كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد
بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِهَا أَوْ لِقُوًى فِي النَّفْسِ هِيَ مَبَادِئُهَا مَثَلًا يُقَالُ تَارَةً إنَّ الْعَقْلَ الْهَيُولَانِيَّ هُوَ اسْتِعْدَادُ النَّفْسِ لِقَبُولِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ وَتَارَةً أَنَّهُ قُوًى اسْتِعْدَادِيَّةٌ أَوْ قُوَّةٌ مِنْ شَأْنِهَا الِاسْتِعْدَادُ الْمَحْضُ وَتَارَةً أَنَّهُ النَّفْسُ فِي مَبْدَأِ الْفِطْرَةِ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّتُهَا لِلْعُلُومِ وَكَذَا الْبَوَاقِي ا هـ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ النُّورُ الَّذِي هُوَ تَفْسِيرُ الْعَقْلِ هُنَا هُوَ الْعَقْلُ بِالْمَلَكَةِ مُرَادًا بِهِ الْقُوَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَيْفَ لَا وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الشَّيْءُ فَاعِلًا أَوْ مُنْفَعِلًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِ نَعَمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنْ يُقَالَ ( وَكُلُّ هَذِهِ ) الِاحْتِمَالَاتِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ ( فَضَلَاتُ الْفَلَاسِفَةِ لَا يَلِيقُ بِالشَّرْعِيِّ ) أَيْ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ( الْبِنَاءُ عَلَيْهَا إذْ لَمْ يَصِحَّ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا ثُمَّ يَتَفَاوَتُ ) الْعَقْلُ بِحَسَبِ الْفِطْرَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَشَهَادَةٍ مِنْ الْآثَارِ فَرُبَّ صَبِيٍّ أَعْقَلَ مِنْ بَالِغٍ وَمِنْ الْأَخْبَارِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ } .
( وَلَا يُنَاطُ ) التَّكْلِيفُ ( بِكُلِّ قَدْرٍ فَأُنِيطَ بِالْبُلُوغِ ) أَيْ بُلُوغِ الْآدَمِيِّ حَالَ كَوْنِهِ ( عَاقِلًا وَيُعْرَفُ ) كَوْنُهُ عَاقِلًا ( بِالصَّادِرِ عَنْهُ ) مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ كَانَ مُعْتَدِلَ الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً كَانَ قَاصِرَ الْعَقْلِ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ اعْتِدَالَ الْحَالِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ بِلَا عَتَهٍ مَقَامَ كَمَالِ الْعَقْلِ فِي تَوَجُّهِ الْخِطَابِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ صَارَ صِفَةُ الْكَمَالِ الَّذِي يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ سَاقِطَ الِاعْتِبَارِ كَمَا سَقَطَ تَوَهُّمُ بَقَاءِ النُّقْصَانِ بَعْدَ
هَذَا الْحَدِّ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ الظَّاهِرَ إذَا أُقِيمَ مُقَامَ الْبَاطِنِ يَدُورُ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا ( وَأَمَّا قَبْلَهُ ) أَيْ الْبُلُوغِ هَلْ يُوجَدُ التَّكْلِيفُ ( فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ فَعَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ ) كَمَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ ( وَالْمُعْتَزِلَةِ إنَاطَةُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ ) أَيْ بِعَقْلِهِ ( وَعِقَابُهُ ) أَيْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ( بِتَرْكِهِ ) أَيْ الْإِيمَانِ لِمُسَاوَاتِهِ الْبَالِغَ فِي كَمَالِ الْعَقْلِ وَإِنَّمَا عُذِرَ فِي عَمَلِ الْجَوَارِحِ لِضَعْفِ الْبِنْيَةِ بِخِلَافِ عَمَلِ الْقَلْبِ غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ كَمَالَ الْعَقْلِ مُعَرِّفٌ لِلْوُجُوبِ كَالْخِطَابِ وَالْمُوجِبُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ مُوجِدٌ لِأَفْعَالِهِ ( وَنَفَاهُ ) أَيْ وُجُوبَ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ( بَاقِيَ الْحَنَفِيَّةِ دِرَايَةً ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ إذْ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ امْتِنَاعُ التَّكْلِيفِ لَا أَنَّهُ رَفْعٌ بَعْدَ وَضْعِهِ ا هـ لَكِنْ فِي السُّنَنِ الصُّغْرَى لِلْبَيْهَقِيِّ الْأَحْكَامُ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْبُلُوغِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَقَبْلَهَا إلَى عَامِ الْخَنْدَقِ كَانَتْ تَتَعَلَّقُ بِالتَّمْيِيزِ ا هـ وَنَحْوُهُ فِي الْمَعْرِفَةِ لَهُ أَيْضًا فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُمَيِّزِ بَعْدَ الْوَضْعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَمْلُهُ عَلَى الشَّرَائِعِ بِدُونِ الْإِيمَانِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا مُوجِبَ لَهُ ( وَرِوَايَةً لِعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمُرَاهِقَةِ بِعَدَمِ وَصْفِهِ ) أَيْ الْإِيمَانِ كَمَا سَلَفَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الْحَاكِمِ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا .
( وَاتَّفَقَ غَيْرُ
الطَّائِفَةِ مِنْ الْبُخَارِيَّيْنِ ) الْحَنَفِيَّةُ ( عَلَى وُجُوبِهِ ) أَيْ الْإِيمَانِ ( عَلَى بَالِغٍ ) عَاقِلٍ ( لَمْ يَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ ) السَّابِقِ فِي الْفَصْلِ الْمَذْكُورِ
( وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَصَّ الْحَنَفِيَّةُ بِعَقْدِهِ فِي الْأَهْلِيَّةِ ) أَهْلِيَّةُ الْإِنْسَانِ لِلشَّيْءِ صَلَاحِيَّتُهُ لِصُدُورِهِ وَطَلَبِهِ مِنْهُ وَقَبُولِهِ إيَّاهُ ( ، وَهِيَ ضَرْبَانِ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ ) لِلْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ ( وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ كَوْنُهُ مُعْتَبَرًا فِعْلُهُ شَرْعًا وَالْأَوَّلُ بِالذِّمَّةِ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ لِوُجُوبِ مَا لَهُ وَعَلَيْهِ ) مِنْ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ إذْ الْوُجُوبُ شَغْلُ الذِّمَّةِ وَأَوْرَدَ بِأَنَّ هَذَا صَادِقٌ عَلَى الْعَقْلِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ مُغَايِرٍ لِلْعَقْلِ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ فَهْمِ الْخِطَابِ وَالْوُجُوبُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَصْفِ الْمُسَمَّى بِالذِّمَّةِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ ثُبُوتُ الْعَقْلِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ بِأَنْ رُكِّبَ فِي حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ الْوُجُوبُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَالْعَقْلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ وَتُعَقِّبَ بِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَانِعُ كَوْنِ الْوَصْفِ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْوُجُوبُ أَمْرًا آخَرَ غَيْرَ الْعَقْلِ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ أَنَّ الْعَقْلَ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ لَيْسَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثُمَّ ظَاهِرُ التَّقْوِيمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّمَّةِ الْعَقْلُ ( وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَمُتَابِعُوهُ الذِّمَّةُ نَفْسٌ وَرَقَبَةٌ لَهَا ذِمَّةٌ وَ ( عَهْدٌ ) فَالرَّقَبَةُ تَفْسِيرٌ لِلنَّفْسِ وَالْعَهْدُ تَفْسِيرٌ لِلذِّمَّةِ ( وَالْمُرَادُ أَنَّهَا ) أَيْ الذِّمَّةَ ( الْعَهْدُ ) الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } الْآيَةَ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَضِّحَةً ذَلِكَ .
فَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْله
تَعَالَى { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الْآيَةَ قَالَ جَمَعَهُمْ لَهُ يَوْمَئِذٍ جَمِيعًا مَا هُوَ كَائِنٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَجَعَلَهُمْ أَزْوَاجًا ثُمَّ صَوَّرَهُمْ فَاسْتَنْطَقَهُمْ فَتَكَلَّمُوا وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدَنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُ عَلَيْكُمْ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ وَأُشْهِدُ عَلَيْكُمْ أَبَاكُمْ آدَمَ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ فَلَا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا فَإِنِّي أُرْسِلُ إلَيْكُمْ رُسُلًا يُذَكِّرُونَكُمْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي وَأُنْزِلُ عَلَيْكُمْ كُتُبِي فَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّك رَبُّنَا وَإِلَهُنَا لَا رَبَّ لَنَا غَيْرُك وَرُفِعَ لَهُمْ أَبُوهُمْ آدَم فَرَأَى فِيهِمْ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَحَسَنَ الصُّورَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَبِّ لَوْ سَوَّيْت بَيْنَ عِبَادِك فَقَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أُشْكَرَ وَرَأَى فِيهِمْ الْأَنْبِيَاءَ مِثْلَ السُّرُجِ وَخُصُّوا بِمِيثَاقٍ آخَرَ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنْ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْك وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ } وَهُوَ قَوْلُهُ { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ } وَهُوَ قَوْلُهُ { هَذَا نَذِيرٌ مِنْ النُّذُرِ الْأُولَى } وَقَوْلُهُ { وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } وَكَانَ رُوحُ عِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ الَّتِي أُخِذَ عَلَيْهَا الْمِيثَاقُ فَأُرْسِلَ ذَلِكَ الرُّوحُ إلَى مَرْيَمَ حِينَ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَدَخَلَ مِنْ فِيهَا .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ لِهَذَا الْمَوْقُوفِ حُكْمَ الرَّفْعِ فَإِنْ قِيلَ مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ النَّاسَ لَا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَرْوَاحًا مُجَرَّدَةً وَالذِّكْرُ إنَّمَا هُوَ بِحَاسَّةٍ بَدَنِيَّةٍ أَوْ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْبَدَنِ وَالْبَدَنُ
وَقُوَاهُ وَمُتَعَلِّقَاتُهُ إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا السُّؤَالُ كَمَنْ يَقُولُ لَوْ كَانَ زَيْدٌ حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَكَانَ ثَوْبُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ حُضُورِهِ مُجَرَّدًا عَنْ لِبَاسٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَجَرُّدُ النَّفْسِ شَرْطًا فِي ذَلِكَ أَوْ تَعَلُّقُهَا بِالْبَدَنِ مَانِعًا مِنْهُ فَإِذَا تَجَرَّدَتْ بِالْمَوْتِ كُشِفَ عَنْهَا غِطَاؤُهَا فَأَبْصَرَتْ مَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَوَرَاءَهَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّةُ الْآنَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَهُمْ لَا يَذْكُرُونَهُ فَالْجَوَابُ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ الْآنَ بَلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ الْمَقَامَ إمَّا بِخَلْقِ الذِّكْرِ فِيهِمْ أَوْ بِإِزَالَةِ الْمُوجِبِ لِلنِّسْيَانِ ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَذْكُرُوا كَمَا لَزِمَهُمْ الْإِيمَانُ بِمَا لَمْ يُدْرِكُوا وَلِأَنَّ الصَّادِقَ أَخْبَرَهُمْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْمَقَامِ فَلَزِمَهُمْ تَصْدِيقُهُ ثُمَّ تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
فَقَوْلُ الْقَائِلِ ( فَفِي ذِمَّتِهِ ) كَذَا مُرَادٌ بِهِ ( فِي نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ عَهْدِهَا مِنْ ) إطْلَاقِ ( الْحَالِ ) وَهُوَ الذِّمَّةُ ( فِي الْمَحَلِّ ) وَهُوَ النَّفْسُ أَيْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَحَلِّ بِاسْمِ الْحَالِ ( جُعِلَتْ ) النَّفْسُ ( كَظَرْفٍ ) يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْوُجُوبُ ( لِقُوَّةِ التَّعَلُّقِ فَقَبْلَ الْوِلَادَةِ ) الْجَنِينُ جُزْءٌ مِنْ أُمِّهِ مِنْ وَجْهٍ حِسًّا لِقَرَارِهِ وَانْتِقَالِهِ بِقَرَارِهَا وَانْتِقَالِهَا كَيَدِهَا وَرِجْلِهَا وَحُكْمًا لِعِتْقِهِ وَرَقِّهِ وَدُخُولِهِ فِي الْبَيْعِ بِعِتْقِهَا وَرَقِّهَا وَبَيْعِهَا ( ثُمَّ نَفْسٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ وَجْهٍ ) أَيْ إنْسَانٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ التَّفَرُّدِ بِالْحَيَاةِ ( فَهِيَ ) أَيْ الذِّمَّةُ ثَابِتَةٌ ( مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوبِ لَهُ مِنْ وَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَنَسَبٍ وَعِتْقٍ عَلَى الِانْفِرَادِ ) أَيْ دُونَ الْأُمِّ إذَا كَانَ مُحَقَّقُ الْوُجُودِ
وَقْتَ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا لَهُ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ ( لَا عَلَيْهِ ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ( فَلَا يَجِبُ فِي مَالِهِ ثَمَنُ مَا اشْتَرَى الْوَلِيُّ لَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ تَمَّتْ لَهُ ) الذِّمَّةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( فَاسْتَعْقَبَتْ ) الذِّمَّةُ الْوُجُوبَ ( لَهُ وَعَلَيْهِ إلَّا مَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَاجِبُ الْعَاجِزُ عَنْهُ ( مِمَّا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَالِ ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ كَمَا تَعْتَمِدُ قِيَامَ الذِّمَّةِ وَوُجُودَهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَهِيَ مَحَلُّهُ تَعْتَمِدُ صَلَاحِيَّةُ الْوُجُوبِ لِلْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ بِالْوُجُوبِ وَمَا لَيْسَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ مُجَرَّدَ الْمَالِ مُنْتَفٍ عَنْهُ لِعَجْزِهِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ فَإِنَّ فَائِدَةَ وُجُوبِهَا الْأَدَاءُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَصْدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَلَا يَنُوبُ وَلِيُّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ جَبْرِيٌّ لَا اخْتِيَارِيٌّ فَلَا يَصْلُحُ طَاعَةٌ ( وَذَلِكَ ) أَيْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِمَّا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ فَلَا تَنْتَفِي فَائِدَتُهُ ( كَمَالُ الْغُرْمِ ) أَيْ الْغَرَامَاتُ الْمَالِيَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ حَتَّى لَوْ انْقَلَبَ عَلَى مَالِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ( وَالْعِوَضُ ) فِي الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا الْمَالُ لَا الْأَدَاءُ إذَا الْغَرَضُ فِي الْأَوَّلِ جَبْرُ الْفَائِتِ وَفِي الثَّانِي حُصُولُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِعَيْنِ الْمَالِ وَأَدَاءِ وَلِيِّهِ فِي حُصُولِ هَذَا الْمَقْصُودِ كَأَدَائِهِ .
( وَالْمُؤْنَةُ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْمُؤَنِ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فِيهِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَلْ الْمَقْصُودُ فِيهِمَا الْمَالُ
وَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ ( وَصِلَةٌ كَالْمُؤْنَةِ ) أَيْ وَمِثْلُ صِلَةٍ تُشْبِهُ الْمُؤْنَةَ ( كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ ) فَإِنَّهَا صِلَةٌ تُشْبِهُ الْمُؤْنَةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ كِفَايَةً لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَقَارِبُهُ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَسَارَ لَهُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا سَدُّ خَلَّةِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بِوُصُولِ كِفَايَتِهِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْمَالِ فَأَدَاءُ الْوَلِيِّ فِيهِ كَأَدَائِهِ ( وَكَالْعِوَضِ ) أَيْ وَمِثْلِ صِلَةٍ تُشْبِهُ الْعِوَضَ ( كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ) فَإِنَّهَا تُشْبِهُ الْعِوَضَ مِنْ جِهَةِ وُجُوبِهَا جَزَاءً لِلِاحْتِبَاسِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ الرَّجُلِ وَجُعِلَتْ صِلَةً لَا عِوَضًا مَحْضًا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ بِطَرِيقِ التَّسْمِيَةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْأَعْوَاضِ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عِوَضًا عَنْ الِاحْتِبَاسِ لِلرَّجُلِ لَسَقَطَتْ بِفَوْتِهِ كَيْفَمَا فَاتَ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ مَتَى لَمْ يُسَلِّمْ الْمُؤَاجِرُ مَا آجَرَ بِأَيِّ مَنْعٍ كَانَ سَقَطَ الْأَجْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَوْ حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ الْحَالِّ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ فَلِكَوْنِهَا صِلَةً تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْتِزَامٌ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَلِشَبَهِهَا بِالْأَعْوَاضِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالِالْتِزَامِ ( لَا ) مَا يَكُونُ مِنْ الصِّلَةِ ( كَالْأَجْزِيَةِ ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالِهِ ( كَالْعَقْلِ ) أَيْ كَتَحَمُّلِ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صِلَةٌ لَكِنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَزَاءِ عَلَى تَرْكِ حِفْظِ السَّفِيهِ وَالْأَخْذِ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ وَلِذَا اخْتَصَّ بِهِ رِجَالُ الْعَشِيرَةِ دُونَ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ مَعَ أَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَالْقَصْدِ ، وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِيهِ وَهَذَا ( بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ ) فَإِنَّهَا إنَّمَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ ( لِلْحَرَجِ ) وَهَذَا قَدْ يُوهِمُ
أَنَّهُ مَاشٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ مِنْ وُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ جَمِيعًا عَلَى الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْأَسْبَابِ وَقِيَامِ الذِّمَّةِ وَقَدْ تَحَقَّقَا فِي حَقِّهِ .
كَمَا فِي حَقِّ الْبَالِغِ لَا عَلَى الْقُدْرَةِ إذْ هِيَ وَالتَّمْيِيزُ إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ حُكْمٌ وَرَاءَ أَصْلِ الْوُجُوبِ إلَّا أَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ تَسْقُطُ بِعُذْرِ الصِّبَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ إخْلَاءٌ لِإِيجَابِ الشَّرْعِ عَنْ الْفَائِدَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَهِيَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ وَفِي الْآخِرَةِ ، وَهِيَ الْجَزَاءُ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَلَيْهِ ثُمَّ سَقَطَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ لَكَانَ يَنْبَغِي إذَا أَدَّى أَنْ يَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْمُؤَدَّى عَنْ الْوَاجِبِ بِالِاتِّفَاقِ دَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْوُجُوبِ أَصْلًا وَلَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا مَاشٍ عَلَى ذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْوُجُوبَ مُنْتَفٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ فِي الْأَدَاءِ إذْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالْأَدَاءِ فِي حَالِ الصِّبَا وَالْقَضَاءُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْحَرَجِ الْبَيِّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِلُزُومِ الْحَرَجِ الْمَنْفِيِّ شَرْعًا لِلْوُجُوبِ لَوْ قُلْنَا بِهِ قُلْنَا ( وَلَا يَقْضِي ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ( مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ ) أَيْ شَهْرِ رَمَضَانَ ( إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبَاهُ ) أَيْ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ الشَّهْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ مَا فَاتَهُمَا مِنْهُ لِثُبُوتِ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِمَا لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ شَهْرٍ مِنْ سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ ( بِخِلَافِ الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ الْجُنُونِ ) لِلشَّهْرِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ مَعَهُ وُجُوبُ
الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْجُنُونِ كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ فَلَوْ ثَبَتَ الْوُجُوبُ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لَزِمَ الْحَرَجُ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ مَعَهُ إذَا امْتَدَّ تَمَامَ الشَّهْرِ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّادِرِ .
( وَالْمُمْتَدُّ مِنْهُمَا ) أَيْ وَبِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ ( يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي حَقِّ الصَّلَاةِ ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي بَحْثِ الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنَّ الْمُمْتَدَّ مِنْهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي حَقِّ الصَّلَاةِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ بِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الْكَثْرَةِ لِعَدَمِ الدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِخِلَافِ الْمُمْتَدِّ أَكْثَرَ مِنْهُمَا عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْمُرَادِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ لِيَظْهَرَ فِي الْقَضَاءِ لِثُبُوتِ الْحَرَجِ بِثُبُوتِ الْكَثْرَةِ بِالدُّخُولِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ فَلَا يَقْضِي شَيْئًا ( بِخِلَافِ النَّوْمِ فِيهِمَا ) أَيْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ اسْتِيعَابًا لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ مَعَهُ لِيَظْهَرَ حُكْمُهُ فِي حَقِّ الْحَلِفِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ ( إذْ لَا حَرَجَ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ عَادَةً ) بَلْ هُوَ نَادِرٌ فَإِنْ قِيلَ النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ كَتَوْكِيلِ الْمُكَلَّفِ غَيْرَهُ بِأَدَاءِ زَكَاةِ مَالِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَيُؤَدِّيَ عَنْهُ وَلِيُّهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجَارِيَ فِيهَا النِّيَابَةُ شَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ اخْتِيَارِيَّةً ؛ لِأَنَّ فِعْلَ النَّائِبِ فِيهَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمَنُوبِ عَنْهُ فَيَصِحُّ عِبَادَةً وَهَذَا لَا يَتِمُّ فِي الْجَبْرِيَّةِ كَنِيَابَةِ الْوَلِيِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالزَّكَاةُ وَإِنْ تَأَدَّتْ بِالنَّائِبِ لَكِنَّ إيجَابَهَا لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ وَلَيْسَ ) الصَّبِيُّ ( مِنْ أَهْلِهِمَا ) أَيْ
الْأَدَاءِ وَالِاخْتِيَارِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْعِبَادَةِ لِلِابْتِلَاءِ بِالْأَدَاءِ بِالِاخْتِيَارِ ( أَسْقَطَ مُحَمَّدٌ الْفِطْرَةَ ) أَيْ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ ( تَرْجِيحًا لِمَعْنَى الْعِبَادَةِ ) فِيهَا وَانْتِفَائِهَا فِيهِ .
( وَاكْتَفَيَا ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ ( بِالْقَاصِرَةِ ) أَيْ بِالْأَهْلِيَّةِ الْقَاصِرَةِ فِيهَا فَأَوْجَبَاهَا عَلَيْهِ ( تَرْجِيحًا لِلْمُؤْنَةِ ) فِيهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْضَحُ ( وَبِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ كَالْقِصَاصِ وَالْأَجْزِيَةِ كَحِرْمَانِ الْإِرْثِ بِقَتْلِهِ ) لِمُوَرِّثِهِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْجَزَاءِ ؛ لِأَنَّهُمَا جَزَاءُ التَّقْصِيرِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ مِمَّنْ لَا قَصْدَ لَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ وَاسْتَثْنَى فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَالْحَلْوَانِيُّ وَمُوَافِقُوهُمْ ( مِنْ الْعِبَادَاتِ ) أَيْ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ( الْإِيمَانَ فَأَثْبَتَ ) فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَكَذَا مُوَافِقُوهُ ( وُجُوبَهُ ) أَيْ الْإِيمَانِ ( فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ لِسَبَبِيَّةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ ) بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى رُبُوبِيَّةِ الْبَارِي تَعَالَى لِنَفْسِ وُجُوبِ الْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ جَبْرًا وَقِيَامُ الذِّمَّةِ لَهُ ( لَا الْأَدَاءِ ) أَيْ ، وَلَمْ يُثْبِتْ وُجُوبَ الْأَدَاءِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ لَهُ مَنُوطَةٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ وَاعْتِدَالِهِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْبُلُوغِ .
( فَإِذَا أَسْلَمَ عَاقِلًا وَقْع ) إسْلَامُهُ ( فَرْضًا ) ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ هُوَ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ بَلْ لَا يَحْتَمِلُ النَّفَلَ أَصْلًا فَوَقَعَ فَرْضًا ( فَلَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ ) أَيْ إسْلَامِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( بَالِغًا كَتَعْجِيلِ
الزَّكَاةِ بَعْدَ السَّبَبِ ) لِوُجُوبِهَا فَصَارَ أَدَاءُ الْإِيمَانِ فِي حَقِّهِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمُكَلَّفِ بَعْدَ سَبَبِ وُجُوبِهَا قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهَا عَلَيْهِ ( فَإِنْ قِيلَ مِثْلُهُ ) أَيْ جَوَازُ تَعْجِيلِ الْحُكْمِ بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِ وُجُوبِهِ قَبْلَ وُجُوبِ أَدَائِهِ ( يَتَوَقَّفُ عَلَى السَّمْعِ ) ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا سَيَجِبُ إذَا وَجَبَ بِفِعْلٍ قَبْلَ الْوُجُوبِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ( قُلْنَا ) نَعَمْ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ ( إسْلَامُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) إذْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أَسْلَمَ عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِ سِنِينَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرِ سِنِينَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { دَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّايَةَ إلَى عَلِيٍّ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً } وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ الذَّهَبِيُّ هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ وَلَهُ أَقَلُّ مِنْ عَشَرِ سِنِينَ بَلْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ أَسْلَمَ ابْنَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عُمُرُهُ حِينَ أَسْلَمَ خَمْسَ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَمِنْ الْمَبْعَثِ إلَى بَدْرٍ خَمْسَ عَشْرَةَ فَلَعَلَّ فِيهِ تَجَوُّزًا بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ الَّذِي فَوْقَ الْعِشْرِينَ حَتَّى يُوَافِقَ قَوْلَ عُرْوَةَ قَالُوا وَصَحَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسْلَامَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إقْرَارِهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَفِيفِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لَهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ لَمْ يُوَافِقْ مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ إلَّا امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ وَهَذَا الْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ عَفِيفٌ فَرَأَيْتهمْ يُصَلُّونَ فَوَدِدْت أَنِّي أَسْلَمْت حِينَئِذٍ فَأَكُونُ رُبُعَ الْإِسْلَامِ .
قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ يُقَالُ تَصْحِيحُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إسْلَامَهُ إنْ أُرِيدَ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ فَمُسْلِمٌ وَكَلَامُنَا فِي تَصْحِيحِهِ فِي أَحْكَامِ
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ حَتَّى لَا يَرِثَ أَقَارِبَهُ الْكُفَّارَ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَّحَهُ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِي الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ نُقِلَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَّحْت إسْلَامَهُ أَمْكَنَ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ وَقَدْ أُورِدَ هَذَا السُّؤَالَ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْوَجْهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْوَجْهُ ا هـ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَصْحِيحُ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ تَصْحِيحٌ ظَاهِرٌ لَهُ دَلَالَةٌ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْإِسْلَامِ دُنْيَا وَأُخْرَى وَمِنْ ثَمَّةَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ كَافِرٍ صَلَّى إلَى قِبْلَتِنَا فِي جَمَاعَتِنَا حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ سَائِرُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ فِي ثُبُوتِ تَصْحِيحِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الْإِسْلَامِيَّةِ نَقْلَ تَصْحِيحِهِ فِي كُلِّ حُكْمٍ مِنْهَا فَانْتَفَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَا الدُّنْيَا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَزُفَرُ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَكَلَامُنَا فِي صَبِيٍّ عَاقِلٍ يُنَاظِرُ فِي وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِحَّةِ رِسَالَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُلْزِمُ الْخَصْمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِي مَعْرِفَتِهِ شُبْهَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ .
( وَعَلَى مَا قَدَّمْنَا ) مِنْ الْبَحْثِ الَّذِي يَنْتَفِي بِهِ تَحَقُّقُ أَصْلِ الْوُجُوبِ فِي مَسْأَلَةٍ تُثْبِتُ السَّبَبِيَّةَ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ ( يَكْفِي السَّمْعُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُوبِ وَنَفَاهُ ) أَيْ أَصْلَ الْوُجُوبِ لِلْإِيمَانِ عَنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ( شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ) السَّرَخْسِيُّ ( لِعَدَمِ حُكْمِهِ ) أَيْ الْوُجُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ السَّبَبُ وَالْمَحَلُّ قَائِمًا ( وَلَوْ أَدَّى وَقَعَ فَرْضًا ؛ لِأَنَّ عَدَمَ
الْوُجُوبِ كَانَ لِعَدَمِ حُكْمِهِ فَإِذَا وُجِدَ ) الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْأَدَاءُ ( وُجِدَ ) الْوُجُوبُ بِمُقْتَضَى الْأَدَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَوْمِ الْمُسَافِرِ وَكَأَدَاءِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجُوبُهَا ثَابِتًا فِي حَقِّهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ .
( وَالْأَوَّلُ ) أَيْ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ ( أَوْجَهُ ) ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا أَصْلِ الْوُجُوبِ الَّذِي طُلِبَ مِنْهُ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حُكْمَ الْوُجُوبِ هُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ إنَّمَا ذَلِكَ حُكْمُ الْخِطَابِ بَلْ حُكْمُهُ صِحَّةُ الْأَدَاءِ ، وَهِيَ مُتَحَقِّقَةٌ هُنَا فَثَبَتَ الْوُجُوبُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ قُلْت وَلَكِنْ هَذَا عَلَى تَحَقُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا عَلَى بَحْثِ الْمُصَنِّفِ الْمُقْتَضِي لِانْتِفَائِهِ ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ الْقَصْدُ إلَى تَصْدِيقٍ وَإِقْرَارٍ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَقَدْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَا يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْإِقْرَارِ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ بِهِ إسْقَاطُ الْفَرْضِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ بَلْ لَا يَكْفِيهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ مِنْهَا إلَّا مَا قَرَنَهُ بِنِيَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ امْتِثَالًا لِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّةِ فَرْضِ الْإِيمَانِ لِلْبَالِغِ الْمَحْكُومِ بِصِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ الْمُسْلِمَيْنِ إذَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَمْ يَفْعَلْهُ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَنْ آخِرِهِمْ ( وَلِعَدَمِ حُكْمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ لِانْتِفَاءِ الْأَدَاءِ شَرْعًا ) فِي حَالَةِ الْحَيْضِ ( وَالْقَضَاءُ ) بَعْدَ الطَّهَارَةِ مِنْهُ ( لِلْحَرَجِ وَالتَّكْلِيفُ لِلرَّحْمَةِ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَكْلِيفَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مَا هُوَ فِي قُدْرَتِهِمْ مِنْ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَلَا سِيَّمَا مَا كَانَ مِنْ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ لِرَحْمَتِهِ تَعَالَى لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِامْتِثَالِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحَالِ طَرِيقُ الثَّوَابِ فِي السُّنَّةِ الْإِلَهِيَّةِ ( وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ ) الَّذِي هُوَ طَرِيقُ الْعِقَابِ ( فَلَمْ يَتَعَلَّقْ
) التَّكْلِيفُ ( ابْتِدَاءً بِمَا فِيهِ ) الْحَرَجُ ( فَضْلًا ) مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ( بِخِلَافِ الصَّوْمِ ) فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي قَضَائِهَا إيَّاهُ ( فَثَبَتَ ) أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَيْهَا ( لِفَائِدَةِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ ) وَسَنُوَضِّحُ وَجْهَهُ فِي الْكَلَامِ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَأَهْلِيَّةُ الْأَدَاءِ نَوْعَانِ قَاصِرَةٌ لِقُصُورِ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ) أَوْ الْعَقْلِ لَا غَيْرُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالْمَعْتُوهُ الْبَالِغُ ) وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ ( وَالثَّابِتُ مَعَهَا ) أَيْ الْقَاصِرَةِ ( صِحَّةُ الْأَدَاءِ ) ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّتِهِ نَفْعَهُ بِلَا شَائِبَةِ ضَرَرٍ ( وَكَامِلَةٌ بِكَمَالِهِمَا ) أَيْ الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ ( وَيَلْزَمُهَا ) أَيْ الْكَامِلَةَ ( وُجُوبُهُ ) أَيْ الْأَدَاءِ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهِ وَقَدْ يَكُونُ كَامِلَ الْعَقْلِ ضَعِيفَ الْبَدَنِ كَالْمَفْلُوجِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ أَدَاءُ مَا يَتَعَلَّقُ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ وَسَلَامَتِهِ ( فَمَا ) يَكُونُ ( مَعَ الْقَاصِرَةِ ) سِتَّةً ؛ لِأَنَّهُ ( إمَّا حَقٌّ لِلَّهِ لَا يَحْتَمِلُ حُسْنُهُ الْقُبْحَ أَوْ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْحُسْنَ أَوْ مُتَرَدِّدٌ ) بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ ( أَوْ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقُّ الْعَبْدِ ( فَإِمَّا فِيهِ نَفْعٌ أَوْ ضَرَرٌ مَحْضَانِ أَوْ مُتَرَدِّدٌ ) بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ حُسْنُهُ الْقُبْحَ ( الْإِيمَانُ لَا يَسْقُطُ حُسْنُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ ) فَيَصِحُّ مِنْهُ لِذَلِكَ وَلِأَهْلِيَّتِهِ لِلثَّوَابِ وَكَيْفَ لَا وَالْفَرْضُ أَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ حَقِيقَةً فَكَذَا حُكْمًا ( وَتَخَلُّفُ الْوُجُودِ الْحُكْمِيِّ عَنْ ) الْوُجُودِ ( الْحَقِيقِيِّ ) إنَّمَا يَكُونُ ( لِحَجْرِ الشَّرْعِ ) عَنْهُ ( وَلَمْ يُوجَدْ ) حَجْرُ الشَّرْعِ عَنْهُ وَكَيْفَ يُوجَدُ ( وَلَا يَلِيقُ ) الْحَجْرُ عَنْهُ بِالشَّارِعِ لِحُسْنِهِ حُسْنًا لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا بِحَالٍ وَلَوْ صَارَ مَحْجُورًا عَنْهُ لَكَانَ قَبِيحًا مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ وَلِنَفْعِهِ
الَّذِي لَا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَإِنْ قِيلَ بَلْ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا كَحِرْمَانِ الْمِيرَاثِ عَنْ مُوَرِّثِهِ الْكَافِرِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ ( وَضَرَرُ حِرْمَانِ الْمِيرَاثِ وَفُرْقَةُ النِّكَاحِ مُضَافَانِ إلَى كُفْرِ الْقَرِيبِ وَالزَّوْجَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شُرِعَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ لَا قَاطِعًا ( وَلَوْ سَلِمَ ) لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ ( فَحُكْمُ الشَّيْءِ الْمُوجِبِ ) بِالْجَرِّ صِفَةُ الشَّيْءِ وَفَاعِلُهُ ( ثُبُوتُ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( صِحَّتِهِ ) أَيْ صِحَّةِ حُكْمِ الشَّيْءِ وَهُوَ مَفْعُولُهُ ثُمَّ حُكْمُ الشَّيْءِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( مَا ) أَيْ الْحُكْمُ الَّذِي ( وُضِعَ ) الشَّيْءُ ( لَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الْحُكْمِ .
( وَوَضْعُهُ ) أَيْ الْإِيمَانِ ( لَيْسَ لِذَلِكَ ) أَيْ لِحِرْمَانِ الْإِرْثِ وَالْفُرْقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَبَيْنَهُ ( وَإِنْ لَزِمَ ) ذَلِكَ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْإِيمَانُ ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَلَازِمًا مِنْ لَوَازِمِهِ التَّابِعَةِ لِوُجُودِهِ وَمِنْ ثَمَّةَ ثَبَتَا فِي ثُبُوتِ إسْلَامِهِ تَبَعًا لِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا ، وَلَمْ يُعَدَّا ضَرَرًا يَمْنَعُ صِحَّةَ ثُبُوتِهِ ( بَلْ ) وَضَعَهُ ( لِسَعَادَةِ الدَّارَيْنِ مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ الْإِسْلَامَ ( مُوجِبٌ إرْثَهُ مِنْ الْمُسْلِمِ فَلَمْ يَكُنْ ) لَازِمُهُ ( مَحْصُورًا فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ حِرْمَانِ الْإِرْثِ وَيَعُودُ مِلْكُ نِكَاحِهِ إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ فَيَتَعَارَضُ النَّفْعُ وَالضَّرَرُ وَيَتَسَاقَطَانِ فَيَبْقَى الْإِسْلَامُ فِي نَفْسِهِ نَفْعًا مَحْضًا لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الضَّرَرِ وَصَارَ هَذَا ( كَقَبُولِ هِبَةِ الْقَرِيبِ مِنْ الصَّبِيِّ يَصِحُّ مَعَ تَرَتُّبِ عِتْقِهِ ) عَلَى الْقَبُولِ ( وَهُوَ ) أَيْ عِتْقُهُ ( ضَرَرٌ ) مَحْضٌ ( لِأَنَّ الْحُكْمَ الْأَصْلِيَّ ) لِلْهِبَةِ إنَّمَا هُوَ ( الْمِلْكُ بِلَا عِوَضٍ ) لَا الْعِتْقُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ لِصِحَّتِهِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( مِنْهُ ) وَنَفْعِهِ بِأَدَائِهِ ( لَا وُجُوبِهِ ) عَلَيْهِ (
وَضَرْبُهُ لِعَشْرٍ عَلَى الصَّلَاةِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشَرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( تَأْدِيبًا ) لِيَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَادَ الصَّلَاةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَهُوَ مِنْ أَنْفَعِ الْمَنَافِعِ .
( كَالْبَهِيمَةِ ) أَيْ كَضَرْبِهَا عَلَى بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تُضْرَبُ الدَّابَّةُ عَلَى النِّفَارِ وَلَا تُضْرَبُ عَلَى الْعِثَارِ } رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ مَنَاكِيرِ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ ( لَا لِلتَّكْلِيفِ وَالثَّانِي ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ قُبْحُهُ الْحُسْنَ ( الْكُفْرُ ) فَإِنَّهُ قَبِيحٌ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ فِي كُلِّ حَالٍ وَهُوَ ( يَصِحُّ مِنْهُ أَيْضًا فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ اتِّفَاقًا ) وَإِلَّا صَارَ الْجَهْلُ بِهِ تَعَالَى عِلْمًا بِهِ ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ جَهْلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَحْكَامِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يُجْعَلُ عِلْمًا فِي حَقِّ الْعِبَادِ فَكَيْفَ فِي حَقِّ رَبِّ الْأَرْبَابِ وَالْعَفْوُ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ مَعَ الْكُفْرِ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ أَدَاؤُهُ لِعَقْلِهِ وَصِحَّةِ دَرْكِهِ لَمْ يَرِدْ بِهِ شَرْعٌ وَلَا يَحْكُمُ بِهِ عَقْلٌ ( وَكَذَا ) يَصِحُّ ( فِي ) أَحْكَامِ ( الدُّنْيَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) آخِرًا وَالشَّافِعِيِّ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَمَا يَكُونُ ضَرَرًا مَحْضًا أَوْلَى وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْكُفْرَ مَحْظُورٌ مُطْلَقًا فَلَا يَسْقُطُ بِعُذْرٍ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ ( فَتَبِينُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثَ ) مِنْ مُوَرِّثِهِ الْمُسْلِمِ بِالرِّدَّةِ تَبَعًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ مِنْ
تَوَابِعِهَا لَا قَصْدًا لِلضَّرَرِ فِي حَقِّهِ إذْ هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَفْوُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بِوَجْهٍ بِوَاسِطَةِ لُزُومِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الِارْتِدَادُ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ بِأَنْ ارْتَدَّا وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَزِمَهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ حَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُهُ بِوَاسِطَةِ لُزُومِهِ ( وَإِنَّمَا لَمْ يُقْتَلْ ) وَقْتَئِذٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقَتْلَ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ الِارْتِدَادِ ( بَلْ ) قَتْلُ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ ( بِالْحِرَابَةِ ) لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ .
( وَلَيْسَ ) الصَّبِيُّ ( مِنْ أَهْلِهَا وَلَا بَعْدَ الْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ إسْلَامِهِ صَبِيًّا خِلَافًا ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ( أَوْرَثَ شُبْهَةً فِيهِ ) أَيْ الْقَتْلِ ( وَالثَّالِثُ ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ ( كَالصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا ) مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا وَحُسْنَهَا قَدْ يَكُونُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ كَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَيَوْمَيْ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ فِي حَقِّ الصَّوْمِ وَحُكْمُ هَذِهِ أَنَّهَا ( تَصِحُّ ) مِنْهُ ( لِمَصْلَحَةِ ثَوَابِهَا ) فِي الْآخِرَةِ وَاعْتِيَادِ أَدَائِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ بِحَيْثُ لَا تَشُقُّ عَلَيْهِ ( بِلَا عُهْدَةٍ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ ) الْمُضِيُّ فِيهَا ( وَلَا بِالْإِفْسَادِ ) قَضَاؤُهَا ؛ لِأَنَّهَا قَدْ شُرِعَتْ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي عِبَادَةٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِتْمَامُ مَعَ فَوَاتِ صِفَةِ اللُّزُومِ حَتَّى لَوْ أَفْسَدَهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَكَذَا الصَّبِيُّ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَتْ نَفْعًا مَحْضًا فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا كَانَ مَالِيًّا مِنْهَا كَالزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِهِ فِي الْعَاجِلِ بِنُقْصَانِ مَالِهِ ( وَالرَّابِعُ ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ
نَفْعٌ مَحْضٌ ( كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنْهُ بِلَا إذْنِ وَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ وَلِذَا ) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِ مَا فِيهِ نَفْعٌ مَحْضٌ ( وَجَبَتْ أُجْرَتُهُ ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ( إذَا آجَرَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ مَعَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ بُطْلَانَ عَقْدِهِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ( وَلَحِقَهُ ) أَيْ الصَّبِيَّ وَهُوَ ( أَنْ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ إذْنِ الْوَلِيِّ .
( فَإِذَا عَمِلَ بَقِيَ الْأَجْرُ نَفْعًا مَحْضًا ) وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فِيهِ ( فَيَجِبُ بِلَا اشْتِرَاطِ سَلَامَتِهِ ) مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي الْعَمَلِ لَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا أَقَامَ مِنْ الْعَمَلِ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يُمْلَكُ بِالضَّمَانِ ( بِخِلَافِ الْعَبْدِ ) الْمَحْجُورِ ( آجَرَ نَفْسَهُ ) بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ ( تَجِبُ ) الْأُجْرَةُ ( بِشَرْطِهَا ) أَيْ السَّلَامَةِ مِنْ الْعَمَلِ ( فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ ) الْمُسْتَأْجِرُ ( قِيمَتَهُ مِنْ يَوْمِ الْغَصْبِ فَيَمْلِكُهُ فَلَا تَجِبُ أُجْرَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ ( وَصَحَّتْ وَكَالَتُهُمَا ) أَيْ قَبُولُ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ تَوْكِيلَ غَيْرِهِمَا لَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِمَا ( بِلَا عُهْدَةٍ ) تَرْجِعُ إلَيْهِمَا مِنْ لُزُومِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ الَّذِي بَاشَرَهُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وَالْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ قَبُولَهُمَا الْوَكَالَةَ بِلَا عُهْدَةٍ ( نَفْعٌ ) مَحْضٌ لَهُمَا ( إذْ يَكْتَسِبُ بِذَلِكَ إحْسَانَ التَّصَرُّفِ ، وَجِهَةُ الضَّرَرِ وَهِيَ لُزُومُ الْعُهْدَةِ مُنْتَفِيَةٌ فَتَمَحَّضَ نَفْعًا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } ) أَيْ اخْتَبِرُوا عُقُولَهُمْ وَتَعَرَّفُوا أَحْوَالَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ حَتَّى إذَا تَبَيَّنْتُمْ مِنْهُمْ هِدَايَةً دَفَعْتُمْ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ بِلَا تَأْخِيرٍ عَنْ حَدِّ الْبُلُوغِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِصِحَّةِ مُبَاشَرَتِهِمَا مَا فِيهِ نَفْعٌ
مَحْضٌ ( اسْتَحَقَّا الرَّضْخَ ) أَيْ مَا دُونَ السَّهْمِ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( إذَا قَاتَلَا بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْقِيَاسُ لَا شَيْءَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرَانِ مِنْ أَهْلِهِ بِالْإِذْنِ كَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا غَيْرُ مَحْجُورَيْنِ عَنْ مَحْضِ الْمَنْفَعَةِ وَاسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ بَعْدَ الْقِتَالِ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ كَالْمَأْذُونَيْنِ مِنْ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى .
( وَقِيلَ هُوَ ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ الرَّضْخِ ( قَوْلُ مُحَمَّدٍ ) ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَمَانَهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقِتَالِ وَإِذَا كَانَ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ كَانَ لَهُمَا الرَّضْخُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَأَكْثَرُ تَفْرِيعَاتِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلِهِ كَتَفْرِيعَاتِ الزِّيَادَاتِ فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُمَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا وِلَايَةُ الْقِتَالِ فَلَا يَرْضَخُ لَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَحِلُّ لَهُمَا شُهُودُ الْقِتَالِ بِدُونِ الْإِذْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا جَوَابُ الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْقِتَالِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ انْقَلَبَ نَفْعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا مَعْنَى لِلْحَجْرِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ ( وَإِنَّمَا لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ ) بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَا دُونَهُ ( مَعَ حُصُولِ نَفْعِ الثَّوَابِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ حَيًّا ) ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( لِإِبْطَالِهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةِ ( نَفْعَ الْإِرْثِ عَنْهُ ) لِأَقَارِبِهِ الْوَرَثَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ نَفْعُ إرْثِهِمْ لَهُ ( أَنْفَعُ ) لَهُ مِنْ نَفْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجَانِبِ ( لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ شَرْعًا لِلصَّدَقَةِ وَالصِّلَةِ ) فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكَيْنِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ } حَسَّنَهُ
التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ إنَّك إنْ تَدَعْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُشْكِلُ هَذَا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إنَّ هَا هُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ مُرُوهُ فَلْيُوصِ لَهَا فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِعْت ذَلِكَ الْمَالَ بِثَلَاثِينَ أَلْفًا وَقَدْ أَجَابَ الْمَشَايِخُ عَنْهُ بِمَا لَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَالْخَامِسُ ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَهُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ ( كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ ) وَالْهِبَةِ وَحُكْمُ هَذَا أَنَّهُ ( لَا يَمْلِكُهُ وَلَوْ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الْمِلْكِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ إلَيْهِ وَالصِّبَا مَظِنَّةُ الرَّحْمَةِ وَالْإِشْفَاقِ لَا مَظِنَّةُ الْإِضْرَارِ وَاَللَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَلَمْ يُشَرِّعْ فِي حَقِّهِ الْمَضَارَّ ( كَمَا لَا يَمْلِكُهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ) مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَقَاضٍ ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ نَظَرِيَّةٌ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إثْبَاتُهَا فِيمَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ فِي حَقِّهِ وَحِينَئِذٍ فَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فِي حَقِّهِ عَدَمَهَا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ فَأَمَّا عِنْدَ تَحَقُّقِهَا فَمَشْرُوعٌ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةُ السَّرَخْسِيُّ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا فِي حَقِّ الصَّبِيِّ حَتَّى إنَّ امْرَأَتَهُ لَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَهَذَا وَهْمٌ عِنْدِي فَإِنَّ الطَّلَاقَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ النِّكَاحِ إذْ لَا ضَرَرَ فِي إثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا الضَّرَرُ فِي الْإِيقَاعِ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى صِحَّةِ إيقَاعِ
الطَّلَاقِ مِنْ جِهَتِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ كَانَ صَحِيحًا وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَوْ أَثْبَتَنَا مِلْكَ الطَّلَاقِ فِي حَقِّهِ كَانَ خَالِيًا عَنْ حُكْمِهِ وَهُوَ وِلَايَةُ الْإِيقَاعِ وَالسَّبَبُ الْخَالِي عَنْ حُكْمِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا كَبَيْعِ الْحُرِّ وَطَلَاقِ الْبَهِيمَةِ ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ خُلُوَّهُ عَنْ حُكْمِهِ إذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى إذَا أَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَأَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَكَانَ طَلَاقًا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَإِذَا وَجَدَتْهُ مَجْبُوبًا فَخَاصَمَتْهُ فِي ذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ طَلَاقًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ( إلَّا إقْرَاضَ الْقَاضِي فَقَطْ مِنْ الْمَلِيِّ ) مَالَهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ .
( لِأَنَّهُ ) أَيْ إقْرَاضَهُ ( حِفْظٌ ) لَهُ ( مَعَ قُدْرَةِ الِاقْتِضَاءِ بِعِلْمِهِ ) مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى دَعْوَى وَبَيِّنَةٍ فَكَانَ بِهَذَا الشَّرْطِ نَظَرًا مِنْ الْقَاضِي لَهُ وَنَفْعًا ( بِخِلَافِ الْأَبِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِهِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ فَلَا يَمْلِكُهُ ( إلَّا فِي رِوَايَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فَيَمْلِكُهُ ( كَاقْتِرَاضِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَهْلِكُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ إذَا كَانَ مَلِيًّا قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى ( وَالسَّادِسُ ) أَيْ مَا هُوَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ ( كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ فِيهِ احْتِمَالُ الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ ) فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ رَابِحًا وَالْإِجَارَةُ وَالنِّكَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ فَهِيَ نَفْعٌ وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ خَاسِرًا وَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ
فَهِيَ ضَرَرٌ ( وَتَعْلِيلُ النَّفْعِ بِدُخُولِ الْبَدَلِ فِي مِلْكِهِ وَالضَّرَرِ بِخُرُوجِ الْآخَرِ ) كَمَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( يُوجِبُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ ) كَانَ ضَرَرًا وَنَفْعًا وَيَلْزَمُهُ أَنَّهُ ( لَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ قَطُّ وَذَكَرَ ) الْمُعَلِّلُ الْمَذْكُورُ ( أَنَّهُ يَنْدَفِعُ احْتِمَالُ الضَّرَرِ بِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ ) كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ بَيَانُ تَرَدُّدِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهَا عَلَى دُخُولِ شَيْءٍ فِي الْمِلْكِ وَخُرُوجِ الْبَدَلِ عَنْ الْمِلْكِ فَبِانْضِمَامِ رَأْيِ الْوَلِيِّ انْدَفَعَ تَوَهُّمُ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ إلَّا فِيمَا لَهُ فِيهِ نَفْعٌ غَالِبًا فَالْتَحَقَ بِمَا يَتَمَحَّضُ نَفْعًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فِي نَفْسِهِ حَسَنٌ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِنَوْعِ عِنَايَةٍ عَلَى مَا فِيهَا ( فَيَمْلِكُهُ ) أَيْ الصَّبِيُّ هَذَا الْقِسْمَ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ رَأْيِ الْوَلِيِّ لِانْدِفَاعِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الصَّبِيَّ ( أَهْلٌ لِحُكْمِهِ ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفِ ( إذْ يَمْلِكُ الْبَدَلَ إذَا بَاشَرَهُ الْوَلِيُّ ) أَيْ يَمْلِكُ الثَّمَنَ وَالْأُجْرَةَ إذَا بَاعَ الْوَلِيُّ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ أَوْ آجَرَهَا وَالْعَيْنُ إذَا اشْتَرَاهَا لَهُ .
( وَأَهْلٌ لَهُ ) أَيْ لِهَذَا التَّصَرُّفِ ( إذْ صَحَّتْ وَكَالَتُهُ بِهِ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا لِغَيْرِهِ فِيهِ ( وَفِيهِ ) أَيْ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ لَهُ ( نَفْعُ تَوْسِعَةِ طَرِيقِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ ) لَهُ لِحُصُولِهِ حِينَئِذٍ تَارَةً بِالْوَلِيِّ وَتَارَةً بِنَفْسِهِ مَعَ تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ وَزِيَادَةِ دُرْبَتِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حُصُولِ الرِّبْحِ بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُبَاشَرَةُ الْوَلِيِّ ( ثُمَّ عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لَمَّا انْجَبَرَ الْقُصُورُ بِالْإِذْنِ كَانَ كَالْبَالِغِ فَيَمْلِكُهُ ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفَ ( بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ) وَهُوَ
مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ( مَعَ الْأَجَانِبِ وَالْوَلِيِّ فِي رِوَايَةٍ ) كَمَا يَمْلِكُهُ الْبَالِغُ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ الْوَلِيُّ ( وَفِي أُخْرَى لَا ) يَمْلِكُهُ مَعَ الْوَلِيِّ ( لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصِيلًا فِي الْمِلْكِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ حَقِيقَةً فَيُشْبِهُ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ( فَفِي الرَّأْيِ ) أَصِيلٌ ( مِنْ وَجْهٍ ) لَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ وَالرَّأْيِ ثَابِتٌ لَهُ إلَّا أَنَّ فِي رَأْيِهِ خَلَلًا حَتَّى احْتَاجَ إلَى أَنْ يَنْجَبِرَ بِرَأْيِ الْوَلِيِّ فَيُشْبِهُ تَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْوُكَلَاءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ( فَفِيهِ ) أَيْ هَذَا التَّصَرُّفِ ( شُبْهَةُ النِّيَابَةِ عَنْ الْوَلِيِّ ) نَظَرًا إلَى وَصْفِ الرَّأْيِ بِالْخَلَلِ ( فَكَأَنَّ الْوَلِيَّ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ ) بَيْعُهُ مِنْهُ ( بِغَبْنٍ ) فَاحِشٍ كَمَا لَا يَبِيعُ الْوَلِيُّ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ( وَأَيْضًا إذَا كَانَ ) فِي الرَّأْيِ أَصِيلًا ( مِنْ وَجْهٍ صَحَّ لَا فِي مَحَلِّ التُّهْمَةِ ) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ الْوَلِيِّ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ وَلَا يَصِحُّ فِي مَحَلِّهَا وَهُوَ بَيْعُهُ مِنْ الْوَلِيِّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ إذْ يَتَمَكَّنُ فِيهِ تُهْمَةُ أَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ لَا لِلنَّظَرِ لِلصَّبِيِّ ( وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ ) بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ لَا مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا غَيْرِهِ ( لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ الْإِذْنَ ) مِنْ الْوَلِيِّ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ ( كَانَ ) الصَّبِيُّ ( آلَةَ تَصَرُّفِ الْوَلِيِّ بِنَفْسِهِ ) وَهُوَ لَا يَجُوزُ مِنْهُ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، قَالَ الْقَاآنِيُّ : وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الصَّبِيِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمَا أَظْهَرُ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَهَذَا فَصْلٌ آخَرُ اخْتَصُّوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( بِهِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ عَوَارِضِ الْأَهْلِيَّةِ أَيْ أُمُورٌ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً لَهَا طَرَأَتْ أَوَّلًا ) أَيْ خِصَالٌ أَوْ آفَاتٌ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْأَحْكَامِ بِالتَّغْيِيرِ أَوْ الْإِعْدَامِ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَنْعِهَا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَدَاءِ عَنْ الثُّبُوتِ إمَّا ؛ لِأَنَّهَا مُزِيلَةٌ لِأَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ كَالْمَوْتِ أَوْ لِأَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ أَوْ مُغَيِّرَةٌ لِبَعْضِ الْأَحْكَامِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ لِلْوُجُوبِ وَالْأَدَاءِ كَالسَّفَرِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْكُهُولَةَ وَالشَّيْخُوخَةَ وَنَحْوَهُمَا فِي جُمْلَتِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِحْدَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ ( فَدَخَلَ الصِّغَرُ ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الطُّرُوءِ وَالْحُدُوثِ بَعْدَ الْعَدَمِ فِيهَا أَوْ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الذَّاتِيَّةِ لِلْإِنْسَانِ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْكَبِيرُ إنْسَانًا كَالصَّغِيرِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا يَخْلُو عَنْهُ إلَّا نَادِرًا كَآدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَمُلَخَّصُهَا أَحْوَالٌ مُنَافِيَةٌ لِأَهْلِيَّتِهِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الْعَوَارِضُ ( نَوْعَانِ : سَمَاوِيَّةٌ أَيْ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ ) فَنُسِبَتْ إلَى السَّمَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهَا نَازِلَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ ، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ ( الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالْعَتَهُ وَالنِّسْيَانُ وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ وَالرِّقُّ وَالْمَرَضُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَالْمَوْتُ ) قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْحَمْلَ وَالْإِرْضَاعَ وَالشَّيْخُوخَةَ الْقَرِيبَةَ إلَى الْفِنَاءِ وَإِنْ تَغَيَّرَ بِهَا بَعْضُ الْأَحْكَامِ لِدُخُولِهَا فِي الْمَرَضِ وَأَوْرَدَ الْإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ مِنْ الْمَرَضِ وَقَدْ أُفْرِدَا بِالذِّكْرِ وَأُجِيبَ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِهَا بِخِلَافِ تِلْكَ ( وَمُكْتَسَبَةٌ أَيْ كَسَبَهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَكَ إزَالَتَهَا ) ، وَهِيَ سَبْعَةٌ سِتَّةٌ مِنْهُ ، وَهِيَ الْجَهْلُ وَالسَّفَهُ
وَالسُّكْرُ وَالْهَزْلُ وَالْخَطَأُ وَالسَّفَرُ وَوَاحِدٌ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ .
( النَّوْعُ الْأَوَّلُ السَّمَاوِيَّةُ عَوَارِضُ الْأَهْلِيَّةِ ) قَدَّمَهَا ؛ لِأَنَّهَا أَظْهَرُ فِي الْعَارِضِيَّةِ لِخُرُوجِهَا عَنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْأَحْكَامِ مِنْ الْمُكْتَسَبَةِ ( أَمَّا الصِّغَرُ ) وَقَدَّمَهُ لِكَوْنِهِ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ ( فَقَبْلَ أَنْ يَعْقِلَ ) الصَّغِيرُ هُوَ ( كَالْمَجْنُونِ الْمُمْتَدِّ ) لِانْتِفَاءِ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَجْنُونِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْمَجْنُونِ تَمْيِيزٌ لَا عَقْلٌ وَهُوَ عَدِيمُهُمَا فَلَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِشَيْءٍ ( فَإِذَا عَقَلَ تَأَهَّلَ لِلْأَدَاءِ ) أَهْلِيَّةً قَاصِرَةً ( دُونَ الْوُجُوبِ إلَّا الْإِيمَانَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ) قَرِيبًا مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ بِعُذْرِ الصِّبَا مَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ عَنْ الْبَالِغِ مِنْ عِبَادَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ حَدٍّ ( وَتَقَدَّمَ وَضْعُ الْأَجْزِيَةِ عَنْهُ ) سَالِفًا قَرِيبًا ( وَبَيْنُونَةُ زَوْجَتِهِ ) الْمُسْلِمَةِ ( بِكُفْرِهِ ) أَيْ رِدَّتِهِ أَوْ إبَائِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ بَعْدَ إسْلَامِهَا ( لَيْسَ جَزَاءً بَلْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِاسْتِفْرَاشِ الْمُسْلِمَةِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } ( كَحِرْمَانِهِ الْإِرْثَ بِهِ ) أَيْ بِكُفْرِهِ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْإِرْثِ مِنْهُ ( لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِسَبَبِيَّةِ الْإِرْثِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي } وَالْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ أَهْلِيَّتُهَا عَلَى الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ( كَالرَّقِيقِ ) أَيْ كَمَا يَحْرُمُ الْمَرْقُوقُ وَافِرًا كَانَ الرِّقُّ فِيهِ أَوْ نَاقِصًا بَالِغًا كَانَ أَوْ
غَيْرَ بَالِغٍ الْإِرْثَ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطُ سَبَبِيَّتِهِ فَلَا يَكُونُ انْتِفَاءُ الْإِرْثِ فِيهِمَا جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِمَا بَلْ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ سَبَبِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ اتِّصَالُ الشَّخْصِ بِالْمَيِّتِ بِقَرَابَةٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ وَلَاءٍ وَمِثْلُهُ لَا يُعَدُّ جَزَاءً أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبَبُ إرْثٍ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَرِثُهُ وَلَا يُقَالُ حِرْمَانُهُ جَزَاءٌ بَلْ لَمْ يُشْرَعْ الْإِرْثُ فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ
( وَأَمَّا الْجُنُونُ ) وَهُوَ اخْتِلَالٌ لِلْعَقْلِ مَانِعٌ مِنْ جَرَيَانِ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ عَلَى نَهْجِهِ إلَّا نَادِرًا إمَّا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ خِلْقَةً فَلَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ مَا أُعِدَّ لِقَبُولِهِ مِنْ الْفِعْلِ كَعَيْنِ الْأَكْمَهِ وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِغَالِ بِعِلَاجِهِ وَإِمَّا لِخُرُوجِ مِزَاجِ الدِّمَاغِ مِنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِ خَلْطٍ وَآفَةٍ مِنْ رُطُوبَةٍ مُفْرِطَةٍ أَوْ يُبُوسَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ وَهَذَا مِمَّا يُعَالَجُ بِمَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَإِمَّا بِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِ وَإِلْقَاءِ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ إلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا قَدْ يَنْجِعُ فِيهِ الْأَدْوِيَةُ الْإِلَهِيَّةُ ( فَيُنَافِي شَرْطَ الْعِبَادَاتِ النِّيَّةَ ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَاتِ لِسَلْبِهِ الِاخْتِيَارَ ( فَلَا تَجِبُ ) الْعِبَادَاتُ مُطْلَقًا ( مَعَ الْمُمْتَدِّ مِنْهُ مُطْلَقًا ) أَيْ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ الْمُتَّصِلُ بِزَمَنِ الصِّبَا بِأَنْ جُنَّ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَبَلَغَ مَجْنُونًا وَالْعَارِضِيُّ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ أَمَّا وُجُوبُ الْأَدَاءِ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ بِلَا عَقْلٍ وَلَا قَصْدٍ صَحِيحٍ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُمَا وَأَمَّا أَصْلُ الْوُجُوبِ فَلِعَدَمِ حُكْمِهِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَالْقَضَاءُ عَلَى تَقْدِيرِ إمْكَانِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ ( وَمَا لَا يَمْتَدُّ ) مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ ( طَارِئًا ) عَلَيْهِ ( جُعِلَ كَالنَّوْمِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( عَارِضٌ يَمْنَعُ فَهْمَ الْخِطَابِ زَالَ قَبْلَ الِامْتِدَادِ ) مَعَ عَدَمِ الْحَرَجِ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَلَا يُنَافِي كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يُؤَدِّي إيجَابُهَا إلَى الْحَرَجِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَ زَوَالِهِ كَالنَّوْمِ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الْجُنُونَ ( لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ إذْ هُوَ ) أَيْ أَصْلُ الْوُجُوبِ مُتَعَلِّقٌ ( بِالذِّمَّةِ ، وَهِيَ ) أَيْ الذِّمَّةُ مَوْجُودَةٌ ( لَهُ ) أَيْ لِلْمَجْنُونِ ( حَتَّى وَرِثَ ) مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ
الْإِرْثِ ( وَمَلَكَ ) مَا تَحَقَّقَ لَهُ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ مَالٍ أَوْ حَقٍّ مَالِيٍّ وَالْإِرْثُ وَالْمِلْكُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ بِدُونِ الذِّمَّةِ إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ يَنْعَدِمُ الْوُجُوبُ .
( وَكَانَ أَهْلًا لِلثَّوَابِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُسْلِمًا بَعْدَ الْجُنُونِ وَالْمُسْلِمُ يُثَابُ وَالثَّوَابُ مِنْ أَحْكَامِ الْوُجُوبِ أَيْضًا ( كَأَنْ نَوَى صَوْمَ الْغَدِ فَجُنَّ فِيهِ ) أَوْ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( مُمْسِكًا كُلِّهِ صَحَّ فَلَا يَقْضِي ) ذَلِكَ الْيَوْمَ ( لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْغَدِ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا حَرَجَ فِي إيجَابِ الْقَضَاءِ فَيَكُونُ الْأَدَاءُ ثَابِتًا تَقْدِيرًا بِتَوَهُّمِهِ فِي الْوَقْتِ وَقَضَائِهِ بَعْدَهُ كَمَا فِي النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْحَقَ الْعَارِضَ مِنْ النَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ بِالْعَدَمِ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ حَيْثُ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْفِعْلِ الْمَوْجُودِ فِيهِمَا وَعُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ أَلْحَقُوا الْعَارِضَ مِنْ الْجُنُونِ بِالْعَدَمِ بَعْدَ زَوَالِهِ فِي حَقِّ الْوُجُوبِ وَجَعَلُوا السَّبَبَ الْمَوْجُودَ فِيهِ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ إيجَابِ الْقَضَاءِ عِنْدَ زَوَالِ الْعَارِضِ فَكَانَ هَذَا الِاسْتِحْسَانُ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ الْقِيَاسِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَانِعًا لِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ عَارِضِيًّا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِزَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْأَدَاءِ بِفَوَاتِ الْعَقْلِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُنَافِيَانِ الْعَقْلَ وَلَا يُزِيلَانِهِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِمَا الْعَجْزُ عَنْ اسْتِعْمَالِ آلَةِ الْقُدْرَةِ فَكَانَ الْعَقْلُ ثَابِتًا كَمَا كَانَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ .
( وَصَحَّ إسْلَامُهُ تَبَعًا ) لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَالصَّبِيِّ ( وَإِنَّمَا يَعْرِضُ الْإِسْلَامَ لِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ عَلَى
أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ لِصَيْرُورَتِهِ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ أَسْلَمَ أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ وَإِنْ أَبَى فُرِّقَ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمَةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ ( بِخِلَافِهِ ) ( أَيْ الْإِسْلَامِ ) ( أَصَالَةً ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ( لِعَدَمِ رُكْنِيَّةِ الِاعْتِقَادِ ) أَيْ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى التَّصْدِيقِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْعَقْلِ وَهُوَ عَدِيمُهُ ( لَا حَجْرًا ) ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَنْ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ ( بِخِلَافِ ) الْإِسْلَامِ ( التَّبَعِ ) أَيْ التَّابِعِ لِإِسْلَامِهِمَا أَوْ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا ( لَيْسَ ) الِاعْتِقَادُ فِيهِ ( رُكْنًا وَلَا شَرْطًا لَهُ وَإِنَّمَا عَرَضَ ) عَلَى وَلِيِّهِ إذَا أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ ( دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا إذْ لَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِلْجُنُونِ ( نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ ) فَفِي التَّأْخِيرِ ضَرَرٌ بِهَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ لِقُدْرَةِ الْمَجْنُونِ عَلَى الْوَطْءِ ثُمَّ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَى وَالِدِهِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْآبَاءِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَادَةً فَلَعَلَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُسْلِمَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَالِدَانِ جَعَلَ الْقَاضِي لَهُ خَصْمًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآبَاءَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ هُنَا لِلتَّعَذُّرِ ( بِخِلَافِ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْعَاقِلِ أَسْلَمَتْ زَوْجَتُهُ لَا يَعْرِضُ عَلَى وَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّ لِعَقْلِهِ حَدًّا مَعْلُومًا ) وَهُوَ الْبُلُوغُ فَيُنْتَظَرُ فَإِذَا بَلَغَ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ .
( وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ ) أَيْ الصَّبِيِّ الْمَجْنُونِ لِمَا ذُكِرَ ( وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا تَبَعًا بِارْتِدَادِ أَبَوَيْهِ وَلَحَاقِهِمَا بِهِ ) أَيْ بِالْمَجْنُونِ بِدَارِ الْحَرْبِ ( إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَهُمَا مُسْلِمَانِ ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ قَبِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ الْعَفْوَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِوَاسِطَةِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ وَقَدْ ثَبَتَ
الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَهُمَا فَيَزُولُ بِزَوَالِ مَا يَتْبَعُهُ ثُمَّ كَوْنُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمِينَ لَيْسَ بِقَيْدٍ ؛ لِأَنَّ إسْلَامَ أَحَدِهِمَا وَارْتِدَادَهُ وَلُحُوقَهُ مَعَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ كَافٍ فِي ارْتِدَادِهِ ( بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَاهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْلِمًا لِظُهُورِ تَبَعِيَّةِ الدَّارِ بِزَوَالِ تَبَعِيَّةِ الْأَبَوَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا كَالْخَلَفِ عَنْهُمَا ( أَوْ بَلَغَ مُسْلِمًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَسْلَمَ عَاقِلًا فَجُنَّ ) قَبْلَ الْبُلُوغِ ( فَارْتَدَّا أَوْ لَحِقَا بِهِ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا فِي الْإِيمَانِ بِتَقَرُّرِ رُكْنِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالتَّبَعِيَّةِ أَوْ عُرُوضِ الْجُنُونِ ثُمَّ قَالَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْفِي أَصْلَ الْوُجُوبِ ( إلَّا أَنَّهُ إذَا انْتَفَى الْأَدَاءُ ) وَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْفِعْلُ لَا مُقَابِلُ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ ( أَيْ الْفِعْلِ تَحْقِيقًا وَتَقْدِيرًا بِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي الْقَضَاءِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ ) حَيْثُ قَالَ : وَالتَّكْلِيفُ رَحْمَةٌ وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْتِدَاءً بِمَا فِيهِ فَضْلًا ( انْتَفَى ) أَصْلُ الْوُجُوبِ ( لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ ) مِنْ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ ( وَكَذَا الْأَصْلِيُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) عَطْفٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ وَمَا لَا يَمْتَدُّ طَارِئًا أَيْ وَكَذَا الْجُنُونُ الْأَصْلِيُّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْتَدِّ مِنْ الْجُنُونِ الطَّارِئِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْأَصْلِيِّ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ فِي السِّقَاطِ كَمَا فَرَّقَ فِي الْعَارِضِيِّ بَيْنَهُمَا بِالْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ ( إنَاطَةً لِلْإِسْقَاطِ بِكُلٍّ مِنْ الِامْتِدَادِ وَالْأَصَالَةِ ) وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَى أَصْحَابِنَا وَفِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا مُخْتَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَالزَّاهِدُ الصَّفَّارُ .
( وَخَصَّهُ ) أَيْ الْإِسْقَاطَ ( أَبُو يُوسُفَ بِالِامْتِدَادِ ) لَا غَيْرُ فِيهِمَا فَأَسْقَطَ
عِنْدَهُ الْمُمْتَدَّ مِنْهُمَا دُونَ غَيْرِهِ وَنَصَّ فِي طَرِيقَةِ أَبِي الْمُعِينِ عَلَى أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ الْخِلَافُ بَيْنَهُمَا هَكَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا ( وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْقَلْبِ ) وَهُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَنَاطَ الْإِسْقَاطَ بِالِامْتِدَادِ وَعَدَمَ الْإِسْقَاطِ بِعَدَمِ الِامْتِدَادِ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ فِي الْعَارِضِيِّ بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ فِي الْإِسْقَاطِ وَعَدَمِهِ وَسَوَّى فِي الْأَصْلِيِّ فِي الْإِسْقَاطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُمْتَدًّا أَوْ لَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَشْفِ الْمَنَارِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ التَّقْرِيرِ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ لِشَرْحِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَلِلْمُصَنِّفِ هُنَا حَاشِيَةٌ لَهَا مَحْمَلٌ صَحِيحٌ فِي ذَاتِهَا وَلَكِنَّهَا لَا تُوَافِقُ شَرْحَ هَذَا الْمَوْضِعِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ ، وَجْهُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجُنُونِ الْحُدُوثُ إذْ السَّلَامَةُ عَنْ الْآفَاتِ هِيَ الْأَصْلُ فِي الْجِبِلَّةِ فَتَكُونُ أَصَالَةُ الْجُنُونِ أَمْرًا عَارِضًا فَيُلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْجُنُونُ الطَّارِئُ ثَانِيهِمَا أَنَّ زَوَالَ الْجُنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ دَلَّ عَلَى أَنَّ حُصُولَهُ كَانَ لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى أَصْلِ الْخِلْقَةِ لَا لِنُقْصَانٍ جُبِلَ عَلَيْهِ دِمَاغُهُ فَكَانَ مِثْلَ الطَّارِئِ ، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ أَمْرَانِ أَيْضًا : أَحَدُهُمَا الطَّرَيَانُ بَعْدَ الْبُلُوغِ رَجَّحَ الْعُرُوضَ فَجُعِلَ عَفْوًا عِنْدَ عَدَمِ الِامْتِدَادِ إلْحَاقًا بِسَائِرِ الْعَوَارِضِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا فَزَالَ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصِّغَرِ فَلَا يُوجِبُ قَضَاءَ مَا مَضَى ثَانِيهِمَا أَنَّ الْأَصْلِيَّ يَكُونُ لِآفَةٍ فِي الدِّمَاغِ مَانِعَةٍ عَنْ قَبُولِ الْكَمَالِ فَيَكُونُ أَمْرًا أَصْلِيًّا لَا يَقْبَلُ اللَّحَاقَ بِالْعَدَمِ وَالطَّارِئُ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى مَحَلٍّ
كَامِلٍ لِلُحُوقِ آفَةٍ فَيَلْحَقُ بِالْعَدَمِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَيْسَ فِيمَا إذَا كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى ( وَإِذَا كَانَ الْمُسْقِطُ ) لِوُجُوبِ الْعِبَادَاتِ فِي التَّحْقِيقِ هُوَ ( الْحَرَجُ لَزِمَ اخْتِلَافُ الِامْتِدَادِ الْمُسْقِطِ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْنَافِ الْعِبَادَاتِ ( فَقُدِّرَ ) الِامْتِدَادُ الْمُسْقِطُ ( فِي الصَّلَاةِ بِزِيَادَتِهِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ ( وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَوَاتِ ) الْفَوَائِتِ ( سِتًّا ) بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ ( وَهُوَ أَقْيَسُ ) ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِنْ الْوُجُوبِ عِنْدَ كَثْرَتِهَا وَكَثْرَتُهَا بِدُخُولِهَا فِي حَدِّ التَّكْرَارِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِخُرُوجِ وَقْتِ السَّادِسَةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ نَصَّ السَّرَخْسِيِّ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ( لَكِنَّهُمَا ) أَيْ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَإِنْ اشْتَرَطَا تَكْرَارَهَا ( أَقَامَا الْوَقْتَ ) إذْ هُوَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ لَهَا ( مَقَامَ الْوَاجِبِ ) أَيْ الصَّلَاةِ ( كَمَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ ) وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ ثُمَّ كَوْنُ هَذَا قَوْلَهُمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْهِدَايَةِ وَمَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَغَيْرِهَا وَجَعَلَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَالسَّرَخْسِيُّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمَنْظُومَةِ وَالْمُخْتَلِفِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ ( وَفِي الصَّوْمِ ) أَيْ وَقُدِّرَ امْتِدَادُ الْجُنُونِ الْمُسْقِطِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ ( بِاسْتِغْرَاقِ الشَّهْرِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ ) حَتَّى لَوْ أَفَاقَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَفِي الْكَامِلِ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ لَوْ
كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الْجُنُونُ بَاقِيَ الشَّهْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
لِأَنَّ اللَّيْلَ لَا يُصَامُ فِيهِ فَكَانَ الْجُنُونُ وَالْإِفَاقَةُ فِيهِ سَوَاءً ، وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ الشَّهْرِ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَلَوْ أَفَاقَ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُفْتَتَحُ فِيهِ ا هـ وَهَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَحُمَيْدٌ الضَّرِيرُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ لَكِنْ إذَا كَانَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ لِلْحَرَجِ وَامْتِدَادُ الْجُنُونِ شَهْرًا كَثِيرٌ غَيْرُ نَادِرٍ فَيَلْزَمُ الْحَرَجُ بِثُبُوتِهِ مَعَ اسْتِيعَابِ الْجُنُونِ الشَّهْرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهُ ؛ لِأَنَّ صَوْمَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي سَنَةٍ لَا يُوقِعُ فِي الْحَرَجِ يَجِبُ أَنْ لَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الشَّهْرِ بَيْنَ أَنْ يُفِيقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْهُ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ فِي نَهَارٍ مِنْهُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ أَوَّلَهُ أَوْ آخِرَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا أَفَاقَ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا جَمِيعَ الشَّهْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ نَعَمْ هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فِيهَا أَوْ نَوَاهُ ثُمَّ أَفْطَرَ فِي نَهَارِهِ أَمَّا إذَا نَوَاهُ ، وَلَمْ يُفْطِرْ قَضَى الشَّهْرَ إلَّا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ مَحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ إلَّا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ .
وَكَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يُفَرِّقَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَوْلَى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ فِي الْأَصْلِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَدْرَكَ لَا قَضَاءَ مَا مَضَى
ثُمَّ قَالُوا إنَّمَا لَمْ يُشْتَرَطْ التَّكْرَارُ فِي الصَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شُرِطَ لَازْدَادَتْ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكِّدَةُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُؤَكَّدِ إذْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصِّيَامِ مَا لَمْ يَمْضِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَالتَّحْقِيقُ مَا سَبَقَ .
( وَفِي الزَّكَاةِ ) قُدِّرَ امْتِدَادُ الْجُنُونِ الْمُسْقِطِ لِوُجُوبِهَا ( بِاسْتِغْرَاقِ الْحَوْلِ ) بِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَدْخُلُ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ بِدُخُولِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التَّكْرَارَ بِخُرُوجِهَا لَا بِدُخُولِهَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ أَنْ يَتِمَّ الْحَوْلُ فَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الْحَوْلِ ؛ لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي نَفْسِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ ( وَأَبُو يُوسُفَ ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْهُ قَالَ ( أَكْثَرُهُ ) أَيْ الْحَوْلِ إذَا اسْتَوْعَبَهُ الْجُنُونُ ( كَكُلِّهِ ) إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ تَيْسِيرًا وَتَخْفِيفًا فِي سُقُوطِ الْوَاجِبِ وَالنِّصْفُ مُلْحَقٌ بِالْأَقَلِّ ( فَلَوْ بَلَغَ مَجْنُونًا مَالِكًا ) لِلنِّصَابِ ثُمَّ أَفَاقَ ( فَابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ الْإِفَاقَةِ ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلِيَّ مُلْحَقٌ بِالصِّبَا عِنْدَهُ ( خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) فِي أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ مِنْ الْبُلُوغِ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلِيَّ وَالْعَارِضِيَّ سَوَاءٌ عِنْدَهُ فِي أَنَّ الْمُسْقِطَ فِيهِمَا الِامْتِدَادُ ، وَلَمْ يُوجَدْ ( وَلَوْ أَفَاقَ بَعْدَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ مَثَلًا وَتَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا أَبِي يُوسُفَ مَا لَمْ يَتِمَّ ) الْحَوْلُ مِنْ الْإِفَاقَةِ وَكَانَ الْأَوْلَى فَلَوْ أَفَاقَ بِالْفَاءِ وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْعَارِضِيِّ وَجَبَتْ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْإِفَاقَةِ .
( وَأَمَّا الْعَتَهُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ مَرَّةً وَمَرَّةً ) وَهَذَا اخْتِصَارٌ مُجْحِفٌ لِتَعْرِيفِهِ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ ، وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينَ وَكَذَا سَائِرُ أُمُورِهِ وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا قِيلَ آفَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الذَّاتِ تُوجِبُ خَلَلًا فِي الْعَقْلِ فَيَصِيرُ صَاحِبُهُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلَامِهِ كَلَامَ الْعُقَلَاءِ وَبَعْضُهُ كَلَامَ الْمَجَانِينِ فَخَرَجَ بِنَاشِئَةٍ عَنْ الذَّاتِ مَا يَكُونُ بِالْمُخَدَّرَاتِ ( فَكَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ) أَيْ فَالْمَعْتُوهُ كَهَذَا ( فِي صِحَّةِ فِعْلِهِ وَتَوْكِيلِهِ ) أَيْ وَقَبُولِ الْوَكَالَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الْغَيْرِ وَالشِّرَاءِ لَهُ وَطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ ( بِلَا عُهْدَةٍ ) حَتَّى لَا يُطَالَبَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنَقْدِ الثَّمَنِ وَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَلَا يُؤْمَرُ بِالْخُصُومَةِ فِيهِ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ وَفِي صِحَّةِ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ نَفْعٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَهْلٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْهُ ( كَإِسْلَامِهِ ) أَمَّا أَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنَّهُ أَهْلٌ لِاعْتِبَارِهِ مِنْهُ فَلِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا هُوَ ضَرَرٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لَا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَلَا بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَبِخِلَافِ مَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ كَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بِدُونِ إذْنِهِ كَمَا فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا ( وَلَا تَجِبُ الْعِبَادَاتُ عَلَيْهِ ) كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ ( وَالْعُقُوبَاتُ ) كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ أَيْضًا بِجَامِعٍ وُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ مَعَ تَمَكُّنِ خَلَلٍ فِيهِ فِيهِمَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ ( وَضَمَانُ مُتْلَفَاتِهِ لَيْسَ عُهْدَةً ) ؛ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ مَعَ التَّصَرُّفِ الشَّرْعِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ
وَالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ الْإِتْلَافُ تَصَرُّفًا شَرْعِيًّا وَلِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عُهْدَةٌ تَحْتَمِلُ الْعَفْوَ فِي الشَّرْعِ وَضَمَانُ الْمُتْلَفِ لَا يَحْتَمِلُهُ .
لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ شُرِعَ جَبْرًا لِمَا اُسْتُهْلِكَ مِنْ الْمَحَلِّ الْمَعْصُومِ وَلِهَذَا قُدِّرَ بِالْمِثْلِ لَا جَزَاءً لِلْفِعْلِ ، وَكَوْنُ الْمُسْتَهْلِكِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا مَعْتُوهًا لَا يُنَافِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ ؛ لِأَنَّهَا ثَابِتَةٌ لِحَقِّ الْعِبَادِ وَحَاجَتِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَزُولُ بِالصِّبَا وَالْعَتَهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُذْرَ الثَّابِتَ لِلْمُتْلِفِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْحَقِّ الثَّابِتِ لِلْمُتْلَفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ كَمَا هُوَ مُحْتَاجٌ نَعَمْ جَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ مَا ثَبَتَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لِغِنَاهُ تَعَالَى عَنْ الْعَالَمِينَ أَلَا يُرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ تَنَاوَلَ مَالَ الْغَيْرِ لَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ وَوَجَبَ الضَّمَانُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ( وَتَوَقَّفَ نَحْوُ بَيْعِهِ ) وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ عَلَى إذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ كَمَا تَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَنُقْصَانُ الْعَقْلِ مَظِنَّةُ النَّظَرِ وَالرَّحْمَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَجْزِ ( وَلَا يَلِي عَلَى غَيْرِهِ ) لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ قُدْرَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى غَيْرِهِ ( وَلَا يُؤَخَّرُ الْعَرْضُ ) لِلْإِسْلَامِ ( عَلَيْهِ عِنْدَ إسْلَامِ امْرَأَتِهِ ) إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا ( لِمَا قُلْنَا ) فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهُوَ صِحَّتُهُ مِنْهُ فَإِنَّ إسْلَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ لِوُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ ( وَفِي التَّقْوِيمِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِبَادَاتُ احْتِيَاطًا ) فِي وَقْتِ الْخِطَابِ وَهُوَ الْبُلُوغُ بِخِلَافِ الصِّبَا ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ سُقُوطِ الْخِطَابِ وَرَدَّهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الْعَتَهَ نَوْعُ جُنُونٍ فَيَمْنَعُ وُجُوبَ أَدَاءِ الْحُقُوقِ جَمِيعًا إذْ الْمَعْتُوهُ لَا يَقِفُ عَلَى عَوَاقِبِ الْأُمُورِ كَصَبِيٍّ ظَهَرَ فِيهِ قَلِيلُ عَقْلٍ وَتَحْقِيقُهُ
أَنَّ نُقْصَانَ الْعَقْلِ لَمَّا أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْ الصَّبِيِّ كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي حَقِّهِ أَثَّرَ فِي سُقُوطِ الْخِطَابِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَيْضًا كَمَا أَثَّرَ عَدَمُهُ فِي السُّقُوطِ بِأَنْ صَارَ مَجْنُونًا ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبُلُوغِ لَا فِي كَمَالِ الْعَقْلِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِحُدُوثِ هَذِهِ الْآفَةِ كَانَ الْبُلُوغُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فَالْخِطَابُ يَسْقُطُ عَنْ الْمَجْنُونِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ وَهُوَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَكْلِيفِ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَعْتُوهِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الصَّبِيِّ فِي آخِرِ أَحْوَالِهِ تَحْقِيقًا لِلْفَضْلِ وَهُوَ نَفْيُ الْحَرَجِ عَنْهُ نَظَرًا لَهُ وَمَرْحَمَةً عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ .
( وَأَمَّا النِّسْيَانُ عَدَمُ الِاسْتِحْضَارِ ) لِلشَّيْءِ ( فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ ) أَيْ حَاجَةِ اسْتِحْضَارِهِ ( فَشَمَلَ ) هَذَا ( النِّسْيَانَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَالسَّهْوَ ؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ لَا تُفَرِّقُ ) بَيْنَهُمَا وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ السَّهْوَ زَوَالُ الصُّورَةِ عَنْ الْمُدْرِكَةِ مَعَ بَقَائِهَا فِي الْحَافِظَةِ وَالنِّسْيَانُ زَوَالُهَا عَنْهُمَا مَعًا فَيَحْتَاجُ حِينَئِذٍ فِي حُصُولِهَا إلَى سَبَبٍ جَدِيدٍ .
وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إلَى تَعْرِيفٍ بِحَسَبِ الْمَعْنَى فَإِنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ النِّسْيَانَ كَمَا يَعْلَمُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ ( فَلَا يُنَافِي الْوُجُوبَ ) وَلَا وُجُوبَ الْأَدَاءِ ( لِكَمَالِ الْعَقْلِ وَلَيْسَ عُذْرًا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ) حَتَّى لَوْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ جَبْرًا لِحَقِّ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهَا مُحْتَرَمَةٌ لِحَاجَتِهِمْ لَا لِلِابْتِلَاءِ وَبِالنِّسْيَانِ لَا يَفُوتُ هَذَا الِاحْتِرَامُ ( وَفِي حُقُوقِهِ تَعَالَى ) هُوَ ( عُذْرُ سُقُوطِ الْإِثْمِ ) كَمَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَضَعَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ .
( أَمَّا الْحُكْمُ ) الدُّنْيَوِيُّ ( فَإِنْ كَانَ ) النِّسْيَانُ لِمَا هُوَ فِيهِ حَتَّى فَعَلَ مَا يُنَافِيهِ ( مَعَ مُذَكِّرٍ ) لَهُ بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ ( وَلَا دَاعٍ ) وَالْأَحْسَنُ وَلَا دَاعِيَ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ( كَأَكْلِ الْمُصَلِّي ) فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا فَإِنَّ هَيْئَةَ الْمُصَلِّي مُذَكِّرَةٌ لَهُ مَانِعَةٌ مِنْ النِّسْيَانِ إذَا لَاحَظَهَا وَدُعَاءُ الطَّبْعِ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مُنْتَفٍ عَادَةً لِقِصَرِ مُدَّتِهَا فَحِينَئِذٍ ( لَمْ يَسْقُطْ حُكْمُهُ ) فَيُفْسِدْ الصَّلَاةَ ( لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ سَلَامِهِ فِي الْقَعْدَةِ ) الْأُولَى نِسْيَانًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا الْأَخِيرَةُ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُهُ فَلَا يُفْسِدُهَا
لِانْتِفَاءِ الْمُذَكِّرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُصَلِّي هَيْئَةٌ مُذَكِّرَةٌ أَنَّهَا الْأُولَى وَكَثْرَةُ تَسْلِيمِهِ فِي الْقَعْدَةِ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ ( أَوْ ) كَانَ ( لَا مَعَهُ ) أَيْ لَا مَعَ مُذَكِّرٍ وَلَكِنْ ( مَعَ دَاعٍ ) إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ( كَأَكْلِ الصَّائِمِ ) فِي حَالِ صَوْمِهِ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّوْمِ هَيْئَةٌ مُذَكِّرَةٌ بِهِ وَالطَّبْعُ دَاعٍ إلَيْهِ لِطُولِ مُدَّتِهِ ( أَوْ ) كَانَ ( لَا ) مَعَ مُذَكِّرٍ ( وَلَا ) مَعَ دَاعٍ إلَيْهِ ( فَأَوْلَى ) أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُ ( كَتَرْكِ الذَّابِحِ التَّسْمِيَةَ ) فَإِنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى تَرْكِهَا وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَا يُذَكِّرُ إخْطَارَهَا بِالْبَالِ أَوْ إجْرَاءَهَا عَلَى اللِّسَانِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ قُلْتُ وَيُشْكِلُ الْأَوَّلُ بِتَعْلِيلِهِمْ حَلَّهَا بِقَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْحَيَوَانِ يُوجِبُ خَوْفًا وَهَيْبَةً وَيَتَغَيَّرُ حَالُ الْبَشَرِيَّةِ غَالِبًا لِنُفُورِ الطَّبْعِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يُحْسِنُ الذَّبْحَ كَثِيرٌ خُصُوصًا مَنْ كَانَ طَبْعُهُ رَقِيقًا يَتَأَلَّمُ بِإِيذَاءِ الْحَيَوَانِ فَيَشْتَغِلُ الْقَلْبُ بِهِ فَيَتَمَكَّنُ النِّسْيَانُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُنَاقَشُ الثَّانِي بِأَنَّ هَيْئَةَ إضْجَاعِهَا وَبِيَدِهِ الْمُدْيَةُ لِقَصْدِ إزْهَاقِ رُوحِهَا مُذَكِّرَةٌ لَهُ بِالتَّسْمِيَةِ فَالْأَوْلَى التَّوْجِيهُ بِمَا قَالُوهُ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى إبْدَاءُ حِكْمَةٍ وَإِلَّا فَالْمُفْزِعُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ السَّمْعِيُّ كَمَا عُرِفَ فِي الْفُرُوعِ .
( وَأَمَّا النَّوْمُ فَفَتْرَةُ تَعْرُضُ مَعَ ) قِيَامِ ( الْعَقْلِ تُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ إدْرَاكِ الْمَحْسُوسَاتِ وَالْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ فَالْفَتْرَةُ هِيَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ انْحِبَاسُ الرُّوحِ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى الْبَاطِنِ وَهَذِهِ الرُّوحُ بِوَاسِطَةِ الْعُرُوقِ الضَّوَارِبِ تَنْتَشِرُ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَقَدْ تَنْحَجِرُ ) أَيْ تَنْحَبِسُ ( فِي الْبَاطِنِ بِأَسْبَابٍ مِثْلِ طَلَبِ الِاسْتِرَاحَةِ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَكَةِ وَالِاشْتِغَالِ بِتَأْثِيرٍ فِي الْبَاطِنِ كَنُضْجِ الْغِذَاءِ ) وَلِذَا يَغْلِبُ النَّوْمُ عِنْدَ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ ( وَنَحْوِهِ ) كَأَنْ يَكُونَ الرُّوحُ قَلِيلًا نَاقِصًا فَلَا يَفِي بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَلِنُقْصَانِهِ وَزِيَادَتِهِ أَسْبَابٌ طَبِيعِيَّةٌ وَالْإِعْيَاءُ مَعْنَاهُ نُقْصَانُ الرُّوحِ بِالتَّحَلُّلِ بِسَبَبِ الْحَرَكَةِ وَمِثْلُ الرُّطُوبَةِ وَالثِّقَلِ الَّذِي يَظْهَرُ فِيهِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ كَمَا يَغْلِبُ فِي الْحَمَّامِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ وَتَنَاوُلِ الشَّيْءِ الْمُرَطَّبِ لِلدِّمَاغِ فَإِذَا رَكَدَتْ الْحَوَاسُّ بِسَبَبٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ بَقِيَتْ النَّفْسُ فَارِغَةً عَنْ شُغْلِ الْحَوَاسِّ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَزَالُ مَشْغُولَةً بِالتَّفَكُّرِ فِيمَا تُورِدُهُ الْحَوَاسُّ عَلَيْهَا فَإِذَا وَجَدَتْ فُرْصَةَ الْفَرَاغِ ارْتَفَعَ عَنْهَا الْمَانِعُ فَتَتَّصِلُ بِالْجَوَاهِرِ الرُّوحَانِيَّةِ الْمُنْتَقَشُ فِيهَا الْمَوْجُودَاتُ كُلُّهَا الْمُعَبِّرِ عَنْهَا بِاللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَانْطَبَعَ فِيهَا مَا فِيهَا وَهُوَ الرُّؤْيَا فَإِنْ لَمْ تَتَصَرَّفْ الْقُوَّةُ الْمُخَيِّلَةُ الْحَاكِيَةُ لِلْأَشْيَاءِ بِتَمْثِيلِهَا صَدَقَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِعَيْنِهَا وَلَا تَعْبِيرَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُخَيِّلَةُ غَالِبَةً أَوْ إدْرَاكُ النَّفْسِ لِلصُّوَرِ ضَعِيفًا بَدَّلَتْ الْمُخَيِّلَةُ مَا رَأَتْهُ بِمِثَالٍ كَالرَّجُلِ بِشَجَرَةٍ وَنَحْوِهِ ، وَهِيَ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى التَّعْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِالرُّوحِ جِسْمٌ لَطِيفٌ مُرَكَّبٌ مِنْ بُخَارٍ وَأَخْلَاطٍ مُفْضِيَةٍ لِلْقَلْبِ وَهُوَ مَرْكَبُ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ
وَالْحَيَوَانِيَّة وَبِهَا تَصِلُ الْقُوَى الْحَاسَّةُ إلَى آلَاتِهَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَكَانَ الْأَوْلَى تَقْيِيدَ الْفَتْرَةِ بِالطَّبِيعِيَّةِ لِيَخْرُجَ الْإِغْمَاءُ وَقَيَّدَ الْأَفْعَالَ بِالِاخْتِيَارِيَّةِ أَيْ الصَّادِرَةِ عَنْ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ لِبَقَاءِ الْحَرَكَاتِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالتَّنَفُّسِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ النَّوْمُ رِيحٌ تَأْتِي الْحَيَوَانَ إذَا شَمَّهَا ذَهَبَتْ حَوَاسُّهُ كَمَا تُذْهِبُ الْخَمْرُ بِعَقْلِ شَارِبِهَا وَقِيلَ انْعِكَاسُ الْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ إلَى الْبَاطِنَةِ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يَرَى الرُّؤْيَا قِيلَ وَلَهُ أَرْبَعُ عَلَامَاتٍ : فَقَدْ الشُّعُورُ حَتَّى لَوْ مَسَّهُ إنْسَانٌ لَمْ يُحِسَّ بِهِ ، وَاسْتِرْخَاءُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ قَبَضَ دَرَاهِمَ ثُمَّ نَعَسَ فَسَقَطَتْ مِنْ غَيْرِ شُعُورٍ بِهَا دَلَّ عَلَى نَوْمِهِ ، وَأَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ كَلَامُ الْحَاضِرِينَ فَلَا يَدْرِي مَا قَالُوا ، وَأَنْ يَرَى فِي نَوْمِهِ رُؤْيَا ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ فِي هَذَا قُصُورًا ( فَأَوْجَبَ تَأْخِيرَ خِطَابِ الْأَدَاءِ ) إلَى زَوَالِهِ لِامْتِنَاعِ الْفَهْمِ وَإِيجَادِ الْفِعْلِ حَالَةَ النَّوْمِ ( لَا ) تَأْخِيرَ ( أَصْلِ الْوُجُوبِ ) وَلَا إسْقَاطَهُ حَالَتَئِذٍ لِعَدَمِ إخْلَالِهِ بِالذِّمَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَلِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ حَقِيقَةً بِالِانْتِبَاهِ أَوْ خَلَفًا بِالْقَضَاءِ عِنْدَ عَدَمِهِ وَالْعَجْزُ عَنْ الْأَدَاءِ إنَّمَا يُسْقِطُ الْوُجُوبَ حَيْثُ يَتَحَقَّقُ الْحَرَجُ بِتَكْثِيرِ الْوَاجِبِ وَامْتِدَادِ الزَّمَانِ وَالنَّوْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَادَةً ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِوُجُودِ أَصْلِ الْوُجُوبِ حَالَةَ النَّوْمِ ( وَجَبَ الْقَضَاءُ ) لِلصَّلَاةِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَهُوَ نَائِمٌ ( إذَا زَالَ ) النَّوْمُ ( بَعْدَ الْوَقْتِ ) ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُودِ الْوُجُوبِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَقَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ تَثَبُّتِ السَّبَبِيَّةِ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ مُوَسَّعًا فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ أَنَّ أَبَا الْمُعِينِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً عِبَادَةٌ تَلْزَمُهُ بَعْدَ حُدُوثِ أَهْلِيَّةِ الْخِطَابِ وَمَا لَهُ فِي هَذَا وَمَا
عَلَيْهِ فَلْيُرَاجَعْ ( وَ ) أَوْجَبَ ( إبْطَالُ عِبَارَاتِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَالرِّدَّةِ وَالطَّلَاقِ ) وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهَا ( وَلَمْ تُوصَفُ ) عِبَارَاتُهُ ( بِخَبَرٍ وَإِنْشَاءٍ وَصِدْقٍ ، وَكَذِبٍ كَالْأَلْحَانِ ) أَيْ كَمَا لَا يُوصَفُ بِهَا أَصْوَاتُ الطُّيُورِ لِانْتِفَاءِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ ( فَلِذَا ) أَيْ إبْطَالُ النَّوْمِ عِبَارَاتُ النَّائِمِ ( اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي جَمَاعَةٍ ( أَنَّ قِرَاءَتَهُ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ ) وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ .
لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ ، وَلَمْ يُوجَدْ ( وَفِي النَّوَادِرِ تَنُوبُ ) وَاخْتَارَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْمُصَلِّي وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَجَازَ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا مَعَ النَّوْمِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ إنَّهُ الْأَوْجُهُ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ كَافٍ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ا هـ قُلْتُ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِئُهُ وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَفِي الْمُبْتَغَى رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا فَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ أَصْلِيَّانِ لَا يَسْقُطَانِ بِحَالٍ بِخِلَافِهَا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا مُؤَثِّرٌ فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا دُونَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَفِي هَذَا مَزِيدُ بَحْثٍ وَفَوَائِدُ أَوْرَدْته فِي كِتَابِي حَلْبَةِ الْمُجِلِّي فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي ثُمَّ عَطَفَ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهُ ( وَأَنْ لَا تُفْسِدَ قَهْقَهَتُهُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ وَإِنْ قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ الْمُتَأَخِّرِينَ ) وَفِي الْمُغْنِي عَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّ قَهْقَهَتَهُ ( تُفْسِدُهُمَا ) أَيْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَمَّا الْوُضُوءُ فَلِثُبُوتِ كَوْنِهَا حَدَثًا فِي صَلَاةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ
بِالنَّصِّ وَقَدْ وُجِدَتْ وَلَا فَرْقَ فِي الْإِحْدَاثِ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْيَقِظَةِ قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ فِي الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ ، وَهِيَ حَدَثٌ حُكْمِيٌّ ثَابِتٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي حَقِّ الْمُسْتَيْقِظِ لِمَعْنًى مَعْقُولٍ وَهُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ الْخَاصَّةِ بِخُصُوصِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِيهَا نَائِمًا فَلَا يَكُونُ حَدَثًا وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَنَّ فِي الْقَهْقَهَةِ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالنَّوْمُ كَالْيَقِظَةِ فِيهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ، وَوَجْهُ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافِقِيهِ وَقَدْ نَصَّ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ زَوَالُ مَعْنَى الْجِنَايَةِ بِالنَّوْمِ ثُمَّ النَّوْمُ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ وَهُوَ مَخْدُوشٌ بِمَا تَرَاهُ ( وَتَفْرِيعُ النَّوَازِلِ الْفَسَادُ بِكَلَامِ النَّائِمِ عَلَيْهِ ) أَيْ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ .
( لِعَدَمِ فَرْقِ النَّصِّ ) وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ } ( بَيْنَ الْمُسْتَيْقِظِ وَالنَّائِمِ وَإِنْزَالُ النَّائِمِ كَالْمُسْتَيْقِظِ ) شَرْعًا لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي سُجُودِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ فَيَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي رُوحُهُ عِنْدِي وَجَسَدُهُ بَيْنَ يَدَيَّ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ فِي عِلَلِهِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ لَا يَثْبُتُ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا وَنَصَّ فِي الْوَلْوَالِجِيَّة عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ( وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تُفْسِدُ الْوُضُوءَ لَا الصَّلَاةَ ) وَتَقَدَّمَ وَجْهُ كُلٍّ بِمَا عَلَيْهِ ( فَيَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي ) عَلَى صَلَاتِهِ كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ( وَقِيلَ عَكْسُهُ ) أَيْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لَا وُضُوءُهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ لِلْفَتَاوَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ( وَهُوَ
أَقْرَبُ عِنْدِي ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا حَدَثًا لِلْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ ) لِعَدَمِ الْقَصْدِ ( فَبَقِيَ ) الْقَهْقَهَةُ بِمَعْنَى الضَّحِكِ أَوْ الْفِعْلِ ( كَلَامًا بِلَا قَصْدٍ فَتَفْسُدُ ) الصَّلَاةُ بِهِ ( كَالسَّاهِي بِهِ ) أَيْ بِالْكَلَامِ .
( وَأَمَّا الْإِغْمَاءُ فَآفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْمُحَرِّكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا ) وَإِيضَاحُهُ مَعَ أَنَّهُ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ مُلَخَّصًا قَرِيبًا أَنَّهُ يَنْبَعِثُ عَنْ الْقَلْبِ بُخَارٌ لَطِيفٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ أَلْطَفِ أَجْزَاءِ الْأَغْذِيَةِ يُسَمَّى رُوحًا حَيَوَانِيًّا وَقَدْ أُفِيضَتْ عَلَيْهِ قُوَّةٌ تَسْرِي بِسَرَيَانِهِ فِي الْأَعْصَابِ السَّارِيَةِ فِي أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ فَتُثِيرُ فِي كُلِّ عُضْوٍ قُوَّةً تَلِيقُ بِهِ وَيَتِمُّ بِهَا مَنَافِعُهُ ، وَهِيَ تَنْقَسِمُ إلَى مُدْرِكَةٍ وَهِيَ الْحَوَاسُّ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ ، وَمُحَرِّكَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ الْأَعْضَاءَ بِتَمْدِيدِ الْأَعْصَابِ وَإِرْخَائِهَا لِتَنْبَسِطَ إلَى الْمَطْلُوبِ أَوْ تَنْقَبِضَ عَنْ الْمُنَافِي فَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَتُسَمَّى قُوَّةً شَهْوَانِيَّةً وَمِنْهَا مَا هِيَ مَبْدَأُ الْحَرَكَةِ إلَى دَفْعِ الْمَضَارِّ وَتُسَمَّى قُوَّةً غَضَبِيَّةً وَأَكْثَرُ تَعَلُّقِ الْمُدْرِكَةِ بِالدِّمَاغِ وَالْمُحَرَّكَةِ بِالْقَلْبِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ آفَةٌ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ تِلْكَ الْقُوَى عَنْ أَفْعَالِهَا وَإِظْهَارِ آثَارِهَا كَانَ ذَلِكَ إغْمَاءً فَهُوَ مَرَضٌ لَا زَوَالٌ لِلْعَقْلِ كَالْجُنُونِ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْعَقْلُ غَيْرَ بَاقٍ ( عُصِمَ مِنْهُ الْأَنْبِيَاءُ ) كَمَا عُصِمُوا مِنْ الْجُنُونِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِغْمَاءُ ( فَوْقَ النَّوْمِ ) فِي الْعَارِضِيَّةِ ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ حَتَّى عَدَّهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْحَيَوَانِ اسْتِرَاحَةً لِقُوَاهُ ، وَالْإِغْمَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ أَشَدَّ فِي الْعَارِضِيَّةِ وَفِي سَلْبِ الِاخْتِيَارِ وَتَعَطُّلِ الْقُوَى فَإِنَّهُمَا فِي الْإِغْمَاءِ أَشَدُّ فَإِنَّ مَوَادَّهُ غَلِيظَةٌ بَطِيئَةُ التَّحَلُّلِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ فِيهِ التَّنَبُّهُ وَيَبْطُؤُ الِانْتِبَاهُ بِخِلَافِ النَّوْمِ فَإِنَّ سَبَبَهُ تَصَاعُدُ أَبْخِرَةٍ لَطِيفَةٍ سَرِيعَةِ التَّحَلُّلِ إلَى
الدِّمَاغِ فَلِذَا يَتَنَبَّهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَدْنَى تَنْبِيهٍ ( فَلَزِمَهُ ) أَيْ الْإِغْمَاءُ مِنْ إيجَابِ تَأْخِيرِ الْخِطَابِ وَإِبْطَالِ الْعِبَادَاتِ ( مَا لَزِمَهُ ) أَيْ النَّوْمُ مِنْ ذَلِكَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ( وَزِيَادَةُ كَوْنِهِ ) أَيْ الْإِغْمَاءِ ( حَدَثًا وَلَوْ فِي جَمِيعِ حَالَاتِ الصَّلَاةِ ) مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ وَاضْطِجَاعٍ لِزَوَالِ الْمُسْكَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ( وَمَنَعَ الْبِنَاءَ ) إذَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ ( بِخِلَافِ النَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا ) بِأَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَاضْطَجَعَ فِي حَالَةِ نَوْمِهِ ( لَهُ الْبِنَاءُ ) إذَا تَوَضَّأَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِغْمَاءَ نَادِرٌ وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ وَالنَّصُّ بِجَوَازِ الْبِنَاءِ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَدَثِ الْغَالِبُ الْوُقُوعِ وَلَوْ تَعَمَّدَ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَيَّدَ بِالِاضْطِجَاعِ ؛ لِأَنَّ نَوْمَ الْمُصَلِّي غَيْرُ مُضْطَجِعٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ هَذَا وَالْإِغْمَاءُ إذَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِاعْتِبَارِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِاعْتِبَارِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ بِهِ الصَّلَاةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُنُونِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إذَا اسْتَوْعَبَ وَقْتَ صَلَاةٍ سَقَطَتْ بِهِ بِخِلَافِ النَّوْمِ ثُمَّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ حَتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ الْإِغْمَاءَ حَصَلَ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُوجِبُ التَّخْفِيفَ وَالتَّرْفِيهَ ا هـ وَفِي تَسْمِيَةِ هَذَا إغْمَاءً مُسَاهَلَةٌ بَلْ هَذَا سُكْرٌ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ وَفِيهِ أَيْضًا .
وَلَوْ شَرِبَ الْبَنْجَ أَوْ الدَّوَاءَ حَتَّى أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَضَاءُ مَتَى كَثُرَ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بِمَرَضٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ
الْقَضَاءُ ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا فِي إغْمَاءٍ حَصَلَ بِصُنْعِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ مَتَى جَاءَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لَا يُسْقِطُ الْحَقَّ وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لِفَزَعٍ مِنْ سَبُعٍ أَوْ آدَمِيٍّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْفَزَعَ إنَّمَا يَجِيءُ لِضَعْفِ قَلْبِهِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمَرَضِ ثُمَّ هَذَا إذَا لَمْ يُفِقْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَصْلًا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَإِنْ كَانَ يُفِيقُ سَاعَةً ثُمَّ يُعَاوِدُهُ لَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لِإِفَاقَتِهِ وَقْتٌ مَعْلُومٌ فَهِيَ إفَاقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ يَبْطُلُ حُكْمُ مَا قَبْلَهَا مِنْ الْإِغْمَاءِ إنْ كَانَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَقْتٌ مَعْلُومٌ بَلْ يُفِيقُ بَغْتَةً فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامِ الْأَصِحَّاءِ ثُمَّ يُغْمَى عَلَيْهِ بَغْتَةً فَهَذِهِ إفَاقَةٌ مُعْتَبَرَةٌ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا الرِّقُّ ) فَهُوَ لُغَةً الضَّعْفُ وَمِنْهُ صَوْتٌ رَقِيقٌ وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ ( فَعَجْزٌ حُكْمِيٌّ عَنْ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَمَالِكِيَّةِ الْمَالِ ) وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِهَا ( كَائِنٌ عَنْ جَعْلِهِ ) أَيْ الْمَرْقُوقِ ( شَرْعًا عُرْضَةً ) أَيْ مَحَلًّا مَنْصُوبًا مُتَهَيِّئًا ( لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ ) أَيْ الِامْتِهَانِ وَقَيَّدَ بِالْحُكْمِيِّ ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَرِقَّاءِ قَدْ يَكُونُ أَقْوَى مِنْ الْحِرَفِيِّ الْقَوِيِّ الْحِسِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْبَدَنِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ثُمَّ هُوَ حَقُّ اللَّهِ ابْتِدَاءً بِمَعْنَى أَنَّهُ يَثْبُتُ جَزَاءً لِلْكُفْرِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَأَلْحَقُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْبَهَائِمِ فِي عَدَمِ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِ التَّوْحِيدِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِجَعْلِهِمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ مُتَمَلَّكِينَ مُبْتَذَلِينَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهَائِمِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً ثُمَّ صَارَ حَقًّا لِلْعَبْدِ بَقَاءً بِمَعْنَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الرَّقِيقَ مِلْكًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَعْنَى الْجَزَاءِ وَجِهَةِ الْعُقُوبَةِ حَتَّى إنَّهُ يَبْقَى رَقِيقًا وَإِنْ أَسْلَمَ وَاتَّقَى ( فَلَا يَتَجَزَّأُ الرِّقُّ ) قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَإِلَّا فَمُشْكِلٌ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ ثُبُوتًا حَتَّى لَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَرَأَى الصَّوَابَ فِي اسْتِرْقَاقِ أَنْصَافِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ( لِاسْتِحَالَةِ قُوَّةِ الْبَعْضِ الشَّائِعِ ) مِنْ الْمَحَلِّ ( بِاتِّصَافِهِ بِالْوِلَايَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ ) دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ ( فَكَذَا ضِدُّهُ ) أَيْ الرِّقِّ ( وَهُوَ الْعِتْقُ ) لَا يَتَجَزَّأُ أَيْضًا اتِّفَاقًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ أَيْضًا ( وَإِلَّا ) لَوْ تَجَزَّأَ الْعِتْقُ ( تَجَزَّأَ ) الرِّقُّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْعِتْقُ فِي بَعْضِ الْمَحَلِّ شَائِعًا فَالْبَعْضُ الْآخَرُ إنْ عَتَقَ
فَلَا تُجْزِئُ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ هَذَا خَلَفٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْ لَزِمَ الْمُحَالُ الْمَذْكُورُ ( وَكَذَا الْإِعْتَاقُ عِنْدَهُمَا ) لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَتَقَ كُلُّهُ .
( وَإِلَّا ) لَوْ تَجَزَّأَ ( ثَبَتَ الْمُطَاوَعُ ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ ( بِلَا مُطَاوِعٍ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ الْعِتْقُ ( إنْ لَمْ يَنْزِلْ ) أَيْ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ ( شَيْءٌ ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُطَاوِعُ الْإِعْتَاقِ وَلَازِمُهُ يُقَالُ أَعْتَقْته فَعَتَقَ كَكَسَرْتُهُ فَانْكَسَرَ وَالْمُطَاوَعَةُ حُصُولُ الْأَثَرِ عَنْ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي بِمَفْعُولِهِ وَأَثَرُ الشَّيْءِ لَازِمٌ لَهُ ( وَقَلْبُهُ ) أَيْ وَثَبَتَ الْمُطَاوِعُ بِكَسْرِ الْوَاوِ بِلَا مُطَاوَعٍ بِفَتْحِهَا ( إنْ نَزَلَ ) أَيْ عَتَقَ ( كُلُّهُ ) ، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ وَلَا يَنْزِلُ بَعْضُهُ بِإِعْتَاقِ بَعْضِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ ( وَتَجَزَّأَ ) الْإِعْتَاقُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِعْتَاقَ ( إزَالَةُ الْمِلْكِ الْمُتَجَزِّئِ ) اتِّفَاقًا ( حَتَّى صَحَّ شِرَاءُ بَعْضِهِ وَبَيْعُهُ ) أَيْ بَيْعُ بَعْضِهِ ( وَإِنْ تَعَلَّقَ بِتَمَامِهِ ) أَيْ الْإِعْتَاقُ ( مَا لَا يَتَجَزَّأُ ) وَهُوَ الْعِتْقُ فَإِنْ وَصْلِيَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ( كَالْوُضُوءِ تَعَلَّقَ بِتَمَامِهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ ) أَيْ الْوُضُوءُ ( مُنْجَزٌ دُونَهَا ) أَيْ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ ( وَالْمُطَاوَعَةُ فِي أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ ) إنَّمَا هِيَ ( عِنْدَ إضَافَتِهِ ) أَيْ الْإِعْتَاقِ ( إلَى كُلِّهِ كَمَا هُوَ اللَّفْظُ ) أَيْ أَعْتَقَهُ ( فَلَا يَثْبُتُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ ) إذْ لَوْ ثَبَتَ الْعِتْقُ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ تَجَزُّؤِ الْعِتْقِ وَثُبُوتِهِ فِي الْكُلِّ حِينَئِذٍ بِلَا سَبَبٍ مَعَ تَضَرُّرِ الْمَوْلَى بِذَلِكَ ( وَلَا ) يَثْبُتُ أَيْضًا بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ ( زَوَالُ شَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ عِنْدَهُ ) لَكِنْ مِنْ الْمِلْكِ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ مُعْتَقُ الْبَعْضِ ( كَالْمُكَاتَبِ ) فِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ سَائِرُ أَحْكَامِ الْحُرِّيَّةِ ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ
مُعْتَقَ الْبَعْضِ ( لَا يُرَدُّ ) إلَى الرِّقِّ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ إزَالَةُ الْمِلْكِ لَا إلَى أَحَدٍ ، وَهِيَ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ( فَأَثَرُهُ ) أَيْ إعْتَاقِ الْبَعْضِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ إزَالَةُ بَعْضِ الْمِلْكِ ( فِي فَسَادِ الْمِلْكِ ) فِي الْبَاقِي حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمَوْلَى بَيْعَ مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَلَا إبْقَاءَهُ فِي مِلْكِهِ وَيَصِيرُ هُوَ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ وَيَخْرُجُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ .
( وَهَذَا ) إنَّمَا كَانَ ( لِوُجُوبِ قَصْرِ مُلَاقَاةِ التَّصَرُّفِ حَقَّ الْمُتَصَرِّفِ ) لَا حَقَّ غَيْرِهِ ( إلَّا ضِمْنًا كَمَا فِي إعْتَاقِ الْكُلِّ ) فَإِنَّ فِيهِ إزَالَةَ حَقِّ الْعَبْدِ قَصْدًا وَأَصْلًا وَلَزِمَ مِنْهُ زَوَالُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ضِمْنًا وَتَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّعَقُّبِ لِمَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِعْتَاقِ بِأَنَّهُ غَيْرُ سَدِيدٍ بِمَا ذَكَرَهُ ثَمَّةَ لَيْسَ بِتَعَقُّبٍ سَدِيدٍ وَيَزْدَادُ لَدَى النَّاظِرِ وُضُوحًا بِمُرَاجَعَةِ أَوَائِلِ بَابِ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ مِنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَالرِّقُّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ) ابْتِدَاءً ( وَالْمِلْكُ حَقُّهُ ) أَيْ الْعَبْدِ بَقَاءً كَمَا تَقَدَّمَ ( وَأَنَّهُ ) أَيْ الرِّقَّ ( يُنَافِي مِلْكَ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الرَّقِيقَ ( مَمْلُوكٌ مَالًا فَاسْتَلْزَمَ ) كَوْنُهُ مَمْلُوكًا مَالًا ( الْعَجْزَ وَالِابْتِذَالَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ الْمَالِيَّةَ تُنَبِّئُ عَنْهُمَا ( وَالْمَالِكِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُمَا ) أَيْ الْعَجْزِ وَالِابْتِذَالَ وَضِدَّاهُمَا الْقُدْرَةُ وَالْكَرَامَةُ لِإِنْبَائِهَا عَنْهُمَا ( وَتَنَافِي اللَّوَازِمَ يُوجِبُ تَنَافِيَ الْمَلْزُومَاتِ فَلَا يَجْتَمِعُ إلَى مَمْلُوكِيَّتِهِ مَالًا مَالِكِيَّتُهُ لِلْمَالِ فَلَا يَتَسَرَّى )
الرَّقِيقُ الْأَمَةَ ( وَلَوْ مَلَكَهَا ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُكَاتَبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَالِ ( مِنْ النِّكَاحِ ) فَإِنَّهُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُبْقَى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ ( لِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ حَتَّى انْعَقَدَ ) إنْكَاحُهُ نَفْسَهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى إذَا كَانَ ( بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْمَوْلَى .
( وَشَرَطَ الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ ( لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَإِنَّمَا وَقَفَ إلَى إذْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ عَقْدَ النِّكَاحِ ( لَمْ يُشْرَعْ إلَّا بِالْمَالِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( فَيَضُرُّ ) الْعَقْدُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ نُقْصَانِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ ( فَيَتَوَقَّفُ ) نَفَاذُ الْعَقْدِ ( عَلَى الْتِزَامِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ السَّابِقِ أَوْ الْإِمْضَاءِ اللَّاحِقِ ( وَ ) مِنْ ( الدَّمِ لِمِلْكِهِ الْحَيَاةَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى الْبَقَاءِ وَلَا بَقَاءَ لَهُ إلَّا بِبَقَائِهَا ( فَلَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى إتْلَافَهُ ) أَيْ دَمَهُ إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ ( وَقَتْلَ الْحُرِّ بِهِ ) أَيْ بِالْعَبْدِ قِصَاصًا فِي الْعَمْدِ ( وَوُدِيَ ) أَيْ وَفُدِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهَا فِي الْخَطَأِ ( وَصَحَّ إقْرَارُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا ( بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ) أَيْ بِالْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُمَا لِمُلَاقَاةِ حَقِّ نَفْسِهِ قَصْدًا فَيَصِحُّ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ وَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ لُزُومُ إتْلَافِ مَالِيَّتِهِ الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لِكَوْنِهِ ضِمْنِيًّا فَانْتَفَى نَفْيُ زُفَرَ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِكَوْنِهِ وَارِدًا عَلَى نَفْسِهِ وَطَرَفِهِ وَكِلَاهُمَا مَالُ الْمَوْلَى وَالْإِقْرَارُ عَلَى الْغَيْرِ غَيْرُ مَقْبُولٍ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِضَمَانِ الْمَالِ فَإِنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهِ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا وَبَعْدَ الْعِتْقِ إنْ كَانَ مَحْجُورًا ( وَالسَّرِقَةِ
الْمُسْتَهْلَكَةِ ) أَيْ وَبِسَرِقَةِ مَالٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِيَدِهِ ( وَالْقَائِمَةِ ) أَيْ وَبِسَرِقَةِ مَالٍ قَائِمٍ بِيَدِهِ ( فِي الْمَأْذُونِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمَحْجُورِ وَالْمَالُ قَائِمٌ ) بِيَدِهِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ صَحَّ إقْرَارُهُ بِهَا ( وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْلَى ) فِي ذَلِكَ ( فَيُقْطَعْ ) فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْحُرِّ مَأْذُونًا كَانَ أَوْ مَحْجُورًا .
( وَيَرُدَّ ) الْمَالَ إذَا كَانَ قَائِمًا أَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا فَلِأَنَّهُ لَاقَى حَقَّ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَسْبُ ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ فِيهِ فَيَصِحُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْجُورًا فَلِسُقُوطِ حَقِّ الْمَوْلَى فِيهِ بِتَصْدِيقِهِ ( وَلَا ضَمَانَ فِي الْهَالِكَةِ ) صَدَّقَهُ الْمَوْلَى أَوْ كَذَّبَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ وَالضَّمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
( وَإِنْ قَالَ ) الْمَوْلَى ( الْمَالُ لِي ) فِيمَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَحْجُورًا وَالْمَالُ قَائِمٌ ( فَلِأَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ ) ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ فِي الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ دَمِ نَفْسِهِ ( وَالْمَالُ لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنُ الْمَالِ لِلْمَوْلَى هُوَ ( الظَّاهِرُ ) تَبَعًا لِرَقَبَتِهِ ( وَقَدْ ) يَنْفَصِلُ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ إذْ قَدْ ( يُقْطَعُ بِلَا وُجُوبِ مَالٍ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ ) أَيْ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ ( وَعَكْسُهُ ) أَيْ وَيَجِبُ الْمَالُ وَلَا يُقْطَعُ كَمَا ( إذَا شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرَّجُلِ تُقْبَلُ فِي الْمَالِ لَا فِي الْحُدُودِ ( وَلِمُحَمَّدٍ لَا ) يُقْطَعُ ( وَلَا يَرُدُّ ) الْمَالَ ( لِمَا ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ ) مِنْ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْمَالِ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ عَلَى الْمَوْلَى فَيَبْقَى الْمَالُ لِلْمَوْلَى ( وَلَا قَطْعَ ) عَلَى الْعَبْدِ ( بِمَالِ السَّيِّدِ ) أَيْ بِسَرِقَتِهِ ( وَلِأَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ وَيَرُدُّ ) الْمَالَ إلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ ( الْقَطْعُ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ ) لِمَا ذَكَرْنَا ( وَيَسْتَحِيلُ ) الْقَطْعُ ( بِمَمْلُوكٍ لِلسَّيِّدِ فَقَدْ كَذَّبَهُ ) أَيْ الْمَوْلَى ( الشَّرْعُ وَالْمَقْطُوعُ ) مِنْ الشَّرْعِ ( انْحِطَاطُهُ ) أَيْ الرَّقِيقِ ( بِالْحَجْرِ ) مِنْ الشَّرْعِ ( فِي أُمُورٍ إجْمَاعِيَّةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا ) مِنْ الْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ ( فَمَا اسْتَلْزَمَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْأُمُورِ الْإِجْمَاعِيَّةِ ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ نَفْسِهِ ( كَعَدَمِ مَالِكِيَّةِ الْمَالِ أَوْ قَامَ بِهِ سَمْعٌ حُكِمَ بِهِ فَمِنْ الْمَعْلُومِ انْحِطَاطُ ذِمَّتِهِ ) عَنْ تَحَمُّلِ الدَّيْنِ لِضَعْفِهَا .
؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ بِالرِّقِّ كَأَنَّهُ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ مُكَلَّفٌ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذِمَّةٌ إذْ التَّكْلِيفُ لَا يَكُونُ بِدُونِهَا فَثَبَتَتْ لَهُ مَعَ الضَّعْفِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيَتِهَا لِتَحَمُّلِ الدَّيْنِ بِانْضِمَامِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْكَسْبِ إلَيْهَا فَلَا يُطَالَبُ بِدُونِ انْضِمَامِ
أَحَدِهِمَا إلَيْهَا إذْ لَا مَعْنَى لِاحْتِمَالِهَا الدَّيْنَ إلَّا صِحَّةُ الْمُطَالَبَةِ فَظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَقْوَ عَلَى ذَلِكَ ( حَتَّى ضُمَّ إلَيْهَا ) أَيْ ذِمَّتِهِ ( مَالِيَّةُ رَقَبَتِهِ أَوْ كَسْبِهِ فَيَبِيعُ فِيمَا يَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَفْدِهِ وَلَا كَسْبَ أَوْ لَمْ يَفِ ) كَسْبُهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ إلَّا أَنْ لَا يُمْكِنَ بَيْعُهُ كَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَمُعْتَقِ الْبَعْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَحِينَئِذٍ يُسْتَسْعَى وَالدَّيْنُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ( كَمَهْرٍ وَدَيْنِ تِجَارَةٍ عَنْ إذْنٍ ) لِرِضَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ ( أَوْ تَبَيَّنَ اسْتِهْلَاكٌ ) لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ( لَا إقْرَارُهُ ) أَيْ لَا بِإِقْرَارِهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَالَ كَوْنِهِ ( مَحْجُورًا ) لِوُجُودِ التُّهْمَةِ وَعَدَمِ رِضَا الْمَوْلَى بِذَلِكَ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كَسْبِهِ لَكِنْ يُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ ( وَحِلُّهُ ) أَيْ وَانْحِطَاطُ الْحِلِّ الثَّابِتِ لَهُ بِالنِّكَاحِ عَنْ الْحِلِّ الثَّابِتِ لِلْحُرِّيَّةِ ( فَاقْتَصَرَ ) حِلُّهُ ( عَلَى ثِنْتَيْنِ نِسَاءً ) لَهُ حُرَّتَيْنِ كَانَتَا أَوْ أَمَتَيْنِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ .
وَقَالَ مَالِكٌ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُؤَثِّرُ فِي مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ الْآدَمِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي تَنْصِيفِ الْمُتَعَدِّدِ كَأَقْرَاءِ الْعِدَّةِ وَعَدَدِ الطَّلَاقِ وَجَلَدَاتِ الْحُدُودِ ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النِّعَمِ بِآثَارِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَقَدْ أَثَّرَ الرِّقُّ فِي نُقْصَانِهَا حَتَّى أُلْحِقَ بِالْبَهَائِمِ يُبَاعُ بِالْأَسْوَاقِ ؛ لِأَنَّهُ أَثَرُ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ فَكَذَا أَثَّرَ فِي نُقْصَانِ الْحِلِّ إلَى النِّصْفِ ؛ لِأَنَّهُ نِعْمَةٌ كَمَا أَثَّرَ فِي الْعُقُوبَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } وَفِي مُغْنِي ابْنِ قُدَامَةَ وَقَدْ رَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ أَجْمَعُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْكِحُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَيُقَوِّيهِ مَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّاسَ كَمْ يَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ثِنْتَيْنِ وَطَلَاقُهُ ثِنْتَانِ وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ ( وَاقْتَصَرَ ) الْحِلُّ ( فِيهَا ) أَيْ الْأَمَةِ ( عَلَى تَقَدُّمِهَا عَلَى الْحُرَّةِ لَا مُقَارِنَةً ) لَهَا فِي الْعَقْدِ ( وَمُتَأَخِّرَةً ) عَنْهَا أَمَّا نَفْيُ حِلِّ تَأَخُّرِهَا عَنْهَا فَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تَتَزَوَّجُ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ مُظَاهِرُ بْنُ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ لَكِنْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْحُجَّةُ بِالْبَعْضِ قَامَتْ بِالْجَمِيعِ وَأَمَّا نَفْيُ حِلِّ مُقَارَنَتِهَا لَهَا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزُّؤَ فَتُغَلَّبُ الْحُرْمَةُ عَلَى الْحِلِّ ( وَطَلْقَتَيْنِ ) أَيْ وَاقْتَصَرَ مَا بِهِ يَفُوتُ حِلُّهَا وَهُوَ بَيْنُونَتُهَا الْبَيْنُونَةَ الْغَلِيظَةَ عَلَى تَطْلِيقِهَا ثِنْتَيْنِ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا ( وَحَيْضَتَيْنِ عِدَّةً ) أَيْ وَاقْتَصَرَ مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى وُجُودِ سَبَبِ انْقِطَاعِ حِلِّهَا بِمِلْكِ النِّكَاحِ نَاجِزًا أَوْ مُؤَجَّلًا بِغَيْرِ الْمَوْتِ مِنْ التَّرَبُّصِ الْمَشْرُوعِ لِتَعْظِيمِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَالْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ الْعِدَّةُ عَلَى وُجُودِ حَيْضَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ السَّبَبِ وَالْحُجَّةُ فِيهِمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .
وَإِنَّمَا كَانَ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ ( تَنْصِيفًا ) لِلثَّابِتِ مِنْهُمَا لِلْحُرَّةِ وَهُوَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ وَثَلَاثُ حِيَضٍ
إذْ كُلُّ مِنْ الطَّلْقَةِ وَالْحَيْضَةِ لَا تَتَنَصَّفُ فَتَكَامَلَ لِرُجْحَانِ جَانِبِ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ اسْتَطَعْت أَنْ أَجْعَلَ عِدَّةَ الْأَمَةِ حَيْضَةً وَنِصْفًا فَعَلْت رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ ( وَكَذَا فِي الْقَسْمِ ) نَقَصَ حِلُّهَا حَتَّى اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا لِلْحُرَّةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَذَهَبَ فِي أُخْرَى وَأَحْمَدُ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا ، وَالْحُجَّةُ لِلْأَوَّلِ مَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا نُكِحَتْ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ فَلِهَذِهِ الثُّلُثَانِ وَلِهَذِهِ الثُّلُثُ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ { أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا أَقَامَتْ عَلَى ضَرَائِرَ فَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَانِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَةٌ } أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ .
( وَعَنْ تَنَصُّفِ النِّعْمَةِ ) الَّتِي لِلْحُرِّ فِي حَقِّ الرَّقِيقِ ( تَنَصَّفَ حَدُّهُ ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ النَّصُّ الْقُرْآنِيُّ السَّابِقُ وَهَذَا فِيمَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ ، وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ فَيَتَكَامَلُ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ فِيهِ سَوَاءٌ ( وَإِنَّمَا نَقَصَتْ دِيَتُهُ إذَا سَاوَتْ قِيمَتُهُ دِيَةَ الْحُرِّ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُؤَدَّى ( ضَمَانُ النَّفْسِ وَهُوَ ) أَيْ ضَمَانُ النَّفْسِ وَاجِبٌ ( بِخَطَرِهَا ) أَيْ بِسَبَبِ شَرَفِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ خَطَرُهَا ( بِالْمَالِكِيَّةِ لِلْمَالِ وَلِمِلْكِ النِّكَاحِ وَهَذَا ) أَيْ مِلْكُ النِّكَاحِ ( مُنْتَفٍ فِي الْمَرْأَةِ ) الْحُرَّةِ إذْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ فِيهِ لَا مَالِكَةٌ ( فَتَنَصَّفَتْ دِيَتُهَا ) عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ الذَّكَرِ ( وَثَابِتٌ لِلْعَبْدِ مَعَ نَقْصٍ فِي ) مَالِكِيَّةِ ( الْمَالِ لِتَحَقُّقِهِ ) أَيْ مِلْكِهِ الْمَالَ ( يَدًا ) أَيْ تَصَرُّفًا ( فَقَطْ ) أَيْ لَا رَقَبَةً فَلَزِمَ بِوَاسِطَةِ نُقْصَانِ مِلْكِ الْيَدِ نُقْصَانُ شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ .
( وَلِكَوْنِ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ فَوْقَ مَالِكِيَّةِ الرَّقَبَةِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ مِلْكَ
الرَّقَبَةِ هُوَ ( الْمَقْصُودُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَمِلْكُ الرَّقَبَةِ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْمِلْكِ مُكْنَةُ الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالْيَدُ هُوَ الْمُمَكِّنُ وَالْمُوَصِّلُ إلَيْهِ فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَإِنْ كَانَ تَامًّا فَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الصَّرْفُ مَعَهُ إلَى قَضَاءِ حَوَائِجِهِ لِبُعْدِهِ أَوْ لِمَانِعٍ آخَرَ ( لَمْ يَتَقَدَّرْ نَقْصُ دِيَتِهِ بِالرُّبُعِ ) لِانْتِفَاءِ التَّوْزِيعِ الْمُوجِبِ لَهُ ( بَلْ لَزِمَ أَنْ يَنْقُصَ بِمَالِهِ خَطَرٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ ) إذْ بِهَا يَمْلِكُ الْبُضْعَ الْمُحْتَرَمَ وَتُقْطَعُ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ ( وَاعْتُرِضَ ) وَالْمُعْتَرِضُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( لَوْ صَحَّ ) كَوْنُ الْعِلَّةِ لِنُقْصَانِ دِيَةِ الْعَبْدِ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ هَذَا ( لَمْ تَتَنَصَّفُ أَحْكَامُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( إذْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي كَمَالِهِ إلَّا نُقْصَانُ أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ ) فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُهُ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا ( وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ مَالِكِيَّةُ النِّكَاحِ ) ثَابِتَةً ( لَهُ كَمَلًا ) أَيْ كَامِلَةً ( لَمْ تَنْتَقِصْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِازْدِوَاجِ كَعَدَدِ الزَّوْجَاتِ وَالْعِدَّةِ وَالْقَسْمِ وَالطَّلَاقِ ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورَ ( مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ ( وَهِيَ ) أَيْ مَالِكِيَّةُ النِّكَاحِ ( كَامِلَةٌ ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ( بَلْ ) إنَّمَا نَقَصَتْ دِيَتُهُ عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ ( لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( الْمَالِيَّةُ ) فَلَا يَتَنَصَّفُ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ( غَيْرَ أَنَّ فِي الْإِكْمَالِ ) لِقِيمَةِ الْعَبْدِ إذَا بَلَغَتْ دِيَةُ الْحُرِّ ( شُبْهَةَ الْمُسَاوَاةِ بِالْحُرِّ ) وَشُبْهَةُ الشَّيْءِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَقِيقَتِهِ وَكَمَا أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُسَاوَاةِ مُنْتَفِيَةٌ فَكَذَا شَبَهُهَا ( فَنَقَصَ بِمَالِهِ خَطَرٌ وَأُجِيبَ ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ ( بِأَنَّ نُقْصَانَ الزَّوْجَاتِ لَيْسَ لِنُقْصَانِ خَطَرِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ الْمَالِكِيَّةُ لِيَلْزَمَ
) النُّقْصَانُ ( بِأَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ ) كَمَا فِي الدِّيَةِ .
( بَلْ لِنُقْصَانِ الْحِلِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْكَرَامَةِ وَتَقْدِيرُ النَّقْصِ بِهِ ) أَيْ فِي الْحِلِّ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا مُفَوَّضٌ ( إلَى الشَّرْعِ فَقَدَّرَهُ بِالنِّصْفِ إجْمَاعًا ) وَهُوَ مُشْكِلٌ بِخِلَافِ مَالِكٍ إذَا لَمْ يَثْبُتْ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ( بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّهَا بِاعْتِبَارِ خَطَرِ النَّفْسِ الَّذِي هُوَ ) ثَابِتٌ ( بِالْمَالِكِيَّةِ وَنُقْصَانُ الرَّقِيقِ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ الرُّبُعِ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّقْصَانَ فِي الشَّيْءِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ لَا فِي حُكْمٍ لَا يُلَائِمُهُ فَالنُّقْصَانُ فِي الْمَالِكِيَّةِ يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي الدِّيَةِ لَا فِي عَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ وَالنُّقْصَانُ فِي الْحِلِّ بِالْعَكْسِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ ( وَكَمَالُ مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ إنْ لَمْ يُوجِبْ نُقْصَانَ عَدَدِهِنَّ ) أَيْ الزَّوْجَاتِ ( لَا يَنْفِي أَنْ يُوجِبَهُ ) أَمْرٌ ( آخَرُ هُوَ نُقْصَانُ الْحِلِّ وَلَا تَسْتَقِيمُ الْمُلَازَمَةُ بَيْنَ كَمَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ ) فِي الرَّقِيقِ ( وَعَدَمِ تَنْصِيفِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِازْدِوَاجِ فَإِنَّ أَكْثَرَهُ ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِازْدِوَاجِ ( كَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ وَالْقِسْمِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّوْجَةِ وَلَا تَمْلِكُ ) الْأَمَةُ ( النِّكَاحَ أَصْلًا ) فَضْلًا عَنْ كَمَالِ الْمَالِكِيَّةِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الِاعْتِرَاضِ أَيْضًا ( وَإِنَّمَا قَالَ شُبْهَةُ الْمُسَاوَاةِ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ لَوْ وَجَبَتْ وَكَانَتْ ضِعْفَ دِيَةِ الْحُرِّ لَا مُسَاوِيَةً ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْقِيمَةَ ( تَجِبُ فِي الْعَبْدِ بِاعْتِبَارِ الْمَمْلُوكِيَّةِ ) وَالِابْتِذَالِ ( وَفِي الْحُرِّ بِاعْتِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ ) وَالْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي حَقِيقَةً وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ صُورَةً فَلَا مُسَاوَاةَ حَقِيقَةً ( وَكَوْنُ مُسْتَحَقِّهِ ) أَيْ ضَمَانِ نَفْسِ الْعَبْدِ ( السَّيِّدَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ ) أَيْ ضَمَانَ نَفْسِهِ ( بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ
وَالشَّافِعِيُّ .
( أَلَا تَرَى أَنَّهُ ) أَيْ السَّيِّدَ ( الْمُسْتَحِقَّ لِلْقِصَاصِ بِقَتْلِ عَبْدٍ إيَّاهُ ) أَيْ عَبْدِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقِصَاصُ ( بَدَلُ الدَّمِ إجْمَاعًا فَالْحَقُّ أَنَّ مُسْتَحِقَّهُ ) أَيْ الضَّمَانِ ( الْعَبْدُ وَلِهَذَا يَقْضِي مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الضَّمَانِ ( دَيْنَهُ ) أَيْ دَيْنَ الْعَبْدِ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ شَرْعًا لِمِلْكِ الْمَالِ خَلَفَهُ الْمَوْلَى ) فِيهِ ( لِأَنَّهُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ كَالْوَارِثِ وَاخْتُلِفَ فِي أَهْلِيَّتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( لِلتَّصَرُّفِ وَمِلْكِ الْيَدِ فَقُلْنَا نَعَمْ ) أَهْلٌ لَهُمَا ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّهُمَا ) أَيْ أَهْلِيَّتَيْ التَّصَرُّفِ وَمِلْكَ الْيَدِ ( بِأَهْلِيَّةِ التَّكَلُّمِ وَالذِّمَّةِ مُخَلِّصَةٌ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْأُولَى ) أَيْ أَهْلِيَّةُ التَّكَلُّمِ ( بِالْعَقْلِ ) وَهُوَ لَا يَخْتَلُّ بِالرِّقِّ ( وَلِذَا ) أَيْ عَدَمِ اخْتِلَالِهَا بِالرِّقِّ ( كَانَتْ رِوَايَاتُهُ مُلْزِمَةً الْعَمَلَ لِلْخَلْقِ وَقُبِلَتْ فِي الْهَدَايَا وَغَيْرِهَا ) مِنْ الدَّنَايَاتِ ( وَالثَّانِيَةُ ) أَيْ أَهْلِيَّتُهُ لِلذِّمَّةِ ( بِأَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ ) عَلَيْهِ ( وَالِاسْتِيجَابُ ) لَهُ ( وَلِذَا ) أَيْ لِتَأَهُّلِهِ لِلْإِيجَابِ وَالِاسْتِيجَابِ ( خُوطِبَ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى ) وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ( وَلَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ الْمَوْلَى عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ فِي ذِمَّتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ كَمَا لَوْ شَرَطَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ لَجَازَ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ الْمَوْلَى ذَلِكَ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ ( وَلَا يَمْلِكُ ) الْمَوْلَى ( أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَوْدَعَ عِنْدَ الْعَبْدِ ) وَالْمُنَاسِبُ كَمَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدُ غَيْرَهُ ( وَصِحَّةُ إقْرَارِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْعَبْدِ بِدَيْنٍ ( لِمِلْكِ مَالِيَّتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( كَإِقْرَارِ الْوَارِثِ ) عَلَى مُوَرِّثِهِ بِالدَّيْنِ ( فَهُوَ ) أَيْ فَإِقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ ( إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا
حُجِرَ ) الْعَبْدُ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ التَّصَرُّفِ مَعَ قِيَامِ الْأَهْلِيَّةِ ( لِحَقِّ الْمَوْلَى ) ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَالْكَسْبِ اسْتِيفَاءً وَهُمَا مِلْكُ الْمَوْلَى فَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ رِضَاهُ فَإِذَا أَذِنَ فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِ حَقِّهِ .
( فَإِذْنُهُ فَكَّ الْحَجْرَ ) الثَّابِتَ بِالرِّقِّ ( وَرَفْعُ الْمَانِعِ ) مِنْ التَّصَرُّفِ حُكْمًا وَإِثْبَاتُ الْيَدِ لَهُ فِي كَسْبِهِ لَا إثْبَاتُ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ لَهُ ( كَالنِّكَاحِ ) أَيْ كَمِلْكِهِ نِكَاحَ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نَفَاذُهُ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ارْتَفَعَ الْمَانِعُ ( فَيَتَصَرَّفُ ) بَعْدَ الْإِذْنِ ( بِأَهْلِيَّتِهِ ) كَالْكِتَابَةِ ( لَا إنَابَةً ) عَنْ الْمَوْلَى حَتَّى تَكُونَ يَدُهُ فِي إكْسَابِهِ يَدَ نِيَابَةٍ عَنْهُ كَالْمُودِعِ ( كَالشَّافِعِيِّ ) أَيْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَكَانَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ وَسَبَبٌ لَهُ وَالسَّبَبُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا لِحِكْمَةٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ إجْمَاعًا فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِاسْتِحْقَاقِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ إنَّمَا تُسْتَفَادُ بِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ التَّصَرُّفِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ أَذِنَ ) الْمَوْلَى لَهُ ( فِي نَوْعٍ ) مِنْ التِّجَارَةِ ( كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي كُلِّ أَنْوَاعِهَا ( وَتَثْبُتُ يَدُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( عَلَى كَسْبِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَإِنَّمَا مَلَكَ ) الْمَوْلَى ( حَجْرَهُ ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَا الْمُكَاتَبِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ فَكَّ الْحَجْرَ فِي الْمَأْذُونِ ( بِلَا عِوَضٍ ) فَلَا يَكُونُ لَازِمًا كَالْهِبَةِ ( بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ) فَإِنَّهَا بِعِوَضٍ فَتَكُونُ لَازِمَةً كَالْبَيْعِ ثُمَّ هَذَا عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِوُجُودِ فَكِّ الْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِأَهْلِيَّتِهِ فَلَغَا التَّقْيِيدُ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ يَخْتَصُّ بِمَا أَذِنَ فِيهِ ؛
لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ لَمَّا كَانَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ كَالْوَكِيلِ صَارَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ إذْنِ الْأَصِيلِ ثُمَّ لِلْمَشَايِخِ فِي ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فِي إكْسَابِهِ لِلْمَوْلَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ مِلْكِ الْيَدِ لَهُ وَثُبُوتَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِمَوْلَاهُ ابْتِدَاءً ثَانِيهِمَا أَنَّ تَصَرُّفَهُ يُفِيدُ ثُبُوتَ كِلَيْهِمَا لَهُ ثُمَّ يَسْتَحِقُّ الْمَوْلَى مِلْكَ الرَّقَبَةِ خِلَافَةً عَنْ الْعَبْدِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهَا وَكَوْنُ الْمَوْلَى أَقْرَبَ النَّاسِ إلَيْهِ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ .
وَعَلَى هَذَا مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( وَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْلَى فِيمَا يَشْتَرِيهِ ) الْعَبْدُ ( وَيَصْطَادُهُ وَيَتَّهِبُهُ لِخِلَافَتِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ( عَنْهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ ) لِمِلْكِ رَقَبَةِ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ اصْطَادَهُ أَوْ اتَّهَبَهُ ( كَالْوَارِثِ ) مَعَ الْمَوْرُوثِ ( وَكَوْنُ مِلْكِ التَّصَرُّفِ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مَمْنُوعٌ نَعَمْ هُوَ ) أَيْ مِلْكُ الرَّقَبَةِ ( وَسِيلَةٌ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى مِلْكِ التَّصَرُّفِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مِلْكِهَا ) أَيْ الرَّقَبَةِ ( عَدَمُ الْمَقْصُودِ لِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأَسْبَابِ ) لِمِلْكِ التَّصَرُّفِ ( وَإِذْ كَانَتْ لَهُ ) أَيْ لِلْعَبْدِ ( ذِمَّةٌ وَعِبَارَةٌ صَحَّ الْتِزَامُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الذِّمَّةِ ( وَوَجَبَ لَهُ ) أَيْ لِلْعَبْدِ ( طَرِيقُ قَضَاءٍ ) لِمَا الْتَزَمَهُ ( دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْإِيجَابِ فِي الذِّمَّةِ بِلَا أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ وَأَدْنَاهُ ) أَيْ طَرِيقِ الْقَضَاءِ ( مِلْكُ الْيَدِ ) فَيَلْزَمُ ثُبُوتُهُ لِلْعَبْدِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَلِذَا ) أَيْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْيَدِ لِلْعَبْدِ وَكَوْنِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ مُتَلَقًّى مِنْهُ ( قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ دَيْنُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ الْمُسْتَغْرِقِ لِمَالِهِ ( بِمَنْعِ مِلْكِ الْمَوْلَى كَسْبَهُ ) لِشُغْلِهِ بِحَاجَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ ( وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِ الْحُرِّ بِهِ )
أَيْ الْعَبْدِ ( فَعِنْدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( لَا ) يُقْتَلُ بِهِ قِصَاصًا ( لِابْتِنَائِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ قِصَاصًا ( عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْكَرَامَاتِ ) ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ بَيْنَهُمَا إذْ الْحُرُّ نَفْسٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالْعَبْدُ نَفْسٌ وَمَالٌ ( قُلْنَا ) لَا نُسَلِّمُ ابْتِنَاءَ الْقِصَاصِ عَلَيْهَا ( بَلْ ) الْمَنَاطُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ ( فِي عِصْمَةِ الدَّمِ فَقَطْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إهْدَارِهِ ) أَيْ التَّسَاوِي فِي الْقِصَاصِ ( فِي الْعِلْمِ وَالْجَمَالِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ) وَالشَّرَفِ ( وَهُمَا ) أَيْ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ ( مُسْتَوِيَانِ فِيهَا ) أَيْ عِصْمَةِ الدَّمِ ( وَيُنَافِي ) الرِّقُّ ( مَالِكِيَّةَ مَنَافِعِ الْبَدَنِ ) إجْمَاعًا .
( إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ إلَّا نَحْوُ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ ) فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِهِ نَظَرًا لِلْمَوْلَى فَبَقِيَتْ مَنَافِعُهُ عَلَى مِلْكِهِ ( بِالنَّصِّ لِلْمَالِ ) فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى } .
قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ { وَقَالَ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ } .
قَالَ الْحَاكِمُ أَيْضًا صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ ثُمَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ لِلْوُجُوبِ الْإِجْمَاعُ ( وَالْجِهَادِ ) أَيْ وَبِخِلَافِ الْجِهَادِ أَيْضًا ( فَلَيْسَ لَهُ الْقِتَالُ إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ ) إذْنِ ( الشَّرْعِ فِي عُمُومِ النَّفِيرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ ) الْعَبْدُ إذَا قَاتَلَ ( سَهْمًا ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ اسْتِحْقَاقَ سَهْمٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( لِلْكَرَامَةِ ) وَهُوَ نَاقِصٌ فِيهَا ( بَلْ ) يَسْتَحِقُّ ( رَضْخًا لَا يَبْلُغُهُ ) أَيْ السَّهْمُ { فَعَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ شَهِدْت خَيْبَرَ مَعَ سَادَتِي فَأَمَرَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ( بِخِلَافِ )
اسْتِحْقَاقِ ( السَّلَبِ بِالْقَتْلِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ ) مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَإِنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ أَوْ بِإِيجَابِ الْإِمَامِ ( فَسَاوَى ) الْعَبْدُ ( فِيهِ الْحُرَّ وَالْوِلَايَاتِ ) أَيْ وَيُنَافِي الرِّقُّ الْوِلَايَاتِ الْمُتَعَدِّيَةِ كَوِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْ الْقُدْرَةِ الْحُكْمِيَّةِ إذْ الْوِلَايَةُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَالرِّقُّ عَجْزٌ حُكْمِيٌّ ثُمَّ الْأَصْلُ فِي الْوِلَايَاتِ وِلَايَةُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ التَّعَدِّي مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِ التَّعَدِّي وَلَا وِلَايَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ( وَصِحَّةُ أَمَانِ ) الْعَبْدِ ( الْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ ) الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ ( لِاسْتِحْقَاقِ الرَّضْخِ ) فِي الْغَنِيمَةِ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ إلَّا أَنَّ مَوْلَاهُ يَخْلُفُهُ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي سَائِرِ أَكْسَابِهِ ( فَأَمَانُهُ إبْطَالُ حَقِّهِ أَوَّلًا ) فِي الرَّضْخِ .
( ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْغَازِينَ فَيَلْزَمُ سُقُوطُ حَقِّهِمْ ؛ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الثُّبُوتِ وَالسُّقُوطِ ( كَشَهَادَتِهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ ) تُوجِبُ عَلَى النَّاسِ الصَّوْمَ بِقَوْلِهِ لِإِيجَابِهِ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَا يَتَعَدَّى إلَى سَائِرِهِمْ ، وَكَذَا رِوَايَتُهُ لِأَحَادِيثِ الشَّارِعِ فَصَارَ هَذَانِ أَصْلَ أَمَانِهِ ( لَا ) أَنَّ أَمَانَهُ ( وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ ) لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا وُضِعَ الشَّيْءُ لَهُ ، وَحُكْمُ أَمَانِهِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا ( بِخِلَافِ ) الْعَبْدِ ( الْمَحْجُورِ ) عَنْ الْقِتَالِ لَا أَمَانَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةِ سَحْنُونَ ؛ لِأَنَّهُ ( لَا اسْتِحْقَاقَ لَهُ ) وَقْتَ الْأَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنِيمَةِ ( فَلَوْ صَحَّ ) أَمَانُهُ ( كَانَ إسْقَاطًا لِحَقِّهِمْ ) أَيْ
الْغَازِينَ فِي أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَأَنْفُسِهِمْ اغْتِنَامًا وَاسْتِرْقَاقًا ( ابْتِدَاءً ) قَالَ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ أَمَانُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وَمُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الرَّضْخَ إذَا قَاتَلَ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ ( وَاسْتِحْقَاقُهُ ) الرَّضْخَ ( إذَا افْتَاتَ بِالْقِتَالِ ) أَيْ قَاتَلَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ( وَسَلِمَ لِتَمَحُّضِهِ ) أَيْ الْقِتَالِ ( مُصْلِحَةً لِلْمَوْلَى بَعْدَهُ ) أَيْ الْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَمَّا يَتَمَحَّضُ مَنْفَعَةً فَيَكُونُ كَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ الْمَوْلَى دَلَالَةً ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حُجِرَ عَنْهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى لِانْتِفَاءِ اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَتِهِ وَقْتَ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فَإِذَا فَرَغَ سَالِمًا وَأُصِيبَتْ الْغَنِيمَةُ زَالَ الضَّرَرُ فَيَثْبُتُ الْإِذْنُ مِنْهُ دَلَالَةً ( فَلَا شَرِكَةَ لَهُ ) فِي الْغَنِيمَةِ ( حَالَ الْأَمَانِ ) فَلَا يَكُونُ فِيهِ كَالْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ نَعَمْ مَا فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانُهُ أَمَانُهُمْ يُفِيدُ إطْلَاقُهُ صِحَّةَ أَمَانِ الْعَبْدِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ( فَلَا يَضْمَنُ ) الرَّقِيقُ ( بَدَلَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ بَدَلَهُ ( صِلَةٌ ) وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الصِّلَاتِ ( فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَةٌ فِي جِنَايَتِهِ ) عَلَى غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ ( خَطَأً ) ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجِنَايَةِ الْخَطَأِ ضَمَانٌ هُوَ صِلَةٌ فِي حَقِّ الْجَانِي حَتَّى كَأَنَّهُ يَهَبُهُ ابْتِدَاءً أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا بِحَوْلٍ بَعْدَهُ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْمَالِ الثَّابِتِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا عَاقِلَةَ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ لِيَجِبَ عَلَيْهِمْ .
( لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُهْدَرْ الدَّمُ صَارَتْ رَقَبَتُهُ جَزَاءً ) أَيْ قَائِمَةً مُقَامَ الْأَرْشِ حَتَّى لَا يَكُونَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يَصِيرُ الدَّمُ
هَدَرًا ( إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْمَوْلَى فِدَاءَهُ فَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْفِدَاءُ الْمَوْلَى ( دَيْنًا ) فِي ذِمَّتِهِ ( فَلَا يَبْطُلُ ) اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ ( بِالْإِفْلَاسِ ) حَتَّى إنَّهُ لَا يَعُودُ تَعَلُّقُ حَقِّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْلَى مَا يُؤَدِّيهِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( فَلَا يَجِبُ ) بِهِ عَلَى الْمَوْلَى ( الدَّفْعُ ) لِلْعَبْدِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بَلْ هُوَ عَبْدُهُ لَا سَبِيلَ لِغَيْرِهِ عَلَيْهِ ( وَعِنْدَهُمَا اخْتِيَارُهُ ) أَيْ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ ( كَالْحَوَالَةِ كَأَنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( أَحَالَ عَلَى مَوْلَاهُ ) بِالْأَرْشِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَكُونَ الْجَانِي هُوَ الْمَصْرُوفُ إلَى جِنَايَتِهِ كَمَا فِي الْعَمْدِ وَصُيِّرَ إلَى الْأَرْشِ فِي الْخَطَأِ إذَا كَانَ الْجَانِي حُرًّا لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ فَكَانَ اخْتِيَارُ الْفِدَاءِ نَقْلًا مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْعَارِضِ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ ( فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ ) الْأَرْشَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ ( عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّفْعِ ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ كَمَا فِي الْحَوَالَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَأُجِيبَ بِمَنْعٍ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْجِنَايَةِ الْخَطَأُ ذَلِكَ بَلْ الْأَرْشُ هُوَ الْأَصْلُ الثَّابِتُ فِيهَا بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } وَصُيِّرَ إلَى الدَّفْعِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلصِّلَةِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِاخْتِيَارِ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِالْإِفْلَاسِ وَقِيلَ هَذِهِ فَرْعُ اخْتِلَافِهِمْ فِي التَّفْلِيسِ فَعِنْدَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا كَانَ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْ الْمَوْلَى تَحْوِيلًا لِحَقِّ الْأَوْلِيَاءِ إلَى ذِمَّتِهِ لَا إبْطَالًا وَعِنْدَهُمَا لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وَكَانَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ تَأْوِيلًا كَانَ هَذَا الِاخْتِيَارُ مِنْ الْمَوْلَى إبْطَالًا وَلَا يُقَالُ قَدْ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ ضَمَانُ مَالٍ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فَإِنَّ الْمَهْرَ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ
بِمُقَابَلَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( وَوُجُوبُ الْمَهْرِ لَيْسَ ضَمَانًا ) إذْ لَا تَلَفَ وَلَا صِلَةَ ( بَلْ ) يَجِبُ ( عِوَضًا عَمَّا اسْتَوْفَاهُ مِنْ الْمِلْكِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ ) .
( وَأَمَّا الْمَرَضُ ) وَعَنْهُ عِبَارَاتٌ مِنْهَا مَا يَعْرِضُ الْبَدَنَ فَيُخْرِجُهُ عَنْ الِاعْتِدَالِ الْخَاصِّ وَمِنْهَا هَيْئَةٌ غَيْرُ طَبِيعِيَّةٍ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ تَكُونُ بِسَبَبِهَا الْأَفْعَالُ الطَّبِيعِيَّةُ وَالنَّفْسَانِيَّةُ وَالْحَيَوَانِيَّةُ غَيْرَ سَلِيمَةٍ ، وَبَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ يُعْرَفُ فِي فَنِّهِ ( فَلَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْحُكْمِ ) أَيْ ثُبُوتَهُ وَوُجُوبَهُ لَهُ وَعَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَوْ الْعِبَادِ ( وَالْعِبَارَةُ إذْ لَا خَلَلَ فِي الذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَالنُّطْقِ ) فَصَحَّ مِنْهُ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَارَةِ مِنْ نِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهَا ( لَكِنَّهُ ) أَيْ الْمَرَضَ ( لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَجْزِ شُرِعَتْ الْعِبَادَاتُ فِيهِ عَلَى ) قَدْرِ ( الْمُكْنَةِ ) حَتَّى شُرِعَ لَهُ الصَّلَاةُ ( قَاعِدًا ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ ( وَمُضْطَجِعًا ) إذَا عَجَزَ عَنْهُمَا ( وَلَمَّا كَانَ الْمَوْتُ عِلَّةَ الْخِلَافَةِ ) لِلْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَيَخْلُفُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ فِيهِ وَالذِّمَّةُ تَخْرَبُ بِهِ فَيَصِيرُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَشْغُولًا بِالدَّيْنِ فَيَخْلُفُهُ الْغَرِيمُ فِي الْمَالِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَرَضُ ( سَبَبُهُ ) أَيْ الْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرَادُفِ الْآلَامِ وَضَعْفِ الْقُوَى الْمُفْضِي إلَى مُفَارِقَةِ الرُّوحِ الْجَسَدَ ( كَانَ ) الْمَرَضُ ( سَبَبَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ بِمَالِهِ ) فِي الْحَالِ ( فَكَانَ ) الْمَرَضُ ( سَبَبًا لِلْحَجْرِ فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْمَالِ ( لِلْغَرِيمِ ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا ( وَ ) فِي ( الثُّلُثَيْنِ فِي الْوَرَثَةِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ ) أَيْ الْمَرَضِ ( الْمَوْتُ ) حَالَ كَوْنِ الْحَجْرِ ( مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِهِ ) أَيْ الْمَرَضِ ، إذْ الْحُكْمُ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ السَّبَبِ .
( بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتَعَلَّقَا ) أَيْ حَقُّ الْغَرِيمِ وَحَقُّ الْوَارِثِ ( بِهِ كَالنِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَتُحَاصِصُ ) الزَّوْجَةُ ( الْمُسْتَغْرِقِينَ ) أَيْ الَّذِي
اسْتَغْرَقَتْ دُيُونُهُمْ التَّرِكَةَ بِقَدْرِ مَهْرِهَا وَكَالنَّفَقَةِ وَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَتَعَلَّقُ حَاجَةُ الْمَيِّتِ بِهِ وَمَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ وَعَلَى ثُلُثَيْ مَا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ وَعَلَى ثُلُثَيْ الْجَمِيعِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ سَبَبًا لِلْحَجْرِ قَبْلَ اتِّصَالِ الْمَوْتِ بِهِ وَكَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْإِطْلَاقُ لَمْ يَثْبُتْ الْحَجْرُ بِهِ بِالشَّكِّ ( فَكُلُّ تَصَرُّفٍ ) وَاقِعٍ مِنْ الْمَرِيضِ ( يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ) كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ ( يَصِحُّ فِي الْحَالِ ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحَلِّهِ عَنْ وِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَانْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْمَانِعِ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فِي الْحَالِ بِاتِّصَالِ الْمَوْتِ بِهِ ( ثُمَّ يَفْسَخُ ) ذَلِكَ التَّصَرُّفَ ( إنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ ) أَيْ فَسْخِهِ بِأَنْ مَاتَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْحَجْرَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَيَظْهَرُ أَنَّ تَصَرُّفَهُ تَصَرُّفُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ( وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ وَكُلُّ تَصَرُّفٍ وَاقِعٍ مِنْ الْمَرِيضِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ( كَالْإِعْتَاقِ الْوَاقِعِ عَلَى حَقِّ غَرِيمٍ بِأَنْ يَعْتِقَ الْمَرِيضُ الْمُسْتَغْرِقُ ) دَيْنُهُ تَرِكَتَهُ عَبْدًا مِنْهَا ( أَوْ ) الْوَاقِعِ ( عَلَى حَقِّ وَارِثٍ كَإِعْتَاقِ عَبْدٍ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَى الثُّلُثِ يَصِيرُ ) الْعِتْقُ ( كَالْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ ) أَيْ كَالتَّدْبِيرِ حَتَّى كَانَ عَبْدًا فِي شَهَادَتِهِ وَسَائِرِ أَحْكَامِهِ مَا دَامَ مَوْلَاهُ مَرِيضًا وَإِذَا مَاتَ ( فَلَا يَنْقُضُ وَيَسْعَى ) الْعَبْدُ لِلْغَرِيمِ ( فِي كُلِّهِ ) أَيْ مِقْدَارِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ ( أَوْ ) يَسْعَى ( فِي ثُلُثَيْهِ ) لِلْوَارِثِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ، وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ ( أَوْ أَقَلَّ كَالسُّدُسِ إذَا سَاوَى ) الْعَبْدُ ( النِّصْفَ ) أَيْ نِصْفَ التَّرِكَةِ ، وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ
مِنْ الثُّلُثِ نَفَذَ فِي الْحَالِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ .
( بِخِلَافِ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ ) الْعَبْدَ الرَّهْنَ ( يَنْفُذُ ) عِتْقُهُ لِلْحَالِ مَعَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ( لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْيَدِ لَا الرَّقَبَةِ فَلَا يُلَاقِيهِ ) أَيْ الْعِتْقُ حَقَّهُ ( قَصْدًا ) وَحَقُّ الْغَرِيمِ وَالْوَارِثِ فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَصِحَّةِ الْإِعْتَاقِ يُبْتَنَى عَلَيْهَا لَا عَلَى مِلْكِ الْيَدِ وَلِذَا صَحَّ إعْتَاقُ الْآبِقِ مَعَ زَوَالِ الْيَدِ عَنْهُ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ ( فَإِنْ كَانَ ) الرَّاهِنُ ( غَنِيًّا فَلَا سِعَايَةَ ) عَلَى الْعَبْدِ لِعَدَمِ تَعَذُّرِ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْ الرَّاهِنِ وَهُوَ الْأَدَاءُ إنْ كَانَ حَالًّا أَوْ قِيمَةُ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مُؤَجَّلًا ( وَإِنْ ) كَانَ الرَّاهِنُ ( فَقِيرًا سَعَى ) الْعَبْدُ لِلْمُرْتَهِنِ ( فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) لِتَعَذُّرِ أَخْذِ الْحَقِّ مِنْ الرَّاهِنِ فَيُؤْخَذُ مِمَّنْ حَصَلَتْ لَهُ فَائِدَةُ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ ثُمَّ إنَّمَا سَعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ فَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ ( وَيَرْجِعُ ) الْعَبْدُ ( عَلَى مَوْلَاهُ عِنْدَ غِنَاهُ ) بِمَا أَدَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ اُضْطُرَّ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ ( فَمُعْتَقُ الرَّاهِنِ حُرٌّ مَدْيُونٌ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ السِّعَايَةِ وَمُعْتَقُ الْمَرِيضِ الْمُسْتَغْرِقِ كَالْمَكَاتِبِ ) وَالْأَوَّلُ كَالْمُدَبَّرِ كَمَا ذَكَرْنَا ( فَلَا تُقْبَلُ ) شَهَادَتُهُ قَبْلَ السِّعَايَةِ ( وَقَدْ أَدْمَجُوا ) أَيْ أَدْرَجَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْكَلَامِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْآفَةِ الْعَارِضَةِ ( فَرْعًا مَحْضًا ) وَهُوَ ( لَمَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ ) بِالسُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي النَّسْخِ ( بَطَلَتْ ) مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً ( صُورَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً مَعْنًى ( حَتَّى لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ عَيْنًا بِمِثْلِ قِيمَتِهِ ) فَصَاعِدًا ( مِنْهُ ) أَيْ الْوَارِثِ ( لَا يَجُوزُ لِتَعَلُّقِ
حَقِّ كُلِّهِمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ ( بِالصُّورَةِ كَمَا بِالْمَعْنَى ) حَتَّى لَا يَجُوزَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ لِنَفْسِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ التَّرِكَةَ وَيُعْطِيَ الْبَاقِينَ الْقِيمَةَ وَلِلنَّاسِ مُنَافَسَاتٌ فِي صُوَرِ الْأَشْيَاءِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَعَانِيهَا فَكَانَ إيثَارُهُ الْبَعْضَ بِعَيْنٍ مِنْهَا بَيْعًا مِنْهُ إيصَاءً لَهُ بِهِ صُورَةً لَا مَعْنًى لِكَوْنِهِ مُقَابَلًا بِالْعِوَضِ .
( خِلَافًا لَهُمَا بِخِلَافِ بَيْعِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ ) حَيْثُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذْ لَا حَجْرَ عَلَى الْمَرِيضِ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فِيمَا لَا يُخِلُّ بِالثُّلُثَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ تَعْلِيلُهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّهُمْ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ كَمَا لَوْ بَاعَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ( وَمَعْنًى ) أَيْ وَبَطَلَتْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً مَعْنًى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً صُورَةً ( بِأَنْ يُقِرَّ لِأَحَدِهِمْ بِمَالٍ ) لِسَلَامَةِ الْمَالِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ وَانْتِفَاءُ الصُّورَةِ ظَاهِرٌ ( وَشُبْهَةً ) أَيْ وَبَطَلَتْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا وَصِيَّةً مِنْ حَيْثُ الشُّبْهَةُ ( بِأَنْ بَاعَ ) الْوَارِثُ ( الْجَيِّدَ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِرَدِيءٍ مِنْهَا ) مُجَانِسٍ لِلْمَبِيعِ كَالْفِضَّةِ الْجَيِّدَةِ بِالْفِضَّةِ الرَّدِيئَةِ ( لِتَقَوُّمِ الْجَوْدَةِ فِي التُّهْمَةِ كَمَا فِي بَيْعِ الْوَلِيِّ مَالَ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ ) أَيْ الْجَيِّدِ مِنْهَا بِالرَّدِيءِ الْمُجَانِسِ لِلْجَيِّدِ ( مِنْ نَفْسِهِ ) فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الْوَصِيَّةِ بِالْجَوْدَةِ ؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ خِلَافِ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ إيصَالُ مَنْفَعَةِ الْجَوْدَةِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَتُقُوِّمَتْ فِي حَقِّهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَاقِينَ فِي الْبَيْعِ مِنْ الْوَارِثِ وَعَنْ الصِّغَارِ فِي بَيْعِ الْوَلِيِّ مِنْ نَفْسِهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ بَاعَ الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ
الْجَوْدَةُ مُعْتَبَرَةً لَجَازَ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ .
( وَلِذَا ) أَيْ وَلِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ شُبْهَةً ( لَمْ يَصِحّ إقْرَارُهُ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ الْوَارِثِ وَإِنْ لَزِمَهُ ) أَيْ الدَّيْنُ الْوَارِثَ ( فِي صِحَّتِهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( وَهِيَ ) أَيْ صِحَّتُهُ ( حَالَ عَدَمِ التُّهْمَةِ فَكَيْفَ بِهِ ) أَيْ بِالْإِقْرَارِ بِاسْتِيفَائِهِ ( إذَا ثَبَتَ ) لُزُومُهُ لِلْوَارِثِ ( فِي الْمَرَضِ ) وَهُوَ حَالَةُ التُّهْمَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالِاسْتِيفَاءِ فِي الْمَرَضِ كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُصَادِفُ مَحَلًّا مَشْغُولًا بِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ كَانَ لَهُ عَلَى الْوَارِثِ حَالَ الصِّحَّةِ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَمَّا عَامَلَهُ فِي الصِّحَّةِ اسْتَحَقَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ عِنْدَ إقْرَارِهِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَرَضِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَأَقَرَّ بِاسْتِيفَائِهِ فِي مَرَضِهِ كَانَ صَحِيحًا فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَرَضِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ بَلْ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ دَيْنِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يُصَادِفْ إقْرَارُهُ مَحَلًّا تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِهِ .
( وَأَمَّا الْحَيْضُ ) وَهُوَ عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ خَبَثُ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ وَحَدَثُ مَانِعِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ .
( وَالنِّفَاسُ ) وَهُوَ الدَّمُ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَيْضِ هَذَا عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ خَبَثٌ وَأَمَّا عَلَى أَنَّ مُسَمَّاهُ حَدَثٌ فَمَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ أَوْ الْوِلَادَةِ عَمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ إلَخْ ( فَلَا يُسْقِطَانِ أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ وَلَا الْأَدَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُخِلَّانِ بِالذِّمَّةِ وَالْعَقْلِ وَقُدْرَةِ الْبَدَنِ ( إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْهُمَا شَرْطُ ) أَدَاءِ ( الصَّلَاةِ ) بِالسُّنَّةِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ، وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا } وَبِالْإِجْمَاعِ ( عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ ) لِكَوْنِهِمَا مِنْ الْأَنْجَاسِ أَوْ الْأَحْدَاثِ وَالطَّهَارَةُ مِنْهُمَا شَرْطٌ لَهَا ( وَ ) شَرْطُ أَدَاءِ ( الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ لِتَأَدِّيهِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ( ثُمَّ انْتَفَى وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ ) عَلَيْهِمَا ( لِلْحَرَجِ ) لِدُخُولِهَا فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ؛ لِأَنَّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ كَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُدَّةُ النِّفَاسِ فِي الْعَادَةِ أَكْثَرُ مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا ( دُونَ الصَّوْمِ ) فَإِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِ وُجُوبُ قَضَائِهِ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْحَرَجِ ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ وَالنِّفَاسُ
يَنْدُرُ فِيهِ ( كَمَا مَرَّ ) فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَلِعَدَمِ حُكْمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ لِانْتِفَاءِ الْأَدَاءِ شَرْعًا وَالْقَضَاءُ لِلْحَرَجِ وَالتَّكْلِيفُ لِلرَّحْمَةِ وَالْحَرَجُ طَرِيقُ التَّرْكِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ ابْتِدَاؤُهُمَا فِيهِ فَضْلًا بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَيَثْبُتُ لِفَائِدَةِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ وَيَشْهَدُ لَهُمَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ يَعْنِي الْحَيْضَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ } وَعَلَيْهِمَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ ثُمَّ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ ( فَانْتَفَى ) وُجُوبُ أَدَاءِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا فِي حَالَتَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ .
( أَوَّلًا ) فِيهِ ( خِلَافٌ ) بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقِيلَ يَجِبُ وَنَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءُ لِتَحَقُّقِ الْأَهْلِيَّةِ وَالسَّبَبِ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُمَا فَكَانَ الْمَأْتِيُّ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَذَكَرَ مُتَأَخِّرٌ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَشُهُودُ الشَّهْرِ مُوجِبٌ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْعُذْرِ لَا مُطْلَقًا وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ هُنَا شُهُودُ الشَّهْرِ وَقَدْ تَحَقَّقَ لَا عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَإِلَّا لَمَا وَجَبَ قَضَاءُ الظُّهْرِ مَثَلًا عَلَى مَنْ نَامَ جَمِيعَ وَقْتِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فِي حَقِّهِ هَذَا عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ بِمَا بِهِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَأَظْهَرُ إذْ لَا يَسْتَدْعِي وُجُوبًا سَابِقًا فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَأَوْرَدَ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِعَدَمِ اسْتِدْرَاكِ مَا فَاتَ مِنْ الْوُجُوبِ وَأُجِيبَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ انْحَصَرَ مُوجِبُ التَّسْمِيَةِ فِيمَا ذَكَرْتُمْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ قَضَاءً لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ مَا انْعَقَدَ سَبَبُ
وُجُوبِهِ ، وَلَمْ يَجِبْ لِمَانِعٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالِانْتِفَاءُ أَقْيَسُ ) بَلْ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ حَالَةَ الْحَيْضِ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا مَأْمُورًا بِهِ لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَمِنْ هُنَا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ الْخُلْفُ لَفْظِيٌّ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّوْمِ حَالَةَ الْعُذْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَالْقَضَاءُ بَعْدَ زَوَالِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الذَّخَائِرِ فِيمَا إذَا قُلْنَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فِي النِّيَّةِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ عَلَيْهَا نَوَتْ الْقَضَاءَ وَإِلَّا نَوَتْ الْأَدَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا الْمَوْتُ ) وَعَزَى إلَى أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْحَيَاةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ } وَإِلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مِنْ شَأْنِهِ وَأَنَّ الْخَلْقَ فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِعَدَمٍ مَحْضٍ وَلَا فَنَاءٍ صِرْفٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ انْقِطَاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَمُفَارَقَتُهُ وَتَبَدُّلُ حَالٍ وَانْتِقَالٌ مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ ( فَيَسْقُطُ بِهِ ) عَنْ الْمَيِّتِ ( الْأَحْكَامُ الْأُخْرَوِيَّةُ ) وَهَذَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الدُّنْيَوِيَّةِ ( التَّكْلِيفِيَّةُ كَالزَّكَاةِ ) وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ ( وَغَيْرِهَا ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ يَعْتَمِدُ الْقُدْرَةَ وَلَا عَجْزَ فَوْقَ الْعَجْزِ بِالْمَوْتِ ( إلَّا الْإِثْمَ ) بِسَبَبِ تَقْصِيرِهِ فِي فِعْلِهِ حَالَ حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالْمَيِّتُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْيَاءِ فِيهَا ( وَمَا شُرِعَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( لِحَاجَةِ غَيْرِهِ ، فَإِنْ ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ ( حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِعَيْنٍ بَقِيَ ) ذَلِكَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ ( بِبَقَائِهَا ) أَيْ تِلْكَ الْعَيْنِ ( كَالْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعِ وَالْغُصُوبِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ ( لِصَاحِبِهِ لَا الْفِعْلِ وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ حُصُولَ الشَّيْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ حَقِّهِ ( لَوْ ظَفَرَ بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الشَّيْءِ صَاحِبُهُ كَانَ ( لَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ الْعِبَادَاتِ ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّكْلِيفِ بِهَا فِعْلُهَا عَنْ اخْتِيَارٍ وَقَدْ فَاتَ الِاخْتِيَارُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَبْقَى التَّكْلِيفُ بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعِبَادَاتِ هَذَا ( لَوْ ظَفَرَ الْفَقِيرُ بِمَالِ الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا تَسْقُطُ ) الزَّكَاةُ عَنْ مَالِكِهِ ( بِهِ ) أَيْ بِأَخْذِهِ الْمَذْكُورِ لِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ ( وَإِنْ ) كَانَ ذَلِكَ الْمَشْرُوعُ ( دَيْنًا لَمْ يَبْقَ بِمُجَرَّدِ الذِّمَّةِ
لِضَعْفِهَا بِالْمَوْتِ فَوْقَهُ ) أَيْ فَوْقَ ضَعْفِهَا ( بِالرِّقِّ ) فَإِنَّهُ يُرْجَى زَوَالُهُ بِالْإِعْتَاقِ غَالِبًا ؛ لِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْمَوْتُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ عَادَةً ( بَلْ ) إنَّمَا يَبْقَى ( إذَا قَوِيَتْ ) ذِمَّتُهُ ( بِمَالٍ ) تَرَكَهُ ( أَوْ كَفِيلٍ ) بِهِ ( قَبْلَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ مَحَلُّ الِاسْتِيفَاءِ ) الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْوُجُوبِ ( وَذِمَّةُ الْكَفِيلِ تُقَوِّي ذِمَّةَ الْمَيِّتِ ) .
؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالٌ ) بِأَنْ مَاتَ مُفْلِسًا وَلَا كَفِيلَ بِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ ( لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ ) أَيْ بِمَا عَلَى الْمَيِّتِ ( لِانْتِقَالِهِ ) أَيْ مَا عَلَى الْمَيِّتِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْأُولَى لِسُقُوطِهِ عَنْ ذِمَّتِهِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْتِ لِخُرُوجِهَا بِهِ عَنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لَهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْكَفَالَةَ ( الْتِزَامُ الْمُطَالَبَةِ ) بِمَا يُطَالِبُ بِهِ الْأَصِيلُ ( لَا تَحْوِيلُ الدَّيْنِ ) عَنْ الْأَصِيلِ إلَى الْكَفِيلِ ( وَلَا مُطَالَبَةَ ) لِلْأَصِيلِ ( فَلَا الْتِزَامَ ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ الْتِزَامُهَا ( بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالدَّيْنِ تَصِحُّ ) الْكَفَالَةُ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الدَّيْنِ ( لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَائِمَةٌ ) لِكَوْنِهِ حَيًّا مُكَلَّفًا وَالْمُطَالَبَةُ ثَابِتَةٌ ، إذْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَوْلَى فَيُطَالِبَ فِي الْحَالِ أَوْ يَعْتِقَهُ فَيُطَالِبَ بَعْدَهُ فَصَحَّ الْتِزَامُهَا بِالْكَفَالَةِ وَإِذَا صَحَّتْ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ فِي الْحَالِ وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ غَيْرَ مُطَالَبٍ بِهِ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَنْ الْأَصِيلِ لِعُذْرِ عَدَمٍ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ كَمَنْ كَفَلَ دَيْنًا عَلَى مُفْلِسٍ حَيٍّ يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ ، فَإِنْ قِيلَ ضَمُّ مَالِيَّةِ رَقَبَتِهِ إلَى ذِمَّتِهِ لِاحْتِمَالِ الدَّيْنِ يَقْتَضِي كَوْنَهَا غَيْرَ كَامِلَةٍ وَإِلَّا لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْحُرِّ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ ( وَإِنَّمَا انْضَمَّ إلَيْهَا ) أَيْ إلَى ذِمَّتِهِ (
مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ فِيمَا ظَهَرَ ) وَالْأَوْلَى إذَا ظَهَرَ الدَّيْنُ ( فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِيُبَاعَ نَظَرًا لِلْغُرَمَاءِ ) أَيْ لِيُمْكِنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ مَالِيَّتِهَا الَّتِي هِيَ حَقُّ الْمَوْلَى لَا ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ غَيْرُ كَامِلَةٍ .
( وَتَصِحُّ ) الْكَفَالَةُ الْمَذْكُورَةُ ( عِنْدَهُمَا ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بَلْ عَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ( لِأَنَّ بِالْمَوْتِ لَا يَبْرَأُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ مُبَرِّئًا لِلْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَمُبْطِلًا لَهَا ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مُبَرِّئٍ مِنْهَا ( يُطَالَبُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ إجْمَاعًا وَفِي الدُّنْيَا إذَا ظَهَرَ مَالٌ وَلَوْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ عَنْ الْمَيِّتِ ) بِأَدَاءِ الدَّيْنِ ( حَلَّ أَخْذُهُ وَلَوْ بَرِئَتْ ) ذِمَّتُهُ مِنْهُ بِالْمَوْتِ ( لَمْ يَحِلَّ ) أَخْذُهُ ( وَالْعَجْزُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ ) لِلْمَيِّتِ ( لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمَيِّتِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهَا ) أَيْ الْكَفَالَةِ عَنْهُ بِهِ ( كَكَوْنِهِ ) أَيْ الْأَصِيلِ ( مُفْلِسًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ) جَابِرٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأُتِيَ بِمَيِّتٍ فَقَالَ أَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا نَعَمْ دِينَارَانِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ( وَالْجَوَابُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْحَدِيثِ ( بِاحْتِمَالِهِ ) أَيْ قَوْلِهِ هُمَا عَلَيَّ ( الْعِدَّةُ ) بِوَفَائِهِمَا ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ لِلْعِدَةِ ( الظَّاهِرُ إذْ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ ) بِلَا خِلَافٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ كَانَ مَجْهُولًا وَإِلَّا لَذُكِرَ قُلْت وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِلْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ { فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ عَلَيْك وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهَا بَرِيءٌ فَقَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ } وَعَلَى هَذَا
فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ عَلِمَ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ حِينَ كَفَلَهَا .
وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ هُمَا عَلَيَّ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْإِنْشَاءِ لِلْكَفَالَةِ وَالْإِقْرَارِ بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ ، وَهِيَ وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ قُلْت وَيُعَكِّرُهُ مَا فِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ لِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ { فَتَحَمَّلَهُمَا أَبُو قَتَادَةَ فَأَتَيْنَاهُ فَقَالَ الدِّينَارَانِ عَلَيَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَوْفَى اللَّهُ الْغَرِيمَ وَبَرِيءَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ } وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ مِنْ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ { ثُمَّ أُتِيَ بِثَالِثَةٍ أَيْ بِجِنَازَةٍ ثَالِثَةٍ فَقَالُوا صَلِّ عَلَيْهَا قَالَ هَلْ تَرَكَ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَالُوا ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ .
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ } ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ يُقَوِّي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَمِنْ ثَمَّةَ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ( وَالْمُطَالَبَةُ فِي الْآخِرَةِ رَاجِعَةٌ إلَى الْإِثْمِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى بَقَاءِ الذِّمَّةِ فَضْلًا عَنْ قُوَّتِهَا وَبِظُهُورِ الْمَالِ تَقَوَّتْ بَلْ ) كَانَتْ قَوِيَّةً حِين عُقِدَتْ الْكَفَالَةُ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَالُ وَلَكِنْ كَانَتْ قُوَّتُهَا خَفِيَّةً فَلَمَّا ظَهَرَ الْمَالُ ( ظَهَرَ قُوَّتُهَا وَهُوَ ) أَيْ تَقَوِّيهَا ( الشَّرْطُ ) لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ عَنْهَا ( حَتَّى لَوْ تَقَوَّتْ بِلُحُوقِ دَيْنٍ بَعْدَ الْمَوْتِ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ ( بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عَلَى الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ ) وَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ بِهَا أَيْ بِالْبِئْرِ ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعِيَّةٌ ( حَيَوَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ الْحَافِرِ ( فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الدَّيْنُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ السَّبَبِ الْحَفْرِ الثَّابِتِ حَالَ
قِيَامِ الذِّمَّةِ ) الصَّالِحَةِ لِلْوُجُوبِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْنِي الْحَيَاةَ ( وَالْمُسْتَنِدُ يَثْبُتُ أَوَّلًا فِي الْحَالِ ) ثُمَّ يَسْتَنِدُ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ ثُبُوتُهُ فِي الْحَالِ ( اعْتِبَارُ قُوَّتِهَا حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ ثُبُوتِهَا ( بِهِ ) أَيْ بِالدَّيْنِ اللَّاحِقِ ( وَصِحَّةُ التَّبَرُّعِ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ ) الدَّيْنُ .
( وَإِنْ كَانَ سَاقِطًا فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ وَالسُّقُوطُ بِالْمَوْتِ لِضَرُورَةِ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيَتَقَدَّرُ ) السُّقُوطُ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ فَوْتِ الْمَحَلِّ ( فَيَظْهَرُ ) السُّقُوطُ ( فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ لَا ) فِي حَقِّ ( مَنْ لَهُ وَإِنْ كَانَ ) الْمَشْرُوعُ عَلَيْهِ مَشْرُوعًا ( بِطَرِيقِ الصِّلَةِ لِلْغَيْرِ كَنَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ سَقَطَتْ ) هَذِهِ الصِّلَاتُ بِالْمَوْتِ ( لِأَنَّ الْمَوْتَ فَوْقَ الرِّقِّ ) فِي تَأْثِيرِ ضَعْفِ الذِّمَّةِ ( وَلَا صِلَةَ وَاجِبَةٌ مَعَهُ ) أَيْ الرِّقِّ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( إلَّا أَنْ يُوصَى بِهِ ) أَيْ بِالْمَشْرُوعِ صِلَةً ( فَيُعْتَبَرُ كَغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ هَذَا الْمَشْرُوعِ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ ( مِنْ الثُّلُثِ ) لِتَصْحِيحِ الشَّارِعِ ذَلِكَ مِنْهُ نَظَرًا لَهُ ( وَأَمَّا مَا شُرِعَ لَهُ ) أَيْ لِلْمَيِّتِ ( فَيَبْقَى مِمَّا لَهُ ) أَيْ لِلْمَيِّتِ ( إلَيْهِ حَاجَةٌ قَدْرَ مَا تَنْدَفِعُ ) الْحَاجَةُ ( بِهِ عَلَى مِلْكِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَبْقَى وَقَوْلُهُ ( مِنْ التَّرِكَةِ ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مِمَّا لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا ( دَيْنًا ) أَيْ إيفَاءً لَهُ ( وَوَصِيَّةً ) أَيْ تَنْفِيذًا لَهَا مِنْ الثُّلُثِ ( وَجِهَازًا ) أَيْ وَتَجْهِيزًا لَهُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ بِالْمَعْرُوفِ ( وَيُقَدَّمُ ) التَّجْهِيزُ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُمَا بِالْإِجْمَاعِ ( إلَّا فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْعَبْدِ الْجَانِي فَفِي هَذِهِ ) الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا ( صَاحِبُ الْحَقِّ أَحَقُّ بِالْعَيْنِ ) مِنْ تَجْهِيزِهِ لِتَأْكِيدِ تَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالْعَيْنِ وَتَقَدَّمَ الدَّيْنُ عَلَى الْوَصِيَّةِ
بِالْإِجْمَاعِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِبَقَاءِ مَالِهِ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ ( بَقِيَتْ الْكِتَابَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ ) أَيْ الْمَوْلَى ( إلَى ثَوَابِ الْعِتْقِ ) فَفِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ } ( وَحُصُولُ الْوَلَاءِ ) الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ } وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي هِيَ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ حَاصِلَةٌ فِي عَوْدِ الْمُكَاتَبِ إلَى الرِّقِّ .
( وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ عَنْ وَفَاءٍ ) لِلْكِتَابَةِ ( لِحَاجَتِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ ( إلَى الْمَالِكِيَّةِ ) لِلْأَمْوَالِ ( الَّتِي عَقَدَ لَهَا ) عَقْدَ الْكِتَابَةِ ( وَحُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ فِي حَالِهَا ) أَيْ الْكِتَابَةِ وُلِدُوا فِيهَا أَوْ اشْتَرَاهُمْ فِيهَا بَلْ حَاجَتُهُ إلَى بَقَائِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ نَيْلِ شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ بِدَفْعِ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ مِنْ آثَارِ الْكُفْرِ عَنْهُ وَعَنْ أَوْلَادِهِ أَوْلَى مِنْ حَاجَةِ الْمَوْلَى ( فَيَعْتِقُ ) الْمُكَاتَبُ ( فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ يَثْبُتُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِنَادِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْعِتْقِ الْمُقَرَّرِ لَهَا إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ ( دُونَ الْمَمْلُوكِيَّةِ إذْ لَا حَاجَةَ ) لَهُ إلَيْهَا ( إلَّا ضَرُورَةُ بَقَاءِ مِلْكِ الْيَدِ ) وَمَحَلِّيَّةُ التَّصَرُّفِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ ( لِيُمْكِنَ الْأَدَاءُ فَبَقَاؤُهَا ) أَيْ الْكِتَابَةِ ( كَوْنُ سَلَامَةِ الْأَكْسَابِ قَائِمَةً وَثُبُوتُ حُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ عِنْدَ دَفْعِ وَرَثَتِهِ ) أَيْ الْمُكَاتَبِ مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْلَى ( وَثُبُوتُ عِتْقِهِ ) أَيْ نُفُوذُ الْعِتْقِ فِي الْمُكَاتَبِ ( شَرْطٌ ذَلِكَ ) وَالْوَجْهُ لِذَلِكَ أَيْ لِعِتْقِهِ ( ضِمْنِيٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْأَهْلِيَّةُ لِمِلْكِ الْمَغْصُوبِ ) لِمَا ثَبَتَ شَرْطًا لِمِلْكِ الْبَدَلِ يَثْبُتُ ( عِنْدَ )
أَدَاءِ ( الْبَدَلِ ) مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ حَالَ أَدَاءِ الْبَدَلِ هَالِكًا ( وَمَعَ بَقَائِهَا ) أَيْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ إلَى الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةٌ ( يَثْبُتُ الْإِرْثُ ) لِوَارِثِهِ مِنْهُ ( نَظَرًا لَهُ ) أَيْ لِلْمَيِّتِ ( إذْ هُوَ ) أَيْ الْإِرْثُ ( خِلَافُهُ لِقَرَابَتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ ) فِيمَا يَتْرُكُهُ إقَامَةً مِنْ الشَّارِعِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُقَامَهُ لِيَكُونَ انْتِفَاعُهُمْ بِمِلْكِهِ كَانْتِفَاعِهِ بِنَفْسِهِ بِهِ .
( وَلِكَوْنِهِ ) أَيْ الْمَوْتِ ( سَبَبَ الْخِلَافَةِ خَالَفَ التَّعْلِيقَ ) لِلْعِتْقِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْتِ ( عَلَى ) الْمَعْنَى ( الْأَعَمِّ ) لِلتَّعْلِيقِ ( مِنْ الْإِضَافَةِ ) وَالتَّعْلِيقُ بِالْمَعْنَى الْأَخَصِّ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ عَلَى مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُقُوعِ وَالْمَعْنَى الْأَعَمُّ لَهُ هُوَ تَأْخِيرُ الْحُكْمِ عَنْ زَمَانِ الْإِيجَابِ لِمَانِعٍ مِنْهُ وَقْتَئِذٍ مُقْتَرِنٍ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى ( غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ التَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِغَيْرِ الْمَوْتِ ( فَصَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْتِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَعْلِيقُهُ بِهِ ( مَعْنَى الْوَصِيَّةِ ) ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْتِ ( وَهُوَ ) أَيْ لُزُومُهُ ( مَعْنَى التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ ) وَهُوَ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا قَالَ فَصَحَّ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ وَلَزِمَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَبِالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ لِلُزُومِهِ وَصَحَّ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ( فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَفِ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ )
وَأَحْمَدَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّدْبِيرَ الْمُطْلَقَ ( وَصِيَّةٌ وَالْبَيْعُ رُجُوعٌ ) عَنْهَا وَالرُّجُوعُ عَنْهَا جَائِزٌ ( وَالْحَنَفِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُ ) أَيْ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ ( وَبَيْنَ سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِالْمَوْتِ بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّدْبِيرَ ( لِلتَّمْلِيكِ ) أَيْ تَمْلِيكِهِ رَقَبَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ ( وَالْإِضَافَةُ ) لِلتَّمْلِيكِ ( إلَى زَمَانِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ لَا تَصِحُّ وَصَحَّتْ ) سَائِرُ التَّعْلِيقَاتِ بِالْمَوْتِ وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ .
( فَعُلِمَ اعْتِبَارُهُ ) أَيْ الْمُعَلَّقِ بِالْمَوْتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ ( سَبَبًا لِلْحَالِ شَرْعًا وَإِذَا كَانَ أَنْتَ حُرٌّ سَبَبًا لِلْعِتْقِ لِلْحَالِ وَهُوَ ) أَيْ الْعِتْقُ ( تَصَرُّفٌ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ثَبَتَ بِهِ ) أَيْ بِأَنْتَ حُرٌّ ( حَقُّ الْعِتْقِ ) لِلسَّبَبِيَّةِ الْقَائِمَةِ لِلْحَالِ ( وَهُوَ ) أَيْ حَقُّ الْعِتْقِ ( كَحَقِيقَتِهِ ) أَيْ الْعِتْقِ ( كَأُمِّ الْوَلَدِ ) فَإِنَّهَا اسْتَحَقَّتْ لِسَبَبِ الِاسْتِيلَادِ حَقَّ الْعِتْقِ لِلْحَالِ بِالِاتِّفَاقِ ( إلَّا فِي سُقُوطِ التَّقَوُّمِ فَإِنَّهَا ) أَيْ أُمَّ الْوَلَدِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( لَا تَضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَلَا بِإِعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْهَا ) بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ ( لِمَا عُرِفَ ) فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْفُرُوعِ وَهُوَ أَنَّ التَّقَوُّمَ بِإِحْرَازِ الْمَالِيَّةِ وَهُوَ أَصْلٌ فِي الْأَمَةِ وَالتَّمَتُّعُ بِهَا تَبَعٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمُدَبَّرِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَ هَذَا الْأَصْلِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّهَا لَمَّا اسْتَفْرَشَتْ وَاسْتَوْلَدَتْ صَارَتْ مُحْرِزَةً لِلْمَالِيَّةِ وَصَارَتْ الْمَالِيَّةُ تَبَعًا فَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا وَعِنْدَهُمَا مُتَقَوِّمَةٌ كَالْمُدَبَّرِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَ يَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ وَأَمُّ الْوَلَدِ لَا تَسْعَى ؛ لِأَنَّهَا مَصْرُوفَةٌ إلَى الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِمْ وَالتَّدْبِيرُ لَيْسَ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا ( وَلِذَا ) أَيْ بَقَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ
الْمَوْتِ بِقَدْرِ مَا يَنْقَضِي بِهِ حَاجَةُ الْمَيِّتِ ( قُلْنَا الْمَرْأَةُ تَغْسِلُ زَوْجَهَا لِمِلْكِهِ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ ) ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ فِي حُكْمِ الْقَائِمِ مَا لَمْ يَنْتَقِضْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَرَثَةِ فَيَتَوَقَّفُ زَوَالُهُ عَلَى انْقِضَائِهَا ( وَحَاجَتُهُ ) إلَيْهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْغُسْلَ مِنْ الْخِدْمَةِ ، وَهِيَ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ لَوَازِمِهَا وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا غَسَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا نِسَاؤُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ .
( وَأَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِحَاجَتِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فَالْقِصَاصُ ) فَإِنَّهُ شُرِعَ ( لِدَرْكِ الثَّأْرِ ) وَالتَّشَفِّي ( وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ لَا الْمَيِّتُ ثُمَّ الْجِنَايَةُ ) بِقَتْلِهِ ( وَقَعَتْ عَلَى حَقِّهِمْ لِانْتِفَاعِهِمْ بِحَيَاتِهِ ) بِالِاسْتِئْنَاسِ بِهِ وَالِانْتِصَارِ بِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( وَحَقُّهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( أَيْضًا بَلْ أَوْلَى ) لِانْتِفَاعِهِ بِحَيَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ انْتِفَاعِهِمْ إلَّا أَنَّهُ خَرَجَ عِنْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ فَيَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْوَرَثَةِ الْقَائِمِينَ مُقَامَهُ خِلَافَةً عَنْهُ كَمَا يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ ابْتِدَاءً عِنْدَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ خِلَافَةً عَنْ الْوَكِيلِ فَالسَّبَبُ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ وَالْحَقُّ وَجَبَ لِلْوَرَثَةِ ( فَصَحَّ عَفْوُهُ ) رِعَايَةً لِجَانِبِ السَّبَبِ ( وَعَفْوُهُمْ قَبْلَ الْمَوْتِ ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَاجِبِ مَعَ أَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَجِبُ تَصْحِيحُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لَا سِيَّمَا إسْقَاطُ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ إسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ ( فَكَانَ ) الْقِصَاصُ ( ثَابِتًا ابْتِدَاءً لِلْكُلِّ وَعَنْهُ ) أَيْ كَوْنُ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ ابْتِدَاءً ( قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُوَرَّثُ
الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مَوْقُوفٌ عَلَى الثُّبُوتِ لِلْمُوَرِّثِ ثُمَّ النَّقْلِ عَنْهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ ( فَلَا يَنْتَصِبُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْبَقِيَّةِ ) فِي طَلَبِ الْقِصَاصِ ( حَتَّى تُعَادَ بَيِّنَةُ الْحَاضِرِ ) عَلَى الْقِصَاصِ ( عِنْدَ حُضُورِ الْغَائِبِ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ كَالْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ الثُّبُوتُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمْ ثُبُوتًا فِي حَقِّ الْبَاقِينَ .
( وَعِنْدَهُمَا يُوَرَّثُ ) الْقِصَاصُ ( لِأَنَّ خَلَفَهُ ) أَيْ الْقِصَاصَ مِنْ الْمَالِ ( مَوْرُوثٌ إجْمَاعًا وَلَا يُخَالِفُ ) الْخَلَفُ ( الْأَصْلَ وَالْجَوَابُ أَنَّ ثُبُوتَهُ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( حَقًّا لَهُمْ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( لِحَاجَتِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فَإِذَا صَارَ ) الْقِصَاصُ ( مَالًا ) بِالصُّلْحِ أَوْ عَفْوِ الْبَعْضِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَالُ ( يَصْلُحُ لِحَوَائِجِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ مِنْ التَّجْهِيزِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ زَالَ الْمَانِعُ وَارْتَفَعَتْ الضَّرُورَةُ فَقُلْنَا ( رَجَعَ ) الْخَلَفُ ( إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ الْأَصْلُ ) بِهَذَا الْقَتْلِ كَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ ( فَيَثْبُتُ لِوَرَثَتِهِ الْفَاضِلُ عَنْهَا ) أَيْ حَوَائِجُهُ خِلَافَةً لَا أَصَالَةً وَالْخَلَفُ قَدْ يُفَارِقُ الْأَصْلَ عِنْدِ اخْتِلَافِ الْحَالِ كَالتَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِنَفْسِهِ وَالتُّرَابُ لَا فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَحْكَامِ الدُّنْيَا ، وَهِيَ سِتَّةٌ ( وَأَحْكَامُ الْآخِرَةِ كُلُّهَا ) ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ مِنْ حَقٍّ رَاجِعٍ إلَى النَّفْسِ أَوْ الْعِرْضِ أَوْ الْمَالِ وَمَا يَجِبُ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ مِنْ حَقٍّ كَذَلِكَ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ عِقَابٍ وَمَا يَلْقَاهُ مِنْ ثَوَابٍ ( ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِ ) وَالْقَبْرُ لَهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْإِحْيَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ كَالْبَطْنِ لِلْجَنِينِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ } وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَحْوَالِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارِ مَا فِيهِ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْبَصَائِرِ وَالْأَبْصَارِ وَكَيْفَ لَا وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ الْمَهَالِكِ وَأَخَذَ بِنَوَاصِينَا إلَى سُلُوكِ أَسْلَمِ الطُّرُقِ وَالْمَسَالِكِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى رِضَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ .
( النَّوْعُ الثَّانِي الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَمِنْ الْأُولَى ) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ ( السُّكْرُ ) وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي حَدِّهِ ( وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا ، فَإِنْ كَانَ طَرِيقُهُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ ) ، وَهِيَ الَّتِي مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَلَمْ يَشْرُطَا قَذْفَهُ بِالزَّبَدِ لِإِسَاغَةِ لُقْمَةٍ وَدَفْعِ عَطَشٍ وَالْمُكْرَهُ عَلَى شُرْبِهَا بِقَتْلِهِ أَوْ قَطْعِ عُضْوِهِ ( وَالْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ ) كَالْبَنْجِ وَالدَّوَاءُ مَا يَكُونُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِهَا تَنْفَعِلُ الطَّبِيعَةُ عَنْهُ وَتَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ( وَالْأَغْذِيَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ ) وَالْغِذَاءُ مَا يَنْفَعِلُ عَنْ الطَّبِيعَةِ فَتَتَصَرَّفُ فِيهِ وَتُحِيلُهُ إلَى مُشَابَهَةِ الْمُتَغَذَّى فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْهُ بَدَلًا عَمَّا يَتَحَلَّلُ ( وَالْمُثَلَّثُ ) وَهُوَ النِّيءُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ثُمَّ رُقِّقَ بِالْمَاءِ وَتُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ إذَا شَرِبَ مِنْهُ مَا دُونَ السُّكْرِ ( لَا بِقَصْدِ السُّكْرِ ) وَلَا لِلَّهْوِ وَالطَّرِبِ ( بَلْ الِاسْتِمْرَاءِ وَالتَّقَوِّي ) عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ أَوْ التَّدَاوِي كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيهِ ( فَكَالْإِغْمَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّهْوِ فَصَارَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَرَضِ ( لَا يَصِحُّ مَعَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ ) أَيْ وَإِنْ رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْبَنْجَ وَعَمَلَهُ ) أَيْ وَتَأْثِيرَهُ فِي الْعَقْلِ ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى أَكْلِهِ ( صَحَّ ) كُلٌّ مِنْ طَلَاقِهِ وَعَتَاقِهِ وَلِدَفْعِ خُصُوصِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ صَرَّحَ بِهِمَا .
( وَإِنْ ) كَانَ طَرِيقُهُ ( مُحَرَّمًا كَمِنْ مُحَرَّمٍ ) أَيْ تَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ وَمِنْهُ شُرْبُ الْمُثَلَّثِ عَلَى قَصْدِ السُّكْرِ أَوْ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ ( فَلَا يَبْطُلُ التَّكْلِيفُ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي
مَسْأَلَةِ مَانِعُو تَكْلِيفِ الْمُحَالِ ( فَيَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالتَّزَوُّجِ وَالْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِقْرَاضِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ قَائِمٌ وَإِنَّمَا عَرَضَ فَوَاتُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِمَعْصِيَةٍ فَبَقِيَ ) التَّكْلِيفُ مُتَوَجِّهًا ( فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَ ) وُجُوبِ ( الْقَضَاءِ ) لِلْعِبَادَاتِ الْمَشْرُوعِ لَهَا الْقَضَاءُ إذَا فَاتَتْهُ فِي حَالَةِ السُّكْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا مِنْهُ حَالَتَئِذٍ وَجَعَلَ الْفَهْمَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ زَجْرًا لَهُ ( إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْكَفَاءَةُ مُطْلَقًا ) أَيْ أَبًا كَانَ الْمُزَوِّجُ أَوْ غَيْرَهُ ( فِي تَزْوِيجِ الصَّغَائِرِ ) فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى هَذَا أَيْضًا ( لِأَنَّ إضْرَارَهُ بِنَفْسِهِ لَا يُوجِبُ إضْرَارَهَا وَيَصِحُّ إسْلَامُهُ ) تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِسْلَامِ بِوُجُودِ أَحَدِ رُكْنَيْهِ وَكَوْنُ الْأَصْلِ الْمُطَابِقَةَ لِلِاعْتِقَادِ ( كَالْمُكْرَهِ ) أَيْ كَمَا صَحَّ إسْلَامُ الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى وَلِأَنَّ دَلِيلَ الرُّجُوعِ وَهُوَ السُّكْرُ وَإِنْ كَانَ يُقَارِنُ الْإِسْلَامَ فَالْإِسْلَامُ لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ لِكَوْنِهِ رِدَّةً ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْهُ كَمَا قَالَ ( لَا رِدَّتُهُ لِعَدَمِ الْقَصْدِ ) لِذِكْرِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ بَعْدَ الصَّحْوِ فَلَمْ يُوجَدْ رُكْنُهَا وَهُوَ تَبَدُّلُ الِاعْتِقَادِ وَصَارَ كَمَا لَوْ جَرَتْ عَلَى لِسَانِ الصَّاحِي خَطَأً ( وَبِالْهَزْلِ ) أَيْ وَيَكْفُرُ إذَا تَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ هَزْلًا مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ ( لِلِاسْتِخْفَافِ ) أَيْ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ وَلَا اسْتِخْفَافَ مِنْ السَّكْرَانِ كَمَا أَنَّهُ لَا اعْتِقَادَ لَهُ .
لِأَنَّهُمَا فَرْعُ اعْتِبَارِ الْإِدْرَاكِ قَائِمًا بِهِ لَكِنَّ الشَّارِعَ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْقُودٍ رَحْمَةً لَهُ بِدَلِيلِ مَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
صَنَعَ لَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَانَا وَسَقَانَا مِنْ الْخَمْرِ فَأَخَذَتْ الْخَمْرُ مِنَّا وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَدَّمُونِي فَقَرَأَتْ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي رِوَايَتِهِ فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ثُمَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ صِحَّةُ رِدَّتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ كَالصَّاحِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ ثُمَّ هَذَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحُكْمِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا ( وَلَوْ أَقَرَّ بِمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَالزِّنَا ) وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالسَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى الَّتِي هِيَ حُدُودٌ خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ( لَا يُحَدُّ ؛ لِأَنَّ يُوجِبُ رُجُوعَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى نَفْسِهِ مُجُونًا وَتَهَتُّكًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَالِهِ فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَبْنَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ نَعَمْ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ فَكَيْفَ بِدَلِيلِهِ ( وَبِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ الرُّجُوعَ ( كَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ ) مِنْ زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ قَذْفٍ ( مُعَايَنَةَ حَدٍّ إذَا صَحَا ) لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ لَا فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْوَجْهُ إسْقَاطُ الْقِصَاصِ وَغَيْرُهُمَا ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَدٍّ أَوْ إبْدَالِ حَدٍّ بِقَوْلِهِ أَخَذَ بِمُوجِبِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ حُدَّ
إذَا صَحَا وَأُخِذَ بِمُوجِبِ الْبَاقِي وَحَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ دَلَالَةً مِنْ قَوْلِهِ حُدَّ إذَا صَحَا ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْإِقْرَارُ بِالْقَذْفِ الرُّجُوعَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ فَالْقِصَاصُ وَغَيْرُهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَوَجَبَ الْحَدُّ بِمُعَايَنَةٍ مُبَاشَرَةٍ سَبَبَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ لِوُجُودِهِ مُشَاهَدَةً .
( وَحَدُّهُ ) أَيْ السُّكْرِ ( اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ وَالْهَذَيَانِ ) كَمَا هُوَ مُطْلَقًا قَوْلُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ غَالِبُ كَلَامِهِ هَذَيَانًا فَإِنْ كَانَ نِصْفُهُ مُسْتَقِيمًا فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الصُّحَاةِ فِي إقْرَارِهِ بِالْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ فِي الْعُرْفِ مَنْ اخْتَلَطَ جِدُّهُ بِهَزْلِهِ فَلَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَارَفَ إذَا كَانَ يَهْذِي سُمِّيَ سَكْرَانًا وَتَأَيَّدَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ( وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي السُّكْرِ الْمُوجِبِ لِلْحَدِّ أَنْ لَا يُمَيِّزَ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ إذْ لَوْ مَيَّزَ ) بَيْنَهَا ( فَفِيهِ ) أَيْ سُكْرِهِ ( نُقْصَانٌ وَهُوَ ) أَيْ نُقْصَانُهُ ( شُبْهَةُ الْعَدَمِ ) أَيْ عَدَمِ السُّكْرِ وَهُوَ الصَّحْوُ ( فَيَنْدَرِئُ ) الْحَدُّ ( بِهِ ) أَيْ بِهَذَا النُّقْصَانِ ( وَأَمَّا ) حَدُّ السُّكْرِ عِنْدَهُ ( فِي غَيْرِ وُجُوبِ الْحَدِّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْده أَيْضًا اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ حَتَّى لَا يَرْتَدَّ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ اخْتِلَاطِ الْكَلَامِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ ) الْحَدَّ عِنْدَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا اخْتَارُوا لِلْفَتْوَى قَوْلَهُمَا لِضَعْفِ وَجْهِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ قَالَ يُؤْخَذُ فِي أَسْبَابِ الْحُدُودِ بِأَقْصَاهَا فَقَدْ سَلَّمَ أَنَّ السُّكْرَ يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الْحَالَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَنَّهُ يَتَفَاوَتُ
مَرَاتِبُهُ وَكُلُّ مَرْتَبَةٍ هِيَ سُكْرٌ .
وَالْحَدُّ إنَّمَا أُنِيطَ فِي الدَّلِيلِ الَّذِي أَثْبَتَ حَدَّ السُّكْرِ بِمَا يُسَمَّى سُكْرًا لَا بِالْمَرْتَبَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْحَالَةَ الَّتِي ذَكَرَ قَلَّمَا يَصِلُ إلَيْهَا سَكْرَانُ فَيُؤَدِّي إلَى عَدَمِ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ هَذَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ اخْتِلَاطَ الْكَلَامِ أَوْ عَدَمَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ نَفْسُ السُّكْرِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَامَةٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ مَعْنَى يُزِيلُ الْعَقْلَ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ مُزِيلٍ لَهُ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ السُّكْرُ جُنُونًا وَقِيلَ غَفْلَةً تَعْرِضُ لِغَلَبَةِ السُّرُورِ عَلَى الْعَقْلِ بِمُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُهَا قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِيُّ فَتَخْرُجُ الْغَفْلَةُ الَّتِي لَا تُوجِبُ السُّرُورَ كَاَلَّتِي مِنْ شُرْبِ الْأَفْيُونِ وَالْبَنْجِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْجُنُونِ لَا مِنْ السُّكْرِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ حُكْمُهُمَا وَاحِدًا فِي الشَّرْعِ أُلْحِقَتْ بِهِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ وَفِي التَّلْوِيحِ ، وَهِيَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَيْهِ فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ ا هـ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ الْمُمَيِّزُ إلَخْ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمَ .
( وَمِنْهَا ) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ ( الْهَزْلُ ) وَهُوَ لُغَةً اللَّعِبُ وَاصْطِلَاحًا ( أَنْ لَا يُرَادَ بِاللَّفْظِ وَدَلَالَتِهِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَلَا الْمَجَازِيُّ ) لِلَّفْظِ بَلْ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُهُمَا وَهُوَ مَا لَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ مِنْهُ ( ضِدُّهُ الْجِدُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّفْظِ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ أَوْ الْمَجَازِيُّ لَهُ ( وَمَا يَقَعُ ) الْهَزْلُ ( فِيهِ ) مِنْ الْأَقْسَامِ ( إنْشَاءَاتٌ فَرِضَاهُ ) أَيْ الْهَازِلِ ( بِالْمُبَاشَرَةِ ) أَيْ بِالتَّكَلُّمِ بِصِيَغِهَا ( لَا بِحُكْمِهَا ) أَيْ لَا بِثُبُوتِ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا الْمَوْضُوعَةِ لَهُ ( أَوْ إخْبَارَاتٌ أَوْ اعْتِقَادَاتٌ ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقَعُ الْهَزْلُ فِيهِ إنْ كَانَ إحْدَاثَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْشَاءٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ إلَى بَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِخْبَارٌ وَإِلَّا فَاعْتِقَادٌ ( وَالْأَوَّلُ ) أَيْ الْإِنْشَاءُ ( إحْدَاثُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَيْ ) إحْدَاثُ ( تَعَلُّقِهِ ) وَإِلَّا فَنَفْسُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ قَدِيمٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْهَزْلُ فِيهِ إمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَإِمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ ( فَإِمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ ) أَيْ الْفَسْخَ وَالْإِقَالَةَ ( كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا فِي أَصْلِهِ ) أَيْ تَجْرِي الْمُوَاضَعَةُ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ الْعَقْدِ ( عَلَى التَّكَلُّمِ بِهِ ) أَيْ بِلَفْظِ الْعَقْدِ ( غَيْرَ مُرِيدِينَ حُكْمَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ ( أَوْ ) يَتَوَاضَعَا ( عَلَى قَدْرِ الْعِوَضِ أَوْ ) يَتَوَاضَعَا عَلَى ( جِنْسِهِ ) أَيْ الْعِوَضِ ( فَفِي الْأَوَّلِ ) أَيْ تَوَاضُعِهِمَا فِي أَصْلِهِ ( إنْ اتَّفَقَا بَعْدَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ ( عَلَى الْإِعْرَاضِ عِنْدَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ ( إلَى الْجِدِّ ) بِأَنْ قَالَا بَعْدَ الْبَيْعِ قَدْ أَعْرَضْنَا وَقْتَ الْبَيْعِ عَنْ الْهَزْلِ وَبِعْنَا بِطَرِيقِ الْجِدِّ ( لَزِمَ الْبَيْعُ ) وَبَطَلَ الْهَزْلُ بِقَصْدِهِمَا الْجِدَّ ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلرَّفْعِ وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ الصَّحِيحُ يَقْبَلُ الرَّفْعَ بِالْإِقَالَةِ فَهَذَا أَوْلَى فَهَذِهِ أُولَى صُوَرِ الِاتِّفَاقِ (
أَوْ ) اتَّفَقَا ( عَلَى الْبِنَاءِ ) لِلْعَقْدِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ التَّوَاضُعِ ( فَكَشَرْطِ الْخِيَارِ ) أَيْ صَارَ الْعَقْدُ كَالْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ ( لَهُمَا ) أَيْ لِلْعَاقِدَيْنِ ( مُؤَبَّدًا إذَا رَضِيَا ) فِيهِ ( بِالْمُبَاشَرَةِ فَقَطْ ) أَيْ لَا بِالْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ أَيْضًا كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ ( فَيَفْسُدُ ) الْعَقْدُ فِيهِ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ ( وَلَا يَمْلِكُ ) الْمَبِيعَ فِيهِ ( بِالْقَبْضِ لِعَدَمِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ ) كَذَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَغَيْرُهُ وَفِي التَّلْوِيحِ لَوْ قَالَ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ عَنْ الْمِلْكِ لَا عَدَمِ الرِّضَا .
كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا إذْ الِاخْتِيَارُ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ وَإِرَادَتُهُ وَالرِّضَا إيثَارُهُ وَاسْتِحْسَانُهُ فَالْمُكْرَهُ عَلَى الشَّيْءِ يَخْتَارُهُ وَلَا يَرْضَاهُ وَمِنْ هُنَا قَالُوا الْمَعَاصِي وَالْقَبَائِحُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِرِضَاهُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَا حَيْثُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِهِ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِالْحُكْمِ ( فَإِنْ نَقَضَهُ ) أَيْ الْعَقْدَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْعَاقِدَيْنِ ( انْتَقَضَ ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا النَّقْضُ فَيَنْفَرِدُ بِهِ ( لَا إنْ أَجَازَهُ ) أَيْ أَحَدُهُمَا الْعَقْدَ دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَارَتِهِمَا جَمِيعًا ؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لَهُمَا فَإِجَازَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُبْطِلُ اخْتِيَارَ الْآخَرِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ أَجَازَاهُ ) أَيْ الْعَاقِدَانِ الْعَقْدَ ( جَازَ بِقَيْدِ الثَّلَاثَةِ ) أَيْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ إجَازَتُهُمَا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ عِنْدَهُ لِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ لَا فِيمَا بَعْدَهَا لِتَقَرُّرِ
الْفَسَادِ بِمُضِيِّهَا ( وَمُطْلَقًا ) أَيْ وَجَازَ إذَا أَجَازَاهُ أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدُ عِنْدَهُمَا فَهَذِهِ ثَانِيَةُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ ( أَوْ ) اتَّفَقَا عَلَى ( إنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا ) أَيْ لَمْ يَقَعْ بِخَاطِرِهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ ( شَيْءٌ ) أَيْ لَا الْبِنَاءُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَلَا الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَهَذِهِ ثَالِثَةُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ ( أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ ) عَنْ الْمُوَاضَعَةِ ( وَالْبِنَاءِ ) عَلَيْهَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا بَنَيْنَا الْعَقْدَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ .
وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ أَعْرَضْنَا عَنْهَا بِالْجِدِّ وَهَذِهِ رَابِعَةٌ وَالْحُكْمُ فِيهَا وَفِيمَا قَبْلَهَا أَنَّهُ ( صَحَّ الْعَقْدُ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِمَا ( عَمَلًا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعَقْدِ ) الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ حَتَّى يَقُومَ الْمُعَارِضُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمِلْكِ وَالْجِدُّ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فِيهِ ( أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا عَارِضٌ لَمْ تُنَوِّرْ دَعْوَى مُدَّعِيهَا بِالْبَيَانِ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ ( وَلَمْ يَصِحَّ ) الْعَقْدُ فِيهِمَا ( عِنْدَهُمَا لِعَادَةِ الْبِنَاءِ ) أَيْ لِاعْتِيَادِ بِنَائِهِمَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ ( وَكَيْ لَا تَلْغُوَ الْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ ) أَيْ يَكُونُ الِاشْتِغَالُ بِهَا عَبَثًا ( وَالْمَقْصُودُ ) مِنْهَا ( وَهُوَ صَوْنُ الْمَالِ عَنْ الْمُتَغَلِّبِ فَهُوَ ) أَيْ الْبِنَاءُ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ ( الظَّاهِرُ وَدُفِعَ بِأَنَّ ) الْعَقْدَ ( الْآخَرَ ) وَهُوَ الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ ( نَاسِخٌ ) لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ لِخُلُوِّهِ عَنْهَا مَعَ أَنَّ عَقْلَ الْعَاقِدَيْنِ وَدِينَهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُفْسِدُهُ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى الْفَسَادِ كَمَا فِي صُوَرِ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْهَزْلِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ تَرْجِيحًا لِقَوْلِهِمَا فِي هَاتَيْنِ
الصُّورَتَيْنِ ( وَقَدْ يُقَالُ هُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْآخَرِ نَاسِخًا لِلْمُوَاضَعَةِ ( فَرْعُ الرِّضَا ) بِهِ ( إذْ مُجَرَّدُ صُورَةِ الْعَقْلِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ رَفْعَ مَا سَبَقَ ( إلَّا بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الرِّضَا بِهِ ( وَفُرِضَ عَدَمُ إرَادَةِ شَيْءٍ ) فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ( فَيُصْرَفُ ) الْعَقْدُ ( إلَى مُوَافَقَةِ ) التَّوَاضُعِ ( الْأَوَّلِ وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا ) فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ ( أَعْرَضَ لَا يُوجِبُ صِحَّتَهُ ) أَيْ الْعَقْدِ .
( إذْ لَا يَقُومُ الْعَقْدُ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَعْرَضْت ) عِنْدَ الْعَقْدِ عَنْ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ ( وَالْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ ) وَهَذِهِ صُورَةٌ خَامِسَةٌ ( أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي ) شَيْءٌ وَهَذِهِ صُورَةٌ سَادِسَةٌ ( فَعَلَى أَصْلِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ( عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ ) عَمَلًا بِالْعَقْدِ فَيَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ ( وَهُمَا ) يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِمَا أَنْ يَكُونَا قَائِلِينَ بِأَنَّهُ ( كَالْبِنَاءِ ) تَرْجِيحًا لِلْمُوَاضَعَةِ بِالْعَادَةِ وَالسَّبْقِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ صُورَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْرَاضِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ ا هـ وَتُعَقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ جِهَةُ الصِّحَّةِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَى أَصْلِهِ لِاجْتِمَاعِ الْمُصَحِّحِ وَالْمُفْسِدِ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُفْسِدِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَمَسُّكَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ وَهُمَا ) أَيْ تَمَسُّكُهُمَا ( بِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْقِيقُ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي دَعْوَى الْإِعْرَاضِ أَوْ الْبِنَاءِ وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الِاخْتِلَافِ بِأَنْ يُقِرَّا بِإِعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَبِنَاءِ الْآخَرِ فَلَا قَائِلَ بِالصِّحَّةِ ) بَلْ الِاتِّفَاقُ
حِينَئِذٍ عَلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ ( وَمَجْمُوعُ صُوَرِ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ ) فِي ادِّعَاءِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى إعْرَاضِهِمَا أَوْ بِنَائِهِمَا أَوْ ذُهُولِهِمَا أَوْ بِنَاءِ أَحَدِهِمَا وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ) بِنَاءِ أَحَدِهِمَا ( وَذُهُولِهِ ) أَيْ الْآخَرِ ( أَوْ إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا وَذُهُولِ الْآخَرِ سِتَّةٌ وَالِاخْتِلَافُ دَعْوَى أَحَدِهِمَا إعْرَاضَهُمَا وَبِنَاءَهُمَا وَذُهُولَهُمَا وَبِنَاءَهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ) بِنَاءَهُ مَعَ ( ذُهُولِهِ ) أَيْ الْآخَرِ ( وَإِعْرَاضَهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ) إعْرَاضَهُ ( مَعَ ذُهُولِهِ ) أَيْ الْآخَرِ ( وَذُهُولَهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ) ذُهُولَهُ مَعَ ( إعْرَاضِهِ ) أَيْ الْآخَرِ ( تِسْعَةٌ وَكُلٌّ ) مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ تَكُونُ ( مَعَ دَعْوَى الْآخَرِ إحْدَى الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ ) مِنْهَا .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( تَمَّتْ ) صُوَرُ الِاخْتِلَافِ ( ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ ) حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ ( وَسِتَّةُ الِاتِّفَاقِ ) أَيْ وَسِتَّةُ أَقْسَامِ الِاتِّفَاقِ تُضَمُّ إلَيْهَا فَتَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ قِيلَ وَالْحَقُّ أَنْ تُجْعَلَ صُوَرُ الِاتِّفَاقِ وَالِاخْتِلَافِ سِتًّا وَثَلَاثُونَ إنْ أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَإِحْدَى وَثَمَانِينَ إنْ أَرَادَ بِهِ مُعَيَّنًا فَحِينَئِذٍ صُوَرُ الِاتِّفَاقِ تِسْعٌ وَصُوَرُ الِاخْتِلَافِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ ، وَهِيَ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُسْتَخْرَجْ لِكُلٍّ مِنْ الْأَقْسَامِ مَا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ
( وَإِمَّا ) أَنْ يَتَوَاضَعَا ( فِي قَدْرِ الْعِوَضِ بِأَنْ تَوَاضَعَا ) عَلَى الْبَيْعِ ( بِأَلْفَيْنِ وَالثَّمَنُ أَلْفٌ فَهُمَا ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ( يَعْمَلَانِ ) فِي التَّقَادِيرِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ وَعَلَى الْإِعْرَاضِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْهُمَا وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ ( بِالْمُوَاضَعَةِ إلَّا فِي إعْرَاضِهِمَا ) عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْإِعْرَاضِ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ أَلْفَيْنِ وَهَذَا أَيْضًا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فِي الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَهُوَ ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْأَصَحِّ عَنْهُ يَعْمَلُ ( بِالْعَقْدِ ) فَيَقُولُ بِصِحَّتِهِ بِأَلْفَيْنِ ( فِي الْكُلِّ وَالْفَرْقُ لَهُ ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ ( بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا وَثَمَّةَ ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوَاضَعَةُ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ حَيْثُ قَالَ بِفَسَادِهِ فِي بِنَائِهِمَا كَمَا قَالَا ( أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ ) هُنَا ( تَجْعَلُ قَبُولَ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ شَرْطًا لِقَبُولِ الْبَيْعِ بِالْأَلْفِ ) الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ حِينَئِذٍ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ أَحَدُ الْأَلْفَيْنِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْهَزْلِ فِي مَنْعِ الْوُجُوبِ لَا فِي الْإِخْرَاجِ بَعْدَ الْوُجُوبِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِهِمَا ( فَيَفْسُدُ ) الْبَيْعُ { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ } رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ ( فَالْحَاصِلُ التَّنَافِي بَيْنَ تَصْحِيحِهِ ) أَيْ الْعَقْدِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْجِدِّ فِيهِ ( وَاعْتِبَارُ الْمُوَاضَعَةِ ) فِي الثَّمَنِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الْهَزْلِ فِيهِ ( تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ ) وَهُوَ الْمَبِيعُ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ جَادٌّ فِيهِ عَلَى الْوَصْفِ وَهُوَ الثَّمَنُ إذْ هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى الْمَبِيعِ لَا مَقْصُودٌ وَإِلَّا لَزِمَ إهْدَارُ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ وَهُوَ بَاطِلٌ .
( فَيَنْتَفِي الثَّانِي ) أَيْ
اعْتِبَارُ الْمُوَاضَعَةِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا ثَمَّةَ مُعَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا اتِّفَاقًا ( وَإِمَّا ) أَنْ يَتَوَاضَعَا ( فِي جِنْسِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ بِأَنْ يَتَّفِقَا فِي إظْهَارِ الْعَقْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَلًا يَكُونُ الثَّمَنُ فِي الْوَاقِعِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ( فَالْعَمَلُ بِالْعَقْدِ اتِّفَاقًا فِي الْكُلِّ ) مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْإِعْرَاضِ وَعَلَى الْبِنَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ مِنْهُمَا وَمِنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ ( وَالْفَرْقُ لَهُمَا ) بَيْنَ الْهَزْلِ فِي الْقَدْرِ وَالْجِنْسِ حَيْثُ قَالَا فِي الْقَدْرِ يُعْمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ فِي الْبِنَاءِ وَفِي الْجِنْسِ يُعْمَلُ بِالْعَقْدِ فِيهِ ( أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ مَعَ الصِّحَّةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُعْدَمُ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ بَدَلٍ ) فِيهِ إذْ هِيَ رُكْنٌ فِيهِ ( وَبِاعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ يَكُونُ ) الْبَدَلُ ( أَلْفًا وَلَيْسَ ) الْأَلْفُ ( مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ بَلْ ) الْمَذْكُورُ فِيهِ ( مِائَةُ دِينَارٍ ، وَهِيَ غَيْرُ الثَّمَنِ ) فَلَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الصِّحَّةِ مَعَ الْعَمَلِ بِهَا ، فَإِنْ قِيلَ دَعْهُ لَا تَجْتَمِعُ مَعَ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا أَوْجَبَا الْمُوَاضَعَةَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فِي الْأَصْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ لَيْسَ إلَّا لِتَحْقِيقِ غَرَضِهِمَا مِنْهَا وَغَرَضُهُمَا مِنْهَا فِي الْأَصْلِ أَنْ لَا يَصِحَّ كَيْ لَا يَخْرُجَ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِهِ وَغَرَضُهُمَا مِنْهَا فِي الْبَدَلِ لَيْسَ إلَّا صِحَّةَ الْعَقْدِ مَعَ الْبَدَلِ الْمُتَوَاضِعِ عَلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ هُوَ التَّصْحِيحُ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِي الْجِنْسِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( بِخِلَافِهَا ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ ( فِي الْقَدْرِ يُمْكِنُ التَّصْحِيحُ مَعَ اعْتِبَارِهَا ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ .
( فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ بِالْأَلْفِ الْكَائِنَةِ فِي ضِمْنِ الْأَلْفَيْنِ ) إذْ الْأَلْفُ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَلْفَيْنِ
فَتَكُونُ مَذْكُورَةً فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ ثَمَنًا وَلَمَّا كَانَ مِنْ وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْعَمَلِ بِالْعَقْدِ مُطْلَقًا فِيمَا إذَا تَوَاضَعَا فِي الْقَدْرِ أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ لُزُومَ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِيهَا وَهُوَ مُفْسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا مُحْتَاجَانِ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ قِيلَ فِيهِ ( وَالْهَزْلُ بِالْأَلْفِ الْأُخْرَى ) وَإِنْ كَانَ شَرْطًا مُخَالِفًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ لَكِنَّهُ ( شَرْطٌ لَا طَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ ثَمَنِيَّتِهِ ) فَلَا يَطْلُبُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ ذَكَرَاهُ وَلَا غَيْرُهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ ( وَلَا يَفْسُدُ ) الْعَقْدُ بِهِ إذْ كُلُّ شَرْطٍ لَا طَالِبَ لَهُ مِنْ الْعِبَادِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِعَدَمِ إفْضَائِهِ إلَى الْمُنَازَعَةِ ( كَشَرْطِ أَنْ لَا يَعْلِفَ الدَّابَّةَ ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَكِنَّ الْجَوَابَ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الطَّالِبُ لَكِنْ لَا يُطَالَبُ بِهِ لِلْمُوَاضَعَةِ وَعَدَمُ الطَّلَبِ بِوَاسِطَةِ الرِّضَا لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ كَالرِّضَا بِالرِّبَا ا هـ وَأَيْضًا الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ فِيهَا لَا يُوجِبُ جَعْلَ قَبُولِ مَا لَيْسَ بِثَمَنٍ شَرْطًا لِقَبُولِ مَا هُوَ ثَمَنٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَيُوجِبُ الْفَسَادَ كَاشْتِرَاطِ قَبُولِ مَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ لِقَبُولِ مَا هُوَ مَبِيعٌ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَالِبٌ مِنْ الْعِبَادِ كَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ أَخَذَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ فَأَمَّا فِيمَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ فَقَالَ ( وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ النَّقْضَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْفَسْخُ وَالْإِقَالَةُ ( مِمَّا لَا مَالَ فِيهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ) مَجَّانًا فِيهِمَا ( وَالْعَفْوِ ) عَنْ الْقِصَاصِ ( وَالْيَمِينِ وَالنَّذْرِ فَيَصِحُّ ) كُلٌّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ .
( وَيَبْطُلُ الْهَزْلُ لِلرِّضَا بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ مَلْزُومٌ لِلْحُكْمِ شَرْعًا ) فَيَنْعَقِدُ وَلَا يَمْنَعُ الْهَزْلُ مِنْ انْعِقَادِهِ وَحُكْمُ هَذِهِ الْأَسْبَابِ لَا
يَحْتَمِلُ التَّرَاخِيَ وَالرَّدَّ بِالْإِقَالَةِ ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ بِقَوْلِهِ ( أَيْ الْعِلَّةِ ) وَسَنَذْكُرُ قَرِيبًا مِنْ السُّنَّةِ مَا يُؤَيِّدُهُ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِهِ مَلْزُومًا لِلْحُكْمِ ( لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ التَّرَاخِيَ فِي الْحُكْمِ ( بِخِلَافِ قَوْلِنَا الطَّلَاقُ الْمُضَافُ ) كَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا ( سَبَبٌ لِلْحَالِ فَإِنَّهُ ) أَيْ السَّبَبَ ( يَعْنِي بِهِ الْمُفْضِي ) لِلْوُقُوعِ لَا الْعِلَّةَ وَلِذَا لَا يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْإِيجَابِ وَجَازَ تَأَخُّرُ الْحُكْمِ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ عِلَّةً لَاسْتَنَدَ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُنَجَّزَ عِلَّةٌ مَلْزُومَةٌ لِحُكْمِهِ فَإِذَا أُضِيفَ صَارَ سَبَبًا فَقَطْ وَحَقِيقَةُ السَّبَبِ مَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ إفْضَاءً لَا مَا يَسْتَلْزِمُهُ فِي الْحَالِ ( وَمَا فِيهِ ) الْمَالُ تَبَعًا ( كَالنِّكَاحِ ) فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ الْحِلُّ لِلتَّوَالُدِ ، وَالْمَالُ شُرِعَ فِيهِ لِإِظْهَارِ خَطَرِ الْمَحَلِّ وَلِهَذَا يَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الْمَهْرِ وَيَتَحَمَّلُ فِي الْمَهْرِ مِنْ الْجَهَالَةِ مَا لَا يَتَحَمَّلُ فِي غَيْرِهِ ، لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ مَحَلُّ نَظَرٍ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ وَنُقْصَانِ الْمَهْرِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَبِرِدَّتِهَا فَسْخٌ ا هـ .
قُلْت وَبِكَوْنِ رِدَّتِهَا فَسْخًا يَظْهَرُ أَيْضًا عَدَمُ تَمَامِ مَا قِيلَ الْمُرَادُ بِكَوْنِ النِّكَاحِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ النَّافِذُ اللَّازِمُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ رِدَّتَهَا فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ فَسْخٌ .
( فَإِنْ ) تَوَاضَعَا ( فِي أَصْلِهِ ) بِأَنْ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِأَلْفٍ هَازِلًا عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يَكُونُ بَيْنَنَا فِي الْوَاقِعِ نِكَاحٌ وَوَافَقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ وَحَضَرَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ ( لَزِمَ ) النِّكَاحُ وَانْعَقَدَ صَحِيحًا قَضَاءً وَدِيَانَةً اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ
أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لِلْفَسْخِ بَعْدَ تَمَامِهِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ( أَوْ ) تَوَاضَعَا ( فِي قَدْرِ الْمَهْرِ ) أَيْ عَلَى أَلْفَيْنِ وَيَكُونُ الْوَاقِعُ أَلْفًا ( فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَأَلْفَانِ ) الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِبُطْلَانِ الْمُوَاضَعَةِ بِإِعْرَاضِهِمَا عَنْهَا ( أَوْ ) اتَّفَقَا عَلَى ( الْبِنَاءِ فَأَلْفٌ ) الْمَهْرُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ الْآخَرَ ذُكِرَ هَزْلًا وَلَا مَانِعَ مِنْ اعْتِبَارِ الْهَزْلِ فِيهِ إذْ الْمَالُ لَا يَجِبُ مَعَ الْهَزْلِ ( وَالْفَرْقُ لَهُ ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ ( بَيْنَهُ ) أَيْ الْهَزْلِ بِقَدْرِ الْمَهْرِ ( وَبَيْنَ ) الْهَزْلِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ فِي ( الْمَبِيعِ ) حَيْثُ اعْتَبَرَ التَّسْمِيَةَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ فِي الْمُوَاضَعَةِ عَلَى قَدْرِ الْبَدَلِ فِي الْبَيْعِ وَاعْتَبَرَ الْمُوَاضَعَةَ فِي اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْبِنَاءِ هُنَا ( أَنَّهُ ) أَيْ الْبَيْعَ ( يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ ) الْفَاسِدِ وَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَوَجَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ فِيهِ وَاعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ كَيْ لَا يَفْسُدَ الْبَيْعُ فَيَفُوتَ مَقْصُودُهُمَا وَهُوَ الصِّحَّةُ ( لَا النِّكَاحُ ) أَيْ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْمُوَاضَعَةِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ لُزُومِ فَسَادٍ فَاعْتُبِرَ .
( وَإِنْ اتَّفَقَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَوْ اخْتَلَفَا جَازَ بِأَلْفٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ حَتَّى صَحَّ الْعَقْدُ بِدُونِهِ فَيَعْمَلُ بِالْهَزْلِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) فَإِنَّ الثَّمَنَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَصْفًا تَابِعًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَبِيعِ إلَّا
أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِالْإِيجَابِ لِكَوْنِهِ أَحَدَ رُكْنَيْ الْبَيْعِ ( حَتَّى فَسَدَ لِمَعْنًى فِي الثَّمَنِ ) كَجَهَالَتِهِ ( فَضْلًا عَنْ عَدَمِهِ ) أَيْ ذِكْرِ الثَّمَنِ ( فَهُوَ ) أَيْ الثَّمَنُ ( كَالْمَبِيعِ وَالْعَمَلُ بِالْهَزْلِ يَجْعَلُهُ شَرْطًا فَاسِدًا ) كَمَا تَقَدَّمَ ( فَيَلْزَمُ مَا تَقَدَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَهِيَ أَصَحُّ ) كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ ( أَلْفَانِ كَالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا ) مِنْ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ ( لَا يَثْبُتُ إلَّا قَصْدًا وَنَصًّا وَالْعَقْلُ يَمْنَعُ مِنْ الثَّبَاتِ عَلَى الْهَزْلِ فَيُجْعَلُ ) عِنْدَهُمَا بِأَلْفَيْنِ عَقْدًا ( مُبْتَدَأً عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا ) لَا بِنَاءً عَلَى الْمُوَاضَعَةِ ذَكَرَهُ فِي كَشْفِ الْمَنَارِ وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَا فَالْأَوْلَى كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْفَسَادِ إهْدَارٌ لِجَانِبِ الْفَسَادِ وَاعْتِبَارٌ لِلْجِدِّ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ كَمَا يَشْمَلُ مَا إذَا اخْتَلَفَا ( أَوْ ) تَوَاضَعَا ( فِي الْجِنْسِ ) أَيْ جِنْسِ الْمَهْرِ بِأَنْ يَذْكُرَا فِي الْعَلَانِيَةِ مِائَةَ دِينَارٍ وَيَكُونَ الْمَهْرُ فِي الْوَاقِعِ أَلْفَ دِرْهَمٍ ( فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ فَالْمُسَمَّى ) وَهُوَ مِائَةُ دِينَارٍ لِبُطْلَانِ الْمُوَاضَعَةِ بِالْإِعْرَاضِ ( أَوْ ) تَوَافَقَا عَلَى ( الْبِنَاءِ فَمَهْرُ الْمِثْلِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ بِلَا مَهْرٍ إذْ الْمُسَمَّى هَزْلٌ وَلَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِهِ ) أَيْ بِالْهَزْلِ ( وَالْمُتَوَاضَعُ عَلَيْهِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْعَقْدِ ) وَالتَّزَوُّجُ بِلَا مَهْرٍ يُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ ( بِخِلَافِهَا ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ ( فِي الْقَدْرِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقَدْرَ الْمُتَوَاضَعَ عَلَيْهِ كَالْأَلْفِ ( مَذْكُورٌ ضِمْنَ الْمَذْكُورِ ) فِي الْعَقْدِ كَالْأَلْفَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) تَوَافَقَا ( عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا ) شَيْءٌ ( أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ فَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ ( مَهْرُ الْمِثْلِ
؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بُطْلَانُ الْمُسَمَّى ) .
؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَابِعٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْمُوَاضَعَةِ عَلَى الْهَزْلِ ( كَيْ لَا يَصِيرَ الْمَهْرُ مَقْصُودًا بِالصِّحَّةِ كَالْبَيْعِ ) أَيْ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالْوَاقِعُ أَنْ لَا حَاجَةَ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ إلَى صِحَّةِ الْمَهْرِ وَإِذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْهَزْلِ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ ( فَيَلْزَمُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ ( الْمُسَمَّى ) وَالْمُوَاضَعَةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بِالْمَهْرِ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ ( كَالْبَيْعِ ) أَيْ مِثْلِ الثَّمَنِ فِي ابْتِدَاءِ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَكَمَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَمَلَ بِصِحَّةِ الْإِيجَابِ أَوْلَى مِنْ الْمُوَاضَعَةِ فِي صُورَتَيْ السُّكُوتِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الصِّحَّةِ عَلَى الْفَسَادِ فَكَذَا فِي تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ يُؤَثِّرُ فِي تَسْمِيَتِهِ بِالْإِفْسَادِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ ( وَعِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْوَاجِبُ ( مَهْرُ الْمِثْلِ لِتَرْجِيحِهِمَا الْمُوَاضَعَةَ بِالْعَادَةِ فَلَا مَهْرَ ) مُسَمًّى ( لِعَدَمِ الذِّكْرِ فِي الْعَقْدِ وَ ) عَدَمِ ( ثُبُوتِ الْمَالِ بِالْهَزْلِ وَمَا فِيهِ ) الْمَالُ ( مَقْصُودًا بِأَنْ لَا يَثْبُتَ ) الْمَالُ ( بِلَا ذِكْرِهِ ) أَيْ الْمَالِ ( كَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَهَزْلُهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ( فِي الْأَصْلِ ) بِأَنْ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بِمَالٍ أَوْ يُعْتِقَهَا عَلَى مَالٍ أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى وَجْهِ الْهَزْلِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ ( أَوْ الْقَدْرِ ) بِأَنْ طَلَّقَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ صَالَحَهُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَلْفَيْنِ مَعَ الْمُوَاضَعَةِ بِأَنَّ الْمَالَ أَلْفٌ ( أَوْ الْجِنْسِ ) بِأَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ يُعْتِقَهَا عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ أَوْ يُصَالِحَهُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ مَعَ
الْمُوَاضَعَةِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ( يَلْزَمُ الطَّلَاقَ وَالْمَالَ فِي الْإِعْرَاضِ وَعَدَمِ الْحُضُورِ ) لِلْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ ( وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ اتِّفَاقًا ) مَعَ اخْتِلَافٍ فِي التَّخْرِيجِ ( فَفِي الْأَخِيرَيْنِ ) أَيْ عَدَمِ الْحُضُورِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَاضِ وَالْبِنَاءِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِتَرْجِيحِ الْعَقْدِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَذَلِكَ ) أَيْ تَرْجِيحُهُ عَلَيْهَا ( فِي الِاخْتِلَافِ يَجْعَلُ الْقَوْلَ لِمُدَّعِي الْإِعْرَاضِ ) .
؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ الصِّحَّةُ وَاللُّزُومُ مَا لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ ، وَلَمْ يُوجَدْ فَمُدَّعِي الْإِعْرَاضِ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَفِي الْأَوَّلِ أَعْنِي الْإِعْرَاضَ ظَاهِرٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لَبُطْلَانِهَا بِالْإِعْرَاضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ حُكْمًا وَدَلِيلًا ( وَلِعَدَمِ تَأْثِيرِ الْهَزْلِ عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( فِي صُوَرِهَا ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ الثَّلَاثِ ( حَتَّى لَزِمَا ) أَيْ الطَّلَاقُ وَالْمَالُ ( فِي الْبِنَاءِ ) عَلَى الْمُوَاضَعَةِ ( أَيْضًا عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالْهَزْلِ لَكِنَّهُ تَبَعٌ لِلطَّلَاقِ لِاسْتِغْنَائِهِ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( عَنْهُ ) أَيْ الْمَالِ ( لَوْلَا الْقَصْدُ إلَى ذِكْرِهِ فَإِذَا ثَبَتَ الْمُتَضَمِّنُ ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَهُوَ الطَّلَاقُ ( ثَبَتَ ) الْمُتَضَمَّنُ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الْمَالُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا ، فَإِنْ قِيلَ لَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُ الْمَالِ فِي هَذَا تَبَعًا ؛ لِأَنَّهُ سَلَفَ أَنَّهُ فِيهِ مَقْصُودٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ أَنَّهُ فِيهِ تَبَعٌ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْهَزْلَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِهِ فَإِنَّ الْمَالَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ وَقَدْ أَثَّرَ فِي الْمَالِ حَتَّى كَانَ الْمَهْرُ أَلْفًا فِيمَا إذَا هَزَلَا بِأَلْفَيْنِ أُجِيبَ بِمَنْعِ عَدَمِ الِاسْتِقَامَةِ وَكَيْفَ لَا ( وَالتَّبَعِيَّةُ ) أَيْ تَبَعِيَّةُ الْمَالِ لِلطَّلَاقِ ( بِهَذَا الْمَعْنَى
) وَهُوَ كَوْنُهُ فِي الثُّبُوتِ تَابِعًا لَهُ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فِيهِ وَالشُّرُوطُ أَتْبَاعٌ عَلَى مَا عُرِفَ ( لَا تُنَافِي الْمَقْصُودِيَّةَ بِالنَّظَرِ إلَى الْعَاقِدِ ) بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالذِّكْرِ لِاخْتِلَافِ الْجِهَتَيْنِ ( بِخِلَافِ تَبَعِيَّتِهِ ) أَيْ الْمَالِ ( فِي النِّكَاحِ فَبِمَعْنَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمَالَ ( غَيْرُ الْمَقْصُودِ ) لِلْعَاقِدَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُمَا الْحِلُّ لَا الْمَالُ .
( وَهَذَا ) الْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنْ تَبَعِيَّةِ الْمَالِ فِيهِ ( لَا يُنَافِي الْأَصَالَةَ ) لِلْمَالِ ( مِنْ حَيْثُ ثُبُوتُهُ ) أَيْ الْمَالِ ( عِنْدَ ثُبُوتِهِ ) أَيْ النِّكَاحِ بِلَا ذِكْرِهِ بَلْ وَمَعَ نَفْيِهِ إظْهَارًا لِخَطَرِ الْبُضْعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْهُ بَلْ مَقْصُودٍ فِيهِ لِإِظْهَارِ شَرَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ جِهَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ بَيْعٌ ، وَكَذَا مِنْ جِهَةِ ثُبُوتِهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ لِثُبُوتِ الْعَقْدِ لَكِنَّ ثُبُوتَهُ عَقِبَ ثُبُوتِهِ مَقْصُودٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي النِّكَاحِ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِلشَّيْخِ قِوَامِ الدِّينِ الْكَاكِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ شَمْسَ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ فِي التَّلْجِئَةِ أَنَّهُمَا لَوْ تَوَاضَعَا فِي النِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ سِرًّا ثُمَّ عَقَدَا عَلَانِيَةً بِأَلْفَيْنِ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ ، وَكَذَا الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ وَالْعَتَاقُ وَعَلَيْهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَعَلَى هَذَا كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ مِثْلَ النِّكَاحِ إذَا كَانَ الْهَزْلُ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ ( وَعِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبِنَاءِ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ الْهَزْلُ بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ بِقَدْرِ الْبَدَلِ فِيهِ أَوْ بِجِنْسِهِ ( يَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى مَشِيئَتِهَا ) أَيْ اخْتِيَارِ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ بِالْمُسَمَّى عَلَى طَرِيقِ الْجِدِّ وَإِسْقَاطِ الْهَزْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ وُقُوعُهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْخُلْعِ مِنْ جَانِبِهَا عَلَى اخْتِيَارِهَا ؛
لِأَنَّ الْهَزْلَ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ فِي الْخُلْعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالثَّلَاثِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْخُلْعِ عَلَى وِفَاقِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْقَاطِ فَإِنَّهُ طَلَاقٌ فَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدِهِ بِمُدَّةٍ فَلَهَا النَّقْضُ وَالْإِجَازَةُ مُؤَبَّدًا وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتِ وَتَعْلِيقُهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَكِنَّ الْجَوَازَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي الْخُلْعِ أَيْضًا مُقَدَّرًا بِالثَّلَاثِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مِنْ جَانِبِهَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ الْمَالُ فِيهِ مَقْصُودًا لَا تَابِعًا وَهُوَ هُنَا تَابِعٌ فِي الثُّبُوتِ لِلطَّلَاقِ وَالِاعْتِبَارُ لِلْمَتْبُوعِ دُونَ التَّابِعِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِالثَّلَاثِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ مُوَافَقَةً لِلتَّلْوِيحِ ( لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُوَاضَعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ ) أَيْ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ ( أَنْ يَتَعَلَّقَ ) الطَّلَاقُ ( بِجَمِيعِ الْبَدَلِ وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهَا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْفَرْضُ أَنَّهُمَا هَزَلَا بِالْعَقْدِ إذْ بَنَيْنَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ وَمَعْنَى الْهَزْلِ بِالْخُلْعِ لَيْسَ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ الطَّلَاقَ مُتَعَلِّقًا بِجَمِيعِ الْبَدَلِ مَعَ قَبُولِهَا وَلَا يَقَعُ فِي الْحَالِ لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْهَازِلَ مُطْلَقًا غَيْرُ رَاضٍ بِالْحُكْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَهَزْلُهُمَا شَرْطٌ فَاسِدٌ فِيمَا هَزَلَا بِهِ لَكِنَّ الْخُلْعَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْخُلْعُ يَبْقَى مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهَا بِقِي أَنْ يُقَالَ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا بَقِيَ مَوْقُوفًا أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى
إجَازَتِهِمَا لَا عَلَى مَشِيئَةِ أَحَدِهِمَا لِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْهَزْلَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا وَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ لِأَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا هَازِلَانِ ، وَكَذَا إذَا بَنَى أَحَدُهُمَا فِي الْبَيْعِ وَأَعْرَضَ الْآخَرُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْبَحْثِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ أَنْ يَخْتَلِفَا فِي دَعْوَى الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ لَا إذَا اخْتَلَفَا فِي نَفْسِ الْبِنَاءِ وَالْإِعْرَاضِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَجِبُ كَوْنُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْخُلْعِ وَمَا مَعَهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ يَمِينٌ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ شَرْطَ الْخِيَارِ فَإِذَا هَزَلَ هُوَ بِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ هَزْلُهُ كَشَرْطِهِ الْخِيَارَ لَهَا كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَلْفِ عَلَى أَنَّكِ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَتْ قَبِلْت فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عِنْدَهُ حَتَّى تَشَاءَ بَعْدَ هَذَا الْقَبُولِ أَوْ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِذَنْ ظَهَرَ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ وَلُزُومَ الْمَالِ إذَا هَزَلَا إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَشِيئَتِهَا ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ قَيْدَ الثَّلَاثِ فِي مَشِيئَتِهَا هُنَا عِنْدَهُ وَصَرَّحُوا بِتَقْيِيدِهِ عِنْدَهُ فِي إجَازَتِهِمَا فِي الْهَزْلِ بِأَصْلِ الْبَيْعِ ا هـ بَلْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِنَفْيِ التَّقْيِيدِ لِمَشِيئَتِهَا بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ فِي الْخُلْعِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ قَدَّمْنَاهُ آنِفًا ( وَكُلٌّ مِنْ الْعِتْقِ وَالصُّلْحِ ) عَنْ دَمِ الْعَمْدِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ( مِثْلُ مَا فِي الطَّلَاقِ ) مِنْ الْحُكْمِ وَالتَّفْرِيعِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( وَأَمَّا تَسْلِيمُ الشُّفْعَةِ هَزْلًا فَقِيلَ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ ) وَهُوَ طَلَبُهَا كَمَا عُلِمَ بِالْبَيْعِ هُوَ ( كَالسُّكُوتِ ) مُخْتَارًا ( يُبْطِلُهَا ) إذْ اشْتِغَالُهُ بِالتَّسْلِيمِ هَازِلًا سُكُوتٌ عَنْ طَلَبِهَا عَلَى الْفَوْرِ ، وَهِيَ تَبْطُلُ بِحَقِيقَةِ السُّكُوتِ مُخْتَارًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ فَكَذَا
بِالسُّكُوتِ حُكْمًا ( وَبَعْدَهُ ) أَيْ طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالْإِشْهَادُ وَهُوَ أَنْ يَنْهَضَ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَيَشْهَدُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ بِيَدِهِ أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عِنْدَ الْعَقَارِ عَلَى طَلَبِهَا كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ كَانَ بَعْدَ طَلَبِ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ ( يَبْطُلُ التَّسْلِيمُ فَتَبْقَى الشُّفْعَةُ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ تَسْلِيمَهَا ( مِنْ جِنْسِ مَا يَبْطُلُ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التِّجَارَةِ لِكَوْنِهِ اسْتِيفَاءَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ ) وَمِنْ ثَمَّةَ يَمْلِكُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ تَسْلِيمَ شُفْعَةِ الصَّبِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَمْلِكَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لَهُ ( فَيَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا بِالْحُكْمِ وَالْهَزْلِ بِنَفْيِهِ ) أَيْ الرِّضَا بِالْحُكْمِ ( وَكَذَا يَبْطُلُ بِهِ ) أَيْ بِالْهَزْلِ ( إبْرَاءُ الْمَدْيُونِ وَالْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ) أَيْ إبْرَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ ) كَخِيَارِ الشَّرْطِ ( وَكَذَا الْإِخْبَارَاتُ وَهُوَ الثَّانِي ) مِنْ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْإِنْشَاءُ يَبْطُلُ بِالْهَزْلِ ( سَوَاءٌ كَانَتْ ) الْإِخْبَارَاتُ إخْبَارَاتٍ ( عَمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ ) كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ ( أَوْ ) كَانَتْ إخْبَارَاتٍ عَمَّا ( لَا ) يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ( كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ شَرْعًا وَلُغَةً كَمَا إذَا تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِأَنَّ بَيْنَهُمَا نِكَاحًا أَوْ بَيْعًا فِي هَذَا بِكَذَا أَوْ لُغَةً فَقَطْ مُقَرَّرَةً شَرْعًا كَالْإِقْرَارِ بِأَنَّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ كَذَا لَا يَثْبُتُ ) شَيْءٌ مِنْهَا هَزْلًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْخَبَرَ ( يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْمُخْبَرِ بِهِ ) أَيْ تَحَقَّقَ الْحُكْمُ الَّذِي صَارَ الْخَبَرُ عِبَارَةً عَنْهُ وَإِعْلَامًا بِثُبُوتِهِ أَوْ نَفْيِهِ ، وَالْهَزْلُ يُنَافِي ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ .
( أَلَا يُرَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ مُكْرَهًا بَاطِلٌ
فَكَذَا هَازِلًا ) ؛ لِأَنَّ الْهَزْلَ دَلِيلُ الْكَذِبِ كَالْإِقْرَارِ حَتَّى لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَلْحَقُ مُنْعَقِدًا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْبُطْلَانَ ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا وُجُودَ هُنَا لِطَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَلَّقَ إنْسَانٌ زَوْجَةَ غَيْرِهِ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ فَإِذَا أَجَازَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ طَلُقَتْ وَعَتَقَ ( وَكَذَا فِي الِاعْتِقَادَاتِ وَهُوَ الثَّالِثُ ) وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ كَذَا وَالِاقْتِصَارَ عَلَى الثَّالِثِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ .
( وَأَمَّا ثُبُوتُ الرِّدَّةِ بِالْهَزْلِ ) أَيْ بِتَكَلُّمِ الْمُسْلِمِ بِالْكُفْرِ هَزْلًا ( فِيهِ ) أَيْ فَثُبُوتُهَا بِالْهَزْلِ نَفْسِهِ ( لِلِاسْتِخْفَافِ ) ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ وَالرِّضَا بِذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ وَهُوَ كُفْرٌ بِالنَّصِّ قَالَ تَعَالَى { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاَللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ } وَبِالْإِجْمَاعِ ( لَا بِمَا هَزَلَ بِهِ ) وَهُوَ اعْتِقَادُ مَعْنَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا هَازِلًا ( إذْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ وَيَلْزَمُ الْإِسْلَامُ ) أَيْ نَحْكُمُ بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا ( بِالْهَزْلِ بِهِ ) أَيْ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ هَازِلًا ( تَرْجِيحًا ) لِجَانِبِ الْإِيمَانِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْإِنْسَانِ التَّصْدِيقُ وَالِاعْتِقَادُ ( كَالْإِكْرَاهِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُطْلَقًا عَلَيْهِ إذَا أَسْلَمَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ( عِنْدَنَا ) لِوُجُودِ رُكْنِهِ مِنْهُ بَلْ الْهَازِلُ أَوْلَى بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْهَازِلَ رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا وَالْمُكْرَهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِهَا وَوَافَقْنَا الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَرْبِيِّ لَا الذِّمِّيِّ كَمَا سَيُعْرَفُ فِي الْإِكْرَاهِ وَمِنْ هَذَا يُعْرَفُ وَجْهُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ
عِنْدَنَا .
( وَمِنْهَا ) أَيْ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ ( السَّفَهُ ) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْخِفَّةُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفِقْهِ ( خِفَّةٌ تَبْعَثُ ) الْإِنْسَانَ ( عَلَى الْعَمَلِ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ ) ، وَلَمْ يَقُلْ وَالشَّرْعُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْلِ أَنْ لَا يُخَالِفَ الشَّرْعَ لِلْأَدِلَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ ( مَعَ عَدَمِ اخْتِلَالِهِ ) أَيْ الْعَقْلِ فَخَرَجَ الْجُنُونُ وَالْعَتَهُ ( وَلَا يُنَافِي ) السَّفَهُ أَهْلِيَّةَ الْخِطَابِ وَلَا أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِمَنَاطِهِمَا وَهُوَ الْعَقْلُ وَسَائِرُ الْقُوَى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ إلَّا أَنَّ السَّفِيهَ يُكَابِرُ عَقْلَهُ بِعَمَلِهِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي مُطَالَبٌ بِالْعَمَلِ بِمُوجِبِهَا مُثَابٌ عَلَيْهِ مُعَاقَبٌ عَلَى مُخَالِفَتِهِ فَلَا يُنَافِي ( شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ ) الشَّرْعِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ أَهْلًا لِوُجُوبِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَهْلًا لِحُقُوقِ الْعِبَادِ ، وَهِيَ التَّصَرُّفَاتُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ حُقُوقَهُ أَعْظَمُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ إلَّا مَنْ هُوَ كَامِلُ الْحَالِ وَالْأَهْلِيَّةِ بِخِلَافِ حُقُوقِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ ، وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَنَحْوُهُمَا ( وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَالِهِ ) أَيْ السَّفِيهِ مِنْهُ ( أَوَّلَ بُلُوغِهِ ) سَفِيهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } أَيْ لَا تُعْطُوا الْمُبَذِّرِينَ أَمْوَالَهُمْ يُنْفِقُونَهَا فِيمَا لَا يَنْبَغِي وَأَضَافَ الْأَمْوَالَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يُقِيمُ بِهِ النَّاسُ مَعَايِشَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } أَوْ لِأَنَّهُمْ الْمُتَصَرِّفُونَ فِيهَا الْقَوَّامُونَ عَلَيْهَا .
( وَعَلَّقَهُ ) أَيْ إيتَاءَ الْأَمْوَالِ إيَّاهُمْ ( بِإِينَاسِ الرُّشْدِ ) عَلَى وَجْهِ التَّنْكِيرِ الْمُفِيدِ لِلتَّقْلِيلِ
حَيْثُ قَالَ { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } أَيْ إنْ عَرَفْتُمْ وَرَأَيْتُمْ فِيهِمْ صَلَاحًا فِي الْفِعْلِ وَحِفْظًا لِلْمَالِ فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ( فَاعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ مَظِنَّتَهُ ) أَيْ الرُّشْدِ ( بُلُوغَ سِنِّ الْجَدِّيَّةِ ) أَيْ كَوْنِهِ جَدًّا لِغَيْرِهِ أَعْنِي ( خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً ) إذْ أَدْنَى مُدَّةِ الْبُلُوغِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا أَدْنَى مُدَّةِ الْحَمْلِ ثُمَّ يَبْلُغُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَصِيرُ هُوَ جَدًّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ مَظِنَّةَ بُلُوغِ الرُّشْدِ ( لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ رُشْدٍ مَا نَظَرًا إلَى دَلِيلِهِ ) أَيْ حُصُولِ الرُّشْدِ لَهُ شَرْطًا لِوُجُوبِ الدَّفْعِ لَهُ ( مِنْ مُضِيِّ زَمَانِ التَّجْرِبَةِ ) إذْ التَّجَارِبُ لِقَاحُ الْعُقُولِ ( وَهُوَ ) أَيْ حُصُولُ رُشْدٍ مَا ( الشَّرْطُ لِتَنْكِيرِهِ ) أَيْ رُشْدٍ فِي الْإِثْبَاتِ فِي الْآيَةِ فَيَتَحَقَّقُ بِأَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَمَا فِي الشُّرُوطِ الْمُنَكَّرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ هَذَا السِّنَّ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الرُّشْدِ إلَّا نَادِرًا فَأُقِيم مَقَامَ الرُّشْدُ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي الشَّرْعِ مِنْ تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِالْغَالِبِ فَقَالَ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالَ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً أُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ أَوْ لَا ( وَوَقَفَاهُ ) أَيْ إيتَاءَ مَالِهِ ( عَلَى حَقِيقَتِهِ ) أَيْ الرُّشْدِ ( وَفُهِمَ تَخَلُّقُهُ ) أَيْ السَّفِيهِ بِالرُّشْدِ ( وَاخْتَلَفُوا فِي حَجْرِهِ ) أَيْ السَّفِيهِ ( بِأَنْ يُمْنَعَ نَفَاذَ تَصَرُّفَاتِهِ الْقَوْلِيَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ لِلْهَزْلِ ) أَيْ الَّتِي يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ ، وَهِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ أَمَّا الْفِعْلِيَّةُ كَالْإِتْلَافَاتِ وَالْقَوْلِيَّةُ الَّتِي لَا يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ ، وَهِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَالسَّفَهُ لَا يَمْنَعُ نَفَاذَهَا بِالِاتِّفَاقِ ( فَأَثْبَتَاهُ ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
حَجْرَ السَّفِيهِ عَنْهَا ( نَظَرًا لَهُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ مَالِهِ ( لِوُجُوبِهِ ) أَيْ النَّظَرِ ( لِلْمُسْلِمِ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْلِمٌ لِإِسْلَامِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا بِعِصْيَانِهِ وَنَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ أَيْضًا فَإِنَّهُ بِإِسْرَافِهِ وَإِتْلَافِهِ يَصِيرُ مَظِنَّةً لِلدُّيُونِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَيَصِيرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَالًا وَعَلَى بَيْتِ مَالِهِمْ عِيَالًا .
( وَنَفَاهُ ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ حَجْرَ السَّفِيهِ عَنْهَا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ السَّفَهَ ( لَمَّا كَانَ مُكَابَرَةً ) لِلْعَقْلِ فِي التَّبْذِيرِ بِغَلَبَةِ الْهَوَى مَعَ الْعِلْمِ بِقُبْحِهِ ( وَتَرْكًا لِلْوَاجِبِ ) وَهُوَ مُقْتَضَى الْعَقْلِ ( لَمْ يَسْتَوْجِبْ النَّظَرَ ) صَاحِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَمَّا كَانَ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُجِيزَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ وَالْعَفْوُ عَنْهُ جَائِزٌ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ ( ثُمَّ إنَّمَا يَحْسُنُ ) الْحَجْرُ عَلَيْهِ ( إذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ ) الْحَجْرُ عَلَيْهِ ( ضَرَرًا فَوْقَهُ ) أَيْ هَذَا الضَّرَرِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ ( مِنْ إهْدَارِ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقِهِ بِالْجَمَادَاتِ ) فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ نِعْمَةٌ أَصْلِيَّةٌ بِهَا يَتَّصِفُ بِالْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِالْحَجْرِ مِنْ نِعْمَةِ الْيَدِ ، وَهِيَ مِلْكُ الْمَالِ نِعْمَةٌ زَائِدَةٌ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِفَوَاتِهَا صِفَاتُ الْإِنْسَانِيَّةِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَفْتَقِرَ وَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْأَعْلَى لِصَوْنِ الْأَدْنَى ( وَلِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ بِأَسْبَابِ الْحَدِّ فَلَوْ لَزِمَ شَرْعًا الْحَجْرُ عَلَيْهِ فِي أَقْوَالِهِ الْمُتْلِفَةِ لِلْمَالِ لَلَزِمَ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فِي الْمُتْلِفَةِ لِنَفْسِهِ ) فَإِنَّ النَّفْسَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ تَابِعٌ لَهَا وَخُلِقَ لِمَصْلَحَتِهَا وَوِقَايَةٌ لَهَا وَخُصُوصًا الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلْعُقُوبَاتِ مِنْ الْحُدُودِ
وَالْقِصَاصِ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَحَيْثُ لَمْ يَنْظُرْ لَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِ النَّفْسِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ لَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِ الْمَالِ ( وَمَعَ هَذَا الْأَحَبِّ ) إلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُمَا ) وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ ( لِأَنَّ النَّصَّ ) السَّابِقَ نَاصٌّ ( عَلَى مَنْعِ الْمَالِ مِنْهُ كَيْ لَا يُتْلِفُهُ قَطْعًا وَإِذَا لَمْ يُحْجَرْ ) عَلَيْهِ ( أَتْلَفَهُ بِقَوْلِهِ فَلَا يُفِيدُ ) مَنْعُ الْمَالِ مِنْهُ وَأَيْضًا ( دَفْعًا ) وَكَانَ الْأَوْلَى وَدَفْعًا ( لِلضَّرَرِ الْعَامِّ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُلَبِّسُ ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ غَنِيٌّ بِالتَّزَيِّي بِزِيِّ الْأَغْنِيَاءِ ( فَيُقْرِضُهُ الْمُسْلِمُونَ أَمْوَالَهُمْ فَيُتْلِفُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ ) مِنْ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِهِمْ كَمَا سَلَفَ .
( وَهُوَ ) أَيْ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ ( وَاجِبٌ بِإِثْبَاتِ ) الضَّرَرِ ( الْخَاصِّ فَصَارَ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُكَارِي الْمُفْلِسِ ) وَهُوَ الَّذِي يَتَقَبَّلُ الْكِرَاءَ وَيُؤَجِّرُ الدَّوَابَّ وَلَيْسَ لَهُ ظَهْرٌ يَحْمِلُ عَلَيْهِ وَلَا مَالٌ يَشْتَرِي بِهِ الدَّوَابَّ ( وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ ) وَهُوَ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ كَذَا فِي طَرِيقَةِ عَلَاءِ الدِّينِ الْعَالِمِ وَلَفْظُ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَالْمُفْتِي الْجَاهِلُ لِعُمُومِ الضَّرَرِ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْأَمْوَالِ وَمِنْ الثَّانِي فِي الْأَبْدَانِ وَمِنْ الثَّالِثِ فِي الْأَدْيَانِ إلَّا أَنَّ فِي الْبَدَائِعِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْحَجْرِ عَلَى هَؤُلَاءِ حَقِيقَةَ الْحَجْرِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيُّ الَّذِي يَمْنَعُ نُفُوذَ التَّصَرُّفِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُفْتِيَ لَوْ أَفْتَى بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَصَابَ فِي الْفَتْوَى جَازَ وَلَوْ أَجَابَ قَبْلَهُ وَأَخْطَأَ لَا يَجُوزُ ، وَكَذَا الطَّبِيبُ لَوْ بَاعَ الْأَدْوِيَةَ بَعْدَ الْحَجْزِ نَفَذَ بَيْعُهُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ بِأَنْ يُمْنَعُوا مِنْ عَمَلِهِمْ حِسًّا ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ( وَإِذَا كَانَ الْحَجْرُ ) عَلَى السَّفِيهِ (
لِلنَّظَرِ لَهُ لَزِمَ أَنْ يَلْحَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِالْأَنْظَرِ فَفِي الِاسْتِيلَادِ يُجْعَلُ كَالْمَرِيضِ فَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ إذَا ادَّعَاهُ ) حَتَّى كَانَ حُرًّا وَكَانَتْ أُمَّ وَلَدِهِ وَإِذَا مَاتَ كَانَتْ حُرَّةً ( وَلَا يَسْعَى ) ؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ بِإِلْحَاقِهِ بِالْمُصْلِحِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيلَادِ لِحَاجَتِهِ إلَى بَقَاءِ نَسْلِهِ وَصِيَانَةِ مَائِهِ فَيَلْحَقُ فِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمَرِيضِ الْمَدْيُونُ إذَا ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِيهِ كَالصَّحِيحِ حَتَّى تَعْتِقَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَا تَسْعَى وَلَا وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَقِّ غُرَمَائِهِ ( وَفِي شِرَاءِ ابْنِهِ ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ ( كَالْمُكْرَهِ ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْمُكْرَهِ فَيَفْسُدُ ( فَيَثْبُتُ لَهُ ) أَيْ لِلسَّفِيهِ الْمِلْكُ ( بِالْقَبْضِ ) وَيَعْتِقُ عَلَيْهِ حِينَ قَبَضَهُ ( وَلَا يَلْزَمُ ) السَّفِيهَ ( الثَّمَنُ أَوْ الْقِيمَةُ فِي مَالِهِ جَعْلًا لَهُ ) أَيْ لِلسَّفِيهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ( كَالصَّبِيِّ ) ؛ لِأَنَّ تَوْفِيرَ النَّظَرِ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ .
( وَإِذْ لَمْ يَلْزَمْهُ ) أَيْ السَّفِيهَ الثَّمَنُ أَنَّ الْقِيمَةَ وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ أَحَدَهُمَا بِالْعَقْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا ذَكَرْنَا بَلْ يَسْعَى الِابْنُ فِي قِيمَتِهِ ( لَمْ يَسْلَمْ لَهُ ) أَيْ لِلسَّفِيهِ أَيْضًا ( شَيْءٌ مِنْ السِّعَايَةِ بَلْ تَكُونُ ) السِّعَايَةُ ( كُلُّهَا لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْغُنْمَ بِالْغُرْمِ كَعَكْسِهِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ ( وَالْحَجْرُ لِلنَّظَرِ عِنْدَهُمَا أَنْوَاعٌ ) يَكُونُ ( لِلسَّفِيهِ بِنَفْسِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ نَفْسِ السَّفَهِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا بِأَنْ بَلَغَ سَفِيهًا أَوْ عَارِضِيًّا بِأَنْ حَدَثَ بَعْدَ الْبُلُوغِ ( بِلَا ) تَوَقُّفٍ عَلَى ( قَضَاءٍ ) عَلَيْهِ بِالْحَجْرِ ( كَالصِّبَا وَالْجُنُونِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبِهِ ) أَيْ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي بِحَجْرِهِ ( عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِتَرَدُّدِهِ ) أَيْ السَّفَهِ ( بَيْنَ النَّظَرِ بِإِبْقَاءِ مِلْكِهِ ) أَيْ السَّفِيهِ ( وَالضَّرَرِ
بِإِهْدَارِ عِبَارَتِهِ ) فَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْقَضَاءِ عَلَى أَنَّ الْغَبْنَ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّذِي هُوَ عَلَامَةُ السَّفَهِ قَدْ لَا يَكُونُ لِلسَّفَهِ بَلْ حِيلَةً لِاسْتِجْلَابِ قُلُوبِ الْمُعَامِلِينَ لَهُ فَكَانَ مُحْتَمَلًا فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ وَالْعَتَهِ ( وَ ) يَكُونُ ( لِلدَّيْنِ ) عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ( خَوْفَ التَّلْجِئَةِ ) أَيْ الْمُوَاضَعَةِ لِمَالِهِ ( بَيْعًا وَإِقْرَارًا ) فِي أَصْلِ التَّصَرُّفِ أَوْ فِي قَدْرِ الْبَدَلِ أَوْ فِي جِنْسِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي بَابِ الْهَزْلِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا سَابِقَةً وَالْهَزْلُ قَدْ يَكُونُ مُقَارِنًا فَهِيَ أَخَصُّ ( فَبِالْقَضَاءِ ) أَيْ يَتَوَقَّفُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي بِهِ ( اتِّفَاقًا بَيْنَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَجْرَ عَلَيْهِ ( نَظَرٌ لِلْغُرَمَاءِ فَتَوَقَّفَ عَلَى طَلَبِهِمْ ) وَيَتِمُّ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لِلنَّظَرِ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى طَلَبِ أَحَدٍ فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بِلَا طَلَبٍ ( فَلَا يَتَصَرَّفُ ) الْمَدْيُونُ ( فِي مَالِهِ إلَّا مَعَهُمْ ) أَيْ الْغُرَمَاءِ ( فِيمَا فِي يَدِهِ وَقْتَ الْحَجْرِ ) مِنْ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ فِيهِ رِعَايَةٌ لِحَقِّهِمْ ( أَمَّا فِيمَا كَسَبَهُ بَعْدَهُ ) أَيْ الْحَجْرِ مِنْ الْمَالِ ( فَعُمُومٌ ) أَيْ فَيَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُهُ مَعَ كُلِّ أَحَدٍ لِعَدَمِ لُحُوقِ الْحَجْرِ لَهُ فِيهِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ ( وَ ) يَكُونُ ( لِامْتِنَاعِ الْمَدْيُونِ عَنْ صَرْفِ مَالِهِ إلَى دَيْنِهِ ) الْمُسْتَغْرِقِ لَهُ ( فَيَبِيعُهُ الْقَاضِي وَلَوْ ) كَانَ مَالُهُ ( عَقَارًا كَبَيْعِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( عَبْدَ الذِّمِّيِّ إذَا أَبَى ) الذِّمِّيُّ ( بَيْعَهُ ) أَيْ عَبْدِهِ ( بَعْدَ إسْلَامِهِ ) أَيْ عَبْدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِيهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالْفَتْوَى عَلَى
قَوْلِهِمَا فِي هَذَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ .
( وَمِنْهَا ) أَيْ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ نَفْسِهِ ( السَّفَرُ ) وَهُوَ لُغَةً قَطْعُ الْمَسَافَةِ وَشَرْعًا فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا خُرُوجٌ عَنْ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ بِقَصْدِ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَيْرٍ وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَهُوَ ( لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْأَحْكَامِ ) وُجُوبًا وَأَدَاءً مِنْ الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا لِبَقَاءِ الْقُدْرَةِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ( بَلْ جُعِلَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ ( فَشُرِعَتْ رُبَاعِيَّتُهُ ) مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ ( رَكْعَتَيْنِ ابْتِدَاءً ) كَمَا تَقَدَّمَ وَجْهُهُ فِي الرُّخْصَةِ ( وَلَمَّا كَانَ ) السَّفَرُ ( اخْتِيَارِيًّا دُونَ الْمَرَضِ ) وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ ( فَارَقَهُ ) أَيْ السَّفَرَ الْمَرَضُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ ( فَالْمُرَخِّصُ إذَا كَانَ ) أَيْ وُجِدَ ( أَوَّلَ الْيَوْمِ ) مِنْ أَيَّامِ رَمَضَانَ ( فَتَرَكَ ) مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ الْمُرَخِّصُ ( الصَّوْمَ ) ذَلِكَ الْيَوْمَ ( فَلَهُ ) التَّرْكُ ( أَوْ صَامَ ) صَحَّ صِيَامُهُ ، فَإِنْ أَرَادَ الْفِطْرَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمُرَخِّصُ ( الْمَرَضَ حَلَّ الْفِطْرُ أَوْ ) كَانَ الْمُرَخِّصُ ( السَّفَرَ فَلَا ) يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي الْمَرَضِ مِمَّا لَا مَدْفَعَ لَهُ فَرُبَّمَا يَتَوَهَّمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ وَبَعْدَ الشُّرُوعِ عَلِمَ لُحُوقَ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ لَا مَدْفَعَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ الدَّاعِي إلَى الْإِفْطَارِ بِأَنْ لَا يُسَافِرَ ( إلَّا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ ) عَلَيْهِ ( لَوْ أَفْطَرَ ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي وُجُوبِهَا بِاقْتِرَانِ صُورَةِ السَّفَرِ بِالْفِطْرِ ( وَإِنْ وُجِدَ ) الْمُرَخِّصُ ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ الْيَوْمِ ( وَقَدْ شَرَعَ ) فِي صَوْمِهِ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمُرَخِّصِ لَهُ حِينَئِذٍ ( فَإِنْ طَرَأَ الْعُذْرُ ثُمَّ الْفِطْرُ فَفِي الْمَرَضِ حَلَّ الْفِطْرُ لَا ) فِي ( السَّفَرِ ) ؛ لِأَنَّ بِعُرُوضِ الْمَرَضِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ
بِخِلَافِ عُرُوضِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ وَالْمَرَضُ ضَرُورِيٌّ وَلَكِنْ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِمَا ذَكَرْنَا ( وَفِي قَلْبِهِ ) أَيْ فِطْرُهُ قَبْلَ الْعُذْرِ ثُمَّ عُرُوضُ الْعُذْرِ ( لَا يَحِلُّ ) الْإِفْطَارُ لِعَدَمِ الْعُذْرِ عِنْدَهُ ( لَكِنْ لَا كَفَّارَةَ إذَا كَانَ الطَّارِئُ الْمَرَضَ ؛ لِأَنَّهُ سَمَاوِيٌّ تَبَيَّنَ بِهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ .
وَتَجِبُ ) الْكَفَّارَةُ ( فِي السَّفَرِ ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَتَقَرَّرَتْ ) الْكَفَّارَةُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ السَّفَرِ بِإِفْطَارِ صَوْمٍ وَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانِ شُبْهَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ السَّفَرُ خَارِجًا عَنْ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ عَلَى السَّفَرِ فِيهِ سَقَطَتْ عَنْهُ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( وَيَخْتَصُّ ثُبُوتُ رُخَصِهِ ) أَيْ السَّفَرِ مِنْ قَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ وَفِطْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِمَا ( بِالشُّرُوعِ فِيهِ ) أَيْ فِي السَّفَرِ ( قَبْلَ تَحَقُّقِهِ ) أَيْ السَّفَرِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ تَحَقُّقَهُ ( بِامْتِدَادِهِ ) أَيْ السَّفَرِ ( ثَلَاثَةً ) مِنْ الْأَيَّامِ بِلَيَالِيِهَا وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ { صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْمُسَافِرَ ( لَوْ أَقَامَ ) أَيْ نَوَى الْإِقَامَةَ ( قَبْلَهَا ) أَيْ قَبْلَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( صَحَّ ) مُقَامُهُ ( وَلَزِمَتْ أَحْكَامُ الْإِقَامَةِ وَلَوْ ) كَانَ ( فِي الْمَفَازَةِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ مُقَامَهُ ( دُفِعَ لَهُ ) أَيْ لِلسَّفَرِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ فَتَعُودُ الْإِقَامَةُ الْأُولَى ( وَبَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( لَا ) يَصِحُّ مُقَامُهُ ( إلَّا فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ ) الْمُقَامُ مِنْ مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُقَامَ حِينَئِذٍ ( رُفِعَ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ ) أَيْ السَّفَرِ فَكَانَتْ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا
تَصِحُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِاسْتِحَالَةِ إيجَابِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَالْمَفَازَةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِإِثْبَاتِ الْإِقَامَةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقَامَةُ فِيهَا وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ ( وَلَا يَمْنَعُ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ ) مِنْ قَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ ( الرُّخْصَةَ ) عِنْدَ أَصْحَابِنَا .
وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَمْنَعُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ فَلَا تُنَالُ بِالْمَعْصِيَةِ فَيُجْعَلُ السَّفَرُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهَا كَالسُّكْرِ يُجْعَلُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الرُّخَصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً ثَانِيهِمَا قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ } فَإِنَّهُ جَعَلَ رُخْصَةَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَنُوطَةً بِالِاضْطِرَارِ حَالَ كَوْنِ الْمُضْطَرِّ غَيْرَ بَاغٍ أَيْ خَارِجٍ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا عَادٍ أَيْ ظَالِمٍ لِلْمُسْلِمِينَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ فَيَبْقَى فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْفَصْلِ وَلِأَصْحَابِنَا إطْلَاقُ نُصُوصِ الرُّخَصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ } وَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً } وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ فِيهِ جَعْلَ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلرُّخْصَةِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمَعْصِيَةَ ( لَيْسَتْ إيَّاهُ ) أَيْ السَّفَرَ بَلْ هُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تُوجَدُ بِدُونِهِ وَيُوجَدُ بِدُونِهَا وَالسَّبَبُ هُوَ السَّفَرُ نَعَمْ هِيَ مُجَاوِرَةٌ لَهُ
وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ اعْتِبَارِهِ شَرْعًا كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ بِهِ وَالْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ مَغْصُوبٍ ( بِخِلَافِ السَّبَبِ الْمَعْصِيَةُ كَالسُّكْرِ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ ) حَيْثُ لَا مُبِيحَ لَهُ شَرْعًا فَإِنَّهُ حَدَثَ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَلَا تُنَاطُ بِهِ الرُّخْصَةُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا وَالْفَرْضُ انْتِفَاءُ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ فِيهِ فَانْتَفَى الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ( وقَوْله تَعَالَى { غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ } أَيْ فِي الْأَكْلِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِثْمَ وَعَدَمَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الِاضْطِرَارِ بَلْ بِالْأَكْلِ فَحِينَئِذٍ لَا بُدَّ فِي الْآيَةِ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلِهِ عَامِلًا فِي الْحَالِ أَيْ فَمَنْ اُضْطُرَّ فَأَكَلَ حَالَ كَوْنِهِ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَيَكُونُ الْبَغْيُ وَالْعِدَاءُ فِي الْأَكْلِ الَّذِي سِيقَتْ الْآيَةُ لِبَيَانِ حُرْمَتِهِ وَحِلِّهِ أَيْ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ فِي الْأَكْلِ قَدْرَ الْحَاجَةِ عَلَى أَنَّ عَادٍ مُكَرَّرٌ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ غَيْرَ طَالِبٍ لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهُ وَلَا مُجَاوِزٍ قَدْرَ مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ وَيَدْفَعُ الْهَلَاكَ أَوْ غَيْرَ مُتَلَذِّذٍ وَلَا مُتَرَدِّدٍ أَوْ غَيْرَ بَاغٍ عَلَى مُضْطَرٍّ آخَرَ بِالِاسْتِئْثَارِ عَلَيْهِ وَلَا مُجَاوِزٍ سَدَّ الْجَوْعَةِ .
( وَقِيَاسُ السَّفَرِ ) فِي كَوْنِهِ مُرَخِّصًا ( عَلَيْهِ ) أَيْ أَكْلُ الْمَيِّتَةِ الْمَنُوطِ بِالِاضْطِرَارِ فِي اشْتِرَاطِ نَفْيِ عِصْيَانِ الْمُسَافِرِ كَمَا فِي الْأَكْلِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ ( يُعَارِضُ إطْلَاقَ نَصِّ إنَاطَتِهِ ) أَيْ ثُبُوتِ الرُّخَصِ ( بِهِ ) أَيْ بِالسَّفَرِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِذَلِكَ كَمَا أَسْلَفْنَا بَعْضَهُ ( وَيَمْنَعُ تَخْصِيصُهُ ) أَيْ نَصَّهُ ( ابْتِدَاءً بِهِ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْكَلَامِ فِي التَّخْصِيصِ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ التَّرَخُّصَ لِلْمُضْطَرِّ ( لَمْ يُنَطْ بِالسَّفَرِ ) إجْمَاعًا بَلْ يُبَاحُ لِلْمُقِيمِ الْمُضْطَرِّ الْعَاصِي ( فَيَأْكُلُ مُقِيمًا عَاصِيًا ) فَانْتَفَى الْوَجْهُ الثَّانِي ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
( وَمِنْهَا ) أَيْ الْمُكْتَسَبَةُ مِنْ نَفْسِهِ ( الْخَطَأُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْفِعْلِ غَيْرَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ الْجِنَايَةَ كَالْمَضْمَضَةِ تَسْرِي إلَى الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ آدَمِيًّا ) فَإِنَّ الْقَصْدَ بِإِدْخَالِ الْمَاءِ الْفَمَ لَيْسَ إلَى وُلُوجِهِ الْحَلْقَ وَبِالرَّمْيِ لَيْسَ إلَى الْآدَمِيِّ ( وَالْمُؤَاخَذَةُ بِهِ ) أَيْ بِالْخَطَأِ ( جَائِزَةٌ ) عَقْلًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ( خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ ؛ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْمُؤَاخَذَةَ ( بِالْجِنَايَةِ ) ، وَهِيَ لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَصْدِ ( قُلْنَا هِيَ ) أَيْ الْجِنَايَةُ ( عَدَمُ التَّثَبُّتِ ) وَالِاحْتِيَاطِ وَالذُّنُوبُ كَالسَّمُومِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ يُفْضِي إلَى الْعِقَابِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً ( وَلِذَا ) أَيْ جَوَازُهَا بِهِ عَقْلًا ( سُئِلَ ) الْبَارِّي تَعَالَى ( عَدَمَ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ ) فَفِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلدُّعَاءِ فَائِدَةٌ بَلْ كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ جَوْرًا وَصَارَ الدُّعَاءُ فِي التَّقْدِيرِ رَبَّنَا لَا تَجُرْ عَلَيْنَا بِالْمُؤَاخَذَةِ وَهُوَ بَاطِلٌ .
لَكِنَّهَا سَقَطَتْ بِبَرَكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } قَالَ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا قَالَ فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ قَدْ فَعَلْت } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ ( وَعَنْهُ ) أَيْ كَوْنُ الْخَطَأِ جِنَايَةً ( كَانَ مِنْ ) الْعَوَارِضِ ( الْمُكْتَسَبَةِ ) مِنْ نَفْسِهِ ( غَيْرَ أَنَّهُ
تَعَالَى جَعَلَهُ ) أَيْ الْخَطَأَ ( عُذْرًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ ) تَعَالَى ( إذَا اجْتَهَدَ ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخْطِئُ فِي ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ } ( وَ ) جَعَلَهُ ( شُبْهَةً ) دَارِئَةً ( فِي الْعُقُوبَاتِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِحَدٍّ ) فِيمَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ ( وَلَا قِصَاصَ ) فِيمَا لَوْ رَمَى إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ ( دُونَ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَوَجَبَ ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ خَطَأً ) كَمَا لَوْ رَمَى إلَى شَاةِ إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا صَيْدٌ أَوْ أَكَلَ مَالَهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مِلْكُ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ لَا جَزَاءُ فِعْلٍ فَيَعْتَمِدُ عِصْمَةَ الْمَحَلِّ وَكَوْنُهُ خَاطِئًا لَا يُنَافِيهَا ( وَصَلَحَ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِي الْقَتْلِ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ) عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ( وَلِكَوْنِهِ ) أَيْ الْخَطَأِ لَا يَنْفَكُّ ( عَنْ تَقْصِيرٍ ) فِي التَّثْبِيتِ ( وَجَبَ بِهِ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ مِنْ الْكَفَّارَةِ ) فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءٌ قَاصِرٌ وَهُوَ صَالِحٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذْ أَصْلُ الْفِعْلِ وَهُوَ الرَّمْيُ إلَى الصَّيْدِ مُبَاحٌ وَتَرْكُ التَّثْبِيتِ فِيهِ مَحْظُورٌ فَكَانَ قَاصِرًا فِي مَعْنَى الْجِنَايَةِ كَمَا كَانَتْ قَاصِرَةً فِي مَعْنَى الْجَزَاءِ ( وَيَقَعُ طَلَاقُهُ ) بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا اسْقِينِي فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ( خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ) فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَقَعُ ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ بِالْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْمُخْطِئِ كَالنَّائِمِ .
وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَقَعُ ( لِأَنَّ الْغَفْلَةَ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ خَفِيٌّ ) وَفِي الْوُقُوفِ عَلَى قَصْدِهِ حَرَجٌ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَلَهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ ( فَأُقِيمَ
تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ ) عَنْ عَقْلٍ ( مَقَامَهُ ) أَيْ مَقَامَ قَصْدِهِ نَفْيًا لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السَّفَرِ مَعَ الْمَشَقَّةِ ( بِخِلَافِ النَّوْمِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ الْقَصْدِ فِيهِ ( ظَاهِرٌ ) لِلْعِلْمِ يَقِينًا بِأَنَّ النَّوْمَ يُنَافِي أَصْلَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ ؛ لِأَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ نُورِهِ فَكَانَتْ أَهْلِيَّةُ الْقَصْدِ مَعْدُومَةً بِيَقِينٍ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ فِي دَرْكِهِ ( فَأُقِيمَ ) تَمْيِيزُ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ ( مَقَامَهُ ) أَيْ الْقَصْدَ لِانْتِفَاءِ الشَّرْطِ ( فَفَارَقَ عِبَارَةُ النَّائِمِ عِبَارَةَ الْمُخْطِئِ وَذَكَرْنَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْوُقُوعَ ) لِطَلَاقِ الْمُخْطِئِ إنَّمَا هُوَ ( فِي الْحُكْمِ وَقَدْ يَكُونُ ) التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ لَهُمْ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا هُوَ ( مُقْتَضَى هَذَا الْوَجْهِ ) وَهُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ فِي الْحُكْمِ ( أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَتُهُ ) وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إسْعَافًا فَفِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَطَلَاقُ الرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَاقِعٌ وَفِي النَّسَفِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِ فَسَبَقَ لِسَانُهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يَدِينُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ الْغَلَطُ فِيهِمَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنْ لَا يَقَعَ بِلَا قَصْدِ لَفْظِ الطَّلَاقِ عِنْدَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ فِيمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ وَاقِعٌ أَيْ فِي الْقَضَاءِ وَقَدْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ بِالْعَتَاقِ يُدَيَّنُ بِخِلَافِ الْهَازِلِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ بِاللَّفْظِ فَيَسْتَحِقُّ التَّغْلِيظَ .
ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السَّبَبَ عَالِمًا بِأَنَّهُ سَبَبٌ رَتَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ مَا يَحْتَمِلُهُ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِ اللَّفْظِ وَلَا بِاللَّفْظِ فَمِمَّا يَنْبُو