كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْكَمَ أَحْكَامَ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ بِمُحْكَمِ كِتَابِهِ وَأَعْلَى أَعْلَامَ الدِّينِ الْمُسْتَقِيمِ بِمُعْظَمِ خِطَابِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُتَطَهِّرِينَ عَنْ النَّقَائِصِ بِتَتْمِيمِ مَسْحِ وُجُوهِهِمْ بِصَعِيدِ بَابِهِ .
( وَبَعْدُ ) فَإِنَّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أُولِي الْأَبْصَارِ وَالْمُسَلَّمَاتِ الْمُحَرَّرَةِ لَدَى ذَوِي الِاسْتِبْصَارِ أَنَّ شَرَفَ الْإِنْسَانِ فِي الدَّارَيْنِ وَنَيْلَهُ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ فِي الْكَوْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِتَحْلِيَةِ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ تَزْكِيَةِ الْبَاطِنِ بِالْعَقَائِدِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ ، فَالْعِلْمُ الْمُتَكَفِّلُ بِتَعْرِيفِ الْأُولَى وَبَيَانِهَا وَالْمُتَخَصِّصُ مِنْ بَيْنِ الْعُلُومِ بِالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا يَكُونُ مِنْ أَوْلَى الْعُلُومِ بِالِاشْتِغَالِ ، وَأَحْرَاهَا لِلْعَزْمِ عَلَيْهِ وَعَقْدِ الْبَالِ وَهُوَ عِلْمُ الْفِقْهِ الَّذِي اعْتَنَى بِشَأْنِهِ عُلَمَاءُ الْأُمَّةِ النَّقِيَّةِ وَبَذَلَ الْوُسْعَ فِي تَشْيِيدِ أَرْكَانِهِ عُظَمَاءُ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ .
فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ نَبِيَّنَا عَلَيْهِ السَّلَامُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالْمُوَضِّحَ لِأَقْوَمِ الْمَنَاهِجِ وَالسُّبُلِ وَكَانَتْ حَوَادِثُ الْأَيَّامِ خَارِجَةً عَنْ التَّعْدَادِ ، وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِهَا لَازِمَةً إلَى يَوْمِ التَّنَادِ ، وَلَمْ تَفِ ظَوَاهِرُ النُّصُوصِ بِبَيَانِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَرِيقٍ لَهَا وَافٍ بِشَأْنِهَا اقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْآلِهِيَّةُ جَعْلَ مَثَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ عُلَمَائِهِمْ كَمَثَلِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ فَجَعَلَ فِي قُدَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَئِمَّةً كَالْأَعْلَامِ ، مَهَّدَ بِهِمْ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ ، وَشَيَّدَ بُنْيَانَ الْإِسْلَامِ ، وَأَوْضَحَ بِآرَائِهِمْ مُعْضِلَاتِ الْأَحْكَامِ لِيَنَالَ الْفَلَاحَ مَنْ اتَّبَعَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامِ ، اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ ، وَاخْتِلَافُهُمْ رَحْمَةٌ وَاسِعَةٌ ،

تُضِيءُ الْقُلُوبُ بِأَنْوَارِ أَفْكَارِهِمْ ، وَتَسْعَدُ النُّفُوسُ بِاتِّبَاعِ آثَارِهِمْ ، وَخَصَّ مِنْ بَيْنِهِمْ نَفَرًا بِإِعْلَاءِ أَقْدَارِهِمْ وَمَنَاصِبِهِمْ ، وَإِبْقَاءِ أَذْكَارِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ .
إذْ عَلَى أَقْوَالِهِمْ مَدَارُ الْأَحْكَامِ ، وَبِمَذَاهِبِهِمْ يُفْتِي فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ ، وَخَصَّ مِنْهُمْ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ ، وَالْهُمَامَ الْأَقْدَمَ ، سِرَاجَ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الثَّابِتِ ، الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ نُعْمَانَ الثَّابِتَ ، بَوَّأَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَى غُرَفِ الْجِنَانِ ، وَأَفَاضَ عَلَى مَرْقَدِهِ سِجَالَ الْغُفْرَانِ بِكَثْرَةِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الْمُتَمَسِّكِينَ بِمَذْهَبِهِ وَغَزَارَةِ مُسْتَنْبَطَاتِهِ وَعُذُوبَةِ مَشْرَبِهِ .
فَإِنَّ مَا أَفَادَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ بَحْرٌ مُتَلَاطِمُ الْأَمْوَاجِ ، بَلْ لِإِمَاطَةِ ظُلْمَةِ الضَّلَالِ سِرَاجٌ وَهَّاجٌ ، وَلَقَدْ كُنْت مِنْ إبَّانِ الْأَمْرِ وَعُنْفُوَانِ الْعُمْرِ مُغْتَرِفًا مِنْ ذَلِكَ الْبَحْرِ وَأُصُولِهِ ، مُتَفَحِّصًا عَنْ مَسَائِلِ أَبْوَابِهِ وَفُصُولِهِ ، بِالِاسْتِفَادَةِ مِنْ الْمَنْسُوبِينَ إلَيْهِ ، وَالْإِفَادَةِ لِلطَّالِبِينَ الْمُكِبِّينَ عَلَيْهِ ، وَابْتُلِيتُ فِي أَثْنَائِهِ بِبَلَاءِ الْقَضَاءِ بِلَا رَغْبَةٍ فِيهِ وَلَا رِضَاءٍ ، وَأَعُدُّ مَا يَمْضِي فِيهِ مِنْ عُمْرِي عَبَثًا وَمُخَالَطَةِ الْعَوَامّ وَمُخَاطَبَةِ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ خُبْثًا ، حَتَّى كَانَ يَخْطِرُ فِي خَلَدِي دَائِمًا أَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ بِحَالِي .
وَكُنْت أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَدِّلَ بِالْخَيْرِ مَآلِي ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الِابْتِلَاءُ خَالِيًا عَنْ حِكْمَةٍ وَلَا عَارِيًّا عَنْ فَائِدَةٍ وَمَصْلَحَةٍ ، حَيْثُ كَانَ سَبَبًا لِتَتَبُّعِ أَحْكَامِ جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ وَالنَّوَازِلِ ، وَالْعُثُورِ عَلَى تَقْيِيدِ إطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ فِي تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ ، فَصَارَ بَاعِثًا لِي عَلَى كَتْبِ مَتْنٍ حَاوٍ لِلْفَوَائِدِ ، خَاوٍ عَنْ الزَّوَائِدِ ، مَوْصُوفٍ بِصِفَاتٍ مَذْكُورَةٍ فِي خُطْبَتِهِ ، دَاعِيَةٍ لِكُمَّلِ الرِّجَالِ إلَى خِطْبَتِهِ ، مَرْعِيٍّ فِيهِ تَرْتِيبُ كَتْبِ الْفَنِّ عَلَى النَّمَطِ الْأَحْرَى

وَالْوَجْهِ الْأَحْسَنِ ، فَاخْتَلَسْت فُرَصًا مِنْ بَيْنِ الِاشْتِغَالِ ، وَانْتَهَزْت نُهَزًا مَعَ تَوَزُّعِ الْبَالِ ، وَحِينَ قَرُبَ إتْمَامُهُ وَآنَ أَنْ يُفَضَّ بِالِاخْتِتَامِ خِتَامُهُ خَلَّصَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَلَاءِ الْقَضَاءِ ، إذْ بَعْدَ حُصُولِ الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ يُخَلِّصُ مِنْ الْبَلَاءِ ، فَوَجَبَ عَلَيَّ شُكْرُ نِعْمَتَيْ إتْمَامِهِ وَإِحْسَانِ التَّلْخِيصِ عَنْ الْبَلَاءِ وَإِنْعَامِهِ ، فَشَرَعْتُ فِي شَرْحِهِ شُكْرًا لِلنِّعْمَتَيْنِ الْمَوْصُولَتَيْنِ لِصَاحِبِهِمَا إلَى الدَّوْلَتَيْنِ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِهِ وَيُسَهِّلَ لِي بِالسَّلَامَةِ طَرِيقَ اخْتِتَامِهِ وَعَازِمًا أَنْ أُسَمِّيَهُ بَعْدَ الْإِتْمَامِ ( دُرَرَ الْحُكَّامِ فِي شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ ) إنَّهُ قَرِيبٌ مُجِيبٌ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) الْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالظَّرْفُ مُسْتَقِرٌّ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَبْتَدِئُ الْكِتَابَ كَمَا فِي دَخَلْت عَلَيْهِ بِثِيَابِ السَّفَرِ أَوْ لِلِاسْتِعَانَةِ ، وَالظَّرْفُ لَغْوٌ كَمَا فِي : كَتَبْت بِالْقَلَمِ ، مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أُدْخِلَ فِي التَّعْظِيمِ وَمَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَتِمُّ مَا لَمْ يَصْدُرْ بِاسْمِهِ تَعَالَى ، وَإِضَافَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ فِي الْجُمْلَةِ تَشْمَلُ أَسْمَاءَهُ كُلَّهَا ، وَإِنْ كَانَتْ لِلِاخْتِصَاصِ وَضْعًا لِذَاتِهِ تَعَالَى الْمُتَّصِفِ بِالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ اخْتَصَّ بِلَفْظِ اللَّهِ لِلْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ مَا سِوَاهُ مَعَانٍ وَصِفَاتٌ وَفِي التَّبَرُّكِ بِالِاسْمِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ كَمَالُ التَّعْظِيمِ لِلْمُسَمَّى فَلَا يَدُلُّ عَلَى اتِّحَادِهِمَا بَلْ رُبَّمَا يُسْتَدَلُّ بِالْإِضَافَةِ عَلَى تَغَايُرِهِمَا .
وَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اسْمَانِ بُنِيَا لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ رَحِمَ كَالْغَضْبَانِ مِنْ غَضِبَ ، وَالْعَلِيمِ مِنْ عَلِمَ ، وَالْأَوَّلُ أَبْلَغُ ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَعْنَى ، وَمُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى لَا لِأَنَّهُ مِنْ

الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِهِ تَعَالَى بِحَسَبِ الْوَضْعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ : الْمُنْعِمُ الْحَقِيقِيُّ الْبَالِغُ فِي الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا ، وَتَعْقِيبُهُ بِالرَّحِيمِ مِنْ قَبِيلِ التَّتْمِيمِ فَإِنَّهُ لَمَّا دَلَّ عَلَى جَلَائِلِ النِّعَمِ وَأُصُولِهَا ذَكَرَ الرَّحِيمَ لِيَتَنَاوَلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا .
( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) جَمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّحْمِيدِ فِي الِابْتِدَاءِ جَرْيًا عَلَى قَضِيَّةِ الْأَمْرِ فِي كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُمْتَدًّا مِنْ حِينِ الْأَخْذِ فِي التَّصْنِيفِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الْبَحْثِ فَتُقَارِنُهُ التَّسْمِيَةُ وَالتَّحْمِيدُ وَنَحْوُهُمَا ، وَلِهَذَا يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ فِي أَوَائِلِ التَّصَانِيفِ أَبْتَدِئُ سَوَاءٌ اُعْتُبِرَ الظَّرْفُ مُسْتَقِرًّا أَوْ لَغْوًا لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِلْحَدِيثِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَفِي تَقْدِيرِ غَيْرِهِ مَعْنًى فَقَطْ ، وَقَدَّمَ التَّسْمِيَةَ اقْتِفَاءً بِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْأَلْبَابِ .
وَالْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ إنْعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَالْمَدْحُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا ، وَالشُّكْرُ مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَوْرِدِ وَأَخَصُّ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ ، وَمَا يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ غَالِبًا .
وَاللَّامُ فِي الْحَمْدُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَتُحْمَلُ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيُفِيدُ إثْبَاتَ حَصْرِ الْأَفْرَادِ وَلَا تُفِيدُهُ لَامُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا الْحَصْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ ، وَالتَّخْصِيصُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ لَامِ الْحَمْدُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ .
( الَّذِي فَقَّهَ ) أَيْ جُعِلَ فَقِيهًا مِنْ فَقُهَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً أَيْ صَارَ

فَقِيهًا وَيُقَالُ فَقِهَ بِالْكَسْرِ فِقْهًا وَفَقَهَةً أَيْ فَهِمَ ( الْمُجِلِّينَ ، وَالْمُصَلِّينَ ) الْمُجَلِّي مِنْ أَفْرَاسِ السِّبَاقِ هُوَ السَّابِقُ ، وَالْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي يَتْلُوهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلَوَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةِ ، وَالْمُزَاوَلَةِ ( فِي حَلْبَةِ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُجِلِّينَ ، وَالْمُصَلِّينَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ خَيْلٌ تُجَمَّعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اُسْتُعِيرَتْ لِلْمِضْمَارِ ( حِلْيَةِ الْعَالِمِينَ الْمُتَّقِينَ ) وَهِيَ تَهْذِيبُ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَالْبَاطِنِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَارَسَ وَسَعَى فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا فَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرْتَبَةَ الْفَقَاهَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْعَمَلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ أُصُولِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ .
( وَطَهُرَ مَنْ تَيَمَّمَهُ ) أَيْ قَصَدَهُ ( بِمَسْحِ ) أَيْ إصَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَهُ ( أَنْفِ الِابْتِهَالِ ) أَيْ التَّضَرُّعِ وَإِضَافَةُ الْأَنْفِ إلَيْهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَصِلُ إلَى الْأَرْضِ حَالَ السَّجْدَةِ لِلتَّضَرُّعِ هُوَ الْأَنْفُ ( وَالْجَبِينِ ) عَطْفٌ عَلَى الْأَنْفِ ( عَلَى أَرْضِ الذِّلَّةِ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ ( عَنْ أَنْجَاسِ ) مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَ ( أَنْحَاسِ ) النَّحْسُ ضِدُّ السَّعْدِ كَالنُّحُوسَةِ ضِدُّ السَّعَادَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ ، وَالصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ ، وَالْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ وَبِأَنْجَاسِهَا الْمُهْلِكَاتُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تَزُلْ لَأَفْضَتْ إلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ ( الْمَارِدِينَ ) أَيْ الْعَاتِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَالصَّلَاةُ ، وَالسَّلَامُ ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { صَلُّوا عَلَيْهِ

وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ( عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُزَكَّى ) أَيْ الطَّهِرِ ( الصَّائِمِ ) أَيْ مُمْسِكٍ ( قَلْبُهُ عَنْ ) مُتَعَلِّقٌ بِصَائِمٍ ( أَنْ يَحُجَّ ) أَيْ يَقْصِدَ ( مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ ) بَيَانٌ لِمَا ( وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُجَاهِدِينَ فِي رَفْعِ رَايَاتِ آيَاتِ دَقَائِقِ حَقَائِقِ الْحَقِّ الْمُبِينِ ) الْحَقُّ الْمُبِينُ هُوَ الشَّرِيعَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ وَحَقَائِقُهَا الْأَحْكَامُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَالِاعْتِقَادِيَّات وَالْوِجْدَانِيَّات ، وَدَقَائِقُ حَقَائِقِهَا الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لَهَا ، وَآيَاتُ تِلْكَ الدَّقَائِقِ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مِنْ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالِاقْتِضَاءِ ، وَرَفْعُ رَايَاتِهَا إظْهَارُ تِلْكَ الطُّرُقِ لِلْمُسْتَدِلِّينَ إفْشَاؤُهَا بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ حَتَّى قَدَرُوا عَلَى اسْتِخْرَاجِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ فَقُهَ ، وَالْمُصَلِّينَ وَتَيَمَّمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ رِعَايَةِ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ .
( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ السَّنِيَّةِ ) أَيْ الْعَلِيَّةِ ( وَأَتَمِّ الْمَآرِبِ ) جَمْعُ مَأْرَبَةٍ بِمَعْنَى الْحَاجَةِ ( السَّمِيَّةِ ) أَيْ الرَّفِيعَةِ ( الَّتِي يَجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ تِلْقَاءَهَا ) أَيْ جِهَتَهَا ( عَنَانُ الْعِنَايَةِ وَيُصْرَفُ إلَيْهَا أَعْمَارُ أَهْلِ الْهِدَايَةِ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ عِلْمَ الْفِقْهِ ) اسْمُ إنَّ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ ( الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِنِظَامِ الْمَعَاشِ وَنَجَاةِ الْمَعَادِ وَفَلَاحِ الْعِبَادِ بِنَيْلِ الْمُرَادِ يَوْمَ التَّنَادِ ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَفَاعَلَ مِنْ النِّدَاءِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَوْمٌ يُنَادِي أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ وَبِالْعَكْسِ ( وَلَقَدْ كُنْت صَرَفْت ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ سَبَبِ الْإِقْدَامِ عَلَى التَّصْنِيفِ ( شَطْرًا ) أَيْ بَعْضًا ( مِنْ عُنْفُوَانِ الشَّبَابِ إلَى تَدَبُّرِ ) أَيْ تَفَكُّرٍ ( لِطَائِفِهِ وَتَدَرُّبِ ) أَيْ اعْتِيَادِ ( تَصَفُّحِ ) تَقُولُ تَصَفَّحْت

الشَّيْءَ إذَا نَظَرْت فِي صَفَحَاتِهِ ( مَا فِيهِ مِنْ الْكُتُبِ وَالْأَبْوَابِ حَتَّى اتَّجَهَ لِي أَنْ أَكْتُبَ فِيهِ مَتْنًا كَمَا فِي الْأُصُولِ ) وَهُوَ مِرْقَاةُ الْوُصُولِ إلَى عِلْمِ الْأُصُولِ ( بَيْدَ ) أَيْ إلَّا ( أَنَّ عَوَائِقَ الدَّهْرِ عَاقَتْهُ ) أَيْ كَتْبَ الْمَتْنِ ( عَنْ الْحُصُولِ حَتَّى سَاقَنِي زَمَانِي حِينَ رَمَانِي بِمَا رَمَانِي ) إشَارَةٌ إلَى مَا عَرَضَ لَهُ مِنْ مَرَضِ الطَّاعُونِ عَامَ الْوَبَاءِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ ( إلَى أَنْ عَزَمْت ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَاقَنِي ( عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى شَأْنُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ إنْ خَلَّصَنِي مِنْ هَذِهِ الْآفَةِ بِحَيْثُ أَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْمَسَافَةِ فِي مَهَامِهِ الْمَعَارِفِ ، وَالْعُلُومِ وَمَفَاوِزِ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْفُهُومِ ) الْمَهَامِهُ جَمْعُ مَهْمَهَ بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ ، وَالْمَفَاوِزُ جَمْعُ مَفَازَةٍ بِمَعْنَى مَوْضِعِ الْفَوْزِ سُمِّيَ بِهِ الصَّحْرَاءُ تَفَاؤُلًا ( أَصْرِفْ ) جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ إنْ خَلَّصَنِي ( خُلَاصَةً مِنْ بَقِيَّةِ عُمُرِي الْمَوْهِبَةِ إلَى إبْرَازِ مَا فِي خَلَدِي ) أَيْ قَلْبِي ( بِطَرِيقَةٍ مَنْدُوبَةٍ ) بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ ( بِأَنْ أُصَنِّفَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْفِقْهِ ( مَتْنًا مَتِينًا ) أَيْ قَوِيًّا ( رَائِقًا ) أَيْ مُعْجِبًا ( نِظَامُهُ ) أَيْ تَرْتِيبُهُ ( وَأَرْصُفَ ) أَيْ أُرَتِّبَ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ عَقْدُ الْحِجَارَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لِلْإِحْكَامِ ( بُنْيَانًا ) وَهُوَ مَا رُكِّبَ وَسُوِّيَ كَالْحَائِطِ .
( رَصِينًا ) أَيْ مُحْكَمًا ( أَنِيقًا ) هُوَ أَيْضًا بِمَعْنَى مُعْجِبًا ( انْتِظَامُهُ خَالِيًا ) أَيْ سَالِمًا ( عَنْ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ حَالِيًا ) أَيْ مُزَيَّنًا ( بِالْقُيُودِ ) الْمَذْكُورَةِ فِي الشُّرُوحِ ، وَالْفَتَاوَى لِإِطْلَاقَاتِ الْمُتُونِ .
( وَالْإِشَارَاتِ ) إلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُتُونِ مِنْ الْمُسَامَحَاتِ ، وَالْمُسَاهَلَاتِ ( الشَّرِيفَةِ اللَّطِيفَةِ ) مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ ، وَالنَّشْرِ ( مُحْتَوِيًا عَلَى مَسَائِلَ مُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْمُتُونُ الْمَشْهُورَةُ مُنْطَوِيًا عَلَى

أَحْكَامِ ) أَيْ قَضَايَا ( مُلِمَّاتٍ ) أَيْ وَقَائِعَ ( لَمْ تَكُنْ ) تِلْكَ الْأَحْكَامُ ( فِيهَا ) أَيْ فِي تِلْكَ الْمُتُونِ الْمَشْهُورَةِ ( مَسْطُورَةً مُعْجِبًا نَظْمُهُ الْفَصِيحَ الْأَدِيبَ ) أَيْ الْمَاهِرَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ .
( وَمُونِقًا فَحْوَاهُ الْفَقِيهَ الْأَرِيبَ ) أَيْ الْعَاقِلُ وَلَا يَخْفَى لُطْفُ تَوْصِيفِ الْفَصِيحِ بِالْأَدِيبِ ، وَالْفَقِيهِ بِالْأَرِيبِ ( فَلَمَّا أَحْسَنَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيَّ بِإِمَاطَةِ ) أَيْ إزَالَةِ ( مَا بِي مِنْ السَّقَامَةِ وَأَلْبَسَنِي مِنْ خَزَائِنِ رَأْفَتِهِ حُلَّةَ السَّلَامَةِ شَرَعْتُ فِي مَا أَرَدْتُ وَبَدَأْتُ بِمَا قَصَدْتُ وَرَاعَيْتُ مَا ذَكَرْتُ ) مِنْ اتِّصَافِ الْمَتْنِ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ ( بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مُسْتَعِينًا فِي ذَلِكَ ) بِالْمَلِكِ الْمَنَّانِ وَعَزَمْتُ أَنْ أُسَمِّيَهُ ( بِغُرَرِ الْأَحْكَامِ ) بَعْدَ أَنْ يُيَسِّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِي الِاخْتِتَامَ مُبْتَهِلًا إلَيْهِ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ .
( وَأَنْ يُوَفِّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ إنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَنِي لِاخْتِتَامِهِ ، وَصَرَفَ عَنِّي الْعَوَائِقَ عَنْ إتْمَامِهِ مَعَ ابْتِلَائِي بِكَثْرَةِ الْمُشَادَّةِ وَالْمَشَاغِلِ ، وَتَفَاقُمِ الْمَوَانِعِ عَلَيَّ وَالشَّوَاغِلِ ، وَالْمَسْئُولِ مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنِي لِإِتْمَامِ هَذَا الشَّرْحِ أَيْضًا فَإِنَّهُ إنْ تَيَسَّرَ لِي لَمْ يَكُنْ إلَّا مِنْ آثَارِ تَخْلِيصِهِ إيَّايَ مِنْ تِلْكَ الْمَوَانِعِ مَحْضًا وَإِلَيْهِ أَتَضَرَّعُ أَنْ يَقْبَلَ بِفَضْلِهِ دَعْوَتِي وَيُطْفِئَ بِسِجَالِ زُلَالِ لُطْفِهِ لَوْعَتِي إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِإِجَابَةِ رَجَاءِ الْمُؤَمِّلِينَ جَدِيرٌ .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِبَدِيعِ قُدْرَتِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْمِنَحِ لِمَنْ شَاءَ كَمَا تَعَلَّقَ بِهِ سَوَابِقُ إرَادَتِهِ ، وَمَنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَخَصَّهُ بِجَزِيلِ نِعْمَتِهِ وَوَفَّقَهُ لِنَهْجِ الرَّشَادِ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ ( وَأَشْهَدُ ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أُعِدُّهَا لِلْوُقُوفِ بِحَضْرَتِهِ ( وَأَشْهَدُ ) أَنَّ سَيِّدَنَا وَسَنَدَنَا وَمَلْجَأَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْبَشِيرُ النَّذِيرُ بِوَاضِحِ شَرِيعَتِهِ شَهَادَةً تُنْجِي قَائِلَهَا مِنْ الْهَفَوَاتِ وَتُقِيلُهُ عِنْدَ عَثْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَعِتْرَتِهِ النَّاقِلِينَ إلَيْنَا أَحْكَامَ دِينِهِ وَمِلَّتِهِ مَا تَجَلَّتْ وُجُوهُ الْأَحْكَامِ بِغُرَرِ التَّحْقِيقِ وَتَحَلَّتْ صُدُورُ الْأَحْكَامِ بِدُورِ التَّوْفِيقِ وَبَعْدُ ) فَيَقُولُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى لُطْفِ مَوْلَاهُ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ حَسَنُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ عَلِيِّ الْمُكَنَّى بِأَبِي الْإِخْلَاصِ الْوَفَائِيُّ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْحَنَفِيُّ أَدَامَ اللَّهُ سَوَابِغَ نِعَمِهِ عَلَيْهِ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِمَشَايِخِهِ وَمُحِبِّيهِ وَالْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ وَمَنَحَهُمْ فَوْقَ مَا يَأْمُلُونَهُ فِي الدَّارَيْنِ مِنْ بَسْطِ يَدَيْهِ وَأَرْبَحَهُمْ مِنْ كَرَمِهِ وَعَامَلَهُمْ بِالرِّضَى الْأَبَدِيِّ لَدَيْهِ آمِينَ : إنِّي لَمَّا قَرَأْت كِتَابَ دُرَرِ الْحُكَّامِ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ عَلَى أَتْقَى أُسْتَاذٍ عَلِمْته مِمَّنْ أَدْرَكْتُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَأَعْظَمِهِمْ مُرَاقَبَةً فِي الْقِيَامِ بِأَوَامِرِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ وَذَلِكَ بِإِشَارَةِ أُسْتَاذٍ كُنْتُ سَابِقًا قَرَأْت الْكِتَابَ عَلَيْهِ وَأَرْشَدَنِي لِمُلَازَمَةِ الْأُسْتَاذِ الْمَذْكُورِ وَأَمَرَ بِالْمُثَابَرَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ وَأَمَدَّ بِمَادَّةٍ غَزِيرَةٍ لَدَيْهِ وَلَاحَ مِنْ بَرَكَةِ إخْلَاصِ طَوِيَّتِهِمَا الطَّاهِرَةِ الشَّاهِدِ بِهَا حُسْنُ سِيرَتِهِمَا الظَّاهِرَةِ لَوَامِعُ أَنْوَارِ هِدَايَةٍ

أَشْرَقَتْ عَلَيَّ وَسَوَاطِعُ أَسْرَارِ دِرَايَةٍ مِنْ أَنْفَاسِهِمَا الزَّكِيَّةِ عَبِقَتْ لَدَيَّ جَزَاهُمَا اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ جَزَائِهِ وَمَتَّعَهُمَا فِي الدَّارَيْنِ بِمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ ، وَتَكَرَّرَتْ قِرَاءَتِي لِذَا الْكِتَابِ مُرَاجِعًا كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُدَاوِمًا لِمُمَارَسَتِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا صِيغَ فِيهِ وَشُهْرَتُهُ فَوْقَ الْإِطْنَابِ فِي مِدْحَتِهِ رَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَتَغَمَّدَهُ بِمَغْفِرَتِهِ .
وَصَدَرَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ أُسْتَاذِي بِتَسْطِيرِ مَا ظَفِرْت بِهِ مِنْ تَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ ، وَالتَّتْمِيمِ لِفَوَائِدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ حَالَ الِاشْتِغَالِ لِأَتَنَبَّهَ لَهُ فِي الْمَآلِ لَا لِأُبَاهِيَ بِهِ الْأَمْثَالَ أَرَدْت جَمْعَ مَا سَطَّرْته عَلَيْهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ مُرَاجِعًا لِلنَّظَرِ مُرَاعِيًا لِلْقُيُودِ وَالتَّتِمَّاتِ ، مُعْتَمِدًا فِي الْآخِرِ كَالْأَوَّلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلُ مُنَبِّهًا فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْته ، مُنَوِّهًا بِمَا فُتِحَ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا ابْتَكَرْته وَحَرَّرْته عَازِيًا كُلَّ حُكْمٍ لِمَنْ عَنْهُ نَقَلْته فَشَرَعْت مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَلَلِ فِي كُلِّ مَا كَتَبْته وَقُلْته وَمُعْتَمَدِي فِي الِاخْتِيَارِ ، وَالتَّصْحِيحِ عَلَى مُحَقِّقِي الرِّوَايَاتِ ، وَالدِّرَايَاتِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَمَا نَقَلْته بِصِيغَةِ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ تَصْحِيحٍ .
وَهَذَا حَسَبُ طَاقَتِي وَهِيَ الْقَاصِرَةُ وَهِمَّتِي وَهِيَ الْفَاتِرَةُ مَعَ كَثْرَةِ الْغُمُومِ وَقِلَّةِ الْمَوَادِّ وَوَفْرَةِ الْهُمُومِ ، وَنُدْرَةِ الْمَوَادِّ وَابْتِغَائِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَحُصُولَ رِضْوَانِهِ ، وَالْفَوْزَ بِمُشَاهَدَةِ ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ فِي أَعَالِي جَنَّاتِهِ وَأَرْجُو مِنْ جَزِيلِ كَرَمِ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عُمْدَةً وَذَخِيرَةً لِي وَلِإِخْوَانِي فِي اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ قَائِلًا مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَمَّا كَانَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُغْنِيًا فِي بَابِهِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ طَاوِيًا شُقَّةَ الْمَشَقَّةِ فِي طَلَبِ

الْمَسَائِلِ الْمُحَرَّرَةِ مُوَفِّرًا الْعَائِدَةَ عِنْدَ أُولِي النُّهَى ، وَالتَّبْصِرَةِ مُوفِي الْفَائِدَةَ لَدَى ذِي التُّقَى ، وَالْبَصَائِرِ النَّيِّرَةِ ( سَمِيَّةُ غُنْيَةَ ذَوِي الْأَحْكَامِ فِي بُغْيَةِ دُرَرِ الْأَحْكَامِ ) وَ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ ذِي الْجَلَالِ ، وَالْإِكْرَامِ وَأَنْ يُوَفِّقَ لِلْإِتْمَامِ وَيُيَسِّرَ لِلِاخْتِتَامِ رَبَّنَا عَلَيْك تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْك أَنَبْنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ أَنْتَ مَوْلَانَا فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ الْمَصِيرُ .

( كِتَابُ الطَّهَارَةِ ) الْكِتَابُ لُغَةً إمَّا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ سُمِّيَ بِهِ الْمَفْعُولُ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ فِعَالٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَاللِّبَاسِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً شَمَلَتْ أَنْوَاعًا أَوْ لَا ، وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ الشَّيْءُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا ، وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ وَخِلَافُهَا الدَّنَسُ وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُتَنَوِّعَةُ إلَى وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنَّمَا وَحَّدَهَا لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَمَنْ جَمَعَهَا قَصَدَ التَّصْرِيحَ بِهِ .
( فَرْضُ الْوُضُوءِ ) الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَشَرْعًا غَسْلُ الْوَجْهِ ، وَالْيَدَيْنِ ، وَالرِّجْلَيْنِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ ، وَالْفَرْضُ لُغَةً الْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ وَشَرْعًا حُكْمٌ لَزِمَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَحُكْمُهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْعِقَابَ تَارِكُهُ بِلَا عُذْرٍ وَيَكْفُرَ جَاحِدُهُ ، وَقَدْ يُقَالُ لَمَّا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوَتْرِ يَفُوتُ بِفَوْتِهِ جَوَازُ صَلَاةِ الْفَجْرِ لِلْمُتَذَكِّرِ لَهُ ، وَالْأَوَّلُ يُسَمَّى فَرْضًا اعْتِقَادِيًّا ، وَالثَّانِي فَرْضًا عَمَلِيًّا ، وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ لِثُبُوتِهِ بِالتَّوَاتُرِ فَإِنْ قِيلَ آيَةُ الْوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَالصَّلَاةُ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الصَّلَاةِ بِلَا وُضُوءٍ إلَى حِينِ نُزُولِهَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ { عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ مَا أَسْلَمْت إلَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ } .
وَلِمَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ { إذَا

أَحْدَثَ امْتَنَعَ مِنْ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا } حَتَّى أَنَّهُ لَا يَرُدُّ جَوَابَ السُّؤَالِ حَتَّى يَتَطَهَّرَ لِلصَّلَاةِ إلَى أَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْوُضُوءُ بِالْوَحْيِ الْغَيْرِ الْمَتْلُوِّ أَوْ الْأَخْذِ مِنْ الشَّرَائِعِ السَّابِقَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي } فَإِنْ قِيلَ إذَا ثَبَتَ الْوُضُوءُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ قُلْنَا لَعَلَّهَا لِتَقْرِيرِ أَمْرِ الْوُضُوءِ وَتَثْبِيتِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ وَيَتَسَاهَلُونَ فِي مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَنٍ عَلَى كُلِّ لِسَانٍ وَأَيْضًا إذَا وَرَدَ فِيهِ الْوَحْيُ الْمَتْلُوُّ يَتَأَتَّى اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ ( غَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً ) لِأَنَّ أَمْرَ فَاغْسِلُوا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْرَارِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَجْهُ ( مَا بَيْنَ مَنْبِتِ الشَّعْرِ غَالِبًا ) هَذَا الْقَيْدُ يُخْرِجُ النَّزَعَتَيْنِ وَهُمَا جَانِبَا الْجَبْهَةِ يَنْحَسِرُ الشَّعْرُ عَنْهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْبِتِ الشَّعْرِ : مَحَلُّ نَبَاتِهِ غَالِبًا سَوَاءٌ نَبَتَ أَوْ لَا .
( وَ ) بَيْنَ ( أَسْفَلِ الذَّقَنِ ، وَالْأُذُنَيْنِ ) وَبِهِ يَتِمُّ تَحْدِيدُ الْوَجْهِ بِحَسَبِ الطُّولِ ، وَالْعَرْضِ ، وَلَمَّا اقْتَضَى هَذَا التَّحْدِيدُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ غَسْلَ الْوَجْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُلْتَحِي الْمُتَوَضِّئِ غَسْلُ مَا تَحْتَ الْعِذَارِ ، وَالشَّارِبِ ، وَالْحَاجِبِ ، وَاللِّحْيَةِ إلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ مَعَ أَنَّ كُتُبَ الْفَنِّ مَشْحُونَةٌ بِأَنَّ غَسْلَ مَا تَحْتَهَا لَا يَجِبُ

أَرَادَ دَفْعَهُ بِقَوْلِهِ ( وَالْعِذَارُ )
إلَخْ عِذَارُ اللِّحْيَةِ جَانِبَاهَا اُسْتُعِيرَا مِنْ عِذَارَى الدَّابَّةِ وَهُمَا عَلَى خَدَّيْهَا مِنْ اللِّجَامِ ( لَا يُسْقِطُ حُكْمَ مَا وَرَاءَهُ ) وَهُوَ الْبَيَاضُ بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ يُسَمَّى الْعَارِضَ وَحُكْمُهُ وُجُوبُ غَسْلِهِ فَإِنَّ الْعِذَارَ لَا يُسْقِطُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ( بَلْ يَنْقُلُ حُكْمَ مَا تَحْتَهُ ) وَهُوَ وُجُوبُ الْغَسْلِ ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْعِذَارِ حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُ ( كَالشَّارِبِ ، وَالْحَاجِبِ ) حَيْثُ يَنْقُلَانِ حُكْمَ مَا تَحْتَهُمَا إلَيْهِمَا حَتَّى يَجِبَ غَسْلُهُمَا وَلَا يَجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُمَا ( وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا ( إلَى مَلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ اللِّحْيَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى ( أَوْ ) لَا تَنْقُلُهُ بَلْ ( تُبَدِّلُهُ بِمَسْحِهِ ) أَيْ مَسْحِ مَلَاقِي الْبَشَرَةِ قَالَ قَاضِي خَانْ : وَفِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَسْحُ مَا يَسْتُرُ الْبَشَرَةَ فَرْضٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ ( أَوْ مَسْحِ رُبْعِهِ ) أَيْ رُبْعِ الْمَلَاقِي وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ بَعْدَ تَحْدِيدِ الْوَجْهِ فَإِنْ كَانَ أَمْرَدَ غَسَلَ جَمِيعَهُ وَإِنْ كَانَ مُلْتَحِيًا لَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الشَّارِبِ ، وَالْحَاجِبِ خِلَافًا لَهُ ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِالْحَائِلِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْحَائِلِ كَبَشَرَةِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ : وَالْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ ، وَالْأُذُنِ يَجِبُ غَسْلُهُ عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ بِخِلَافِ

مَحَلِّ الْعِذَارِ لِأَنَّهُ اسْتَتَرَ بِشَعْرٍ نَبَتَ عَلَيْهِ فَقَامَ مَقَامَهُ ( وَالْيَدَيْنِ ) عَطْفٌ عَلَى الْوَجْهِ ( فُرَادَى ) وَكَيْفِيَّتُهُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْإِنَاءَ بِشِمَالِهِ وَيَصُبَّ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ يَأْخُذَهُ بِيَمِينِهِ وَيَصُبَّ عَلَى الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ كَبِيرًا وَمَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً فِي الْإِنَاءِ وَيَصُبُّ عَلَى كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيُدَلِّكُ الْأَصَابِعَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ يُدْخِلُ الْيُمْنَى فِي الْإِنَاءِ وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى وَوَجْهَهُ مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ تَاجِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ نَقْلَ الْبَلَّةِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ وَجَازَ فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ مُخْتَلِفَةٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عُرْفًا فَلِأَنَّهَا لَا تُغْسَلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَعُضْوٍ وَاحِدٍ حُكْمًا نَظَرًا إلَى الدُّخُولِ تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ فَتَعَارَضَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ مَعَ الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ فَتَرَجَّحَ الِاخْتِلَافُ الْحَقِيقِيُّ بِالْعُرْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْغُسْلُ فَإِنَّ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ فِيهِ مُتَّحِدَةٌ حُكْمًا وَعُرْفًا فَتَرَجَّحَ الِاتِّحَادُ الْحُكْمِيُّ بِالْعُرْفِ وَبِهِ يَظْهَرُ فَسَادُ مَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى الصَّبِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ كَفَّيْهِ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ بِالْمِيَاهِ الَّتِي صُبَّتْ عَلَى الْكَفِّ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَإِنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِعَادَةِ الْعَوَامّ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( مَرَّةً ) لِمَا مَرَّ ( بِالْمِرْفَقَيْنِ ) وَهُوَ مُلْتَقَى عَظْمِ الْعَضُدِ ، وَالذِّرَاعِ ( وَالرِّجْلَيْنِ مَرَّةً بِالْكَعْبَيْنِ ) وَهُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ الْمُتَّصِلُ بِعَظْمِ السَّاقِ مِنْ طَرَفَيْ الْقَدَمِ لَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْمَفْصِلُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ رِجْلٍ وَاحِدٌ كَالْمِرْفَقِ فِي الْيَدِ وَقَدْ ثَنَّى

الْكَعْبَ فِي الْآيَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا وَإِلَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلْعُدُولِ إلَى التَّثْنِيَةِ فَائِدَةٌ ، فَإِنْ قِيلَ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ فِي الْآيَةِ تَقْتَضِي كَوْنَ الْوَاجِبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ غَسْلَ يَدٍ وَرِجْلٍ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ غَسْلُ الْأُخْرَى بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ لَا الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْإِجْمَاعُ بَعْدَهُ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ الْجَرِّ فِي أَرْجُلِكُمْ مُتَوَاتِرَةٌ أَيْضًا فَمُقْتَضَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ إمَّا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ ، وَالْمَسْحِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ حَمْلُ النَّصْبِ عَلَى حَالَةِ التَّحَفِّي ، وَالْجَرِّ عَلَى حَالَةِ التَّخَفُّفِ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ قُلْنَا قِرَاءَةُ الْجَرِّ ظَاهِرُهَا مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ لَمْ يَجْعَلْهُ مُغَيَّا بِالْكَعْبَيْنِ وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ وَالْوَعِيدِ عَلَى التَّرْكِ فَكَانَ هَذَا أَوْفَقَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَأَوْفَى بِتَحْصِيلِ الطَّهَارَةِ الْمَقْصُودَةِ بِالْوُضُوءِ وَأَقْرَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ لِمَا فِي الْغَسْلِ مِنْ الْمَسْحِ فَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ كَمَا فِي { عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } ، وَجُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ ، وَذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ ، وَنَظِيرُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَغْسُولِ ، وَفَائِدَةُ صُورَةِ الْجَرِّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا وَيُغْسَلَا غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ ، لَا يُقَالُ الْجَرُّ بِالْجِوَارِ لَمْ يَجِئْ مَعَ الِالْتِبَاسِ وَهَاهُنَا مُلْتَبِسٌ لِأَنَّا نَقُولُ ضَرْبُ الْغَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ رَفْعُ الِالْتِبَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا ، هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ

( كِتَابُ الطَّهَارَةِ ) ( قَوْلُهُ : وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ ) أَقُولُ فَلِذَا اُخْتِيرَ عَلَى الْبَابِ لِقَصْدِ جَمْعِ أَنْوَاعِ الطَّهَارَةِ وَإِطْلَاقُهُ أَيْ الْكِتَابِ عَلَى ضَمِّ الْحُرُوفِ إلَى بَعْضٍ عُرْفٌ ، وَالضَّمُّ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبِ مِنْ الْحُرُوفِ حَقِيقَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَعَانِي الْمُرَادَةِ مِنْهَا مَجَازٌ ( قَوْلُهُ : وَاصْطِلَاحًا مَسَائِلُ ) كَالْجِنْسِ وَقَوْلُهُ : مُسْتَقِلَّةٌ أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ غَيْرِهَا إيَّاهَا لِيَدْخُلَ فِيهِ هَذَا الْكِتَابُ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ وَيَدْخُلُ كِتَابُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ أَمَّا الطَّهَارَةُ فَلِكَوْنِهِ الْمِفْتَاحَ ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِكَوْنِهِ الْمَقْصُودَ فَظَهَرَ أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِقْلَالِ قَدْ يَكُونُ لِانْقِطَاعِهِ عَنْ غَيْرِهِ ذَاتًا كَاللُّقَطَةِ عَنْ الْآبِقِ أَوْ لِمَعْنًى يُوَرِّثُ ذَلِكَ كَالصَّرْفِ عَنْ الْبَيْعِ ، وَالرَّضَاعِ عَنْ النِّكَاحِ ، وَالطَّهَارَةِ عَنْ الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ : شَمَلَتْ أَنْوَاعًا
إلَخْ ) لِدَفْعِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْكِتَابُ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْحِكَمِ كُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بَابًا كَذَا فِي شَرْحِ شَيْخِ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةِ نُورِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ لُغَةً النَّظَافَةُ ) أَقُولُ ، وَالنَّزَاهَةُ ، وَالْخُلُوصُ عَنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةٌ أَوْ مَعْنَوِيَّةٌ يُقَالُ تَطَهَّرْت بِالْمَاءِ وَهُمْ قَوْمٌ مُتَطَهِّرُونَ مُتَنَزِّهُونَ عَنْ الْأَدْنَاسِ ، وَالْآثَامِ ( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا النَّظَافَةُ الْمَخْصُوصَةُ إلَى آخِرِهِ ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ شَرْعًا فِي ثَلَاثَةِ مَعَانٍ : أَحَدُهَا الْحَالَةُ الَّتِي يَثْبُتُ عِنْدَهَا تَعَلُّقُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ الْإِذْنُ فِيمَا كَانَ مَمْنُوعًا لَوْلَاهَا كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ .
وَثَانِيهَا : فِي الْفِعْلِ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً

عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ كَالْوُضُوءِ بِغَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ وَهَذَا هُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ .
وَثَالِثُهَا : فِي نَفْسِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ نَحْوُ طَهَارَةِ الْمَاءِ دُونَ نَجَاسَتِهِ وَكَالِاخْتِلَافِ فِي طَهَارَةِ بَوْلِ الْمَأْكُولِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ فِي تَعْرِيفِهَا شَرْعًا فِعْلُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ الْبَدَنِ ، وَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ ( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِبَيَانِ شَرْطِ الطَّهَارَةِ وَرُكْنِهَا وَسَبَبِهَا وَحُكْمِهَا فَنَقُولُ : أَمَّا شَرْطُهَا مُطْلَقًا فَأَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : شَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ ، وَشَرْطُ الْوُجُوبِ ، وَشَرْطُ الصِّحَّةِ فَشَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وُجُودُ الْمُزِيلِ ، وَالْمُزَالِ عَنْهُ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ ، وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْمُزِيلِ مَشْرُوعَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِهِ ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا التَّكْلِيفُ وَالْحَدَثُ ، وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُ الْمُطَهِّرِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ زَوَالِ مَانِعِهِ ، وَأَمَّا رُكْنُهَا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ وَفِي النَّجَسِ الْعَيْنِيِّ زَوَالُهُ وَفِي غَيْرِهِ غَسْلُهُ حَتَّى يَظُنَّ زَوَالَهُ .
وَأَمَّا سَبَبُهَا فَاسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا وَهُوَ حُكْمُهَا الدُّنْيَوِيُّ ، وَالثَّوَابُ وَلَيْسَ خَاصًّا بِهَا بَلْ كُلُّ عِبَادَةٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا الثَّوَابَ وَقَدْ جَمَعَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ شُرُوطَهَا لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَا هُوَ رُكْنٌ وَذَكَرَ فِيهَا مَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهَا وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ كَذَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ نَظَمْتهَا مُجَامَلَةً مَعَ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ فَقُلْت شَرْطُ الْوُجُوبِ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ وَقُدْرَةُ الْمَاءِ وَالِاحْتِلَامُ وَحَدَثٌ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَعَدَمْ نِفَاسِهَا وَضِيقُ وَقْتٍ قَدْ هَجَمْ وَشَرْطُ صِحَّةٍ عُمُومُ الْبَشَرَهْ بِمَائِهِ الطَّهُورِ ثُمَّ

فِي الْمَرَهْ فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا وَأَنْ يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ عَنْ الْبَدَنْ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ : الْوُضُوءُ لُغَةً النَّظَافَةُ ) أَقُولُ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظَافَةِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ وَالرَّمْزِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَمِنْ الْوَضَاءَةِ ، وَالْحُسْنِ وَقَدْ وَضُؤَ يَوْضُؤُ وُضُوءًا فَهُوَ وَضِيءٌ كَذَا فِي الطِّلْبَةِ ، وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ فِيمَا جَاءَ عَلَى فَعُولٍ تَوَضَّأْت وَضُوءًا وَتَطَهَّرْت طَهُورًا وَقَبِلْته قَبُولًا ا هـ .
وَفِي الْمُغْرِبِ بِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَبِالْفَتْحِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ قَالَ الرَّاغِبُ دَخَلْت مِصْرًا فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَفْتَحُ وَاوَهُ مَعَ أَنَّ مَشَايِخَنَا الْأَنْدَلُسِيِّينَ لَمْ يَضُمَّهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِجَوَازِ الْوَجْهَيْنِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ لِنَظْمِ الْكَنْزِ

قَوْلُهُ : قَالُوا إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ) أَقُولُ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ ، وَالْإِشَارَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُبُوتُ الْوُضُوءِ مِنْ لَازِمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَيْ الْمَسْحُ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ فَقَدْ أَثْبَتُوا الْوُضُوءَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَكِنَّهُمْ أَنْكَرُوا بَقَاءَ جَوَازِ بَقَاءِ الْمَسْحِ بَعْدَ النُّزُولِ لِظَنِّ نَسْخِهِ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَأَثْبَتَ الْمَاسِحُ بَقَاءَهُ بِقَوْلِهِ إنَّمَا أَسْلَمْت بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَمَحَلُّ هَذَا الْحَدِيثِ بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى بَقَاءِ جَوَازِ الْمَسْحِ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ ، وَأَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إثْبَاتِ الْوُضُوءِ قَبْلَ نُزُولِ آيَتِهِ دِرَايَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَفْرُوضًا وَمَنْقُولُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ فُرِضَ بِمَكَّةَ وَنَزَلَتْ آيَتُهُ بِالْمَدِينَةِ وَزَعَمَ ابْنُ الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَنْدُوبًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الْمَدِينَةِ هَذَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَنْ جَابِرٍ صَوَابُهُ عَنْ جَرِيرٍ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَقَعْ عَنْ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَلَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ وَإِسْحَاقُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَأَبُو كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ ، وَاللَّفْظُ لِيَحْيَى أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ { بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ فَقِيلَ أَتَفْعَلُ هَذَا قَالَ نَعَمْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ } .
قَالَ الْأَعْمَشُ قَالَ إبْرَاهِيمُ كَانَ

يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ .
وَقَالَ شَارِحُهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِمَا - قَوْلُهُ : كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ } فَلَوْ كَانَ إسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ ، وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : مَا سَمِعْت فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ .
قُلْت وَإِمَامُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَبْلَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى بِعَامٍ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَسْلَمَ مَعَ النَّفَرِ السِّتَّةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يَعُدُّ مِنْ النَّفَرِ السِّتَّةِ عُتْبَةَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي نُورِ النِّبْرَاسِ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( قَوْلُهُ : غَسْلُ الْوَجْهِ ) بِالْفَتْحِ مَصْدَرُ غَسَلْته غَسْلًا وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ أَيْ غَسْلُ الْبَدَنِ ، وَالْمَاءُ الَّذِي يَغْتَسِلُ بِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا يَغْسِلُ بِهِ مِنْ خِطْمِيٍّ وَنَحْوِهِ ، وَالْغَسْلُ إسَالَةُ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَعَدُّدِ الْقَطَرَاتِ لَكِنْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ وَلَوْ قَطْرَةً عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بَلْ الْمَحَلُّ وَإِنْ لَمْ

يَسِلْ وَلَا يَغْسِلُ دَاخِلَ الْعَيْنِ بِالْمَاءِ وَلَا بَأْسَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ مُغْمِضًا عَيْنَيْهِ ، وَقِيلَ إنْ غَمَّضَ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ وَلَوْ تَرَمَّصَتْ عَيْنُهُ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ قَوْلُهُ : خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخِلَافَ مَذْهَبٌ لِأَبِي يُوسُفَ .
وَفِي الْبَحْرِ ، وَالْبُرْهَانِ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ وَظَاهِرُ النُّقُولِ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يُخْرِجُ أَبُو يُوسُفَ مَا وَرَاءَ الْعِذَارِ .
( قَوْلُهُ : كَالشَّارِبِ ، وَالْحَاجِبِ
إلَخْ ) أَقُولُ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا إنَّ الْمُفْتَى بِهِ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهُ أَيْ الشَّارِبِ كَالْحَاجِبَيْنِ وَعَدَّ فِي التَّجْنِيسِ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى مَنَابِتِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ ، وَالشَّارِبِ مِنْ الْآدَابِ مُطْلَقًا ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَقَّالِيِّ لَوْ قَصَّ الشَّارِبَ لَا يَجِبُ تَخْلِيلُهُ وَإِنْ طَالَ يَجِبُ تَخْلِيلُهُ ا هـ .
وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَيَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةٍ لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ فِي الْمُخْتَارِ لِبَقَاءِ الْمُوَاجَهَةِ بِهَا وَعَدَمِ عُسْرِ غَسْلِهَا وَقِيلَ يَسْقُطُ لِانْعِدَامِ الْمُوَاجَهَةِ الْكَامِلَةِ بِالنَّبَاتِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَاللِّحْيَةُ تَنْقُلُهُ ) أَيْ حُكْمَ مَا تَحْتَهَا إلَى مُلَاقِي الْبَشَرَةِ مِنْهَا
إلَخْ الْمُرَادُ بِحُكْمِ مَا تَحْتَهَا لُزُومُ غَسْلِهِ فَتَنْقُلُهُ إلَيْهَا وَأَطْلَقَ اللِّحْيَةَ فَشَمَلَ الْكَثِيفَةَ وَغَيْرَهَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ مَعَ زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَحْدُودُ مِنْ الْوَجْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ قَبْلَ نَبَاتِ الشَّعْرِ ، وَإِذَا نَبَتَ سَقَطَ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيفًا يَسْقُطُ وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا لَا يَسْقُطُ ا هـ .
وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا التَّفْصِيلُ فَصَارَ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ ) أَيْ نَقْلُ اللِّحْيَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا إلَى جَمِيعِ ظَاهِرِهَا وَهِيَ كَثِيفَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَالنَّقْلُ إلَيْهَا أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ ، وَالِاكْتِفَاءُ بِثُلُثِهَا أَوْ رُبْعِهَا غَسْلًا أَوْ مَسْحًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَسْحِ الْكُلِّ مَتْرُوكٌ ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ وَأَمَّا الْمُسْتَرْسِلُ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّهُ سُنَّةٌ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ إنْ كَانَتْ اللِّحْيَةُ خَفِيفَةً ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَذْهَبُنَا عَلَى الْمُخْتَارِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَ الشَّارِبِ ، وَالْحَاجِبِ ) قَدْ عَلِمْتَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَافِ التَّرْجِيحِ فِيهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قَالَ ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إلَى الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ : وَالْيَدَيْنِ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ : فَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ عَلَى الْمَنْكِبِ فَالتَّامَّةُ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ يَجِبُ غَسْلُهَا ، وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ فَمَا حَاذَى مِنْهَا مَحَلَّ الْفَرْضِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَمَا لَا فَلَا وَيُنْدَبُ وَكَذَا مَا تَرَكَّبَ فِي الْيَدِ مِنْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ وَكَفٍّ وَسِلْعَةٍ ، وَالزَّائِدُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ كَالْيَدَيْنِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فُرَادَى ) أَقُولُ فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْنِهِمَا مُنْفَرِدَتَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الرِّجْلَيْنِ وَعَلَى مَا قَالَهُ يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَهُ وَحُذِفَ فِي الثَّانِي لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَيْدَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَحَمْلُ لَفْظَةِ فُرَادَى عَلَى إرَادَةِ أَفْرَادِ الْغَسْلِ يَأْبَاهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ

بَعْدَهُ مَرَّةً ( قَوْلُهُ : وَكَيْفِيَّتُهُ
إلَخْ ) .
أَقُولُ لَمْ يَذْكُرْ الْكَافِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَعْنِي فِي بَيَانِ الْفَرَائِضِ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى مَا رَأَيْت بَلْ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَيَانُ مَا هُوَ الْمَفْرُوضُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَدِّ ذَاتِهِ ، وَالْعِبَارَةُ نَاطِقَةٌ بِمَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا فِي الْغَسْلِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ : وَيَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا
إلَخْ لِأَنَّ الشَّخْصَ وَإِنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَلَا يَتَيَقَّنُ نَجَاسَةً عَلَى يَدِهِ لَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهَا ثَلَاثًا بِتَوَهُّمِ إصَابَتِهَا مَحَلًّا نَجِسًا بَلْ هُوَ مَسْنُونٌ احْتِيَاطًا فَكَانَ يَنْبَغِي اقْتِفَاءُ أَثَرِ الْكَافِي بِوَضْعِ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى
إلَخْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُدْخِلُ الْكَفَّ فَإِنْ أَدْخَلَهُ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُبْتَغَى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ قَاضِي خَانْ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لِلِاغْتِرَافِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ وَكَذَا إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ وَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمِرْفَقِ لِإِخْرَاجِ الْكُوزِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَكَذَا الْجُنُبُ إذَا أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْبِئْرِ لِيَطْلُبَ الدَّلْوَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ ا هـ .
وَكَذَا يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ يُكْرَهُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَمَاءٍ وَضَعَ صَبِيٌّ فِيهِ يَدَهُ ا هـ .
كَلَامُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ قَوْلُ قَاضِي خَانْ لِمَا قَالُوا يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ الْإِنَاءَ قَبْلَ الْغَسْلِ لِحَدِيثِ نَهْيِ الْمُسْتَيْقِظِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ، وَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى وِجْدَانِ مَا يَغْتَرِفُ بِهِ ذَكَرَ الْحَمْلَ فِي الْمُسْتَصْفَى : وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاغْتِرَافِ لَا بِثَوْبِهِ وَلَا بِفَمِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ

يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ ( قَوْلُهُ : تَحْتَ خِطَابٍ وَاحِدٍ ) يَعْنِي بِالنَّظَرِ إلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ دُونَ مَسْحِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ أَيْضًا تَضَمَّنَ الْأَمْرُ خِطَابَيْنِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ ( قَوْلُهُ : بِالْمِرْفَقَيْنِ ) الْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَفِيهِ الْقَلْبُ مُلْتَقَى عَظْمَاتِ الْعَضُدِ وَالذِّرَاعِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ فِعْلِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ بِالتَّوَاتُرِ ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ فَرْضِيَّةِ غَسْلِ الرِّجْلِ الْأُخْرَى كَمَا فِي الْمَضْمَضَةِ نُقِلَتْ مُتَوَاتِرًا عَنْ الرَّسُولِ وَلَيْسَتْ فَرْضًا ( قَوْلُهُ : أَنْ يَقْصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَصَدَ فِي الْأَمْرِ قَصْدًا تَوَسَّطَهُ وَطَلَبَ الْأَسَدَّ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ

( ، وَالدَّرَنُ ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ الْوَسَخُ الْحَاصِلُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ( وَالْوَنِيمُ ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الذُّبَابِ أَوْ الْبُرْغُوثِ ( وَالْحِنَّاءُ ) أَيْ لَوْنُهُ إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ ( لَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ كَالطَّعَامِ بَيْنَ الْأَسْنَانِ ) وُضُوءًا كَانَ أَوْ غُسْلًا لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ ( وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ وَالطِّينِ ) بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَنْعِ نُفُوذِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ ( وَالْخَاتَمُ ) الضَّيِّقُ ( يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ ) لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَوْضِعِ الْحَلْقَةِ
( قَوْلُهُ : إذْ جِرْمُهُ كَالطِّينِ ) شَأْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى حُكْمِهِ فَيُفِيدُ الِاتِّفَاقَ عَلَى مَنْعِ الطِّينِ وُصُولَ الْمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عَقِيبَ هَذَا أَنَّ الطِّينَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيُفِيدُ أَنَّ جِرْمَ الْحِنَّاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا فِي الطِّينِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحِنَّاءِ خِلَافًا قَوْلُهُ : وَاخْتُلِفَ فِي مِثْلِ الْعَجِينِ ، وَالطِّينِ ) أَقُولُ جَزَمَ فِي الْبُرْهَانِ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا تَحْتَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ ثُمَّ قَالَ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ عَدَمِ مَنْعِ الطِّينِ ، وَالْعَجِينِ عَلَى الْقَلِيلِ الرَّطْبِ وَاخْتُلِفَ فِي التُّرَابِ فَقِيلَ يُمْنَعُ لِظَاهِرِ حَيْلُولَتِهِ وَقِيلَ لَا لِعَدَمِ لُزُوجَتِهِ ا هـ .
وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْفَتْوَى : دَهَنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلَمْ يَقْبَلْ الْمَاءُ لِلدُّسُومَةِ جَازَ لِوُجُودِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالْخَاتَمُ الضَّيِّقُ يُنْزَعُ أَوْ يُحَرَّكُ ) أَقُولُ هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَمَسْحُ ) عَطْفٌ عَلَى غَسْلِ ( رُبْعِ الرَّأْسِ ) ( مَرَّةً ) فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ ، وَالْكَرْخِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( أَوْ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ ) فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْ بَاقٍ بَعْدَ غَسْلِ عُضْوٍ لَا مَسْحِهِ إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ ) الْمَاءُ ( لَا مَأْخُوذٍ ) عَطْفٌ عَلَى بَاقٍ أَيْ لَا بِمَاءٍ أُخِذَ ( مِنْ عُضْوٍ ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا ( وَلَا يُعَادُ ) الْمَسْحُ ( بِحَلْقِ الرَّأْسِ كَمَا لَا يُعَادُ الْغَسْلُ بِحَلْقِ الْحَاجِبِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَقَلْمِ الظُّفْرِ )
( قَوْلُهُ : وَمَسْحُ رُبْعِ الرَّأْسِ
إلَخْ ) أَقُولُ فِي مِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ رِوَايَاتٌ أَصَحُّهَا رِوَايَةً وَدِرَايَةً : مَسْحُ الرُّبْعِ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَسْحِ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ فَهِيَ غَيْرُ الْمَنْصُورِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وَإِنْ صَحَّتْ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ .
وَلَا يَجُوزُ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أُصْبُعَيْنِ وَمَدَّ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ قَدْرَ الرُّبْعِ أَمَّا لَوْ مَسَحَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ فَوَضَعَهَا ثُمَّ مَدَّهَا حَتَّى اسْتَوْعَبَ الرُّبْعَ صَحَّ الْمَسْحُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا بِخِلَافِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا وَتَمَامُ التَّوْجِيهِ فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ ثُمَّ قَالَ : وَمَحَلُّ الْمَسْحِ مَا فَوْقَ الْأُذُنِ فَلَوْ مَسَحَ عَلَى طَرَفِ ذُؤَابَةٍ شُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَجُزْ .
ا هـ .

( وَسُنَنُهُ ) وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ ، وَالْمُسْتَحَبُّ مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ ( الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ ) أَيْ قَصْدِ الْقَلْبِ بِالْوُضُوءِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فِي ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ .
( وَ ) الْبَدْءُ ( بِالتَّسْمِيَةِ ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ الْوُضُوءِ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَاخْتِيرَ كَوْنُهَا سُنَّةً وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّ السُّنِّيَّةَ مُخْتَارُ الْقُدُورِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ الْكَافِي .
( قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ ) لِأَنَّهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْوُضُوءِ ( وَبَعْدَهُ ) لِأَنَّهُ حَالُ مُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ احْتِيَاطًا لِأَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ قَبْلَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَعْدَهُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لَكِنْ لَا حَالَ الِانْكِشَافِ .
( وَ ) الْبَدْءُ ( بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ ) سَوَاءٌ اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ أَوْ لَا ( وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ ) فَلَا يَلْزَمُ إعَادَتُهُ إذَا غَسَلَ الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ .
( وَ ) سُنَّتُهُ أَيْضًا ( السِّوَاكُ ) وَهُوَ يَجِيءُ بِمَعْنَى الشَّجَرَةِ الَّتِي يَسْتَاكُ بِهَا وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ ( بِيُمْنَاهُ ) لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ ( كَيْفَ شَاءَ ) أَيْ يَبْدَأُ مِنْ الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا أَوْ السُّفْلَى مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ طُولًا أَوْ عَرْضًا أَوْ بِهِمَا ( وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْخُلْفِ .
( وَ ) سُنَّتُهُ أَيْضًا ( غَسْلُ الْفَمِ ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهِ ( وَالْأَنْفِ ) أَيْ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَارِنَ ( بِمِيَاهٍ ) جَدِيدَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا ) وَهِيَ فِي الْأَوَّلِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى رَأْسِ حَلْقِهِ وَفِي الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَارِنَ كَذَا فِي

الْخُلَاصَةِ ( إلَّا صَائِمًا ) لِأَنَّ فِيهَا احْتِمَالَ انْتِقَاضِهِ .
( وَ ) سُنَّتُهُ أَيْضًا ( تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ ) وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ يَدَيْهِ فِي خِلَالِ لِحْيَتِهِ مِنْ الْأَسْفَلِ إلَى الْأَعْلَى بَعْدَ التَّثْلِيثِ .
( وَ ) تَخْلِيلُ ( الْأَصَابِعِ ) مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلَيْنِ بَعْدَ التَّثْلِيثِ ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْيَدَيْنِ أَنْ يُشَبِّكَ بَيْنَهُمَا وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى فَيَبْدَأُ مِنْ خِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى مِنْ الْأَسْفَلِ ( وَ ) سُنَّتُهُ أَيْضًا ( تَثْلِيثُ الْغَسْلِ ) لِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَغْسُولَاتِ ( وَمَسْحُ كُلِّ الرَّأْسِ مَرَّةً ) وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يَكُونُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي كَفَّيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الِاسْتِعْمَالِ لَا يُفِيدُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا بِالْوَضْعِ الْأَوَّلِ فَكَذَا بِالثَّانِي فَلَا يُفِيدُ تَأْخِيرُهُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَقُولُ : وَأَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا ( وَ ) مَسْحُ ( الْأُذُنَيْنِ ) دَاخِلِهِمَا بِسَبَّابَتَيْهِ وَخَارِجِهِمَا بِإِبْهَامَيْهِ ( بِمَائِهِ ) أَيْ الرَّأْسِ ( وَالتَّرْتِيبُ ) الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ ( وَالْوِلَاءُ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ عَلَى التَّعَاقُبِ بِحَيْثُ لَا يَجِفُّ الْعُضْوُ الْأَوَّلُ فِي اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ .

( قَوْلُهُ : وَهِيَ مَعَ تَفَاوُتِ أَنْوَاعِهَا ) فِي التَّعْبِيرِ بِالْجَمْعِ تَسَامُحٌ ( قَوْلُهُ : مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ ) عَرَّفَهُ بِالْحُكْمِ وَهُوَ سَائِغٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ( قَوْلُهُ : الْبَدْءُ بِالنِّيَّةِ ) أَقُولُ : وَهِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَالتَّلَفُّظُ بِهَا مُسْتَحَبٌّ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي غَيْرِ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ التَّوَضُّؤِ بِالنَّبِيذِ مِنْهُ أَمَّا فِيهِمَا فَهِيَ شَرْطٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : وَالْبَدْءُ بِالتَّسْمِيَةِ ) مُرَاعَاةُ اسْتِحْبَابِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ يُفَوِّتُ الْبَدْءَ بِالتَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً فَيَكُونُ إضَافِيًّا ( قَوْلُهُ : بِأَنْ يَقُولَ : بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ
إلَخْ ) .
أَقُولُ لَعَلَّهُ إنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذَكَرَ عَلَى صِيغَةِ الْحَصْرِ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَقَدْ قِيلَ الْأَفْضَلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( قَوْلُهُ : قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ قَاضِي خَانْ وَكَذَا يَغْسِلُ الْيَدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ .
( قَوْلُهُ : بِيُمْنَاهُ ) أَقُولُ إمْسَاكُ السِّوَاكِ بِالْيُمْنَى مُسْتَحَبٌّ ، وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ تَجْعَلَ الْخِنْصَرَ مِنْ يَمِينِك أَسْفَلَ السِّوَاكِ تَحْتَهُ ، وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى ، وَالسَّبَّابَةَ فَوْقَهُ وَاجْعَلْ الْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ تَحْتَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَلَا تَقْبِضْ الْقَبْضَةَ عَلَى السِّوَاكِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوَرِّثُ الْبَاسُورَ .
( قَوْلُهُ : كَيْفَ شَاءَ
إلَخْ ) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ الْقُونَوِيُّ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا لِأَنَّهُ يَجْرَحُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ وَيَسْتَاكُ أَعَالِيَ الْأَسْنَانِ وَأَسَافِلَهَا ،

وَالْحَنَكَ وَيَبْتَدِئُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي الْأَسَافِلِ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ عُقَدٍ فِي غِلَظِ الْأُصْبُعِ وَطُولَ شِبْرٍ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُرَّةِ الْمَعْرُوفَةِ .
وَيُكْرَهُ الِاسْتِيَاكُ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ كِبَرَ الطِّحَالِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ الْفَارِضِيُّ فِي حَاشِيَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : مِنْ فَضَائِلِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يُبَطِّئُ بِالشَّيْبِ وَيَحُدُّ الْبَصَرَ وَأَحْسَنُهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ وَأَنَّهُ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الصِّرَاطِ ، وَمِنْ آدَابِهِ : أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى شِبْرٍ وَلَا يُوضَعُ مُنْبَسِطًا عَلَى الْأَرْضِ بَلْ قَائِمًا وَيُكْرَهُ فِي الْخَلَاءِ ا هـ .
قَوْلُهُ : وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يُعَالِجُ بِالْأُصْبُعِ ) أَقُولُ هِيَ كَفَقْدِ أَسْنَانِهِ أَوْ فَقْدِ السِّوَاكِ فَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهُ لَا عِنْدَ الْوُجُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ ، وَالْعِلْكُ يَقُومُ مَقَامَهُ لِلْمَرْأَةِ ( قَوْلُهُ : وَغَسْلُ الْفَمِ ، وَالْأَنْفِ ) اخْتَارَ التَّعْبِيرَ بِهِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ ، وَالِاسْتِنْشَاقِ لِلِاخْتِصَارِ وَإِلَّا فَهُمَا أَوْلَى لِمَا سَنَذْكُرُ ا هـ .
وَقَالَ فِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَيْسَتْ غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ لَيْسَ غَسْلَ الْأَنْفِ بَلْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ إدَارَةِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَمَجِّهِ ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَذْبِ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي فَضْلِ الْجَنَائِزِ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ فَمَنْ بَدَّلَهَا بِغَسْلِ الْفَمِ ، وَالْأَنْفِ لَمْ يُصِبْ ا هـ .
قُلْت يَظْهَرُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَجَّ مِنْ شَرْطِ الْمَضْمَضَةِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ا هـ .
وَلِذَا قَالَ الْعَيْنِيُّ التَّعْبِيرُ بِالْمَضْمَضَةِ ، وَالِاسْتِنْشَاقِ أَوْلَى مِنْ الْغَسْلِ لِمَا فِي الْمَضْمَضَةِ مِنْ مَعْنًى زَائِدٍ عَلَى مُجَرَّدِ الْغَسْلِ وَهُوَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ ، وَفِي الِاسْتِنْشَاقِ مِنْ جَذْبِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ لِتَحْصُلَ الْمُبَالَغَةُ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ

لِحَدِيثِ : بَالِغْ { إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا } وَذَلِكَ بِالْغَرْغَرَةِ ، وَالِاسْتِنْثَارِ وَلَوْ بَلَعَهُ أَجْزَأَ إذْ الْمَجُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ كَذَا قَالَهُ الْمَقْدِسِيُّ ( قَوْلُهُ : بِمِيَاهٍ ) أَقُولُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِغَسْلِ الْفَمِ ، وَالْأَنْفِ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِكُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ تَثْلِيثِ غَسْلِهِمَا وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ جَازَ وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِيهِ فِي السُّنَّةِ أَوْ الْفَرْضِ فِي الْجَنَابَةِ ، وَمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ آتِيًا بِالسُّنَّةِ فَمُرَادُهُ أَصْلُ سُنَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَمَنْ نَفَاهُ أَرَادَ السُّنَّةَ فِيهَا أَيْ تَجْدِيدَ الْمِيَاهِ ، وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَ فِي قُوَّةِ الْوَاجِبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ ( قَوْلُهُ : وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ ) أَقُولُ هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْرِمِ وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ فِي الْأَصَابِعِ دُونَ اللِّحْيَةِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُفَضِّلَانِهِ وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَفِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يُخَلِّلَ إلَى آخِرِهِ ) قَالَ الْكَمَالُ فِي الْقُنْيَةِ كَذَا وَرَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ : وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ ) أَقُولُ لَكِنَّ الْأُولَى فَرْضٌ ، وَالثَّانِيَةَ سُنَّةٌ ، وَالثَّالِثَةَ إكْمَالُ السُّنَّةِ ، وَقِيلَ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَالْأُذُنَيْنِ بِمَائِهِ ) أَيْ الرَّأْسِ قُلْت لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ ، قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ وَلَوْ بِمَائِهِ أَيْ الرَّأْسِ .

( وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ ) أَيْ الشُّرُوعُ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ ( وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ لَا الْحُلْقُومِ ) فَإِنَّ مَسْحَهُ بِدْعَةٌ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَمُسْتَحَبُّهُ التَّيَامُنُ ) يَعْنِي فِي الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ وَلَيْسَ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عُضْوَانِ لَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ مِنْهُمَا إلَّا الْأُذُنَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَوَضِّئُ أَقْطَعَ لَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ ، وَبِالْخَدِّ الْأَيْمَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ ) أَقُولُ جَعَلَهُ وَمَا قَبْلَهُ مَسْنُونًا فِي الْبُرْهَانِ وَضَعَّفَ اسْتِحْبَابَهُ ، فَقَالَ وَسُنَّ الْبُدَاءَةُ بِالْمَيَامِنِ وَرُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمَسْحِ الرَّقَبَةِ وَقِيلَ : إنَّ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّاتٌ .
ا هـ .

( وَمِنْ آدَابِهِ ) إنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخْرَى ذُكِرَتْ فِي الْمُطَوَّلَاتِ ( اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ ) عِنْدَ الْوُضُوءِ ( وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ ) فَإِنَّ وُضُوءَ الْمَعْذُورِ قَبْلَ الْوَقْتِ يَنْتَقِضُ عِنْدَ زُفَرَ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَالْأَحْوَطُ لَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْهُ ( وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ ، وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ ) احْتِرَازًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ ( وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ كَمَا مَرَّ ، وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ ) مِنْ الْأَدْعِيَةِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَارْزُقْنِي مِنْ نَعِيمِهَا وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي ، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّك وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ أَعْتِقْ عُنُقِي مِنْ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ ( وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ ) أَيْ الْوُضُوءِ ( وَأَنْ يَقُولَ ) بَعْدَهُ ( اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ وَأَنْ يَشْرَبَ ) بَعْدَهُ ( مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ )

بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ ( مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا ) قَالُوا لَمْ يَجُزْ شُرْبُ الْمَاءِ قَائِمًا إلَّا هَاهُنَا وَعِنْدَ زَمْزَمَ .

( قَوْلُهُ : وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ ) جَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَالْمَوَاهِبِ مِنْ السُّنَنِ وَجَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ ا هـ .
وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا ( قَوْلُهُ : وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ : وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ : وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ ) أَقُولُ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ : لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِ } ( قَوْلُهُ : وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ ) يَعْنِي مَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ دَعَتْ إلَيْهِ يَخَافُ فَوْتَهَا بِتَرْكِهِ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ ) لَفْظَةُ " غَسْلٍ " سَاقِطَةٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ التَّسْمِيَةَ فِي الْمَمْسُوحِ وَعَلَى ثُبُوتِهَا تُسْتَفَادُ بِالتَّغْلِيبِ ( قَوْلُهُ : كَمَا مَرَّ ) أَيْ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ ( قَوْلُهُ : وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ مِنْ الْأَدْعِيَةِ ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَدْعِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَا أَصْلَ لَهَا وَاَلَّذِي ثَبَتَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ التَّوْشِيحِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ : وَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّهُ فَاتَ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ أَنَّهُ أَيْ دُعَاءُ الْأَعْضَاءِ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ فِي تَارِيخِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَنَفْيُ الْمُصَنِّفِ أَصْلَهُ يَعْنِي بِاعْتِبَارِ الصِّحَّةِ أَمَّا بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ وَاعْلَمْ

أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ وَأَنْ لَا تُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ ) هَذَا لَا يَحْصُلُ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ ، وَالدُّعَاءِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ : بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي إلَى آخِرِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا ) قِيلَ وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا .

وَمَكْرُوهُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ ، وَالْإِسْرَافُ فِيهِ ( وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ التَّثْلِيثَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا بَأْسَ بِهِ ( وَبِمِيَاهٍ بِدْعَةٌ ) .
( قَوْلُهُ : وَالْإِسْرَافُ فِيهِ ) أَقُولُ وَكَذَا التَّقْتِيرُ لِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ ( تَنْبِيهٌ ) : الْوُضُوءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ فَرْضٌ عَلَى الْمُحْدِثِ لِلصَّلَاةِ وَلَوْ نَفْلًا وَلِجِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ ، وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ ، وَمَنْدُوبٌ لِلنَّوْمِ عَلَى طَهَارَةٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْهُ وَلِلْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ وَلِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ ، وَبَعْدَ غِيبَةٍ وَكَذِبٍ ، وَنَمِيمَةٍ ، وَإِنْشَادِ شِعْرٍ وَقَهْقَهَةٍ أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ ، وَغَسْلِ مَيِّتٍ وَحَمْلِهِ وَلِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ ، وَقَبْلَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ، وَلِلْجُنُبِ عِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَوَطْءٍ ، وَلِغَضَبٍ وَقُرْآنٍ وَحَدِيثٍ وَرِوَايَتِهِ ، وَدِرَاسَةِ عِلْمٍ ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَلِخُطْبَةٍ ، وَزِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُقُوفٍ وَسَعْيٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ .

( وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَبِالْكَسْرِ مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ ( إلَى مَا يَطْهُرُ ) أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ يَتَنَاوَلُ خُرُوجَهُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ حَدُّ الْخُرُوجِ الِانْتِقَالُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ وَذَلِكَ يُعْرَفُ بِالسَّيَلَانِ عَنْ مَوْضِعِهِ فَعَبَّرَ عَنْ الْخُرُوجِ بِالسَّيَلَانِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى رَأْسِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ لِأَنَّ رَأْسَ السَّبِيلَيْنِ لَيْسَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تُوجَدُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَكَانِهَا إلَيْهَا فَعُرِفَ الِانْتِقَالُ بِالظُّهُورِ فَأُقِيمَ الظُّهُورُ مَقَامَ الْخُرُوجِ ، وَحَدُّ السَّيَلَانِ أَنْ يَعْلُوَ فَيَنْحَدِرُ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ عَنْ رَأْسِ الْجُرْحِ لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنَّ مَا يُوَازِي الدَّمَ مِنْ أَعَلَا الْجُرْحِ مَكَانُهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ عَيْنُ السَّيَلَانِ وَيَظْهَرُ ضَعْفُ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ قَوْلَهُ إلَى مَا يَطْهُرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ مَا خَرَجَ لَا بِقَوْلِهِ سَالَ فَإِنَّهُ إذَا فُصِدَ وَخَرَجَ دَمٌ كَثِيرٌ ، وَسَالَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ فِي الِانْتِقَاضِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسِلْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بَلْ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ثُمَّ سَالَ فَإِنَّ السَّيَلَانَ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ قَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّيَلَانُ عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَضَعْفُ مَا قَالَ فَالْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ أَنْ يَقُولَ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى مَا يَطْهُرُ إنْ كَانَ نَجَسًا سَالَ لِأَنَّ مَبْنَاهَا كَوْنُ الْخُرُوجِ مُغَايِرًا لِلسَّيَلَانِ وَقَدْ تَبَيَّنَ فَسَادُهُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ سَالَ

حَشْوًا بَعْدَ قَوْلِهِ خَرَجَ بَلْ الْعِبَارَةُ الْحَسَنَةُ مَا اخْتَرْنَاهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ : خُرُوجُ نَجَسٍ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غُرِزَتْ إبْرَةٌ فَارْتَقَى الدَّمُ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ لَكِنْ لَمْ يَسِلْ فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَسْفُوحٍ وَقَوْلُهُ : إلَى مَا يَظْهَرُ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا وَصَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ وَلَمْ يَظْهَرْ وَعَمَّا إذَا كَانَ فِي عَيْنِهِ قُرْحَةٌ وَصَلَ دَمُهَا إلَى جَانِبٍ آخَرَ مِنْ عَيْنِهِ وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقِ مَارِنِ الْأَنْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَالَ إلَى الْمَارِنِ لِأَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الْجَنَابَةِ فَرْضٌ .
( وَ ) خُرُوجُ ( رِيحٍ أَوْ دُودَةٍ أَوْ حَصَاةٍ مِنْ الدُّبُرِ ) ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ مَعَ أَنَّهُ نَاقِضٌ لِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَذَكَرَ الْآخَرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ ( لَا ) خُرُوجُ رِيحٍ ( مِنْ الْقُبُلِ ، وَالذَّكَرِ ) لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ ( وَلَا ) خُرُوجُ ( دُودَةٍ مِنْ الْجُرْحِ ) لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ ، وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ( كَذَا ) لَا يَنْقُضُ ( لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ ) أَيْ الْجُرْحِ ( وَمَلْءُ الْفَمِ ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجٍ وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْ لِخَرَجَ ، وَقِيلَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ ( فِي قَيْءِ مِرَّةٍ ) أَيْ صَفْرَاءَ ( أَوْ عَلَقٍ ) وَهُوَ لُغَةً دَمٌ مُنْعَقِدٌ لَكِنَّهُ هَاهُنَا سَوْدَاءُ وَإِذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءُ الْفَمِ ( أَوْ ) قَيْءُ ( طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ ذَلِكَ لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ أَيْ خُرُوجَ النَّجَسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ ثُمَّ قَالَ وَمِلْءُ الْفَمِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ

لِأَنَّهُ يَخْرُجُ ظَاهِرًا فَاعْتُبِرَ خَارِجًا بِأَنَّ جَعْلَ الظَّاهِرِ الْغَالِبِ كَالْمُتَحَقِّقِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ فِيهِ الْأَصْلُ كَالسَّفَرِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ أَوْ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ كَالْإِيلَاجِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْإِنْزَالِ وَأَمَّا فِي الْمُنْضَبِطِ الظَّاهِرِ فَلَا كَمَا فِي مَبْحَثِنَا فَإِنَّ خُرُوجَ الْقَيْءِ مِنْ الْفَمِ لَا يَتَعَسَّرُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ أُقِيمَ مِلْءُ الْفَمِ مَقَامَهُ كَيْفَ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضٌ لِلْعِلَّةِ قَوْلٌ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ لِأَنَّهُ رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجَسِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ
إلَخْ .
دَلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ يَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ لِأَنَّ النَّجَسَ حِينَئِذٍ يَخْرُجُ ظَاهِرًا لِأَنَّ هَذَا الْقَيْءَ لَيْسَ إلَّا مِنْ قَعْرِ الْمَعِدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِلنَّجَسِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ فَلَا يَسْتَصْحِبُهُ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَحَلُّ فَإِنَّ شُرَّاحَهُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِحِلِّهِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الْحِلِّ ( كَذَا ) أَيْ كَمَا يَنْقُضُ مِلْءُ الْفَمِ فِيمَا ذَكَرَ يَنْقُضُ ( دَمٌ ) فِي قَيْئِهِ بِلَا شَرْطِ مِلْءِ الْفَمِ لِظُهُورِ كَوْنِهِ نَجَسًا لِكَوْنِهِ مَائِعًا ( وَقَيْحٌ وَلَوْ ) كَانَا مَخْلُوطَيْنِ ( بِبُزَاقٍ ) لَكِنْ ( غَلَبَاهُ أَوْ سَاوَيَاهُ ) أَيْ الدَّمُ ، وَالْقَيْحُ سَاوَيَا الْبُزَاقَ حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا .

( قَوْلُهُ : خُرُوجُ نَجَسٍ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ هُوَ النَّاقِصُ لَا عَيْنُ الْخَارِجِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَنْتَقِضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ ، وَإِنْ قَلَّ قِيلَ الْمُرَادُ خُرُوجُ مَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ عِلَّةُ الِانْتِقَاضِ ، وَهِيَ أَيْ الْعِلَّةُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْنَى ، وَلِهَذَا قَالُوا الْمَعَانِي النَّاقِضَةُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ النَّجَسُ الْخَارِجُ لَا خُرُوجُهُ لِاسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ تَأْثِيرِ النَّجَسِ فِي النَّقْضِ مَعَ أَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ فَالنَّاقِضُ الْخَارِجُ النَّجَسُ ، وَالْخُرُوجُ عِلَّةٌ لِتَحَقُّقِ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ فَإِضَافَةُ النَّقْضِ إلَى الْخُرُوجِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ وَتَأَيَّدَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مَا الْحَدَثُ قَالَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ، وَالْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : بِفَتْحِ الْجِيمِ ) أَقُولُ خَصَّ الْمَتْنَ هُنَا بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ النَّقْضَ بِمَا لَيْسَ بِطَاهِرٍ ( قَوْلُهُ : إلَى مَا يَطْهُرُ أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ ) أَقُولُ يَعْنِي أَوْ غَيْرِهِمَا لِيَبْقَى عُمُومُ مَا فَيَشْمَلُ مَسْأَلَةَ الْمُفْتَصِدِ الْآتِيَةَ قَوْلُهُ : وَعَمَّا إذَا سَالَ الدَّمُ إلَى مَا فَوْقَ مَارِنِ الْأَنْفِ ) يَعْنِي أَقْصَاهُ لَا مَا قَرُبَ مِنْ الْأَرْنَبَةِ فَإِنَّ غَسْلَهُ مَسْنُونٌ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : ذَكَرَ الرِّيحَ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِنَجَسٍ ) هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ مَا مَعَهُمَا مِنْ النَّجَسِ وَإِنْ قَلَّ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ ) أَقُولُ وَذَلِكَ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ : لَا خُرُوجُ رِيحٍ مِنْ الْقُبُلِ وَالذَّكَرِ ) أَقُولُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ :

لِأَنَّهُ لَا يَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ إثْبَاتُ أَنَّهُ رِيحٌ فَيَكُونُ تَعْلِيلُ عَدَمِ نَقْضِهِ مُعَارِضًا لِلنَّصِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ عَدَمَ نَقْضِهِ بِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مَا عَلَيْهَا مِنْ النَّجَسِ قَلِيلٌ ) حُكْمٌ بِنَجَاسَةِ الْقَلِيلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْإِسْكَافُ أَخْذًا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ الدَّمِ نَجِسٌ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا سَيَجِيءُ وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ لَيْسَ نَجِسًا ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ : أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْكَلَامِ ) أَقُولُ ، وَقِيلَ أَنْ يُجَاوِزَ الْفَمَ وَقِيلَ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إمْسَاكِهِ ، وَقِيلَ : أَنْ يَزِيدَ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَيْءُ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانَ مِنْ سَاعَةِ تَنَاوُلِهِ الطَّعَامَ ، وَالْمَاءَ .
وَقَالَ الْحَسَنُ : إذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا أَوْ مَاءً ثُمَّ قَاءَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلْ وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا فَلَا يَكُونُ نَجِسًا وَكَذَا قَيْءُ الصَّبِيِّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ : فِي شَرْحِهِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْمِعْرَاجِ لَيْسَ تَصْحِيحًا مَذْهَبِيًّا فَإِنَّهُ قَالَ قَالَ الصَّبَّاغِيُّ هُوَ الْمُخْتَارُ فَتَأَمَّلْ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ أَمَّا لَوْ قَاءَهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا وَهُوَ فِي الْمَرِيءِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا كَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ : أَقُولُ مَبْنَاهُ جَعْلُ ضَمِيرِ " لِأَنَّهُ " رَاجِعًا إلَى الْقَيْءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى النَّجِسِ ) أَقُولُ هَذَا لَا يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ لِأَنَّهُ

إذَا رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى النَّجِسِ فَأُرِيدَ بِهِ نَجَسٌ خَاصٌّ أَوْ مَا يَعُمُّ الْقَيْءَ يُقَالُ إنَّ النَّجَسَ مُنْضَبِطُ الْأَصْلِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُجْعَلُ الْغَالِبُ فِيهِ كَالْمُتَحَقِّقِ فَالِاعْتِرَاضُ بَاقٍ ، وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ أَيْ الْقَيْءَ الَّذِي يَمْلَأُ الْفَمَ يَخْرُجُ ظَاهِرًا أَيْ إلَى الْفَمِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ إذْ يَلْزَمُ غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَيُسَنُّ فِي الْوُضُوءِ فَاعْتُبِرَ الْقَيْءُ خَارِجًا أَيْ فَعُدَّ خَارِجًا لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ شَيْئًا فَقَدْ اعْتَدَّ بِهِ أَيْ فَعُدَّ نَاقِضًا لِكَوْنِهِ نَجَسًا وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، وَبِهَذَا سَقَطَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ مِلْءَ الْفَمِ ثُمَّ مُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ بِالتَّكَلُّفِ عَدَمُ الْخُرُوجِ مُتَيَقَّنٌ فَمِنْ أَيْنَ حُكِمَ بِالِانْتِقَاضِ ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْفَمَ مِمَّا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ، وَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ مَا كَانَ بِالْبَاطِنِ مِنْ النَّجَسِ لِتَحَقُّقِهِ بِمِلْءِ الْفَمِ ؛ لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ إنَّ الْخُرُوجَ يَتَحَقَّقُ بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ وَبِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ أَيْ وَيَتَحَقَّقُ بِمِلْءِ الْفَمِ فِي الْقَيْءِ وَسَقَطَ أَيْضًا قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ ، وَفِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ الْقَيْءُ أَقَلَّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ وَلَكِنْ خَرَجَ مِنْ الْفَمِ الْخُرُوجُ مُتَيَقَّنٌ لِأَنَّ تَيَقُّنَ خُرُوجِ الْقَلِيلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِعَدَمِ كَوْنِهِ نَجِسًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ نَجِسًا إلَّا إذَا مَلَأَ الْفَمَ فَكَانَ قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ فَالْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْتِقَاضِ نَقْضًا لِلْعِلَّةِ قَوْلًا سَاقِطًا لِأَنَّ الْعِلَّةَ النَّجَسُ الْمَوْصُوفُ بِالْخُرُوجِ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا مُطْلَقُ الْخَارِجِ فَالْعِلَّةُ ذَاتُ وَصْفَيْنِ .
( قَوْلُهُ : كَذَا دَمٌ فِي قَيْئِهِ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ : إنَّهُ لَوْ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ مَائِعًا غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِشَيْءٍ فَعِنْدَ

مُحَمَّدٍ يَنْقُضُ إنْ مَلَأَ الْفَمَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ ، وَعِنْدَهُمَا إنْ سَالَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ نَقَضَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا ، قَالَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : إنَّهُ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ وَلَوْ كَانَ مَائِعًا نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا ( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ كَانَا مَغْلُوبَيْنِ لَهُ لَمْ يَنْقُضَا ) قَالُوا عَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ ، وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ فَيَنْظُرُ مَا يَعْلَمُ بِهِ حَالُ الْقَيْحِ .
فَرْعٌ أَلْحَقُوا بِالْقَيْءِ مَاءً فِي فَمِ النَّائِمِ إذَا صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ بِأَنْ كَانَ أَصْفَرَ أَوْ مُنْتِنًا وَهُوَ مُخْتَارُ أَبِي نَصْرٍ وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ طَهَارَتَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَسٌ وَلَوْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ فَطَاهِرٌ اتِّفَاقًا ، .
وَفِي التَّجْنِيسِ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَيْفَمَا كَانَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَحْرِ .

( ، وَالْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ وَسَوَاءٌ كَانَ مِلْءَ الْفَمِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لِلُزُوجَتِهِ لَا تُدَاخِلُهُ النَّجَاسَةُ ( إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي صَاعِدٍ مَلَأَهُ ) أَيْ الْفَمَ لِتَنَجُّسِهِ بِالْمُجَاوَرَةِ ( وَإِنْ اخْتَلَطَ ) الْبَلْغَمُ ( بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ ) فَإِنْ غَلَبَ الطَّعَامُ وَمَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ وَإِنْ غَلَبَ الْبَلْغَمُ لَا يَنْقُضُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا مَلَأَ الْفَمَ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اخْتَلَطَ الْبَلْغَمُ بِالطَّعَامِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ ) قَدْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ إنْ غَلَبَ الطَّعَامُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَسَاوَيَا .
وَقَالَ الْكَمَالُ إنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ يَبْلُغُ مِلْءَ الْفَمِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ الْبَلْغَمُ مَلَأَهُ فَعَلَى الْخِلَافِ وَإِنْ كَانَ سَوَاءً لَا يَنْقُضُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي صَلَاةِ الْمُحْسِنِ قَالَ : الْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ وَلَوْ اسْتَوَيَا يُعْتَبَرُ كُلٌّ عَلَى حِدَةٍ وَعَجْزُ هَذَا أَوْلَى مِنْ عَجْزِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ يَمِيلُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجَسٌ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْكَانِ كَالدَّمِ ، وَالصَّفْرَاءِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِطَرَفِ كُمِّهِ ا هـ .

( وَالْمَجْلِسُ يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ ) أَيْ الْقَيْءِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ( وَالسَّبَبُ ) يُجْمَعُ مُتَفَرِّقُهُ ( عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) يَعْنِي لَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ صَارَ مِلْءَ الْفَمِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْغَثَيَانُ وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ ، فَإِنْ حَصَلَ مِلْءُ الْفَمِ بِغَثَيَانٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ .
( قَوْلُهُ : وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) أَقُولُ ، وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْكَافِي ، وَالْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : قَدْ نَقَلُوا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ مَسْأَلَةً اعْتَبَرَ فِيهَا مُحَمَّدٌ الْمَجْلِسَ وَأَبُو يُوسُفَ السَّبَبَ وَهِيَ نَزْعُ خَاتَمٍ مِنْ أُصْبُعِ نَائِمٍ إنْ أَعَادَهَا فِي ذَلِكَ النَّوْمِ يَبْرَأُ إجْمَاعًا وَإِنْ اسْتَيْقَظَ قَبْلَ إعَادَتِهِ ثُمَّ نَامَ فِي مَوْضِعِهِ فَأَعَادَهَا لَا يَبْرَأُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَبْرَأُ وَإِنْ تَكَرَّرَ نَوْمُهُ وَيَقَظُهُ فَإِنْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ ثُمَّ نَامَ فِي آخَرَ فَرَدَّهَا إلَيْهِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ إجْمَاعًا لِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ ، وَالسَّبَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلًا ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا بِالتَّحْوِيلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ .

( وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ ) مِنْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ ( لَيْسَ بِنَجَسٍ ) أَمَّا الْقَيْءُ فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ قَلِيلَهُ يَخْرُجُ مِنْ أَعْلَى الْمَعِدَةِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا الدَّمُ فَلِأَنَّ قَلِيلَهُ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا لِلْآيَةِ فَلَا يَكُونُ نَجَسًا وَأَمَّا حُرْمَةُ غَيْرِ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ بِنَاءً عَلَى حُرْمَةِ لَحْمِهِ فَلَا يُوجِبُ نَجَاسَةً إذْ هَذِهِ الْحُرْمَةُ لِلْكَرَامَةِ لَا لِلنَّجَاسَةِ فَغَيْرُ الْمَسْفُوحِ فِي الْآدَمِيِّ يَكُونُ عَلَى طَهَارَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا .
( قَوْلُهُ : وَمَا لَيْسَ بِحَدَثٍ لَيْسَ بِنَجَسٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْكَمَالُ : قَوْلُهُ : وَهُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ نَجَسٌ ، وَكَانَ الْإِسْكَافُ وَالْهِنْدُوانِيُّ يُفْتِيَانِ بِقَوْلِهِ وَجَمَاعَةٌ اعْتَبَرُوا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبَ أَحَدِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَمْتَنِعُ الصَّلَاةُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الْوَجْهَ يُسَاعِدُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَارِجَ بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ حَدَثٌ ، وَأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَبْلَ الْخُرُوجِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ لِإِنْسَانٍ طَهَارَةٌ فَلَزِمَ أَنَّ مَا لَيْسَ حَدَثًا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا شَرْعًا وَمَا لَمْ يُعْتَبَرْ خَارِجًا لَمْ يُعْتَبَرْ نَجَسًا فَلَوْ أَخَذَ مِنْ الدَّمِ الْبَادِي فِي مَحَلِّهِ بِقُطْنَةٍ وَأَلْقَى فِي الْمَاءِ لَمْ يَنْجُسْ .
ا هـ .

.
( وَ ) نَاقِضُهُ أَيْضًا ( نَوْمٌ يُزِيلُ مُسْكَتَهُ ) أَيْ قُوَّتَهُ الْمَاسِكَةَ وَهُوَ النَّوْمُ بِحَيْثُ يَزُولُ مَقْعَدُهُ عَنْ الْأَرْضِ ، وَهُوَ النَّوْمُ مُضْطَجِعًا أَيْ وَاضِعًا أَحَدَ جَنْبَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِ وَرِكَيْهِ أَوْ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ أَوْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ الْمُسْكَةَ إذَا زَالَتْ لَا يُعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً ، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ بِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُزِلْ النَّوْمُ مُسْكَتَهُ بِأَنْ كَانَ حَالَ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ إذَا رَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَأَبْعَدَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ ( فَلَا ) أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( وَإِنْ تَعَمَّدَ ) أَيْ نَامَ قَصْدًا ( فِي الصَّلَاةِ ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ( وَاخْتُلِفَ فِي ) نَوْمِ ( مُسْتَنِدٍ إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ ) قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ النَّوَاقِضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ ، وَقَالَ شُرَّاحُهُ هَذَا مِمَّا اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلَيْسَ مِنْ أَصْلِ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ .
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْأَرْضِ كَانَ حَدَثًا وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِرًّا لَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ لَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا فَسَقَطَ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ السُّقُوطِ أَوْ حَالَةَ السُّقُوطِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا فَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ اسْتَقَرَّ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ انْتَقَضَ ، وَلَوْ نَامَ عَلَى دَابَّةٍ هِيَ عُرْيَانَةٌ إنْ كَانَ حَالَ الصُّعُودِ وَالِاسْتِوَاءِ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا وَفِي حَالِ الْهُبُوطِ حَدَثٌ .

( قَوْلُهُ : فَلَا أَيْ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا ) أَقُولُ يَعْنِي لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ ( تَنْبِيهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَيْسَ النَّاقِضُ النَّوْمَ بَلْ الْحَدَثَ وَلَكِنْ أُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ وَهُوَ النَّوْمُ مَقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ .
الثَّانِي أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالنَّوْمِ يُخْرِجُ النُّعَاسَ مُضْطَجِعًا قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ .
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ وَأَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ : إنْ كَانَ لَا يَفْهَمُ عَامَّةَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ كَانَ حَدَثًا كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ا هـ .
قُلْت لَكِنْ صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِهِ لِأَحَدٍ فَاقْتَضَى كَوْنَهُ الْمَذْهَبَ ، فَقَالَ : وَالنُّعَاسُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ قَلِيلُ نَوْمٍ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ وَيَجْرِي عِنْدَهُ .
ا هـ .

( وَ ) نَاقِضُهُ أَيْضًا ( الْإِغْمَاءُ ، وَالسُّكْرُ ) الَّذِي حَصَلَ بِهِ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلٌ ( وَالْجُنُونُ ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِزَوَالِ الْمُسْكَةِ بِهِمَا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ الْحَدَثَ عَنْ غَيْرِهِ .
.

.
( وَ ) نَاقِضُهُ أَيْضًا ( قَهْقَهَةُ بَالِغٍ ) وَهِيَ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ وَأَمَّا الضَّحِكُ الْمَسْمُوعُ لَهُ فَقَطْ فَلَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ بَلْ الصَّلَاةَ ، وَالتَّبَسُّمُ لَا يُبْطِلُ شَيْئًا مِنْهُمَا ( يَقْظَانَ ) فِي صَلَاتِهِ ( يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ ) أَيْ بِمُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ وُضُوءٍ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ ( صَلَاةً كَامِلَةً ) أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إلَّا مَنْ ضَحِكَ مِنْكُمْ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ } وَرَدَ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا فَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ الْقَهْقَهَةِ وَلَا قَهْقَهَةُ الصَّبِيِّ وَالنَّائِمِ وَالْمُغْتَسِلِ ، وَالْقَهْقَهَةُ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَلَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ أَفْسَدَتْهُمَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ ( عِنْدَ السَّلَامِ ) أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ ( إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ ) الْمُصَلِّي فِي الْقَهْقَهَةِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ خُرُوجًا بِصُنْعِهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ ( فَإِذَا ) ( خَرَجَ الْإِمَامُ ) عَنْ الصَّلَاةِ ( بِهِ ) أَيْ بِتَعَمُّدِ الْقَهْقَهَةِ ( فَقَهْقَهَ الْمَأْمُومُ ) ( لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ ) لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا ) فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ .

( قَوْلُهُ : يُصَلِّي بِالتَّوَضُّؤِ أَيْ بِمُبَاشَرَةِ

إلَخْ ) أَقُولُ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خَانْ النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ ) أَقُولُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَتْنًا أَوْ شَرْحًا فَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ : وَنَاقِضُهُ قَهْقَهَةُ بَالِغٍ ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ بُطْلَانِ وُضُوئِهِ كَصَلَاتِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ إلَّا زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ تَصْرِيحٌ بِفَسَادِ الْوُضُوءِ بِقَهْقَهَةٍ عَمْدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالنَّقْضِ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ فَقَالَ : وَنَقَضْنَا بِهَا أَيْ بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وُضُوءَهُ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ ، وَنَفَاهُ زُفَرُ اعْتِبَارًا لَهُ بِالصَّلَاةِ ا هـ .
وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَإِنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ الْقَهْقَهَةَ عِنْدَ السَّلَامِ لَا تَكُونُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا قَدْ عَلِمْت ( قَوْلُهُ : وَسَيَأْتِي أَنَّ الصَّلَاةَ تَتِمُّ بِهِ كَيْفَ كَانَ ) الضَّمِيرُ فِي بِهِ رَاجِعٌ إلَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَقَوْلُهُ : كَيْفَ كَانَ يَعْنِي مِنْ حَدَثٍ عَمْدًا وَكَلَامٍ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ .
( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَهْقَهَ الْإِمَامُ ، وَالْمَأْمُومُ مَعًا وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِفَسَادِ وُضُوئِهِمَا ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا ) أَقُولُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنْ يَكُنْ شَرْحًا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ خُرُوجَ الْإِمَامِ خُرُوجٌ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الِاسْتِقَامَةِ وَإِنْ يَكُنْ مَتْنًا كَمَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتهَا فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ : فَقَهْقَهَةُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَهُوَ

مُشْكِلٌ لِأَنَّ بِقَهْقَهَةِ الْإِمَامِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَمْ يَبْقَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا قَهْقَهَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ ا هـ .
وَلَكِنَّ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ الِاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِهِ : فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ يُعَيِّنُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَتْنٌ وَقَدْ عَلِمْت عَدَمَ اسْتِقَامَتِهِ .

.
( وَ ) نَاقِضُهُ أَيْضًا ( الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ ) وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا ( لِلْجَانِبَيْنِ ) أَيْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الرَّجُلِ ، وَالْمَرْأَةِ ( لَا مَسُّ الذَّكَرِ ، وَالْمَرْأَةِ ) فَإِنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( قُشِرَتْ نَفْطَةٌ فَسَالَ مَاءٌ أَوْ نَحْوُهُ ) كَالصَّدِيدِ ، وَالدَّمِ ( نَقَضَ ، وَإِنْ عَلَا ) عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ ( فَأُزِيلَ ) لَوْ كَانَ ( بِحَيْثُ إذَا تُرِكَ سَالَ نَقَضَ وَإِلَّا فَلَا ) يَنْقُضُ ( خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ لَوْ ) خَرَجَ ( بِوَجَعٍ نَقَضَ ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْجِرَاحَةِ ( وَإِلَّا فَلَا ) يَنْقُضُ ( فِي عَيْنِهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ ضَعْفُ الْبَصَرِ مَعَ سَيَلَانِ الدَّمْعِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ ( إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ وَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ صَاحِبَ عُذْرٍ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ( كَمَا إذَا كَانَ بِهَا ) أَيْ بِالْعَيْنِ ( غَرْبٌ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عِرْقٌ فِي الْعَيْنِ يَسْقِي وَلَا يَنْقَطِعُ .

( قَوْلُهُ : وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ مُتَجَرِّدَيْنِ وَانْتَشَرَتْ آلَتُهُ وَأَصَابَ فَرْجُهُ فَرْجَهَا ) أَقُولُ كَذَا فَسَّرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَزَادَ الْكَمَالُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمُعَانَقَةَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ : فَقَالَ وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تَنْقُضُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ شَيْءٍ ا هـ .
وَفِي الْقُنْيَةِ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ الرَّجُلِ ، وَالْغُلَامِ وَكَذَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَيْهِمَا ا هـ .
وَفِي الْبَحْرِ وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَتَيْنِ ( قَوْلُهُ : لَا مَسُّ الذَّكَرِ ) أَقُولُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ مِنْهُ ، .
وَفِي الْبَدَائِعِ : مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : قُشِرَتْ نَفْطَةٌ إلَخْ ) .
أَقُولُ هُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَنَاقِضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ مِنْهُ إلَى مَا يَطْهُرُ لَكِنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ ( قَوْلُهُ : خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ قَيْحٌ
إلَخْ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَلْوَانِيِّ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدَأً انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ ا هـ .
قُلْت وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُ الْكَمَالِ ثُمَّ الْجُرْحُ وَالنَّفْطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ ، وَالسُّرَّةِ وَالْأُذُنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ .
( قَوْلُهُ : إنْ خَرَجَ مِنْهَا الدَّمْعُ نَقَضَ إلَخْ ) أَقُولُ فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : لَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا ا هـ .
وَهَذَا

التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ ، وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عُلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ عَلَى ظَنِّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ ا هـ .
( قُلْت ) لَكِنْ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ : قَالُوا مَنْ رَمِدَتْ عَيْنَاهُ ، وَسَالَ الْمَاءُ مِنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ ا هـ .
وَصِيغَةُ قَالُوا تُذْكَرُ فِيمَا فِيهِ الْخِلَافُ فَيُفْهَمُ عَدَمُ الْوُجُوبِ مِنْ مُقَابِلِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا إذَا كَانَ بِهِمَا غَرْبٌ ) أَقُولُ : وَالنَّقْضُ بِمَا سَالَ مِنْهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي التَّجْنِيسِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ إذَا سَالَ مِنْهُ مَاءٌ نَقَضَ لِأَنَّهُ كَالْجُرْحِ وَلَيْسَ بِدَمْعٍ ، وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ وَرَمٌ فِي الْمَآقِي .

( الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا وَلَوْ بَيَاضَهُ ) الْخَالِي عَنْ الْخَطِّ ( إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا ) وَهُوَ الْمُشَرَّزُ ( وَقِيلَ مُنْفَصِلًا ) كَالْخَرِيطَةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ ، وَالْكَافِي وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ ( وَلَمْ يُكْرَهْ ) مَسُّهُ ( بِالْكُمِّ وَقِيلَ يُكْرَهُ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ : كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَسَّ الْمُصْحَفِ بِالْكُمِّ لِلْحَائِضٍ وَالْجُنُبِ وَقَالَ عَامَّتُهُمْ : لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ الْمَسَّ مُحَرَّمٌ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا وَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِيَ ( وَرُخِّصَ الْمَسُّ بِالْيَدِ فِي ) الْكُتُبِ ( الشَّرْعِيَّةِ إلَّا التَّفْسِيرَ ) ذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَغَيْرِهِ ( وَلَا ) يَمَسُّ ( دِرْهَمًا فِيهِ سُورَةٌ ) قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْآيَةُ ( إلَّا بِصُرَّةٍ وَإِنْ جَازَ قِرَاءَتُهُ ) فَرَّقَ فِي الْمُحْدِثِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ ، وَالْمَسِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ الْيَدَ دُونَ الْفَمِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُ الْيَدِ لَا الْفَمِ ، وَاسْتَوَيَا فِي الْجُنُبِ ، وَالْحَائِضِ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ حَلَّا بِالْفَمِ وَالْيَدِ حَتَّى يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِيهِمَا وَلَا تَرِدُ الْعَيْنُ لِأَنَّ الْجُنُبَ حَلَّ نَظَرُهُ إلَى الْمُصْحَفِ بِلَا قِرَاءَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي .

( قَوْلُهُ : إلَّا بِغِلَافِهِ وَلَوْ مُتَّصِلًا وَهُوَ الْمُشَرَّزُ ) أَقُولُ هَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ صُحِّحَ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ دُونَ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ مَسُّ الْجِلْدِ الْمُتَّصِلِ بِهِ وَمَسُّ حَوَاشِي الْمُصْحَفِ ، وَالْبَيَاضِ الَّذِي لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ ، وَالصَّحِيحُ مَنْعُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمُصْحَفِ ا هـ .
وَلِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ : اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُتَجَافِي فَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ الْكُمُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : هُوَ الْجِلْدُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الْخَرِيطَةُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْأَصَحُّ : هُوَ الْجِلْدُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ ) قَدْ عَلِمْت تَعَيُّنَ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ الْمُشَرَّزِ ( قَوْلُهُ : وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي أَيْضًا ) أَقُولُ عِبَارَةُ الْكَافِي : وَلَا يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ .

( وَكُرِهَ دُخُولُهُ ) أَيْ الْمُحْدِثِ ( مَسْجِدًا ) مِنْ الْمَسَاجِدِ ( وَطَوَافُهُ ) بِالْكَعْبَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِنَّمَا لَمْ يُحَرَّمَا لِأَنَّ حُرْمَتَهُمَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَالْحَيْضِ ، وَالْجَنَابَةِ .

( فَرْضُ الْغُسْلِ ) الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ الِاعْتِقَادِيَّ وَالْعَمَلِيَّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ ( غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ ، وَ ) سَائِرِ ( الْبَدَنِ حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ وَ ) غَسْلُ ( السُّرَّةِ وَالشَّارِبِ ، وَالْحَاجِبِ وَجَمِيعِ اللِّحْيَةِ ) أَيْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى أَثْنَاءِ اللِّحْيَةِ كَمَا يَجِبُ إلَى أُصُولِهَا إذْ لَا حَرَجَ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ( وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ ) ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَاطَّهَّرُوا } صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَقْتَضِي وُجُوبَ غَسْلِ مَا يَكُونُ مِنْ ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ ( لَا ) غَسْلُ ( مَا فِيهِ حَرَجٌ كَالْعَيْنِ وَثَقْبِ الْفَمِ ) لِأَنَّهُ حَرَجٌ ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } فِي الْمُحِيطِ إنْ كَانَ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى ثَقْبِ الْقُرْطِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ وَكَذَا إنْ انْضَمَّ بَعْدَ نَزْعِ الْقُرْطِ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَدْخُلُ الْقُرْطُ فِيهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ لَا يَتَكَلَّفُ أَيْضًا ( كَذَا ) أَيْ كَالْعَيْنِ فِي الْحَرَجِ ( نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً يَجِبُ غَسْلُهَا ( وَكَفَى بَلُّ أَصْلِهَا ) دَفْعًا لِلْحَرَجِ ( لَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهِ ) حَيْثُ يَجِبُ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْكَافِي .

( قَوْلُهُ : فَرْضُ الْغُسْلِ ) الْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ ، وَالْغُسْلُ يَعْنِي بِهِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ، وَالْحَيْضِ ، وَالنِّفَاسِ وَهُوَ لُغَةً : بِضَمِّ الْغَيْنِ اسْمٌ مِنْ الِاغْتِسَالِ ، وَهُوَ تَمَامُ غَسْلِ الْجَسَدِ وَاسْمٌ لِلْمَاءِ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ أَيْضًا كَمَا فِي الْمُغْرِبِ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ : إنَّهُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ ، وَاصْطِلَاحًا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ غَسْلُ الْبَدَنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : الْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَتَنَاوَلُ
إلَخْ ) أَقُولُ فَيَكُونُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ لَا اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى دَاخِلِ الْقُلْفَةِ فِي الْأَصَحِّ ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ : أَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي إيصَالِ الْمَاءِ دَاخِلَ الْقُلْفَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْخَالِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَيُدْخِلُهُ أَيْ الْمَاءَ الْقُلْفَةَ اسْتِحْبَابًا .
وَفِي النَّوَازِلِ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِلْحَرَجِ لَا لِكَوْنِهِ خِلْقَةً ا هـ .
( قُلْت ) يَنْبَغِي التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ يُمْكِنُ فَسْخُ الْقُلْفَةِ بِلَا مَشَقَّةٍ لَا يُجْزِئُهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا أَجْزَأَهُ وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْكَمَالِ ( قَوْلُهُ : وَالْفَرْجِ الْخَارِجِ ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّاخِلِ قَالَ الْكَمَالُ : وَتَغْسِلُ فَرْجَهَا الْخَارِجَ لِأَنَّهُ كَالْفَمِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُهَا الْأُصْبُعَ فِي قُبُلِهَا وَبِهِ يُفْتَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَذَا نَقْضُ ضَفِيرَتِهَا وَبَلُّهَا ) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنَّهَا تَبُلُّ ذُؤَابَتَهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ :

وَلَيْسَ عَلَيْهَا بَلُّ ذَوَائِبِهَا يَعْنِي إذَا بَلَغَ الْمَاءُ أُصُولَ الشَّعْرِ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ : هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَجِبُ بَلُّهَا ثَلَاثًا مَعَ كُلِّ بَلَّةٍ عَصْرَةٌ ، .
وَفِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الذَّوَائِبِ وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ ، وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ فِي وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى شُعَبِ عِقَاصِهَا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ ا هـ .
، وَالْأَصَحُّ نَفْيُهُ لِلْحَصْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ .

( وَسُنَّتُهُ ) أَيْ الْغُسْلِ ( الْبَدْءُ بِمَا ذَكَرَ فِي الْوُضُوءِ ) مِنْ النِّيَّةِ ، وَالتَّسْمِيَةِ وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ ( وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ ) إنْ كَانَ فِيهِ خَبَثٌ ( وَالتَّوَضُّؤُ ) أَيْ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ( إلَّا رِجْلَيْهِ ) وَهَذَا التَّقْرِيرُ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ أَنْ يَغْسِلَ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إلَّا رِجْلَيْهِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ لَيْسَتْ بِمَغْسُولَةٍ بَلْ بَعْضُهَا مَمْسُوحَةٌ وَفِي لَفْظِ التَّوَضُّؤِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ بِرَأْسِهِ كَمَا فِي وُضُوءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ( لَوْ ) كَانَ رِجْلَاهُ ( بِمُسْتَنْقَعٍ ) أَيْ بِمُسْتَجْمَعِ مَاءٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ يَغْسِلُهُمَا ( ثُمَّ تَثْلِيثُ صَبٍّ ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ ( مُسْتَوْعِبٍ ) جَمِيعَ الْبَدَنِ حَالَةَ كَوْنِهِ ( بَادِئًا ) فِي الْغُسْلِ ( بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ رَأْسِهِ فِي الْأَصَحِّ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ ( ثُمَّ بَقِيَّةِ بَدَنِهِ وَبَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الصَّبِّ الْمُسْتَوْعِبِ ( يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ تَكْمِيلًا ) لِلْوُضُوءِ وَتَنْظِيفًا لَهُمَا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لَمْ يَقُلْ ثُمَّ غَسْلِ رِجْلَيْهِ بِالْجَرِّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ بَادِئًا وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى ( وَ ) سُنَّتُهُ أَيْضًا ( الدَّلْكُ ) لِأَنَّ السُّنَّةَ إكْمَالُ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ( وَصَحَّ نَقْلُ بَلَّةِ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فِيهِ ) أَيْ الْغُسْلِ ( إذَا تَقَاطَرَتْ ) الْبَلَّةُ ( دُونَ الْوُضُوءِ ) لِمَا بَيَّنَّا سَابِقًا .

قَوْلُهُ : وَغَسْلِ فَرْجِهِ وَخَبَثِ بَدَنِهِ إنْ كَانَ فِيهِ ) أَقُولُ لَمْ يَكْتَفِ بِغَسْلِ الْخَبَثِ عَنْ الْفَرْجِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ كَتَقْدِيمِ الْوُضُوءِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَكَانَ يُغْنِيهِ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ أَنْ يَقُولَ وَنَجَاسَةٍ لَوْ كَانَتْ عَنْ قَوْلِهِ وَفَرْجِهِ لِأَنَّ الْفَرْجَ إنَّمَا يُغْسَلُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ لَمْ يُصَبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ ) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ لَمْ يَصُبَّ ثَلَاثًا وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : وَلَوْ لَمْ يُثَلِّثْ ، وَلَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ جَارٍ إنْ مَكَثَ فِيهِ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ : وَيُقَاسُ مَا لَوْ اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ كَمَا لَا يَخْفَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : بَادِئًا فِي الْغُسْلِ بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْ فِي الْهِدَايَةِ كَيْفِيَّةَ الصَّبِّ وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُفِيضُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثَلَاثًا ثُمَّ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ وَهُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةَ وَظَاهِرُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ { وَضَعْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَهُ ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ } ا هـ .
قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ : وَبِهِ يُضَعَّفُ مَا صَحَّحَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ ،

وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّهُ يُؤَخِّرُ الرَّأْسَ كَذَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : آدَابُ الْغُسْلِ هِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِسْرَافُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .

( وَفُرِضَ ) أَيْ الْغُسْلُ ( عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ ) وَلَوْ فِي نَوْمٍ ( مُنْفَصِلٍ ) عَنْ مَوْضِعِهِ ( بِشَهْوَةٍ ) قَيَّدَ بِهَا لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ بِحَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُفْرَضْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ) إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ بِهَا أَيْ بِالشَّهْوَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
( وَ ) فُرِضَ ( عِنْدَ إيلَاجِ ) أَيْ إدْخَالِ ( آدَمِيٍّ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ الِاحْتِلَامُ ( حَشَفَةً أَوْ قَدْرَهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا ) مُتَعَلِّقٌ بِقَدْرِهَا ( فِي أَحَدِ ) مُتَعَلِّقٌ بِإِيلَاجِ ( سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ ) احْتِرَازٌ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّ إدْخَالَهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ الْبَهَائِمِ لَا يُوجِبُ غُسْلًا لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ ( حَيٍّ ) احْتِرَازٌ عَنْ إدْخَالِهَا فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ ( عَلَى مُكَلَّفِهِمَا ) مُتَعَلِّقٌ بِفَرْضِ الْمُقَدَّرِ فِي إيلَاجٍ ( وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ) مَنِيًّا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِهِ الْإِنْزَالُ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا ( وَ ) عِنْدَ ( رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا ) بِسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ ( وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حُلُمًا ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِهَوَاءٍ أَصَابَهُ ( لَا ) يُفْرَضُ ( إنْ تَذَكَّرَهُ ) أَيْ الْحُلْمَ .
( وَ ) تَذَكَّرَ ( اللَّذَّةَ ، وَالْإِنْزَالَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا ) لِأَنَّهُ تَفَكُّرٌ فِي النَّوْمِ كَمَا فِي الْيَقِظَةِ بِلَا إنْزَالٍ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ فَوَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ أَوْ فِرَاشِهِ بَلَلًا إنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَعَلَيْهِ أَيْضًا الْغُسْلُ ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ

احْتِلَامًا وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ وَدْيٌ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ وَدْيٌ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِيَقِينٍ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمَا أَخَذَا بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ النَّائِمَ غَافِلٌ وَالْمَنِيُّ قَدْ يَرِقُّ بِالْهَوَاءِ فَيَصِيرُ مِثْلَ الْمَذْيِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا ( كَذَا الْمَرْأَةُ فِي الْأَصَحِّ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا الْمَنِيُّ إنْ وَجَدَتْ لَذَّةَ الْإِنْزَالِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ مَاءَهَا يَنْزِلُ مِنْ صَدْرِهَا إلَى رَحِمِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ الظُّهُورُ فِي حَقِّ الْغُسْلِ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ( أَوْلَجَهَا ) أَيْ الْحَشَفَةَ مَلْفُوفَةً ( بِخِرْقَةٍ وَجَبَ ) الْغُسْلُ ( إنْ وَجَدَ لَذَّةَ ) الْجِمَاعِ ( وَ ) فُرِضَ عِنْدَ ( انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ لَا ) عِنْدَ ( خُرُوجِ مَذْيٍ وَوَدْيٍ ) بِسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَاءٌ غَلِيظٌ يَعْقُبُ الْبَوْلَ ( وَحُقْنَةٍ ) عَطْفٌ عَلَى خُرُوجِ مَذْيٍ ( وَلَا ) عِنْدَ ( إدْخَالِ أُصْبُعٍ وَنَحْوِهِ فِي الدُّبُرِ وَوَطْءِ بَهِيمَةٍ بِلَا إنْزَالٍ ) لِقِلَّةِ الرَّغْبَةِ كَمَا مَرَّ .

( قَوْلُهُ : وَفُرِضَ أَيْ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَنِيٍّ
إلَخْ ) أَقُولُ خُرُوجُ الْمَنِيِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ شُرُوطٌ لِلْوُجُوبِ لَا أَسْبَابٌ فَإِضَافَةُ الْوُجُوبِ إلَيْهَا مَجَازٌ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ سَبَبُ وُجُوبِهِ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ ، وَقِيلَ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَهَا ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعِنْدَ وُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهَا ، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي : إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ ، وَالْإِنْزَالُ وَالِالْتِقَاءُ شَرْطٌ .
( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ) أَقُولُ يَعْنِي لَيْسَ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الدَّفْقِ يُفِيدُ اشْتِرَاطَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ إلَى ظَاهِرِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ وَاعْتُرِضَ عَلَى مَنْ شَرَطَ الدَّفْقَ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَاءَهَا لَا يَكُونُ دَافِقًا ا هـ .
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ مَثَلًا فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَنَزَلَ الْمَنِيُّ فَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَعِنْدَهُ لَا يَجِبُ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الضَّيْفِ عِنْدَ خَوْفِ الرِّيبَةِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ مَعِي جِنِّيٌّ
إلَخْ ) .
أَقُولُ لَمْ يُقَيِّدْ الْمَسْأَلَةَ فَشَمَلَ حَالَةَ النَّوْمِ ، وَالْيَقَظَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : امْرَأَةٌ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ ا هـ .
قُلْت وَعَلَى هَذَا إذَا أَخْبَرَتْ بِإِتْيَانِهِ يَقَظَةً وَرَأَتْ

الْمَاءَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِخُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا لِظُهُورِهِ ( قَوْلُهُ : فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ
إلَخْ ) لَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : وَقَدْ حَكَى فِي السِّرَاجِ خِلَافًا فِي وَطْءِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَجِبُ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا فَهِيَ مِمَّنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ .

( أَتَى عَذْرَاءَ وَلَمْ تَزُلْ عُذْرَتُهَا ) يَعْنِي رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ عَذْرَاءُ فَأَتَاهَا وَلَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا ( لَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا مَا لَمْ يُنْزِلْ ) لِأَنَّ الْعُذْرَةَ تَمْنَعُ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى .

( وَوَجَبَ ) الْغُسْلُ ( لِلْمَيِّتِ ) أَيْ وَجَبَ عَلَى الْحَيِّ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ وُجُوبًا بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ ( وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا ) وَقِيلَ هُمَا مَنْدُوبَانِ ( أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ ) بَلْ بِالْإِنْزَالِ ( فِي الْأَصَحِّ ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بَعْدَ الْبُلُوغِ بَعْدَ الْإِنْزَالِ فَلَوْ وَجَبَ بِهِ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ قُلْنَا الْإِنْزَالُ دَلِيلُ تَكَامُلِ الْقُوَى فَيَكُونُ مُظْهِرًا لِلْوُجُوبِ لَا مُثْبِتًا لِيَلْزَمَ ذَلِكَ ( أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا ) فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ .

( قَوْلُهُ : وَوَجَبَ الْغُسْلُ لِلْمَيِّتِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَيْ الْغُسْلُ فُرِضَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكِفَايَةِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَافِي فِي الْجَنَائِزِ .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ خُنْثَى مُشْكِلًا فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يَتَيَمَّمُ ، وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا ) أَقُولُ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا لَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ : إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخَاطَبًا بِالشَّرَائِعِ فَصَارَ كَالْكَافِرَةِ إذَا حَاضَتْ فَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عِنْدَهَا مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ ا هـ .
لَكِنْ رَدَّ مَا ذُكِرَ مِثْلُ هَذَا ابْنُ كَمَال بَاشَا وَمُحَصَّلُهُ لُزُومُ الْغُسْلِ عَلَيْهَا فِيمَا انْقَطَعَ دَمُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ وَعَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُنُبِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبُرْهَانِ فَقَالَ وَفُرِضَ أَيْضًا يَعْنِي الْغُسْلَ بِبُلُوغِ صَبِيٍّ بِاحْتِلَامٍ وَإِسْلَامِ كَافِرٍ مِنْ بَعْدِ جَنَابَةٍ وَانْقِطَاعِ حَيْضٍ فِي الْأَصَحِّ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْجَنَابَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِسْلَامِ وَلَا يُمْكِنُ أَدَاءُ الشُّرُوطِ بِزَوَالِهَا إلَّا بِهِ فَيُفْتَرَضُ وَقِيلَ : لَا يَجِبُ لِعَدَمِ وُجُوبِ السَّبَبِ بَعْدَهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ بَلْ بِالْإِنْزَالِ ) أَقُولُ لَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ بَلْ بِالْإِنْزَالِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ مَنْ بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ وَغَيْرِهِ كَالْحَيْضِ ( قَوْلُهُ : أَوْ وَلَدَتْ

وَلَمْ تَرَ دَمًا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ لِأَنَّ نَفْسَ خُرُوجِ النَّفْسِ نِفَاسٌ ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ ، قَالَ فِي الْمُفِيدِ : هُوَ الصَّحِيحُ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ : وَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا احْتِيَاطًا وَاكْتَفَيَا بِالْوُضُوءِ آخِرًا أَيْ فِي قَوْلِهِمَا الْآخَرِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنِّفَاسِ وَلَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةً وَالْوُضُوءُ لَازِمٌ لِلرُّطُوبَةِ الْمَوْجُودَةِ بِالْوِلَادَةِ ا هـ .
وَسَنَذْكُرُ أَنَّ أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ أَخَذَ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهَا لَوْ رَأَتْهُ كَانَ فَرْضًا لَا وَاجِبًا ) أَقُولُ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاجِبِ الْوَاجِبُ الِاصْطِلَاحِيُّ لَا الْفَرْضُ وَكَذَا فِيمَا قَبْلَهُ وَهِيَ طَرِيقَةُ كَثِيرِينَ وَنَظَرَ فِيهَا وَصَرَّحَ بِالْفَرْضِ فِي جَمِيعِ مَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ الْوُجُوبَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ .

( وَسُنَّ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ ) هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قِيلَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ ( وَلِعِيدٍ وَإِحْرَامٍ وَعَرَفَةَ ) إعَادَةُ اللَّامِ لِئَلَّا يُفْهَمَ كَوْنُهُ سُنَّةً لِصَلَاةِ الْعِيدِ ( وَنُدِبَ لِمَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا أَوْ بَلَغَ بِسِنٍّ ) سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ سِنَّ الْبُلُوغِ فِي الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ( أَوْ أَفَاقَ عَنْ جِنَّةٍ وَلِمَكَّةَ وَلِمُزْدَلِفَةَ وَكُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا عَلَى زَوْجِهَا ) غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً .

( قَوْلُهُ : وَعَرَفَةَ ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي عَرَفَةَ وَإِنَّمَا أَقْحَمَ لَفْظَ فِي لِأَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ لِعَرَفَةَ ا هـ .
قُلْتُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَبِهِ يَظْهَرُ قَوْلُ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ وَمَا أَظُنُّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ عَرَفَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : أَعَادَ اللَّامَ
إلَخْ ) .
أَقُولُ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لِيَوْمِ الْعِيدِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : الْغُسْلُ فِي الْجُمُعَةِ ، وَالْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ لِلصَّلَاةِ لَا لِلْيَوْمِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَقْتِ وَقَالُوا الصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ الْمَشْيُ عَلَى الصَّحِيحِ بِجَعْلِ الْغُسْلِ فِي الْعِيدِ لِصَلَاتِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمُعَةِ بِجَعْلِهِ لِصَلَاتِهَا لِيَكُونَ مَشْيُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ ( قَوْلُهُ : وَلِمَكَّةَ
إلَخْ ) أَقُولُ وَلِدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَسْلِ الْمَيِّتِ ، وَالْحِجَامَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ ( تَنْبِيهٌ ) : يَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِعِيدٍ وَجُمُعَةٍ اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ ( قَوْلُهُ : اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ ثَمَنِ مَاءِ غُسْلِهَا إلَخْ ) .
أَقُولُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَاءَ الْوُضُوءِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : وَثَمَنُ مَاءِ غُسْلِ الْمَرْأَةِ وَوُضُوئِهَا عَلَى الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً ا هـ .
وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا

( وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لِلْعُبُورِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ } ( إلَّا لِضَرُورَةٍ ) كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ .
( وَ ) حَرُمَ عَلَيْهِ ( الطَّوَافُ ) بِالْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتِيجَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ : وَحَرُمَ عَلَى الْجُنُبِ دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ الْوُقُوفُ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى أَرْكَانِ الْحَجِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ الطَّوَافُ أَوْلَى كَذَا فِي الْكَافِي وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ أَمْرٌ عَارِضٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْإِمَامِ السُّرُوجِيِّ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْجَابِرُ لِدُخُولِ النَّقْصِ فِي الطَّوَافِ لَا لِدُخُولِهِمَا الْمَسْجِدَ ( وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ) اُخْتُلِفَ فِي قَدْرِهِ فَقِيلَ الْآيَةُ ، وَقِيلَ مَا دُونَهَا أَيْضًا ( بِقَصْدِهِ ) وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِقَصْدِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ نَحْوُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا فَلَا بَأْسَ بِهِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ ( وَمَسُّ مَا هُوَ ) أَيْ الْقُرْآنُ ( فِيهِ ) كَاللَّوْحِ ، وَالْأَوْرَاقِ ( وَحَمْلُهُ ) أَيْ حَمْلُ مَا هُوَ فِيهِ ( وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْأَدْعِيَةِ ) وَمَسِّهَا وَحَمْلِهَا وَذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالتَّسْبِيحِ ، وَالْأَكْلِ ، وَالشُّرْبِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَغَسْلِ يَدَيْهِ ، وَلَا فِي النَّوْمِ وَمُعَاوَدَةِ أَهْلِهِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ كَذَا فِي الْمُبْتَغَى .

( قَوْلُهُ : لَا يَجُوزُ لَهُمَا الطَّوَافُ ) أَقُولُ كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ : وَحَرُمَ عَلَيْهِ الطَّوَافُ يَعْنِي الْجُنُبَ لَكِنَّهُ ذَكَرَ عِبَارَةَ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ بِرُمَّتِهَا ( قَوْلُهُ : فَقِيلَ الْآيَةَ ) أَقُولُ هَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ يُبَاحُ قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ لِغَيْرِ الطَّاهِرِ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ مَا دُونَهَا أَيْضًا ) أَقُولُ يَعْنِي فَهُوَ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ الْآيَةِ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ فِي رِوَايَتِهِ الْآيَةُ وَمَا دُونَهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي الْحُرْمَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَتَعْلِيمُ الْقُرْآنِ حَرْفًا حَرْفًا ) يَنْظُرُ مَا الْمُرَادُ بِهِ الْهِجَائِيُّ أَوْ غَيْرُهُ ثُمَّ رَأَيْت مَا نَصُّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيمِ الْجُنُبِ ، وَالْحَائِضِ الْقُرْآنَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً مَا دُونَ الْآيَةِ لَا عَلَى قَصْدِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ .
( قَوْلُهُ : وَمَسُّ مَا هُوَ فِيهِ ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ الْمُحْدِثُ الْبَالِغُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا .

( وَيُكْرَهُ لَهُ ) أَيْ لِلْجُنُبِ ( كِتَابَتُهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ فِي الْإِيضَاحِ لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ الْقُرْآنَ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ أَوْ اللَّوْحُ أَوْ الْوِسَادَةُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ ، وَالْكِتَابَةُ وُجِدَتْ حَرْفًا حَرْفًا وَإِنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ : أُحِبُّ أَنْ لَا يَكْتُبَ لِأَنَّ كِتَابَةَ الْحُرُوفِ تَجْرِي مَجْرَى الْقِرَاءَةِ .
( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ ( قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ ، وَالزَّبُورِ ، وَالْإِنْجِيلِ لَا ) قِرَاءَةُ ( الْقُنُوتِ ) لِأَنَّهُ كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ ( وَلَا يُكْرَهُ لَهُ مَسُّ الْقُرْآنِ بِالْكُمِّ ) عَلَى مَا سَبَقَ ( وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلَ حِفْظِ الْقُرْآنِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ .

( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهُ لَهُ ) أَيْ لِلْجُنُبِ ( قَوْلُهُ : كِتَابَتُهُ أَيْ الْقُرْآنِ
إلَخْ ) أَقُولُ إنْ كَانَ سَنَدُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْإِيضَاحِ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ حَامِلًا لِلصَّحِيفَةِ وَهُوَ يَكْتُبُ فَهُوَ حَامِلٌ قُرْآنًا وَتَقَدَّمَ حُرْمَةُ مَسِّ مَا هُوَ فِيهِ وَحَمْلِهِ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَيُكْرَهُ لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ ، وَالْحَائِضِ ، وَالنُّفَسَاءِ أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يَكْتُبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ : أَنَّهُ لَا يَكْتُبُهُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَكَرِهَهَا مُحَمَّدٌ لِشُبْهَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ أُبَيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَهُ فِي مُصْحَفِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَدَفْعُ الْمُصْحَفِ لِلصَّبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلْمُطَابَقَةِ .
( فَرْعٌ مُهِمٌّ ) : لَوْ كَانَ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِ هَذَا أَفْضَلُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلَانِ بِهِ فَقَالَ ( وَيَجُوزَانِ ) أَيْ الْوُضُوءُ ، وَالْغُسْلُ ( بِمَاءِ الْبَحْرِ ، وَالْعَيْنِ ، وَالْبِئْرِ ، وَالْمَطَرِ ، وَالثَّلْجِ الذَّائِبِ وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ ) أَيْ تَسْخِينَهُ بِالشَّمْسِ ( وَقِيلَ يُكْرَهُ ) قَائِلُهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَفِي قَوْلِهِ " قَصَدَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا .
( وَ ) يَجُوزَانِ ( بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ الْمِلْحُ ) كَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ ( لَا بِمَاءِ الْمِلْحِ ) أَيْ الْحَاصِلِ بِذَوَبَانِ الْمِلْحِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ لَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ بَاقٍ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ ، وَالثَّانِيَ انْقَلَبَ إلَى طَبِيعَةٍ أُخْرَى ( وَإِنْ مَاتَ ) أَيْ يَجُوزَانِ بِالْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَمُوتَ ( فِيهِ ) أَيْ فِي وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ ( غَيْرُ دَمَوِيٍّ ) أَيْ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلًا ( كَالزُّنْبُورِ ) ، وَالْعَقْرَبِ ، وَالْبَقِّ ، وَالذُّبَابِ وَنَحْوِهَا ( أَوْ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ كَالسَّمَكِ ) ، وَالسَّرَطَانِ ، وَالضُّفْدَعِ وَنَحْوِهَا ، وَالضُّفْدَعُ الْبَحْرِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ ( أَوْ خَارِجَهُ ) عَطْفٌ عَلَى فِيهِ أَيْ وَإِنْ مَاتَ خَارِجَهُ ( فَأُلْقِيَ فِيهِ ) يَعْنِي لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَهُ فَأُلْقِيَ فِيهِ ( لَا مَائِيُّ الْمَعَاشِ وَبَرِّيُّ الْمَوْلِدِ ) عَطْفٌ عَلَى مَائِيِّ الْمَوْلِدِ ( كَالْبَطِّ ) ، وَالْإِوَزِّ فَإِنَّ مَوْتَهُ فِي الْمَاءِ يُفْسِدُهُ ( كَذَا ) أَيْ كَالْمَاءِ ( سَائِرُ الْمَائِعَاتِ ) فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( أَوْ غَيَّرَ ) عَطْفٌ عَلَى مَاتَ ( أَوْصَافَهُ ) أَيْ أَوْصَافَ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ وَهِيَ اللَّوْنُ ، وَالطَّعْمُ ، وَالرَّائِحَةُ ( مُكْثٌ أَوْ طَاهِرٌ جَامِدٌ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمَائِعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ عِبَارَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ هَكَذَا أَوْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ طَاهِرٌ فَتَوَهَّمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ

أَنَّ لَفْظَ الْأَحَدِ احْتِرَازٌ عَمَّا فَوْقَهُ حَتَّى قَالَ إذَا غَيَّرَ الْوَصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ أَوْ الْبَاقِلَاءَ فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ جَوَازُهُ حَتَّى أَنَّ أَوْرَاقَ الْأَشْجَارِ وَقْتَ الْخَرِيفِ تَقَعُ فِي الْحِيَاضِ فَتُغَيِّرُ مَاءَهَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ ، وَالطَّعْمُ ، وَالرَّائِحَةُ ثُمَّ إنَّهُمْ يَتَوَضَّئُونَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَأَشَارَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إلَيْهِ وَلَكِنْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى رِقَّتِهِ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَصَارَ بِهِ ثَخِينًا فَلَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي ( كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ وَفَاكِهَةٍ وَوَرَقٍ فِي الْأَصَحِّ ) إشَارَةٌ إلَى مَا نَقَلَ مِنْ الْيَنَابِيعِ ، وَالنِّهَايَةِ ( إنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ ) قَيْدٌ لِلْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَوْلُهُ ( بِخِلَافِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ غَيَّرَ أَوْصَافَهُ ( مَا غَيَّرَ أَحَدَهَا ) أَيْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ ( نَجَسٌ ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رِيحَهُ } هُوَ النَّجَسُ لِأَنَّ الطَّاهِرَ لَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا ( وَبِجَارٍ ) عَطْفٌ عَلَى مَاءٍ يَنْعَقِدُ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمَاءِ الْجَارِي فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ ، وَالْكَافِي وَهُوَ مَا ( يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ ) وَقَعَ ( فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يُرَ ) أَيْ لَمْ يُدْرَكْ .
( أَثَرُهُ ) وَهُوَ اللَّوْنُ ، وَالطَّعْمُ ، وَالرَّائِحَةُ حَتَّى إنْ رُئِيَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ ( أَوْ مَا فِي حُكْمِهِ ) أَيْ الْجَارِي ( وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ ) أَيْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ بِحَسَبِ الطُّولِ ، وَالْعَرْضِ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ الْعُمْقِ ، وَالصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ ( لَا تَنْحَسِرُ ) أَيْ لَا تَنْكَشِفُ ( أَرْضُهُ بِالْغَرْفِ ) لِلتَّوَضُّؤِ وَقِيلَ لِلِاغْتِسَالِ ، وَإِذَا

لَمْ يَتَنَجَّسْ كُلُّهُ هَلْ يَتَنَجَّسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا وَعِنْدَ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ يَتَنَجَّسُ فِيهِمَا ( وَقَدْ يُعْتَبَرُ مَا هُوَ بِقَدْرِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ طُولٌ وَعُمْقٌ وَلَا عَرْضَ لَهُ لَكِنْ لَوْ بُسِطَ صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَلْ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَصِلُ إلَى الْعَرْضِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ : يَتَوَضَّأُ بِهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَرْضِ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّنَجُّسَ لَكِنَّ اعْتِبَارَ الطُّولِ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَتَنَجَّسُ ( هُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ طَاهِرًا هُوَ ( الْمُخْتَارُ ) لَا مَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ كَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ .
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْحَوْضُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَكِنَّهُ عَمِيقٌ فَوَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ حَتَّى تَنَجَّسَ ثُمَّ انْبَسَطَ وَصَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَلَوْ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمَاءُ فَصَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ فَهُوَ طَاهِرٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ( الْحَوْضُ مُدَوَّرٌ يُعْتَبَرُ فِيهِ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا هُوَ الصَّحِيحُ ) فَإِنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ إذَا رُبِّعَ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لِأَنَّ الدَّائِرَةَ أَوْسَعُ الْأَشْكَالِ وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحُسَّابِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ .

( قَوْلُهُ : وَبِمَاءٍ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ ) يَعْنِي بِلَا كَرَاهَةٍ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ أَمَّا إذَا كَانَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ عَلَى الصَّحِيحِ ا هـ .
، وَالْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ بِخِلَافِ الْبَرِّيِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : كَذَا ) أَيْ كَالْمَاءِ سَائِرُ الْمَائِعَاتِ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ أَيْ فِي أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَائِعِ مَائِيُّ الْمَوْلِدِ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ بَرِّيُّ الْمَوْلِدِ وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ نَجَّسَهُ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا غَيَّرَ أَحَدَهُمَا نَجَسٌ ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ يَنْجُسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهَا أَثَرٌ وَلَا يُقَالُ إنَّ كَلَامَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْقَلِيلِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَلِأَنَّ عَطْفَهُ الْمَاءَ الْجَارِيَ وَمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ بَعْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ : فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
إلَخْ فَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَارِيًا لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي سِيَاقِ دَلِيلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِاعْتِبَارِهِ الْأَوْصَافَ مُطْلَقًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ }
إلَخْ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَاسْتَدَلَّ

لِذَلِكَ فَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اسْتِدْلَالَهُ بِالْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ عَلَى جُزْءِ الدَّعْوَى .
( قَوْلُهُ : فَاخْتِيرَ هَاهُنَا مُخْتَارُ الْهِدَايَةِ ، وَالْكَافِي ) أَقُولُ لَمْ يَقَعْ مُخْتَارًا فِي الْهِدَايَةِ بَلْ نُقِلَ فِيهَا عَلَى صِيغَةِ الضَّعْفِ وَعِبَارَتُهَا وَالْجَارِي مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ وَقِيلَ هُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ ا هـ .
نَعَمْ هُوَ كَمَا فِي الْكَافِي لِأَنَّ لَفْظَهُ : وَالْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ ا هـ .
وَكَذَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَافِي فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ .
وَقَالَ شَارِحُهُ الزَّيْلَعِيُّ : وَحَدَّ الْجَرَيَانَ بِمَا ذَكَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالًا رَابِعُهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ، وَالتُّحْفَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ شَرْحِ الْكَنْزِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجَارِي عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاضِحُهَا أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ ، وَالتَّبْيِينِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَثَرُهُ وَهُوَ اللَّوْنُ ، وَالطَّعْمُ ، وَالرَّائِحَةُ حَتَّى إنْ رُئِيَ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ ) أَقُولُ الْمُرَادُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ أَوْ الرَّائِحَةِ أَثَرٌ كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : قَوْلُهُ : وَهُوَ طَعْمٌ أَيْ الْأَثَرُ هُوَ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ ، وَالرَّائِحَةُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ سَبْعًا وَذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ سَبْعٌ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ ، وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ أَوْ الْكِرْبَاسِ أَوْ فِي كُلِّ زَمَانِ وَمَكَانِ ذُرْعَانِهِمْ أَقْوَالٌ كُلٌّ مِنْهَا صَحَّحَهُ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ ، وَالْكُلُّ فِي الْمُرَبَّعِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَالْأَصَحُّ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ (

قَوْلُهُ : إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً تَنَجَّسَ وَإِلَّا فَلَا ) أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُدَارَ الْحُكْمُ عَلَى ظُهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ مَرْئِيَّةً كَانَتْ أَوْ لَا لِحُكْمِنَا أَنَّهُ كَالْجَارِي كَمَا قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا ا هـ .
لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ التَّنَجُّسَ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَهُوَ أَيْضًا الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَقْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِهَذَا وَفِي النِّصَابِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ثُمَّ قَالَ : إنَّ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ جَوَّزُوا الْوُضُوءَ مِنْ أَيِّ مَكَان كَانَ فِيمَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ كَمَا قَالُوا جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَرْئِيَّةِ لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ تَنْتَقِلُ فَلَا يَتَيَقَّنُ بِالنَّجَاسَةِ فِي مَحَلِّ التَّوَضُّؤِ ا هـ .
( قُلْت ) وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَطَهُ النَّجَسُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَا إذَا ظَهَرَ أَثَرُ الْمُخَالِطِ يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ جَارِيًا لِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ فِي الْجَارِي لَا تَتَحَقَّقُ فِي الْمَحَلِّ إلَّا بِظُهُورِ الْأَثَرِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا فَرَّعَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ فَهُوَ أَيْ مَا كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ كَالْجَارِي لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ لَا يَتَنَجَّسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ كَالْجَارِي فَإِذَا تَنَجَّسَ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ مِنْ الْجَارِي فَمِنْهُ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ : هُوَ أَيْ كَوْنُهُ طَاهِرًا هُوَ الْمُخْتَارُ ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ مِثْلِ

هَذَا عَنْ الْمُخْتَارِ وَغَيْرِهِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الْأَصَحِّ يَعْنِي مِنْ اعْتِبَارِ غَلَبَةِ الظَّنِّ تَفْوِيضًا لِرَأْيِ الْمُبْتَلَى يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ أَكْبَرُ الرَّأْيِ لَوْ ضُمَّ وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ عُمِّقَ بِلَا سَعَةٍ وَلَوْ بُسِطَ بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَ جَعْلَهُ كَثِيرًا ، وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى تَحْكِيمِ الرَّأْيِ فِي عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَعِنْدَ تَقَارُبِ الْجَوَانِبِ لَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ ظَنِّ الْخُلُوصِ إلَيْهِ ، وَالِاسْتِعْمَالُ يَقَعُ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا اخْتَارَهُ فِي الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ فَأَقْرَبُ الْأُمُورِ الْحُكْمُ بِوُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ عَرْضِهِ ، وَبِهِ خَالَفَ حُكْمَ الْكَثِيرِ إذْ لَيْسَ حُكْمُ الْكَثِيرِ تَنَجُّسَ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِسُقُوطِهَا فِي مُقَابَلَةٍ بِدُونِ تَغَيُّرٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ : الْحَوْضُ الْمُدَوَّرُ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ مُدَوَّرًا فَقُدِّرَ بِأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ ، وَالْمُخْتَارُ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي الْحِسَابِ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ عَنْهَا بِكَسْرٍ لِلنِّسْبَةِ لَكِنْ يُفْتَى بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ كَيْ لَا يَتَعَسَّرَ رِعَايَةُ الْكَسْرِ ، وَالْكُلُّ تَحَكُّمَاتٌ غَيْرُ لَازِمَةٍ إنَّمَا الصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ مُعَيَّنٍ ا هـ .
لَكِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ مَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْكَمَالُ مِنْ جِهَةِ الْحِسَابِ بَعِيدٌ ، وَالصَّوَابُ وَاضِحٌ لِمَنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ .
( ثُمَّ قُلْت ) مُبَيِّنًا لِلصَّوَابِ وَهُوَ كَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ الَّذِي تَبِعَهُ مُؤَلِّفُ الدُّرَرِ وَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ فِي الْمُدَوَّرِ تَبْلُغُ مِائَةَ ذِرَاعٍ كَالْعَشْرِ فِي عُشْرِ الْمُرَبَّعِ بِزِيَادَةِ كَسْرٍ فَإِلْزَامُ قَدْرٍ يَزِيدُ عَلَى السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ لَا

وَجْهَ لَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْحُسَّابِ ، وَطَرِيقُ مِسَاحَتِهِ أَنْ تَضْرِبَ نِصْفَ قُطْرِ الْمُسْتَدِيرِ فِي نِصْفِ دَوْرِهِ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ ، وَقُطْرُ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمْسُ ذِرَاعٍ ، وَنِصْفُ الْقُطْرِ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعَشْرٌ فَتَضْرِبُ نِصْفَ الْقُطْرِ فِي نِصْفِ السِّتَّةِ وَالثَّلَاثِينَ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَبْلُغُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ ، بَيَانُهُ : أَنْ تَبْسُطَ الْخَمْسَةَ وَالنِّصْفَ ، وَالْعَشْرَ سِتَّةً وَخَمْسِينَ لِدُخُولِ النِّصْفِ فِي الْعَشْرِ وَزِيَادَةُ وَاحِدٍ هُوَ بَسْطُ الْكَسْرِ ثُمَّ تَضْرِبُ سِتَّةً وَخَمْسِينَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ الَّتِي هِيَ نِصْفُ الدَّوْرِ فَيَخْرُجُ أَلْفٌ وَثَمَانِيَةٌ فَتَقْسِمُهَا عَلَى مَخْرَجِ الْكَسْرِ وَهُوَ عَشَرَةٌ وَبِقِسْمَةِ أَلْفٍ عَلَى عَشَرَةٍ يَخْرُجُ مِائَةٌ وَبِقِسْمَةِ ثَمَانِيَةٍ عَلَى عَشَرَةٍ يَخْرُجُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَهَذَا مِثَالُ الْحَوْضِ الْمُدَوَّرِ وَقُطْرِهِ ، وَالْقُطْرُ : هُوَ الْخَطُّ الْمَارُّ عَلَى الْمَرْكَزِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جَانِبَيْ الْمُحِيطِ لِلْمُدَوَّرَةِ ، وَنِصْفُهُ هُوَ هَذَا الْقَاطِعُ لِنِصْفِهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَبُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّنَا عَلِمْنَا الدَّوْرَ وَالْمِسَاحَةَ الَّتِي هِيَ تَكْسِيرُ الدَّائِرَةِ فَقَسَمْنَا الْمِسَاحَةَ عَلَى رُبْعِ الدَّوْرِ وَهُوَ تِسْعَةٌ فَخَرَجَ الْقُطْرُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ وَبُرْهَانُ اعْتِبَارِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ بِقِسْمَةِ الْمِسَاحَةِ وَهِيَ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ عَلَى نِصْفِ الْقُطْرِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ بَسَطْنَا ذَلِكَ بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا الزَّهْرُ النَّضِيرُ عَلَى الْحَوْضِ الْمُسْتَدِيرِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَوْلَ الْمُخَالِفَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُدَوَّرُ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ أَوْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ لَا وَجَهْلِهِ فِي قَوْلِ الْحُسَّابِ مَعَ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ

الصَّوَابِ .

( لَا ) أَيْ لَا يَجُوزَانِ ( بِمَا ) الرِّوَايَةُ بِالْقَصْرِ عَلَى أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ ( اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ ) وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْهِدَايَةِ مَا يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ .
وَفِي الْمُحِيطِ لَا يُتَوَضَّأُ بِمَا يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ ( أَوْ ) اُعْتُصِرَ مِنْ ( ثَمَرٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ إذْ لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ الذِّهْنُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ .
( وَ ) لَا يَجُوزَانِ أَيْضًا ( بِمَاءٍ ) بِالْمَدِّ ( زَالَ طَبْعُهُ ) وَهُوَ السَّيَلَانُ وَالْإِرْوَاءُ وَالْإِنْبَاتُ بِالطَّبْخِ ( كَشَرَابِ الرِّيبَاسِ ) مِثَالٌ لِمَا اُعْتُصِرَ مِنْ شَجَرٍ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ كَالْأَشْرِبَةِ فَإِنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ مُشْكِلٌ ( وَالْخَلِّ ) مِثَالُ مَا اُعْتُصِرَ مِنْ ثَمَرٍ ( وَالْمَرَقِ ) مِثَالٌ لِمَا زَالَ طَبْعُهُ بِالطَّبْخِ ( أَوْ بِغَلَبَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ) وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ لِأَنَّ عِبَارَاتِ الْقَوْمِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ وَرِوَايَاتِهِمْ فِي الظَّاهِرِ مُتَخَالِفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطَةٍ يُعْرَفُ بِهَا حَقِيقَةُ الْحَالِ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُتْلَى عَلَيْك مِنْ الْمَقَالِ وَهِيَ أَنَّ الْمُطَهِّرَ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ فَزَوَالُ إطْلَاقِهِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ ، الْأَوَّلُ إمَّا بِالطَّبْخِ بِطَاهِرٍ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا فَالْأَوَّلُ إنْ جَرَى عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْغَالِبُ الْمَاءُ ، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُخَالِطُ لَا يُخَالِفُ الْمَاءَ فِي صِفَةٍ مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ يُخَالِفُهُ فِي جَمِيعِهَا أَوْ فِي بَعْضِهَا ، فَالْأَوَّلُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ ، وَالْمُسْتَخْرَجِ مِنْ النَّبَاتِ بِالتَّقْطِيرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ ، وَالثَّانِي إنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ ، وَإِنْ

خَالَفَهُ فِي صِفَةٍ أَوْ صِفَتَيْنِ يُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ غَالِبًا فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَلَبَةُ بِالطَّعْمِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ جَمِيعُ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ( أَوْ ) بِمَاءٍ ( اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ ) الْمَاءُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِكُلٍّ مِنْ الْقُرْبَةِ وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ ، فَإِذَا تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ وُضُوءًا غَيْرَ مَنْوِيٍّ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَوْ تَوَضَّأَ غَيْرُ الْمُحْدِثِ وُضُوءًا مَنْوِيًّا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا أَيْضًا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالثَّانِي فَقَطْ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ ( طَاهِرًا فِي الصَّحِيحِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً ، وَعَمَّا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ نَجَسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً ، وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .

( قَوْلُهُ : وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَتَوَضَّأُ بِمَا يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ ) أَقُولُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : الْأَوَّلِ إمَّا بِالطَّبْخِ بِطَاهِرٍ لَا يَقْصِدُ بِهِ التَّنْظِيفَ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ طُبِخَ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ لَا يَزُولُ بِهِ إطْلَاقُهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الْمَاءِ فَيَسْلُبُ رِقَّتَهُ ( قَوْلُهُ : بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ بِلَا عِلَاجٍ ) هَذَا عَلَى غَيْرِ الْأَظْهَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا عَلَى الْأَظْهَرِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ خُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعِلَاجٍ ( قَوْلُهُ : كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ غَالِبًا فِيهِ لَمْ يَجُزْ ) أَقُولُ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنْ كَانَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُقْتَحِمُ لِهَذَا الضَّابِطِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ ( وَتَوْضِيحُهُ ) مَا قَالَهُ فِي تِبْيَانِ التَّوْفِيقِ بِقَوْلِهِ : وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ يُخَالِفُهُ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ قَوْلُهُ : أَوْ بِمَاءٍ اُسْتُعْمِلَ لِقُرْبَةٍ ) أَقُولُ وَهِيَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى وُضُوئِهِ بِنِيَّتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا لَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ لِلطَّعَامِ أَوْ مِنْهُ أَوْ تَوَضَّأَتْ حَائِضٌ تَقْصِدُ الْإِتْيَانَ بِالْمُسْتَحَبِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَبِغَسْلِ ثَوْبٍ طَاهِرٍ أَوْ دَابَّةٍ تُؤْكَلُ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ رَأْسِهِ لِلطِّينِ أَوْ الدَّرَنِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ ) أَقُولُ وُضُوءُ الصَّبِيِّ كَالْبَالِغِ وَبِتَعْلِيمِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يُرِدْ سِوَاهُ لَا يُسْتَعْمَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : الْمَاءُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا
إلَخْ )

كَذَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِثَالِثٍ أَيْضًا وَهُوَ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالثَّانِي فَقَطْ ) أَقُولُ هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ تَخْرِيجًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْجُنُبِ الْمُنْغَمِسِ فِي الْبِئْرِ ، وَمَنَعَهُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ : إنَّهُ لَيْسَ بِمَرْوِيٍّ عَنْهُ نَصًّا ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( الْإِهَابُ ) وَهُوَ جِلْدٌ غَيْرُ مَدْبُوغٍ ( يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ) وَهُوَ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ ، وَالْفَسَادَ وَإِنْ كَانَ تَشْمِيسًا أَوْ تَتْرِيبًا ( إلَّا ) إهَابَا ( الْخِنْزِيرِ ، وَالْآدَمِيِّ ) قَدَّمَ الْخِنْزِيرَ لِكَوْنِ الْمَقَامِ لِلْإِهَانَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِكَرَامَتِهِ ( وَمَا ) أَيْ جِلْدٌ ( يَطْهُرُ بِهِ ) أَيْ بِالدِّبَاغِ ( يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ ) لِأَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الدِّبَاغِ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْوِقَايَةِ : وَمَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ضَمِيرَ " يَطْهُرُ " الثَّانِيَ رَاجِعٌ إلَى مَا ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِاقْتِضَائِهِ اسْتِدْرَاكَ قَوْلِهِ الْآتِي ، وَكَذَلِكَ يَطْهُرُ لَحْمُهَا وَإِنْ أُرْجِعَ إلَى جِلْدِهِ لَزِمَ التَّفْكِيكُ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ مَا ذَكَرْنَا ( بِخِلَافِ لَحْمِهِ فِي الصَّحِيحِ ) كَذَا فِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْأَسْرَارِ وَإِنْ كَانَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافَهُ وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْخِنْزِيرَ إذَا ذُبِحَ طَهُرَ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ .

( قَوْلُهُ : الْإِهَابُ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ ) يَعْنِي إنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَجِلْدِ الْحَيَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْفَأْرَةِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ ، وَأَمَّا قَمِيصُ الْحَيَّةِ فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ
إلَخْ ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ لَمْ يَطْهُرْ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَمَا يَطْهُرُ بِهِ أَيْ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ ) أَقُولُ قُيِّدَتْ الذَّكَاةُ بِالشَّرْعِيَّةِ فَخَرَجَ ذَكَاةُ الْمَجُوسِيِّ حَيَوَانًا ، وَالْمُحْرِمِ صَيْدًا وَتَارِكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الزَّاهِدِيِّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ، وَالْمُجْتَبَى : إنَّ ذَبِيحَةَ الْمَجُوسِيِّ وَتَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا تُوجِبُ الطَّهَارَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا ثُمَّ قَالَ : وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَاحِبَ النِّهَايَةِ ذَكَرَ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ بِصِيغَةِ قِيلَ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ لَحْمِهِ فِي الصَّحِيحِ ) أَقُولُ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّ تَصْحِيحٍ يُفْتَى بِهِ فِيهَا وَوُجِّهَ فِي الْبُرْهَانِ .

( شَعْرُ الْمَيْتَةِ وَعَظْمُهَا وَعَصَبُهَا وَحَافِرُهَا وَقَرْنُهَا وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَعَظْمُهُ وَدَمُ السَّمَكِ طَاهِرٌ ) أَمَّا السَّبْعَةُ الْأُولَى فَلِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تُحِلُّهَا ، وَأَمَّا الْأَخِيرُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَبْيَضُّ إذَا جَفَّ ( كَذَا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) لِضَرُورَةِ اسْتِعْمَالِهِ فَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ بِوُقُوعِهِ فِيهِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَجَسٌ فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ .
( قَوْلُهُ : شَعْرُ الْمَيْتَةِ
إلَخْ ) أَقُولُ ذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّ الْعَصَبَ مِمَّا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى طَهَارَتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ كَلَامِ الْكَمَالِ فِي إدْخَالِ الْعَصَبِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ فِي الْعَصَبِ رِوَايَتَيْنِ وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الصَّحِيحَ نَجَاسَتُهُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ تَبِعَ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ .
ا هـ .

( ، وَالْكَلْبُ نَجِسُ الْعَيْنِ ) صَرَّحَ بِهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي مَبْسُوطِهِ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ : الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّ عَيْنَ الْكَلْبِ نَجِسٌ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ ( وَقِيلَ لَا ) لِأَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ : إنَّ عَيْنَهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَيَسْتَدِلُّونَ بِطَهَارَةِ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ .
وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ الْكَلْبُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ ( وَقِيلَ جِلْدُهُ نَجَسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الْكَلْبُ إذَا دَخَلَ الْمَاءَ ثُمَّ خَرَجَ وَانْتَفَضَ فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَفْسَدَهُ وَلَوْ أَصَابَهُ مَاءُ مَطَرٍ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَمْ يُفْسِدْهُ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْأَوَّلِ أَصَابَ جِلْدَهُ وَجِلْدُهُ نَجِسٌ ، وَفِي الثَّانِي أَصَابَ شَعْرَهُ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا ) قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي التَّصْحِيحِ ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعُمُومُ طَهَارَةُ عَيْنِهِ يَعْنِي الْكَلْبَ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُوجِبُ نَجَاسَتَهَا فَوَجَبَ حَقِيقَةُ تَصْحِيحِ عَدَمِ نَجَاسَتِهَا فَيَطْهُرُ يَعْنِي جِلْدُهُ بِالدِّبَاغِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُتَّخَذُ دَلْوًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ جِلْدُهُ نَجِسٌ وَشَعْرُهُ طَاهِرٌ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَهُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْكَلْبِ الشَّعْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ شَعْرُهُ أَيْضًا فَلْيُرَاجِعْ مَا قَرَّرَهُ مَنْ أَرَادَهُ

( وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ طَاهِرَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ رَطْبَةً وَلِغَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ ) حَتَّى لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً لَكِنَّهَا لِلْمَذْبُوحَةِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ لِغَيْرِ الْمَذْبُوحَةِ لَكِنَّهَا يَابِسَةٌ فَهِيَ أَيْضًا طَاهِرَةٌ ( وَالْمِسْكُ طَاهِرٌ حَلَالٌ ) كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَزَادَ قَوْلَهُ حَلَالٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْحِلُّ كَمَا فِي التُّرَابِ .

( وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ ( وَلَا يُشْرَبُ أَصْلًا ) لَا لِلتَّدَاوِي وَلَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ لِلتَّدَاوِي ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَجُوزُ مُطْلَقًا .

( فَصْلٌ بِئْرٌ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَتَنَجَّسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُ الْمَاءِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي يُخْرِجُ ( وَقَعَ فِيهَا نَجَسٌ وَإِنْ عُفِيَ خُرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ وَتَقَاطُرُ بَوْلٍ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ ) حَتَّى لَوْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا لَمْ يُعْفَ ( وَغُبَارٌ نَجِسٌ وَبَعْرَتَا إبِلٍ أَوْ غَنَمٍ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ التُّمُرْتَاشِيِّ وَجْهٌ ، وَالْعَفْوُ أَنَّ الْآبَارَ فِي الْفَلَوَاتِ لَيْسَ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ ، وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا فَتُلْقِيهِ الرِّيَاحُ فِيهَا فَلَوْ أَفْسَدَ الْقَلِيلُ لَزِمَ الْحَرَجُ وَهُوَ مَدْفُوعٌ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ ، وَالصَّحِيحِ ، وَالْمُنْكَسِرِ ، وَالْبَعْرِ ، وَالْخُثَى ، وَالرَّوْثِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ آبَارِ الْمِصْرِ ، وَالْفَلَوَاتِ فِي الصَّحِيحِ لِشُمُولِ الضَّرُورَةِ فِي الْجُمْلَةِ ( كَمَا إذَا وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ فَرُمِيَتَا ) الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ ، قَالَ فِي : الْمَبْسُوطِ لَا يَنْجُسُ إذَا رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا لَوْنٌ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا تَبْعَرُ عِنْدَ الْحَلْبِ ( أَوْ انْتَفَخَ فِيهَا حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا لَا دَمَ لَهُ إذَا انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فِي الْمَاءِ أَوْ الْعَصِيرِ لَمْ يَنْجُسْ لَمْ يَذْكُرْ التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُفْهَمُ مِنْ انْتِفَاخٍ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ ( أَوْ مَاتَ نَحْوُ آدَمِيٍّ يُخْرِجُ الْوَاقِعَ ) فِي الْبِئْرِ ( فَيَنْزَحُ كُلَّهَا ) أَيْ كُلَّ مَائِهَا فَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا تَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ النَّزْحِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى غَسْلِ الْأَحْجَارِ ، وَنَقْلِ الْأَوْحَالِ ( وَإِنْ تَعَسَّرَ ) نَزْحُ كُلِّهَا ( فَقَدْرَ مَا فِيهَا ) أَيْ فَيَنْزَحُ قَدْرَ مَا فِيهَا مِنْ

الْمَاءِ ( فَيُفَوَّضُ ) فِي نَزْحِ قَدْرِ مَا فِيهَا ( إلَى ذَوِي بَصَارَةٍ ) أَيْ رَجُلَيْنِ لَهُمَا شُعُورٌ وَمَعْرِفَةٌ ( فِي ) حَالِ ( الْمَاءِ ) فَأَيَّ مِقْدَارٍ قَالَا إنَّهُ فِي الْبِئْرِ نَزَحَ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ لِكَوْنِهِمَا نِصَابَ الشَّهَادَةِ الْمُلْزِمَةِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ الِابْتِلَاءِ بِأَمْرٍ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } ( وَقِيلَ يُقَدَّرُ مَا فِيهَا ) رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تُحْفَرَ حُفْرَةٌ عُمْقُهَا وَدَوْرُهَا مِثْلُ مَوْضِعِ الْمَاءِ مِنْهَا وَتُجَصَّصُ وَيُصَبُّ الْمَاءُ فِيهَا فَإِنْ امْتَلَأَتْ فَقَدْ نُزِحَ مَاؤُهَا ، وَالثَّانِي أَنْ يُرْسِلَ قَصَبَةً فِي الْمَاءِ وَيَجْعَلَ عَلَامَةً لِمَبْلَغِ الْمَاءِ ثُمَّ يَنْزَحَ عَشْرَ دِلَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ تُعَادُ الْقَصَبَةُ فَيَنْظُرُ كَمْ انْتَقَصَ فَإِنْ انْتَقَصَ الْعَشْرُ فَهُوَ مِائَةٌ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا إذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّلِ حَدِّ الْمَاءِ إلَى قَعْرِ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا ( وَقِيلَ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَفْتَى بِمَا شَاهَدَ فِي بَغْدَادَ لِأَنَّ آبَارَهَا كَثِيرَةُ الْمَاءِ بِمُجَاوَرَةِ دِجْلَةَ ( وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ أَوْ دَجَاجَةٍ فَأَرْبَعُونَ دَلْوًا وَسَطًا إلَى سِتِّينَ ) الْأَرْبَعُونَ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ ، وَالْعِشْرُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ .
( وَ ) إنْ مَاتَ نَحْوُ ( فَأْرَةٍ أَوْ عُصْفُورٍ فَعِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ ) هُوَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ ( وَمَا جَاوَزَ الْوَسَطَ اُحْتُسِبَ بِهِ ثُمَّ مَا بَيْنَ الْفَأْرَةِ ، وَالْحَمَامَةِ كَالْفَأْرَةِ ) فَيُنْزَحُ عِشْرُونَ إلَى ثَلَاثِينَ ( وَمَا بَيْنَ الدَّجَاجَةِ ، وَالشَّاةِ كَالدَّجَاجَةِ ) فَيُنْزَحُ أَرْبَعُونَ إلَى سِتِّينَ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ فَإِلَى الْأَرْبَعِ يُنْزَحُ عِشْرُونَ وَلَوْ خَمْسًا فَأَرْبَعُونَ إلَى التِّسْعِ وَلَوْ عَشْرًا فَجَمِيعُ الْمَاءِ ، وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ

كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ فَأَرْبَعُونَ وَفِي السِّنَّوْرَيْنِ يُنْزَحُ كُلُّهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ( وَتَنَجُّسُهَا ) أَيْ الْبِئْرِ ( مِنْ وَقْتِ الْوُقُوعِ إنْ عُلِمَ ) ذَلِكَ الْوَقْتُ ( وَإِلَّا فَمُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِخْ ) فِي حَقِّ الْوُضُوءِ حَتَّى يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي الثَّوْبِ حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا غَسْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيُّ يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ أَنَّ الصَّبَّاغِيَّ كَانَ يُفْتِي بِهَذَا ( وَإِنْ انْتَفَخَ أَوْ تَفَسَّخَ فَمُنْذُ ) أَيْ تَنَجُّسِهَا مُنْذُ ( ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ) ذَكَرَ هَاهُنَا التَّفَسُّخَ لِأَنَّ حُكْمَهُ هَاهُنَا لَا يُفْهَمُ مِنْ الِانْتِفَاخِ لِأَنَّ التَّفَسُّخَ أَكْثَرُ إفْسَادًا لِلْمَاءِ مِنْ الِانْتِفَاخِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا قَدَّرَ لَهُ مِنْ الْمُدَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَ لِلِانْتِفَاخِ فَلَوْ اقْتَصَرَ فِي تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى الِانْتِفَاخِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ التَّفَسُّخَ يَقْتَضِي مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الِانْتِفَاخِ وَلَوْ عَكَسَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ الِانْتِفَاخَ يَقْتَضِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَيَانًا لِلْحُكْمِ وَدَفْعًا لِلْوَهْمِ فَظَهَرَ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي حَيْثُ جَمَعَ فِي الْأَوَّلِ بَيْنَ الِانْتِفَاخِ ، وَالتَّفَسُّخِ وَاقْتَصَرَ فِي الثَّانِي عَلَى الِانْتِفَاخِ فَكَانَ الْوَاجِبُ الْعَكْسَ ( وَقَالَا ) تَنَجُّسُهَا ( مُنْذُ وُجِدَ ) حَتَّى لَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا .

( فَصْلٌ ) : ( قَوْلُهُ : وَإِنْ عُفِيَ خُرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ خُرْءَ الْحَمَامِ ، وَالْعُصْفُورِ نَجِسٌ لِإِطْلَاقِ الْعَفْوِ عَلَيْهِ كَالْقَطَرَاتِ مِنْ الْبَوْلِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى سُقُوطِ حُكْمِ النَّجَاسَةِ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ : وَزُرْقُ سِبَاعِ الطَّيْرِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ إذَا فَحُشَ وَيُفْسِدُ مَاءَ الْأَوَانِي وَلَا يُفْسِدُ مَاءَ الْبِئْرِ ا هـ .
وَفِي الْفَيْضِ وَبَوْلُ الْفَأْرَةِ لَوْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ التَّنَجُّسِ ( قَوْلُهُ : يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ كَثِيرٌ ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ الْبَعْضِ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا يَفْسُدُ الْمَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُفْسِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الدَّلَائِلِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَتْ بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا ، وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ كَذَا نَقَلَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ ، وَالْكَثِيرُ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ ، وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي ، وَالْمِعْرَاجِ وَالْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَوْ أَنَّهُ مَا لَا يَخْلُو وَلَوْ عَنْ بَعْرَةٍ ، وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : كَمَا إذَا وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ ) أَقُولُ يَعْنِي وَقَعَتَا مِنْ الشَّاةِ وَهِيَ تَبْعَرُ وَقْتَ الْحَلْبِ فِي الْمِحْلَبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ شَرْحِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمِحْلَبِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِنَاءِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الشَّاةِ تَبْعَرُ فِي الْمِحْلَبِ بَعْرَةً أَوْ

بَعْرَتَيْنِ قَالُوا تُرْمَى الْبَعْرَةُ وَيُشْرَبُ اللَّبَنُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ فِي الْإِنَاءِ عَلَى مَا قِيلَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْبِئْرِ فِي حَقِّ الْبَعْرَةِ ، وَالْبَعْرَتَيْنِ ا هـ .
وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَةِ ، وَالْبَعْرَتَيْنِ لَيْسَ احْتِرَازًا عَمَّا فَوْقَ ذَلِكَ لِمَا قَالَ فِي الْفَيْضِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَعْرُ فِي الْمِحْلَبِ عِنْدَ الْحَلْبِ فَرُمِيَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَفْسُدُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا يَنْجُسُ إذَا رُمِيَتْ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا لَوْنٌ ) يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ التَّنَجُّسِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْمُكْثِ ، وَاللَّوْنِ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ : فَلَوْ أَخَّرَ أَوْ أَخَذَ اللَّبَنُ لَوْنَهَا لَا يَجُوزُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ مَا لَا دَمَ لَهُ
إلَخْ ) صَوَابُهُ لِمَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ : يَخْرُجُ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ ) يَعْنِي مِمَّا ذَكَرَ إذَا وَجَبَ نَزْحُ شَيْءٍ فَلَا يَجِبُ إخْرَاجُ نَحْوِ الْبَعْرَتَيْنِ لِعَدَمِ نَزْحِ شَيْءٍ بِوُقُوعِهِ ، وَلَوْ وَقَعَ فِيهَا عَظْمٌ أَوْ خَشَبَةٌ أَوْ قِطْعَةُ ثَوْبٍ مُتَلَطِّخَةٌ بِنَجَاسَةٍ وَتَعَذَّرَ اسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ فَبِنَزْحِ الْمَاءِ يَطْهُرُ ذَلِكَ تَبَعًا كَخَابِيَةِ خَمْرٍ تَخَلَّلَ كَمَا فِي الْفَيْضِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ
إلَخْ ) كَذَلِكَ يَطْهُرُ الدَّلْوُ وَالرِّشَاءُ ، وَالْبَكَرَةُ وَيَدُ الْمُسْتَقِي كَطَهَارَةِ عُرْوَةِ الْإِبْرِيقِ بِطَهَارَةِ الْيَدِ إذَا أَخَذَهَا كُلَّمَا غَسَلَ يَدَهُ قَوْلُهُ : وَقِيلَ يُقَدِّرُ مَا فِيهَا ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَقِيلَ أَنْ تُحْفَرَ حَفِيرَةٌ أَوْ تُرْسَلَ فِيهَا قَصَبَةٌ لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ الْأَوْجُهِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مَا فِيهَا عِنْدَ تَعَسُّرِ نَزْحِهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْبَغِي
إلَخْ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَتْنًا فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَ نَحْوُ حَمَامَةٍ
إلَخْ ) .
أَقُولُ هَذَا ، وَالْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ غَسْلِهِ لَا يُفْسِدُهَا ، وَالْكَافِرُ يُفْسِدُهَا وَلَوْ غُسِّلَ وَقَالَ فِي

الْبَحْرِ : الشَّهِيدُ كَالْمُغَسَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَمَّا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي بِهِ غَيْرُ طَاهِرٍ فِي حَقِّ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا غُسِلَ عَنْهُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ إلَى قَوْلِهِ فَجَمِيعُ الْمَاءِ ) حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَتْ فَأْرَتَانِ
إلَخْ ) حَكَيَاهُ بِقَوْلِهِمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَأَلْحَقَ مُحَمَّدٌ الثَّلَاثَ مِنْهَا إلَى الْخَمْسِ بِالْهِرَّةِ ، وَالسِّتَّ بِالْكَلْبِ وَأَبُو يُوسُفَ الْخَمْسَ إلَى التِّسْعِ بِالْهِرَّةِ ، وَالْعَشَرَةَ بِالْكَلْبِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا ) أَيْ وَهُمْ مُحْدِثُونَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى إذَا كَانُوا غَسَلُوا الثِّيَابَ ) أَيْ مِنْ نَجَاسَةٍ أَمَّا إذَا تَوَضَّئُوا مِنْهَا وَهُمْ مُتَوَضِّئُونَ أَوْ غَسَلُوا ثِيَابَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُعِيدُونَ إجْمَاعًا كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا مُوَفَّقُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
وَتَعَقَّبَ شَارِحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْزَمُهُمْ غَسْلُهَا لِكَوْنِهَا مَغْسُولَةً بِمَاءِ الْبِئْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ حَالَ الْعِلْمِ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْفَأْرَةِ بِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثِّيَابِ مِنْ بَابِ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّنْجِيسِ فِي الْحَالِ لَا مُسْتَنِدًا إلَى مَا تَقَدَّمَ فَلَا يَتَّجِهُ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ مَعَ الْغَسْلِ الْإِعَادَةَ وَلَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَا يُوجِبَانِ غَسْلَ الثَّوْبِ أَصْلًا ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَا بِتَنَجُّسِهَا مُنْذُ وُجِدَ إلَخْ ) يَعْنِي حَتَّى يَتَحَقَّقُوا مَتَى وَقَعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ قَالَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ قَوْلُهُ : مَا هُوَ الْمُخْتَارُ قُلْت لَمْ يُوَافِقْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ

اعْتَمَدَ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُرْهَانِيِّ ، وَالنَّسَفِيِّ وَالْمَوْصِلِيِّ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَرَجَّحَ دَلِيلَهُ فِي جَمِيعِ الْمُصَنَّفَاتِ وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ قَوْلَهُمَا قِيَاسٌ ، وَقَوْلَهُ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْعِبَادَاتِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بَلْ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ ، وَالْفَيْضِ بِقَوْلِهِمْ وَقَالَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَقْتَ الْعِلْمِ بِهَا وَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا غَسْلُ مَا أَصَابَهُ مَاؤُهَا ا هـ .
فَلَعَلَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا قَالَهُ .

( وَلَوْ أُخْرِجَ ) الْحَيَوَانُ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ ( حَيًّا ) حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ نَجَسِ الْعَيْنِ ) أَيْ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ ، وَالْكَلْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ ( وَلَا بِهِ خَبَثٌ لَا يُنَجِّسُهَا ) حَتَّى إذَا كَانَ طَاهِرًا كَالشَّاةِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ نَجِسًا لَا لِعَيْنِهِ كَالْحِمَارِ ، وَالْبَغْلِ ، وَالْهِرَّةِ وَسَائِرِ السِّبَاعِ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَأُخْرِجَ حَيًّا لَا يُنَجِّسُهَا أَمَّا الطَّاهِرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا النَّجِسُ لَا لِعَيْنِهِ فَلِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَسِبَاعِ الْوَحْشِ ، وَالطُّيُورِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَكَذَا الْحِمَارُ ، وَالْبَغْلُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا فِيهِ لِأَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لَنَا اسْتِعْمَالًا وَإِنَّمَا تَصِيرُ نَجِسَةً بِالْمَوْتِ ( إلَّا أَنْ يُدْخِلَ فَاهُ ) أَيْ فَمَه ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَاءِ ( فَيَكُونُ حُكْمُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( حُكْمَ لُعَابِهِ ) فَإِنْ كَانَ لُعَابُهُ طَاهِرًا فَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَالْمَاءُ نَجِسٌ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْكُوكًا فَالْمَاءُ مَشْكُوكٌ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ فَيُسْتَحَبُّ نَزْحُهُ .
( وَسُؤْرُ الْآدَمِيِّ الطَّاهِرِ الْفَمِ ) سَوَاءً كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ صَغِيرًا أَوْ كَافِرًا ( وَ ) سُؤْرُ ( كُلِّ مَا يُؤْكَلُ كَذَلِكَ ) أَيْ طَاهِرُ الْفَمِ ( طَاهِرٌ ) لِأَنَّ لُعَابَهُمْ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمٍ طَاهِرٍ فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ بِهِ مِثْلَهُ .

قَوْلُهُ : وَالْكَلْبُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَفِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ نَجَسُ الْعَيْنِ أَوْ لَا ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يُدْخِلْ فَاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسِ الْعَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَسُؤْرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ
إلَخْ ) .
أَقُولُ لَمْ يُفْرِدْ سُؤْرَ الْفَرَسِ فَشَمَلَهُ الْإِطْلَاقُ لِأَنَّهُ مَأْكُولٌ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا ، وَفِيهِ رِوَايَاتٌ عَنْ الْإِمَامِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ طَهَارَتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَهُوَ قَوْلُهُ : مَا لِأَنَّ كَرَاهَةَ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ .

( وَ ) سُؤْرُ ( الْخِنْزِيرِ ، وَالْكَلْبِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ ، وَالْهِرَّةِ فَوْرَ أَكْلِ الْفَأْرَةِ ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ سُؤْرَهَا قَبْلَ أَكْلِهَا وَبَعْدَ أَكْلِهَا وَمُضِيِّ سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ لَيْسَ بِنَجِسٍ بَلْ مَكْرُوهٌ ، فَقِيلَ لِحُرْمَةِ لَحْمِهَا وَقِيلَ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ ، وَالْأَوْلَى إلَى الْقُرْبِ مِنْ الْحُرْمَةِ ( وَشَارِبِ الْخَمْرِ فَوْرَ شُرْبِهَا نَجِسٌ ) أَمَّا سُؤْرُ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلِاخْتِلَاطِهِ بِاللُّعَابِ النَّجِسِ وَأَمَّا سُؤْرُ الْأَخِيرَيْنِ فَلِاخْتِلَاطِهِ بِنَجِسٍ فِي الْفَمِ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا يُشِيرُ إلَى التَّنَزُّهِ ) أَقُولُ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ كَرَاهَةَ سُؤْرِ الْهِرَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا فِي الْهِرَّةِ الْأَهْلِيَّةِ أَمَّا الْبَرِّيَّةُ فَسُؤْرُهَا نَجَسٌ كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ .

( وَ ) سُؤْرُ ( الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ ) أَيْ الْجَائِلَةِ فِي عَذِرَاتِ النَّاسِ ( وَسِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ ) كَالْحَيَّةِ ، وَالْعَقْرَبِ ، وَالْفَأْرَةِ ، وَالْوَزَغَةِ ( مَكْرُوهٌ ) أَمَّا الدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ فَلِأَنَّهَا تُخَالِطُ النَّجَاسَةَ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَحْبُوسَةً بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى تَحْتِ قَدَمِهَا لَا يُكْرَهُ ، وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَلِأَنَّهَا تَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ فَأَشْبَهَتْ الْمُخَلَّاةَ حَتَّى لَوْ حُبِسَتْ وَعَلِمَ صَاحِبُهَا خُلُوَّ مِنْقَارِهَا عَنْ الْقَذَرِ لَا يُكْرَهُ ، وَأَمَّا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا أَوْجَبَتْ نَجَاسَةَ سُؤْرِهَا لَكِنَّهَا سَقَطَتْ لِعِلَّةِ الطَّوَافِ فَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ .
( قَوْلُهُ : وَالدَّجَاجَةُ الْمُخَلَّاةُ
إلَخْ ) أَقُولُ وَكَذَا الْإِبِلُ ، وَالْبَقَرُ الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِنْ كَانَتْ تَخْلِطُ وَأَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ لَحْمِهَا أَوْجَبَ نَجَاسَةَ سُؤْرِهَا
إلَخْ ) يُفِيدُ نَجَاسَةَ لَحْمِ الْمَذْكُورَاتِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَتْ فِي الْمَاءِ نَجَّسَتْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْعَقْرَبِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ .

( وَ ) سُؤْرُ ( الْحِمَارِ ، وَالْبَغْلِ مَشْكُوكٌ ) هَذِهِ عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ ، وَبَعْضُهُمْ أَنْكَرَ كَوْنَ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَشْكُوكًا فِيهِ ، وَقَالَ سُؤْرُ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لَوْ غَمَسَ فِيهِ الثَّوْبَ جَازَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِهِ حَالَ الِاخْتِيَارِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ ، وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَوْ التَّرَدُّدِ فِي الضَّرُورَةِ فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْكَافِي ، وَالْقُنْيَةِ وَفِي الْهِدَايَةِ .
وَالْبَغْلُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْحِمَارِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ لَمَّا ذُكِرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا يَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ ، .
وَفِي غَايَةِ السُّرُوجِيِّ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا ، وَإِذَا كَانَ مَشْكُوكًا ( يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ إنْ عَدِمَ غَيْرَهُ ) مِنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ ، الْمُرَادُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا دُونَ الْجَمْعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ حِمَارٍ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ ( بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ ) حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ وَمُحَمَّدٌ جَمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَالْمُرَادُ بِهِ حُلْوٌ رَقِيقٌ يَسِيلُ كَالْمَاءِ أَمَّا إذَا اشْتَدَّ وَصَارَ مُسْكِرًا لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ اتِّفَاقًا

قَالَ قَاضِي خَانْ : بِئْرٌ بَالُوعَةٌ جَعَلُوهَا بِئْرَ مَاءٍ إنْ جُعِلَتْ أَوْسَعَ وَأَعْمَقَ مِقْدَارَ مَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ كَانَ طَاهِرًا ، وَإِنْ حُفِرَتْ أَعْمَقَ وَلَمْ تُجْعَلْ أَوْسَعَ مِنْ الْأُولَى فَجَوَانِبُهَا نَجِسَةٌ وَقَعْرُهَا طَاهِرٌ ، بِئْرٌ تَنَجَّسَ فَغَارُ الْمَاءُ ثُمَّ عَادَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّزْحِ وَكَذَا بِئْرٌ وَجَبَ فِيهَا نَزْحُ عِشْرِينَ دَلْوًا فَنُزِحَ عَشَرَةٌ فَلَمْ يَبْقَ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ عَادَ لَا يُنْزَحُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ بِئْرِ الْبَالُوعَةِ وَبَيْنَ بِئْرِ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا لَا تَصِلُ النَّجَاسَةُ إلَى بِئْرِ الْمَاءِ وَقُدِّرَ فِي الْكِتَابِ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ عَدَمُ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ أَحْكَامَ السُّؤْرِ وَكَانَ أَحْكَامُ الْعَرَقِ أَيْضًا مُحْتَاجًا إلَى الْبَيَانِ قَالَ ( وَالْعَرَقُ كَالسُّؤْرِ ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنْ اللَّحْمِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حُكْمَ صَاحِبِهِ لَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَوْنُ سُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ مَشْكُوكًا مَعَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَرَقِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمُخَالِفِ لِلْقِيَاسِ وَهُوَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا } ، وَالْحَرُّ حَرُّ الْحِجَازِ ، وَالثِّقْلُ ثِقْلُ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَرَقُهُ نَجِسًا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إنَّ سُؤْرَهُ طَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى مَا هُوَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ بَدَنَ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ طَاهِرٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ لِتَوَلُّدِهِ مِنْ اللَّحْمِ النَّجِسِ قُلْنَا مَعْنَى مَا سَبَقَ كَوْنُ ظَاهِرِ الْبَدَنِ طَاهِرًا حُكْمًا بِمَعْنَى أَنَّ مَا

يُلَاقِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ لَا يَكُونُ نَجِسًا لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ بَاطِنِهَا نَجِسًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ .

( قَوْلُهُ : وَبَعْضُهُمْ ) هُوَ الشَّيْخُ أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ كَانَ يُنْكِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ ، وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) عِبَارَةُ الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهَا هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا عُلِمَ ضَعْفُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ بِالشَّكِّ فِي طَهُورِيَّتِهِ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ فَإِنَّ وُجُوبَ غَسْلِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَالثَّابِتُ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّأْسُ بِالشَّكِّ فَلَا يَجِبُ ، وَعُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ تَفْرِيعًا عَلَى كَوْنِ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ ( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْكَافِي ) عِبَارَةُ الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ فَقِيلَ الشَّكُّ إلَى وَهُوَ الصَّحِيحُ فَقَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِنْ الْقُنْيَةِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ
إلَخْ ) قَالَ مُنْلَا مِسْكِينٌ فَإِنْ قُلْت أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُك الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحِلِّ ، وَالْحُرْمَةِ قُلْت ذَلِكَ إذَا لَمْ يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ أَمَّا إذَا غَلَبَ شَبَهُهُ فَلَا ا هـ .
وَبِهَذَا سَقَطَ إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ : يَتَوَضَّأُ بِهِ ) أَقُولُ وَيَنْوِي احْتِيَاطًا لِمَا قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ
إلَخْ ) .
أَقُولُ إنَّمَا قَالَ ثُمَّ أَحْدَثَ لِيَكُونَ أَدَلَّ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ الصَّلَاةِ

مِمَّا لَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَإِلَّا فَلَا دَخْلَ لِلْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ قَبْلَ حَدَثِهِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ خَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ قَالَ الْكَمَالُ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَصَلَّاهَا صَحَّتْ الظُّهْرُ ا هـ .
وَكَتَبَ عَلَى هَامِشِهِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ وَرَحِمَهُ يَعْنِي وَلَمْ يُحْدِثْ بَيْنَهُمَا لَكِنْ كُرِهَ لَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ اسْتَلْزَمَ أَدَاءَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ ا هـ .
قُلْت وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ سُؤَالًا عَلَى مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا الْحَدَثُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا الْجَمْعُ قُلْنَا ذَاكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَصْلًا أَمَّا هُنَا فَقَدْ أَدَّاهَا بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ شَرْعًا كَمَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكْفُرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ فَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَشَرْحِ الزَّاهِدِيِّ ) وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مَكَانَ الْكِفَايَةِ الْكَافِي وَلَمْ أَرَ الْعِبَارَةَ فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَقَطْ ) أَقُولُ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَرُوِيَ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَالتَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ نَبِيذِ التَّمْرِ مُتَعَيَّنٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْهُ كَمَا يُفْتِي بِهِ أَبُو يُوسُفَ ، وَالْعَكْسُ أَيْ تَعَيَّنَ الْوُضُوءُ بِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرُوِيَ الْجَمْعُ

بَيْنَهُمَا ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ إنَّمَا اخْتَلَفَ أَجْوِبَتُهُ لِاخْتِلَافِ الْمَسَائِلِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ ( قَوْلُهُ : مُعْرَوْرِيًّا ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اعْرَوْرَى الدَّابَّةَ رَكِبَهُ عُرْيًا ، وَمِنْهُ { كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرْكَبُ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًّا } وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ الْمُسْتَكِنِّ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى ا هـ .
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ

( بَابُ التَّيَمُّمِ ) هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا اسْتِعْمَالُ الصَّعِيدِ بِقَصْدِ التَّطْهِيرِ ( جَازَ وَلَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( وَلِأَكْثَرَ مِنْ فَرْضٍ ) وَاحِدٍ ( وَغَيْرِهِ ) يَعْنِي يُصَلِّي بِهِ مَا شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ ، وَالنَّوَافِلِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيُصَلِّي مِنْ النَّفْلِ مَا شَاءَ ( لِمُحْدِثٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِجَازِ ( وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ عَجَزُوا عَنْ الْمَاءِ ) أَيْ مَاءٍ يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَنَّ رَجُلًا انْتَبَهَ مِنْ النَّوْمِ مُحْتَلِمًا وَكَانَ لَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِأَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُحْدِثِ مَاءٌ يَكْفِي لِغَسْلِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَهُوَ أَيْضًا عَلَى الْخِلَافِ ( لِبُعْدِهِ ) أَيْ الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِعَجَزُوا ( مِيلًا ) وَهُوَ ثُلُثُ فَرْسَخٍ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ ( أَوْ مَرَضٍ ) لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ التَّلَفِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( أَوْ بَرْدٍ ) يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ أَوْ الْمَرَضِ ( وَلَوْ فِي الْمِصْرِ ) خِلَافًا لَهُمَا ( أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ وَإِلْقَاءُ النَّفْسِ إلَى التَّهْلُكَةِ حَرَامٌ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ ( أَوْ عَطَشٍ ) يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِدَابَّتِهِ ( أَوْ عَدَمِ آلَةٍ ) كَالدَّلْوِ ، وَالْحَبْلِ ( أَوْ خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ ) لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ ( لِغَيْرِ الْأَوْلَى ) يَعْنِي إذَا خَافَ غَيْرُ الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ وَهُوَ مَنْ لَا يَكُونُ سُلْطَانًا أَوْ قَاضِيًا أَوْ وَالِيًا أَوْ إمَامَ الْحَيِّ فَوْتَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إنْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ ، وَعِبَارَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى ( أَوْ ) خَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ ( عِيدٍ وَلَوْ بِنَاءً

) أَيْ وَلَوْ كَانَ التَّيَمُّمُ لِلْبِنَاءِ يَعْنِي إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مُتَوَضِّئًا ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَخَافَ أَنَّهُ إنْ تَوَضَّأَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِلْبِنَاءِ ( لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ ( لِفَوْتِ الْوَقْتِيَّةِ ، وَالْجُمُعَةِ ) لِأَنَّ فَوْتَهُمَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ ، وَالْقَضَاءُ .

( بَابُ التَّيَمُّمِ ) ( قَوْلُهُ : هُوَ لُغَةً الْقَصْدُ ) يَعْنِي مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا
إلَخْ ) كَذَا قَالُوا ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ اسْمٌ لِمَسْحِ الْوَجْهِ ، وَالْيَدَيْنِ مِنْ الصَّعِيدِ ، وَالْقَصْدُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ النِّيَّةُ قَالَهُ الْكَمَالُ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ طَاهِرٍ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ وَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَصَحُّ لِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى اشْتِرَاطُ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ ، وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتِعْمَالُ جُزْءٍ .
ا هـ
قُلْت هُوَ وَإِنْ كَانَ أَصَحَّ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ مَدْلُولَهُ الْقَصْدَ الْمَخْصُوصَ وَعَلِمْت مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ ) يَعْنِي فَالتَّيَمُّمُ السَّابِقُ بَاقٍ لِرَفْعِ الْجَنَابَةِ .
( قَوْلُهُ : لِبُعْدِهِ مِيلًا ) يَنْفِي اشْتِرَاطَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمِصْرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا لُحُوقُ الْحَرَجِ وَبِبُعْدِهِ مِيلًا عَمَّا يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَهُ وَيَنْفِي أَيْضًا اشْتِرَاطَ السَّفَرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَشْمَلُ الْكُلَّ ، وَالْمِيلُ هُوَ الْمُخْتَارُ فِي التَّقْدِيرِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَيَعْتَبِرُ أَبُو يُوسُفَ لِجَوَازِ التَّيَمُّمِ غَيْبَةَ رُفْقَتِهِ عَنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَيْ الْمَاءُ قَالُوا وَهُوَ أَحْسَنُ مَا حُدَّ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُغْتَالَ دُونَهُمْ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ قُلْت وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخَوْفُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ ) أَقُولُ هَذَا عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيْ الْمِيلِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَالْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ ، وَالْمِيلُ فِي تَقْدِيرِ ابْنِ شُجَاعٍ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ وَفِي تَفْسِيرِ غَيْرِهِ أَرْبَعَةُ آلَافِ خُطْوَةٍ وَهِيَ ذِرَاعٌ

وَنِصْفٌ بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ا هـ .
قُلْت لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا خِلَافَ لِحَمْلِ كَلَامِ ابْنِ شُجَاعٍ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالذِّرَاعِ مَا فِيهِ أُصْبُعٌ قَائِمَةٌ عِنْدَ كُلِّ قَبْضَةٍ فَيَبْلُغُ ذِرَاعًا وَنِصْفًا بِذِرَاعِ الْعَامَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَهُوَ أَيْ الْمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَجِ بْنِ الشَّاشِيِّ طُولُهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَعَرْضُ كُلِّ أُصْبُعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ مُلْصَقَةٍ ظَهْرَ الْبَطْنِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ) أَقُولُ نَفْيُ الْقُدْرَةِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ وَلَا يَضُرُّهُ أَوْ بِعَكْسِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ وَوَجَدَ مَنْ يُوَضِّئُهُ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ إلَّا الْحَرَكَةُ إلَى الْمَاءِ وَلَا يَضُرُّهُ الْمَاءُ كَالْمَبْطُونِ وَصَاحِبِ الْعِرْقِ الْمَدِينِيِّ فَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ وَجَدَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ أَوْ لَا وَأَهْلُ طَاعَتِهِ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ أَجِيرُهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ كَذَا فِي التَّأْسِيسِ .
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا ا هـ .
وَإِنْ كَانَ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يَضُرُّهُ الْمَاءُ وَيَقْدِرُ عَلَى تَنَاوُلِهِ كَمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ حُمَّى أَوْ جِرَاحَةٌ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
هَذَا وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّيَمُّمِ فَإِنْ عَجَزَ أَيْضًا عَنْ التَّيَمُّمِ بِنَفْسِهِ

وَبِغَيْرِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي عَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَقْدِرَ أَيْ عَلَى أَحَدِهِمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُصَلِّي تَشَبُّهًا وَيُعِيدُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بَرْدٍ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ : اعْلَمْ أَنَّ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَشْرُوطٌ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَلَا أُجْرَةِ الْحَمَّامِ فِي الْمِصْرِ وَلَا يَجِدُ ثَوْبًا يَتَدَفَّى بِهِ وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ ا هـ .
وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ : وَأَمَّا خَوْفُ الْمَرَضِ مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِهِ هَلْ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ جَعَلَهُ فِي الْأَسْرَارِ مُبِيحًا .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ وَهْمٍ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ عَادَةً ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَمَعْرِفَتُهُ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ ، وَالِاجْتِهَادُ غَيْرُ مُجَرَّدِ الْوَهْمِ بَلْ هُوَ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَنْ أَمَارَةٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ وَقِيلَ عَدَالَتُهُ شَرْطٌ فَلَوْ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ لَكِنَّ الضَّعْفَ بَاقٍ وَخَافَ أَنْ يَمْرَضَ سُئِلَ عَنْهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَقَالَ : الْخَوْفُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَمَا وَقَعَ فِي التَّبْيِينِ الصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْخَشْيَةِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَذَا فِي شَرْحِ الْغَزِّيِّ مِنْ الْعَوَارِضِ فِي الصَّوْمِ فَيَكُونُ كَذَلِكَ هُنَا ( قَوْلُهُ : أَوْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ ) وَسَوَاءٌ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ

أَوْ أَمَانَتِهِ أَوْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ فَاسِقٍ عِنْدَ الْمَاءِ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ الدَّائِنُ عِنْدَ الْمَاءِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَ الْإِعَادَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ : أَوْ عَطَشٍ يَحْصُلُ لَهُ أَوْ لِدَابَّتِهِ ) يَعْنِي وَلَوْ كَانَتْ كَلْبًا أَوْ احْتِيَاجِهِ لِلْعَجْنِ كَالشُّرْبِ لَا اتِّخَاذِ الْمَرَقِ لِأَنَّ حَاجَةَ الطَّبْخِ دُونَ حَاجَةِ الْعَطَشِ وَرَفِيقُ الْقَافِلَةِ كَرَفِيقِ الصُّحْبَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ كَانَ لِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ مِنْهُ قَهْرًا وَمُقَاتَلَتُهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ صَاحِبَ الْمَاءِ فَدَمُهُ هَدَرٌ وَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَ الْمُضْطَرَّ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ أَوْ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُضْطَرُّ قِيمَةَ الْمَاءِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَدَمِ آلَةٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ الطَّاهِرِ إلَيْهِ أَمَّا إذَا أَمْكَنَهُ إيصَالُ ثَوْبِهِ وَيُخْرِجُ الْمَاءَ قَلِيلًا قَلِيلًا بِالْبَلِّ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ ا هـ ( قَوْلُهُ : لِغَيْرِ الْأَوْلَى ) مَشَى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُنْتَظَرُ وَلَوْ صَلَّوْا لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَيْضًا لِأَنَّ الِانْتِظَارَ فِيهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ لَمْ يُنْتَظَرْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : يَعْنِي إذَا خَافَ غَيْرُ الْأَوْلَى
إلَخْ ) .
أَقُولُ وَكَذَا الْأَوْلَى وَقَدْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ خَوْفِ فَوْتِ التَّكْبِيرَاتِ كُلِّهَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالطَّهَارَةِ فَإِنْ كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَ الْبَعْضِ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَعِبَارَةُ الْأَوْلَى أَوْلَى

مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى ) يَعْنِي لِشُمُولِهَا ظَاهِرًا لَكِنْ أُجِيبَ عَنْ الَّذِي عَبَّرَ بِالْوَلِيِّ أَنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ أَيْضًا إذْ يُعْلَمُ الْحُكْمُ فِيمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ السُّلْطَانِ وَمَا بَعْدَهُ فَمَنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ أَوْلَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عِيدٍ ) .
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنْ تَفُوتَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ بَعْضَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ وَقَيَّدَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَقَالُوا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الزَّوَالَ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ لَوْ تَوَضَّأَ لَا يَتَيَمَّمُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زَوَالَ الشَّمْسِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا لِتَصَوُّرِ الْفَوَاتِ بِالْفَسَادِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ ، وَالْإِمَامُ فِي الْعِيدِ لَا يَتَيَمَّمُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ .
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُجْزِيهِ لِأَنَّهُ يَخَافُ الْفَوْتَ بِزَوَالِ الشَّمْسِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَخَفْ لَا يُجْزِيهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ فَوْتَهُمَا إلَى خَلَفٍ وَهُوَ الظُّهْرُ ، وَالْقَضَاءُ ) إطْلَاقُ الْخَلْفِيَّةِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ بِاعْتِبَارِ تَغْلِيبِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا فَلَا خَلْفِيَّةَ فِي الظُّهْرِ عَنْ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَأَصْلُ الْإِطْلَاقِ فِي الْهِدَايَةِ وَأَوْرَدَ أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَدَّى إلَّا عَلَى مَذْهَبِ زُفَرَ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْجُمُعَةَ خَلَفٌ وَالظُّهْرَ أَصْلٌ فَلَا وَدَفَعَ بِأَنَّهُ مُتَصَوَّرٌ بِصُورَةِ الْخَلَفِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَكَانَ الظُّهْرُ خَلَفًا صُورَةً أَصْلًا مَعْنًى وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّافِعِ فَقَالَ لِأَنَّهَا تَفُوتُ إلَى مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ الْأَصْلُ ا هـ .

( بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَازَ فَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يُؤَدِّي بِهِ الصَّلَاةَ ( فَلَغَا ) أَيْ إذَا شُرِطَ فِيهِ النِّيَّةُ لَغَا ( تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءٌ ) لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلنِّيَّةِ ، وَالْوُضُوءُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِهَا فَلَوْ تَوَضَّأَ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ جَازَتْ صَلَاتُهُ بِهِ .
( قَوْلُهُ : بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ ) أَقُولُ وَلَوْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَنِيَّةُ الطَّهَارَةِ أَوْ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ تُجْزِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ .
وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ وَلَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ يُرِيدُ التَّيَمُّمَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِهِ وَقَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ يُرِيدُ بِهِ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ فَعَلَى هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ) أَقُولُ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ هُنَا لِكَوْنِهَا مَشْرُوعَةً ابْتِدَاءً يُعْقَلُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ ، وَقَوْلُهُمْ فِي الْأُصُولِ إنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِعَيْنِهَا بَلْ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْمُسْتَنْكِفِينَ مِنْ الْكُفَّارِ وَلِذَا أُدِّيَتْ فِي ضِمْنِ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ ) أَقُولُ وَلَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ فِي الْأَصَحِّ عِنْدَهُمَا وَيَعْتَبِرُهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( بِضَرْبَتَيْنِ ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِجَازِ ( إنْ اسْتَوْعَبَتَا ) أَيْ الضَّرْبَتَانِ ، وَالْمُرَادُ الْيَدَانِ الْمَضْرُوبَتَانِ عَلَى الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَقْعٌ ( وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ بِمِرْفَقَيْهِ ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ شَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَجْزِيهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَسْتَوْعِبَا ( فَثَالِثَةٌ ) أَيْ يَلْزَمُ ضَرْبَةٌ ثَالِثَةٌ لِيَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ بِالنَّقْعِ أَوْ الْيَدِ الْمَضْرُوبَةِ عَلَى الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ ، فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ مَا يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْغُبَارُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّلَ أَصَابِعَهُ فَيَحْتَاجُ إلَى ضَرْبَةٍ ثَالِثَةٍ لِتَخْلِيلِهَا مِنْ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ النَّقْعِ وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَهُ وَلَوْ بِلَا نَقْعٍ فَتَدَبَّرْ ( عَلَى طَاهِرٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِضَرْبَتَيْنِ ( مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ ) كَالتُّرَابِ ، وَالرَّمْلِ ، وَالْحَجَرِ ، وَالْكُحْلِ ، وَالزِّرْنِيخِ ، وَالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالتُّرَابِ أَوْ حِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ عَلَيْهِمَا غُبَارٌ وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ ( وَهُوَ لَا يَنْطَبِعُ ) أَيْ لَا يَلِينُ احْتِرَازًا عَنْ الذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةِ ، وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهَا ( وَلَا يَتَرَمَّدُ ) أَيْ لَا يَصِيرُ رَمَادًا ( بِالِاحْتِرَاقِ ) كَالشَّجَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَتَرَمَّدُ ( وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ الطَّاهِرُ ( بِلَا نَقْعٍ ) أَيْ غُبَارٍ ( وَعَلَيْهِ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى طَاهِرٍ ، وَالضَّمِيرُ لِلنَّقْعِ أَيْ وَبِضَرْبَتَيْنِ عَلَى النَّقْعِ ( بِلَا عَجْزٍ ) عَنْ الصَّعِيدِ كَمَا إذَا كَنَسَ دَارًا أَوْ هَدَمَ حَائِطًا أَوْ كَالَ حِنْطَةً فَأَصَابَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ غُبَارٌ فَمَسَحَ جَازَ حَتَّى إذَا لَمْ يَمْسَحْ لَمْ يَجُزْ .

( قَوْلُهُ : بِضَرْبَتَيْنِ ) يَعْنِي بِبَاطِنِ الْكَفَّيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ فِي مَكَان وَاحِدٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ثُمَّ التَّعْبِيرُ بِالضَّرْبِ يُفِيدُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَانُ الضَّرْبِ بِالْحَدَثِ قَبْلَ الْمَسْحِ كَبُطْلَانِ بَعْضِ الْوُضُوءِ بِالْحَدَثِ وَبِهِ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو شُجَاعٍ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ التُّرَابَ كَذَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ : يَجُوزُ كَمَنْ مَلَأَ كَفَّيْهِ مَاءً فَأَحْدَثَ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ عَدَمُ اعْتِبَارِ ضَرْبَةِ الْأَرْضِ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ شَرْعًا فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ الْمَسْحُ لَيْسَ غَيْرُ فِي الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ } وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ } إمَّا عَلَى إرَادَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْمَسْحَتَيْنِ كَمَا قُلْنَا أَوْ أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : إنْ اسْتَوْعَبَتَا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَيُشْتَرَطُ الْمَسْحُ بِجَمِيعِ الْيَدِ أَوْ بِأَكْثَرِهَا حَتَّى لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِأُصْبُعَيْنِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَرَّرَ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ بِخِلَافِ الرَّأْسِ ، وَالِاسْتِيعَابُ فَرْضٌ لَازِمٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا حَتَّى لَوْ تَرَكَ قَلِيلًا مِنْ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَيَلْزَمُهُ تَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ وَنَزْعُ الْخَاتَمِ أَوْ تَحْرِيكُهُ وَيَمْسَحُ تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَمُوقِ الْعَيْنَيْنِ وَمِنْ وَجْهِهِ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ ، وَالشَّعْرَ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَفِي السِّرَاجِ لَا يَجِبُ مَسْحُ اللِّحْيَةِ وَلَا الْجَبِيرَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ الْيَدُ الْمَضْرُوبَةُ عَلَى الْأَرْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ عَدَمَ النَّقْعِ شَرْطٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : فَعَلَى هَذَا لَا يَرِدُ
إلَخْ ) .
أَقُولُ

بَلْ عَلَى هَذَا يَرِدُ كَمَا عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَيَخْرُجُ عَنْهُ الْمِلْحُ الْمَائِيُّ ) أَقُولُ وَعَدَمُ الْجَوَازِ بِالْمَائِيِّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُهُ بِالْجَبَلِيِّ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَصَحَّحَ كُلًّا مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ .
وَفِي التَّجْنِيسِ الْفَتْوَى عَلَى الْجَوَازِ بِالْجَبَلِيِّ قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَتَرَمَّدُ ) فِي الْعَطْفِ بِأَوْ تَسَامُحٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ عَطْفُ خَاصٍّ ( قَوْلُهُ : أَيْ وَبِضَرْبَتَيْنِ عَلَى النَّقْعِ ) إنْ كَانَ مَشْيًا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الضَّرْبَ مِنْ مُسَمَّى التَّيَمُّمِ فَاعْتِبَارُ الضَّرْبَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ الْعُضْوِ لِلتَّمْثِيلِ لَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا إذَا كَنَسَ دَارًا
إلَخْ وَإِنْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّاهُ فَظَاهِرٌ .

( وَيَجِبُ طَلَبُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( غَلْوَةً ) وَهِيَ مِقْدَارُ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَاءُ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ وَتَوَضَّأَ ذَهَبَتْ الْقَافِلَةُ وَتَغِيبُ عَنْ بَصَرِهِ كَانَ بَعِيدًا جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ ( إنْ ظَنَّ قُرْبَهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( وَإِلَّا فَلَا ) يَجِبُ طَلَبُهُ ( وَنُدِبَ لِرَاجِيهِ ) أَيْ الْمَاءِ ( تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ ) فَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ ، وَالْوَقْتُ بَاقٍ لَا يُعِيدُهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ غَلْوَةً ) يَعْنِي يُفْتَرَضُ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِهِ طَلَبُ الْمَاءِ فِي الْعُمْرَانَاتِ يُشْتَرَطُ وَفِي الْفَلَوَاتِ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْمَاءَ يَجِدُهُ أَوْ خُبِّرَ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ يَمِينًا وَيَسَارًا عَلَى قَدْرِ غَلْوَةٍ ا هـ .
وَقَيَّدَ الْمُخْبِرَ فِي الْبَدَائِعِ بِالْعَدْلِ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ : وَقُدِّرَ الطَّلَبُ بِغَلْوَةٍ مِنْ جَانِبِ ظَنِّهِ وَطَلَبُ وُصُولِهِ كَطَلَبِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
إلَخْ ) .
أَقُولُ كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لِبُعْدِهِ مِيلًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَالْمُصَنِّفِ بَلْ ثَمَّةَ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ ) أَقُولُ وَكَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَنُدِبَ لِرَاجِيهِ
إلَخْ ) يَعْنِي فِي الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ كَالطَّامِعِ فِي الْجَمَاعَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّ التَّأْخِيرَ حَتْمٌ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( وَضَعَهُ ) أَيْ الْمَاءَ ( فِي رَحْلِهِ أَوْ أَمَرَ ) غَيْرَهُ ( بِهِ ) أَيْ بِوَضْعِهِ فِيهِ ( وَنَسِيَ فَصَلَّى بِهِ ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ ( لَمْ يُعِدْ ) الصَّلَاةَ ( إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ ) وَضَعَهُ ( غَيْرُهُ بِلَا عِلْمِهِ فَقِيلَ جَازَ ) التَّيَمُّمُ ( وِفَاقًا وَقِيلَ ) هُوَ أَيْضًا ( مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، طَلَبَهُ مِنْ رَفِيقِهِ فَإِنْ مَنَعَهُ أَوْ أَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ ) أَعْطَاهُ ( بِهِ ) أَيْ بِثَمَنِ الْمِثْلِ ( وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَهُ تَيَمَّمَ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ أَوْ أَعْطَاهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ عِنْدَهُ ( فَلَا ) يَتَيَمَّمُ ( وَقَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ طَلَبِهِ مِنْهُ ( قِيلَ جَازَ ) التَّيَمُّمُ اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ ( وَقِيلَ لَا ) اخْتَارَهُ فِي الْمَبْسُوطِ .

( قَوْلُهُ : وَقِيلَ هُوَ أَيْضًا مُخْتَلَفٌ فِيهِ ) قَالَهُ فِي الْكَافِي وَذِكْرُ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ سَوَاءٌ ( قَوْلُهُ : طَلَبَهُ مِنْ رَفِيقِهِ ) أَطْلَقَهُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ ، وَالْكَنْزِ وَقَدْ فَصَّلَ صَاحِبُهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَظَنَّ أَنَّهُ إنْ سَأَلَ أَعْطَاهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهِ تَيَمَّمَ ، وَإِنْ شَكَّ فِي الْإِعْطَاءِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَسَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ يُعِيدُ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا ، وَإِنْ مَنَعَهُ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَأَعْطَاهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ كَانَتْ ثَابِتَةً ا هـ .
وَفِي الْبَحْرِ الْغَالِبُ عَدَمُ الضِّنَةِ بِالْمَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَجْرِي الضِّنَّةُ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَأَعْطَاهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ ) يَعْنِي بِمَا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ وَهُوَ ضِعْفُ الْقِيمَةِ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَقِيلَ شَطْرُهُ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَقِيلَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَهُ ) يَعْنِي فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ ( قَوْلُهُ : اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ ) أَقُولُ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ : وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الطَّلَبِ أَجْزَأَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَالَا لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ عَادَةً ا هـ .
فَتَأَمَّلْ وَفِي الْبُرْهَانِ ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْكَمَالُ وَعِنْدَ الْجَصَّاصِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فَمُرَادُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مَنْعُهُ ، وَمُرَادُهُمَا : إذَا ظَنَّ عَدَمَ الْمَنْعِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَلِهَذَا لَمْ يَحْكِ فِي الْكَافِي خِلَافًا ، وَذَكَرَ عِبَارَتَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهَا .

( وَلَمْ يَجُزْ ) التَّيَمُّمُ ( عَلَى أَرْضٍ تَنَجَّسَتْ وَزَالَ أَثَرُهَا ) لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ طَيِّبَةً وَإِنْ طَهُرَتْ ( بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ) إذْ الطَّهَارَةُ كَافِيَةٌ فِيهَا .
( قَوْلُهُ : وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ عَلَى أَرْضٍ
إلَخْ ) سَيَذْكُرُهَا أَيْضًا فِي بَابِ تَطْهِيرِ الْأَنْجَاسِ .

( وَنَاقِضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ ) لِأَنَّهُ خَلَفُهُ ( وَالْقُدْرَةُ ) عَلَى مَاءٍ ( كَافٍ ) لِطُهْرِهِ لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ فَتَنْتَهِي طَهُورِيَّةُ التُّرَابِ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ النَّقْضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخُرُوجِ نَجِسٍ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ثُمَّ عَدِمَهُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ ، وَإِذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ ظَهْرَهُ مَثَلًا وَفَنِيَ الْمَاءُ وَأَحْدَثَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَتَيَمَّمَ لَهُمَا ثُمَّ وَجَدَ مِنْ الْمَاءَ مَا يَكْفِيهِمَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِ لِأَحَدِهِمَا بَقِيَ فِي حَقِّهِمَا ، وَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ غَسَلَهُ وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ فِي حَقِّ الْآخَرِ ، وَإِنْ كَفَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا غَسَلَ اللُّمْعَةَ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ ( فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ ) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِهَا كَدَفْعِ الْعَطَشِ كَانَ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ .
( وَ ) نَاقِضُهُ أَيْضًا ( مُرُورُ النَّاعِسِ بِهِ ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ ( عَلَى الْمَاءِ ) حَتَّى لَوْ مَرَّ النَّائِمُ بِهِ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ عَلَى الْمَاءِ ( كَالْمُسْتَيْقِظِ ) أَيْ كَانْتِقَاضِهِ بِمُرُورِ الْمُسْتَيْقِظِ بِهِ عَلَى الْمَاءِ ( لَا الرِّدَّةُ ) فَإِنَّهَا لَا تَنْقُضُ حَتَّى إذَا تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِهِ ( جُرِحَ أَكْثَرُهُ ) أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ أَكْثَرُ جَمِيعِ بَدَنِهِ فِي الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ ( تَيَمَّمَ ) لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا ( غَسَلَ ) الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ ( وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ التَّيَمُّمِ ، وَالْغُسْلِ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْبَدَلِ ، وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ كَانَ بِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا الْمَاءُ

وَبِأَكْثَرِ مَوَاضِعِ التَّيَمُّمِ جِرَاحَةً يَضُرُّهَا التَّيَمُّمُ لَا يُصَلِّي .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَغْسِلُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ( الْمَانِعُ ) مِنْ الْوُضُوءِ ( لَوْ ) كَانَ ( مِنْ ) قِبَلِ ( الْعِبَادِ ) كَأَسِيرٍ يَمْنَعُهُ الْكُفَّارُ مِنْ الْوُضُوءِ وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ وَمَنْ قِيلَ لَهُ إنْ تَوَضَّأْت قَتَلْتُك ( جَازَ لَهُ ) التَّيَمُّمُ ( وَيُعِيدُهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ ( إذَا زَالَ ) الْمَانِعُ .

( قَوْلُهُ : وَيَنْقُضُهُ نَاقِضُ الْوُضُوءِ ) يَعْنِي فَإِنْ كَانَ تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ ثُمَّ أَحْدَثَ أَعَادَهُ وَإِنْ كَانَ لِجَنَابَةٍ ثُمَّ أَجْنَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ لَهَا وَإِنْ أَحْدَثَ حَدَثًا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ يَنْتَقِضُ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ فَثَبَتَ أَحْكَامُ الْحَدَثِ لَا أَحْكَامُ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ مُحْدِثٌ لَا جُنُبٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ خَلَفُهُ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ بِلَا شَكٍّ اتِّفَاقًا لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا لِأَصْحَابِنَا مَعَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ الثَّانِي الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْبَدَلِيَّةُ بَيْنَ الْمَاءِ ، وَالتُّرَابِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ وَهُمَا التَّيَمُّمُ ، وَالْوُضُوءُ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ فَأَجَازَاهُ وَمَنَعَهُ وَسَيَأْتِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقُدْرَةُ مَاءٍ ) لَوْ قَالَ وَزَوَالُ مَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ لَكَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ
إلَخْ ) قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْحَدَثَ السَّابِقَ نَاقِضٌ حَقِيقَةً لَا يُنَاسِبُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَهُمَا لَيْسَ بِطَهَارَةٍ ضَرُورِيَّةٍ وَلَا خَلَفٌ عَنْ الْوُضُوءِ بَلْ هُوَ أَحَدُ نَوْعَيْ الطَّهَارَةِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ عَمِلَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ شَرْطًا لِمَشْرُوعِيَّةِ التَّيَمُّمِ وَحُصُولِ الطَّهَارَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا فَانْتَفَى لِأَنَّ انْتِفَاءَ الشَّرْطِ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْمَشْرُوطِ ، وَالْمُرَادُ بِالنَّقْضِ انْتِفَاؤُهُ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَفَى لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ) يَعْنِي وَلَمْ يَكْفِ الْآخَرَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَفَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا ) يَعْنِي غَيْرَ عَيْنٍ بِأَنْ

كَانَ يَكْفِي هَذَا فَقَطْ أَوْ الْآخَرَ فَقَطْ ( قَوْلُهُ : غَسَلَ اللُّمْعَةَ ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَأَعَادَ تَيَمُّمَهُ لِلْحَدَثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ ، وَوُجُوبُ صَرْفِهِ إلَى الْجَنَابَةِ لَا يُنَافِي قُدْرَتَهُ عَلَى صَرْفِهِ إلَى الْحَدَثِ وَلِهَذَا لَوْ صَرَفَهُ إلَى الْوُضُوءِ جَازَ وَيَتَيَمَّمُ لِجَنَابَتِهِ اتِّفَاقًا .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ إلَى اللُّمْعَةِ ، وَالْمُسْتَحِقُّ بِجِهَةٍ كَالْمَعْدُومِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِهَا لِدَفْعِ الْعَطَشِ ) أَقُولُ كَذَا هُوَ بِصُورَةِ اللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالْكَافِ وَالدَّالِّ لِيَشْمَلَ احْتِيَاجَهُ لِلْعَجِينِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ .
( قَوْلُهُ : وَنَاقِضُهُ أَيْضًا مُرُورُ النَّاعِسِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبْقَيَا تَيَمُّمَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَالْمَجْمَعِ ، وَالْمُخْتَارُ فِي الْفَتْوَى عَدَمُ الِانْتِقَاضِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَبِقُرْبِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ جَازَ تَيَمُّمُهُ اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ .
وَفِي الْبُرْهَانِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَفِي جَنْبِهِ بِئْرٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْإِدَاوَةِ الْمُعَلَّقَةِ فِي عُنُقِهِ وَفِي أُخْرَى يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ إذْ لَا قُدْرَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
فَإِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِجَوَازِهِ لِمُسْتَيْقِظٍ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَكَيْفَ يَقُولُ بِانْتِقَاضِ تَيَمُّمِ الْمَارِّ بِهِ مَعَ تَحَقُّقِ غَفْلَتِهِ ا هـ .
مَا فِي الْبُرْهَانِ تَبَعًا لِلْكَمَالِ قُلْت لَكِنْ رُبَّمَا يُفَرِّقُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّوْمَ فِي حَالَةِ السَّفَرِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَشْعُرُ بِالْمَاءِ نَادِرٌ خُصُوصًا عَلَى وَجْهٍ لَا تَخَلَّلَهُ

الْيَقَظَةُ الْمُشْعِرَةُ بِالْمَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ نَوْمُهُ فَجُعِلَ كَالْيَقْظَانِ حُكْمًا أَوْ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا كَذَلِكَ الَّذِي لَمْ يَعْلَمْ بِالْمَاءِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ ، وَالنَّائِمُ قَادِرٌ تَقْدِيرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ مَرَّ بِهِ نَائِمٌ يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ بِالنَّوْمِ لَا بِالْمُرُورِ ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالْمُحْدِثِ الْغَيْرِ الْمُتَمَكِّنِ أَمَّا لَوْ كَانَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا مُتَمَكِّنًا فَالنَّقْضُ بِالْمُرُورِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ( قَوْلُهُ : أَيْ لَوْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مِنْهُ مَجْرُوحًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ) أَقُولُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ كَانَ بِرَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ جِرَاحَةٌ وَالرِّجْلُ لَا جِرَاحَةَ بِهَا يَتَيَمَّمُ سَوَاءٌ كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الْجَرِيحَةِ جَرِيحًا أَوْ صَحِيحًا وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهَا فِي نَفْسِ كُلِّ عُضْوٍ فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ جَرِيحًا فَهُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا
إلَخْ ) شَامِلٌ لِمَا إذَا تَسَاوَى الْجَرِيحُ وَالصَّحِيحُ وَلِمَا إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ صَحِيحًا وَعَلَيْهِ مَشَى قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ قَالَ : وَإِنْ اسْتَوَى الْجَرِيحُ ، وَالصَّحِيحُ تَكَلَّمُوا فِيهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ غَسْلُ الصَّحِيحِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُسَاوِيَ كَالْغَالِبِ فَيَتَيَمَّمُ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَهُوَ أَشْبَهُ ( قَوْلُهُ : غَسَلَ الْأَعْضَاءَ فِي الْوُضُوءِ ، وَالْغُسْلِ ) أَقُولُ الْمُرَادُ غَسَلَ الْأَعْضَاءَ الصَّحِيحَةَ وَأَمَّا الْجَرِيحَةُ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَعَلَى الْخِرْقَةِ إنْ ضَرَّهُ ( قَوْلُهُ : الْمَانِعُ مِنْ الْوُضُوءِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَمَفْهُومُهُ

أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعِيدُ وَتَقَدَّمَ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ وَهَلْ هُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ هُوَ بِسَبَبِ الْعَبْدِ فَتَجِبُ ذَهَبَ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إلَى الْأَوَّلِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ إلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ مَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْمُخَالَفَةِ لَكِنْ يُقَالُ إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِإِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ الْخَوْفُ الَّذِي لَمْ يَنْشَأْ عَنْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ ، وَالْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّجَرُّدِ عَنْ مُبَاشَرَةِ سَبَبٍ لَهُ مِنْ الْغَيْرِ فِي حَقِّ الْخَائِفِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قُلْت ) قَدْ نُقِلَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْوِقَايَةِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ فِي الْخَوْفِ مِنْ السَّبُعِ بِالِاتِّفَاقِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَمَحْبُوسٍ فِي السِّجْنِ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ حُبِسَ فِي السَّفَرِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ انْضَمَّ عُذْرُ السَّفَرِ إلَى الْعُذْرِ الْحَقِيقِيِّ ، وَالْغَالِبُ فِي السَّفَرِ عَدَمُ الْمَاءِ فَتَحَقَّقَ الْعَدَمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ .
ا هـ .
( قُلْت ) وَلَا يَخْلُو عَنْ قَيْدٍ ظَاهِرٍ لِلْمُتَأَمِّلِ .

( بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ) ( جَازَ بِالسُّنَّةِ ) الْمَشْهُورَةِ فَيَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَيَكُونُ مَنْ لَمْ يَرَهُ مُبْتَدِعًا لَكِنْ مَنْ رَآهُ وَلَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مُثَابًا قَالَ فِي الْكَافِي فَإِنْ قُلْت هَذِهِ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ لِمَا عُرِفَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُثَابَ بِإِتْيَانِ الْعَزِيمَةِ إذْ لَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً إذَا كَانَتْ الرُّخْصَةُ لِلْإِسْقَاطِ كَمَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ قُلْنَا الْعَزِيمَةُ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا ، وَالثَّوَابُ بِاعْتِبَارِ النَّزْعِ ، وَالْغَسْلِ وَإِذَا نَزَعَ صَارَتْ مَشْرُوعَةً .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا سَهْوٌ فَإِنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ خُفَّيْهِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ يَبْطُلُ مَسْحُهُ إذَا خَاضَ الْمَاءَ وَدَخَلَ فِي الْخُفِّ حَتَّى انْغَسَلَ أَكْثَرُ رِجْلَيْهِ وَلَوْلَا أَنَّ الْغَسْلَ مَشْرُوعٌ لَمَا بَطَلَ بِغَسْلِ الْبَعْضِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعِ الْخُفِّ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ أَقُولُ الْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا سَهْوٌ سَهْوٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي بِالْمَشْرُوعِيَّةِ الْجَوَازُ فِي نَظَرِ الشَّارِعِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ لَا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْظِيرُهُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْعَامِلَ بِالْعَزِيمَةِ ثَمَّةَ بِأَنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَأْثَمُ مَعَ أَنَّ فَرْضَهُ يَتِمُّ وَتَحْقِيقُ جَوَابِهِ أَنَّ الْمُتَرَخِّصَ مَا دَامَ مُتَرَخِّصًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ فَإِذَا زَالَ التَّرَخُّصُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ مَا دَامَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى إذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الْأَرْبَعِ يَجِبُ قَطْعُهَا وَالِافْتِتَاحُ بِالرَّكْعَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَإِذَا افْتَتَحَهَا بِنِيَّةِ الثِّنْتَيْنِ وَنَوَى الْإِقَامَةَ أَثْنَاءَ

الصَّلَاةِ تَحَوَّلَتْ إلَى الْأَرْبَعِ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهَا الْغَسْلُ حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَثِمَ وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ ، وَإِذَا نَزَعَ الْخُفَّ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغَسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ وُضُوحِهِ لِمَنْ تَدَرَّبَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى فَحْلٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْفُحُولِ ( مَرَّةً ) إذْ لَمْ يُسَنَّ فِي الْمَسْحِ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ فِي الْغَسْلِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْظِيفِ ، وَالْمَسْحُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَاسِحُ ( امْرَأَةً ) لِأَنَّ دَلِيلَ جَوَازِهِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّجُلِ مَعَ دُخُولِهِنَّ فِي عُمُومَاتِ الْخِطَابِ .

( بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ) ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْكَافِي
إلَخْ ) أَقُولُ مُحَصَّلُهُ أَنَّ الْجَوَازَ فِي كَلَامِ الْكَافِي بِمَعْنَى الْحِلِّ الْمُقَابِلِ لِلْحُرْمَةِ لَا بِمَعْنَى الصِّحَّةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْبُطْلَانِ فَإِشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ غَيْرُ وَارِدٍ فَإِنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ فَقَدْ أَقَرَّ صِحَّةَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِدًا عَلَى الْكَافِي وَلَمْ يَرْتَضِ الْكَمَالُ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ وَنَظَرَ فِيهِ بِقَوْلِهِ وَمَبْنَى هَدْمِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ يَعْنِي الَّذِي نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِبُطْلَانِ الْمَسْحِ بِخَوْضِ الْمَاءِ وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَيَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورِ مِنْ بَعْدِ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ يَعْنِي الْغَسْلَ لَمْ يَزُلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ الْغَسْلُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ وَوِزَانِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَدَثِ ، وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ ثُمَّ إنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ وَالنَّزْعِ إنَّمَا وَجَبَ

لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ انْتَهَى كَلَامُ الْكَمَالِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَأَقُولُ ) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ نَفْيَ الْفَرْقِ فِيهِ تَأَمُّلٌ وَإِنَّ الْأَوْجَهِيَّةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَا إذَا خَاضَ الْمَاءَ لَا عَلَى مَا إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ دَاخِلَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ ذَلِكَ الْفَرْعُ بِالْإِجْزَاءِ بِالْخَوْضِ فِيمَا ذَكَرَ صَرِيحًا بَلْ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ وَوَجْهُ التَّأَمُّلِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ حَكَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ بِغَسْلِ الرِّجْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ لِكَوْنِهِ كَغَسْلِ مَا لَمْ يَجِبْ فَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُوجِبْ النَّزْعَ لِحُصُولِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ وَهَذَا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ الْفَرْقِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ لِي هَذَا أَنَّ تِلْمِيذَهُ الْمُحَقِّقَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ رِجْلَيْهِ ثَانِيًا إذَا نَزَعَهُمَا أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْدِثٍ .
وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي الْبَحْرِ وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْمُحِبِّيُّ أَدَامَ اللَّهُ نَفْعَهُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَنْعَ صِحَّةِ الْغَسْلِ دَاخِلَ الْخُفِّ الْآنَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْمَانِعِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ عَمِلَ الْمُقْتَضِي عَمَلَهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ الْحَدَثِ فِي الْحَقِيقَةِ حَالَ التَّخَفُّفِ فَإِذَا نَزَعَ أَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ لَا يَجِبُ الْغَسْلُ لِظُهُورِ عَمَلِ الْمُقْتَضِي الْآنَ ا هـ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْغَسْلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهُ بَعْدَ نَزْعِ الْخُفِّ هَذَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كُلًّا مِنْ تَنْظِيرِ الْكَمَالِ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ فِي إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ بِمَلْحَظٍ غَيْرِ مَا لَحَظَهُ الْآخَرُ وَقَدْ نَقَلَهُمَا جَمِيعًا صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قُلْنَاهُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى هُدَاهُ ثُمَّ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ إذَا ابْتَلَّ قَدَمُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ بَلَغَ الْمَاءُ الرُّكْبَةَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ عَلِمْت

صِحَّةَ مَا بَحَثَهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ .
قُلْت لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ فَرْعٍ يُخَالِفُ فَرْعًا غَيْرَهُ بُطْلَانُهُ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ بِقَوْلِهِ مَاسِحُ الْخُفِّ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ خُفَّهُ وَابْتَلَّ مِنْ رِجْلِهِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ أَوْ أَقَلَّ لَا يَبْطُلُ مَسْحُهُ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُجْزِئُ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْمَسْحِ وَإِنْ ابْتَلَّ بِهِ جَمِيعُ الْقَدَمِ وَبَلَغَ الْكَعْبَ بَطَلَ الْمَسْحُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .
وَذَكَرَهُ أَيْضًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ : وَيَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي حَيْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ إذَا أَصَابَ الْمَاءُ أَكْثَرَ إحْدَى رِجْلَيْهِ يَنْتَقِضُ مَسْحُهُ ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مُحِيطٌ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا لَا يَنْتَقِضُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ا هـ .
وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَنْهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَوَاقِضِ الْمَسْحِ : وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ غَسْلَ أَكْثَرِ الْقَدَمِ يَنْقُضُهُ فِي الْأَصَحِّ ا هـ .
فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَصَحِّيَّةِ الْفَرْعِ وَضَعْفِ مَا يُقَابِلُهُ ( قَوْلُهُ : يَأْثَمُ ) فِي تَأْثِيمِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى .

( لَا جُنُبًا ) لِأَنَّ الْمَسْحَ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ الْجَنَابَةُ وَلِأَنَّ صِيغَةَ الْمُبَالَغَةِ أَعْنِي { فَاطَّهَّرُوا } أَوْجَبَتْ كَمَالَ التَّطْهِيرِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْمَسْحِ يَفُوتُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالُوا الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّصْوِيرِ فَإِنَّ مَنْ أَجْنَبَ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ لَكِنْ قِيلَ صُورَتُهُ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ثُمَّ يُجْنِبُ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ إذَا أَجْنَبَ فِي الْمُدَّةِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ .

( مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ ) هَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ عِنْدَ الْحَدَثِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هَاهُنَا الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ : لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ وَنَحْنُ نَقُولُ يَكْفِي كَوْنُ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ مَوْجُودَيْنِ وَقْتَ الْحَدَثِ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ زَمَانُ بَقَاءِ اللُّبْسِ لَا زَمَانُ حُدُوثِهِ ، وَالْمُفِيدُ لِلْبَقَاءِ ، وَالِاسْتِمْرَارِ هُوَ الِاسْمُ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُفِيدُ التَّجَدُّدَ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا أَحْسَنُ لِجَوَازِ تَوْجِيهِ عِبَارَةِ الْقَوْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ لَبِسَ وَعِنْدَ الْحَدَثِ مُتَعَلِّقًا بِتَامٍّ ، وَالْمَعْنَى إذَا لَبِسَهُمَا كَائِنًا عَلَى طُهْرٍ هُوَ تَامٌّ عِنْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ مَآلُ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدًا .
( قَوْلُهُ : مَلْبُوسَيْنِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ ) أَقُولُ الْأَوْلَى عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ التَّامَّةَ تَشْمَلُ التَّيَمُّمَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَيَمِّمِ الْمَسْحُ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا لَا مَانِعًا .
( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ ثُمَّ أَتَمَّ الْوُضُوءَ
إلَخْ ) فِي هَذَا التَّمْثِيلِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِوَجْهَيْنِ عَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ وَعَدَمِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللُّبْسِ وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ الثَّانِي فَقَطْ مَا لَوْ تَوَضَّأَ مُرَتِّبًا لَكِنَّهُ لَبِسَ الْيُمْنَى قَبْلَ الْيُسْرَى ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ لُبْسِ الْيُسْرَى .

( لِلْمُقِيمِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : جَازَ ( يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةً ) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا } ( مِنْ حِينِ الْحَدَثِ ) لَا حِينِ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ لِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمَسْحِ هُوَ وَقْتُ الْحَدَثِ .
قَوْلُهُ : مِنْ حِينِ الْحَدَثِ ) هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : لَا حِينَ اللُّبْسِ وَلَا الْمَسْحِ ) يَعْنِي كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ .

( عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ) مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِ جَازَ ، الْخُفُّ مَا يَسْتُرُ الْكَعْبَ أَوْ يَكُونُ الظَّاهِرُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرَهَا أَمَّا لَوْ ظَهَرَ قَدْرَهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَرْقِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ وَاسِعًا بِحَيْثُ تُرَى رِجْلُهُ مِنْ أَعْلَى الْخُفِّ قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِأَنَّ الْمَسْحَ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ ( أَوْ جُرْمُوقَيْهِ ) هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ فَوْقَ الْخُفِّ وِقَايَةً لَهُمَا ( الْمَلْبُوسَيْنِ عَلَى الْخُفِّ قَبْلَ الْحَدَثِ ) حَتَّى لَوْ لَبِسَهُمَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ بِالرَّأْيِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ } ثُمَّ إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الْخُفِّ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ بَلْ عَنْ الرِّجْلِ كَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا الْجُرْمُوقُ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ كَانَتْ بِالرِّجْلِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْخُفِّ وَظِيفَةٌ لِيَصِيرَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَيَصِيرُ الْجُرْمُوقُ بَدَلًا مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَيْهِ بَلْ يَمْنَعُ السِّرَايَةَ إلَى الرِّجْلِ وَلِذَا قُلْنَا إذَا أَحْدَثَ وَمَسَحَ بِالْخُفِّ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ فَلَبِسَ الْجُرْمُوقَ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسْحِ اسْتَقَرَّ بِالْخُفِّ فَصَارَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حُكْمًا فَلَوْ مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقِ يَكُونُ بَدَلًا عَنْهُ وَإِذًا لَا يَجُوزُ كَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ لُبِسَ فَوْقَ مَخِيطٍ مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ جُوخٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجُرْمُوقَ إذَا كَانَ بَدَلًا مِنْ الرِّجْلِ وَجُعِلَ الْخُفَّ مَعَ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَأَنْ يَكُونَ الْخُفُّ بَدَلًا عَنْ

الرِّجْلِ وَيُجْعَلَ مَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ أَوْلَى كَمَا فِي اللِّفَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْغَزَالِيَّ فِي الْوَجِيزِ وَالرَّافِعِيَّ فِي شَرْحِهِ لَهُ مَعَ الْتِزَامِهِمَا بِذِكْرِ خِلَافِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسَائِلِ أَوْرَدَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي صُورَةِ الِاتِّفَاقِ وَكَأَنَّ مَشَايِخُنَا إنَّمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فِيمَا اُشْتُهِرَ مِنْ كُتُبِهِمْ اكْتِفَاءً بِمَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْمُوقِ مِنْ كَوْنِهِ خَلَفًا عَنْ الرِّجْلِ ( أَوْ جَوْرَبَيْهِ الثَّخِينَيْنِ ) أَيْ بِحَيْثُ يَسْتَمْسِكَانِ عَلَى السَّاقِ بِلَا شَكٍّ كَانَ الْإِمَامُ لَا يُجَوِّزُ الْمَسْحَ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا وَيُجَوِّزُهُ صَاحِبَاهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا ، وَبِهِ يُفْتِي ( أَوْ الْمُنَعَّلَيْنِ ) الْمُنَعَّلِ ، وَالْمُنَعَّلُ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَالْخُفِّ ( أَوْ الْمُجَلَّدَيْنِ ) وَهُوَ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ فَيَكُونُ كَالْخُفِّ ( لَا ) يَجُوزُ الْمَسْحُ ( عَلَى عِمَامَةٍ وَقَلَنْسُوَةٍ وَبُرْقُعٍ ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْخِمَارُ ( وَقُفَّازَيْنِ ) مَا يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ لِدَفْعِ الْبَرْدِ أَوْ مِخْلَبِ الصَّقْرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَا حَرَجَ فِي نَزْعِهَا لَكِنْ لَوْ مَسَحَتْ عَلَى خِمَارِهَا وَنَفَذَتْ الْبَلَّةُ إلَى رَأْسِهَا حَتَّى ابْتَلَّ قَدْرُ الرُّبْعِ جَازَ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ .

( قَوْلُهُ : قَيَّدَ بِالظَّاهِرِ
إلَخْ ) أَقُولُهُ وَجَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى غَيْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَلَا كَذَلِكَ الْخُفُّ فَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ نُصْبِ الشَّرْعِ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ ( قَوْلُهُ : إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى بَاطِنِهِ ) أَشَارَ بِهِ إلَى مَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قَوْلُهُ : هُمَا خُفَّانِ يُلْبَسَانِ
إلَخْ ) .
أَقُولُ قَيَّدَ الْجُرْمُوقَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أُدُمٍ إذْ لَوْ كَانَ مِنْ الْكِرْبَاسِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى مَا تَحْتَهُ ا هـ .
وَكَذَا فِي الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ ، وَالْهِدَايَةِ ، وَالْبَحْرِ .
( وَأَقُولُ ) لَعَلَّ هَذَا التَّقْيِيدَ عَلَى الْمَرْجُوحِ لِمَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الثَّخِينِ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْتَصُّ الْجَوَازُ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ مُنْفَرِدًا فَيَجُوزُ وَلَوْ لُبِسَ عَلَى خُفٍّ مِثْلِهِ أَوْ مِنْ أُدُمٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : أَقُولُ يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَازُ الْمَسْحِ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ الْمَلِكِ : وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُفَّاهُ صَالِحَيْنِ لِلْمَسْحِ لِخَرْقِهِمَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوقَيْنِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْكَافِي ، وَنَقَلَ مِنْ فَتَاوَى الشَّاذِيِّ أَنَّ مَا يُلْبَسُ مِنْ الْكِرْبَاسِ الْمُجَرَّدِ تَحْتَ الْخُفِّ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لِكَوْنِهِ فَاصِلًا وَقِطْعَةُ كِرْبَاسٍ تُلَفُّ عَلَى الرِّجْلِ لَا تَمْنَعُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ

لِلُبْسٍ لَكِنْ يُفْهَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ لِأَنَّ الْخُفَّ الْغَيْرَ صَالِحٍ لِلْمَسْحِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَاصِلًا فَأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْكِرْبَاسِ فَاصِلًا أَوْلَى ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ : وَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِنَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الرُّومِ فِي الرُّومِ كَلَامٌ كَثِيرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ تَمَسَّكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الشَّاذِيِّ وَأَفْتَى بِمَنْعِ الْمَسْحِ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الْمَلَكِ فِي عَزْوِهِ لِلْكَافِي إذْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافِي النَّسَفِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَفْتَى بِالْجَوَازِ وَهُوَ الْحَقُّ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا ) أَقُولُ وَلَمْ يَكُنْ الرُّجُوعُ نَصًّا مِنْهُ بَلْ اسْتِدْلَالًا لِمَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، وَقَالَ لِعُوَّادِهِ فَعَلْت مَا كُنْت أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْهُ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا .
وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مُحِيطِ وَكَانَ الشَّيْخُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ هَذَا كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ رُجُوعًا إلَى قَوْلِهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ رُجُوعًا وَيَكُونُ اعْتِذَارًا لَهُمْ إنَّمَا أَخَذْت بِقَوْلِ الْمُخَالِفِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِالشَّكِّ انْتَهَى .
( قَوْلُهُ : وَبُرْقُعٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا الْخِمَارُ ) أَقُولُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ الْبُرْقُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا خُرَيْقَةٌ تُثْقَبُ لِلْعَيْنَيْنِ تَلْبَسُهَا الدَّوَابُّ وَنِسَاءُ الْعَرَبِ عَلَى وُجُوهِهِنَّ .

( وَفَرْضُهُ ) أَيْ فَرْضُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ( قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعِ الْيَدِ ) مِنْ كُلِّ رِجْلٍ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ مَسَحَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى مِقْدَارَ خَمْسِ أَصَابِعَ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَبِلَا تَجْدِيدٍ لَا ، وَلَوْ أَصَابَ مَوْضِعَ الْمَسْحِ مَاءُ مَطَرٍ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ جَازَ وَكَذَا لَوْ مَشَى فِي حَشِيشٍ مُبْتَلٍّ بِالْمَطَرِ أَوْ الطَّلِّ أَوْ أَصَابَ الْخُفَّ طَلٌّ قَدْرَ الْوَاجِبِ وَذِكْرُ الْيَدِ احْتِرَازٌ عَنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ كَمَا رَوَى الْكَرْخِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَفَرْضُهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْيَدِ ) يَعْنِي مِنْ أَصْغَرِهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ، وَالْبُرْهَانِ وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِذِكْرِ قَدْرِ الْآلَةِ عَنْ ذِكْرِ قَدْرِ الْمَمْسُوحِ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِبَيَانِ الْآلَةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَأَشَارَ بِلَفْظِ الْقَدْرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِذَاتِ الْأَصَابِعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدُ .
( تَنْبِيهٌ ) : شَرْطُهُ بَقَاءُ قَدْرِ الْمَفْرُوضِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْقَدَمَيْنِ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الرِّجْلِ إذْ لَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ قَدْرُهُ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ الطَّلِّ ) هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ بِالطَّلِّ لِأَنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ لَا مَاءٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرَ الْيَدَ
إلَخْ ) .
أَقُولُ ، وَالْمُحْتَرِزُ بِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( وَسُنَّتُهُ مَدُّهَا ) أَيْ الْأَصَابِعِ حَالَ كَوْنِهَا ( مُفَرَّجَةً مِنْ أَصَابِعِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْمَشَايِخِ يَشْهَدُ بِهِ التَّتَبُّعُ فَلَا وَجْهَ لِمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إنَّمَا هُوَ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فَلَا اعْتِبَارَ لَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَدَّ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ إذَا كَانَ سُنَّةً لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَأَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرَ ( خَرْقُ قَدْرِ ثَلَاثِهَا ) أَيْ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْقَدَمِ ( الْأَصَاغِرِ يَمْنَعُهُ ) أَيْ الْمَسْحَ وَهُوَ خَبَرُ قَوْلِهِ خَرْقُ اعْتَبَرَ أَصَابِعَ الْقَدَمِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْقَدَمِ حَتَّى تَجِبُ الدِّيَةُ بِقَطْعِهَا بِلَا كَفٍّ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ وَلِأَنَّهَا الْمُنْكَشِفَةُ وَاعْتَبَرَ الْأَصَاغِرَ لِلِاحْتِيَاطِ هَذَا إذَا كَانَ خَرْقُ الْخَلْفِ غَيْرَ مُقَابِلٍ لِلْأَصَابِعِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْعَقِبِ أَمَّا إذَا كَانَ مُقَابِلًا لَهَا فَالْمُعْتَبَرُ ظُهُورُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِمَّا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرْقِ لِأَنَّ كُلَّ أُصْبُعٍ أَصْلٌ فِي مَوْضِعِهَا وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَكْثَرُهُ ، وَالْخَرْقُ فَوْقَ الْكَعْبِ لَا يَمْنَعُ إذْ لَا عِبْرَةَ لِلُبْسِهِ ، وَظُهُورُ الْأَنَامِلِ لَا يَمْنَعُ فِي الْأَصَحِّ بَلْ الْمَانِعُ ظُهُورُ قَدْرِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِكَمَالِهَا ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ الْخَرْقُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ مُنْفَرِجًا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَإِنْ لَمْ يُرَ مَا تَحْتَهُ لِصَلَابَةِ الْخُفِّ لَكِنَّهُ إذَا أَدْخَلَ فِيهِ الْأَصَابِعَ دَخَلَتْ لَا يَمْنَعُ ، وَلَوْ بَدَا حَالَ الْمَشْيِ لَا حَالَ وَضْعِ الْقَدَمِ يَمْنَعُ لِأَنَّهُ لِلْمَشْيِ يُلْبَسُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25