كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

وَالْمَعْنَى فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ مَا وَقْتُ الْبَيْنُونَةِ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ كَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا ) هُوَ النِّحْلَةُ لِاتِّفَاقِ الْمَعْنَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَوَجْهُهُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ الصَّدَقَةَ إخْرَاجُ الْمَالِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْهِبَةِ إلَى الْعَبْدِ ا هـ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي الْقَبُولُ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ فَقِيرٍ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَهُ صَدَقَةٌ

( وَلَوْ ) شَهِدَ ( أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ مِائَةٍ وَمِائَتَيْنِ أَوْ طَلْقَةٍ وَطَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ رُدَّتْ ) لِاخْتِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ ( كَمَا إذَا ادَّعَى غَصْبًا أَوْ قَتْلًا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِهِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ ) حَيْثُ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ ( وَقُبِلَتْ عَلَى أَلْفٍ فِي بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ ) أَيْ فِي شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرِ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ ( إنْ ادَّعَى ) الْمُدَّعِي ( الْأَكْثَرَ ) وَهُوَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَلْفِ وَتَفَرُّدِ أَحَدِهِمَا بِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا فَقَطْ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِالزِّيَادَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي الدَّيْنِ

( قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ
إلَخْ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ إنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَكْثَرَ كَمَا فِي الْكَافِي وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ بِأَلْفٍ حَيْثُ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ كَمَا إذَا ادَّعَى غَصْبًا أَوْ قَتْلًا
إلَخْ ) وَجْهُ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ وَقَعَ فِي الْفِعْلِ فَمُنِعَ قَبُولُ الشَّهَادَةِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِالسِّكِّينِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتَكَرَّرُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ صِيغَةَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ يَقُولُ فِي الْإِنْشَاءِ بِعْتُ وَأَقْرَضْتُ وَفِي الْإِقْرَارِ كُنْتُ بِعْتُ وَأَقْرَضْتُ فَلَمْ يَمْنَعْ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ حَيْثُ تُقْبَلُ ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّطَابُقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى عَلَى وِزَانِ تَطَابُقِ الشَّاهِدَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ

( وَفِي الْعَبْدِ تُقْبَلُ عَلَى الْوَاحِدِ كَمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ لَهُ وَآخَرُ أَنَّ هَذَا لَهُ قُبِلَتْ عَلَى ) الْعَبْدِ ( الْوَاحِدِ ) الَّذِي اتَّفَقَا فِيهِ ( بِالْإِجْمَاعِ ) كَذَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الشُّرْبِ مِنْ الْمُحِيطِ ( وَفِي الْعَقْدِ لَا ) أَيْ لَا تُقْبَلُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى الْأَقَلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ أَوْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي ( فَلَوْ شَهِدَ ) وَاحِدٌ ( بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ كِتَابَتِهِ بِأَلْفٍ وَآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ رُدَّتْ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ ( كَذَا الْعِتْقُ بِمَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ قَوَدٍ وَالرَّهْنُ وَالْخُلْعُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ( وَالْقَاتِلُ ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَالرَّاهِنُ ) فِي الثَّالِثَةِ ( وَالْمَرْأَةُ ) فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَقْصِدُونَ إثْبَاتَ الْمَالِ بَلْ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ مُخْتَلِفٌ لِمَا عَرَفْت ( وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ ) بِأَنْ قَالَ مَوْلَى الْعَبْدِ أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْعَبْدُ يَدَّعِي الْأَلْفَ أَوْ قَالَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ صَالَحْتُكَ عَلَى أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْقَاتِلُ يَدَّعِي الْأَلْفَ وَكَذَا الْبَاقِيَانِ ( فَكَدَعْوَى الدَّيْنِ ) فِي وُجُوهِهَا إذْ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَبَقِيَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُدَّعِي فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنَ كَانَ دَعْوَاهُ فِي الدَّيْنِ بِلَا خَفَاءٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّيْنِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الدَّيْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِالْأَلْفِ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَيْسَ هَذَا كَدَعْوَى الدَّيْنِ لِأَنَّ

الدَّيْنَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمَدْيُونِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقِرَّ عِنْدَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَعِنْدَ الْآخَرِ بِأَكْثَرَ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ هُوَ الْأَكْثَرُ لَكِنَّهُ قَضَى الزَّائِدَ عَلَى الْأَلْفِ أَوْ يُبْرِئَهُ عَنْهُ عِنْدَ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ أَمَّا هَاهُنَا فَالْمَالُ يَثْبُتُ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقْدِ وَالْعَقْدُ بِالْأَلْفِ غَيْرُ الْعَقْدِ بِالْأَكْثَرِ فَبَقِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَهَادَةٌ فَرُدَّ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ أَقُولُ جَوَابُهُ أَنَّ الْمُشَبَّهَ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ بِجَمِيعِ الْوُجُوهِ بَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ كَدَعْوَى الدَّيْنِ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ لَفْظًا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ مَعْنًى فَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْأَكْثَرِ وَإِنْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ تُقْبَلُ عَلَى الْأَقَلِّ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِالْعَقْدِ حِينَ الْعَقْدِ وَتَابِعًا لَهُ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِالْعَكْسِ حِينَ الدَّعْوَى لِمَا عَرَفْت أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا اعْتَرَفَ بِالْعَفْوِ وَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَالْمُدَّعِي فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ كَانَ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْعَقْدُ وَإِنْ اُعْتُبِرَ بِالتَّبَعِ لِلدَّيْنِ كَمَا فِي الرَّهْنِ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْمَالُ يَثْبُتُ بِتَبَعِيَّةِ الْعَقْدِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ وَزَوَالِهِ فَتَدَبَّرْ ( وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ ) لِلْحَاجَةِ إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ ( وَكَالدَّيْنِ بَعْدَهَا وَالْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ ) إذْ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى إثْبَاتِ الْعَقْدِ

( قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ وَآخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ رُدَّتْ ) كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْجَامِعِ ثُمَّ قَالَ .
وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ تُقْبَلُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الشِّرَاءِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا اشْتَرَى بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَكُونُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَوْ جَازَ لَزِمَ الْقَضَاءُ بِبَيْعٍ بِلَا ثَمَنٍ إذْ لَمْ يَثْبُتْ أَحَدُ الثَّمَنَيْنِ بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ لَا يُفِيدُ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى الْخُصُومَةِ كَمَا كَانَتْ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ الْمُدَّعَى بِهَا وَإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ وَسِيلَةً إلَى إثْبَاتِهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ أَوْ كِتَابَتِهِ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي الْعَبْدَ أَوْ مَوْلَاهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ إنْ ادَّعَى الْعَبْدُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ) هِيَ قَوْلُهُ كَذَا الْعِتْقُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْكِتَابَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى الْآخَرُ فَكَدَعْوَى الدَّيْنِ فِي وُجُوهِهَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ يُعْطَفُ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَضَى بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَأَلْفٍ وَأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ ا هـ يَعْنِي بِأَنْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِهِمَا وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ إذْ هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ أَمَّا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِيَّانَا ( قَوْلُهُ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ
إلَخْ ) مُحَصِّلُهُ أَنَّ دَعْوَى الرَّهْنِ لَيْسَتْ كَدَعْوَى

الدَّيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ الْأَقَلُّ لِأَنَّ تَطَابُقَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ مُلْزِمٌ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ وَاتِّحَادِ السَّبَبِ وَلَيْسَ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْأَقَلِّ فِي الرَّهْنِ مُلْزَمًا بِهِ لِكَوْنِ الْمَالِ تَابِعًا لِلْعَقْدِ وَقَدْ تَعَدَّدَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَلِكَوْنِهِمَا عَقْدَيْنِ انْفَرَدَ بِكُلِّ فَرْدٍ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا وَجَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ
إلَخْ لَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بَلْ هُوَ عَيْنُ كَلَامِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ
إلَخْ فَحَاصِلُهُ الْجَوَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ثُبُوتِ الْعَقْدِ وَزَوَالِهِ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِ الْعَقْدِ تَكُونُ الدَّعْوَى بِالْعَقْدِ وَالْمَالِ تَابِعٌ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الْعَقْدِ وَفِي زَوَالِهِ تَكُونُ الدَّعْوَى فِي الدَّيْنِ وَالْعَقْدِ تَابِعٌ يَثْبُتُ بِثُبُوتِ الدَّيْنِ ا هـ لَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ وَالثُّبُوتِ وَزِيَادَةِ تَحْقِيقٍ وَيُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فَإِنْ قِيلَ الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَيَثْبُتُ الرَّهْنُ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ ا هـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لِغَيْرِ الْكَمَالِ وَلِذَا عَقَّبَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ بِقَوْلِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مِثْلًا هَكَذَا طَالَبَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى الرَّهْنِ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا

الْمَالَ وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ دَيْنِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ هَكَذَا طَالَبَهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَانَ رَهْنُهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ ) أَيْ لَا تَثْبُتُ بِالِاخْتِلَافِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنْ ادَّعَى الْإِجَارَةَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ تَنَازَعَا قَبْلَ الزَّرْعِ وَالْحَمْلِ فَسَخَهَا الْقَاضِي ( قَوْلُهُ وَكَالدَّيْنِ بَعْدَهَا وَالْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرُ ) أَيْ إذَا سُلِّمَتْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ انْتَفَعَ أَوْ لَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُؤَجِّرُ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ فَهُوَ كَدَعْوَى الْعَقْدِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ وَلَا اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

( وَالنِّكَاحُ يَصِحُّ بِالْأَقَلِّ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجِ أَوْ الْمَرْأَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَعِنْدَهُمَا تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ كَمَا فِي الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ ، وَالنِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَهُ أَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ وَلِهَذَا يَصِحُّ بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ وَمِنْ حُكْمِ التَّابِعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ فَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ إذًا اتِّفَاقًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْحِلُّ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِهِ وَإِذَا وَجَبَ بَقِيَ الْمَهْرُ مَالًا مُنْفَرِدًا فَوَجَبَ الْقَصَاءُ بِأَقَلَّ الْمِقْدَارَيْنِ كَمَا فِي الْمَالِ الْمُنْفَرِدِ

قَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ يَصِحُّ بِالْأَقَلِّ ) كَذَا حَكَى الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ بِخِلَافِهِمَا فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ ا هـ أَيْ دَعْوَاهُ وَدَعْوَاهَا ( قَوْلُهُ مُطْلَقًا ) إطْلَاقُ الصِّحَّةِ بِإِلْزَامٍ فِي دَعْوَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ أَجْرَى إطْلَاقَهُ يَعْنِي صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي دَعْوَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَصَحَّحَ الصِّحَّةَ سَوَاءٌ ادَّعَى الْمُدَّعِي الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْجَامِعِ قَيَّدَهُ بِدَعْوَى الْأَكْثَرِ حَيْثُ قَالَ جَازَتْ الشَّهَادَةُ بِأَلْفٍ وَهِيَ تَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَفْهُومُ يُعْتَبَرُ رِوَايَةً وَبِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَيْضًا يُسْتَفَادُ لُزُومُ التَّفْصِيلِ فِي الْمُدَّعَى بِهِ بَيْنَ كَوْنِهِ الْأَكْثَرَ فَتَصِحُّ عِنْدَهُ أَوْ الْأَقَلَّ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي الْبُطْلَانِ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَ الْأَكْثَرِ كَمَا عَوَّلَ عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْمَشَايِخِ فَإِنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَهِيَ تَدَّعِي
إلَخْ يُفِيدُ تَقْيِيدَ جَوَابِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْجَوَازِ بِمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلْأَكْثَرِ دُونَهُ فَإِنَّ الْوَاوَ فِيهِ لِلْحَالِ وَالْأَحْوَالَ شُرُوطٌ فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاتِّفَاقِهِمَا وَدَيْنِ أَلْفٍ .
ا هـ .
( قُلْت ) إلَّا أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَشَارَ إلَى جَوَابِ هَذَا فَقَالَ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ

الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ أَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ .
ا هـ .

( شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ بِأَلْفٍ ) لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ( كَمَا إذَا شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْقَرْضَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ فِي الثَّانِي لِأَنَّهُ شَهَادَةُ فَرْدٍ ( إلَّا إذَا شَهِدَ مَعَهُ آخَرُ ) إذْ حِينَئِذٍ يُوجَدُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ ( وَلَا يَشْهَدُ مِنْ عِلْمِهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ فِي الصُّورَتَيْنِ ( حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ ) لِئَلَّا يَكُونَ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ
( قَوْلُهُ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَى خَمْسَمِائَةٍ قُبِلَتْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ لِتَكْذِيبِ الْمُدَّعِي شَاهِدَهُ كَمَا إذَا شَهِدَ لَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا قُلْنَا التَّكْذِيبُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ كَمَا إذَا شَهِدَا لَهُ بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِآخَرَ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا بِخِلَافِهِ فِيمَا شَهِدَا لَهُ بِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ
إلَخْ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ يَوْمَ كَذَا بِمَكَّةَ ، وَ ) شَهِدَ ( آخَرَانِ بِقَتْلِهِ فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ( بِالْكُوفَةِ رُدَّتَا ) يَعْنِي أَنَّ أَرْبَعَةَ رِجَالٍ اجْتَمَعُوا عِنْدَ قَاضٍ فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِمَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَالْآخَرَانِ بِمَا ذُكِرَ ثَانِيًا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ ( فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا رُدَّتْ الْأُخْرَى ) لِرُجْحَانِ الْأُولَى بِالسَّبْقِ

( شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ بَيْضَاءَ وَالْآخَرُ كَانَتْ سَوْدَاءَ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَتْ صَفْرَاءَ وَالْآخَرُ كَانَتْ حَمْرَاءَ ( قُطِعَ ) وَقَالَا لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَمْتَنِعُ بِهِ الْقَبُولُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ أَوْ اخْتَلَفَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْغَصْبِ ضَمَانٌ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَالثَّابِتُ هُنَا حَدٌّ يَسْقُطُ بِهَا وَلَهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَيْسَ مِنْ صُلْبِ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَوْ سَكَتَا عَنْ ذِكْرِ اللَّوْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ لِأَنَّ اللَّوْنَيْنِ قَدْ يَجْتَمِعَانِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ شِقَّيْهَا أَسْوَدَ وَالْآخَرُ أَبْيَضَ وَيَرَى أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ أَحَدَ طَرَفَيْهَا وَالْآخَرُ الْآخَرَ ( بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ ) لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَعِنْدَ الْقُرْبِ لَا يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالتَّوْفِيقِ .
( وَ ) بِخِلَافِ ( الْغَصْبِ ) لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي النَّهَارِ غَالِبًا فَيَتَمَكَّنُ الشَّاهِدُ مِنْ الْقُرْبِ مِنْ الْغَاصِبِ فَيَتَأَمَّلُ فِي جَمِيعِ أَلْوَانِ الْمَغْصُوبِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِالتَّوْفِيقِ

( قَوْلُهُ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ ) هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي لَوْنَهَا وَلَوْ عَيَّنَ لَوْنَهَا كَحَمْرَاءَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءَ لَمْ يُقْطَعْ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى وَهُوَ أَوْلَى لِإِفَادَتِهِ عَدَمَ الْقَطْعِ وَعَدَمَ ثُبُوتِ الْمَسْرُوقِ ا هـ .
وَقِيلَ هَذَا فِي لَوْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَأَمَّا فِي لَوْنَيْنِ غَيْرِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ وَالتَّوْفِيقُ مُمْكِنٌ ) فَإِنْ قِيلَ فِي التَّوْفِيقِ احْتِيَالٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَهُوَ يَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لَا لِإِيجَابِهِ قُلْنَا الْقَطْعُ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ وَمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُوجِبِ لَا فِي غَيْرِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( مِلْكُ الْمُورِثِ لَا يَقْضِي لِوَارِثِهِ بِلَا جَرِّ الشَّاهِدَيْنِ ) وَبَيَّنَ مَعْنَى الْجَرِّ بِقَوْلِهِ ( بِقَوْلِهِمَا مَاتَ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا لَهُ أَوْ وَذَا مِلْكُهُ أَوْ فِي يَدِهِ ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِيرَاثِ هَلْ تَحْتَاجُ إلَى الْجَرِّ وَالنَّقْلِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَتْنِ أَوَّلًا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ يَقُولُ إنَّ مِلْكَ الْمُورِثِ مِلْكُ الْوَارِثِ لِكَوْنِ الْوِرَاثَةِ خِلَافَةً وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ فَصَارَتْ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِلْمُورِثِ شَهَادَةً بِهِ لِلْوَارِثِ وَهُمَا يَقُولَانِ مِلْكُ الْوَارِثِ يَتَجَدَّدُ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْجَارِيَةِ الْمَوْرُوثَةِ وَيَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ مَا كَانَ صَدَقَةً عَلَى الْمُورِثِ الْفَقِيرِ ، وَالْمُتَجَدِّدُ يَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ لِئَلَّا يَكُونَ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ مُثْبِتًا لَكِنْ يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ عَلَى قِيَامِ مِلْكِ الْمُورِثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لِثُبُوتِ الِانْتِقَالِ حِينَئِذٍ ضَرُورَةً وَكَذَا الشَّهَادَةُ عَلَى قِيَامِ يَدِهِ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَنْ يُسَوِّيَ أَسْبَابَهُ وَيُبَيِّنَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَجَعَلَ الْيَدَ عِنْدَ الْمَوْتِ دَلِيلَ الْمِلْكِ

( كَذَا ) أَيْ كَالْجَرِّ فِي إفَادَةِ فَائِدَتِهِ ( قَوْلُهُمَا ) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ ( كَانَ ) أَيْ مَا يَدَّعِيهِ هَذَا الْوَارِثُ ( لِأَبِيهِ أَعَارَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ ذَا الْيَدِ ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً عَلَى دَارٍ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ وَأَعَارَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَلَا يُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ بِالِاتِّفَاقِ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبَ الْجَرَّ فِي الشَّهَادَةِ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ قِيَامَ الْيَدِ عِنْدَ الْمَوْتِ يُغْنِي عَنْ الْجَرِّ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ يَدُ الْمُعِيرِ وَالْمُودِعِ

( شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ كَذَا رُدَّتْ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ مُنْذُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ لَمْ تُقْبَلْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ دُفِعَتْ إلَى الْمُدَّعِي اتِّفَاقًا وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى مَجْهُولٍ وَهُوَ الْيَدُ فَإِنَّهَا الْآنَ مُنْقَطِعَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ فَلَا يُحْكَمُ بِإِعَادَتِهَا بِالشَّكِّ ( إلَّا أَنْ يَقُولَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( وَإِنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَحْدَثَ الْيَدَ فِيهِ فَيَقْتَضِي لَهُ ) أَيْ لِلْمُدَّعِي ( بِالْيَدِ وَيُؤْمَرُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لَكِنْ لَا يَصِيرُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بِهِ ) أَيْ بِزَوَالِ الْيَدِ عَنْهُ ( مَقْضِيًّا عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بِرَهْنٍ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ تُقْبَلُ ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( وَإِنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعِي ( أَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَقَرَّ بِيَدِ الْمُدَّعِي ) أَيْ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ ( أَوْ ) أَقَرَّ ( بِمِلْكِهِ أَوْ ) شَهِدَا ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( دَفَعَ إلَى الْمُدَّعِي ) كَذَا فِي الْكَافِي

( بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَهَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ أَدَاءَهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لَزِمَتْ الْأَصْلَ لَا حَقَّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِعَدَمِ الْإِجْبَارِ وَالْإِنَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا جَوَازَهَا فِي كُلِّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهَا لِمَوْتِهِ أَوْ سَفَرِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ لَأَدَّى إلَى ضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جُوِّزَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ أَعْنِي الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ ثُمَّ وَثُمَّ لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ لِأَنَّ الْبَدَلَ مَا لَا يُصَالُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ
بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ) قَوْلُهُ لَكِنَّ فِيهَا شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ ) يُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ فِيهَا حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ إذْ قَالَ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْفَرْعُ بَدَلًا لِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا مَعَ أَحَدِ الِاثْنَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَيْسَا بِبَدَلٍ عَنْ الَّذِي شَهِدَ مَعَهُمَا بَلْ عَنْ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ انْتَهَى

( وَتُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ بِشَرْطِ تَعَذُّرِ حُضُورِ الْأَصْلِ ) أَيْ أَصْلِ الشَّاهِدِ عَلَى الْقَضِيَّةِ ( بِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ ) أَيْ يَكُونُ مَرِيضًا مَرَضًا لَا يَسْتَطِيعُ بِهِ حُضُورَ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ ( أَوْ سَفَرٍ ) أَيْ يَكُونُ غَائِبًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَإِنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ وَإِنَّمَا تَمَسُّ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ وَبِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ بِلَا مِرْيَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيتَ بِأَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ قَالُوا الْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ .
( وَ ) بِشَرْطِ ( شَهَادَةِ عَدَدٍ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ ( وَإِنْ لَمْ يَتَغَايَرْ فَرْعَاهُمَا ) يَعْنِي لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ شَاهِدٍ شَاهِدَانِ مُتَغَايِرَانِ بَلْ يَكْفِي شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ ثُمَّ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ ( بِأَنْ يَقُولَ الْأَصْلُ ) مُخَاطِبًا لِلْفَرْعِ ( اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ بِكَذَا ) أَيْ بِأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا مَثَلًا ( وَ ) يَقُولُ ( الْفَرْعُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِكَذَا وَقَالَ ) أَيْ فُلَانٌ ( اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ الْفَرْعِ ، وَذِكْرِ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرِ التَّحَمُّلِ وَالْعِبَارَةُ الْمَذْكُورَةُ تَفِي بِذَلِكَ كُلِّهِ وَهِيَ وُسْطَى الْعِبَارَاتِ وَلَهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ الْآنَ فَذَلِكَ ثَمَانِ شِينَاتٍ وَالْمَذْكُورُ أَوَّلًا خَمْسُ شِينَاتٍ

وَأَقْصَرُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْفَرْعُ عِنْدَ الْقَاضِي أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَفِيهِ شِينَانِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ شَيْءٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

( قَوْلُهُ وَالثَّانِي أَرْفَقُ ) وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ كَيْفَ مَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفَرْعُ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى تُقْبَلُ وَقَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَهُمَا بِلَا رِضَا الْخَصْمِ وَعِنْدَهُ لَا إلَّا بِرِضَاهُ وَإِلَّا قُطِعَ صَرَّحَ بِهِ عَنْهُمَا فَقَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْبَلُ وَإِنْ كَانُوا فِي الْمِصْرِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَبِشَرْطِ شَهَادَةِ عَدَدٍ عَنْ كُلِّ أَصْلٍ ) الْمُرَادُ بِالْعَدَدِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَيَقُولُ الْفَرْعُ اشْهَدْ
إلَخْ ) مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إذْ هُوَ الْوَسَطُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَإِنْ حَكَى اخْتِيَارَ غَيْرِهِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ اخْتِيَارِ الْفَقِيهِ الْآتِي ذِكْرُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ كَلَامِ الْقُدُورِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى خَمْسِ شِينَاتٍ حَيْثُ حَكَاهُ وَذَكَرَ أَنَّ ثَمَّ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ ثُمَّ قَالَ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا وَذَكَرَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ شَارِحُ الْقُدُورِيِّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ أَوْلَى وَأَحْوَطُ ( قَوْلُهُ وَأَقْصَرُ مِنْهُ
إلَخْ ) مِنْ الْأَقَلِّ سِتُّ شِينَاتٍ وَأَرْبَعُ شِينَاتٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَثَلَاثُ شِينَاتٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ وَأُسْتَاذِهِ أَبِي جَعْفَرٍ ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ

وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا لَهُ .
ا هـ .

( صَحَّ تَعْدِيلُ الْفَرْعِ لِلْأَصْلِ ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا صَلَحَ لِلتَّزْكِيَةِ وَإِلَّا لَمْ يَصْلُحْ لِلشَّهَادَةِ لَا يُقَالُ هُوَ مُتَّهَمٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ نَفْسِهِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِتَعْدِيلِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعَدْلُ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَا يُتَّهَمُ فِي شَهَادَةِ نَفْسِهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ لِيَصِيرَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ ( كَأَحَدِ ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ أَحَدِ ( الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إنْ كَانَ عَدْلًا إلَى آخِرِهِ ( وَإِنْ سَكَتَ ) أَيْ الْفَرْعُ عَنْ تَعْدِيلِ الْأَصْلِ ( صَحَّ نَقْلُهَا ) أَيْ نَقْلُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ
( قَوْلُهُ كَأَحَدِ ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ لِلْآخَرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ تَعْدِيلُ صَاحِبِهِ لِلتُّهْمَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ ا هـ قَوْلُهُ وَإِنْ سَكَتَ صَحَّ نَقْلُهَا وَعُدِلُوا ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَا مُحَمَّدٌ لَا تُقْبَلُ هَكَذَا ذَكَرَ الْخِلَافَ النَّاصِحِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ الْفُرُوعُ حِينَ سَأَلَهُمْ عَنْ عَدَالَةِ الْأُصُولِ لَا نُخْبِرُك بِشَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ أَيْ الْفُرُوعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ جَرْحًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيُسْأَلُ غَيْرُهُمَا وَلَوْ قَالَا لَا نَعْرِفُ عَدَالَتَهُمَا وَلَا عَدَمَهَا فَكَذَا الْجَوَابُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السُّغْدِيُّ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ وَيُسْأَلُ عَنْ الْأُصُولِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقِيَ مَسْتُورًا فَيُسْأَلُ عَنْهُ .
ا هـ .

( وَعُدِلُوا ) أَيْ بِتَعَرُّفِ الْقَاضِي الَّذِي يَسْمَعُ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَدَالَةَ الْأُصُولِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّزْكِيَةِ كَمَا إذَا حَضَرُوا وَشَهِدُوا فَإِنْ ثَبَتَ عَدَالَتُهُمْ حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا ( أَنْكَرَ الْأَصْلُ شَهَادَتَهُ بَطَلَ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ ) قَالَ فِي الْكَافِي مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا لَنَا شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ أَمَّا مَعَ حَضْرَتِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَإِنْ لَمْ يُنْكِرُوا وَهَذَا لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَقَدْ فَاتَ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ يَعْنِي خَبَرَ الْأَصْلِ وَخَبَرَ الْفَرْعِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْنَاهُ إذَا قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَخَبَرِ الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْأُصُولَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ فَلَا يَثْبُتُ التَّحْمِيلُ مَعَ الِاحْتِمَالِ أَقُولُ قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهِ وَسَائِرُ الْمُعْتَبَرَاتِ هَكَذَا وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْكَافِي وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مُغَايَرَةُ الْإِشْهَادِ لِلشَّهَادَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَفْسِيرُهَا بِهِ وَلَعَلَّ مَنْشَأَ غَلَطِهِ قَوْلُهُمْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ فَإِنَّ مَعْنَى التَّحْمِيلِ هُوَ الْإِشْهَادُ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا إذَا أَنْكَرَ أَصْلَ الشَّهَادَةِ بَلْ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهِيَ أَبْلَغُ مِنْ الصَّرِيحِ

( قَوْلُهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
إلَخْ ) قَالَ الْفَاضِلُ الْمَرْحُومُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَقُولُ لَمْ يَرُدَّ الزَّيْلَعِيُّ تَفْسِيرَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِشْهَادِ بَلْ أَرَادَ أَنَّ مَدَارَ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ عَلَى إنْكَارِ الْأَصْلِ لِلْإِشْهَادِ حَتَّى يَبْطُلَ وَلَوْ قَالَ لِي شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَكِنْ لَمْ أَشْهَدْ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ فِي صُورَةٍ مِنْ صُورَتَيْ إنْكَارِ الْإِشْهَادِ وَهِيَ صُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا إذْ لَا شَكَّ فِي فَوَاتِ الْإِشْهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَا فِي الْمَتْنِ حَصَرَ الْبُطْلَانَ بِصُورَةِ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ التَّحْمِيلَ لَا يَثْبُتُ أَيْضًا مَعَ إنْكَارِ أَصْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ خَافِيًا عَلَيْهِ لَوْ تُوُهِّمَ عَدَمُ بُطْلَانِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ حِينَئِذٍ وَحَاشَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَإِذْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْبُطْلَانَ يَعُمُّ صُورَةَ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ رَأْسًا وَصُورَةَ الْإِقْرَارِ بِهَا وَإِنْكَارِ الْإِشْهَادِ تَحَقَّقْتَ أَنَّ كَوْنَ التَّرْكِيبِ أَبْلَغَ فِي الْإِنْكَارِ غَيْرُ مُرَادٍ ا هـ مَا قَالَهُ الْفَاضِلُ وَصُورَةُ إنْكَارِ الشَّهَادَةِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ بِأَنْ قَالُوا لَيْسَ لَنَا شَهَادَةٌ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَغَابُوا أَوْ مَاتُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ أَوْ قَالُوا لَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ لَمْ يَثْبُتْ وَهُوَ شَرْطٌ .
ا هـ .

( شَهِدَا عَنْ اثْنَيْنِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَقَالَا أَخْبَرَانَا بِمَعْرِفَتِهَا وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِامْرَأَةٍ لَمْ يَعْرِفَا أَنَّهَا هِيَ قِيلَ ) أَيْ لِلْمُدَّعِي ( هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا هِيَ ) لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهَا لِلْحَاضِرَةِ فَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا مَرَّ مِنْ شَهَادَةٍ قَاصِرَةٍ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ ( كَذَا الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ ( وَلَوْ قَالَا ) أَيْ الشَّاهِدَانِ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لِبَيَانِ النِّسْبَةِ ( التَّمِيمِيَّةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا ) بِسُكُونِ الْخَاءِ الْقَبِيلَةُ الْخَاصَّةُ ( أَوْ جَدِّهَا ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْرِيفِ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ الْعَامَّةِ وَالنِّسْبَةُ إلَى بَنِي تَمِيمٍ عَامَّةٌ إذْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُمْ بِخِلَافِ النِّسْبَةِ إلَى الْفَخْذِ لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ حَتَّى إنْ ذَكَرَهُ يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِ الْجَدِّ لِأَنَّهُ اسْمُ الْجَدِّ الْأَعْلَى فَقَامَ مَقَامَ الْجَدِّ الْأَدْنَى

( قَوْلُهُ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ا هـ وَالْأَمْرُ لَا يَخْتَصُّ بِإِنْكَارِهَا بَلْ لَوْ أَقَرَّتْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ الْعِبْرَةُ لِمَعْرِفَةِ الشُّهُودِ إيَّاهَا حَتَّى إذَا لَمْ يَعْرِفَاهَا يُكَلَّفُ الْمُدَّعِي إثْبَاتَ أَنَّهَا هِيَ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ ( قَوْلُهُ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانَ الْفَخْذِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بَيَانَ الْفَخْذِ وَالشُّعَبِ وَالْعِمَارَةِ وَالْقَبِيلَةِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجُهُ فِي شَرْطِ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي اللَّقَبِ مَعَ الِاسْمِ هَلْ هُمَا وَاحِدٌ أَوْ لَا .
ا هـ .

( أَشْهَدُ ) أَيْ الْأَصْلُ ( عَلَى شَهَادَتِهِ ثُمَّ نَهَاهُ ) أَيْ الْفَرْعُ ( عَنْهَا ) أَيْ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ ( لَمْ يَصِحَّ ) أَيْ نَهْيًا ( كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْقَضَاءِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِ وَعَلَى قَضَاءِ أَبِيهِ فِي الصَّحِيحِ ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ مِنْ الْخَانِيَّةِ
( قَوْلُهُ كَافِرَانِ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ
إلَخْ ) لَعَلَّ وَجْهَ عَدَمِ الْقَبُولِ لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ا هـ .
وَلَمْ يُعَلِّلْهُ قَاضِي خَانْ

( مَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا ) بِأَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا أَوْ شَهِدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ أَوْ مَوْتِهِ فَجَاءَ حَيًّا أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَضَى ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ ( عُزِّرَ بِالتَّشْهِيرِ ) قَالَ فِي الْكَافِي أَعْلَمُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً اتَّصَلَ ضَرَرُهَا بِالْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَيُعَزَّرُ زَجْرًا لَهُ وَتَنْكِيلًا إلَّا أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَعْزِيرُهُ تَشْهِيرُهُ فَقَطْ وَقَالَا يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا كَانَ يُشَهِّرُهُ وَلَا يَضْرِبُهُ فَيَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا أَوْ إلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي أَجْمَعِ مَا كَانُوا وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ وَشُرَيْحٌ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَمِثْلُ هَذَا التَّشْهِيرِ لَا يَخْفَى عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ

( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي اعْلَمْ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ يُعَزَّرُ إجْمَاعًا ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ رَجَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ لَا يُعَزَّرُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ فَعَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّائِبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّعْزِيرِ الِانْزِجَارُ وَقَدْ انْزَجَرَ بِدَاعِي اللَّهِ تَعَالَى وَجَوَابُهُمَا فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ا هـ .
وَفِي الْبُرْهَانِ يُرْجَعُ فِي ظُهُورِ تَوْبَةِ شَاهِدِ الزُّورِ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فِي الصَّحِيحِ إذْ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا إلَيْهِ فَيَكُونُ تَعَرُّفُ حَالِهِ فِي التَّوْبَةِ إلَيْهِ وَعِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يُقَدَّرُ بِعَامٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ بِنِصْفِ عَامٍ لِأَنَّ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ يَتَغَيَّرُ حَالُ الْإِنْسَانِ ( قَوْلُهُ وَسَخَّمَ وَجْهَهُ ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ وَالْحَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ شُرَيْحًا
إلَخْ ) بَقِيَ مِنْ تَمَامِ عِبَارَةِ الْكَافِي فَكَانَ هَذَا مِنْهُ احْتِجَاجًا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا تَقْلِيدِ شُرَيْحٍ لِأَنَّهُ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ انْتَهَى

( بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) ( هُوَ أَنْ يَقُولَ كُنْت مُبْطِلًا فِيهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ ( وَنَحْوَهُ ) كَأَنْ يَقُولَ رَجَعْتُ عَمَّا شَهِدْتُ بِهِ أَوْ شَهِدْتُ بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْتُ ( فَلَا يَكُونُ إنْكَارُهَا رُجُوعًا ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهَا ( لَا يَصِحُّ ) أَيْ الرُّجُوعُ عَنْهَا ( إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا تَوْبَةٌ وَالتَّوْبَةُ عَلَى حَسَبِ الْجِنَايَةِ فَالسِّرُّ بِالسِّرِّ وَالْإِعْلَانُ بِالْإِعْلَانِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ جِنَايَةٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَالتَّوْبَةُ عَنْهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الرُّجُوعُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِذَا ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي بَيِّنَةً عَلَيْهِمَا وَلَا يُحَلِّفُهُمَا لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَالْيَمِينَ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَدَعْوَى الرُّجُوعِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي بَاطِلَةٌ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ وَضَمَّنَهُ الْمَالَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ لِصِحَّةِ السَّبَبِ ( وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبْضِ الْمَالِ التَّعْزِيرُ وَالتَّضْمِينُ ) أَمَّا التَّعْزِيرُ فَلِمَا مَرَّ وَأَمَّا التَّضْمِينُ أَيْ تَضْمِينُ مَا أَتْلَفَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا فَلِإِقْرَارِهِمَا عَلَى نَفْسِهِمَا بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ الْبَاطِلَةُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ حُكْمَ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا قَالَ وَقَبْضِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ ( وَلَمْ يَنْتَقِضْ ) أَيْ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يَتَحَقَّقُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضُ لَا يَنْتَقِضُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ .
( وَ ) حُكْمُهُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ ( التَّعْزِيرُ ) فَقَطْ وَقَدْ مَرَّ ( الْعِبْرَةُ ) فِي حَقِّ الضَّمَانِ ( لِلْبَاقِي لَا الرَّاجِعِ ) هَذَا هُوَ الْأَصْلُ وَقَدْ فَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ

( فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ ) إذْ بِشَهَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَقُومُ نِصْفُ الْحُجَّةِ فَبِبَقَاءِ أَحَدِهِمَا عَلَى الشَّهَادَةِ تَبْقَى الْحُجَّةُ فِي النِّصْفِ فَيَجِبُ عَلَى الرَّاجِعِ ضَمَانُ مَا لَمْ تَبْقَ الْحُجَّةُ فِيهِ وَهُوَ النِّصْفُ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحُكْمُ ابْتِدَاءً بِبَعْضِ الْعِلَّةِ ثُمَّ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ الْعِلَّةِ كَابْتِدَاءِ الْحَوْلِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى بَعْضِ النِّصَابِ وَيَبْقَى مُنْعَقِدًا بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ ( وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الرَّاجِعُ إذْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ ( وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا ) أَيْ الرَّاجِعَانِ ( النِّصْفَ ) إذْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْمَالِ ( وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَةٌ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ضَمِنَتْ الرُّبْعَ ) إذْ بَقِيَ عَلَى الشَّهَادَةِ مَنْ يَبْقَى بِهِ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ ( وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا النِّصْفَ ) لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِهِ النِّصْفُ ( وَإِنْ رَجَعَتْ ثَمَانٍ مِنْ رَجُلٍ وَعَشْرَةِ نِسْوَةٍ فَلَا ضَمَانَ ) لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْمَالِ وَهُوَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ( فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَتْ التِّسْعُ الرُّبْعَ لِبَقَاءِ مَنْ يَبْقَى بِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ ) إذْ النِّصْفُ يَبْقَى بِالرَّجُلِ وَالرُّبْعُ بِالْبَاقِيَةِ ( وَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ ) أَيْ الرَّجُلُ وَالنِّسَاءُ ( فَعَلَيْهِ السُّدُسُ عِنْدَهُ وَالنِّصْفُ عِنْدَهُمَا وَمَا بَقِيَ ) وَهُوَ خَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ ( عَلَيْهِنَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ ) لَهُمَا أَنَّ النِّسَاءَ وَإِنْ كَثُرْنَ فِي الشَّهَادَةِ لَمْ يَقُمْنَ إلَّا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ وَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْمَالِ وَبِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفَهُ وَلَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَعَشْرُ نِسْوَةٍ كَخَمْسَةٍ مِنْ الرِّجَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِمْ يَكُونُ أَسْدَاسًا (

وَإِنْ رَجَعْنَ ) أَيْ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ ( فَقَطْ ) وَبَقِيَ رَجُلٌ ( فَالنِّصْفُ وِفَاقًا ) أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ وَكَذَا عِنْدَهُ إذْ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْمَالِ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ

( بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) ( قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهَا تَوْبَةٌ
إلَخْ ) كَذَا جَعَلَ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ هَذَا وَجْهًا لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ التَّوْبَةِ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ وَجِنَايَتُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَتَخْتَصُّ التَّوْبَةُ بِمَحَلِّهِ وَلَمَّا أَنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ غَيْرَ لَازِمَةٍ بَيَّنُوا لَهُ مُلَازَمَةً شَرْعِيَّةً بِحَدِيثِ { مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ أَوْصِنِي فَقَالَ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ إلَى أَنْ قَالَ إذَا عَمِلْتَ سُوءًا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ } ا هـ كَمَا فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَلَانِيَةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِعْلَامِ عَلَى مَحَلِّ الذَّنْبِ بِخُصُوصِهِ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ بَلْ فِي مِثْلِهِ مِمَّا فِيهِ عَلَانِيَةٌ وَهُوَ إذَا ظَهَرَ لِلنَّاسِ الرُّجُوعُ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ كَيْفَ لَا يَكُونُ مُعْلِنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي فُلَانٍ وَضَمِنَهُ الْمَالَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ) قَيَّدَ إطْلَاقَ مَتْنِهِ بِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ تَضْمِينُ الْقَاضِي مَنْ رَجَعَ عِنْدَهُ الْمَالَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى حَيْثُ قَالَ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ وَرَجَعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا قَضَى عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا قَضَى عَلَيْهِ الْقَاضِي بِالضَّمَانِ فِي شَرْحِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فَكَانَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ يَسْتَبْعِدُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ نُقِلَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ

شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنَّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِاسْتِبْعَادِ ا هـ .
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ قَبُولِ دَعْوَى الرُّجُوعِ مُطْلَقًا عَنْ الْمَجْلِسِ وَبِهِ صُرِّحَ فِي الصُّغْرَى عَنْ الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ وَقَبَضَ الْمَالَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى وَلَمْ يَقْبِضْ الْمُدَّعِي مَا ادَّعَاهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ ) كَذَا قَالَهُ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْبَزَّازِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا وَكَذَا الْعَقَارُ يَضْمَنُ بَعْدَ الرُّجُوعِ إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِالشَّهَادَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْقَضَاءِ التَّعْزِيرُ فَقَطْ يَعْنِي لَا التَّضْمِينَ وَقَالَ الْكَمَالُ قَالُوا يُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَهُ أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ ا هـ .
وَقَدَّمْنَا عَنْهُ مَا قَالَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ هَذَا ( قَوْلُهُ وَمَا بَقِيَ ) وَهُوَ خَمْسَةُ الْأَسْدَاسِ فِي الْأُولَى وَالنِّصْفُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَيْهِنَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الْأُولَى أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِالنِّصْفِ فِي الثَّانِيَةِ أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا

وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِنَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّ مَا بَقِيَ فَهُوَ عَلَيْهِنَّ مُوَزَّعًا عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِهِمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِنَّ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ كَأَنَّهُنَّ خَمْسَةُ رِجَالٍ وَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَيْهِنَّ نِصْفٌ لِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ لَهُمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ التَّرَاكِيبِ عَلَى الْمَاهِرِ اللَّبِيبِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعْنَ فَقَطْ فَالنِّصْفُ وِفَاقًا ) كَذَا عَكْسُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ .
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الرَّجُلَ رَجَعَ وَثَمَانِ نِسْوَةٍ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسْوَةِ لِأَنَّهُنَّ وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيَجْعَلُ الرَّاجِعَاتِ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ .
ا هـ .
قُلْت الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَلِذَا عَلَّلَ بِمَا لَمْ يُعَلِّلْ بِهِ الْإِمَامُ بَلْ بِمَا عَلَّلَا بِهِ إذْ مَا عَلَّلَ بِهِ الْإِمَامُ كَمَا ذَكَرَهُ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ ثُمَّ قَالَ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الرِّجَالِ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ ا هـ .
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الصَّاحِبَيْنِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَعَ قِيَامِهِنَّ مَقَامَ رَجُلٍ يُقَسَّمُ عَلَيْهِنَّ مَا ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ فِي حَقِّ مَنْ رَجَعَ مِنْهُنَّ فَيَغْرَمْنَ بِقَدْرِهِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْهُنَّ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعِنْدَهُمَا عَلَى

الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الْخُمُسَانِ وَعَلَيْهِنَّ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَةِ أَثْلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ ا هـ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا الِانْقِسَامَ عَلَيْهِنَّ عِنْدَ الرُّجُوعِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا أَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَيْهِنَّ بِحَسَبِ عَدَدِهِنَّ فَعَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ النِّصْفِ وَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفٌ كَامِلٌ وَيَبْقَى خُمُسُ نِصْفِ الْمَالِ بِبَقَاءِ الْمَرْأَتَيْنِ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ مَشْيٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ

( وَضَمِنَ رَجُلَانِ شَهِدَا مَعَ امْرَأَةٍ فَرَجَعُوا ) أَيْ الْكُلُّ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ إذْ الْمَرْأَتَانِ كَشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَكَانَتْ الْوَاحِدَةُ بَعْضَ الشَّاهِدِ فَكَانَ الْقَضَاءُ مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ بِلَا امْرَأَةٍ ( وَلَا يَضْمَنُ رَاجِعٌ فِي النِّكَاحِ بِمَهْرٍ مُسَمًّى مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ شَهِدَا عَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا أَوْ نِكَاحًا أَوْ نَحْوَهُمَا لَمْ يَضْمَنْ الشُّهُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ كَانَ مَالًا فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يُعَادِلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يُعَادِلُهُ فَبِقَدْرِ الْعِوَضِ لَا ضَمَانَ بَلْ فِيمَا وَرَاءَهُ وَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِلَا عِوَضٍ أَصْلًا وَجَبَ ضَمَانُ الْكُلِّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ جَاحِدَةٌ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً يُقْضَى بِالنِّكَاحِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا لَمْ يَضْمَنَا لَهَا شَيْئًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَمَّى مَهْرَ مِثْلِهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ أَتْلَفَا عَلَيْهَا الْبُضْعَ بِعِوَضٍ لَا يَعْدِلُهُ وَلَكِنَّ الْبُضْعَ لَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الْمُتَمَلِّكِ ضَرُورَةَ التَّمَلُّكِ فَإِنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ يُقَدَّرُ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَقَدْ صَارَ مُتَقَوِّمًا إظْهَارًا لِخَطَرِهِ ( إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ) يَعْنِي إنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا مِثْلَ الْمُسَمَّى أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا الْمَهْرَ عَلَيْهِ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْبُضْعُ لِأَنَّهُ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى ضَمِنَا الزِّيَادَةَ لِلزَّوْجِ

لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ ( وَلَا ) يَضْمَنُ أَيْضًا ( رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ إنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَلْفٍ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ ثُمَّ رَجَعَا يَضْمَنَانِ أَلْفًا لِلْبَائِعِ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ ( وَلَا ) يَضْمَنُ أَيْضًا ( رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ إنْ ادَّعَى الْبَائِعُ ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُشْتَرِي اشْتَرَى مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفَيْنِ وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ رَجَعَا يَضْمَنَانِ لِلْمُشْتَرِي أَلْفًا لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ

( قَوْلُهُ وَضَمِنَ رَجُلَانِ شَهِدَا مَعَ امْرَأَةٍ فَرَجَعُوا ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ وَهِيَ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ فَرَجَعُوا ضَمِنُوا أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمَرْأَةِ هُنَا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا مُنْفَرِدَةً مَعَ الرَّجُلَيْنِ بِخِلَافِهَا مَعَ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى جَمِيعِهِنَّ ( قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَالًا بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا شَهِدَا بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ فَيَجِبُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ بِأَنْ كَانَ قِصَاصًا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ يَعْنِي أَنَّهُمَا إذَا شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ فَرَجَعَا لَا يَضْمَنَانِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ ( قَوْلُهُ إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا ) يَعْنِي فِيمَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ وَتَفْرِيعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ وَالْكَافِي ( قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ
إلَخْ ) كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ فَلَوْ شَهِدَا بِهِ وَبِنَقْدِ الثَّمَنِ
إلَخْ ثُمَّ رَجَعَا فَإِمَّا أَنْ يَنْظِمَاهُمَا فِي شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا بِأَلْفٍ وَأَوْفَاهُ الثَّمَنَ أَوْ فِي شَهَادَتَيْنِ بِأَنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ فَقَطْ ثُمَّ شَهِدَا بِأَنَّ الْمُشْتَرِي أَوْفَاهُ الثَّمَنَ فَفِي الْأَوَّلِ يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ وَفِي الثَّانِي يَقْضِي عَلَيْهِمَا بِالثَّمَنِ لِلْبَائِعِ وَذَكَرَ الْفَرْقَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِبَيْعٍ بَاتَ أَوْ بِخِيَارٍ لِلْبَائِعِ وَلَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ أَخَذَهُ فِي الْمُدَّةِ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَهُ بِاخْتِيَارٍ كَمَا لَوْ أَجَازَهُ الْبَائِعُ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْخِيَارِ لَهُ بِثَمَنٍ نَاقِصٍ عَنْ

الْقِيمَةِ

( وَلَا ) يَضْمَنُ ( فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ إلَّا نِصْفَ مَهْرِهَا ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ثُمَّ رَجَعَا يَضْمَنَانِ نِصْفَ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ فَلَا إتْلَافَ ( وَضَمِنَ فِي الْعِتْقِ الْقِيمَةَ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ .
( وَ ) ضَمِنَ ( فِي الْقِصَاصِ الدِّيَةَ ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ بَكْرًا فَاقْتَصَّ زَيْدٌ ثُمَّ رَجَعَا تَجِبُ الدِّيَةُ عِنْدَنَا لَا الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ مُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمَا ذَلِكَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَصُّ .
( وَ ) ضَمِنَ ( الْفَرْعُ بِرُجُوعِهِ ) لِأَنَّ الْحُكْمَ أُضِيفَ إلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِ فَيَضْمَنُ ( لَا بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ كَذَبَ شُهُودُ الْأَصْلِ أَوْ غَلِطُوا فِي شَهَادَتِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ بَلْ شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالرُّجُوعِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الْمُمْضِي لَا يَنْتَقِضُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا لَا يَنْتَقِضُ بِرُجُوعِهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي

( قَوْلُهُ وَلَا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ إلَّا نِصْفَ مَهْرِهَا ) هَذَا إذَا سُمِّيَ مَهْرًا فِي الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَمِنَا الْمَنْفَعَةَ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ
إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ضَمَانٌ لِعَدَمِ تَقَوُّمِ الْبُضْعِ حَالَةَ الْخُرُوجِ ثُمَّ قَالَ وَفِي التُّحْفَةِ لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ بِقَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ إتْلَافًا بِعِوَضٍ وَهُوَ مَنَافِعُ الْبُضْعِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَضَمِنَ فِي الْعِتْقِ الْقِيمَةَ ) سَوَاءٌ كَانَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ وَالْوَلَاءَ لِلْمَوْلَى وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّدْبِيرِ وَقَضَى بِهِ ضَمِنَا مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَغَيْرَ مُدَبَّرٍ وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ رُجُوعِهِمَا فَعَتَقَ مِنْ ثُلُثِ تِرْكَتِهِ كَانَ عَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهِ عَبْدًا لِوَرَثَتِهِ وَلَوْ شَهِدَ بِالْكِتَابَةِ ضَمِنَا تَمَامَ الْقِيمَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِاسْتِيلَادِهَا ضَمِنَا نُقْصَانَ قِيمَتِهَا تُقَوَّمُ أَمَةً وَأُمَّ وَلَدٍ لَوْ جَازَ بَيْعُهَا مَعَ الْأُمُومَةِ فَيَضْمَنَانِ مَا بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ فَعَتَقَتْ كَانَ عَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ قِيمَتِهَا أَمَةً لِلْوَرَثَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ رَجَعَ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ ) لَعَلَّهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ

( وَلَا الْأَصْلُ بِقَوْلِهِ مَا أَشْهَدْتُهُ ) يَعْنِي أَنَّ الْأُصُولَ إذَا رَجَعُوا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَالُوا لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا لَمْ يَضْمَنُوا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ جِهَتِهِمْ سَبَبٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ لِإِنْكَارِهِمْ سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ فَصَارَ كَرُجُوعِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا التَّحْمِيلَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ ( أَوْ ) بِقَوْلِهِ ( أَشْهَدْتُهُ وَغَلِطْتُ ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْأُصُولُ أَشْهَدْنَاهُمْ وَلَكِنَّا غَلِطْنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَمْ يَقَعْ بِشَهَادَتِهِمْ بَلْ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ضَمِنُوا لِأَنَّ الْفُرُوعَ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَكَأَنَّهُمْ حَضَرُوا وَشَهِدُوا ثُمَّ حَضَرُوا وَرَجَعُوا ( وَلَوْ رَجَعَ الْكُلُّ ) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ ( ضَمِنَ الْفُرُوعُ فَقَطْ ) عِنْدَهُمَا لِأَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَذَا وُجِدَ مِنْ الْفُرُوعِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَضْمِينِ الْفُرُوعِ وَتَضْمِينِ الْأُصُولِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ عَايَنَ شَهَادَتَهُمْ وَوَقَعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْهُمْ نَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ

( وَ ) ضَمِنَ ( الْمُزَكِّي بِالرُّجُوعِ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُزَكِّيَ إنْ رَجَعَ عَنْ التَّزْكِيَةِ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يُضَافُ إلَى الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْعَدَالَةِ وَهِيَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّزْكِيَةِ فَصَارَتْ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ كَالرَّمْيِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِمُضِيِّ السَّهْمِ فِي الْهَوَاءِ وَهُوَ سَبَبُ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْمَى إلَيْهِ وَهُوَ سَبَبُ الْجُرْحِ وَهُوَ سَبَبُ تَرَادُفِ الْأَلَمِ وَهُوَ سَبَبُ الْمَوْتِ ثُمَّ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَى الرَّمْيِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْأُولَى حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْقَتْلِ مِنْ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُونَ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارُوا كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ

( لَا شَاهِدُ الْإِحْصَانِ ) يَعْنِي لَوْ شَهِدُوا بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعُوا لَمْ يَضْمَنُوا لِأَنَّهُ شَرْطُ مُحْصِنٍ ( كَمَا ضَمِنَ بِهِ ) أَيْ بِالرُّجُوعِ ( شَاهِدُ الْيَمِينِ لَا الشَّرْطُ ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَقَالَا إنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهِيَ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَشَهِدَ آخَرَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ أَيْ دُخُولِ الدَّارِ وَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ لَا شُهُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْمَهْرِ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ إنَّمَا حَصَلَ بِالْإِعْتَاقِ وَالتَّطْلِيقِ وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا تِلْكَ الْكَلِمَةَ وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ كَانَ مَانِعًا فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى عِلَّتِهِ لَا زَوَالِ الْمَانِعِ

( قَوْلُهُ كَمَا ضَمِنَ بِهِ أَيْ بِالرُّجُوعِ شَاهِدُ الْيَمِينِ لَا الشَّرْطِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلَحَ عِلَّةً لِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُجْعَلْ عِلَلًا بِذَوَاتِهَا فَاسْتَقَامَ أَنْ يَخْلُفَهَا الشَّرْطُ وَالصَّحِيحُ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَى هَذَا مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَإِلَى الْأَوَّلِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَلَوْ شَهِدَا بِالتَّفْوِيضِ وَآخَرَانِ بِأَنَّهَا طَلُقَتْ أَوْ أَعْتَقَ فَالتَّفْوِيضُ كَالشَّرْطِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ فَقَطْ نَفَيْنَا الضَّمَانَ عَنْهُمْ فِي الْأَصَحِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَأَوْجَبَهُ زُفَرُ عَلَيْهِمْ وَإِلَيْهِ مَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّهُمَا يَضْمَنَانِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقَالُوا إنَّ الْعِلَّةَ لَا تَصِحُّ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا هُنَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تَتَعَدَّى فَيَكُونُ الْحُكْمُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ يُجْعَلُ خَلْفًا عَنْ الْعِلَّةِ هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَيْهِ وُجُودًا عِنْدَهُ وَشَبَّهَ هَذَا بِحَفْرِ الْبِئْرِ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ بَلْ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ شُهُودَ الشَّرْطِ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ حُرٌّ مُبَاشَرَةٌ لِإِتْلَافِ الْمَالِيَّةِ وَعِنْدَ وُجُودِ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ دُونَ الشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي أَوْ لَا يَكُونُ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْحَفْرِ فَالْعِلَّةُ هُنَاكَ ثِقَلُ الْمَاشِي وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْإِتْلَافِ فِي شَيْءٍ فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى الشَّرْطِ وَهُوَ إزَالَةُ الْمَسْكَةِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الطَّرِيقِ .
ا هـ .

( كِتَابُ الصُّلْحِ ) أَوْرَدَهُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارٌ وَلَا لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُورَدَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ ( هُوَ ) لُغَةً اسْمٌ بِمَعْنَى الْمُصَالَحَةِ وَهِيَ خِلَافُ الْمُخَاصَمَةِ وَأَصْلُهُ مِنْ الصَّلَاحِ بِمَعْنَى اسْتِقَامَةِ الْحَالِ وَشَرْعًا ( عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَالَحْتُكَ مِنْ كَذَا عَلَى كَذَا أَوْ مِنْ دَعْوَاكَ كَذَا عَلَى كَذَا وَيَقُولَ الْآخَرُ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ وَقَبُولِهِ
( كِتَابُ الصُّلْحِ ) ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إقْرَارٌ وَلَا لِلْمُدَّعِي شَاهِدٌ ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِقْرَارَ أَقْوَى مِنْ الشَّهَادَةِ فَيُصَارُ إلَيْهِ وَلَوْ مَعَ الْإِقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ ( قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ عَنْ النِّهَايَةِ رُكْنُهُ الْإِيجَابُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَأَمَّا إذَا وَقَّعَ الدَّعْوَى فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَطَلَبَ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْجِنْسِ فَقَدْ تَمَّ الصُّلْحُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى قَبُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِبَعْضِ الْحَقِّ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْبَيْعَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبُولِ

( وَشَرْطُهُ الْعَقْلُ ) وَهُوَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ صُلْحُ الْمَجْنُونِ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ ( لَا الْبُلُوغُ فَصَحَّ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ إنْ نَفَعَ أَوْ عَرِيَ عَنْ ضَرَرٍ بَيِّنٍ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ عَلَى إنْسَانٍ دَيْنًا فَصَالَحَهُ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ جَازَ الصُّلْحُ إذْ عِنْدَ انْعِدَامِهَا لَا حَقَّ لَهُ إلَّا الْخُصُومَةُ وَالْحَلِفُ وَالْمَالُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّ الْحَطَّ تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ أَخَّرَ الدَّيْنَ جَازَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ وَالصَّبِيَّ الْمَأْذُونَ فِي التِّجَارَاتِ كَالْبَالِغِ ( وَلَا الْحُرِّيَّةُ ) يَعْنِي أَنَّ حُرِّيَّةَ الْمُصَالِحِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَيْضًا ( فَصَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ ( مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ ) إذَا كَانَتْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَكِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الْحَقِّ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَيَمْلِكُ التَّأْجِيلَ مُطْلَقًا وَحَطَّ بَعْضِ الثَّمَنِ لِلْعَيْبِ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ صَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى حَطِّ بَعْضِ الثَّمَنِ جَازَ لِمَا ذُكِرَ فِي الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ .
( وَ ) مِنْ ( الْمُكَاتَبِ ) فَإِنَّهُ نَظِيرُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَيْهِ دَيْنًا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَهُ وَيُؤَخِّرَ بَعْضَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ صَارَ مَحْجُورًا فَلَا يَصِحُّ صُلْحُهُ ( وَشَرْطُهُ ) أَيْضًا ( أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلْمُصَالِحِ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ لَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ) فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلْمُصَالِحِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ ادَّعَتْ مُطَلَّقَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّ صَبِيًّا فِي يَدِهِ ابْنُهَا مِنْهُ وَجَحَدَ فَصَالَحَتْ مِنْ النَّسَبِ عَلَى شَيْءٍ بَطَلَ ) لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ

الصَّبِيِّ لَا حَقُّهَا فَلَا تَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ حَقِّ غَيْرِهَا وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ ( لَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بَطَلَ ) لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلطَّالِبِ قَبْلَ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ وِلَايَةِ الْمُطَالَبَةِ وَأَنَّهَا صِفَةُ الْوَالِي فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْهَا بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ هُنَاكَ يَصِيرُ مَمْلُوكًا فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ فَكَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْمَحَلِّ فَيَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ بِالصُّلْحِ ( كَذَا الصُّلْحُ مِنْ الشُّفْعَةِ ) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الشَّفِيعُ مِنْ الشُّفْعَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ عَلَى شَيْءٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ لِلْمُشْتَرِي فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ إذْ لَا حَقَّ لِلشَّفِيعِ فِي الْمَحَلِّ سِوَى حَقِّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ لَيْسَ بِأَمْرٍ ثَابِتٍ فِي الْمَحَلِّ بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْوِلَايَةِ كَمَا مَرَّ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ لَا حَقًّا لِلَّهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ صَالَحَ عَنْ حَدٍّ بَطَلَ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ حَقًّا لِلَّهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ حَقًّا لَيْسَ بِمَالٍ حَتَّى لَا يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ بِأَنْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ شَارِبَ خَمْرٍ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا يَرْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ حُقُوقِهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إمَّا بِاسْتِيفَاءِ كُلِّ حَقِّهِ أَوْ اسْتِيفَاءِ بَعْضِهِ وَإِسْقَاطِ الْبَاقِي أَوْ بِالْمُعَاوَضَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ بِأَنْ قَذَفَ رَجُلًا فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ فَالْغَالِبُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَغْلُوبُ مُلْحَقٌ بِالْمَعْدُومِ شَرْعًا (

بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ ) حَيْثُ يَصْلُحُ الصُّلْحُ عَنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ ( وَالْقِصَاصِ ) فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِأَنَّهُ أَيْضًا حَقُّ الْعَبْدِ

( قَوْلُهُ وَلَوْ صَالَحَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ
إلَخْ ) كَذَا حَكَى الزَّيْلَعِيُّ خِلَافًا فِي سُقُوطِ الْكَفَالَةِ .
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ إذَا لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ عَنْهَا هَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ وَرِوَايَةِ صُلْحِ أَبِي حَفْصٍ تَبْطُلُ وَبِهِ يُفْتِي وَفِي صُلْحِ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَا تَبْطُلُ ا هـ .
( قَوْلُهُ كَذَا الصُّلْحُ مِنْ الشُّفْعَةِ ) تَقَدَّمَ فِي الشُّفْعَةِ وَتَبْطُلُ بِهِ الشُّفْعَةُ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَوْلُهُ حَتَّى لَا يَصِحَّ الصُّلْحُ عَنْ حَدِّ الزِّنَا ) كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ زَنَى الرَّجُلُ بِامْرَأَةِ رَجُلٍ فَعَلِمَ الزَّوْجُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الصُّلْحَ فَصَالَحَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمَا كَانَ بَاطِلًا وَعَفْوُهُ بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَالرَّجُلُ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمُحْصَنَةَ حَتَّى وَجَبَ اللِّعَانُ ثُمَّ صَالَحَهَا عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ لَا تَطْلُبَ اللِّعَانَ كَانَ بَاطِلًا أَوْ عَفْوُهَا بَعْدَ الرَّفْعِ بَاطِلٌ وَقَبْلَ الرَّفْعِ جَائِزٌ ( قَوْلُهُ وَشَرِبَ الْخَمْرَ
إلَخْ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الصُّلْحُ مَعَ الْإِمَامِ قَالَ قَاضِي خَانْ الْإِمَامُ وَالْقَاضِي إذَا صَالَحَ شَارِبَ الْخَمْرِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا وَيَعْفُوَ عَنْهُ لَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّفْعِ أَوْ بَعْدَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ بِأَنْ أَخَذَ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا مِنْ غَيْرِهِ ) لَا يَخْتَصُّ عَدَمُ الصُّلْحِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ صَالَحَ رَبُّ الْمَالِ سَارِقَهُ عَلَى مَالٍ بَعْدَ مَا رَفَعَ إلَى الْقَاضِي إنْ كَانَ بِلَفْظِ الْعَفْوِ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالْبَرَاءَةِ عِنْدَنَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا صَالَحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ ) أَيْ بَطَلَ الصُّلْحُ وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ إلَى الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ

بَعْدَهُ لَا تُبْطِلُ الْحَدَّ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ وَالْقِصَاصِ ) كَذَا الْجِنَايَةُ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا خَطَأٌ كَمَا سَيَأْتِي

( وَ ) شَرْطُهُ أَيْضًا ( كَوْنُ الْبَدَلِ مَالًا ) الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ وَأَشْبَهِهَا رَوْمًا لِتَصْحِيحِ تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَصَيْدِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ ( مَعْلُومًا إنْ اُحْتِيجَ إلَى قَبْضِهِ ) وَإِلَّا لَمْ يُشْتَرَطْ مَعْلُومِيَّتُهُ فَإِنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي دَارٍ وَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِبَلَهُ حَقًّا فِي حَانُوتِهِ فَتَصَالَحَا عَلَى أَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَعْوَاهُ قِبَلَ صَاحِبِهِ صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِقْدَارَ حَقِّهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ السَّاقِطِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ كَذَا فِي الْكَافِي ( أَوْ مَنْفَعَةٍ ) بِأَنْ صَالَحَ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ سَنَةً أَوْ رُكُوبِ دَابَّةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ زِرَاعَةِ أَرْضٍ أَوْ سُكْنَى دَارٍ وَقْتًا مَعْلُومًا جَازَ الصُّلْحُ وَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَقَدْ وُجِدَ ( وَحُكْمُهُ وُقُوعُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الدَّعْوَى ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَقْدٌ يَرْفَعُ النِّزَاعَ
( قَوْلُهُ فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَى الْخَمْرِ ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا عَبَّرَ بِعَنْ وَذَا لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِي الصُّلْحِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَمَا لَا يَصِحُّ لِلْعِوَضِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ ثُمَّ هَذَا تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَكَوْنُ الْبَدَلِ مَالًا فَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَالِ صَالِحًا لِلْعِوَضِ لِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِ

( وَهُوَ ) أَيْ الصُّلْحُ ( إمَّا بِإِقْرَارٍ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَوْ سُكُوتٍ ) عَنْهُ بِأَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ ( أَوْ إنْكَارٍ ) وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ الصُّلْحُ بِإِقْرَارٍ ( كَبَيْعٍ ) فِي أَحْكَامِهِ ( لَوْ ) وَقَعَ ( عَنْ مَالٍ بِمَالٍ ) لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ كَمَا مَرَّ ( فَيَجْرِي فِيهِ ) أَيْ فِي هَذَا الصُّلْحِ ( أَحْكَامُهُ ) أَيْ أَحْكَامُ الْبَيْعِ وَهِيَ الشُّفْعَةُ وَالرَّدُّ بِعَيْبٍ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ وَالْفَسَادُ بِجَهَالَةِ الْبَدَلِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُفْضِيَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ دُونَ جَهَالَةِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ وَالسَّاقِطَ لَا يُفْضِي إلَيْهَا ( وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) عَلَى الْمُدَّعِي ( بِالْبَدَلِ ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ( أَوْ بَعْضِهِ ) فِي الثَّانِيَةِ يَعْنِي إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى بَكْرٍ دَارًا أَوْ بَعْضًا مِنْهَا وَصَالَحَ بَكْرٌ فِي الْأَوَّلِ عَلَى أَلْفٍ وَفِي الثَّانِي عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَاسْتُحِقَّتْ الدَّارُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا رَجَعَ بَكْرٌ عَلَى زَيْدٍ فِي الْأَوَّلِ بِالْأَلْفِ وَفِي الثَّانِي بِخَمْسِمِائَةٍ ( وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ الْمُدَّعِي ) وَهُوَ زَيْدٌ ( عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) وَهُوَ بَكْرٌ ( بِالْمُدَّعَى ) وَهُوَ الدَّارُ أَوْ بَعْضُهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ الْآخَرِ فَأَيُّهُمَا أَخَذَ مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ إنْ كُلًّا فَبِالْكُلِّ وَإِنْ بَعْضًا فَبِالْبَعْضِ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ ( وَكَإِجَارَةٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَبَيْعٍ ( لَوْ ) وَقَعَ الصُّلْحُ ( عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَالْإِجَارَةُ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ وَهَذَا الصُّلْحُ كَذَلِكَ ( فَشُرِطَ التَّوْقِيتُ فِيهِ وَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ وَقَدْ مَرَّ ( وَالْأَخِيرَانِ ) أَيْ الصُّلْحُ بِسُكُوتٍ

وَإِنْكَارٍ ( مُعَاوَضَةٌ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ) لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ ( وَفِدَاءُ يَمِينٍ وَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي حَقِّ الْآخَرِ ) إذْ لَوْلَاهُ لَبَقِيَ النِّزَاعُ وَلَزِمَ الْيَمِينُ وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ فَلَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ عِوَضًا فِي حَقِّهِ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ دَعْوَى تَفْرِيغِ الذِّمَّةِ وَهُوَ الْأَصْلُ ( فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحَدِهِمَا ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارِهِ فَسَكَتَ الْآخَرُ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ عَنْهَا بِدَفْعِ شَيْءٍ لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْتَبْقِي الدَّارَ الْمَمْلُوكَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الصُّلْحِ وَيَدْفَعُ خُصُومَةَ الْمُدَّعِي عَنْ نَفْسِهِ لَا أَنَّهُ يَشْتَرِيهَا وَزَعْمُ الْمُدَّعِي لَا يَلْزَمُهُ ( وَتَجِبُ ) أَيْ الشُّفْعَةُ ( لَوْ ) وَقَعَ ( الصُّلْحُ عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى الدَّارِ بِأَنْ تَكُونَ بَدَلًا ( بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الْإِنْكَارِ أَوْ السُّكُوتِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهَا عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فِي زَعْمِهِ فَيُعَامَلُ بِزَعْمِهِ ، وَالْإِقْرَارُ هَاهُنَا مِثْلُهُمَا ( وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ ) فِي صُورَةِ الصُّلْحِ بِسُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ ( يَرُدَّ الْمُدَّعِي الْبَدَلَ ) أَيْ بَدَلَ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ ( وَيُخَاصِمُ مَعَ الْمُسْتَحِقِّ ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَدْفَعْ الْعِوَضَ إلَّا لِيَدْفَعَ خُصُومَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَبْقَى الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ بِلَا خُصُومَةِ أَحَدٍ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مَقْصُودُهُ وَيَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ( وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْبَدَلُ أَوْ بَعْضُهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى فِي كُلِّهِ ) إنْ اُسْتُحِقَّ كُلُّ الْعِوَضِ ( أَوْ بَعْضِهِ ) إنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَتْرُكْ الدَّعْوَى إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ الْبَدَلُ فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ الْبَدَلُ رَجَعَ بِالْبَدَلِ ( هَلَاكُ الْبَدَلِ قَبْلَ

التَّسْلِيمِ ) إلَى الْمُدَّعِي ( كَاسْتِحْقَاقِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ ) أَيْ فَصْلِ الْإِقْرَارِ وَفَصْلِ السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى

( قَوْلُهُ أَوْ إنْكَارِ ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ صَالَحَ الْوَصِيُّ عَنْ أَلْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ عَنْ إنْكَارٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً عَادِلَةً فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهَا عَلَى الْأَلْفِ وَكَذَا الْيَتِيمُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ بَعْدَ الْحَلِفِ وَجْهُ عَدَمِ الصِّحَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ بَدَلٌ عَنْ الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ فَقَدْ اسْتَوْفَى الْبَدَلَ فَلَا يَصِحُّ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } عَرَّفَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَالظَّاهِرُ الْعُمُومُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ رَاجِعًا إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ } لِمَا قَالُوا مَعْنَاهُ جِنْسُ الصُّلْحِ خَيْرٌ وَلَا يَعُودُ إلَى الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ ، وَالْعِلَّةُ لَا تَتَقَيَّدُ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ فَيُعْلَمُ بِهَذَا أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِهِ حَسَنٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْمُدَّعَى أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ
إلَخْ ) لَا يَخْفَى مَا فِي تَصْوِيرِ الْمُصَنِّفِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ اتِّحَادِ الْحُكْمِ فِي الرُّجُوعِ بِكُلِّ الْبَدَلِ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَالتَّصْوِيرُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَكَذَا ادَّعَى دَارًا أَوْ بَعْضَهَا مُعَيِّنًا عَلَى آخَرَ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفٍ فَاسْتَحَقَّ الْمُدَّعِي بَعْضَهُ رَجَعَ بِكُلِّ الْبَدَلِ أَوْ بَعْضِهِ فَبِقَدْرِهِ مِنْ الْبَدَلِ ( قَوْلُهُ فَأَيُّهُمَا أَخَذَ مِنْهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ رَجَعَ بِمَا دَفَعَ ) الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ رَجَعَ بِمَا ادَّعَى لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ دَفْعٌ بَلْ دَعْوَى ( قَوْلُهُ وَكَإِجَارَةٍ لَوْ وَقَعَ عَنْ مَالٍ بِمَنْفَعَةٍ فَشُرِطَ التَّوْقِيتُ فِيهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ فِي الْأَجِيرِ الْخَاصِّ بِأَنْ ادَّعَى شَيْئًا فَوَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ

الْعَبْدِ أَوْ سُكْنَى سَنَةٍ وَفِيمَا عَدَاهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّوْقِيتُ كَمَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى صَبْغِ الثَّوَابِ أَوْ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ حَمْلِ الطَّعَامِ إلَى مَوْضِعٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فِي الْمُدَّةِ ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ فَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ بَطَلَ الصُّلْحُ فَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى وَلَوْ كَانَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِالْمُدَّعَى بِقَدْرِهِ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ إجَارَةٌ وَهِيَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَلْ الْمُدَّعِي يَسْتَوْفِي الْمَنَافِعَ عَلَى حَالِهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَكَذَلِكَ فِي خِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَالْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِمَا وَيَبْطُلُ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَلَيْسَ الثَّوْبُ وَالتَّوْجِيهُ وَتَمَامُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ ( قَوْلُهُ وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي السُّكُوتِ
إلَخْ ) لَا يَخْفَى إيهَامُ عَدَمِ الظُّهُورِ فِي السُّكُوتِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا فِي الْإِنْكَارِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِالْإِنْكَارِ أَنَّ مَا يُعْطِيهِ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ وَفِدَاءِ الْيَمِينِ وَكَذَا فِي السُّكُوتِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ وَجِهَةُ الْإِنْكَارِ رَاجِحَةٌ إذْ الْأَصْلُ فَرَاغُ الذِّمَمِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ وَلَا يَثْبُتُ بِهِ كَوْنُ مَا فِي يَدِهِ عِوَضًا عَمَّا وَقَعَ بِالشَّكِّ ( قَوْلُهُ فَلَا شُفْعَةَ فِي صُلْحٍ عَنْ دَارٍ مَعَ أَحَدِهِمَا ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْمُدَّعِي فَيُدْلِي بِحُجَّتِهِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا الشَّفِيعُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ ا هـ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَامَةِ عَلِيٍّ

الْمَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ أَوْ بَعْضَهُ رَجَعَ إلَى الدَّعْوَى ) هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِعْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِهَذَا وَقَالَ الْآخَرُ اشْتَرَيْتُ حَيْثُ يَرْجِعُ الْمُدَّعِي عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى نَفْسِهِ لَا بِالدَّعْوَى لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الْمُبَايَعَةِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِيَّةِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إذْ الصُّلْحُ قَدْ يَقَعُ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ رَجَعَ بَعْدَ الْهَلَاكِ إلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ رَجَعَ بِالدَّعْوَى ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِهِ يَبْطُلُ بِقَدْرِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْبَدَلُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا يَبْطُلُ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا الْعَقْدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمَا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَلَاكُ

( صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ لَمْ يَصِحَّ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ دَارًا فَصَالَحَهُ عَلَى قِطْعَةٍ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَهُوَ عَلَى دَعْوَاهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى كَانَ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ الْحَقِّ وَإِسْقَاطًا لِلْبَعْضِ ، وَالْإِسْقَاطُ لَا يَرِدُ عَلَى الْعَيْنِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالدَّيْنِ حَتَّى إذَا مَاتَ وَاحِدٌ وَتَرَكَ مِيرَاثًا فَبَرِئَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ لِكَوْنِهِ بَرَاءَةً عَنْ الْأَعْيَانِ ( إلَّا بِزِيَادَةِ شَيْءٍ فِي الْبَدَلِ أَوْ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي ) هَذَا مَا قَالُوا مِنْ الْحِيلَةِ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى بَدَلِ الصُّلْحِ دَوْمًا مَثَلًا لِيَكُونَ مُسْتَوْفِيًا بَعْضَ حَقِّهِ وَأَخَذَ الْعِوَضَ عَنْ الْبَعْضِ أَوْ يُلْحِقُ بِهِ ذِكْرَ الْبَرَاءَةِ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ دَعْوَى الْعَيْنِ جَائِزٌ
( قَوْلُهُ صَالَحَ عَلَى بَعْضِ مَا يَدَّعِيهِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ بَرَاءَتَهُ عَنْ دَعْوَى الْبَاقِي أَوْ يَزِيدَهُ دِرْهَمًا وَإِلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ .
ا هـ .

( صَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ ( عَنْ دَعْوَى الْمَالِ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَمَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ صُلْحُهُ .
( وَ ) عَنْ دَعْوَى ( الْمَنْفَعَةِ ) كَأَنْ يَدَّعِيَ فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً مِنْ صَاحِبِهَا فَجَحَدَ الْوَارِثُ أَوْ أَقَرَّ فَصَالَحَهُ عَلَى مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ جَازَ لِأَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهَا بِالْإِجَارَةِ جَائِزٌ فَكَذَا الصُّلْحُ لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ إذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْ الْجِنْسِ بِأَنْ يُصَالِحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ مَثَلًا وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ جِنْسُهُمَا كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ السُّكْنَى عَلَى السُّكْنَى مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ وَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ
( قَوْلُهُ صَحَّ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ ) يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّهِمَا فِيمَا إذَا وَقَعَ عَنْهُ بِمَالٍ عَنْ إقْرَارٍ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ إنْكَارٍ أَوْ سُكُوتٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي فَقَطْ وَإِنْ وَقَعَ عَنْهُ بِمَنَافِعَ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ ( قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الْمَنْفَعَةِ كَأَنْ يَدَّعِي فِي دَارٍ سُكْنَى سَنَةٍ وَصِيَّةً ) يَعْنِي أَوْ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ صُورَةُ دَعْوَى الْمَنَافِعِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ هَذَا الْعَبْدِ وَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى اسْتِئْجَارَ عَيْنٍ وَالْمَالِكُ يُنْكِرُ ثُمَّ تَصَالَحَا لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى

( وَ ) عَنْ دَعْوَى ( الرِّقِّ ) أَيْ إذَا ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَالٍ جَازَ ( وَكَانَ عِتْقًا بِمَالٍ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ الْوَلَاءُ ( لَوْ ) وَقَعَ الصُّلْحُ ( بِإِقْرَارٍ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِقْرَارٍ ( فَقَطْعُ نِزَاعٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعِتْقٌ بِمَالٍ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي ) حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْوَلَاءُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَتُقْبَلَ وَيَثْبُتَ الْوَلَاءُ .
( وَ ) عَنْ دَعْوَى ( الزَّوْجِ النِّكَاحَ وَكَانَ خُلْعًا ) يَعْنِي صَحَّ الصُّلْحُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَرْأَةُ تُنْكِرُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الصِّحَّةِ فِيهِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ فِي مَعْنَى الْخُلْعِ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ عَنْ تَرْكِ الْبُضْعِ خُلْعٌ وَالصُّلْحَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْعُقُودِ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَفِي حَقِّهَا لِافْتِدَاءِ الْيَمِينِ وَقَطْعِ الْخُصُومَةِ ( لَا عَنْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ ) أَيْ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي الْمَرْأَةَ بِأَنْ تَدَّعِيَ نِكَاحًا عَلَى رَجُلٍ فَصَالَحَهَا عَلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ بَذَلَ لَهَا لِتَتْرُكَ الدَّعْوَى فَإِنْ جُعِلَ تَرْكُ الدَّعْوَى مِنْهَا فُرْقَةً فَلَا عِوَضَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْفُرْقَةِ كَمَا إذَا مَكَّنَتْ ابْنَ زَوْجِهَا وَإِنْ لَمْ تُجْعَلْ فُرْقَةً فَالْحَالُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّعْوَى لِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمَّا لَمْ تُوجَدْ كَانَتْ دَعْوَاهَا عَلَى حَالِهَا لِبَقَاءِ النِّكَاحِ فِي زَعْمِهَا فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ شَيْءٌ يُقَابِلُهُ الْعِوَضُ فَكَانَ رِشْوَةً وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ زَادَ فِي مَهْرِهَا ثُمَّ خَالَعَهَا عَلَى أَصْلِ الْمَهْرِ لَا الزِّيَادَةِ فَسَقَطَ الْأَصْلُ لَا الزِّيَادَةُ .
( وَ ) لَا عَنْ ( دَعْوَى حَدٍّ ) لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَجْرِي فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
( وَ ) دَعْوَى ( نَسَبٍ ) لِأَنَّ الصُّلْحَ إمَّا إسْقَاطٌ أَوْ مُعَاوَضَةٌ ، وَالنَّسَبُ لَا

يَحْتَمِلُهُمَا
( قَوْلُهُ وَعَنْ دَعْوَى الزَّوْجِ النِّكَاحَ ) لَوْ أَسْقَطَ لَفْظَ الزَّوْجِ لَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَثْبُتْ نِكَاحُ الْمُدَّعِي فَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ ( قَوْلُهُ لَا عَنْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ فِي الْوِقَايَةِ وَصَحَّحَ الصِّحَّةَ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَجُوزُ
إلَخْ ) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ وَالْأَوَّلُ فِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا

( وَلَا إذَا قَتَلَ مَأْذُونٌ رَجُلًا عَمْدًا وَصَالَحَ عَنْ نَفْسِهِ ) لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا ثُمَّ صُلْحُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَصِحْ لَكِنْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَهُ فَقَدْ عَفَا عَنْهُ بِبَدَلٍ فَصَحَّ الْعَفْوُ وَلَمْ يَجِبْ الْبَدَلُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بَلْ تَأَخَّرَ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ صُلْحَهُ عَنْ نَفْسِهِ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ مُكَلَّفًا وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَصَارَ كَأَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى بَدَلٍ مُؤَجَّلٍ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( وَصَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ يَعْنِي صُلْحَ الْمَوْلَى ( عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ فَعَلَ ذَلِكَ ) أَيْ الْقَتْلَ عَمْدًا لِأَنَّ عَبْدَهُ مِنْ كَسْبِهِ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَاسْتِخْلَاصُهُ
قَوْلُهُ وَصَحَّ أَيْ الصُّلْحُ يَعْنِي صُلْحُ الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِ عَبْدٍ لَهُ ) الْمُرَادُ بِالْمَوْلَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ الضَّمِيرُ فِي لَهُ رَاجِعٌ لِلْمَوْلَى الَّذِي هُوَ الْمَأْذُونُ فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَذْكُرَ بَدَلَ الْمَوْلَى الْمَأْذُونِ

( وَ ) صَحَّ ( صُلْحُ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ كَالْحُرِّ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَهَذَا إنْ ادَّعَى أَحَدٌ رِقِّيَّتَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ خَصْمًا فِيهِ وَإِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَإِذَا قُتِلَ لَا يَكُونُ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى بَلْ لِوَرَثَتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ بِهَا كِتَابَتَهُ وَيَحْكُمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَيَكُونَ الْفَضْلُ لَهُمْ فَصَارَ كَالْحُرِّ فَيَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدَ رَقَبَتِهِ ) صَوَابُهُ وَلِهَذَا لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ وَهِيَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ

( وَ ) صَحَّ ( الصُّلْحُ عَنْ مَغْصُوبٍ تَلِفَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ عَرْضٍ ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ ثَوْبًا أَوْ عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَاسْتَهْلَكَهُ فَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْنِ أَوْ عَرْضٍ جَازَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْقِيمَةِ فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا رِبًا وَلَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي الْهَالِكِ بَاقٍ مَا لَمْ يَحْكُمْ الْقَاضِي بِالضَّمَانِ حَتَّى إذَا تَرَكَ التَّضْمِينَ بَقِيَ الْعَبْدُ هَالِكًا عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يَكُونَ الْكَفَنُ عَلَيْهِ فَاعْتِيَاضُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَا يَكُونُ رِبًا إذْ الزَّائِدُ عَلَى الْمَالِيَّةِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الصُّورَةِ الْبَاقِيَةِ حُكْمًا لَا الْقِيمَةِ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالْقِيمَةِ ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَى الْأَكْثَرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ انْتَقَلَ بِالْقَضَاءِ إلَى الْقِيمَةِ وَكَذَا الصُّلْحُ بِعَرْضٍ صَحَّ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَغْصُوبٍ تَلِفَ لِعَدَمِ الرِّبَا .
( وَ ) صَحَّ ( فِي الْعَمْدِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ وَالْأَرْشِ وَفِي الْخَطَأِ لَا ) لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ مُقَدَّرَةٌ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهَا تَكُونُ رِبًا فَيَبْطُلُ الْفَضْلُ وَالْوَاجِبُ فِي الْعَمْدِ هُوَ الْقِصَاصُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الرَّبَّا فَلَا يَبْطُلُ الْفَضْلُ هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى أَحَدِ مَقَادِيرِ الدِّيَةِ فَإِنْ صَالَحَ عَلَى غَيْرِهَا صَحَّ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةٌ بِهَا لَكِنْ يَشْتَرِطُ الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ لِيَخْرُجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا بِدَيْنٍ كَذَا فِي الْكَافِي ( كَمَا فِي مُوسِرٍ أَعْتَقَ نِصْفًا لَهُ وَصَالَحَ عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ ) يَعْنِي عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ فَصَالَحَ عَنْ بَاقِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ بَطَلَ الْفَضْلُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْعِتْقِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَتَقْدِيرُ الشَّرْعِ لَيْسَ أَدْنَى مِنْ تَقْدِيرِ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) صَالَحَ عَنْ بَاقِيهِ ( بِعَرْضٍ صَحَّ مُطْلَقًا ) أَيْ

وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ نِصْفِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ
( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ عَرْضٍ إذْ الصُّلْحُ عَلَى عَرْضٍ لَا خِلَافَ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا سَنَذْكُرُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا الصُّلْحُ بِعَرْضٍ صَحَّ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهُ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ فِيهِ إيهَامُ الْخِلَافِ فَدَفَعَهُ بِالتَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الرِّبَا وَنَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ وَفِي الْخَطَأِ لَا ) أَيْ لَا تَصِحُّ الزِّيَادَةُ وَالصُّلْحُ صَحِيحٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَيَبْطُلُ الْفَضْلُ ( قَوْلُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ ) يَعْنِي بِمَا لَا يَتَغَابَنُ فِيهِ

( وَكَّلَ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ عَمْدٍ أَوْ عَلَى بَعْضِ دَيْنٍ يَدَّعِيهِ ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ أَوْ الْمَوْزُونَاتِ ( لَزِمَ بَدَلُهُ الْمُوَكِّلَ ) دُونَ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَكَانَ الْوَكِيلُ سَفِيرًا مَحْضًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ ( إلَّا أَنْ يَضْمَنَهُ ) أَيْ الْوَكِيلُ الْبَدَلَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِالضَّمَانِ لَا بِالصُّلْحِ ( وَفِيمَا هُوَ كَبَيْعٍ ) وَهُوَ إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ مَالٍ بِمَالٍ ( لَزِمَ وَكِيلَهُ ) لِأَنَّ الْحُقُوقَ حِينَئِذٍ تَرْجِعُ إلَى الْوَكِيلِ هَذَا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَنْ إنْكَارٍ فَلَا يَجِبُ الْبَدَلُ عَلَى الْوَكِيلِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ ( صَالَحَ فُضُولِيٌّ وَضَمِنَ الْبَدَلَ أَوْ أَضَافَ إلَى مَالِهِ ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَلْفَيْ هَذَا ( أَوْ أَشَارَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ بِلَا نِسْبَةٍ إلَى نَفْسِهِ ) بِأَنْ قَالَ عَلَى هَذَا الْأَلْفِ أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ ( أَوْ أَطْلَقَ ) بِأَنْ قَالَ عَلَى أَلْفٍ ( وَنَقَدَ ) أَيْ سَلَّمَ ( صَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ( وَصَارَ ) أَيْ الْمُصَالِحُ ( مُتَبَرِّعًا هُنَا ) أَيْ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةُ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بَلْ إذْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْقُدْ ) أَيْ لَمْ يُسَلِّمْ الْفُضُولِيُّ الْبَدَلَ ( وُقِفَ ) أَيْ صَارَ الصُّلْحُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ ( فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ ( وَلَزِمَهُ الْبَدَلُ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ ( رُدَّ ) أَيْ الصُّلْحُ هَذِهِ صُوَرٌ خَمْسٌ لِأَنَّ الْفُضُولِيَّ إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ فَإِمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ فَإِمَّا أَنْ يُشِيرَ إلَى نَقْدٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يُشِرْ فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ أَوْ لَا فَالصُّلْحُ جَائِزٌ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَضْمَنْ الْبَدَلَ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ لَا يُحْكَمُ بِجَوَازِهِ بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا

عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُدَّعِي عِوَضٌ فَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مَجَّانًا لِعَدَمِ رِضَائِهِ بِهِ فَإِنْ أَجَازَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ وَلَزِمَهُ الْمَشْرُوطُ لِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ وَفِي حَقِّهَا الْأَجْنَبِيُّ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفُضُولِيُّ أَصِيلًا إذَا ضَمِنَ كَالْفُضُولِيِّ بِالْخُلْعِ إذَا ضَمِنَ الْبَدَلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ فَقَدْ الْتَزَمَ تَسْلِيمَهُ فَصَحَّ الصُّلْحُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَهُ لِلتَّسْلِيمِ فَقَدْ شَرَطَ لَهُ سَلَامَةَ الْعِوَضِ فَصَارَ الْعَقْدُ تَامًّا بِقَبُولِهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ هَذَا الْعَبْدَ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَدَّهُ أَوْ وَجَدَهُ حُرًّا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْمَصَالِحِ وَلَكِنْ يَرْجِعُ فِي دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْمُصَالِحَ لَمْ يَضْمَنْ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ دَلَالَةَ التَّسْلِيمِ عَلَى رِضَى الْمُدَّعِي فَوْقَ دَلَالَةِ الضَّمَانِ وَالْإِضَافَةِ إلَى نَفْسِهِ عَلَى رِضَاهُ وَأَمَّا الْخَامِسُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ كَبَاقِي الْوُجُوهِ لَمْ يُفِدْ صِحَّةَ الصُّلْحِ

( الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا لَهُ عَلَيْهِ ) أَيْ إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعَقْدِ مُدَايَنَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمَا فَالصُّلْحُ أَخْذٌ لِبَعْضِ حَقِّهِ وَحَطٌّ لِبَاقِيهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ يُصَحَّحُ مَا أَمْكَنَ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مُعَاوَضَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا ( فَصَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ ( عَنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ، وَ ) عَنْ ( أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ ) فَجُعِلَ حَطًّا لِلْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَلِلْبَعْضِ وَالصِّفَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ عَيْنَ هَذِهِ الْخَمْسِمِائَةِ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بِذَلِكَ الْعَقْدِ الَّذِي الدَّيْنُ بِهِ .
( وَ ) عَنْ ( أَلْفٍ حَالٍّ عَلَى ) أَلْفٍ ( مُؤَجَّلٍ ) إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُعَاوَضَةً لِأَنَّ بَيْعَ الدَّرَاهِمِ بِالدَّرَاهِمِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى تَأْخِيرٍ فِيهِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ .
( وَ ) عَنْ ( عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةِ دَنَانِيرَ عَلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ ) حَالَّةٍ أَوْ مُؤَجَّلَةٍ إذْ يُعْتَبَرُ حَطًّا لِلدَّنَانِيرِ كُلِّهَا وَبَعْضِ الدَّرَاهِمِ وَتَأْجِيلًا لِلْبَعْضِ لَا مُعَاوَضَةً لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ لَازِمٌ فِي الصُّلْحِ فَإِذَا أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ حَطًّا وَإِسْقَاطًا لَمْ يُعْتَبَرْ مُعَاوَضَةً ( لَا عَنْ دَرَاهِمَ عَلَى دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ ) لِأَنَّ الدَّنَانِيرَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَبَيْعُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ نَسِيئَةً لَا يَجُوزُ .
( وَ ) لَا ( عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا ) لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ إذْ الْمُسْتَحَقُّ بِهِ هُوَ الْمُؤَجَّلُ وَالْمُعَجَّلُ خَيْرٌ مِنْهُ فَقَدْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً وَالْأَجَلُ كَانَ حَقَّ الْمَدْيُونِ وَقَدْ تَرَكَهُ بِإِزَاءِ مَا حَطَّ عَنْهُ مِنْ الدَّيْنِ فَكَانَ اعْتِيَاضًا عَنْ الْأَجَلِ وَهُوَ حَرَامٌ أَلَا يَرَى أَنَّ

رِبَا النَّسِيئَةِ حُرِّمَ لِشُبْهَةِ مُبَادَلَةِ الْمَالِ بِالْأَجَلِ فَلَأَنْ تَحْرُمَ حَقِيقَتُهُ أَوْلَى ( وَ ) لَا ( عَنْ أَلْفٍ سُودٍ عَلَى نِصْفِهِ بِيضًا ) لِأَنَّ الْبِيضَ غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ لِأَنَّ مَنْ لَهُ السُّودُ لَا يَسْتَحِقُّ الْبِيضَ فَقَدْ صَالَحَ عَلَى مَا لَا يَسْتَحِقُّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ فَكَانَ مُعَاوَضَةُ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَزِيَادَةِ وَصْفِ الْجَوْدَةِ فَكَانَ رِبًا .
( وَ ) لَا عَنْ ( دَيْنٍ عَلَيْهِ عَلَى جِنْسٍ غَيَّرَهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ) لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ لَا يَكُون إلَّا مُعَاوَضَةً وَجَهَالَةُ الْبَدَلِ تُبْطِلُهَا

قَوْلُهُ الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ مَا لَهُ عَلَيْهِ
إلَخْ ) عَدَلَ بِهِ عَنْ عِبَارَةِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ الَّتِي هِيَ الصُّلْحُ عَمَّا اسْتَحَقَّ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ هَذَا سَهْوًا لِأَنَّهُ إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ جَمِيعُ صُوَرِهِ اسْتِيفَاءً لِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِسْقَاطًا لِلْبَاقِي وَإِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ أَنْ لَوْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى بَعْضِ الدَّيْنِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ عَنْ الدَّيْنِ بِجِنْسٍ آخَرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَالصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ الصُّلْحُ عَلَى مَا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ
إلَخْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَصْلًا جَيِّدًا لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ نَقْضٌ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَوَابُ عَنْ الْكَنْزِ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَخَذَ لِبَعْضِ حَقِّهِ لَا يَكُونُ إلَّا وَبَدَلُ الصُّلْحِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَإِخْبَارُهُ بِأَخْذٍ مَخْصُوصٍ بِبَعْضِ حَقِّهِ مُبَيِّنٌ لَهُ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ فَمُؤَدَّى عِبَارَتِهِ الصُّلْحُ عَمَّا اُسْتُحِقَّ بِعَقْدِ الْمُدَايَنَةِ بِجُزْءٍ مِنْهُ أَخَذَ لِبَعْضِ حَقِّهِ
إلَخْ فَلَا عُمُومَ وَلَا سَهْوَ وَلَا اعْتِرَاضَ ( قَوْلُهُ بِعَقْدِ مُدَايَنَةٍ ) صُوَرُ الْمَتْنِ بِهِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ لِشُمُولِهِ مَا عَلَيْهِ بِغَصْبٍ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ وَكَانَ الْأَوْلَى بَيَانُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ الْمُدَايَنَةِ وَالْغَصْبِ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَلْفٍ جِيَادٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ زُيُوفٍ ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ أَلْفٌ زُيُوفٌ وَصَالَحَهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ جِيَادٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْجِيَادِ فَيَكُونُ مُعَاوَضَةً ضَرُورَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَا عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى نِصْفِهِ حَالًّا
إلَخْ ) هَذَا فِي غَيْرِ صُلْحِ الْمَوْلَى مُكَاتَبَةً عَنْ أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى نِصْفِهَا حَالًّا حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِرْفَاقِ بَيْنَهُمَا أَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ قَوْلُهُ وَلَا عَنْ دَيْنٍ

عَلَيْهِ عَلَى جِنْسِ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ عَرْضًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ عَنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَإِذَا كَانَ الْعَرْضُ مُعَيَّنًا صَلَحَ الصُّلْحُ وَأَمَّا إذَا صَالَحَ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ كَدَنَانِيرَ عَنْ دَرَاهِمَ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَدَلَ الصُّلْحِ فِي عَقْدِهِ ثُمَّ أَدَّى مِثْلَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ كَمَا فِي الصَّرْفِ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَصَالَحَهُ عَلَى طَعَامٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَكُونُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ .
ا هـ .

( صَالَحَ عَنْ كُرِّ حِنْطَةٍ عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ قَبَضَ ) أَيْ الْعَشَرَةَ ( فِي الْمَجْلِسِ جَازَ ) أَيْ الصُّلْحُ لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الصُّلْحَ فِي صُورَةِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَجِبُ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ ( وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ فَلَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ بَاطِلٌ ( وَإِنْ قَبَضَ خَمْسَةً وَبَقِيَ خَمْسَةٌ فَتَفَرَّقَا صَحَّ فِي النِّصْفِ فَقَطْ ) لِوُجُودِ الْمُصَحِّحِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ( كَذَا الْعَكْسُ ) يَعْنِي لَوْ صَالَحَ عَنْ عَشَرَةٍ عَلَيْهِ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَإِنْ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا عَرَفْتَ

( قَالَ ادْفَعْ لِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا عَلَى أَنَّك بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي فَإِنْ دَفَعَ غَدًا بَرِئَ وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ لَمْ يَبْرَأْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَبْرَأُ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مُطْلَقًا فَتَثْبُتُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْإِبْرَاءِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَهُمَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ مُقَيَّدٌ بِالشَّرْطِ وَالْمُقَيَّدَ بِهِ يَفُوتُ عِنْدَ فَوَاتِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ فِي الْغَدِ وَأَنَّهُ يَصْلُحُ غَرَضًا حَذَرَ إفْلَاسِهِ أَوْ تَوَسُّلًا إلَى تِجَارَةٍ أَرْبَحَ فَصَلَحَ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَكَلِمَةُ عَلَى وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُعَاوَضَةِ لَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى الشَّرْطِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } وَقَدْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فَحُمِلَ عَلَى الشَّرْطِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا مَا ذُكِرَ وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ قَالَ صَالَحْتُكَ ) أَيْ عَنْ الْأَلْفِ ( عَلَى خَمْسِمِائَةٍ تَدْفَعُهَا إلَيَّ غَدًا وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّكَ إنْ لَمْ تَدْفَعْهَا غَدًا فَالْكُلُّ عَلَيْكَ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ ) يَعْنِي إنْ قَبِلَ وَأَدَّى بَرِئَ عَنْ الْبَاقِي وَإِلَّا فَالْكُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ التَّقْيِيدِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ بَطَلَ وَالثَّالِثُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُكَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي خَمْسَمِائَةٍ غَدًا بَرِئَ وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( لَمْ يُعْطِهَا ) لِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِبْرَاءَ وَأَدَاءَ خَمْسِمِائَةٍ غَدًا لَا يَصْلُحُ عِوَضًا وَيَصْلُحُ شَرْطًا مَعَ الشَّكِّ فِي تَقْيِيدِهِ بِالشَّرْطِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَ بِأَدَاءِ خَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ حَصَلَ مَقْرُونًا بِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا يَقَعُ مُطْلَقًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصْلُحُ شَرْطًا لَا يَقَعُ

مُطْلَقًا فَلَا يَثْبُتُ الْإِطْلَاقُ بِالشَّكِّ فَافْتَرَقَا وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ ( وَإِذَا لَمْ يُؤَقِّتْ ) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ غَدًا بَلْ قَالَ ادْفَعْ لِي خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنَّكَ بَرِيءٌ مِنْ الْبَاقِي ( بَرِئَ ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُؤَقِّتْ لِلْأَدَاءِ وَقْتًا لَمْ يَكُنْ الْأَدَاءُ غَرَضًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ بَلْ حُمِلَ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ وَلَا يَصْلُحُ عِوَضًا بِخِلَافِ مَا مَرَّ لِأَنَّ الْأَدَاءَ فِي الْغَدِ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا مَرَّ وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ عَلَّقَ صَرِيحًا لَمْ يَصِحَّ ) يَعْنِي إذَا قَالَ إنْ أَدَّيْتَ إلَيَّ أَوْ مَتَى أَوْ إذَا فَأَنْتَ بَرِيءٌ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ صَرِيحًا وَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ فِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَمَا لَا يَبْطُلُ

( قَالَ ) أَيْ الْمَدْيُونُ ( سِرًّا لِلدَّائِنِ لَا أُقِرُّ لَكَ بِمَا لَكَ حَتَّى تُؤَخِّرَهُ عَنِّي أَوْ تَحُطَّ فَفَعَلَ ) أَيْ التَّأْخِيرَ أَوْ الْحَطَّ ( صَحَّ ) أَيْ التَّأْخِيرُ وَالْحَطُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكْرَهٍ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الدَّائِنُ حَتَّى إنَّهُ بَعْدَ التَّأْخِيرِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِ فِي الْحَالِّ وَفِي الْحَطِّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَةِ مَا حَطَّهُ أَبَدًا ( وَلَوْ أَعْلَنَ ) أَيْ مَا قَالَهُ سِرًّا ( أَخَذَ الْآنَ ) أَيْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْ الْمُقِرِّ فِي الْحَالِ بِلَا تَأْخِيرٍ وَحَطٍّ ( الدَّيْنَ الْمُشْتَرَكَ إذَا قَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ شَارَكَهُ الْآخَرُ فِيهِ ) هَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فُرُوعٌ يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ عَلَى آخَرَ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْهُ مَلَكَهُ مَشَاعًا كَأَصْلِهِ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ وَإِنْ ازْدَادَ بِالْقَبْضِ إذْ مَالِيَّةُ الدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ عَاقِبَةِ الْقَبْضِ لَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ رَاجِعَةٌ إلَى أَصْلِ الْحَقِّ فَتَصِيرُ كَزِيَادَةِ الثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ فَلَهُ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ وَلَكِنَّهُ قَبْلَ الْمُشَارَكَةِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْقَابِضِ لِأَنَّ الْعَيْنَ غَيْرُ الدَّيْنِ حَقِيقَةً وَقَدْ قَبَضَهُ بَدَلًا عَنْ حَقِّهِ فَيَمْلِكُهُ حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَضْمَنَ لِشَرِيكِهِ حِصَّتَهُ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ إذَا اتَّحَدَ الصَّفْقَةُ وَثَمَنُ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَرَجَعَا عَلَى الْغَرِيمِ بِالْبَاقِي ) لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي كَذَلِكَ وَفَرَّعَ عَلَى الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ أَخَذَ ) الشَّرِيكُ ( الْآخَرُ نِصْفَهُ ) أَيْ نِصْفَ الدَّيْنِ ( مِنْ غَرِيمِهِ ) لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْتَوْفِهِ فَبَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ ( أَوْ ) أَخَذَ ( نِصْفَ الثَّوْبِ مِنْ شَرِيكِهِ ) لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَنْ نِصْفِ الدَّيْنِ وَهُوَ مَشَاعٌ لِأَنَّ

قِسْمَةَ الدَّيْنِ حَالَ كَوْنِهِ فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ وَحَقَّ الشَّرِيكِ مُتَعَلِّقٌ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ الدَّيْنِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ، وَأَخْذُهُ النِّصْفَ دَالٌّ عَلَى إجَازَةِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ ( إلَّا أَنْ يَضْمَنَ ) أَيْ شَرِيكُهُ ( لَهُ رُبْعَ الدَّيْنِ ) لِأَنَّ حَقَّهُ فِيهِ ( وَلَوْ لَمْ يُصَالِحْ ) أَحَدُهُمَا ( بَلْ اشْتَرَى بِنِصْفِهِ ) أَيْ نِصْفِ الدَّيْنِ ( شَيْئًا ضَمَّنَهُ ) أَيْ ضَمَّنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( الرُّبْعَ ) أَيْ رُبْعَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا حَقَّهُ بِالْمُقَاصَّةِ بِلَا حَطٍّ لِأَنَّ مَبْنَى الْبَيْعِ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ فَصَارَ كَقَبْضِهِ نِصْفَ الدَّيْنِ فَيَكُونُ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالرُّبْعِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْحَطِّ وَالْإِغْمَاضِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُرَابَحَةً فَكَأَنَّ الْمُصَالِحَ بِالصُّلْحِ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِهِ نَصِيبُهُ وَقَبْضُ بَعْضِهِ فَإِذَا أَلْزَمْنَا دَفْعَ رُبْعِ الدَّيْنِ تَضَرَّرَ بِهِ الْمُصَالِحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ تَمَامَ نِصْفِ الدَّيْنِ فَلِذَا خَيَّرْنَاهُ

قَوْلُهُ هَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ
إلَخْ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لِي كَوْنُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْرِيعِ جُزْئِيًّا لِلْأَصْلِ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ هُوَ نَفْسُ الْأَصْلِ وَالْمُفَرَّعُ غَيْرُ مَا فَرَّعَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ الْمُشْتَرَكُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا بِسَبَبٍ مُتَّحِدٍ
إلَخْ ) شَامِلٌ لِمَا إذَا اشْتَرَكَا فِي الْمَبِيعِ بِأَنْ كَانَ عَيْنًا وَاحِدَةً أَوْ لَمْ يَشْتَرِكَا بِأَنْ كَانَ عَيْنَيْنِ لِكُلِّ عَيْنٍ بِيعَتَا صَفْقَةً بِلَا تَفْصِيلِ ثَمَنٍ ( قَوْلُهُ فَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى ثَوْبٍ
إلَخْ ) فِي التَّفْرِيعِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْئًا وَهَذَا صُلْحٌ عَنْهُ ثُمَّ هَذَا احْتِرَازٌ عَنْ الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَدَلِ الصُّلْحِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَفِي الدَّيْنِ إذَا رَجَعَ عَلَى الْمُصَالِحِ أَثْبَتْنَا لِلْمُصَالِحِ الْخِيَارَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَوْ رُبْعَ الدَّيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إقْرَارٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ إنْكَارٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَفِي الْإِبْرَاءِ عَنْ حِصَّتِهِ ) أَيْ إذَا أَبْرَأَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ذِمَّةَ الْمَدْيُونِ عَنْ حِصَّتِهِ .
( وَفِي الْمُقَاصَّةِ بِدَيْنٍ سَبَقَ ) أَيْ إذَا كَانَ لِلْمَطْلُوبِ عَلَى أَحَدِ الطَّالِبَيْنِ دَيْنٌ بِسَبَبٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمَا عَلَيْهِ فَصَارَ قِصَاصًا ( لَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ ) عَلَى الْمَدْيُونِ بِحِصَّتِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إتْلَافٌ وَلَيْسَ بِقَبْضٍ فَلَمْ يَزْدَدْ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي بِالْبَرَاءَةِ فَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْبِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الدَّيْنَيْنِ إذَا الْتَقَيَا قَضَاءً أَنْ يَصِيرَ الْأَوَّلُ مَقْضِيًّا بِالثَّانِي وَالْمُشَارَكَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي الِاقْتِضَاءِ ( وَفِي بَعْضِهَا قُسِّمَ الْبَاقِي عَلَى سِهَامِهِ ) أَيْ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِ حِصَّتِهِ كَانَ قِسْمَةُ الْبَاقِي عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ السِّهَامِ لِأَنَّ الْحَقَّ عَادَ إلَى هَذَا الْقَدْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ كَانَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْخَمْسَةِ وَلِلسَّاكِتِ الْمُطَالَبَةُ بِالْعَشَرَةِ

( قَوْلُهُ وَفِي الْإِبْرَاءِ عَنْ حِصَّتِهِ وَالْمُعَاوَضَةِ بِدَيْنٍ سَبَقَ لَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ عَلَى الْمَدْيُونِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَمْ يَرْجِعْ الشَّرِيكُ عَلَى شَرِيكِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَطْلَقَ عَلَى الشَّرِيكِ لَفْظَ الْمَدْيُونِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِمَنْ لَهُمَا عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَكِنْ فِيهِ خَفَاءٌ ا هـ .
وَالتَّزَوُّجُ بِنَصِيبِهِ إتْلَافٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَا يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَصِيبِهِ مِنْهُ لِوُقُوعِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ إتْلَافٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْئًا قَابِلًا لِلشَّرِكَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِهِمَا قَسَّمَ الْبَاقِي عَلَى سِهَامِهِ أَيْ لَوْ أَبْرَأَهُ
إلَخْ ) كَانَ الْأَوْلَى التَّعْمِيمَ فَيُقَالُ وَفِي بَعْضِهَا أَيْ فِي الْبَرَاءَةِ عَنْ الْبَعْضِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ قَسَّمَ الْبَاقِي ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَى الْمَدْيُونِ عِشْرُونَ دِرْهَمًا فَأَبْرَأَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَنْ نِصْفِ نَصِيبِهِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَوْ قَاصَصَهُ عَنْ نِصْفِهِ بِدَيْنِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ تَأْجِيلُ نَصِيبِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى رِضَى شَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَافِذٌ عِنْدَهُمَا وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ .
ا هـ .

( صَالَحَ عَنْ عَيْبٍ فَظَهَرَ عَدَمُهُ أَوْ زَالَ بَطَلَ الصُّلْحُ ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى عَيْبًا فِي جَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ فَاصْطَلَحَا عَلَى مَالٍ عَلَى أَنْ يُبْرِئَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهَا عَيْبٌ أَوْ كَانَ وَلَكِنَّهُ قَدْ زَالَ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ بَدَلَ الصُّلْحِ

( صَالَحَ أَحَدُ رَبَّيْ سَلَمٍ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى مَا دَفَعَ فَإِنْ أَجَازَهُ الْآخَرُ نَفَذَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ رَجُلَانِ إلَى آخَرَ فِي طَعَامٍ ثُمَّ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مَعَ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَيَفْسَخَ عَقْدَ السَّلَمِ فِي نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْآخَرِ فَإِنْ أَجَازَ جَازَ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَمَا بَقِيَ مِنْ السَّلَمِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ جَازَ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الدُّيُونِ فَإِنَّ أَحَدَ الدَّائِنَيْنِ إذَا صَالَحَ الْمَدْيُونَ عَنْ نَصِيبِهِ عَلَى بَدَلٍ جَازَ فَكَانَ الْآخَرُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الْمَقْبُوضِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمَدْيُونِ بِنَصِيبِهِ كَذَلِكَ هَاهُنَا وَلَهُمَا أَنَّهُ لَوْ جَازَ فَإِمَّا أَنْ يَجُوزَ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً أَوْ فِي النِّصْفِ مِنْ النَّصِيبَيْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُ قِسْمَةُ الدَّيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ خُصُوصِيَّةَ نَصِيبِهِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالتَّمَيُّزِ وَلَا تَمَيُّزَ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُهَا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ فَسَخَ عَلَى شَرِيكِهِ عَقْدَهُ فَيَفْتَقِرُ إلَى رِضَاهُ

قَوْلُهُ صَالَحَ أَحَدَ رَبَّيْ سَلَمٍ
إلَخْ ) الْخِلَافُ ثَابِتٌ بَيْنَهُمْ عَلَى الصَّحِيحُ سَوَاءٌ خَلَطَا رَأْسَ الْمَالِ أَوْ لَا وَقِيلَ إنْ لَمْ يَخْلِطَا رَأْسَ الْمَالِ جَازَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَفِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ
إلَخْ ) كَذَا لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ نَصِيبِهِ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا وَقَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا حَالَةَ التَّصَادُقِ وَأَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَيَجُوزُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي حَالَةِ التَّكَاذُبِ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَكُونُ بَدَلًا لَا فِي حَقِّ الْآخِذِ وَلَا فِي حَقِّ الدَّافِعِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيِّ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا وَلَوْ كَانَ بَدَلُ الصُّلْحِ عَرْضًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا جَازَ مُطْلَقًا وَإِنْ قَلَّ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْمَجْلِسِ

( أَخْرَجَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَنْ عَرْضٍ أَوْ عَقَارٍ بِمَالٍ أَوْ ) أَخْرَجَ عَنْ ( ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ ) أَيْ عَنْ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ ( أَوْ ) عَنْ ( نَقْدَيْنِ بِهِمَا ) أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ وَبَدَلُ الصُّلْحِ أَيْضًا دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ ( صَحَّ ) أَيْ الصُّلْحُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ ( قَلَّ بَدَلُهُ أَوْ لَا ) أَيْ لَا يُعْتَبَرُ فِي النَّقْدَيْنِ التَّسَاوِي بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فَإِنْ وُجِدَ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا .
( وَفِي النَّقْدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ لَا ) أَيْ إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَصَالَحُوهُ عَلَى ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا ( إلَّا إذَا كَانَ الْمُعْطَى أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ ) لِتَكُونَ حِصَّتُهُ بِمِثْلِهِ وَالزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ حَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ صَوْنًا عَنْ الرِّبَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي هَذَا الْقَدْرِ

( وَبَطَلَ إنْ شَرَطَ لَهُمْ الدَّيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ فَأَدْخَلُوهُ فِي الصُّلْحِ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوا الْمُصَالَحَ عَنْهُ وَيَكُونَ الدَّيْنُ لَهُمْ بَطَلَ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُمَلِّكًا حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ لِسَائِرِ الْوَرَثَةِ بِمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ مِنْ الْعَيْنِ وَتَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ تَعَوَّضَ وَإِذَا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ ( إلَّا إذَا شَرَطُوا بَرَاءَةَ الْغُرَمَاءِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِنَصِيبِ الْمُصَالِحِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الصُّلْحُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ ( أَوْ قَضَوْا نَصِيبَ الْمُصَالِحِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ ( تَبَرُّعًا ) ثُمَّ تَصَالَحُوا عَمَّا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهَا مِنْ ضَرَرِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَالْأَوْلَى مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( أَوْ أَقْرَضُوهُ ) أَيْ الْمُصَالِحَ ( قَدْرَ حِصَّتِهِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الدَّيْنِ ( وَصَالَحُوا عَنْ غَيْرِهِ وَأَحَالَهُمْ ) أَيْ أَحَالَ الْمُصَالِحُ الْوَرَثَةَ ( بِالْقَرْضِ ) الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُمْ ( عَلَى الْغُرَمَاءِ ) وَتَقَبَّلُوا الْحَوَالَةَ ( وَاخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْ تَرِكَةٍ مَجْهُولَةٍ لَا دَيْنَ فِيهَا ) قَوْلُهُ ( عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِالصُّلْحِ يَعْنِي إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَأَعْيَانُهَا غَيْرَ مَعْلُومَةٍ وَأُرِيدَ الصُّلْحُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَنَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ بَدَلِ الصُّلْحِ فَيَكُونُ رِبًا وَقِيلَ يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَإِنْ كَانَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ أَقَلَّ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ فَكَانَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مُؤَدِّيًا إلَى اعْتِبَارِ شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا ( وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ عَنْ ) تَرِكَةٍ ( مَجْهُولَةٍ فِي يَدِ

الْبَقِيَّةِ ) مِنْ الْوَرَثَةِ ( غَيْرُ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ) لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِقِيَامِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي يَدِ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ بَيْعٌ إذْ الْمُصَالَحُ عَنْهُ عَيْنٌ وَمَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ
( قَوْلُهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ ) قَائِلُهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَقِيلَ يَصِحُّ قَائِلُهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

( كِتَابُ الْقَضَاءِ ) أَوْرَدَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ صُلْحٌ ( هُوَ ) لُغَةً الْأَحْكَامُ وَشَرْعًا ( إلْزَامٌ عَلَى الْغَيْرِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ ) لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ ( وَأَهْلُهُ أَهْلَ الشَّهَادَةِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ لِأَنَّهُ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إلْزَامٌ إذْ الشَّهَادَةُ مُلْزَمَةٌ عَلَى الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ مُلْزَمٌ عَلَى الْخَصْمِ فَمَا يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ يُشْتَرَطُ لِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ ( وَشَرْطُ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطُ أَهْلِيَّتِهِ ) وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ ( وَالْفَاسِقُ أَهْلُهَا فَيَكُونُ أَهْلَهُ لَكِنَّهُ لَا يُقَلَّدُ ) إذْ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِوَاسِطَةِ فِسْقِهِ حَتَّى لَوْ قُلِّدَ كَانَ الْمُقَلِّدُ آثِمًا ( كَمَا يَصِحُّ قَبُولُ شَهَادَتِهِ ) لِوُجُودِ أَصْلِ الْأَهْلِيَّةِ ( وَلَا تُقْبَلُ ) لِمَا ذُكِرَ حَتَّى لَوْ قَبِلَ الْقَاضِي وَحَكَمَ بِهَا كَانَ آثِمًا لَكِنَّهُ يَنْفُذُ .
وَفِي الْفَتَاوَى الْقَاعِدِيَّةِ هَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ وَهُوَ مِمَّا يُحْفَظُ ( اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْمِصْرِ شَرْطًا لِنَفَاذِهِ وَكَوْنِ الْقِسْمَةِ مِنْ أَعْمَالِهِ ) الْمِصْرُ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَخَذُوا بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ وَلَوْ أَمَرَ رَجُلًا بِالْقِسْمَةِ فِي الرُّسْتَاقِ جَازَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ الْقَضَاءِ وَكَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْقُرَى وَنَصَبَ قَيِّمًا فِي أُمُورِ الصِّغَارِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ نِكَاحِ الصِّغَارِ كَذَا حَكَى فَتْوَى ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ وَلَا مِنْ أَعْمَالِ الْقَضَاءِ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ شَهَادَاتِ الْمُحِيطِ إنَّ هَذَا مُشْكِلٌ عِنْدِي لِأَنَّ

الْقَاضِيَ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَمْلِكْ فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْقَضَاءِ

كِتَابُ الْقَضَاءِ ) ( قَوْلُهُ وَشَرْعًا إلْزَامُ الْغَيْرِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ) إطْلَاقُهُ فِي جَانِبِ الْإِقْرَارِ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّهُ مَعَ الْإِقْرَارِ إعَانَةٌ لِلْمُدَّعِي لَا قَضَاءٌ لِأَنَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُ فَصْلَ الْخُصُومَةِ وَلَا خُصُومَةَ مَعَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ إلْزَامَهُ لِنَفْسِهِ فَوْقَ إلْزَامِ الْقَاضِي فَلَا يَحْتَاجُ لِإِلْزَامِهِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِهِ ) يَعْنِي الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِلْزَامِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْقَضَاءُ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ وَبِهِ أُمِرَ كُلُّ نَبِيٍّ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ نَصْبُ الْقَاضِي فَرْضٌ وَنَصْبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ بَعْضِ الْقَدَرِيَّةِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرَ ) يَعْنِي مِنْ قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ فَالنَّهْيُ لِلْإِيجَابِ يَعْنِي يَجِبُ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لَكِنْ لَوْ قَبِلَ صَحَّ الْحُكْمُ بِهِ وَكَانَ الْقَاضِي آثِمًا ( قَوْلُهُ الْمِصْرِ ) شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ الْمِصْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ كِتَابَ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إلَى الْقَاضِي هَلْ يَصِحُّ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَهُوَ لَيْسَ بِقَاضٍ وَعَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَصِحُّ وَقَدْ قِيلَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ وَالثَّانِيَةُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي فِي الرَّسَاتِيقِ بِحَادِثَةٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي عَلِمَ قَبْلَ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ ا هـ كَذَا فِي الصُّغْرَى وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَنَّ الْمِصْرَ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَطَرِيقَةُ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى

وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْضِي قَضَاءَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَثِيرٌ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِنُفُوذِ الْقَضَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَإِنَّهُ إذَا خَرَجَ الْقَاضِي إلَى الْمَحْدُودِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَسَمِعَ الدَّعْوَى ثَمَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ هُنَاكَ كَيْفَ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي كَذَا فِي الصُّغْرَى .
( تَنْبِيهٌ ) : إذَا قَلَّدَ السُّلْطَانُ إنْسَانًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ كَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْقُرَى مَا لَمْ يَكْتُبْ فِي رَسْمِهِ وَمَنْشُورِهِ الْبَلْدَةَ وَالسَّوَادَ فِي بَابِ الْقَاضِي يَقْضِي بِعِلْمِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا كَذَا فِي الصُّغْرَى ا هـ .
وَبِهِ جَزَمَ فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ

( أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْقَاضِي إذَا أَخَذَ الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ هَلْ يَصِيرُ قَاضِيًا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا وَلَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ ( وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِهَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ ) لِوُجُودِ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ ( وَقِيلَ يَنْعَزِلُ ) لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ اعْتَقَدَ عَدَالَتَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ بِدُونِهَا وَقَالَ قَاضِي خَانْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا ارْتَشَى لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِيمَا ارْتَشَى
( قَوْلُهُ أَخَذَ الْقَضَاءَ بِالرِّشْوَةِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ لَا يَصِيرُ قَاضِيًا كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ بِأَخْذِهَا يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ ) يَعْنِي وَجَبَ عَلَى السُّلْطَانِ عَزْلُهُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَنْعَزِلُ ) أَيْ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَعَلِيٌّ الرَّازِيّ صَاحِبُ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اخْتِيَارٌ حَسَنٌ لِعَدَمِ ائْتِمَانِ النَّاسِ عَلَى حُقُوقِ النَّاسِ قَوْلُهُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ ) حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ يَنْفُذُ فِيمَا ارْتَشَى فَكَأَنَّ الْقَاضِيَ فَخْرَ الدِّينِ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الْقِيلَ وَاعْتَبَرَ قَوْلَ الْأَكْثَرِ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ فِي عَدَمِ نُفُوذِهِ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ قَضَايَاهُ فِيمَا ارْتَشَى وَفِيمَا لَمْ يَرْتَشِ بَاطِلَةٌ وَلَوْ ارْتَشَى وَلَدُ الْقَاضِي أَوْ كَاتِبُهُ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ كَانَ كَارْتِشَائِهِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ مَرْدُودًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَكَانَ عَلَى الْمُرْتَشِي رَدُّ مَا قَبَضَ .
ا هـ .

( وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ ) وَهُوَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْحَرَامِ ( وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ ) وَهِيَ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَالْآثَارِ ) وَهِيَ مَا يُرْوَى عَنْ الْأَصْحَابِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ( وَوُجُوهِ الْفِقْهِ ) أَيْ مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِأَحْكَامِ الْوَقَائِعِ ( وَالِاجْتِهَادُ شَرْطُ الْأَوَّلِيَّةِ ) لَا الْجَوَازُ ( كَذَا الْمُفْتِي ) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا الِاجْتِهَادُ
( قَوْلُهُ وَفَهْمِهِ ) يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ يُوثَقَ بِهِ فِي فَهْمِهِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ فَيُجْعَلُ سَمْعُهُ وَفَهْمُهُ وَقَلْبُهُ إلَى كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُمَا يُضَيِّعُ الْحَقَّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَلِقًا وَلَا ضَجِرًا وَلَا غَضْبَانَ وَلَا جَائِعًا وَلَا عَطْشَانَ وَلَا مُمْتَلِئًا وَلَا مَاشِيًا وَقْتَ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

( وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ ) أَيْ بِالْقَلْبِ ( وَلَا يَسْأَلُ ) أَيْ بِاللِّسَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِّلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ أَيْ يُلْهِمُهُ الرُّشْدَ وَيُوَفِّقُهُ لِلصَّوَابِ } ( وَيَخْتَارُ الْأَقْدَرَ وَالْأَوْلَى ) أَيْ يَنْبَغِي لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَخْتَارَ لِلْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَقْدَرُ وَأَوْلَى بِهِ ( وَلَا يَكُونُ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا ) لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَضَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ عَمَلًا وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ وَخَانَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ } وَعَمَلُ الْقَضَاءِ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الدِّينِ وَأَعْمَالِ الْمُسْلِمِينَ
( قَوْلُهُ وَلَا يَطْلُبُ الْقَضَاءَ ) فَإِنْ طَلَبَ لَا يُوَلَّى ( قَوْلُهُ وَلَا يَكُونُ فَظًّا سَيِّئَ الْخُلُقِ غَلِيظًا قَاسِيًا جَبَّارًا عَنِيدًا ) يَعْنِي فَيَكُونُ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فَمَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى

( وَيُكْرَهُ التَّقَلُّدُ ) أَيْ أَخْذُ الْقَضَاءِ ( لِمَنْ خَافَ الْحَيْفَ ) أَيْ الظُّلْمَ وَالْجَوْرَ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ أَمِنَ مِنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ بِلَا إكْرَاهٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ } وَقِيلَ قَدْ ازْدَرَاهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ هَكَذَا ثُمَّ دَعَا فِي مَجْلِسِهِ بِمَنْ يُسَوِّي شَعْرَهُ فَجَعَلَ الْحَلَّاقَ يَحْلِقُ بَعْضَ أَشْعَارِ ذَقَنِهِ فَعَطَسَ فَأَصَابَ الْمُوسَى حَلْقَهُ وَأَلْقَى رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَيَجُوزُ تَقَلُّدُهُ مِنْ الْجَائِرِ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْعَادِلِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ تَقَلَّدُوا الْقَضَاءَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ أَنْ أَظْهَرَ الْخِلَافَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَتَقَلَّدُوا مِنْ يَزِيدَ مَعَ فِسْقِهِ وَجَوْرِهِ وَالتَّابِعُونَ تَقَلَّدُوا مِنْ الْحَجَّاجِ مَعَ كَوْنِهِ أَظْلَمَ زَمَانِهِ ( وَ ) مِنْ ( أَهْلِ الْبَغْيِ ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ التَّقَلُّدُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يَصِحُّ وَبِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا يَنْعَزِلُ قُضَاةُ الْعَدْلِ وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَهُ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ السُّلْطَانُ الْعَدْلُ

( قَوْلُهُ وَإِنْ أُمِنَ مِنْهُ لَا يُكْرَهُ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا عُرِضَ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ عَدَدٌ يَصْلُحُونَ لِلْقَضَاءِ لَا يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ بَلْ هُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ الْقَبُولِ وَالتَّرْكِ ثُمَّ إذَا جَازَ لَهُ التَّرْكُ وَالْقَبُولُ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ إذَا عُرِضَ عَلَيْهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَقِيلَ يُكْرَهُ بِلَا إكْرَاهٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَخْ ) احْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِصُنْعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَصُنْعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالصَّالِحِينَ لِأَنَّ لَنَا بِهِمْ قُدْوَةً وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْحَقِّ إذَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عِبَادَةً خَالِصَةً بَلْ هُوَ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَدْلُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً } وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَاضِي الْجَاهِلِ أَوْ الْعَالِمِ الْفَاسِقِ أَوْ الطَّالِبِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الرِّشْوَةَ فَيَخَافُ أَنْ يَمِيلَ إلَيْهَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَقَلُّدُهُ مِنْ الْجَائِرِ ) إنَّمَا يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ إذَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ أَمَّا إذَا لَمْ يُمَكِّنْهُ فَلَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِالتَّقَلُّدِ مِنْهُ

( فَإِنْ تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ ) وَهِيَ الْخَرَائِطُ الَّتِي فِيهَا نُسَخُ السِّجِلَّاتِ وَالصُّكُوكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ نُسْخَتَيْنِ أَحَدُهُمَا تَكُونُ فِي يَدِ الْخَصْمِ وَالْأُخْرَى فِي دِيوَانِ الْقَاضِي إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَمَا فِي يَدِ الْخَصْمِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ثُمَّ الْوَرَقُ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ هَذِهِ النُّسَخَ إنْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي يَدِهِ لِعَمَلِهِ وَقَدْ صَارَ الْعَمَلُ لِغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ الْخُصُومِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ مَا اتَّخَذَهُ لِلتَّمَوُّلِ بَلْ لِلتَّدَيُّنِ وَكَذَا الْخُصُومُ تَرَكُوهُ فِي يَدِهِ فِي عَمَلِهِ وَقَدْ انْتَقَلَ الْعَمَلُ إلَى غَيْرِهِ ( وَأَلْزَمَ مَحْبُوسًا أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ قَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ) يَعْنِي نَظَرَ فِي حَالِ الْمَحْبُوسِينَ لِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَمَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ أَوْ أَنْكَرَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ
( قَوْلُهُ فَإِنْ تَقَلَّدَ طَلَبَ دِيوَانَ قَاضٍ قَبْلَهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَبْعَثُ عَدْلَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ أَوْ عَدْلًا وَاحِدًا وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ لِيَقْبِضَا دِيوَانَ الْمَعْزُولِ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِحَضْرَةِ أَمِينِهِ وَيَسْأَلَانِ الْمَعْزُولَ عَنْهَا شَيْئًا فَشَيْئًا لِكَشْفِ الْإِشْكَالِ عَنْهُمَا وَيَضَعَانِ كُلَّ شَيْءٍ فِي خَرِيطَةٍ بِمُفْرَدِهِ .
ا هـ .

( وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ الْمَعْزُولِ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّهُ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا ، وَشَهَادَةُ الْوَاحِدِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ خُصُوصًا إذَا كَانَتْ بِفِعْلِ نَفْسِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمْ بَيِّنَةً ( نَادَى عَلَيْهِ ) أَيْ لَمْ يُعَجِّلْ بِتَخْلِيَتِهِ حَتَّى يُنَادِيَ عَلَيْهِ أَيْ يَأْمُرَ مُنَادِيًا يُنَادِي كُلَّ يَوْمٍ إذَا جَلَسَ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْمَحْبُوسَ الْفُلَانِيَّ بِحَقٍّ فَلْيَحْضُرْ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ خَصْمٌ أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ( وَخَلَّاهُ ) أَيْ أَطْلَقَهُ ( وَنَظَرَ فِي الْوَدَائِعِ وَغَلَّاتِ الْوَقْفِ ) الَّتِي وَضَعَهَا الْمَعْزُولُ فِي أَيْدِي الْأُمَنَاءِ ( وَعَمِلَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ إقْرَارِ ذِي الْيَدِ ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ ( لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ ) لِمَا مَرَّ ( إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ ) إذْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ أَنَّ الْيَدَ كَانَتْ لِلْقَاضِي فَيَصِحُّ إقْرَارُ الْقَاضِي كَأَنَّهُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ مَالٌ إذَا أَقَرَّ بِهِ لِإِنْسَانٍ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ
قَوْلُهُ أَيْ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ ) لَوْ قَالَ يُنَادِي عَلَيْهِ أَيَّامًا كَمَا فَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ لَا بِقَوْلِ الْمَعْزُولِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ ذُو الْيَدِ بِالتَّسْلِيمِ مِنْهُ ) أَيْ فَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْقَاضِي إلَّا إذَا بَدَأَ صَاحِبُ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بِتَسْلِيمِ الْقَاضِي إلَيْهِ وَالْقَاضِي يُقِرُّ بِهِ لِغَيْرِهِ فَيُسَلَّمُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ وَيَضْمَنُ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ لِلْقَاضِي بِإِقْرَارِ الثَّانِي وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ

( وَجَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَوْلَى ) لِأَنَّهُ أَشْهَرُ مَوَاضِعِ الْبَلْدَةِ ( أَوْ ) جَلَسَ ( فِي دَارِهِ وَأَذِنَ ) لِلنَّاسِ ( بِالدُّخُولِ فِيهَا وَيَجْلِسُ مَعَهُ مَنْ كَانَ يَجْلِسُ قَبْلُ ) لِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي دَارِهِ وَحْدَهُ يُوَرِّثُ التُّهْمَةَ ( وَرَدَّ ) أَيْ لَمْ يَقْبَلْ ( هَدِيَّةً ) لِأَنَّ قَبُولَهَا يُؤَدِّي إلَى مُرَاعَاةِ الْمُهْدِي ( إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ مِمَّنْ اعْتَادَ مُهَادَاتَهُ ) أَيْ لَا يَرُدُّ مِنْهُمَا ( قَدْرًا عُهِدَ ) أَيْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ صِلَةُ الرَّحِمِ وَالثَّانِي لَيْسَ لِلْقَضَاءِ بَلْ جَرَى عَلَى الْعَادَةِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا خُصُومَةٌ ) إذْ لَوْ كَانَتْ لَكَانَ آكِلًا بِقَضَائِهِ ( وَشَهِدَ الْجِنَازَةَ ) لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ( لَا الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ ) وَهِيَ مَا لَوْ عَلِمَ الْمُضِيفُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا لِأَنَّ الْخَاصَّةَ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْعَامَّةِ ( وَيَعُودُ مَرِيضًا ) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ ( وَيُسَوِّي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ جُلُوسًا وَإِقْبَالًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اُبْتُلِيَ أَحَدُكُمْ بِالْقَضَاءِ فَلْيُسَوِّ بَيْنَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَالْإِشَارَةِ وَالنَّظَرِ } ( وَلَا يُضَارُّ أَحَدَهُمَا وَلَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً ) لِلتُّهْمَةِ ( وَلَا يَضْحَكُ فِي وَجْهِهِ ) لِأَنَّهُ إغْرَاءٌ عَلَى خَصْمِهِ ( وَلَا يَمْزَحُ مُطْلَقًا ) أَيْ لَا يُمَازِحُهُمَا وَلَا وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُ يُزِيلُ مَهَابَةَ الْقَضَاءِ وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَمْزَحُ مَعَهُ وَلَا مَعَ غَيْرِهِ وَلَا يُلَقِّنُهُ حُجَّةً لِلتُّهْمَةِ ( وَلَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَتَشْهَدُ بِكَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فَيُكْرَهُ كَتَلْقِينِ الْخَصْمِ ( وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يُحْصَرُ

لِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ فَكَانَ تَلْقِينُهُ إحْيَاءً لِلْحَقِّ بِمَنْزِلَةِ إحْصَارِ الْخَصْمِ وَالتَّكْفِيلِ

( قَوْلُهُ وَجَلَسَ لِلْحُكْمِ فِي مَسْجِدٍ وَالْجَامِعُ أَوْلَى ) يَعْنِي إذَا كَانَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ فِي الطَّرَفِ يَخْتَارُ الْجُلُوسَ وَسَطَ الْبَلَدِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْقِدَ فِي الطَّرِيقِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمَارَّةِ وَلَا يَجْلِسُ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ التُّهْمَةَ وَإِنْ جَلَسَ وَحْدَهُ لَا بَأْسَ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ قَرِيبًا مِنْهُ لِلْمَشُورَةِ وَكَذَا أَهْلُ الْعَدْلِ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَعْوَانِ حَيْثُ يَكُونُونَ بَعِيدًا عَنْهُ لِأَجْلِ الْهَيْبَةِ ا هـ .
وَأَطْلَقَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ قَيْدِ الْجَهْلِ فَقَالَ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ يُشَاوِرُهُمْ وَيَسْتَعِينُ بِرَأْيِهِمْ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْلِسَ مَعَهُ مَنْ يُوثَقُ بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ لِيَهْدِيَهُ إلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ إذَا رَجَعَ إلَيْهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَاوِرَهُمْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِإِذْهَابِهِ بِمَهَابَةِ الْمَجْلِسِ وَاتِّهَامِهِ بِالْجَهْلِ وَلَكِنْ يُقِيمُ النَّاسَ ثُمَّ يُشَاوِرُهُمْ أَوْ يَكْتُبُ فِي رُقْعَةٍ أَوْ يُكَلِّمُهُمْ بِلُغَةٍ لَا يَفْهَمُهَا الْخَصْمَانِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَدْخُلْهُ حَصْرٌ بِإِجْلَاسِهِمْ عِنْدَهُ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ الْكَلَامِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَإِنْ كَانَ لَا يُجْلِسُهُمْ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ حَادِثَةٌ بَعَثَ إلَيْهِمْ ( قَوْلُهُ لَا الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ ) هَذَا فِي دَعْوَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَفِي دَعْوَةِ الْقَرِيبِ يُجِيبُهَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ بِلَا خِلَافٍ وَذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُجِيبُ الْخَاصَّةَ لِلْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يُجِيبُ وَإِنَّمَا لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا لَمْ يَتَّخِذْ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهِدَايَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَجَازَ لَهُ مُحَمَّدٌ حُضُورَ دَعْوَةِ قَرِيبِهِ

الْخَاصَّةِ كَالْعَامَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ مَعْنَاهُ مِنْهَا لِمَكَانِ التُّهْمَةِ وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ أَنَّ كُلَّ مَا يَمْتَنِعُ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ مِنْ اتِّخَاذِهَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجِيبُ فَهِيَ الْخَاصَّةُ وَإِلَّا فَهِيَ الْعَامَّةُ ( قَوْلُهُ وَيَعُودُ مَرِيضًا ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ دَعْوَى وَكَذَا الْجِنَازَةُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ أَيْ لَا يُمَازِحُهُمَا
إلَخْ ) .
أَيْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَفِي غَيْرِهِ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ وَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي بَدْئِهِمَا بِالْكَلَامِ وَسُكُوتِهِ إلَى أَنْ يَبْدَأَهُ بِهِ وَهُوَ أَحْسَنُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي زَحْمَةٍ بَلْ يَجْعَلُ الرِّجَالَ نَاحِيَةً وَالنِّسَاءَ نَاحِيَةً ( قَوْلُهُ وَلَا يُلَقِّنُ الشَّاهِدَ شَهَادَتَهُ ) أَيْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ ) رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ مَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ ( قَوْلُهُ فِيمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ ) مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ خَمْسَمِائَةٍ وَشَهِدَ الشَّاهِدُ بِأَلْفٍ فَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ وَاسْتَفَادَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ عِلْمًا وَوَفَّقَ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا وَفَّقَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَإِذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَى الْخَصْمِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَمَرَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْمُقِرَّ ( بِدَفْعِهِ ) أَيْ دَفْعِ الْحَقِّ ( فَإِنْ أَبَى ) أَيْ امْتَنَعَ عَنْ الدَّفْعِ ( حَبَسَهُ ) شَرَطَ الْإِبَاءَ بَعْدَ أَمْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا إذَا ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَحْبِسُهُ كَمَا ثَبَتَ لِظُهُورِ الْمَطْلِ بِإِنْكَارِهِ وَإِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ يُعَجِّلْ بِحَبْسِهِ إذْ لَمْ يَعْرِفْ كَوْنَهُ مُمَاطِلًا فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ فَلَعَلَّهُ طَمِعَ فِي الْإِمْهَالِ فَلَمْ يَسْتَصْحِبْ الْمَالَ فَإِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ وَمِثْلُهُ حُكِيَ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْمَحْكِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ عَكْسُهُ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَعْتَذِرُ وَيَقُولُ مَا عَلِمْت أَنَّ لَهُ عَلَيَّ دَيْنًا إلَّا السَّاعَةَ فَإِذَا عَلِمْتُ قَضَيْتُ وَلَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ وَالْأَحْسَنُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَدْرَ مَا يَرَى ) اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ الْحَبْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْإِيذَاءِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُتَفَاوِتَةٌ ( بِطَلَبِ ذِي الْحَقِّ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حَبَسَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ ( فِيمَا لَزِمَهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِهِ ( بَدَلًا عَنْ مَالٍ حَصَلَ لَهُ كَثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ الْتَزَمَهُ بِعَقْدٍ كَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَدَيْنِ الْكَفَالَةِ ) لِأَنَّ الْمَالَ إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ ثَبَتَ غِنَاهُ بِهِ وَإِقْدَامَهُ عَلَى الْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ دَلِيلُ يَسَارِهِ .
( وَفِي غَيْرِهَا ) مِنْ الدُّيُونِ ( لَا ) أَيْ لَا يُحْبَسُ ( إنْ ادَّعَى الْفَقْرَ ) إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْيَسَارِ ( إلَّا أَنْ يُثْبِتَ غَرِيمُهُ غِنَاهُ ) فَيَحْبِسَهُ قَدْرَ مَا يَرَاهُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ دَلِيلَ الْيَسَارِ إذَا لَمْ يُوجَدْ كَانَ الْقَوْلُ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُ غِنَاهُ فَيَحْبِسُهُ ( ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ فَإِنْ

لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ أَطْلَقَهُ ) فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ فَحَبْسُهُ بَعْدَهُ يَكُونُ ظُلْمًا ( وَلَمْ يَمْنَعْ غُرَمَاءَهُ عَنْهُ ) لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ طَلَبَ الْآخَرِ حَقَّهُ مِنْهُ ( وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى إفْلَاسِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ ) لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْحَبْسُ وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ ( وَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى ) يَعْنِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْيَسَارِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْإِعْسَارِ فَبَيِّنَةُ الْيَسَارِ أَوْلَى لِأَنَّهُ عَارَضَ وَالْبَيِّنَةُ لِلْإِثْبَاتِ ( وَأَبَّدَ حَبْسَ الْمُوسِرِ ) لِأَنَّ الْحَبْسَ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ظَهَرَ ظُلْمُهُ فَيُجَازَى بِتَأْبِيدِ حَبْسِهِ ( لَا يَحْبِسُهُ لِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ ) لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَلَا يُحْبَسُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ مَالٍ وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ( بَلْ ) يُحْبَسُ ( فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا إذَا أَبَى ) عَنْ الْإِنْفَاقِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَفِي تَرْكِهِ قَصْدَ إهْلَاكِهِمَا فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ هَلَاكِهِمَا

( قَوْلُهُ وَالْأَحْسَنُ مَا ذَكَرَهُ هُنَا كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَهُ وَالصَّوَابُ لَا يَحْبِسُهُ فِيهِمَا أَيْ فِي صُورَتَيْ لُزُومِ الْمَالِ بِعَقْدٍ أَوْ مُبَادَلَةٍ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ لِظُهُورِ مَطْلِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمَالَ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ لَهُ مَالٌ فَالْقَاضِي يَقُولُ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ لَهُ مَالًا فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَالًا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ فَإِنْ أَبِي حَبَسَهُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ لَهُ مَالًا وَهُوَ يُنْكِرُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : هَذَا فِي غَيْرِ دَيْنِ الْوَلَدِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَإِنْ عَلَوْا وَمَوْلَى الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَدْيُونًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَدَيْنِ الْكَفَالَةِ ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَفِيلًا عَنْ أَصْلٍ كَكَفِيلِ أُمٍّ فَلَا يَحْبِسُ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِحَبْسِهِ أَنْ يَحْبِسَ الْكَفِيلُ الْأُمَّ وَلَا يَجُوزُ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْهُ ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ سُؤَالُ الْقَاضِي عَنْ حَالِهِ بَعْدَ الْحَبْسِ احْتِيَاطًا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْإِعْسَارِ شَهَادَةٌ بِالنَّفْيِ فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَعْمَلَ بِرَأْيِهِ وَلَا يَسْأَلُ وَلَكِنْ لَوْ سَأَلَ مَعَ هَذَا كَانَ أَحْوَطَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَمْنَعْ غُرَمَاءَهُ عَنْهُ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيُلَازِمُونَهُ وَيَأْخُذُونَ فَضْلَ كَسْبِهِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْقَضَاءِ بِالْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ إذْ الْمَالُ غَادٍ وَرَائِحٌ وَلِأَنَّ وُقُوفَ الشُّهُودِ عَلَى عُسْرَتِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصْلُحُ لِدَفْعِ الْحَبْسِ عَنْ الْمَدْيُونِ لَا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْغَرِيمِ فِي الْمُلَازَمَةِ وَمَنَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عَنْهُمَا أَيْ الْمُلَازَمَةِ وَأَخَذَ فَضْلَ الْكَسْبِ إلَى أَنْ يُقِيمَ

بَيِّنَةً أَنَّهُ اكْتَسَبَ مَالًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَوْلُ زُفَرَ كَقَوْلِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَةً عَلَى الْإِفْلَاسِ قَبْلَ حَبْسِهِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ رَأَى أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَبْسِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا السُّؤَالُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَقَبُولِ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ تُقْبَلُ وَبِهِ أَفْتَى مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ قَبْلَ الْحَبْسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الْإِعْسَارِ بَيِّنَةٌ عَلَى النَّفْيِ فَلَا تُقْبَلُ حَتَّى تَتَأَيَّدَ بِمُؤَيِّدٍ وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ تَأَيَّدَتْ ا هـ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ سَمِعَهَا قَبْلَ الْحَبْسِ ثُمَّ حَبَسَهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ لَا مَانِعَ مِنْ اعْتِمَادِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْإِخْبَارِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ا هـ وَفِي إطْلَاقِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِحَالَةِ تَسَامُحٍ لِمَا قَالَ فِي الصُّغْرَى خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ الثِّقَةِ يَكْفِي وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ وَلَا يَشْتَرِطُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ ا هـ .
وَكَيْفِيَّةُ الْإِخْبَارِ أَنْ يَقُولَ إنَّ حَالُ الْمُعْسِرِينَ فِي نَفَقَتِهِ وَكِسْوَتِهِ وَحَالَهُ ضَيِّقَةٌ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ طَلَبَ الْمَدْيُونُ يَمِينَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ حَلَفَ فَإِنْ نَكَلَ أَطْلَقَهُ وَلَوْ قَبْلَ الْحَبْسِ وَإِنْ حَلَفَ حَبَسَهُ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الصُّغْرَى إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ حَلَفَ أَبَّدَ الْحَبْسَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ ا هـ .
وَفِي إطْلَاقِ التَّأْبِيدِ تَسَامُحٌ كَمَا لَا يَخْفَى أَنَّهُ لِتَعَرُّفِ حَالِهِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ لَا يَحْبِسُهُ لِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ لِزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ ) كَذَا كُلُّ دَيْنٍ غَيْرَهَا لِوَلَدِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا الْكِسْوَةُ الْمَاضِيَةُ

الْمُقَرَّرَةُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً بِعَقْدٍ وَهِيَ مِنْ النَّفَقَةِ وَهِيَ حَادِثَةُ حَالٍ ( قَوْلُهُ بَلْ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا إذَا أَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ ) قَالَ الْكَمَالُ يَحْبِسُ كُلَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَبَى عَنْ الْإِنْفَاقِ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : وَهَلْ يَحْبِسُ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ لَهُ فَلْيُنْظَرْ .
( تَتِمَّةٌ ) : لَا يَحْبِسُ فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ السَّفَرِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ سَوَاءٌ بَعُدَ مَحَلُّهُ أَوْ قَرُبَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مُطَالَبَتَهُ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ فَلَا يَمْلِكُ مَنْعَهُ وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ حَتَّى إذَا حَلَّ الْأَجَلُ مَنَعَهُ مِنْ الْمُضِيِّ فِي سَفَرِهِ إلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ دَيْنَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

( تَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يُسْتَقَى مِنْ الشَّهَادَةِ وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِهِمَا فَكَذَا قَضَاؤُهَا فِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ

( وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ ) أَيْ لَا يُنَصِّبُ نَائِبًا لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِلَا إذْنِ الْمُوَكِّلِ ( إلَّا إذَا فُوِّضَ ) أَيْ الِاسْتِخْلَافُ ( إلَيْهِ ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ وَلِّ مَنْ شِئْتَ ( بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ ) وَهُوَ الْخَطِيبُ ( فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ ) لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَفَاتَتْ الْجُمُعَةُ ( مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ ) مَفْعُولُ يَسْتَخْلِفُ وَقَدْ مَرَّ تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا فُوِّضَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَنَائِبُ الْقَاضِي الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ ) يَعْنِي السُّلْطَانَ ( فَلَا يَعْزِلُهُ ) أَيْ إذَا كَانَ نَائِبًا عَنْ الْأَصِيلِ لَا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي ( إلَّا إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْتَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَزْلُ ( وَلَا يَنْعَزِلُ ) أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي ( بِخُرُوجِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( عَنْ الْقَضَاءِ ) هَذَا أَيْضًا فَرْعٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ( وَنَائِبُ غَيْرِهِ ) أَيْ نَائِبُ غَيْرِ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ ( إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ أَجَازَهُ ) أَيْ لَمْ يَقْضِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ قَضَى فِي غَيْبَتِهِ وَأَجَازَهُ ( صَحَّ ) قَضَاؤُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِ الْأَوَّلِ وَقَدْ وُجِدَ ( يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ ) يَعْنِي إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ ( لَا مَا خَالَفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ ) إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ تَأَيَّدَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ فَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي أَوْ بِثُبُوتِ حِلِّ الْوَطْءِ بِمُجَرَّدِ النِّكَاحِ فِي مُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ لَا

يَنْفُذُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمُخَالِفَتِهِ الْكِتَابَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } هَذَا إنَّمَا يُذْكَرُ لِقَصْرِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ { أَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا } وَلَا مَزِيدَ عَلَى الْأَدْنَى وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ حَدِيثُ الْعُسَيْلَةِ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ أَمْضَى ) جَزَاءُ هَذَا الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي نَفَذَ

( قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْعَزِلُ أَيْ نَائِبُ الْقَاضِي بِخُرُوجِهِ أَيْ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ ) حَكَى فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ خِلَافًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِ انْعِزَالِهِ بِخُرُوجِ الْقَاضِي عَنْ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ نَائِبًا عَنْ الْأَصْلِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النُّوَّابَ الْآنَ يَنْعَزِلُونَ بِعَزْلِ الْقَاضِي وَمَوْتِهِ لِأَنَّهُمْ نُوَّابُ الْقَاضِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ مَعَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ الْآنَ أَنَّهُ نَائِبُ السُّلْطَانِ وَلِهَذَا قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ وَنَائِبُ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ فَإِنَّهُ نَائِبُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَنَائِبُ غَيْرِهِ إنْ قَضَى عِنْدَهُ أَوْ أَجَازَهُ صَحَّ ) يَعْنِي إنْ صَلَحَ النَّائِبُ قَاضِيًا كَأَنْ لَا يَكُونَ رَقِيقًا وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ ( قَوْلُهُ يُمْضِي حُكْمَ قَاضٍ آخَرَ ) قَالُوا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَلَا يُمْضِيهِ الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا ) كَذَا فِي نُسَخٍ وَلَيْسَ التِّلَاوَةُ فَإِنَّهَا { ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا } وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلِأَنَّهُ قَالَ { وَأَدْنَى أَنْ لَا تَرْتَابُوا } وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا

( قَضَاءُ مَنْ حُدَّ فِي قَذْفٍ وَتَابَ أَوْ ) قَضَاءُ ( الْأَعْمَى أَوْ ) قَضَاءُ ( امْرَأَةٍ ) قَوْلُهُ ( بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَضَاءُ ( أَوْ ) قَضَاءُ ( قَاضٍ لِامْرَأَتِهِ ، وَ ) قَاضٍ ( بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ التَّائِبِ ، وَ ) شَهَادَةِ ( الْأَعْمَى ، وَ ) قَاضٍ ( لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا ، وَ ) قَاضٍ ( بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ بِشَهَادَتِهَا ) أَيْ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ ( نَفَذَ ) أَمْرُهُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَلَمْ يُخَالِفْ مَا ذُكِرَ ( حَتَّى لَوْ أَبْطَلَهُ ثَانٍ نَفَّذَهُ الثَّالِثُ ) لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الْأَوَّلَ كَالثَّانِي وَالْأَوَّلَ تَأَيَّدَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِاجْتِهَادٍ لَمْ يَتَأَيَّدْ بِهِ لِأَنَّهُ دُونَهُ وَالْقَضَاءُ حَقُّ الشَّرْعِ يَجِبُ صِيَانَتُهُ وَمِنْ صِيَانَتِهِ أَنْ يَلْزَمَ وَلَا يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ

( وَأَمَّا قَضَاءُ عَبْدٍ وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ .
( وَ ) قَضَاءُ ( كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ فَلَا يَنْفُذُ أَبَدًا ) لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمْ عَلَيْهِ ( يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْقَتْلِ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ فِي يَوْمِ كَذَا وَقَضَى بِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ الْمَيِّتَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَسْمَعُ وَيَقْضِي بِالنِّكَاحِ وَلَوْ ادَّعَى قَتْلَهُ فِيهِ وَقَضَى بِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا النِّكَاحَ بَعْدَهُ كَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَتَرَكَ هَذَا مِيرَاثًا لِأُمِّي وَمَاتَتْ وَتَرَكَتْ مِيرَاثًا لِي وَقَضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّ أُمَّكَ الَّتِي تَدَّعِي الْإِرْثَ عَنْهَا مَاتَتْ قَبْلَ فُلَانٍ الَّذِي تَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ أَوَّلًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَسِرُّهُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ النِّزَاعِ ، وَالْمَوْتُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْتٌ لَيْسَ مَحَلًّا لِلنِّزَاعِ لِيَرْتَفِعَ بِإِثْبَاتِهِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ مَحَلٌّ لِلنِّزَاعِ كَمَا لَا يَخْفَى

( الْقَضَاءُ بِحِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ بِشَهَادَةِ زُورٍ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا إذَا ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ ) يَعْنِي الْعُقُودَ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْفُسُوخَ كَالْإِقَالَةِ وَالْفُرْقَةِ بِطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِينَ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ( بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ ) وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهَا ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سَبَبٍ وَلَيْسَ بَعْضُ الْأَسْبَابِ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ لِتَزَاحُمِهَا فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ السَّبَبِ سَابِقًا عَلَى الْقَضَاءِ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ وَفِي النِّكَاحِ وَالشِّرَاءِ يُقَدَّمُ النِّكَاحُ وَالشِّرَاءُ تَصْحِيحًا لِلْقَضَاءِ وَفِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُرَادُ بِالنَّفَاذِ ظَاهِرًا أَنْ يُسَلِّمَ الْقَاضِي الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا إلَى الرَّجُلِ وَيَقُولَ سَلِّمِي نَفْسَكِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ زَوْجُكِ وَبِالنَّفَاذِ بَاطِنًا أَنْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَحِلَّ لَهَا التَّمْكِينُ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى ، لَهُمْ أَنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ حُجَّةٌ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَنْفُذُ بِقَدْرِ الْحُجَّةِ وَلَهُ مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَقَضَى بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَزَوِّجْنِي مِنْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا بِقَضَائِهِ لَمَا امْتَنَعَ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ عِنْدَ طَلَبِهَا وَرَغْبَةِ الزَّوْجِ فِيهَا وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ تَحْصِينُهَا مِنْ الزِّنَا وَكَانَ الشُّهُودُ زُورًا بِدَلِيلِ الْقِصَّةِ

قَوْلُهُ يَنْفُذُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَعِنْدَ الْبَاقِي يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا ) الْمُرَادُ بِالْبَاقِينَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَضَاؤُهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ نَافِذًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَصَرَاهُ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا كَانَتْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِظُهُورِ أَدِلَّتِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى دَلِيلِهِ وَإِنْ بَالَغَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ فِي تَوْجِيهِهِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إلَخْ ) الْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ هَذَا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَيْ وَجْهِ النِّسْيَانِ وَالْعَمْدِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَتْرُكُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدِ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ ا هـ .
وَنُقِلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ

بِالنَّوَاجِذِ .
ا هـ .
( فَائِدَةٌ ) الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ إذَا فُسِخَتْ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ حُكِيَ عَنْ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا كَمَا فِي الْفَتْحِ

( الْقَضَاءُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ ) الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ ( بِخِلَافِ رَأْيِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَضَاءِ الْمُرَادُ بِخِلَافِ الرَّأْيِ خِلَافُ أَصْلِ الْمَذْهَبِ كَالْحَنَفِيِّ إذَا حَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ نَحْوِهِ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَوْ مُحَمَّدٌ أَوْ نَحْوُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ فَلَيْسَ حُكْمًا بِخِلَافِ رَأْيِهِ ( لَوْ ) كَانَ قَضَاؤُهُ ( نَاسِيًا مَذْهَبَهُ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ) وَجْهُ النَّفَاذِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَأٍ بِيَقِينٍ ( وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ ) لِأَنَّهُ قَضَى بِمَا هُوَ خَطَأٌ عِنْدَهُ ( قِيلَ عَلَيْهِ الْفَتْوَى ) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ ( وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ فِيهِمَا ) فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ لَا يَرَى ذَلِكَ بَلْ يَرَى خِلَافَهُ يَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي

( لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ وَلَا لَهُ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَقْضِ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ الْآخَرَ } وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا مُنَازَعَةَ هُنَا لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ ( إلَّا بِحُضُورِ نَائِبِهِ حَقِيقَةً كَوَكِيلِهِ وَوَصِيِّهِ أَوْ شَرْعًا كَوَصِيِّ الْقَاضِي أَوْ حُكْمًا بِأَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ سَبَبًا لِمَا يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ ) وَيَصِيرُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ( كَمَا إذَا بَرْهَنَ عَلَى ذِي يَدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى الْمُدَّعَى مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَكَمَ عَلَى الْحَاضِرِ كَانَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ ) يَعْنِي ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذِي الْيَدِ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمُدَّعِي لَا يَتَوَسَّلُ إلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ عَلَى الْحَاضِرِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ عَلَى الْغَائِبِ ( وَلَوْ ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْغَائِبِ ( شَرْطًا ) لِمَا يَدَّعِيهِ عَلَى الْحَاضِرِ ( لَا ) أَيْ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَاضِرِ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ ( إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ ) كَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ طَلَّقَ فُلَانٌ امْرَأَتَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَقَامَتْ زَوْجَةُ الْحَالِفِ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيَّ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْغَائِبِ لِإِبْطَالِ نِكَاحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِدُخُولِ فُلَانٍ الدَّارَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ لِعَدَمِ تَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَائِبِ وَهَاهُنَا زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ ذُكِرَتْ فِي الْمُنْيَةِ فَمَنْ أَرَادَهَا فَلْيَنْظُرْ فِيهَا ( وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْغَائِبِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ

لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ ( فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ عِنْدَنَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
( قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهَا فِي الْأَصَحِّ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهَا تُقْبَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا وَمِنْهُمْ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَقِيلَ يَنْفُذُ وَقِيلَ لَا ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي النَّفَاذِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ نَفَاذَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ هُوَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ فَهُوَ كَقَضَاءِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ قَضَى عَلَى غَائِبٍ فَلَا يَكُونُ عَنْ إقْرَارٍ عَلَيْهِ ا هـ

( التَّرِكَةُ إذَا اُسْتُغْرِقَتْ بِالدَّيْنِ فَوِلَايَةُ الْبَيْعِ لِلْقَاضِي لَا لِلْوَرَثَةِ ) إذْ لَا مِلْكَ لِلْوَرَثَةِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وِلَايَةُ الْبَيْعِ ( يُقْرِضُ ) أَيْ الْقَاضِي ( مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ وَيُكْتَبُ ) أَيْ الصَّكُّ لِذِكْرِ الْحَقِّ ( لَا الْأَبُ وَالْوَصِيُّ ) أَيْ لَا يُقْرِضُ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ وَلَا الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْإِقْرَاضِ مَصْلَحَتَهُمْ لِبَقَاءِ الْأَمْوَالِ مَحْفُوظَةً مَضْمُونَةً وَالْقَاضِي يَقْدِرُ عَلَى التَّحْصِيلِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ

( قَوْلُهُ التَّرِكَةُ
إلَخْ ) أَقُولُ فِي الْفَصْلِ الثَّالِثِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي إلَّا بِحَضْرَةِ مَوْلَاهُ .
ا هـ .
فَكَذَلِكَ لَا تُبَاعُ التَّرِكَةُ الْمُسْتَغْرَقَةُ إلَّا بِحَضْرَةِ الْوَرَثَةِ لِمَا لَهُمْ مِنْ حَقِّ إمْسَاكِهَا وَقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِمْ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ لِلْوَارِثِ كَالْمَوْلَى ( قَوْلُهُ يُقْرِضُ مَالَ الْوَقْفِ وَالْغَائِبِ وَالْيَتِيمِ ) يَعْنِي مِنْ مَلِيءٍ يُؤْتَمَنُ وَلَا يَخَافُ مِنْهُ الْجُحُودَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الَّذِينَ أَقْرَضَهُمْ مَالَ الْأَيْتَامِ حَتَّى لَوْ اخْتَلَّ حَالُ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ مِنْهُ الْمَالَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِخْلَاصِ لَكِنْ إنَّمَا يَقْدِرُ مِنْ الْغَنِيِّ لَا مِنْ الْفَقِيرِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ الْمُعْسِرَ ابْتِدَاءً فَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عِنْدَهُ انْتِهَاءً كَذَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ لَا الْأَبُ ) هَذَا عَلَى أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ الرَّهَاوِيُّ وَلَوْ كَانَ الْأَبُ قَاضِيًا لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَلَدِهِ فَتَنْتِفِي الْعِلَّةُ الْمُسَوِّغَةُ لِجَوَازِ إقْرَاضِهِ ا هـ .
وَفِي أَخْذِهِ مَالَ طِفْلِهِ قَرْضًا رِوَايَتَانِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ حَكَّمَا مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا ) يَتَنَاوَلُ تَحْكِيمَ الْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ وَالْكَافِرِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّهِ وَلِذَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ الْقَضَاءَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ أَوْ قَوَدٍ ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَأَجَازَ فِي الْمُحِيطِ التَّحْكِيمَ فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوْهَرَةُ عَنْ الذَّخِيرَةِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُفْتِي بِهِ أَيْ بِصِحَّتِهِ فِي غَيْرِ مَا ذَكَرَ لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِئَلَّا يَذْهَبَ مَهَابَةُ مَنْصِبِ الْقَضَاءِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ
إلَخْ ) أَصْلُهُ مِنْ كَافِي النَّسَفِيِّ وَتَصَرَّفَ فِي

الْجَوَابِ بِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ بِمَا أَدَّى إلَى تَسْمِيَةِ الرُّكْنِ شَرْطًا وَبِانْعِدَامِ الرُّكْنِ يَفُوتُ الشَّيْءُ لِأَنَّ تَحْكِيمَ كُلٍّ مِنْهُمَا رُكْنٌ وَالْأَهْلِيَّةَ شَرْطٌ فَقَوْلُهُ قُلْنَا
إلَخْ الْمَنْفِيُّ اشْتِرَاطُ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى إبْطَالِ التَّحْكِيمِ فَيَنْفَرِدُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِبْطَالِهِ فَقَوْلُهُ كَمَا فِي الْبِنَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ فَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَقَاءُ مُشَبَّهًا بِالِابْتِدَاءِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً لِمُبَايَنَتِهِ لَهُ وَلَمْ يَأْتِ مُحَشِّي الْكِتَابِ الْوَانِيِّ بِأَزْيَدَ مِمَّا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ شَرْطًا لِبَقَاءِ ) أَقُولُ هَذَا تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَصَوَابُهُ شَرْطَ انْتِفَاءٍ وَأَوْضَحْتُهُ بِرِسَالَةٍ

( قَضَى بِالْجَوْرِ مُتَعَمِّدًا وَأَقَرَّ بِهِ فَالْغُرْمُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَوْ ) قَضَى بِالْجَوْرِ ( خَطَأً فَعَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ

( حَكَّمَا ) أَيْ جَعَلَ الْخَصْمَانِ بَيْنَهُمَا حَكَمًا ( مَنْ صَلَحَ قَاضِيًا ) أَيْ لَمْ يَتَّصِفْ بِمَا يُنَافِي الْقَضَاءَ ( فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ ) مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ رَفْعُ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا بِهَا وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ الْإِلْزَامُ عَلَى الْمُقِرِّ بِمُوجِبِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ( أَوْ نُكُولٍ فِي غَيْرِ حَدٍّ أَوْ قَوَدٍ أَوْ دِيَةٍ عَلَى الْعَصَبَةِ وَرَضِيَا ) بِحُكْمِهِ ( صَحَّ ) الْأَصْلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فَمَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالصُّلْحِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا وَاسْتِيفَاءَ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ وَالدِّيَةِ لَا تَجُوزُ بِالصُّلْحِ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهَا ( وَلَا يُفْتَى بِهِ ) أَيْ بِصِحَّتِهِ ( فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ ) لِئَلَّا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ ( كَذَا ) أَيْ صَحَّ ( إخْبَارُهُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَبِعَدَالَةِ شَاهِدٍ حَالَ وِلَايَتِهِ ) أَيْ بَقَاءِ تَحْكِيمِهِمَا ( لَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ إخْبَارُهُ ( بِحُكْمِهِ ) لِانْقِضَاءِ وِلَايَتِهِ كَالْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا قَالَ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِكَذَا ( وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ حُكْمِهِ ) لِأَنَّهُ مُحَكَّمٌ مِنْ جِهَتِهِمَا فَيَتَوَقَّفُ حُكْمُهُ عَلَى رِضَاهُمَا فَإِنْ قِيلَ التَّحْكِيمُ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ الْإِخْرَاجُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا قُلْنَا شَرْطُ وُجُودِ الشَّيْءِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ شَرْطًا لِبَقَاءِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا فِي الْبِنَاءِ ( لَا بَعْدَهُ ) أَيْ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِهِ لِأَنَّهُ صَدَرَ عَنْ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمَا كَالْقَاضِي إذَا قَضَى ثُمَّ عُزِلَ لَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ

( لَا يَصِحُّ حُكْمُهُ لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ ) كَحُكْمِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى إذْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ لِلتُّهْمَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَصِحَّ قَضَاؤُهُ لَهُمْ ( بِخِلَافِ حُكْمِهِمَا ) أَيْ الْمُوَلَّى وَالْمُحَكَّمِ ( عَلَيْهِمْ ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فِيهِ

( وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا ) حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالرِّضَا بِرَأْيِ الْمُثَنَّى فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ لَا يَكُونُ رِضًا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا ( رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْمَوْلَى إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ أَمْضَاهُ ) إذْ لَا فَائِدَةَ فِي نَقْضِهِ ثُمَّ فِي أَحْكَامِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ خَالَفَ ( أَبْطَلَهُ ) فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا رُفِعَ إلَى الْقَاضِي قَضِيَّةُ قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهُ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُحَكِّمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَالْقَاضِي الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُهُ غَيْرُهُمَا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَكَانَ كَالصُّلْحِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ وَأَمَّا الْقَاضِي فَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى كُلِّ النَّاسِ فَكَانَ قَضَاؤُهُ حُجَّةً فِي حَقِّ الْكُلِّ فَلَا يَكُونُ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّهُ إذَا صَادَفَ الْقَضَاءَ مَحَلَّهُ بِأَنْ يَكُونَ فَصْلًا مُجْتَهَدًا فِيهِ

( فَائِدَةٌ ) : إذَا غَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا سَمِعَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ غَابَ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيِّنَةِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ أَوْ مَاتَ الْوَكِيلُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ غَابَ الْوَكِيلُ أَوْ مَاتَ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ غَابَ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ حَضَرَ الْوَكِيلُ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْوَارِثِ وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ ثُمَّ غَابَ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْوَارِثِ الْآخَرِ وَكَذَا لَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى نَائِبِ الصَّغِيرِ ثُمَّ بَلَغَ الصَّغِيرُ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ
( قَوْلُهُ ثُمَّ عُدِّلَتْ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ قِيلَ لَا يَقْضِي وَقِيلَ يَقْضِي ) جَعَلَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَالثَّانِي قَوْلَ الثَّانِي كَذَا بِخَطِّ الْمَرْحُومِ الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ ( قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ يَقْضِي .
وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْضِي عَلَيْهِ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ هُوَ أَوْفَقُ بِالنَّاسِ انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى كِتَابِ قَاضٍ آخَرَ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي قَدْ تَمَّ عَلَى الْأَوَّلِ أَقُولُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ : فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالذَّاتِ فِي هَذَا الْبَابِ بَلْ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ خَصْمٍ لَمْ يُحْكَمْ ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ وَتَرَكَ هَاهُنَا قَوْلَهُ : إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ هَذَا الْبَابَ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهِ بَلْ بَيَّنَ فِيهِ السِّجِلَّ ، وَالْمَحْضَرَ ، وَالصَّكَّ ، وَالْوَثِيقَةَ .
بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي

( شَهِدَا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِهَا ) أَيْ بِشَهَادَتِهِمَا ( وَكَتَبَ بِهِ ) أَيْ بِحُكْمِهِ ( وَهُوَ السِّجِلُّ ) فِي الْمُغْرِبِ السِّجِلُّ كِتَابُ الْحُكْمِ وَقَدْ سَجَّلَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِهِ فَالسِّجِلُّ كِتَابُ قَاضٍ ذَكَرَ فِيهِ حُكْمَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ لَا الثَّانِي ظَاهِرٌ ، وَالْأَوَّلُ يَكُونُ فِي صُورَةِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ عَلَى بَائِعِهِ وَهُوَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ حُكْمَهُ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِيُحَصِّلَ حَقَّهُ يَكْتُبُهُ الْقَاضِي وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا سِجِلًّا لِتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ .

( أَوْ ) شَهِدَا ( عَلَى ) خَصْمٍ ( غَائِبٍ لَمْ يَحْكُمْ ) بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ ( وَكَتَبَ بِهَا ) أَيْ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ ( إلَى قَاضٍ ) يَكُونُ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ ( لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ حُكْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ لَمَّا مَرَّ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَصِحُّ ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ أَوْ لَا يَنْفُذُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي النَّفَاذِ ( قَوْلُهُ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ ) يَعْنِي إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ يَعْنِي عَلَى الْغَائِبِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يُنَفِّذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ ، وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ا هـ .
وَهَذَا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ ذَهَابُ الشَّاهِدِ وَإِيَابُهُ فِي يَوْمِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي نَقْلُ الشَّهَادَةِ حَقِيقَةً ) لِأَنَّ مَضْمُونَهُ ذَلِكَ ( وَيُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِشُبْهَةٍ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْحَدِّ ، وَالْقَوَدِ لِمَا سَيَأْتِي ( كَالدَّيْنِ ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالْقَدْرِ ، وَالْوَصْفِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ الْإِشَارَةَ ( وَالْعَقَارِ ) فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِالتَّحْدِيدِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ ( وَالنِّكَاحِ ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ نِكَاحًا عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَرَادَ كِتَابَ الْقَاضِي بِذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ ( وَالطَّلَاقِ ) بِأَنْ ادَّعَتْ طَلَاقًا عَلَى زَوْجِهَا ( وَالْعَتَاقِ ، وَالْوَصِيَّةِ ، وَالنَّسَبِ ) مِنْ الْحَيِّ ، وَالْمَيِّتِ ( وَالْمَغْصُوبِ ، وَالْأَمَانَةِ ، وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَتَيْنِ ، وَالشُّفْعَةِ ، وَالْوَكَالَةِ ، وَالْوَفَاةِ ، وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجِبُهُ الْمَالَ ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْقَوَدِ ( وَالْوِرَاثَةِ ) فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ ( وَكَالْمَنْقُولِ فِي الْمُخْتَارِ ) إنَّمَا قَالَ فِي الْمُخْتَارِ : لِمَا قِيلَ إنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ كَالثِّيَابِ ، وَالْعَبِيدِ ، وَالْإِمَاءِ وَنَحْوِهَا لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ فِيمَا يُنْقَلُ عِنْدَ الدَّعْوَى ، وَالشَّهَادَةِ .
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ، وَقَالَ إنَّهُ يُقْبَلُ فِي الْعَبْدِ لَا الْأَمَةِ لِأَنَّ الْإِبَاقَ يَغْلِبُ فِي الْعَبِيدِ دُونَ الْإِمَاءِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطِهِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ مَا يُنْقَلُ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ ، قَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي ( لَا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ ) أَيْ لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْإِسْقَاطِ وَفِي قَبُولِهِ سَعْيٌ فِي إثْبَاتِهِمَا .

( قَوْلُهُ وَهُوَ نَقْلُ شَهَادَةٍ حَقِيقَةً ) يُشِيرُ إلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ يُحْكَمُ بِرَأْيِهِ وَإِنْ خَالَفَ رَأْيُهُ رَأْيَ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الْحَادِثَةِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطِهِ ) هِيَ كَأَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ وَهُوَ الْيَوْمَ فِي يَدِ فُلَانٍ وَيُعَرِّفَ الْعَبْدَ غَايَةَ التَّعْرِيفِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

( وَذَكَرَ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَتَبَ بِهَا ( اسْمَهُ ) أَيْ اسْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ( وَنَسَبَهُ وَاسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ وَأَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَهِدَ غِبَّ الدَّعْوَى الصَّادِرَةِ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ) وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ غِبَّ الدَّعْوَى وَلَا يَكْفِي أَنْ يَكْتُبَ عَمَّنْ لَهُ ذَلِكَ .
( وَ ) غِبَّ ( الِاسْتِشْهَادِ ) حَتَّى إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ قَبْلَ الِاسْتِشْهَادِ لَا يُقْبَلُ ( شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ مُتَّفِقَةُ اللَّفْظِ ، وَالْمَعْنَى ) قَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالِاتِّفَاقِ لَفْظًا وَمَعْنًى ( وَقَرَأَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ ( عَلَى مَنْ أَشْهَدَهُمْ ) لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ ( أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِهِ ) إنْ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ إذْ لَا شَهَادَةَ بِلَا عِلْمٍ ( وَكَتَبَ أَسْمَاءَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ ) أَيْ أَسْمَاءَ شُهُودِ الطَّرِيقِ وَأَنْسَابَهُمْ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ فَإِنَّ كَوْنَهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( وَ ) كَتَبَ ( تَارِيخَ الْكِتَابِ ) وَلَوْ لَمْ يَكْتُبْ فِيهِ التَّارِيخَ لَا يَقْبَلُهُ ، وَإِنْ كَتَبَ يُنْظَرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا وَلَا يَكْتَفِي بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا ( وَخَتَمَهُ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ ) لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إذْ عِنْدَهُمَا عِلْمُ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِهِ ( وَأَبُو يُوسُفَ لَمْ يَشْتَرِطْ ذِكْرَ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبِهِ ) بَلْ جَوَّزَ أَنْ يَكْتُبَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ الْقُضَاةِ ( وَلَا الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَهُ ) فَسَهُلَ فِي ذَلِكَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ ( وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ ) تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ سِجِلَّ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى

الْقَاضِي الَّذِي هُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ لَا يَكُونُ إلَّا قَبْلَ الْحُكْمِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى الْمَعْلُومِ أَيْ الْمُدَّعِي عَلَى مَعْلُومٍ أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ الْقَاضِي لِأَنَّ كِتَابَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ خِطَابِهِ وَلَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ صَارَ وَاحِدًا مِنْ الرَّعَايَا فَكَذَا إذَا كَتَبَ إلَيْهِ لَكِنَّهُ جُوِّزَ فِيمَا يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ إذْ قَدْ يَكُونُ الشَّاهِدُ لِلْمَرْءِ عَلَى حَقِّهِ فِي بَلْدَةٍ ، وَخَصْمُهُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَيَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا إذْ أَكْثَرُ النَّاسِ يَعْجَزُونَ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا فَيُحْتَاجُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ بِالْكِتَابِ إلَى مَجْلِسِ ذَلِكَ الْقَاضِي .
قَوْلُهُ شَهِدَ غِبَّ الدَّعْوَى ) أَيْ بَعْدَ الدَّعْوَى .

( لَا يُقْبَلُ ) أَيْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ ( إلَّا مِنْ ) قَاضٍ ( مُوَلًّى ) مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُحَكَّمِ ( وَيَمْلِكُ الْجُمُعَةَ ) أَيْ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ .
( قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ أَيْ نَقْلُ الشَّهَادَةِ إلَّا مِنْ قَاضٍ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ بَعْدَ عَدَالَةِ شُهُودِ الْأَصْلِ ، وَالْكِتَابِ لَا فَرْقَ أَيْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ

( وَلَا يَجُوزُ كَوْنُ شُهُودِ الطَّرِيقِ كُفَّارًا وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَافِرًا ) لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ مُلْزِمَةٌ لِلْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي فَتَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِالْخَصْمِ .

( ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ مَالًا وَأَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ وَكِيلَهُ ) لِتَحْصِيلِهِ ( اسْتَحْلَفَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( الْقَاضِيَ ) بِأَنَّك ( مَا قَبَضْته كُلًّا أَوْ بَعْضًا وَمَا أَبْرَأْت ذِمَّتَهُ وَمَا تَعْلَمُ أَنَّ رَسُولًا أَوْ وَكِيلًا لَك قَبَضَ مِنْهُ ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَائِبَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَدَّعِيَ بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ أَنَّهُ ادَّعَى ذَلِكَ الْمَالَ إلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحِينَئِذٍ يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِذَا حَلَفَ قِيلَ يَنْدَفِعُ ذَلِكَ وَتَقْصُرُ الْمَسَافَةُ .

( فَإِنْ انْقَطَعَ الشُّهُودُ ) أَيْ شُهُودُ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( أَوْ وَصَلُوا إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَوُجِدَ الْخَصْمُ فِي وِلَايَةِ قَاضٍ آخَرَ ) أَشْهَدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا رَجُلَيْنِ ( آخَرِينَ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكَتَبَهُمَا عَلَى طَرِيقِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ ( بَدَلَهُمَا ) أَيْ بَدَلَ الشَّاهِدَيْنِ الْأَصْلِيَّيْنِ ( فَأَنْهَاهُ ) أَيْ مَا كَتَبَ بَدَلَهُمَا ( إلَى مَنْ أَنْهَى إلَيْهِ الْأَصْلَ ) أَيْ الْأَصْلَ الْمَكْتُوبَ إنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي بَلَدِهِ ( أَوْ إلَى قَاضٍ آخَرَ ) إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ( ثُمَّ ) إلَى آخَرَ ( وَثُمَّ ) إلَى آخَرَ ( إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَنْ يَكُونُ الْخَصْمُ تَحْتَ وِلَايَتِهِ ) .

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِجَانِبِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَقَالَ ( ثُمَّ إنَّهُ ) أَيْ مَنْ كَانَ الْخَصْمُ فِي وِلَايَتِهِ سَوَاءً كَانَ ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً ( لَا يَقْبَلُهُ ) أَيْ نَقْلَ الشَّهَادَةِ ( إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إذْ الْكَاتِبُ يَنْقُلُ أَلْفَاظَ الشُّهُودِ بِكِتَابِهِ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَمَا أَنَّ شَاهِدَ الْفَرْعِ يَنْقُلُ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَصْلِ بِعِبَارَتِهِ وَكَمَا لَا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ فَكَذَا لَا يَفْتَحُ الْكِتَابَ إلَّا بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ سَمَاعِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ وَهَذَا لِلْحُكْمِ ( قِيلَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَيْضًا أَبُو يُوسُفَ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ ، وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .
قَوْلُهُ قِيلَ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ أَيْضًا أَبُو يُوسُفَ
إلَخْ ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ا هـ .
وَهَذَا أَوْلَى إذْ يُفِيدُ أَنَّهُ غَيْرُ ضَعِيفٍ وَأَيْضًا اسْتِدْلَالُهُ بِقِيلِ لَا يُطَابِقُهُ ( قَوْلُهُ : وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ الْمُرْسَلِ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ

( وَ ) لَا يَقْبَلُهُ أَيْضًا إلَّا ( بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ) لِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ إذْ الْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ ، وَالْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ وَأَيْضًا كِتَابُ الْقَاضِي مُلْزِمٌ إذْ يَجِبُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ وَيَعْمَلَ بِهِ وَلَا إلْزَامَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ .

( فَإِذَا شَهِدَا عِنْدَهُ ) أَيْ شَاهِدَا الطَّرِيقِ عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَعَدَلُوا فَتَحَهُ ) قَالَ فِي الْكَافِي الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنَّمَا يُفْتَحُ الْكِتَابُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ فَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الشُّهُودِ وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ إنَّمَا يُمْكِنُ بَعْدَ قِيَامِ الْخَصْمِ ( وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ إنْ بَقِيَ كَاتِبُهُ قَاضِيًا فَيَبْطُلُ ) أَيْ كِتَابُ الْقَاضِي ( إنْ زَالَ عَنْ الْقَضَاءِ ) بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ عَنْهُ ( قَبْلَ وُصُولِهِ ) أَيْ الْكِتَابِ ( إلَيْهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُقْبَلُ وَإِنَّمَا قَبُولُهُ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْأَصْلِ وَلِهَذَا لَوْ الْتَقَى قَاضِيَانِ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي مِصْرٍ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي كَذَا فَاعْمَلْ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ لِانْتِفَاءِ الْوِلَايَةِ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي الصَّحِيحُ
إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَهُ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَصَحُّ أَيْ يَجُوزُ الْفَتْحُ قَبْلَ ظُهُورِهَا أَيْ الْعَدَالَةِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ ( قَوْلُهُ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ ) يَعْنِي بَعْدَ ثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ فَيَبْطُلُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِهِ ) أَيْ الْكِتَابِ إلَيْهِ يَعْنِي قَبْلَ قِرَاءَتِهِ لَا مُجَرَّدُ وُصُولِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلِذَا قَالَ الْكَمَالِ الْعِبَارَةُ الْجَيِّدَةُ أَنْ يُقَالَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ لَا قَبْلَ وُصُولِهِ لِأَنَّ وُصُولَهُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَقِرَاءَتِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا

( كَذَا زَوَالُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْقَضَاءِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَسْبَاب فَإِنَّهُ أَيْضًا سَبَبُ بُطْلَانِ كِتَابِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ ( إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ ) أَيْ اسْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ) فَإِنَّهُ لَمَّا عَرَفَ الْأَوَّلَ صَحَّتْ كِتَابَةُ الْقَاضِي إلَيْهِ فَيُجْعَلُ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ تَبَعًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا .

( وَإِنْ كَتَبَهُ ) أَيْ قَوْلَهُ إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ ( ابْتِدَاءً ) أَيْ بِلَا تَسْمِيَةِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ( جَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ ) فَإِنَّهُ تَوَسَّعَ بَعْدَ مَا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ .

( فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ ) بَعْدَ وُصُولِ الْكِتَابِ ( لَسْت الَّذِي كَتَبَ فِيهِ فَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَانُهُ ) بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ هُوَ أَوْ طَعَنَ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي فِي الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ أَوْ فِي الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْحَقِّ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ الْكِتَابَ .
وَقَالَ لِهَذَا الْقَاضِي إنِّي آتِيك بِمَا أُوضِحُ بِهِ هَذَا عِنْدَك أَوْ قَالَ لَهُ سَلْ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّك تَجِدُهُ عَلَى مَا قُلْت ، وَقَالَ فِيهِمْ مَا سَقَطَ بِهِ عَدَالَتُهُمْ بِأَنْ قَالَ : إنَّ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ سَمِعَ الْقَاضِي هَذَا الطَّعْنَ فَإِنْ أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي ذَلِكَ الْكِتَابَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِجَرْحٍ مُفْرَدٍ فَلَا يَمْتَنِعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْح الْمُفْرَدِ مَقْبُولَةٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِجَرْحٍ مُفْرَدٍ هَذَا إذَا أَقَامَ شَاهِدَيْنِ ، وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ يَعْنِي أَنَّهُ تَمَكَّنَتْ التُّهْمَةُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَتَقَعُ الشُّبْهَةُ فِي الْقَضَاءِ ، وَالْقَضَاءُ مَعَ الشُّبْهَةِ لَا يَجُوزُ فَيَتَفَحَّصُ فَإِنْ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى مَا قَالَهُ هَذَا الْوَاحِدُ فَلَا يَقْضِي بِالْكِتَابِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ لَسْت الَّذِي كَتَبَ فِيهِ فَعَلَى الْمُدَّعِي إثْبَاتُهُ ) لَيْسَ الْإِنْكَارُ شَرْطًا بَلْ كَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ هُوَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ قَوْلُهُ سَمِعَ الْقَاضِي هَذَا الطَّعْنَ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ ثَبَتَتْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْكَمَالِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَذْكُرُ أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ إنَّهُ عَرَفَهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ عَدَلُوا لِأَنَّ الْخَصْمَ إذَا أَحْضَرَهُ الثَّانِي قَدْ يَكُونُ لَهُ مَطْعَنٌ فِيهِمْ أَوْ فِي أَحَدِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِمْ لَهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الطَّعْنِ إنْ كَانَ

( وَإِنْ مَاتَ ) الْخَصْمُ ( نَفَذَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْكِتَابَ ( عَلَى وَارِثِهِ أَوْ وَصِيُّهُ ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ .

( جَازَ نَقْلُ شَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى دَعْوَى وَلَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي بَلْدَتِهِ وَآخَرُ فِي بَلْدَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ شَهَادَةَ مَنْ فِي بَلْدَتِهِ وَيَدَّعِي عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصُ وَيَتَمَسَّكُ بِكِتَابِ الشَّهَادَةِ وَيُشَاهَدُ هُنَاكَ جَازَ .

( وَ ) جَازَ ( كَتْبُ تَوْكِيلِ غَائِبٍ ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى دَعْوَى وَأَرَادَ أَنْ يُوَكِّلَ رَجُلًا فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِيُخَاصِمَ مِنْ جَانِبِهِ مَعَ ذَلِكَ الرَّجُلَ جَازَ أَيْضًا .
( قَوْلُهُ وَجَازَ كَتْبُ تَوْكِيلِ غَائِبٍ ) لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ بِدُونِهِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ .

( وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِعِلْمِهِ ) قَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْتَبَرَ عِلْمَ الْقَاضِي حَتَّى قَالَ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي أَنَّ زَيْدًا غَصَبَ شَيْئًا مِنْ الْمُدَّعِي يَأْخُذُهُ مِنْ زَيْدٍ وَيَدْفَعُهُ إلَى الْمُدَّعِي وَهَذَا جَوَابُ رِوَايَةِ الْأُصُولِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْهُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ ، وَإِنْ اسْتَفَادَ الْعِلْمَ فِي حَالَةِ الْقَضَاءِ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ .
قَالَ لَعَلَّ الْقَاضِيَ يَكُونُ غَالِطًا فِيمَا يَقُولُ فَيُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِ شَاهِدٌ آخَرُ حَتَّى يَكُونَ عِلْمُهُ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدٍ آخَرَ بِمَعْنَى شَاهِدَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .
( قَوْلُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِهِ أَيْ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ ) الْمُخْتَارُ عَدَمُ حُكْمِهِ بِهِ فِي زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ السِّجِلِّ وَبَيَانِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمَحْضَرِ وَمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ وَفِي السِّجِلِّ مِنْ تَمَامِ التَّبْيِينِ وَبَيَانِ الصَّكِّ ، وَالْحُجَّةِ ، وَالْوَثِيقَةِ فَقَالَ ( وَالْمَحْضَرُ مَا كُتِبَ فِيهِ حُضُورُ الْمُتَخَاصِمِينَ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِقْرَارِ ) مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَوْ الْإِنْكَارِ ) مِنْهُ ( أَوْ الْحُكْمِ ) بَعْدَ إنْكَارِهِ ( بِالْبَيِّنَةِ ) مِنْ الْمُدَّعِي ( أَوْ النُّكُولِ ) عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الِاشْتِبَاهَ وَكَذَا السِّجِلُّ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ : إنَّ الْإِشَارَةَ فِي الدَّعَاوَى ، وَالْمَحَاضِرِ وَلَفْظَ الشَّهَادَةِ مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَهَمَّ قَطْعًا لِلِاحْتِمَالِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِدَعْوَاهُ يَسْتَحِقُّ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَالشُّهُودُ بِشَهَادَتِهِمْ يُثْبِتُونَ اسْتِحْقَاقَهُ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ الِاحْتِمَالِ وَكَذَا فِي السِّجِلَّاتِ لَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ حَتَّى قَالُوا إذَا كَتَبَ فِي مَحْضَرِ الدَّعْوَى : حَضَرَ فُلَانٌ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا فَادَّعَى هَذَا الَّذِي أُحْضِرَ عَلَيْهِ لَا يُفْتَى بِصِحَّةِ الْمُحْضَرِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ إذْ بِدُونِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ أَحْضَرَ هَذَا وَادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ وَكَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الْمَحْضَرِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذَا فَيَكْتُبُ الْمُدَّعِي هَذَا ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ كَانُوا لَا يُفْتُونَ بِالصِّحَّةِ بِدُونِهِ وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي السِّجِلَّاتِ : إذَا كَتَبَ وَقَضَيْت لِمُحَمَّدٍ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى أَحْمَدَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ قَالُوا إذَا كَتَبَ فِي الْمَحْضَرِ عِنْدَ ذِكْرِ شَهَادَةِ الْمَشْهُودِ وَأَشَارُوا إلَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ لَا يُفْتَى بِصِحَّتِهِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الْإِشَارَةُ عِنْدَ

الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي مَوْضِعِهَا وَلَعَلَّهُمْ أَشَارُوا إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمُدَّعِي وَأَشَارُوا إلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَلَا تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ قَطْعًا لِلْوَهْمِ ( وَالصَّكُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ ، وَالرَّهْنُ ، وَالْإِقْرَارُ وَنَحْوُهَا ) فِي الْمُغْرِبِ : الصَّكُّ كِتَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ ، وَالْحُجَّةُ ، وَالْوَثِيقَةُ تَتَنَاوَلَانِ الثَّلَاثَةَ يَعْنِي السِّجِلَّ ، وَالْمَحْضَرَ ، وَالصَّكَّ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنَى الْحُجِّيَّةِ ، وَالْوَثَاقَةِ .

( مَسَائِلُ شَتَّى ) جَمْعُ شَتِيتٍ بِمَعْنَى مُتَفَرِّقٍ ( لَا يَتِدُ ذُو سُفْلٍ فِيهِ ) أَيْ فِي السُّفْلِ ( وَلَا يَنْقُبُ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتِدًا وَلَا أَنْ يَنْقُبَ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ مُضِرًّا لِذِي الْعُلْوِ أَوْ لَا ، وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ فِي الْعُلْوِ بَيْتًا أَوْ يَصْنَعَ جُذُوعًا أَوْ يُحْدِثَ كَنِيفًا .
مَسَائِلُ شَتَّى ( قَوْلُهُ : وَقَالَا يَصْنَعُ فِيهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قِيلَ مَا حُكِيَ عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ إلَّا مَا فِيهِ ضَرَرٌ مِثْلُ مَا قَالَا وَقِيلَ فِيهِ خِلَافٌ حَقِيقَةً وَلَوْ تَصَرَّفَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ بِأَنْ حَفَرَ بِئْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ .
ا هـ .

( زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةً تَنْشَعِبُ عَنْهَا زَائِغَةً غَيْرَ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى ) مِنْ حَائِطِ دَارِهِمْ ( بَابًا فِي الثَّانِيَةِ ) لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَيْسَ لَهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي الزَّائِغَةِ السُّفْلَى بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِهَا لِأَنَّهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مِلْكٌ لِأَرْبَابِهَا حَتَّى لَوْ بِيعَ فِيهَا دَارٌ لَا يَكُونُ لِأَهْلِ الْأُولَى حَقُّ الشُّفْعَةِ فَإِذَا أَرَادَ وَاحِدٌ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ طَرِيقًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَيُحْدِثَ لِنَفْسِهِ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيهَا فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ النَّافِذَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا لِلْعَامَّةِ .
( قَوْلُهُ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى بَابًا فِي الثَّانِيَةِ ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُونَ لِأَنَّهُ رَفْعُ جِدَارِهِمْ وَلَهُمْ نَقْضُ كُلِّهِ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ بِيعَ فِيهَا دَارٌ لَا يَكُونُ لِأَهْلِ الْأُولَى حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيهَا ) أَيْ بِحَقِّ الشَّرِكَةِ فِي الطَّرِيقِ إذْ لَوْ كَانَ جَارًا مُلَاصِقًا كَانَ لَهُ بِهِ الشُّفْعَةُ

( بِخِلَافِ زَائِغَةٍ مُسْتَدِيرَةً لَزِقَ طَرَفَاهَا ) حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتَحَ بَابًا فِي حَائِطِهِ فِي أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ لِأَنَّ هَذِهِ سِكَّةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي دَارٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا وَلِهَذَا لَوْ بِيعَتْ فِيهَا دَارٌ كَانَتْ الشُّفْعَةُ لِلْكُلِّ عَلَى السَّوَاءِ فَيُفْتَحُ الْبَابُ لَا يُحْدِثُ لِنَفْسِهِ حَقًّا فَلَا يُمْنَعُ .

( ادَّعَى هِبَةً فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ بَيِّنَةً فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ قُبِلَ وَقَبْلَهُ لَا ) يَعْنِي ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا فَسَأَلَهُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةَ فَقَالَ : إنَّهُ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ وَادَّعَى وَقْتًا بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ وَلَوْ ادَّعَى وَقْتًا قَبْلَ وَقْتِ الْهِبَةِ فَبَرْهَنَ عَلَيْهِ لَا يُقْبَلُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْفِيقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ : وَهَبَ لِي مُنْذُ شَهْرٍ ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتهَا مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ .
( قَوْلُهُ فَقَالَ أَنَّهُ جَحَدَنِي الْهِبَةَ ) ذِكْرُ الْجُحُودِ لَيْسَ شَرْطًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَهُ أَوْ لَا فَكَانَ يَنْبَغِي حَذْفُهُ كَمَا فِي الْمَتْنِ ( قَوْلُهُ وَادَّعَى وَقْتًا بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُجْعَلَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا .

( قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ : اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ ) أَيْ الْآخَرُ الشِّرَاءَ ( لِلْقَائِلِ ) أَيْ جَازَ لِمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت ( وَطْؤُهَا ) وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِإِقْرَارِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ ( إنْ تَرَكَ ) أَيْ الْبَائِعُ ( الْخُصُومَةَ ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ كَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ إذْ الْفَسْخُ يَثْبُتُ بِهِ فَإِذَا تَرَكَ الْبَائِعُ الْخُصُومَةَ تَمَّ الْفَسْخُ بِاقْتِرَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا .
( قَوْلُهُ قَالَ اشْتَرَيْت مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ
إلَخْ ) وَلِلْقَائِلِ رَدُّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ الْقَدِيمِ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَفِي النِّهَايَة إذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ .

( أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ مَعَ يَمِينِهِ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ ، وَالزُّيُوفِ ، وَالنَّبَهْرَجَةِ دُونَ السَّتُّوقَةِ وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّجَوُّزُ فِي الصَّرْفِ ، وَالسَّلَمِ بِالزُّيُوفِ ، وَالنَّبَهْرَجَةِ لَا بِالسَّتُّوقَةِ ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَعْوَى الزِّيَافَةِ أَوْ النَّبَهْرَجَةِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ فَيُقْبَلُ ( كَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ أَوْ حَقِّهِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ ) أَمَّا الْإِقْرَارُ بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ الزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ ، وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ ، وَالسَّتُّوقَةُ مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغِشُّ .

( قَوْلُهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ ) عَبَّرَ بِثُمَّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَهُ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا مَفْصُولًا أَوْ مَوْصُولًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ قَوْلُهُ أَوْ حَقُّهُ أَوْ الثَّمَنُ أَوْ الِاسْتِيفَاءُ ) مَحَلُّ عَدَمِ قَبُولِ دَعْوَاهُ الزِّيَافَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا إذَا فَصَلَ وَأَمَّا إذَا وَصَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا ، وَقَالَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ الزُّيُوفُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ ، وَالنَّبَهْرَجَةُ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ ، وَالسَّتُّوقَةُ صَفَرٌ مُمَوَّهَةٌ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ السَّتُّوقَةُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّفَرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبَ

( قَالَ ) رَجُلٌ ( لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ) أَيْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ ( ثُمَّ صَدَّقَهُ ) أَيْ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ بَلْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ ( لَغَا تَصْدِيقُهُ بِلَا حُجَّةٍ ) أَيْ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُقِرِّ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا قَالَ : لَا شَيْءَ لِي عَلَيْك فَقَدْ رَدَّ إقْرَارَهُ ، وَالْمُقَرُّ لَهُ يَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَمَلَكَ إبْطَالَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا بَطَلَ بِرَدِّهِ الْتَحَقَ بِالْعَدَمِ فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ .

( ادَّعَى خَمْسَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ : أَوْفَيْتُكَهَا فَجَاءَ بِشُهُودٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ لَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّهَا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ غَيْرِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَبَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

( أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى شِرَاءٍ وَأَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ رُدَّتْ بَيِّنَةُ بَائِعِهِ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بَعْدَ إنْكَارِهِ بَيْعَهُ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الْأَمَةَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيْعَ فَبَرْهَنَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا وَأَرَادَ رَدَّهَا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ يُقْبَلْ لِلتَّنَاقُضِ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ إذْ شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ تُصْرَفُ فِي الْعَقْدِ بِتَغْيِيرِهِ عَنْ اقْتِضَاءِ صِفَةِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهَا وَتَغْيِيرُ الْعَقْدِ مِنْ وَصْفٍ إلَى وَصْفٍ بِلَا عَقْدٍ مُحَالٌ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْفِيقُ ظَهَرَ التَّنَاقُضُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُقْبَلُ اعْتِبَارًا بِفَصْلِ الدَّيْنِ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ قَدْ يُقْضَى ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا كَمَا مَرَّ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا .

( بَطَلَ صَكٌّ كَتَبَ " إنْ شَاءَ اللَّهُ " فِي آخِرِهِ ) أَيْ إذَا كَتَبَ رَجُلٌ إقْرَارَهُ بِدَيْنِهِ فِي صَكٍّ ثُمَّ كَتَبَ فِي آخِرِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الصَّكَّ وَطَلَبَ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَلَهُ وِلَايَةُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى قَوْلِهِ مَنْ قَامَ
إلَخْ .
وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ لِلِاسْتِيثَاقِ وَلَوْ صَرَفَ إلَى الْكُلِّ يَكُونُ لِلْإِبْطَالِ وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيُصْرَفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفَةِ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ .

( مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ : عِرْسُهُ أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَقَالَ : وَرَثَتُهُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقُوا ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ ، وَالْحَالُ تَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الطَّاحُونَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ ، وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ الْمَاءِ وَانْقِطَاعِهِ حَيْثُ يَحْكُمُ الْحَالُ وَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْمَاضِي وَهَذَا ظَاهِرٌ يُعْتَبَرُ لِلدَّفْعِ ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ لِلِاسْتِحْقَاقِ ( كَمَا فِي مُسْلِمٍ مَاتَ فَقَالَتْ عِرْسُهُ : أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالُوا بَعْدَهُ ) فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَمْرًا حَادِثًا ، وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ يُضَافَ حُدُوثُهَا إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ .
( قَوْلُهُ مَاتَ ذِمِّيٌّ
إلَخْ ) جَوَابُ مَا أُورِدَ نَقْضًا عَلَى هَذَا مَذْكُورٌ فِي التَّبْيِينِ ، وَالْكَافِي .

( قَالَ هَذَا ابْنُ مُودِعِي الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دَفَعَهَا إلَيْهِ ) يَعْنِي مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُودِعُ لِرَجُلٍ آخَرَ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِدَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ حَقُّ الْوَارِثِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ حَقُّ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ( فَإِنْ أَقَرَّ بِابْنٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُفِدْ إذَا كَانَ كَذَّبَهُ الْأَوَّلُ ) بَلْ يَكُونُ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ انْقِطَاعِ يَدِهِ عَنْ الْمَالِ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا .
قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِابْنٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يُفِدْ إذَا كَذَّبَهُ الْأَوَّلُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَضْمَنُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي نَصِيبَهُ إنْ دَفَعَ لِلْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ .

( تَرِكَةٌ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشُهُودٍ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا آخَرَ لَمْ يُكَلَّفُوا ) أَيْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ ، وَقَالَا يُؤْخَذُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ ، وَالْمَوْتُ قَدْ يَقَعُ بَغْتَةً فَلَا يُمْكِنُ لَهُ بَيَانُ كُلِّ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ غَائِبٌ أَوْ غَرِيمٌ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاحْتِيَاطُ بِالتَّكْفِيلِ مُبَالَغَةً فِي الْإِحْيَاءِ وَتَفَادَيَا عَنْ الْإِتْوَاءِ وَلَهُ أَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ لَهُ تُبْطِلُ الْكَفَالَةَ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِهَا .
( قَوْلُهُ تَرِكَةٌ قُسِمَتْ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَوْ الْغُرَمَاءِ بِشُهُودٍ لَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا آخَرَ لَمْ يَكْفُلُوا ) إنَّمَا قَيَّدَ بِكَوْنِهَا قُسِمَتْ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَرِيمًا لِذِكْرِ الْخِلَافِ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَإِذَا ثَبَتَ الْإِرْثُ أَوْ الدَّيْنُ بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا ثَبَتَ بِالشَّهَادَةِ ، وَقَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ أَيْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ عِنْدَ الْإِمَامِ ) وَهَذَا أَيْ أَخْذُ الْكَفِيلِ شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ .

( ادَّعَى دَارًا ) فِي يَدِ رَجُلٍ ( لِنَفْسِهِ وَلِأَخِيهِ الْغَائِبِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخَذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى وَتَرَكَ بَاقِيَهُ مَعَ ذِي الْيَدِ بِلَا تَكْفِيلِهِ جَحَدَ دَعْوَاهُ أَوْ لَا ) ، وَقَالَا إذَا جَحَدَهَا ذُو الْيَدِ أَخَذَهَا الْقَاضِي مِنْهُ وَيَجْعَلُهَا فِي يَدِ أَمِينٍ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِهِ حَتَّى يَقْدَمَ الْآخَرُ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ ، وَالْمُقِرُّ أَمِينٌ فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ وَلَهُ أَنَّ الْيَدَ الثَّابِتَةَ لَا تُنْزَعُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ بِالْكُلِّ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَالَ هَذَا مِيرَاثٌ وَلَا وَارِثَ إلَّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوَرِّثِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ مُخْتَارَ الْمَيِّتِ ثَابِتٌ فَلَا يَنْقُضُ يَدَهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُقِرًّا وَبَطَلَ جُحُودُهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجْحَدُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ صَارَتْ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَلِذِي الْيَدِ وَجُحُودُهُ بِاعْتِبَارِ اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَقَدْ زَالَ ( كَذَا الْمَنْقُولُ فِي الْأَصَحِّ ) أَيْ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ فَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنْهُ اتِّفَاقًا لِاحْتِيَاجِ الْمَنْقُولِ إلَى الْحِفْظِ ، وَالنَّزْعُ مِنْ يَدِهِ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ كَيْ لَا يُتْلِفَهُ وَأَمَّا الْعَقَارُ فَمَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا يَعْنِي يَتْرُكُ النِّصْفَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ ، وَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ ، وَالتَّرْكُ فِي يَدِهِ أَبْلَغُ فِي الْحِفْظِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الضَّمِينِ أَشَدُّ حِفْظًا وَبِالْإِنْكَارِ صَارَ ضَامِنًا وَلَوْ وُضِعَ فِي يَدِ عَدْلٍ كَانَ أَمِينًا فِيهِ فَلَوْ تَلِفَ لَمْ يُضْمَنْ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤْخَذْ الْكَفِيلُ لِأَنَّهُ إنْشَاءُ خُصُومَةٍ ، وَالْقَاضِي وُضِعَ لِقَطْعِهَا لَا إنْشَائِهَا .

( قَوْلُهُ وَلَا وَارِثَ إلَّا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوَرَّثِ ) لَعَلَّهُ وَلَا إرْثَ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا ) يَعْنِي يَتْرُكُ النِّصْفَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ فَيُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لَكِنَّ تَرْكَهُ لِقَوْلِهِ أَيْضًا إذْ بِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ كَذَلِكَ هُنَا ( قَوْلُهُ وَهَذَا أَصَحُّ ) الْإِشَارَةُ إلَى قَوْلِهِ يَعْنِي يَتْرُكُ النِّصْفَ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ لَا إلَى قَوْلِهِ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِلْمُدَّعَى وَإِفَادَتُهُ أَنَّ الصِّحَّةَ فِي ثُبُوتِ الْخِلَافِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا ثُبُوتَ الصِّحَّةِ لِتَرْكِ النِّصْفِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ .

( وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِ مَالِهِ تَقَعُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَ ) إذَا قَالَ ( مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ يَقَعُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ ) ، وَالْقِيَاسُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ عَامٌّ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَنَا أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُضَافَةِ إلَى مَالٍ مُطْلَقٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } انْصَرَفَ إلَى الْفُضُولِ لَا إلَى كُلِّ الْمَالِ فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ لِكَوْنِهَا خِلَافَةً كَالْوِرَاثَةِ ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ مَالِ الزَّكَاةِ ( أَمْسَكَ مِنْهُ قُوتَهُ فَإِذَا مَلَكَ تَصَدَّقَ بِقَدْرِهِ ) لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ ثُمَّ إنْ كَانَ صَاحِبَ حِرْفَةٍ يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمٍ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ دُورٍ وَحَوَانِيتَ يُمْسِكُ قُوتَ شَهْرٍ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضَيْعَةٍ يُمْسِكُ قُوتَ سَنَةٍ ، وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُمْسِكُ مِقْدَارَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مَالُهُ .

( قَوْلُهُ وَإِذَا قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ يَقَعُ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ ) يَعْنِي عَلَى جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا وَذَلِكَ كَالسَّوَائِمِ ، وَالنَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا وَلَا شَرَائِطُهَا وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا مُحَمَّدٍ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَلَا تَدْخُلُ الْأَرَاضِي الْخَرَاجِيَّةُ وَلَا رَقِيقُ الْخِدْمَةِ وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنْزِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ ، وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ مَالِي أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِيَاسُ ، وَالِاسْتِحْسَانُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ ثُمَّ إنْ كَانَ صَاحِبَ حِرْفَةٍ
إلَخْ ) الْمُرَادُ إمْسَاكُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ ، وَالْعِيَالِ .

( صَحَّ الْإِيصَاءُ بِلَا عِلْمِ الْوَصِيِّ لَا التَّوْكِيلِ بِلَا عِلْمِ الْوَكِيلِ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى رَجُلٌ إلَى آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَصِيُّ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ وَصِيٌّ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ ، وَالتَّوْكِيلُ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لَا اسْتِخْلَافَ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمَنُوبِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ مَنْ يُثْبِتُ لَهُ الْوِلَايَةَ ( فَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ ) لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِالْوَكَالَةِ إثْبَاتُ حَقٍّ لِلْوَكِيلِ لِيَسْتَوْفِيَهُ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ لِيَشْتَرِطَ شَرَائِطَ الْإِلْزَامِ ( وَيُشْتَرَطُ لِعَزْلِهِ خَبَرٌ عَدْلٌ أَوْ مَسْتُورِينَ كَعِلْمِ السَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ ، وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ ، وَالْبِكْرِ بِالنِّكَاحِ وَمُسْلِمٌ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ ) لِأَنَّ الْخَبَرَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ يُشْبِهُ التَّوْكِيلَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُتَصَرِّفَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ وَيُشْبِهُ الْإِلْزَامَاتِ لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرٍ يَلْزَمُ الْآخَرَ مِنْ حَيْثُ مَنْعُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدَ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَقَّهُمَا .

( قَوْلُهُ فَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ وَلَوْ مِنْ فَاسِقٍ صَحَّ تَصَرُّفُهُ ) كَذَا لَوْ مِنْ صَغِيرٍ مُمَيَّزٍ وَلَوْ كَافِرًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ لِعَزْلِهِ خَبَرُ عَدْلٍ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ ، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ إلَّا التَّمْيِيزُ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَهَذَا فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ إذَا بَلَغَهُ الْعَزْلُ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا كَانَ الْعَزْلُ حُكْمِيًّا لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ ( قَوْلُهُ وَمُسْلِمٌ لَمْ يُهَاجِرْ بِالشَّرَائِعِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَلَا فَلْيُبَلِّغْ الْحَدِيثَ وَفِي الرَّسُولِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ .

( بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ ) مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي ( لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى أَمْثَالِ هَذَا كَثِيرًا فَلَوْ رَجَّعَ الْحُقُوقَ إلَيْهِمْ لَتَقَاعَدُوا عَنْ إقَامَتِهَا فَتَخْتَلُّ مَصَالِحُ النَّاسِ ( وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَمْ يَرْجِعْ عُهْدَتَهُ عَلَى الْعَاقِدِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَقْدُ ، وَالْبَيْعُ وَاقِعٌ لِلْغُرَمَاءِ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِمْ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَاقِدُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورَيْنِ وَقَدْ تَوَكَّلَا عَنْ غَيْرِهِمَا بِالْبَيْعِ فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَى الْمُوَكِّلِ .
( قَوْلُهُ بَاعَ الْقَاضِي
إلَخْ ) كَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَضَاعَ فِي يَدِهِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْقَاضِي وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ .

( وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ لَهُمْ ) أَيْ لِلْغُرَمَاءِ ( بِأَمْرِ الْقَاضِي وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَضَاعَ مِنْ يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ ) أَيْ الثَّمَنِ ( رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَحُقُوقُهُ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ ، وَهُوَ الْوَصِيُّ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي فَإِنَّمَا نَصَبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْقَاضِي وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ لَوْ بَاشَرَهُ فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا تَرْجِعُ إلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَصِيُّ ( عَلَيْهِمْ ) أَيْ يَرْجِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهُ بَاعَ لَهُمْ فَكَانَ عَامِلًا لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا وَلَحِقَهُ فِيهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَمَلُ وَلَوْ ظَهَرَ بَعْدَهُ لِلْمَيِّتِ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ، وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا بِمَا غَرِمَ لِلْوَصِيِّ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَصِيِّ كَقَبْضِهِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ كَذَا فِي الْكَافِي .

( قَوْلُهُ وَإِنْ بَاعَ الْوَصِيُّ لَهُمْ
إلَخْ ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ وَصِيِّ الْمَيِّتِ وَمَنْصُوبِ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ أَيْ الثَّمَنِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ ) صَوَابُهُ أَنْ يُفَسَّرَ الضَّمِيرُ فِي قَبْضِهِ بِالْمُثَمَّنِ الَّذِي هُوَ الْمَبِيعُ لَا بِالثَّمَنِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِ ثَمَنِهِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَصِيِّ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّفْسِيرُ لِلضَّمِيرِ فِي الْكَافِي لِأَنَّ عِبَارَتَهُ وَلَوْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لِلْغُرَمَاءِ فَبَاعَهُ لَهُمْ وَقَبَضَ الْمَالَ وَضَاعَ مِنْ يَدِهِ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدُ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ اِ هـ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ أَيْضًا بِمَا غَرِمَ لِلْوَصِيِّ ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ أَيْضًا لِأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِي لَيْسَ حُكْمُهُ كَالْأَوَّلِ وَلَمْ تَقَعْ فِي الْكَافِي عَلَى مَا رَأَيْت فَقَوْلُهُ كَذَا فِي الْكَافِي لَيْسَ إلَّا عَلَى مَا ذَكَرْنَا

( الْقَاضِي أَخْرَجَ الثُّلُثَ لِلْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُعْطِهِمْ إيَّاهُ حَتَّى هَلَكَ ) كَانَ مِنْ مَالِهِمْ أَيْ الْفُقَرَاءِ ( وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ ) كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ .

( أَمَرَك قَاضٍ عَالِمٌ عَدْلٌ بِرَجْمٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ ضَرْبٍ قُضِيَ بِهِ عَلَى شَخْصٍ وَسِعَك فِعْلُهُ ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : آخِرًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ حَتَّى تُعَايِنَ الْحُجَّةَ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ ، وَالتَّدَارُكُ لَا يُمْكِنُ وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهِ ، فَقَالُوا مَا أَحْسَنَ هَذَا فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ الْقُضَاةَ قَدْ فَسَدُوا فَلَا يُؤْتَمَنُونَ عَلَى نُفُوسِ النَّاسِ وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا فِيهِ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِلضَّرُورَةِ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُولَى أَنَّ الْقَاضِيَ أَمِينٌ فِيمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَطَاعَتِهِ فِي تَصْدِيقِهِ وَقَبُولِ قَوْلِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ إنْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا عَادِلًا يَجِبُ قَبُولُ قَوْله لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَعَدَمُ تُهْمَةِ الْخَطَأِ ، وَالْخِيَانَةِ .
قَوْلُهُ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ) جَوَابٌ عَمَّا ذُكِرَ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْكَافِي وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ذَكَرَ كَمَا هُنَا ( قَوْلُهُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْأُولَى ) أَيْ فِي أَمْرِ الْقَاضِي ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ
إلَخْ ) هَذَا .
وَفِي الذَّخِيرَةِ الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ عَالِمٌ عَادِلٌ وَعَالَمٌ جَائِرٌ وَجَاهِلٌ عَادِلٌ وَجَاهِلٌ جَائِرٌ فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَالثَّالِث مُفَسَّرًا لَا مُجْمَلًا لَا الثَّانِي ، وَالرَّابِعُ مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( وَصُدِّقَ عَدْلٌ جَاهِلٌ سُئِلَ فَأَحْسَنَ تَفْسِيرَهُ ) بِأَنْ يَقُولَ فِي الزِّنَا إنِّي اسْتَفْسَرْت الْمُقِرَّ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِيهِ وَحَكَمْت عَلَيْهِ بِالرَّجْمِ وَيَقُولُ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ : إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي بِالْحُجَّةِ أَنَّهُ أَخَذَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ ، وَفِي الْقِصَاص : إنَّهُ قَتَلَ عَمْدًا بِلَا شُبْهَةٍ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ وَقَبُولُ قَوْلِهِ .
( وَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ غَيْرِهِمَا ) وَهُوَ جَاهِلٌ عَادِلٌ وَعَالِمٌ فَاسِقٌ لِتُهْمَةِ الْخَطَأ بِالْجَهْلِ ، وَالْخِيَانَةِ بِالْفِسْقِ ( إلَّا أَنْ يُعَايِنَ سَبَبَ الْحُكْمِ ) يَعْنِي سَبَبًا شَرْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ قَوْلَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ .

( صُدِّقَ مَعْزُولٌ قَالَ لِزَيْدٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا قَضَيْت بِهِ لِبَكْرٍ وَدَفَعْت إلَيْهِ ، أَوْ قَالَ قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ وَادَّعَى زَيْدٌ أَخْذَهُ وَقَطَعَهُ ظُلْمًا وَأَقَرَّ ) أَيْ زَيْدٌ ( بِكَوْنِهِمَا فِي قَضَائِهِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ قَاضٍ مَعْزُولٌ لِرَجُلِ : أَخَذْت مِنْك أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ وَقَضَيْت بِهِ لَهُ عَلَيْك ، فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْت ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي بِلَا يَمِينٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْت بِقَطْعِ يَدِك بِحَقٍّ ، وَقَالَ : فَعَلْته ظُلْمًا فَالْقَاضِي يُصَدَّقُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ أَوْ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ مُقِرًّا بِكَوْنِهِ حَالَ قَضَائِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ صَارَ مُقِرًّا بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِلْقَاضِي لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِلَا يَمِينٍ إذْ لَوْ لَزِمَهُ الْيَمِينُ صَارَ خَصْمًا وَقَضَاءُ الْخَصْمِ لَا يَنْفُذُ وَلَوْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ قَاضِيًا يَوْمئِذٍ ، وَقَالَ فَعَلْته قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا صَحَّتْ إضَافَةُ الْأَخْذِ إلَى حَالَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا مَعْهُودَةٌ وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلضَّمَانِ فَصَارَ الْقَاضِي بِالْإِضَافَةِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا لَوْ قَالَ : طَلَّقْت أَوْ أَعْتَقْت وَأَنَا مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا

( كِتَابُ الْقِسْمَةِ ) .
لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَكِتَابِ الْقِسْمَةِ ( هِيَ ) لُغَةً : اسْمٌ لِلِاقْتِسَامِ كَالْقُدْرَةِ لِلِاقْتِدَاءِ ، وَشَرْعًا : ( تَمْيِيزٌ بَيْنَ الْحُقُوقِ الشَّائِعَةِ ) بَيْنَ الْمُتَقَاسِمَيْنِ ( وَرُكْنُهَا فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ ) بَيْنَ الْأَنْصِبَاءِ كَالْكَيْلِ ، وَالْوَزْنِ ، وَالْعَدَدِ ، وَالذَّرْعِ فِي الْكَيْلِيِّ ، وَالْوَزْنِيِّ ، وَالْعَدَدِيِّ ، وَالذَّرْعِيِّ .
كِتَاب الْقِسْمَة .
( قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا فِعْلٌ ) قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقُولُ فِي جَعْلِ الرُّكْنِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْلِ ، وَالْوَزْنِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ الْأَنْصِبَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ وَنَحْوَهُ عَلَى الْأَنْصِبَاءِ تَأَمَّلْ

( وَسَبَبُهَا طَلَبُ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَحَدِهِمْ الِانْتِفَاعَ بِحِصَّتِهِ ) حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ الطَّلَبُ لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ .

( وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ ) فَإِنَّهَا إفْرَازٌ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ قَبِلَ الْقِسْمَةَ مِنْ الْمِلْكِ ، وَالْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا إذَا بَقِيَ الْمُفْرَزُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِفْرَازِ بِأَصْلِهِ وَمَنَافِعِهِ وَأَمَّا إذَا تَبَدَّلَ فَيَكُونُ تَبْدِيلًا لَا إفْرَازًا .
( قَوْلُهُ وَشَرْطُهَا عَدَمُ فَوْتِ الْمَنْفَعَةِ ) أَيْ شَرْطُ لُزُومِهَا بِطَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَلِذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَلِهَذَا لَا يُقْسَمُ حَائِطٌ وَحَمَّامٌ وَنَحْوُهُمَا بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا .
ا هـ .

( وَحُكْمُهَا تَعْيِينُ نَصِيبِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ ) لِأَنَّهُ الْأَثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا ( وَلَا تُعْرَى مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءً كَانَتْ فِي الْمِثْلِيَّاتِ أَوْ الْقِيَمِيَّاتِ ( عَنْ مَعْنَى إفْرَازٍ هُوَ أَخْذُ عَيْنِ حَقِّهِ ، وَ ) مَعْنَى ( مُبَادَلَةٍ هِيَ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ حَقِّهِ إذْ مَا مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّصِيبَيْنِ فَكَانَ مَا يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفُهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ صَاحِبِهِ فَكَانَ إفْرَازًا ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ كَانَ لِصَاحِبِهِ فَصَارَ لَهُ عِوَضًا عَمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً .

( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةً ( غَلَبَ الْأَوَّلُ ) أَيْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ ، وَالتَّمْيِيزِ ( فِي الْمِثْلِيَّاتِ ) وَهِيَ الْمَكِيلَاتُ ، وَالْمَوْزُونَاتُ ، وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ مِثْلُ حَقِّهِ صُورَةً وَمَعْنًى فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ عَيْنَ حَقِّهِ ( وَإِنْ ) غَلَبَ ( الثَّانِي ) أَيْ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ ( فِي غَيْرِهَا ) يَعْنِي الْحَيَوَانَاتِ ، وَالْعُرُوضَ لِوُجُودِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَبْعَاضِهَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ حَقَّهُ وَفَرَّعَ عَلَى مَا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ ( فَيَأْخُذُ شَرِيكٌ حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ فِي الْأَوَّلِ ) لِكَوْنِهِ عَيْنَ حَقِّهِ ( لَا الثَّانِي ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ حَقِّهِ .

( وَلِمَعْنَى الْإِفْرَازِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ ) مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ ( عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُبَادَلَةَ لَمَّا كَانَتْ غَالِبَةً فِي الْقِيَمِيَّاتِ كَالْحَيَوَانَاتِ ، وَالْعُرُوضِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهَا لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فَإِنَّ أَحَدَهُمْ بِطَلَبِهِ الْقِسْمَة يَسْأَلُ الْقَاضِيَ أَنْ يَخُصَّهُ بِالِانْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ وَيُمْنَعُ الْآخَرُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي إجَابَتُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً لَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَى قِسْمَتِهَا لِتَعَذُّرِ الْمُبَادَلَةِ بِاعْتِبَارِ فُحْشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَلَوْ تَوَافَقُوا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ .

قَوْلُهُ وَلِمَعْنَى الْإِفْرَازِ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمْ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ فِي مُتَّحِد الْجِنْسِ الْمِثْلِيِّ لَا يُجْبَرُ الْأَبِيُّ عَلَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ وَأَطْلَقَ الْجَبْرَ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ الْقِيَمِيِّ وَلَا يَشْمَلُ الْعَبِيدَ فِي غَيْرِ الْمَغْنَمِ لِأَنَّ رَقِيقَ الْمَغْنَمِ يُقَسَّمُ بِالِاتِّفَاقِ وَرَقِيقُ غَيْرِ الْمَغْنَمِ لَا يُقَسَّمُ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ وَلَوْ كَانَ إمَاءً خُلَّصًا أَوْ عَبِيدًا خُلَّصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الرَّقِيقِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ فُحْشُ تَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكَيَاسَةِ وَبَيْنَ الْغَانِمِينَ وَغَيْرِهِمْ تَعَلُّقُ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِالْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَ لِلْإِمَامِ بَيْعُ الْغَنَائِمِ وَقَسْمُ ثَمَنِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( تَنْبِيهٌ ) : زَرَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَرْضٍ لَهُمَا أَرَادَا قِسْمَةَ الزَّرْعِ دُونَ الْأَرْضِ وَقَدُّ سَنْبَلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُجَازَفَةٌ وَهِيَ لَا تَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ قَالَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ أَدْرَكَ وَشَرَطَ الْحَصَادَ جَازَتْ الْقِسْمَةُ عِنْدَ الْكُلِّ ا هـ .
فَلْيُنْظَرْ مَا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ .
( تَنْبِيهٌ آخَرُ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ .
وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى : الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ ، وَالْمَوْزُونَاتِ وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ ، وَالْبَقَرِ ، وَالْغَنَمِ ، وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ خِيَارُ شَرْطٍ وَخِيَارُ عَيْبٍ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الْجَمِيعُ وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلَاتِ ، وَالْمَوْزُونَاتِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ

دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ ، وَالرُّؤْيَةِ وَفِي قِسْمَةِ غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ ، وَالْبَقَرِ ، وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ، وَالشَّرْطِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَثْبُتُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْقِسْمَةِ ذَكَرْنَا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ إنْ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الْأَوَّلَ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الثَّانِيَ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنْ قَرَنَ بِهِ الشُّفْعَةَ فَدَلَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ النَّوْعَ الثَّالِثَ فَيَكُونُ صَالِحًا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا فِي بَابِ الْخِيَارِ مِنْ قِسْمَةٍ شَرْحِ الْكَافِي .
ا هـ .

( وَيُسْتَحَبُّ نَصْبُ قَاسِمٍ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ لِتَمَامِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ بِهَا فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي .

( وَصَحَّ نَصْبُهُ بِأَجْرٍ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ ) أَيْ رُءُوسِ الْمِلْكِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَلَهُ أَنَّ الْأَجْرَ مُقَابَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَرُبَّمَا يَصْعُبُ الْحِسَابُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ يَنْعَكِسُ الْأَمْرُ فَتَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ ثُمَّ إنَّ الْأَجْرَ هُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ فَإِنْ بَاشَرَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ الْقِسْمَةَ فَعَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ الْقِسْمَةِ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الْأَجْرِ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ كَوْنِهَا مِنْهُ جَازَ .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّ نَصْبُهُ بِأَجْرٍ ) يَعْنِي صَحَّ نَصْبُهُ لِيُقْسِمَ بِأَجْرٍ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ .
وَرَوَى عَنْهُ الْحَسَنُ أَنَّهَا عَلَى طَالِبِ الْقِسْمَةِ دُونَ الْمُمْتَنِعِ لِنَفْعِهِ وَضَرَرُ الْمُمْتَنِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَيَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا عَالِمًا بِهَا ) أَيْ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقُدْرَةِ وَهِيَ بِالْعِلْمِ وَمِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ ، وَهُوَ بِالْعَدَالَةِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25