لَمْ يَعْصِ ) فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا قَدْ يَكُونُ لِلْخَوْفِ وَقَدْ يَكُونُ لِلْحَيَاءِ وَالْمَهَابَةِ وَالْإِجْلَالِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ عَدَمِ الْخَوْفِ الْمَعْصِيَةُ ( غَيْرَ أَنَّهَا ) أَيْ لَوْ ( لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ ) شَرْطًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ( كَانَ تَجَوُّزًا ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ } أَيْ وَلِيَخْشَ اللَّهَ الَّذِينَ إنْ شَارَفُوا أَنْ يَتْرُكُوا وَأُوِّلَ هَكَذَا لِأَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَوْصِيَاءِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ قَبْلَ التَّرْكِ لِأَنَّهُمْ بَعْدَهُ أَمْوَاتٌ ( جُعِلَتْ لَهُ ) أَيْ لِلشَّرْطِ كَإِنْ ( فِي قَوْلِهِ لَوْ دَخَلْت عَتَقَتْ فَتَعْتِقُ بِهِ ) أَيْ بِالدُّخُولِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ قَوْلِهِ ذَلِكَ ( فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) أَنْتِ طَالِقٌ ( لَوْ دَخَلْت كَإِنْ دَخَلْت ) فَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ ( صَوْنًا عَنْ اللَّغْوِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ ) وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ فِي الْحَالِ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ لِأَنَّ جَوَابَ لَوْلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْفَاءُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمِ الْعَامِرِيُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ لِأَنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ بِمَعْنَى إنْ جَازَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَوَابِهَا ذَكَرَهُ الْقَاآنِيُّ وَعَلَى هَذَا مَشَى التُّمُرْتَاشِيُّ وَهُوَ أَوْجَهُ ( بِخِلَافِ لَوْلَا لِأَنَّهُ لِامْتِنَاعِ الثَّانِي
لِوُجُودِ الْأَوَّلِ لَيْسَ غَيْرَ فَلَا تَطْلُقُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَوْلَا حُسْنُك أَوْ أَبُوك ) أَيْ مَوْجُودٌ ( وَإِنْ زَالَ ) الْحُسْنُ ( وَمَاتَ ) الْأَبُ لَجَعْلِهِ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ
( مَسْأَلَةُ كَيْفَ أَصْلُهَا سُؤَالٌ عَنْ الْحَالِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَتْ لِلْحَالِ فِي اُنْظُرْ إلَى كَيْفَ تَصْنَعُ ) كَمَا حَكَاهُ قُطْرُبٌ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَيْ إلَى أَيِّ حَالٍ صَنَعَتْهُ ( وَقِيَاسُهَا الشَّرْطُ جَزْمًا ) اقْتَرَنَتْ بِمَا أَوْ لَا ( كَالْكُوفِيِّينَ ) وَقُطْرُبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالُ شُرُوطٌ وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ الْجَزْمُ وَقِيلَ بِشَرْطِ اقْتِرَانِهَا بِمَا وَلَمْ يُجَوِّزْهُ سَائِرُ الْبَصْرِيِّينَ إلَّا شُذُوذًا ( وَأَمَّا ) كَوْنُهَا لِلشَّرْطِ ( مَعْنًى فَاتِّفَاقٌ ) لِأَنَّ الرَّبْطَ لَهَا مَوْجُودٌ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِلشَّرْطِ لِأَنَّ الرَّبْطَ الْمَعْنَوِيَّ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجَازَاةِ وَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي نَحْوِ حِينَ يَقُومُ أَقُومُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حِينًا لِلْمُجَازَاةِ بَلْ هُوَ ظَرْفٌ مَحْضٌ يَقَعُ فِيهِ الْفِعْلَانِ قَالُوا : وَفِعْلَا الشَّرْطِ وَالْجَوَابِ فِيهَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعُ أَصْنَعُ فَلَا يَجُوزُ كَيْفَ تَجْلِسُ أَذْهَبُ بِالِاتِّفَاقِ قِيلَ وَلِهَذَا لَمْ تَجْزِمْ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِمُخَالِفَتِهَا أَدَوَاتِ الشَّرْطِ فِي هَذَا الشَّرْطِ فَإِنَّ أَدَوَاتِهِ مُطْلَقَةٌ فِي هَذَا فَيَكُونَانِ فِيهَا مُتَّفِقَيْنِ نَحْوُ إنْ تَعُدْ نَعُدْ وَمُخْتَلِفَيْنِ نَحْوُ إنْ يَقُمْ أَقْعُدْ وَلَكِنْ فِي كَوْنِ هَذَا مَانِعًا مِنْ الْجَزْمِ مَا فِيهِ قَالُوا وَمِنْ وُرُودِهَا شَرْطًا { يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } { يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } { فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ } وَجَوَابُهَا فِي ذَلِكَ كُلُّهُ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى إطْلَاقِهِمْ أَنَّ جَوَابَهَا يَجِبُ مُمَاثَلَتُهُ لِشَرْطِهَا ا هـ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُنْفِقَ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يُصَوِّرَكُمْ يُصَوِّرُكُمْ ، كَيْفَ يَشَاءُ أَنْ يَبْسُطَهُ يَبْسُطُهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الشَّرْطُ هُنَا لَمَّا كَانَ مُقَيَّدًا بِمُمَاثِلٍ لِلْجَزَاءِ كَانَ فِي مَعْنَى
الْمُمَاثِلِ لَهُ وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ ( وَمَا قِيلَ لَكِنَّهَا ) أَيْ الْحَالِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا ( غَيْرُ اخْتِيَارِيَّةٍ كَالسَّقَمِ وَالْكُهُولَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ بِهَا إلَّا إذَا ضُمَّتْ إلَيْهَا مَا ) نَحْوُ كَيْفَمَا تَصْنَعْ أَصْنَعْ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الشَّرْطِ ضِدُّهُ ) أَيْ ضِدُّ الِاخْتِيَارِ ( وَلَا هُوَ ) أَيْ الْحَالُ الْغَيْرُ الِاخْتِيَارِيِّ ( فِي كَيْفَ كَانَ تَمْرِيضُ زَيْدٍ وَكَيْفَ تَجْلِسُ أَجْلِسُ ) يَعْنِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّرْطَ يَلْزَمُ كَوْنُ فِعْلِهِ اخْتِيَارِيًّا وَهُوَ ضِدُّ غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ وَلَا نُسَلِّمُ لُزُومَ غَيْرِ الِاخْتِيَارِيِّ فَإِنَّهُ يُقَالُ كَيْفَ كَانَ تَمْرِيضُك زَيْدًا مِنْ الِاسْتِفْهاميِّة عَنْ الْحَالِ وَكَيْفَ تَجْلِسُ أَجْلِسُ فِي الْمُسْتَعْمَلَةِ شَرْطًا بِلَا زِيَادَةٍ مَا وَلَا هُوَ غَيْرُ اخْتِيَارِيٍّ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَعَلَى الْحَالِيَّةِ التَّفْرِيعُ فَطَالِقٌ كَيْفَ شِئْت تَعْلِيقٌ لِلْحَالِ ) أَيْ لِحَالِ الطَّلَاقِ أَيْ صِفَتِهِ ( عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( بِمَشِيئَتِهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِذْ لَا انْفِكَاكَ ) لِلطَّلَاقِ عَنْ كَيْفِيَّةٍ كَكَوْنِهِ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا بَيْنُونَةً خَفِيفَةً أَوْ غَلِيظَةً بِمَالٍ أَوْ دُونِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( تَعَلَّقَ الْأَصْلُ ) أَيْ أَصْلُ الطَّلَاقِ ( بِهَا ) أَيْ كَانَ تَعْلِيقُ وَصْفِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا تَعْلِيقًا لِأَصْلِهِ بِهَا أَيْضًا ( غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ ) تَعَلَّقَ الْأَصْلُ بِمَشِيئَتِهَا أَيْضًا ( عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ كَمَا ظَنَّ ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَرَضٌ فَكَانَ التَّعْلِيقُ عَلَى صِفَةٍ مُمْتَنِعًا فَكَانَ بِهِ نَفْسُهُ وَالظَّانُّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ قِيَامَ الْعَرَضِ بِالْعَرَضِ ( بِالْمَعْنَى الْمُرَادِ هُنَا وَهُوَ النَّعْتُ ) أَيْ لِاخْتِصَاصِ النَّاعِتِ ( غَيْرُ مُمْتَنِعٍ ) إنَّمَا الْمُمْتَنِعُ قِيَامُهُ بِهِ بِمَعْنَى حُلُولِهِ فِيهِ كَمَا عُرِفَ فِي الْكَلَامِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ فَإِذَا شَاءَتْ فَالتَّفْرِيعُ مَا سَيَأْتِي ( وَعِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي
حَنِيفَةَ ( يَقَعُ ) وَاحِدَةً ( رَجْعِيَّةً ) فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَسْبُوقَةً بِأُخْرَى فِي الْأَمَةِ وَثِنْتَيْنِ فِي الْحُرَّةِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ ( وَيَتَعَلَّقُ صَيْرُورَتُهَا بَائِنَةً وَثَلَاثًا ) بِمَشِيئَتِهَا ( تَخْصِيصًا بِالْعَقْلِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ) لِأَنَّ تَفْوِيضَ وَصْفِ الشَّيْءِ اللَّازِمِ لِوُجُودِهِ فَرْعُ وُجُودِهِ وَحَيْثُ كَانَ لَا يُوجَدُ إلَّا عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْكُلِّيِّ تَعَيَّنَ أَدْنَاهَا مُحَقِّقًا لِوُجُودِهِ وَكَانَ الْمُفَوَّضُ مَا سِوَاهُ وَأَدْنَى أَوْصَافِ الطَّلَاقِ فِي حَقِّ الْمَدْخُولِ بِهَا إذَا كَانَ الْحَالُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا الْوَاحِدَةَ الرَّجْعِيَّةَ فَتَلْزَمُ ثُمَّ إنْ قَالَتْ : شِئْت بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ يَصِيرُ ذَلِكَ لِلْمُطَابَقَةِ وَإِنْ شَاءَتْ أَحَدَهُمَا وَالزَّوْجُ عَلَى الْعَكْسِ اسْتَمَرَّتْ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا لَغَتْ مَشِيئَتَهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْهُ نِيَّةٌ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ إمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِإِقَامَتِهِ إيَّاهَا مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ أَوْقَعَ رَجْعِيًّا يَمْلِكُ جَعْلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَهُ فَكَذَا الْمَرْأَةُ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَلِتَفْوِيضِهِ أَصْلَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَكَمَا قَالَ ( فَلَزِمَ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ الْبَيْنُونَةُ ) بِوَاحِدَةٍ لَا إلَى عِدَّةٍ ضَرُورَةَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ( فَتَعَذَّرَ الْمَشِيئَةُ ) لِانْتِفَاءِ مَحَلِّيَّتِهَا ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت ( أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت ) فَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ وَعِنْدَهُ يَعْتِقُ فِي الْحَالِ وَلَا مَشِيئَةَ لَهُ
( مَسْأَلَةٌ قَبْلُ وَبَعْدُ وَمَعَ مُتَقَابِلَاتٌ لِزَمَانٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ ) فِي قَبْلُ ( وَمُتَأَخِّرٍ ) فِي بَعْدُ ( وَمُقَارَنٍ ) فِي مَعَ ( فَهُمَا ) أَيْ قَبْلُ وَبَعْدُ ( بِإِضَافَتِهِمَا إلَى ) اسْمٍ ( ظَاهِرٍ صِفَتَانِ لِمَا قَبْلَهُمَا وَإِلَى ضَمِيرِهِ ) أَيْ الِاسْمِ الظَّاهِرِ صِفَتَانِ ( لِمَا بَعْدَهُمَا لِأَنَّهُمَا خَبَرَانِ عَنْهُ ) أَيْ عَمَّا بَعْدَهُمَا وَالْخَبَرُ فِي الْمَعْنَى وَصْفٌ لِلْمُبْتَدَأِ ( فَلَزِمَ وَاحِدَةٌ فِي طَالِقٍ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِغَيْرِ الْمَدْخُولَةِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ لِلْمُتَأَخِّرَةِ ) أَيْ لِلطَّلْقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَهِيَ الْمُضَافُ إلَيْهَا قَبْلَ لِبَيْنُونَتِهَا بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ ( وَثِنْتَانِ فِي قَبْلِهَا ) وَاحِدَةً ( لِأَنَّ الْمَوْقِعَ مَاضِيًا يَقَعُ حَالًا ) لِأَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ فَيَبْقَى إلَى الْحَالِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِسْنَادَ إلَى الْمَاضِي وَيَمْلِكُ الْإِيقَاعَ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ مَا يَمْلِكُهُ وَيَلْغُو مَا لَا يَمْلِكُهُ ( فَيَقْتَرِنَانِ كَمَعَ وَاحِدَةٍ ) أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي مَعَهَا وَاحِدَةٌ يَقَعُ وَاحِدَةً وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَعَ وَاحِدَةٍ ( وَعَكْسُهُمَا ) أَيْ لُزُومِ وَاحِدَةٍ فِي طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ وَاحِدَةٍ وَلُزُومِ ثِنْتَيْنِ فِي قَبْلِهَا وَاحِدَةٌ ( فِي بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَبَعْدَهَا ) وَاحِدَةٌ فَتَطْلُقُ ثِنْتَانِ فِي طَالِقٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ لِإِيقَاعِهِ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا بَعْدَ أُخْرَى وَلَا قُدْرَةَ عَلَى تَقْدِيمِ مَا لَمْ يَسْبِقْ الْمَوْجُودَ عَلَى الْمَوْجُودِ فَيَقْتَرِنَانِ بِحُكْمِ أَنَّ الْإِيقَاعَ فِي الْمَاضِي إيقَاعٌ فِي الْحَالِ وَوَاحِدَةً فِي طَالِقٍ وَاحِدَةً بَعْدَهَا وَاحِدَةٌ لِإِيقَاعِهِ وَاحِدَةً مَوْصُوفَةً بِبَعْدِيَّةِ أُخْرَى لَهَا فَوَقَعَتْ الْأُولَى وَلَا تَلْحَقُ الثَّانِيَةُ لِعَدَمِ قِيَامِ الْعِدَّةِ ( بِخِلَافِ الْمَدْخُولَةِ وَالْإِقْرَارِ فَثِنْتَانِ مُطْلَقًا ) أَيْ أُضِيفَ قَبْلُ وَبَعْدُ فِيهِمَا إلَى ظَاهِرٍ أَوْ ضَمِيرِهِ وَهَذَا تَبَعٌ لِمَا فِي التَّلْوِيحِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي
الْمَدْخُولَةِ لِأَنَّهَا لَا تَبِينُ بِالْأُولَى فَتَلْحَقُهَا الثَّانِيَةُ فِي الْعِدَّةِ نَعَمْ اُسْتُشْكِلَ وُقُوعُهُمَا فِي وَاحِدَةٍ قَبْلَ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ قَبْلَ غَيْرِهِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ غَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ نَعَمْ يَقْتَضِيهِ ظَاهِرًا لَا قَطْعًا وَالْعَمَلُ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا كَمَا اللَّفْظُ مُشْعِرٌ بِهِ فَيَتَعَيَّنُ وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلُ مُضَافًا إلَى الظَّاهِرِ فَفِي الْمَبْسُوطِ قَالَ لَهُ : عَلَيَّ دِرْهَمٌ قَبْلَ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ قَبْلَ نَعْتٌ لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ قَالَ : قَبْلَ دِرْهَمٍ آخَرَ يَجِبُ عَلَيَّ وَلَوْ قَالَ : قَبْلَهُ دِرْهَمٌ فَعَلَيْهِ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَذْكُورِ آخِرًا أَيْ قَبْلَهُ دِرْهَمٌ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ وَلَوْ قَالَ : دِرْهَمٌ بَعْدَ دِرْهَمٍ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَعْدَ دِرْهَمٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ أَوْ بَعْدَهُ دِرْهَمٌ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا هَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
( مَسْأَلَةٌ عِنْدَ لِلْحَضْرَةِ ) الْحِسِّيَّةِ نَحْوَ { فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ } وَالْمَعْنَوِيَّةِ نَحْوَ { قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ } ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُ الْمَالِ حَاضِرًا عِنْدَ الْمُقِرِّ ( أَعَمُّ مِنْ الدَّيْنِ ) أَيْ كَوْنُهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ ( الْوَدِيعَةُ ) أَيْ أَوْ كَوْنُهُ مُودَعًا فِي يَدِهِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا يَثْبُتُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ بِإِطْلَاقِ الْعِنْدِيَّةِ ( وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ) الْوَدِيعَةُ ( بِإِطْلَاقِهَا ) أَيْ عِنْدَ ( كَعِنْدِي أَلْفٌ ) لِمَعْنًى آخَرَ أَعَنَى ( لِأَصْلِيَّةِ الْبَرَاءَةِ فَتَوَقَّفَ الدَّيْنُ عَلَى ذِكْرِهِ مَعَهَا ) أَيْ عِنْدَ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ كَوْنُهُ وَدِيعَةً عَلَى ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ أَدْنَى مُؤَدَّى اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَتْ حَيْثُ لَا مُعَيِّنَ قَطْعِيٌّ يُعَيِّنُ غَيْرَهَا
( مَسْأَلَةٌ غَيْرُ ) اسْمٌ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِبْهَامِ ( صِفَةٌ ) وَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ ( فَلَا يُفِيدُ حَالَ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَجَاءَ رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ وَاسْتِثْنَاءٌ ) وَهُوَ عَارِضٌ عَلَيْهِ ( فَيُفِيدُهُ ) أَيْ حَالَ مَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ ( وَيَلْزَمُهَا ) أَيْ غَيْرَ إذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً ( إعْرَابُ الْمُسْتَثْنَى كَجَاءُوا غَيْرَ زَيْدٍ أَفَادَتْ عَدَمَهُ ) أَيْ الْمَجِيءِ ( مِنْهُ ) أَيْ زَيْدٍ وَتَعَيَّنَ نَصْبُهَا لِتَعَيُّنِهِ لِلْمُسْتَثْنَى لَوْ كَانَ بِإِلَّا وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي فَنِّهِ ( فَلَهُ دِرْهَمٌ غَيْرُ دَانَقٍ ) بِرَفْعِ غَيْرِ ( يَلْزَمُهُ ) الدِّرْهَمُ ( تَامًّا ) لِأَنَّ غَيْرًا حِينَئِذٍ صِفَةٌ لِدِرْهَمٍ فَالْمَعْنَى دِرْهَمٌ مُغَايِرٌ لِلدَّانَقِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قِيرَاطَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ( وَبِالنَّصْبِ ) يَلْزَمُهُ دِرْهَمٌ ( بِنَقْصِهِ ) أَيْ الدَّانَقِ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِثْنَاءٌ فَالْمَعْنَى دِرْهَمٌ إلَّا دَانَقًا ( وَفِي دِينَارٍ غَيْرَ عَشَرَةٍ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ ( بِالنَّصْبِ كَذَلِكَ ) أَيْ بِنَقْصٍ مِنْ الدِّينَارِ قِيمَةَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ( وَتَامٌّ ) أَيْ وَيَلْزَمُهُ دِينَارٌ كَامِلٌ ( عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلِانْقِطَاعِ ) أَيْ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ( لِشَرْطِهِ ) أَيْ مُحَمَّدٍ ( فِي الِاتِّصَالِ صُورَةً وَمَعْنًى ) أَيْ التَّجَانُسُ الصُّورِيُّ وَالتَّجَانُسُ الْمَعْنَوِيُّ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالْمُسْتَثْنَى وَالدِّرْهَمُ لَيْسَ بِمُجَانِسٍ لِلدِّينَارِ صُورَةً ( وَاقْتَصَرَا ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ التَّجَانُسِ الصُّورِيِّ بَيْنَهُمَا شَرْطًا فِي الِاتِّصَالِ ( وَقَدْ جَمَعَهُمَا ) أَيْ الدِّرْهَمَ وَالدِّينَارَ التَّجَانُسُ الْمَعْنَوِيُّ وَهُوَ ( الثَّمَنِيَّةُ فَالْمَعْنَى مَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ غَيْرُ عَشَرَةٍ ) فَكَانَ مُتَّصِلًا فَلَزِمَهُ مِنْ قِيمَةِ الدِّينَارِ مَا سِوَى الْعَشَرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْكَلَامِ فِي شَرْحِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الْمَقَالَةُ الْأُولَى
وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمَسْئُولُ فِي تَيْسِيرِ شَرْحِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوْجَهِ وَالْأَوْلَى وَأَنْ يُيَسِّرَنَا لِلْيُسْرَى وَيُجَنِّبَنَا الْعُسْرَى وَيَرْزُقَنَا الْعَافِيَةَ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى آمِينَ
( الْمَقَالَةُ الثَّانِيَةُ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ وَعَلِمْت ) إجْمَالًا فِي الْمُقَدِّمَةِ ( إدْخَالَ بَعْضِهِمْ ) كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( الْأَحْكَامَ ) فِي الْمَوْضُوعِ وَذَكَرْنَا ثَمَّةَ مَا ظَهَرَ لَنَا فِيهِ ( فَانْكَسَرَتْ ) أَيْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْمَقَالَة بِسَبَبِ هَذَا الْإِدْخَالَ ( عَلَى خَمْسَةِ أَبْوَابٍ ) فِي الْأَحْكَامِ وَفِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ .
( الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْأَحْكَامِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ فُصُولٍ ) فِي الْحُكْمِ وَالْحَاكِمِ وَالْمَحْكُومِ فِيهِ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ ( الْفَصْلُ الْأَوَّلُ ) فِي الْحُكْمِ ( لَفْظُ الْحُكْمِ ) الشَّرْعِيِّ ( يُقَالُ لِلْوَضْعِيِّ ) أَيْ لِلْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ ( قَوْلُهُ ) أَيْ اللَّهِ تَعَالَى ( النَّفْسِيُّ جَعَلْتُهُ ) أَيْ كَذَا كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ فِي حَالَةِ السَّعَةِ ( مَانِعًا ) مِنْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ ( أَوْ ) جَعَلْت كَذَا ( عَلَامَةً عَلَى تَعَلُّقِ الطَّلَبِ ) لِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَقْتَئِذٍ ( كَالدُّلُوكِ وَالتَّغَيُّرِ ) فَإِنَّ دُلُوكَ الشَّمْسِ وَهُوَ زَوَالُهَا وَقِيلَ غُرُوبُهَا وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ كَمَا نَطَقَ بِهِ غَيْرُ مَا حَدِيثٍ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ إقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ وَتَغَيُّرُهَا لِلْغُرُوبِ دَلِيلٌ عَلَى طَلَبِ تَرْكِ غَيْرِ الْوَقْتِيَّةِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ ( أَوْ ) عَلَامَةٌ عَلَى ( الْمِلْكِ أَوْ زَوَالِهِ ) كَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعِ الثَّمَنَ وَعَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي عَنْ الثَّمَنِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَجْهُ تَسْمِيَةِ هَذَا الْقَسَمِ بِالْخِطَابِ الْوَضْعِيِّ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَهُ بِوَضْعِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ بِجَعْلِهِ ( فَفِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ ) أَيْ الَّذِي وُضِعَ لِحُكْمٍ فَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ( مَعَ ظُهُورِ الْمُنَاسَبَةِ ) بَيْنَ مَا وُضِعَ وَحُكْمُهُ ( الْبَاعِثَةِ ) لِشَرْعِيَّةِ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْمَوْضُوعِ ( وَضْعِ الْعِلِّيَّةِ ) كَالْقِصَاصِ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ
الْعَدُوَّانِ وَسَتَعْلَمُ الْمُرَادَ مِنْ الْمُنَاسَبَةِ فِي بَحْثِ الْعِلَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ ظَاهِرَةٌ ( فَمَعَ الْإِفْضَاءِ فِي الْجُمْلَةِ ) إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ ( وَضْعُ السَّبَبِ ) كَمِلْكِ النِّصَابِ لِلزَّكَاةِ ( وَمَعَهُ ) أَيْ وَمَا كَانَ مَعَ الْحُكْمِ ( جَعْلُهُ ) أَيْ الْكَائِنِ مَعَهُ ( دَلَالَةً عَلَيْهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( الْعَلَامَةَ ) كَالْأَوْقَاتِ لِلصَّلَاةِ ( وَفِي اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( دَاخِلًا فِي الْمَفْعُولِ وَضْعُ الرُّكْنِ فَإِنْ لَمْ يَنْتِفْ حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بِانْتِفَائِهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الدَّاخِلِ فِيهِ ( شَرْعًا فَالزَّائِدُ ) أَيْ فَهُوَ الرُّكْنُ الزَّائِدُ ( كَالْإِقْرَارِ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى رَأْيٍ ) لِطَائِفَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا ( وَإِلَّا ) فَإِنْ انْتَفَى حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بِانْتِفَائِهِ شَرْعًا ( فَالْأَصْلِيُّ ) أَيْ فَالرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ كَالْقِيَامِ حَالَةَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ ( وَغَيْرُ الدَّاخِلِ ) أَيْ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى غَيْرِ الدَّاخِلِ فِي الْمَفْعُولِ ( الشَّرْطُ وَقَدْ يُجَامِعُ ) الشَّرْطُ ( السَّبَبَ مَعَ اخْتِلَافِ النِّسْبَةِ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ ) فَإِنَّهُ شَرْطٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَدَاءِ سَبَبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ ( عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا سَيُذْكَرُ ) فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ ( وَعَلَى أَثَرِ الْعِلَّةِ ) أَيْ وَالْحُكْمُ يُقَالُ أَيْضًا عَلَى أَثَرِ الْعِلَّةِ ( كَنَفْسِ الْمِلْكِ ) فَإِنَّهُ أَثَرٌ لِلْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْبَيْعُ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِأَثَرِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ ( وَمَعْلُولِهِ ) أَيْ وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى مَعْلُولِ أَثَرِ الْعِلَّةِ مِثْلُ ( إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ ) بِالْمَمْلُوكِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهَا مَعْلُولَةٌ لِمِلْكِهِ ( وَعَلَى وَصْفِ الْفِعْلِ ) أَيْ وَيُقَالُ أَيْضًا عَلَى وَصْفِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ حَالَ كَوْنِهِ ( أَثَرًا لِلْخِطَابِ ) الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ ( كَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ ) فَإِنَّهُمَا أَثَرُ الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُ ( أَوْ لَا ) عَطْفٌ عَلَى أَثَرٍ لَلْخِطَابِ أَيْ أَوْ
غَيْرِ أَثَرٍ لَهُ ( كَالنَّافِذِ وَاللَّازِم وَغَيْرِ اللَّازِمِ كَالْوَقْفِ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِلُزُومِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ التَّحْقِيقُ أَنَّ إطْلَاقَ الْحُكْمِ عَلَى خِطَابِ الشَّارِعِ وَعَلَى أَثَرِهِ وَعَلَى الْأَثَرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ ا هـ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ إطْلَاقَهُ عَلَى كُلٍّ حَقِيقَةٌ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْخِطَابِ مَجَازٌ فِيمَا عَدَاهُ وَكَيْفَ وَالِاشْتِرَاكُ وَالْمَجَازُ إذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَجَازُ عَلَيْهِ ( وَيُقَالُ ) الْحُكْمُ أَيْضًا ( عَلَى التَّكْلِيفِيِّ خِطَابُهُ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ طَلَبًا أَوْ تَخْيِيرًا ) فَالْخِطَابُ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَخَرَجَ بِالْمُتَعَلِّقِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْقَلْبِيَّةِ وَالْجَارِحِيَّةِ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَذَوَاتِ الْمُكَلَّفِينَ وَالْجَمَادَاتِ كَمَدْلُولِ { اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } الْآيَةُ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ { وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ } وَبِمَا بَعْدَهُ نَحْوَ { وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } عَلَى مَا قِيلَ كَمَا يَأْتِي وَالْمُرَادُ بِالطَّلَبِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْفِعْلِ أَوْ التَّرْكِ حَتْمًا أَوْ لَا وَبِالتَّخْيِيرِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا لِتَسَاوِيهِمَا وَهُوَ الْإِبَاحَةُ ( فَالتَّكْلِيفِيُّ ) أَيْ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى مَا هَذَا شَأْنُهُ ( تَغْلِيبٌ ) إذْ لَا تَكْلِيفَ فِي الْإِبَاحَةِ بَلْ وَلَا فِي النَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَوْ أُرِيدَ ) بِالتَّكْلِيفِيِّ التَّكْلِيفِيُّ ( بِاعْتِبَارِ الِاعْتِقَادِ ) حَتَّى يَنْتَفِيَ التَّغْلِيبُ لِلتَّكْلِيفِ بِاعْتِقَادِ هَذِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ( فَلَا تَخْيِيرَ ) حِينَئِذٍ فَيَجِبُ إسْقَاطُهُ مِنْ التَّعْرِيفِ لِئَلَّا يُحْتَمَلَ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ ذِكْرُ الطَّلَبِ ( أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ بِالِاقْتِضَاءِ إذْ كَانَ ) الْخِطَابُ ( نَفْسُهُ ) أَيْ الِاقْتِضَاءُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَعْنَى خِطَابَهُ
الْمُتَعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالْخِطَابِ أَوْ التَّخْيِيرِ نَعَمْ إنْ أُرِيدَ بِالِاقْتِضَاءِ الطَّلَبُ فَلَا بَأْسَ ( وَالْأَوْجَهُ دُخُولُ ) الْحُكْمِ ( الْوَضْعِيِّ فِي الْجِنْسِ ) لِلتَّكْلِيفِيِّ وَهُوَ الْخِطَابُ ( إذَا أُرِيدَ ) التَّعْرِيفُ ( لِلْأَعَمِّ ) أَيْ لِلْحُكْمِ الْأَعَمِّ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَيُزَادُ ) فِي تَعْرِيفِهِ بِمَا سَبَقَ ( أَوْ وَضْعًا لَا مَا قِيلَ لَا ) يُزَادُ أَوْ وَضْعًا لِإِدْخَالِهِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيهِ بِدُونِهِ ( لِأَنَّ وَضْعَ السَّبَبِ الِاقْتِضَاءُ ) لِلْفِعْلِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ السَّبَبِ فَمَعْنَى كَوْنِ الدُّلُوكِ سَبَبًا أَوْ دَلِيلًا لِلصَّلَاةِ وُجُوبُ الْإِتْيَانِ بِهَا عِنْدَهُ فَرَجَعَ إلَى الِاقْتِضَاءِ وَمَعْنَى جَعْلِ النَّجَاسَةِ مَانِعَةً مِنْ الصَّلَاةِ حُرْمَتُهَا مَعَهَا وَجَوَازُهَا دُونَهَا فَرَجَعَ إلَى التَّخْيِيرِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَمِمَّنْ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهِهِ بِهَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَإِنَّمَا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ ( لِتَقَدُّمِ وَضْعِهِ ) أَيْ السَّبَبِ ( عَلَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ وَلِمُخَالَفَةِ نَحْوِ نَفْسِ الْمِلْكِ وَوَصْفِ الْفِعْلِ ) فَإِنَّهُمَا مِنْ الْوَضْعِيِّ وَلَا اقْتِضَاءَ فِيهِمَا فَلَا يَعُمُّ الِاقْتِضَاءُ جَمِيعَ أَقْسَامِ الْوَضْعِيِّ لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا إنَّمَا يَضُرُّ أَنْ لَوْ كَانَ إطْلَاقُ الْوَضْعِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ حَقِيقَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَفِي الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ فَإِنْ قِيلَ الْوَضْعِيُّ لَيْسَ بِحُكْمٍ بَلْ هُوَ عَلَامَةٌ لَهُ فَلَا يَحْتَاجُ تَعْرِيفُ مُطْلَقِ الْحُكْمِ إلَى زِيَادَةٍ أَوْ تَأْوِيلٍ يَدْخُلُهُ فِيهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَدَمُ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ كَوْنِ الْوَضْعِيِّ الَّذِي هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ النَّفْسِيِّ جَعَلْت كَذَا سَبَبًا أَوْ شَرْطًا أَوْ مَانِعًا بِكَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ مُصْطَلَحٌ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ ( وَإِخْرَاجُهُ ) أَيْ الْوَضْعِيِّ مِنْهُ ( اصْطِلَاحًا إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُشَاحَّةَ يَقْبَلُ قُصُورَ مَلْحَظِ وَضْعِهِ
) أَيْ الِاصْطِلَاحُ وَفِيهِ مَا فِيهِ ( وَالْخِطَابُ ) جَارٍ ( عَلَى ظَاهِرِهِ عَلَى تَفْسِيرِهِ ) اصْطِلَاحًا ( بِالْكَلَامِ الَّذِي بِحَيْثُ يُوَجَّهُ إلَى الْمُتَهَيِّئِ لِفَهْمِهِ ) فَخَرَجَ نَحْوُ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ( لِأَنَّ النَّفْسِيَّ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فِي الْأَزَلِ وَكَوْنِهِ ) أَيْ الْخِطَابُ ( تَوْجِيهُ الْكَلَامِ ) نَحْوَ الْغَيْرِ لِلْإِفْهَامِ مَعْنًى ( لُغَوِيٌّ ) لَهُ وَهُوَ هُنَا مُرَادٌ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ لَا اللُّغَوِيِّ ( وَالْخِلَافُ فِي خِطَابِ الْمَعْدُومِ ) فِي الْأَزَلِ ( مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ ) أَيْ تَفْسِيرِ الْخِطَابِ ( فَالْمَانِعُ ) كَوْنَهُ مُخَاطَبًا ( يُرِيدُ الشَّفَاهِيَّ التَّنْجِيزِيَّ إذْ كَانَ مَعْنَاهُ تَوْجِيهَ ) الْكَلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ إذْ لَيْسَ مُوَجَّهًا إلَيْهِ فِي الْأَزَلِ ( وَالْمُثْبِتُ ) كَوْنَهُ مُخَاطَبًا ( يُرِيدُ الْكَلَامَ بِالْحَيْثِيَّةِ وَمَعْنَاهُ قِيَامُ طَلَبٍ ) لِفِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ ( مِمَّنْ سَيُوجَدُ وَيَتَهَيَّأُ ) لَهُ فَالْخِلَافُ حِينَئِذٍ لَفْظِيٌّ وَسَيُعَادُ صَدْرُ الْفَصْلِ الرَّابِعِ ( وَاعْتِرَاضُ الْمُعْتَزِلَةِ ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لِمُطْلَقِ الْحُكْمِ ( بِأَنَّ الْخِطَابَ قَدِيمٌ عِنْدَكُمْ ) لِقَوْلِكُمْ بِأَنَّهُ كَلَامُهُ تَعَالَى وَقَدِمَ كَلَامُهُ ( وَالْحُكْمُ حَادِثٌ ) لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَا تَنَجَّسَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الطَّاهِرَةِ ( حَرُمَ شُرْبُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا ) إذْ التَّحْرِيمُ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ ذُكِرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ ثُمَّ كَانَ فَهُوَ حَادِثٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ ) بِهِ ( تَعَلُّقُ تَحْرِيمِهِ ) فَالْمَوْصُوفُ بِالْحُدُوثِ التَّعَلُّقُ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّعَلُّقُ ( حَادِثٌ وَالتَّعَلُّقُ يُقَالُ ) مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا ( بِهِ ) أَيْ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ التَّعَلُّقُ الْحَادِثُ ( وَيَكُونُ الْكَلَامُ لَهُ مُتَعَلِّقَاتٌ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ( أَزَلِيٌّ وَبِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ( أُورِدَ { وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ) عَلَى تَعْرِيفِ مُطْلَقِ الْحُكْمِ إذَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ
بِالِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْيِيرِ كَمَا فَعَلَ الْغَزَالِيُّ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا ( فَاحْتَرَسَ عَنْهُ بِالِاقْتِضَاءِ إلَى آخِرِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اقْتِضَاءٌ لِفِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ وَلَا تَخْيِيرٌ لَهُمْ فِيهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْهُمْ وَعَنْ أَفْعَالِهِمْ بِخَلْقِهَا لَهُ تَعَالَى ( وَأُجِيبَ أَيْضًا ) عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ ( بِمُرَاعَاةِ الْحَيْثِيَّةِ ) فِي الْمُكَلَّفِينَ ( أَيْ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ ) وَالْخِطَابُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِأَفْعَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ هِيَ أَفْعَالُ مُكَلَّفِينَ لِشُمُولِهِ جَمِيعَ أَوْلَادِ آدَمَ وَأَعْمَالِهِمْ بَلْ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَفْعَالِهَا إنْ جُعِلَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ ( وَعَلَى هَذَا ) الْجَوَابِ ( فَبِالِاقْتِضَاءِ إلَى آخِرِهِ لِبَيَانِ وَاقِعِ الْأَقْسَامِ ) لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ شَيْءٍ ( فَيَسْلِمُ حَدُّ الْغَزَالِيِّ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ ذَلِكَ ) إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّرِيفُ وَقَدْ يُقَالُ يَرِدُ عَلَى الْحَدِّ بَعْدَ اعْتِبَارِ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَوْله تَعَالَى { إنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } فَإِنَّهُ لِكَوْنِهِ وَعِيدًا لَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُكَلَّفٌ وَلَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ اتِّفَاقًا ( وَأُورِدَ ) عَلَى التَّعْرِيفِ أَيْضًا الْحُكْمَ ( الْمُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ مِنْ مَنْدُوبِيَّةِ صَلَاتِهِ وَصِحَّةِ بَيْعِهِ وَوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فِي ذِمَّتِهِ ) كَقِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِفِعْلِ مُكَلَّفٍ فَلَا يَكُونُ جَامِعًا ( وَقَوْلُهُمْ ) فِي جَوَابِ هَذَا الْإِيرَادُ ( التَّعَلُّقُ ) لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَهِّمِ كَوْنُهُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إنَّمَا هُوَ ( بِفِعْلِ وَلِيِّهِ ) فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَدَاءُ الْحُقُوقِ مِنْ مَالِهِ ( دُفِعَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُتَعَلِّقَ بِفِعْلِ وَلِيِّهِ ( حُكْمٌ آخَرُ ) مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ لَا عَيْنُهُ وَبِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي جَوَازِ
بَيْعِهِ وَصِحَّةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ وَكَوْنِهَا مَنْدُوبَةً ( فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ ) مَكَانَ الْمُكَلَّفِينَ ( الْعِبَادُ ) ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( وَأُجِيبَ بِمَنْعِ تَعَلُّقٍ بِهِ ) أَيْ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَإِنَّمَا التَّعَلُّقُ بِمَالِهِ أَوْ ذِمَّتِهِ ( وَالصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ ) حُكْمَانِ ( عَقْلِيَّانِ لِلِاسْتِقْلَالِ ) لِلْعَقْلِ ( بِفَهْمِ مُطَابِقَةِ الْأَمْرِ ) أَيْ مُوَافَقَةِ الْفِعْلِ أَمْرَ الشَّارِعِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الصِّحَّةِ ( وَعَدَمِهَا ) أَيْ مُوَافَقَةِ الْفِعْلِ أَمْرَ الشَّارِعِ الَّتِي هِيَ مَعْنَى الْبُطْلَانِ كَمَا هُمَا تَفْسِيرَاهُمَا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ أَوْ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَا يَنْدَفِعُ كَمَا هُمَا تَفْسِيرَاهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ( وَإِنْ اسْتَعْقَبَا ) أَيْ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ ( حُكْمًا ) هُوَ الْإِجْزَاءُ أَوْ تَرَتُّبُ الْأَثَرِ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمُهُمَا فِي الْفَسَادِ إذْ الْعَقْلُ مُسْتَبِدٌّ مَثَلًا بِمَعْرِفَةِ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى شَرَائِطِهَا أَوْ لَا عَلَى كِلَا الرَّأْيَيْنِ حَكَمَ الشَّارِعُ بِكَوْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ لَا ( أَوْ ) هُمَا حُكْمَانِ ( وَضْعِيَّانِ ) وَضَعَ الشَّارِعُ الصِّحَّةَ لِلْإِجْزَاءِ أَوْ انْدِفَاعِ الْقَضَاءِ فِي الْعِبَادَةِ وَلِتَرَتُّبِ الْأَثَرِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَالْفَسَادِ لِعَدَمِ ذَلِكَ ( وَكَوْنُ صَلَاتِهِ ) أَيْ الصَّبِيِّ ( مَنْدُوبَةً أَمْرُ وَلِيِّهِ بِأَمْرِهِ ) بِهَا لِمَا صَحَّحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا } وَمَا ذَاكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا لِيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكُهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( لَا خِطَابَ الصَّبِيِّ بِهَا نَدْبًا ) لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ لَيْسَ أَمْرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَتَرَتُّبُ الثَّوَابِ لَهُ ) أَيْ لِلصَّبِيِّ عَلَى فِعْلِهَا عَلَى وَجْهِهَا ( ظَاهِرٌ ) فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِأَنَّ مِنْ فَضْلِهِ تَعَالَى
أَنْ لَا يُضِيعَ أَجْرَ مِنْ أَحْسَنَ عَمَلًا فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ لِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعِيٌّ وَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ حُكْمَ رَسُولِهِ أَوْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ قُلْنَا : مَمْنُوعٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ دَلِيلُ حُكْمِهِ تَعَالَى وَكَاشِفٌ عَنْهُ وَكَذَا الْبَاقِي فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِمَا سِوَى الْكِتَابِ دَاخِلٌ ) فِي حُكْمِهِ تَعَالَى ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِأَحَدِ هَذِهِ ( خِطَابُهُ تَعَالَى وَالثَّلَاثَةُ كَاشِفَةٌ ) ثُمَّ قَالَ : وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْقِيَاسَ مُظْهِرٌ بِخِلَافِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِهِمَا وَدُفِعَ بِأَنَّهُمَا أَيْضًا مُظْهِرَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ فَهِيَ كُلُّهَا مُظْهِرَةٌ وَلَا فَرْقَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقِيَاسَ يُظْهِرُ بِوَاسِطَةِ إظْهَارِهِ تَنَاوَلَ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ فَالْكُلُّ مُظْهِرٌ بِالذَّاتِ وَبِوَاسِطَةٍ وَحِينَئِذٍ صَحَّ أَنَّ الْكُلَّ مُثْبِتَةٌ وَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ مُثْبِتَةٌ فَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَاشِفَةٌ وَمُظْهِرَةُ بَيَانِ أَنَّهَا بِاعْتِبَارِ كَشْفَهَا سُمِّيَتْ مُثْبِتَةً فَلِذَا قَالَ ( وَبِهَذَا الْقَدْرِ قِيلَ مُثْبِتَةٌ ) وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يُقَالَ فِي نَظْمِ الْكِتَابِ إنَّهُ كَاشِفٌ أَيْضًا فَقَالَ : هُوَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكُوا عَدَّهُ مِنْهُ سَدٌّ لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَالنَّفْيِ إذْ يُقَالُ لَيْسَ كَلَامَهُ بَلْ هُوَ كَاشِفٌ عَنْهُ فَيَتَطَرَّقُ إلَى مَا لَا يَلِيقُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَتَرْكُهُمْ عَدَّ نَظْمِ الْقُرْآنِ مِنْهُ سَدًّا لِطَرِيقِ التَّحْرِيفِ وَإِلَّا فَهُوَ الْكَاشِفُ عَنْ النَّفْسِيِّ بِالذَّاتِ ثُمَّ قِيلَ الصَّحِيحُ ) وَفِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ الْأَحْسَنُ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ الْأَوْضَحُ (
بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِيَدْخُلَ خُصُوصِيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْخَاصَّ بِوَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ التَّنَاوُلُ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ ( وَلَا يُفِيدُ ) الْعُدُولَ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ إلَى الْمُكَلَّفِ ذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ ( كَالْمُكَلَّفِينَ عُمُومًا وَيُدْفَعُ ) أَصْلُ الِاعْتِرَاضِ ( بِأَنَّ صِدْقَ عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ بَلْ لَوْ انْقَسَمَتْ الْآحَادُ ) مِنْ الْأَفْعَالِ ( عَلَى الْآحَادِ ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي تَوْزِيعَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ فَيَتَنَاوَلُ الْخِطَابَ الْمُتَعَلِّقَ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ بِمُكَلَّفٍ وَاحِدٍ ( صَدَقَ ) الْعُمُومُ ( أَيْضًا ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ هَذَا غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْمُرَادِ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ : زَيْدٌ يَرْكَبُ الْخَيْلَ وَإِنْ لَمْ يَرْكَبْ إلَّا وَاحِدًا مِنْهَا وَلَيْسَ هُنَاكَ مَجَازٌ بِإِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى الْوَاحِدِ بَلْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ رُكُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِجِنْسِ هَذَا الْجَمْعِ لَا بِجِنْسِ الْحِمَارِ مَثَلًا ، فَالْمُرَادُ تَعَلُّقُهُ بِجِنْسِ الْفِعْلِ مِنْ جِنْسِ الْمُكَلَّفِ لَا تَعَلُّقُهُ بِجَمِيعِ أَفْعَالِ جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ ( ثُمَّ الِاقْتِضَاءُ إنْ كَانَ حَتْمًا لِفِعْلٍ غَيْرِ كَفَّ فَالْإِيجَابُ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا ( هُوَ نَفْسُ الْأَمْرِ النَّفْسِيِّ وَيُسَمَّى وُجُوبًا أَيْضًا بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ ) فَالْإِيجَابُ وَالْوُجُوبُ مُتَّحِدَانِ ذَاتًا لِأَنَّهُمَا مَعْنَى افْعَلْ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفِعْلِ مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْقِيَامِ إيجَابٌ وَبِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ وُجُوبٌ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوُجُوبُ هُنَا مُرَادٌ بِهِ ( غَيْرُ ) الْمُرَادِ بِهِ فِي ( الْإِطْلَاقِ الْمُتَقَدِّمِ ) فَإِنَّ
الْمَذْكُورَ ثَمَّةَ أَنَّ الْوُجُوبَ يُقَالُ لِصِفَةِ الْفِعْلِ الَّتِي هِيَ أَثَرُ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ يُقَالُ لِنَفْسِ الْإِيجَابِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِعْلِ هَذَا وَقَدْ أُورِدَ الْوُجُوبُ مُرَتَّبًا عَلَى الْإِيجَابِ يُقَالُ : أَوْجَبَ الْفِعْلَ فَوَجَبَ وَذَلِكَ يُنَافِي الِاتِّحَادَ وَأُجِيبَ بِجَوَازِ تَرَتُّبِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارٍ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ إذْ مَرْجِعُهُ إلَى تَرَتُّبِ أَحَدِ الِاعْتِبَارَيْنِ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الْمُحَقِّقُ الشَّرِيفُ : وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَمَّا قِيلَ : إنَّ الْإِيجَابَ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبَ مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَدَعْوَى امْتِنَاعِ صِدْقِ الْمَقُولَاتِ عَلَى شَيْءٍ بِاعْتِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مَحَلُّ مُنَاقَشَةٍ ، نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الْقَوْلُ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ تُسَمَّى وُجُوبًا لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْوُجُوبِ أَعْنِي كَوْنَهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِهِ الْإِيجَابُ بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِيَكُونَ كُلٌّ مِنْ الْمُوجَبِ وَالْوَاجِبِ مُتَّصِفًا بِمَا هُوَ قَائِمٌ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَائِمَ بِالْفِعْلِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا نَفْسُ الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْبَةُ قِيَامٍ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقِ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ الْوُجُوبَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ لَتَمَّ الْمُرَادُ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ صِفَةٌ حَقِيقِيَّةٌ سِوَى مَا ذُكِرَ إلَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَازَعَةَ لَفْظِيَّةٌ إذْ لَا شَكَّ فِي خِطَابٍ نَفْسِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٍ بِالْفِعْلِ يُسَمَّى إيجَابًا مَثَلًا وَفِي أَنَّ الْفِعْلَ بِحَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ الْإِيجَابِيُّ فَلَفْظُ الْوُجُوبِ إنْ أُطْلِقَ عَلَى ذَلِكَ الْخِطَابِ مِنْ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالْفِعْلِ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا سَلَف وَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي وَصْفِ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ بِالْوُجُوبِ وَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى كَوْنِ الْفِعْلِ تَعَلَّقَ بِهِ ذَلِكَ الْخِطَابُ لَمْ