كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

( كِتَابُ الْمَفْقُودِ ) ( هُوَ ) لُغَةً مِنْ فَقَدْت الشَّيْءَ غَابَ عَنِّي وَأَنَا فَاقِدٌ وَهُوَ مَفْقُودٌ وَاصْطِلَاحًا ( غَائِبٌ لَمْ يُدْرَ أَثَرُهُ ) أَيْ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ ( وَلَمْ يُسْمَعْ خَبَرُهُ ) أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ ( حَيٌّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ) بِالِاسْتِصْحَابِ ( فَلَا نِكَاحَ لِعُرْسِهِ ) لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ } الْآيَةَ ( وَلَا يُقْسَمُ مَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُعْرَفَ حَالُهُ ) لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ الْحَيَاةُ وَالْقِسْمَةُ بَعْدَ الْمَمَاتِ ( وَلَا تُفْسَخُ إجَارَتُهُ ) لِأَنَّهَا لَا تُفْسَخُ قَبْلَ الْمَوْتِ .
( وَيُقِيمُ الْقَاضِي مَنْ يَقْبِضُ حَقَّهُ ) الْكَائِنَ فِي ذِمَمِ النَّاسِ ( وَيَحْفَظُ مَالَهُ وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ فَسَادُهُ ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِكُلِّ عَاجِزٍ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَفْقُودِ كَذَلِكَ وَفِي نَصْبِ الْحَافِظِ لَهُ وَالْقَائِمِ عَلَيْهِ نَظَرٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ غَلَّاتِهِ وَالدَّيْنَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ غَرِيمٌ مِنْ غُرَمَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَيُخَاصِمُ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حُقُوقِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ وَلَا فِي نَصِيبٍ لَهُ فِي عَقَارٍ أَوْ عُرُوضٍ فِي يَدِ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ بَلْ هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فِي الدَّيْنِ ، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا مِنْ الْحُقُوقِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى دَعْوَاهُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ بَيِّنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلُ الْقَاضِي وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ خَصْمًا ، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَيُنْفِقُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ بِالْوَلَاءِ كَوَلَدِهِ وَأَبَوَيْهِ وَعُرْسِهِ ) لِمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ .
الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ

مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فِي مَالِ الْمَفْقُودِ حَالَ حُضُورِهِ بِلَا قَضَاءِ الْقَاضِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حِينَئِذٍ يَكُونُ إعَانَةً وَكُلُّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا فِي حُضُورِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ حِينَئِذٍ تَجِبُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ ( لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ) أَيْ بَيْنَ الْمَفْقُودِ وَعُرْسِهِ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا امْرَأَتُهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْبَيَانُ } ( وَلَوْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ ) وَعِنْدَ مَالِكٍ إذَا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ ( وَمَيِّتٌ ) عَطْفٌ عَلَى حَيٌّ ( فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ بِهِ إذَا مَاتَ الْمُوصِي ) ( بَلْ يُوقَفُ قِسْطُهُ مِنْ مَالِ مُوَرِّثِهِ وَمُوصِيهِ إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ ) اُخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ حَيَاتِهِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا فَإِنَّ مَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَطَرِيقُهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إلَى مِثَالِهِ كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَمَهْرِ مِثْلِ النِّسَاءِ ، وَبَقَاؤُهُ بَعْدَ كُلِّ أَقْرَانِهِ نَادِرٌ وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ الْغَالِبِ وَاعْتُبِرَ أَقْرَانُهُ فِي بَلَدِهِ ؛ لِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ حَالِ الْأَقْرَانِ فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ خَارِجٌ عَنْ الْإِمْكَانِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُخْتَارُ أَنْ يُفَوَّضَ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ ، وَكَذَا غَلَبَةُ الظَّنِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَإِنَّ الْمَلِكَ الْعَظِيمَ إذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي أَدْنَى مُدَّةٍ أَنَّهُ مَاتَ لَا سِيَّمَا إذَا دَخَلَ مَهْلَكَةً وَلَمْ يَكُنْ سَبَبُ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مُدَّتِهِ إلَّا اخْتِلَافَ آرَائِهِمْ فِيهِ فَلَا مَعْنَى لِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ لَهُ ( فَإِنْ ظَهَرَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ ( حَيًّا ) ( فَلَهُ ذَلِكَ ) أَيْ

الْقِسْطُ الْمَوْقُوفُ ( وَبَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِ أَقْرَانِهِ ( يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي ) حَقِّ ( مَالِهِ يَوْمَ تَمَّتْ الْمُدَّةُ ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِهِ أَيْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا يَوْمَ تَمَامِ الْمُدَّةِ ( فَتَعْتَدُّ عُرْسُهُ ) لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ الْآنَ مَاتَ ( لِلْمَوْتِ ) يَعْنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ( وَيُقْسَمُ مَالُهُ بَيْنَ مَنْ يَرِثُهُ الْآنَ ) وَلَا يَرِثُهُ وَارِثٌ مَاتَ قَبْلَ الْمُدَّةِ .
( وَفِي مَالِ غَيْرِهِ ) عَطْفٌ عَلَى فِي مَالِهِ أَيْ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ فِي حَقِّ مَالِ غَيْرِهِ ( مِنْ حِينِ فُقِدَ ) حَتَّى لَا يَكُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحِينِ مَالِكًا لِمَالِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مَيِّتٌ وَالْمَيِّتُ لَا يَمْلِكُ مَالًا ( فَيُرَدُّ مَا وُقِفَ لَهُ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ ) لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِهَذَا الْمَالِ الْمَوْقُوفِ إلَى الْآنَ ، وَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَالِ حُجَّةٌ دَافِعَةٌ لَا مُثْبِتَةٌ فَالْمَفْقُودُ قَبْلَ الْمُدَّةِ حَيٌّ فَلَا يَرِثُهُ الْوَارِثُ الَّذِي كَانَ حَيًّا وَقْتَ فَقْدِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا فَيَصْلُحُ حُجَّةً لِدَفْعِ أَنْ يَرِثَهُ الْغَيْرُ وَفِي مَالِ غَيْرِهِ مَيِّتٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلْحُجِّيَّةِ لِإِيجَابِ إرْثِهِ مِنْ الْغَيْرِ فَيُرَدُّ مَا وُقِفَ لِلْمَفْقُودِ إلَى مَنْ يَرِثُ مُوَرِّثَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ ( لَيْسَ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُ أَمَةِ الْغَائِبِ وَالْمَجْنُونِ وَعَبْدِهِمَا وَلَهُ أَنْ يُكَاتِبَهُمَا وَيَبِيعَهُمَا ) كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ .

( كِتَابُ الْمَفْقُودِ ) ( قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً مِنْ فَقَدْت الشَّيْءَ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْفَقْدِ وَالِاسْمُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْأَضْدَادِ تَقُولُ فَقَدْتُ الشَّيْءَ أَيْ أَضْلَلْتُهُ وَفَقَدْته أَيْ طَلَبْته وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمَفْقُودِ فَقَدْ ضَلَّ عَنْ أَهْلِهِ وَهُمْ فِي طَلَبِهِ قَوْلُهُ وَيُخَاصِمُ ) يَعْنِي الْوَكِيلَ فِي كُلِّ دَيْنٍ وَجَبَ بِعَقْدِهِ أَيْ عَقْدِ الْوَكِيلِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى الْمَفْقُودِ حَقًّا
إلَخْ ) مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُخَاصِمُ فِي الدَّيْنِ الَّذِي تَوَلَّاهُ الْمَفْقُودُ
إلَخْ ( قَوْلُهُ وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) أَقُولُ نَعَمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشْكَالِ عَلَى مَا نَصَّ فِي الْمَذْهَبِ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ قَالَ : وَلَا يُخَاصِمُ فِي دَيْنٍ لَمْ يُقِرَّ بِهِ الْغَرِيمُ إلَى أَنْ قَالَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا فَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ قِيلَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ الْقَاضِي مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ سَبَبُ الْقَضَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَمْ لَا فَإِذَا رَآهَا الْقَاضِي حُجَّةً وَقَضَى بِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ كَمَا لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ .
هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ وَإِلَّا لَمْ يُتَصَوَّرْ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ أَبَدًا فَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ حَتَّى يُنْفِذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي وَاقِعَةٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ يَنْفُذُ

حُكْمُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذِ أَحَدٍ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهَا قَبْلَ الْحُكْمِ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ عَلَى أَقْرِبَائِهِ بِالْوَلَاءِ
إلَخْ ) يَعْنِي مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذَكَرَ هُنَا ) هَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ كَمَا فِي ابْنِ الضِّيَاءِ .
وَفِي الْبُرْهَانِ وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ بَعْدَ تِسْعِينَ سَنَةً عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَالْأَرْفَقُ بِالنَّاسِ التَّقْدِيرُ بِتِسْعِينَ سَنَةً ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ وَالْفَحْصُ عَنْ حَالِ الْأَقْرَانِ أَنَّهُمْ مَاتُوا أَوْ لَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ .

( كِتَابُ اللَّقِيطِ ) وَهُوَ لُغَةً مَا يُلْقَطُ أَيْ يُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الصَّبِيِّ الْمَنْبُوذِ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُلْقَطُ ، وَشَرْعًا مَوْلُودٌ طَرَحَهُ أَهْلُهُ خَوْفًا مِنْ الْعَيْلَةِ أَوْ فِرَارًا مِنْ التُّهْمَةِ ( نُدِبَ رَفْعُهُ ) إنْ لَمْ يُخَفْ هَلَاكُهُ بِأَنْ وُجِدَ فِي الْأَمْصَارِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ الشَّفَقَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ ( وَوَجَبَ إنْ خِيفَ هَلَاكُهُ ) بِأَنْ وُجِدَ فِي مَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَهَالِكِ كَمَنْ رَأَى أَعْمَى يَقَعُ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ عَنْ الْوُقُوعِ ، وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ ( وَهُوَ حُرٌّ إلَّا بِحُجَّةِ رِقِّهِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي بَنِي آدَمَ الْحُرِّيَّةُ لِكَوْنِهِمْ أَوْلَادَ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ ثُمَّ إنَّهُ حُرٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ حَتَّى إنَّ قَاذِفَهُ يُحَدُّ لَا قَاذِفَ أُمِّهِ لِوُجُودِ وَلَدٍ مِنْهَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ ( وَنَفَقَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِرْثُهُ لَهُ ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ ( إنْفَاقُ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ تَبَرُّعٌ لَا يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( وَإِنْ أَمَرَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطَ ( الْقَاضِي بِهِ ) أَيْ بِالْإِنْفَاقِ ( فِي الْأَصَحِّ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ ) فَحِينَئِذٍ يَكُونُ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ يَرْجِعُ بِهِ الْمُلْتَقِطُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ أَمْرِ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي الرُّجُوعِ عَلَى اللَّقِيطِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا إذَا قَضَى دَيْنًا عَلَى شَخْصٍ بِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَفِي الْأَصَحِّ لَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِمَا ذَكَرَ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَهُ قَدْ يَكُونُ لِلْحَثِّ وَالتَّرْغِيبِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ ( فَإِنْ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ الْإِنْفَاقَ كَمَا ذَكَرَ ) أَيْ بِقَوْلِ الْقَاضِي عَلَى

أَنْ يَكُونَ دَيْنًا عَلَيْهِ ( فَكَذَّبَهُ ) أَيْ اللَّقِيطُ الْمُلْتَقِطَ ( لَا يَرْجِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا أَنْفَقَ عَلَى الصَّغِيرِ حَيْثُ يُصَدَّقُ فِي الْإِنْفَاقِ الْمُتَعَارَفِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيِّنَةٍ ( أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( لَا يَقْبَلُهُ ) أَيْ اللَّقِيطَ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى كَوْنِهِ لَقِيطًا ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَلَدَهُ أَوْ بَعْضَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَاحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ لِيَدْفَعَ النَّفَقَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا أَقَامَهَا قَبِلَهَا الْقَاضِي بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ ( وَبَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ ( الْأَوْلَى قَبُولُهُ إنْ عَلِمَ عَجْزَهُ ) أَيْ عَجْزَ الْمُلْتَقِطِ ( فَإِنْ ) أَيْ بَعْدَمَا قَبِلَهُ إنْ ( وَضَعَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( عِنْدَ آخَرَ فَطَلَبَهُ الْأَوَّلُ ) ( فَهُوَ ) أَيْ الْقَاضِي ( مُخَيَّرٌ ) بَيْنَ الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ ( وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ آخِذِهِ ) لِسَبْقِهِ فِي الْأَخْذِ ( وَإِنْ دَفَعَهُ ) أَيْ آخِذُهُ ( إلَى آخَرَ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهُ ) لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ .
كِتَابُ اللَّقِيطِ ) ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُوجَدَ فِي الْأَمْصَارِ ) الْمُرَادُ وُجْدَانُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ سَوَاءٌ كَانَ مِصْرًا أَوْ قَرْيَةً ( قَوْلُهُ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَيْهِ

( وَنَسَبُهُ ) يَثْبُتُ ( مِمَّنْ ادَّعَاهُ وَلَوْ ) كَانَ الْمُدَّعِي ( رَجُلَيْنِ ) فَيَكُونُ وَلَدًا لَهُمَا كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ ( أَوْ ) يَثْبُتُ ( مِمَّنْ يَصِفُ مِنْهُمَا ) أَيْ الرَّجُلَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ ( عَلَامَةً بِهِ ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ وَلَدًا لِلْوَاصِفِ دُونَ الْآخَرِ ( أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ ) عَطْفٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً ذَاتَ زَوْجٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلَدًا لَهَا ( إنْ صَدَّقَهَا ) أَيْ الزَّوْجُ ( أَوْ بَرْهَنَتْ ) هِيَ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهَا ( أَوْ ) كَانَ الْمُدَّعِي ( امْرَأَتَيْنِ فَبَرْهَنَتْ كُلٌّ ) عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ وَلَدًا لَهُمَا ( أَوْ عَبْدًا ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَبْدًا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ( فَيَكُونُ حُرًّا ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الْحُرِّيَّةُ ( أَوْ ذِمِّيًّا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَقَرِّهِمْ ) أَيْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ بَلْ فِي مِصْرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ أَوْ مَوْضِعٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ ( وَذِمِّيًّا إنْ كَانَ فِيهِ ) أَيْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ بِأَنْ وُجِدَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بَيْعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ ( مَا شُدَّ عَلَيْهِ ) مِنْ الْمَالِ ( أَوْ عَلَى دَابَّةٍ هُوَ عَلَيْهَا لَهُ ) أَيْ لِلَّقِيطِ اعْتِبَارًا لِلظَّاهِرِ ( صَرَفَهُ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ ذَلِكَ الْمَالَ ( إلَيْهِ ) أَيْ اللَّقِيطِ ( بِأَمْرِ الْقَاضِي ) لِأَنَّهُ مَالٌ ضَائِعٌ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةُ صَرْفِ مِثْلِهِ إلَيْهِ ( وَقِيلَ بِدُونِهِ ) لِأَنَّهُ لِلَّقِيطِ ظَاهِرًا وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ( لِلْمُلْتَقِطِ قَبْضُ هِبَتِهِ ) أَيْ مَا وُهِبَ لِلَّقِيطِ ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ ( وَنَقْلُهُ حَيْثُ شَاءَ ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( وَتَسْلِيمُهُ فِي حِرْفَةٍ ) لِأَنَّهُ مِنْ تَأْدِيبِهِ وَحِفْظِ حَالِهِ ( لَا إنْكَاحُهُ ) لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْوِلَايَةِ مِنْ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ وَالْحُكُومَةِ ( وَلَا تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ ) كَالْأُمِّ فَإِنَّ وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ لِتَثْمِيرِ الْمَالِ وَهُوَ

يَحْصُلُ بِالرَّأْيِ الْكَامِلِ وَالشَّفَقَةِ الْوَافِرَةِ وَالْمَوْجُودُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَحَدُهُمَا .
( وَ ) لَا ( إجَارَتُهُ ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ فَأَشْبَهَ الْعَمَّ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهَا كَمَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ ( فِي الْأَصَحِّ ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ تَجُوزُ إجَارَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَأْدِيبِهِ وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ( وَلَا أَنْ يَخْتِنَهُ ، فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَ بِهِ ضَمِنَ ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ .

( قَوْلُهُ وَنَسَبُهُ يَثْبُتُ مِمَّنْ ادَّعَاهُ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَدَّعِهِ الْمُلْتَقِطُ اسْتِحْسَانًا وَيَكُونُ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ يَصِحُّ فِي حَقِّ النَّسَبِ دُونَ إبْطَالِ الْيَدِ لِلْمُلْتَقِطِ ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُلْتَقِطُ فَدَعْوَةُ الْمُلْتَقِطِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالْآخَرُ مُسْلِمًا كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ مِنْ الذِّمِّيِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ إذَا كَانَ حُرًّا ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالْإِسْلَامِ يَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَلَا اسْتِوَاءَ ، وَكَذَا الْعَبْدُ لَا يَتَرَجَّحُ بِالسَّيِّدِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي رَجُلَيْنِ ) أَقُولُ بِأَنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا مِنْ يَدٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ ذِكْرِ عَلَامَةٍ .
ا هـ .
أَقُولُ أَوْ حُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ وَلَوْ سَبَقَتْ دَعْوَةُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ ابْنُهُ لِعَدَمِ النِّزَاعِ وَلَوْ ادَّعَى الْآخَرُ بَعْدَهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَوْلُهُ وَذِمِّيًّا إنْ كَانَ فِيهِ ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ لَهُ مِنْ مَقَرِّ الذِّمِّيِّينَ مُسْلِمًا وَذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَفِي كِتَابِ اللَّقِيطِ الْعِبْرَةُ لِلْمَكَانِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعِبْرَةُ لِلْوَاجِدِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أَيُّهُمَا كَانَ مُوجِبًا لِإِسْلَامِهِ فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ وَفِي رِوَايَةٍ يُحَكَّمُ زِيُّهُ ا هـ .
وَفِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَوَاضِعِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مُسْلِمًا ، وَإِنْ ادَّعَاهُ ذِمِّيٌّ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ لِاحْتِيَاجِهِ لِلنَّسَبِ أَوْ وَجَدَهُ ذِمِّيٌّ فِي مَوَاضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَانَ ذِمِّيًّا رِوَايَةً وَاحِدَةً أَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ فِي مَوْضِعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَاعْتِبَارُ الْمَكَانِ أَوْ اعْتِبَارُ الْوَاجِدِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ الزِّيِّ رِوَايَاتٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَسْلَمُهَا الْإِسْلَامُ ،

وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ .
ا هـ .
.

( كِتَابُ اللُّقَطَةُ ) وَهِيَ اسْمُ اللَّقِيطِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ اللَّقِيطِ فِي الْآدَمِيِّ وَاللُّقَطَةِ فِي غَيْرِهِ ( نُدِبَ رَفْعُهَا لِصَاحِبِهَا ) لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا رُبَّمَا تَصِلُ إلَيْهَا يَدٌ خَائِنَةٌ فَتَكْتُمُهَا عَنْ مَالِكِهَا فَيَضِيعُ مَالُهُ فَكَانَ رَفْعُهَا وَسِيلَةً إلَى إيصَالِ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ ، وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ إذَا خَافَ الضَّيَاعَ كَمَا مَرَّ ( فَإِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ ) بِأَنَّهُ أَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا عَلَى صَاحِبِهَا ( وَعَرَّفَ ) فِي مَكَانِ وُجِدَتْ فِيهِ وَفِي الْجَامِعِ بِأَنْ يُنَادِيَ إنِّي وَجَدْت لُقَطَةً لَا أَدْرِي مَالِكَهَا فَلْيَأْتِ مَالِكُهَا وَلْيَصِفْهَا لِأَرُدَّهَا عَلَيْهِ ( إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا أَوْ أَنَّهَا تَفْسُدُ ) إنْ بَقِيَتْ بَعْدَ هَذَا كَالْأَطْعِمَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْأَكْلِ وَبَعْضِ الثِّمَارِ ( كَانَتْ أَمَانَةً ) عِنْدَهُ حَتَّى إذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ ( قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَأُخِذَتْ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ تَعْرِيفُ لُقَطَةِ الْحَرَمِ إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا ( فَيَنْتَفِعَ ) أَيْ الرَّافِعُ ( بِهَا ) أَيْ بِاللُّقَطَةِ ( لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا ) عَلَى فَقِيرٍ ( وَلَوْ عَلَى أَصْلِهِ ) مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ الْفُقَرَاءِ ( وَفَرْعِهِ ) مِنْ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ الْفُقَرَاءِ ( وَعُرْسِهِ ) الْفَقِيرَةِ ( فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا أَجَازَهُ ) أَيْ التَّصَدُّقَ ( وَلَهُ أَجْرُهُ ) أَيْ الثَّوَابِ ( أَوْ أَخَذَهَا مِنْ الْفَقِيرِ لَوْ ) كَانَتْ ( قَائِمَةً وَإِلَّا ضَمَّنَ ) صَاحِبُهَا ( الْآخِذَ أَوْ الْفَقِيرَ بِلَا رُجُوعٍ بَيْنَهُمَا ) يَعْنِي إنْ ضَمَّنَ الْآخِذَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْفَقِيرِ ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْفَقِيرَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآخِذِ ( وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ، فَإِنْ أَشْهَدَ ( فَإِنْ ) ( أَقَرَّ ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ ( بِأَخْذِهَا لَهُ ) نَفْسِهِ ( ضَمِنَ وِفَاقًا ) إنْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ( وَإِنْ تَصَادَقَا ) أَيْ الْمُلْتَقِطُ وَالصَّاحِبُ ( عَلَى أَخْذِهَا لِصَاحِبِهَا

) ( لَمْ يَضْمَنْ وِفَاقًا ) لِأَنَّ تَصَادُقَهُمَا حُجَّةٌ فِي حَقِّهِمَا وَصَارَ كَالْبَيِّنَةِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) بِأَنْ قَالَ الْمُلْتَقِطُ أَخَذْتُهَا لَك ، وَقَالَ صَاحِبُهَا أَخَذْتُهَا لَك ( ضَمِنَ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) بَلْ الْقَوْلُ لَهُ فِي أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلرَّدِّ ( وَإِنْ ) ( لَمْ يَجِدْ مَنْ يُشْهِدُهُ أَوْ وَجَدَ لَكِنَّهُ تَرَكَ لِخَوْفِهِ مِنْ أَخْذِ الظَّالِمِ إيَّاهَا ) ( قَالُوا لَمْ يَضْمَنْ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( كَذَا الْبَهِيمَةُ ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ( وَمَا ) ( أَنْفَقَ ) الْمُلْتَقِطُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْبَهِيمَةِ ( بِلَا إذْنِ الْقَاضِي ) ( تَبَرُّعٌ وَبِهِ ) أَيْ بِإِذْنِهِ ( دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا ) فَإِذَا حَضَرَ يَأْخُذُهُ مِنْهُ الْمُلْتَقِطُ بِحُكْمِ الْقَاضِي ( وَآجَرَ الْقَاضِي مَا لَهُ نَفْعٌ ) أَيْ يَنْتَفِعُ بِهِ بِالْإِجَارَةِ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالثَّوْرِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَالِكَ لَوْ كَانَ حَيًّا لَحَضَرَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْقَاءَ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِهِ بِلَا إلْزَامِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فِي هَذَا الْمَقَامِ وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْآبِقِ وَلَمْ أَجِدْهُ فِي غَيْرِهِمَا بَلْ وَجَدْتُ فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ حَيْثُ قَالُوا لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْآبِقِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَأْبَقَ ، وَلِهَذَا تَرَكْتُهُ ( وَمَا لَا نَفْعَ لَهُ ) مِنْ الْبَهَائِمِ كَالشَّاةِ وَنَحْوِهَا ( أَذِنَ الْقَاضِي بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَشَرَطَ الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهَا ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ ( إنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ هُوَ الْأَصْلَحُ وَإِلَّا ) أَمَرَ ابْتِدَاءً ( بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ الدَّائِرَةَ مُسْتَأْصَلَةٌ ( وَلِلْمُنْفِقِ حَبْسُهَا ) أَيْ مَنْعُ الْبَهِيمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا ( لِأَخْذِ نَفَقَتِهَا ) لِأَنَّ إبْقَاءَهَا إلَى الْآنَ كَانَ بِنَفَقَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْمِلْكَ مِنْهُ ( فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ

فَيَهْلَكُ بِمَا حَبَسَهُ بِهِ ( وَقَبْلَهُ لَا ) إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ حُكْمَ الرَّهْنِ عِنْدَ اخْتِيَارِ الْحَبْسِ ( بَيَّنَ مُدَّعِيهَا عَلَامَتَهَا حَلَّ الدَّفْعُ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا فَادْفَعْهَا } وَهَذَا الْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ إنَّمَا هُوَ بِالْبَيِّنَةِ عَمَلًا بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ( وَلَا يَجِبُ بِلَا حُجَّةٍ ) لِمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ ( رَجُلٌ مَاتَ بِالْبَادِيَةِ جَازَ لِرَفِيقِهِ بَيْعُ مَتَاعِهِ وَمَرْكَبِهِ وَحَمْلُ ثَمَنِهِ إلَى أَهْلِهِ ) كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ ( حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَلُقَطَةٌ ) يُرَاعَى فِيهِ حُكْمُهَا ( وَإِلَّا فَحَلَالٌ لِمَنْ أَخَذَ ) كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ الْأَصْلِيَّةِ .

( كِتَابُ اللُّقَطَةِ ) ( قَوْلُهُ نُدِبَ رَفْعُهَا ) هَذَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الطَّمَعَ فِيهَا بِأَنْ يَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ الْأَمَانَةَ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ ( قَوْلُهُ وَعَرَّفَ إلَى أَنْ عَلِمَ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُعَرِّفُ الْمِائَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا حَوْلًا وَالْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا شَهْرًا وَمَا دُونَهَا إلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَيَّامًا عَشَرَةً أَوْ شَهْرًا وَيُعَرِّفُ الثَّلَاثَةَ إلَى الدِّرْهَمِ جُمُعَةً أَوْ ثَلَاثًا وَالدِّرْهَمَ يَوْمًا وَالْفَلْسَ بِالنَّظَرِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً ، ثُمَّ يَضَعُهُ فِي كَفِّ فَقِيرٍ أَوْ يُعَرِّفُهَا حَوْلًا مُطْلَقًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ زَادَ عَلَى السَّنَةِ وَنَقَصَ مِنْهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ عَنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( قَوْلُهُ وَأُخِذَتْ مِنْ الْحِلِّ أَوْ الْحَرَمِ
إلَخْ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ ، وَلَوْ أُخِذَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْتَفِعُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِهَا ، وَإِنَّمَا يُعَرِّفُ أَبَدًا إلَى أَنْ يَجِيءَ صَاحِبُهَا ( قَوْلُهُ فَيَنْتَفِعُ بِهَا لَوْ فَقِيرًا ) أَقُولُ وَذَا بِإِذْنِ الْقَاضِي عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ بِدُونِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَخْذِهَا لَمْ يَضْمَنْ ) أَقُولُ وَكَذَا لَمْ يَضْمَنْ لَوْ أَعَادَ اللُّقَطَةَ إلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ بَعْدَمَا أَخَذَهَا لِيُعَرِّفَ وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهَا لَوْ هَلَكَتْ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا صَاحِبُهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالضَّمَانُ عَلَى مُسْتَهْلِكِهَا وَقِيلَ إنَّهُ يَبْرَأُ إذَا رَدَّهَا قَبْلَ تَحَوُّلِهِ مِنْ مَوْضِعِهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ أَيْ بِإِذْنِهِ ) يَعْنِي الْقَاضِي دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا أَقُولُ وَبِمُجَرَّدِ إذْنِهِ لَا يَكُونُ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُشْتَرَطَ وَيَجْعَلَهُ دَيْنًا

عَلَيْهِ كَمَا فِي اللَّقِيطِ ، وَلَا يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لُقَطَةٌ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ فَيَحْتَالُ لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْمَغْصُوبِ وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ لَيْسَتْ لِلْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا هِيَ لِيَنْكَشِفَ الْحَالُ فَتُقْبَلُ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً
إلَخْ ) أَقُولُ التَّقْيِيدُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ لِيَبْقَى دَيْنًا يَسِيرًا عَلَى الْمَالِكِ لَا يَسْتَأْصِلُ اللُّقَطَةَ أَمَّا لَوْ كَانَ فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا إحْيَاءً لِلدَّابَّةِ وَنَظَرًا لِلْمَالِكِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ دَيْنٌ ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ ا هـ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْبَهِيمَةِ نَفْعٌ آجَرَهَا الْقَاضِي وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ غَلَّتِهَا أَيْ أَمَرَ الْمُلْتَقِطَ بِذَلِكَ إحْيَاءً لِلدَّابَّةِ وَنَظَرًا لِلْمَالِكِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ دَيْنٌ ، وَكَذَا يَفْعَلُ بِالْآبِقِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نَفْعٌ أَذِنَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا لَوْ رَآهُ مَصْلَحَةً بِأَنْ كَانَتْ اللُّقَطَةُ نَفِيسَةً وَالْمُدَّةُ قَرِيبَةً كَيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ مَصْلَحَةً أَوْ أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَمَرَ بِبَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ
إلَخْ ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَقُولُ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ ذَا قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ أَوْ يُحْمَلُ كَلَامُهُمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ إعْلَامِ الْمُؤَجِّرِ بِحَالِهِ لِيَحْفَظَ غَايَةَ الْحِفْظِ وَمَا فِي غَيْرِهِمَا عَلَى الْإِيجَارِ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَتْ بَعْدَ حَبْسِهِ سَقَطَتْ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الرَّهْنِ ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَتَبِعَهُ

جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ وَلَيْسَ بِمَذْهَبٍ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَلَا يُسَاعِدُهُ الْوَجْهُ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ ، قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَحَبَسَهَا بِالنَّفَقَةِ فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ خِلَافًا لِزُفَرَ ؛ لِأَنَّهَا دَيْنٌ غَيْرُ بَدَلٍ عَنْ الْعَيْنِ وَلَا عَنْ عَمَلٍ مِنْهُ فِيهَا وَلَا تَنَاوَلَهَا عَقْدٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ ، وَبِهَذَا الْقَيْدِ الْأَخِيرِ خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ زُفَرَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ هُنَا .
وَفِي الْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ، وَقَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ أَنْفَقَ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللُّقَطَةِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ وَحَبَسَهَا لِيَأْخُذَ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا فَهَلَكَتْ لَمْ تَسْقُطْ النَّفَقَةُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ا هـ مِنْ خَطِّ الشَّيْخِ قَاسِمٍ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ وَكَتَبَ بَعْدَهُ أَقُولُ إنْ خَرَجَ الْجَوَابُ بِمَا ذَكَرَ عَنْ قِيَاسِهِ بِالرَّهْنِ لَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ بِجُعْلِ الْآبِقِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَنَصَّ أَنَّهُ إلَيْهِ أَقْرَبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُلَمَائِنَا فِيهِ رِوَايَةٌ أَوْ اخْتَارَ قَوْلَ زُفَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فَتَأَمَّلْهُ ع .
ا هـ .
( قَوْلُهُ بَيَّنَ مُدَّعِيهَا عَلَامَتَهَا حَلَّ الدَّفْعُ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ قِيلَ بِالْجَبْرِ عَلَى الدَّفْعِ وَعَدَمِهِ أَيْ عَدَمِ الْجَبْرِ وَلَوْ دَفَعَهَا بِعَلَامَةٍ أَوْ تَصْدِيقٍ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِالْبَيِّنَةِ ضَمِنَ الْمُلْتَقِطُ وَرَجَعَ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ حَطَبٌ وُجِدَ فِي الْمَاءِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَيَحِلُّ أَخْذُ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى مِنْ الْأَنْهَارِ ، وَكَذَا مَا يَبْقَى مِنْ الثِّمَارِ الْوَاقِعَةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَأَخْذِ النَّوَى وَقُشُورِ الرُّمَّانِ الْمَنْبُوذِ لَا الْمَجْمُوعِ وَكَأَخْذِ السَّنَابِلِ بَعْدَ رَفْعِ الزَّرْعِ .
( فَرْعٌ مُهِمٌّ ) أَخَذَ

مُكَعَّبَهُ وَوَجَدَ غَيْرَهُ فِي مَكَانِهِ لَا يَمْلِكُهُ وَيَصِيرُ كَاللُّقَطَةِ فِي الْحُكْمِ .

( كِتَابُ الْوَقْفِ ) ( هُوَ ) لُغَةً بِمَعْنَى الْحَبْسِ فَإِنَّ وَقَفَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْوَقْفُ مُتَعَدٍّ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَ ، وَوَقَفَ الَّذِي مَصْدَرُهُ الْوُقُوفُ لَازِمٌ وَشَرْعًا ( حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنَافِعِ ) بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ ( خِلَافًا لَهُمَا ) فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَيَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ عَنْهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهٍ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَى الْعَبْدِ فَيَلْزَمُ وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ .
لَهُمَا { أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْتُ مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ لِتُنْفِقَ ثَمَرَتَهُ } فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَازِمٌ وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ } أَيْ لَا مَالَ يُحْبَسُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ عَنْ الْقِسْمَةِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ، فَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ يَلْزَمُهُ الْقَوْلُ بِالْحَبْسِ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ) كَذَا فِي الْكَافِي وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنَافِعِ بِقَوْلِهِ ( فَلَمْ يَصِحَّ فِي رِوَايَةٍ ) يَعْنِي إذَا تَضَمَّنَ الْوَقْفُ التَّصَدُّقَ بِالْمَنَافِعِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ ( وَصَحَّ فِي الْأَصَحِّ ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ بِالْمَنَافِعِ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا جَازَ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ وَغَلَّتِهِمَا لَكِنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَهُ وَلِذَا قَالَ ( وَلَمْ يَلْزَمْ ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِاللُّزُومِ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْوَاقِفِ إبْطَالُهُ فِي حَيَاتِهِ وَلِوَارِثِهِ بَعْدَهُ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَبَنَى سِقَايَةً أَوْ خَانًا لِبَنِي السَّبِيلِ أَوْ رِبَاطًا أَوْ

جَعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً لَا يَزُولُ مِلْكُ الْوَاقِفِ وَفَرَّعَ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بِقَوْلِهِ ( فَصَحَّ تَمْلِيكُهُ ) فِي حَيَاتِهِ ( وَإِرْثُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ مَوْرُوثًا بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَالرُّجُوعُ عَنْهُ وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَّا بِالْقَضَاءِ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ لَازِمًا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ بِالْقَضَاءِ ( مِنْ ) قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ ( مُوَلًّى ) مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ غَيْرَ مُحَكَّمٍ بِأَنْ كَانَ قَاضِيًا بِتَحْكِيمِ الْخَصْمَيْنِ إيَّاهُ فَإِنَّهُ إنْ حَكَمَ لَمْ يَنْفُذْ حَتَّى جَازَ لِلْمُوَلَّى أَنْ يَنْقُضَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَطَرِيقُ الْقَضَاءِ أَنْ يُسَلِّمَ الْوَاقِفُ مَا وَقَفَ إلَى الْمُتَوَلِّي ثُمَّ يَرْجِعَ بِحُكْمِ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ فَإِذَا تَرَافَعَا إلَى الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِانْقِطَاعِ مِلْكِهِ عَنْ الْوَقْفِ لَزِمَ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ ، فَإِذَا لَحِقَهُ حُكْمُ الْمُوَلَّى لَزِمَ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ وَمَا يُذْكَرُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ أَنَّ قَاضِيًا مِنْ الْقُضَاةِ قَضَى بِلُزُومِ هَذَا الْوَقْفِ وَبُطْلَانِ حَقِّ الرُّجُوعِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عَلَّقَ بِهِ ) بِأَنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَقَدْ وَقَفْتُ دَارِي عَلَى كَذَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ وَلَزِمَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَعْدُومِ جَائِزَةٌ كَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ كَمَا مَرَّ وَيَكُونُ مِلْكُ الْمَيِّتِ فِيهِ بَاقِيًا حُكْمًا فَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ دَائِمًا ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ جَازَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَبَقِيَ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يُجِيزُوا قَسَّمَ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا لِلْوَقْفِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ ، وَفِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عَلَّقَ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمِلْكِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ

الْمَوْتِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ لِيُفِيدَهُ ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي مُؤَبَّدًا ) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ هَذَا نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالرَّقَبَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِطَاعُ الْمُوصَى لَهُمْ فَتَتَأَبَّدُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَإِفْرَازِهِ بِطَرِيقِهِ ) شَرَطَ الْإِفْرَازَ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } أَيْ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُصُ لَهُ تَعَالَى إلَّا بِهِ ( وَالْإِذْنِ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ وَقِيلَ ) لَا حَاجَةَ إلَى صَلَاةِ جَمَاعَةٍ ( بَلْ كَفَى وَاحِدٌ ) إذَا صَلَّى فِيهِ شَرَطَ الْإِذْنَ لَهُمْ بِهَا ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا عِنْدَ هُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَوْعٍ تَسْلِيمٌ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَعَ إفَادَتِهِمَا اللُّزُومَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاقِفِ وَوَارِثِهِ يُفِيدَانِ خُرُوجَ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفِيدُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ لُزُومَ الْوَقْفِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَخُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا وَلُزُومَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ لَا يُفِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا لُزُومَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لِجَوَازِ رُجُوعِهِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ، ثُمَّ أَنَّهُمَا بَعْدَمَا

خَالَفَا الْإِمَامَ فِي عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاقِفِ ، وَقَالَا بِزَوَالِهِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْوَقْفُ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَمْ يَتِمَّ ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ يَعْنِي بَعْدَمَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَتِمَّ ( إلَّا بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْغَلَّةِ وَذَا قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ ( فَلَوْ ) ( وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ) مَثَلًا بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ( وَانْقَرَضُوا ) أَيْ الْأَوْلَادُ ( عَادَ ) الْوَقْفُ إلَى الْمَالِكِ ( عِنْدَهُ ) لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ ( وَلَوْ ) ( وَقَّتَ ) بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُهُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا ( بَطَلَ ) اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ ( وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتِمُّ بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ التَّأْبِيدِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا وَأُخْرَى بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي الْفَصْلَيْنِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ ( وَإِذَا ) ( انْقَطَعَ ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا ( صُرِفَ ) الْوَقْفُ عِنْدَهُ ( إلَى الْفُقَرَاءِ ) فَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ ذِكْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْتُ أَوْ تَصَدَّقْتُ يَقْتَضِي الْإِزَالَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ كَمَا سَيَأْتِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِمَا مَرَّ .
( وَهُوَ ) أَيْ الْوَقْفُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ( إسْقَاطٌ ) أَيْ شُرِعَ لِإِسْقَاطِ مِلْكِ الْوَاقِفِ عَنْ الْعَيْنِ ( كَالْإِعْتَاقِ ) فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى ( لَا تَمْلِيكٌ لِلَّهِ ) لِاسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْوَاقِفِ وَالْوَقْفِ ( وَلَا لِلْعَبْدِ ) وَإِلَّا

لَجَازَ بَيْعُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ ( فَيُخْرِجُهُ ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ الْوَقْفَ عَنْ الْمِلْكِ ( بِنَفْسِ الْقَوْلِ ) بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ ( وَيُجِيزُ الشُّيُوعَ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لِلْحِيَازَةِ وَتَمَامُهَا فِيمَا يُقْسَمُ بِالْقِسْمَةِ وَأَصْلُ الْقَبْضِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الْإِعْتَاقَ فَلَا يَمْنَعُ الْوَقْفَ أَيْضًا ( وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ } ( فَيَشْتَرِطُ ) أَيْ مُحَمَّدٌ ( التَّسْلِيمَ ) أَيْ تَسْلِيمَ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ إلَى الْمُتَوَلِّي ( وَالْقَبْضَ ) أَيْ قَبْضَ الْمُتَوَلِّي الْوَقْفَ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ دُونَ الْمُوصَى بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ بَلْ بِتَسْلِيمِهِ وَقَبْضِ الْفَقِيرِ ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدًا لِمَا مَرَّ إلَّا أَنَّ مَا يَثْبُتُ لَهُ تَعَالَى مِنْ الْحَقِّ فِي الصَّدَقَةِ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَاةِ ، وَلَوْ تَمَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَصَارَ يَدُهُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ ( وَيَمْنَعُ الشُّيُوعَ فِيمَا قَبِلَ الْقِسْمَةَ ) لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ وَتَمَامُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا يَصِحُّ مَعَ الشُّيُوعِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ نِصْفَ الْحَمَّامِ جَازَ ( كَالصَّدَقَةِ ) الْمُنَفَّذَةِ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْوَقْفَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ فِي مُشَاعٍ يُقْسَمُ كَمَا إذَا قَالَ تَصَدَّقْتُ بِنِصْفِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْعَشَرَةِ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ ذَلِكَ الْفَقِيرُ

وَتَتِمُّ فِي مُشَاعٍ لَا يُقْسَمُ كَنِصْفِ الْحَمَّامِ ( وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ بُخَارَى ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَصَدَّقَا بِهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ الَّتِي يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَدَفَعَهَا إلَى قَيِّمٍ يَقُومُ عَلَيْهَا كَانَ جَائِزًا ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَهَاهُنَا لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ عِنْدَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَدَّقَا بِالْأَرْضِ جُمْلَةً ، وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَا الْأَرْضَ جُمْلَةً ، وَلَوْ تَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ هَذِهِ الْأَرْضِ مُشَاعًا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَقْفِهِ مُتَوَلِّيًا عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاشَرَ عَقْدًا عَلَى حِدَةٍ ، وَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَوَلِّيَيْنِ قَبَضَ نِصْفًا شَائِعًا ، فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُتَوَلِّيهِ اقْبِضْ نَصِيبِي مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِي جَازَ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْأَرْضِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ ، ثُمَّ تَصَدَّقَ الْآخَرُ بِنِصْفِهَا كَذَلِكَ وَجَعَلَا لِذَلِكَ قَيِّمًا وَاحِدًا جَازَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَبَضَ الْأَرْضَ جُمْلَةً وَهُمَا سَلَّمَا إلَيْهِ جُمْلَةً ، وَكَذَا لَوْ جَعَلَا التَّوْلِيَةَ إلَى رَجُلَيْنِ مَعًا ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَمُتَوَلٍّ وَاحِدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْوَقْفِ جَازَ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا فَجَعَلَ نِصْفَ الْأَرْضِ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ مُشَاعًا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ جَازَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الْوَقْفُ فِي كُلِّهَا ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ يَجُوزُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَغَيْرَ مَقْسُومٍ ،

وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى .

( كِتَابُ الْوَقْفِ ) ( قَوْلُهُ هُوَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ ) يَعْنِي عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ ( قَوْلُهُ فَلَمْ يَصِحَّ فِي رِوَايَةٍ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ فَأَخَذَ النَّاسُ بِظَاهِرِ هَذَا اللَّفْظِ ، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عِنْدَهُ قُلْنَا مُرَادُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَهُ لَازِمًا فَأَمَّا أَصْلُ الْجَوَازِ فَثَابِتٌ عِنْدَهُ ا هـ .
وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عُلِّقَ بِهِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ أُضِيفَ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ أَيْ لَا يَكُونُ الْوَقْفُ لَازِمًا إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ ) يَعْنِي لُزُومًا حَالِيًّا أَوْ مَآلِيًا لِمَا سَنَذْكُرُ قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ
إلَخْ ) أَقُولُ هُوَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا عَلَى الْمَوْتِ وَيُفِيدُ أَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا ( قَوْلُهُ يَعْنِي بَعْدَ مَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَتِمَّ إلَّا بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) أَقُولُ فِيهِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ شَامِلٌ لِوَقْفِ الْمَسْجِدِ وَلَا مُخَالَفَةَ لِمُحَمَّدٍ فِي لُزُومِهِ عَلَى الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِي لُزُومِهِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَيُزِيلُ أَبُو يُوسُفَ مِلْكَ الْبَانِي عَمَّا بَنَاهُ مَسْجِدًا بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا وَشَرَطَا إفْرَازَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَصَلَاةَ وَاحِدٍ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ أَوْ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ فِيهِ بِإِذْنِهِ فِي أُخْرَى ا هـ .
( قَوْلُهُ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَانْقَرَضُوا عَادَ الْوَقْفُ ) أَقُولُ لَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الصُّورَةُ بِمُحَمَّدٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِيَ لَا يَصِحُّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَّتَ بَطَلَ اتِّفَاقًا ) أَقُولُ

يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ وَيَكُونُ وَقْفًا أَبَدًا ( قَوْلُهُ وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا وَأُخْرَى بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي الْفَصْلَيْنِ ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِيَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا فَإِذَا ذَكَرَ الْوَلَدَ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَبْقَى الْعُرْفُ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ فَيَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي ) أَقُولُ يَعْنِي فِي وَقْفِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ تَسْلِيمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ فَيَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ وَيَمْنَعُ الشُّيُوعَ فِيمَا قَبِلَ الْقِسْمَةَ ) أَقُولُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ وَقَفَتْ دَارَهَا فِي مَرَضِهَا عَلَى ثَلَاثِ بَنَاتٍ لَهَا وَآخِرَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ لَهَا مِلْكٌ غَيْرَ الدَّارِ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُنَّ قَالُوا ثُلُثُ الدَّارِ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ لَهُنَّ يَصْنَعْنَ مَا شِئْنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرَ مَقْسُومٍ ) أَقُولُ هَكَذَا هُوَ فِي الْخَانِيَّةِ .

( وَإِذَا لَزِمَ ) الْوَقْفُ ( وَتَمَّ لَا يُمْلَكُ ) أَيْ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ ( وَلَا يُمَلَّكُ ) أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ لِغَيْرِهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْخَارِجِ عَنْ مِلْكِهِ ( وَلَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ ) لِاقْتِضَائِهِمَا الْمِلْكَ ( وَلَا يُقْسَمُ إلَّا عِنْدَهُمَا إذَا كَانَتْ ) أَيْ الْقِسْمَةُ ( بَيْنَ الْوَاقِفِ وَالْمَالِكِ ) أَيْ إذَا قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ وَقْفِ الْمُشَاعِ وَنَفَذَ قَضَاؤُهُ صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُخْتَلِفَاتِ ، فَإِنْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ الْقِسْمَةَ فَعِنْدَهُ لَا يُقْسَمُ وَيَتَهَايَئُونَ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْكُلَّ لَوْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى الْأَرْبَابِ فَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ لَا يُقْسَمُ .
كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ( لَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ) لِمَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تَمْيِيزٌ وَإِفْرَازٌ لَا بَيْعٌ وَتَمْلِيكٌ فَتَجُوزُ وَلَهُ أَنَّهَا بَيْعٌ مَعْنًى لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ وَجِهَةُ الْمُبَادَلَةِ رَاجِحَةٌ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ ( أَزَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَسْجِدَ ) عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ ( بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ كَالْإِعْتَاقِ ( وَشَرَطَ الصَّلَاةَ كَمَا مَرَّ ) أَعَادَ ذِكْرَ الْمَسْجِدِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا فِي تَعْدَادِ مُوجِبَاتِ اللُّزُومِ وَذَكَرَهُ هَاهُنَا لِمُخَالَفَةِ أَحْكَامِهِ سَائِرَ الْأَوْقَافِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَمَنْعِ الشُّيُوعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ ( وَإِنْ جَعَلَ تَحْتَهُ ) ( سِرْدَابًا ) وَهُوَ مُعَرَّبُ سِرْدَابَةَ وَهُوَ بَيْتٌ يُتَّخَذُ تَحْتَ الْأَرْضِ لِلتَّبْرِيدِ ( لِمَصَالِحِهِ جَازَ ) كَمَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ( وَلَوْ جَعَلَ لِغَيْرِهَا أَوْ ) جَعَلَ ( فَوْقَهُ ) أَيْ فَوْقَ الْمَسْجِدِ بَيْتًا ( وَجَعَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ إلَى الطَّرِيقِ وَعَزَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا ) أَيْ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا وَلَهُ

بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ إذَا مَاتَ ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ يَجِبُ خُلُوصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَخْلُصْ هُنَا لِبَقَاءِ حَقِّ الْعَبْدِ مُتَعَلِّقًا بِأَسْفَلِهِ أَوْ بِأَعْلَاهُ فَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ الْوَجْهَيْنِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ لِضَرُورَةِ ضِيقِ الْمَنَازِلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حِينَ دَخَلَ الرَّيَّ أَجَازَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلضَّرُورَةِ .
( كَمَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذَّنَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ ) حَيْثُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا وَلَهُ بَيْعُهُ وَيُورَثُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ الْمَنْعِ وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ فِيهِ حَقُّ الْمَنْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ } ( وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) وَلَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ بَانِيهِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَى مِلْكِ وَارِثِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا ( وَعَادَ إلَى الْمِلْكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) لِأَنَّهُ عَيَّنَهُ لِقُرْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ كَالْمُحْصَرِ فِي الْحَجِّ إذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ ، ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَأَدْرَكَ الْحَجَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهَدْيِهِ مَا شَاءَ ، وَلَهُمَا أَنَّ الْقُرْبَةَ الَّتِي قَصَدَهَا لَمْ تَزُلْ بِخَرَابِ مَا حَوْلَهُ إذْ النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ سَوَاءٌ فَيُصَلِّي فِيهِ الْمُسَافِرُونَ وَالْمَارَّةُ وَهَدْيُ الْإِحْصَارِ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ الذَّبْحِ ( وَمِثْلُهُ حُصُرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمَا ) حَيْثُ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمِلْكِ عِنْدَ هُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ( وَالرِّبَاطُ وَالْبِئْرُ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِمَا ) فَإِنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ( فَيُصْرَفُ وَقْفُ الْمَسْجِدِ وَالرِّبَاطِ وَالْبِئْرِ إلَى أَقْرَبِ مَسْجِدٍ أَوْ رِبَاطٍ أَوْ بِئْرٍ إلَيْهِ ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِمَا ( إذَا اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ ) بِأَنْ بَنَى رَجُلٌ مَسْجِدَيْنِ وَعَيَّنَ لِمَصَالِحِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقْفًا (

وَقَلَّ مَرْسُومُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) بِأَنْ انْتَقَصَ مَرْسُومُ إمَامِ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ أَوْ مُؤَذِّنِهِ مَثَلًا بِسَبَبِ كَوْنِ وَقْفِهِ خَرَابًا ( جَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ ) الْوَقْفِ ( الْآخَرِ إلَيْهِ ) لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ( وَإِنْ اخْتَلَفَ أَحَدُهُمَا ) بِأَنْ بَنَى رَجُلَانِ مَسْجِدَيْنِ أَوْ رَجُلٌ مَسْجِدًا أَوْ مَدْرَسَةً وَوَقَفُوا لَهُمَا أَوْقَافًا ( فَلَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ فَاضِلِ وَقْفِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُتَوَلِّي ، ثُمَّ قَالَ لِوَصِيِّهِ أَعْطِ مِنْ غَلَّتِهَا فُلَانًا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا أَوْ افْعَلْ مَا رَأَيْت مِنْ الصَّوَابِ فَجَعْلُهُ لَهُمْ بَاطِلٌ ) لِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ التَّسْجِيلِ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَقْدِرُ وَصِيُّهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ ( إلَّا إذَا كَانَ شَرَطَ فِي الْوَقْفِ ) قَبْلَ التَّسْجِيلِ ( أَنْ يَصْرِفَ ) أَيْ الْوَاقِفُ ( غَلَّتَهَا إلَى مَنْ شَاءَ ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( جَازَ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا وَعَكْسُهُ ) كَذَا فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ مِنْ الْخُلَاصَةِ ، وَفِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ .
( وَ ) جَازَ أَيْضًا ( جَعْلُ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا لَا عَكْسُهُ ) إذْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ لَا الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( وَجَازَ ) أَيْضًا ( أَخْذُ أَرْضٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ إذَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ بِالْقِيمَةِ كُرْهًا ) كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى .
( وَ ) جَازَ أَيْضًا ( جَعْلُ ) الْوَاقِفِ ( الْوِلَايَةَ لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ وِلَايَةٌ ضَرُورَةً لَكِنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَى الْوَقْفِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْ يَدِهِ نَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لَا يُخْرِجَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ مِنْ يَدِهِ وَيُوَلِّيَ غَيْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ ( وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ جَعْلَ غَلَّةِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ ) يَعْنِي

إذَا وَقَفَ وَشَرَطَ الْكُلَّ أَوْ الْبَعْضَ لِنَفْسِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ بَطَلَ الْوَقْفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهِلَالٍ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِحُّ اعْتِبَارًا لِلِابْتِدَاءِ بِالِانْتِهَاءِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ فَيَعُودُ إلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَمَشَايِخُ بَلْخِي أَخَذُوا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى تَرْغِيبًا لِلنَّاسِ فِي الْوَقْفِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا ( وَأَجَازَ ) أَيْضًا ( شَرْطَ ) الْوَاقِفِ ( أَنْ يَسْتَبْدِلَ بِهِ أَوْ يَبِيعَهُ وَيَشْتَرِيَ بِثَمَنِهِ أَرْضًا أُخْرَى إذَا شَاءَ ) ، ( فَإِذَا فَعَلَ صَارَتْ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى فِي شَرَائِطِهَا بِلَا ذِكْرِهَا ، ثُمَّ لَا يَسْتَبْدِلُهَا بِثَالِثَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ ثَبَتَ بِالشَّرْطِ ، وَالشَّرْطُ وُجِدَ فِي الْأُولَى لَا الثَّانِيَةِ ( وَأَمَّا بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَمْلِكُهُ ) أَيْ الِاسْتِبْدَالَ ( إلَّا الْقَاضِي ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ .

قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَ فَوْقَهُ بَيْتًا فَلَا ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لَا إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِسْعَافِ فَقَالَ إذَا كَانَ السِّرْدَابُ أَوْ الْعُلُوُّ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَا وَقْفًا عَلَيْهِ صَارَ مَسْجِدًا ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ جَعَلَ وَسَطَ دَارِهِ مَسْجِدًا وَأَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا ) أَقُولُ لَعَلَّ هَذَا خَاصٌّ بِمَا ذَكَرَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي خَانٍ لِمَا قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ كِتَابِ الشُّفْعَةِ رَجُلٌ لَهُ خَانٌ فِيهِ مَسْجِدٌ أَفْرَزَهُ صَاحِبُ الْخَانِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالتَّأْذِينِ وَالصَّلَاةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ فَفَعَلُوا حَتَّى صَارَ مَسْجِدًا ، ثُمَّ بَاعَ صَاحِبُ الْخَانِ كُلَّ حُجْرَةٍ فِي الْخَانِ مِنْ رَجُلٍ حَتَّى صَارَ دَرْبًا ، ثُمَّ بِيعَ مِنْهُ حُجْرَةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ الشُّفْعَةُ لَهُمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي طَرِيقِ الْخَانِ ، وَقَدْ كَانَ الطَّرِيقُ مَمْلُوكًا ا هـ فَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْمَسْجِدِ فِي دَاخِلِ الْخَانِ وَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةُ الْحَالِ كَمَا فِي مَسَاجِدِ خَانَاتِ مِصْرَ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُحِيطٌ بِجَوَانِبِهِ ) قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَعَنْ كُلٍّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِيرُ مَسْجِدًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا رَضِيَ بِجَعْلِ وَسَطِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَنْ يَصِيرَ مَسْجِدًا إلَّا بِالطَّرِيقِ دَخَلَ فِيهِ الطَّرِيقُ بِلَا ذِكْرِهِ كَالْإِجَارَةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ يَبْقَى مَسْجِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لِمَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مَسْجِدٌ أَبَدًا إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ لَا يَعُودُ مِيرَاثًا وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَنَقْلُ مَالِهِ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانُوا يُصَلُّونَ فِيهِ أَوْ لَا وَهُوَ الْفَتْوَى ا هـ .
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ هُوَ مَسْجِدٌ أَبَدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ بَنَى أَهْلُ

الْمَحَلَّةِ مَسْجِدًا آخَرَ فَاجْتَمَعُوا عَلَى بَيْعِ الْأَوَّلِ لِيَصْرِفُوا ثَمَنَهُ إلَى الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ حَصِيرُ الْمَسْجِدِ وَحَشِيشُهُ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُمَا حَيْثُ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا ) أَقُولُ فَيُبَاعُ وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ إلَى حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ هَذَا الْمَسْجِدُ يُحَوَّلُ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ .
وَفِي الْبُرْهَانِ يَنْقُلُ الْحُصْرَ وَالْحَشِيشَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ أَوْ يَبِيعُهَا الْقَيِّمُ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ ا هـ .
( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ فَيُصْرَفُ وَقْفُ الْمَسْجِدِ
إلَخْ ) عَلِمْت مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مِنْ الْفَتْوَى بِخِلَافِ هَذَا .
وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مَسْجِدٍ خَرِبَ وَمَاتَ أَهْلُهُ وَمَحَلَّةٍ أُخْرَى فِيهَا مَسْجِدٌ هَلْ لِأَهْلِهَا أَنْ يَصْرِفُوا وَجْهَ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ ؟ قَالَ لَا ا هـ قَوْلُهُ جَازَ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا ) قَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِأَصْحَابِ الطَّرِيقِ ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ا هـ .
وَظَاهِرُهُ أَنْ يَبْقَى لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ ، وَقَدْ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْمَسْجِدُ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَلْ هُوَ طَرِيقٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ حَوَائِطُهُ عَادَ طَرِيقًا كَمَا كَانَ قَبْلَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ أَوْ عَكْسُهُ ) يَعْنِي يَجُوزُ جَعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ طَرِيقًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَجَازَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ حَتَّى الْكَافِرُ إلَّا الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا فِيهِ الدَّوَابَّ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَجَازَ أَيْضًا جَعْلُ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا
إلَخْ ) فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ بِمَا تَقَدَّمَ

إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ فِي اتِّخَاذِ بَعْضِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا وَهَذَا فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ ظَاهِرٌ فِي اتِّخَاذِ جَمِيعِ الطَّرِيقِ مَسْجِدًا لِإِبْطَالِ حَقِّ الْعَامَّةِ فِي الْمُرُورِ الْمُعْتَادِ بِدَوَابِّهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَا يُقَالُ بِهِ إلَّا بِالتَّأْوِيلِ بِأَنْ يُرَادَ بَعْضُ الطَّرِيقِ لَا كُلُّهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ الْمَسْجِدُ طَرِيقًا وَفِيهِ نَوْعُ مُدَافَعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا بِالنَّظَرِ لِلْبَعْضِ وَالْكُلِّ وَنَقَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَقَالَ وَلَهُمْ جَعْلُ الرَّحْبَةِ مَسْجِدًا وَقَلْبُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الْقَلْبِ يَقْتَضِي جَعْلَ الْمَسْجِدِ رَحْبَةً وَفِيهِ نَظَرٌ .
ا هـ .
فَكَيْفَ يُجْعَلُ طَرِيقًا وَفِيهِ تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ فَلَا يَمْلِكُهُ إلَّا الْقَاضِي ) يَعْنِي بِهِ الْعَالِمَ الْعَامِلَ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( صَحَّ ) ( وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأَكَرَتِهِ ) وَهُمْ عَبِيدُهُ ( وَسَائِرِ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ ) تَبِعَةٌ لِلْعَقَارِ ( لَا الْمَنْقُولِ ) لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ ( وَعَنْ مُحَمَّدٍ صِحَّتُهُ فِي الْمُتَعَارَفِ وَقْفِيَّتُهُ ) كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاجِلِ ، إذَا وَقَفَ مُصْحَفًا عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إنْ كَانُوا يُحْصَوْنَ جَازَ ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ وَيَقْرَأُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ ، وَأَمَّا وَقْفُ الْكُتُبِ فَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ لَا يُجِيزُهُ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يُجِيزُهُ وَوَقَفَ كُتُبَهُ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُجِيزُهُ وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ فِيمَنْ وَقَفَ الدَّرَاهِمَ أَوْ الطَّعَامَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ أَيَجُوزُ ذَلِكَ ؟ قَالَ نَعَمْ .
قِيلَ وَكَيْفَ ؟ قَالَ يَدْفَعُ الدَّرَاهِمَ مُضَارَبَةً ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِفَضْلِهَا فِي الْوَجْهِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ وَمَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ يُبَاعُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً أَوْ بِضَاعَةً كَالدَّرَاهِمِ فَعَلَى هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( قَوْلُهُ صَحَّ وَقْفُ الْعَقَارِ بِبَقَرِهِ وَأُكَرَتِهِ
إلَخْ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ صِحَّتُهُ فِي الْمُتَعَارَفِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَزَادَ مُحَمَّدٌ مَا تُعُورِفَ وَقْفُهُ كَالْمَصَاحِفِ وَالْكُتُبِ وَالْقُدُورِ وَالْقَدُومِ وَالْفَأْسِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَوَانِي فِي غَسْلِ الْمَوْتَى وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَبِهِ يُفْتَى قَوْلُهُ وَعَنْ الْأَنْصَارِيِّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ زُفَرَ
إلَخْ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْأَنْصَارِيِّ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ نَقَلَهُ عَنْ زُفَرَ حَيْثُ قَالَ وَعَنْ زُفَرَ ( قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ ) أَقُولُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَدْفَعُ ثَمَنَهُ مُضَارَبَةً فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا يُكَالُ
إلَخْ إذْ هُوَ مَكِيلٌ وَإِلَّا فَلَعَلَّ الْكَلَامَ لَهُ تَتِمَّةٌ حُذِفَتْ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ يُبَاعُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً كَالدَّرَاهِمِ قَالُوا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ قَالَ الْكُرُّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَقْفٌ عَلَى شَرْطِ أَنْ يُقْرَضَ لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا بَذْرَ لَهُمْ فَزَرَعُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ قَدْرُ الْقَرْضِ ، ثُمَّ يُقْرَضَ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ هَذَا أَبَدًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ .

( بَنَى عَلَى أَرْضِهِ فَوَقَفَهُ ) أَيْ الْبِنَاءَ ( بِدُونِهَا ) أَيْ الْأَرْضِ ( لَمْ يَجُزْ ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعَقَارُ ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَأَبَّدُ وَأُلْحِقَ بِهِ مَا يَتْبَعُهُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ الْآثَارُ وَمَا فِيهِ التَّعَامُلُ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ ( وَقِيلَ جَازَ ) فِي الْكَافِي ، وَلَوْ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّحِيحِ .
وَفِي الْقَاعِدِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ ، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا رَجُلٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَصْلِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ .
( قَوْلُهُ وَفِي الْقَاعِدِيَّةِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ حَيْثُ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ الْحَاكِمِ الْمَعْرُوفِ بِمَهْرَوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ وَجَدْت فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَجَازَ وَقْفَ الْمَقْبَرَةِ وَالطَّرِيقِ كَمَا أَجَازَ الْمَسْجِدَ ، وَكَذَا الْقَنْطَرَةُ يَتَّخِذُهَا الرَّجُلُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَطَرَّقُونَ فِيهَا وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ ، خَصَّ بِنَاءَ الْقَنْطَرَةِ فِي بُطْلَانِ الْمِيرَاثِ قَالُوا تَأْوِيلُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ الْقَنْطَرَةِ مِلْكَ الْبَانِي وَهُوَ الْمُعْتَادُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَّخِذُ الْقَنْطَرَةَ عَلَى النَّهْرِ الْعَامِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ ا هـ .
وَفِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَلَوْ وَقَفَ الْبِنَاءَ قَصْدًا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّحِيحِ ا هـ .
وَقَالَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ فِي فَتَاوَاهُ وَقَفَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ دُونَ الْأَرْضِ الْفَتْوَى صِحَّةُ ذَلِكَ .
ا هـ .

( وَلَوْ ) بَنَى ( عَلَى أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِجِهَةٍ ) ( فَوَقَفَهُ ) أَيْ الْبِنَاءَ ( لَهَا ) أَيْ لِتِلْكَ الْجِهَةِ ( جَازَ بِالْإِجْمَاعِ ) لِاتِّحَادِ الْجِهَةِ ( وَلَوْ ) وَقَفَهُ ( لِغَيْرِهَا اُخْتُلِفَ فِيهِ ) قِيلَ جَازَ وَقِيلَ لَمْ يَجُزْ ، ثُمَّ الْوَقْفُ إذَا احْتَاجَ إلَى الْعِمَارَةِ ( تَجِبُ عِمَارَتُهُ ) سَوَاءٌ ( شَرَطَ ) الْوَاقِفُ الْعِمَارَةَ ( أَوْ لَا ) فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً نَصًّا فَهِيَ مَشْرُوطَةٌ اقْتِضَاءً ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ إدْرَاكُ الْغَلَّةِ مُؤَبَّدًا عَلَى الْمَصَارِفِ وَهَذَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِإِصْلَاحِهَا وَعِمَارَتِهَا فَيَثْبُتُ شَرْطُ الْعِمَارَةِ اقْتِضَاءً وَالثَّابِتُ كَالثَّابِتِ نَصًّا ( عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ أَيْ يَجِبُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عِمَارَتُهُ بِمَالِ نَفْسِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ .
( لَوْ ) كَانَ ( مُعَيَّنًا ) بِأَنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى أَوْلَادِهِ مَثَلًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ ، وَلِهَذَا يَكُونُ نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا ( يَبْدَأُ بِهَا ) أَيْ بِالْعِمَارَةِ ( مِنْ غَلَّتِهِ ) أَيْ غَلَّةِ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ لَمْ يُمْكِنْ مُطَالَبَتُهُمْ بِهَا لِكَثْرَتِهِمْ ، وَغَلَّةُ الْوَقْفِ أَقْرَبُ أَمْوَالِهِمْ فَيَجِبُ مِنْهَا ( وَلَمْ تَزِدْ فِي الْأَصَحِّ ) يَعْنِي إنَّمَا تَجِبُ الْعِمَارَةُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَفَهُ الْمَالِكُ عَلَيْهَا ، وَإِنْ خَرِبَ يَبْنِي عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَتِهِ صَارَ غَلَّتُهُ مُسْتَحَقَّةَ الصَّرْفِ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا وَالْغَلَّةُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ غَلَّةٍ مُسْتَحَقَّةٍ لَهُ إلَى جِهَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ إلَّا بِرِضَاهُ .
( وَلَوْ ) ( أَبَى ) أَيْ الْمُعَيَّنُ ( عَنْ عِمَارَةِ الْوَقْفِ أَوْ عَجَزَ ) عَنْهَا ( عَمَّرَهُ الْحَاكِمُ ) بِأَنْ آجَرَهُ وَعَمَّرَهُ ( بِأُجْرَتِهِ فَرَدَّهُ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَوْقُوفِ

عَلَيْهِ ( وَلَا يُجْبَرُ ) أَيْ الْآبِي ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْعِمَارَةِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا إتْلَافَ مَالِهِ وَلَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ إبَاؤُهُ رِضًى بِبُطْلَانِ حَقِّهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْتَنِعَ لِرِضَاهُ بِهِ ، وَيَمْتَنِعُ حَذَرًا مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ .
( وَلَا يَجُوزُ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ بَلْ يُؤَجِّرُهُ الْمُتَوَلِّي أَوْ الْقَاضِي ( وَصَرَفَ نَقْضَهُ وَثَمَنَهُ إلَيْهَا ) أَيْ الْعِمَارَةِ إنْ احْتَاجَ الْوَقْفُ إلَيْهَا يَعْنِي أَنَّ نَقْضَ الْوَقْفِ إنْ صَلَحَ لَأَنْ يُصْرَفَ إلَى عِمَارَتِهِ صُرِفَ إلَيْهَا وَإِلَّا يَبِيعَهُ الْحَاكِمُ ، وَيَصْرِفُ ثَمَنَهُ إلَيْهَا صَرْفًا لِلْبَدَلِ إلَى مَصْرِفِ الْمُبْدَلِ ( وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ حُفِظَ لِلْحَاجَةِ وَلَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ مَصَارِفِهِ ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَحَقُّهُمْ فِي الِانْتِفَاءِ بِمَنَافِعِهِ دُونَ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْوَقْفِ فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ مَا لَيْسَ حَقًّا لَهُمْ .

( الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ وَاحْتَاجَ إلَى الْمَوْقُوفِ يُرْفَعُ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( وَفَسَخَهُ لَوْ ) كَانَ ( لِوَارِثِ الْوَاقِفِ كَانَ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى الْقَاضِي إذَا أَطْلَقَ بَيْعَ وَقْفٍ غَيْرِ مُسَجَّلٍ إنْ أَطْلَقَ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ حُكْمًا بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَإِنْ أَطْلَقَ لِغَيْرِ وَارِثِهِ لَا ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ إذَا بَطَلَ عَادَ إلَى مِلْكِ وَارِثِ الْوَاقِفِ وَبَيْعُ مَالِ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ
( قَوْلُهُ الْوَاقِفُ إذَا افْتَقَرَ أَوْ احْتَاجَ إلَى الْوُقُوفِ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَجَّلًا ) أَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِمَوْتِهِ وَمِنْهَا مَا لَوْ وَقَفَهُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ مُؤَبَّدًا وَذَكَرَ أَنَّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَمَا دَامَ حَيًّا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا بِأَمْرِ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ هَذَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَفَسَخَهُ لَوْ لِوَارِثِ الْوَاقِفِ
إلَخْ مَعَ لُزُومِ الْوَقْفِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ وَبِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ .

( أَقَرَّ بِوَقْفٍ صَحِيحٍ وَبِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ وَوَارِثُهُ يَعْلَمُ خِلَافَهُ ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ ( جَازَ ) أَيْ الْوَقْفُ ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِوَارِثِهِ ( أَنْ يَأْخُذَهُ وَلَا يُسْمَعُ دَعْوَاهُ ) فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ .

( الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ كَالْهِبَةِ فِيهِ ) فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ ( فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ أَجَازَهُ الْوَارِثُ نَفَذَ ) فِي الْكُلِّ ( وَإِلَّا بَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ ) وَإِذَا أَجَازَ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ جَازَ بِقَدْرِ مَا أَجَازَ وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ غَيْرُهُ فَيَنْفُذُ فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( الْوَقْفُ ) إمَّا ( لِلْفُقَرَاءِ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ ( أَوْ لِلْأَغْنِيَاءِ ، ثُمَّ الْفُقَرَاءُ ) كَالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ الْأَغْنِيَاءِ وَبَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ ( أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَرِيقَانِ ) أَيْ الْفُقَرَاءُ وَالْأَغْنِيَاءُ ( كَالرِّبَاطَاتِ وَالْخَانَاتِ وَالْمَقَابِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَاتِ وَالْقَنَاطِرِ ) وَنَحْوِ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ كَالْهِبَةِ ) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ بَاقِيهِمْ لَا يَبْطُلُ أَصْلُهُ ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا جَعَلَ مِنْ الْغَلَّةِ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ فَيُصْرَفُ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ عَنْ الْوَاقِفِ مَا دَامَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ حَيًّا ، ثُمَّ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِهِ إلَى مَنْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ تَرْجِعُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ كَوَصِيَّتِهِ لِوَارِثٍ لِيُبْطِلَ أَصْلَهُ بِالرَّدِّ نَصَّ عَلَيْهِ هِلَالٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ .

فَصْلٌ ( يُتْبَعُ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي إجَارَتِهِ ) حَتَّى إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهَا سَنَةً وَكَانَ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَدَرَّ عَلَى الْوَقْفِ وَأَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُخَالِفَ شَرْطَهُ وَيُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يُؤَجِّرَهُ الْقَاضِي أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّظَرِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( فَلَوْ ) ( أَهْمَلَ ) الْوَاقِفُ ( مُدَّتَهَا ) أَيْ لَمْ يُبَيِّنْهَا ( قِيلَ تُطْلَقُ ) أَيْ تَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهَا وَلَا تُقَيَّدُ بِمُدَّةٍ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ كَيْفَ شَاءَ جَرْيًا عَلَى سَنَنِ الْوَاقِفِ ( وَقِيلَ يُقَيِّدُ بِسَنَةٍ ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ دَارًا أَوْ أَرْضًا لِزِيَادَةِ احْتِيَاطٍ فِي أَمْرِ الْوَقْفِ ( وَبِهَا ) أَيْ بِالسَّنَةِ ( يُفْتَى فِي الدَّارِ ) لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا طَالَتْ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الْوَقْفِ فَإِنَّ مَنْ رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَزْعُمُهُ مَالِكًا ( وَبِثَلَاثِ سِنِينَ فِي الْأَرْضِ ) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ لَا يُؤَجِّرُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً أَوْ فِي كُلِّ ثَلَاثِ سِنِينَ مَرَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الزِّرَاعَةِ ( وَبِالْمِثْلِ يُؤَجِّرُ ) لَا بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَقْفِ ( فَلَوْ رَخُصَ أَجْرُهُ ) بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مِقْدَارٍ ( لَا يُفْسَخُ ) الْعَقْدُ لِلُزُومِ الضَّرَرِ ( وَلَوْ زَادَ ) أَيْ أَجْرُهُ ( عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ قِيلَ يَعْقِدُ بِهِ ) أَيْ بِأَجْرِ مِثْلِهِ ( ثَانِيًا لِلْآتِي ) مِنْ الزَّمَانِ .
وَأَمَّا الْمَاضِي فَلَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَجْرِ الْأَوَّلِ ( وَقِيلَ لَا ) أَيْ لَا

يَعْقِدُ بِهِ ثَانِيًا ( كَزِيَادَةِ وَاحِدٍ تَعَنُّتًا ) فِي الذَّخِيرَةِ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ ثَلَاثَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أَجْرُ الْمِثْلِ حَتَّى جَازَتْ الْإِجَارَةُ فَرَخُصَتْ أُجْرَتُهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَإِذَا ازْدَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَعَلَى رِوَايَةِ فَتَاوَى السَّمَرْقَنْدِيِّ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ .
وَعَلَى رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يُفْسَخُ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ وَإِلَى وَقْتِ الْفَسْخِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَزِيَادَةُ الْأُجْرَةِ تُعْتَبَرُ إذَا زَادَتْ عِنْدَ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ زَادَ وَاحِدٌ تَعَنُّتًا لَا تُعْتَبَرُ وَعَلَى رِوَايَةِ الشَّرْحِ لَوْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ فَرَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ بِالزِّيَادَةِ كَانَ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ( وَلَا يُؤَجِّرُهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ) كَالْإِمَامِ وَالْمُدَرِّسِ وَالْأَوْلَادِ وَنَحْوِهِمْ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِمْ فِي عَيْنِهِ ( إلَّا بِتَوْلِيَةِ ) أَيْ بِأَنْ يَجْعَلَ الْوَاقِفُ مُتَوَلِّيًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ التَّصَرُّفِ فِيهِ ( مُتَوَلٍّ آجَرَهُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ ) ( لَزِمَهُ تَمَامُهُ كَذَا ) ( أَبٌ أَجَّرَ مَنْزِلَ صَغِيرِهِ بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ يَعْنِي لَزِمَهُ أَيْضًا تَمَامُهُ إذْ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وِلَايَةُ الْحَطِّ وَالْإِسْقَاطِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

( فَصْلٌ ) : ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْوَاقِفُ فَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ بِلَا إذْنِ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ) أَقُولُ إلَّا أَنَّهُ خَصَّهُ بِالدُّورِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّنَةِ بِإِذْنِ الْقَاضِي ، وَنَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ الْوَاقِفُ فِي صَكِّ الْوَقْفِ إجَارَةَ الْوَقْفِ فَرَأَى الْقَيِّمُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَدْفَعَهَا مُزَارِعَةً فَمَا كَانَ أَدَرَّ عَلَى الْوَقْفِ وَأَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَعَلَ إلَّا أَنَّهُ فِي الدُّورِ لَا يُؤَجِّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَمَّا فِي الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ تُزْرَعُ كُلَّ سَنَةٍ لَا يُؤَجِّرُهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ تُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً أَوْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مَرَّةً كَانَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مُدَّةً يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الزِّرَاعَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ، وَإِنْ كَانَ شَرَطَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْفَصْلِ .
وَذَكَرَ عَقِبَهُ قَاضِي خَانْ صُورَةً ثَالِثَةً هِيَ وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ ذَكَرَ فِي صَكِّ الْوَقْفِ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إلَّا إذَا كَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِنَفْسِهِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إذَا رَأَى ذَلِكَ خَيْرًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ ا هـ ، ثُمَّ قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ يُجِيزُ إجَارَةَ الْوَقْفِ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَرْضِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ( قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْضَ إنْ كَانَتْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي كُلِّ سَنَةٍ
إلَخْ ) .
أَخْرَجَ بِهِ الْمَتْنَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَعَلِمْت أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْفَتْوَى عَلَى إطْلَاقِ الْمَتْنِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ وَيُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنْ تُؤَجَّرَ الضِّيَاعُ ثَلَاثَ

سِنِينَ ؛ لِأَنَّ رَغْبَةَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا تَتَوَفَّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ ، وَيُؤَجَّرُ غَيْرُ الضِّيَاعِ سَنَةً ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي جَعْفَرٍ الْكَبِيرِ ا هـ قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ غُلُوِّ السِّعْرِ لِمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَا تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ إنْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ فِي الْمُدَّةِ بِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ مِنْ النَّاسِ بِخِلَافِ غُلُوِّ السِّعْرِ يَعْنِي لَوْ زَادَ فِي نَفْسِهِ لَا لِرَغْبَةِ رَاغِبٍ وَلَا لِتَعَنُّتِ طَالِبٍ بَلْ لِغُلُوِّ السِّعْرِ عِنْدَ الْكُلِّ تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يُسْتَحْصَدْ لَا يُنْقَضُ الْأَوَّلُ بَلْ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ مِنْ حِينِ الزِّيَادَةِ إلَى انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ مُتَوَلٍّ آجَرَهُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ تَمَامُهُ
إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ هُوَ الَّذِي يَضْمَنُ تَمَامَهُ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ وَصِيُّ الْيَتِيمِ أَوْ مُتَوَلِّي الْوَقْفَ إذَا آجَرَا وَقْفًا أَوْ مَنْزِلًا لِلْيَتِيمِ بِدُونِ الْمِثْلِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا إلَّا أَنَّ الْخَصَّافَ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ غَاصِبًا وَيَلْزَمهُ أَجْرُ الْمِثْلِ فَقِيلَ لَهُ أَتُفْتِي بِهَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ وَوَجَّهَهُ ، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِر يَصِيرُ غَاصِبًا عِنْدَ مَنْ يَرَى غَصْبَ الْعَقَارِ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِضْ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْزِلِ وَسَلِمَ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى لَا غَيْرُ وَالْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ا هـ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ فَرَضَهَا فِي وَصِيٍّ وَمُتَوَلٍّ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ ذَكَرَ مَكَانَ الْوَصِيِّ الْأَبَ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُتَوَلِّيَ يَضْمَنُ تَمَامَ الْأَجْرِ بِإِجَارَتِهِ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ كَذَا فِي الْبَحْرِ بَلْ هُوَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ .

( لَا تُفْسَخُ ) أَيْ إجَارَةُ الْوَقْفِ ( بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ ) لِأَنَّ الْعَقْدَ لِغَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَالْأَبِ ( وَالْوَقْفُ لَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا إبْطَالَ حَقِّهِ فَلَوْ سَكَنَ الْمُرْتَهِنُ فِيهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ ( وَيُفْتَى بِالضَّمَانِ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ ) يَعْنِي إذَا سَكَنَ رَجُلٌ دَارَ الْوَقْفِ أَوْ أَسْكَنَهُ الْمُتَوَلِّي بِلَا أَجْرٍ قِيلَ لَا شَيْءَ عَلَى السَّاكِنِ ، وَعَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَجْرَ الْمِثْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَكَذَا مَنَافِعُ مَالِ الْيَتِيمِ .
كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( وَغَصْبِ عَقَارِهِ ) يَعْنِي أَنَّ الْفَتْوَى فِي غَصْبِ الْعَقَارِ وَالدُّورِ الْمَوْقُوفَةِ بِالضَّمَانِ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَمَتَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقِيمَةُ فَيَشْتَرِي بِهَا ضَيْعَةً أُخْرَى فَتَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ بَدَلَ الْأُولَى كَذَا فِي الأسروشنية .
( قَوْلُهُ وَالْوَقْفُ لَا يُعَارُ وَلَا يُرْهَنُ ) أَقُولُ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْكِتَابِ إلَّا أَنَّهُ أَعَادَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ وُجُوبَ الْأَجْرِ بِسُكْنَى الْمُرْتَهِنِ وَحِينَئِذٍ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ سُكْنَى الْمُسْتَعِيرِ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِمَّا بَعْدَهُ .

( وَتُقْبَلُ فِيهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ ) ( لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ ، وَإِنْ صَرَّحُوا بِهِ ) أَيْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ ، وَقَالُوا عِنْدَ الْقَاضِي نَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ بِخِلَافِ سَائِرِ مَا يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ كَالنَّسَبِ فَإِنَّهُمْ إذَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ لَا تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي تَجْوِيزِ الْقَبُولِ بِتَصْرِيحِ التَّسَامُعِ حِفْظٌ لِلْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ عَنْ الِاسْتِهْلَاكِ وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( لَا ) لِإِثْبَاتِ ( شَرْطِهِ فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ بِالشُّهْرَةِ تَجُوزُ عَلَى الْجَوَابِ الْمُخْتَارِ وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ ، وَأَمَّا عَلَى الشَّرَائِطِ فَلَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( وَبَيَانِ الْمَصْرِفِ مِنْ الْأَصْلِ ) يَعْنِي إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذِهِ الضَّيْعَةَ وَقْفٌ عَلَى كَذَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ .
( مُتَوَلٍّ بَنَى فِي عَرْصَةِ الْوَقْفِ ) ( فَهُوَ ) أَيْ الْبِنَاءُ ( يَكُونُ لِلْوَقْفِ ) فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ إلَى مَصَارِفِ الْوَقْفِ ( إنْ بَنَاهُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَوْ مَالِ نَفْسِهِ وَنَوَاهُ لِلْوَقْفِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُتَوَلِّي نَفْسِهِ ( وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا بَنَى وَلَمْ يَنْوِ ) شَيْئًا ( فَلَهُ ذَلِكَ ) ، وَإِنْ نَوَى كَوْنَهُ لِلْوَقْفِ كَانَ وَقْفًا ( كَذَا الْغَرْسُ ) يَعْنِي أَنَّهُ كَالْبِنَاءِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ( وَالْغَرْسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَسْجِدِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ ( بَاعَ دَارًا ، ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْتُ وَقَفْتُهَا أَوْ قَالَ وَقْفٌ عَلَيَّ ) ( لَا يَصِحُّ ) لِلتَّنَاقُضِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ ( وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ قُبِلَتْ ) كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى عِتْقِ أَمَةٍ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى ( الْوِلَايَةُ ) فِي أَمْرِ الْوَقْفِ ( لِلْوَاقِفِ ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا )

لِأَنَّهُ أَحَقُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ( وَيُعْزَلُ لَوْ خَانَ كَالْوَصِيِّ ) رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ ( وَإِنْ ) ( شَرَطَ ) الْوَاقِفُ ( أَنْ لَا يُعْزَلَ ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الشَّرْعِ ( وَلَّاهُ ) أَيْ الْوَاقِفُ الْمُتَوَلِّيَ ( وَأَخْرَجَهُ ) ( صَحَّ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جَرِيمَةٌ ( وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَخْرُجَ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّوْكِيلِ وَلَا عِبْرَةَ بِالشَّرْطِ ( طَالِبُ التَّوْلِيَةِ لَا يُوَلَّى ) كَمَا لَا يُوَلَّى طَالِبُ الْقَضَاءِ .
( مَرِضَ الْمُتَوَلِّي ) مَرَضَ الْمَوْتِ ( وَفَوَّضَ التَّوْلِيَةَ إلَى غَيْرِهِ ) ( جَازَ ) لِأَنَّ الْمُتَوَلِّي بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( وَلَوْ ) ( مَاتَ ) أَيْ الْمُتَوَلِّي بِلَا تَفْوِيضِهَا إلَى غَيْرِهِ أَوْ بِهِ ( فَالرَّأْيُ فِي نَصْبِ الْمُتَوَلِّي إلَى الْوَاقِفِ ) لَا الْقَاضِي ( ثُمَّ ) إنْ مَاتَ الْوَاقِفُ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى ( وَصِيِّهِ ، ثُمَّ ) إنْ مَاتَ وَصِيُّهُ فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى ( الْقَاضِي ) وَيُجْعَلُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَهْلِ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ لَا الْأَجَانِبِ ( الْبَانِي ) لِلْمَسْجِدِ ( أَوْلَى بِنَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ ) ( فِي الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا عَيَّنَ الْقَوْمُ أَصْلَحَ مِمَّنْ عَيَّنَهُ ) أَيْ الْبَانِي ( اشْتَرَى الْمُتَوَلِّي بِمَالِ الْوَقْفِ دَارًا لَهُ ) أَيْ لِلْوَقْفِ ( لَا يَكُونُ وَقْفًا فِي الْأَصَحِّ ) ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ وَالشَّرَائِطِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْوَقْفُ لَازِمًا كَلَامًا كَثِيرًا وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( جَازَ ) ( لِلْحَاكِمِ تَزْوِيجُ أَمَةِ الْوَقْفِ لَا عَبْدِهِ ، وَلَوْ مِنْ أَمَتِهِ وَجِنَايَةُ عَبْدِهِ فِي مَالِهِ ) أَيْ مَالِ الْوَقْفِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( قَوْلُهُ لَا لِإِثْبَاتِ شَرْطٍ فِي الْأَصَحِّ ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنْ يُقْبَلَ عَلَى شَرَائِطِ الْوَقْفِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ مُتَوَلٍّ بَنَى
إلَخْ ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ بِنَاءِ الْوَاقِفِ لِمَا قَالَ فِي الْإِسْعَافِ رَجُلٌ غَرَسَ فِيمَا وَقَفَ أَشْجَارًا أَوْ بَنَى بِنَاءً أَوْ نَصَبَ بَابًا قَالُوا إنْ غَرَسَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ مِنْ مَالِهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ غَرَسَهُ لِلْوَقْفِ يَكُونُ وَقْفًا وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا وَغَرَسَ مِنْ مَالِهِ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ ا هـ .
قَوْلُهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ ) هَذَا عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ قُبِلَتْ ) هَذَا عَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُقْبَلُ ؛ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الدَّعْوَى لَا تُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَقْفِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ التَّصَدُّقُ بِالْغَلَّةِ وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى كَالشَّهَادَةِ عَلَى الطَّلَاقِ وَعِتْقِ الْأَمَةِ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ مَخْصُوصٌ وَلَمْ يَدَّعِ لَا يُعْطَى لَهُ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْءٌ وَيُصْرَفُ جَمِيعُ الْغَلَّةِ لِلْفُقَرَاءِ ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قُبِلَتْ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِدُونِ الدَّعْوَى عِنْدَ الْكُلِّ ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُقْبَلُ .

فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ ( قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي ) ( كَانَتْ الْغَلَّةُ لِوَلَدِ صُلْبِهِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى ) لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوِلَادَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِيهِمَا ( إلَّا أَنْ يُقَيِّدَ بِالذُّكُورِ ) بِأَنْ يَقُولَ عَلَى الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِي فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ وَإِذَا جَازَ هَذَا الْوَقْفُ ( فَمَا يُوجَدُ وَاحِدٌ مِنْ ) الْوَلَدِ ( الصُّلْبِيِّ كَانَتْ ) أَيْ الْغَلَّةُ ( لَهُ ) لَا لِغَيْرِهِ ( وَإِذَا انْتَفَى ) أَيْ الصُّلْبِيُّ ( صُرِفَتْ ) أَيْ الْغَلَّةُ ( إلَى الْفُقَرَاءِ لَا لِوَلَدِ الْوَلَدِ ) لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ، هَذَا إذَا كَانَ حِينَ الْوَقْفِ وَلَدٌ صُلْبِيٌّ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ الْوَقْفِ صُلْبِيٌّ بَلْ وَلَدُ الِابْنِ ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ( كَانَتْ ) الْغَلَّةُ ( لَهُ خَاصَّةً ) لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا مَنْ دُونَهُ مِنْ الْبُطُونِ وَيَكُونُ وَلَدُ الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الصُّلْبِيِّ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْبِيِّ ( وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبِنْتِ فِي الصَّحِيحِ ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ ؛ لِأَنَّ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ لَا إلَى آبَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ بِخِلَافِ وَلَدِ الِابْنِ ( وَلَوْ ) زَادَ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى وَ ( قَالَ وَوَلَدُ وَلَدِي فَقَطْ ) أَيْ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ( يَدْخُلُ فِيهِ الصُّلْبِيُّ وَأَوْلَادُ بَنِيهِ يَشْتَرِكُونَ فِي الْغَلَّةِ ) وَلَا يُقَدَّمُ الصُّلْبِيُّ عَلَى وَلَدِ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الذِّكْرِ ، وَهَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبِنْتِ ؟ قَالَ هِلَالٌ يَدْخُلُ ( وَلَوْ قَيَّدَ بِالذُّكُورِ ) أَيْ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي الذُّكُورِ قَالَ هِلَالٌ ( يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ كَمَا يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْبَنِينَ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ لِمَا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ اسْمٌ لِمَنْ وَلَدَهُ وَلَدُهُ وَابْنَةُ وَلَدِهِ ، وَمَنْ وَلَدَتْهُ ابْنَتُهُ

يَكُونُ وَلَدَ وَلَدِهِ حَقِيقَةً ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ ثَمَّةَ وَلَدُ الْبِنْتِ لَا يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَهُ الصُّلْبِيُّ ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الِابْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ عُرْفًا ، ثُمَّ إذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُهُمْ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِانْقِطَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ( وَلَوْ زَادَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ ) وَقَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِ وَلَدِي ( صُرِفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا الْفُقَرَاءِ مَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ ، وَإِنْ سَفَلَ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ ) بِأَنْ يَقُولَ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ أَوْ يَقُولَ عَلَى وَلَدِي ، ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِي أَوْ يَقُولَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَحِينَئِذٍ يُبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْوَاقِفُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْبَطْنَ الثَّالِثَ فَحُشَ التَّفَاوُتُ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِنَفْسِ الِانْتِسَابِ لَا غَيْرُ وَالِانْتِسَابُ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ مَنْ قَرُبَ وَمَنْ بَعُدَ بِخِلَافِ الْبَطْنِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْوَاسِطَةَ لَهُ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( كَذَا ) أَيْ صَرَفَ إلَى أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا لَا الْفُقَرَاءِ ( إذَا قَالَ عَلَى وَلَدِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي أَوْ قَالَ ) ابْتِدَاءً ( عَلَى أَوْلَادِي ) يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ كَمَا مَرَّ ( وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى أَوْلَادِهِ ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ صُرِفَتْ الْغَلَّةُ إلَى الْبَاقِي ) لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ، ثُمَّ الْفُقَرَاءِ ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ ، وَإِنْ سَفَلَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ ( وَلَوْ ) ( وَقَفَهَا عَلَى أَوْلَادِهِ وَسَمَّاهُمْ ) فَقَالَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ ( وَجَعَلَ آخِرَهُ لِلْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ ) ( صُرِفَ نَصِيبُهُ إلَى الْفُقَرَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَعَلَ آخِرَهُ

لِلْفُقَرَاءِ ، فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْوَقْفَ هُنَاكَ عَلَى الْكُلِّ لَا كُلِّ وَاحِدٍ ( وَلَوْ ) وَقَفَ ( عَلَى امْرَأَتِهِ وَأَوْلَادِهِ ) أَيْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ ( ثُمَّ مَاتَتْ ) امْرَأَتُهُ ( لَا يَكُونُ نَصِيبُهَا لِابْنِهَا ) الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْوَاقِفِ ( خَاصَّةً إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ) أَيْ الْوَاقِفُ ( رَدَّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ ) أَيْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ( إلَى وَلَدِهِ ) حَتَّى إذَا شَرَطَهُ كَانَ نَصِيبًا لِابْنِهَا ( بَلْ ) يَكُونُ ( لِلْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ ( وَلَوْ ) ( قَالَ عَلَى وَلَدِي وَوَلَدِ وَلَدِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَلَمْ يَقُلْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ لَكِنْ شَرَطَ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ ) وَهُوَ رَدُّ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ ( فَالْغَلَّةُ لِجَمِيعِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ ، وَلَوْ مَاتَ بَعْضُ وَلَدِ الْوَاقِفِ وَتَرَكَ وَلَدًا ، ثُمَّ جَاءَتْ الْغَلَّةُ تُقْسَمُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ ، وَإِنْ سَفَلُوا ) بِمُقْتَضَى عِبَارَةِ الْوَاقِفِ ( وَعَلَى الْمَيِّتِ ) لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّصِيبَ قَبْلَ مَوْتِهِ ( فَمَا أَصَابَهُ ) أَيْ الْمَيِّتَ مِنْ الْغَلَّةِ ( كَانَ لِوَلَدِهِ ) بِالْإِرْثِ ( فَيَصِيرُ لَهُ ) أَيْ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ ( سَهْمُهُ الَّذِي عَيَّنَهُ الْوَاقِفُ ) بِحُكْمِ تَعَيُّنِهِ ( وَسَهْمُ وَالِدِهِ ) بِالْإِرْثِ ( وَلَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ ، فَإِذَا انْقَرَضَا فَعَلَى أَوْلَادِهِمَا أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا وَخَلَفَ وَلَدًا صَرَفَ نِصْفَ الْغَلَّةِ إلَى الْبَاقِي وَالنِّصْفَ إلَى الْفُقَرَاءِ ) كَمَا مَرَّ فِي صُورَةِ تَسْمِيَةِ كُلٍّ مِنْ الْأَوْلَادِ ( فَإِذَا مَاتَ الْآخَرُ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ) يُقْسَمُ بَيْنَ وَلَدٍ لِأَحَدِهِمَا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْآخَرِ عَلَى السَّوِيَّةِ ( وَقَفَ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُهُ وَجَدُّهُ وَوَلَدُهُ ) رَجُلٌ قَالَ أَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَقَارِبِي أَوْ عَلَى قَرَابَتِي أَوْ عَلَى ذَوِي قَرَابَتِي قَالَ هِلَالٌ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَا

يُفَضَّلُ الذَّكَرُ عَلَى الْأُنْثَى وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَالِدُ الْوَاقِفِ وَلَا جَدُّهُ وَلَا وَلَدُهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( دَارٌ فِي يَدِهِ بَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ قَيِّمُ الْوَقْفِ أَنَّهَا لِلْمَسْجِدِ ، فَإِنْ أَرَّخَا فَلِلسَّابِقِ وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ) كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ وَقْفٌ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَبَقِيَ فِي يَدِ الْحَيِّ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ ثُمَّ الْحَيُّ بَرْهَنَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَالْبَاقِيَ غَيْبٌ وَالْوَاقِفُ وَاحِدٌ يُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ ، وَلَوْ بَرْهَنَ أَوْلَادُ الْأَخِ أَنَّ الْوَقْفَ مُطْلَقٌ عَلَيْك وَعَلَيْنَا فَبَيِّنَةُ مُدَّعِي الْوَقْفِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ أَوْلَى كَذَا فِي الْقُنْيَةِ .

( فَصْلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْفِ الْأَوْلَادِ ) ( قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ هِلَالٌ ) أَقُولُ هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَيَّدَ بِالذُّكُورِ يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) هَكَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَيْضًا وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ إذَا وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ وَلَدِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا فَهُوَ لِمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ ابْنِ الْوَاقِفِ دُونَ ابْنِ بِنْتِ الْوَاقِفِ ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِهِمْ كَانَ ذَلِكَ لِكُلِّهِمْ يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الِابْنِ وَوَلَدُ الْبِنْتِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ هِلَالٌ .
ا هـ .
وَلِابْنِ كَمَالٍ بَاشَا فِي هَذَا رِسَالَةٌ مُفِيدَةٌ ( الْبَنِينَ ) قَوْلُهُ يَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ وَالْأَبْعَدُ ) أَقُولُ وَيَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ مَنْ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ طُلُوعِ الْغَلَّةِ لَا مَنْ وُلِدَ لِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَّا إذَا وَلَدَتْ مُبَانَتُهُ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ الْمُعْتَقَةُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَفِي الْخَانِيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَالْجَوَابُ فِي الْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا هُوَ الْجَوَابُ فِي مَنْكُوحَةٍ غَيْرِ مُطَلَّقَةٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ لَمْ يَدْخُلْ وَالِدُهُ وَجَدُّهُ وَوَلَدُهُ ) أَقُولُ هَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الزِّيَادَاتِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ .

كِتَابُ الْبُيُوعِ ( هُوَ ) أَيْ الْبَيْعُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْبُيُوعُ لُغَةً مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ مُطْلَقًا وَهُوَ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ بَاعَ الشَّيْءَ إذَا شَرَاهُ أَوْ اشْتَرَاهُ وَيَتَعَدَّى إلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي بِلَا حَرْفٍ وَبِهِ يُقَالُ بَاعَهُ الشَّيْءَ وَبَاعَهُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا جُمِعَ لِكَوْنِهِ أَنْوَاعًا أَرْبَعَةً بِاعْتِبَارِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ بِمِثْلِهَا وَيُسَمَّى مُقَايَضَةً أَوْ بَيْعُهَا بِالثَّمَنِ وَيُسَمَّى بَيْعًا لِكَوْنِهِ أَشْهَرَ الْأَنْوَاعِ ، أَوْ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ كَبَيْعِ النَّقْدَيْنِ وَيُسَمَّى صَرْفًا ، أَوْ بَيْعُ دَيْنٍ بِمُعَيَّنٍ وَيُسَمَّى سَلَمًا وَبِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ أَيْضًا أَرْبَعَةً ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ إنْ لَمْ يُعْتَبَرْ يُسَمَّى مُسَاوَمَةً أَوْ اُعْتُبِرَ مَعَ زِيَادَةٍ يُسَمَّى مُرَابَحَةً أَوْ بِدُونِهَا يُسَمَّى تَوْلِيَةً أَوْ مَعَ النَّقْصِ يُسَمَّى وَضِيعَةً .
وَشَرْعًا ( مُبَادَلَةُ مَالٍ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ ) أَيْ التِّجَارَةِ خَرَجَ بِهِ مُبَادَلَةُ رَجُلَيْنِ بِمَالِهِمَا بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ أَوْ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً ، وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً ، لَمْ يَقُلْ عَلَى سَبِيلِ التَّرَاضِي لِيَتَنَاوَلَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ بَيْعٌ مُنْعَقِدٌ ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ ( يَنْعَقِدُ ) الِانْعِقَادُ تَعَلُّقُ كَلَامِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْآخَرِ شَرْعًا عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحَلِّ ( بِالْإِيجَابِ ) وَهُوَ الْإِثْبَاتُ سُمِّيَ بِهِ أَوَّلُ كَلَامِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْآخَرِ خِيَارُ الْقَبُولِ ( وَالْقَبُولِ ) وَهُوَ ثَانِي كَلَامِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ بِعْت أَوْ اشْتَرَيْت ( الْمَاضِيَيْنِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إذَا كَانَا بِلَفْظِ الْمَاضِي ، ثُمَّ قَالَ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَالْإِنْشَاءُ يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ وَالْمَوْضُوعُ لِلْإِخْبَارِ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِيهِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَأَرَادَ بِالْمَوْضُوعِ لِلْإِخْبَارِ

لَفْظَ الْمَاضِي إذْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ فَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ شَيْءٍ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَإِلَّا لَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ هُنَالِكَ وَأَرَادَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ صِيغَةَ الْأَمْرِ نَحْوَ بِعْهُ مِنِّي بِكَذَا فَقَالَ بِعْت ؛ لِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْنِي فَيَقُولُ زَوَّجْتُك فَلَا وَجْهَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْمُضَارِعِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِهِ نَعَمْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ إذَا قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ ( وَ ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا ( بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا ) أَيْ الْمَاضِيَيْنِ نَحْوَ رَضِيت وَأَعْطَيْتُك بِكَذَا أَوْ خُذْهُ بِكَذَا يَعْنِي أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى بِعْتُ وَاشْتَرَيْتُ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِهِ أَيْضًا ، فَإِذَا قَالَ بِعْتُ مِنْك هَذَا بِكَذَا فَقَالَ رَضِيتُ أَوْ قَالَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْك فَقَالَ خُذْهُ يَعْنِي بِعْت بِذَلِكَ فَخُذْهُ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بِالْأَخْذِ بِالْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَيْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْته مِنْك بِهِ فَخُذْهُ فَقُدِّرَ الْبَيْعُ اقْتِضَاءً فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِهِ لَا بِلَفْظَيْنِ أَحَدِهِمَا الْأَمْرُ لِيُنَافِيَ مَا مَرَّ فَإِنَّ الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ فِي بَعْضِهَا كَشِرْكَةِ الْمُفَاوَضَةِ حَيْثُ لَا تَصِحُّ إذَا لَمْ يُبَيِّنَا جَمِيعَ مَا تَقْتَضِيهِ ( حَتَّى التَّعَاطِيَ ) أَيْ إعْطَاءَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِهِ بِلَا وُجُودُ لَفْظٍ فَضْلًا عَنْ الْمَاضِيَيْنِ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ التَّرَاضِي ( مُطْلَقًا ) أَيْ فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ هُوَ الصَّحِيحُ لَا مَا قَالَ الْكَرْخِيُّ يَنْعَقِدُ بِهِ فِي الْخَسِيسِ فَقَطْ كَالْبَقْلِ وَنَحْوِهِ .
( وَ ) يَنْعَقِدُ أَيْضًا ( بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي بَيْعِ الْأَبِ

مِنْ طِفْلِهِ ) بِأَنْ يَقُولَ بِعْت هَذَا مِنْهُ بِكَذَا ( وَشِرَائِهِ مِنْهُ ) بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت هَذَا مِنْ ابْنِي فَإِنَّ عِبَارَةَ الْأَبِ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْعِبَارَتَيْنِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَبُولٍ وَكَانَ أَصِيلًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَنَائِبًا عَنْ طِفْلِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ دُونَ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ طِفْلِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى أَبِيهِ ، فَإِذَا لَزِمَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ فِي صُورَةِ شِرَائِهِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الدَّيْنِ حَتَّى يُنَصِّبَ الْقَاضِي وَكِيلًا يَقْبِضُهُ لِلصَّغِيرِ فَيَرُدُّهُ عَلَى أَبِيهِ فَيَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ ( وَيُخَيَّرُ الْقَابِلُ فِي الْمَجْلِسِ ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُخَيَّرْ لَزِمَهُ حُكْمُ الْعَقْدِ جَبْرًا وَهُوَ مُنْتَفٍ ( بَيْنَ قَبُولِ الْكُلِّ بِالْكُلِّ وَالتَّرْكِ ) يَعْنِي أَنَّ الْبَائِعَ إذَا أَوْجَبَ فِي شَيْءٍ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَوْ أَوْجَبَ الْمُشْتَرِي فِي شَيْءٍ فَقَبِلَ الْبَائِعُ فِي بَعْضِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَأَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا لِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ وَاحِدًا لَزِمَ ضَرَرُ الشِّرْكَةِ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَالْعَادَةُ ضَمُّ الْجَيِّدِ إلَى الرَّدِيءِ وَنَقْصُ ثَمَنِ الْجَيِّدِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ ثَبَتَ خِيَارُ قَبُولِ الْعَقْدِ فِي الْبَعْضِ بِأَنْ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْعَقْدَ فِي الْجَيِّدِ وَتَرَكَ الرَّدِيءَ فَزَالَ الْجَيِّدُ عَنْ يَدِ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ لَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ أَخْذُ الْكُلِّ بِالْبَعْضِ أَوْلَى ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الصَّفْقَةُ فَلَهُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ( إلَّا إذَا كَرَّرَ ) أَيْ الْبَائِعُ ( لَفْظَ بِعْتُ وَفَصَّلَ الثَّمَنَ ) إشَارَةً إلَى مَا

ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ صَفَقَاتٌ مَعْنًى لَا يَتِمُّ إلَّا أَنْ يُدْرَجَ تَكْرَارُ لَفْظِ الْعَقْدِ إذْ بِهِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ لَا بِمُجَرَّدِ بَيَانِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضَ الْمَبِيعِ دُونَ الْبَعْضِ ، وَإِنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَ بِعْت مَعَ ذِكْرِ الثَّمَنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ إنْ فَصَّلَ الثَّمَنَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ بِكَذَا أَوْ بِعْتُك هَذِهِ الْعَشَرَةَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا ( أَوْ رَضِيَ ) أَيْ الْبَائِعُ ( بِقَوْلِهِ ) أَيْ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي ( اشْتَرَيْت هَذَا بِكَذَا ) قَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ رَضِيَ الْبَائِعُ فِي الْمَجْلِسِ بِتَفْرِيقِ صَفْقَةٍ يَصِحُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْنَافَ إيجَابٍ لَا قَبُولًا وَرِضَى الْبَائِعِ بِهِ قَبُولًا ، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ لِلْبَعْضِ الَّذِي قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي قَفِيزَيْنِ بَاعَهُمَا بِعَشَرَةٍ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مُنْقَسِمٌ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ فَتَكُونُ حِصَّةُ كُلِّ بَعْضٍ مَعْلُومَةً ، فَأَمَّا إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَبْدَيْنِ أَوْ ثَوْبَيْنِ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ بِقَبُولِ أَحَدِهِمَا ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، أَقُولُ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ مُرَادِ الْقُدُورِيِّ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهُ عِبَارَةَ الْمُشْتَرِي إيجَابًا وَرِضَى الْبَائِعِ قَبُولًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي عِبَارَةِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ ذِكْرَ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ بَعْضِ الْمَبِيعِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته بِلَا ذِكْرِ الثَّمَنِ لَا يَكُونُ إيجَابًا ، وَلَا قَوْلِ الْبَائِعِ رَضِيت قَبُولًا لِعَدَمِ صِدْقِ تَعْرِيفِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَظَهَرَ عَدَمُ لُزُومِ الْبَيْعِ

بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً ، وَلِهَذَا قُلْت أَوْ رَضِيَ بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْت هَذَا بِكَذَا ( وَيَمْتَدُّ ) أَيْ خِيَارُ الْقَبُولِ ( إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ ، وَإِنْ طَالَ ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ، فَإِذَا عُدَّتْ الْأُمُورُ الْمُتَعَدِّدَةُ بِسَبَبِهِ وَاحِدَةٌ فَلَأَنْ تُعْتَبَرَ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً أَوْلَى دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ كَذَلِكَ بَلْ تَوَقَّفَ الْإِيجَابُ فِيهِمَا عَلَى مَا وَرَاءِ الْمَجْلِسِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُمَا اشْتَمَلَا عَلَى الْيَمِينِ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا عَنْ الرُّجُوعِ فِي الْمَجْلِسِ ( وَالْكِتَابُ وَالرِّسَالَةُ كَالْخِطَابِ ) يَعْنِي إذَا كَتَبَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بِعْتُك عَبْدِي فُلَانًا بِكَذَا أَوْ قَالَ لِرَسُولِهِ بِعْت هَذَا مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ بِكَذَا فَاذْهَبْ وَأَخْبِرْهُ فَوَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ الرَّسُولُ الْمُرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ فِي مَجْلِسِ بُلُوغِ الْكِتَابِ أَوْ الرِّسَالَةِ اشْتَرَيْتُهُ بِهِ أَوْ قَبِلْتُهُ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ وَالرَّسُولُ مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ فَكَلَامُهُ كَكَلَامِ الْمُرْسِلِ فَإِنَّ الرَّسُولَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُبَلِّغُ تَارَةً بِالْخِطَابِ وَتَارَةً بِالْكِتَابِ .

كِتَابُ الْبُيُوعِ ) ( قَوْلُهُ الْمَاضِيَيْنِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ الْبَيْعُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظَيْنِ يُنْبِئَانِ عَنْ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ عَلَى صِيغَةِ الْمَاضِي أَوْ الْحَالِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا بِكَذَا أَوْ يَقُولَ أَبِيعُك هَذَا بِكَذَا وَيَقُولَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت أَوْ قَبِلْت أَوْ رَضِيت أَوْ أَجَزْت ، وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا فَيَقُولُ بِعْت أَوْ يَقُولُ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَيَقُولُ اشْتَرَيْت ، وَكَمَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ سَأَبِيعُك هَذَا الْعَبْدَ بِكَذَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَرَّرَ الْبَائِعُ لَفْظَ بِعْت وَفَصَّلَ الثَّمَنَ ) أَقُولُ : هَذَا بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا لِمَا فِي الْبُرْهَانِ أَوْ يُفَصِّلُ ثَمَنًا بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِمِائَةٍ كُلَّ وَاحِدٍ بِخَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ فِي الْمُخْتَارِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ تَتَعَدَّدُ الصَّفْقَةُ ، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ بِعْت ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ تَفْصِيلِهِ وَلَئِنْ وُجِدَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ وَشَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ لِتَعَدُّدِهَا تَكْرَارَ لَفْظِ الْبَيْعِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ بِعْتُك هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَبِعْتُك هَذَا بِخَمْسِمِائَةٍ .
ا هـ .

( وَيَبْطُلُ الْإِيجَابُ قَبْلَ الْقَبُولِ بِالرُّجُوعِ ) أَيْ بِرُجُوعِ الْمُوجِبِ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِدُونِ الْقَبُولِ ، اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْمِلْكِ بَلْ حَقُّ التَّمَلُّكِ أَيْضًا حَقٌّ وَفِيهِ إبْطَالُهُ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْإِيجَابَ إذَا لَمْ يَفْدِ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ مُزِيلًا لِمِلْكِ الْبَائِعِ فَحَقُّ التَّمَلُّكِ لِلْمُشْتَرِي لَا يُعَارِضُ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْهُ وَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ قَبْلَ الْحَوْلِ إلَى السَّاعِي ، فَإِنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاسْتِرْدَادِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْفَقِيرِ بِالْمَدْفُوعِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ زَالَتْ مِنْ الْمُزَكِّي فَعَمِلَ حَقُّ الْفَقِيرِ لِانْتِفَاءِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ .
( وَ ) يَبْطُلُ أَيْضًا الْإِيجَابُ قَبْلَ الْقَبُولِ ( بِقِيَامِ أَيِّهِمَا ) مِنْ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ ( عَنْ مَجْلِسِهِ ) لِأَنَّ الْقِيَامَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ وَالدَّلَالَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الصَّرِيحِ .
اُعْتُرِضَ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَعْمَلُ عَمَلَهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحٌ يُعَارِضُهَا وَهَاهُنَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الْقِيَامِ قَبِلْت وُجِدَ الصَّرِيحُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ وَرُدَّ بِأَنَّ الصَّرِيحَ إنَّمَا وُجِدَ بَعْدَ الدَّلَالَةِ وَلِذَا لَمْ يُعَارِضْهَا ( وَلَزِمَ ) أَيْ الْبَيْعُ ( بِهِمَا ) أَيْ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ ( بِلَا خِيَارٍ ) لِأَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } وَلَنَا أَنَّ فِي الْفَسْخِ إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ .
أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِحَقِّ الْآخَرِ حَقُّ التَّمَلُّكِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ لِمَا مَرَّ ، وَإِنْ أُرِيدَ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَوَّلُ الْمَسْأَلَةِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ حَقَّ التَّمَلُّكِ ثَابِتٌ قَبْلَ الْقَبُولِ ، وَلَوْ لَمْ

يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْقَبُولِ فَائِدَةٌ زَائِدَةٌ بَلْ كَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً مَعَ كَوْنِهِ رُكْنًا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ وَلَنَا أَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ يُفِيدَانِ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ لِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَأَبَاحَ الْأَكْلَ ، وَلَوْ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ التِّجَارَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ التَّرَاضِي وَالْبَيْعُ تِجَارَةٌ فَدَلَّ بِإِطْلَاقِهِ عَلَى نَفْيِ الْخِيَارِ وَصِحَّةِ وُقُوعِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي ، وَالْقَوْلُ بِالْخِيَارِ تَقْيِيدٌ وَهُوَ نَسْخٌ فَلَا يَجُوزُ ، وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى خِيَارِ الْقَبُولِ أَيْ قَبُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعَقْدَ فِي الْمَجْلِسِ ، وَفَائِدَتُهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُوجِبَ بَعْدَمَا أَوْجَبَ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِخِيَارِ الْفَسْخِ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا الْقَبُولِ الْمُقَابِلِ لِلْإِيجَابِ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَفِي الْحَدِيثِ إشَارَةٌ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْأَحْوَالَ ثَلَاثٌ : حَالٌ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَحَالٌ وُجِدَا فِيهَا وَانْقَضَيَا وَحَالٌ وُجِدَ فِيهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ مَوْقُوفٌ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَيْهِمَا فِي الْأُولَى مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ ، وَفِي الثَّانِيَةِ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ وَفِي الثَّالِثَةِ حَقِيقَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ أَيْ أَجْزَاءٌ مِنْ أَوَاخِرِ الْمَاضِي وَأَوَائِلِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهِيَ حَالُ الْمُبَاشَرَةِ بِأَنْ يَقْبَلَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَجْلِسِ ، وَالْآخَرُ مُتَوَقِّفٌ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الثَّالِثَةُ فَإِنَّهُمَا مُتَبَايِعَانِ حَقِيقَةً حَالَ الْمُبَاشَرَةِ لَا مَا قَبْلَهَا وَلَا مَا بَعْدَهَا أَوْ يَحْتَمِلُهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَلْزَمَ إبْطَالُ حَقِّ الْآخَرِ ، وَالتَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى تَفَرُّقِ

الْأَقْوَالِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا بِعْت وَيَقُولَ الْآخَرُ لَا أَشْتَرِي أَوْ بِالْعَكْسِ حَيْثُ لَا يَبْقَى الْخِيَارُ بَعْدَهُ ، فَإِنْ قِيلَ التَّفَرُّقُ يَكُونُ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ هَاهُنَا قُلْنَا الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ ابْتِدَاءً وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ مُقَرَّرَةٍ فِي الْمِفْتَاحِ وَالْكَشَّافِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ ضَيِّقْ فَمَ الرَّكْيَةِ وَوَسِّعْ كُمَّ الثَّوْبِ وَالْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ جَعْلُ فَمِ الرَّكْيَةِ ضَيِّقًا ابْتِدَاءً وَفِي الثَّانِي جَعْلُ كُمِّ الثَّوْبِ وَاسِعًا ابْتِدَاءً فَلَا تَغْفُلْ .
قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِقِيَامِ أَيِّهِمَا ) أَقُولُ يَعْنِي لَوْ كَانَا قَاعِدَيْنِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَا وَاقِفَيْنِ فَسَارَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَكَلَ لُقْمَتَيْنِ فَقَبِلَهُ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَدَاءِ الْفَرْضِ فَقَبِلَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ أَوْ فِي رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ فَأَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى فَقَبِلَ جَازَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ ، وَلَوْ تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْعَقِدُ لِتَفَرُّقِ الْمَجْلِسِ بِالْخُطُوَاتِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَنْعَقِدُ إذَا أَجَابَ الْمُخَاطَبُ مَوْصُولًا بِالْخِطَابِ .
ا هـ .

( وَكَفَى ) فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ ( الْإِشَارَةُ فِي أَعْوَاضٍ ) أَعَمِّ مِنْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ ( غَيْرِ رِبَوِيَّةٍ ) احْتِرَازٌ عَنْ بَيْعِ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ وَحِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا بِجِنْسِهَا فَإِنَّ الْإِشَارَةَ فِيهِ لَا تَكْفِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُسَاوَاتِهَا قَدْرًا لِاحْتِمَالِ الرِّبَا كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِنَّمَا كَفَتْ الْإِشَارَةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ طُرُقِ التَّعْرِيفِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَوَصْفِهِ وَاجِبَةٌ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَشَرْطُ مَعْرِفَةِ مَبِيعٍ يُسَلَّمُ ) أَيْ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا أَقَرَّ أَنَّ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ مَتَاعًا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى التَّسْلِيمِ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ ( بِمَا ) مُتَعَلِّقٌ بِمَعْرِفَةِ ( يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ ) الْمُفْضِيَةَ إلَى النِّزَاعِ الْمُفْضِي إلَى فَسَادِ الْبَيْعِ بِأَنْ بَاعَ غَائِبًا وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ جَائِزٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ .
( وَ ) شُرِطَ أَيْضًا مَعْرِفَةُ ( قَدْرِ ثَمَنٍ ) كَعَشَرَةٍ مَثَلًا كَائِنٍ ( فِي الذِّمَّةِ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشَارِ إلَيْهِ كَمَا سَبَقَ وَمَا يَحْصُلُ فِيهَا هُوَ الْمَكِيلَاتُ وَالْعَدَدِيَّاتُ الْمُتَقَارِبَةُ وَالْمَوْزُونَاتُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَسَائِرِ مَا يُوزَنُ إذَا قُوبِلَتْ بِالْأَعْيَانِ الْقِيَمِيَّةِ ( وَ ) مَعْرِفَةُ ( وَصْفِهِ ) كَكَوْنِهِ بُخَارِيًّا أَوْ سَمَرْقَنْدِيًّا ؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُمَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ فَيَعْرَى الْعَقْدُ عَنْ الْمَقْصُودِ .

قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا ) يَعْنِي نَحْوَ الثَّلَاثَةِ بِجِنْسِهَا ( قَوْلُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ الْقَدْرِ وَالْوَصْفِ ) أَقُولُ وَلَكِنْ لَا تَسْقُطُ الْجَوْدَةُ حَتَّى لَوْ أَرَاهُ دَرَاهِمَ ، وَقَالَ اشْتَرَيْت بِهَذِهِ فَوَجَدَهَا زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْجِيَادِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَاجِبَةٌ فِيهَا ) لَعَلَّهُ وَاجِبٌ فِيهِ إذْ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يُعَرِّفَاهُ ) يَعْنِي مِقْدَارَهُ ( قَوْلُهُ وَأَشَارَ إلَى مَكَانِهِ
إلَخْ ) بَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ ، وَإِنْ لَمْ يُشِرْ إلَى مَكَانِهِ وَأَعَمُّ مِنْهُ وَبَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مُشْتَرَكٍ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ بِغَيْرِ اخْتِلَاطِ الْمِثْلِيِّ وَلِي فِيهِ رِسَالَةٌ .

( وَصَحَّ ) الْبَيْعُ ( بِحَالٍّ ) أَيْ بِثَمَنٍ حَالٍّ ( وَمُؤَجَّلٍ ) لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ ثَوْبًا إلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ } وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ مَانِعَةٌ مِنْ التَّسْلِيمِ الْوَاجِبِ بِالْعَقْدِ فَهَذَا يُطَالِبُهُ فِي قَرِيبِ الْمُدَّةِ ، وَذَلِكَ يُسْلِمُ فِي بِعِيدِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْبَيْعَ مُطْلَقٌ كَمَا قَالُوا ، وَاشْتِرَاطُ مَعْلُومِيَّةِ الْأَجَلِ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالرَّأْيِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ وَنَسْخُ الْكِتَابِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ ، وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ إطْلَاقَ النَّصِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِ الْأَجَلِ وَهِيَ لَمْ تُقَيَّدْ بِالْمَعْلُومِيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا إلَى أَجَلٍ أَوْ مُؤَجَّلًا صَحَّ فَيُصْرَفُ إلَى نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَالْمُقَيَّدُ بِالْمَعْلُومِيَّةِ إنَّمَا هُوَ وَقْتُ الْأَجَلِ وَالنَّصُّ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ ، وَلِهَذَا قُلْت ( مَعْلُومَ الْوَقْتِ ) حَتَّى إذَا جُهِلَ وَقْتُهُ فَسَدَ الْبَيْعُ كَالْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْبَيْعَ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ هُوَ الْمُعْتَرِضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ ، وَذَاتُ الْبَيْعِ وَحَقِيقَتُهُ كَمَا عَرَفْت مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَالثَّمَنُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الْبَيْعِ وَالتَّأْجِيلُ مِنْ صِفَاتِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ ، وَلِهَذَا يُقَالُ بَيْعٌ مُؤَجَّلٌ فَبِالنَّظَرِ إلَى التَّأْجِيلِ يَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِظَنِّيٍّ ، وَأَمَّا تَعْيِينُ وَقْتِ الْأَجَلِ فَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ بَلْ أَمْرٌ لَهُ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِصِفَتِهِ فَبِالنَّظَرِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا

فَيَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِالرَّأْيِ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ ( وَبَعْدَمَا عُلِمَ ) الْأَجَلُ ( إنْ مَاتَ الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ الْأَجَلُ ، وَإِنْ ) مَاتَ ( الْمُشْتَرِي حَلَّ الْمَالُ ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ التَّأْجِيلِ أَنْ يَتَّجِرَ فَيُؤَدِّيَ الثَّمَنَ مِنْ نَمَاءِ الْمَالِ ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ تَعَيَّنَ الْمَتْرُوكُ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يُفِيدُ التَّأْجِيلُ ( وَإِذَا مَنَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ سَنَةَ الْأَجَلِ فَلِلْمُشْتَرِي أَجَلُ سَنَةٍ ثَانِيَةٍ ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى سَنَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَلَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ فَلِلْمُشْتَرِي سَنَةٌ أُخْرَى بَعْدَ قَبْضِهِ ، وَقَالَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ( وَبِمُطْلَقٍ ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ مُطْلَقٍ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ لَا الْقَدْرِ لِوُجُوبِ ذِكْرِهِ لِمَا عَرَفْت ( فَالْعَقْدُ ) أَيْ فَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ يَقَعُ ( عَلَى غَالِبِ النَّقْدِ ) أَيْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ فِي الرَّوَاجِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ ( فَإِنْ اسْتَوَى ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ الْغَالِبُ بَلْ اسْتَوَى ( الرَّوَاجُ ) فِي النُّقُودِ ( لَا الْمَالِيَّةُ ) بَلْ تَفَاوَتَتْ فِيهَا ( فَسَدَ ) أَيْ الْبَيْعُ ( إنْ لَمْ يُبَيَّنْ ) أَيْ الثَّمَنُ أَنَّهُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ كَمَا مَرَّ ( أَوْ ) اسْتَوَى ( الْمَالِيَّةُ أَيْضًا ) أَيْ كَمَا اسْتَوَى الرَّوَاجُ ( وَاخْتَلَفَ الِاسْمُ ) كَالْأُحَادِيِّ وَالثُّنَائِيِّ وَالثُّلَاثِيِّ ( صَحَّ إنْ أَطْلَقَ اسْمَ الدِّرْهَمِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا ) حَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْأَوَّلِ وَالِاثْنَيْنِ مِنْ الثَّانِي وَالثَّلَاثِ مِنْ الثَّالِثِ اسْمُ الدِّرْهَمِ إذْ لَا نِزَاعَ عِنْدَ عَدَمِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَهُوَ الْمَانِعُ مِنْ الْجَوَازِ ( وَصُرِفَ إلَى مَا قُدِّرَ بِهِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ ) مَثَلًا إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَ أَلْفًا مِنْ الْأُحَادِيِّ أَوْ أَلْفَيْنِ مِنْ الثُّنَائِيِّ أَوْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ مِنْ الثُّلَاثِيِّ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَأَرَادَ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَتِهِ

نَوْعُ غُمُوضٍ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ النَّقْدَانِ ) النَّقْدُ مَا لَيْسَ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَسْكُوكًا أَوْ لَا ( وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( فِي صَحِيحِهِ ) أَيْ صَحِيحِ الْبَيْعِ ( وَإِنْ عَيَّنَا ) يَعْنِي إذَا عَيَّنَ الْعَاقِدَانِ دِرْهَمًا مَثَلًا ، ثُمَّ أَرَادَ الْمُشْتَرِي تَبْدِيلَهُ بِدِرْهَمٍ آخَرَ جَازَ عِنْدَنَا وَلَا يُسْمَعُ نِزَاعُ الْبَائِعِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَتَعَيَّنَانِ بِالتَّعْيِينِ حَتَّى لَا يَجُوزَ تَبْدِيلُهُ بِآخَرَ ، وَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا بَلْ يُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ مِثْلِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي صَحِيحِهِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَصْلِ وَلَا يَتَعَيَّنَانِ فِيمَا يَنْتَقِضُ بَعْدَ الصِّحَّةِ ، صُورَةُ الْأَوَّلِ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَظَهَرَ أَنَّهُ ثَمَنُ الْحُرِّ أَوْ بَاعَ جَارِيَةً وَظَهَرَ أَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ تَتَعَيَّنُ دَرَاهِمُ الثَّمَنِ لِلرَّدِّ ؛ لِأَنَّ لِهَذَا الْقَبْضِ حُكْمُ الْغَصْبِ وَصُورَةُ الثَّانِي مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا وَهَلَكَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ .

قَوْلُهُ وَهِيَ لَمْ تُقَيَّدْ بِالْمَعْلُومِيَّةِ ) الضَّمِيرُ فِي هِيَ يَرْجِعُ لِلْآيَةِ يَعْنِي { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ( قَوْلُهُ وَإِذَا مَنَعَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ
إلَخْ ) أَقُولُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِيمَا إذَا قَالَ إلَى سَنَةٍ كَمَا ذَكَرَ أَمَّا لَوْ قَالَ إلَى رَجَبٍ وَحَبَسَهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ عَلَى رَجَبٍ خَاصٍّ فَكَانَ مُنْصَرِفًا إلَى أَوَّلِ رَجَبٍ يَأْتِي عَقِيبَ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِنْ الْأَصْلِ ) يَعْنِي مِنْ أَصْلِهِ لَا طَارِئًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ) أَقُولُ .
وَفِي الْبُرْهَانِ فَلَوْ فَسَدَ الصَّرْفُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يَتَعَيَّنُ الْمَقْبُوضُ لِلرَّدِّ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لِبَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ .

( وَصَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي الطَّعَامِ ) وَهُوَ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِمَا عُرْفًا وَسَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ ( وَالْحُبُوبِ ) وَهِيَ غَيْرُهُمَا كَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَنَحْوِهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَ الْبَيْعُ ( جُزَافًا ) أَيْ بِطَرِيقِ الْمُجَازَفَةِ مُعَرَّبُ كُزَافٍ ( لَوْ ) بِيعَ ( بِغَيْرِ جِنْسِهِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ } بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ الرِّبَا ( وَصَحَّ ) أَيْضًا بَيْعُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ ( بِإِنَاءٍ أَوْ حَجَرٍ مُعَيَّنٍ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( جُهِلَ قَدْرُهُ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ جَهَالَةٌ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَهَاهُنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي الْبَيْعِ مُتَعَجَّلٌ فَيَنْدُرُ هَلَاكُ الْإِنَاءِ وَالْحَجَرِ بِخِلَافِ السَّلَمِ فَإِنَّ التَّسْلِيمَ فِيهِ مُتَأَخِّرٌ فَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِنَادِرٍ قَبْلَهُ فَتَتَحَقَّقُ فِيهِ الْمُنَازَعَةُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمِكْيَالُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ كَالْقَصْعَةِ وَنَحْوِهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ كَالزِّنْبِيلِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَجُوزُ ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ يَتَفَتَّتُ أَوْ بَاعَهُ بِوَزْنِ شَيْءٍ إذَا جَفَّ يَخِفُّ .
( وَ ) صَحَّ أَيْضًا فِي ( الْقَدْرِ الْمُسَمَّى ) وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ( إذَا بِيعَ صُبْرَةُ كُلِّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ ) مَثَلًا ( بِكَذَا ) يَعْنِي إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ بِكَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى فِي عَدَدِ الْقُفْزَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا الْبَاقِي لَا إذَا زَالَتْ الْجَهَالَةُ بِعِلْمِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ بِتَسْمِيَتِهَا أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ، وَقَالَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ( لَا صُبْرَتَانِ ) أَيْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا بِيعَ صُبْرَتَانِ ( مِنْ جِنْسَيْنِ ) كَصُبْرَتَيْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ كُلُّ قَفِيزٍ أَوْ قَفِيزَيْنِ بِكَذَا

حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ لِتَفَاوُتِ الصُّبْرَتَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ فِيهِمَا أَيْضًا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ وَالْإِيضَاحِ أَنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ عَلَى قَفِيزٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَلَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ أَيْضًا الْبَيْعُ عِنْدَهُ فِي الْقَدْرِ الْمُسَمَّى إذَا بِيعَ ( مُتَفَاوِتٌ كَالثُّلَّةِ ) وَهِيَ قَطِيعُ غَنَمٍ كُلُّ شَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ بِكَذَا ( وَالْعِدْلِ ) الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْأَثْوَابِ الْمُتَفَاوِتَةِ كُلُّ ثَوْبٍ أَوْ ثَوْبَيْنِ بِكَذَا ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي أَبْعَاضِهَا يَقْتَضِي الْجَهَالَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إلَى النِّزَاعِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ ( وَإِنْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ ) أَيْ جُمْلَتَيْ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِأَنْ قَالَ بِعْت هَذِهِ الثُّلَّةَ وَهِيَ مِائَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِعْت هَذَا الْعِدْلَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ بِمِائَةٍ ( بِلَا تَفْصِيلٍ ) أَيْ لَا يَقُولُ : كُلُّ شَاةٍ بِكَذَا أَوْ كُلُّ ثَوْبٍ بِكَذَا ( صَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي الْكُلِّ ) إجْمَاعًا ( مُتَفَاوِتًا أَوْ لَا ) لِمَعْلُومِيَّةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ ( فَإِنْ بَاعَهَا ) هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ ، وَإِنْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ يَعْنِي بَعْدَمَا سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْهُمَا ، فَإِنْ بَاعَ الصُّبْرَةَ ( عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ ) أَيْ مِائَةُ قَفِيزٍ ( بِمِائَةٍ ) صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَتَفَاوَتُ الْحُكْمُ هَاهُنَا بَيْنَ أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ قَفِيزٍ ثَمَنًا بِأَنْ يَقُولَ كُلَّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُسَمِّيَ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ بِخِلَافِ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَهِيَ ) أَيْ الصُّبْرَةُ ( أَقَلُّ ) مِنْ الْمِائَةِ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْأَقَلَّ ( بِحِصَّتِهِ ) مِنْ الثَّمَنِ ( أَوْ فَسَخَ ) الْعَقْدَ يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ بِالْمَوْجُودِ ( أَوْ ) هِيَ ( أَكْثَرُ ) مِنْ الْمِائَةِ ( فَالزَّائِدُ ) عَلَى الْمِائَةِ ( لِلْبَائِعِ ) وَالْمِائَةُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَقَدْ وُجِدَ فَصَحَّ الْعَقْدُ ،

وَالْقَدْرُ لَيْسَ بِوَصْفٍ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ كَمَا فِي الثَّوْبِ فَيَكُونُ لِلْبَائِعِ ( وَإِنْ بَاعَ الْمَذْرُوعَ هَكَذَا ) أَيْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ : كُلُّ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ بِكَذَا صَحَّ الْبَيْعُ ، فَإِنْ وَجَدَهُ الْمُشْتَرِي تَامًّا أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ بِلَا خِيَارٍ ، وَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ خُيِّرَ إنْ شَاءَ ( أَخَذَ الْأَقَلَّ بِالْكُلِّ ) أَيْ بِكُلِّ الثَّمَنِ ( أَوْ تَرَكَ ) لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِي الثَّوْبِ لَا بِمَعْنَى كَوْنِهِ صِفَةً عَرَضِيَّةً لَهُ بَلْ هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَا يَكُونُ تَابِعًا لِلشَّيْءِ غَيْرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ إذَا حَصَلَ فِيهِ يَزِيدُهُ حُسْنًا ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ جَوْهَرًا كَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ بِنَاءٍ مِنْ دَارٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْأَيْمَانِ ، فَإِنْ بَاعَ ثَوْبًا هُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ وَيُسَاوِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ إذَا انْتَقَصَ مِنْهُ ذِرَاعٌ لَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ ، فَإِنَّ بَعْضًا مِنْهَا يُسَمَّى قَدْرًا وَأَصْلًا وَلَا يُفِيدُ انْضِمَامَهُ إلَى بَعْضٍ آخَرَ كَمَالًا لِلْمَجْمُوعِ فَإِنَّ حِنْطَةً هِيَ عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ إذَا سَاوَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ كَانَتْ التِّسْعَةُ مِنْهَا تُسَاوِي تِسْعَةً ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْوَصْفِ وَالْأَصْلِ ، وَالْكُلُّ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْوَصْفُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَأَطْرَافِ الْحَيَوَانِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَأَخَذَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْأَكْثَرَ بِلَا خِيَارٍ لِلْبَائِعِ ) لِأَنَّهُ وَصْفٌ فَكَانَ كَمَا إذَا بَاعَهُ مَعِيبًا ، فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ ( وَإِنْ بَاعَ الْمُتَفَاوِتَ هَكَذَا ) أَيْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْ ( صَحَّ ) الْبَيْعُ ( فِي الْكُلِّ ) حَتَّى إذَا تَسَاوَى الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ لَزِمَ الْبَيْعُ لِمَعْلُومِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( لَا الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ إذَا قَالَ بِعْتُك هَذَا الْقَطِيعَ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ رَأْسًا أَوْ هَذَا الْعِدْلَ عَلَى أَنَّهُ خَمْسُونَ ثَوْبًا

بِكَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ صَارَ مَعْلُومًا بِالتَّسْمِيَةِ ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ زَائِدًا أَوْ نَاقِصًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ بَاعَ ثَوْبًا مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ مُتَفَاوِتٌ ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَحُطَّ حِصَّةَ الثَّوْبِ النَّاقِصِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَيَفْسُدُ أَيْضًا وَهَكَذَا فِي سَائِرِ مَا يَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ ( وَإِنْ زَادَ ) أَيْ فِي بَيْعِ الْمَذْرُوعِ بَعْدَ ذِكْرِ الْجُمْلَتَيْنِ ( كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ الصُّبْرَةِ لِمَا ذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ هُنَاكَ بَيْنَ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ وَبَيْنَ تَرْكِهِ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ ( صَحَّ فِي الْكُلِّ ) لِمَا ذَكَرْنَا ( فَإِنْ وَجَدَهُ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذَ الْأَقَلَّ بِالْأَقَلِّ أَوْ تَرَكَ ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ ، وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ صَارَ هَاهُنَا أَصْلًا بِإِفْرَادِهِ بِذِكْرِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْوَصْفُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ حَقِيقَةً ، كَمَا إذَا قَطَعَ الْبَائِعُ يَدَ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَسْقُطُ نِصْفُ الثَّمَنِ أَوْ حُكْمًا لِحَقِّ الْبَائِعِ كَمَا إذَا حَدَثَ عَيْبٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي أَوْ لِحَقِّ الشَّارِعِ كَمَا إذَا خَاطَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمَبِيعَ ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ يَكُونُ لِلْوَصْفِ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ ، فَإِذَا صَارَ أَصْلًا وَوَجَدَهُ نَاقِصًا ثَبَتَ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِحِصَّتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ أَوْ لِفَوْتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ .
( وَ ) فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَخَذَ ( الْأَكْثَرَ بِالْأَكْثَرِ أَوْ فَسَخَ ) لِأَنَّهُ إنْ حَصَلَ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ لَزِمَهُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ لِمَا ذَكَرَ فَكَانَ نَفْعًا يَشُوبُهُ ضَرَرٌ فَيَتَحَيَّرُ ، فَلَوْ أَخَذَهُ بِالْأَقَلِّ لَمْ يَكُنْ عَامِلًا بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا

قَالَ فِي الْأُولَى أَوْ تَرَكَ ، وَقَالَ هَاهُنَا أَوْ فَسَخَ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمَّا كَانَ نَاقِصًا فِي الْأُولَى لَمْ يُوجَدْ الْمَبِيعُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ حَقِيقَةً وَكَانَ أَخْذُ الْأَقَلِّ بِالْأَقَلِّ كَالْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي ، وَفِي الثَّانِيَةِ وُجِدَ الْمَبِيعُ مَعَ زِيَادَةٍ هِيَ تَابِعَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَتَدَبَّرْ .
( وَإِنْ وَجَدَهُ ) أَيْ الْمَذْرُوعَ ( عَشَرَةً وَنِصْفًا أَوْ تِسْعَةً وَنِصْفًا أَخَذَهُ فِي الْأَوَّلِ بِعَشَرَةٍ بِلَا خِيَارٍ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتِسْعَةٍ بِهِ ) أَيْ بِالْخِيَارِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِأَحَدَ عَشَرَ بِالْخِيَارِ وَفِي الثَّانِي بِعَشَرَةٍ بِهِ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَوَّلِ يَأْخُذُهُ بِعَشَرَةٍ وَنِصْفٍ بِالْخِيَارِ وَفِي الثَّانِي بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ بِهِ ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ مُقَابَلَةِ الذِّرَاعِ بِالدِّرْهَمِ مُقَابَلَةُ نِصْفِهِ بِنِصْفِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهَا ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ كُلَّ ذِرَاعٍ بِبَدَلٍ نَزَلَ كُلُّ ذِرَاعٍ مَنْزِلَةَ ثَوْبٍ ، وَقَدْ انْتَقَصَ وَلَهُ أَنَّ الذِّرَاعَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ حُكْمَ الْمِقْدَارِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِالذِّرَاعِ ، فَإِذَا عُدِمَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ وَقِيلَ فِي الْكِرْبَاسِ الَّذِي لَا يَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ لَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمَوْزُونِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ فَيَجُوزُ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ ( وَإِنْ زَادَهُ ) أَيْ الْقَيْدَ الْمَذْكُورُ ( فِي بَيْعِ الْمُتَفَاوِتِ صَحَّ فِي الْأَقَلِّ بِقَدْرِهِ وَخُيِّرَ ) لِأَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ لِكُلٍّ مِنْهَا ثَمَنًا كَانَ كُلٌّ مِنْهَا مَبِيعًا فَصَحَّ فِي الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ وَلَكِنَّهُ خُيِّرَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ ( وَفَسَدَ فِي الْأَكْثَرِ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ زَائِدًا تَبْقَى الْجَهَالَةُ فِي الْمَرْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ ( صَحَّ بَيْعُ عَشَرَةِ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ مِنْ دَارٍ ) إجْمَاعًا ( لَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْهَا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا

جَائِزٌ ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالْإِمَامِ الْعَتَّابِيِّ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِجَوَازِ الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ الدَّارُ مِائَةَ ذِرَاعٍ ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ تَعْلِيلِهِمَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَا لِأَنَّ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ مِنْ مِائَةِ ذِرَاعٍ عُشْرُ الدَّارِ فَأَشْبَهَ عَشَرَةَ أَسْهُمٍ مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ، وَلَهُ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّارِ لَا عَلَى شَائِعٍ ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِخَشَبَةِ يُذْرَعُ بِهَا وَاسْتُعِيرَ هَاهُنَا لِمَا يَحِلُّهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَا مُشَاعٌ ؛ لِأَنَّ الْمُشَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُذْرَعَ ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مَا يُحِلُّهُ وَهُوَ مُعَيَّنٌ لَكِنَّهُ مَجْهُولُ الْمَوْضِعِ بَطَلَ الْعَقْدُ ( وَلَا ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ ، فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ ) بِسُكُونِ الرَّاءِ ( وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ ) لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطَ جَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ وَاشْتِرَاطُ قَبُولِ الْمَعْدُومِ فِي الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ

( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فَيَجُوزُ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْجَوَازَ
إلَخْ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ مَعَ أَنَّهُ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ قَيَّدَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْإِنَاءُ لَا يَنْكَبِسُ بِالْكَبْسِ وَلَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ كَالْقَصْعَةِ وَالْخَزَفِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَنْكَبِسُ كَالزِّنْبِيلِ وَالْقُفَّةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِي قِرَبِ الْمَاءِ اسْتِحْسَانًا لِتَعَامُلِ النَّاسِ فِيهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَقَالَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَبِهِ يُفْتَى وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قَوْلُهُ لَا صُبْرَتَانِ ) أَقُولُ الْوَجْهُ لَا صُبْرَتَيْنِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ سَمَّى الْجُمْلَتَيْنِ بِلَا تَفْصِيلٍ صَحَّ فِي الْكُلِّ ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ بَيَّنَ إحْدَى الْجُمْلَتَيْنِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدْنَا مَوْضِعَ الْخِلَافِ بِقَيْدَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الثَّمَنِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ ، كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ بَيَّنَ جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ جُمْلَةَ الذُّرْعَانِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْت هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ جُمْلَةِ الذُّرْعَانِ صَارَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا وَبِبَيَانِ جُمْلَةِ الثَّمَنِ صَارَ جُمْلَةُ الذُّرْعَانِ مَعْلُومَةً كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ ا هـ قَوْلُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ) هِيَ مَا إذَا وَجَدَهُ أَقَلَّ ( قَوْلُهُ وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ) هِيَ مَا إذَا وَجَدَهُ أَكْثَرَ قَوْلُهُ وَلَهُ ) يَعْنِي بِهِ الْإِمَامَ وَهُوَ دَلِيلُ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ ( قَوْلُهُ فِي بَيْعِ الْمُتَفَاوِتِ ) يَعْنِي كَمَا إذَا بَاعَ عِدْلًا .

( فَصْلٌ ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا أُصُولًا : الْأَوَّلُ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ مُتَنَاوِلٌ اسْمَ الْمَبِيعِ عُرْفًا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ صَرِيحًا وَالثَّانِي أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَبِيعِ اتِّصَالَ قَرَارٍ كَانَ تَابِعًا لَهُ دَاخِلًا فِي الْمَبِيعِ وَمَا لَا فَلَا قَالُوا إنَّ مَا وُضِعَ لَأَنْ يَفْصِلَهُ الْبَشَرُ بِالْآخِرَةِ لَيْسَ بِاتِّصَالِ قَرَارٍ وَمَا وُضِعَ لَا لَأَنْ يَفْصِلَهُ فَهُوَ اتِّصَالُ قَرَارٍ ، وَالثَّالِثُ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ مِنْ الْقِسْمَيْنِ إنْ كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ وَمَرَافِقِهِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِذِكْرِهَا وَإِلَّا فَلَا .
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ ( لَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ بِشِرَاءِ بَيْتٍ بِكُلِّ حَقٍّ لَهُ وَنَحْوِهِ ) أَيْ بِمَرَافِقِهِ وَبِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ ( وَلَا ) يَدْخُلُ الْعُلُوُّ أَيْضًا بِشِرَاءِ ( مَنْزِلٍ إلَّا بِهِ ) أَيْ بِالْقَيْدِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ اسْمٌ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ إذْ يَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى بِنَوْعِ قُصُورٍ بِانْتِفَاءِ مَنْزِلِ الدَّوَابِّ فِيهِ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ ( وَيَدْخُلُ هُوَ ) أَيْ الْعُلُوُّ ( وَالْبِنَاءُ وَمِفْتَاحُ غَلْقٍ مُتَّصِلٍ ) بِبَابِ الدَّارِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ وَهُوَ الْقُفْلُ فَإِنَّهُ وَمِفْتَاحَهُ لَا يَدْخُلَانِ بِهَذَا الْقَيْدِ ( وَالْكَنِيفُ بِشِرَاءِ دَارٍ بِحُدُودِهَا بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ ذَلِكَ الْقَيْدِ أَمَّا الْعُلُوُّ فَلِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَالْعُلُوُّ مِنْهَا ، وَكَذَا الْبِنَاءُ ، وَأَمَّا الْمِفْتَاحُ فَلِأَنَّ الْغَلَقَ الْمُتَّصِلَ جُزْءٌ مِنْهَا وَالْمِفْتَاحُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْغَلَقِ بِلَا تَسْمِيَةٍ ؛ لِأَنَّهُ كَالْجُزْءِ مِنْهُ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِهِ ، وَالْقُفْلُ وَمِفْتَاحُهُ لَا يَدْخُلَانِ

وَالسُّلَّمُ الْمُتَّصِلُ بِالْبِنَاءِ يَدْخُلُ وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ لَا غَيْرُ الْمُتَّصِلِ وَالسَّرِيرُ كَالسُّلَّمِ كَذَا فِي الْكَافِي ( لَا ) أَيْ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ ( الظُّلَّةُ وَالطَّرِيقُ وَالشِّرْبُ وَالْمَسِيلُ إلَّا بِهِ ) أَمَّا الظُّلَّةُ فَلِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَوَاءِ الطَّرِيقِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهُ ، وَأَمَّا الطَّرِيقُ وَالْمَشْرَبُ وَالْمَسِيلُ فَلِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْحُدُودِ وَلَكِنَّهَا مِنْ الْحُقُوقِ فَتَدْخُلُ بِذِكْرِهَا وَتَدْخُلُ فِي الْإِجَارَةِ بِلَا ذِكْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِلِانْتِفَاعِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ ( وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ ) وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ ( لَا الزَّرْعُ ) إلَّا بِالتَّسْمِيَةِ ( بِشِرَاءِ الْأَرْضِ ) لِأَنَّ الشَّجَرَ مُتَّصِلٌ بِهَا لِلْقَرَارِ فَأَشْبَهَ الْبِنَاءَ ، وَالزَّرْعُ مُتَّصِلٌ بِهِ لِلْفَصْلِ فَأَشْبَهَ مَتَاعًا فِيهَا ( وَلَا الثَّمَرُ بِشِرَاءِ شَجَرَةٍ ) لِأَنَّ الِاتِّصَالَ ، وَإِنْ كَانَ خِلْقِيًّا فَهُوَ لِلْقَطْعِ لَا لِلْبَقَاءِ فَصَارَ كَالزَّرْعِ ( إلَّا بِكُلِّ مَا فِيهَا أَوْ مِنْهَا ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمَبِيعِ ( لَا بِحُقُوقِهَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا ( لَا يَصِحُّ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ صَيْرُورَتِهِ بَقْلًا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْتَفَعٍ بِهِ وَتَابِعٌ لِلْأَرْضِ فَيَكُونُ كَالْوَصْفِ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ ، وَإِنْ بَاعَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى أَنْ يُدْرِكَ لَمْ يَجُزْ ، وَكَذَا الرَّطْبَةُ وَالْبُقُولُ ( وَبَعْدَهَا يَصِحُّ إنْ شَرَطَ تَخْلِيَةَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ تَخْلِيَةَ أَرْضِ الْبَقْلِ بِأَنْ يَقْطَعَهُ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْهِ دَابَّتَهُ فَتَأْكُلَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا يُفْسِدُهُ ( وَيَجُوزُ بَيْعُ حِصَّتِهِ مِنْ شَرِيكِهِ ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ كَالْأَصْلِ لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِمَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءً بَلَغَ أَوَانَ الْحَصَادِ أَوْ لَا ( وَمِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ ) لِأَنَّهُ

حِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ كَمَا إذَا بَاعَ الْجِذْعَ فِي السَّقْفِ وَلَمْ يَفْسَخْ الْبَيْعَ حَتَّى أَخْرَجَهُ وَسَلَّمَهُ ، وَلَوْ كَانَ الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ مُشْتَرَكًا فَبَاعَ نِصْفَ الْأَرْضِ مَعَ نِصْفِ الزَّرْعِ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ رِضَا شَرِيكِهِ جَازَ وَقَامَ الْمُشْتَرِي مَقَامَ الْبَائِعِ ، ثُمَّ بَيْعُ نِصْفِ الزَّرْعِ بِدُونِ الْأَرْضِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ حَقُّ الْقَرَارِ فِيهِ بِأَنْ زَرَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي الزِّرَاعَةِ كَالْغَاصِبِ فَجَازَ بَيْعُ النِّصْفِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( كَذَا مُنْفَرِدٌ بَاعَ كُلَّهُ ) أَيْ جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ إذْ حِينَئِذٍ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ ( بَاعَ سَمَكَةً فِيهَا دُرَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ ) يَعْنِي اصْطَادَ سَمَكَةً فِي بَطْنِهَا دُرَّةٌ فَمَلَكَ السَّمَكَةَ وَالدُّرَّةَ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا فَلَوْ بَاعَ السَّمَكَةَ لَمْ تَدْخُلْ الدُّرَّةَ فِي الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَائِهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فِي بَابِ الرِّكَازِ ( صَحَّ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ وَالْبَاقِلَّا ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَالْقَصْرِ وَإِذَا قُلْت الْبَاقِلَاءُ بِالْمَدِّ خَفَّفَتْ اللَّامَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ ( وَالْأُرْزِ وَالسِّمْسِمِ فِي قِشْرِهَا الْأَوَّلِ ) ، وَكَذَا الْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْفُسْتُقُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَهُ فِي بَيْعِ السُّنْبُلَةِ قَوْلَانِ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ .
لَهُ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَسْتُورٌ بِمَا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فَأَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهَى وَعَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ خِلَافُ حُكْمِ مَا قَبْلَهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الْغَايَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ نَهَى فَإِنَّ النَّهْيَ

يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ الَّتِي يَقْتَضِيهَا النَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ هِيَ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَصْلِ مَعَ عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْوَصْفِ وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ فَالدَّلِيلُ يُفِيدُ خِلَافَ الْمُدَّعَى ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالدَّلِيلُ يُفِيدُ فَسَادَهُ بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي الْبَدَائِعِ إنَّ الْغَايَةَ عِنْدَنَا مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ لَا الْمَفْهُومِ ، أَوْ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ التَّلْوِيحِ فِي بَحْثِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ إنَّ مَفْهُومَ الْغَايَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) صَحَّ بَيْعُ ( ثَمَرَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا ) ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ حَالًا أَوْ مَآلًا ( وَلَزِمَ ) عَلَى الْمُشْتَرِي ( قَطْعُهَا ) إذَا اشْتَرَاهَا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ الْقَطْعِ ( وَشَرْطُ إبْقَائِهَا ) عَلَى الشَّجَرِ حَالَ الْبَيْعِ ( يُفْسِدُهُ ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِلْمُشْتَرِي ( وَجَدَهُ ) أَيْ الثَّمَنَ ( زُيُوفًا لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُ السِّلْعَةِ وَحَبْسُهَا بِهِ ) أَيْ بِالثَّمَنِ يَعْنِي إذَا بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ فَلَهُ حَقُّ حَبْسِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهَا ، فَإِنْ سَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي بَطَلَ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ وَلَيْسَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ السِّلْعَةِ ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ فَلَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَنَ زُيُوفًا لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِرْجَاعُ السِّلْعَةِ ، وَإِنَّمَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِحَقِّهِ .
وَقَالَ زُفَرُ لَهُ ذَلِكَ ( قَبَضَ زُيُوفًا بَدَلَ الْجِيَادِ ) يَعْنِي كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ جِيَادٍ فَاسْتَوْفَى زُيُوفًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا جِيَادٌ فَأَتْلَفَهَا ( ثُمَّ عَلِمَ ) أَنَّهَا زُيُوفٌ ( إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يَرُدُّهَا وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً سَوَاءٌ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً ( فَلَا ) أَيْ لَا يَرُدُّ وَلَا يَسْتَرِدُّ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَ الزُّيُوفِ

وَيَرْجِعُ بِالْجِيَادِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِالنُّقْصَانِ بَاطِلٌ لِاسْتِلْزَامِهِ الرِّبَا ، وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ فِي الْجَوْدَةِ لِعَدَمِ رِضَاهُ فَكَانَ النَّظَرُ فِيمَا عَيَّنَاهُ ، وَلَهُمَا أَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ حَصَلَ بِقَبْضِ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَبَعْدَ الْعِلْمِ حَقُّهُ فِي فَسْخِ ذَلِكَ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِهَلَاكِ مَا بِهِ حَصَلَ الْقَضَاءُ إنَّمَا قَالَ زُيُوفًا ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَصَاصًا أَوْ سَتُّوقَةً تُرَدُّ اتِّفَاقًا ، وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ عَلِمَ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ عِنْدَ الْقَبْضِ أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ سَقَطَ حَقُّهُ ( اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَمَاتَ مُفْلِسًا قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهِ فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ ) يَعْنِي اشْتَرَى شَيْئًا وَقَبَضَهُ وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى مَاتَ مُفْلِسًا فَالْبَائِعُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ يَقْتَسِمُونَهُ وَلَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحَقُّ بِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ قَبَضَهُ إذْ لَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ اتِّفَاقًا .

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَالْبِنَاءُ وَمِفْتَاحُ غَلَقٍ مُتَّصِلٍ وَالْكَنِيفُ بِشِرَاءِ دَارٍ
إلَخْ ) أَقُولُ وَكَذَا يَنْبَغِي بِشِرَاءِ بَيْتٍ وَمَنْزِلٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِيهِمَا ، ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي شِرَاءِ الْبَيْتِ وَلَمَّا كَانَتْ الدَّارُ اسْمًا لِلْعَرْصَةِ فَيُتَوَهَّمُ عَدَمُ دُخُولِ الْبِنَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ فِيهَا فَدَخَلَ ذَلِكَ ضَرُورَةً ، وَأَمَّا الْبَيْتُ وَالْمَنْزِلُ فَحَقِيقَتُهُمَا لَا تَكُونُ إلَّا بِالْبِنَاءِ فَلَا احْتِيَاجَ لِذِكْرِهِ وَالنَّصِّ عَلَى دُخُولِهِ قَوْلُهُ لَا غَيْرُ الْمُتَّصِلِ
إلَخْ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ مِصْرَ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ السُّلَّمُ ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا ( قَوْلُهُ لَا أَيْ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ الظُّلَّةُ إلَى قَوْلِهِ إلَّا بِهِ ) أَقُولُ وَكَذَا ظُلَّةُ الْحَانُوتِ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَرَافِقَ لَا تَدْخُلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ الشَّجَرُ ) أَقُولُ وَلَوْ غَيْرَ مُثْمِرٍ أَوْ صَغِيرًا فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمَا كَانَ مَغِيبًا فِي الْأَرْضِ مِنْ الْكُرَّاثِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى سِنِينَ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرِ لَا مَا كَانَ ظَاهِرًا كَمَا فِي الْقَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَلَا الثَّمَرُ ) أَقُولُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَيَكُونُ لِلْبَائِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْوَرْدُ وَوَرَقُ التُّوتِ وَالْآسُ وَنَحْوُهَا كَالثِّمَارِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ وَبَعْدَهَا يَصِحُّ ) يَعْنِي بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ بَقْلًا ( قَوْلُهُ كَذَا مُنْفَرِدٌ بَاعَ كُلَّهُ أَيْ جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا إنْ لَمْ يَفْسَخْ إلَى الْحَصَادِ
إلَخْ ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا قَدَّمَهُ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ الزَّرْعِ إذَا صَارَ بَقْلًا ( قَوْلُهُ صَحَّ بَيْعُ الْبُرِّ فِي سُنْبُلِهِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَهَذَا بِخِلَافِ حَبِّ الْقُطْنِ وَبِزْرِ الْبِطِّيخِ وَنَوَى تَمْرٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ

إطْلَاقِ اسْمِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ التَّمْرِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقُطْنِ لَا يُقَالُ هَذَا بِزْرٌ بَلْ بِطِّيخٌ ، وَكَذَا الْبَاقِي فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمَّا الْحِنْطَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي سُنْبُلِهَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ حِنْطَةٌ ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْحُبُوبِ فِي سَنَابِلِهَا يُقَالُ هَذِهِ ذُرَةٌ وَهَذَا أَرْزٌ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ تَخْلِيصُهُ مِنْ سُنْبُلِهِ بِدِيَاسَةٍ وَتَدْرِيَةٍ فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ فَأَتْلَفَهَا ) لَفْظَةٌ زَائِدَةٌ بِحَذْفِهَا تَسْتَقِيمُ الْعِبَارَةُ إذْ لَا يَصِحُّ مَعَهَا قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً يَرُدُّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ الْمُتْلَفِ .

( بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ تَارَةً يَكُونُ لَازِمًا وَأُخْرَى غَيْرَ لَازِمٍ ، وَاللَّازِمُ مَا لَا خِيَارَ فِيهِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَغَيْرُ اللَّازِمِ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَلِكَوْنِ اللَّازِمِ أَقْوَى قَدَّمَهُ ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ قَبُولِ أَصْلِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ وَأَرَادَ بِالثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدَ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيًّا شَاءَ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ ، ثُمَّ ذَكَرَ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَأَخَّرَ خِيَارَ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ ، وَخِيَارُ الشَّرْطِ أَنْوَاعٌ : فَاسِدٌ وِفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَبَدًا ، وَجَائِزٌ وِفَاقًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( جَازَ ) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ ( لِلْمُتَبَايِعَيْنِ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( مَعًا ) فَلَا يُوجَدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا ( وَلِأَحَدِهِمَا وَلِغَيْرِهِمَا ) كَمَا سَيَأْتِي ( إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) أَيْ إلَى آخِرِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ { إذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَلِيَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ اللُّزُومُ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لَهُ لَكِنَّهُ جُوِّزَ بِهَذَا النَّصِّ الدَّالِ عَلَى الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِلَفْظِ بَايَعْت عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ( لَا أَكْثَرَ ) ، وَقَالَا يَجُوزُ إذَا سَمَّى مُدَّةً مَعْلُومَةً (

وَإِنْ أَجَازَ ) أَيْ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( فِيهَا ) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( جَازَ ) الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ ( إنْ شَرَى ) لَمْ يَذْكُرْهُ بِالْفَاءِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْوِقَايَةِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صُوَرِ خِيَارِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً لِيَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ بَلْ أَوْرَدَهُ عَقِيبَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ مَعْنًى ( عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَا بَيْعَ صَحَّ وَإِلَى أَكْثَرَ لَا إلَّا أَنْ يَنْقُدَهُ فِي الثَّلَاثَةِ ) قَالُوا لِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ إذْ الْحَاجَةُ مَسَّتْ إلَى الِانْفِسَاخِ عِنْدَ عَدَمِ النَّقْدِ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُمَاطَلَةِ فِي الْفَسْخِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَغَيْرُهُ عَلَيْهِ لَا يُقَاسُ ، وَدَفَعَهُ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ عَدَمُ جَوَازِ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ عَلَى مَا ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ الْخَفِيِّ إذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِيهَا أَيْضًا جَوَازُ إلْحَاقِ حُكْمٍ ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِغَيْرِهِ بِطَرِيقِ دَلَالَةِ النَّصِّ وَبِطَرِيقِ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي هُوَ الْقِيَاسُ الْخَفِيُّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمَلٌ هَاهُنَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ الْمُتَأَمِّلِ .

( بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالتَّعْيِينِ ) ( قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْعَاقِدُ مُخَيَّرًا بَيْنَ قَبُولِ الْعَقْدِ وَرَدِّهِ ) أَقُولُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ لِلْفَسْخِ عِنْدَنَا لَا الْإِجَازَةِ فَإِذَا فَاتَ الْفَسْخُ لَزِمَ الْعَقْدُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِجَازَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ فَاتَتْ الْإِجَازَةُ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى بَاقِي الْخِيَارَاتِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ ) أَقُولُ هَذَا مُسَلَّمٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَمَّا خِيَارُ التَّعْيِينِ فَمَنْعُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً فِيهِ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ حَدُّ مَا فِيهِ التَّعْيِينُ غَيْرُ مَمْنُوعِ الْحُكْمِ ، غَايَتُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي بَيَانِ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ .
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِلُزُومِ خِيَارِ الشَّرْطِ فِيهِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ فَمُسَلَّمٌ أَيْضًا فَتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ فَاسِدٌ اتِّفَاقًا كَمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى شَيْئًا فَقَبَضَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ أَيَّامٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فَلَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَك إقَالَةُ هَذَا الْبَيْعِ ا هـ ثُمَّ قَالَ اشْتَرَى شَيْئًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ ( قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيَّامًا ) أَقُولُ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ أَيَّامًا يَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَنْ يَصِحَّ وَيُصْرَفَ إلَيْهَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ وَصَرْفًا عَنْ إلْغَائِهِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ فَلَا يُوجَدُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا ) أَقُولُ لَوْ قَالَ فَلَمْ يَلْزَمْ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَرْضَيَا لَكَانَ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ .
قَوْلُهُ

وَإِنْ أَجَازَ فِيهَا جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا ابْتِدَاءً إذْ الظَّاهِرُ دَوَامُ الشَّرْطِ وَعِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا وَبِالْإِسْقَاطِ قِيلَ الرَّابِعُ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا وَهَذَا أَوْجَهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ .

( وَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ عَنْ مِلْكِهِ ) لِأَنَّ تَمَامَ هَذَا السَّبَبِ بِالْمُرَاضَاةِ وَلَا يَتِمُّ مَعَ الْخِيَارِ ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ نَفَذَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ فِيهِ ، وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ ( فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي فَهَلَكَ ) فِي يَدِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ ( ضَمِنَ قِيمَتَهُ ) لِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ بِالْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقُوفًا وَلَا نَفَاذَ بِدُونِ الْمَحَلِّ فَبَقِيَ مَقْبُوضًا فِي يَدِهِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَفِيهِ الْقِيمَةُ ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ هَلَكَ عَلَيْهِ وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ ( وَيَخْرُجُ ) الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ ( بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ لِلُزُومِ الْبَيْعِ فِي جَانِبِهِ بِانْتِفَاءِ الْخِيَارِ ( فَإِنْ هَلَكَ ) الْمَبِيعُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( ضَمِنَ الثَّمَنَ ) فَإِنَّ الْهَلَاكَ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ ، وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ عَيْبٌ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ وَإِذَا امْتَنَعَ لَزِمَ الْعَقْدُ وَتَمَّ فَيَلْزَمُ الثَّمَنُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لَهُ يَهْلِكُ ، وَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ كَمَا مَرَّ فَيَلْزَمُ الْقِيمَةُ ( وَلَا يَمْلِكُهُ ) أَيْ لَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ، وَقَالَا يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَانَ مِلْكًا بِلَا مَالِكٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، وَلَهُ أَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَوْ دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِهِ لَاجْتَمَعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ حُكْمًا بِالْمُعَاوَضَةِ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ ، وَرُجِّحَ هَذَا بِأَنَّ الْخِيَارَ إنَّمَا شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَتَرَوَّى فَيَقِفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فَلَوْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ لَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَرِيبَهُ فَيَعْتِقُ

عَلَيْهِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِعَدَمِ تَمَلُّكِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ ( فُرُوعٌ : الْأَوَّلُ لَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بَقِيَ النِّكَاحُ ) لِعَدَمِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُزِيلِ لَهُ ( الثَّانِي إنْ وَطِئَهَا ) أَيْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ زَوْجَتَهُ ( جَازَ لَهُ رَدُّهَا ) ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ بِالنِّكَاحِ لَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِيَمْتَنِعَ الرَّدُّ ( إلَّا فِي الْبِكْرِ ) لِأَنَّهُ تَعْيِيبٌ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُبْطِلُ الرَّدَّ ( الثَّالِثُ إنْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ فِي الْمُدَّةِ ) لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهَا وَالْعِتْقُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ ( الرَّابِعُ كَذَا ) أَيْ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا ( مَنْ شَرَاهُ قَائِلٌ إنْ مَلَكْتُ عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ ) لِعَدَمِ وُقُوعِ الشَّرْطِ ( الْخَامِسُ حَيْضُهَا فِي الْمُدَّةِ لَا يُعَدُّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَثْبُتْ ( السَّادِسُ إنْ رُدَّتْ الْأَمَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِهِ ) أَيْ بِالْخِيَارِ ( عَلَى الْبَائِعِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ ) إذْ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُشْتَرِي لِيَتَجَدَّدَ الْمِلْكُ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ ( السَّابِعُ مَنْ وَلَدَتْ فِي الْمُدَّةِ بِالنِّكَاحِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ ) يَعْنِي إنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ بِالْخِيَارِ فَوَلَدَتْ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمُشْتَرِي فَيَمْلِكُ الرَّدَّ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي يَدِ الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لَزِمَ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ ( الثَّامِنُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ بِالْخِيَارِ ( يَهْلِكُ عَلَى الْبَائِعِ إنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ وَأَوْدَعَهُ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الْبَائِعِ لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ بِالرَّدِّ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ( التَّاسِعُ بَقِيَ خِيَارُ مَأْذُونٍ شَرَى وَأَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ فِي الْمُدَّةِ ) أَيْ إنْ اشْتَرَى عَبْدٌ مَأْذُونٌ شَيْئًا بِالْخِيَارِ وَأَبْرَأَهُ بَائِعُهُ عَنْ ثَمَنِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَقِيَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ كَانَ رَدُّهُ فِي الْمُدَّةِ امْتِنَاعًا عَنْ التَّمَلُّكِ

وَلِلْمَأْذُونِ وِلَايَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ فَلَهُ وِلَايَةُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ ( الْعَاشِرُ بَطَلَ شِرَاءُ ذِمِّيٍّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا بِالْخِيَارِ إنْ أَسْلَمَ ) لِئَلَّا يَتَمَلَّكَهَا مُسْلِمًا بِإِسْقَاطِ خِيَارِهِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ بِخِيَارِ الْبَائِعِ وَيَخْرُجُ بِخِيَارِ الْمُشْتَرِي
إلَخْ ) أَقُولُ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا جَمِيعًا فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا لَزِمَ الْبَيْعُ مِنْ جَانِبِهِ وَالْآخَرُ عَلَى خِيَارِهِ ا هـ قَوْلُهُ إلَّا فِي الْبِكْرِ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ عَذْرَاءَ فَأَزَالَ عُذْرَتَهَا .

( وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ ) سَوَاءً كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَ ، فَإِذَا أَرَادَ الْإِجَازَةَ ( يُجِيزُ بِلَا عِلْمِ صَاحِبِهِ وَلَا يَنْقُضُ بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ عِلْمِهِ ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَهُ النَّقْضُ أَيْضًا بِدُونِهِ كَالْإِجَازَةِ وَلِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ بِلَا عِلْمِ الْمُوَكِّلِ ؛ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ مِنْ قِبَلِهِ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِالرَّفْعِ وَلَا يَعْرَى عَنْ الضَّرَرِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ إنْ كَانَ لِلْبَائِعِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْمُشْتَرِي تَمَامَ الْعَقْدِ فَيَتَصَرَّفَ فِيهِ فَيَلْزَمَهُ غَرَامَةُ الْقِيمَةِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ ، وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي جَازَ أَنْ لَا يَطْلُبَ الْبَائِعُ لِسِلْعَتِهِ مُشْتَرِيًا وَهَذَا نَوْعُ ضَرَرٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ كَعَزْلِ الْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ إذْ لَا إلْزَامَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ فِيهَا ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ ، كَيْفَ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ النَّقْضَ ، وَإِنَّمَا يُنْقَضُ لِكَوْنِ الْعَقْدِ غَيْرَ لَازِمٍ وَعُورِضَ بِأَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ إلْزَامِ الضَّرَرِ ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ وَلَكِنْ عِنْدَنَا مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالنَّقْضِ لَرُبَّمَا اخْتَفَى مَنْ لَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَرَضِيٌّ بِهِ مِنْهُ حَيْثُ تَرَكَ الِاسْتِيثَاقَ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ مَخَافَةَ الْغَيْبَةِ ( وَإِنْ نَقَضَ الْعَقْدَ ) مَنْ لَهُ الْخِيَارُ ( فَلَوْ عَلِمَهُ ) أَيْ عَلِمَ الْآخَرُ النَّقْضَ ( فِي الْمُدَّةِ انْتَقَضَ ) الْعَقْدُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فِي الْمُدَّةِ بَلْ بَعْدَهَا ( تَمَّ الْعَقْدُ ) لِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْفَسْخِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُنْقَضُ بِدُونِهِ أَيْ بِدُونِ عِلْمِهِ ) أَقُولُ هَذَا إذَا نُقِضَ بِالْقَوْلِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَهُ النَّقْضُ أَيْضًا بِدُونِهِ ) أَقُولُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ فِي النَّقْضِ بِالْقَوْلِ أَمَّا النَّقْضُ بِالْفِعْلِ كَالْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَتَوَابِعِهِ وَالْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِشَهْوَةٍ ضِمْنِيٌّ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ ) الْوَاوُ تَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ تَثْبُتْ وَهِيَ سَالِمَةٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَتَأَمَّلْ .

( وَلَا يُورَثُ هَذَا ) أَيْ خِيَارُ الشَّرْطِ بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْوَارِثِ كَمَا كَانَ يَنْفَسِخُ بِفَسْخِ الْمُوَرِّثِ حَالَ حَيَاتِهِ ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَمَاتَ مَلَكَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَلَا يُنَازِعُهُ وَارِثُ الْبَائِعِ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَمَاتَ مَلَكَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي بِلَا خِيَارٍ ، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَمْلِكُهُ الْوَارِثُ وَالْمُوَرِّثُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا ؟ قُلْت الْعَقْدُ الْمُوجِبُ لِلْمِلْكِ كَانَ مَوْجُودًا فِي حَقِّهِ وَلَكِنَّ الْخِيَارَ كَانَ مَانِعًا فَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ ظَهَرَ أَثَرُ الْمُوجِبِ لِلْمِلْكِ فَتَدَبَّرْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُورَثُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ وَهُوَ مَنْ لَا خِيَارَ لَهُ يَبْقَى الْخِيَارُ ، وَلَنَا أَنَّ الْإِرْثَ فِيمَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ وَالْخِيَارُ لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ وَلَا إرْثَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ لِمَا سَيَأْتِي ( وَلَا ) يُورَثُ أَيْضًا ( خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ إلَّا مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرَّدُّ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ لَهُ ( وَ ) لَا خِيَارُ ( التَّعْيِينِ ) لِمَا ذَكَرَ بَلْ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً لِاخْتِلَاطِ مِلْكِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ ، وَإِذَا بَطَلَ الْخِيَارُ لَزِمَ الْبَيْعُ وَتَمَّ ( وَ ) لَا خِيَارُ ( الْعَيْبِ ) بَلْ الْمَوْرُوثُ اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ سَالِمًا فَكَذَا الْوَارِثُ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ، وَلِهَذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِيمَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوَرِّثِ ( شَرَطَ ) أَيْ الْخِيَارَ ( أَحَدُهُمَا ) يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ الْعَاقِدَيْنِ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ( لِغَيْرِهِمَا ) جَازَ ( فَأَيٌّ ) مِنْ الْعَاقِدَيْنِ وَالْغَيْرِ ( أَجَازَ أَوْ نَقَضَ صَحَّ ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ أَحْكَامِ

الْعَقْدِ فَلَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لِلْغَيْرِ كَالثَّمَنِ .
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْخِيَارَ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ يَثْبُتُ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ فَيُقَدَّمُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ اقْتِضَاءً فَيُجْعَلُ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ فَيَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْخِيَارُ .
( وَفِي إجَازَةِ أَحَدِهِمَا ) مِنْ الْأَصِيلِ وَالنَّائِبِ ( وَنَقْضِ الْآخَرِ الْأَوَّلُ أَوْلَى ) لِوُجُودِهِ فِي زَمَانٍ لَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ فِيهِ .
( وَفِي الْمَعِيَّةِ ) أَيْ إنْ خَرَجَ الْكَلَامَانِ مِنْهُمَا مَعًا يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُ الْعَاقِدِ فِي رِوَايَةٍ ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ يَسْتَفِيدُ التَّصَرُّفَ مِنْهُ ، وَتَصَرُّفُ النَّاقِضِ فِي أُخْرَى ؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَلْحَقُهُ النَّقْضُ وَالْمَنْقُوضُ لَا يَلْحَقُهُ الْإِجَازَةُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ ( النَّقْضُ ) أَوْلَى كَنِكَاحِ الْحُرَّةِ مَعَ نِكَاحِ الْأَمَةِ إذَا اجْتَمَعَا كَانَ نِكَاحُ الْحُرَّةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى نِكَاحِ الْأَمَةِ بِلَا عَكْسٍ وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ إذْ الْفَسْخُ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَالْإِجَازَةُ تُوجِبُ الْإِبَاحَةَ وَالْمُحَرِّمُ رَاجِحٌ عَلَى الْمُبِيحِ .
قَوْلُهُ وَلَا خِيَارُ التَّعْيِينِ وَلَا خِيَارُ الْعَيْبِ ) أَقُولُ نَفْيُ الْإِرْثِ فِي هَذَيْنِ الْخِيَارَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ كَلِمَتَهُمْ مِنْ أَنَّ الْإِرْثَ جَارٍ فِي خِيَارِ التَّعْيِينِ وَالْعَيْبِ فَتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ وَشَرَطَهُ أَحَدُهُمَا لِغَيْرِهِمَا جَازَ ) أَقُولُ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِأَحَدِهِمَا بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَشْرِطَهُ لِغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ فَإِذَا اجْتَمَعَا كَانَ النَّقْضُ أَوْلَى ) أَقُولُ هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْمَأْذُونِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( بَاعَ عَبْدَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا إنْ فَصَّلَ ) أَيْ الثَّمَنَ ( وَعَيَّنَ ) أَيْ مَحَلَّ الْخِيَارِ ( صَحَّ ) أَيْ الْعَقْدُ ( وَإِلَّا فَلَا ) وَهَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنْ لَا يَفْصِلَ الثَّمَنَ وَلَا يُعَيِّنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ الْخِيَارُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَارِ لَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَبَقِيَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مَجْهُولٌ ، وَثَانِيهَا أَنْ يَفْصِلَ الثَّمَنَ وَيُعَيِّنَ مَا فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ جَائِزٌ لِكَوْنِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعْلُومَيْنِ ، وَقَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا فِيهِ الْخِيَارُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ فِي الْآخَرِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِكَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ قِنٍّ وَمُدَبَّرٍ ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَفْصِلَ وَلَا يُعَيِّنَ ، وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ فِيهِمَا لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ اشْتَرَى كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَبْدًا وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ صَحَّ فَصَلَ الثَّمَنَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَتَفَاوَتُ فَقِيمَتُهُ أَيْضًا لَا تَتَفَاوَتُ ، فَإِذَا كَانَ ثَمَنُ الْكُلِّ مَعْلُومًا كَانَ ثَمَنُ النِّصْفِ أَيْضًا مَعْلُومًا فَالْمَبِيعُ مَعْلُومٌ إذْ الشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ كَذَا فِي الْكَافِي .
( وَصَحَّ التَّعْيِينُ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ ) وَهَذَا خِيَارُ التَّعْيِينِ يَعْنِي اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيُّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ جَازَ ، وَكَذَا الثَّلَاثَةُ اسْتِحْسَانًا ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَةً فَسَدَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى شَرْطِ الْخِيَارِ إذْ الْجَوَازُ ثَمَّةَ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّأَمُّلِ لِيَخْتَارَ الْأَرْفَقَ وَالْأَوْفَقَ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلِذَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى اخْتِيَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ فَجُوِّزَ الْبَيْعُ

عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْجَهَالَةُ إنَّمَا تُوجِبُ الْفَسَادَ إذَا كَانَتْ مُفْضِيَةً إلَى النِّزَاعِ ، وَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فَهِيَ لَا تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ صَارَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فَيَخْتَارُ أَيًّا شَاءَ وَيَرُدُّ الْآخَرَ وَالْحَاجَةُ تَنْدَفِعُ بِالثَّلَاثِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ وَالْوَسَطِ فِي الْأَرْبَعَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ النِّزَاعُ لَكِنْ لَمْ تُوجَدْ الْحَاجَةُ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ قَائِمَةٌ بِهِمَا فَلَا تَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ عِنْدَهُ وَبِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمَا .

( قَوْلُهُ كَذَا فِي الْكَافِي ) أَقُولُ وَفِي التَّبْيِينِ مَعَ زِيَادَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي ( قَوْلُهُ يَعْنِي اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ فِي الْجَمِيعِ ابْتِدَاءً .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ مِنْ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنْ يُعَيِّنَ أَيًّا شَاءَ ا هـ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا صَوَّرَ بِهِ الْمَسْأَلَةَ ، وَالصَّوَابُ مَا صَوَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْبُرْهَانُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ وَالْآخَرَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ لِقَبْضِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ لَا عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ا هـ .
وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا فَلْيُتَأَمَّلْ .
قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا الْعَقْدِ خِيَارُ الشَّرْطِ ) قَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ نَعَمْ كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ تَصْوِيرًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَسَبَهُ قَاضِي خَانْ إلَى أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي جَامِعِهِ هُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ) هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ يَعْنِي الْجَامِعَ الْكَبِيرَ وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ الصُّورَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لَا قَيْدًا وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُجَاعٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِالثَّلَاثِ
إلَخْ ) أَقُولُ ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْ خِيَارَ الشَّرْطِ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيتِ خِيَارِ التَّعْيِينِ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّ التَّوْقِيتَ فِيهِ يُفِيدُ لُزُومَ الْعَقْدِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَفِي خِيَارِ

التَّعْيِينِ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فِي أَحَدِهِمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ وَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ بِدُونِ تَعَيُّنِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِشَرْطِ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ التَّوْقِيتَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ .
ا هـ .
أَقُولُ نَفْيُ الزَّيْلَعِيِّ مَعْنَى خِيَارِ التَّوْقِيتِ وَفَائِدَتَهُ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِ الْخِيَارِ مُسَلَّمٌ بِاعْتِبَارِ مَا ذَكَرَ ، أَمَّا سَلْبُ الْمَعْنَى وَالْفَائِدَةِ عَنْهُ أَصْلًا فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ بَلْ لَهُ مَعْنًى وَفَائِدَةٌ هُمَا دَفْعُ ضَرَرِ الْبَائِعِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ مَطْلِ الْمُشْتَرِي التَّعْيِينَ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فَيَفُوتُ عَلَى الْبَائِعِ نَفْعُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيمَا يَمْلِكُهُ ا هـ ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا شَرَطَ خِيَارَ التَّعْيِينِ لِلْبَائِعِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا قَالُوا وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ وَذَكَرَ فِي الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ .
ا هـ .

( اشْتَرَيَا بِالْخِيَارِ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا يَرُدُّهُ الْآخَرُ ) يَعْنِي اشْتَرَى رَجُلَانِ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَهُ الرَّدُّ ( وَكَذَا خِيَارُ الْعَيْبِ ) يَعْنِي اشْتَرَيَا عَبْدًا فَظَهَرَ عَيْبُهُ فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا لَا الْآخَرُ ( وَالرُّؤْيَةِ ) يَعْنِي اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ فَرَآهُ أَحَدُهُمَا فَرَضِيَ لَا الْآخَرُ فَإِنَّهُمَا أَيْضًا عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَهُمَا أَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ لَهُمَا إثْبَاتُهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِدَفْعِ الْغَبْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَاجٌ إلَى دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ بَطَلَ هَذَا بِإِبْطَالِ الْآخَرِ خِيَارَهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَيَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ ، وَلَهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ خِيَارُهُمَا لَا خِيَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالرَّدِّ .
أَقُولُ تَحْقِيقُهُ أَنَّ الْخِيَارَ تَصَرُّفٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ إذَا فُوِّضَ إلَى رَجُلَيْنِ لَا يَسْتَقِلُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِيهِ كَالْوَكَالَةِ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ بِدُونِ الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا رَأْيِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ بِلَا عِوَضٍ أَوْ رَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّأْيِ بَلْ تَعْبِيرٍ مَحْضٍ وَعِبَارَةُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فِيهِ سَوَاءٌ .

( وَيُبْطِلُهُ ) أَيْ خِيَارَ الشَّرْطِ ( الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ دَارًا ) مَفْعُولُ الْأَخْذِ ( بِيعَتْ ) صِفَةُ دَارٍ ( بِجَنْبِ ) حَالٌ مِنْ دَارٍ أَوْ صِفَةٌ لَهَا ( مَا شُرِطَ ) الْخِيَارُ ( فِيهِ ) وَهِيَ الدَّارُ الْمُشْتَرَاةُ يَعْنِي مَنْ اشْتَرَى دَارًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ فَهُوَ رِضًا ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الشُّفْعَةِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ الْمِلْكَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ وَهُوَ بِالِاسْتِدَامَةِ فَيَتَضَمَّنُ سُقُوطَ الْخِيَارِ سَابِقًا عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ بِالِاسْتِنَادِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ ثَابِتًا ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا وَلَمْ يَرَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَأَخَذَهَا بِالشُّفْعَةِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ الْأُولَى بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَلَوْ عَرَضَ عَلَى بَيْعٍ لَا يَبْطُلُ أَيْضًا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَيَبْطُلُ خِيَارُ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ خِيَارَ الشَّرْطِ سَقَطَ الْخِيَارُ ، وَلَوْ قَالَ أَبْطَلْتُ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَبْطُلُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( وَ ) يُبْطِلُهُ أَيْضًا ( تَعَيُّبُهُ ) أَيْ تَعَيُّبُ مَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ ( بِمَا ) أَيْ بِعَيْبٍ ( لَا يَرْتَفِعُ ) كَقَطْعِ يَدِهِ فَإِنَّ الرَّدَّ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ حَتَّى لَوْ مَرِضَ وَزَالَ جَازَ رَدُّهُ ( وَيُبْطِلُهُ ) أَيْضًا ( مُضِيُّ الْمُدَّةِ ) لِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ إلَّا فِيهَا كَالْمُخَيَّرَةِ فِي وَقْتٍ مُقَدَّرٍ لَمْ يَبْقَ لَهَا الْخِيَارُ بَعْدَ مُضِيِّهِ ( وَ ) يُبْطِلُهُ أَيْضًا ( تَصَرُّفٌ لَا يُفْسَخُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ ) تَصَرُّفٌ ( لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ كَالْوَطْءِ وَالتَّقْبِيلِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ أَوْ ) تَصَرُّفٌ ( لَا يَنْفُذُ إلَّا فِيهِ ) أَيْ فِي الْمِلْكِ ( كَالْبَيْعِ وَالرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَالْهِبَةِ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا دَلِيلُ اخْتِيَارِ الْمِلْكِ وَاسْتِبْقَائِهِ ( لَا اللُّبْسُ وَالرُّكُوبُ مَرَّةً

) وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ لِلِامْتِحَانِ وَالتَّجْرِبَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِبْقَاءِ ( اشْتَرَى بِالْخِيَارِ إلَى الْغَدِ دَخَلَ ) أَيْ الْغَدُ فَيَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْغَدِ أَيْضًا ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَى الظُّهْرِ أَوْ اللَّيْلِ دَخَلَ الظُّهْرُ وَاللَّيْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَدْخُلُ ؛ لِأَنَّ الْغَدَ وَنَحْوَهُ جُعِلَ غَايَةً وَالْغَايَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ إذَا كَانَتْ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَا تَدْخُلُ كَاللَّيْلِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ صَوْمَ سَاعَةٍ ، فَإِذَا قِيلَ إلَى اللَّيْلِ مَدَّ الْحُكْمَ إلَى مَوْضِعِ الْغَايَةِ وَإِذَا كَانَتْ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا يَبْقَى مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا كَمَا فِي الْمَرَافِقِ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْأَيْدِي يَنْتَظِمُ الْآبَاطُ ، وَكَانَ ذِكْرُ الْغَايَةِ لِإِخْرَاجِ مَا وَرَاءَهَا فَبَقِيَ مَوْضِعُ الْغَايَةِ دَاخِلًا ، وَهُنَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَبَتَ الْخِيَارُ مُؤَبَّدًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ فَأَسْقَطَتْ الْغَايَةُ مَا وَرَاءَهَا ، بِخِلَافِ التَّأْجِيلِ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَ مُؤَجَّلًا إلَى رَمَضَانَ لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ ، فَإِنْ أَطْلَقَ التَّأْجِيلَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك مُؤَجَّلًا وَلَمْ يُؤَقِّتْهُ لَا يَتَأَبَّدْ بَلْ يُصْرَفُ إلَى نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَبِالشَّهْرِ يُفْتَى فَكَانَتْ الْغَايَةُ لِمَدِّ الْحُكْمِ إلَيْهَا فَلَمْ تَدْخُلْ ( وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فِي الْخِيَارِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَ الْعَاقِدَانِ فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يُنْكِرُهُ مَعَ الْيَمِينِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالشَّرْطِ فَكَانَ مِنْ الْعَوَارِضِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِمَنْ يَنْفِيهِ كَمَا فِي دَعْوَى الْأَجَلِ ( وَالْمُضِيِّ ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكَرِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ ، ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا السُّقُوطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكَرِ ( وَالزِّيَادَةِ ) يَعْنِي إذَا

اخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِي أَخْصَرَ الْوَقْتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يَدَّعِي زِيَادَةَ شَرْطٍ عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ .

( اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ خَبْزِهِ أَوْ كَتْبِهِ وَوَجَدَهُ بِخِلَافِهِ أَخَذَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ تَرَكَهُ ) لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ فَيُسْتَحَقُّ بِالشَّرْطِ فِي الْعَقْدِ ، ثُمَّ فَوَاتُهُ يُوجِبُ التَّخَيُّرَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ دُونَهُ ، وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ قَدْرَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخَبَّازِ وَالْكَاتِبِ فَحِينَئِذٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَبُولِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَبَيْنَ الرَّدِّ إذَا لَمْ يُمْنَعْ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ ( كَشِرَاءِ شَاةٍ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ ) وَلَمْ تُوجَدْ كَذَلِكَ ( فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ ) لِمَا ذَكَرَ ( بِخِلَافِ شِرَائِهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ أَوْ تَحْلُبُ كَذَا رَطْلًا ) حَيْثُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذْ لَا يُعْرَفُ ذَلِكَ حَقِيقَةً .
( اشْتَرَى جَارِيَةً بِالْخِيَارِ فَرَدَّ غَيْرَهَا ) بَدَلَهَا قَائِلًا ( بِأَنَّهَا الْمُشْتَرَاةُ ) فَتَنَازَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ غُيِّرَتْ وَالْمَبِيعَةُ لَيْسَتْ هَذِهِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي التَّغْيِيرَ وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ بَيِّنَةٌ ( فَالْقَوْلُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي مَعَ الْيَمِينِ .
( وَ ) جَازَ ( لِلْبَائِعِ وَطْؤُهَا ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا رَدَّهَا رَضِيَ بِتَمْلِيكِهَا مِنْ الْبَائِعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ فَكَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ .

قَوْلُهُ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ خَبْزِهِ أَوْ كَتْبِهِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَلَوْ شَرَطَ أَنَّ الْعَبْدَ يَكْتُبُ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ يَفْسُدُ ( قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُمْنَعْ الرَّدُّ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ ) أَقُولُ وَإِذَا مُنِعَ يُقَوَّمُ كَاتِبًا وَغَيْرَ كَاتِبٍ وَيُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ فَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنِسْبَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ كَشِرَاءِ شَاةٍ عَلَى أَنَّهَا حَلُوبٌ أَوْ لَبُونٌ
إلَخْ ) .
أَقُولُ عَدَمُ الْفَسَادِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَيَفْسُدُ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ

( بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) ( جَازَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ ) أَيْ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِي يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ شَيْئًا مَلَكَهُ وَلَمْ يَرَهُ كَمَا إذَا وَرِثَهُ ، وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ رَجُلٌ شَيْئًا لَمْ يَرَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّكَ قَدْ غُبِنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ( حَضَرَ ) أَيْ سَوَاءٌ حَضَرَ ( الْمَبِيعُ ) الْغَيْرُ الْمَرْئِيِّ ( فِي الْمَجْلِسِ ) بِأَنْ يَكُونَ زَيْتًا فِي زِقٍّ أَوْ بُرًّا فِي جُوَالِقٍ أَوْ دُرَّةً فِي حُقَّةٍ أَوْ ثَوْبًا فِي كُمٍّ أَوْ جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْهُ ( أَوْ غَابَ ) الْمَبِيعُ عَنْ الْمَجْلِسِ ( وَأُشِيرَ إلَى مَكَانِهِ الْخَالِي عَنْ سَمِيِّهِ ) أَيْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مُسَمًّى بِذَلِكَ الِاسْمِ غَيْرُهُ ( وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ عِنْدَهَا ) أَيْ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ إنْ شَاءَ أَخَذَ ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ .
( وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ) إذَا لَمْ يَرَ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَلَنَا الْعُمُومَاتُ الْمُجَوِّزَةُ بِلَا قَيْدِ الرُّؤْيَةِ فَلَا يُزَادُ قَيْدُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهَا كَالنَّسْخِ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ إذَا أَفْضَتْ إلَى النِّزَاعِ كَمَا فِي شَاةٍ مِنْ الْقَطِيعِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُفْضِ إلَيْهِ فَلَا كَقَفِيزٍ مِنْ الصُّبْرَةِ ، وَالْجَهَالَةُ بِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ لَا تُفْضِي إلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ يَرُدُّهُ فَصَارَ

كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُعَايَنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا وَلَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ ذُرْعَانِهِ ( وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت ، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ لِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا كَذَا قَالُوا .
أَقُولُ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَهُ حَرْفُ الشَّرْطِ لَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا بِمَعْنَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وُجُودُ الشَّيْءِ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ انْتِفَائِهِ انْتِفَاءُ الْمَشْرُوطِ ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ ، فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ بِالرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَزِمَ امْتِنَاعُ الْخِيَارِ عِنْدَهَا وَهُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ فَمَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِهِ كَانَ بَاطِلًا ( دُونَ الْبَائِعِ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَضَاءِ جُبَيْرِ ابْنِ مُطْعِمٍ ( وَلَا يَتَوَقَّتُ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ بِخِيَارٍ مُطْلَقٍ لِلْمُشْتَرِي فَالتَّوْقِيتُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مُبْطِلُهُ .

( بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ ) ثَبَتَ حُكْمًا لَا بِالشَّرْطِ وَهُوَ مَانِعٌ تَمَامَ الْحُكْمِ وَهُوَ لُزُومُ الْمِلْكِ وَلَا يَتَوَقَّتُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ جَازَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِمَا لَمْ يَرَيَاهُ ) يَعْنِي إنْ أُشِيرَ إلَى الْمَبِيعِ مَسْتُورًا أَوْ مَكَانِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ا هـ .
وَفِي التَّبْيِينِ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ تَسْمِيَةِ الْمَبِيعِ لِتَنْتَفِيَ الْجَهَالَةُ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ .
قَوْلُهُ وَاتَّفَقَا أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِهِ ) الْمُرَادُ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْمَبِيعِ لَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمُضَارِبِ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا قَالَ رَضِيت ، ثُمَّ رَآهُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ ) إنَّمَا صَدَّرَ بِصِيغَةِ يَعْنِي ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهَا يَصْدُقُ بِالرِّضَا الْفِعْلِيِّ فَاحْتَرَزَ عَنْهُ بِالْقَوْلِيِّ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنْ أَجَازَهُ بِالْقَوْلِ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لَا يَزُولُ خِيَارُهُ ، وَإِنْ أَجَازَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ تَصَرَّفَ فِيهِ يَزُولُ ، وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْقَوْلِ فَجَائِزٌ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ ا هـ .
( قَوْلُهُ دُونَ الْبَائِعِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِعَيْنٍ وَلَمْ يَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْعَرَضِ ثَبَتَ لِكُلٍّ الْخِيَارُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرٍ لِلْعَرَضِ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَالَ وَضْعُ الْخِلَافِ فِي الْمَبِيعِ إذْ لَا خِيَارَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنِ اتِّفَاقًا ، وَأَمَّا الثَّمَنُ الْعَيْنُ فَفِيهِ الْخِيَارُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَتَوَقَّتُ ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَثْبُتُ فِي جَمِيعِ الْعُمُرِ وَقِيلَ مُؤَقَّتٌ بِوَقْتِ إمْكَانِ الْفَسْخِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ .

( وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مُعَاوَضَةٌ ( وَكَفَى رُؤْيَةُ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ ) فَإِنَّ رُؤْيَةَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ غَيْرُ لَازِمٍ لِتَعَذُّرِهِ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَشْيَاءَ ، فَإِنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ بِالنَّمُوذَجِ ، اُكْتُفِيَ بِرُؤْيَةِ وَاحِدٍ مِنْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ لَزِمَ رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ ، وَالْجَوْزُ وَاللَّوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ ( كَوَجْهِ الصُّبْرَةِ ) لِأَنَّهُ بِهِ يُعْرَفُ حَالُ الْبَقِيَّةِ ، وَإِنْ وُجِدَتْ أَرْدَأَ مِنْهُ خُيِّرَ ( وَ ) وَجْهِ ( الرَّقِيقِ ) لِأَنَّ الْوَجْهَ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي الْآدَمِيِّ .
( وَ ) وَجْهِ ( الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا ) لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فِي الدَّابَّةِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( وَكَضَرْعِ شَاةِ الْقِنْيَةِ ) عَطْفٌ عَلَى كَوَجْهِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْمَقْصُودُ فَتَكْفِي رُؤْيَتُهُ ( وَظَاهِرِ ثَوْبٍ مَطْوِيٍّ غَيْرِ مُعَلَّمٍ ) لِأَنَّ بِهِ أَيْضًا تُعْرَفُ الْبَقِيَّةُ .
( وَ ) أَمَّا إذَا كَانَ فِي بَاطِنِهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعَلَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ( مَوْضِعِ عَلَمِهِ مُعَلَّمًا ) قَوْلُهُ ( وَجَسُّ ) عَطْفٌ عَلَى " رُؤْيَةُ " أَيْ كَفَى جَسُّ ( شَاةِ اللَّحْمِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ اللَّحْمُ يُعْرَفُ بِهِ ( وَذَوْقُ مَا يُطْعَمُ ) لِأَنَّهُ الْمُعَرِّفُ لِلْمَقْصُودِ ( لَا ) أَيْ لَا يَكْفِي ( خَارِجَ الدَّارِ أَوْ صَحْنِهَا ) بَلْ يَجِبُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ بُيُوتِهَا ، وَمَا

رُوِيَ مِنْ عَدَمِ الْخِيَارِ لِمَنْ رَأَى صَحْنَ الدَّارِ أَوْ خَارِجَهَا فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى عَادَةِ الْقُدَمَاءِ فِي الْأَبْنِيَةِ فَإِنَّ دُورَهُمْ يَوْمئِذٍ لَمْ تَكُنْ مُتَفَاوِتَةً فَالنَّظَرُ إلَى الظَّاهِرِ كَانَ يُوقِعُ الْعِلْمَ بِالدَّاخِلِ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ( أَوْ ) رُؤْيَةُ ( الدُّهْنِ فِي الزُّجَاجِ ) فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ رُؤْيَةً لِلدُّهْنِ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ ( وَكَفَى نَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَوَكِيلِهِ بِالشِّرَاءِ لَا ) نَظَرُ ( رَسُولِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَوَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَرَسُولًا ، صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِشِرَاءِ كَذَا وَصُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْتُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ ، وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا ، ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا ، وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ بَعْدَمَا رَآهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ ، وَقَالَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَالرَّسُولُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ قَبْضَهُمَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي .

( قَوْلُهُ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الشِّرَاءِ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى ضَابِطٍ ذَكَرَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مُلِكَتْ بِعَقْدٍ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ كَالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ لِثُبُوتِ كُلٍّ فِي الذِّمَّةِ وَلَا فِي الْمَهْرِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا الْفَسْخَ .
ا هـ .
قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَدَلُ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَيَّرًا ) يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الْعَيْبِ لَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَوْ أَوْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْبَاقِي وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ ) أَيْ وَالْبِطِّيخِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ
إلَخْ ) قَدْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا وَهُوَ الَّذِي يُعْرَضُ بِالْأُنْمُوذَجِ أَوْ مَعْدُودًا مُتَقَارِبًا كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ فَرُؤْيَةُ بَعْضِهِ تُبْطِلُ الْخِيَارَ فِي كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ الصِّفَةِ ، وَقَدْ حَصَلَتْ وَعَلَيْهِ التَّعَارُفُ ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَغِيبًا تَحْتَ الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالسَّلْجَمِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ بَعْدَ النَّبَاتِ إنْ عُلِمَ وُجُودُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا بَاعَهُ ، ثُمَّ قَلَعَ مِنْهُ نَمُوذَجًا وَرَضِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ كَيْلًا كَالْبَصَلِ أَوْ وَزْنًا كَالثُّومِ وَالْجَزَرِ بَطَلَ خِيَارُهُ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ التَّعَامُلِ بِهِ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبْطُلُ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ وَنَحْوِهِ فَرُؤْيَةُ

بَعْضِهِ لَا تُسْقِطُ خِيَارَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَوْلُهُ وَجْهِ الرَّقِيقِ ) كَذَا إذَا نَظَرَ إلَى أَكْثَرِ الْوَجْهِ فَهُوَ كَرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ ، وَلَوْ نَظَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَوَجْهِ الدَّابَّةِ وَكِفْلِهَا ) الْمُرَادُ بِالدَّابَّةِ الْفَرَسُ وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَيُنْظَرُ حُكْمُ نَحْوِ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ ( قَوْلُهُ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ ) أَيْ مَعَ الْوَجْهِ وَالْكِفْلِ ( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَذَوْقُ مَا يُطْعَمُ كَذَا شَمُّ مَا يُشَمُّ ) ، وَفِي دُفُوفِ الْغَازِي لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ إدْرَاكِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ بَلْ يَجِبُ رُؤْيَةُ جَمِيعِ بُيُوتِهَا ) هُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى بُسْتَانًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالنَّظَرِ إلَى خَارِجِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ وَكَفَى نَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَيَّدَ بِالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالرُّؤْيَةِ لَا تَكُونُ رُؤْيَةً كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ لَا نَظَرُ رَسُولِهِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَمَا رَأَيْتُهُ ) الْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي مَا رَأَيْته وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ ) كَذَا لَوْ قَالَ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ فَلَا يَخْتَصُّ صُورَةُ الْإِرْسَالِ بِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ
إلَخْ ) لَفْظَةُ

وَأَمَّا زَائِدَةٌ يَنْبَغِي حَذْفُهَا وَتَكُونُ الْعِبَارَةُ هَكَذَا وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ يَعْنِي وَرَضِيَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْقَبْضِ وَهُوَ الْقَبْضُ التَّامُّ وَالْقَبْضُ النَّاقِصُ هُوَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا وَخِيَارُ الْمُوَكِّلِ عَلَى حَالِهِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْقَبْضَ ، وَالْقَبْضُ يَتَضَمَّنُ السُّقُوطَ لِكَوْنِهِ كَامِلًا ضَرُورَةً فَإِذَا انْفَصَلَ السُّقُوطُ عَنْ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ قَصْدًا أَوْ قَبْلَهُ بِالرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ الْوَكِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا يَقْبِضُهُ بَعْدَمَا رَآهُ
إلَخْ ) فِي الْعِبَارَةِ تَسَاهُلٌ ظَاهِرٌ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ ، وَإِنْ أَرْسَلَ رَسُولًا فَقَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ ا هـ ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ رَآهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُرْسِلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَظَرَ وَرَضِيَ قَبْلَ قَبْضِ الرَّسُولِ كَيْفَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بَعْدَهُ أَوْ إلَى رَسُولِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ لَا عِبْرَةَ بِنَظَرِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ حَيْثُ تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ الَّتِي مَعَ الْقَبْضِ دُونَ الَّتِي قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ وَالرَّسُولُ سَوَاءٌ فِي أَنَّ قَبْضَهُمَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْمُشْتَرِي ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَمَا الْخِلَافُ إلَّا فِي نَظَرِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ حَالَةَ قَبْضِهِ لَا فِي نَظَرِهِ السَّابِقِ عَلَى قَبْضِهِ وَلَا الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( صَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى ) أَيْ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ ( وَسَقَطَ خِيَارُهُ ) إذَا اشْتَرَى ( بِجَسِّهِ ) فِيمَا يُدْرَكُ بِالْجَسِّ ( وَشَمِّهِ ) فِيمَا يُدْرَكُ بِالشَّمِّ ( وَذَوْقِهِ ) فِيمَا يُدْرَكُ بِالذَّوْقِ ( وَوَصْفِ الْعَقَارِ ) وَلَا عِبْرَةَ لِوُقُوفِهِ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَنَظَرِ وَكِيلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَنَظَرِهِ ( رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ، ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا لَهُ فَلَهُ رَدُّهُمَا لَا غَيْرُ ) أَيْ لَا رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ( شَرَى مَا رَأَى ) أَيْ مَا رَآهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ( إنْ تَغَيَّرَ خُيِّرَ ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ إذْ بِالتَّغَيُّرِ صَارَ شَيْئًا آخَرَ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ( فَلَا ) أَيْ لَا خِيَارَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا رَآهُ إلَّا إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ الَّذِي رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغْيِيرِ ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ تَغَيَّرَ .
وَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ يَتَغَيَّرْ ( فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ) مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَهُوَ الرُّؤْيَةُ السَّابِقَةُ ظَاهِرٌ وَالتَّغَيُّرُ حَادِثٌ وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ قَرِيبَةً يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ ، فَإِنْ بَعُدَتْ بِأَنْ رَأَى أَمَةً شَابَّةً ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً وَزَعَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا فِي ( الرُّؤْيَةِ فَلِلْمُشْتَرِي ) أَيْ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ أَمْرًا حَادِثًا وَهُوَ الرُّؤْيَةُ ( شَرَى عِدْلَ ثَوْبٍ وَقَبَضَ فَبَاعَ ثَوْبًا مِنْهُ أَوْ وَهَبَ وَسَلَّمَ لَمْ يَرُدَّهُ ) أَيْ الْعِدْلَ ( بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ بَلْ بِعَيْبٍ

) لِأَنَّ الرَّدَّ تَعَذَّرَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَفِي رَدِّهِ مَا بَقِيَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا كَمَا مَرَّ ، وَأَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَلَا يَمْنَعُ تَمَامَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ ، فَإِنْ عَادَ الثَّوْبُ الَّذِي بَاعَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ بِأَنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَيْهِ بِالْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ فِي الْهِبَةِ فَهُوَ عَلَى خِيَارِهِ ، فَجَازَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ لُزُومُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ لَا يَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الْقُدُورِيُّ .

قَوْلُهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ بِجَسِّهِ
إلَخْ ) مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ مِنْهُ الْجَسُّ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِوُجُودِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْجَسِّ ) يَعْنِي وَلَا يَحْتَاجُ لِغَيْرِ الْجَسِّ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَلَا بُدَّ مِنْ صِفَةِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَرُقْعَتِهِ مَعَ الْجَسِّ وَفِي الْحِنْطَةِ لَا بُدَّ مِنْ اللَّمْسِ وَالصِّفَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ فَوَجَدَهُ مَعِيبًا ) تَقْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ الْمَتْنِ وَهُوَ صَحِيحٌ ، وَقَدْ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقَةً عَنْ وِجْدَانِ الْعَيْبِ وَهُوَ الْأَنْسَبُ ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُ وُجُودِ الْعَيْبِ بِمَا لَمْ يَقْبِضْهُ كَحُكْمِ مَا لَمْ يَرَهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ رَدِّ الثَّوْبَيْنِ أَوْ قَبُولِهِمَا مَعًا وَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ مَا رَآهُ وَمَا لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ دُونَ الْآخَرِ ( قَوْلُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ تَمَامِهَا ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ تَامٍّ قَبْلَ قَبْضِ الْآخَرِ إذْ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا فَتَمَّ الْعَقْدُ وَأَفَادَ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَجَازَ رَدُّ الْمَعِيبِ وَحْدَهُ ( قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ ) ، وَكَذَا مَعَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْلِيلِ ، وَإِنَّمَا اسْتَوَى الْقَبْضُ وَعَدَمُهُ فِي عَدَمِ التَّمَامِ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الصَّفْقَةُ كَمَا لَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِالصَّفْقَةِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ بَعُدَتْ بِأَنْ رَأَى أَمَةً

شَابَّةً ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً
إلَخْ ) لَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرُ الْبُعْدِ بِهَذَا ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْيَاءِ كَتَغَيُّرِ الْأَشْجَارِ فِي سَنَةٍ وَالدَّوَابِّ بِمَا دُونَهَا لِقِلَّةِ الرَّعْيِ وَنَحْوِهِ وَلِذَا اقْتَصَرَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الشَّابَّةَ تَكُونُ عَجُوزًا بِطُولِ الْمُدَّةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ إلَّا إنْ بَعُدَتْ الْمُدَّةُ عَلَى مَا قَالُوا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَقِيلَ الْبَعِيدُ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ وَالْقَرِيبُ دُونَ الشَّهْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ، وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مِثَالُهُ لَوْ رَأَى أَمَةً أَوْ مَمْلُوكًا فَاشْتَرَاهُ بَعْدَ شَهْرٍ ، وَقَالَ تَغَيَّرَ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي مِثْلِهِ قَلِيلٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ شَرَى عِدْلَ ثَوْبٍ ) لَعَلَّهُ أَثْوَابٌ أَوْ ثِيَابٌ أَوْ بَزٌّ كَمَا هِيَ فِي عِبَارَةِ الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
وَالْعِدْلُ الْمِثْلُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْغِرَارَةُ الَّتِي هِيَ عِدْلُ غِرَارَةٍ أُخْرَى عَلَى الْجَمَلِ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ تُعَادِلُهَا وَفِيهَا أَثْوَابٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخِيَارَيْنِ يَمْنَعَانِ تَمَامَهَا كَمَا مَرَّ ) الَّذِي مَرَّ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَا غَيْرُ وَذَكَرْت أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مِثْلُهُ ( قَوْلُهُ بِأَنْ رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي إلَيْهِ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ أَوْ رَجَعَ الْأَوَّلُ فِي الْهِبَةِ ) لَا حَصْرَ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مَحْضٌ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ الرَّدَّ بِعَيْبٍ بِالْقَضَاءِ لِيَكُونَ فَسْخًا احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ لَيْسَتْ فَسْخًا مَحْضًا لِكَوْنِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ ( قَوْلُهُ فَجَازَ أَنْ يَرُدَّ الْكُلَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الْأَصْلِ

) كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
إلَخْ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْهُ وَصَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَحَقِيقَةُ الْمَلْحَظِ مُخْتَلِفٌ فَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَحَظَ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ مَانِعًا زَالَ فَيَعْمَلُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَمَلَهُ وَلَحَظَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَسْقَطًا وَإِذَا سَقَطَ لَا يَعُودُ بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا أَوْجَهُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا التَّصَرُّفِ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَيُبْطِلُ الْخِيَارَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَبَعْدَهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ كَذَا بِفَتْحِ الْقَدِيرِ .

( وَيُبْطِلُهُ ) أَيْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ( مُبْطِلُ خِيَارِ الشَّرْطِ ) ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ أَوْ بَعْدَهَا ( وَ ) يُبْطِلُهُ ( مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ ) كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ بِلَا تَسْلِيمٍ ( بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ) لَا قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ لَا تَزِيدُ عَلَى صَرِيحِ الرِّضَا وَهُوَ إنَّمَا يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ ، وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْأُوَلُ فَهِيَ أَقْوَى ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَبَعْضَهَا أَوْجَبَ حَقَّ الْغَيْرِ فَلَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ ( كَذَا طَلَبُ الشُّفْعَةِ بِمَا لَمْ يَرَهُ ) أَيْ يُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لَا قَبْلَهَا .
( قَوْلُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ
إلَخْ ) صَوَابُهُ وَيُبْطِلُهُ بِصِيغَةِ الْإِثْبَاتِ وَلَا النَّافِيَةُ زَائِدَةٌ يَخْتَلُّ بِهَا الْحُكْمُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مَا لَا يُوجِبُ حَقَّ الْغَيْرِ مُبْطِلًا إذَا كَانَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَلَا يَبْطُلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَهُوَ لَا يَبْطُلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ ) يَعْنِي لِلْبَائِعِ ، وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَا يُفْتَقَرُ إلَى التَّصَرُّفِ الْمُبْطِلِ لِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إلَّا إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ ، وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَقَدْ بَطَلَ خِيَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعُ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ ) ( مُشْتَرٍ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَهُ عِنْدَ التُّجَّارِ ) وَهُوَ الْعَيْبُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا وَالْمُرَادُ بِهِ عَيْبٌ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي حِينَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ رِضًا ( أَخَذَهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ رَدَّهُ ) ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ ، فَإِذَا فَاتَتْ خُيِّرَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِلُزُومِ مَا لَا يَرْضَى بِهِ ( لَا غَيْرُ ) أَيْ لَا إمْسَاكُهُ وَأَخَذَ نُقْصَانَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا إذَا كَانَ مَقْصُودًا بِالتَّنَاوُلِ كَمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي ( كَالْإِبَاقِ ) ، وَلَوْ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ ( وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ ، وَكُلُّهَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ) فَإِنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا وُجِدَ مِنْ صَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لَا يَكُونُ عَيْبًا ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَيَكُونُ عَيْبًا وَيَزُولُ بِالْبُلُوغِ ، فَإِنْ عَاوَدَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ عَيْبًا حَادِثًا فَيَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْنِ لِاخْتِلَافِ سَبَبِهِمَا ، فَإِذَا حَصَلَ عِنْدَ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ وَعِنْدَ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ لَا يَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ ( وَكَالْجُنُونِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِهِمَا ) أَيْ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ يَعْنِي إذَا حَصَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فِي الصِّغَرِ وَعَادَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي الْكِبَرِ يَكُونُ عَيْبًا وَاحِدًا يُرَدُّ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ ؛ لِأَنَّهُ لِفَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ مَعْدِنُهُ الْقَلْبُ وَشُعَاعُهُ فِي الدِّمَاغِ وَالْجُنُونُ انْقِطَاعُ ذَلِكَ الشُّعَاعِ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ( وَكَالْبَخَرِ ) نَتْنُ رَائِحَةِ الْفَمِ ( وَالذَّفَرِ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَحْرِيكِ الْفَاءِ نَتْنُ رَائِحَةِ الْإِبْطِ ( وَالزِّنَا وَالتَّوَلُّدِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الزِّنَا ( فِيهَا ) أَيْ فِي الْأَمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي أَنَّهَا عَيْبٌ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَكُونُ

الِاسْتِفْرَاشُ وَهِيَ مُخِلَّةٌ بِهَا دُونَ الْغُلَامِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الِاسْتِخْدَامُ وَهِيَ لَا تُخِلُّ بِهِ ( إلَّا أَنْ يَفْحُشَ الْأَوَّلَانِ فِيهِ ) بِحَيْثُ لَا يَكُونُ فِي النَّاسِ مِثْلُهُ إلَّا نَادِرًا فَإِنَّهُ يَكُونُ لِدَاءٍ فِي الْبَدَنِ وَهُوَ يُنْقِصُ الثَّمَنَ ( وَيَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ ) لِأَنَّ اعْتِيَادَهُ مُخِلٌّ بِالْخِدْمَةِ ( وَالْكُفْرِ ) أَيْ وَكَالْكُفْرِ ( فِيهِمَا ) ؛ لِأَنَّ طَبْعَ الْمُسْلِمِ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَرْفَهُ فِي بَعْضِ الْكَفَّارَاتِ فَيَخْتَلُّ الرَّغْبَةُ فِيهِ ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ ( وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ ) لِأَنَّهُ مَرَضٌ يُنْقِصُ الثَّمَنَ ( وَالدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ( وَالشَّعْرِ وَالْمَاءِ فِي الْعَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا يُضْعِفَانِ الْبَصَرَ ( وَارْتِفَاعِ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَالِاسْتِحَاضَةِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لِدَاءٍ فِي الْبَاطِنِ ( فَلَوْ حَدَثَ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُشْتَرٍ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ
إلَخْ أَيْ بَعْدَمَا ظَهَرَ الْعَيْبُ الْقَدِيمُ لَوْ حَدَثَ عَيْبٌ ( آخَرُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي رَجَعَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( بِنُقْصَانِهِ ) أَيْ نُقْصَانِ الْعَيْبِ بِأَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ عَيْبٌ وَيُقَوَّمَ وَلَا عَيْبَ بِهِ ، فَإِنْ كَانَ تَفَاوُتُ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ الْعُشْرُ رَجَعَ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْعُشْرِ رَجَعَ بِنِصْفِ عُشْرِ الثَّمَنِ ( أَوْ رَدَّهُ ) عَلَى الْبَائِعِ ( بِرِضَا الْبَائِعِ إلَّا لِمَانِعٍ ) مِنْ رَدِّ الْمُشْتَرِي وَأَخْذِ الْبَائِعِ ( كَثَوْبٍ شَرَاهُ فَقَطَعَهُ فَظَهَرَ عَيْبُهُ ، وَ ) جَازَ ( لِبَائِعِهِ أَخْذُهُ كَذَلِكَ ) أَيْ مَقْطُوعًا ( فَلَا يَرْجِعُ مُشْتَرِيهِ إنْ بَاعَهُ ) إذْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهُ مَعِيبًا فَالْمُشْتَرِي بِبَيْعِهِ يَكُونُ حَابِسًا الْمَبِيعَ فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ( وَأَمَةٍ وَطِئَهَا ) عَطْفٌ عَلَى كَثَوْبٍ شَرَاهُ أَيْ كَأَمَةٍ شَرَاهَا وَلَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْ

عُيُوبِهَا فَوَطِئَهَا ( بِكْرًا ) كَانَتْ ( أَوْ ثَيِّبًا أَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِهَا ) أَيْ بِشَهْوَةٍ ( فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا ) حَيْثُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ وَلَا يَرُدُّهَا إلَّا بِرِضَى الْبَائِعِ إذْ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا آخُذُهَا مَعَ ذَلِكَ الْعَيْبِ إذْ لَيْسَ هَاهُنَا مَانِعٌ مَعَ الْأَخْذِ كَمَا كَانَ فِيمَا سَيَأْتِي ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمَانِعَ مِنْ الرَّدِّ بِرِضَى الْبَائِعِ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ خَاطَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْمَقْطُوعَ ) أَوْ صَبَغَهُ بِغَيْرِ سَوَادٍ قَيَّدَ بِهِ لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ اتِّفَاقِيًّا فَإِنَّهُ لَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُمَا فَإِنَّ السَّوَادَ عِنْدَهُمَا زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَعِنْدَهُ السَّوَادُ نُقْصَانٌ ( أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ بِسَمْنٍ ) وَبِالْجُمْلَةِ خَلَطَ الْمُشْتَرِي مِلْكَهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ ( فَظَهَرَ عَيْبُهُ ) الْقَدِيمُ ( لَا يَأْخُذُهُ ) أَيْ الْبَائِعُ ( وَيَرْجِعُ بِهِ ) أَيْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَلَا يَقُولُ الْبَائِعُ أَنَا آخُذُهُ مَعِيبًا لِاخْتِلَاطِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ وَهُوَ الْخَيْطُ وَالصَّبْغُ وَالسَّمْنُ ، .
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ أَنَّ الرَّدَّ مُمْتَنِعٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرِيعَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَرُدُّهُ وَالْبَائِعَ يَقْبَلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ لِحُصُولِ الرِّبَا ( كَمَا لَوْ بَاعَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ الْمِخْيَطَ وَنَحْوَهُ ( بَعْدَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَهَا ) أَيْ قَبْلَ رُؤْيَةِ عَيْبِهِ ( مَجَّانًا أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا ) فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ، أَمَّا فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَلِأَنَّ الرَّدَّ كَانَ مُمْتَنِعًا قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ يَنْتَهِي بِهِ وَامْتِنَاعَ الرَّدِّ يَثْبُتُ حُكْمًا لِلْمَوْتِ لَا بِفِعْلِهِ فَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ ، وَأَمَّا فِي

الْإِعْتَاقِ فَالْقِيَاسُ فِيهِ أَنْ لَا يَرْجِعَ بِالنُّقْصَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ بِفِعْلِهِ فَصَارَ كَالْقَتْلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ أَيْ إتْمَامٌ لَهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْهُ لِلْمِلْكِ فِي الْعَبْدِ ، وَلِهَذَا مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي فَصَارَ الْبَائِعُ كَالْمُسْتَبْقِي لِمِلْكِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِالنُّقْصَانِ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْإِعْتَاقَ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْآدَمِيِّ ثَبَتَ عَلَى مُنَافَاةِ الدَّلِيلِ إلَى غَايَةِ الْعِتْقِ وَالشَّيْءُ يَنْتَهِي بِمُضِيِّ مُدَّتِهِ وَالْمُنْتَهَى مُتَقَرِّرٌ فِي نَفْسِهِ ، وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ فَبَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ أَصْلِ الْمِلْكِ فَالْإِعْتَاقُ لَا يَكُونُ كَالْقَتْلِ بَلْ كَالْمَوْتِ ، وَأَمَّا فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُمَا لَا يُزِيلَانِ الْمِلْكَ وَلَكِنَّ الْمَحَلَّ بِهِمَا يَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلنَّقْلِ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَقَدْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا فَيَرْجِعُ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ .

( بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ ) مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْعَيْبُ هُوَ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ مِمَّا يُعَدُّ بِهِ نَاقِصًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْفِطْرَةُ الْخِلْقَةُ الَّتِي هِيَ أَسَاسُ الْأَصْلِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْحِنْطَةَ وَأَشَارَ إلَيْهَا فَوَجَدَهَا الْمُشْتَرِي رَدِيئَةً لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا لَيْسَ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تُخْلَقُ جَيِّدَةً وَرَدِيئَةً وَوَسَطًا وَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ عَنْ الْآفَاتِ الْعَارِضَةِ لَهَا فَالْحِنْطَةُ الْمُصَابَةُ بِهَوَاءٍ مَنَعَهَا تَمَامَ بُلُوغِهَا الْإِدْرَاكَ حَتَّى صَارَتْ رَقِيقَةَ الْحَبِّ مَعِيبَةٌ كَالْعَفَنِ وَالْبَلَلِ وَالسُّوسِ ( قَوْلُهُ وَجَدَ بِمُشْتَرَاهُ
إلَخْ ) يَعْنِي وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَةِ الْعَيْبِ بِلَا مَشَقَّةٍ فَإِنْ تَمَكَّنَ فَلَا كَإِحْرَامِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ تَحْلِيلِهَا وَنَجَاسَةِ الثَّوْبِ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى ثَوْبٍ لَا يَفْسُدُ بِالْغَسْلِ وَلَا يَنْقُصُ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي حِينَ الْبَيْعِ وَلَا عِنْدَ الْقَبْضِ ؛ لِأَنَّهُ رِضًا ) كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ مُجَرَّدَ الرُّؤْيَةِ رِضًى وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمُشْتَرِي مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ا هـ ، وَكَذَا مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ مَقْصُودَةً بِالتَّنَاوُلِ ) أَيْ بِالْإِتْلَافِ بِأَنْ حَدَثَ الْعَيْبُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْأَخْذَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ كَالْإِبَاقِ ، وَلَوْ إلَى مَا دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْإِبَاقُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ عَيْبٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْخُرُوجُ مِنْ الْبَلَدِ ؟ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ

الْبَلَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ كَبِيرَةً مِثْلَ الْقَاهِرَةِ يَكُونُ عَيْبًا ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُهَا وَبُيُوتُهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةِ ) يَعْنِي سَرِقَةَ غَيْرِ نَحْوِ الْفَلْسِ وَالْفَلْسَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يَكُونُ عَيْبًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمَوْلَى أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الْمَأْكُولَاتِ فَإِنَّ سَرِقَتَهَا لِأَجْلِ الْأَكْلِ مِنْ الْمَوْلَى لَيْسَ عَيْبًا وَمِنْ غَيْرِهِ عَيْبٌ ، وَسَرِقَتُهَا لِلْبَيْعِ مِنْ الْمَوْلَى وَغَيْرِهِ عَيْبٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَعَادَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ) شَرْطُ مُعَاوَدَةِ الْجُنُونِ لِلرَّدِّ بِهِ هُوَ الصَّحِيحُ ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْمُعَاوَدَةُ لِلْجُنُونِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا غَلَطٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْبَائِعِ لَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ آخَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْمُضَارَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ ثَانِيًا عِنْدَ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَيْبٌ لَازِمٌ ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الَّذِي حَصَلَ بِالْوِلَادَةِ لَا يَزُولُ أَبَدًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَلِدْ لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُوهِمُ الرَّدَّ بَعْدَ وِلَادَتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لِامْتِنَاعِهِ بِتَعَيُّبِهَا عِنْدَهُ بِالْوِلَادَةِ ثَانِيًا مَعَ الْعَيْبِ السَّابِقِ بِهَا ( قَوْلُهُ لِفَسَادٍ فِي الْبَاطِنِ ) أَيْ بَاطِنِ الدِّمَاغِ .
وَفِي الْمُحِيطِ تَكَلَّمُوا فِي مِقْدَارِ الْجُنُونِ قِيلَ هُوَ عَيْبٌ ، وَإِنْ كَانَ سَاعَةً وَقِيلَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَهُوَ عَيْبٌ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَمَا دُونَهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ ، وَقِيلَ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا لَيْسَ بِمُطْبِقٍ لَيْسَ بِعَيْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمِقْدَارُهُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا دُونَهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُطْبِقُ عَيْبٌ وَمَا دُونَهُ لَا

يَكُونُ عَيْبًا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ ، وَقَدْ رَأَى الْجُنُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ بِسَاعَةٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ ) صَوَابُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ ( قَوْلُهُ وَكَالْبَخَرِ نَتْنُ رَائِحَةِ الْفَمِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْبَخَرُ الَّذِي هُوَ الْعَيْبُ هُوَ النَّاشِئُ مِنْ تَغَيُّرِ الْمَعِدَةِ دُونَ مَا يَكُونُ لِفَلْجٍ فِي الْأَسْنَانِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَزُولُ بِتَنْظِيفِهَا ( قَوْلُهُ وَالذَّفَرِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ الذَّفَرُ نَتْنُ رِيحِ الْإِبْطِ يُقَالُ رَجُلٌ أَذْفَرُ وَامْرَأَةٌ ذَفْرَاءُ وَمِنْهُ السَّبُّ يُقَالُ يَا ذَفَارُ مَعْدُولٌ عَنْ دَافِرَةٍ وَيُقَالُ شَمَمْت دَفْرَ الشَّيْءِ وَدَفْرَهُ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا كُلُّ ذَلِكَ وَالدَّالُ مُهْمَلَةٌ ، وَأَمَّا بِإِعْجَامِ الذَّالِ فَبِفَتْحِ الْفَاءِ لَا غَيْرُ وَهُوَ حِدَّةٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ نَتْنٍ وَرُبَّمَا خُصَّ بِهِ الطِّيبُ فَقِيلَ مِسْكٌ أَذْفَرُ ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِيهَا وَصَفَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ شَيْخًا فَقَالَتْ ذَهَبَ ذَفَرُهُ وَأَقْبَلَ بَخَرُهُ قِيلَ الرِّوَايَةُ هُنَا بِالدَّالِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيَكُونُ الزِّنَا عَادَةً لَهُ ) أَيْ بِأَنْ زَنَى أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ كَذَا فَسَّرَ الْعَادَةَ فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ كَافِرٌ فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا لَا يَرُدُّهُ ) أَيْ ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي كَافِرًا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ كَذَا بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ زَوَالُ الْعَيْبِ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَنَصُّ الْكَمَالُ زَائِلُ الْعَيْبِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالسُّعَالِ الْقَدِيمِ ؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ ( قَوْلُهُ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتُهُ تَكُونُ مَشْغُولَةً بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَتَقَدَّمُ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْمَوْلَى ا هـ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَخْصِيصِهِ بِالدَّيْنِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَالدَّيْنُ

عَيْبٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ دَيْنًا يَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَا خِيَارَ لَهُ بِرَدِّهِ كَدَيْنِ مُعَامَلَةٍ بِأَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ فِي رَقَبَتِهِ بِأَنْ جَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَفْدِهِ حَتَّى بَاعَهُ فَلَهُ رَدُّهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ وَبَعْدَ الْعِتْقِ قَدْ يَضُرُّهُ فِي نُقْصَانِ وَلَائِهِ وَمِيرَاثِهِ ا هـ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الدَّيْنَ عَيْبٌ ، وَلَوْ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ عِنْدَنَا ( قَوْلُهُ وَارْتِفَاعِ حَيْضِ بِنْتِ سَبْعَ عَشْرَةَ ) احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا دُونَهَا وَعَنْ الْآيِسَةِ فَإِنَّ انْقِطَاعَهُ لَيْسَ عَيْبًا حِينَئِذٍ فَحَقِيقَةُ الْعَيْبِ بِالدَّاءِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَرَادَ الرَّدَّ بِعَيْبِ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَدَّعِي الِانْقِطَاعَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَدَّعِيَ بِأَحَدِ السَّبَبَيْنِ مِنْ الْحَبَلِ أَوْ الدَّاءِ حَتَّى تُسْمَعَ دَعْوَاهُ وَالْمَرْجِعُ فِي الْحَبَلِ إلَى قَوْلِ النِّسَاءِ وَفِي الدَّاءِ قَوْلُ الْأَطِبَّاءِ وَتَمَامُهُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِحَاضَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاعِ وَالِانْقِطَاعُ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْبَدَائِعِ الِاسْتِحَاضَةُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرَاةُ كَالِانْقِطَاعِ ) كَذَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْهَا ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَوَّمَ وَبِهِ عَيْبٌ ) يَعْنِي الْعَيْبَ الْقَدِيمَ خَاصَّةً وَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِهِ غَيْرُهُ ، ثُمَّ يُقَوَّمُ سَالِمًا عَنْ عَيْبٍ فَيَرْجِعُ بِالتَّفَاوُتِ ( قَوْلُهُ أَوْ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ بِرِضَى الْبَائِعِ ) يَعْنِي فِيمَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْهُ وَتَمَلُّكَهُ ، وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ أَخْذَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَأَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْلِيكِ الْخَمْرِ وَتَمَلُّكِهَا كَمَا فِي

الْفَتْحِ قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَمْنَعُهُ عَنْ الرَّدِّ وَالْفَسْخِ لِحُصُولِ الرِّبَا ) أَيْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْ الْمَبِيعِ وَلَا عِبْرَةَ بِرِضَى الْمُشْتَرِي بِتَرْكِهَا ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِحَقِّهِ بَلْ لِحَقِّهِ وَحَقِّ الشَّرْعِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ ) لَعَلَّ صَوَابَهُ بِالْبَيْعِ حَابِسًا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ كَانَ حَابِسًا ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : هَذَا فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الَّتِي لَمْ تَتَوَلَّدْ مِنْ الْمَبِيعِ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَاللَّتِّ بِالسَّمْنِ وَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ وَشَيِّ اللَّحْمِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ فَيَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ لَوْ بَاعَهُ ذَلِكَ لِامْتِنَاعِ الرَّدِّ قَبْلَهُ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمَا وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ مُتَّصِلَةً بِهِ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ وَانْجِلَاءٍ بَيَاضِ الْعَيْنِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَصِيرُ بِالْبَيْعِ بَعْدَهَا حَابِسًا لِلْمَبِيعِ وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْهُ وَغَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ فَالْمُتَوَلِّدَةُ مِنْهُ كَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ وَالتَّمْرِ وَالْأَرْشِ وَالْعَقْرِ تَمْنَعُ الرَّدَّ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بَيْنَ رَدِّهِمَا جَمِيعًا وَالرِّضَا بِهِمَا بِكُلِّ الثَّمَنِ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ خَاصَّةً بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِأَنْ يُقْسَمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ وَقْتَ الْقَبْضِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَقِيمَةُ الزِّيَادَةِ مِائَةً وَالثَّمَنُ أَلْفٌ سَقَطَ عُشْرُ الثَّمَنِ إنْ رَدَّهُ وَأَخَذَ تِسْعَمِائَةٍ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْمَبِيعِ كَالْكَسْبِ فَهِيَ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِحَالٍ بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ دُونَ الزِّيَادَةِ وَيَسْلَمُ لَهُ الْكَسْبُ الَّذِي هُوَ الزِّيَادَةُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ .

( وَإِنْ أَعْتَقَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَاتَبَ أَوْ قَتَلَ أَوْ أَكَلَ كُلَّ الطَّعَامِ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ لَمْ يَرْجِعْ ) أَمَّا فِي الْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ فَلِأَنَّهُ حَبَسَ بَدَلَهُ وَحَبْسُ الْبَدَلِ كَحَبْسِ الْمُبْدَلِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ إنْهَاءٌ لِلْمِلْكِ ، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَلِأَنَّهَا كَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ لِحُصُولِ الْعِوَضِ فِيهَا ، وَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهَذَا كَمَا قَالُوا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ ، ثُمَّ ظَهَرَ عَيْبُهُ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ خَلَفٌ عَنْ الرَّدِّ فَلَا يُصَارُ إلَى الْخَلَفِ مَا دَامَ حَيًّا ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مُحْتَمَلٌ فَيُمْكِنُ رَدُّهُ ، فَإِذَا رَجَعَ رَدَّهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَأَمَّا فِي الْقَتْلِ وَمَا بَعْدَهُ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ امْتِنَاعَ الرَّدِّ إذَا كَانَ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَضْمُونًا كَانَ مُمْسِكًا لِلْمَبِيعِ مَعْنًى وَمِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ لَا بِفِعْلٍ مِنْهُ بِأَنْ هَلَكَ أَوْ بِفِعْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ مِنْهُ يَرْجِعُ لِانْتِفَاءِ إمْسَاكِهِ ، ثُمَّ الْقَتْلُ فِعْلٌ مَضْمُونٌ إذْ لَوْ بَاشَرَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَضْمَنُ ، وَإِنَّمَا بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ هُنَا بِمِلْكِهِ فِيهِ فَيُجْعَلُ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْهُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَصَارَ كَالْمُسْتَفِيدِ بِالْمِلْكِ عِوَضًا ، وَأَمَّا الْأَكْلُ وَاللُّبْسُ فَعَلَى الْخِلَافِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ صَنَعَ فِي الْمَبِيعِ مَا يُعْتَادُ فِعْلُهُ فِيهِ وَيُشْتَرَى لِأَجْلِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْإِعْتَاقِ وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ مِنْهُ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَرْجِعُ كَالْإِحْرَاقِ وَالْقَتْلِ .

( قَوْلُهُ وَمِنْ شَرْطِ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ أَنْ لَا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ ) يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَقَطَعَهُ لِبَاسًا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَخَاطَهُ ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ لَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْقَطْعِ لِلْغَرَضِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ الْخِيَاطَةِ مُسْلَمًا إلَيْهِ وَهُوَ نَائِبُهُ فِي التَّسْلِيمِ فَصَارَ بِهِ حَابِسًا لِلْمَبِيعِ مَعَ إمْكَانِ الرَّدِّ وَالْخِيَاطَةُ بَعْدَ ذَلِكَ كَعَدَمِهَا فَلَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَكْلُ وَاللُّبْسُ فَعَلَى الْخِلَافِ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ ، وَكَذَا تَخَرُّقُ الثَّوْبِ مِنْ اللُّبْسِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ أَيْ مَانِعٌ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَأَجَازَاهُ وَبِهِ يُفْتَى وَأَكْلُ بَعْضِهِ مَانِعٌ مِنْ الرَّدِّ وَالرُّجُوعِ ، وَقَالَا يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْكُلِّ وَعَنْهُمَا أَنَّهُ يَرْجِعُ بِنَقْصِ الْمَأْكُولِ وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ ا هـ ، وَقَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ جَمْعِ الْبُخَارِيِّ أَكْلُ بَعْضِهِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ عَيْبِهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ وَبِهِ يُفْتَى ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِفِعْلٍ مَضْمُونٍ
إلَخْ ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَهُ أَنَّهُ تَعَذَّرَ
إلَخْ أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَيُنَاسِبُ قَوْلَهُ فَلَا يَرْجِعُ كَالْإِحْرَاقِ وَالْقَتْلِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ كَانَ تَعْلِيلًا ثَانِيًا لِقَوْلِهِمَا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ لِلْحُكْمِ بِالرُّجُوعِ ، ثُمَّ بِعَدَمِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ .

( شَرَى نَحْوَ بَيْضٍ وَبِطِّيخٍ فَكَسَرَهُ وَوَجَدَهُ فَاسِدًا يَنْتَفِعُ بِهِ ) فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَوْ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّوَابِّ ( فَلَهُ نُقْصَانُهُ ) أَيْ لَا يَرُدُّهُ ؛ لِأَنَّ الْكَسْرَ عَيْبٌ حَادِثٌ وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ أَصْلًا ( فَكُلُّ الثَّمَنِ ) أَيْ فَلِلْمُشْتَرِي كُلُّ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْجَوْزِ صَلَاحُ قِشْرِهِ كَمَا قِيلَ ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّبِّ .
( قَوْلُهُ شَرَى نَحْوَ بَيْضٍ وَبِطِّيخٍ فَكَسَرَهُ وَوَجَدَهُ فَاسِدًا ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوِجْدَانِ بَعْضِهِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا كَقَلِيلِ التُّرَابِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَصْلًا ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَرْجِعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْقَلِيلِ إنَّهُ كَالْوَاحِدَةِ وَالْمَثْنَى .
وَفِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْكَثِيرِ مَا وَرَاءَ الثَّلَاثَةِ لَا مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ وَجَعَلَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخَمْسَةَ وَالسِّتَّةَ فِي الْمِائَةِ مِنْ الْجَوْزِ عَفْوًا ، وَلَوْ وَجَدَ نِصْفَ الْجَوْزِ خَاوِيًا صَحَّ فِي النِّصْفِ الَّذِي بِهِ لُبٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
ا هـ .

( بَاعَ مُشْتَرِيَهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رُدَّ بَعْدَمَا تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ بِعَيْبٍ ( رُدَّ عَلَى بَائِعِهِ ) يَعْنِي بَاعَ عَبْدًا فَبَاعَهُ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ لَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِإِقْرَارٍ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ ادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي إقْرَارَهُ بِالْعَيْبِ وَالْبَائِعُ أَنْكَرَهُ فَأَثْبَتَهُ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْبَيِّنَةِ ، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِإِقْرَارِهِ لَا يَكُونُ الرَّدُّ مُحْتَاجًا إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِنُكُولٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فَجُعِلَ الْبَيْعُ الثَّانِي كَالْمَعْدُومِ وَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ قَائِمٌ فَلَهُ الْخُصُومَةُ وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ .
غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ فَلَزِمَ التَّنَاقُضُ لَكِنَّهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَارْتَفَعَ التَّنَاقُضُ وَصَارَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا وَأَقَرَّ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ، ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْتَحِقُّ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي .
( وَ ) هُوَ أَنْ يَكُونَ الرَّدُّ ( بِرِضًى ) مِنْ الْمُشْتَرِي ( لَا ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ إقَالَةٌ وَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَالِثُهُمَا ، هَذَا إذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ الْقَبْضِ أَمَّا إذَا رَدَّ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ فِي حَقِّ الْكُلِّ فَصَارَ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ بِخِيَارِ الشَّرْطِ ، ثُمَّ إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِعَيْبٍ

لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ كَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ .

( قَوْلُهُ بَاعَ مُشْتَرَاهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ بِقَضَاءٍ رُدَّ عَلَى بَائِعِهِ ) شَامِلٌ لِمَا إذَا أَقَرَّ بِالْعَيْبِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْقَبُولِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي جَبْرًا كَمَا إذَا أَنْكَرَ الْعَيْبَ فَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ مَعَ إنْكَارِهِ الْإِقْرَارَ بِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ لِكَوْنِ الْقَضَاءِ فَسْخًا فِيهَا ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِإِقْرَارِهِ لَا يَكُونُ الرَّدُّ مُحْتَاجًا إلَى الْقَضَاءِ بَلْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ ) أَقُولُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَقَرَّ وَلَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الرَّدِّ مَعَ إقْرَارِهِ بِالْعَيْبِ فَرَدَّهُ الْقَاضِي جَبْرًا كَانَ فَسْخًا فَيَرُدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ لِإِقَالَةٍ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ فَلَزِمَ التَّنَاقُضُ ) أَيْ بِثُبُوتِ مَا أَنْكَرَهُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ النُّكُولِ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَوْ قَالَ الْبَائِعُ الثَّانِي بَعْدَ الرَّدِّ بِالْقَضَاءِ لَيْسَ بِهِ عَيْبٌ لَا يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ أَمَّا إذَا رَدَّ قَبْلَهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ قَبُولَيْهِ فَلِلْبَائِعِ الثَّانِي الرَّدُّ عَلَى بَائِعِهِ ، وَقَدْ أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ
إلَخْ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ بَلْ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَمَّا فِي الْعَقَارِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بَعْدَمَا بَاعَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ ) أَيْ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ

بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَجُعِلَ فَسْخًا فِي غَيْرِ الْعَقَارِ أَمَّا فِيهِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بَيْعٌ جَدِيدٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ .

( قَبَضَ مُشْتَرِيهِ وَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ ) الْمُشْتَرِي بَعْدَ دَعْوَى الْعَيْبِ ( عَلَى دَفْعِ ثَمَنِهِ ) إذْ لَوْ دَفَعَهُ فَلَعَلَّ الْعَيْبَ يَظْهَرُ فَيَنْتَقِضُ الْقَضَاءُ فَلَا يَقْضِي بِهِ صَوْنًا لِقَضَائِهِ عَنْ الِانْتِقَاضِ ( بَلْ يُبَرْهِنُ ) عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ فَيَرُدُّ الْمَبِيعَ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ كَمَا مَرَّ ( أَوْ يُحَلِّفُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى عَدَمِ الْعَيْبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ وَيَدْفَعُ الثَّمَنَ ( وَإِنْ كَانَ ) لَهُ شَاهِدٌ لَكِنْ ( غَابَ شُهُودُهُ دَفَعَهُ ) أَيْضًا الثَّمَنَ ( إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ ) ؛ لِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ ضَرَرًا بِالْبَائِعِ وَلَيْسَ فِي الدَّفْعِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ رُدَّ عَلَيْهِ الْمَبِيعُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ ( وَلَزِمَ عَيْبُهُ إنْ نَكَلَ ) لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي إلْزَامِ الْعَيْبِ قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْهِدَايَةِ هَكَذَا إنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَبَضَهُ فَادَّعَى عَيْبًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً ، وَقَدْ تَكَلَّفُوا فِي تَوْجِيهِهَا مَا تَكَلَّفُوا وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ التَّقْدِيرِيِّ ، تَقْدِيرُهُ لَمْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَوْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أَفَادَهَا صَاحِبُ كَشْفِ الْكَشَّافِ فِي تَحْقِيقِ قَوْله تَعَالَى { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا } أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ التَّقْدِيرِيِّ وَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمَانُهَا وَلَا عَمَلُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إيمَانِهَا خَيْرًا ( ادَّعَى إبَاقًا ) يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى أَنَّهُ آبِقٌ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لَمْ يَحْلِفْ الْبَائِعُ ) حَتَّى

يُثْبِتَ الْمُدَّعِي ( أَنَّهُ آبِقٌ عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْبَائِعِ لَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَمَعْرِفَتُهُ تَكُونُ بِالْبَيِّنَةِ ( ثُمَّ ) إذَا أَثْبَتَهُ ( حَلَفَ ) أَيْ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي دَعْوَى الْإِبَاقِ حَيْثُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَلِيمًا فَالِاسْتِحْلَافُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ وَيُقَالُ فِي التَّحْلِيفِ ( بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ أَوْ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك مِنْ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَوْ لَقَدْ سَلَّمْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ لَا ) بِاَللَّهِ ( مَا أَبَقَ عِنْدَك قَطُّ ) فَإِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْكُتُبِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَاعَهُ ، وَقَدْ كَانَ أَبَقَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَبِهِ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ ذُهُولٌ عَنْهُ ( وَلَا ) بِاَللَّهِ ( لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ النَّظَرِ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْعَيْبَ قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرَّدِّ ( وَلَا ) بِاَللَّهِ ( لَقَدْ بَاعَهُ وَسَلَّمَهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ ) لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَهُ بِالشَّرْطَيْنِ فَيَتَأَوَّلُهُ فِي الْيَمِينِ عِنْدَ قِيَامِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ وَهِيَ حَالَةُ التَّسْلِيمِ ( وَإِذَا لَمْ يُثْبِتْهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُثْبِتَ يَعْنِي إذَا لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ نَفْسِهِ ( يَحْلِفُ ) بَائِعُهُ ( عِنْدَهُمَا أَنَّهُ ) أَيْ الْبَائِعَ ( لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ) أَيْ الْعَبْدَ ( أَبَقَ عِنْدَهُ ) لِأَنَّ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ حَتَّى يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ فَكَذَا الْيَمِينُ ( وَاخْتَلَفُوا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ ) وَلَهُ عَلَى مَا قَالَ الْبَعْضُ أَنَّ الدَّعْوَى

لَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ ( وَإِذَا نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( فَعِنْدَهُمَا يَحْلِفُ ثَانِيًا ) لِطَلَبِ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ عَلَيْهِ فَإِنَّ بِنُكُولِهِ يَثْبُتُ الْعَيْبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ بِهَذَا الْعَيْبِ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَلَيْك ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يُرَدُّ ، وَإِنْ نَكَلَ يُرَدُّ عَلَيْهِ ، ثُمَّ الدَّعْوَى إنْ كَانَتْ فِي إبَاقِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصِّغَرِ لَا يُوجِبُ رَدَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ وَالسَّرِقَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِهَا فِي الْعِلَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اتِّحَادَ الْحَالَةِ شَرْطٌ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ .

قَوْلُهُ بَلْ يُبَرْهِنُ عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ ) كَيْفِيَّةُ إثْبَاتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا عَلَى وِجْدَانِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ يَحْتَاجَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ ( قَوْلُهُ أَوْ يَحْلِفُ ) صُورَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وُجِدَ فِيهِ عِنْدَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي وَإِذَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوًى صَحِيحَةٍ وَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ خَصْمٍ وَلَا يَصِيرُ خَصْمًا فِيهِ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ إبَاقِ الْعَبْدِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ غَابَ شُهُودُهُ دَفَعَهُ إنْ حَلَفَ بَائِعُهُ ) يَعْنِي ، وَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ثُبُوتِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ أَيْ الْمُشْتَرِي كَمَا ذَكَرْنَا وَغَابَ شُهُودُ قِيَامِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَحْلِفُ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ حُجَّةٌ فِي إلْزَامِ الْعَيْبِ ) قَيَّدَ بِإِلْزَامِ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ التَّقْدِيرِيِّ
إلَخْ ) قَالَ شَيْخُ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ " أَوْ " فِيهِ مِثْلَهَا فِي قَوْلِهِ كَسَرْت كُعُوبَهَا أَوْ تَسْتَقِيمَا وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا يَلِيهَا لَا بِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَتَأَمَّلْ ا هـ .
( قَوْلُهُ يَعْنِي اشْتَرَى عَبْدًا فَادَّعَى أَنَّهُ آبِقٌ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَادَّعَى إبَاقًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْبَائِعِ .
ا هـ .
لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مُتَوَجِّهَةً بِدَعْوَى الْإِبَاقِ عِنْدَهُمَا ( قَوْلُهُ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى

أَنَّهُ لَمْ يَأْبَقْ عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُدَّعِي لَعَلَّ صَوَابَهُ إرْجَاعُ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَى الظَّرْفِ لِلْبَائِعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَهِيَ فَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ عِنْدَهُ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ إنْكَارَهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَدَّعِيَ إبَاقًا فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ قِيَامَهُ فِي الْحَالِ فَيَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ ، أَمَّا لَوْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ وُجُودِهِ عِنْدَهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِالْتِمَاسِ الْمُشْتَرِي ، وَإِنْ أَنْكَرَ طُولِبَ الْمُشْتَرِي بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ الْإِبَاقَ وُجِدَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنْ أَقَامَهَا رَدَّهُ وَإِلَّا حَلَفَ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَيُقَالُ فِي التَّحْلِيفِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ قَطُّ ) هَذَا فِي دَعْوَى إبَاقِ الصَّغِيرِ لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِيمَا سَيَأْتِي وَلِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ هَذَا كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ، ثُمَّ قَالَ ، وَلَوْ كَانَ الدَّعْوَى فِي إبَاقِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ مُذْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ فِي الصَّغِيرِ يَزُولُ بِالْبُلُوغِ فَلَا يُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ ا هـ .
وَفِي الْكَبِيرِ يَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ لِلْبَائِعِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاقِ فِي الْكَبِيرِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي الصِّغَرِ ، ثُمَّ طَرَأَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ الْحَلِفَ مَا أَبَقَ عِنْدَهُ قَطُّ أَضْرَرْنَا بِهِ وَأَلْزَمْنَاهُ مَا لَا يَلْزَمُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ أَصْلًا أَضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي فَيَحْلِفُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ( قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ ) مِنْهُمْ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقُهُ عَدَمَ الْعَيْبِ بِالشَّرْطَيْنِ ) أَيْ شَرْطِ سَلَامَتِهِ حَالَ الْبَيْعِ وَشَرْطِ سَلَامَتِهِ حَالَ التَّسْلِيمِ ( قَوْلُهُ فَيَتَأَوَّلُهُ الْبَائِعُ فِي الْيَمِينِ .
.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25