كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

لِإِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى وَهَذَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ وَالْمُنَاقَضَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُمَا بِبَيَانِ الْمُلَائَمَةِ وَالتَّأْثِيرِ وَالطَّرْدِ ( وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا ) الرَّابِعِ ( فَقِيلَ يُقْبَلُ لِمُحَاجَّةِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) نُمْرُودَ بْنَ كَنْعَانَ الْمُشْتَمِلُ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى { أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إذْ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } فَانْتَقَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُجَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمَدُّحِ فَهُوَ إذًا صَحِيحٌ .
( وَدُفِعَ ) هَذَا ( بِأَنَّ حُجَّتَهُ ) أَيْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأُولَى ( مُلْزِمَةٌ ) لِلَّعِينِ مُفْحِمَةٌ لَهُ ( وَمُعَارَضَةُ اللَّعِينِ ) لَهُ بِمَنْعِ دَلِيلِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَنَا أُحْيِيَ وَأُمِيتُ ثُمَّ بَيَانُ مُسْتَنِدِ مَنْعِهِ بِإِحْضَارِهِ شَخْصَيْنِ مِنْ السِّجْنِ وَجَبَ قَتْلُهُمَا فَأَطْلَقَ أَحَدَهُمَا وَقَالَ قَدْ أَحْيَيْتُهُ وَقَتَلَ الْآخَرَ وَقَالَ قَدْ أَمَتُّهُ ( بِتَرْكِ التَّسَبُّبِ فِي إزَالَةِ حَيَاةِ شَخْصٍ وَإِزَالَتِهَا قَتْلًا بَاطِلَةٌ إذْ الْمُرَادُ ) بِالْإِحْيَاءِ ( إيجَادُهَا ) أَيْ الْحَيَاةِ ( فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ وَ ) بِالْإِمَاتَةِ ( إزَالَتُهَا ) أَيْ الْحَيَاةِ ( بِلَا مُبَاشَرَةٍ مَحْسُوسَةٍ ) أَيْ بِنَزْعِ الرُّوحِ الْحَيَوَانِيِّ مِنْ الْجَسَدِ بِغَيْرِ عِلَاجٍ مَحْسُوسٍ وَلَا اسْتِبْقَاءِ الْحَيَاةِ فِي الْأَحْيَاءِ وَتَفْوِيتِهَا بِالْعِلَاجِ الْمَحْسُوسِ فِي الْإِمَاتَةِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الشُّلُوحُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَأَيُّ مَزِيَّةٍ لِلْعَيْنِ فِيهِ وَلَكِنْ كَمَا قَالَ ( وَحَاضِرُهُ ضَلَالٌ يُسْرِعُ إلَيْهِمْ إلْزَامُ مَا لَا يَلْزَمُ فَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ لَا يَحْتَمِلُ التَّلْبِيسَ ) وَلَا

الْمُغَالَطَةَ وَلَا الْمُكَابَرَةَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقُلْ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَحْمِلُهُ وَقَاحَتُهُ وَمُكَابَرَتُهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ هَذَا لَقَالَ لَهُ أَنَا آتِي بِهَا مِنْ الْمَشْرِقِ ثُمَّ يَصْبِرُ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْهُ فَيَقُولَ هَا قَدْ أَطْلَعْتُهَا مِنْهُ فَيَحْتَاجَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى إبْطَالِ دَعْوَاهُ هَذِهِ أَيْضًا وَفِي ذَلِكَ تَطْوِيلُ الْبَحْثِ وَانْتِشَارُهُ فَاسْتَرَاحَ مِنْ ذَلِكَ بِأَنْ طَلَبَ مِنْهُ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ إفْضَاحُهُ لِلْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَهُوَ انْتِقَالٌ إلَى دَلِيلٍ أَوْضَحَ وَحُجَّةٍ أَبْهَرَ لِيَكُونَ نُورًا عَلَى نُورٍ وَإِضَاءَةً غِبَّ إضَاءَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْحَقُّ أَنْ لَا انْتِقَالَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ ) أَيْ قَوْلَهُ { رَبِّي الَّذِي يُحْيِ وَيُمِيتُ } ( الدَّعْوَى وَاسْتِدْلَالُهُ لَمْ يَقَعْ إلَّا بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ فِي قَوْلِهِ { فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ } إلَخْ ) كَأَنَّهُ قَالَ الْمُرَادُ بِالْإِحْيَاءِ إعَادَةُ الرُّوحِ إلَى الْبَدَنِ فَالشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ رُوحِ الْعَالَمِ لِإِضَاءَتِهِ بِهَا وَإِظْلَامِهِ بِغُرُوبِهَا فَإِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ عَلَى إحْيَاءِ الْمَوْتَى فَأَعِدْ رُوحَ الْعَالَمِ إلَيْهِ بِأَنْ تَأْتِيَ بِالشَّمْسِ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ .
وَعَلَى هَذَا مَشَى نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ هَذَا لَيْسَ بِانْتِقَالٍ مِنْ حُجَّةٍ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى فِي الْمُنَاظَرَةِ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ادَّعَى انْفِرَادَ اللَّهِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فَلَمَّا أَرَادَ النُّمْرُودُ التَّلْبِيسَ أَظْهَرَ كَمَالَ الْقُدْرَةِ بِحَدِيثِ الشَّمْسِ وَالدَّلِيلُ وَاحِدٌ وَالصُّورَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ انْتَهَى .
وَهَذَا مَا قِيلَ الِانْتِقَالُ فِي الْمِثَالِ كَأَنَّهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُوجِدُ الْمُمْكِنَاتِ وَيُعْدِمُهَا وَأَتَى بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ مِثَالًا فَلَمَّا

اعْتَرَضَ جَاءَ بِمِثَالٍ أَجْلَى لِدَفْعِ الشَّغَبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أَيْ انْقَطَعَ لِأَنَّهُ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا كَذَلِكَ عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ وَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ ظَهَرَ نَقْصُهُ وَبُطْلَانُ دَعْوَاهُ الْإِلَهِيَّةَ .
( وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْبُطْلَانُ ) لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ( الْأَوَّلِ فَانْتَقَلَ إلَى دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنَّهُ ) أَيْ انْتِقَالَهُ ( انْقِطَاعٌ فِي عُرْفِهِمْ ) أَيْ النُّظَّارِ ( اسْتَحْسَنُوهُ كَيْ لَا يَخْلُوَ الْمَجْلِسُ ) لِلْمُنَاظَرَةِ ( عَنْ الْمَقْصُودِ ) وَهِيَ إظْهَارُ الْحَقِّ ( وَإِلَّا فَفِي الْعَقْلِ لَهُ ) أَيْ لِلْمُسْتَدِلِّ ( أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى ) دَلِيلٍ ( آخَرَ وَآخَرَ إذَا لَمْ يَثْبُتْ مَا عَيَّنَهُ ) مِنْ الْحُكْمِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الدَّلِيلِ ( حَتَّى يُعْجِزَهُ عَنْ إثْبَاتِهِ وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ ( فِي مَجَالِسَ ) وَكَيْفَ لَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُنَاظَرَةِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِأَيِّ دَلِيلٍ كَانَ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمُعَلِّلِ الِانْتِقَالُ مِنْ دَلِيلٍ إلَى آخَرَ لَا إلَى نِهَايَةٍ بَلْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى عِلَّةٍ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ بَيِّنَةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُقُوقِ النَّاسِ وَهُوَ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ صِيَانَةً لَهَا فَكَذَا هَذَا ( فَالِانْقِطَاعُ ) لِلسَّائِلِ أَوْ الْمُعَلِّلِ إنَّمَا يَكُونُ ( بِدَلِيلِهِ ) أَيْ الْعَجْزِ عَنْ تَحْقِيقِ مَطْلُوبِهِ ( سُكُوتٌ ) كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ اللَّعِينِ بِقَوْلِهِ { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِ الِانْقِطَاعِ ( أَوْ إنْكَارٌ ضَرُورِيٌّ ) أَيْ مَعْلُومٌ ضَرَرُهُ بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إلَّا الْعَجْزُ عَنْ دَفْعِ حُجَّةِ الْخَصْمِ ( أَوْ مَنْعٌ بَعْدَ تَسْلِيمٍ ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْهُ عَلَيْهِ إلَّا عَجْزُهُ عَنْ الدَّفْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْخَصْمُ وَفِي الْكَشْفِ وَلَا يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُهُ عَنْ سَهْوٍ أَوْ عَنْ غَفْلَةٍ لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ

يُبَيِّنُ وَجْهَ الدَّفْعِ بِطَرِيقِ التَّسْلِيمِ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهِ اسْتِدْرَاكَ مَا سَهَا فِيهِ فَأَمَّا أَنْ يَرْجِعَ عَنْ التَّسْلِيمِ إلَى الْمَنْعِ فَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْعَجْزِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُعَلِّلُ وَالسَّائِلُ وَبَقِيَ رَابِعٌ يَخُصُّ الْمُعَلِّلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِعُ السَّالِفُ .

( وَفِي ) انْتِقَالِ الْمُعَلِّلِ مِنْ ( مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ إلَى مَا لَا يُنَاسِبُ الْمَطْلُوبَ أَصْلًا دَفْعًا لِظُهُورِ إفْحَامِهِ انْقِطَاعٌ فَاحِشٌ ) لِلْمُعَلِّلِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا انْتِقَالُ السَّائِلِ مِنْ دَفْعٍ إلَى آخَرَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِكَلَامِ الْمُجِيبِ فَمَا دَامَ فِي الْمُعَارَضَةِ بِدَفْعٍ يَصْلُحُ اعْتِرَاضًا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْمِيزَانِ ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْأُولَى مِثَالُهُ ( لِلْحَنَفِيَّةِ فِي إثْبَاتِ أَنَّ إيدَاعَ الصَّبِيِّ ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَا لَيْسَ بِرَقِيقٍ ( تَسْلِيطٌ ) لِلصَّبِيِّ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ ( عِنْدَ تَعْلِيلِهِ ) أَيْ الْحَنَفِيِّ ( بِهِ ) أَيْ بِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ ( لِنَفْيِ ضَمَانِهِ ) إذَا أَتْلَفَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ مَعَ التَّسْلِيطِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا إذَا أَبَاحَ لَهُ طَعَامًا فَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ يَضْمَنُ الصَّبِيُّ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ إيدَاعُهُ تَسْلِيطًا عِلَّةً لِلْقِيَاسِ فَإِذَا مَنَعَهُ الْخَصْمُ فَانْتَقَلَ الْمُعَلِّلِ إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ تَسْلِيطًا بِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ التَّمْكِينُ مِنْهُ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى مَا يَنَالُ بِالْأَيْدِي وَقَدْ وُجِدَ هُنَا لَا يَكُونُ مُنْقَطِعًا لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي إثْبَاتِهَا .
( وَالثَّانِي ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى آخَرَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ يَثْبُتُ بِتِلْكَ الْعِلَّةِ مِثَالُهُ ( لَهُمْ ) أَيْ لِلْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي جَوَازِ إعْتَاقِ الْمُكَاتَبِ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ( الْكِتَابَةُ عَقْدٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ) بِالْإِقَالَةِ وَبِالْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْبَدَلِ ( فَلَا يُمْنَعُ التَّكْفِيرُ بِمَنْ تَعَلَّقَتْ ) الْكِتَابَةُ ( بِهِ ) فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَمَا هُوَ الِاسْتِحْسَانُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ( كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَالْإِجَارَةِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا لِبَائِعِ عَبْدِهِ بِشَرْطِ

الْخِيَارِ لَهُ وَمُؤَجِّرِهِ إعْتَاقُهُ بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَكَوْنُهَا عَقْدًا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ عِلَّةُ الْقِيَاسِ ( فَيُقَالُ ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ أَنَا أَقُولُ بِمُوجِبِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَمْنَعُ الصَّرْفَ إلَى الْكَفَّارَةِ عِنْدِي ( بَلْ الْمَنْعُ لِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ ( مِنْ نُقْصَانِ الرِّقِّ بِهِ ) أَيْ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لِلْمُكَاتَبِ مُسْتَحَقٌّ بِهِ فَصَارَ ( كَأُمِّ الْوَلَدِ ) أَيْ كَاسْتِحْقَاقِهَا الْعِتْقَ بِالْوِلَادَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ وَأَوْلَادِهِ دُونَهَا ( فَيُجَابُ بِإِثْبَاتِ عَدَمِ نُقْصَانِهِ ) أَيْ الرِّقِّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ وَهُوَ حُكْمٌ آخَرُ ( بِالْأُولَى ) أَيْ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى فَيُقَالُ ( احْتِمَالُ الْفَسْخِ ) لِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ( دَلِيلُ عَدَمِ إيجَابِهِ ) أَيْ عَقْدِهَا ( نُقْصَانَهُ ) أَيْ رِقِّهِ ( لِأَنَّ مَا يُوجِبُهُ ) أَيْ نُقْصَانُ رِقِّهِ ( لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ) بِوَجْهٍ ( إذْ هُوَ ) أَيْ نُقْصَانُ الرِّقِّ ( بِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ وَجْهٍ ) وَكَمَا أَنَّ ثُبُوتَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَذَا ثُبُوتُهَا مِنْ وَجْهٍ فَظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ كَوْنِ قَبُولِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِي الرِّقِّ انْتِقَالٌ مِنْ إثْبَاتِ حُكْمٍ وَهُوَ عَدَمُ مَنْعِهِ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْكَفَّارَةِ إلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ آخَرَ وَهُوَ عَدَمُ إيجَابِهِ نَقْصًا فِي الرِّقِّ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَهِيَ قَبُولُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَسْخَ ثُمَّ مِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ تَمَكُّنَ نُقْصَانٍ فِي رِقِّ الْمُكَاتَبِ وَلَا يَصِيرُ الْعِتْقُ مُسْتَحَقًّا لَهُ أَنَّ حُكْمَ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِشَرْطٍ آخَرَ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَكَذَا هَذَا الشَّرْطُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ يَمْنَعُ الْفَسْخَ وَبِهَذَا الشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ بِهِ يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ فِي الرِّقِّ حَتَّى

لَا يَعُودَ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى .
( وَالثَّالِثُ ) أَيْ الِانْتِقَالُ مِنْ حُكْمٍ إلَى حُكْمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَيَثْبُتُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى مِثَالُهُ ( أَنْ يُجِيبَ ) الْمُسْتَدِلُّ فِي جَوَابِ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ آنِفًا مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ ( بِقَوْلِهِ الْكِتَابَةُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِيهِ ) أَيْ الرِّقِّ ( كَالْبَيْعِ بِالْخِيَارِ ) فَيَجُوزُ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَإِعْتَاقِ الْبَائِعِ عَبْدَهُ الَّذِي بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي مُدَّتِهِ فَعَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عِلَّةٌ أُخْرَى لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ هُوَ عَدَمُ النُّقْصَانِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ ( وَالْكُلُّ ) أَيْ وَجَمِيعُ هَذِهِ الِانْتِقَالَاتِ الثَّلَاثَةِ ( جَائِزٌ ) إلَّا أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمُخْرِجَ إلَى الِانْتِقَالِ فِيهِ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى أَوْ إلَى حُكْمٍ آخَرَ لَا يَخْلُو عَنْ ضَرْبِ غَفْلَةٍ حَيْثُ لَمْ يُعَرِّفْ الْمُعَلِّلُ مَوْضِعَ الْخِلَافِ فِي ابْتِدَاءِ تَعْلِيلِهِ حَتَّى عَلَّلَ عَلَى وَجْهٍ اُفْتُقِرَ فِيهِ إلَى الِانْتِقَالِ .

( هَذَا وَيُشْبِهُ الِاسْتِفْسَارَ فِي عُمُومِهِ ) لِلْقِيَاسِ وَغَيْرِهِ ( وَفَسَادَ الِاعْتِبَارِ فِي عَدَمِ الْقِيَاسِ ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا انْتِفَاءَ وُجُودِ الْقِيَاسِ فِي الْوَاقِعِ ( الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ ( دَعْوَى النَّصْبِ ) لِلدَّلِيلِ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَ ) غَيْرِ ( لَازِمِهِ ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( إذْ هُوَ ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ ( تَسْلِيمُ مَدْلُولِ الدَّلِيلِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ هَذَا الْمَعْنَى ( بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ ) أَيْ النَّصْبِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَلَازِمِهِ ( مُنْتَفٍ فَظَهَرَ ) مِنْ هَذَا ( أَنْ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهِ ) أَيْ الْمُخَصَّصِ ( الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ بِالطَّرْدِيَّةِ ) كَمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ .
( وَهُوَ ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ ( ثَلَاثَةٌ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَاسْتِنَادِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرَضِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ( إلَى لَفْظِ الْمُعَلِّلِ كَقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُعَلِّلِ الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ ( فِي الْمُثْقَلِ ) أَيْ فِي أَنَّ الْقَتْلَ بِهِ يُوجِبُ الْقِصَاصَ ( قَتْلٌ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَلَا يُنَافِي الْقِصَاصَ كَالْحَرْقِ ) أَيْ كَالْقَتْلِ بِالنَّارِ فَإِنَّ الْحَرْقَ يَقْتُلُ غَالِبًا ( فَيُسَلِّمُ ) الْمُعْتَرِضُ الَّذِي هُوَ الْحَنَفِيُّ ( عَدَمَ مُنَافَاتِهِ ) أَيْ الْقَتْلِ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ ( مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي ثُبُوتِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَهُوَ ) أَيْ وُجُوبُهُ ( الْمُتَنَازَعُ فِيهِ ) وَكَمَا أَنَّ عَدَمَ مُنَافَاتِهِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ لَا يَقْتَضِي مَحَلَّ النِّزَاعِ أَيْضًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ الْوُجُوبَ أَنْ يَجِبَ ( أَوْ ) اسْتِنَادُهُ فِيهِ إلَى ( حَمْلِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَلَامَ الْمُسْتَدِلِّ ( عَلَى غَيْرِ مُرَادِهِ كَالْمَسْحِ ) بِالرَّأْسِ ( رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ ) كَالْغُسْلِ لِلْوَجْهِ ( فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ ( بِمُوجِبِهِ ) وَهُوَ اسْتِنَانُ

تَثْلِيثِ الْمَسْحِ ( إذْ سَنَنَّا الِاسْتِيعَابَ ) فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِيعَابُ فِيهِ ( ضَمُّ مِثْلَيْ الْوَاجِبِ ) فِيهِ أَيْ ( الرُّبْعِ وَزِيَادَةٍ إلَيْهِ ) أَيْ الْوَاجِبِ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ إذْ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ ثَلَاثَ أَمْثَالِهِ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اتِّحَادَ الْمَحَلِّ فَإِنَّ مَنْ دَخَلَ ثَلَاثَةَ دُورٍ يَكُونُ ثَلَاثَ دَخَلَاتٍ كَمَا لَوْ دَخَلَ دَارًا وَاحِدًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( وَمَقْصُودُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ التَّثْلِيثِ لَيْسَ هَذَا بَلْ ( التَّكْرِيرُ فَإِذَا أَظْهَرَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ أَنَّ مُرَادَهُ التَّكْرِيرُ ( انْتَفَى ) الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُمَانَعَةُ أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الرُّكْنَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ بَلْ الْمَسْنُونُ فِي الرُّكْنِ الْإِكْمَالُ دُونَ التَّكْرَارِ وَهُوَ بِالْإِطَالَةِ فِي مَحَلِّهِ كَمَا فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْإِكْمَالُ بِهَا لِاسْتِغْرَاقِ الْفَرْضِ مَحَلَّهُ كَمَا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّ تَكْمِيلَهُ بِالْإِطَالَةِ يَقَعُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيُصَارُ إلَى التَّكْرَارِ خَلْفًا عَنْهُ وَفِي مَسْحِ الرَّأْسِ الْأَصْلُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ الرَّأْسُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَهُوَ مُتَّسَعٌ يَزِيدُ عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْضِ فَيُمْكِنُ تَكْمِيلُهُ بِالْإِطَالَةِ وَالِاسْتِيعَابِ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَيَبْطُلُ الْخَلْفُ .
( وَكَذَا ) قَوْلُ الْمُسْتَدِلِّ الشَّافِعِيِّ لِتَعْيِينِ نِيَّةِ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ ( صَوْمُ فَرْضٍ فَيُشْتَرَطُ ) فِيهِ ( التَّعْيِينُ فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ ( بِمُوجِبِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ أَيْ ( لُزُومِ التَّعْيِينِ ) فِي صَوْمِ رَمَضَانَ ( وَالنِّزَاعُ فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ لُزُومِ التَّعْيِينِ أَيْ ( كَوْنِ الْإِطْلَاقِ بَعْدَ تَعْيِينِ لُزُومِ التَّعْيِينِ ) لِنِيَّةِ الصَّوْمِ ( بَعْدَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ الْوَقْتَ الْخَاصَّ ) وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ ( لَهُ ) أَيْ لِلصَّوْمِ ( تَعْيِينًا ) لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ صَوْمَ غَيْرِهِ ( حَمْلًا )

لِلتَّعْيِينِ ( عَلَى ) التَّعْيِينِ ( الْأَعَمِّ ) مِنْ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ الصَّائِمِ أَوْ بِتَعْيِينِهِ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ ( وَمُرَادُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ مِنْ التَّعْيِينِ ( تَعْيِينُ الْمُكَلَّفِ ) فَإِذَا أَظْهَرَهُ انْتَفَى الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ وَتَعَيَّنَتْ الْمُمَانَعَةُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ لِلشَّارِطِ ) فِي التَّعْيِينِ كَوْنُهُ بِقَصْدِ الْمُكَلَّفِ ( لِأَنَّ كَوْنَ إطْلَاقِ النَّاوِي تَعْيِينَ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ ) أَيْ الْأَعَمِّ كَالنَّقْلِ بِالْأَعَمِّ ( يَصِيرُ الْأَعَمُّ عَيْنَ الْأَخَصِّ وَتَقَدَّمَ تَمَامُهُ ) أَيْ هَذَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الْوَقْتِ الْمُقَيَّدِ بِهِ الْوَاجِبُ وَأَوْضَحْنَاهُ ثَمَّةَ فَلْيُسْتَذْكَرْ بِالْمُرَاجَعَةِ ثُمَّ هَذَا قَلَّمَا يَقَعُ لِشُهْرَةِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَتَقَدَّمَ تَحْرِيرُهُ غَالِبًا ( وَالثَّانِي ) مِنْ أَقْسَامِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ( إبْطَالُ ) الْمُسْتَدِلِّ بِدَلِيلِ الْخَصْمِ ( مَا ظَنَّ مَأْخَذَ خَصْمِهِ ) وَمَبْنَى مَذْهَبِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ يَمْنَعُ كَوْنَهُ مَأْخَذًا لِمَذْهَبِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبْطَالِهِ إبْطَالُ مَذْهَبِهِ ( كَفَى الْقَتْلُ بِالْمُثْقَلِ ) إذَا اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيُّ عَلَى نَفْيِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَوْلُهُ قَتْلٌ بِمُثْقَلٍ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ كَالْعَصَا الصَّغِيرَةِ ( لِلْمُعْتَرِضِ ) الَّذِي هُوَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَقُولَ هُوَ كَالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ لَا تَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا إلَّا فِي الْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ الْآلَةُ ثُمَّ ( التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ ) كَالتَّفَاوُتِ فِي الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنْوَاعُ الْجِرَاحَاتِ الْقَاتِلَةِ ( فَيَقُولُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( الْمَانِعُ ) مِنْ الْقِصَاصِ ( غَيْرُهُ ) أَيْ التَّفَاوُتُ فِي الْوَسِيلَةِ فَيَفْتَكُّ عَدَمُ التَّفَاوُتِ فِيهَا نَفْيَ مَانِعٍ خَاصٍّ ( وَنَفْيُ مَانِعٍ ) خَاصٍّ ( لَيْسَ نَفْيَ الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْمَوَانِعِ وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ ارْتِفَاعِ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ وَوُجُودُ الشَّرَائِطِ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي ( وَيُصَدَّقُ ) الْمُعْتَرِضُ إذَا قَالَ هَذَا مَأْخَذِي إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا

أَوْ مَأْخَذَ إمَامِي إنْ كَانَ مُقَلِّدًا عَلَى الصَّحِيحِ ( لِعَدَالَتِهِ ) وَكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِمَذْهَبِهِ وَمَذْهَبِ إمَامِهِ وَقِيلَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيَانِ مَأْخَذٍ آخَرَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مَأْخَذَهُ أَوْ مَأْخَذَ إمَامِهِ وَلَكِنَّهُ يُعَانِدُ ثُمَّ هَذَا أَكْثَرُ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ لِخَفَاءِ مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ .
( وَالثَّالِثُ ) مِنْ أَقْسَامِ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ( أَنْ يَسْكُتَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( عَنْ مُقَدِّمَةٍ ) غَيْرَ مَشْهُورَةٍ ( لِظَنِّ الْعِلْمِ بِهَا فَيُسَلِّمُ ) الْمُعْتَرِضُ الْمُقَدِّمَةَ ( الْمَذْكُورَةَ وَبَقِيَ النِّزَاعُ فِي ) الْمُقَدِّمَةِ ( الْمَطْوِيَّةِ نَحْوَ ) قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ ( مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ كَالصَّلَاةِ وَطَوَى وَالْوُضُوءُ قُرْبَةٌ فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ مَا ثَبَتَ قُرْبَةً فَشَرْطُهُ النِّيَّةُ ( مُسَلَّمٌ وَمِنْ أَيْنَ يَلْزَمُ أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطُهُ النِّيَّةُ ) وَلَوْ لَمْ يَسْكُتْ عَنْ الصُّغْرَى لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْعُهَا بِأَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُضُوءَ يَثْبُتُ قُرْبَةً وَلَا يَكُونُ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ( قَالُوا ) أَيْ الْجَدَلِيُّونَ ( لَا بُدَّ فِيهِ ) أَيْ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ( مِنْ انْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ ( إذْ ) فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ( لَوْ بَيَّنَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْمُثْبِتُ ( مَحَلُّ النِّزَاعِ أَوْ مَلْزُومُهُ ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( أَوْ ) فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمُبْطِلَ ( مَأْخَذُهُ ) أَيْ الْخَصْمِ ( أَوْ ) فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ ( كَيْفِيَّةَ ) الْمُقَدِّمَةِ ( الْمَحْذُوفَةِ ) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُبِيحُ مَطْلُوبَهُ ( انْقَطَعَ الْمُعْتَرِضُ ) إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ إلَّا تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُبَيِّنْ ( الْمُسْتَدِلُّ ) هَذِهِ الْأُمُورَ انْقَطَعَ الْمُسْتَدَلُّ إذْ قَدْ ظَهَرَ عَدَمُ إفْضَاءِ دَلِيلِهِ إلَى مَطْلُوبِهِ ( وَاسْتَبْعَدَ ) أَيْ وَاسْتَبْعَدَ ابْنُ الْحَاجِبِ انْقِطَاعَ أَحَدِهِمَا ( فِي ) الْقِسْمِ ( الْأَخِيرِ إذْ مُرَادُ الْمُسْتَدِلِّ أَنَّ الْمَتْرُوكَ )

لِظُهُورِهِ ( كَالْمَذْكُورِ ) فَالْمَتْرُوكُ لَفْظًا مَذْكُورٌ مَعْنًى وَالْمَجْمُوعُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ .
( وَ ) مُرَادُ ( الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمَذْكُورَ وَحْدَهُ لَا يُفِيدُ فَإِذَا ذَكَرَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ ( الْمَجْمُوعُ ) مِنْ الْمَذْكُورِ وَالْمَتْرُوكِ ( لَا الْمَذْكُورِ وَحْدَهُ ) وَحَذَفَ الْمَتْرُوكَ لِلْعِلْمِ بِهِ ( وَحَذْفُ الْمَعْلُومِ شَائِعٌ ) كَانَ ( لَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( الْمَنْعُ وَاسْتَمَرَّ الْبَحْثُ ) وَإِنْ سَلِمَ فَقَدْ انْقَطَعَ ( وَكَذَا لَا يَخْفَى بُعْدُ قَوْلِهِمْ ) أَيْ الْجَدَلِيِّينَ ( أَنَّهُ مَأْخَذُهُ بَلْ يَقُولُ الْمُعْتَرِضُ مَأْخَذِي غَيْرُهُ أَوْ كَذَا انْقَطَعَ ) بِهِ ( الْمُسْتَدِلُّ وَإِلَّا الْمُعْتَرِضُ ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا عَنْهُمْ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْمُرَادُ بِهِ لِأُوَافِقَ عَلَى بُعْدِهِ ( وَظَهَرَ ) مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ( أَنَّ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ ( يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( لَمَّا سَلَّمَ مُوجِبَ عِلَّتِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ احْتَاجَ إلَى مَعْنًى مُؤَثِّرٍ غَيْرِ وَاقِعٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( الْجَوَابُ بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ بَيَانِ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْ مَلْزُومِهِ أَوْ مَأْخَذِهِ أَوْ الْمَحْذُوفِ ( وَلَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا ذَكَرْنَا ( ذَلِكَ ) أَيْ الْقَوْلُ بِالتَّأْثِيرِ .

( وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقِيَاسِ ) بِالْجَوَابِ عَنْ الِاسْتِفْسَارِ وَالتَّقْسِيمِ ( وَتَحْرِيرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) بِالْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ ( يَشْرَعُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْقِيَاسِ ( وَأَوَّلُ مُقَدِّمَاتِهِ حُكْمُ الْأَصْلِ ثُمَّ عِلَّتُهُ ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ ( ثُمَّ ثُبُوتُهَا ) أَيْ عِلَّتُهُ ( فِي الْفَرْعِ مَعَ الشُّرُوطِ الْأَوَّلُ ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ يَرِدُ ( عَلَيْهِ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ ) أَيْ ثُبُوتِهِ فِيهِ قِيلَ وَالْمَنْعُ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ فَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهَلْ يَكُونُ مُجَرَّدُهُ قَطْعًا لِلْمُسْتَدِلِّ قِيلَ نَعَمْ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إثْبَاتِهِ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ إلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ آخَرَ الْكَلَامُ فِيهِ بِقَدْرِ الْكَلَامِ فِي الْأَوَّلِ سَوَاءٌ فَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَرَامِهِ وَشُغِلَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ وَذَلِكَ لِلْمُعْتَرِضِ غَايَةُ مَرَامِهِ ( وَالصَّحِيحُ لَيْسَ ) مُجَرَّدُهُ ( قَطْعًا ) لِلْمُسْتَدِلِّ ( وَإِنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْمَنْعَ ( يُسْمَعُ إلَّا إنْ اصْطَلَحُوا ) أَيْ أَهْلُ بَلَدِ الْمُنَاظَرَةِ عَلَى عَدِّهِ قَطْعًا فَإِنَّهُ لَا يُسْمَعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَطْعٌ كَمَا عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فَإِنَّهُ ذِكْرٌ يَتْبَعُ عُرْفَ الْمَكَانِ وَاصْطِلَاحَ أَهْلِهِ فَإِنْ عَدُّوهُ قَطْعًا فَقَطْعٌ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَضْعِيٌ لَا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ فِيهِ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ سَمَاعِهِ إذَا اصْطَلَحُوا عَلَى عَدِّهِ قَطْعًا ( مَحْمَلُ ) قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُسْمَعُ هَذَا الْمَنْعُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ الدَّلَالَةُ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْأَصْلِ فَيَنْتَفِي اسْتِبْعَادُ ابْنِ الْحَاجِبِ إيَّاهُ بِأَنَّ غَرَضَ الْمُسْتَدِلِّ إقَامَةُ الْحُجَّةِ عَلَى خَصْمِهِ وَلَا يَقُومُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ أَصْلِهِ مَمْنُوعًا وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا لِأَنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ جُزْءُ الدَّلِيلِ وَلَا يَثْبُتُ الدَّلِيلُ إلَّا بِثُبُوتِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ

عَلَى أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي كِتَابَيْ الْمُلَخَّصِ وَالْمَعُونَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ سَمَاعُ الْمَنْعِ قَالَ ثُمَّ الْمَانِعُ إمَّا أَنْ لَا يَخْتَلِفَ مَذْهَبُهُ فِي الْمَنْعِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِمَا يَسْلَمُ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْإِجَارَةِ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ كَالنِّكَاحِ فَيَمْنَعُ الْأَصْلُ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ فَيَقُولُ أَرَدْتُ بِقَوْلِي يَبْطُلُ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَيَسْقُطُ الْمَنْعُ وَالثَّانِي أَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا يَسْلَمُ فِيهِ كَقَوْلِنَا الْوُضُوءُ عِبَادَةٌ شُرِعَ لَهَا الِاخْتِتَامُ بِالْيَسَارِ فَشَرَطَ فِيهَا التَّرْتِيبَ كَالصَّلَاةِ فَيَقُولُ الْمُخَالِفُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فَأَتَى بِهِنَّ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ فَيَقُولُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ لَا يَصِحُّ وَهَذَا كَافٍ فِي التَّسْلِيمِ وَالثَّالِثِ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ كَقَوْلِنَا الْخِنْزِيرُ حَيَوَانٌ نَجِسٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَيُغْسَلُ مِنْهُ سَبْعًا كَالْكَلْبِ فَيَمْنَعُونَ الْأَصْلَ فَيَدُلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ { إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ } وَإِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ مَذْهَبُ الْمَانِعِ فَإِنْ كَانَ لِإِمَامِهِ قَوْلَانِ أَوْ لِأَصْحَابِهِ وَجْهَانِ فَجَوَابُهُ مِنْ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ وَيَزِيدُ بِتَبْيِينِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ التَّسْلِيمُ كَمَا يَقُولُ فِيمَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ أَحْرَمَ وَعَلَيْهِ فَرْضُهُ فَانْصَرَفَ إلَى مَا عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَطْلَقَ النِّيَّةَ فَيَمْنَعُ الْخَصْمُ مُسْتَنِدًا إلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا فَيُجِيبُ بِأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ .
وَإِمَّا أَنْ لَا يَعْرِفَ مَذْهَبَ إمَامِهِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْكَافِرِ يُسْلِمُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ لَا يَخْتَارُ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُحَرَّمٌ فِي

نِكَاحٍ فَلَا يُخَيَّرُ فِيهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ دَلِيلُهُ إذَا جَمَعَتْ الْمَرْأَةُ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا فَيَقُولُ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا نَصَّ فِيهَا لِأَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُسْلِمَهُ وَتَعَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهَا إذَا أَسْلَمَتْ عَلَيْهِمَا وَقَدْ وَقَعَ عَقْدُهُمَا مَعًا لَمْ تُقَرَّ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ أَمْ لَا وَفِيمَا إذَا اعْتَقَدُوهُ وَجْهٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْتَارُ أَحَدَهُمَا وَإِنْ وَقَعَا مُرَتَّبَيْنِ فَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ ا هـ ثُمَّ إنَّمَا قُلْنَا هَذَا الْمَنْعَ لَيْسَ بِقَطْعٍ لِلْمُسْتَدِلِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْمَنْعَ ( مَنْعُ بَعْضِ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَكَمَا لَا يَكُونُ مُجَرَّدُ مَنْعِ مُقَدِّمَةٍ غَيْرَ هَذِهِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ دَلِيلِهِ قَطْعًا لَهُ فَكَذَا هَذَا ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ مُجَرَّدُ هَذَا الْمَنْعِ قَطْعًا لَهُ ( فَكُلُّ مَنْعٍ قَطْعٌ ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( بِهِ ) أَيْ بِمَنْعِ الْمُعْتَرِضِ حُكْمَ الْأَصْلِ ( يَنْتَقِلُ إلَى ) حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ حُكْمُ الْأَصْلِ ( مِثْلِ الْأَوَّلِ ) وَهُوَ حُكْمُ الْفَرْعِ .
( لَا يَضُرُّ إذَا تَوَقَّفَ ) حُكْمُ الْأَصْلِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ ( وَسِعَهُ مَجْلِسٌ أَوْ مَجَالِسُ ) فَلَا يَنْعَمُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ مَنَعَ عِلِّيَّةَ الْعِلَّةِ أَوْ وُجُودَهَا فِي الْأَصْلِ أَوْ فِي الْفَرْعِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْهُ إثْبَاتُهَا وَلَا يُعَدُّ الْمَنْعُ قَطْعًا لَهُ ( وَلَوْ تَعَارَفَهُ ) أَيْ كَوْنَ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ قَطْعًا ( طَائِفَةٌ أُخْرَى ) غَيْرُ أَهْلِ بَلَدِ الْمُنَاظَرَةِ ( لَمْ يَلْزَمْ الْمُسْتَدِلَّ عُرْفُهُمْ ) إذَا لَمْ يَلْتَزِمْهُ ( ثُمَّ لَا يَنْقَطِعُ الْمُعْتَرِضُ بِإِقَامَةِ دَلِيلِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ ( عَلَى الْمُخْتَارِ إذْ لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ ) أَيْ الدَّلِيلِ ( مِنْ صُورَتِهِ ) وَلَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَمْنُوعَةِ مِنْ صِحَّتِهِ وَذَلِكَ بِصِحَّةِ مُقَدِّمَةِ مُقَدِّمَةٍ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ (

الِاعْتِرَاضُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ وَقِيلَ يَنْقَطِعُ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَى دَلِيلِ مَحَلِّ الْمَنْعِ خَارِجٌ عَنْ الْمَقْصُودِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالْعَجْزِ عَمَّا تَصَدَّى لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِطُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ وَلَا بِوَحْدَةِ الْمَجْلِسِ وَتَعَدُّدِهِ ( وَأَمَّا مُعَارَضَتُهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ السَّائِلِ دَلَالَةً مَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى مَطْلُوبِهِ وَإِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِ مَطْلُوبِهِ فَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ ( فَقِيلَ لَا ) يُسْمَعُ ( لِأَنَّهُ غَصْبٌ لِنَصْبِ الِاسْتِدْلَالِ ) لِصَيْرُورَةِ السَّائِلِ مُسْتَدِلًّا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى ذِكْرِ الْعِلَّةِ وَإِقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهَا إذْ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ فَيَنْقَلِبُ الْحَالُ إذْ وَظِيفَتُهُ الِاعْتِرَاضُ لَا الِاسْتِدْلَال .
وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى قَبُولِهَا لِأَنَّهَا اعْتِرَاضٌ عَلَى الْعِلَّةِ لِإِيجَابِهَا وُقُوفَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ الْعَمَلِ إذْ الْعَمَلُ بِعِلَّتِهِ دُونَ عِلَّةِ السَّائِلِ بَعْدَ قِيَامِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى قِيَامِ دَلِيلِ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا وَلَيْسَ مَعْنَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْعِلَّةِ إلَّا مَا يُوجِبُ تَوَقُّفُهَا عَنْ الْعَمَلِ وَيَمْنَعُهَا مِنْهُ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ اعْتِرَاضٌ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ الْجَوَابُ عَنْهُ ( وَلَيْسَ ) بِغَصْبٍ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ غَصْبًا ( مُنِعَتْ ) الْمُعَارَضَةُ ( مُطْلَقًا ) وَلَيْسَتْ بِمَمْنُوعَةٍ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ الْمَانِعِ لِقَبُولِهَا إسْمَاعُهَا ( يَصِيرُ ) الْمُعْتَرِضُ بِهِ ( مُسْتَدِلًّا فِي نَفْسِ صُورَةِ الْمُنَاظَرَةِ إنْ أَرَادَ فِي عَيْنِ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ فَمُنْتَفٍ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى خِلَافِهَا ( أَوْ ) أَرَادَ ( فِي

تِلْكَ الْمُنَاظَرَةِ فَلَا بَأْسَ كَمُعَارَضَةِ الدَّلِيلِ وَلَا تَتِمُّ الْمُنَاظَرَةُ إلَّا بِانْقِطَاعِ أَحَدِهِمَا مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَةَ لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ كَالْكَلْبِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ جِلْدِ الْكَلْبِ لَا يَقْبَلُهَا وَفِي الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ الْمَسْحُ رُكْنٌ فَيُسَنُّ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيُمْنَعُ سُنِّيَّةُ تَكْرِيرِ الْغُسْلِ بَلْ ) السُّنَّةُ ( إكْمَالُهُ ) أَيْ الْغُسْلِ ( غَيْرَ أَنَّهُ ) أَيْ الْغُسْلَ ( اسْتَغْرَقَ مَحَلَّهُ فَكَانَ ) إكْمَالُهُ ( بِتَكْرِيرِهِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ ) الْمَفْرُوضِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَغْرِقْ مَحَلَّهُ ( فَتَكْمِيلُهُ ) أَيْ الْمَسْحَ ( بِاسْتِيعَابِهِ ) أَيْ الْمَحَلِّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ صَوْمُ رَمَضَانَ ( صَوْمُ فَرْضٍ فَيَجِبُ تَعْيِينُهُ ) بِالنِّيَّةِ ( كَالْقَضَاءِ فَيُقَالُ إنْ ) كَانَ وُجُوبُ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ ( بَعْدَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ ) الزَّمَانَ ( لَهُ فَ ) هُوَ ( مُنْتَفٍ فِي الْأَصْلِ ) أَيْ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُضَيِّقْهُ بِزَمَانٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَ وُجُوبُ تَعْيِينِهِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ تَعْيِينِ الشَّرْعِ الزَّمَانَ لَهُ ( فَفِي الْفَرْعِ ) أَيْ فَهَذَا مُنْتَفٍ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِعَدَمِ شَرْعِيَّةِ غَيْرِهِ فِيهِ .

( الثَّانِي ) أَيْ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ يَرِدُ ( عَلَيْهِ مُنَوَّعٌ أَوَّلُهَا مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ مِثَالُهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْكَلْبِ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ ) الْإِنَاءُ ( مِنْ وُلُوغِهِ ) فِيمَا فِيهِ ( سَبْعًا فَلَا يَطْهُرُ ) جِلْدُهُ ( بِالدِّبَاغَةِ كَالْخِنْزِيرِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ الْخِنْزِيرِ يُغْسَلُ ) الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِهِ فِيمَا فِيهِ ( سَبْعًا وَ ) مِثَالُهُ لَهُمْ أَيْضًا ( فِي ) الْعِلَلِ ( الطَّرْدِيَّةِ ) أَيْ اسْتِنَانِ تَثْلِيثِ مَسْحِ الرَّأْسِ ( مَسْحٌ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُمْنَعُ كَوْنُ الِاسْتِنْجَاءِ طَهَارَةَ مَسْحٍ بَلْ ) الِاسْتِنْجَاءُ طَهَارَةٌ ( عَنْ ) النَّجَاسَةِ ( الْحَقِيقِيَّةِ ) أَيْ إزَالَتِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ غُسْلُهَا بِالْمَاءِ أَفْضَلَ وَلَا اسْتِنْجَاءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَتَلَوَّثْ شَيْءٌ مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَوَّغُ لِلْمُعْتَرِضِ تَقْرِيرُ الْمَنْعِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَوَّغُ لَهُ الْمَنْعُ إلَّا إذَا اعْتَزَى إلَى ذِي مَذْهَبٍ يَرَى الْمَنْعَ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ الْمَنْعُ خَفِيًّا بِحَيْثُ يُخْشَى نِسْبَةُ الْمَانِعِ إلَى الْمُكَابَرَةِ مُكِّنَ مِنْ تَقْرِيرِهِ وَإِلَّا فَلَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ ( وَجَوَابُهُ ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ ( بِإِثْبَاتِ وُجُودِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ فِي الْأَصْلِ مِمَّا هُوَ طَرِيقُ ثُبُوتِ مِثْلِهِ ( حِسًّا ) إنْ كَانَ حِسِّيًّا ( أَوْ عَقْلًا ) إنْ كَانَ عَقْلِيًّا ( أَوْ شَرْعًا ) إنْ كَانَ شَرْعِيًّا .

( ثَانِيهَا مَنْعُ كَوْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ فِي الْأَصْلِ ( عِلَّةً وَهُوَ ) أَيْ هَذَا ( قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَنْعُ نِسْبَتِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْوَصْفِ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ لَا يُقْبَلُ ( وَالصَّحِيحُ قَبُولُهُ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمُورَدَ عَلَيْهِ ) هَذَا الْمَنْعُ ( مُسَاوَاةٌ فِي ) وَصْفٍ ( مُشْتَرَكٍ ) مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( تَظُنُّ الْإِنَاطَةُ ) لِلْحُكْمِ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُشْتَرَكِ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَلِكَ ( وَأَمَّا مُسَاوَاةُ فَرْعِ الْأَصْلِ فِي عِلَّةِ حُكْمِهِ فَالْقِيَاسُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ) وَهَذَا لَيْسَ بِالْمُورَدِ عَلَيْهِ لِيُقَالَ قَدْ أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ فَلَا يُكَلَّفُ إثْبَاتَهُ ثَانِيًا ( قَالُوا ) أَيْ الْمَانِعُونَ ( عُدُولُهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ عَنْ إبْطَالِهِ ) أَيْ كَوْنُ الْوَصْفِ الْمُنَاطُ بِهِ الْحُكْمُ عِلَّةً لَهُ ( أَيْ نَقْضُهُ لِأَنَّ مَرْجِعُهُ ) أَيْ النَّقْضِ ( إلَى مَنْعٍ بِسَنَدِهِ أَوْ كَوْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ وَصْفًا ( طَرْدِيًّا ) فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى نَقْضِهِ ، وَعَجْزُهُ عَنْ إبْطَالِهِ دَلِيلُ صِحَّتِهِ فَلَا يُسْمَعُ الْمَنْعُ وَلَا يُشْتَغَلُ بِجَوَابِهِ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبُطْلَانِ ( أَمَّا ) الْمَنْعُ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّقْضِ وَالطَّرْدِيَّةِ ( فَغَصْبٌ ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِمَنْصِبِ الْمُسْتَدِلِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( لَمْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ .
( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُسْمَعْ النَّقْضُ ( لَمْ يُسْمَعْ الْمَنْعُ اتِّفَاقًا ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَمْ يَسْتَدِلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَنْعَ ( بَعْدَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ ) عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ( غَيْرُ مُنْتَظِمٍ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَنْعَ ( طَلَبُهُ ) أَيْ الدَّلِيلِ ( وَقَدْ حَصَلَ ) الدَّلِيلُ ( بَلْ ) الْمَنْعُ إنَّمَا يَكُونُ ( فِي مُقَدِّمَاتِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ النَّقْضُ غَصْبًا لِأَنَّهُ

مَنْعٌ بِسَنَدٍ فَمِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْعٌ قُبِلَ وَمِنْ حَيْثُ السَّنَدُ الَّذِي هُوَ التَّخَلُّفُ كَانَ إبْطَالًا ( قُلْنَا الْمُلَازَمَةُ ) الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُمْ عُدُولُهُ إلَى الْمَنْعِ دَلِيلُ عَجْزِهِ ( مَمْنُوعَةٌ وَلَوْ سَلِمَتْ ) الْمُلَازَمَةُ ( لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلِّيَّتَهُ ( لِانْتِقَاضِهِ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلِ ( بِكَثِيرٍ ) ثُمَّ فِي نُسْخَةٍ ( إذْ يَلْزَمُ صِحَّتُهُ كُلَّمَا عَجَزَ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إبْطَالِهِ ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ ( حَتَّى دَلِيلُ الْحُدُوثِ ) وَهَذَا آخِرُ مَا فِي الْكِتَابِ نُسْخَةً يَعْنِي حُدُوثَ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتَ الصَّانِعِ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يَصِحُّ دَلِيلُهُمَا بِمُجَرَّدِ عَجْزِ الْمُعْتَرِضِ عَنْ إبْطَالِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَجْهِ دَلَالَةٍ وَصِحَّةِ تَرْتِيبٍ حَتَّى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْمَنْعِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى دَفْعِهِ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بَلْ حَتَّى دَلِيلَا النَّقِيضَيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَعَجَزَ كُلٌّ عَنْ إبْطَالِ الْآخَرِ .
وَقَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَسَائِرِ الصُّوَرِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ طُرُقَ عَدَمِ الْعِلِّيَّةِ مَحْصُورَةٌ مَضْبُوطَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْمُنَاظِرِ فَلَمَّا لَمْ يُظْهِرْ الْمُنَاظِرُ طَرِيقًا مِنْهَا وَهَرَبَ إلَى مُجَرَّدِ الْمَنْعِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَدِلَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقُ نَفْيِهَا فَلَا يَكُونُ بِحَيْثُ يَظْهَرُ أَلْبَتَّةَ لِلنَّاظِرِ وَالْمُنَاظِرِ وَكَيْفَ وَالسَّبْرُ دَلِيلٌ لِلْعِلِّيَّةِ ظَاهِرٌ لِلنَّاظِرِ عَامٌّ لِكُلِّ عِلَّةٍ لِكُلِّ حُكْمٍ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْمُسْتَدِلُّ فَإِذَا اقْتَصَرَ الْمَانِعُ عَلَى مُجَرَّدِ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ مُتَمَكِّنًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى السَّبْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مَعَ سَبْرِ الْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَعْدِلَ الْمَانِعُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمَنْعِ إلَى إبْطَالِ الْوَصْفِ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ عِلِّيَّتَهُ بِالسَّبْرِ بِمُعَارَضَتِهِ بِإِبْدَاءِ

وَصْفٍ آخَرَ لِلْعِلِّيَّةِ فَلْيَفْعَلْ الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْقِيَاسِ وَيَطْرَحْ مُؤْنَةَ الْمَنْعِ وَقَبُولَهُ وَلَا قَبُولَهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَقَدْ يُعَارَضُ أَيْضًا بِأَنَّ عَجْزَ الْمُسْتَدِلِّ عَنْ إثْبَاتِهِ دَلِيلُ فَسَادِهِ إذْ طُرُقُ الْعِلِّيَّةِ مِمَّا لَا تَخْفَى فَالْفِرَارُ إلَى مُجَرَّدِ صُورَةِ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِهِ ( وَإِذَا بَيَّنَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً ( بِنَصٍّ لَهُ ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ ( الِاعْتِرَاضُ بِمَا يُمْكِنُ ) الِاعْتِرَاضُ بِهِ ( عَلَى ذَلِكَ السَّمْعِيِّ ) مِنْ مَنْعِ ظُهُورِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَصَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلِهِ وَطَعْنٍ فِي السَّنَدِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَمُعَارَضَتُهُ ) بِنَصٍّ آخَرَ مُقَاوِمٌ لَهُ ( وَكَذَا الْإِجْمَاعُ ) أَيْ إذَا بَيَّنَ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهِ لِلْمُعْتَرِضِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِمَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَنْعِ وُجُودِهِ ( وَيَزِيدُ ) بَيَانُهُ بِالْإِجْمَاعِ ( بِنَفْيِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( دَلِيلًا بِنَحْوِ كَوْنِ السُّكُوتِ يُفِيدُهُ ) أَيْ الظَّنَّ ( إنْ كَانَ ) الْإِجْمَاعُ الْمُثْبَتُ بِهِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ ( أَوْ ) بَيَّنَهُ ( بِغَيْرِهِمَا ) أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ( مِنْ ) مَسْلَكٍ ( مُخْتَلَفٍ ) فِيهِ ( كَالدَّوَرَانِ لَهُ ) أَيْ لِلْمُعْتَرِضِ ( مَنْعُ صِحَّتِهِ وَلِلْآخَرِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( إثْبَاتُهَا ) أَيْ صِحَّتِهِ ( وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) كَصَاحِبِ الْمَنَارِ هَذَا الْمَنْعُ ( يُلْجِئُ أَهْلَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّأْثِيرِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ ) أَيْ الْمُؤَثِّرِ فَيَضْطَرُّ إلَى إثْبَاتِهِ لِيُمْكِنَهُ الْإِلْزَامُ عَلَى الْخَصْمِ ( يُفِيدُهُ نَفْيُ تَمْكِينِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( مِنْ إثْبَاتِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمُؤَثِّرِ .
( وَمُقْتَضَى مَا فِي الِانْتِقَالِ يُخَالِفُهُ ) لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ عِلَّةٍ إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا إنْ حَمَلَ ) غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ ( عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْتَهِضُ ) عِلَّةً ( لِأَوْجُهِ

الْبُطْلَانِ ) لِمَا سِوَى التَّأْثِيرِ ( فَيَرْجِعُ ) الْمُسْتَدِلُّ حِينَئِذٍ ( إلَى التَّأْثِيرِ لَكِنَّهُ ) أَيْ رُجُوعَهُ إلَيْهِ ( انْتِقَالٌ ) مِنْ عِلَّةٍ ( إلَى أُخْرَى لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ ( عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ هُنَا وَعَلِمْت ) فِي الِانْتِقَالِ ( مَا فِيهِ ) أَيْ أَنَّهُ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ فِي عُرْفِ الْمُنَاظِرِينَ اسْتِحْسَانًا كَيْ لَا يَخْلُوَ مَجْلِسُ الْمُنَاظَرَةِ عَنْ الْمَقْصُودِ ( مِثَالُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْمِثَالِ ) السَّابِقِ لِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ فِي الْكَلْبِ حَيَوَانٌ يُغْسَلُ مِنْ وُلُوغِهِ سَبْعًا فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِالدِّبَاغَةِ كَالْخِنْزِيرِ ( مَنْعُ كَوْنِ الْغَسْلِ سَبْعًا عِلَّةَ عَدَمِ قَبُولِهِ ) أَيْ جِلْدِ الْكَلْبِ ( الدِّبَاغَةَ شَرْعًا وَ ) مِثَالُهُ ( لِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ ) الْأَخُ ( لَا يَعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ ) بِمِلْكِهِ إيَّاهُ ( إذْ لَا بَعْضِيَّةَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْأَخَوَيْنِ ( كَابْنِ الْعَمِّ ) فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ لِانْتِفَاءِ الْبَعْضِيَّةِ بَيْنَهُمَا ( مَنْعُ أَنَّهَا ) أَيْ الْبَعْضِيَّةَ ( الْعِلَّةُ فِي الْعِتْقِ لِيَنْتَفِيَ الْحُكْمُ ) الَّذِي هُوَ الْعِتْقُ ( بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمُتَّحِدَةِ ) بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْبَعْضِيَّةُ ( بَلْ ) الْعِلَّةُ فِي الْعِتْقِ ( الْقَرَابَةُ الْمُحَرَّمَةُ ) وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَخَوَيْنِ دُونَ ابْنَيْ الْعَمِّ .

( ثَالِثُهَا عَدَمُ تَأْثِيرِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ عَدَمُ التَّأْثِيرِ ( لِلشَّافِعِيَّةِ أَيْ ) عَدَمُ ( اعْتِبَارُهُ ) شَرْعًا ( وَقَسَّمُوهُ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ ( أَرْبَعَةً ) مِنْ الْأَقْسَامِ ( أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ مُطْلَقًا أَوْ ) أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِهِ ( فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْ ) أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ تَأْثِيرِ ( قَيْدٍ مِنْهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( مُطْلَقًا أَوْ لَا ) يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( بَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ ( بِعَدَمِ اطِّرَادِهِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَرَدُّوا الْأَوَّلَ ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ مُطْلَقًا ( وَالثَّالِثَ ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِهِ فِي الْأَصْلِ ( إلَى الْمُطَالَبَةِ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَجَوَابِهِ ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ( الْمُتَقَدِّمِ ) وَهُوَ إثْبَاتُ الْعِلِّيَّةِ بِمَسْلَكٍ مِنْ مَسَالِكِهَا ( جَوَابُهُ ) أَيْ جَوَابُ هَذَا إذْ هُوَ هُوَ ( وَ ) رَدُّوا ( الثَّانِيَ ) أَيْ عَدَمَ تَأْثِيرِ قَيْدٍ مِنْهُ مُطْلَقًا ( وَالرَّابِعَ ) أَيْ أَنْ لَا يَظْهَرَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( إلَى الْمُعَارَضَةِ ) فِي الْأَصْلِ بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى ( عَلَى خِلَافٍ فِي الرَّابِعِ ) يَأْتِي قَرِيبًا وَتَعَقَّبَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ بِمَا حَاصِلُهُ كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ حَاصِلُ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ مُجَرَّدُ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ وَطَلَبِ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا بَلْ إثْبَاتُ عَدَمِ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ مُطْلَقًا أَوْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ وَفَرَّقَ بَيْنَ مَنْعِ الْعِلِّيَّةِ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا وَبَيْنَ إقَامَةِ الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِهَا وَلَيْسَ حَاصِلُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ مُجَرَّدَ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ بِإِبْدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْعِلَّةَ بَلْ إثْبَاتُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ إبْدَاءِ مَا يَحْتَمِلُ الْعِلَّةَ وَإِبْدَاءِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ قَطْعًا .
( مِثَالُ الْأَوَّلِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْوَصْفِ ) أَنْ يُقَالَ ( فِي ) صَلَاةِ ( الصُّبْحِ ) صَلَاةٌ ( لَا تُقْصَرُ فَلَا يُقَدِّمُ أَذَانَهُ )

أَيْ أَذَانَ أَدَائِهَا عَلَى وَقْتِهَا ( كَالْمَغْرِبِ فَيُرَدُّ عَدَمُ الْقَصْرِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي عَدَمِ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ وَلَا شَبَهَ ) بَيْنَ وَصْفِ عَدَمِ الْقَصْرِ وَحُكْمِ عَدَمِ التَّقْدِيمِ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالتَّبَعِ وَلِذَا كَانَ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ مَنْعُ تَقْدِيمِ الْأَذَانِ عَلَى الْوَقْتِ مَوْجُودًا فِيمَا قُصِرَ مِنْ الصَّلَاةِ فَهُوَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقًا ( وَ ) مِثَالُ ( الثَّانِي فِي مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْأَصْلِ مَبِيعٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَلَا يَصِحُّ ) بَيْعُهُ ( كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَيُرَدُّ هَذَا ) الْوَصْفُ وَهُوَ كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ ( وَإِنْ نَاسَبَ ) نَفْيَ الصِّحَّةِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ مَسْأَلَةُ الطَّيْرِ ( فَفِي الْأَصْلِ مَا يَسْتَقِلُّ ) بِمَنْعِ الصِّحَّةِ ( وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلِذَا ) أَيْ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى مَا يَسْتَقِلُّ بِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ ( رَجَعَ ) هَذَا الْقِسْمُ ( إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْعِلَّةِ ) بِإِبْدَاءِ عِلَّةٍ أُخْرَى هِيَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ وَلِذَا بَنَاهُ بَانُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ ( وَبِهِ ) أَيْ بِهَذَا ( يَنْكَشِفُ أَنَّ اعْتِبَارَ جِنْسِهِ ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ( ظُهُورَ عَدَمِ التَّأْثِيرِ غَيْرُ وَاقِعٍ إذْ لَمْ يَظْهَرْ عَدَمُ مُنَاسَبَةٍ فِي غَيْرِ مَرْئِيٍّ بِمَا أَبْدَاهُ ) مِنْ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ ( بَلْ جَوَّزَهُ ) أَيْ مَا أَبْدَاهُ ( مَعَهُ ) أَيْ كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْئِيٍّ .
( وَ ) مِثَالُ ( الثَّالِثِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُرْتَدِّينَ ) إذَا أَتْلَفُوا أَمْوَالَنَا ( مُشْرِكُونَ أَتْلَفُوا مَالًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَضْمَنُونَ ) أَمْوَالَنَا إذَا أَسْلَمُوا كَسَائِرِ الْمُشْرِكِينَ ( فَيُرَدُّ لَا تَأْثِيرَ لِدَارِ الْحَرْبِ ) فِي نَفْيِ الضَّمَانِ عِنْدَكُمْ ( لِلِانْتِفَاءِ ) لِلضَّمَانِ ( فِي غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ دَارِ الْحَرْبِ ( عِنْدَكُمْ فَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ ( كَالْأَوَّلِ ) فِي كَوْنِ مَرْجِعِهِمَا إلَى

الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ فِي الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) مِثَالُ ( الرَّابِعِ وَيُسَمَّى عَدَمُ التَّأْثِيرِ فِي الْفَرْعِ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَيُرَدُّ كَتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ ( لَا أَثَرَ لِغَيْرِ كُفْءٍ ) فِي الرَّدِّ ( لِتَحَقُّقِ النِّزَاعِ فِيهِ ) أَيْ فِيمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ ( أَيْضًا فَرَجَعَ ) هَذَا ( إلَى الْمُعَارَضَةِ بِتَزْوِيجِ نَفْسِهَا فَقَطْ ) وَقَدْ سَمِعْت قَوْلَهُمْ بِرُجُوعِهِ إلَى الْمُعَارَضَةِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى كَالثَّانِي قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى رُجُوعُهُ إلَى الثَّالِثِ ) وَهُوَ عَدَمُ تَأْثِيرِ قَيْدٍ ذُكِرَ فِيهِ فَيَرْجِعُ لِلْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَظَهَرَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضَ ( لَيْسَ سُؤَالًا مُسْتَقِلًّا ) بَلْ هُوَ إمَّا مُطَالَبَةٌ بِعِلِّيَّةِ الْوَصْفِ أَوْ مُعَاوَضَةٌ بِعِلَّةٍ أُخْرَى ( فَتَرَكَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِهَذَا وَلِمَا نَذْكُرُ ثُمَّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الثَّالِثَ ) عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالرَّابِعَ عَلَى قَوْلِهِمْ ( مَرْدُودٌ إذَا اعْتَرَفَ الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِيَّتِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ فِي كَوْنِهِ جُزْءَ الْعِلَّةِ كَاذِبٌ بِاعْتِرَافِهِ وَأَنَّهُ لَقَبِيحٌ وَقِيلَ لَا لِأَنَّ الْفَرْضَ اسْتِلْزَامُ الْحُكْمِ وَالْجُزْءُ إذَا اسْتَلْزَمَ فَالْكُلُّ مُسْتَلْزِمٌ قَطْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَغَيْرُ مَرْدُودٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ ) الْمُسْتَدِلُّ بِطَرْدِيَّتِهِ ( لِجَوَازِ غَرَضٍ صَحِيحٍ ) لِلْمُسْتَدِلِّ فِي ذَلِكَ وَهُوَ ( أَنْ يَدْفَعَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( النَّقْضَ الْمَكْسُورَ ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ نَقْضُ بَعْضِ الْعِلَّةِ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى اعْتِبَارِ اسْتِقْلَالِهِ بِالْحِكْمَةِ أَيْ إيرَادِهِ عَلَيْهِ .
( وَهُوَ ) أَيْ إيرَادُهُ ( أَصْعُبُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ ) مِنْ إيرَادِ النَّقْضِ الصَّرِيحِ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ عَدَمِ تَأْثِيرِ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْوَصْفِ وَبَيَانَ نَقْضِ الْبَعْضِ الْآخَرِ وَفِي النَّقْضِ الصَّرِيحِ لَيْسَ إلَّا بَيَانُ الْوَصْفِ أَعْنِي ثُبُوتَهُ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا

فَرُبَّمَا يَعْجِزُ الْمُعْتَرِضُ عَنْ إيرَادِهِ الْأَصْعَبَ وَلَا يَعْجِزُ عَنْ إيرَادِهِ غَيْرَهُ وَقِيلَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ ضَمَّهُ إلَى الْعِلَّةِ لَغْوٌ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْتَرِفْ بِطَرْدِيَّتِهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ لَهُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا إذَا اعْتَرَفَ فَافْتَرَقَا ( وَلِلشَّافِعِيَّةِ بَعْدَهُ ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ( أَرْبَعَةٌ ) مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِالْمُنَاسَبَةِ ( الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِإِبْدَاءِ مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ ) عَلَى الْمَصْلَحَةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا قَضَى عَلَى الْوَصْفِ بِالْمُنَاسَبَةِ ( أَوْ مُسَاوِيَةٍ ) لَهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْإِفْضَاءِ مِنْ أَنَّ مُخْتَارَ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَفْسَدَةٍ تَلْزَمُ رَاجِحَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةٍ ( وَجَوَابُهُ ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ ( تَرْجِيحُ الْمَصْلَحَةِ إجْمَالًا ) عَلَى الْمَفْسَدَةِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يُقَدَّرْ رُجْحَانُهَا لَزِمَ التَّعَبُّدُ الْبَاطِلُ ( وَتَقَدَّمَ ) ذِكْرُهُ فِي تَقْسِيمِ الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْإِفْضَاءِ ( وَتَفْصِيلًا بِمَا فِي الْخُصُوصِيَّاتِ ) أَيْ خُصُوصِيَّاتِ الْمَسَائِلِ مِنْ الرُّجْحَانِ كَهَذَا ضَرُورِيٌّ وَذَاكَ حَاجِيٌّ وَإِفْضَاءُ هَذَا قَطْعِيٌّ أَوْ أَكْثَرِيٌّ وَذَاكَ ظَنِّيٌّ أَوْ أَقَلِّيٌّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( مِثْلُ ) أَنْ يُقَالَ فِي الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ ( وُجِدَ سَبَبُ الْفَسْخِ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ ) أَيْ سَبَبُهُ ( دَفْعُ الضَّرَرِ ) عَنْ الْفَاسِخِ ( فَيَثْبُتُ ) الْفَسْخُ ( فَيُعَارَضُ بِضَرَرِ الْآخَرِ ) الَّذِي لَمْ يَفْسَخْ ( مَفْسَدَةً مُسَاوِيَةً فَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا ) الْآخَرَ ( يُجْلَبُ ) بِاسْتِبْقَاءِ الْعَقْدِ ( نَفْعًا وَذَاكَ ) الْفَاسِخُ ( يَدْفَعُ ضَرَرًا ) عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِمْضَاءِ ( وَهُوَ ) أَيْ دَفْعُ الضَّرَرِ ( أَهَمُّ ) لِلْعُقَلَاءِ وَلِذَلِكَ يَدْفَعُ كُلَّ ضَرَرٍ وَلَا يَجْلِبُ كُلَّ نَفْعٍ .
( وَمِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا ( التَّخَلِّي ) أَيْ تَفْرِيغُ النَّفْسِ ( لِلْعِبَادَةِ ) النَّافِلَةِ ( أَفْضَلُ مِنْ التَّزَوُّجِ لِمَا فِيهِ ) أَيْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ

( مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ فَيُعَارَضُ بِفَوَاتِ أَضْعَافِهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ ( فِيهِ ) أَيْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ مِنْهَا كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَإِعْفَافُ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَإِيجَادُ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتُهُ وَتَوْسِعَةُ الْبَاطِنِ بِالتَّحَمُّلِ فِي مُعَاشَرَةِ أَبْنَاءِ النَّوْعِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( فَيَرْجَحُ ) التَّزَوُّجُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْمَصَالِحِ الَّتِي مِنْهَا تَزْكِيَةُ النَّفْسِ وَالتَّسَبُّبُ لِعِبَادَةِ شَخْصٍ آخَرَ وَتَرْكُ الْمَعَاصِي عَلَى التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعِبَادَةِ ( فَيُرَجِّحُهَا ) أَيْ مَصْلَحَةَ الْعِبَادَةِ ( الْآخَرُ بِأَنَّهَا لِحِفْظِ الدِّينِ وَتِلْكَ ) الْمَصَالِحُ الَّتِي فِي التَّزَوُّجِ ( لِحِفْظِ النَّسْلِ ) وَحِفْظُ الدِّينِ أَرْجَحُ مِنْ حِفْظِ النَّسْلِ ( غَيْرَ ) أَنَّهُ يَطْرُقُهُ ( أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ حَالَةَ الِاعْتِدَالِ وَعَدَمَ الْخَشْيَةِ ) لِلْوُقُوعِ فِي الزِّنَا فَلَا يَتِمُّ هَذَا التَّرْجِيحُ فَهَذَا أَوَّلُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ ( وَالْقَدْحُ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْمَصْلَحَةِ ) الْمَقْصُودَةِ ( فِي شَرْعِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ لِذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ ( كَتَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ ) لِلْمَحَارِمِ عَلَى التَّأْبِيدِ ( لِلْحَاجَةِ إلَى رَفْعِ الْحِجَابِ ) لِضَرُورَةِ الِاخْتِلَاطِ وَتَعَذُّرِ الْمَعَاشِ أَوْ تَعَسُّرِهِ إلَّا بِالتَّلَاقِي ( إذْ يُفْضِي ) التَّحْرِيمُ عَلَى التَّأْبِيدِ ( إلَى دَفْعِ الْفُجُورِ ) لِأَنَّهُ يَرْفَعُ الطَّمَعَ الْمُفْضِيَ إلَى الْهَمِّ وَالنَّظَرَ الْمُفْضِيَ إلَى الْفُجُورِ ( فَيُمْنَعُ ) كَوْنُ التَّحْرِيمِ عَلَى التَّأْبِيدِ غَيْرُ مُفْضٍ إلَى الْفُجُورِ ( بَلْ سَدُّ بَابِ الْعَقْدِ أَفْضَى ) إلَى الْفُجُورِ ( لِحِرْصِ النَّفْسِ عَلَى الْمَمْنُوعِ فَيُدْفَعُ ) هَذَا الْمَنْعُ ( بِأَنَّ تَأْبِيدَ التَّحْرِيمِ يَمْنَعُ عَادَةً ) مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْهَمِّ وَالنَّظَرِ ( إذْ يَصِيرُ ) ذَلِكَ الِامْتِنَاعُ بِهَذَا السَّبَبِ ( كَالطَّبِيعِيِّ ) لِلْإِنْسَانِ فَلَا يَبْقَى الْمَحَلُّ مُشْتَهًى ( أَصْلُهُ الْأُمَّهَاتُ ) فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ تَحْرِيمِهِنَّ عَلَى التَّأْبِيدِ

صِرْنَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَهَذَا ثَانِي الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ .
( وَكَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا كَالرِّضَا ) فِي الْعُقُودِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى ( وَيُجَابُ بِضَبْطِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( بِظَاهِرٍ كَالصِّيغَةِ ) أَيْ بِضَبْطِ الرِّضَا بِصِيَغِ الْعُقُودِ وَهَذَا ثَالِثُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( غَيْرَ مُنْضَبِطٍ كَالْحِكَمِ ) جَمْعُ حِكْمَةٍ وَهِيَ الْأَمْرُ الْبَاعِثُ مِنْ الْمَقَاصِدِ ( وَالْمَصَالِحِ ) أَيْ مَا يَكُونُ لَذَّةً أَوْ وَسِيلَةً إلَى لَذَّةٍ ( كَالْحَرَجِ وَالزَّجْرِ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْحِكَمَ وَالْمَصَالِحَ ( مَرَاتِبُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ) فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعِلَّةِ بِحَسَبِ الْمَقَاصِدِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَلَا يُمْكِنُ تَعْيِينُ الْقَدْرِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا ( وَجَوَابُهُ بِإِبْدَاءِ الضَّابِطِ بِنَفْسِهِ ) كَمَا يُقَالُ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ إنَّهُمَا مُنْضَبِطَانِ عُرْفًا ( أَوْ ) أَنَّ الْوَصْفَ ( نِيطَ بِمُنْضَبِطٍ كَالسَّفَرِ ) نِيطَ حُصُولُ الْمَشَقَّةِ بِهِ ( وَالْحَدِّ ) نِيطَ الْقَدْرُ الْمُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ الزَّجْرِ بِهِ وَهَذَا رَابِعُ الِاعْتِرَاضَاتِ الْأَرْبَعَةِ ( وَلَمْ يَذْكُرْهَا الْحَنَفِيَّةُ لَا لِاخْتِصَاصِهَا بِالْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّ هَذَا ) أَيْ انْتِفَاءَهَا ( اتِّفَاقٌ بَلْ لِأَنَّهَا ) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ ( انْتِفَاءُ لَوَازِمِ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ مُطْلَقًا ) أَيْ بِأَيِّ مَسْلَكٍ كَانَ ( كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي فَصْلِ الْعِلَّةِ .
( وَمَعْلُومٌ أَنَّ بِانْتِفَاءِ لَازِمِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ ( يَتَّجِهُ إيرَادُهُ ) أَيْ انْتِفَائِهَا ( إذْ يُوجِبُ ) انْتِفَاءُ لَازِمِهَا ( انْتِفَاءَهَا ) لِأَنَّ انْتِفَاءَ اللَّازِمِ يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ ( فَهُوَ ) أَيْ انْتِفَاءُ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ ( مَعْلُومٌ مِنْ الشُّرُوطِ ) لَهَا ( وَمَنْعُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( بَعْضَهَا ) أَيْ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ ( وَهُوَ مَرْجِعُ الثَّانِي وَالرَّابِعِ ) مِنْ مَنْعِ التَّأْثِيرِ ( لِمَنْعِهِمْ الْمُعَارَضَةَ لِعِلَّةِ الْأَصْلِ كَمَا

سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ) إذَا أَفْضَتْ النَّوْبَةُ إلَى الْكَلَامِ فِيهَا ( وَذَكَرُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( مَنْعَ الشُّرُوطِ ) لِلتَّعْلِيلِ وَصَحَّ فِيهَا لِأَنَّ شَرْطَ دَلِيلِ وُجُوبِ الْعَمَلِ سَابِقٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ ثُمَّ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لَمْ يَشْتَرِطَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ ( وَقَيَّدَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مَحَلَّهُ ) أَيْ مَنْعِ الشَّرْطِ ( بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ ) فَقَالَ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ شَرْطٌ مِنْهَا وَهُوَ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عُدِمَ فِي الْفَرْعِ أَوْ الْأَصْلِ ( فَيَتَّجِهُ ) الْمَنْعُ ( عِنْدَ عَدَمِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَيُفِيدُ مَنْعُهُ بُطْلَانَ التَّعْلِيلِ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَأَمَّا إذَا مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي فَلَا يَضُرُّ عَدَمُهُ فَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ الْكَلَامُ إلَى أَنَّ مَانِعَهُ شَرْطٌ أَمْ لَا فَيُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ إذْ الْمَقْصُودُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لَا إثْبَاتُ شَرْطِ الْقِيَاسِ قُلْت وَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ شَرَطَ أَنْ يَمْنَعَ الشَّارِطُ وُجُوبَ شَرْطٍ هُوَ شَرْطٌ بِاتِّفَاقٍ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمُجِيبِ فَأَشَارَ إلَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعَ الْمُطْلَقَ هَذَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ .
وَمَعَ هَذَا لَوْ مَنَعَ شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دَفْعَ إلْزَامِ الْمُعَلِّلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الِانْتِقَالُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ ا هـ قُلْت وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ هَذَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَلَامِ أَبِي زَيْدٍ وَالسَّرَخْسِيِّ فَإِنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْمَنْعِ الشَّرْطُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُ وَهُمَا لَمْ يَنْفِيَاهُ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْمَنْعِ عِنْدَهُمَا الشَّرْطُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْقَيْدِ وَهُوَ لَمْ يَنْفِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِمَا كَوْنَ الشَّرْطِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي لِأَنَّ

قَوْلَ الْمُجِيبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى السَّائِلِ فَيُثْبِتُ الْمُجِيبُ مَا ادَّعَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَقْبَلُهُ السَّائِلُ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ إنْكَارِهِ يُوهِمُ أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ وَقَدْ مَثَّلَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ السَّلَمُ الْحَالُّ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ أَحَدُ عِوَضَيْ الْبَيْعِ فَيَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا كَثَمَنِ الْمَبِيعِ فَيُقَالُ لَهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شُرُوطَ التَّعْلِيلِ مَوْجُودَةٌ فِي هَذَا فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ بِالِاتِّفَاقِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ حُكْمُ النَّصِّ بَعْدَ التَّعْلِيلِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ وَقَدْ تَغَيَّرَ هُنَا لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَوْجُودًا مَمْلُوكًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ وَالشَّرْعُ نَقَلَ الْقُدْرَةَ الْحَقِيقِيَّةَ فِي الْبَيْعِ إلَى الْقُدْرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فِي السَّلَمِ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فَصَارَ ذَلِكَ رُخْصَةَ نَقْلٍ إلَى خَلَفٍ فَلَوْ جَازَ السَّلَمُ حَالًّا لَصَارَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ لَا إلَى خَلَفٍ فَكَانَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ النَّصِّ وَالسَّلَمُ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ .

( رَابِعُهَا ) أَيْ الْمُنُوعِ الْوَارِدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ( النَّقْضُ وَتُسَمِّيهِ الْحَنَفِيَّةُ الْمُنَاقَضَةُ وَهِيَ لِلْجَدَلِيِّينَ مَنْعُ مُقَدِّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ ) مِنْ الدَّلِيلِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّنَدِ أَوْ لَا وَقَدْ سَلَفَ أَنَّ السَّنَدَ مَا كَانَ الْمَنْعُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ وَلِلسَّنَدِ صِيَغٌ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا لَا نُسَلِّمُ هَذَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَذَا ثَانِيَتُهَا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ كَذَا ثَالِثَتُهَا لَا نُسَلِّمُ كَيْفَ هَذَا وَالْحَالُ كَذَا ( وَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ ) أَيْ وَمَنْعُ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمُعَيَّنَةٍ مِنْ الدَّلِيلِ ( بِأَنْ يَلْزَمَ الدَّلِيلُ مَا يُفْسِدُهُ ) أَيْ الدَّلِيلُ ( فَيُفِيدُ ) لُزُومُ ذَلِكَ لَهُ ( بُطْلَانَ مُقَدِّمَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ) مِنْ الدَّلِيلِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ قَوْلَهُ وَغَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ ( النَّقْضُ الْإِجْمَالِيُّ وَرَدُّوا ) أَيْ الْأُصُولِيُّونَ ( النَّقْضَ ) الْكَائِنَ عِنْدَهُمْ ( إلَى مَنْعِ مُسْنَدٍ ) وَتَخَلُّفُ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ السَّنَدِ لَهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَرُدَّ إلَيْهِ ( كَانَ ) النَّقْضُ ( مُعَارَضَةً قَبْلَ الدَّلِيلِ ) وَهِيَ لَا تَكُونُ قَبْلَهُ ( وَعَلَى هَذَا يَجِبُ ) أَنْ يَكُونَ النَّقْضُ ( مُعَارَضَةً لَوْ ) كَانَ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الدَّلِيلِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( اسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهِ ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً ( بِالتَّخَلُّفِ ) أَيْ بِوُجُودِهِ فِي صُورَةٍ مَعَ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا ( وَيُجِيبُ الْآخَرُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ ( بِمَنْعِ وُجُودِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَيَسْتَدِلُّ الْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى وُجُودِهَا فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ وُجُودَهَا فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ ( أَوْ ابْتِدَاءً ) أَيْ قَبْلَ مَنْعِ الْمُسْتَدِلِّ إيَّاهُ ( فَانْقَلَبَ ) الْمُعْتَرِضُ مُعَلِّلًا وَالْمُعَلِّلُ مُعْتَرِضًا .
( وَقِيلَ لَا ) يُقْبَلُ مِنْ الْمُعْتَرِضِ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الْوَصْفِ إذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَهُ فِي صُورَةِ التَّخَلُّفِ

لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ ( وَقِيلَ ) لَا يُقْبَلُ ( إنْ كَانَ ) ذَلِكَ الْوَصْفُ ( حُكْمًا شَرْعِيًّا ) لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِإِثْبَاتِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الِانْتِقَالُ الْمَمْنُوعُ وَإِلَّا فَنَعَمْ لِظُهُورِ تَتْمِيمِ الْمُعْتَرِضِ لِدَلِيلِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلَّةِ وَعَلَى بُطْلَانِ قِيَاسِ الْمُسْتَدِلِّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ ( وَقِيلَ ) يُقْبَلُ ( إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَادِحٌ أَقْوَى ) مِنْ النَّقْضِ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَادِحٌ أَقْوَى مِنْهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْصِبِ وَالِانْتِقَالِ إنَّمَا يَنْفَعَانِ اسْتِحْسَانًا فَإِذَا وُجِدَ الْأَحْسَنُ لَمْ يَرْتَكِبْهُمَا وَإِلَّا فَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ( وَلَيْسَتْ ) هَذِهِ الْأَقْوَالُ ( بِشَيْءٍ ) قَوِيٍّ ( فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَدِلُّ اسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي الْأَصْلِ بِمَوْجُودٍ ) أَيْ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ ( فِي مَحَلِّ النَّقْضِ فَنَقَضَهَا ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ ( فَمَنَعَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( وُجُودَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ ( فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ فَيَلْزَمُ إمَّا انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ ) انْتِقَاضُ ( دَلِيلِهَا وَكَيْفَ كَانَ ) اللَّازِمُ أَيْ انْتِقَاضُ الْعِلَّةِ أَوْ دَلِيلِهَا ( لَا تَثْبُتُ ) الْعِلِّيَّةُ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ يُبْطِلُ الْعِلِّيَّةَ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ مِنْ مِلْكٍ صَحِيحٍ ( قُبِلَ ) بِالِاتِّفَاقِ فَإِنَّ عَدَمَ الِانْتِقَالِ فِيهِ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَتْرُكْ ذِكْرَ نَقْضِ الْعِلَّةِ .
( وَلَوْ نَقَضَ ) الْمُعْتَرِضُ ( دَلِيلَهَا ) أَيْ الْعِلِّيَّةِ ( عَيْنًا فَالْجَدَلِيُّونَ لَا يُسْمَعُ ) هَذَا مِنْ الْمُعْتَرِضِ ( لِسَلَامَةِ الْعِلَّةِ إذْ نَقَضُهُ ) أَيْ دَلِيلِهَا الْمُعَيَّن ( لَيْسَ نَقْضَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ فَقَدْ انْتَقَلَ مِنْ نَقْضِهَا إلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا ( وَنَظَرَ فِيهِ ) أَيْ فِي عَدَمِ سَمَاعِهِ وَالنَّاظِرُ

ابْنُ الْحَاجِبِ ( بِأَنَّ بُطْلَانَهُ ) أَيْ دَلِيلِ الْعِلِّيَّةِ ( بُطْلَانُهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( أَيْ عَدَمُ ثُبُوتِهَا إذْ لَا بُدَّ لَهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( مِنْ مَسْلَكٍ صَحِيحٍ وَهُوَ ) أَيْ بُطْلَانُ الْعِلَّةِ ( مَطْلُوبُهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِبُطْلَانِهَا عَدَمَ ثُبُوتِهَا ( فَبُطْلَانُ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ بُطْلَانُهَا ( لَكِنَّهُ ) أَيْ بُطْلَانَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ ( يُحْوِجُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( إلَى الِانْتِقَالِ إلَى ) دَلِيلٍ ( آخَرَ لِإِثْبَاتِ الْأَوَّلِ ) أَيْ الْعِلِّيَّةَ ( وَيُجِيبُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( أَيْضًا ) عِوَضًا عَنْ مَنْعِ وُجُودِهَا ( بِمَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ اتِّفَاقًا ( وَلِلْمُعْتَرِضِ الدَّلَالَةُ ) أَيْ إقَامَةُ الدَّلِيلِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ ( فِي الْمُخْتَارِ ) إذْ بِهِ يَحْصُلُ مَطْلُوبُهُ وَهُوَ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ وَقِيلَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى مِنْ النَّقْضِ بِالْقَدْحِ وَإِلَّا سُمِعَ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ ( وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ عَنْ النَّقْضِ ) عَلَى الْمُسْتَدِلِّ ( فِي الِاسْتِدْلَالِ وَقِيلَ يَجِبُ ) الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ فَيَذْكُرُ قَيْدًا يُخْرِجُ مَحَلَّ النَّقْضِ لِئَلَّا تَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي .
( وَقِيلَ ) يَجِبُ ( إلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ ) وَهِيَ الصُّوَرُ الَّتِي يَنْتَفِي فِيهَا الْحُكْمُ وَتُوجَدُ الْعِلَّةُ أَيَّةَ كَانَتْ مِنْ الْعِلَلِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ وُرُودَ النَّقْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ كَانَ مُجَامِعًا لِمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى لَا قِيَاسَ عَلَيْهِ وَلَا يُنَاقِضُ بِهِ ( كَالْعَرَايَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ) إذَا وَرَدَتْ عَلَى الرِّبَوِيَّاتِ لِأَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ

الْعَرَايَا بِمَا يَقْتَضِي وُرُودَهَا عَلَى كُلِّ الْمَذَاهِبِ سَوَاءٌ عُلِّلَ الرِّبَا بِالطُّعْمِ أَوْ الْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهِيَ بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى رُءُوسِ النَّخِيلِ بِقَدْرِ كَيْلِهِ مِنْ التَّمْرِ خَرْصًا لَوْ جَفَّ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَيْسَتْ الْعَرِيَّةُ عِنْدَهُمْ إلَّا الْعَطِيَّةَ وَلَيْسَ بَيْنَ الْمُعْرِي وَالْمُعْرَى بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ فَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَهُمْ ( لَنَا أَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( أَتَمَّ الدَّلِيلَ إذْ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ ) لَهُ ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ الدَّلِيلِ ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِنَفْيِ الْمُعَارِضِ فَلَا يَلْزَمُهُ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الِاحْتِرَاسَ عَنْهُ بِذِكْرِ قَيْدٍ يُخْرِجُ مَحَلَّ النَّقْضِ ( لَا يُفِيدُ ) دَفْعَ الِاعْتِرَاضِ بِالنَّقْضِ ( إذْ يَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ ( الْقَيْدُ طَرْدٌ وَالْبَاقِي ) بَعْدَهُ ( مُنْتَقَضٌ وَهَذَانِ ) أَيْ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ ( دَفْعَانِ ) لِتَحَقُّقِ النَّقْضِ ( وَالْجَوَابُ الْحَقِيقِيُّ بَعْدَ الْوُرُودِ ) أَيْ تَحَقُّقِهِ ( بِإِبْدَاءِ الْمَانِعِ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ وَهُوَ ) أَيْ الْمَانِعُ ( مُعَارَضٌ اقْتَضَى نَقِيضَ الْحُكْمِ ) الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ ( فِيهِ ) أَيْ فِي مَحَلِّ التَّخَلُّفِ كَنَفْيِ الْوُجُوبِ لِلْوُجُوبِ ( أَوْ ) اقْتَضَى ( خِلَافَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُغَايِرُ الْوُجُودِيُّ غَيْرُ الْمُسَاوِي فَيَتَنَاوَلُ الضِّدَّ وَهَذَا الِاقْتِضَاءُ ( لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ كَالْعَرَايَا لَوْ أُورِدَتْ عَلَى الرِّبَوِيَّاتِ ) لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَى الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ لَهُمْ وَقَدْ لَا يَكُونُ عِنْدَهُمْ ثَمَنٌ آخَرُ .
( وَكَذَا الدِّيَةُ ) أَيْ كَضَرْبِهَا ( عَلَى الْعَاقِلَةِ ) إذَا أُورِدَ ( عَلَى الزَّجْرِ ) لِلْقَاتِلِ بِسَبَبِ مَشْرُوعِيَّتِهَا ( لِمَصْلَحَةِ أَوْلِيَائِهِ ) أَيْ الْمَقْتُولِ ( مَعَ عَدَمِ تَحْمِيلِهِ ) أَيْ الْقَاتِلِ شَيْئًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقَتْلَ ( لِلشَّافِعِيَّةِ ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِمْ لِأَنَّ عِنْدَ

الْحَنَفِيَّةِ يُؤَدِّي الْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ ( أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ كَالِاضْطِرَارِ لَوْ وَرَدَ عَلَى تَعْلِيلِ حُرْمَةِ الْمَيْتَةِ بِالِاسْتِقْذَارِ فَإِنَّهُ ) أَيْ الِاضْطِرَارَ ( اقْتَضَى خِلَافَهُ ) أَيْ التَّحْرِيمِ ( مِنْ الْإِبَاحَةِ ) فَإِنَّ دَفْعَ هَلَاكِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ أَكْلِ الْقَاذُورَاتِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً بِظَاهِرٍ عَامٍّ ( فَلَوْ كَانَتْ ) الْعِلَّةُ ( مَنْصُوصَةً بِ ) ظَاهِرٍ ( عَامٍّ ) لَا يَجِبُ إبْدَاءُ الْمَانِعِ بِعَيْنِهِ بَلْ ( وَجَبَ تَقْدِيرُ الْمَانِعِ وَتَخْصِيصُهُ ) أَيْ الظَّاهِرِ الْعَامِّ ( بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ ) جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ ( وَهَذَا ) أَيْ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ مَحَلِّ النَّقْضِ ( إذَا كَانَ النَّصُّ عَلَى اسْتِلْزَامِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ الْحُكْمَ ( فِي الْمَحَالِّ لَا عَلَى عِلِّيَّتِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِيهَا ) أَيْ الْمَحَالِّ ( إذْ لَا تَنْتَفِي عِلِّيَّتُهَا بِالْمَانِعِ أَوْ ) كَانَتْ مَنْصُوصَةً ( بِخَاصٍّ فِيهِ ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ ( وَجَبَ تَقْدِيرُهُ ) أَيْ الْمَانِعِ ( فَقَطْ وَالْحُكْمُ بِعِلِّيَّتِهَا فِيهِ ) أَيْ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ ( أَمَّا مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ فَبِعَدَمِ وُجُودِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ أَيْ يُجِيبُونَ بِهَذَا بَدَلَ إبْدَاءِ الْمَانِعِ ( إذْ هِيَ ) أَيْ الْعِلَّةُ ( الْبَاعِثَةُ ) عَلَى الْحُكْمِ ( مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ ( فَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ الْمَانِعِ ( شَرْطُ عِلِّيَّتِهَا وَغَيْرُهُمْ ) أَيْ الْمَانِعِينَ لِتَخْصِيصِهَا وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ عَدَمُ الْمَانِعِ ( شَرْطُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ وَتَقَدَّمَ ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( مَا فِيهِ ) أَيْ هَذَا الْبَحْثِ فَلْيُرَاجَعْ مِنْهُ .

( وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ) قَالُوا ( لَا يُمْكِنُ دَفْعُ النَّقْضِ عَنْ الطَّرْدِيَّةِ ) لِأَنَّهُ يُبْطِلُهَا حَقِيقَةً ( إذْ الِاطِّرَادُ لَا يَبْقَى بَعْدَ النَّقْضِ ) كَمَا يُفِيدُهُ عِبَارَةُ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَصَاحِبِ الْكَشْفِ وَهِيَ أَيْ الْمُنَاقَضَةُ تُلْجِئُ أَصْحَابَ الطَّرْدِ إلَى الْقَوْلِ بِالْأَثَرِ لِأَنَّ الطَّرْدَ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجِيبُ لَمَّا انْتَقَضَ بِمَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ مِنْ النَّقْضِ لَا يَجِدُ الْمُجِيبُ بُدًّا مِنْ الْمَخْلَصِ عَنْهُ إلَّا بِبَيَانِ الْفَرْقِ وَعَدَمِ وُرُودِهِ نَقْضًا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْعُدُولِ عَنْ ظَاهِرِ الطَّرْدِ إلَى بَيَانِ الْمَعْنَى وَهَذَا إنْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ انْقِطَاعًا أَوْ سَامَحَهُ السَّائِلُ وَلَمْ يُنَاقِشْهُ فِي الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ وَالتَّأْثِيرِ فَأَمَّا إذَا جُعِلَ انْقِطَاعًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ وَلَمْ يُسَامِحْهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ احْتَجَجْت عَلَيَّ بِاطِّرَادِ هَذَا الْوَصْفِ وَقَدْ انْتَقَضَ ذَلِكَ بِمَا أَوْرَدْته فَلَمْ يَبْقَ حُجَّةً فَلَا يَنْفَعُهُ بَيَانُ التَّأْثِيرِ وَالشُّرُوعُ فِي الْفَرْقِ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِقَالٌ عَنْ حُجَّةٍ هِيَ الطَّرْدُ إلَى حُجَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ التَّأْثِيرُ لِإِثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ الْأَوَّلِ فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ فَيَضْطَرُّ إلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّأْثِيرِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الطَّرْدِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ الْمَجَالِسِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ إمْكَانِ دَفْعِ النَّقْضِ عَنْهَا ( بَعْدَ كَوْنِهِ عَلَى ) تَقْدِيرِ ( النَّقْضِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعُرِفَ مَا فِيهِ ) حَيْثُ قَالَ سَالِفًا وَعَلَى الطَّرْدِيَّةِ تَرِدُ مَعَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ وَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِهَا بِهِ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْإِيرَادَ بِاعْتِبَارِ ظَنِّهِ الْعِلِّيَّةَ لِإِنْكَارِ ظَنِّهِ لَا عَلَى الشَّرْعِيَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَخْ ( بِنَاءً عَلَى قَصْرِ الطَّرْدِيَّةِ عَلَى مَا ) يُكْتَفَى فِيهَا ( بِالدَّوَرَانِ ) أَيْ بِمُجَرَّدِ دَوَرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا فَقَطْ أَوْ عَدَمًا ( وَلَا وَجْهَ لَهُ ) أَيْ لِقَصْرِهَا عَلَى مَا بِالدَّوَرَانِ ( بَلْ )

الطَّرْدِيَّةُ هِيَ ( غَيْرُ الْمُؤَثِّرَةِ ) فَتَعُمُّ الْمُنَاسِبَ وَالْمُلَائِمَ بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ .
( وَعَلَى ) تَقْدِيرِ ( الْوُرُودِ ) لِلنَّقْضِ عَلَى الطَّرْدِيَّةِ لِجَوَازِهِ كَمَا سَلَفَ ( يُحْوِجُ ) وُرُودُهُ ( إلَى التَّأْثِيرِ كَطَهَارَةٍ ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ ( فَيَشْتَرِطُ لَهَا النِّيَّةَ كَالتَّيَمُّمِ فَيُنْقَضُ بِغَسْلِ الثَّوْبِ ) مِنْ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ طَهَارَةٌ وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ النِّيَّةَ ( فَيُفَرَّقُ ) بَيْنَهُمَا ( بِأَنَّهَا ) أَيْ الطَّهَارَةَ الَّتِي هِيَ الْوُضُوءُ طَهَارَةٌ ( غَيْرُ مَعْقُولَةٍ ) لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ فِي مَحَلِّهَا نَجَاسَةٌ ( فَكَانَتْ مُتَعَبَّدًا بِهَا فَافْتَقَرَتْ إلَى النِّيَّةِ ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّعَبُّدِ إذْ الْعِبَادَةُ لَا تُنَالُ بِدُونِ النِّيَّةِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ غَسْلِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ ( لِعَقْلِيَّةِ قَصْدِ الْإِزَالَةِ ) لِلنَّجَاسَةِ بِهِ لَا لِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّعَبُّدِ ( وَبِالِاسْتِعْمَالِ ) لِلْمَائِعِ الْقَالِعِ الطَّاهِرِ فِيهِ ( تَحْصُلُ ) الْإِزَالَةُ ( فَلَمْ يَفْتَقِرْ ) غَسْلُهُ إلَى النِّيَّةِ وَتَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الْفَرْعِ مَا يَدْفَعُ هَذَا عَنْ الْحَنَفِيِّ ( وَأَمَّا ) الْعِلَلُ ( الْمُؤَثِّرَةُ فَتَقَدَّمَ صِحَّةُ وُرُودِ النَّقْضِ عَلَيْهَا ) بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُجِيبِ كَوْنَهَا عِلَّةً مُؤَثِّرَةً لَا عَلَى كَوْنِهَا مُؤَثِّرَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَحَيْثُ وَرَدَ ) النَّقْضُ صُورَةً عَلَيْهَا وَكَانَ مِنْ مُفْسِدَاتِهَا كَمَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مُسْتَلْزِمَةً لِلْحُكْمِ لَا يَجُوزُ تَخَلُّفُهُ عَنْهَا إلَّا لِمَانِعٍ أَوْ زَوَالِ شَرْطٍ فَقَدْ ( دُفِعَ بِأَرْبَعٍ إبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ ) فِي صُورَةِ النَّقْضِ ( كَخَارِجٍ نَجِسٍ ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إنَّهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ ( مِنْ الْبَدَنِ فَحَدَثٌ كَمَا فِي السَّبِيلَيْنِ فَيُنْقَضُ بِمَا لَمْ يَسِلْ ) مِنْ رَأْسِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ مَعَ أَنَّهُ خَارِجٌ نَجِسٌ مِنْ الْبَدَنِ

( فَيُدْفَعُ ) النَّقْضُ بِهِ ( بِعَدَمِ الْخُرُوجِ ) فِي الْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْخُرُوجَ ( بِالِانْتِقَالِ ) مِنْ مَكَان بَاطِنٍ إلَى مَكَان ظَاهِرٍ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا فِي غَيْرِ السَّائِلِ بَلْ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِ الْجِلْدَةِ السَّاتِرَةِ لَهَا ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِنَجِسٍ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ .
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ ظُهُورُ الْقَلِيلِ إلَّا بِالْخُرُوجِ فَانْتَفَى الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ ( وَمِلْكُ بَدَلِ الْمَغْصُوبِ ) لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( عِلَّةُ مِلْكِهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ لِلْغَاصِبِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ ( فَيُنْقَضُ بِالْمُدَبَّرِ ) فَإِنَّ غَصْبَهُ سَبَبُ الْمِلْكِ بَدَّلَهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَمَعَ هَذَا لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْمُبْدَلَ وَلَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( فَيُمْنَعُ مِلْكُ بَدَلِهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ ( بَلْ ) هُوَ ( بَدَلُ الْيَدِ ) لِأَنَّ ضَمَانَهُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْعَيْنِ بَلْ عَنْ الْيَدِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ مِلْكِ الْبَدَلِ زَوَالُ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَ عَدَمُ الْحُكْمِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمُدَبَّرِ لِلْغَاصِبِ لِعَدَمِ عِلَّتِهِ وَهِيَ كَوْنُ الْغَصْبِ سَبَبَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ فَهَذَا أَحَدُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ التَّمْثِيلِ لَهُ ( وَيُمْنَعُ وُجُودُ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ صَارَ ) الْوَصْفُ ( عِلَّةً ) وَذَلِكَ الْمَعْنَى بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِلَّةِ كَالثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَنْصُوصِ بِمَعْنَى أَنَّ الْوَصْفَ بِوَاسِطَةِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ ( فَيَنْتَفِي ) وُجُودُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ مَعْنًى .
( وَإِنْ وُجِدَ ) الْمَعْنَى ( صُورَةً كَمَسْحٍ ) أَيْ كَمَا يُقَالُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مَسْحٌ ( فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَمَسْحِ الْخُفِّ فَيَنْتَقِضُ بِالِاسْتِنْجَاءِ ) بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ وَالْعَدَدُ وَإِنْ

لَمْ يَكُنْ مَسْنُونًا فِيهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا يَقَعُ تَثْلِيثُهُ سُنَّةً بِالْإِجْمَاعِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ ( فَيُمْنَعُ فِيهِ ) أَيْ فِي الِاسْتِنْجَاءِ ( الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ ) الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَعْنَى الَّذِي شُرِعَ لَهُ ( التَّطْهِيرُ الْحُكْمِيُّ ) لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ تَطْهِيرٌ حَقِيقِيٌّ ( وَلَهُ ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَسْحَ تَطْهِيرٌ حُكْمِيٌّ ( لَمْ يُسَنَّ ) التَّكْرَارُ فِيهِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّكْرَارَ ( لِتَأْكِيدِ التَّطْهِيرِ الْمَعْقُولِ ) الْمَعْنَى وَهُوَ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ ( لِتَحَقُّقِ الْإِزَالَةِ ) وَتَأَكُّدِهَا بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّطْهِيرُ الْمَعْقُولُ الْمَعْنَى ثَابِتٌ ( فِي الِاسْتِنْجَاءِ ) لِأَنَّهُ إزَالَةُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ ( دُونَهُ ) أَيْ مَسْحِ الرَّأْسِ ( كَمَا فِي التَّيَمُّمِ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَطْهِيرٌ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلِهَذَا كَانَ الْغَسْلُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَفْضَلَ بِخِلَافِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَلَوْ أَحْدَثَ بِالرِّيحِ لَمْ يَكُنْ الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةً ثُمَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ لِلْمَسْحِ مِمَّا يُشِيرُ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ الْإِصَابَةُ وَهِيَ تُنْبِئُ عَنْ التَّخْفِيفِ .
هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ وَمَبْنَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِعَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّثْلِيثِ كَرَاهَتَهُ لِئَلَّا يَكُونَ حُكْمًا شَرْعِيًّا فَيُعَلَّلَ وَهَذَا ثَانِي الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ ( وَيُمْنَعُ التَّخَلُّفُ ) لِلْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ وَالْقَوْلُ بِتَحَقُّقِ الْحُكْمِ فِيهَا ( كَمَا إذَا نُقِضَ ) الْمِثَالُ ( الْأَوَّلُ ) لِإِبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ ( بِالْجُرْحِ السَّائِلِ ) فَإِنَّ خُرُوجَ النَّجَاسَةِ مَوْجُودٌ فِيهِ بِدُونِ الْحَدَثِ ( فَيُمْنَعُ كَوْنُهُ ) أَيْ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فِيهِ ( لَيْسَ حَدَثًا بَلْ هُوَ ) حَدَثٌ ( وَتَأَخَّرَ حُكْمُهُ ) الَّذِي هُوَ الْحَدَثُ ( إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ) عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِهِ ( أَوْ الْفَرَاغِ ) مِنْ الْمَكْتُوبَةِ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ النَّوَافِلِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ

وَمُوَافِقِهِ ( ضَرُورَةَ الْأَدَاءِ ) لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَائِهَا فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا وَلَا قُدْرَةَ إلَّا بِسُقُوطِ حُكْمِ الْحَدَثِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ( وَلِذَا ) أَيْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ إلَى مَا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ( لَمْ يَجُزْ مَسْحُهُ ) أَيْ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ ( خُفَّهُ إذَا لَبِسَهُ فِي الْوَقْتِ مَعَ السَّيَلَانِ ) أَوْ كَانَ السَّيَلَانُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ اللُّبْسِ ( بَعْدَ خُرُوجِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ إذْ خُرُوجُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ إجْمَاعًا وَالْحُكْمُ قَدْ يَتَّصِلُ بِالسَّبَبِ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ لِمَانِعٍ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْوُضُوءُ وَاللُّبْسُ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهُ يَمْسَحُ بَعْدَ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ عَلَيْهِمَا وَهَذَا ثَالِثُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ .
قُلْت وَبَعْدَ الْعِلْمِ بِمَعْنَى هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ الدَّفْعِ فَمِنْ الْعَجَبِ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشْفِ إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِ مُجَوِّزِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ لِمَانِعٍ لَا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُهُ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتَخَلَّفْ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ كَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ كَذَلِكَ وَلَا تَخْصِيصَ لِلْعِلَّةِ بِدُونِ وُجُودِهَا وَانْتِفَاءِ حُكْمِهَا لِمَانِعٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ( وَبِالْغَرَضِ ) الْمَطْلُوبِ بِالتَّعْلِيلِ ( فَيَقُولُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( فِي الْمِثَالِ ) الْأَوَّلِ لِإِبْدَاءِ عَدَمِ الْوَصْفِ ( غَرَضِي بِهَذَا التَّعْلِيلِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِ فِي كَوْنِهِمَا ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْهُ وَالْخَارِجِ مِنْ غَيْرِهِ ( حَدَثًا وَإِذَا لَزِمَا ) أَيْ اسْتَمَرَّا ( صَارَ عَفْوًا ) بِأَنْ يَسْقُطَ حُكْمُهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ضَرُورَةَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ

بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ ( فَإِنَّ الْبَوْلَ ) الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ إذَا دَامَ يَصِيرُ عَفْوًا لِهَذَا الْمَعْنَى ( فَوَجَبَ فِي الْفَرْعِ ) أَيْ الْجُرْحِ السَّائِلِ ( مِثْلُهُ ) أَيْ إذَا دَامَ يَصِيرُ عَفْوًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَإِلَّا لَكَانَ الْفَرْعُ مُخَالِفًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا الْحُكْمُ وَكَمَا أَنَّ ظُهُورَ الْحُكْمِ قَدْ يَتَأَخَّرُ فِي الْفَرْعِ فَكَذَا فِي الْأَصْلِ فَالتَّسْوِيَةُ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا رَابِعُ الطُّرُقِ الدَّافِعَةِ لِلنَّقْضِ مَعَ مِثَالِهِ ( وَحَاصِلُ الثَّانِي الِاسْتِدْلَال عَلَى انْتِفَائِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( إذْ هِيَ ) أَيْ الْعِلَّةُ ( بِمَعْنَاهَا لَا بِمُجَرَّدِ صُورَتِهَا ) وَالرَّابِعُ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ رَاجِعٌ إلَى مَنْعِ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ لِأَنَّ الْمُنَاقِضَ يَدَّعِي أَمْرَيْنِ ثُبُوتَ الْعِلَّةِ وَانْتِفَاءَ الْحُكْمِ فَلَا يَصِحُّ دَفْعُهُ إلَّا بِمَنْعِ أَحَدِهِمَا وَإِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ الدَّفْعُ لِلنَّقْضِ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ فَقَدْ بَطَلَتْ .
( وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ نَقْضَ الْحِكْمَةِ وَيُسَمُّونَهُ كَسْرًا وَتَقَدَّمَ ) فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( الْخِلَافُ فِي قَبُولِهِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ ) عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ ( قَبُولُهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِرُجْحَانِ ) الْحِكْمَةِ ( الْمَنْقُوضَةِ ) فِي مَحَلِّ النَّقْضِ عَلَى الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَصْلِ ( أَوْ مُسَاوَاتِهَا ) أَيْ الْمَنْقُوضَةِ لَهَا إلَّا أَنَّ شَرْعَ حُكْمٍ آخَرَ أَلْيَقُ بِهَا فَيُسْمَعُ حِينَئِذٍ ( وَحَقَّقْنَا ثَمَّةَ خِلَافَهُ ) أَيْ هُوَ الْمُخْتَارُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ وَإِنْ عَلِمَ رُجْحَانَ الْمَنْقُوضَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِسُكُوتِ بِكْرٍ زَانِيَةٍ اُشْتُهِرَ زِنَاهَا وَإِنْ كَانَ حَيَاؤُهَا أَكْثَرَ مِنْ حَيَاءِ بِكْرٍ لَمْ تَزْنِ ( ثُمَّ مَنْعُ وُجُودِ الْعِلَّةِ هُنَا ) أَيْ فِي الْكَسْرِ ( عَلَى تَقْدِيرِ سَمَاعِهِ ) أَيْ الْكَسْرِ ( أَظْهَرُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَنْعِ وُجُودِهَا ( فِي النَّقْضِ )

لِأَنَّ قَدْرَ الْحِكْمَةِ مُتَفَاوِتٌ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ مَا هُوَ مَنَاطُ الْحُكْمِ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ بِخِلَافِ نَفْسِ الْوَصْفِ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَاوَتُ وَمَنْعُ انْتِفَاءِ الْحُكْمِ هُنَا قَدْ يُدْفَعُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ هُوَ أَوْلَى بِالْحِكْمَةِ ثُمَّ حَيْثُ يُسْمَعُ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي النَّقْضِ مِنْ أَنَّهُ يُجَابُ بِأَجْوِبَةٍ ثَلَاثَةٍ مِمَّا مَضَى بِمَنْعِ وُجُودِ الْمَعْنَى فِي صُورَةِ النَّقْضِ أَوَّلًا وَبِمَنْعِ عَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا كَيْ لَا يَتَحَقَّقَ ثَانِيًا وَبِإِبْدَاءِ الْمَانِعِ فِيهَا إذَا تَحَقَّقَ ثَالِثًا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ لِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى فِيهِ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ الْمَاضِيَةُ وَعَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ فِيهِ الْمَذَاهِبُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ وَهَلْ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْكَسْرِ فِي مَتْنِ الِاسْتِدْلَالِ ؟ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا وَقَدَّمْنَا مُرَادَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ بِالْكَسْرِ وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجَعْ .

( خَامِسُهَا ) أَيْ الْمُنُوعِ الْمُورَدَةِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ ( فَسَادُ الْوَضْعِ ) وَهُوَ ( أَخَصُّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ مِنْ وَجْهٍ إذْ قَدْ يَجْتَمِعُ ثُبُوتُ اعْتِبَارِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ ) الَّذِي هُوَ فَسَادُ الْوَضْعِ ( مَعَ مُعَارَضَةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ ) لِذَلِكَ الَّذِي هُوَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ ( وَلَا يَخْفَى الْآخَرَانِ ) أَيْ انْفِرَادُ ثُبُوتِ اعْتِبَارِهَا فِي نَقِيضِ الْحُكْمِ عَنْ كَوْنِ الْقِيَاسِ مُعَارَضًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ وَبِالْعَكْسِ وَقِيلَ فَسَادُ الِاعْتِبَارِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْقِيَاسِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَا لِفَسَادٍ فِي وَضْعِهِ وَتَرْكِيبِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ لِاعْتِبَارِهِ فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ بَلْ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ فَقَطْ فَعَلَى هَذَا كُلُّ فَاسِدِ الْوَضْعِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَيَكُونُ فَاسِدُ الْوَضْعِ أَخَصَّ مُطْلَقًا مِنْ فَاسِدِ الِاعْتِبَارِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْآمِدِيِّ وَقِيلَ هُمَا وَاحِدٌ وَعَلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ( وَيُفَارِقُ ) فَسَادُ الْوَضْعِ ( النَّقْضَ بِتَأْثِيرِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ ( فِي النَّقِيضِ ) فَإِنَّ الْوَصْفَ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُ النَّقِيضَ بِخِلَافِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِثُبُوتِهِ بِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ النَّقِيضُ مَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ ( وَ ) يُفَارِقُ ( الْقَلْبَ بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ ( بِأَصْلٍ آخَرَ ) وَفِي الْقَلْبِ يُثْبِتُ نَقِيضَ الْحُكْمِ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ .
( وَ ) يُفَارِقُ ( الْقَدْحَ فِي الْمُنَاسَبَةِ بِمُنَاسَبَتِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ فِي فَسَادِ الْوَضْعِ ( نَقِيضَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ ) إمَّا مُنَاسِبٌ لِنَقِيضِهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِفْضَاءُ إلَى الْمَصْلَحَةِ ( إذَا كَانَ ) التَّنَاسُبُ ( مِنْ جِهَتِهِ ) أَيْ التَّنَاسُبِ لِلْحُكْمِ فَتَكُونُ مُنَاسَبَتُهُ

لِنَقِيضِ الْحُكْمِ وَالْحُكْمِ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ مَا إذَا كَانَ التَّنَاسُبُ لِلنَّقِيضِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ التَّنَاسُبِ لِلْحُكْمِ ( إذَا كَانَ لَهُ ) أَيْ لِلْوَصْفِ ( جِهَتَانِ ) يُنَاسِبُ بِإِحْدَاهُمَا الْحُكْمَ وَبِالْأُخْرَى نَقِيضَهُ ( كَكَوْنِهِ ) أَيْ الْمَحَلِّ ( مُشْتَهًى ) لِلنُّفُوسِ ( يُنَاسِبُ الْإِبَاحَةَ ) لِنِكَاحِهِ ( لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالتَّحْرِيمَ لِقَطْعِ الطَّمَعِ ) فَإِنَّهُ لَا يَقْدَحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُنَاسَبَةِ حِينَئِذٍ لِجَوَازِ تَعْلِيلِ الضِّدَّيْنِ بِوَصْفٍ وَاحِدٍ بِشَرْطَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ إذْ عِنْدَ التَّحْقِيقِ عِلَّةُ هَذَا غَيْرُ عِلَّةِ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَخَّصَ أَنَّ ثُبُوتَ النَّقِيضِ مَعَ الْوَصْفِ نَقْضٌ فَإِنْ زِيدَ ثُبُوتُ النَّقِيضِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ فَفَسَادُ الْوَضْعِ وَإِنْ زِيدَ عَلَى الْفَسَادِ كَوْنُهُ بِهِ فِي أَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ فَقَلْبٌ وَأَمَّا بِدُونِ ثُبُوتِ النَّقِيضِ مَعَ الْوَصْفِ فِي أَصْلٍ فَالْمُنَاسَبَةُ فَإِنْ نَاسَبَتْ الْحُكْمَ وَنَقِيضَهُ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ قَدْحًا فِيهَا وَمِنْ جِهَتَيْنِ لَا ( مِثَالُهُ ) أَيْ فَسَادِ الْوَضْعِ قَوْلُ الْقَائِلِ فِي التَّيَمُّمِ ( مَسْحٌ فَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالِاسْتِنْجَاءِ فَيُرَدُّ ) أَنْ يُقَالَ الْمَسْحُ لِإِثْبَاتِ التَّكْرَارِ فَاسِدُ الْوَضْعِ إذْ الْمَسْحُ ( مُعْتَبَرٌ فِي كَرَاهَتِهِ ) أَيْ التَّكْرَارِ ( كَالْخُفِّ ) فَإِنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ عَلَيْهِ يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ ( وَجَوَابُهُ ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ ( بِالْمَانِعِ ) أَيْ بِبَيَانِ وُجُودِ الْمَانِعِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْخُفِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمُعْتَرِضِ أَيْ بِذِكْرِ ( فَسَادِهِ ) أَيْ إنَّمَا كُرِهَ التَّكْرَارُ فِي الْخُفِّ لِأَنَّهُ يُعَرِّضُهُ لِلتَّلَفِ ( وَ ) مِثَالُهُ ( لِلْحَنَفِيَّةِ إضَافَةُ الشَّافِعِيِّ الْفُرْقَةَ ) بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ إذَا أَسْلَمَتْ وَأَبَى ( إلَى إسْلَامِ الزَّوْجَةِ ) فَإِنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ مِنْ فَسَادِ الْوَضْعِ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْإِسْلَامَ ( اُعْتُبِرَ عَاصِمًا لِلْحُقُوقِ ) كَمَا اقْتَضَاهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ السَّالِفِ فِي بَحْثِ

التَّأْثِيرِ قُلْت وَهَذَا مِمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ فَسَادُ الْوَضْعِ وَالِاعْتِبَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( فَالْوَجْهُ ) إضَافَةُ الْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا ( إلَى إبَائِهِ ) أَيْ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِإِضَافَةِ انْقِطَاعِ النِّكَاحِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَهُوَ رَأْسُ أَسْبَابِ الْعُقُوبَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ ثَمَّةَ أَيْضًا ( وَكَقَوْلِهِ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَنَّهَا الطُّعْمُ إذْ ( الْمَطْعُومُ ذُو خَطَرٍ ) أَيْ عِزَّةٍ وَشَرَفٍ لِتَعَلُّقِ قِوَامِ النَّفْسِ وَبَقَاءِ الشَّخْصِ بِهِ وَالْحُرْمَةُ لِلشَّيْءِ تُشْعِرُ بِتَضْيِيقِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَهُوَ أَمَارَةُ الْخَطَرِ لِأَنَّ مَا ضَاقَ إلَيْهِ الْوُصُولُ عَزَّ فِي الْأَعْيُنِ إذَا أُصِيبَ وَإِذَا اتَّسَعَ الْوُصُولُ إلَيْهِ هَانَ فِي الْأَعْيُنِ ( فَيُزَادُ فِيهِ ) أَيْ فِي تَمَلُّكِهِ ( شَرْطُ التَّقَابُضِ ) إظْهَارًا لِلْخَطَرِ كَالنِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ اسْتِيلَاءً عَلَى مَحَلٍّ ذِي خَطَرٍ لِتَعَلُّقِ بَقَاءِ النَّوْعِ بِهِ شُرِطَ لِجَوَازِهِ شَرْطٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَهُوَ حُضُورُ الشُّهُودِ ( فَيُرَدُّ اعْتِبَارُ مِسَاسِ الْحَاجَةِ ) إلَى الشَّيْءِ إنَّمَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا ( فِي التَّوْسِعَةِ ) وَالْإِطْلَاقِ لَا فِي التَّحْرِيمِ وَالتَّضْيِيقِ بِدَلِيلِ حِلِّ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَجَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ بِتَسْهِيلِ طَرِيقِ الْوُصُولِ إلَى كُلِّ مَا كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ أَمَسَّ كَالْهَوَاءِ وَالْمَاءِ وَالتُّرَابِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْحُرِّ وَالْحُرِّيَّةُ تُنْبِئُ عَنْ الْخُلُوصِ وَالْخُلُوصُ يَمْنَعُ وُرُودَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ نَوْعُ رِقٍّ فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمَ وَلَكِنْ ثَبَتَ الْحِلُّ بِعَارِضِ الْحَاجَةِ إلَى بَقَاءِ النَّسْلِ وَمَا ثَبَتَ بِالْعَارِضِ يَجُوزُ تَوَقُّفُهُ عَلَى أَشْيَاءَ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَصْلَ فَظَهَرَ أَنَّ فِي تَرْتِيبِ اشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي تَمَلُّكِ الْمَطْعُومِ عَلَى كَوْنِهِ ذَا خَطَرٍ فَسَادَ الْوَضْعِ لِأَنَّهُ نَقِيضُ مَا

يَقْتَضِيهِ مِنْ التَّوْسِعَةِ وَالتَّيْسِيرِ ثُمَّ هَذَا الْمَنْعُ يُبْطِلُ الْعِلَّةَ بِكُلِّيَّتِهَا وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِتَغْيِيرِ الْكَلَامِ فَهُوَ فَوْقَ النَّقْضِ .

( سَادِسُهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ ) وَهِيَ ( أَنْ يُبْدِيَ ) الْمُعْتَرِضُ ( فِيهِ وَصْفًا آخَرَ صَالِحًا ) لِلْعِلِّيَّةِ ( يَحْتَمِلُ أَنَّهُ ) وَحْدَهُ ( الْعِلَّةُ ) وَأَنْ يَكُونَ هُوَ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِقَسِيمِهِ أَعْنِي ( أَوْ ) أَنَّهُ ( مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ ) الْعِلَّةَ ( فَالْأَوَّلُ ) أَيْ إبْدَاءُ الْوَصْفِ الْآخَرِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ الْمُحْتَمِلِ أَنَّهُ الْعِلَّةُ أَوْ أَنَّهُ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْعِلَّةُ ( مُعَارَضَةُ الطُّعْمِ بِالْقُوتِ أَوْ الْكَيْلِ ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَرِضِ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ حُرْمَةَ الرِّبَا بِالطُّعْمِ بِأَحَدِهِمَا إذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقُوتُ أَوْ الْكَيْلُ هُوَ الْعِلَّةُ وَحْدَهُ أَوْ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الطُّعْمِ وَالْقُوتِ أَوْ مَجْمُوعُ الطُّعْمِ وَالْكَيْلِ ( وَالثَّانِي ) أَيْ إبْدَاءُ الْوَصْفِ الْآخَرِ الصَّالِحِ لِلْعِلِّيَّةِ الْمُحْتَمِلِ أَنْ يَكُونَ مَعَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ الْعِلَّةَ ( الْجَارِحُ لِلْقَتْلِ ) الْعَمْدِ ( الْعُدْوَانِ ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْمُعْتَرِضِ تَعْلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ الْقِصَاصَ فِي الْمُحَدَّدِ بِكَوْنِهِ قَتْلًا عَمْدًا عُدْوَانًا بِكَوْنِهِ بِالْجَارِحِ ( لِنَفْيِ الْمُثَقَّلِ ) أَيْ الْقِصَاصَ بِالْقَتْلِ بِهِ كَالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الْجُرْحِ مِنْ الْقَتْلِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ عِلَّةً لِلْقِصَاصِ وَالْجَارِحُ لَا يَصْلُحُ سِوَى أَنْ يَكُونَ هُوَ جُزْءُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِقْلَالِ .
( وَاخْتُلِفَ فِيهِ ) أَيْ هَذَا الْمَنْعِ ( فِي الْمَذْهَبَيْنِ ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ ( وَالْمُخْتَارُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَبُولُهُ لِتَحَكُّمِ الْمُسْتَدِلِّ بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ ) بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَ الْوَصْفِ الْمُعَارِضِ الْمُبْدِي ( مَعَ صَلَاحِيَّةِ الْمُبْدَى لَهُ ) أَيْ لِلِاسْتِقْلَالِ بِالْعِلِّيَّةِ ( وَلِلْجُزْئِيَّةِ ) أَيْ وَأَنْ يَكُونَ جُزْءَ الْعِلَّةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَ الْأَوَّلِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الصُّلُوحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي الْوُجُودِ فَإِنْ قِيلَ

لَا تَحَكُّمَ مَعَ الرُّجْحَانِ وَوَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ رَاجِحٌ إذْ فِي اعْتِبَارِهِ دُونَ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ تَوْسِعَةٌ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ تَعَدَّى الْحُكْمُ إلَى الْفَرْعِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ وَصْفُ الْمُعْتَرِضِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْعِ لَمْ يَتَعَدَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّجْحَانَ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ مَمْنُوعٌ ( وَلَا يُرَجَّحُ ) لِكَوْنِهِ عِلَّةً ( بِالتَّوْسِعَةِ لِأَنَّهُ ) أَيْ حُصُولَ التَّوْسِعَةِ ( مُرَجِّحٌ لِمَا ثَبَتَتْ عِلِّيَّتُهُ وَالْكَلَامُ فِيهِ ) أَيْ فِي ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ هُنَا ( وَلَوْ سَلِمَ ) أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعِلِّيَّةِ ( فَمُعَارَضٌ بِمَا يُرَجِّحُ وَصْفَ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُعَارِضُ ( مُوَافَقَةُ الْأَصْلِ ) وَهُوَ عَدَمُ الْحُكْمِ ( بِالِانْتِفَاءِ ) لِلْحُكْمِ ( فِي الْفَرْعِ وَ ) الْمُخْتَارُ ( لِلْحَنَفِيَّةِ نَفْيُهُ ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ ( وَيُسَمُّونَهَا ) أَيْ الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ ( الْمُفَارَقَةَ فَإِنْ كَانَ ) الْفَرْقُ ( صَحِيحًا فَلْيُجْعَلْ مُمَانَعَةً لِيُقْبَلَ ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ لِأَنَّ الْمُفَارَقَةَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْمُمَانَعَةَ أَسَاسُ الْمُنَاظَرَةِ وَبِهَا يُعْرَفُ فِقْهُ الرَّجُلِ ( فَفِي إعْتَاقِ عَبْدِ الرَّهْنِ ) أَيْ إعْتَاقِ الرَّاهِنِ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِبُطْلَانِهِ لِأَنَّهُ ( تَصَرُّفٌ لَاقَى حَقَّ الْمُرْتَهِنِ ) بِالْإِبْطَالِ بِدُونِ رِضَاهُ ( فَيَبْطُلُ كَبَيْعِهِ ) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا إذْنِهِ ( لَوْ قَالَ ) الْحَنَفِيُّ ( هِيَ ) أَيْ الْعِلَّةُ ( فِي الْأَصْلِ ) أَيْ الْبَيْعِ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْبَيْعِ ( يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ ) بَعْدَ وُقُوعِهِ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ فَسْخِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النَّفَاذِ لَكَانَ فِقْهًا صَحِيحًا فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إذَا ( لَمْ يُقْبَلْ ) لِصُدُورِهِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ

الْفَرْقِ وَهُوَ السَّائِلُ ( فَلْيُقَلْ إنْ ادَّعَيْت حُكْمَ الْأَصْلِ ) أَيْ بَيْعَ الْعَبْدِ الرَّهْنَ ( الْبُطْلَانَ مَنَعْنَاهُ ) أَيْ كَوْنَ حُكْمِهِ الْبُطْلَانَ .
( أَوْ ) ادَّعَيْت حُكْمَهُ ( التَّوَقُّفَ ) عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ ( فَغَيْرُ حُكْمِك فِي الْفَرْعِ ) بِالْبُطْلَانِ وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَاحِدًا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ ابْتِدَاءُ حُكْمِ الْأَصْلِ التَّوَقُّفُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْعِ لَكَفَى ( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُ الْمُخْتَارِ نَفْيَ قَبُولِهِ ( لِأَنَّهُ غَصْبٌ ) لِمَنْصِبِ التَّعْلِيلِ وَالسَّائِلُ جَاهِلٌ مُسْتَرْشِدٌ فِي مَوْقِفِ الْإِنْكَارِ فَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَقَفَ مَوْقِفَ الدَّعْوَى وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ فَإِنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الدَّلِيلِ فَالْمُعَارِضُ لَا يَبْقَى سَائِلًا بَلْ يَصِيرُ مُعَلِّلًا مُدَّعِيًا ابْتِدَاءً ( وَلَيْسَ ) كَذَلِكَ ( لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بَلْ يَجُوزُ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُبْدِي وَحْدَهُ ( الْعِلَّةَ أَوْ مَعَ مَا ذَكَرَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ ( مَنْعُ اسْتِقْلَالِهِ ) أَيْ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ ( وَتَسْمِيَتُهُ مُعَارَضَةً تَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ ( إذَا أُطْلِقَتْ ) الْمُعَارَضَةُ فِي بَابِ الْقِيَاسِ ( فَمَا فِي الْفَرْعِ ) أَيْ فَالْمَعْنَى بِهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ ( وَهَذِهِ ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ تُذْكَرُ ( بِقَيْدٍ ) هُوَ فِي الْأَصْلِ ( وَإِذَا رَدَّ النَّقْضَ إلَى الْمَنْعِ ) كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَعْرِيفِهِ ( فَهَذَا ) أَيْ رَدُّ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ إلَى الْمَنْعِ ( أَوْلَى ) مِنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي النَّقْضِ مُسْتَدِلٌّ عَلَى الْبُطْلَانِ بِالتَّخَلُّفِ وَهُنَا يُجَوِّزُ الْمُبْدِي تَجْوِيزًا فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نِزَاعٌ جَدَلِيٌّ يَقْصِدُونَ بِهِ عَدَمَ وُقُوعِ الْخَبْطِ فِي الْبَحْثِ وَإِلَّا فَهُوَ سَاعٍ فِي إظْهَارِ الصَّوَابِ .
( قَالُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( وَلِجَوَازِ

عِلَّتَيْنِ فِي الْأَصْلِ تَعَدَّى بِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( إلَى مَحَلِّهَا ) الَّذِي وُجِدَتْ فِيهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْأُخْرَى فِيهِ ( فَعَدَمُ إحْدَاهُمَا ) بِعَيْنِهَا ( فِي مَحَلٍّ لَا يَنْفِي ) كَوْنَ ( الْأُخْرَى ) عِلَّةً لِحُكْمِهَا الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ وُجِدَتْ فِيهِ ( وَهَذَا ) الْوَجْهُ ( يَقْتَصِرُ ) أَيْ يُفِيدُ اقْتِصَارَ نَفْيِ الْقَبُولِ ( عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ ) مِنْ الْعِلَّتَيْنِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِذَلِكَ ( دُونَ تَجْوِيزِ جُزْئِيَّتِهِ ) أَيْ الْمُبْدِي لِلْعِلَّةِ الَّذِي ذَكَرَهَا الْمُسْتَدِلُّ ( فَالْحَقُّ إنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إحْدَاهُمَا ) أَيْ الْمَذْكُورَتَيْنِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعْتَرِضِ بِالِاسْتِقْلَالِ ( كَعِلَّةِ الرِّبَا ) أَهِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ أَوْ الطُّعْمُ أَوْ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ ( قُبِلَ ) هَذَا الِاعْتِرَاضُ لِلتَّجْوِيزِ الْمَذْكُورِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ إحْدَاهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ ( لَا ) يُقْبَلُ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِقْلَالِ لِإِحْدَاهُمَا أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا لِمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِ الْمُخْتَارِ لِلشَّافِعِيَّةِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ الثَّابِتُ ( بِالِاسْتِقْرَاءِ مَبَاحِثُ الصَّحَابَةِ جَمْعٌ ) أَيْ تَعْمِيمُ الْحُكْمِ بَيْنَ أَصْلٍ وَفَرْعٍ بِمُوجِبِ وَصْفٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ( وَفَرْقٌ ) أَيْ تَخْصِيصُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْأَصْلِ بِمُوجِبِ وَصْفٍ مُخْتَصٍّ بِالْأَصْلِ وَالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ هِيَ ذَلِكَ الْوَصْفُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ الْمُخْتَصُّ وَذَلِكَ إجْمَاعٌ عَلَى جَوَازِ إبْدَاءِ وَصْفٍ فَارِقٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ فِي مُعَارَضَةِ وَصْفٍ جَامِعٍ اعْتَبَرَهُ الْمُعَلِّلُ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ وَيُتْرَكُ بِهِ قِيَاسُ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا مَعْنَى لِقَبُولِ الْمُعَارَضَةِ سِوَى هَذَا ( لَا يَمَسُّهُ ) أَيْ الْقَبُولَ عَلَى الْعُمُومِ ( إلَّا إنْ انْفَلَّتْ ) مَبَاحِثُهُمْ جَمْعًا وَفَرْقًا ( عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يُمْكِنُ ) نَقْلُهَا كَذَلِكَ .

( وَعَلَى قَبُولِهَا ) أَيْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ بَيَانُ أَنَّ وَصْفَهُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ مُعَارَضًا مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ فِيهِ أَقْوَالٌ فَأَحَدُهَا يَلْزَمُهُ لِيَنْفَعَهُ دَعْوَى التَّعْلِيلِ بِهِ إذْ لَوْلَاهُ لَمْ تَنْتَفِ الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ وَيَحْصُلُ مَطْلُوبُ الْمُسْتَدِلِّ فَثَانِيهَا لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ غَرَضَهُ عَدَمُ اسْتِقْلَالِ مَا ادَّعَى الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَهُ وَهَذَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ إبْدَائِهِ ( فَثَالِثُهَا ) الَّذِي هُوَ ( الْمُخْتَارُ لَا يَلْزَمُ ) الْمُعْتَرِضَ ( بَيَانُ انْتِفَائِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُبْدِي فِي الْأَصْلِ مُعَارِضًا ( عَنْ الْفَرْعِ إلَّا إنْ ذَكَرَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ انْتِفَاءَهُ فِي الْفَرْعِ ( لِأَنَّ مَقْصُودَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ضِدِّهِ ) أَيْ صَرْفِ الْمُسْتَدِلِّ ( عَنْ التَّعْلِيلِ ) بِذَلِكَ ( لِيَنْتَفِيَ لُزُومُهُ ) أَيْ بَيَانُ انْتِفَائِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ( وَلَا نَفَى حُكْمَهُ ) أَيْ وَلَمْ يَنْحَصِرْ فِي نَفْيِ حُكْمِهِ ( فِي الْفَرْعِ لِيَلْزَمَ ) بَيَانُ انْتِفَائِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ ذَكَرَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي ( بَلْ قَدْ ) يَكُونُ مَقْصُودُ الْمُعْتَرِضِ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ .
( وَقَدْ ) يَكُونُ مَقْصُودُهُ الْأَمْرَ الثَّانِيَ ( فَإِذَا ادَّعَاهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ انْتِفَاءً كَأَنْ قَالَ هَذَا الْوَصْفُ الْآخَرُ الصَّالِحُ فِي الْأَصْلِ مُنْتَفٍ فِي الْفَرْعِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( إثْبَاتُهُ ) لِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَمْرًا فَيَلْزَمُهُ بِالْتِزَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ هَلْ يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ ذِكْرُ أَصْلٍ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَ وَصْفِهِ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَصْفِ حَتَّى يُقْبَلَ مِنْهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ بِدُونِ الِاقْتِرَانِ لَا تَدُلُّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَصْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ ( وَ ) الْمُخْتَارُ ( لَا ) يَلْزَمُ الْمُعْتَرِضَ ( ذِكْرُهُ

أَصْلًا لَوَصْفِهِ ) الَّذِي أَبْدَاهُ فِي الْأَصْلِ يُبَيِّنُ تَأْثِيرَهُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ ( كَمُعَارَضَةِ الِاقْتِيَاتِ بِالطُّعْمِ ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ الطُّعْمُ لَا الْقُوتُ ( كَمَا فِي الْمِلْحِ ) فَإِنَّهُ طُعْمٌ وَلَيْسَ بِقُوتٍ وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ حَيْثُ جُعِلَ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ ( لَمْ يَدَعْهُ ) أَيْ كَوْنَ وَصْفِهِ عِلَّةً حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى شَهَادَةِ الْأَصْلِ ( إنَّمَا جَوَّزَ مَا ذَكَرَ ) مِنْ كَوْنِ وَصْفِهِ عِلَّةً أَوْ جُزْأَهَا ( لِيَلْزَمَ ) الْمُسْتَدِلَّ ( التَّحَكُّمُ ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً دُونَ وَصْفِهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الصُّلُوحِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فِي الْوُجُودِ ( وَأَيْضًا يَكْفِيهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضَ فِي وَصْفِهِ الْمُبْدِي ( أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ ) إذْ أَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ وَصْفِهِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُعَارَضْ ( فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ ( جَازَ الطُّعْمُ أَوْ الْكَيْلُ أَوْ هُمَا ) عِلَّةً ( كَمَا فِي الْبُرِّ بِعَيْنِهِ وَجَوَابُهَا ) أَيْ الْمُعَارَضَةِ مِنْ الْمُسْتَدِلِّ ( عَلَى الْقَبُولِ بِمَنْعِ وُجُودِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمْ أَنَّهُ مَكِيلٌ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ .
( أَوْ ) مَنْعِ ( تَأْثِيرِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ ( إنْ كَانَ ) وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ أَيْ عِلِّيَّتُهُ ( لَمْ يُثْبِتْهُ الْمُسْتَدِلُّ أَوْ أَثْبَتَهُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( بِمَا ) أَيْ بِأَيِّ طَرِيقٍ ( كَانَ وَتَقْيِيدُ سَمَاعِهِ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعْتَرِضِ بِتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ ( مِنْ الْمُسْتَدِلِّ بِمَا إذَا كَانَ الْمُسْتَدِلُّ أَثْبَتَ وَصْفَهُ ) أَيْ عِلِّيَّتَهُ ( بِالْمُنَاسَبَةِ وَنَحْوِهَا ) أَيْ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ إنَّمَا تُؤَثِّرُ إذَا لَمْ تُعَارَضْ بِمُنَاسَبَةٍ أُخْرَى ( لَا ) إذَا أَثْبَتَ وَصْفَهُ ( بِالسَّبْرِ وَنَحْوِهِ ) لِأَنَّ الْوَصْفَ يَدْخُلُ فِي السَّبْرِ بِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُنَاسِبًا وَإِنْ لَمْ

تَثْبُتْ الْمُنَاسَبَةُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ أَوْ إلَى الْخَارِجِ عَلَى مَا يَعُمُّ الشَّبَهَ فَتَتِمُّ الْمُعَارَضَةُ بِمُجَرَّدِ إبْدَاءِ وَصْفٍ آخَرَ مُحْتَمِلٌ لِلْعِلِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ مُنَاسَبَتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( تَحَكُّمٌ لِأَنَّ ذَاكَ ) الْمُثْبَتَ بِمَا كَانَ مِنْ الطَّرِيقِ ( وَصْفُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( وَهَذَا ) الْمُبْدِي وَصْفٌ ( آخَرُ مُجَوَّزٌ ) أَيْ جَوَّزَهُ الْمُعْتَرِضُ وَقَدْ ( دَفَعَهُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ التَّأْثِيرِ ( عَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( فَيَجِبُ إثْبَاتُهُ ) عَلَى الْمُعْتَرِضِ بِمَا شَاءَ ( فَبِالْمُنَاسَبَةِ ظَاهِرٌ وَكَذَا بِالسَّبْرِ لِأَنَّ مَا أَفَادَ الْعِلِّيَّةَ أَفَادَ الْمُنَاسَبَةَ إذْ هِيَ ) أَيْ الْمُنَاسَبَةُ ( لَازِمُ الْعِلَّةِ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ ) فَمَا أَفَادَهَا أَفَادَهَا ( لَكِنْ لَا يَلْزَمُ إبْدَاؤُهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ ( فِي السَّبْرِ وَنَحْوِهِ وَلِذَا ) أَيْ عَدَمِ لُزُومِ إبْدَائِهَا فِيهِ ( عُورِضَ الْمُسْتَبْقَى فِيهِ ) أَيْ السَّبْرُ ( لِعَدَمِهَا ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ ( وَقِيلَ الْمَعْنَى ) لِلْمُسْتَدِلِّ مُطَالَبَةُ الْمُعْتَرِضِ بِكَوْنِ وَصْفِهِ مُؤَثِّرًا ( إذَا كَانَ الْمُعْتَرِضُ أَثْبَتَهُ بِالْمُنَاسَبَةِ ) كَمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شَارِحِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( وَهُوَ خَبْطٌ إذْ بِفَرْضِ إثْبَاتِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً ( بِهَا ) أَيْ بِالْمُنَاسَبَةِ ( كَيْفَ يَمْنَعُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( التَّأْثِيرَ وَهُوَ ) أَيْ التَّأْثِيرُ ( هِيَ ) أَيْ الْمُنَاسَبَةُ ( إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ ) أَيْ التَّأْثِيرِ ( عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي التَّأْثِيرِ ( وَهُوَ كَوْنُ الْعَيْنِ فِي الْعَيْنِ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ إذْ لَا يَتَعَيَّنُ ) إثْبَاتُ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً بِهَذَا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( بَعْدَ إثْبَاتِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ كَوْنَ الْوَصْفِ عِلَّةً ( بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ هِيَ الْمُنَاسَبَةُ بِالْفَرْضِ نَعَمْ ) يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُعْتَرِضِ إثْبَاتُهُ

بِالتَّأْثِيرِ ( لَوْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ حَنَفِيًّا فَإِنَّ الْمُنَاسَبَةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الِاعْتِبَارَ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ ( فَالتَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ مَعَ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ ) أَيْ التَّأْثِيرُ عِنْدَهُمْ ( إنْ ثَبَتَ اعْتِبَارُ جِنْسِ الْمُنَاسَبَةِ إلَى آخِرِ الْأَقْسَامِ ) الْمَاضِيَةِ فِي بَحْثِ التَّأْثِيرِ .
( وَلَا يَصِحُّ ) مِمَّنْ أَثْبَتَ وَصْفَهُ بِالسَّبْرِ مُسْتَدِلًّا كَانَ أَوْ مُعْتَرِضًا التَّرْجِيحُ ( بِتَرْجِيحِ السَّبْرِ ) عَلَى الْمُنَاسَبَةِ ( لِتَعَرُّضِهِ ) أَيْ لِأَجْلِ تَعَرُّضِ السَّبْرِ ( لِنَفْيِ غَيْرِهِ وَ ) لَا ( بِكَثْرَةِ الْفَائِدَةِ ) وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ ( لِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ تَعَرُّضَهُ لِنَفْيٍ غَيْرِهِ إنَّمَا يَكُونُ مُرَجَّحًا ( بَعْدَ ظُهُورِ شَرْطِهِ ) أَيْ السَّبْرِ وَهُوَ مُنَاسَبَةُ الْمُسْتَبْقَى لِأَنَّ شَرْطَ كُلِّ عِلَّةٍ مُنَاسَبَتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ إظْهَارُهَا عَلَى الْمُعَلِّلِ فِي كُلِّ إثْبَاتٍ لِأَنَّ بَعْضَ طُرُقِ الْعِلَّةِ لَا تَتَعَرَّضُ لِذَلِكَ كَالسَّبْرِ ( أَوْ عَدَمِ ظُهُورِ عَدَمِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا ( أَمَّا مَعَ ظُهُورِهِ ) أَيْ عَدَمِ الشَّرْطِ كَمَا إذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ الْمُسْتَبْقَى أَيْضًا غَيْرَ مُنَاسِبٍ فِيمَا إذَا أَبْدَى وَصْفًا آخَرَ لِيُبْطِلَ الْحَصْرَ فَقَالَ الْمُعَلِّلُ هَذَا لَمْ أُدْخِلْهُ فِي سَبْرِي لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهِ ( فَلَا ) يَتَرَجَّحُ السَّبْرُ ( إذْ لَا يُفِيدُ ) السَّبْرُ ( مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ ) أَيْ الْمُنَاسَبَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ الشَّرْطِ هُوَ ( الْمُعْتَرَضُ بِهِ ) لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَارَضَ ظُهُورَ مُنَاسَبَةِ الْمُسْتَبْقَى عِنْدَهُ بِظُهُورِ عَدَمِ مُنَاسَبَةِ الْمُسْتَبْقَى عِنْدَهُ ( أَوْ بَيَانِ خَفَائِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فَهُوَ مَجْرُورٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مَنْعِ وُجُودِهِ أَوْ تَأْثِيرِهِ .
وَكَذَا ( أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ أَوْ ) مَنْعِ ( انْضِبَاطِهِ ) أَوْ كُلٍّ مِنْهَا عُطِفَ عَلَى مَا يَلِيهِ إذْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُعَارَضَةِ لِمَا عُلِمَ فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ اشْتِرَاطُ

الظُّهُورِ وَالِانْضِبَاطِ فِي الْوَصْفِ الْمُعَلَّلِ بِهِ فَلَا بُدَّ فِي دَعْوَى صُلُوحِ الْوَصْفِ عِلَّةً مِنْ بَيَانِهِمَا وَالصَّادِرُ عَنْهُمَا إنْ تَبَيَّنَ عَدَمُهَا وَأَنْ يُطَالِبَ بِبَيَانِ وُجُودِهِمَا ( أَوْ أَنَّهُ ) أَيْ الْوَصْفَ الْمُعَارَضَ بِهِ لَيْسَ وَصْفًا وُجُودِيًّا بَلْ هُوَ ( عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ ) وَالْعَدَمُ لَا يَكُونُ عِلَّةً وَلَا جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ ( كَالْمُكْرَهِ ) أَيْ كَقِيَاسِ الْقَاتِلِ الْمُضْطَرِّ إلَى الْقَتْلِ ( عَلَى الْمُخْتَارِ ) أَيْ الْقَاتِلِ بِاخْتِيَارِهِ ( فِي ) وُجُوبِ ( الْقِصَاصِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ فَيُعَارَضُ بِأَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( هُوَ ) أَيْ الْقَتْلُ ( مَعَ الطَّوَاعِيَةِ ) فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ فَلَا تَكُونُ الْعِلَّةُ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ فَقَطْ بَلْ بِقَيْدِ الِاخْتِيَارِ ( فَيُجِيبُ ) الْمُسْتَدِلُّ ( بِأَنَّهَا ) أَيْ الطَّوَاعِيَةَ ( عَدَمُ الْإِكْرَاهِ لَا الْإِكْرَاهُ الْمُنَاسِبُ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ ) أَيْ عَدَمُ الْقِصَاصِ وَعَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَدَمُ الْمَانِعِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لَا يُسْنَدُ الْحُكْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبَاعِثِ فِي شَيْءٍ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُعَارَضَةِ كَقَوْلِهِ ( أَوْ بِإِلْغَائِهِ ) أَيْ كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ مُلْغًى إمَّا مُطْلَقًا فِي جِنْسِ الْأَحْكَامِ كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ أَوْ فِي الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ بِهِ كَالذُّكُورَةِ فِي الْعِتْقِ ( بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ ) أَيْ بِسَبَبِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ بِالْعِلِّيَّةِ ( بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ كَ { لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ } وَقَدَّمْنَا فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ ( فِي مُعَارَضَةِ الطُّعْمِ ) أَيْ كَجَوَابِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا الطُّعْمُ لِمُعْتَرِضِهِ بِمُعَارَضَتِهِ ( بِالْكَيْلِ ) بِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ الطُّعْمِ فِي صُورَةٍ مَا وَهُوَ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْحُكْمِ مُرَتَّبًا عَلَى وَصْفٍ يُشْعِرُ بِالْعِلِّيَّةِ ( {

وَمَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
( عِنْدَ مُعَارَضَةِ مُطْلِقِهِ ) أَيْ التَّبْدِيلِ ( بِتَبْدِيلِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ ) أَيْ وَكَجَوَابِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى قَتْلِ الْيَهُودِيِّ إذَا تَنَصَّرَ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا تَهَوَّدَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ كَالْمُرْتَدِّ لِتَبْدِيلِهِ دِينَهُ لِمُعْتَرِضِهِ بِمُعَارَضَتِهِ لِوَصْفِهِ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ التَّبْدِيلِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ تَبْدِيلُ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ بِأَنَّ التَّبْدِيلَ مُعْتَبَرٌ فِي صُورَةٍ مَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ( وَلَوْ قَالَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( عَمَّ ) الْحَدِيثُ ( فِي كُلِّ تَبْدِيلٍ ) سَوَاءٌ كَانَ تَبْدِيلَ دِينِ حَقٍّ بِبَاطِلٍ أَوْ بَاطِلٍ بِبَاطِلٍ ( كَانَ ) هَذَا الْقَوْلُ ( شَيْئًا آخَرَ ) أَيْ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِالنَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ وَالْمَقْصُودُ إثْبَاتُهُ بِهِ بَلْ وَيَكُونُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ ضَائِعًا وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ هَذَا نَعَمْ لَا يَضُرُّهُ كَوْنُهُ عَامًّا إذَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّعْمِيمِ وَلَمْ يَسْتَدِلَّ بِهِ ( وَلَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ الْإِلْغَاءِ الْمَقْبُولِ ( انْفِرَادُ الْحُكْمِ عَنْهُ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُبْدِي لِلْمُعْتَرِضِ ( لِعَدَمِ ) اشْتِرَاطِ ( الْعَكْسِ ) فِي الْعِلَّةِ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ ( لَكِنْ يَتِمُّ اسْتِقْلَالُ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ ) لِكَوْنِهِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ وَكَوْنُهُ لَغْوًا ( وَلِكَوْنِهِ ) أَيْ انْفِرَادِ الْحُكْمِ عَنْهُ ( لَيْسَ إلْغَاءً لَا يُفِيدُ ) الْمُسْتَدِلَّ فِي تَمَامِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي صُورَةِ عَدَمِهِ ( إبْدَاءُ الْخَلَفِ ) أَيْ وَصْفٍ آخَرَ يَخْلُفُ الْوَصْفَ الْمُبْدَيْ أَوَّلًا الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ ( مِنْ الْمُعْتَرِضِ ) لِئَلَّا يَكُونَ وَصْفُ الْمُسْتَدِلِّ مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا لَا يُفِيدُ الْمُسْتَدِلُّ هَذَا تَمَامَ إلْغَائِهِ لِابْتِنَاءِ إلْغَاءِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ عَلَى اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ فِي صُورَةِ عَدَمِ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ وَقَدْ بَطَلَ اسْتِقْلَالُهُ بِإِبْدَاءِ

الْمُعْتَرِضِ قَيْدًا آخَرَ يَنْضَمُّ إلَيْهِ فَيَبْطُلُ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ .
( وَهُوَ ) أَيْ فَسَادُ الْإِلْغَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ( تَعَدُّدُ الْوَضْعِ ) لِتَعَدُّدِ أَصْلَيْ الْوَصْفَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْرَدَهُمَا الْمُعْتَرِضُ وَصَيْرُورَتِهِ مُعَلَّلًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَضْعٍ أَيْ مَعَ قَيْدٍ ( نَحْوُ ) أَنْ يُقَالَ فِي صِحَّةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ لِلْحَرْبِيِّ ( أَمَانٌ ) صَادِرٌ ( مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ فَيُقْبَلُ كَالْحُرِّ ) أَيْ كَأَمَانِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ لَهُ ( لِأَنَّهُمَا ) أَيْ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ ( مَظِنَّتَانِ لِلِاحْتِيَاطِ لِلْأَمَانِ ) أَيْ لِإِظْهَارِ مَصْلَحَةٍ بَدَلَ الْأَمَانِ ( فَيَعْتَرِضُ بِاعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ مَعَهُمَا ) أَيْ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْحُرِّيَّةَ ( مَظِنَّةُ التَّفَرُّغِ ) لِلنَّظَرِ فِي مَصْلَحَةِ الْأَمَانِ لِعَدَمِ اشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى ( فَنَظَرَهُ ) أَيْ الْحُرِّ ( أَكْمَلُ ) مِنْ نَظَرِ الْعَبْدِ ( فَيُلْغِيهَا ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ الْحُرِّيَّةَ ( بِالْمَأْذُونِ فِي الْقِتَالِ ) أَيْ بِاسْتِقْلَالِ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ بِالْأَمَانِ فِي الْعَبْدِ الَّذِي أَذِنَ سَيِّدُهُ لَهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ لَهُ الْأَمَانَ بِالِاتِّفَاقِ ( فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ ( الْإِذْنُ ) أَيْ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ ( خَلَفَهَا ) أَيْ الْحُرِّيَّةَ ( لِدَلَالَتِهِ ) أَيْ إذْنِ السَّيِّدِ لَهُ فِي ذَلِكَ ( عَلَى عِلْمِ السَّيِّدِ بِصَلَاحِهِ ) لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْأَمَانِ أَوْ قَامَ الْإِذْنُ مَقَامَ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ ( فَالْبَاقِي ) أَيْ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ ( عِلَّةٌ عَلَى وَضْعٍ أَيْ قَيْدِ الْحُرِّيَّةِ ) أَيْ هُمَا مَعَهَا ( وَآخَرَ ) أَيْ وَالْبَاقِي عِلَّةٌ أَيْضًا عَلَى وَضْعٍ آخَرَ وَهُوَ كَوْنُ الْإِسْلَامِ وَالْعَقْلِ مَعَ ( الْإِذْنِ وَجَوَابُهُ ) أَيْ تَعَدُّدِ الْوَضْعِ ( أَنْ يُلْغِيَ ) الْمُسْتَدِلُّ ذَلِكَ ( الْخَلْفَ بِصُورَةٍ لَيْسَ ) ذَلِكَ الْخَلْفُ ( فِيهَا فَإِنْ أَبْدَى ) الْمُعْتَرِضُ ( فِيهَا ) أَيْ الصُّورَةِ الْمُبْدَاةِ ( خَلَفًا )

آخَرَ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَجَوَابُهُ إلْغَاؤُهُ بِإِبْدَائِهِ صُورَةً أُخْرَى لَا يُوجَدُ فِيهَا ذَلِكَ الْخَلَفُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا ( إلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا ) إمَّا الْمُسْتَدِلُّ لِعَجْزِهِ عَنْ الْإِلْغَاءِ أَوْ الْمُعْتَرِضُ لِعَجْزِهِ عَنْ ثُبُوتِ عِوَضٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ يَظْهَرُ الرِّجَالُ وَيَتَبَيَّنُ فُرْسَانُ الْجِدَالِ .
( وَلَا يُلْغِي ) أَيْ وَلَا يُفِيدُ الْمُسْتَدِلُّ إلْغَاءَ الْوَصْفِ الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْأَصْلِ ( بِضَعْفِ الْحِكْمَةِ إنْ سَلَّمَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( الْمَظِنَّةَ ) أَيْ وُجُودَ الْمَظِنَّةِ الْمُتَضَمَّنَةِ لِتِلْكَ الْحِكْمَةِ ( كَالرِّدَّةِ عِلَّةُ الْقَتْلِ ) فِي قِيَاسِ الْمُرْتَدَّةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ ( فَيُقَالُ ) مِنْ قِبَلِ الْمُعْتَرِضِ بَلْ ( مَعَ الرُّجُولِيَّةِ لِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ رَجُلًا ( الْمَظِنَّةُ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ) إذْ يُعْتَادُ ذَلِكَ مِنْ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ( فَيُلْغِيهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ رَجُلًا الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ ( بِمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ ) لِضَعْفِ الرُّجُولِيَّةِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ يُقْتَلُ اتِّفَاقًا إذَا ارْتَدَّ فَهَذَا ( لَا يُقْبَلُ ) مِنْ الْمُسْتَدِلِّ أَيْ لَا يَنْفَعُهُ ( بَعْدَ تَسْلِيمِ كَوْنِ الرُّجُولِيَّةِ مَظِنَّةً ) اعْتَبَرَهَا الشَّارِعُ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى حِكْمَتِهَا كَسَفَرِ الْمَلِكِ الْمُرَفَّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّخْصَ ( وَلَا يُفِيدُ تَرْجِيحُ الْمُسْتَدِلِّ وَصْفَهُ ) عَلَى وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ ( بِشَيْءٍ ) مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ فِي جَوَابِ الْمُعَارَضَةِ خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ ( لِأَنَّ الْمُفِيدَ ) فِي ذَلِكَ ( تَرْجِيحُ أَوْلَوِيَّةِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ إذْ لَا تَعْلِيلَ بِالْمَرْجُوحِ مَعَ وُجُودِ الرَّاجِحِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَرْجِيحُهَا ( مُنْتَفٍ مَعَ احْتِمَالِ الْجُزْئِيَّةِ ) أَيْ جُزْئِيَّةِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ لِوَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ بَاقٍ إذْ لَا يَمْتَنِعُ تَرْجِيحُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى بَعْضِ كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ

فَإِنَّ الْقَتْلَ أَقْوَى فِي الْعِلِّيَّةِ مِنْ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فَلَوْ قِيلَ بِاسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ كَانَ تَحَكُّمًا ( أَوْ يَدَّعِي ) أَيْ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ ( الْمُعْتَرِضُ اسْتِقْلَالَ وَصْفِهِ ) أَيْ وَصْفِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُفِيدُ تَرْجِيحَ وَصْفِ نَفْسِهِ .
( وَأَمَّا أَنَّ ) الْعِلَّةَ ( الْمُتَعَدِّيَةَ لَا تُرَجَّحُ ) عَلَى الْقَاصِرَةِ ( لِمُعَارَضَةِ مُوَافَقَةِ الْأَصْلِ ) أَيْ لِكَوْنِ الْقَاصِرَةِ مُعَارِضَةً لَهَا بِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِلْأَصْلِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْأَحْكَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ ( فَلَا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّنَزُّلُ مِنْهُمْ بِعَدَمِ التَّرْجِيحِ لِأَجْلِ مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ بَلْ يَكُونُ الْوَصْفُ الْمُسْتَقِلُّ الْمُتَعَدِّي مُرَجَّحًا عَلَى الْمُسْتَقِلِّ الْقَاصِرِ .

( وَاخْتُلِفَ فِي ) جَوَازِ ( تَعَدُّدِ الْأُصُولِ ) أَيْ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا ( فَقِيلَ لَا ) يَجُوزُ ( لِأَنَّ ) الْأَصْلَ ( الزَّائِدَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الظَّنُّ وَهُوَ يَحْصُلُ بِهِ ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا ( بِثُبُوتِ الْحَاجَةِ ) إلَى الزَّائِدِ عَلَيْهِ ( لِزِيَادَةِ الْقُوَّةِ ) فِي الظَّنِّ فَإِنَّ قُوَّتَهُ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا ( وَالْوَجْهُ الْآخَرُ ) لِهَذَا الْقَوْلِ ( وَهُوَ تَأَدِّيهِ ) أَيْ جَوَازِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ ( إلَى الِانْتِشَارِ وَزِيَادَةِ الْخَبْطِ يَدْفَعُهُ ) أَيْ هَذَا الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ ( لِأَنَّ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ تَأَدِّيهِ إلَى هَذَا ( يَبْعُدُ الظَّنُّ فَضْلًا عَنْ زِيَادَتِهِ ) أَيْ الظَّنِّ ( فَاخْتِيَارُ جَوَازِهِ ) أَيْ التَّعَدُّدِ ( مُطْلَقًا ) كَمَا هُوَ صَنِيعُ ابْنِ الْحَاجِبِ ( لَيْسَ بِذَاكَ ) الْقَوِيِّ ( بَلْ ) الْوَجْهُ جَوَازُهُ ( فِي نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ ) لِانْتِفَاءِ الِانْتِشَارِ ( لَا ) فِي ( الْمُنَاظَرَةِ ) لِتَأَدِّيهِ إلَى النَّشْرِ ( وَعَلَى الْجَوَازِ ) أَيْ جَوَازِ تَعَدُّدِهَا ( اُخْتُلِفَ فِي اقْتِصَارِ الْمُعَارِضِ عَلَى أَحَدِهَا فَالْمُجِيزُ ) لِاقْتِصَارِهِ عَلَى أَحَدِهَا .
قَالَ ( إبْطَالُ جُزْءٍ مِنْ كَلَامِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( إبْطَالُهُ ) أَيْ كَلَامِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ ( وَمُلْزِمُ إبْطَالِ الْكُلِّ ) قَالَ ( إذَا سَلِمَ لَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( أَصْلٌ كَفَاهُ ) فِي مَطْلُوبِهِ لِسَلَامَتِهِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَيَتِمُّ الْقِيَاسُ الْمُقْتَضِي لِلْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ ( وَمَحَلُّهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( اتِّحَادُ الْوَصْفِ ) الْمُعَارَضِ بِهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا أَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ حَذَرًا مِنْ انْتِشَارِ الْكَلَامِ ( دُونَ تَعَدُّدِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ فِيهَا أَيْ جَوَازِ الْمُعَارَضَةِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِغَيْرِ مَا عَارَضَ بِهِ فِي الْأَصْلِ الْآخَرِ لِجَوَازِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْكُلِّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ( وَلَا يَتَلَاقَيَانِ ) أَيْ هَذَانِ الْقَوْلَانِ ( فَنَظَرَ الْأَوَّلُ إلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلَّ ( الْتَزَمَ صِحَّةَ الْإِلْحَاقِ بِكُلٍّ ) مِنْ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ ( وَعَجَزَ

عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْإِلْحَاقِ بِكُلٍّ ( فَبَطَلَ ) الْإِلْحَاقُ ( وَالْآخَرُ ) قَائِلٌ ( الْمَقْصُودُ إثْبَاتُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ ( فِي الْفَرْعِ وَيَكْفِيهِ ) أَيْ إثْبَاتِهِ فِي الْفَرْعِ ( مَا سَلِمَ ) لَهُ مِنْ الْأُصُولِ ( وَفِي مُعَارَضَةِ الْكُلِّ ) أَيْ جَمِيعِ الْأُصُولِ ( لَوْ أَجَابَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( عَنْ أَحَدِهَا ) أَيْ دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ عَنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ ( فَالْقَوْلَانِ ) مُجْتَمِعَانِ عَلَى أَنَّهُ ( لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ ) الْمُسْتَدِلُّ ( عَمَّا الْتَزَمَهُ ) وَهُوَ الْكُلُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ ضِمْنًا ( يَكْفِيهِ وَاحِدٌ ) ( وَأَمَّا سُؤَالُ التَّرْكِيبِ فَتَقَدَّمَ فِي الشُّرُوطِ ) لِحُكْمِ الْأَصْلِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْهَا فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ إلَخْ وَأَنَّ حَاصِلَهُ الْمَنْعُ أَمَّا الْعِلِّيَّةُ عِلَّةُ حُكْمِ الْأَصْلِ أَوْ لِوُجُودِهَا أَوْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي هَذِهِ الْمُنُوعِ وَلَيْسَ سُؤَالًا بِرَأْسِهِ وَالْأَمْثِلَةُ مَذْكُورَةٌ ثَمَّةَ ( وَسُؤَالُ التَّرْجِيحِ بِالتَّعَدِّيَةِ ) أَيْ وَأَمَّا سُؤَالُ التَّعَدِّيَةِ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ فِي إجْبَارِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ عَلَى النِّكَاحِ بِكْرٌ فَتُجْبَرُ كَالصَّغِيرَةِ ( فَيُعَارِضُ الْبَكَارَةَ الْمُتَعَدِّيَةَ إلَى الْبَالِغَةِ ) وَغَيْرِهَا ( بِالصِّغَرِ الْمُتَعَدِّي إلَى الثَّيِّبِ ) الصَّغِيرَةِ وَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ لِمُنَاسَبَتِهِ لِلْإِجْبَارِ ( لِيَتَسَاوَيَا ) فِي التَّعْدِيَةِ .
( وَمَرْجِعُهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ ( إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ بِمَا يُسَاوِي ) الْعِلَّةَ ( الْأُخْرَى فِي التَّعَدِّيَةِ ) دَفْعًا لِتَرْجِيحِ الْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُسْتَدِلُّ بِالتَّعْدِيَةِ ( وَلَا تَرْجِيحَ بِزِيَادَةِ التَّعْدِيَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ بِخِلَافِ أَصْلِهَا ) أَيْ التَّعَدِّيَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُرَجَّحًا فَلَا يَكُونُ هَذَا السُّؤَالُ سُؤَالًا آخَرَ بَلْ هُوَ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ عِبَارَةُ الْآمِدِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ هُوَ أَنْ يُعَيِّنَ الْمُعْتَرِضُ فِي الْأَصْلِ مَعْنًى وَيُعَارِضَ بِهِ ثُمَّ يَقُولَ لِلْمُسْتَدِلِّ مَا

عَلَّلْت بِهِ وَإِنْ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَكَذَا مَا عَلَّلْت بِهِ تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ( وَإِذْ لَمْ يَقْبَلُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يَذْكُرُوا سُؤَالَ اخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ ) فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بَعْدَ اتِّحَادِ الضَّابِطِ فِيهِمَا ( كَإِيلَاجِ مُحَرَّمٍ ) أَيْ كَأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ لِلْحَدِّ بِاللِّوَاطِ هُوَ إيلَاجُ فَرْجٍ مُحَرَّمٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا مُشْتَهًى طَبْعًا ( فَيُحَدُّ بِهِ كَالزِّنَا فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ ( الْمَصْلَحَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي تَحْرِيمِهِمَا ) أَيْ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا ( فَفِي الزِّنَا اخْتِلَاطُ النَّسَبِ الْمُفْضِي إلَى عَدَمِ تَعَهُّدِ الْوَلَدِ وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ تَعَهُّدِهِ ( قَتْلٌ مَعْنًى وَفِي اللِّوَاطِ دَفْعُ رَذِيلَتِهِ ) وَقَدْ يَتَفَاوَتَانِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ بِحَيْثُ لَا تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى فَيُنَاطُ الْحُكْمُ بِإِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا السُّؤَالَ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِمْ الْمُعَارَضَةَ فِي الْأَصْلِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ ( هِيَ ) أَيْ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ لِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ فَلَمْ يَذْكُرُوهُ مُفْرَدًا .
وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّهُ هِيَ ( إذْ حَاصِلُهُ ) أَيْ قَوْلِ الْمُعْتَرِضِ ( الْعِلَّةُ ) فِي الْأَصْلِ ( شَيْءٌ آخَرُ ) وَهُوَ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ ( مَعَ مَا ذَكَرْت وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِهِ مُعَارَضَةً فِي الْأَصْلِ لِإِبْدَاءِ خُصُوصِيَّةٍ فِي ( كَانَ جَوَابُهُ جَوَابُهَا بِإِلْغَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ ) أَيْ مَعَ إلْغَائِهَا ( بِطَرِيقِهِ ) أَيْ الْإِلْغَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْأَمْرَيْنِ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ ( يَنْدَرِجُ فِي مَعْنَى الشُّرُوطِ ) لِلْفَرْعِ إذْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُسَاوِيَ الْأَصْلَ فِيمَا عُلِّلَ بِهِ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِ ، إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَالْمُسَاوَاةُ هُنَا فِي الْفَرْعِ مُنْتَفِيَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ عِلَّةَ الْأَصْلِ كَوْنُهُ مُوجِبًا لِاخْتِلَاطِ النَّسَبِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ

الْمُعْتَرِضُ .

( الثَّالِثُ ) مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْقِيَاسِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا وَهُوَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ ( عَلَيْهِ سُؤَالَانِ الْأَوَّلُ مَنْعُ وُجُودِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي الْفَرْعِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ ( بَيْعُ التُّفَّاحَةِ بِثِنْتَيْنِ بَيْعُ مَطْعُومٍ بِمَطْعُومٍ مُجَازَفَةً فَلَا يَصِحُّ كَصُبْرَةٍ بِصُبْرَتَيْنِ ) وَمَقُولُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ( يَمْنَعُ وُجُودَهُ ) أَيْ الْوَصْفِ ( فِي الْفَرْعِ لِأَنَّ الْمُجَازَفَةَ بِاعْتِبَارِ الْكَيْلِ وَهُوَ ) أَيْ الْكَيْلُ ( مُنْتَفٍ فِيهِ ) أَيْ التُّفَّاحِ ( وَيَرِدُ ) عَلَى هَذَا الْمَنْعِ ( أَنَّهَا ) أَيْ الْمُجَازَفَةَ ( بِاعْتِبَارِ الْمُقَدَّرِ ) لِذَلِكَ شَرْعًا ( كَيْلًا وَوَزْنًا فَالْإِلْحَاقُ ) لِلْفَرْعِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورَيْنِ ( بِاعْتِبَارِ ) الْمُقَدَّمِ ( الْأَعَمِّ ) مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ ( فَإِنَّمَا يُدْفَعُ هَذَا ) الْإِيرَادُ ( بِانْتِفَائِهِمَا ) أَيْ الْكَيْلِ الْوَزْنِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التُّفَّاحَ ( عَدَدِيٌّ وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ عَدَدِيًّا ( مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ التُّفَّاحَ ( كَذَلِكَ ) عَدَدِيٌّ ( فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدِيًّا ( فَالْعَادَةُ ) أَيْ فَالْعِبْرَةُ بِمَا هُوَ الْعُرْفُ فِي بَيْعِهِ مِنْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْعَادَةُ ( مُخْتَلِفَةٌ فِيهِ ) أَيْ التُّفَّاحِ مِنْ كَوْنِهِ وَزْنِيًّا وَغَيْرَهُ ( وَلِمُحَمَّدٍ ) أَيْ وَكَمَا فِيمَا لِمُحَمَّدٍ ( فِي إيدَاعِ الصَّبِيِّ ) غَيْرِ الْمَأْذُونِ مَالًا غَيْرَ الرَّقِيقِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ إذَا أَتْلَفَهُ لِأَنَّ مَالِكَهُ ( سَلَّطَهُ عَلَى اسْتِهْلَاكِهِ ) كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ( فَيَمْنَعَانِ ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْمُقَابِلَةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ إيدَاعَهُ ( تَسْلِيطٌ ) لَهُ عَلَى إتْلَافِهِ لَكِنَّ الْمَسْطُورَ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ كَمَا مَشَيْنَا عَلَيْهِ فِيمَا سَلَفَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُضَمِّنُهُ كَمُحَمَّدٍ ( وَلِلشَّافِعِيَّةِ ) أَيْ وَكَمَا فِيمَا لَهُمْ (

فِي ) صِحَّةِ ( أَمَانِ الْعَبْدِ أَمَانٌ مِنْ أَهْلِهِ فَيُعْتَبَرُ كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ فَيَمْنَعُ أَهْلِيَّتَهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( لَهُ ) أَيْ الْأَمَانِ ( وَجَوَابُهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ ( بِبَيَانِ وُجُودِهِ ) أَيْ هَذَا الْوَصْفِ ( بِعَقْلٍ أَوْ حِسٍّ أَوْ شَرْعٍ ) أَيْ بِمَا هُوَ طَرِيقُ مِثْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ ( وَيَزِيدُ الْمُسْتَدِلُّ هُنَا ) أَيْ فِي هَذَا الْفَرْعِ ( بَيَانَ مُرَادِهِ بِالْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ ) أَيْ بَيَانُ مُرَادِهِ بِهَا ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُؤْمِنِ ( مَظِنَّةً لِرِعَايَةِ مَصْلَحَتِهِ ) أَيْ الْأَمَانِ الثَّابِتَةِ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ ( بِإِسْلَامِهِ وَبُلُوغِهِ وَلَوْ زَادَ الْمُعْتَرِضُ بَيَانَ الْأَهْلِيَّةِ لِيَظْهَرَ انْتِفَاؤُهَا ) فِي الْفَرْعِ ( فَالْمُخْتَارُ لَا يُمْكِنُ ) مِنْهُ ( إذْ هُوَ ) أَيْ بَيَانُ الْمُرَادِ بِهَا ( وَظِيفَةُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ ) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ الْعَالِمُ بِمُرَادِهِ فَيَتَوَلَّى تَعْيِينَ مَا ادَّعَاهُ ( دَفْعًا لِنَشْرِ الْجِدَالِ ) بِالِانْتِقَالِ وَالِاشْتِغَالِ .

السُّؤَالُ ( الثَّانِي الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ ) أَيْ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْعِ بِأَنْ يَقُولَ مَا ذَكَرْته مِنْ الْوَصْفِ وَإِنْ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ فَيَتَوَقَّفُ دَلِيلُك ( وَهِيَ ) أَيْ وَهَذِهِ هِيَ ( الْمُعَارَضَةُ إذَا أُطْلِقَتْ ) فِي بَابِ الْقِيَاسِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا بُدَّ لَهُ ) أَيْ لِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ فِيهِ ( مِنْ أَصْلٍ ) بِجَامِعٍ بَيْنَهُمَا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ ( فَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ ( مُعَارَضَةُ قِيَاسَيْنِ وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِهَا مُعَارَضَةَ قِيَاسَيْنِ ( كَانَتْ ) هِيَ الْمُعَارَضَةُ ( الْحَقِيقَةُ ) أَيْ حَقِيقَةُ الْمُعَارَضَةِ الْمُطْلَقَةِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( إثْبَاتُ وَصْفِهِ ) أَيْ عِلِّيَّتِهِ ( بِمَسْلَكِهِ وَلِلْآخَرِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( اعْتِرَاضُهُ بِمَا يَعْتَرِضُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ فَيَنْقَلِبَانِ ) أَيْ فَيَصِيرُ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا وَالْمُسْتَدِلُّ مُعْتَرِضًا لِانْقِلَابِ وَظِيفَتِهِمَا ( وَهُوَ ) أَيْ انْقِلَابُهُمَا لِانْقِلَابِ التَّنَاظُرِ ( وَجْهُ مَنْعِ مَانِعِهَا ) أَيْ الْقَائِلِ بِعَدَمِ سَمَاعِهَا لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِمَّا قَصَدَاهُ مِنْ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِهِ إلَى أَمْرٍ آخَرَ وَهُوَ مَعْرِفَةُ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ وَالْمُسْتَدِلُّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَعْرِفَةِ صِحَّةِ نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ وَلَا عَلَيْهِ أَتَمَّ نَظَرُ الْمُعْتَرِضِ فِي دَلِيلِهِ أَمْ لَا ( وَدُفِعَ بِأَنَّ ) الِانْقِلَابَ ( الْمُمْتَنِعَ أَنْ يُثْبِتَ ) الْمُعْتَرِضُ ( مُقْتَضَى دَلِيلِهِ ) نَفْسِهِ ( وَهَذَا ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَصْدُهُ ( لِهَدْمِهِ ) أَيْ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ( بِنَقِيضِهِ بَعْدَ تَمَامِهِ ) أَيْ نَقِيضِهِ ( فَالْمَعْنَى تَمَامُ دَلِيلِك ) أَيُّهَا الْمُسْتَدِلُّ ( مَوْقُوفٌ عَلَى هَدْمِ هَذَا ) أَيْ دَلِيلِي لِمُعَارَضَتِهِ لِدَلِيلِك وَقَدْ يُجَابُ عَنْ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْقَدْحِ

فِيهَا وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ ( وَالْمُخْتَارُ قَبُولُ التَّرْجِيحِ بِمَا تَقَدَّمَ ) فِي تَرْجِيحِ الْقِيَاسِ ( وَلَا خِلَافَ فِيهِ ) أَيْ فِي قَبُولِ التَّرْجِيحِ فِيهِ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ ) بِالدَّلِيلِ الْمُعَارِضِ ( بَعْدَ الْمُعَارَضَةِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ ) أَيْ التَّرْجِيحِ ( وَقِيلَ لَا ) يُقْبَلُ التَّرْجِيحُ ( لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِي الظَّنَّيْنِ ) إذْ لَا مِيزَانَ يُوزَنُ بِهِ الظُّنُونُ وَلَا مِعْيَارَ يُعْرَفُ بِهِ مَرَاتِبُهَا ( وَالتَّرْجِيحُ فَرْعُهُ ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا ( وَهَذَا ) مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ ( يُبْطِلُ التَّرْجِيحَ مُطْلَقًا وَدَلَالَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ) أَيْ التَّرْجِيحِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ ( يُبْطِلُهُ ) أَيْ إبْطَالُ التَّرْجِيحِ مُطْلَقًا .

( وَعَلَى الْمُخْتَارِ ) مِنْ قَبُولِ التَّرْجِيحِ هَلْ يَجِبُ الْإِيمَاءُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي مَتْنِ الدَّلِيلِ كَأَنْ يَقُولَ أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ مُوَافِقًا لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَجِبُ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ شَرْطُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِهِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ ( لَا تَجِبُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ) أَيْ التَّرْجِيحِ ( عَلَى الْمُسْتَدِلِّ ) قَبْلَ الْمُعَارَضَةِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّرْجِيحَ ( لَيْسَ ) جُزْءًا ( مِنْهُ ) أَيْ الدَّلِيلِ لِلتَّوَصُّلِ بِالدَّلِيلِ إلَى الْمَدْلُولِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْهُ نَعَمْ يُوقَفُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ عَلَيْهِ عِنْدَ حُصُولِ الْمُعَارِضِ ( وَتَوَقُّفُ الْعَمَلِ عَلَيْهِ ) أَيْ التَّرْجِيحِ ( عِنْدَ ظُهُورِ الْمُعَارَضَةِ شَرْطٌ ) لَهُ ( مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ ) وَهُوَ ظُهُورُ الْمُعَارَضَةِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِ ظُهُورِهَا لِدَفْعِهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الدَّلِيلِ فَلَا يَجِبُ ذِكْرُهُ فِي الدَّلِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ لُزُومُهُ ) أَيْ الْإِيمَاءِ إلَى التَّرْجِيحِ فِي الدَّلِيلِ ( فِي الْعَمَلِ ) أَيْ عَمَلِ الْمُنَاظِرِ ( لِنَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ دَلِيلًا مُوجِبًا لِلْعَمَلِ إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُعَارِضِ أَوْ مَرْجُوحِيَّتِهِ فَيَلْزَمُ الْإِيمَاءُ إلَى التَّرْجِيحِ فِي دَلِيلِهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْمُعَارِضِ لِيَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ ( لَا ) فِي ( الْمُنَاظَرَةِ ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ قَبْلَ إبْدَاءِ الْمُعَارَضَةِ .

( وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ سُؤَالِ اخْتِلَافِ الضَّابِطِ ) أَيْ الْوَصْفِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَهُوَ ( أَنْ يَجْمَعَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ عِلَّتَيْنِ كَشُهُودِ الزُّورِ ) إذَا شَهِدُوا عَلَى إنْسَانٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِرُجُوعِهِمْ فَيُقَالُ يُقْتَلُونَ لِأَنَّهُمْ ( تَسَبَّبُوا فِي الْقَتْلِ فَيُقْتَصُّ ) مِنْهُمْ ( كَالْمُكْرِهِ ) لِغَيْرِهِ عَلَى قَتْلٍ عَمْدٍ عُدْوَانٍ ( فَيُقَالُ الضَّابِطُ ) فِيهِمَا مُخْتَلِفٌ ( فِي الْأَصْلِ الْإِكْرَاهُ وَفِي الْفَرْعِ الشَّهَادَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ اعْتِبَارُ تُسَاوِيهِمَا ) أَيْ الْإِكْرَاهِ وَالشَّهَادَةِ ( مَصْلَحَةً ) وَهِيَ الزَّجْرُ عَنْ التَّسَبُّبِ لِلْقَتْلِ الظُّلْمِ ( شَرْعًا لِيُقْتَلَ ) الشَّاهِدُ ( بِالشَّهَادَةِ ) فَقَدْ يَكُونُ مَا وُجِدَ مِنْ التَّسَبُّبِ فِي ضَابِطِ الْأَصْلِ رَاجِحًا عَلَى مَا وُجِدَ مِنْهُ فِي ضَابِطِ الْفَرْعِ فَلَا يُمْكِنُ تَعَدِّيَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ .
( وَجَوَابُهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ لِهَذَا السُّؤَالِ ( إمَّا بِأَنَّ الضَّابِطَ ) بَيْنَ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ الْخَاصَّيْنِ ( التَّسَبُّبُ ) الْمُطْلَقُ وَهُوَ ( مُنْضَبِطٌ عُرْفًا ) وَهَذَا الْجَوَابُ ( عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ ) فِي مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْقِيَاسِ الثُّبُوتُ فِي الْفُرُوعِ ( مِنْ الْقِيَاسِ لِلْعِلَّةِ ) أَيْ لَا يُعَلَّلُ لِإِثْبَاتِهَا ( لِمَنْ مَنَعَهُ ) أَيْ الْقِيَاسَ بِهَا ( وَجَعَلَ ) الْمَنَاطَ ( الْمُشْتَرَكَ ) بَيْنَ الْأَمْرِ الَّذِي ثَبَتَ عِلِّيَّتُهُ لِحُكْمٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ كَذَلِكَ ( عِلَّتَهُ ) أَيْ عِلَّةَ ذَلِكَ الْمَنَاطِ الْمُشْتَرَكِ إنْ انْضَبَطَ وَكَانَ ظَاهِرًا وَحِينَئِذٍ فَلَا قِيَاسَ وَمَا يُخَالُ أَصْلًا وَفَرْعًا إنَّمَا هُمَا فَرْدَا ذَلِكَ الْمَنَاطِ الْمُشْتَرَكِ ( أَوْ بِأَنَّ إفْضَاءَهُ ) أَيْ الضَّابِطِ إلَى الْمَقْصُودِ فِي الْفَرْعِ ( مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ إفْضَاءِ الضَّابِطِ إلَى الْمَقْصُودِ فِي الْأَصْلِ ( أَوْ أَرْجَحُ ) مِنْهُ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ وَبِطَرِيقٍ أَوْلَى عَلَى

التَّقْدِيرِ الثَّانِي كَمَا ( فِيمَا لَوْ جَعَلَ أَصْلَهُ ) أَيْ أَصْلَ هَذَا الْفَرْعِ ( إغْرَاءُ الْحَيَوَانِ ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُسْتَدِلُّ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الشَّاهِدِ زُورًا بِإِغْرَائِهِ لِأَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى الْقَتْلِ بِالْقِصَاصِ لِشَهَادَتِهِ قِيَاسًا عَلَى إغْرَاءِ الْحَيَوَانِ عَلَى الْقَتْلِ ( فَإِنَّ الشَّهَادَةَ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ إغْرَاءِ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ انْبِعَاثَ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَى قَتْلِ مَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ طَلَبًا لِلتَّشَفِّي وَالْأَخْذِ بِثَأْرِ الْمَقْتُولِ أَرْجَحُ مِنْ انْبِعَاثِ الْحَيَوَانِ عَلَى قَتْلِ مَنْ يُغْرِي هُوَ عَلَيْهِ لِسَبَبِ نُفْرَتِهِ عَنْ الْآدَمِيِّ وَعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْإِغْرَاءِ .
( وَكَوْنُهُمَا ) أَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ ( التَّسَبُّبَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى التَّسَبُّبِ بِالْإِغْرَاءِ ) كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَصَرَّحَ بِهِ عَضُدُ الدِّينِ قِيَاسٌ ( بِلَا جَامِعٍ بَلْ ) الْوَجْهُ فِيهِمَا ( الشَّهَادَةُ ) أَيْ قِيَاسُهَا ( عَلَى الْإِكْرَاهِ أَوْ الْإِغْرَاءِ أَوْ الشَّاهِدِ ) أَيْ قِيَاسِهِ ( عَلَى الْمُكْرَهِ بِالتَّسَبُّبِ أَوْ بِإِلْغَاءِ التَّفَاوُتِ ) بَيْنَ ضَابِطَيْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْمَصْلَحَةِ ( إذَا أَثْبَتَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلُّ التَّفَاوُتَ ( فِي خُصُوصِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا إذَا قَالَ التَّفَاوُتُ الْمَذْكُورُ مُلْغًى فِي الْقِصَاصِ لِمَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْقِصَاصِ بِالْمَوْتِ بِقَطْعِ الْأُنْمُلَةِ وَبِالْمَوْتِ بِضَرْبِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ الرَّقَبَةِ أَشَدَّ إفْضَاءً إلَى الْمَوْتِ مِنْ قَطْعِ الْأُنْمُلَةِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُثْبِتْهُ فِي خُصُوصِهِ ( لَمْ يَفْدِ ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ فَارِقٍ مُعَيَّنٍ إلْغَاءُ كُلِّ فَارِقٍ ( فَلَمْ تَذْكُرْهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ ( الْحَنَفِيَّةُ لِرُجُوعِهِ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَسُؤَالُ الْقَلْبِ مُنْدَرِجٌ فِي الْمُعَارَضَةِ ) لِأَنَّهَا دَلِيلٌ يَثْبُتُ بِهِ خِلَافُ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْقَلْبُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهَا

مَخْصُوصٌ فَإِنَّ الْأَصْلَ وَالْجَامِعَ فِيهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ قِيَاسَيْ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعَارِضِ ذَكَرَهُ عَضُدُ الدِّينِ شَرْحًا لِقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ اشْتَرَكَ فِيهِ الْأَصْلُ وَالْجَامِعُ لَكِنْ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْخِلَافِيِّينَ وَهِيَ إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى خِلَافِهِ مَا أَقَامَ الْمُسْتَدِلُّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مُغَايِرًا لِدَلِيلِهِ أَوْ عَيْنَهُ وَهِيَ أَعَمُّ مِنْ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لِاشْتِرَاطِ مُغَايَرَةِ الْوَصْفَيْنِ أَعْنِي وَصْفَيْ الْمُعَلِّلِ وَالْمُعَارِضِ فِيهَا ا هـ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَضُدِ الدِّينِ .
وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِيءُ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُعَارَضَةِ فِي قَبُولِهِ وَيَكُونُ الْمُخْتَارُ قَبُولَهُ إلَّا أَنَّهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْمَحْضَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الِانْتِقَالِ فَإِنَّ قَصْدَ هَدْمِ دَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِأَدَائِهِ إلَى التَّنَاقُضِ ظَاهِرٌ فِي الْقَلْبِ وَلِأَنَّهُ مَانِعٌ لِلْمُسْتَدِلِّ مِنْ تَرْجِيحِ دَلِيلِهِ عَلَى دَلِيلِ الْمُعْتَرِضِ بِالتَّوْسِعَةِ وَالتَّعَدِّيَةِ إذْ التَّرْجِيحُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَهُنَا دَلِيلٌ وَاحِدٌ ا هـ مُوَضَّحًا فِيهِ تَأَمَّلْ .

( وَكَلَامُ الْحَنَفِيَّةِ الْمُعَارَضَةُ ) وَأَسْلَفْنَا بَيَانَهَا ( نَوْعَانِ ) النَّوْعُ الْأَوَّلُ ( مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ ) وَهِيَ الْمُقَابَلَةُ بِالتَّعْلِيلِ الْمُبْطِلِ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ ( وَهِيَ الْقَلْبُ ) وَتَحْقِيقُهَا أَنَّ الْمُعَارَضَةَ إبْدَاءُ دَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِدَلِيلِ الْمُعَلِّلِ وَالْمُنَاقَضَةُ إبْطَالُ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ بِدُونِ إبْدَاءِ دَلِيلٍ مُبْتَدَأٍ وَلَمَّا كَانَ الْقَلْبُ مُرَكَّبًا مِنْ أَحَدِ جُزْأَيْ الْمُعَارَضَةِ وَهُوَ إبْدَاءُ عِلَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَأَحَدُ جُزْأَيْ الْمُنَاقَضَةِ وَهُوَ إبْطَالُ الدَّلِيلِ سَمَّيْنَاهُ بِاسْمٍ آخَرَ مُنْبِئٍ عَنْهُمَا وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فِيهَا مُنَاقَضَةٌ وَلَمْ يُسَمِّ مُنَاقَضَةً فِيهَا مُعَارَضَةٌ لِأَنَّ إبْدَاءَ الْعِلَّةِ بِمُقَابَلَةِ دَلِيلِ الْمُعَلِّلِ سَابِقٌ وَمَقْصُودٌ وَتَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي ضِمْنِ ذَلِكَ فَكَانَتْ الْمُعَارَضَةُ أَصْلًا ( وَيُقَالُ ) الْقَلْبُ ( لِجَعْلِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ ) وَالْأَسْفَلَ أَعْلَى كَقَلْبِ الْإِنَاءِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ جَعْلِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ وَالْأَسْفَلَ أَعْلَى ( جَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً وَقَلْبِهِ ) أَيْ جَعْلِ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا فَجَعْلُ الْمَعْلُولِ عِلَّةً جَعْلُ الْأَسْفَلِ أَعْلَى وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَعْلُولًا جَعْلُ الْأَعْلَى أَسْفَلَ ( فَإِنَّ الْعِلَّةَ أَعْلَى لِلْأَصْلِيَّةِ ) أَيْ لِأَنَّهَا أَصْلٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَالْمَعْلُولُ فَرْعٌ وَهُوَ أَسْفَلُ فَتَبْدِيلُهُمَا بِمَنْزِلَةِ جَعْلِ الْإِنَاءِ مَنْكُوسًا .
( وَإِنَّمَا يُمْكِنُ ) هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ ( فِي التَّعْلِيلِ بِحُكْمٍ ) أَيْ فِيمَا إذَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمًا فِي الْأَصْلِ عِلَّةً لِحُكْمٍ آخَرَ فِيهِ عَدَّاهُ إلَى الْفَرْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا اسْتَقَامَ عِلَّةً اسْتَقَامَ حُكْمًا لَا فِي التَّعْلِيلِ بِالْوَصْفِ الْمَحْضِ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ حُكْمًا بِوَجْهٍ وَلَا الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ عِلَّةً لَهُ أَصْلًا ( كَالْكُفَّارِ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ : الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ حَتَّى لَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الْحُرُّ الْعَاقِلُ

الْبَالِغُ الَّذِي وَطِئَ امْرَأَةً فِي الْقُبُلِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُرْجَمُ لِأَنَّ الْكُفَّارَ جِنْسٌ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً إذَا كَانَ حُرًّا ( فَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ ) أَيْ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارَ الْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءَ الْوَاطِئِينَ لِامْرَأَةٍ فِي الْقُبُلِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُرْجَمُونَ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ مِائَةً فَجَعَلَ جَلْدَ الْبِكْرِ مِائَةً عِلَّةً لِوُجُوبِ رَجْمِ الثَّيِّبِ فِي الْمُسْلِمِينَ وَقَاسَ الْكُفَّارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْجَامِعِ وَهُوَ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ يَقَعَانِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ( فَيَقُولُ ) الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ لِأَنَّهُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ بَلْ ( إنَّمَا جُلِدَ بِكْرُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ ) فَلَا يَلْزَمُ رَجْمُ الذِّمِّيِّ الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الثَّيِّبِ الزَّانِي ( فَحَيْثُ جَعَلَ ) الْحَنَفِيُّ الْمُعْتَرِضُ مَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ الْمُسْتَدِلُّ ( الْعِلَّةَ ) فِي الْأَصْلِ وَهُوَ جَلْدُ الْمِائَةِ ( حُكْمًا ) فِيهِ وَمَا جَعَلَهُ حُكْمًا فِيهِ وَهُوَ رَجْمُ الثَّيِّبِ الْعِلَّةَ فِيهِ كَانَ هَذَا الْقَلْبُ مُعَارَضَةً صُورَةً لِتَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ بِتَعْلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْحُكْمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَكَانَ الْحُكْمُ عِلَّةً ( لَزِمَهَا النَّقْضُ ) لِأَنَّهَا لَمَّا صَارَتْ حُكْمًا فَهِيَ تُوجَدُ وَلَا يُوجَدُ مَعَهَا الْحُكْمُ وَلَيْسَ النَّقْضُ إلَّا وُجُودَ الْمُدَّعِي عِلَّةً مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَهَذَا ( قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ مُعَارَضَةً ( فِيهَا مُنَاقَضَةٌ ) أَيْ إبْطَالٌ لِتَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ .
هَذَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَعَامَّةُ الْأُصُولِيِّينَ مَعْنَى الْمُعَارَضَةِ فِي هَذَا الْقَلْبِ وَجَعَلُوهُ إبْطَالًا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلْهِنْدِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ الْمُعَارَضَةَ إبْدَاءُ دَلِيلٍ يُوجِبُ خِلَافَ مَا

أَوْجَبَهُ دَلِيلُ الْمُعَلِّلِ فِي مَحَلِّ اسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا هُنَا فِي الْقَلْبِ إذْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبِ لَا يَتَعَرَّضُ لِحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَإِنَّمَا يَدُلُّ تَعْلِيلُهُ عَلَى فَسَادِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَكَانَ إبْطَالًا لَا مُعَارَضَةً وَفِي الْكَشْفِ لَكِنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ اعْتَبَرَ صُورَةَ الْمُعَارَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْغَالِبَ عَارَضَ تَعْلِيلَ الْمُعَلِّلِ بِتَعْلِيلٍ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ تَعْلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ حُكْمِهِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ فِي الْأَصْلِ فِي الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِتَعْلِيلِ الْقَالِبِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ تَعَقَّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُعَيَّنَةِ عَدَمُ الْمَعْلُولِ لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ لِأَنَّ دَلِيلَهُ تَعْلِيلٌ بِأَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَهَذَا عَدَمِيٌّ وَقَدْ عُرِفَ الْخِلَافُ فِيهِ وَأَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ جَوَازِهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَلَعَمْرِي هُوَ أَقْرَبُ إلَى الْمُمَانَعَةِ مِنْهُ إلَى الْمُعَارَضَةِ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَمْنَعُ نَفْسَ الدَّلِيلِ وَصَلَاحِيَّتَهُ لِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَقَطَعَ بِهِ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ .
( وَالِاحْتِرَاسُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ هَذَا الْقَلْبِ حَتَّى لَا يَتَأَتَّى إيرَادُهُ عَلَى الْمُعَلِّلِ ( جَعَلَهُ ) أَيْ الْكَلَامَ ( اسْتِدْلَالًا ) أَيْ لَا يُورَدُ الْحُكْمَانِ بِطَرِيقِ تَعْلِيلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بَلْ بِطَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي جَعْلِ الْمَعْلُولِ دَلِيلًا عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنْ يُقَيِّدَ الثُّبُوتَ بِتَصْدِيقِهَا كَمَا يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ قَدْ مَسَّتْهَا النَّارُ لِأَنَّهَا مُحْتَرِقَةٌ وَهَذَا الْإِنْسَانُ مُتَعَفِّنُ الْأَخْلَاطِ لِأَنَّهُ مَحْمُومٌ ( وَهُوَ ) أَيْ الِاحْتِرَاسُ عَنْهُ بِهَذَا

الطَّرِيقِ إنَّمَا يَتِمُّ ( إذَا ثَبَتَ التَّلَازُمُ شَرْعًا ) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَيَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا دَلِيلَ الْآخَرِ وَمَدْلُولَهُ ( كَالتَّوْأَمَيْنِ ) أَيْ الْمَوْلُودَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ ( فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالنَّسَبِ ) فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ لِأَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَالرِّقُّ فِي أَيِّهِمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ وَنَسَبُ أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ لِثُبُوتِهِ فِي الْآخَرِ مِثَالُهُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ : الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا كَالْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ فَلَوْ قِيلَ قَلْبًا الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ يُوَلَّى عَلَيْهَا فِي نَفْسِهَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ لِلْوِلَايَةِ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ الْمَوْجُودُ فِي الْمَوْلَى عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَى التَّصَرُّفِ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحُرِّ اكْتِفَاءً بِرَأْيِهِ وَإِنَّمَا يُقَامُ رَأْيُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ إذَا عُدِمَ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ نَظَرًا لَهُ وَلِهَذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُ الْوَلِيِّ لَهُ مَشْرُوطَةً بِالْغِبْطَةِ فَالْوِلَايَةُ لِلْوَلِيِّ ظَاهِرًا وَعَلَيْهِ مَعْنًى وَلِهَذَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ رَدِّهَا وَيَأْثَمُ بِتَقْصِيرِهِ فِي رِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَهُ .
وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ وَالثَّيِّبُ وَالْبِكْرُ فِي الْعَجْزِ وَالْحَاجَةِ سَوَاءٌ فَأَمْكَنَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَلَى ثُبُوتِهَا فِي الْأُخْرَى لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْعِلَّةِ بِخِلَافِ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ هَذَا الْمَخْلَصُ بِهَذَا الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ لِأَنَّ الرَّجْمَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ لِإِتْيَانِهِ عَلَى النَّفْسِ وَالْجَلْدَ نَائِبٌ مَحَلُّهُ ظَاهِرُ الْبَدَنِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الشَّرْطُ لِأَنَّ النِّيَابَةَ شَرْطُ الرَّجْمِ دُونَ الْجَلْدِ فَجَازَ

أَنْ يُفَرَّقَا فِي شَرْطِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَلْزَمُ الِانْقِطَاعُ صُورَةً هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ يُوهِمُ أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يَصِيرُ مُنْقَطِعًا بِالْقَلْبِ فَلَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ بَعْدَهُ قَالَ الْفَاضِلُ الْقَاآنِي وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِذَاكَ أَوْ لَا بِأَنْ يَقُولَ الْكُفَّارُ يُجْلَدُ بِكْرُهُمْ وَيُرْجَمُ ثَيِّبُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ التَّدَارُكُ مُمْكِنٌ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُؤَثِّرِ تُطْلَقُ عَلَى الْمُعَرِّفِ وَالْمُرَادُ هُوَ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّنَا الْقَلْبُ لِأَنَّ الشَّيْءَ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُعَرِّفًا لِشَيْءٍ وَذَلِكَ الشَّيْءُ مُعَرِّفًا لَهُ كَالنَّارِ مَعَ الدُّخَانِ قَالَ فِي الْمَحْصُولِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ عِلَّةً لِصَاحِبِهِ بِمَعْنَى كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُعَرِّفًا لِصَاحِبِهِ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَبِأَنْ يَقُولَ غَرَضِي الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَمَا ذَكَرْت مِنْ الْقَلْبِ لَا يُنَافِي غَرَضِي فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعَلِّلَ لَا يَنْقَطِعُ بِالْقَلْبِ وَلَهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ عَنْهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ ( وَ ) يُقَالُ ( لِجَعْلِ الظَّهْرِ بَطْنًا ) وَالْبَطْنَ ظَهْرًا كَقَلْبِ الْجِرَابِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ ( جَعْلُ وَصْفِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( شَاهِدًا ) أَيْ حُجَّةً ( لَك ) أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُ عَلَيْك فِي إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ فَوَجْهُ الْوَصْفِ كَانَ إلَى الْمُعَلِّلِ أَيْ مُقْبِلًا عَلَيْهِ وَظَهْرُهُ إلَى السَّائِلِ أَيْ مُعْرِضًا عَنْهُ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى السَّائِلِ وَظَهْرُهُ إلَى الْمُعَلِّلِ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَصْفَ لَمَّا شَهِدَ لِلْمُعْتَرِضِ بَعْدَ مَا شَهِدَ عَلَيْهِ صَارَ مُتَنَاقِضًا فِي شَهَادَتِهِ فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُ .
( وَلَا بُدَّ فِيهِ )

أَيْ فِي هَذَا النَّوْعِ ( مِنْ زِيَادَةٍ ) فِي الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ ( تُورِدُ تَفْسِيرًا لِمَا أَبْهَمَهُ الْمُسْتَدِلُّ ) مِنْ الْوَصْفِ وَتَقْرِيرًا لَهُ لَا تَغْيِيرًا فَكَانَ الْحُكْمُ مُعَلَّقًا بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا بِغَيْرِهِ لِيَلْزَمَ أَنْ لَا يَكُونَ قَلْبًا بَلْ يَكُونُ مُعَارَضَةً مَحْضَةً غَيْرَ مُتَضَمِّنَةٍ لِلْإِبْطَالِ وَحَقِيقَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ أَنَّهُ رَبْطُ خِلَافِ قَوْلِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ إلْحَاقًا بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ ( كَصَوْمِ فَرْضٍ ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي نِيَّةِ صَوْمِ رَمَضَانَ صَوْمُ فَرْضٍ ( فَلَا يَتَأَدَّى بِلَا تَعْيِينٍ ) لِلنِّيَّةِ ( كَالْقَضَاءِ ) أَيْ كَصَوْمِ الْقَضَاءِ فَعَلَّقَ وُجُوبَ التَّعْيِينِ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ ( فَيَقُولُ ) الْحَنَفِيُّ ( صَوْمُ فَرْضٍ مُتَعَيِّنٍ ) قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِانْتِفَاءِ سَائِرِ الصِّيَامَاتِ عَنْ الْوَقْتِ ( فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى تَعْيِينِ النِّيَّةِ بَعْدَ تَعَيُّنِهِ ( كَالْقَضَاءِ ) أَيْ كَصَوْمِهِ ( بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ ) فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا عَيَّنَ مَرَّةً لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ ثَانِيًا فَالْمُسْتَدِلُّ قَالَ صَوْمُ فَرْضٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَيِّنًا فِي هَذَا الْوَقْتِ تَرْوِيجًا لِمَطْلُوبِهِ وَذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ تَفْسِيرًا لَهُ وَبَيَانًا لِمَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ الصَّوْمُ الْفَرْضُ الْمُتَعَيَّنُ فِي وَقْتِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ لَهُ صَوْمَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ غَايَتُهُ أَنَّ تَعْيِينَ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْقَضَاءِ بِالشُّرُوعِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ تَعْيِينُ الشَّارِعِ أَدْنَى مِنْ تَعْيِينِ الْعَبْدِ .
( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ ( رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَلَيْسَ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ فَيَقُولُ ) الْحَنَفِيُّ الْمَسْحُ ( رُكْنٌ فِيهِ ) أَيْ الْوُضُوءِ ( أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ ) وَهُوَ اسْتِيعَابُ بَاقِيهِ (

فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ كَالْغُسْلِ فَهِيَ ) أَيْ الزِّيَادَةُ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْفَرْضِ ( تَفْسِيرٌ ) لِحُصُولِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي تَثْلِيثِ الْمَسْحِ بَعْدَ إكْمَالِهِ كَذَلِكَ ) أَيْ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ ( وَهُوَ الِاسْتِيعَابُ وَلَمْ يَصِحَّ إيرَادُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ لِهَذَا ) الْمِثَالِ ( فِي الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لَيْسَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَقْرِيرٌ فِي الْمَعْنَى فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ مَا جَعَلَ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ دَلِيلًا عَلَى نَقِيضِ مُدَّعَاهُ فَيَلْزَمُ إبْطَالُهُ ( وَإِذَا عَلِمْت ) فِي أَوَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ ( أَنَّ الْإِيرَادَ ) أَيْ إيرَادَ الْمُعْتَرِضِ لِلِاعْتِرَاضِ إنَّمَا هُوَ ( عَلَى ظَنِّهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( التَّأْثِيرَ لَا ) عَلَى ( حَقِيقَتِهِ ) أَيْ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( صَحَّ إيرَادُ الْقَلْبِ عَلَى ) الْعِلَلِ ( الْمُؤَثِّرَةِ كَفَسَادِ الْوَضْعِ ) إذْ الْمُنَافَاةُ إنَّمَا هِيَ بَيْنَ التَّأْثِيرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَتَمَامُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى الْقَطْعِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ ( وَيُخَالِفُهُ ) أَيْ الْقَلْبَ فَسَادُ الْوَضْعِ ( بِالزِّيَادَةِ ) فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْقَلْبِ ( وَبِكَوْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُسْتَدِلُّ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْقَلْبِ ( أَعَمَّ مِنْ مُدَّعَاهُ ) فَلَا يَكُونُ مَنْعُ وُرُودِهِ عَلَى الْمُؤَثِّرَةِ صَحِيحًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَلْبَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْقَالِبَ إنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِنَقِيضِ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْأَصْلِ الْوَاحِدِ حُكْمَانِ غَيْرُ مُتَنَافِيَيْنِ .
وَإِنْ تَعَرَّضَ لِنَقِيضِهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ بِأَصْلِ الْمُسْتَدِلِّ وَلَا إثْبَاتِهِ بِعِلَّتِهِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَاسْتِحَالَةِ اقْتِضَاءِ الْعِلَّةِ حُكْمَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لِتَعَذُّرِ مُنَاسَبَتِهِمَا لَهُمَا وَأُجِيبَ عَنْ

الْأَوَّلِ بِالْمَنْعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا تَعَرَّضَ لِنَفْيِهِ مِنْ لَوَازِمِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قَادِحًا فِي الدَّلِيلِ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ شَرْطَ الْقَلْبِ اشْتِمَالُ الْأَصْلِ عَلَى حُكْمَيْنِ غَيْرِ مُتَنَافِيَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا قَدْ امْتَنَعَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْفَرْعِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَأَنْ لَا يَكُونَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ وَنَقِيضِهِ حَقِيقَةً فَلَمْ يَكُنْ اجْتِمَاعُهُمَا فِي أَصْلِ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ مُنَاسِبَةً لِلْحُكْمِ فِي نَظَرِ الْمُسْتَدِلِّ وَلِنَقِيضِهِ فِي نَظَرِ الْمُعْتَرِضِ فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ فِي الْفَرْعِ ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ الْقَلْبَ صَحِيحٌ وَهُوَ مُعَارَضَةٌ فَلِلْمُسْتَدِلِّ أَنْ يَمْنَعَ حُكْمَ الْقَالِبِ فِي الْأَصْلِ وَأَنْ يَقْدَحَ فِي تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ فِيهِ بِالنَّقْضِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَأَنْ يَقُولَ بِمُوجِبِهِ إذَا أَمْكَنَهُ بِبَيَانِ أَنَّ اللَّازِمَ لَا يُنَافِي حُكْمَهُ وَأَنْ يَقْلِبَ قَلْبَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَلْبُ الْقَلْبِ مُنَاقِضًا لِحُكْمِهِ لِأَنَّ قَلْبَ الْقَلْبِ إذَا فَسَدَ بِالْقَلْبِ الثَّانِي سَلِمَ أَصْلُ الْقِيَاسِ مِنْ الْقَلْبِ كَذَا فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْأُصُولِ وَقِيلَ لَا يُسْمَعُ الْقَلْبُ وَالنَّقْضُ عَلَى الْقَلْبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْسَادِ لِكَلَامِ الْخَصْمِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ وَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِبَيَانِ أَنَّ هَذَا الْقَلْبَ لَا يُخْرِجُ دَلَالَةَ الْوَصْفِ عَلَى الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَعْلِيلِ الْمُعَلِّلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا يَرِدُ عَلَى الْأَوَّلِ كَذَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ .
( قَالُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( وَيَقْلِبُ الْعِلَّةَ مِنْ وَجْهٍ فَاسِدٍ كَعِبَادَةٍ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا فَلَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَالْوُضُوءِ ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ فِي نَفْلٍ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ غَيْرُ مُلْزِمٍ لِلشَّارِعِ فِيهِ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ إذَا أَفْسَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا إذَا فَسَدَتْ

كَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا فَلَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْكُلَّ عِبَادَةٌ وَلَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا وَاحْتُرِزَ بِلَا يَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهَا عَنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهِ بِالشُّرُوعِ لِوُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي فَاسِدِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْمُضِيِّ فِي الْفَاسِدَةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِالشُّرُوعِ ( فَيَقُولُ ) الْحَنَفِيُّ مَا كَانَ عِبَادَةً لَا يَمْضِي فِي فَاسِدِهَا ( فَيَسْتَوِي عَمَلُ النَّذْرِ وَالشُّرُوعُ فِيهَا كَالْوُضُوءِ ) أَيْ كَمَا اسْتَوَى عَمَلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ لَمَّا لَمْ يَلْزَمْ بِالشُّرُوعِ لَمْ يَلْزَمْ بِالنَّذْرِ ( فَتَلْزَمُ ) الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ ( بِالشُّرُوعِ لِأَنَّهَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الشُّرُوعُ مَعَ النَّذْرِ فِي الْإِيجَابِ بِمَنْزِلَةِ تَوْأَمَيْنِ لَا يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ النَّاذِرَ عَهِدَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَالشَّارِعُ عَزَمَ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ صِيَانَةً لِمَا أَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَحَيْثُ وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ إجْمَاعًا وَجَبَتْ بِالشُّرُوعِ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَيُسَمَّى هَذَا قَلْبُ التَّسْوِيَةِ ( وَسَمَّاهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَكْسًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ عَكْسُ خُصُوصِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ ) أَيْ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهُوَ الْوُضُوءُ فِي هَذَا الْمِثَالِ ( عَدَمُ اللُّزُومِ بِالنَّذْرِ وَلِشُرُوعٍ فِي الْفَرْعِ ) أَيْ الْعِبَادَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ لُزُومُهَا بِهِمَا .
( وَهَذَا ) النَّوْعُ مِنْ الْقَلْبِ هُوَ ( الْمَنْسُوبُ إلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوَّلُ الْقِيَاسِ مُسَمًّى بِقِيَاسِ الْعَكْسِ ) وَلَيْسَ بِقِيَاسٍ ( وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ لِاعْتِرَاضٍ ) هُوَ رَدُّ الْحُكْمِ عَلَى خِلَافِ سُنَنِ الْأَصْلِ ( وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِهِ فَقِيلَ نَعَمْ ) يُقْبَلُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ

الشِّيرَازِيُّ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ ( إذْ جَعَلَ ) الْمُعْتَرِضُ ( وَصْفَهُ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( شَاهِدًا لِمَا يَسْتَلْزِمُ نَقِيضَ مَطْلُوبِهِ ) أَيْ الْمُسْتَدِلِّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْحُكْمُ الْمُسْتَلْزِمُ لِنَقِيضِ مَطْلُوبِ الْمُسْتَدِلِّ ( الِاسْتِوَاءُ ) لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ الشُّرُوعُ وَالنَّذْرُ لَوْ ثَبَتَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الشُّرُوعِ مُلْزِمًا كَالنَّذْرِ وَهُوَ خِلَافُ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ ( وَالْمُخْتَارُ ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَالْخَبَّازِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ أَنَّهُ ( لَا ) يُقْبَلُ ( لِأَنَّ كَوْنَ الْوَصْفِ يُوجِبُ شَبَهًا فِي شَيْءٍ لَا يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الشَّبَهِ ) بَيْنَ الْمُتَشَابِهَيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ ( لِيَلْزَمَ الِاسْتِوَاءُ مُطْلَقًا ) لَهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا ثُمَّ الْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ لِانْتِفَاءِ اتِّحَادِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فِي الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ الِاسْتِوَاءِ فِيهِمَا فَإِنَّ اسْتِوَاءَ النَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ سُقُوطُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلنَّذْرِ وَالشُّرُوعِ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ ثُبُوتُ الْإِلْزَامِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ اسْتِوَاؤُهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُلْزِمًا وَالثُّبُوتُ وَالسُّقُوطُ مَعْنَيَانِ مُتَنَافِيَانِ وَكَيْفَ لَا وَظَاهِرُ امْتِنَاعِ تَعْدِيَةِ اسْتِوَاءِ السُّقُوطِ فِي الْوُضُوءِ لِإِثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُهُ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ .
( وَمَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ) النَّوْعِ ( الثَّانِي ) مِنْ الْقَلْبِ ( وَهُوَ دَعْوَى تَجْوِيزِ ثُبُوتِ نَقِيضِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْفَرْعِ بِوَصْفِهِ ) أَيْ وَصْفِ حُكْمِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْأَصْلِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ وُجُودَ الْجَامِعِ فِي الْفَرْعِ يَسْتَلْزِمُ مُخَالَفَةَ حُكْمِهِ حُكْمَ الْأَصْلِ فَوُجُودُ الْجَامِعِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُسْتَلْزِمٌ لِحُكْمَيْنِ مُتَخَالِفَيْنِ فِيهِمَا يَصِحُّ إضَافَتُهُمَا إلَى الْجَامِعِ لِأَنَّهُمَا

لَازِمَانِ لَهُ وَإِلَى الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ لِحُلُولِهِمَا فِيهِمَا ( وَهُوَ قَلْبٌ ) مِنْ الْمُعْتَرِضِ ( لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( لِيُبْطِلَ الْمُسْتَدِلَّ ) أَيْ مَذْهَبَهُ فَيَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ لِتَنَافِيهِمَا ( كَلُبْثٍ ) أَيْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ الِاعْتِكَافُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لُبْثٌ مَخْصُوصٌ ( وَمُجَرَّدُهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى ( كَالْوُقُوفِ ) بِعَرَفَةَ فَإِنَّ مُجَرَّدَهُ غَيْرُ قُرْبَةٍ وَإِنَّمَا صَارَ قُرْبَةً بِانْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ فَلَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ اعْتِبَارِ عِبَادَةٍ مَعَهُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً ( فَيُشْتَرَطُ فِيهِ ) أَيْ فِي الِاعْتِكَافِ ( الصَّوْمُ ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ انْضِمَامِ عِبَادَةٍ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً قَالَ هِيَ الصَّوْمُ لَا غَيْرُ ( فَيَقُولُ ) الشَّافِعِيُّ ( فَلَا يُشْتَرَطُ ) فِيهِ الصَّوْمُ ( كَالْوُقُوفِ ) بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَعَرَّضَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَدِلَّ أَشَارَ إلَى اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ بِطَرِيقِ الْإِلْزَامِ وَالْمُعْتَرِضَ أَشَارَ إلَى نَفْيِ اشْتِرَاطِهِ صَرِيحًا ( وَ ) قَلْبٌ ( لِإِبْطَالِ ) مَذْهَبِ ( الْمُسْتَدِلِّ صَرِيحًا لِتَصْحِيحِ مَذْهَبِهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( كَالْحَنَفِيِّ فِي الرَّأْسِ ) أَيْ كَقَوْلِهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالرُّبْعِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ ( مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي أَقَلُّهُ ) أَيْ الرَّأْسِ وَهُوَ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّأْسِ ( كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ فَيَقُولُ ) الشَّافِعِيُّ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ( فَلَا يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ كَبَقِيَّتِهَا ) أَيْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ( وَوُرُودُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَلْبِ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اتَّفَقْنَا ) مَعَاشِرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى ( أَنَّ الثَّابِتَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَقَلُّ الرَّأْسِ أَوْ الرُّبْعُ فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُرُودِهِ صِحَّةُ مَذْهَبِ الْمُعْتَرِضِ إذَا كَانَ ثَمَّ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ هُنَا الِاسْتِيعَابُ

لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الصَّحِيحُ .
( أَوْ ) لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ ( الْتِزَامًا كَقَوْلِهِ ) أَيْ الْحَنَفِيِّ ( فِي بَيْعِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِالْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ فَيَقُولُ ) الشَّافِعِيُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ ( فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ) كَالْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ فَالْمُعْتَرِضُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِبْطَالِ مَذْهَبِ الْمُسْتَدِلِّ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ صَرِيحًا بَلْ بِطَرِيقِ الِالْتِزَامِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ بِهَا قَالَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَهُمَا مُتَلَازِمَانِ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ انْتِفَاءُ الصِّحَّةِ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ ( فَلَا يَصِحُّ ) إذْ يُقَالُ لَهُ لَكِنَّك قُلْت إذَا رَأَى الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ فَسَخَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ لَازِمٌ لِلصِّحَّةِ عِنْدَك وَقَدْ انْتَفَى اللَّازِمُ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُومُ ثُمَّ فِي الْكَشْفِ قُلْت هَذِهِ أَقْيِسَةٌ لَيْسَتْ بِمُنَاسِبَةٍ فَضْلًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُؤَثِّرَةً بَلْ بَعْضُهَا طَرْدِيَّةٌ وَبَعْضُهَا شَبَهِيَّةٌ فَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الشَّارِطُونَ لِلتَّأْثِيرِ الْمُعْرِضُونَ عَنْ الطَّرْدِ وَالشَّبَهِ كَيْفَ يَخْطُرُ بِبَالِهِمْ مِثْلُ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ وَكَيْفَ يُعَلِّلُونَ بِهَا وَالِالْتِفَاتُ إلَى مِثْلِهَا لَيْسَ مِمَّنْ دَأْبُهُمْ وَهِجِّيرَاهُمْ لَكِنَّ الْمُخَالِفِينَ وَضَعُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ وَنَسَبُوهَا إلَى أَصْحَابِنَا وَأَوْرَدُوهَا أَمْثِلَةً فِي كُتُبِهِمْ لِيَصِحَّ لَهُمْ أَقْسَامُ الْقَلْبِ الَّتِي ذَكَرُوهَا .

النَّوْعُ ( الثَّانِي ) مِنْ نَوْعَيْ الْمُعَارَضَةِ ( الْمُعَارَضَةُ الْخَالِصَةُ ) مِنْ مَعْنَى الْمُنَاقَضَةِ ( فِي ) حُكْمِ ( الْفَرْعِ ) وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الْمُعْتَرِضُ عِلَّةً أُخْرَى تُوجِبُ خِلَافَ مَا تُوجِبُهُ عِلَّةُ الْمُسْتَدِلِّ ( بِلَا تَغْيِيرٍ ) وَلَا زِيَادَةٍ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ فَيَقَعُ بِهِ مَحْضُ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِإِبْطَالِ عِلَّةِ الْمُسْتَدِلِّ فَيَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِمَا لِمُدَافَعَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُقَابِلُهَا مَا لَمْ تَتَرَجَّحْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَإِذَا تَرَجَّحَتْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالرَّاجِحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَيَسْتَدْعِي أَصْلًا آخَرَ وَعِلَّةً ) أُخْرَى ( كَالْمَسْحِ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَكْرِيرُهُ كَالْغُسْلِ ) أَيْ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ ( فَيَقُولُ ) الْحَنَفِيُّ مَسْحُ الرَّأْسِ ( مَسْحٌ فَلَا يُكَرَّرُ كَمَسْحِ الْخُفِّ ) فَهَذَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ الصَّحِيحَةِ مُثْبِتًا حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا تَغْيِيرٍ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ أَصْلُ الْأَوَّلِ الْغُسْلُ وَعِلَّتُهُ الرُّكْنِيَّةُ وَأَصْلُ الثَّانِي مَسْحُ الْخُفِّ وَعِلَّتُهُ كَوْنُهُ مَسْحًا ( وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَ أَصْلَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( لِتَيَمُّمٍ ) فَيُقَالُ كَالتَّيَمُّمِ ( فَيَنْدَفِعُ ) عَلَى هَذَا ( الْمُتَوَهَّمِ مِنْ مَانِعِ فَسَادِ الْخُفِّ ) أَيْ إنَّمَا لَمْ يُكَرِّرْ مَسْحَ الْخُفِّ لِإِفْضَائِهِ إلَى التَّلَفِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْهَا بِعَطْفِهِ عَلَى بِلَا تَغْيِيرٍ قَوْلَهُ ( أَوْ بِتَغْيِيرٍ مَا ) فِي الْحُكْمِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي إثْبَاتِهِ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ لِغَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ كَالْأَخِ ( فِي صَغِيرَةٍ بِلَا أَبٍ وَجَدِّ صَغِيرَةٍ فَيُوَلَّى عَلَيْهَا فِي الْإِنْكَاحِ كَذَاتِ الْأَبِ ) أَيْ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَهَا أَبٌ بِجَامِعِ الصِّغَرِ الْمُوجِبِ لِلْعَجْزِ عَنْ مُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِ ( فَيَقُولُ )

الشَّافِعِيُّ ( الْأَخُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا كَالْمَالِ ) فَإِنَّ الْأَخَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمَالِ إجْمَاعًا ، وَهَذَا مُعَارَضَةٌ صَحِيحَةٌ خَالِصَةٌ صَحِيحَةٌ مُثْبِتَةٌ حُكْمًا مُخَالِفًا لِلْأَوَّلِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِعَيْنِهِ لَكِنْ مَعَ تَغْيِيرٍ مَا فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذْ الْعِلَّةُ فِي الْأَوَّلِ الصِّغَرُ وَفِي الثَّانِي قُصُورُ الشَّفَقَةِ وَفِي الْحُكْمِ تَغْيِيرٌ مِنْ إطْلَاقٍ يَشْمَلُ الْأَخَ وَغَيْرَهُ إلَى تَقْيِيدٍ بِالْأَخِ .
( وَأَمَّا نَظْمُهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ الْمُعَارَضَةَ ( صَغِيرَةً فَلَا يُوَلَّى عَلَيْهَا قَرَابَةُ الْإِخْوَةِ كَالْمَالِ ) كَمَا فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالتَّنْقِيحِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا بِوِلَايَةِ الْإِخْوَةِ ( فَلَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ بَلْ مِنْ الْقَلْبِ فَالْمُعْتَرِضُ ( عَارَضَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ ) الَّتِي أَثْبَتَهَا الْمُسْتَدِلُّ ( بِنَفْيِهَا ) أَيْ الْوِلَايَةِ ( عَنْ خُصُوصٍ ) وَهُوَ الْأَخُ فَهَذَا الْقَدْرُ مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لِعَدَمِ قَدْحِهِ فِي كَلَامِ الْمُعَلِّلِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ( يَلْزَمُهُ ) أَيْ نَفْيُهَا عَنْهُ ( نَفْيُ ) حُكْمِ ( الْمُعَلِّلِ لِأَنَّ قَرَابَتَهُ ) أَيْ الْأَخِ ( أَقْرَبُ ) إلَيْهَا ( بَعْدَ الْوِلَادِ ) أَيْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَلَدِ ( فَنَفْيُهَا ) أَيْ وِلَايَةُ الْأَخِ ( نَفْيُ مَا بَعْدَهَا ) مِنْ وِلَايَةِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ عَمٍّ وَغَيْرِهِ ( مُطْلَقًا ) ظَهَرَ مَعْنَى الصِّحَّةِ فِيهِ وَأَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْهَا بِقَوْلِهِ ( أَوْ إثْبَاتُ ) الْمُعْتَرِضِ حُكْمًا ( آخَرَ ) يُخَالِفُ فِي الصُّورَةِ حُكْمًا آخَرَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ الْمُعَلِّلُ مُقَابِلًا لِذَلِكَ الْآخَرِ لَكِنَّهُ ( يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ نَفْيَ حُكْمِ الْمُعَلِّلِ ( كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَحَقِّيَّةِ الْمَنْعِيِّ ) أَيْ الَّذِي نُعِيَ إلَى زَوْجَتِهِ أَيْ أُخْبِرَتْ بِمَوْتِهِ فَتَرَبَّصَتْ مِنْهُ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ ( بِوَلَدِهَا ) الَّذِي وَلَدَتْهُ ( فِي نِكَاحِ مَنْ تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَهُ ) أَيْ الْمَنْعِيِّ إذَا جَاءَ مِنْ الَّذِي

تَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ الْمَنْعِيُّ ( صَاحِبُ فِرَاشٍ صَحِيحٍ ) لِقِيَامِ نِكَاحِهِ ( فَهُوَ أَحَقُّ ) بِالْوَلَدِ ( مِنْ ) صَاحِبِ الْفِرَاشِ ( الْفَاسِدِ ) وَهُوَ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا مَعَ قِيَامِ نِكَاحِ الْمَنْعِيِّ ( كَمَا لَا يُحْصَى ) مِنْ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ عِنْدَ التَّعَارُضِ ( فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ كَالصَّاحِبَيْنِ الزَّوْجُ ( الثَّانِي صَاحِبُ فِرَاشٍ فَاسِدٍ فَيَلْحَقُهُ ) الْوَلَدُ ( كَالْمُتَزَوِّجِ بِلَا شُهُودٍ ) إذَا وَلَدَتْ الْمُتَزَوِّجُ بِهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ .
وَإِنْ كَانَ الْفِرَاشُ فَاسِدًا ( فَإِثْبَاتُهُ ) أَيْ الْوَلَدِ ( مِنْ الثَّانِي ) مُعَارَضَةٌ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ آخَرُ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ الَّذِي أَثْبَتَ الْمُعَلِّلُ فِيهِ حُكْمَهُ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ أَثْبَتَ النَّسَبَ مِنْ الْأَوَّلِ بِفِرَاشٍ صَحِيحٍ وَالْمُعْتَرِضَ أَثْبَتَهُ مِنْ الثَّانِي بِفِرَاشٍ فَاسِدٍ وَاتِّحَادُ الْمَحَلِّ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا لَكِنْ لَمَّا كَانَ ( يَلْزَمُهُ ) أَيْ هَذَا الْإِثْبَاتَ ( نَفْيُهُ ) أَيْ لِوَلَدٍ ( عَنْ الْأَوَّلِ لِلْإِجْمَاعِ أَنْ لَا يَثْبُتَ مِنْهُمَا ) وَقَدْ وَجَدَ مَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِاسْتِحْقَاقِ النَّسَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَهُوَ الْفِرَاشُ الْفَاسِدُ صَحَّتْ وَاحْتِيجَ إلَى التَّرْجِيحِ ( فَرَجَّحَ ) أَبُو حَنِيفَةَ ( الْمِلْكَ وَالصِّحَّةَ ) الْكَائِنَيْنِ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ فِرَاشَهُ صَحِيحٌ وَمِلْكَهُ قَائِمٌ ( عَلَى الْحُضُورِ وَالْمَاءِ ) أَيْ كَوْنِ الثَّانِي حَاضِرًا وَالْمَاءِ لَهُ ( كَالزِّنَا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ ) أَنْ يُقَالَ ( تَرَجَّحَ ) الْأَوَّلُ ( بِالصِّحَّةِ عَلَى ) الثَّانِي بِمُجَرَّدِ ( الْحُضُورِ ) مَعَ انْتِفَاءِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ صِحَّةَ الْفِرَاشِ تُوجِبُ حَقِيقَةَ النَّسَبِ وَالْفَاسِدُ شُبْهَتُهُ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ شُبْهَتِهِ ( أَمَّا الْمَاءُ فَمُقَدَّرٌ فِيهِمَا ) أَيْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَالزَّوْجِ الثَّانِي لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِهِ مِنْ الثَّانِي قُلْت فَانْدَفَعَ مَا فِي التَّلْوِيحِ وَرُبَّمَا يُقَالُ فِي الْحُضُورِ حَقِيقَةُ النَّسَبِ وَحَقِيقَةُ الشَّيْءِ أَوْلَى لِأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ مَائِهِ .

( وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ الْأَسْئِلَةِ مُخَالَفَةَ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ ) إذْ لَا يَصِحُّ مَعَهَا قِيَاسٌ إذْ مِنْ شَرْطِهِ اتِّحَادُ الْحُكْمِ كَمَا عُرِفَ ( كَقِيَاسِ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَكْسِهِ ) أَيْ النِّكَاحِ عَلَى الْبَيْعِ ( فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ ) بِجَامِعٍ فِي صُورَةٍ ( فَيَقُولُ ) الْمُعْتَرِضُ الْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ حَقِيقَةً ( عَدَمُهَا ) أَيْ الصِّحَّةِ ( فِي الْبَيْعِ حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ ) بِالْبَيْعِ ( وَ ) عَدَمُهَا ( فِي النِّكَاحِ حُرْمَةُ الْمُبَاشَرَةِ وَالْجَوَابُ الْبُطْلَانُ ) الَّذِي هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ ( وَاحِدٌ عَدَمُ ) تَرَتُّبِ ( الْمَقْصُودِ مِنْ الْعَقْدِ ) عَلَيْهِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صُوَرُهُ ) أَيْ مَحَالِّهِ مِنْ كَوْنِهِ بَيْعًا وَنِكَاحًا إذْ اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحَالِّ بَلْ اخْتِلَافُ الْمَحَلِّ شَرْطٌ فِي الْقِيَاسِ ضَرُورَةً فَكَيْفَ يُجْعَلُ شَرْطُهُ مَانِعًا مِنْهُ إذْ يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ أَبَدًا ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ بِبَيَانِ الِاتِّحَادِ عَيْنًا كَالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ أَوْ جِنْسًا كَمَا فِي قَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ كَالْأَنْفُسِ بِالنَّفْسِ وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ جِنْسًا وَنَوْعًا كَوُجُوبٍ عَلَى تَحْرِيمٍ وَنَفْيٍ عَلَى إثْبَاتٍ وَبِالْعَكْسِ فَبَاطِلٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِفْضَائِهِ إلَى الْمَقْصُودِ وَاخْتِلَافُهُ مُوجِبٌ لِلْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِفْضَاءِ ( وَهَذَا ) السُّؤَالُ ( وَغَيْرُهُ ) مِنْ الْأَسْئِلَةِ ( كَكَوْنِ الْأَصْلِ مَعْدُولًا ) عَنْ الْقِيَاسِ ( دَاخِلٌ فِيمَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ مَنْعِ وُجُودِ الشَّرْطِ ) فَلَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ .

( وَأَمَّا سُؤَالُ الْفَرْقِ ) بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( إبْدَاءُ خُصُوصِيَّةٍ فِي الْأَصْلِ هِيَ ) أَيْ الْخُصُوصِيَّةُ ( شَرْطٌ ) لِلْوَصْفِ ( مَعَ بَيَانِ انْتِفَائِهَا فِي الْفَرْعِ أَوْ بَيَانُ مَانِعٍ ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى إبْدَاءُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْفَرْعِ مِنْ الْحُكْمِ ( وَ ) بَيَانُ ( انْتِفَائِهِ ) أَيْ الْمَانِعِ ( فِي الْأَصْلِ فَمَجْمُوعُ مُعَارَضَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ) أَيْ فَالْفَرْقُ مَجْمُوعُهُمَا إذَا تَعَرَّضَ لِانْتِقَاءِ الشَّرْطِ فِي الْفَرْعِ أَوْ عَدَمٍ لِمَانِعٍ فِي الْأَصْلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إبْدَاءَ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ وَبَيَانُ انْتِفَائِهَا فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةٌ فِيهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَكَمَا قَالَ ( وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُهُ مَجْمُوعُهُمَا ( فِي الثَّانِي ) أَيْ بَيَانِ مَانِعٍ فِي الْفَرْعِ وَانْتِفَائِهِ فِي الْأَصْلِ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْوَصْفُ مَعَ عَدَمِ هَذَا الْمَانِعِ ) لَا الْوَصْفِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ بَيَانُ وُجُودِ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ مُعَارَضَةً فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الشَّيْءِ فِي قُوَّةِ الْمُقْتَضَى لِنَقِيضِهِ فَيَكُونُ فِي الْفَرْعِ وَصْفٌ يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُسْتَدِلُّ وَيَسْتَنِدُ إلَى أَصْلٍ لَا مَحَالَةَ وَبَيَانُ انْتِفَائِهِ فِي الْأَصْلِ عَلَى هَذَا مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ أَبْدَى عِلَّةً أُخْرَى لَا تُوجَدُ فِي الْفَرْعِ .
( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمُعْتَرِضِ ( بَيَانُ كَوْنِهِ ) أَيْ مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْخُصُوصِيَّةِ فِي الْأَصْلِ شَرْطًا ( أَوْ ) مَا أَبْدَاهُ مِنْ الْمَانِعِ فِي الْفَرْعِ ( مَانِعًا عَلَى طَرِيقِ إثْبَاتِ الْمُسْتَدِلِّ عِلِّيَّةَ الْوَصْفِ ) الْمُعَلَّلِ بِهِ مِنْ التَّأْثِيرِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ أَنَّهُ ) أَيْ الْفَرْقَ مُعَارَضَتَانِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( عَلَى ادِّعَاءِ الشَّرْطِ وَ ) مُعَارَضَةٌ ( فِي الْفَرْعِ فَقَطْ عَلَى الْمَانِعِ لِمَا تَقَدَّمَ ) فِي شُرُوطِ الْعِلَّةِ ( مِنْ الْحَقِّ أَنَّ عَدَمَ الْمَانِعِ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ الْبَاعِثَةِ ) زَادَ الْمُصَنِّفُ هُنَا (

بِخِلَافِ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الشَّرْطَ ( خُصُوصِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْوَصْفِ ) الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الْمُعَلِّلُ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْهُ .
( وَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ ) الْمُعْتَرِضُ ( لِانْتِفَائِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ ( مِنْ الْفَرْعِ لَمْ يَكُنْ ) إبْدَاءَ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ ( الْفَرْقُ بَلْ ) هُوَ ( مُعَارَضَةٌ فِي الْأَصْلِ الْمُسَمَّى مُفَارَقَةً ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ اكْتِفَاءً بِذِكْرِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ وَالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ غَيْرَ أَنَّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَقُولُ الْفَرْقُ رَاجِعٌ إلَى الْمُعَارَضَةِ فِي أَحَدِهِمَا فَلَا يَتِمُّ نَفْيُ كَوْنِ الِاقْتِصَارِ عَلَى إبْدَاءِ الْخُصُوصِيَّةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ فَرْقًا وَإِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَائِلِينَ مِنْهُمْ بِرُجُوعِهِ إلَيْهِمَا ، هَذَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ لَوْ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْهَا كَفَى فِي الْقَدْحِ فِيهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُ جَمْعَهَا الْمَقْصُودَ وَقِيلَ لَا يَكْفِي لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا وَقِيلَ يَكْفِي إنْ قَصَدَ الْإِلْحَاقَ بِمَجْمُوعِهَا لِأَنَّهُ يُبْطِلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِكُلٍّ مِنْهَا وَهُوَ حَسَنٌ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَوَابَ هَذَا السُّؤَالِ وَمِمَّا يُجَابُ بِهِ مَنْعُ كَوْنِ الْمَبْدَأِ فِي الْأَصْلِ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ مَانِعًا مِنْ الْحُكْمِ وَفِي اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى جَوَابِ أَصْلٍ وَاحِدٍ عَلَى تَقْدِيرِهِ فَرَّقَ الْمُعْتَرِضُ بَيْنَ الْفَرْعِ وَأَصْلٍ مِنْ الْأُصُولِ حَيْثُ جَازَ تَعَدُّدُهَا قَوْلَانِ يَكْفِي لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالدَّفْعِ عَنْ وَاحِدٍ وَلَا يَكْفِي لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْجَمِيعَ فَلَزِمَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ وَقَدْ عَرَفْت مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ جَوَازِ التَّعَدُّدِ وَعَدَمِهِ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَلَاقَيَا ثُمَّ هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ لَا مَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْفَرْقِ وَرَاءَ الْمُعَارَضَةِ وَإِنْ خَاصَّهُ وَسَرَّهُ فَقَدْ يُنَاقِضُهُ قَصْدُ الْجَمِيعِ ثُمَّ هُوَ

وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فِي أَمْرِ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى كَلَامِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ .

( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى جَمْعِهَا ) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ ( مِنْ جِنْسٍ ) وَاحِدٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا تَنَاقُضٌ وَلَا انْتِقَالٌ مِنْ سُؤَالٍ إلَى آخَرَ ( وَبَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ ) يَذْكُرُ فِي كَلَامِهِمْ ( النَّوْعَ لِلْجِنْسِ وَالْجِنْسَ لِلنَّوْعِ ) عَكْسُ مَا عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ بَلْ ذَكَرَ عَضُدُ الدِّينِ أَنَّهُ اصْطِلَاحُ الْأُصُولِيِّينَ وَوَافَقَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَلَيْهِ ( وَأُصُولُ الْحَنَفِيَّةِ ) وَفُرُوعُهُمْ أَيْضًا يَذْكُرُ فِيهِمَا ( الْجِنْسُ لِلنَّوْعِ ) كَالْحِنْطَةِ ( وَالنَّوْعُ ) وَالْجِنْسُ أَيْضًا ( لِلصِّنْفِ كَرَجُلٍ ) وَلَا مُنَاقَشَةَ فِي الِاصْطِلَاحِ ( وَذَلِكَ ) أَيْ جَمْعُهَا مِنْ جِنْسٍ ( كَالِاسْتِفْسَارَاتِ وَالْمُنَوَّعِ وَالْمُعَارَضَاتِ ) فَإِنَّ الِاسْتِفْسَارَاتِ يَجْمَعُهَا الِاسْتِفْسَارُ وَالْمُنَوَّعَ يَجْمَعُهَا الْمَنْعُ وَالْمُعَارَضَاتِ تَجْمَعُهَا الْمُعَارَضَةُ ( وَفِي الْأَجْنَاسِ مَنَعَهُ ) أَيْ جَمْعَهَا ( السَّمَرْقَنْدِيُّونَ لِلْخَبْطِ ) اللَّازِمِ مِنْ ذَلِكَ ( لِلِانْتِشَارِ ) وَأَوْجَبُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى سُؤَالٍ وَاحِدٍ حِرْصًا عَلَى الضَّبْطِ قَالُوا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ كَمَا أَلْزَمَهُمْ بِهِ الْآمِدِيُّ فَإِنَّا جَوَّزْنَا تَعَدُّدَهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى النَّشْرِ لِأَنَّ النَّشْرَ فِي الْمُخْتَلِفَةِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْمُتَّفِقَةِ وَالْجُمْهُورُ جَوَّزُوا الْجَمْعَ بَيْنَهَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْحَقُّ ( ثُمَّ ) إذَا جَازَ الْجَمْعُ ( مَنَعَ أَكْثَرُ النُّظَّارِ ) الِاعْتِرَاضَاتِ ( الْمُرَتَّبَةَ طَبْعًا ) مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ ( كَمَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعِ أَنَّهُ مُعَلَّلٌ بِذَلِكَ ) إذْ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ طَبْعًا ( إذْ يُفِيدُ ) الْأَخِيرُ ( تَسْلِيمَ الْأَوَّلِ ) فَيَتَعَيَّنُ الْأَخِيرُ سُؤَالًا فَيُجَابُ عَنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ فَيَضِيعُ الْأَوَّلُ ( وَالْمُخْتَارُ ) كَمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ( جَوَازُهُ ) أَيْ جَمْعِ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُرَتَّبَةِ طَبْعًا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ( لِأَنَّ التَّسْلِيمَ ) لِلْمُتَقَدِّمِ ( فَرْضِيٌّ

أَيْ لَوْ سَلِمَ ) الْأَوَّلُ ( وَرَدَ الثَّانِي ) وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْلِيمَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إذَا كَانَ الْمُخْتَارُ جَوَازَهُ وَإِنْ أَدَّى إلَى التَّسْلِيمِ إذْ كَانَ التَّسْلِيمُ فَرْضِيًّا ( الْوَاجِبُ تَرْتِيبُهَا ) أَيْ الِاعْتِرَاضَاتِ الْمُرَتَّبَةِ طَبْعًا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا ( فَمَنَعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ) إذَا عَكَسَ التَّرْتِيبَ ( إذْ ) قَوْلُ الْمُعْتَرِضِ ( لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ مُعَلَّلٌ بِكَذَا يَتَضَمَّنُ تَسْلِيمَهُ ) أَيْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ ( فَقَوْلُهُ ) بَعْدَ ذَلِكَ ( بِمَنْعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ رُجُوعٌ ) عَنْ تَسْلِيمِهِ ( لَا يُسْمَعُ ) لِأَنَّهُ إنْكَارٌ بَعْدَ إقْرَارٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُسَلَّمًا غَيْرَ مُسَلَّمٍ وَحِينَئِذٍ فَيَرِدُ هَذَا إشْكَالًا عَلَى أَكْثَرِ النُّظَّارِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا مَنَعُوهَا مُرَتَّبَةً لِمَا يَلْزَمُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَنْعِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ لَا يُوجِبُوهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَيَبْطُلُ مَا يَلْزَمُ قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ وُجُوبِهَا غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ ) فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ أَقْبَحُ مِنْ التَّسْلِيمِ بَعْدَ الْمَنْعِ ( وَإِلَّا فَالِاتِّفَاقُ عَلَى ) جَوَازِ ( التَّعَدُّدِ مِنْ نَوْعٍ وَلَا مَخْلَصَ لَهُمْ ) أَيْ لِلْأَكْثَرِ ( إلَّا بِادِّعَاءِ أَنَّ مَنْعَ الْعِلِّيَّةِ بِفَرْضِ وُجُودِ الْحُكْمِ ) إلَّا أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ تَسْلِيمَ حُكْمِ الْأَصْلِ إنَّمَا يُوجِبُهُ مَنْعُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ اسْتِلْزَامًا ظَاهِرًا فَإِذَا صَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَنْعِهِ حُمِلَ عَلَى إرَادَتِهِ مَنْعَ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ بِفَرْضِ وُجُودِ الْحُكْمِ كَمَا أَجَبْنَا بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نُسَلِّمُ عِلِّيَّةَ هَذَا الْوَصْفِ لِهَذَا الْحُكْمِ لَوْ كَانَ ثَابِتًا وَنَحْنُ نَمْنَعُ ثُبُوتَهُ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُمْ مِثْلُهُ فِي مَنْعِهِمْ الْمُتَرَتِّبَةَ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ .
( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَقَوْلُ التَّفْتَازَانِيِّ ( كُلٌّ مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ ) اعْتِرَاضًا الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ

الْمَاضِيَةِ ( جِنْسٌ يَنْدَرِجُ تَحْتَ نَوْعٍ ) عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحُ الْأُصُولِ مِنْ انْدِرَاجِ الْأَجْنَاسِ تَحْتَ الْأَنْوَاعِ ( غَلَطٌ يُبْطِلُ حِكَايَةَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ مِنْ جِنْسٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ التَّعَدُّدُ مَثَلًا مِنْ مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَهُوَ ) أَيْ مَنْعُ وُجُودِهَا ( أَحَدُهَا ) أَيْ الْخَمْسَةُ وَالْعِشْرِينَ بَلْ الْمَنْعُ نَوْعٌ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَمَنْعُ وُجُودِ الْوَصْفِ وَمَنْعُ عِلِّيَّتِهِ وَمَنْعُ وُجُودِهَا فِي الْفَرْعِ وَالْمُعَارَضَةُ نَوْعٌ يَنْدَرِجُ فِيهَا الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْفَرْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ أَجْنَاسٌ لِأَنَّ تَحْتَهَا أَشْخَاصُ الْمُنَوَّعِ وَالْمُعَارَضَاتِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْجِنْسَ هُوَ النَّوْعُ الْمَنْطِقِيُّ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ فَالنَّقْضُ حِينَئِذٍ جِنْسٌ انْحَصَرَ فِيهِ نَوْعُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَكَلَامُهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ أَيْضًا ( فِي الْمِثْلِ وَذِكْرِ الْأَجْنَاسِ خِلَافُهُ ) أَيْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ ثُمَّ إذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فَتَرَتَّبَ التَّرْتِيبَ الطَّبِيعِيَّ لِيُوَافِقَ الْوَضْعِيُّ الطَّبِيعِيَّ .
وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالِاسْتِفْسَارِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَّجِهُ عَلَيْهِ ثُمَّ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ الْجُمْلَةِ وَهُوَ قَبْلَ النَّظَرِ فِي تَفْصِيلِهِ ثُمَّ بِفَسَادِ الْوَضْعِ قَالَ الْآمِدِيُّ لِكَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ فَسَادِ الِاعْتِبَارِ يَعْنِي مُطْلَقًا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ ( فَتَقَدَّمَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْأَصْلِ ) فَتَقَدَّمَ مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ ( ثُمَّ ) الْمُتَعَلِّقُ ( بِالْعِلَّةِ ) لِأَنَّهُ نَظَرَ فِيمَا هُوَ مُتَفَرِّعٌ عَنْ حُكْمِ الْأَصْلِ فَتَقَدَّمَ مَنْعُ وُجُودِ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِيهِ ثُمَّ الْمُطَالَبَةُ بِتَأْثِيرِ الْوَصْفِ وَعَدَمِ التَّأْثِيرِ وَالْقَدْحِ فِي الْمُنَاسَبَةِ

وَالتَّقْسِيمِ وَكَوْنِ الْوَصْفِ غَيْرِ ظَاهِرٍ وَلَا مُنْضَبِطٍ وَكَوْنِ الْحُكْمِ غَيْرِ مُفْضٍ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْهُ لِكَوْنِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ صِفَةَ وُجُودِ الْعِلَّةِ ثُمَّ النَّقْضُ وَالْكَسْرُ لِكَوْنِهِ مُعَارِضًا لِدَلِيلِ الْعِلَّةِ ثُمَّ الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ وَالتَّعَدِّيَةُ وَالتَّرْكِيبُ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْعِلَّةِ ( ثُمَّ ) الْمُتَعَلِّقُ ( بِالْفَرْعِ ) لِابْتِنَائِهِ عَلَى الْعِلَّةِ وَحُكْمِ الْأَصْلِ فَيَذْكُرُ مَنْعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ وَمُخَالَفَةَ حُكْمِهِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وَمُخَالَفَتَهُ لِلْأَصْلِ فِي الضَّابِطِ أَوْ الْحِكْمَةِ وَالْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ وَسُؤَالِ الْقَلْبِ ثُمَّ الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ لِتَضَمُّنِهِ تَسْلِيمَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّلِيلِ الْمُثْمِرِ لَهُ .
( وَتَقَدَّمَ النَّقْضُ عَلَى مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ عِنْدَ مُعْتَبِرِهَا ) أَيْ مُعَارَضَةِ الْأَصْلِ ( إذْ هِيَ ) أَيْ مُعَارَضَةُ الْأَصْلِ ( لِإِبْطَالِ اسْتِقْلَالِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ بِالتَّأْثِيرِ وَالنَّقْضُ لِإِبْطَالِ أَصْلِ الْعِلَّةِ فَقُدِّمَ عَلَيْهَا فَيُقَالُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِعَدَمِ الِاطِّرَادِ وَلَوْ سَلِمَ فَلَيْسَ بِمُسْتَقِلٍّ ( وَمَنَعَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ قَبْلَ مَنْعِهَا وَالْقَلْبَ قَبْلَ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ لِأَنَّهُ مُعَارَضَةٌ بِدَلِيلِ الْمُسْتَدِلِّ ) بِخِلَافِ الْمُعَارَضَةِ الْخَالِصَةِ فَيَذْكُرُ الْقَلْبَ أَوَّلًا ( ثُمَّ يُقَالُ ) إذَا ذُكِرَتْ هِيَ ثَانِيًا ( وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ ) أَيْ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ ( يُفِيدُ مَطْلُوبَهُ عِنْدَنَا دَلِيلٌ آخَرُ يَنْفِيهِ ) أَيْ مَطْلُوبَهُ وَأَوْجَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ تَرْتِيبَ الْأَسْئِلَةِ فَاخْتَارَ فَسَادَ الْوَضْعِ ثُمَّ الِاعْتِبَارَ ثُمَّ الِاسْتِفْسَارَ ثُمَّ الْمَنْعَ ثُمَّ الْمُطَالَبَةَ وَهُوَ مَنْعُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ الْفَرْقَ ثُمَّ النَّقْضَ ثُمَّ الْقَوْلَ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ الْقَلْبَ وَرَدَّ التَّقْسِيمَ إلَى الِاسْتِفْسَارِ أَوْ الْفَرْقِ وَأَنَّ عَدَمَ التَّأْثِيرِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَعَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى وَقَدْ اعْتَرَفُوا بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَسْئِلَةِ الْجَدَلِ

وَأَسْئِلَةِ الِاسْتِرْشَادِ .
وَمِنْ هُنَا وَقَعَ التَّخَبُّطُ وَإِلَّا فَالْحَقُّ أَنْ لَا يُبْنَى الْجَدَلُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْإِرْشَادِ وَالِاسْتِرْشَادِ لَا لِلْعِلِّيَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالْوَاجِبُ رَدُّ الْجَمِيعِ إلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَكَيْفَ لَا وَالْجَدَلُ مَأْمُورٌ بِهِ بِالْحَقِّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ ثُمَّ كَمَا فِي الْوَاضِحِ لَوْلَا مَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الْبَاطِلِ وَاسْتِنْقَاذِ الْهَالِكِ بِالِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَنْ ضَلَالَتِهِ لَمَا حَسُنَتْ الْمُجَادَلَةُ لِلْإِيحَاشِ فِيهَا غَالِبًا وَإِذَا نَفَرَتْ النُّفُوسُ عَمِيَتْ الْقُلُوبُ وَخَمَدَتْ الْخَوَاطِرُ وَانْسَدَّتْ أَبْوَابُ الْفَوَائِدِ وَلَكِنْ فِيهَا أَعْظَمُ الْمَنْفَعَةِ إذَا قَصَدَ بِهَا نُصْرَةَ الْحَقِّ وَالتَّقَوِّي عَلَى الِاجْتِهَادِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ قَصْدِ الْمُغَالَبَةِ وَبَيَانِ الْفَرَاهَةِ فَضْلًا عَنْ قَصْدِ التَّغْطِيَةِ عَلَى الْحَقِّ وَتَرْوِيجُ الْبَاطِلِ بِآفَةٍ مِنْ الْآفَاتِ مِنْ مُحَابَاةٍ لِأَرْبَابِ الْمَنَاصِبِ تَقَرُّبًا إلَيْهِمْ أَوْ مُنَاضَلَةً مَرْدُودَةً دَوْمًا لِحُصُولِ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ الْعَوَامّ وَالتَّعْظِيمِ لَدَيْهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُصُودِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَمَنْ بَانَ لَهُ سُوءُ قَصْدِ خَصْمِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَدَّى إلَى مَكْرُوهٍ فَمَكْرُوهٌ وَمُحَرَّمٍ فَمُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَإِنْ جَادَلُوك فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَهَذَا أَدَبٌ حَسَنٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ لِيَرُدُّوا بِهِ مَنْ جَادَلَ تَعَنُّتًا فَلَا يُجِيبُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ اجْتِمَاعَ جَمْعٍ مُتَجَادِلِينَ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَا يَطْمَعُ أَنْ يَرْجِعَ إذَا ظَهَرَتْ لَهُ الْحُجَّةُ وَلَا فِيهِ مُؤَانَسَةٌ وَمَوَدَّةٌ وَتَوْطِئَةُ الْقُلُوبِ لِوَعْيِ الْحَقِّ بَلْ هُوَ

عَلَى الضِّدِّ مَحْمَلُ مَا رَوَى أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ثُمَّ تَلَا { مَا ضَرَبُوهُ لَك إلَّا جَدَلًا } } وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمِرَاءَ } .
وَكَوْنُ مَكْحُولٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي هَذَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَهُ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُقَالُ مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً أَيْ جَادَلَ وَالْمِرَاءُ اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ الْمُجَادِلِ مِنْ مَرَيْت الشَّاةَ اسْتَخْرَجْت لَبَنَهَا وَفِي الْوَاضِحِ وَاحْذَرْ الْكَلَامَ فِي مَجَالِسِ الْخَوْفِ أَوْ الَّتِي لَا إنْصَافَ فِيهَا وَكَلَامَ مَنْ تَخَافُهُ أَوْ تَبْغُضُهُ أَوْ لَا يَفْهَمُ عَنْك وَاسْتِصْغَارَ الْخَصْمِ وَلَا يَنْبَغِي كَلَامُ مَنْ عَادَتُهُ ظُلْمُ خَصْمِهِ وَالْهُزْءُ وَالتَّشَفِّي لِعَدَاوَتِهِ وَالْمُتَرَصِّدُ لِلْمَسَاوِئِ وَالتَّحْرِيفُ وَالتَّزَيُّدُ وَالْبُهْتُ ، وَكُلُّ جَدَلٍ وَقَعَ فِيهِ ظُلْمُ الْخَصْمِ اخْتَلَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ مِنْهُ وَقَدِّرْ فِي نَفْسِك الصَّبْرَ وَالْحِلْمَ وَلَا يَنْقُصُ بِالْحِلْمِ إلَّا عِنْدَ جَاهِلٍ وَلَا بِالصَّبْرِ عَلَى شَغَبِ السَّائِلِ إلَّا عِنْدَ غَبِيٍّ وَتَرْتَفِعُ فِي نُفُوسِ الْعُلَمَاءِ وَتَنْبُلُ عِنْدَ أَهْلِ الْجَدَلِ وَمَنْ خَاضَ فِي الشَّغَبِ تَعَوَّدَهُ وَمَنْ تَعَوَّدَهُ حُرِمَ الْإِصَابَةَ وَاسْتُدْرِجَ إلَيْهِ وَمَنْ عُرِفَ بِهِ سَقَطَ سُقُوطَ الدُّرَّةِ وَفِي رَدِّ الْغَضَبِ الظَّفَرُ وَلَا رَأْيَ لِغَضْبَانَ وَالْغَالِبُ فِي السَّفَهِ الْأَسْفَهُ كَالْغَالِبِ بِالْعِلْمِ الْأَعْلَمُ وَمَعَ هَذَا فَلَا أَحَدَ يَسْلَمُ مِنْ الِانْقِطَاعِ إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ .

وَلَيْسَ حَدُّ الْعَالِمِ كَوْنَهُ حَاذِقًا بِالْجَدَلِ فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ وَالْعِلْمُ صِنَاعَةٌ وَهُوَ مَادَّةُ الْجَدَلِ يَحْتَاجُ إلَى الْعَالِمِ وَلَا عَكَسَ وَأَدَبُ الْجَدَلِ يَزِينُ صَاحِبُهُ وَتَرْكُهُ يَشِينُهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ لِمَا اتَّفَقَ لِبَعْضِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ حَظْوَةٍ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ رَفِيعًا عِنْدَ الْجُهَّالِ فَهُوَ سَاقِطٌ عِنْدَ أُولِي الْأَلْبَابِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيُكْرَهُ اصْطِلَاحًا تَأْخِيرُ الْجَوَابِ عَنْ السُّؤَالِ كَثِيرًا وَعِنْدَ بَعْضِ الْجَدَلِيِّينَ مُنْقَطِعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ لِمَحَاسِنِ الْآدَابِ وَالْهَادِي إلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ .

( خَاتِمَةٌ ) لِلْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ ( الِاتِّفَاقُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ ) أَيْ عَلَى كَوْنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ أَدِلَّةً شَرْعِيَّةً لِلْأَحْكَامِ ( عِنْدَ مُثْبِتِي الْقِيَاسِ ) وَهُمْ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ( وَاخْتُلِفَ فِي أُمُورٍ ) أُخْرَى أَيْ فِي كَوْنِهَا أَدِلَّةً شَرْعِيَّةً لِلْأَحْكَامِ ( الِاسْتِدْلَال بِالْعَدَمِ ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّعْلِيلُ بِالْعَدَمِ فَإِنَّهُ الَّذِي ( نَفَاهُ الْحَنَفِيَّةُ ) وَتَقَدَّمَ فِي الْمَرْصَدِ الثَّانِي مِنْ شُرُوطِ الْعِلَّةِ الْكَلَامُ فِيهِ نَفْيًا لَهُ مُطْلَقًا عَنْهُمْ إلَّا عَدَمَ عِلَّةٍ مُتَّحِدَةٍ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَدُ الْمَغْصُوبِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْصِبْ عَلَى تَحْقِيقٍ لِلْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَنَّ إضَافَةَ الْحُكْمِ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ إنَّمَا هِيَ إضَافَةٌ إلَى الْعَدَمِ لَفْظًا وَإِلَى الْوُجُودِ مَعْنًى كَمَا عُرِفَ ثَمَّةَ وَإِثْبَاتًا لَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا مُطْلَقًا وَمُضَافًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّلُ بِهِ وُجُودِيًّا وَعَدَمِيًّا وَإِلَّا فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ثَمَّةَ يُفِيدُ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ لِعَدَمِ دَلِيلِهِ صَحِيحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَقَرَّرَهُ بِقَوْلِهِ فِقْدَانُ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ يَغْلِبُ ظَنَّ عَدَمِهِ وَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ لِامْتِنَاعِ تَكْلِيفِ الْغَافِلِ إذْ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِقْدَانَ الدَّلِيلِ بَعْدَ الْفَحْصِ الْبَلِيغِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ وَظَنُّ عَدَمِهِ يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ إذْ لَوْ ثَبَتَ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ لَزِمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَالْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَاجِبٌ غَيْرَ أَنَّ عَدَّهُ إيَّاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمَقْبُولَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ

الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عَدَمَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْخَاصِّ أَوْ مُطْلَقًا لَيْسَ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَصَدَقَ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي التَّلْوِيحِ لَا قَائِلَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّفْيِ أَحَدُ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ ا هـ وَإِنَّمَا هُوَ نَفْيُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِنَفْيِ الْمُدْرَكِ الشَّرْعِيِّ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ فَهَذَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ .

( وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ ) وَهِيَ الَّتِي لَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ بِالِاعْتِبَارِ فِي الشَّرْعِ وَلَا بِالْإِلْغَاءِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى سُنَنِ الْمَصَالِحِ وَتَلَقَّتْهَا الْعُقُولُ بِالْقَبُولِ ( أَثْبَتَهَا مَالِكٌ ) وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ ( وَمَنَعَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ ) مِنْهُمْ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَمُتَأَخِّرُو الْحَنَابِلَةِ ( لِعَدَمِ مَا يَشْهَدُ ) لَهَا ( بِالِاعْتِبَارِ وَلِعَدَمِ أَصْلِ الْقِيَاسِ فِيهَا كَمَا يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ ) فِي الْمَرْصَدِ الْأَوَّلِ مِنْ فَصْلِ الْعِلَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَرَافِيُّ الْمَصْلَحَةُ الْمُرْسَلَةُ فِي جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لِأَنَّهُمْ يَقِيسُونَ وَيُفَرِّقُونَ بِالْمُنَاسَبَاتِ وَلَا يَطْلُبُونَ شَاهِدًا بِالِاعْتِبَارِ وَلَا يَعْنِي بِالْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ إلَّا ذَلِكَ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ الْعَمَلَ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا أُمُورًا لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ لَا لِتَقْدِيمِ شَاهِدٍ بِالِاعْتِبَارِ نَحْوَ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَظِيرٌ وَوِلَايَةِ الْعَهْدِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَظِيرٌ وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْخِلَافَةِ شُورَى وَتَدْوِينُ الدَّوَاوِينِ وَعَمَلُ السِّكَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَاِتِّخَاذِ السِّجْنِ فَعَمِلَ ذَلِكَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذِهِ الْأَوْقَافُ الَّتِي بِإِزَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّوْسِعَةُ بِهَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ ضِيقِهِ فَعَلَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَجْدِيدُ أَذَانٍ فِي الْجُمُعَةِ بِالسُّوقِ وَهُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ فَعَلَهُ عُثْمَانُ ثُمَّ نَقَلَهُ هِشَامٌ إلَى الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ كَثِيرٌ حَدًّا لِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ عَمِلَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغِيَاثِيِّ أُمُورًا وَجَوَّزَهَا وَأَفْتَى بِهَا وَالْمَالِكِيَّةُ بَعِيدُونَ عَنْهَا وَجَسَرَ عَلَيْهَا وَقَالَهَا لِلْمَصْلَحَةِ الْمُطْلَقَةِ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي شِفَاءِ الْغَلِيلِ مَعَ

أَنَّ الِاثْنَيْنِ شَدِيدَا الْإِنْكَارِ عَلَيْنَا فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ انْتَهَى فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ وَحَقَّقَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهَذَا ثَانٍ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ .

( وَتَعَارُضُ الْأَشْبَاهِ ) أَيْ بَقَاءُ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ لِتَعَارُضِ أَصْلَيْنِ فِيهِ يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( كَقَوْلِ زُفَرَ فِي الْمَرَافِقِ ) لَا يَجِبُ غُسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا ( غَايَةٌ ) لِغُسْلِ الْيَدِ وَالْغَايَةُ قِسْمَانِ ( دَخَلَ مِنْهَا ) فِي الْمُغَيَّا قِسْمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } ( وَخَرَجَ ) مِنْهَا عَنْ الْمُغَيَّا قِسْمٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ } وَإِذْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ دُخُولُ الْمَرَافِقِ فِي الْغُسْلِ بِأَوْلَى مِنْ عَدَمِ دُخُولِهَا فِيهِ ( فَلَا يَدْخُلُ بِالشَّكِّ ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ غُسْلُهَا وَاجِبًا فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ ( وَدُفِعَ ) كَوْنُهُ دَلِيلًا ( بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ بِالْجَهْلِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ) لِزُفَرَ ( الْأَصْلُ عَدَمُهُ ) أَيْ دُخُولُ الْمَرَافِقِ فِي الْغُسْلِ ( فَيَبْقَى ) عَدَمُهُ مُسْتَمِرًّا ( إلَى ثُبُوتِ مُوجِبِهِ ) أَيْ الدُّخُولِ ( وَالثَّابِتُ ) فِي الْغَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُغَيَّا دُخُولًا وَخُرُوجًا إنَّمَا هُوَ ( التَّعَارُضُ ) وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا يُعْرَفُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ إلَى مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ فَلْيُرَاجَعْ وَهَذَا ثَالِثٌ مِنْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ ( الِاسْتِدْلَال ) وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ الدَّلَالَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ كَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَالِاتِّخَاذُ كَاسْتَعْبَدَ فُلَانٌ فُلَانًا وَاسْتَأْجَرَهُ أَيْ اتَّخَذَهُ عَبْدًا وَأَجِيرًا فَذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ فِي اللُّغَةِ طَلَبُ الدَّلِيلِ وَفِي الْعُرْفِ يُطْلَقُ عَلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ مُطْلَقًا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَعَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا ( قِيلَ مَا لَيْسَ بِأَحَدِ ) الْأَدِلَّةِ ( الْأَرْبَعَةِ ) الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ ( فَيَخْرُجُ قِيَاسًا الدَّلَالَةُ وَمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ تَنْقِيحُ الْمَنَاطِ ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ مَا لَا يُذْكَرُ فِيهِ الْعِلَّةُ بَلْ وَصْفٌ مُلَازِمٌ لَهَا كَالنَّبِيذِ حَرَامٌ كَالْخَمْرِ بِجَامِعِ الرَّائِحَةِ الْمُشْتَدَّةِ وَإِنَّ الْقِيَاسَ الَّذِي فِي مَعْنَى الْأَصْلِ وَيُسَمَّى تَنْقِيحَ الْمَنَاطِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِإِلْغَاءِ الْفَارِقِ كَقِيَاسِ الْبَوْلِ فِي إنَاءٍ وَصَبِّهِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ عَلَى الْبَوْلِ فِيهِ فِي الْمَنْعِ بِجَامِعِ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي مَقْصُودِ الْمَنْعِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ كَمَا يَخْرُجُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ وَهُوَ مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ نَحْوَ يَحْرُمُ النَّبِيذُ كَالْخَمْرِ لِلْإِسْكَارِ لِإِطْلَاقِ نَفْيِ كَوْنِهِ قِيَاسًا أَيْضًا لِأَنَّ مُنَافِيَ الْأَعَمِّ مُنَافٍ لِلْأَخَصِّ .
( وَقَدْ يُقَيَّدُ الْقِيَاسُ ) الْمَنْفِيُّ ( بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ فَيُدْخِلَانِهِ ) أَيْ قِيَاسَا الدَّلَالَةِ وَمَا فِي مَعْنَى الْأَصْلِ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَخَصَّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَعَمُّ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَنَفْيُ الْأَعَمِّ لِكَوْنِهِ أَخَصَّ يَكُونُ أَخَصَّ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ ( وَاخْتِيرَ ) أَيْ وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( أَنَّ أَنْوَاعَهُ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ ثَلَاثَةٌ ( شَرْعُ مَنْ

قَبْلَنَا وَالِاسْتِصْحَابُ وَالتَّلَازُمُ وَهُوَ ) أَيْ التَّلَازُمُ ( الْمُفَادُ بِالِاسْتِثْنَائِيِّ وَالِاقْتِرَانِيِّ بِضُرُوبِهِمَا ) فِي مَبَاحِثِ النَّظَرِ ( وَقَدَّمْنَا زِيَادَةَ ضَرْبٍ فِي تَسَاوِي الْمُقَدَّمِ وَالتَّالِي ) بَلْ ضَرْبَيْنِ ضَرْبٌ حَاصِلٌ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ الْمُقَدَّمِ كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَتَارِكُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَضَرْبٌ حَاصِلٌ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ التَّالِي كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنْ تَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فَهُوَ وَاجِبٌ فَتَصِيرُ ضُرُوبُهُ أَرْبَعَةً هَذَيْنِ وَالضَّرْبَيْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى إنْتَاجِهِمَا وَهُمَا الْحَاصِلُ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ عَيْنِ الْمُقَدَّمِ كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنَّهُ وَاجِبٌ فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ وَالْحَاصِلُ مِنْهُمَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ نَقِيضِ التَّالِي كَأَنْ كَانَ هَذَا وَاجِبًا فَتَارِكُهُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ لَكِنْ تَارِكُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ فَهُوَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ( وَكَذَا ) زِيَادَةُ ضَرْبٍ ( فِي الِاقْتِرَانِيِّ ) وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ كُلِّيَّتَيْنِ صُغْرَى سَالِبَةٍ وَكُبْرَى مُوجَبَةٍ مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ كَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِصَهَّالٍ وَكُلُّ صَهَّالٍ فَرَسٌ فَلَا شَيْءَ مِنْ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ وَذَكَرَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ثَمَّةَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِ هَذَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ آخَرَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْ جُزْئِيَّةٍ سَالِبَةٍ صُغْرَى وَكُلِّيَّةٍ مُوجَبَةٍ كُبْرَى مُتَسَاوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ كَلَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِفَرَسٍ وَكُلُّ فَرَسٍ صَهَّالٌ فَلَيْسَ بَعْضُ الْإِنْسَانِ بِصَهَّالٍ لِاتِّحَادِ الْوَسَطِ الْمُقْتَضِي لِلْإِنْتَاجِ فِي هَذَا كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ ( إلَّا أَنَّهُ ) أَيْ التَّلَازُمَ ( هُنَا عَلَى خُصُوصٍ هُوَ إثْبَاتُهُ أَحَدَ مُوجِبَيْ الْعِلَّةِ بِالْآخَرِ فَتَلَازُمُهُمَا ) أَيْ مُوجِبِيهَا وَهُمَا الْحُكْمَانِ ( بِلَا تَعْيِينِ عِلَّةٍ ) جَامِعَةٍ .
(

وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِتَلَازُمِهِمَا بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ ( فَقِيَاسٌ ) أَيْ فَإِثْبَاتُهُ بِهَا قِيَاسٌ ( وَيَكُونُ ) التَّلَازُمُ ( بَيْنَ ثُبُوتَيْنِ ) وَلَا بُدَّ فِيهِ إمَّا مِنْ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَمَا فِيمَا يَكُونُ التَّالِي فِيهِ مُسَاوِيًا لِلْمُقَدَّمِ أَوْ طَرْدًا لَا عَكْسًا مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَكُونُ التَّالِي أَعَمَّ مِنْ الْمُقَدَّمِ ( كَمَنْ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَهُوَ ) أَيْ وَثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا يَكُونُ ( بِالِاطِّرَادِ ) الشَّرْعِيِّ وَهُوَ أَنَّا تَتَبَّعْنَا فَوَجَدْنَا كُلَّ شَخْصٍ صَحَّ طَلَاقُهُ صَحَّ ظِهَارُهُ وَكُلُّ مَنْ صَحَّ ظِهَارُهُ صَحَّ طَلَاقُهُ ( وَيَقْوَى ) ثُبُوتُهُ بَيْنَهُمَا ( بِالِانْعِكَاسِ ) وَهُوَ أَنَّا تَتَبَّعْنَا فَوَجَدْنَا كُلَّ شَخْصٍ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ وَكُلَّ شَخْصٍ لَا يَصِحُّ ظِهَارُهُ لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَحَاصِلُهُ التَّمَسُّكُ بِالدَّوَرَانِ مُمْكِنٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لَهُ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِهِ الْقَائِلِ بِصِحَّةِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ لَا الْحَنَفِيِّ وَمُوَافِقِهِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا تَلَازُمَ عِنْدَهُ فِي هَذَا عَكْسًا فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ بَلْ فِي أَحَدِهِمَا الَّذِي هُوَ الظِّهَارُ وَسَيُشِيرُ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ ثُمَّ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ لَهُ ( وَيُقَرِّرُ ) ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا إذَا كَانَا أَثَرَيْنِ لِمُؤَثِّرٍ بِالِاسْتِدْلَالِ ( ثُبُوتَ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ فَيَلْزَمُ ) أَنْ يُوجَدَ الْأَثَرُ ( الْآخَرُ لِلُّزُومِ ) وُجُودَ ( الْمُؤَثِّرِ ) لَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ أَثَرُهُ وَكَوْنُ نِسْبَتِهِ إلَى الْمُؤَثِّرِ كَنِسْبَةِ الْآخَرِ إلَيْهِ .
( وَ ) يُقَرِّرُ ( بِمَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى هَذَا وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِثُبُوتِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ عَلَى ثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ ثُمَّ ثُبُوتُهُ عَلَى ثُبُوتِ الْآخَرِ ( كَفَرْضِ الصِّحَّتَيْنِ ) لِلطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ ( أَثَرَ الْوَاحِدِ ) كَالْأَهْلِيَّةِ

لَهُمَا فَإِذَا ثَبَتَ صِحَّةُ الطَّلَاقِ ثَبَتَ الْأَهْلِيَّةُ لَهَا وَيَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ ثُبُوتُهُ لِصِحَّةِ الظِّهَارِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى التَّعْرِيفِ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ بَلْ مِنْ قِيَاسِ الدَّلَالَةِ دُونَ التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ لَهُ لِأَنَّ قِيَاسَ الدَّلَالَةِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِيَاسِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِتَعْيِينِ الْمُؤَثِّرِ ( وَمَتَى عُيِّنَ الْمُؤَثِّرُ خَرَجَ ) عَنْ الِاسْتِدْلَالِ ( إلَى قِيَاسِ الْعِلَّةِ وَبَيْنَ نَفْيَيْنِ ) أَيْ وَيَكُونُ التَّلَازُمُ بَيْنَهُمَا ( وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ ) أَيْ التَّنَافِي بَيْنَ ( الطَّرَفَيْنِ ) فَسَقَطَ مِنْ الْقَلَمِ لَفْظُ بَيْنَ ( طَرْدًا وَعَكْسًا ) أَيْ إثْبَاتًا وَنَفْيًا كَمَا هُوَ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَقِيقِيَّةُ ( أَوْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ طَرْدًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَانِعَةُ الْجَمْعِ أَوْ عَكْسًا فَقَطْ كَمَا هُوَ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ مِثَالُهُ ( لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ ) بِلَا نِيَّةٍ ( وَهُوَ ) أَيْ ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا ( أَيْضًا بِالِاطِّرَادِ ) أَيْ كُلُّ تَيَمُّمٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكُلُّ وُضُوءٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ ( وَيَقْوَى بِالِانْعِكَاسِ ) أَيْ كُلُّ تَيَمُّمٍ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ وَكُلُّ وُضُوءٍ يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ فَيَتِمُّ التَّلَازُمُ طَرْدًا وَعَكْسًا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَقَطْ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ كُلَّ تَيَمُّمٍ بِالنِّيَّةِ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِ النِّيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ الْوُضُوءُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وُضُوءٍ بِالنِّيَّةِ صَحِيحًا فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ كُلُّ وُضُوءٍ بِلَا نِيَّةٍ غَيْرَ صَحِيحٍ بَلْ ذَاكَ الْوُضُوءُ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ لَا الْوُضُوءُ الَّذِي لَيْسَ بِعِبَادَةٍ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْيِ كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ .
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى زُفَرَ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ هَذَيْنِ

النَّفْيَيْنِ أَصْلًا لِعَدَمِ تَوَقُّفِ صِحَّةِ وُضُوءٍ وَتَيَمُّمٍ عَلَى النِّيَّةِ عِنْدَهُ ( وَيُقَرَّرُ ) ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَا أَثَرَيْنِ لِمُؤَثِّرٍ ( بِانْتِفَاءِ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ فَالْآخَرُ ) أَيْ فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْأَثَرِ الْآخَرِ لِانْتِفَاءِ الْمُؤَثِّرِ لِفَرْضِ ثُبُوتِهِمَا أَثَرًا لِوَاحِدٍ وَلَيْسَ فَرْضُ كَوْنِ الثَّوَابِ وَاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ أَثَرَيْنِ لِلْعِبَادَةِ ( يُوجِبُهُ ) أَيْ التَّلَازُمَ بَيْنَ النَّفْيَيْنِ ( عَلَى الْحَنَفِيِّ ) لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ فِي صِحَّةِ كَوْنِ الْوُضُوءِ شَرْطًا لِلصَّلَاةِ كَوْنَهُ عِبَادَةً ( وَبَيْنَ نَفْيٍ لَازِمٍ لِلثُّبُوتِ ) أَيْ وَيَكُونُ التَّلَازُمُ بَيْنَ ثُبُوتِ مَلْزُومٍ وَنَفْيِ لَازِمٍ لَهُ ( وَعَكْسُهُ ) أَيْ وَبَيْنَ نَفْيِ مَلْزُومٍ وَثُبُوتِ لَازِمٍ مِثَالُ الْأَوَّلِ هَذَا ( مُبَاحٌ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ ) وَمِثَالُ الثَّانِي هَذَا ( لَيْسَ جَائِزًا فَحَرَامٌ وَيُقَرَّرَانِ ) أَيْ التَّلَازُمَانِ بَيْنَهُمَا ( بِإِثْبَاتِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا ) كَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالنَّفْيِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَعَدَمِ الْحَرَامِ لِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا لِأَنَّ عَدَمَ الْحَرَامِ أَعَمُّ مِنْ الْمُبَاحِ وَلَا بَيْنَ غَيْرِ الْجَائِزِ وَالْحَرَامِ لِأَنَّ غَيْرَ الْجَائِزِ إمَّا مُسَاوِي الْحَرَامِ أَوْ أَعَمُّ مِنْهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشَّارِحِينَ أَيْ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ لَكِنْ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا قُصُورٌ بَلْ وَبَيْنَ الْجَائِزِ وَالْحَرَامِ ثُمَّ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ فِي الْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا اسْتَلْزَمَ الْمُبَاحُ عَدَمَ الْحَرَامِ وَعَكْسَهُ لَا فِي النَّفْيِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ عَدَمُ الْمُبَاحِ الْحَرَامَ وَلَا عَكْسَهُ قُلْت إلَّا أَنَّ فِي اسْتِلْزَامِ عَدَمِ الْحَرَامِ الْمُبَاحَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَعَكْسَهُ نَظَرًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّ عَدَمَ الْحَرَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُبَاحَ أَلْبَتَّةَ بَلْ كَمَا يَسْتَلْزِمُهُ يَسْتَلْزِمُ

الْمَنْدُوبَ .
وَقَالَ فِي الثَّانِي وَهُوَ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَلِهَذَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ الْحُرْمَةُ وَعَكْسُهُ وَمِنْ الْجَوَازِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ وَالْعَكْسُ وَيَخُصُّ هَذَا مُوَجِّهًا لَهُ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فَقَالَ أَيْ التَّلَازُمُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَنَفْيِهِ وَعَكْسُهُ يُقَرَّرَانِ بِبَيَانِ ثُبُوتِ التَّنَافِي بَيْنَ الثُّبُوتَيْنِ فَإِنْ كَانَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي الْجَمْعِ كَمَا بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ اسْتَلْزَمَ كُلٌّ مِنْ الثُّبُوتَيْنِ نَفْيَ الْآخَرِ فَيَصْدُقُ مَا كَانَ مُبَاحًا لَا يَكُونُ حَرَامًا وَإِنْ كَانَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا فِي الْخُلُوِّ كَمَا بَيْنَ الْجَائِزِ بِمَعْنَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا اسْتَلْزَمَ نَفْيُ كُلٍّ مِنْ الثُّبُوتَيْنِ عَيْنَ الْآخَرِ فَيَصْدُقُ مَا لَا يَكُونُ جَائِزًا يَكُونُ حَرَامًا انْتَهَى وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعِنَايَةَ لَا تُفِيدُهَا الْعِبَارَةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَالسُّبْكِيِّ أَيْ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَهُوَ مَعَ إبْهَامِهِ رَاجِعٌ إلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ فَعَلَيْهِ مَا عَلَى أَحَدِهِمَا الْمُرَادُ مِنْهُ وَمِنْ الْعَجَبِ إهْمَالُ عَضُدِ الدِّينِ ثُمَّ التَّفْتَازَانِيِّ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا ( أَوْ ) بِإِثْبَاتِ التَّنَافِي بَيْنَ ( لَوَازِمِهِمَا ) وَهُوَ التَّأْثِيمُ اللَّازِمُ لِفِعْلِ الْحَرَامِ وَعَدَمُهُ اللَّازِمُ لِفِعْلِ الْمُبَاحِ وَالْجَائِزِ فَيَلْزَمُ التَّنَافِي بَيْنَ مَلْزُومِهِمَا لِأَنَّ تَنَافِيَ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى تَنَافِي الْمَلْزُومَاتِ ( وَيَرِدُ عَلَيْهَا ) أَيْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ ( مَنْعُ اللُّزُومِ كَالْحَنَفِيِّ فِي الْأَوَّلَيْنِ ) أَيْ كَمَنْعِ الْحَنَفِيِّ التَّلَازُمَ بَيْنَ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَنَفْيِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِلَا نِيَّةٍ وَنَفْيِ صِحَّةِ الْوُضُوءِ بِلَا نِيَّةٍ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ .
( وَ ) مَنْعُ ( ثُبُوتِ الْمَلْزُومِ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِالْعِلَّةِ ) مِنْ الْأَسْئِلَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْعِلَّةُ فِي التَّلَازُمِ وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ( وَيَخْتَصُّ ) التَّلَازُمُ بِسُؤَالٍ لَا

يَرِدُ عَلَى الْقِيَاسِ وَهُوَ مَنْعُ تَحَقُّقِ الْمُلَازَمَةِ ( فِي مِثْلِ تَقْطَعُ الْأَيْدِيَ بِيَدٍ ) وَاحِدَةٍ ( كَقَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِوَاحِدٍ لِمُلَازَمَتِهِ ) أَيْ الْقِصَاصِ ( لِثُبُوتِ الدِّيَةِ عَلَى الْكُلِّ فِي الْأَصْلِ أَيْ النَّفْسِ لِأَنَّهُمَا ) أَيْ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ ( أَثَرَانِ فِيهَا ) أَيْ النَّفْسِ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى الْجِنَايَةِ ( وَوُجِدَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الْأَثَرَيْنِ وَهُوَ الدِّيَةُ ( فِي الْفَرْعِ ) أَيْ الْيَدِ ( فَالْآخَرُ ) أَيْ الْأَثَرُ الْآخَرُ وَهُوَ ( الْقِصَاصُ ) عَلَى الْكُلِّ يُؤْخَذُ فِيهِ أَيْضًا ( لِأَنَّ عِلَّتَهُمَا ) أَيْ الْأَثَرَيْنِ وَهُمَا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ ( فِي الْأَصْلِ إنْ ) كَانَتْ ( وَاحِدَةً فَظَاهِرٌ ) وُجُودُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي وُجُودِ الْأَثَرِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُؤَثِّرِ ( أَوْ ) كَانَتْ ( مُتَعَدِّدَةً فَتَلَازُمُهُمَا ) أَيْ الْأَثَرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ عَلَى الْجَمِيعِ ( فِي الْأَصْلِ ) أَيْ النَّفْسِ دَلِيلٌ ( لِتَلَازُمِهِمَا ) أَيْ الْعِلَّتَيْنِ فَوُجُودُ أَحَدِ الْأَثَرَيْنِ وَهُوَ الدِّيَةُ فِي الْفَرْعِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ عِلَّتِهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ عِلَّةِ الْأَثَرِ الْآخَرِ ( فَيَثْبُتُ ) الْأَثَرُ ( الْآخَرُ ) وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي الْفَرْعِ أَيْضًا لِثُبُوتِ عِلَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ ( فَيَرِدُ ) الْوَارِدُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمِثَالِ وَهُوَ ( تَجْوِيزُ كَوْنِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْأَثَرِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ الدِّيَةِ عَلَى الْكُلِّ ( بِعِلَّةٍ ) فِي الْفَرْعِ أَيْ الْيَدِ تَقْتَضِي وُجُوبَ الدِّيَةِ فِي الْكُلِّ ثُمَّ ( لَا تَقْتَضِي قَطْعَ الْأَيْدِي ) بِالْيَدِ ( وَلَا ) تَقْتَضِي ( مُلَازَمَةَ مُقْتَضِيهِ ) أَيْ قَطْعِ الْأَيْدِي بِالْيَدِ .
( وَفِي الْأَصْلِ ) أَيْ النَّفْسِ ( بِأُخْرَى تَقْتَضِيهِمَا ) أَيْ الْقِصَاصَ وَوُجُوبَ الدِّيَةِ ( أَوْ ) بِعِلَّةٍ أُخْرَى ( لَا تَلَازُمَ مُقْتَضٍ قَبْلَ الْكُلِّ وَيُرَجَّحُ ) الْمُعْتَرِضُ كَوْنَ ثُبُوتِهِ فِي الرَّفْعِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى ( بِاتِّسَاعِ مَدَارِكِ الْأَحْكَامِ ) أَيْ أَدِلَّتِهَا الَّتِي يُدْرَكُ بِهَا فَإِنَّ

وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَمِيعِ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى يُوجِبُ التَّعَدُّدَ فِي مُدْرَكِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( وَهُوَ ) أَيْ اتِّسَاعُ مَدَارِك الْأَحْكَامِ ( أَكْثَرُ فَائِدَةً وَجَوَابُهُ ) أَيْ هَذَا السُّؤَالِ ( الْأَصْلُ عَدَمُ ) عِلَّةٍ ( أُخْرَى ) ( وَيُرَجَّحُ الِاتِّحَادُ ) أَيْ اتِّحَادُ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ وَهُوَ الدِّيَةُ مَثَلًا عَلَى تَعَدُّدِهَا ( بِأَنَّهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ الْمُتَّحِدَةَ ( مُنْعَكِسَةٌ ) وَالْمُنْعَكِسَةُ عِلَّةٌ بِاتِّفَاقٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا وَالْمُتَّفِقُ عَلَيْهَا أَرْجَحُ ( فَإِنْ دَفَعَهُ ) أَيْ الْمُعْتَرِضُ الْجَوَابَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ ( بِأَنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا عَدَمُ عِلَّةِ الْأَصْلِ فِي الْفَرْعِ قَالَ ) الْمُسْتَدِلُّ إذَا تَعَارَضَ الْأَصْلَانِ وَتَسَاقَطَا كَانَ التَّرْجِيحُ مَعَنَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلَّةُ ( الْمُتَعَدِّيَةُ ) مِنْ النَّفْسِ إلَى الْيَدِ ( أَوْلَى ) مِنْ الْقَاصِرَةِ عَلَى النَّفْسِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا وَالْخِلَافُ فِي الْقَاصِرَةِ وَلِكَثْرَتِهَا وَقِلَّةِ الْقَاصِرَةِ فَإِنَّا إذَا أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ بِعِلَّةِ الْأَصْلِ فَقَدْ عَدَّيْنَاهَا مِنْ الْأَصْلِ إلَى الْفَرْعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ بِهِمَا فَقَدْ قَصَرْنَا عِلَّةَ الْأَصْلِ عَلَى الْأَصْلِ وَعِلَّةَ الْفَرْعِ عَلَى الْفَرْعِ قَالَ ( الْآمِدِيُّ وَمِنْهُ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ ( وُجِدَ السَّبَبُ ) فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَا يُلْزِمُهُ الْمَطْلُوبُ بِتَقْدِيرِ تَحَقُّقِهِ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا وَمَا ذَكَرَ كَذَلِكَ وَالْمَطْلُوبُ وَإِنْ تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى الدَّلِيلِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ فَوُجُودُ الدَّلِيلِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى وُجُودِهِ بَلْ تَمَيُّزُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا دُورَ كَمَا فِي مُنْتَهَى السُّولِ لَهُ أَيْ الْمَطْلُوبُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةِ وُجُودِهِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ وَالدَّلِيلُ يَتَوَقَّفُ عَلَى لُزُومِ الْمَطْلُوبِ مِنْ جِهَةِ حَقِيقَتِهِ فَلَا دُورَ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا لِاحْتِمَالِ تَقْرِيرِ سَبَبِيَّةِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ .
( وَ ) وُجِدَ (

الْمَانِعُ وَفُقِدَ الشَّرْطُ ) فَيُعْدَمُ الْحُكْمُ ( وَنُفِيَ الْحُكْمُ لِانْتِفَاءِ مُدْرَكِهِ ) وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ بِالْعَدَمِ ( وَالْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ ( إذْ هُوَ دَعْوَى الدَّلِيلِ ) فَهُوَ بِمَثَابَةِ وُجِدَ دَلِيلُ الْحُكْمِ فَيُوجَدُ فَلَا يُسْمَعُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الدَّلِيلَ الْمُدَّعَى وُجُودُهُ ( فَالدَّلِيلُ وُجُودُ الْمُعَيَّنِ ) أَيْ الْمُقْتَضِي أَوْ الْمَانِعِ أَوْ فَقْدِ الشَّرْطِ ( مِنْهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْحُكْمِ ( وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَذْكُورَ ( دَلِيلٌ ) وَهُوَ مَثَلًا هَذَا حُكْمٌ وُجِدَ سَبَبُهُ وَكُلُّ حُكْمٍ وُجِدَ سَبَبُهُ فَهُوَ مَوْجُودٌ ( بَعْضُ مُقَدِّمَاتِهِ نَظَرِيَّةٌ ) وَهِيَ الصُّغْرَى فَإِنَّ الْكُبْرَى بَيِّنَةٌ ( وَالْمُخْتَارُ ) عِنْدَ ابْنِ الْحَاجِبِ ( إنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ ) أَيْ وُجُودُ السَّبَبِ أَوْ الْمَانِعُ أَوْ فَقْدُ الشَّرْطِ ( بِأَحَدِهَا ) وَهُوَ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ بِغَيْرِهَا أَيْ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ ( فَاسْتِدْلَالٌ وَإِلَّا ) فَإِنْ ثَبَتَ بِأَحَدِهَا ( فَبِأَحَدِهَا ) أَيْ فَهُوَ ثَابِتٌ بِأَحَدِهَا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ لَا بِالِاسْتِدْلَالِ ( وَعَلَى هَذَا ) التَّفْصِيلِ ( يَرِدُ الِاسْتِدْلَال مُطْلَقًا إلَى أَحَدِهَا إذْ ثُبُوتُ ذَلِكَ التَّلَازُمِ لَا بُدَّ فِيهِ شَرْعًا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ أَحَدِهَا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ التَّلَازُمُ ثَابِتًا شَرْعًا بِأَحَدِهَا ( فَلَيْسَ ) ذَلِكَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ ( حُكْمًا شَرْعِيًّا ) لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِأَحَدِهَا .
( فَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِدْلَالَ ( كَيْفِيَّةُ اسْتِدْلَالٍ ) بِأَحَدِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ ( لَا ) دَلِيلَ ( آخَرَ غَيْرُ الْأَرْبَعَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا ) قَبْلَ فَصْلِ التَّعَارُضِ بِمَسْأَلَتَيْنِ ( وَيُرَدُّ إلَى الْكِتَابِ ) بِقَصِّهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ ( وَالسُّنَّةِ ) بِقَصِّهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ

( وَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ ) وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ ( وَرُدَّ إلَى السُّنَّةِ ) حَيْثُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا فَصْلُ التَّعَارُضِ ( وَرُدَّ الِاسْتِصْحَابُ إلَى مَا بِهِ ثَبَتَ الْأَصْلُ الْمَحْكُومُ بِاسْتِمْرَارِهِ )

( فَهُوَ ) أَيْ الِاسْتِصْحَابُ ( الْحُكْمُ ) ظَنًّا ( بِبَقَاءِ أَمْرٍ تَحَقَّقَ ) سَابِقًا ( وَلَمْ يَظُنَّ عَدَمَهُ ) بَعْدَ تَحَقُّقِهِ ( وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) السَّمَرْقَنْدِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَالْحَنَابِلَةُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ ( وَنَفَاهُ ) أَيْ كَوْنَهُ حُجَّةً ( كَثِيرٌ ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُتَكَلِّمُونَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ لِلْإِثْبَاتِ وَالدَّفْعِ ( وَأَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُمْ قَالُوا هُوَ حُجَّةٌ ( لِلدَّفْعِ ) لَا لِلْإِثْبَاتِ ( وَالْوَجْهُ لَيْسَ حُجَّةٌ ) أَصْلًا كَمَا قَالَ الْكَثِيرُ ( وَالدَّفْعُ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الطَّارِئِ ( الْأَصْلِيِّ ) عَلَى مَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ ( لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ مُوجِبَ بَقَائِهِ ) أَيْ الْوُجُودِ وَكَيْفَ لَا وَبَقَاءُ الشَّيْءِ غَيْرُ وُجُودِهِ لِأَنَّهُ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ بَعْدَ الْحُدُوثِ ( فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهِ ) أَيْ الْوُجُودِ يَكُونُ ( بِلَا دَلِيلٍ قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الِاسْتِصْحَابِ أَمْرٌ ( ضَرُورِيٌّ لِتَصَرُّفَاتِ الْعُقَلَاءِ بِاعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ ( مِنْ إرْسَالِ الرُّسُلِ وَالْكُتُبِ وَالْهَدَايَا ) مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْلَا الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ لَكَانَ ذَلِكَ سَفَهًا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذْ ثَبَتَ الْحُكْمُ ظَنًّا بِالْبَقَاءِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مُتَّبَعٌ كَمَا عُرِفَ .
( وَمِنْهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّتِهِ مُطْلَقًا ( مَنْ اسْتَبْعَدَهُ ) أَيْ كَوْنَهُ حُجَّةً بِالضَّرُورَةِ ( فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَعَدَلُوا إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَمْ يَجْزِمْ بِبَقَاءِ الشَّرَائِعِ مَعَ احْتِمَالِ الرَّفْعِ ) أَيْ طَرَيَانِ النَّاسِخِ وَاللَّازِمِ بَاطِلٌ لِلْقَطْعِ بِبَقَاءِ

شَرِيعَةِ عِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بِعْثَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَقَاءِ شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا ( وَ ) إلَى ( الْإِجْمَاعِ ) أَيْضًا ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ أَيْ اعْتِبَارُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ كَمَا ( فِي نَحْوِ بَقَاءِ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِلْكِ ) إذَا ثَبَتَ ( مَعَ طُرُوِّ الشَّكِّ ) فِي طَرَيَانِ الضِّدِّ ( وَأُجِيبَ ) عَنْ الْأَوَّلِ ( بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ لِجَوَازِهِ ) أَيْ الْجَزْمِ بِبَقَائِهَا وَالْقَطْعِ بِعَدَمِ نَسْخِهَا ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرِ الِاسْتِصْحَابِ ( كَتَوَاتُرِ إيجَابِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ بِهَا ) أَيْ بِتِلْكَ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا ( إلَى ظُهُورِ النَّاسِخِ ) وَوُجُودِ الْقَاطِعِ عَلَى أَنَّهُ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَتِلْكَ الْفُرُوعُ ) لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ بَلْ ( لِأَنَّ الْأَسْبَابَ تُوجِبُ أَحْكَامًا مُمْتَدَّةً ) مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ وَعَدَمِ جَوَازِهَا وَحِلِّ الْوَطْءِ وَالِانْتِفَاعِ بِحَسَبِ وَضْعِ الشَّارِعِ ( إلَى ظُهُورِ النَّاقِضِ شَرْعًا وَاعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ الْخِلَافِ ) فِي كَوْنِ الِاسْتِصْحَابِ حُجَّةً أَوْ لَا مَبْنِيٌّ ( عَلَى أَنَّ سَبْقَ الْوُجُودِ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الِانْتِفَاءِ هَلْ هُوَ دَلِيلُ الْبَقَاءِ فَقَالُوا ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ ( نَعَمْ فَلَيْسَ الْحُكْمُ بِهِ ) أَيْ بِالِاسْتِصْحَابِ حُكْمًا ( بِلَا دَلِيلٍ وَالْحَنَفِيَّةُ ) قَالُوا ( لَا إذْ لَا بُدَّ فِي الدَّلِيلِ مِنْ جِهَةٍ يَسْتَلْزِمُ بِهَا ) الْمَطْلُوبَ ( وَهِيَ ) أَيْ الْجِهَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لَهُ ( مُنْتَفِيَةٌ ) فِي حَقِّ الْبَقَاءِ ( فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّاتُ ) بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ( فَيَرِثُ الْمَفْقُودُ ) مِنْ مَاتَ مِنْ وَرَثَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِاسْتِصْحَابِ حَيَاتِهِ الْمُفِيدَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ ( لَا عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ بَابِ الْإِثْبَاتِ وَحَيَاتَهُ

بِالِاسْتِصْحَابِ فَلَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَهُ .
( وَلَا يُورَثُ لِأَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ الْإِرْثِ ( دَفْعٌ ) لِلِاسْتِحْقَاقِ فَيَثْبُتُ بِالِاسْتِصْحَابِ ( وَعَلَى مَا حَقَّقْنَا عَدَمُهُ أَصْلِيٌّ ) مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا وَأَنَّ الدَّفْعَ اسْتِمْرَارُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ لِلْأَمْرِ الطَّارِئِ إنَّمَا لَا يُورَثُ ( لِعَدَمِ سَبَبِهِ ) أَيْ الْإِرْثِ ( إذْ لَمْ يَثْبُتْ مَوْتُهُ ) أَيْ الْمَفْقُودِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ ( وَلَا صُلْحَ عَلَى إنْكَارٍ ) أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( لِإِثْبَاتِ اسْتِصْحَابِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ فَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي ( كَالْيَمِينِ وَصَحَّ ) الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ فَلَا تَكُونُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فَيَصِحُّ الصُّلْحُ ( وَلَمْ تَجِبْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّفِيعِ ) عَلَى الْمِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِهِ لِإِنْكَارِ الْمُشْتَرِي الْمِلْكَ الْمَشْفُوعَ بِهِ لِلشَّفِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ فِي الظَّاهِرِ وَالتَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّفْعِ وَالْإِلْزَامِ جَمِيعًا عِنْدَهُ ( وَوَجَبَتْ ) الْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلْإِلْزَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ هَذَا وَأَمَّا السُّبْكِيُّ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْأُمَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ ثَمَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَشْخِيصِهِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ عَلِمْت مَوَارِدَ اسْتَفْعَلَ فِي اللُّغَةِ .
وَعِنْدِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا فِي مُصْطَلَحِ الْأُصُولِيِّينَ الِاتِّخَاذُ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَابُ مَا اتَّخَذُوهُ دَلِيلًا وَالسِّرُّ فِي جَعْلِ هَذَا الْبَابِ مُتَّخَذًا دُونَ الْكِتَابِ

وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ قَامَ الْقَاطِعُ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَنَازَعْ الْمُعْتَبَرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَكَانَ مَنَالُهَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْ صُنْعِهِمْ لِاجْتِهَادِهِمْ بَلْ أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا عُقِدَ لَهُ هَذَا الْبَابُ فَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ قَالَهُ كُلُّ إمَامٍ بِمُقْتَضَى تَأْدِيَةِ اجْتِهَادِهِ فَكَأَنَّهُ اتَّخَذَهُ دَلِيلًا كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَدَلُّ بِالِاسْتِصْحَابِ وَمَالِكُ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِالِاسْتِحْسَانِ أَنْ يَتَّخِذَ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ دَلِيلًا كَمَا يَقُولُ يُحْتَجُّ بِكَذَا وَهَذَا مَعْنًى مَلِيحٌ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( الْمَقَالَةُ الثَّالِثَةُ فِي الِاجْتِهَادِ وَمَا يَتْبَعُهُ ) مِنْ التَّقْلِيدِ وَالْإِفْتَاءِ ( هُوَ ) أَيْ الِاجْتِهَادُ ( لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ فِي تَحْصِيلِ ذِي كُلْفَةٍ ) أَيْ مَشَقَّةٌ يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ الصَّخْرَةِ وَلَا يُقَالُ اجْتَهَدَ فِي حَمْلِ النَّوَاةِ وَالْمُرَادُ بِبَذْلِ الْوُسْعِ اسْتِفْرَاغُ الْقُوَّةُ بِحَيْثُ يَحْسُنُ الْعَجْزُ عَنْ الْمَزِيدِ ( وَاصْطِلَاحًا ذَلِكَ ) أَيْ بَذْلُ الطَّاقَةِ ( مِنْ الْفَقِيهِ فِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ظَنِّيٍّ ) فَبَذْلُ الطَّاقَةِ جِنْسٌ يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِ اجْتِهَادِ الْمُقَصِّرِ وَهُوَ الَّذِي يَقِفُ عَنْ الطَّلَبِ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ السَّعْيِ فَإِنَّ هَذَا الِاجْتِهَادَ لَا يُعَدُّ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ اجْتِهَادًا مُعْتَبَرًا وَمِنْ الْفَقِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِ الطَّاقَةِ مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ اصْطِلَاحِيٍّ .
وَفِي تَحْصِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ احْتِرَازٌ مِنْ بَذْلِهَا مِنْهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ حِسِّيٍّ أَوْ عَقْلِيٍّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِذَلِكَ أَيْضًا وَظَنِّيٍّ قِيلَ لِأَنَّ الْقَطْعِيَّ لَا اجْتِهَادَ فِيهِ وَسَيَأْتِي مَنْعُهُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِغْرَاقَ الْأَحْكَامِ فِي الِاجْتِهَادِ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَمَدَارِكِهَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ وُسْعِ الْبَشَرِ ( وَنَفْيُ الْحَاجَةِ إلَى قَيْدِ الْفَقِيهِ ) كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ ( لِلتَّلَازُمِ بَيْنَهُ ) أَيْ الْفَقِيهِ ( وَبَيْنَ الِاجْتِهَادِ ) فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فَقِيهًا إلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْفِقْهِ التَّهَيُّؤَ لِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ ( سَهْوٌ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ ) جِنْسًا فِي التَّعْرِيفِ إنَّمَا هُوَ ( بَذْلُ الطَّاقَةِ لَا الِاجْتِهَادُ وَيُتَصَوَّرُ ) بَذْلُ الطَّاقَةِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْفَقِيهِ ( فِي طَلَبِ حُكْمٍ ) شَرْعِيٍّ وَالظَّاهِرُ

كَلَامُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَقِيهٌ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ وَلَا مُجْتَهِدٌ غَيْرُ فَقِيهٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ ذُو مَلَكَةٍ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى اسْتِنْتَاجِ الْأَحْكَامِ مِنْ مَأْخَذِهَا .
( وَشُيُوعُ الْفَقِيهِ لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( مِمَّنْ يَحْفَظُ الْفُرُوعَ ) إنَّمَا هُوَ ( فِي غَيْرِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ ( ثُمَّ هُوَ ) أَيْ هَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ تَعْرِيفًا لِلِاجْتِهَادِ مُطْلَقًا بَلْ ( تَعْرِيفٌ لِنَوْعٍ مِنْ الِاجْتِهَادِ ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الظَّنِّيَّةِ ( لِأَنَّ مَا ) أَيْ الِاجْتِهَادَ ( فِي الْعَقْلِيَّاتِ اجْتِهَادٌ غَيْرَ أَنَّ الْمُصِيبَ ) فِي الْعَقْلِيَّاتِ ( وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئَ آثِمٌ وَالْأَحْسَنُ تَعْمِيمُهُ ) أَيْ التَّعْرِيفِ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ظَنِّيًّا كَانَ أَوْ قَطْعِيًّا ( بِحَذْفِ ظَنِّيٍّ ) فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ قَدْ يَكُونُ فِي الْقَطْعِيِّ مِنْ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَا بَيْنَ أَصْلِيٍّ وَفَرْعِيٍّ غَايَتُهُ أَنَّ الْحَقَّ فِيهِ وَاحِدٌ وَالْمُخَالِفَ فِيهِ مُخْطِئٌ آثِمٌ فِي نَوْعٍ مِنْهُ غَيْرَ آثِمٍ فِي نَوْعٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ إنْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ لَا يَحْكُمُ فِيهِ بِإِثْمِ الْمُخْطِئِ فِيهِ اُحْتِيجَ إلَى قَيْدٍ مُخْرِجٍ لِمَا يَكُونُ الْمُخْطِئُ آثِمًا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَالشَّأْنُ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْآمِدِيِّ وَالرَّازِيِّ وَمُوَافِقِهِمَا الْمُجْتَهَدُ فِيهِ كُلُّ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ .

( ثُمَّ يَنْقَسِمُ ) الِاجْتِهَادُ ( مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ ) الْمُتَعَلِّقُ بِهِ ( إلَى وَاجِبٍ عَيْنًا عَلَى الْمَسْئُولِ ) عَلَى الْفَوْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ( إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَادِثَةِ ) عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَفِي حَقِّ نَفْسِهِ إذَا نَزَلَتْ الْحَادِثَةُ بِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا ( وَكِفَايَةً ) أَيْ وَإِلَى وَاجِبٍ كِفَايَةً عَلَى الْمَسْئُولِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ( لَوْ لَمْ يَخَفْ ) فَوَاتَ الْحَادِثَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ ( وَثَمَّ غَيْرُهُ ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَتَوَجَّهُ الْوُجُوبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَأَخَصُّهُمْ بِوُجُوبِهِ مَنْ خُصَّ بِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَادِثَةِ حَتَّى لَوْ أَمْسَكُوا مَعَ ظُهُورِ الْجَوَابِ وَالصَّوَابِ لَهُمْ أَثِمُوا وَإِنْ أَمْسَكُوا مَعَ الْتِبَاسِهِ عَلَيْهِمْ عُذِرُوا وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ الطَّلَبُ وَكَانَ فَرْضُ الْجَوَابِ بَاقِيًا عِنْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَيَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ حَيْثُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ ( وَيَسْقُطُ ) الْوُجُوبُ عَنْ الْكُلِّ ( بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا ( وَعَلَى هَذَا ) أَيْ سُقُوطِ الْوُجُوبِ بِفَتْوَى أَحَدِهِمْ لَوْ أَنَّ مُجْتَهِدًا ظَنَّ خَطَأَ الْمُفْتِي فِيمَا أَجَابَ بِهِ ( لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ ) أَيْ الْجَوَابَ ( خَطَأً ) الِاجْتِهَادُ فِيهِ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ هَذَا وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ أَصَحَّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْإِثْمِ بِالرَّدِّ إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَسْئُولِ وَأَصَحُّهُمَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ شُهُودٌ يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِبَعْضِهِمْ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ إذَا طُلِبَ الْأَدَاءُ مِنْ الْبَعْضِ قَالَ وَفِي الْفَرْقِ غُمُوضٌ انْتَهَى قِيلَ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْفَتْوَى تَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَفِكْرٍ وَالْمُشَوَّشَاتُ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى ذَلِكَ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ ( وَكَذَلِكَ حُكْمٌ تَرَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ ) مُجْتَهِدَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي النَّظَرِ فِيهِ يَكُونُ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا

بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ ( أَيُّهُمَا حَكَمَ بِشَرْطِهِ ) الْمُعْتَبَرِ فِيهِ شَرْعًا ( سَقَطَ ) الْوُجُوبُ عَنْهُمَا وَإِنْ تَرَكَاهُ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَا ( وَ ) إلَى ( مَنْدُوبٍ ) وَهُوَ مَا ( قَبْلَهُمَا ) أَيْ وُجُوبِهِ عَيْنًا وَوُجُوبِهِ كِفَايَةً كَالِاجْتِهَادِ فِي حُكْمِ شَيْءٍ بِلَا سُؤَالٍ عَنْهُ وَلَا نُزُولِهِ لِيَطَّلِعَ عَلَى مَعْرِفَةِ حُكْمِهِ قَبْلَ نُزُولِهِ ( وَمَعَ سُؤَالٍ فَقَطْ ) أَيْ وَفِيمَا يُسْتَفْتَى عَنْ حُكْمِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ ( وَ ) إلَى ( حَرَامٍ ) وَهُوَ الِاجْتِهَادُ ( فِي مُقَابَلَةِ ) دَلِيلٍ ( قَاطِعٍ ) مِنْ ( نَصٍّ ) ( أَوْ إجْمَاعٍ )

( وَشَرْطُ مُطْلَقِهِ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ ( بَعْدَ صِحَّةِ إيمَانِهِ ) بِمَعْرِفَةِ الْبَارِي تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُعْجِزَاتِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَسَائِرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالْأَدِلَّةِ الْإِجْمَالِيَّةِ دُونَ التَّدْقِيقَاتِ التَّفْصِيلِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ دَأْبُ الْمُتَبَحِّرِينَ فِي الْكَلَامِ وَبُلُوغُهُ وَعَقْلُهُ ( مَعْرِفَةُ مَحَالِّ جُزْئِيَّاتِ مَفَاهِيمِ الْأَلْقَابِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلْمَتْنِ مِنْ شَخْصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الظُّهُورِ كَالظَّاهِرِ ) وَالنَّصِّ وَالْمُفَسَّرِ وَالْمُحْكَمِ ( وَالْعَامِّ ) وَالْخَاصِّ ( وَالْخَفَاءِ كَالْخَفِيِّ وَالْمُجْمَلِ ) وَالْمُشْكِلِ وَالْمُتَشَابِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي انْقِسَامَاتِ الْمُفْرَدِ السَّابِقَةِ فِي فُصُولِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ الْحُكْمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ثُمَّ قِيلَ : هُوَ مِنْ الْكِتَابِ خَمْسُمِائَةِ آيَةٍ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ قِيلَ : وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا مُقَاتِلَ بْنَ سُلَيْمَانَ أَوَّلَ مَنْ أَفْرَدَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ بِالتَّصْنِيفِ ذَكَرَهَا خَمْسَمِائَةٍ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ أَرَادَ الظَّاهِرَةَ لَا الْحَصْرَ ، وَمِنْ السُّنَّةِ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ ، وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ ، وَقِيلَ : خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ وَحُمِلَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَالتَّغْلِيظِ فِي الْفُتْيَا ، أَوْ أَرَادَ وَصْفَ أَكْمَلِ الْفُقَهَاءِ ، فَأَمَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ : الْأُصُولُ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْعِلْمُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ لَا مَعْرِفَةُ الْجَمِيعِ ، وَهُوَ فِي السُّنَّةِ ظَاهِرٌ لِتَعَذُّرِهِ لِسَعَتِهَا وَإِلَّا لَانْسَدَّ بَابُ الِاجْتِهَادِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ : وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُهُ جَمِيعَ مَا

وَرَدَ فِي ذَلِكَ الْبَابِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ ، وَلَوْ تُصُوِّرَ لَمَا حَضَرَ ذِهْنَهُ عِنْد الِاجْتِهَادِ ، وَقَدْ اجْتَهَدَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ لَمْ يَسْتَحْضِرُوا فِيهَا النُّصُوصَ حَتَّى رُوِيَتْ لَهُمْ فَرَجَعُوا إلَيْهَا .
وَأَمَّا فِي الْقُرْآنِ فَقِيلَ : مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ تَمْيِيزَ آيَاتِ الْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْجَمِيعِ بِالضَّرُورَةِ ، وَتَقْلِيدُ الْغَيْرِ فِي ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مُتَفَاوِتُونَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْأَحْكَامِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ وَالْأَذْهَانِ وَمَا يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِنْبَاطِ ، وَلَعَلَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْأَحْكَامِ بِالْمُطَابَقَةِ لَا بِالتَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ إذْ غَالِبُ الْقُرْآنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ ( وَهِيَ ) أَيْ جُزْئِيَّاتُ تِلْكَ الْمَفَاهِيمِ ( أَقْسَامُ اللُّغَةِ مَتْنًا وَاسْتِعْمَالًا لَا حِفْظُهَا ) أَيْ الْمَحَالِّ الْمَذْكُورَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَقِيلَ : يَجِبُ حِفْظُ مَا اخْتَصَّ بِالْأَحْكَامِ مِنْ الْقُرْآنِ وَنُقِلَ فِي الْقَوَاطِعِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ الْحَافِظَ أَضْبَطُ لِمَعَانِيهِ مِنْ النَّاظِرِ فِيهِ وَنَقَلَهُ الْقَيْرَوَانِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَنْ الشَّافِعِيِّ قُلْت وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ نَعَمْ الْحِفْظُ أَحْسَنُ كَمَا تَعْلِيلُ اللُّزُومِ يُفِيدُهُ ( وَلِلسَّنَدِ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَالضَّعِيفِ وَالْعَدْلِ وَالْمَسْتُورِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ) قَالُوا : وَالْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ فِي زَمَانِنَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ كَالْمُتَعَذِّرِ فَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ الْأَئِمَّةِ الْمَعْرُوفِ صِحَّةُ مَذْهَبِهِمْ فِي

التَّعْدِيلِ ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْجَرْحِ ( وَعَدَمُ الْقَاطِعِ ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى " مَعْرِفَةُ " ( وَ ) عَدَمُ ( النَّسْخِ ) وَوَجْهُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ غَيْرُ خَافٍ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْبَاطَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ .
وَكَيْفِيَّةُ الِاسْتِنْبَاطِ وَفَهْمُ الْمُرَادِ مِنْ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ وَاعْتِبَارُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهُ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْقَاطِعِ وَلَا مَنْسُوخٍ وَلَا مُجْمَعٍ عَلَى خِلَافِهِ ، وَعَلَى هَذَا يُزَادُ وَمَعْرِفَتُهُ بِمَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَخْرِقَهُ ، وَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ مَذْهَبَ ذِي مَذْهَبٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّهُ وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ لَا خَوْضَ فِيهَا لِأَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَلَا يَلْزَمُهُ حِفْظُ جَمِيعِ مَوَاقِعِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ .
( وَ ) شَرْطُ ( الْخَاصِّ مِنْهُ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ مَعْرِفَةُ ( مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِ ( فِيمَا فِيهِ ) الِاجْتِهَادُ ( كَذَا لِكَثِيرٍ ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَدِيعِ ( بِلَا حِكَايَةِ عَدَمِ جَوَازِ تَجَزِّي الِاجْتِهَادِ ) أَيْ أَنْ يُقَالَ شَخْصُ مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَا هُوَ مَنَاطُ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا ( كَأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا ) أَيْ حِكَايَةَ عَدَمِ جَوَازِ تَجَزِّيهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ جَوَازِ تَجَزِّيهِ

( فَرْعٌ ) أَنَّهُ يَجُوزُ ( اجْتِهَادُ الْفَرَضِيِّ فِي ) عِلْمِ ( الْفَرَائِضِ ) بِأَنْ يَعْلَمَ أَدِلَّتَهُ بِاسْتِقْرَاءٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ مُجْتَهِدٍ كَامِلٍ وَيَنْظُرُ فِيهَا ( دُونَ غَيْرِهِ ) مِنْ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا لَمْ يَبْلُغْ فِيهَا رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ ( وَقَدْ حُكِيَتْ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهَا وَذُكِرَ فِيهَا جَوَازُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبُسْتِيُّ مِنْ مَشَايِخِنَا وَمُخْتَارُ الْغَزَالِيِّ وَنَسَبَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى الْأَكْثَرِ وَقَالَ : إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْحَقُّ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ التَّوَقُّفُ ( وَاخْتَارَ طَائِفَةٌ نَفْيَهُ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ ( وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَ كُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ لَهَا ) أَيْ لِلْمَسْأَلَةِ الَّتِي هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهَا ( احْتَمَلَ غَيْبَةَ بَعْضِهِ ) أَيْ مَا يَحْتَاجُهُ لَهَا مِمَّا يَقْدَحُ فِي ظَنِّ الْحُكْمِ ( عَنْهُ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ ) الْمَذْكُورُ ثَابِتٌ ( كَذَلِكَ لِلْمُطْلَقِ ) أَيْ لِلْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ ظَنَّ كُلٌّ مِنْهُمَا حُصُولَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ ظَنِّهِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالُ ( يَضْعُفُ ) أَوْ يَنْعَدِمُ ( فِي حَقِّهِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ ( لِسِعَتِهِ ) أَيْ نَظَرِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِالْكُلِّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَيَبْقَى ظَنُّهُ بِالْحُكْمِ بِحَالِهِ ( وَيَقْوَى فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لِعَدَمِ إحَاطَتِهِ بِالْكُلِّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَلَا يَبْقَى بِالْحُكْمِ بِحَالِهِ فَلَمْ يَقْدَحْ فِي الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُطْلَقِ وَقَدَحَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ .
( وَقَدْ يَمْنَعُ التَّفَاوُتُ ) أَيْ تَفَاوُتُهُمَا مَا فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ ( بَعْدَ كَوْنِ الْآخَرِ ) الَّذِي لَيْسَ

بِمُجْتَهِدٍ مُطْلَقٍ ( قَرِيبًا ) مِنْ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ مُحَصِّلًا فِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ بِخُصُوصِهِ مَا حَصَّلَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَقُ ( بَلْ ) ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فِي الْمَطْلُوبِ الْخَاصِّ ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فِيهِ ( وَسَعَتُهُ ) أَيْ الْمُطْلَقِ ( بِحُصُولِ مَوَادَّ أُخْرَى لَا تُوجِبُهُ ) أَيْ التَّفَاوُتَ فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِيهِ ( فَإِذَا وَقَعَ ) الِاجْتِهَادُ ( فِي ) مَسْأَلَةٍ ( صَلَوِيَّةٍ ) أَيْ مُتَعَلِّقَةٍ بِالصَّلَاةِ ( وَفَرْضُ ) وُجُودِ ( مَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوَاعِدِ فَسَعَةُ الْآخَرِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ ( بِحُضُورِ مَوَادِّ ) الْأَحْكَامِ ( الْبَيْعِيَّاتِ وَالْغَصْبِيَّاتِ ) وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ مَثَلًا ( شَيْءٌ آخَرُ ) لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَحَيْثُ لَمْ يَقْدَحْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُطْلَقِ فَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ ( وَأَمَّا مَا قِيلَ ) مِنْ قِبَلِ الْمُثْبِتِينَ ( لَوْ شُرِطَ ) عَدَمُ التَّجَزُّؤِ لِلِاجْتِهَادِ ( شُرِطَ فِي الِاجْتِهَادِ الْعِلْمُ بِكُلِّ الْمَآخِذِ ) أَيْ الْأَدِلَّةِ .
( وَيَلْزَمُ ) هَذَا ( عِلْمُ كُلِّ الْأَحْكَامِ ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ تَوَقَّفُوا فِي مَسَائِلَ بَلْ لَمْ يُحِطْ أَحَدٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عِلْمًا بِجَمِيعِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى ( فَمَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ ) أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْمَآخِذِ يُوجِبُ الْعِلْمَ بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ ( لِلْوَقْفِ بَعْدَهُ ) أَيْ الْعِلْمِ بِكُلِّ الْمَآخِذِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ ( عَلَى الِاجْتِهَادِ ) ثُمَّ قَدْ يُوجَدُ الِاجْتِهَادُ وَلَا يُوجَدُ الْحُكْمُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ الْإِطْلَاعِ عَلَى مُرَجِّحٍ أَوْ لِتَشْوِيشِ فِكْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قُلْت ثُمَّ قَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ مَا ذَكَرَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ صِحَّةِ جَوَازِ التَّجَزُّؤِ بِوُجُودِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ضَبْطِ مَأْخَذِ الْمَسْأَلَةِ

الْمُجْتَهَدِ فِيهَا لَا مُوجِبَ لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ : الْحَقُّ التَّفْصِيلُ فَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ كُلِّيًّا كَقُوَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَمَعْرِفَةِ مَجَازِيِّ الْكَلَامِ ، وَمَا يُقْبَلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَمَا يُرَدُّ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِجْمَاعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلِّ دَلِيلٍ وَمَدْلُولٍ فَلَا تَتَجَزَّأُ تِلْكَ الْأَهْلِيَّةُ ، وَمَا كَانَ خَاصًّا بِمَسْأَلَةٍ أَوْ مَسَائِلَ أَوْ بَابٍ ، فَإِذَا اسْتَجْمَعَهُ الْإِنْسَانُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْبَابِ أَوْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ الْمَسَائِلِ مَعَ الْأَهْلِيَّةِ كَانَ فَرْضُهُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ الِاجْتِهَادَ دُونَ التَّقْلِيدِ فَحَسَنٌ ، وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَوْلٌ مُفَصَّلٌ بَيْنَ الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْمُطْلِقِينَ لِتَجَزِّي الِاجْتِهَادِ .
غَايَتُهُ أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَحِلِّ الْخِلَافِ فَلْيُتَأَمَّلْ .

( وَأَمَّا الْعَدَالَةُ ) فِي الْمُجْتَهِدِ ( فَشَرْطُ قَبُولِ فَتْوَاهُ ) فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ لَا شَرْطُ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْفَاسِقِ قُوَّةَ الِاجْتِهَادِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ لِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ بِاجْتِهَادِ نَفْسِهِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا الْحُرِّيَّةُ وَلَا الذُّكُورَةُ وَلَا عِلْمُ الْكَلَامِ وَلَا عِلْمُ الْفِقْهِ لِإِمْكَانِ حُصُولِ قُوَّةِ الِاجْتِهَادِ بِدُونِهَا وَانْتِفَاءِ الْمُوجِبِ لِاشْتِرَاطِهَا ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا عِلْمُ الْكَلَامِ فَقَالُوا : لِجَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِلْجَازِمِ بِالْإِسْلَامِ تَقْلِيدًا ، وَأَمَّا عِلْمُ الْفِقْهِ فَلِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الِاجْتِهَادِ وَثَمَرَتُهُ .
نَعَمْ مَنْصِبُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُمَارَسَتِهِ فَهُوَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ .

فَرْعٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ : وَإِذَا اجْتَهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَاسَ فَرْعًا عَلَى أَصْلٍ فَيَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَصْلًا بِالنَّصِّ ، وَكَذَا لَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ ) عَقْلًا ( اجْتِهَادُ غَيْرِهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي عَصْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَالْأَكْثَرُ يَجُوزُ ) عَقْلًا ( فَقِيلَ ) يَجُوزُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ نَقَلَهُ إِلْكِيَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَالرَّازِيُّ ( وَقِيلَ ) يَجُوزُ ( بِشَرْطِ غَيْبَتِهِ لِلْقُضَاةِ ) ، وَالْوُلَاةِ دُونَ غَيْرِهِمْ .
( وَقِيلَ ) يَجُوزُ ( بِإِذْنٍ خَاصٍّ ) ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ صَرِيحَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ السُّكُوتَ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ مَعَ الْعِلْمِ بِوُقُوعِهِ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ ( وَفِي الْوُقُوعِ ) مَذَاهِبُ ( نَعَمْ ) وَقَعَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ لَكِنْ ( ظَنًّا ) وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إنَّهُ وَقَعَ قَطْعًا ( وَلَا ) أَيْ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا ( ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا مَذْهَبٌ ( لِلْجُبَّائِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ ، وَالْوَقْفُ ) فِي الْوُقُوعِ مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ الْآمِدِيُّ إلَى الْجُبَّائِيِّ ( وَقِيلَ ) الْوَقْفُ ( فِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا مَنْ غَابَ ) ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَنَقَلَهُ الرَّازِيّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَمَالَ إلَى اخْتِيَارِهِ .
وَقِيلَ : وَقَعَ لِلْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ إِلْكِيَا عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ قَالَ : وَهُوَ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِقَامَةِ وَأَمْيَلُ إلَى الِاقْتِصَادِ مِنْ حَيْثُ تَعَذُّرُ الْمُرَاجَعَةِ مَعَ تَنَائِي الدَّارِ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ : إنَّهُ الْأَقْوَى عَلَى أُصُولِ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ اللُّبَابِ : إنَّهُ الصَّحِيحُ ( الْوَقْفُ لَا دَلِيلَ ) يَدُلُّ عَلَى الْوُقُوعِ مُطْلَقًا فِي الْمُطْلَقِ وَفِيمَنْ بِحَضْرَتِهِ لِلْمُقَيَّدِ بِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْوُقُوعِ

وَعَدَمِهِ جَائِزٌ فَلَا يُحْكَمُ بِأَحَدِهِمَا إلَّا بِدَلِيلٍ ( الْمَانِعُ ) مُطْلَقًا مُجْتَهِدٌ وَعَصْرُهُ ( قَادِرُونَ عَلَى الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ ارْتِكَابُ طَرِيقِ الظَّنِّ ) ، وَهُوَ الِاجْتِهَادُ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْعِلْمِ تَمْنَعُهُ ( أُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ { خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ فِي قَتْلِهِ الْقَتِيلَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ، وَقَوْلُهُ : فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ الثَّانِيَةَ فَقُمْت فَقُلْت مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْت ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ فَقُمْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَك أَبَا قَتَادَةَ فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ جَوَابًا لِهَذَا الْقَائِلِ لَاهَا اللَّهِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَدَقَ } فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ ، وَهُوَ بِحَضْرَتِهِ ، وَقَدْ صَوَّبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْدِيقِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُ فِي لَاهَا اللَّهِ أَرْبَعَ لُغَاتٍ : حَذْفُ أَلْفِ هَا وَإِثْبَاتُهَا كِلَاهُمَا مَعَ وَصْلِ هَمْزَةِ اللَّهِ وَقَطْعِهَا ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَسْقَطَ إذًا مَعَ ثُبُوتِهَا فِي الرِّوَايَةِ إمَّا اخْتِصَارًا ، وَإِمَّا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ ثُبُوتَ الْأَلْفِ فِي أَوَّلِ إذًا وَقَالُوا : إنَّهُ تَعْبِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَصَوَابُهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ

قَالُوا ، وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَاجِبِ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَقُولُ لَاهَا اللَّهِ إلَّا مَعَ ذَا .
وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ مَعَ غَيْرِ ذَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ فَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ إذَنْ ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ جَوَابًا وَجَزَاءً وَهِيَ هُنَا جَوَابٌ لِقَوْلِ مَنْ طَلَبَ السَّلَبَ ، وَهُوَ غَيْرُ قَاتِلٍ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ جَزَاءً لِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ وَإِلَّا لَقَالَ : إذَنْ تَعْمِدُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : هِيَ جَزَاءٌ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ السَّلَبَ لِأَبِي قَتَادَةَ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ سَبَبٌ لِعَدَمِ الْعَمْدِ إلَى إعْطَاءِ مَا هُوَ حَقُّ غَيْرِهِ لَا لِطَلَبِهِ ، وَالرُّوَاةُ ثِقَاتٌ فَحَمْلُ رِوَايَتِهِمْ عَلَى التَّصْحِيفِ بَعِيدٌ ، وَمِنْ هَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ النَّحْوِيِّينَ : جَعْلُ لَا يَعْمِدُ جَوَابَ فَأَرْضِهِ عَنِّي لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاهِدِ لِأَبِي قَتَادَةَ صَدَقَ فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إذًا صَدَقَ أَنَّهُ صَاحِبُ السَّلَبِ إذَنْ لَا يَعْمِدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ ، وَالْجَزَاءُ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ سَبَبٌ فِي أَنْ لَا يَعْمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى سَلَبَهُ فَيُعْطِيَهُ مَنْ طَلَبَهُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا تَكَلُّفَ فِيهِ ( وَتَقَدَّمَ ) فِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ ( أَنَّ تَرْكَ الْيَقِينِ لِطَالِبِ الصَّوَابِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَإِ مُخْتَارًا يَأْبَاهُ الْعَقْلُ ) فَلَا يَكُونُ الِاجْتِهَادُ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ تَرْكًا لِلْيَقِينِ إلَى مُحْتَمِلِ الْخَطَإِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْجَوَازِ بِحَضْرَتِهِ وَغَيْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ بِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَعْلَمَ أَوْ يَجْتَهِدَ فَيَحْكُمَ إذْ لَوْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَا جَازَ لَهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23