كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

تِلْكَ الْغَايَةِ مِنْ التَّعْظِيمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِفَاعِ التَّعْظِيمِ الْأَوَّلِ ارْتِفَاعُ التَّعْظِيمِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجِبُ أَنْ يُعَظِّمَ غَايَةَ التَّعْظِيمِ قَدْ يَجِبُ أَنْ يُعَظِّمَ تَعْظِيمًا مَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرِّعَايَةَ وَالْعِنَايَةَ فِي تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ فَوْقَهَا فِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَأَخَصُّ مِنْهَا وَانْتِفَاءُ الْأَعْلَى وَالْأَخَصِّ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ الْأَدْنَى وَالْأَعَمِّ ( وَنَحْوَ اُقْتُلْهُ وَلَا تُهِنْهُ ) إنَّمَا جَازَ مَعَ أَنَّ الْقَتْلَ أَشَدُّ مِنْ الْإِهَانَةِ ( لِعُرْفِ صَيْرِ الْإِهَانَةِ فَوْقَ الْقَتْلِ أَذًى ) وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إهْدَارِ الْأَدْنَى إهْدَارُ الْأَعْلَى ( وَتَقَدَّمَ ) فِي التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي فِي الدَّلَالَةِ ( أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَكَثِيرًا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ ) فِي مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ( سِوَى التَّبَادُرِ ) أَيْ تَبَادُرِ حُكْمِ الْمَذْكُورِ لِلْمَسْكُوتِ بِمُجَرَّدِ فَهْمِ اللُّغَةِ سَوَاءٌ ( اتَّحَدَ كَمِّيَّةُ الْمُنَاطِ ) لِلْحُكْمِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ بِأَنْ تَسَاوَيَا فِي مِقْدَارِهِ ( أَوْ تَفَاوَتَ ) الْمُنَاطُ فِيهِمَا كَمْيَّةً بِأَنْ كَانَ فِي الْمَسْكُوتِ أَشَدُّ ( فَيَلْزَمُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةَ ( التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْأُولَى وَالْمَنْعُ فِيهِمَا ) أَيْ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ ( فِي الْمُسَاوَاةِ فَلَوْ نُسِخَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ لِلْجِمَاعِ ) أَيْ جِمَاعِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ الصَّائِمِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ( لَانْتَفَى ) إيجَابُهَا ( لِلْأَكْلِ ) أَيْ لِأَكْلِهِ عَمْدًا فِيهِ ( وَمَبْنَاهُ ) أَيْ عَدَمِ التَّفْصِيلِ فِي الْمُسَاوَاةِ ( عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ نَسْخَ حُكْمِ الْأَصْلِ لَا يَبْقَى مَعَهُ حُكْمُ الْفَرْعِ ) كَمَا خِلَافُهُ مَنْسُوبٌ إلَى الْحَنَفِيَّةِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ عَدَمِ بَقَاءِ حُكْمِ الْفَرْعِ ( يُسَمَّى نَسْخًا أَوْ لَا ) نِزَاعٌ ( لَفْظِيٌّ أَوْ سَهْوُ الْمُخَالِفِ ) إذْ لَا نَسْخَ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ زَوَالِ الْحُكْمِ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ ( لَنَا

نَسْخُهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( يُرْفَعُ اعْتِبَارُ كُلِّ عِلَّةٍ لَهُ ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ ( وَبِهَا ) أَيْ وَبِعِلَّةِ الْأَصْلِ ( ثَبَتَ حُكْمُ الْفَرْعِ فَيَنْتَفِي ) بِانْتِفَائِهَا وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا دَلِيلٍ ، ( فَقَوْلُ الْمُبْقِينَ ) لِحُكْمِ الْفَرْعِ ( الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلَالَةِ لَا لِلْحُكْمِ ) أَيْ لِحُكْمِ الْأَصْلِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ تَابِعًا لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ ( انْتِفَاؤُهُ ) أَيْ حُكْمِهِ ( لِانْتِفَائِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُبْقِينَ أَيْضًا ( هَذَا ) أَيْ الْحُكْمُ بِأَنَّ حُكْمَ الْفَرْعِ لَا يَبْقَى مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الْأَصْلِ ( حُكْمٌ يَرْفَعُ حُكْمَ الْفَرْعِ قِيَاسًا عَلَى رَفْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ قِيَاسٌ ( بِلَا جَامِعٍ ) بَيْنَهُمَا مُوجِبٌ لِلرَّفْعِ ( بَعْدَ عَظِيمٍ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَأَمَّا نَسْخُ الْفَحْوَى مَعَ الْأَصْلِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِجَوَازِ كَوْنِ الْفَحْوَى نَاسِخًا وَقَدْ ادَّعَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَحْوَى قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يَكُونُ نَاسِخًا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَيْضًا لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَيَجُوزُ نَسْخُهُ مَعَ الْأَصْلِ وَبِدُونِهِ ، وَأَمَّا نَسْخُ الْأَصْلِ بِدُونِهِ فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ أَنْ أَظْهَرَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ فَتَرْتَفِعُ بِارْتِفَاعِهِ وَلَا يَرْتَفِعُ هُوَ بِارْتِفَاعِهَا ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَتَبَعِيَّتُهَا لَهُ مِنْ حَيْثُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَيْهَا مَعَهُ لَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَهَلْ يَجُوزُ النَّسْخُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فَابْنُ السَّمْعَانِيُّ لَا لِضَعْفِهَا عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الصَّحِيحُ الْجَوَازُ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى النُّطْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ ) مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ ( لَا يَثْبُتُ حُكْمُ النَّاسِخِ ) فِي حَقِّ الْأُمَّةِ ( بَعْدَ تَبْلِيغِهِ ) أَيْ جِبْرِيلِ النَّبِيَّ ( عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ تَبْلِيغِهِ هُوَ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ وَقِيلَ يَثْبُتُ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْخِلَافُ إذَا بَلَّغَ جِبْرِيلُ وَأَلْقَاهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْأَرْضِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ ، وَوَرَاءَهُ صُوَرٌ إحْدَاهَا : أَنْ لَا يَنْزِلَ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَبْلُغَ جِنْسَ الْبَشَرِ كَمَا إذَا أَوْحَى اللَّهُ إلَى جِبْرِيلَ وَلَمْ يَنْزِلْ .
الثَّانِيَةُ أَنْ يَنْزِلَ وَلَكِنْ لَمْ يُلْقِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خِلَافَ فِي هَاتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ .
الثَّالِثَةُ أَنْ يُبَلِّغَ جِنْسَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْبَشَرِ وَلَكِنْ فِي غَيْرِ دَارِ التَّكْلِيفِ كَالسَّمَاءِ ثُمَّ يَرْتَفِعَ كَفَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فَإِنَّهُ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رُفِعَ فَهَلْ يَكُونُ نَسْخًا ؟ فِيهِ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِثُبُوتِهِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ ا هـ قُلْت ؛ لِأَنَّهُ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ فَلَمْ يَقَعْ النَّسْخُ لَهُ إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ ا هـ .
وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ .
الرَّابِعَةُ أَنْ يُبَلِّغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُبَلِّغَ الْأُمَّةَ فَإِنْ تَمَكَّنُوا مِنْ الْعِلْمِ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ قَطْعًا وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَا بِمَعْنَى وُجُوبِ الِامْتِثَالِ وَلَا بِمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَثْبُتُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي كَالنَّائِمِ

وَلَا نَحْفَظُ أَحَدًا قَالَ بِثُبُوتِهِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ا هـ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ الْمُخْتَارُ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ ثُبُوتَهُ ( يُوجِبُ تَحْرِيمَ شَيْءٍ وَوُجُوبَهُ فِي وَقْتٍ ) وَاحِدٍ لَوْ كَانَ الشَّيْءُ الْمَنْسُوخُ وَاجِبًا قَبْلَ نَسْخِهِ إذْ وُجُوبُهُ بَاقٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ قَبْلَ وُصُولِ النَّاسِخِ إلَيْهِ ( لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمَنْسُوخَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ عِلْمِهِ ) بِالنَّاسِخِ ( أَثِمَ ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِثْمُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّرْكِ ( لَازِمُ الْوُجُوبِ ) فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا ( وَالْفَرْضُ أَنَّهُ ) أَيْ الْعَمَلَ بِهِ ( حُرِّمَ ) بِالنَّاسِخِ فَكَانَ وَاجِبًا حَرَامًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ ( وَلِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ ) أَيْ الْمُكَلَّفُ الثَّانِي ( غَيْرَ مُعْتَقِدٍ شَرْعِيَّتَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ ) بِكَوْنِهِ نَاسِخًا لِلْأَوَّلِ ( أَثِمَ ) بِعِلْمِهِ بِالِاتِّفَاقِ ( فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ ) أَيْ النَّاسِخِ وَإِلَّا لَمْ يَأْثَمْ بِالْعَمَلِ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا إثْمَ بِالْعَمَلِ بِالْوَاجِبِ ( وَأَيْضًا لَوْ ثَبَتَ ) حُكْمُهُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ ( ثَبَتَ ) حُكْمُهُ ( قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ ) النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لِاتِّحَادِهِمَا ) أَيْ هَذَيْنِ ( فِي وُجُودِ النَّاسِخِ ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( الْمُوجِبِ لِحُكْمِهِ ) أَيْ النَّاسِخِ ( مَعَ عَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُكَلَّفِ مِنْ عَمَلِهِ ) أَيْ النَّاسِخَ ( وَقَدْ يُقَال ) عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ( الْإِثْمُ ) إنَّمَا هُوَ ( لِقَصْدِ الْمُخَالَفَةِ ) لِلْمَشْرُوعِ ( مَعَ الِاعْتِقَادِ ) لِلْمُخَالَفَةِ لِلْمَشْرُوعِ ( فِيهِمَا لَا لِنَفْسِ الْفِعْلِ ) فِي الثَّانِي كَمَا فِيمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً فَإِنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِالْوَطْءِ بَلْ بِالْجَرَاءَةِ عَلَيْهِ ( وَلَا نُؤَثِّمُهُ ) بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِالنَّاسِخِ ( قَبْلَ تَمَكُّنِ الْعِلْمِ ) النَّاسِخِ لِعَدَمِ لُزُومِ امْتِثَالِهِ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ بَلْ ( إنَّمَا يُوجَبُ ) التَّمَكُّنُ مِنْ

الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ إذَا فَاتَ مُقْتَضَى النَّاسِخِ ( التَّدَارُكُ ) لِمُقْتَضَاهُ فِيمَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ لَهُ بِذَلِكَ ( كَمَا لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِدُخُولِ الْوَقْتِ ) الْمُعَيَّنِ لِلصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مَثَلًا ( وَخُرُوجِهِ ) إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ لِمَانِعٍ مِنْ ذَلِكَ غَيْرِ مُسْقِطٍ لِلْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يُتَدَارَكُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ وَيُقَالُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ ( أَنَّ مَا قَبْلَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ ( قَبْلَ التَّعَلُّقِ ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِالْمُكَلَّفِينَ ( أَنَّ شَرْطَهُ ) أَيْ تَعَلُّقِهِ بِهِمْ ( أَنْ يُبَلِّغَ وَاحِدًا ) فَصَاعِدًا مِنْهُمْ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ تَبْلِيغِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ فَإِنَّهُ حَالَةٌ لِلنَّاسِخِ بَعْدَ تَعَلُّقِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّهِمْ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا فَلَا تَسَاوِيَ بَيْنَهُمَا ، عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ فَسَائِرُ الْمُكَلَّفِينَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ لِإِمْكَانِ اسْتِحْصَالِهِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُبَلِّغْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الِاسْتِحْصَالَ مِنْ جِبْرِيلَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ إذَا بُلِّغَ النَّبِيُّ وَلَمْ يُبَلِّغْ الْأُمَّةَ حُكْمَ النَّاسِخِ ( حُكْمٌ تَجَدَّدَ ) أَيْ ظَهَرَ تَعَلُّقُهُ ( فَلَا يُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِهِ ) لِلْمُكَلَّفِ أَيْ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهِ عَلَى عِلْمِهِ بِهِ ( لِلِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ بِهِ ( فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ ) مِنْ الْمُكَلَّفِينَ ( بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاحِدًا ) مِنْهُمْ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَكَذَا هَذَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ إذَا وَصَلَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ ( قُلْنَا ) قَوْلُكُمْ عِلْمُ الْمُكَلَّفِ بِهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مُسَلَّمٌ وَلَكِنْ وَرَاءَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا عَدَمُ التَّمَكُّنِ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ أَيْضًا ، وَهَذَا الَّذِي نَمْنَعُهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ لَا مَنْ لَيْسَ عَالِمًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ الْكُفَّارُ مُكَلَّفِينَ وَمَنْ لَمْ يُبَلَّغْ التَّكْلِيفُ إلَيْهِ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ لَيْسَ لَهُ صَلَاحِيَّةُ الْعِلْمِ بِهِ فَيَكُونُ غَافِلًا ، وَالثَّانِي التَّمَكُّنُ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصُّورَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرْتُمْ ؛ لِأَنَّ ( بِبُلُوغِهِ وَاحِدًا حَصَلَ التَّمَكُّنُ وَلِذَا ) أَيْ وَلِحُصُولِ التَّمَكُّنِ بِبُلُوغِ وَاحِدٍ ( شَرَطْنَاهُ ) أَيْ بُلُوغَ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ آنِفًا ( بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ ) وَهُوَ مَا إذَا بَلَّغَ النَّبِيُّ لَا الْأُمَّةَ ( فَافْتَرَقَا ) وَلَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الرَّسُولُ أَمْكَنَ سَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ اسْتِحْصَالُهُ مِنْهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَقَدْ يُقَالُ النَّبِيُّ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ذَلِكَ ) الْوَاحِدُ ( فِيهِ ) أَيْ بِبُلُوغِهِ ( يَحْصُلُ التَّمَكُّنُ ) لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْلِيفُ الْغَافِلِ وَأُورِدَ أَيْضًا إنْ أُرِيدَ بِنَفْيِ الثُّبُوتِ نَفْيُ وُجُوبِ الِامْتِثَالِ فَمُسَلَّمٌ وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ نَفْيُ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ فَمَمْنُوعٌ فَقَدْ يَسْتَقِرُّ الشَّيْءُ فِي ذِمَّةِ مَنْ يَعْلَمُ بِهِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( فَالْوَجْهُ ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لِنَفْيِ ثُبُوتِ حُكْمِ النَّاسِخِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَلَّغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ وَبَعْضُ الْأُمَّةِ ( السَّمْعُ ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ

أُشْعِرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ } فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَمَا سُئِلَ يَوْمئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ إلَّا قَالَ ( افْعَلْ وَلَا حَرَجَ ) بِنَاءً ( عَلَى ) قَوْلِ ( أَبِي حَنِيفَةَ ) تَقْدِيمُ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ شَرْعًا مُرَتَّبَيْنِ وَاجِبٌ يُوجِبُ الْإِخْلَالُ بِهِ الدَّمَ عَمَلًا بِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا فِي حَجِّهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ دَمًا فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إنَّمَا سَقَطَ الدَّمُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ لَمْ أُشْعِرْ فَفَعَلْت كَذَا أَيْ لَمْ أَعْلَمْ وُجُوبَ ذَلِكَ ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي بَعْدَ الْفِعْلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ وَلِذَا قَدَّمَ اعْتِذَارَهُ عَلَى سُؤَالِهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْأَلْ أَوْ لَمْ يَعْتَذِرْ وَعَذَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَالَ كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مِنْهُ مَنَاسِكَهُمْ وَأَيْضًا وَاقِعَةُ أَهْلِ قُبَاءَ فَإِنَّهُمْ أَتَاهُمْ الْخَبَرُ بِنَسْخِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا وَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي حَقِّهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَأَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ .
هَذَا وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ بِلَفْظِيٍّ كَمَا قَالَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ بَلْ مَعْنَوِيٌّ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ بَلْ هِيَ مُلْحَقَةٌ بِالْمُجْتَهَدَاتِ كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ يُعْرَفُ النَّاسِخُ بِنَصِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) عَلَيْهِ ( وَضَبْطِ تَأَخُّرِهِ ) أَيْ النَّاسِخِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ ضَبْطِ تَأَخُّرِهِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورهَا } الْحَدِيثَ ( وَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ نَاسِخٌ أَمَّا ) تَعْيِينُ النَّاسِخِ ( بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ هَذَا نَاسِخٌ فَوَاجِبٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا الشَّافِعِيَّةِ ) قَالُوا ( لِجَوَازِ اجْتِهَادِهِ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ تَعْيِينُهُ عَنْ اجْتِهَادِهِ وَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُ الْمُجْتَهِدِ لَهُ فِيهِ ( وَتَقَدَّمَ ) فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكِ وَنَحْوِهِ عَلَى أَحَدِ مَا يَحْتَمِلُهُ ( مَا يُفِيدُهُ ) أَيْ وُجُوبُ قَبُولِهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَإِنَّ هَذَا التَّحْرِيرَ مَرْجُوحٌ فَلْيُرَاجَعْ مَا هُنَاكَ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَدَّمٌ أَيْضًا عَلَى تَفْصِيلِ الْكَرْخِيِّ إنْ عَيَّنَ النَّاسِخَ بِأَنْ قَالَ هَذَا نَاسِخٌ بِذَاكَ لَا يُقْبَلُ ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ بَلْ قَالَ مَنْسُوخٌ قَبْلُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا ظُهُورُ النَّسْخِ فِيهِ مَا أُطْلِقَ إطْلَاقًا ( وَفِي تَعَارُضِ مُتَوَاتِرَيْنِ ) إذَا عَيَّنَ الصَّحَابِيُّ أَحَدَهُمَا ( فَقَالَ هَذَا نَاسِخٌ ) أَوْ النَّاسِخُ ( لَهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ ( احْتِمَالُ النَّفْيِ ) لِقَبُولِ كَوْنِهِ النَّاسِخَ ( لِرُجُوعِهِ ) أَيْ قَبُولِهِ ( إلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ ) أَيْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ( أَوْ ) نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمُتَوَاتِرِ ( وَالْآحَادُ دَلِيلُهُ ) أَيْ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ دَلِيلُ كَوْنِهِ نَاسِخًا فَالنَّاسِخُ هُوَ الْمُتَوَاتِرُ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ لِلْآخَرِ ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا وَجْهُ الْقَبُولِ لَا وَجْهُ نَفْيِ الْقَبُولِ فَالْوَجْهُ إمَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ احْتِمَالُ النَّفْيِ وَالْقَبُولِ وَيَسْقُطُ هُنَا قَوْلُهُ ( وَالْقَبُولُ ) وَإِمَّا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِالْآحَادِ وَالْقَبُولِ لِرُجُوعِهِ إلَى نَسْخِ الْمُتَوَاتِرِ بِهِ وَالْآحَادُ دَلِيلُهُ وَقَوْلُهُ ( إذْ مَا لَا

يُقْبَلُ ابْتِدَاءً قَدْ يُقْبَلُ مَآلًا كَشَاهِدَيْ الْإِحْصَانِ ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُقْبَلُ حُكْمُ الصَّحَابِيِّ بِالنَّسْخِ فَكَذَا لَا يُقْبَلُ مَا يَسْتَلْزِمُ حُكْمَهُ بِهِ وَهُوَ تَعْيِينُهُ أَحَدَ الْمُتَوَاتِرَيْنِ لِذَلِكَ وَإِيضَاحُ الْجَوَابِ أَنَّ مَا لَا يُقْبَلُ أَوَّلًا قَدْ يُقْبَلُ إذَا كَانَ الْمَآلُ إلَيْهِ كَمَا يُقْبَلُ الشَّاهِدَانِ فِي الْإِحْصَانِ ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ لَا فِي الرَّجْمِ فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ إلَّا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْوِلَادَة ، وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهَا النَّسَبُ لَا فِي النَّسَبِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَجَاءَ التَّجْوِيزُ الْعَقْلِيُّ إذْ يُحْتَمَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُقْبَلُ ابْتِدَاءً وَيُقْبَلُ تَبَعًا ( فَوَجَبَ الْوَقْفُ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( فَإِنْ ) كَانَ وُجُوبُهُ ( عَنْ الْحُكْمِ بِالنَّسْخِ فَكَالْأَوَّلِ ) أَيْ كَقَوْلِهِ هَذَا نَاسِخٌ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ وَقَدْ عَرَفْت أَنْ لَا وُجُوبَ لِلْوَقْفِ فِيهِ بَلْ هُوَ نَاسِخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ نَاسِخٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ( وَإِنْ ) كَانَ وُجُوبُهُ ( عَنْ التَّرْجِيحِ ) لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ ( فَلَيْسَ ) التَّرْجِيحُ ( لَازِمًا ) لِلْمُتَعَارَضَيْنِ ( بَلْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ ) أَيْ التَّرْجِيحِ ( وَمِنْ الْجَمْعِ ) بَيْنَهُمَا إذَا أَمْكَنَ ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ هُنَا لِلنَّسْخِ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ بِطَرِيقِ أَوْلَى فَإِنَّ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ قَدْ لَا يَلْزَمُ النَّسْخُ وَهُوَ بِاجْتِهَادِهِ حُكْمٌ بِالنَّسْخِ وَفِي الْمُتَوَاتِرَيْنِ النَّسْخُ لَازِمٌ وَالصَّحَابِيُّ عَيَّنَ النَّاسِخَ هَذَا وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي مُخْتَصَرِ التَّقْرِيبِ لَوْ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ سَابِقٌ قُبِلَ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ قَالَ وَالضَّابِطُ أَنْ لَا يَكُونَ نَاقِلًا فَيُطَالَبَ بِالْحِجَاجِ فَأَمَّا إذَا كَانَ نَاقِلًا فَيُقْبَلُ ، ثُمَّ هَذِهِ هِيَ الطُّرُقُ الصَّحِيحَةُ فِي مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ ( بِخِلَافِ بُعْدِيَّتِهِ )

أَيْ أَحَدِ النَّصَّيْنِ عَنْ الْآخَرِ ( فِي الْمُصْحَفِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ بُعْدِيَّتَهُ فِي النُّزُولِ عَلَيْهِ ( وَ ) بِخِلَافِ ( حَدَاثَةِ سِنِّ الصَّحَابِيِّ ) الرَّاوِي لَهُ ( فَتَتَأَخَّرُ صُحْبَتُهُ فَمَرْوِيُّهُ ) عَنْهُ أَيْضًا ( وَ ) بِخِلَافِ ( تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يُفِيدُ تَأَخُّرَ مَرْوِيِّهِ أَيْضًا ( بِجَوَازِ قَلْبِهِ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ غَيْرِهِ فِي تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ قَبْلَهُ فِي النُّزُولِ فَإِنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ وَالْآيَاتِ لَيْسَ عَلَى تَرْتِيبِ نُزُولِهَا وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّسْخِ تَأَخُّرُ النُّزُولِ لَا التَّأَخُّرُ فِي وَضْعِ الْمُصْحَفِ وَقَدْ رَوَيْنَا فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أُنْزِلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } لَكِنْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا نَادِرٌ وَذَاكَ غَالِبٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الْغَالِبِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحَمْلِ عَلَى النَّادِرِ وَمَرْوِيُّ حَدِيثِ السِّنِّ مُتَقَدِّمًا عَلَى كَبِيرِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَنْقَطِعَ صُحْبَةُ الْأَوَّلِ قَبْلَ صُحْبَةِ الثَّانِي فَيُرْجَعُ إلَى مَا عُلِمَ تَقَدُّمُ تَارِيخِهِ وَمَرْوِيُّ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ مُتَقَدِّمًا عَلَى قَدِيمِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ سَمِعَهُ بَعْدَ مُتَأَخِّرِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ تَنْقَطِعَ صُحْبَةُ الْأَوَّلِ بِمَوْتٍ وَنَحْوِهِ ( وَكَذَا ) لَيْسَ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ لِتَعَيُّنِ النَّاسِخِ مَا قِيلَ ( مُوَافَقَتُهُ ) أَيْ أَحَدِ النَّصَّيْنِ ( لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِهِ ) عَنْ الْمُخَالِفِ لَهَا ( لِفَائِدَةِ رَفْعِ الْمُخَالِفِ ) أَيْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ فَائِدَةً جَدِيدَةً وَهِيَ رَفْعُ الْحُكْمِ الْمُخَالِفِ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ لَهَا ( بِخِلَافِ الْقَلْبِ ) أَيْ جَعْلِ الدَّالِّ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لَهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ الدَّالِّ عَلَى

الْمُوَافَقَةِ فَإِنَّ الدَّالَّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى فَائِدَةٍ جَدِيدَةٍ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَأْكِيدٌ لِلْأَصْلِ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَأُورِد بِأَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ بِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ لَزِمَ نَسْخُ حُكْمِ الْأَصْلِ ، ثُمَّ نُسِخَ رَافِعُهُ بِالْمُوَافِقِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ وَلَوْ تَقَدَّمَ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا نَسْخٌ وَاحِدٌ وَالْأَصْلُ تَقْلِيلُ النَّسْخِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ رَفْعَ الْحُكْمِ بِأَنَّ رَفْعَ الْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ لَيْسَ نَسْخًا عَلَى مَا عُرِفَ فَاسْتَوَيَا نَعَمْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى غَيْرِ الْقَائِلِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ كَمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ إنَّمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا طَرِيقًا صَحِيحًا لِتَعْيِينِ النَّاسِخِ ( فَإِنَّ حَاصِلَهُ نَسْخٌ اجْتِهَادِيٌّ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ ) هَذَا نَاسِخٌ ( اجْتِهَادًا ) عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَارَضَ بِأَنَّ تَأَخُّرَ الْمُوَافِقِ يَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرَيْنِ وَتَقَدُّمَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إلَّا تَغْيِيرًا وَاحِدًا وَالْأَصْلُ قِلَّةُ التَّغْيِيرِ ( وَمَا قِيلَ ) وَقَائِلُهُ التَّفْتَازَانِيُّ ( مَعَ أَنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ مَا عُلِمَ بِالْأَصْلِ ثَابِتًا عِنْدَ الشَّرْعِ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِهِ فَائِدَةٌ جَدِيدَةٌ ) وَلَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ إذْ الْوَجْهُ حَذْفُهُ أَوْ فَهُوَ ( مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّارِعِ رَفْعَهُ ) أَيْ رَفْعَ حُكْمِ الْأَصْلِ ( نَسْخًا وَهُوَ ) أَيْ وَكَوْنُ رَفْعِهِ يُسَمَّى نَسْخًا شَرْعًا ( مُنْتَفٍ بَلْ الثَّابِتُ ) شَرْعًا ( حِينَئِذٍ رَفْعُهُ ) أَيْ رَفْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ ( وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) رَفْعُهُ ( ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنَهُ نَاسِخًا ( كَرَفْعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ) فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى نَسْخًا ، وَإِنْ كَانَ رَفْعًا وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَسَالِفًا مِنْ أَنَّهُ نَسْخٌ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ مِثْلِ هَذَا ( فِي التَّعَارُضِ ) بَيْنَ الْمُحَرِّمِ وَالْمُبِيحِ ( تَرْجِيحُ الْمُخَالِفِ حُكْمًا ) كَالْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ ( بِتَأَخُّرِهِ ) أَيْ

بِاعْتِبَارِهِ مُتَأَخِّرًا ( كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ ) بِنَاءً عَلَى أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ مَعْنَاهُ ( أَيْ ) يَتَكَرَّرُ ( الرَّفْعُ أَوْ ) النَّسْخُ ( عَلَى حَقِيقَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا سَلَفَ عَنْ الطَّائِفَةِ ) الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ رَفْعَ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ نَسْخٌ فِي مَسْأَلَةٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى جَوَازِهِ وَوُقُوعِهِ ( فَلَا يَجِبُ الْوَقْفُ غَيْرَ أَنَّهُ مُرَجَّحٌ لَا نَاسِخٌ ) وَلَعَلَّهُ يُرِيدُ إلَّا أَنَّ كَوْنَ الْمُعَارِضِ مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ مُرَجَّحٌ عَلَى مَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ لَا نَاسِخٌ نَقْلِيٌّ مِثْلُ مَا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَمُوَافِقُوهُمْ فِي تَرْجِيحِ الْمُخَالِفِ حُكْمًا بِتَأَخُّرِهِ عَنْ مُعَارِضِهِ ، وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْقَوْلُ بِمَنْسُوخِيَّةِ الْآخَرِ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي كُلِّ مُتَعَارِضَيْنِ رَجَّحَ الْمُجْتَهِدُ أَحَدَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ التَّنْبِيهُ صَرِيحًا عَلَى نَفْيِ تَوَهُّمِ كَوْنِ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَصْلِ إذَا لَمْ يُفِدْ ثُبُوتُ نَسْخِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهَا لِلْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا أَثَرٌ بِأَنَّ لَهَا أَثَرٌ وَهُوَ تَرْجِيحُهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا وَافَقَ الْأَصْلَ لَا أَنَّ الْمُرَادَ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ مُرَجَّحٌ لَا نَاسِخٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ إذْ قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لِتَخْصِيصِ الِاسْتِدْرَاكِ بِهِ وَجْهٌ ظَاهِرٌ هَذَا وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ التَّرَاجِيحَ قَدْ تَتَعَارَضُ وَهَذَا التَّرْجِيحُ يُعَارِضُهُ مَا فِي تَقْدِيمِ الْمُوَافِقِ عَلَى الْمُخَالِفِ مِنْ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ فَيَبْقَى النَّظَرُ فِي أَيِّهِمَا أَوْلَى وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى تَقْدِيمِ مَا لَزِمَ مِنْهُ تَقْلِيلُ النَّسْخِ ، وَإِنْ لَزِمَ كَوْنُهُ تَأْكِيدًا عَلَى مَا يَلْزَمُ فِيهِ تَكَرُّرُ النَّسْخِ ، وَإِنْ كَانَ تَأْسِيسًا لَكَانَ أَقْرَبَ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الْقَلْبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْإِجْمَاعِ ( الْإِجْمَاعُ الْعَزْمُ وَالِاتِّفَاقُ لُغَةً ) يُقَالُ أَجْمَعَ فُلَانٌ عَلَى كَذَا إذَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَالْقَوْمُ عَلَى كَذَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَيُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ وَاحِدٍ لَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي قِيلَ وَالثَّانِي بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَنْسَبُ انْتَهَى وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إلَّا وَاحِدٌ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لَهُ الْعَزْمُ ، وَأَمَّا الِاتِّفَاقُ فَلَازِمٌ اتِّفَاقِيٌّ ضَرُورِيٌّ لِلْعَزْمِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ اتِّحَادَ مُتَعَلِّقِ عَزْمِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الْعَزْمَ يَرْجِعُ إلَى الِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَنْ اتَّفَقَ عَلَى شَيْءٍ فَقَدْ عَزَمَ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ وَلَا أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ إذْ لَا مَلْجَأَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ ( وَاصْطِلَاحًا اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ ) فَاتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ يُفِيدُ اتِّفَاقَ جَمِيعِهِمْ أَيْ اشْتِرَاكَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِيمَا إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِي عَصْرٍ هَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ إجْمَاعًا فَظَاهِرُ هَذَا لَا وَلَا ضَيْرَ ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ إجْمَاعًا كَمَا سَيَأْتِي وَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِاتِّفَاقِ غَيْرِهِمْ قِيلَ اتِّفَاقًا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُ الْعَامِّيِّ الصِّرْفِ وَلَا وِفَاقُهُ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ يَعْتَبِرُ مُطْلَقًا وَآخَرُونَ يَعْتَبِرُ فِي الْإِجْمَاعِ الْعَامِّ وَهُوَ مَا لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى الْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ لِحَاجَةِ الْجَمِيعِ إلَى

مَعْرِفَتِهِ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى أُمَّهَاتِ الشَّرَائِعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَعَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَتَحْرِيمِ الرِّبَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا فِي الْإِجْمَاعِ الْخَاصِّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْخَاصَّةُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ كَفَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْحَقِّ فِي الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَعَلَى هَذَا مَشَى الْجَصَّاصُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِلْخَاصِّ .
هَذَا وَقَدْ حُكِيَ خِلَافٌ فِي الْمُرَادِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَامِّيِّ فِي الْإِجْمَاعِ فَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي صِحَّةِ إطْلَاقِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ وَأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ فِي افْتِقَارِ كَوْنِهِ حُجَّةً ، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ بَلْ فِي سُقُوطِهِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ بَاطِلٌ وَالْعَامِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِدْلَالِ وَالنَّظَرِ فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَلَا يُعْتَدُّ فِيهِ بِخِلَافِهِ وَلَا وِفَاقِهِ ، عَلَى أَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِ الْعَامَّةِ وَالْإِطْلَاعِ عَلَى أَقَاوِيلِهِمْ لِإِتْسَاعِ انْتِشَارِهِمْ شَرْقًا وَغَرْبًا وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ ، وَأَمَّا الْعَامِّيُّ غَيْرُ الصِّرْفِ مِمَّنْ حَصَّلَ عِلْمًا مُعْتَبَرًا مِنْ فِقْهٍ أَوْ أُصُولٍ فَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْتَبِرُهُ فِي الْإِجْمَاعِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَمِنْهُمْ مَنْ طَرَّدَ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى فَقْدِ أَهْلِيَّةِ الِاجْتِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَهُ بِحُصُولِ قُوَّةِ النَّظَرِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ أَوْ فِي الْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَامِّيُّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ الْفَقِيهَ لَا الْأُصُولِيَّ ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ عَالِمٌ بِتَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْخِلَافُ وَالْوِفَاقُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ

لِكَوْنِ الْأُصُولِيِّ أَقْرَبَ إلَى مَقْصُودِ الِاجْتِهَادِ لِعِلْمِهِ بِمَدَارِك الْأَحْكَامِ عَلَى اخْتِلَافِ أَقْسَامِهَا وَكَيْفِيَّةِ اسْتِفَادَتِهَا مِنْهَا ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ التَّعْرِيفُ وَيُفِيدُهُ اخْتِصَاصُ الْإِجْمَاعِ بِالْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَيَلْزَمُهُ خُرُوجُ مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ كَالْكَافِرِ أَصَالَةً .
وَأَمَّا الْعَدَالَةُ فَسَيُنَبِّهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى وُجُوبِ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي التَّعْرِيفِ عَلَى قَوْلِ مُشْتَرَطِهَا فِي أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَانْدَفَعَ بِإِضَافَةِ الْمُجْتَهِدِينَ إلَى عَصْرٍ أَيْ زَمَنٍ طَالَ أَوْ قَصُرَ تَوَهُّمُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِجْمَاعُ إلَّا بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجْمَاعُ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي اللُّمَعِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي مِنْ السُّنَّةِ خِلَافًا للإسفراييني فِي جَمَاعَةٍ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ قَبْلَ نَسْخِ مِلَلِهِمْ حُجَّةٌ وَلِلْآمِدِيِّ مُوَافَقَةٌ لِلْقَاضِي فِي اخْتِيَارِهِ الْوَقْفَ وَخَرَجَ بِالْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ مَا لَا يُدْرَكُ لَوْلَا خِطَابُ الشَّارِعِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ اعْتِقَادًا أَوْ تَقْرِيرًا وَلَوْ بِالسُّكُوتِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَمْرٍ لُغَوِيٍّ كَالْفَاءِ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَبِمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِي بَعْضِ الْعَقْلِيَّاتِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ أَيْضًا حُجَّةٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلَا مَحِيصَ عَنْ هَذَا ، إلَّا أَنَّ ثَمَّ أَنْ يُقَالَ لَا يُشْكِلُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَلَّقَ بِهَا عَمَلٌ أَوْ اعْتِقَادٌ صَدَقَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْإِجْمَاعِ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا ؛

لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إجْمَاعٌ عَلَى أَمْرٍ شَرْعِيٍّ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا عَمَلٌ وَلَا اعْتِقَادٌ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ الْمُتَكَلَّمِ فِيهِ وَهُوَ مَا كَانَ دَلِيلًا مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ مُوجِبًا لِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي تَمَامِ الشِّقِّ الْأَوَّلِ ، وَأَمَّا الشِّقُّ الثَّانِي فَفِي تَمَامِهِ نَظَرٌ بَلْ يُقَالُ ثُبُوتُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ يُفِيدُ ثُبُوتَهَا فِي الْأَمْرِ اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ بِطَرِيقٍ أَوْلَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
هَذَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي غَيْرِ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَنْعَقِدُ فِي زَمَانِهِ كَمَا ذَكَرَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ دُونَهُ لَا يَصِحُّ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ فَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي جَوَازِ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافًا وَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْمِيزَانِ فِي ذَيْلِ مَسْأَلَةِ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ إسْقَاطُ هَذَا الْقَيْدِ لَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَعَلَى مَنْ شَرَطَ لِحُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( وَالتَّعْرِيفِ لَهُ انْقِرَاضَ عَصْرِهِمْ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ التَّعْرِيفَ لِمُشْتَرِطِ انْقِرَاضِ عَصْرِ أُولَئِكَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي حُجِّيَّةِ إجْمَاعِهِمْ أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَثَتْ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ وَظَهَرَ الْكَلَامُ فِيهَا مِنْ مُجْتَهِدِيهِ ( زِيَادَةٌ إلَى انْقِرَاضِهِمْ ) بَعْدَ أَمْرٍ شَرْعِيٍّ سَوَاءٌ كَانَتْ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ جَوَازَ الرُّجُوعِ لَا دُخُولَ مَنْ سَيُحْدِثُ فِي إجْمَاعِهِمْ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَوْ إدْخَالَ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَهُمْ مِنْ

الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَاقِي الْمُشْتَرِطِينَ لِيَخْرُجَ اتِّفَاقُهُمْ إذَا رَجَعَ بَعْضُهُمْ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ مَا يَكُونُ حُجَّةً شَرْعًا ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِمَا هُوَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ الْمَقْرُونُ بِالشَّرَائِطِ ، ثُمَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَلْزَمُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ ( وَ ) عَلَى ( مَنْ شَرَطَ ) لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( عَدَمَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقَرٍّ ) وَكَانَ يَرَى جَوَازَ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ وَكَانَ التَّعْرِيفُ لَهُ ( زِيَادَةَ غَيْرِ مَسْبُوقٍ بِهِ ) أَيْ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ بَعْدَ شَرْعِيٍّ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ وَبَعْدُ إلَى انْقِرَاضِهِمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَشْتَرِطُهُ لِيَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ مَا كَانَ بَعْدَ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ صَاحِبُ التَّعْرِيفِ يَرَى عَدَمَ جَوَازِ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ الْمُسْتَقِرِّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْرَاجِ أَوْ كَانَ يَرَى جَوَازَ حُصُولِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَنْعَقِدُ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْمُعَرَّفِ فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِهِ ، ثُمَّ مَبْنَى هَذَا كُلِّهِ عَلَى أَنَّ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَةَ شُرُوطٌ لِمَاهِيَّةِ الْإِجْمَاعِ الشَّرْعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ( وَإِذَنْ ) أَيْ وَإِذْ كَانَ تَعْرِيفُهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ مَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ عَلَيْهِ ( فَمَنْ شَرَطَ الْعَدَالَةَ ) فِي الْمُجْمِعِينَ ( وَعَدَدَ التَّوَاتُرِ ) فِيهِمْ لِحُجِّيَّتِهِ كَمَا الْأَوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ ، وَالثَّانِي لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ( مِثْلَهُ ) أَيْ زِيَادَةِ ذَلِكَ فِي التَّعْرِيفِ فَيُزَادُ إذَا كَانَ التَّعْرِيفُ لَلْأَوَّلِينَ : " عُدُولٌ بَعْدَ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ " وَلِلْآخَرِينَ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بَعْدَ عُدُولٍ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يَرَوْنَ هَذَا الشَّرْطَ وَإِلَّا فَبَعْدَ

مُجْتَهِدِي عَصْرٍ وَسَتَتَّضِحُ هَذِهِ الْجَمَلُ فِي مَسَائِلِ الْبَابِ وَعَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ يُعَامَلُ هَذَا التَّعْرِيفُ بِمَزِيدٍ أَوْ نُقْصَانٍ بِحَسَبِ مَا هُوَ شَرْطُ الْمُعَرَّفِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ ) فِي تَعْرِيفِهِ ( اتِّفَاقُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَمْرٍ دِينِيٍّ مُعْتَرَضٌ بِلُزُومِ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ ) أَيْ وُجُودِهِ ؛ لِأَنَّ أُمَّتَهُ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْثَتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَبْلَ الْقِيَامَةِ لَا إجْمَاعَ وَبَعْدَهَا حُجِّيَّةٌ ( وَفَسَادِ طَرْدِهِ ) لَوْ أُرِيدَ بِهِ تَنْزِيلًا اتِّفَاقُهُمْ فِي عَصْرٍ مَا ( إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُجْتَهِدٌ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا مَعَ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ ( وَأُجِيبُ بِسَبْقِ إرَادَةِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرٍ لِلْمُتَشَرِّعَةِ ) مِنْ اتِّفَاقِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَمَا سَبَقَ ) هَذَا الْمُرَادُ ( مِنْ ) نَحْوِ مَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ } ) وَسَتَقِفُ عَلَى تَخْرِيجِهِ مِنْ طُرُقٍ ، ثُمَّ كَأَنَّهُ اخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ لِيُوَافِقَ الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وقَوْله تَعَالَى { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } وَالِاتِّفَاقُ قَرِينَةُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بَيْنَ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرٍ ( وَ ) بِفَسَادِ ( عَكْسِهِ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى عَقْلِيٍّ أَوْ عُرْفِيٍّ ) لِوُجُودِ الْمُعَرَّفِ مَعَ عَدَمِ التَّعْرِيفِ ( أُجِيبُ ) بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( لَا يَضُرُّ ) بِالتَّعْرِيفِ ( إذَا كَانَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( دِينِيًّا ) لِمَنْعِ عَدَمِ التَّعْرِيفِ حِينَئِذٍ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ الدِّينِيِّ ( خَرَجَ ) بِالدِّينِيِّ فَلَا يَضُرُّ عَدَمُ صِدْقِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا حُجِّيَّةَ فِي الْإِجْمَاعِ فِيهِ وَيَطْرُقُهُ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا ( وَادَّعَى النَّظَّامُ وَبَعْضُ الشِّيعَةِ اسْتِحَالَتَهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( عَادَةً ) كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ النِّظَامِ .
وَأَمَّا رَأْيُ النِّظَامِ

نَفْسِهِ فِي بَعْضِ أَصْحَابِهِ فَهُوَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ كَذَا نَقَلَهُ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَحَالَهُ مَنْ أَحَالَهُ ( لِأَنَّ انْتِشَارَهُمْ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا وَقِفَارِ الْفَيَافِي وَسَبَاسِبِهَا ( يَمْنَعُ مِنْ نَقْلِ الْحُكْمِ إلَيْهِمْ ) عَادَةً ( وَلِأَنَّ الِاتِّفَاقَ ) عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ( إنْ ) كَانَ ( عَنْ ) دَلِيلٍ ( قَطْعِيٍّ أَحَالَتْ الْعَادَةُ عَدَمَ الْإِطْلَاعِ عَلَيْهِ ) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَشِدَّةِ تَفَحُّصِهِمْ عَنْهُ وَحِينَئِذٍ فَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ ( فَيُغْنِي ) الْقَطْعِيُّ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْإِجْمَاعِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فَلَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ الْإِجْمَاعُ حِينَئِذٍ عَنْ قَطْعِيٍّ ( أَوْ ) كَانَ ( عَنْ ظَنِّيٍّ أَحَالَتْ ) الْعَادَةُ ( الِاتِّفَاقَ عَنْهُ لِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ ) أَيْ الْقُوَى الْمُفَكِّرَةِ ( وَالْأَنْظَارِ ) وَمَوَادِّ الِاسْتِنْبَاطِ عِنْدَهُمْ وَأَحَالَتْهَا لِهَذَا ( كَإِحَالَتِهَا اتِّفَاقَهُمْ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ ) قَالُوا ( وَلَوْ تُصَوِّرُ ) ثُبُوتُهُ فِي نَفْسِهِ ( اسْتَحَالَ ثُبُوتُهُ عَنْهُمْ ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ ( لِقَضَائِهَا ) أَيْ الْعَادَةِ ( بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) بِأَعْيَانِهِمْ ( فَضْلًا عَنْ أَقْوَالِهِمْ مَعَ خَفَاءِ بَعْضِهِمْ لِخُمُولِهِ ) أَيْ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ ( وَنَحْوِ أَسْرِهِ ) فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي مَطْمُورَةٍ أَوْ عُزْلَتِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ النَّاسِ بِحَيْثُ يَخْفَى أَثَرُهُ ( وَتَجْوِيزُ رُجُوعِهِ ) عَنْ ذَلِكَ ( قَبْلَ تَقَرُّرِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ قَوْلِ الْآخَرِ بِهِ فَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَوْلٍ فِي عَصْرٍ إذْ لَا يُمْكِنُ السَّمَاعُ مِنْهُمْ فِي آنٍ وَاحِدٍ بَلْ إنَّمَا يَكُونُ فِي زَمَانٍ مُتَطَاوِلٍ وَهُوَ مَظِنَّةُ تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ قَالُوا ( وَلَوْ أَمْكَنَ ) ثُبُوتُهُ عَنْهُمْ ( اسْتَحَالَ نَقْلُهُ

إلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ وَهُمْ ) أَيْ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ ( مِنْ بَعْدِهِمْ لِذَلِكَ بِعَيْنِهِ ) أَيْ لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِإِحَالَةِ ذَلِكَ كَمَا سَيَتَّضِحُ فَإِنَّ طَرِيقَ نَقْلِهِ إمَّا التَّوَاتُرُ أَوْ الْآحَادُ ( وَ ) اسْتَحَالَ ( لُزُومُ التَّوَاتُرِ فِي الْمُبَلِّغِينَ ) عَادَةً لِتَعَذُّرِ أَنْ يُشَاهِدَ أَهْلُ التَّوَاتُرِ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا وَيَسْمَعُوا مِنْهُمْ وَيَنْقُلُوا عَنْهُمْ إلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ هَكَذَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ إلَى أَنْ يَتَّصِلَ بِنَا ، وَأَمَّا الْآحَادُ فَلَا يَصْلُحُ هُنَا ( إذْ لَا يُفِيدُ الْآحَادُ ) الْعِلْمَ بِوُقُوعِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُ ( وَالْعَادَةُ تُحِيلُهُ ) أَيْ لُزُومَ التَّوَاتُرِ فِي الْمُبَلِّغِينَ كَمَا بَيَّنَّا وَذَكَرَ عَادَةً بَعْدَ الْمُبَلِّغِينَ كَمَا ذَكَرْنَا ( وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْكُلِّ ) أَيْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي نَفْسِهِ وَبِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عَنْ الْمُجْمِعِينَ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِإِحَالَةِ الْعَادَةِ نَقَلَهُ إلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ بَعْدَهُمْ ( مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَتْوَى بِحُكْمٍ وَ ) بَيْنَ ( اشْتِهَاءِ طَعَامٍ ) وَاحِدٍ وَأَكْلِهِ لِلْكُلِّ فَإِنَّ هَذَا لَا إجْمَاعَ لَهُمْ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِهِمْ فِي الدَّوَاعِي لَهُ طَبْعًا وَمِزَاجًا وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِلدَّلِيلِ فَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَيْهِ لِوُجُودِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ أَوْ ظَاهِرٍ ( وَمَا بَعْدُ ) أَيْ وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ الشُّبْهَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ ( تَشْكِيكٌ مَعَ الضَّرُورَةِ إذْ نَقْطَعُ بِإِجْمَاعِ كُلِّ عَصْرٍ ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرَّا ( عَلَى تَقْدِيمِ ) الدَّلِيلِ ( الْقَاطِعِ عَلَى الْمَظْنُونِ ) وَمَا ذَاكَ إلَّا بِثُبُوتِهِ عَنْهُمْ وَنَقْلِهِ إلَيْنَا وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّشْكِيكِ فِي الضَّرُورِيَّاتِ ( وَيُحْمَلُ قَوْلُ أَحْمَدَ مَنْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ ( كَاذِبٌ عَلَى اسْتِبْعَادِ انْفِرَادِ اطِّلَاعِ نَاقِلِهِ ) عَلَيْهِ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا لَنَقَلَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا كَمَا يَشْهَدُ بِهِ لَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ

عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَنْ ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ لَعَلَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا وَلَكِنْ يَقُولُ لَا نَعْلَمُ النَّاسَ اخْتَلَفُوا إذَا لَمْ يَبْلُغْهُ لَا إنْكَارٌ لِتَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ هُوَ أَجَلُ أَنْ يَحُومَ حَوْلَهُ قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي { إذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } فَهَذَا نَقْلٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ أَصْحَابُهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْوَرَعِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خِلَافٌ لَمْ يَبْلُغْهُ أَوْ قَالَ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِخِلَافِ السَّلَفِ ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِجْمَاعِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَالْأَصْفَهَانِيّ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ .

أَمَّا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فَحُجَّةٌ مَعْلُومٌ تَصَوُّرُهُ لِكَوْنِ الْمُجْمِعِينَ ثَمَّةَ فِي قِلَّةٍ وَالْآنَ فِي كَثْرَةٍ وَانْتِشَارٍ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ وَالْمُصَنِّفُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا خَبَرَ لَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ إلَّا مَا يَجِدُ مَكْتُوبًا فِي الْكُتُبِ وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إلَّا بِالسَّمَاعِ مِنْهُمْ أَوْ بِنَقْلِ أَهْلِ التَّوَاتُرِ إلَيْنَا وَلَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ إلَّا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ ، وَأَمَّا بَعْدَهُمْ فَلَا وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ إنَّمَا قَالَهُ إنْكَارًا عَلَى فُقَهَاءِ الْمُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ إجْمَاعَ النَّاسِ عَلَى مَا يَقُولُونَهُ وَكَانُوا مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَأَحْمَدُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي كَلَامِهِ احْتِجَاجٌ بِإِجْمَاعٍ بَعْدَ التَّابِعِينَ أَوْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ انْتَهَى .
هَذَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَسَائِلَ الْإِجْمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ وَلِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُ الْمَلَاحِدَةِ أَنَّ هَذَا الدِّينَ كَثِيرُ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَمَا اخْتَلَفُوا فَنَقُولُ أَخْطَأْت بَلْ مَسَائِلُ الْإِجْمَاعِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ ، ثُمَّ لَهَا مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي يَقَعُ الِاتِّفَاقُ مِنْهَا وَعَلَيْهَا وَهِيَ صَادِرَةٌ عَنْ مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ يَبْقَى قَدْرُ أَلْفِ مَسْأَلَةٍ هِيَ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَالْخِلَافِ ، ثُمَّ فِي بَعْضِهَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ الْمُخَالِفِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ نَفْسِهِ وَفِي بَعْضٍ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَفِي بَعْضِهَا يُتَسَامَحُ فَلَا يَبْلُغُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَبْقَى عَلَى الشُّبْهَةِ إلَى مِائَتَيْ مَسْأَلَةٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ( حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ ) عِنْدَ الْأُمَّةِ ( إلَّا ) عِنْدَ ( مَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ ) أَيْ الْخَوَارِجَ وَالشِّيعَةَ ( مَعَ فِسْقِهِمْ ) إنَّمَا وُجِدُوا ( بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مِنْ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى حُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ ) وَهَذَا مُتَوَارَثٌ الشَّكُّ فِيهِ كَالشَّكِّ فِي الضَّرُورِيَّاتِ ، ( وَقَطْعُ مِثْلِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِمِثْلِهِ ( عَادَةً لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ سَمْعِيٍّ قَاطِعٍ فِي ذَلِكَ ) الْحُكْمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُمْ الْقَاطِعَ لِظَنِّيٍّ بَعِيدٌ جِدًّا ( فَيَثْبُتُ ) الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ ( بِهِ ) أَيْ بِالسَّمْعِيِّ الْقَاطِعِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
فَإِنْ قِيلَ هَذَا دَوْرٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ إنَّمَا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى كَوْنِهِ حُجَّةً قَطْعِيَّةً بِسَمْعِيٍّ قَاطِعٍ اقْتَضَى ذَلِكَ ( وَذَلِكَ الِاتِّفَاقُ بِلَا اعْتِبَارِ حُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الِاتِّفَاقِ نَفْسِهِ ( دَلِيلُهُ ) أَيْ السَّمْعِيِّ الْقَاطِعِ يَعْنِي الِاسْتِدْلَالَ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَقَعَ بِالْإِجْمَاعِ بِلَا اعْتِبَارِ حُجِّيَّتِهِ بَلْ بِمُجَرَّدِهِ وَأَثْبَتَ الْمَطْلُوبَ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَنْ سَمْعِيٍّ قَاطِعٍ فَالْمُثْبِتُ لِحُجِّيَّةِ أَنَّ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً قَاطِعَةً دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ قَاطِعٌ ، عَرَفْنَا وُجُودَ ذَلِكَ الِاتِّفَاقِ الْكَائِنِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْبَالِغِينَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ فَالْمُتَوَقِّفُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ الْمُتَوَقَّفِ عَلَيْهِ ( فَلَا دَوْرَ ) وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الْمُسْتَدَلُّ بِهِ ( بِخِلَافِ إجْمَاعِ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى قِدَمِ الْعَالَمِ ؛ لِأَنَّهُ عَنْ ) نَظَرٍ ( عَقْلِيٍّ يُزَاحِمُهُ الْوَهْمُ ) فَإِنَّ تَعَارُضَ الشَّبَهِ وَاشْتِبَاهَ الصَّحِيحِ بِالْفَاسِدِ فِيهِ كَثِيرٌ وَلَا كَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ فِي الشَّرْعِيَّاتِ فَإِنَّ الْفَرْقَ فِيهَا بَيْنَ الْقَاطِعِ وَالظَّنِّيِّ بَيِّنٌ لَا يَشْتَبِهُ عَلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّمْيِيزِ فَضْلًا عَنْ الْمُحَقِّقِينَ الْمُجْتَهِدِينَ ( عَلَى أَنَّ التَّوَارِيخَ دَلَّتْ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِحُدُوثِهِ ) أَيْ الْعَالَمِ (

مِنْهُمْ ) أَيْ الْفَلَاسِفَةِ فَلَا إجْمَاعَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا حَكَاهُ لَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَةٍ وُجِدَتْ بِحَجَرٍ فِي أَسَاسِ الْحَائِطِ الْجَيْرُونِيِّ مِنْ جَامِعِ دِمَشْقَ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْقِفْطِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنْبَاءُ الرُّوَاةِ عَلَى أَبْنَاءِ النُّحَاةِ ، وَلَا بَأْسَ بِسَوْقِهِ ذِكْرَ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الْعَلَاءِ الْمُقْرِي عَمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ قُرِئَ بِحَضْرَتِهِ يَوْمًا أَنَّ الْوَلِيدَ لَمَّا تَقَدَّمَ بِعِمَارَةِ دِمَشْقَ أَمَرَ الْمُتَوَلِّينَ لِعِمَارَتِهِ أَنْ لَا يَضَعُوا حَائِطًا إلَّا عَلَى جَبَلٍ فَامْتَثَلُوا وَتَعَسَّرَ عَلَيْهِمْ وُجُودُ جَبَلٍ لِحَائِطٍ جِهَةَ جَيْرُونَ وَأَطَالُوا الْحَفْرَ امْتِثَالًا لِمَرْسُومِهِ فَوَجَدُوا رَأْسَ حَائِطٍ مَكِينِ الْعَمَلِ كَثِيرِ الْأَحْجَارِ يَدْخُلُ فِي عَمَلِهِمْ فَأَعْلَمُوا الْوَلِيدَ أَمْرَهُ وَقَالُوا نَجْعَلُ رَأْسَهُ أُسًّا فَقَالَ اُتْرُكُوهُ وَاحْفِرُوا قُدَّامَهُ لِتَنْظُرُوا أُسَّهُ وُضِعَ عَلَى حَجَرٍ أَمْ لَا فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَوَجَدُوا فِي الْحَائِطِ بَابًا وَعَلَيْهِ حَجَرٌ مَكْتُوبٌ بِقَلَمٍ مَجْهُولٍ فَأَزَالُوا عَنْهُ التُّرَابَ بِالْغَسْلِ وَنَزَّلُوا فِي حَفْرِهِ لَوْنًا مِنْ الْأَصْبَاغِ فَتَمَيَّزَتْ حُرُوفُهُ وَطَلَبُوا مَنْ يَقْرَؤُهَا فَلَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ وَتَطَلَّبَ الْوَلِيدُ الْمُتَرْجِمِينَ مِنْ الْآفَاقِ حَتَّى حَضَرَ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَعْرِفُ قَلَمَ الْيُونَانِيَّةِ الْأُولَى فَقَرَأَ الْكِتَابَةَ الْمَوْجُودَةَ فَكَانَتْ : بِاسْمِ الْمُوجِدِ الْأَوَّلِ أَسْتَعِينُ لَمَّا أَنْ كَانَ الْعَالَمُ مُحْدَثًا لِاتِّصَالِ أَمَارَاتِ الْحُدُوثِ بِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُحْدِثٌ لَا كَهَؤُلَاءِ كَمَا قَالَ ذُو السِّنِينَ وَذُو اللَّحْيَيْنِ وَأَشْيَاعُهُمَا ، حِينَئِذٍ أَمَرَ بِعِمَارَةِ هَذَا الْهَيْكَلِ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ مُحِبَّ الْخَيْرِ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةِ عَامٍ لِأَهْلِ الْأُسْطُوَانِ فَإِنْ رَأَى الدَّاخِلُ إلَيْهِ ذِكْرَ بَانِيهِ عِنْدَ نَادِيهِ بِخَيْرٍ فَعَلَ وَالسَّلَامُ .
فَأَطْرَقَ

أَبُو الْعَلَاءِ عِنْدَ سَمَاعِ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْجَمَاعَةُ فِي التَّعَجُّبِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْهَيْكَلِ وَأَمْرِ الْأُسْطُوَانِ الْمُؤَرَّخِ بِهِ وَفِي أَيِّ زَمَانٍ كَانَ فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ ذَلِكَ رَفَعَ أَبُو الْعَلَاءِ رَأْسَهُ وَأَنْشَدَ فِي صُورَةِ مُتَعَجِّبٍ سَيَسْأَلُ قَوْمٌ مَا الْحَجِيجُ وَمَكَّةُ كَمَا قَالَ قَوْمٌ مَا جُدَيْسُ وَمَا طسم وَأَمَرَ بِتَسْطِيرِ الْحِكَايَةِ عَلَى ظَهْرِ جُزْءٍ مِنْ " اسْتَغْفِرْ وَاسْتَغْفِرِي " بِخَطِّ ابْنِ أَبِي هَاشِمٍ كَاتِبِهِ وَأَكْثَرُ مَنْ نَقَلَ الْكِتَابَ نَقَلَ الْحِكَايَةَ عَلَى مِثْلِ الْجُزْءِ الَّذِي هِيَ مَسْطُورَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى .
قُلْت وَقَدْ ذَكَرَهَا مُخْتَصَرَةً يَاقُوتُ الْحَمَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الْبُلْدَانِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةٍ بَيْنَ ذِي اللَّحْيَيْنِ وَبَيْنَ حِينَئِذٍ هِيَ فَوَجَبَتْ عِبَادَةُ خَالِقِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَبَدَلٌ عَلَى مُضِيِّ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَسَبْعِمِائَةِ عَامٍ عَلَى مُضِيِّ سَبْعَةِ آلَافٍ وَتِسْعِمِائَةِ عَامٍ وَأَفَادَ مِنْ أَهْلِ الْأُسْطُوَانِ قَوْمٌ مِنْ الْحُكَمَاءِ الْأُوَلِ كَانُوا بِبَعْلَبَكّ حَكَى ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ الطَّبِيبِ السَّرَخْسِيُّ الْفَيْلَسُوفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَإِجْمَاعُ الْيَهُودِ عَلَى نَفْيِ نَسْخِ شَرْعِهِمْ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ ) إجْمَاعُ ( النَّصَارَى عَلَى صَلْبِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ) إنَّمَا هُوَ ( لِاتِّبَاعِ الْآحَادِ الْأَصْلَ ) لِاتِّبَاعِهِمْ فِي هَذَيْنِ الِافْتِرَاءَيْنِ لِآحَادِ أَوَائِلِهِمْ هُمْ أَهْلُ الطَّبَقَةِ الْأُولَى فِيهِمَا ( لِعَدَمِ تَحْقِيقِهِمْ ) إذْ لَوْ كَانُوا مُحَقِّقِينَ لَمْ يُجْمِعُوا عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ ( بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرْنَا ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَإِنَّهُمْ مُحَقِّقُونَ غَيْرُ مُتَّبِعِينَ لِأَحَدٍ فِي ذَلِكَ ( لِأَنَّهُمْ الْأُصُولُ ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتِ نَقْضًا عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ حَاكِمَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ الِاتِّفَاقِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ لِانْتِفَاءِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّحْقِيقِ فِي الْأَخِيرَيْنِ فَهَذَا دَلِيلٌ

عَقْلِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ ( وَمِنْ ) الْأَدِلَّةِ ( السَّمْعِيَّةِ آحَادٌ تَوَاتَرَ مِنْهَا ) قَدْرٌ هُوَ ( مُشْتَرَكُ { لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى الْخَطَأِ } وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ ) بِإِضَافَةِ " مُشْتَرَكُ " إلَى مَا بَعْدَهُ وَجَرِّ " نَحْوِهِ " بِالْعَطْفِ عَلَى لَا تَجْتَمِعُ وَكَثِيرٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَتُهُ أَيْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ عِصْمَةُ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ فَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلَى النَّارِ } وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَاللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ بِلَفْظِ { إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ أَبَدًا وَإِنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَاتَّبِعُوا السَّوَادَ الْأَعْظَمَ فَإِنَّ مَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ } قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ ، ثُمَّ بَيَّنَ عِلَّتَهُ وَابْنُ مَاجَهْ بِلَفْظِ { إنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ } وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ { لَا يَجْمَعُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ } وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا إبْرَاهِيمَ بْنَ مَيْمُونَ فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخَرِّجَا لَهُ وَبِلَفْظِ { إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ جَمَاعَةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ } ، ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَأَلْت رَبِّي أَرْبَعًا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَأَعْطَانِيهَا } الْحَدِيثَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إلَّا التَّابِعِيَّ

الْمُبْهَمَ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا طَرِيقُ الْغَزَالِيِّ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ، ( وَمِنْهَا ) قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } ( وَهُوَ ) أَيْ غَيْرُ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ( أَعَمُّ مِنْ الْكُفْرِ جُمِعَ بَيْنَهُ ) أَيْ بَيْنَ اتِّبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ ( وَبَيْنَ الْمُشَاقَّةِ ) لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي الْوَعِيدِ ) الشَّدِيدِ ( فَيَحْرُمُ ) اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا يُضَمُّ مُبَاحٌ إلَى حَرَامٍ فِي الْوَعِيدِ ؛ لِأَنَّهُ لَا دَخْلَ لِلْمُبَاحِ فِيهِ وَإِذَا حُرِّمَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ يَجِبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ إذْ لَا مَخْرَجَ بِحَسَبِ الْوُجُودِ عَنْهُمَا ؛ لِأَنَّ تَرْكَ اتِّبَاعِ سَبِيلِهِمْ اتِّبَاعٌ لِسَبِيلِ غَيْرِهِمْ إذْ مَعْنَى السَّبِيلِ هُنَا مَا يَخْتَارُهُ الْإِنْسَانُ لِنَفْسِهِ وَيُعْرَفُ بِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَالْإِجْمَاعُ سَبِيلُهُمْ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
( وَيُعْتَرَضُ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( بِأَنَّهُ إثْبَاتُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِمَا ) أَيْ بِشَيْءٍ ( لَمْ تَثْبُتْ حُجِّيَّتُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( إلَّا بِهِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ( وَهُوَ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ ( الظَّاهِرُ ) وَهُوَ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ ( لِعَدَمِ قَطْعِيَّةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خُصُوصِ الْمُدَّعَى ) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ لِجَوَازِ أَنْ يُرِيدَ سَبِيلَهُمْ فِي مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ أَوْ فِي مُنَاصَرَتِهِ وَدَفْعِ الْأَعْدَاءِ عَنْهُ أَوْ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ فِيمَا صَارُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْإِيمَانُ وَإِذَا قَامَ الِاحْتِمَالُ كَانَ غَايَتُهُ الظُّهُورَ ، وَالتَّمَسُّكُ بِالظَّاهِرِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِجْمَاعِ الدَّالِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ إذْ لَوْلَاهُ لَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالدَّلَائِلِ الْمَانِعَةِ مِنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ نَحْوُ

قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } ، فَكَانَ الِاسْتِدْلَال بِهِ إثْبَاتًا لِلْإِجْمَاعِ بِمَا لَمْ تَثْبُتْ حُجِّيَّتُهُ إلَّا بِهِ فَيَصِيرُ دَوْرًا وَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ فِي الدَّرْسِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَقْدَحُ فِي قَطْعِيَّتِهِ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَامِّ عِنْدَهُمْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا وَيَقِينًا فَيَتِمُّ التَّمَسُّكُ بِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى الْإِجْمَاعِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِالظَّوَاهِرِ الْمُفِيدَةِ لِلظَّنِّ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُثْبِتٍ لِلْحُكْمِ فِيمَا تَنَاوَلَهُ بِطَرِيقِ الظَّنِّ .
قُلْت إلَّا أَنَّ السُّبْكِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَنْبَطَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَحَكَى أَنَّهُ تَلَا الْقُرْآنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى اسْتَخْرَجَهُ رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ وَسَاقَ فِيهِ حِكَايَةً طَوِيلَةً غَرِيبَةً بِسَنَدِهِ ، وَلَمْ يَدَّعِ أَعْنِي الشَّافِعِيَّ الْقَطْعَ فِيهِ ا هـ فَإِنْ ادَّعَى الظَّنَّ فَلَا إشْكَالَ لَكِنَّ الْمَطْلُوبَ الْقَطْعُ ، وَإِنْ ادَّعَى الْقَطْعَ أَشْكَلَ بِقَوْلِهِ بِظَنِّيَّةِ دَلَالَةِ الْعَامِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُدْفَعَ هَذَا بِأَنَّ ظَنِّيَّتَهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ وَهَاهُنَا قَدْ احْتَفَّ بِمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي ذَلِكَ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ الْآيَةِ وَحْدَهَا دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا فِي إفَادَةِ الْمَطْلُوبِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالِاسْتِدْلَالُ ) كَمَا ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ ( يَدُلُّ عَلَى ) وُجُودِ دَلِيلٍ ( قَاطِعٍ فِي الْحُكْمِ ) الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ( عَادَةً ) لِقَضَائِهَا بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِ مِثْلِهِمْ عَلَى مَظْنُونٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً لِذَلِكَ الْقَاطِعِ لَا لِقَوْلِهِمْ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( مَمْنُوعٌ ) فَإِنَّ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ قَدْ

يَكُونُ ظَنِّيًّا وَلَا نُسَلِّمُ قَضَاءَ الْعَادَةِ بِذَلِكَ دَائِمًا بَلْ يَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى مَظْنُونٍ دَقَّ فِيهِ النَّظَرُ لَا فِي الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَأَخْبَارِ الْآحَادِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالظَّوَاهِرِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا مَظِنَّةَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَال بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لِغَيْرِ هَذَا ، وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَيْضًا إجْمَاعَهُمْ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الْقَاطِعِ دَفَعَهُ بِقَوْلِهِ ( بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْقَطْعَ ثَمَّةَ ( قَطْعُ كُلٍّ ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَإِنَّهُ قَوْلٌ بِأَصْلٍ دِينِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ قَائِلِهِ بِهِ ( وَالْقَطْعُ هُنَا ) أَيْ فِيمَا سِوَاهُ قَدْ يَكُون ( بَعْده ) أَيْ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُخَالِفُونَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } فَلَا مَرْجِعَ إلَى غَيْرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إلَيْهِمَا رُجُوعٌ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ( الْجَوَابُ لَوْ تَمَّ ) هَذَا ( انْتَفَى الْقِيَاسُ وَلَا يَنْفُونَهُ ) أَيْ الْمُخَالِفُونَ ( فَإِنْ رَجَعْتُمُوهُ ) أَيْ الْقِيَاسَ ( إلَى أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ( لِثُبُوتِ أَصْلِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ وَهُوَ الْمَقِيسُ عَلَيْهِ ( بِهِ ) أَيْ بِأَحَدِهِمَا ( فَكَذَا لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ ) وَهُوَ أَحَدُهُمَا أَوْ الْقِيَاسُ الرَّاجِعُ إلَى أَحَدِهِمَا وَحَيْثُ كَانَ ذَاكَ رَدًّا إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ فَكَذَا هَذَا ( أَوْ خُصَّ ) وُجُوبُ الرَّدِّ ( بِمَا فِيهِ ) النِّزَاعُ لِكَوْنِهِ جَوَابًا لَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا فِيهِ النِّزَاعُ ( ضِدُّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ) هَذَا ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) وُجُوبُ الرَّدِّ ( خُصَّ بِالصَّحَابَةِ ) بِقَرِينَةِ الْخِطَابِ ( ثُمَّ ) لَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ ( ظَاهِرٌ لَا يُقَاوِمُ الْقَاطِعَ ) الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( وَأَيْضًا ) قَالُوا ( نَحْوَ ) قَوْله تَعَالَى { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ

بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ نَهْيًا عَامًّا لِلْأُمَّةِ ( يُفِيدُ جَوَازَ خَطَئِكُمْ ) أَيْ الْأُمَّةِ إذْ الْخِطَابُ عَامٌّ لَهُمْ وَلَوْلَا جَوَازُ صُدُورِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ جَمِيعِهِمْ لَمَا أَفَادَ النَّهْيُ إذْ لَا يُنْهَى عَنْ الْمُمْتَنِعِ ( أُجِيبُ بِعَدَمِ كَوْنِهِ ) أَيْ النَّهْيِ ( مَنْعًا لِكُلٍّ ) وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ جَوَازُ كَوْنِ الْكُلِّ ذَا خَطَأٍ ( لَا الْكُلِّ ) أَيْ الْجَمِيعِ كَمَا قُلْتُمْ بِهِ وَرَتَّبْتُمْ عَلَيْهِ لُزُومَ جَوَازِ صُدُورِ كُلٍّ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ عَنْ جَمِيعِهِمْ ( يَمْنَعُ اسْتِلْزَامُ النَّهْيِ جَوَازَ صُدُورِ الْمَنْهِيِّ ) عَنْ الْمُكَلَّفِ ( بَلْ يَكْفِي فِيهِ ) أَيْ فِي كَوْنِ النَّهْيِ صَحِيحًا ( الْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ ) لِوُقُوعِ النَّهْيِ ( مَعَ الِامْتِنَاعِ بِالْغَيْرِ ) أَيْ كَوْنِهِ مُمْتَنِعًا بِعَارِضٍ مِنْ الْعَوَارِضِ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ خَطَئِهِمْ .
عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ عَقْلِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَلْزَم مِنْهُ مُحَالٌ عَقْلًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوُقُوعُ ( وَمُفَادُهُ ) أَيْ النَّهْيِ حِينَئِذٍ ( الثَّوَابُ بِالْعَزْمِ ) عَلَى تَرْكِ الْمَنْهِيِّ إذَا خَطَرَ لَهُ فِعْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ ، ثُمَّ هَذِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِطْرَادِهَا فِي الْأُصُولِ فَوَافَقَهُمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَكُنْ مِنْهُ عَلَى ذِكْرٍ .

( مَسْأَلَةٌ انْقِرَاضُ الْمُجْمِعِينَ ) عَلَى حُكْمٍ أَيْ مَوْتُهُمْ عَلَيْهِ ( لَيْسَ شَرْطًا ) لِانْعِقَادِهِ وَلَا ( لِحُجَّتِهِ ) أَيْ إجْمَاعُهُمْ ( عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ) مِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَنَصَّ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ وَابْنُ السَّمْعَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْمَذَاهِبِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَالرَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ حُجَّةً فِي الْحَالِ ( فَيَمْتَنِعُ رُجُوعُ أَحَدِهِمْ ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ لِصَيْرُورَةِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مَعَ قَوْلِ مُوَافِقِيهِ حُجَّةً عَلَيْهِ ( وَخِلَافُ مَنْ حَدَّثَ ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ فِيهِ ( وَشَرَطَهُ ) أَيْ انْقِرَاضَهُمْ ( أَحْمَدُ وَابْنُ فُورَكٍ ) وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَالْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَنْ قَطْعٍ أَوْ ظَنٍّ ( إنْ كَانَ سَنَدُهُ قِيَاسًا ) لَا إنْ كَانَ نَصًّا قَاطِعًا كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَعْتَبِرُ الِانْقِرَاضَ أَلْبَتَّةَ بَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُسْتَنَدِ إلَى قَاطِعٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَظِنَّةِ الظَّنِّ فَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ تَمَادِيَ زَمَانٍ وَيَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى الْفَوْرِ وَالظَّنِّيِّ فَيَشْتَرِطُ تَمَادِيَ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ خَرَّ عَلَى الْمُجْمِعِينَ سَقْفٌ عَقِبَ الِاتِّفَاقِ أَوْ عَمَّهُمْ الْهَلَاكُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ .
قَالَ فَلَسْت أَرَى ذَلِكَ إجْمَاعًا ، ثُمَّ هُوَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الظَّنِّيِّ مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُحَالٌ ؛ لِأَنَّ الظُّنُونَ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّمَادِي قَالَ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ الْمُتَكَلِّفُ وَجْهًا فَيَقُولَ يَعُمُّهُمْ ظُهُورُ وَجْهٍ مِنْ الظَّنِّ قَالَ وَلِلْفَطِنِ أَنْ يَقُولَ مَا انْتَهَى إلَى هَذَا الْمُنْتَهَى فَقَدْ اعْتَزَى إلَى الْقَطْعِ ( وَقِيلَ ) يُشْتَرَطُ

الِانْقِرَاضُ ( فِي السُّكُوتِيِّ ) وَهُوَ مَا كَانَ بِفَتْوَى الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ لِضَعْفِهِ لَا مَا إذَا كَانَ بِصَرِيحِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ أَوْ بِهِمَا مَعًا ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ ، وَزَعْمُ سُلَيْمٍ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ فِي السُّكُوتِيِّ مُعْتَبَرٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَإِنَّمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ الْقَوْلِيُّ وَقِيلَ يَنْعَقِدُ قَبْلَ الِانْقِرَاضِ فِيمَا لَا مُهْلَةَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسٍ وَاسْتِبَاحَةٍ حَكَاهُ ابْنُ السَّمْعَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إتْلَافٌ وَاسْتِهْلَاكٌ اُشْتُرِطَ قَطْعًا ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا ذَلِكَ فَوَجْهَانِ وَهَذَا طَرِيقُ الْمَاوَرْدِيِّ وَقِيلَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطٌ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ مَشَى الطَّبَرِيُّ ، ثُمَّ مِنْ الْمُشْتَرِطِينَ مَنْ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ اشْتَرَطَ انْقِرَاضَ أَكْثَرِهِمْ فَإِنْ بَقِيَ مَنْ لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ خَبَرِهِ كَوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ لَمْ يُعْتَبَرْ بِبَقَائِهِ كَذَا فِي تَقْرِيبِ الْقَاضِي وَلَفْظُ الْغَزَالِيِّ فِي مَنْخُولِهِ اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِطُونَ فَقِيلَ يُكْتَفَى بِمَوْتِهِمْ تَحْتَ هَدْمٍ دَفْعَةً إذْ الْغَرَضُ انْتِهَاءُ أَعْمَارِهِمْ عَلَيْهِ وَالْمُحَقِّقُونَ لَا بُدَّ مِنْ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ تُفِيدُ فَائِدَةً فَإِنَّهُمْ قَدْ يُجْمِعُونَ عَلَى رَأْيٍ وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلتَّغْيِيرِ ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِرَاطِ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهِ وَقِيلَ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً .
هَذَا وَفِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَاخْتُلِفَ فِي فَائِدَةِ هَذَا الِاشْتِرَاطِ فَأَحْمَدُ وَمُتَابِعُوهُ جَوَازُ رُجُوعِ الْمُجْمِعِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ عَمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الِانْقِرَاضِ لَا دُخُولُ مَنْ سَيُحْدِثُ فِي إجْمَاعِهِمْ وَاعْتِبَارُ مُوَافِقِيهِ لِلْإِجْمَاعِ حَتَّى لَوْ أَجْمَعُوا وَانْقَرَضُوا مُصِرِّينَ عَلَى مَا قَالُوا يَكُونُ إجْمَاعًا وَإِنْ خَالَفَهُمْ

الْمُجْتَهِدُ اللَّاحِقُ فِي زَمَانِهِمْ ، وَقِيَاسُ هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمُخَالِفُ خَارِقًا لِلْإِجْمَاعِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ إذْ اتِّفَاقُهُمْ لَيْسَ إجْمَاعًا بَعْدُ بَلْ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَإِذَا انْقَرَضُوا لَمْ يَبْقَ ذَلِكَ الْخِلَافُ مُعْتَبَرًا وَيَكُونُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ إذْ ذَاكَ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إلَى أَنَّهَا جَوَازُ الرُّجُوعِ وَإِدْخَالُ مَنْ أَدْرَكَ عَصْرَهُمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي إجْمَاعِهِمْ ، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ انْقِرَاضُ عَصْرِ الْمُدْرَكِ الْمُدْخَلِ فِي إجْمَاعِهِمْ وَإِلَّا لَمْ يَتِمَّ انْعِقَادُ إجْمَاعٍ أَصْلًا كَمَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ ( لَنَا ) الْأَدِلَّةُ ( السَّمْعِيَّةُ تُوجِبُهَا ) أَيْ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ ( بِمُجَرَّدِهِ ) أَيْ الِاتِّفَاقِ مِنْ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ إذْ الْحُجَّةُ إجْمَاعُهُمْ لَا انْقِرَاضُهُمْ فَلَا مُوجِبَ لِاشْتِرَاطِهِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُشْتَرِطُونَ ( يَلْزَمُ ) عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ ( مَنْعَ الْمُجْتَهِدِ عَنْ الرُّجُوعِ ) عَنْ ذَلِكَ الْحُكْمِ ( عِنْدَ ظُهُورِ مُوجِبِهِ ) أَيْ الرُّجُوعِ ( خَبَرًا ) كَانَ الْمُوجِبُ ( أَوْ غَيْرَهُ ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ .
أَمَّا إذَا كَانَ خَبَرًا فَلِاسْتِلْزَامِهِ عَدَمَ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ خَبَرًا بِإِنْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَى الْمُجْتَهِدِ فِي الرُّجُوعِ عِنْدَ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ بَيَانُ اللُّزُومِ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ بَعْضِ الْمُجْمِعِينَ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِاجْتِهَادِهِ فَنَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ الْأَوَّلِ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ الْعَمَلِ بِاجْتِهَادِهِ الثَّانِي لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ ( أُجِيبُ ) وُجُودُ الْخَبَرِ مَعَ ذُهُولِ الْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ ( يُعِيدُ بَعْدَ فَحْصِهِمْ ) عَنْهُ وَالْإِطْلَاعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الذُّهُولِ الْكَائِنِ بَعْدَ الْفَحْصِ أَبْعَدُ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) وُجُودُهُ بَعْدَ ذُهُولِهِمْ الْكَائِنِ بَعْدَ فَحْصِهِمْ وَالْإِطْلَاعِ

عَلَيْهِ ( فَكَذَا ) يُقَالُ لِلْمُشْتَرِطِينَ إجْمَاعُكُمْ بَعْدَ الِانْقِرَاضِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِاسْتِلْزَامِ حُجَّتِهِ إلْغَاءَ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ( فَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْإِلْزَامُ ( مُشْتَرَكٌ ) بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْهُ هُوَ جَوَابُنَا وَهَذَا جَوَابٌ جَدَلِيٌّ ( وَالْحَلُّ ) وَهُوَ الْجَوَابُ الْجَدَلِيُّ ( يَجِبُ ذَلِكَ ) أَيْ إلْغَاءُ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ الْمُخَالِفِ حُكْمُهُ لِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِلْقَاطِعِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ وَهُوَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الَّذِي اُطُّلِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنْ الرُّجُوعِ عَنْ اجْتِهَادِهِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللَّازِمَ بَاطِلٌ مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا مَعَهُ فَالْمَنْعُ عَنْ الرُّجُوعِ وَاجِبٌ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُ الرُّجُوعِ عِنْدَ ظُهُورِ مُوجِبِهِ لَيْسَ مُطْلَقًا بِبَاطِلٍ بَلْ فِيمَا إذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ ( قَالَ عُبَيْدَةُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ السَّلْمَانِيُّ ( لِعَلِيٍّ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( حِينَ رَجَعَ ) عَنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ انْقِرَاضِ الْمُجْمِعِينَ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدُ أَنْ يُبَعْنَ وَمَقُولُ قَوْلِ عُبَيْدَة ( رَأْيُك ) وَرَأْيُ عُمَرَ ( فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ ) إلَيَّ ( مِنْ رَأْيِك وَحْدَك ) فِي الْفُرْقَةِ فَضَحِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُخَالَفَةً لِلْإِجْمَاعِ بَلْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى اشْتِرَاطَهُ ) أَيْ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ ، ثُمَّ لَيْسَ هَذَا الرَّأْيُ مِنْهُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْوَاقِعَةِ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِمُتَعَيِّنِ الِاعْتِبَارِ حَتَّى يَنْتَهِضَ حُجَّةً لِلْمُخَالِفِينَ عَلَى أَنَّ الَّذِي

فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ فَقَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ أَنْ لَا تُبَاعَ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ وَأَنَا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ فَقَالَ لَهُ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ ، ثُمَّ قَالَ اقْضُوا فِيهِ مَا أَنْتُمْ قَاضُونَ فَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ أَصْحَابِي ( قَالُوا ) أَيْ الْمُشْتَرِطُونَ ثَانِيًا ( لَوْ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ الرَّاجِعِ ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَى كُلُّ الْأُمَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ مُخَالَفَةُ مَنْ مَاتَ ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ كُلُّ الْأُمَّةِ ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ( أُجِيبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ ) مُخَالَفَةِ ( الْمَيِّتِ مُخْتَلَفٌ ) فِيهِ فَعَلَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ لَهُ نَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ وَيَلْزَمُ أَنْ لَا قَوْلَ لِلْمَيِّتِ ( وَعَلَى الِاعْتِبَارِ ) لَهُ نَمْنَعُ الْمُلَازَمَةَ ، وَحِينَئِذٍ ( الْفَرْقُ ) بَيْنَهُمَا ( تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ ) أَوَّلًا بِمُوَافَقَتِهِ ( قَبْلَ الرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ ) اعْتِبَارُ مُخَالَفَتِهِ ثَانِيًا ( وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ) الْإِجْمَاعُ ( قَبْلَ الْمَوْتِ ) أَيْ مَوْتِ الْمُخَالِفِ ، ثُمَّ الْقَوْلُ لَمْ يَمُتْ بِقَوْلِ قَائِلَهُ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ قَوْلِ قَائِلَةٍ لِدَلِيلِهِ لَا لِذَاتِ الْقَائِلِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ غَيْرِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بِالدَّلِيلِ وَدَلِيلُ الْمَيِّتِ بَاقٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَكَانَ كَبَقَائِهِ مُخَالِفًا فَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَنْ وُجِدَ مِنْ الْأُمَّةِ وَهُوَ مُتَحَقِّقٌ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ فَلَا يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ .
هَذَا وَكَوْنُ فَائِدَةِ الِاشْتِرَاطِ جَوَازَ رُجُوعِ الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ لَا دُخُولَ مَنْ سَيَحْدُثُ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ تَحَكُّمٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا حَتَّى يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ وَقَدْ وُجِدَ مُجْتَهِدٌ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ فَلِمَ لَا يَدْخُلُ وَيُعْتَبَرُ حَتَّى لَا يَتِمَّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رُجُوعُ بَعْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ

يُنْسَبَ إلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ أَفَادَنِي مَعْنَى هَذَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَإِذَا كَانَ اللَّاحِقُ صَارَ كَالسَّابِقِ فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ انْقِرَاضُ عَصْرِهِ كَمَا فِي السَّابِقِ وَكَوْنُ اعْتِبَارِ انْقِرَاضِ عَصْرِهِ أَيْضًا يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْإِجْمَاعِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ بَلْ عَدَمَ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَوْلِ الْمُؤَدَّى إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ .

( مَسْأَلَةٌ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ) كَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَالْقَفَّالِ الْكَبِيرِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ( وَغَيْرِهِمْ ) كَالْجُبَّائِيِّ وَابْنِهِ ( لَا يَشْتَرِطُ لِحُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( انْتِفَاءَ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ ) لِغَيْرِ الْمُجْمِعِينَ بِأَنْ اخْتَلَفَ أَهْلُ عَصْرٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاعْتَقَدَ كُلٌّ حَقِّيَّةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ خِلَافُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْثِ عَنْ الْمَأْخَذِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَحَدٌ فِي الْمَسْأَلَةِ حَقِّيَّةَ شَيْءٍ مِنْ الْأَقْوَالِ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ حَتَّى تَبْقَى الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً كَمَا كَانَتْ ( وَخُرِّجَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُهُ ) أَيْ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِغَيْرِهِمْ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ وَابْنُ بَرْهَانٍ وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَهُ سِرَاجٌ الْهِنْدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَشْعَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ ( وَنَفْيُهُ ) أَيْ نَفْيُ اشْتِرَاطِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِغَيْرِهِمْ ( عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ كُلٌّ ) مِنْ اشْتِرَاطِهِ وَنَفْيِ اشْتِرَاطِهِ ( مِنْ الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ الْمُخْتَلَفِ ) فِيهِ جَوَازٌ وَعَدَمُ جَوَازٍ ( لِلصَّحَابَةِ ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ { عَنْ سَلَّامَةَ بِنْتِ مَعْقِلٍ قَالَتْ كُنْت لِلْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو فَمَاتَ وَلِي مِنْهُ وَلَدٌ فَقَالَتْ لِي امْرَأَتُهُ الْآنَ تُبَاعِينَ فِي دَيْنِهِ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ صَاحِبُ تَرِكَةِ الْحُبَابِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَتْ أَخُوهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو فَدَعَاهُ رَسُولُ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَبِيعُوهَا وَأَعْتِقُوهَا فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِرَقِيقٍ جَاءَنِي فَأَتَوْنِي أُعَوِّضُكُمْ مِنْهَا فَفَعَلُوا فَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمُّ الْوَلَدِ مَمْلُوكَةٌ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّضْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هِيَ حُرَّةٌ قَدْ أَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الرَّازِيّ فِي رِوَايَتِهِ فَفِي ذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ ، ( الْمُجْمَعِ لِلتَّابِعِينَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( مِنْ الْمَنْعِ ) وَالْأَحْسَنُ إسْقَاطُ مِنْ عَلَى إبْدَالِ الْمَنْعِ مِنْ أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ ( لَا يَنْفُذُ ) بَيْعُهُنَّ ( عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ لَمْ يَبْقَ اجْتِهَادِيًّا بِالْإِجْمَاعِ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي وَقَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ لَا يَصِحُّ فَيُنْتَقَضُ قَضَاؤُهُ ( وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ مَنْعُ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ فَلَا يُنْقَضُ ( وَلِأَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُمَا ) فَقَدْ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِ الْمِيزَانِ مَعَ مُحَمَّدٍ وَفِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُ نَصًّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ يَنْعَقِدُ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ كَذَا رَأَيْت فِي بَعْضِ نُسَخِ أُصُولِ الْفِقْهِ ( وَالْأَظْهَرُ ) مِنْ الرِّوَايَاتِ كَمَا فِي الْفُصُولِ الأسروشنية وَغَيْرِهَا ( لَا يَنْفُذُ عِنْدَهُمْ ) فَقَدْ ذَكَرَ فِي التَّقْوِيمِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ ( وَفِي الْجَامِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ ) إنْ أَمْضَاهُ نَفَذَ وَإِلَّا بَطَلَ وَكَلَامُ السَّرَخْسِيِّ يُفِيدُ أَنَّ الْمَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

عَنْ مُحَمَّدٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ وَعَنْهُمَا اشْتَرَطَهُ شَيْخُهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ ، ثُمَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ آخِرًا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهِنَّ وَإِلَّا فَلَيْسَ إجْمَاعُ التَّابِعِينَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا حَكَاهُ كَثِيرٌ مِثَالًا لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ سَبْقِ خِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ لِأَهْلِ عَصْرٍ سَابِقٍ وَالْأَشْبَهُ ذَلِكَ مَا قَدْ سَمِعْت عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ نَاظَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَقُلْت يُبَعْنَ وَقَالَ لَا يُبَعْنَ فَلَمَّا أُفْضِيَ الْأَمْرُ إلَيَّ رَأَيْت أَنْ يُبَعْنَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ عَهِدَ فِي وَصِيَّتِهِ فَقَالَ إنِّي تَرَكْت تِسْعَ عَشْرَةَ سُرِّيَّةً فَأَيَّتُهُنَّ كَانَتْ ذَاتَ وَلَدٍ فَلْتُقَوَّمْ فِي حِصَّةِ وَلَدِهَا ، ثُمَّ تَعْتِقْ .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ انْطَلَقْت أَنَا وَرَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ فَقَالَ تَعْتِقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى وِفَاقِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْآخَرُ فِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ مُطْلَقًا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَقِيَ ابْنَ عُمَرَ رَجُلَانِ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَا تَرَكْنَا هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِيَانِ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَبِيعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ .
قَالَ لَكِنَّ أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ أَتَعْرِفَانِهِ ؟ قَالَا نَعَمْ قَالَ قَضَى فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا صَاحِبُهَا مَا عَاشَ فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ وَنَقَلَهُ فِي التَّقْوِيمِ عَنْ جَابِرٍ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَالسَّرَخْسِيِّ لَا يَدُلُّ الْقَوْلُ بِنَفَاذِ الْقَضَاءِ بِبَيْعِهِنَّ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ السَّابِقَ يَمْنَعُ انْعِقَادَ

الْإِجْمَاعِ الْمُتَأَخِّرِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَوْجُهُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا لِلدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ إجْمَاعٌ مُعْتَبَرٌ وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَنَارِ وَذَكَرَ الْقَاآنِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحِينَئِذٍ ( فَالتَّخْرِيجُ لِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْخِلَافِ السَّابِقِ لِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ اللَّاحِقِ ( أَنَّ ) الْإِجْمَاعَ ( الْمَسْبُوقَ ) بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ ( مُخْتَلَفٌ ) فِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَالْآخَرُونَ إجْمَاعٌ فِيهِ شُبْهَةٌ ( فَفِيهِ ) أَيْ فِي اعْتِبَارِهِ حِينَئِذٍ ( شُبْهَةٌ ) عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ إجْمَاعًا بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ حَتَّى لَا يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ وَلَا يُضَلَّلُ وَإِذَا كَانَ فِي اعْتِبَارِ هَذَا الْإِجْمَاعِ شُبْهَةٌ ( فَكَذَا مُتَعَلِّقُهُ ) أَيْ فَكَذَا فِي اعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِ هَذَا الْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ شُبْهَةً ( فَهُوَ ) أَيْ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ نَافِذٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ بَلْ لِإِجْمَاعٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ فَكَانَ ( كَقَضَاءٍ فِي مُجْتَهَدٍ ) فِيهِ أَيْ فِي حُكْمٍ مُخْتَلِفٍ فِي اعْتِبَارِهِ فَيَنْفُذُ وَيَصِيرُ لَازِمًا وَمُجْمَعًا عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ فِيهِ بِخِلَافِ قَضَاءِ الْأَوَّلِ كَانَ بَاطِلًا وَلَوْ كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَأَنْ اُسْتُقْضِيَتْ امْرَأَةٌ فِي الْحُدُودِ فَقَضَتْ فِيهَا فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَهُ جَازَ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ الْأَوَّلِ مُخْتَلِفٌ فِيهِ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَوْنُ أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَمَشَى عَلَيْهِ الْخَصَّافُ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ هُوَ الْأَشْبَهُ ، ثُمَّ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْقَضَاءِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي

نَفْسِ الْقَضَاءِ أَيْضًا كَمَا فِي مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي هُوَ جَوَازُ الْبَيْعِ لَا فِي نَفْسِ مُتَعَلَّقِهِ فَقَطْ فَيَتَّجِهُ مَا فِي الْجَامِعِ ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَعْنِي الْأَوَّلَ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي الْكَشْفِ وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ .
( تَنْبِيهٌ ) ، ثُمَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ وَحَيْثُ كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا لِأَحَدِهِمْ كَمَا عَلَيْهِ الْحَالُ الْآنَ فِي سَائِرِ الْأَقْطَارِ بَلْ دَائِمًا يُفَوَّضُ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لِيَقْضِيَ عَلَى مَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ الَّذِي هُوَ أَحَدُهُمْ نَقْلًا أَوْ تَخْرِيجًا فَلَوْ وَقَعَ قَضَاءُ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الزَّمَانِ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ ، وَإِنْ نَفَّذَهُ ذُو عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِ مُقَلِّدَيْهِمْ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .
( لَنَا ) عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ هَذَا الشَّرْطِ ( الْأَدِلَّةُ ) الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لَهُ ( لَا نَفْصِلُ ) بَيْنَ مَا سَبَقَهُ خِلَافٌ أَوْ لَا فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى إطْلَاقِهَا ( قَالُوا ) أَيْ الشَّارِطُونَ ( لَا يَنْتَفِي الْقَوْلُ بِمَوْتِ قَائِلِهِ حَتَّى جَازَ تَقْلِيدُهُ ) أَيْ قَائِلِهِ ( وَالْعَمَلُ بِهِ ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَلِهَذَا يُدَوَّنُ وَيُحَفَّظُ ( فَكَانَ ) قَوْلُهُ ( مُعْتَبَرًا حَالَ اتِّفَاقِ اللَّاحِقِينَ فَلَمْ يَكُونُوا ) أَيْ اللَّاحِقُونَ ( كُلَّ الْأُمَّةِ ) فَلَا إجْمَاعَ ( قُلْنَا جَوَازُ ذَلِكَ ) أَيْ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ وَالْعَمَلِ بِقَوْلِهِ ( مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ ) جَوَازُهُ ( مَا لَمْ يُجْمَعُ عَلَى ) الْقَوْلِ ( الْآخَرِ ) الْمُقَابِلِ لَهُ أَمَّا إذَا أُجْمِعَ عَلَى الْآخَرِ ( فَيَنْتَفِي اعْتِبَارُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلِ السَّابِقِ ( لَا وُجُودُهُ كَمَا بِالنَّاسِخِ ) فَإِنَّ النَّاسِخَ يَنْفِي اعْتِبَارَ الْمَنْسُوخِ لَا وُجُودَهُ فَلَا يَسُوغُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَقْلِيدُهُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ بَلْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ النَّسْخِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ وَلَكِنَّهُ نُسِخَ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ سَاقِطًا

كَقِيَاسٍ نَزَلَ بَعْدَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ يَكُونُ مَنْسُوخًا سَاقِطًا انْتَهَى .
وَقَالَ صَاحِبُ كَشْفِهِ أَيْ لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا مَعْمُولًا بِهِ بَعْدَ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ كَنَصٍّ نَزَلَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ يُخْرِجُ الْقِيَاسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا بِهِ ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا هُوَ شَأْنُ النَّاسِخِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ النَّوَاسِخِ نَعَمْ قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ هَذَا ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ بِوَفَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَتْ الْأَحْكَامُ عَنْ احْتِمَالِ النَّسْخِ لِانْقِطَاعِ الْوَحْيِ الَّذِي تَوَقَّفَ النَّسْخُ عَلَيْهِ بِوَفَاتِهِ بَلْ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا بَلْ كَانَ شُبْهَةً ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَا يَظْهَرُ خَطَؤُهُ أَيْضًا بَلْ يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَأَمَّا الشُّبْهَةُ فَتَزُولُ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْبُطْلَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ شُبْهَةٌ لَكِنْ قَالَ فِي الْكَشْفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ بِوَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعِيَّةُ النَّسْخِ بِالْوَحْيِ وَبَقِيَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ فِي زَمَانِهِ عَلَى مَا كَانَتْ فَأَمَّا الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ بَعْدَ الرَّسُولِ فَيَجُوزُ أَنْ تُنْسَخَ وَهُوَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِأَنْ يُوَفِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمٍ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِاجْتِهَادِ أَهْلِ عَصْرٍ آخَرَ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى خِلَافِهِ بِنَاءً عَلَى اجْتِهَادٍ سَنَحَ لَهُمْ عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَكُونُ هَذَا بَيَانًا لِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي النُّصُوصِ وَلَا يُقَالُ هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَعْرِفَةِ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّا لَا نَدَّعِي أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ انْتِهَاءَ مُدَّةِ الْحُكْمِ بِآرَائِهِمْ بَلْ نَقُولُ لَمَّا انْتَهَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِانْتِهَاءِ الْمَصْلَحَةِ وَفَّقَهُمْ اللَّهُ

لِلِاتِّفَاقِ عَلَى خِلَافِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ فَيَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَبَدَّلَ بِتَبَدُّلِ الْمَصْلَحَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفُوا عِنْدَ الِاتِّفَاقِ تَبَدُّلَ الْمَصْلَحَةِ وَمُدَّةَ الْحُكْمِ انْتَهَى .
وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي التَّلْوِيحِ مُلَخَّصًا وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ النَّسْخِ بِالْإِجْمَاعِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْلِيلِ الْفِرْقَةِ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ فِي الدَّلِيلِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوهُ مَقْرُونًا بِشَرَائِطِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهُمْ وُقُوعًا وَمِنْ مُنَاظَرَتِهِمْ تَقْرِيرًا بِخِلَافِ هَذَا التَّوْجِيهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نِسْبَتُهُمْ إلَى تَضْلِيلٍ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الدَّلِيلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَبِهِ ) أَيْ بِهَذَا الْجَوَابِ ( يَبْطُلُ قَوْلُهُمْ ) أَيْ الشَّارِطِينَ ( يُوجِبُ ) عَدَمُ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمَيِّتِ الْمُخَالِفِ ( تَضْلِيلَ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ) فَإِنَّهُ كَثِيرٌ مَا اتَّفَقَ لَهُمْ خِلَافٌ مُسْتَقِرٌّ فِي مَسَائِلَ وَحَيْثُ يَصِحُّ وُجُودُ الْإِجْمَاعِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْقَوْلُ الْآخَرُ مَانِعًا مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْآخَرِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ وَمُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ تُوجِبُ التَّضْلِيلَ ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْحَقِّيَّةَ فِيمَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ } وَبَيَانُ بُطْلَانِ هَذَا اللَّازِمِ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ كَوْنَ صَاحِبِ الْقَوْلِ الْآخَرِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ مَمْنُوعٌ إذْ لَا وُجُودَ لِلْإِجْمَاعِ فِي حَيَاتِهِ وَالْمُخَالَفَةُ فَرْعُ الْوُجُودِ بَلْ غَايَتُهُ أَنَّ رَأْيَهُ كَانَ حُجَّةً قَبْلَ حُدُوثِ الْإِجْمَاعِ فَإِذَا حَدَثَ انْقَطَعَ كَوْنُهُ حُجَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى الْحَالِ ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ تَضْلِيلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُزَاحِمِ

لِمُجْتَهِدِينَ اتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُجْتَهِدِ الْمُتَقَدِّمِ .
نَعَمْ غَايَةُ مَا يَقْتَضِي هَذَا الْإِجْمَاعُ ظُهُورَ خَطَأِ الْمُخَالِفِ لِمَا حَدَثَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ ، ثُمَّ لَا ضَيْرَ فِيهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَلُومٍ وَلَا مَأْزُورٍ بَلْ مَعْذُورٌ وَمَأْجُورٌ ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ تَضْلِيلُ كُلِّ الصَّحَابَةِ أَوْ كُلِّ الْأُمَّةِ فِي عَصْرٍ بِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ إصَابَةَ الْحَقِّ لَا تَعْدُوهُمْ ( وَبِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ ) الْمَذْكُورِ ( بَطَلَ مَا عَنْ الْأَشْعَرِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْغَزَالِيِّ وَشَيْخِهِ ) إمَامِ الْحَرَمَيْنِ ( مِنْ إحَالَةِ الْعَادَةِ إيَّاهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ ( لِقَضَائِهَا ) أَيْ الْعَادَةِ ( بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْمُعْتَقَدَاتِ وَخُصُوصًا مِنْ الِاتِّبَاعِ ) لِأَرْبَابِهَا فَلَا يُمْكِنُ اتِّفَاقُهُمْ وَوَجْهُ بُطْلَانِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْجَوَازِ ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ وُجُودُ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ( إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ ) أَيْ قَضَاءَهَا بِإِحَالَةِ وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا ( مِنْ الْمُخْتَلِفِينَ ) أَنْفُسِهِمْ ( لَا ) وُقُوعِهِ ( مِمَّنْ بَعْدَهُمْ ) وَالْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِي وُقُوعِهِ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ أَيْضًا غَيْرَ مُسَلِّمٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُخْتَلِفِينَ إذْ قَدْ يَخْفَى الصَّوَابُ لِلْمُجْتَهِدِ فِي وَقْتٍ وَيَظْهَرُ لَهُ فِي آخَرَ ، وَبَعِيدٌ مِنْ الْمُتَدَيِّنِ الْإِصْرَارُ عَلَى الْخَطَأِ بَعْدَ ظُهُورِ الصَّوَابِ لَهُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ إظْهَارُ بُطْلَانِ الِاسْتِحَالَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ ذَكَرَهُ لِذَلِكَ ( وَمَا عَنْ الْمُجَوِّزِينَ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ ) أَيْ وَبَطَلَ أَيْضًا مَا عَنْ بَعْضِ الْمُجَوِّزِينَ لِانْعِقَادِهِ وَحُجِّيَّتِهِ لَوْ انْعَقَدَ مِنْ نَفْيِ وُقُوعِهِ عَادَةً إذْ هُوَ وَاقِعٌ كَالْإِجْمَاعِ لِمَذْكُورٍ ، ثُمَّ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُخْبِرِينَ طَائِفَتَانِ طَائِفَةٌ قَائِلَةٌ بِالْجَوَازِ وَالْوُقُوعِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ

وَطَائِفَةٌ قَائِلَةٌ بِالْجَوَازِ لَا الْوُقُوعِ .
( قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ الْوُقُوعِ فِي الْوُقُوعِ ( تَعَارُضُ الْإِجْمَاعَيْنِ الْقَطْعِيَّيْنِ ) الْأَوَّلِ ( عَلَى تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِكُلٍّ ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ ( وَ ) الثَّانِي ( عَلَى مَنْعِهِ ) أَيْ مَنْعِ تَسْوِيغِ الْقَوْلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَتَعَارُضُهُمَا مُحَالٌ عَادَةً ( قُلْنَا ) تَعَارُضُهُمَا مَمْنُوعٌ إذْ ( التَّسْوِيغُ ) أَيْ تَسْوِيغُ الْقَوْلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ( مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَحَدِهِمَا وُجُوبًا ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَيَّدٍ ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ التَّسْوِيغُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بِمَا إذَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَحَدِهِمَا ( لِأَدِلَّةِ الِاعْتِبَارِ ) لِلْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ أَيْ حُجِّيَّتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ( أَمَّا إجْمَاعُهُمْ ) أَيْ الْمُخْتَلِفِينَ أَنْفُسِهِمْ ( بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ ) الْمُسْتَقِرِّ ( عَلَى أَحَدِهِمَا فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ جَوَابًا وَاسْتِدْلَالًا فَمَنَعَهُ الْآمِدِيُّ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ اسْتِقْرَارَ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ يَتَضَمَّنُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ فَيَمْتَنِعُ اتِّفَاقُهُمْ بَعْدُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ ، وَجَوَّزَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ مُطْلَقًا وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَكْثَرِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَدِلَّةِ الِاعْتِبَارِ ، وَتَضَمُّنُ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِكُلٍّ مِنْ شِقَّيْ الْخِلَافِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ وَقِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُمْ فِي الِاخْتِلَافِ قَاطِعًا فَلَا يَجُوزُ حَذَرًا مِنْ إلْغَاءِ الْقَاطِعِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ إجْمَاعُهُمْ ( حُجَّةً ) فِي هَذِهِ ( أَظْهَرُ ) مِنْ كَوْنِ الْإِجْمَاعِ فِي الْأُولَى ( إذْ لَا قَوْلَ لِغَيْرِهِمْ مُخَالِفٌ لَهُمْ ) فِي هَذِهِ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ مِنْهُمْ أَوَّلًا ( بَعْدَ الرُّجُوعِ ) عَنْهُ ثَانِيًا إلَى قَوْلِ

الْبَاقِينَ ( لَمْ يَبْقَ مُعْتَبَرًا ) حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ الْعَمَلُ بِهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ عَنْهُ ( فَهُوَ ) أَيْ الْقَوْلُ الَّذِي اسْتَمَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ وَرَجَعَ الْبَاقُونَ إلَيْهِ ( اتِّفَاقُ كُلِّ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ مَا ) أَيْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ( قَبْلَهَا ) فَإِنَّ الْقَوْلَ الَّذِي انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ ( يُعْتَبَرُ فَهُمْ ) أَيْ الْمُجْمِعُونَ عَلَى خِلَافِهِ فِي الْعَصْرِ الَّذِي بَعْدَهُ ( كَبَعْضِ الْأُمَّةِ ) فَإِنْ قِيلَ إنْ أَرَدْتُمْ يُعْتَبَرُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخَالِفِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُقَلِّدٌ فَمُسَلَّمٌ ، وَكَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُخْتَلِفِينَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى مُقَابِلِهِ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقَابِلِهِ فَمَمْنُوعٌ بَلْ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا فِي هَذِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ فِي الْحُجَّةِ ظُهُورًا وَأَظْهَرِيَّةً قُلْنَا نَخْتَارُ الثَّانِيَ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقَابِلِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا كَمَا فِي هَذِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ بِخِلَافِ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ مَسْأَلَةِ إنْكَارِ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَسْبُوقِ بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَظَهَرَ وَجْهُ الْأَظْهَرِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِمَزِيدِ الْقُوَّةِ فِيهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ أَمَّا عَلَى اشْتِرَاطِهِ فَجَائِزٌ وُقُوعُهُ وَيَكُونُ حُجَّةً إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَعَارُضِ الْإِجْمَاعَيْنِ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ إجْمَاعِهِمْ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِذَا جَازَ الرُّجُوعُ فِي الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَفِي الْمُخْتَلِفِ فِيهِ أَوْلَى

وَالشَّرْطُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ إنْ رَجَعَ الْجَمِيعُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْقَرِضَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْبَاقِينَ إجْمَاعًا ؟ فَاخْتَارَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالصَّفِّيُّ الْهِنْدِيُّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا لَا بِالْمَوْتِ وَالْكُفْرِ بَلْ لِكَوْنِهِ قَوْلَ كُلِّ الْأُمَّةِ وَصَحَّحَ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فَالْبَاقُونَ بَعْضُ الْأُمَّةِ لَا كُلُّهَا وَجَزَمَ بِهِ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهُ الرَّاجِحُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِيهِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ إنْ لَمْ يُسَوِّغُوا فِيهِ الِاخْتِلَافَ صَارَ حُجَّةً ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُتَمَسِّكَةَ بِالْحَقِّ لَا يَخْلُو مِنْهَا زَمَانٌ وَقَدْ شَهِدَتْ بِبُطْلَانِ قَوْلِ الْمَنْقُوضَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا حَقًّا ، وَإِنْ سَوَّغُوا فِيهِ الِاجْتِهَادَ لَمْ يَصِرْ إجْمَاعًا لِإِجْمَاعِ الطَّائِفِينَ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ ، وَهَذَا مِنْ قَائِلِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ بَعْدَ الْخِلَافِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ ، وَأَمَّا إجْمَاعُهُمْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ خِلَافِهِمْ فَإِجْمَاعٌ .

( مَسْأَلَةٌ ) مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ عَلَى أَنَّهُ ( لَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( عَدَدُ التَّوَاتُرِ ؛ لِأَنَّ ) الدَّلِيلَ ( السَّمْعِيَّ ) لِحُجِّيَّتِهِ ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْأَقَلَّ مِنْهُمْ لِكَوْنِهِمْ كُلَّ الْأُمَّةِ ( وَالْعَقْلِيُّ ) لِحُجِّيَّتِهِ ( وَهُوَ أَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ لَمْ يَحْصُلْ ) الْإِجْمَاعُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَحْكُمُ بِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْقَطْعِ فِي شَرْعِيٍّ بِمُجَرَّدِ تَوَاطُؤٍ عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ بَلْ لَا يَكُونُ قَطْعُهُمْ إلَّا عَنْ نَصٍّ قَاطِعٍ بَلَغَهُمْ فِيهِ يُوجِبُ ذَلِكَ الْحُكْمَ ( لَمْ يَصِحَّ ) مُثْبَتًا لِاشْتِرَاطِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي حُجِّيَّتِهِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي ، وَأَمَّا مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَنْ قَاطِعٍ لَمَا حَصَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَدِ التَّوَاتُرِ فَإِنَّ انْتِفَاءَ حُكْمِ الْعَادَةِ فِي غَيْرِهِ ظَاهِرٌ ا هـ .
غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ فِي حَيِّزِ الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي انْتِهَاضِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ دُونَ انْتِهَاضِهِ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ ( وَإِذَنْ ) أَيْ وَإِذْ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِي الْمُجْمِعِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( لَا إشْكَالَ فِي تَحَقُّقِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( لَوْ لَمْ يَكُنْ ) ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ ( لَا ) اتِّفَاقَ ( اثْنَيْنِ ) عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فِي عَصْرٍ إذَا انْفَرَدَا فِيهِ كَأَنَّهُ لِوُجُودِ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ لُغَةً الِاتِّفَاقُ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِنْ اثْنَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ فِيهِ خِلَافًا أَيْضًا فَفِي التَّحْقِيقِ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَأَقَلَّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ وَإِلَيْهِ

يُشِيرُ عِبَارَةُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَاتَّفَقُوا قَوْلًا أَوْ فَتْوًى مِنْ الْبَعْضِ مَعَ سُكُوتِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ ( فَلَوْ اتَّحَدَ ) أَيْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَصْرِ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَاحِدٌ ( فَقِيلَ ) قَوْلُهُ ( حُجَّةٌ ) جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ ( لِتَضَمُّنِ السَّمْعِيِّ ) السَّابِقِ فِي بَيَانِ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( عَدَمَ خُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ الْأُمَّةِ ) مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ أَيْضًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ إبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } فَيَدْخُلُ تَحْتَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً ( وَقِيلَ لَا ) يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً ( لِأَنَّ الْمَنْفِيَّ عَنْهُ الْخَطَأُ الِاجْتِمَاعُ ) الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَأَلْت رَبِّي أَنْ لَا تَجْتَمِعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَسَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ ) حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ الْإِجْمَاعَ ( وَهُوَ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( مُنْتَفٍ ) فِي الْوَاحِدِ إذْ لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاعٌ وَلَيْسَ هُوَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَنَصَّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَالسُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَإِطْلَاقُ الْأُمَّةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ مَجَازٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى الْجَمَاعَةِ حَقِيقَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ارْتِكَابِ الْمَجَازِ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِتَعْظِيمِهِ ارْتِكَابَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُقْتَدَى فَهِيَ فُعْلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ كَالرِّحْلَةِ وَالنُّخْبَةِ ، مِنْ أَمَّهُ إذَا قَصَدَهُ وَاقْتَدَى بِهِ فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَأُمُّونَهُ لِلِاسْتِفَادَةِ وَيَقْتَدُونَ بِسِيرَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنِّي جَاعِلُك لِلنَّاسِ إمَامًا } وَكُنْت عَرَضْت عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ فَأَجَابَ

بِأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ لَهُ آخِرًا مَعَ عَدَمِ تَعَقُّبِهِ فَإِنَّ الْعَادَةَ فِي حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ مَعَ دَلَائِلِهَا مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَى اخْتِيَارِ أَحَدِهَا وَلَا تَعَقُّبِ دَلِيلِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ هُوَ الْآخَرُ وَفِي حِكَايَتِهَا بِلَا دَلِيلٍ أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ الْأَوَّلَ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ غَيْرَهُ الْمُخْتَارُ .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يُشْتَرَطُ ( فِي حُجِّيَّتِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( مَعَ الْأَكْثَرِ ) أَيْ مَعَ كَوْنِ الْمُجْمِعِينَ أَكْثَرَ مُجْتَهِدِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَالْأَوْضَحُ وَلَا فِي حُجِّيَّتِهِ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ ( عَدَدُهُ ) أَيْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ ( فِي الْأَقَلِّ ) الَّذِينَ لَمْ يُوَافِقُوا الْمُجْتَهِدِينَ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ الْأَقَلُّ يَبْلُغُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ ( فَلَا ) يَكُونُ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً أَصْلًا أَيْ لَا يُفَصَّلُ هَذَا التَّفْصِيلُ مِنْ أَنَّهُ إنْ بَلَغَ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مَنَعَ خِلَافُهُمْ انْعِقَادَ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ لَمْ يَمْنَعْ كَمَا هُوَ مَعْزُوٌّ إلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ الَّذِي يَصِحُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ ( وَمُطْلَقًا ) أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ كَوْنُ الْأَقَلِّ عَدَدًا مَخْصُوصًا كَعَدَدِ التَّوَاتُرِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا كَمَا عَزَاهُ فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ ( لِابْنِ جَرِيرٍ ) وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ ( وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ ) أَيْ أَبِي الْحُسَيْنِ الْحَنَّاطِ أُسْتَاذِ الْكَعْبِيِّ كَمَا فِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَغَيْرِهِ ( وَنَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ ) أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ ( وَقَالَ ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( الْجُرْجَانِيُّ وَالرَّازِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) عَلَى مَا فِي الْكَشْفِ أَيْضًا ( أَنْ سَوَّغَ الْأَكْثَرُ اجْتِهَادَ الْأَقَلِّ كَخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ ) أَيْ فِي قِتَالِهِمْ ( فَلَا ) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ ( بِخِلَافِ ) مَنْ لَمْ يُسَوِّغْ الْأَكْثَرُ اجْتِهَادَهُ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ وَلَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً ظَنِّيَّةً كَخِلَافِ ( أَبِي مُوسَى ) الْأَشْعَرِيِّ ( فِي نَقْضِ النَّوْمِ ) حَيْثُ لَا يَنْقُضُ كَمَا أَخْرَجَ مَعْنَاهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَنَقَلَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا وَصَحَّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ ابْنُ

الْمُسَيِّبِ قُلْت وَلَفْظُ السَّرَخْسِيِّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خَالَفَ الْجَمَاعَةَ فَإِنْ سَوَّغُوا لَهُ ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ خِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلصَّحَابَةِ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ بِدُونِ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حِلِّ التَّفَاضُلِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ هَذَا الِاجْتِهَادَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ فَكَانَ الْإِجْمَاعُ ثَابِتًا بِدُونِ قَوْلِهِ .
وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْإِمْلَاءِ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ ا هـ فَجَعَلَ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةً فِي خِلَافِ الْوَاحِدِ لَا غَيْرُ وَاَلَّذِي فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ مَنْ يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُ فَقَائِلُونَ جَمَاعَةٌ يَمْتَنِعُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ اعْتِقَادِهِمْ فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُمْ مُشْتَمِلًا عَلَى صِدْقِ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ خَالَفَهُمْ الْعَدَدُ الْقَلِيلُ الَّذِي يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِمْ أَنْ يُظْهِرُوا خِلَافَ مَا يَعْتَقِدُونَ وَلَا يُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَهُمْ فِيمَا يُظْهِرُونَهُ مِنْ اعْتِقَادِهِمْ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِدْقٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ إذَا أَظْهَرَتْ الْجَمَاعَةُ إنْكَارَ قَوْلِهِمْ وَلَمْ يُسَوِّغُوا لَهُمْ خِلَافًا ، وَإِنْ سَوَّغَتْ الْجَمَاعَةُ لِلنَّفَرِ الْيَسِيرِ خِلَافَهُمْ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ لَمْ يَكُنْ مَا قَالَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ إجْمَاعًا ، وَإِنْ خَالَفَ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ جَمَاعَةٌ مِثْلُهَا فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ مَا قَالَهُ أَوْ لَمْ يُنْكِرْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ بِقَوْلِ إحْدَى الْجَمَاعَتَيْنِ إجْمَاعٌ إذَا لَمْ

يَثْبُتْ ضَلَالُ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ إذَا خَالَفَ عَلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي وَصَفْتُمْ حَالَهَا الْعَدَدُ الْيَسِيرُ ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا كَانَ خِلَافُهُ عَلَيْهَا خِلَافًا صَحِيحًا وَلَمْ يَثْبُتْ مَعَ خِلَافِهِ إجْمَاعٌ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَذْهَبُ إلَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يَحْكِي عَنْ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَسَاقَ وَجْهَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ دَلَالَةً مِمَّا حَكَيْنَاهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فِي إثْبَاتِ خِلَافِ الْوَاحِدِ عَلَى الْجَمَاعَةِ ، ثُمَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ الْكَثْرَةِ فِي حَدٍّ يَنْعَقِدُ بِمِثْلِهَا الْإِجْمَاعُ لَوْ لَمْ يُخَالِفْهَا مِثْلُهَا فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْتَبِرُ إجْمَاعَ الْأَكْثَرِ وَهُمْ الْحَشْوِيَّةُ وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا يَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إجْمَاعٌ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا يُوجِبُهُ الدَّلِيلُ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْقَلِيلِ إذَا كَانُوا عَلَى حَدٍّ مَتَى أَخْبَرُوا عَنْ اعْتِقَادِهِمْ لِلْحَقِّ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُمْ وَوَقَعَ الْعِلْمُ بِاشْتِمَالِ خَبَرِهِمْ عَلَى صِدْقٍ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِيمَا سَلَفَ فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمَدَحَهُمْ وَذَمَّ الْكَثِيرَ فَقَالَ تَعَالَى { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ } { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إلَّا قَلِيلٌ } { فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ } { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ قِيلَ وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إذَا أَفْسَدَ النَّاسُ } وَقَالَ { سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا وَاحِدَةً } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ

وَقَدْ ارْتَدَّ أَكْثَرُ النَّاسِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنَعُوا الصَّدَقَةَ وَكَانَ الْمُحِقُّونَ الْأَقَلَّ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَكَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي زَمَنِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَةِ مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ وَأَشْبَاهِهِمَا مِنْ مُلُوكِ بَنِي مَرْوَانَ وَالْأَقَلُّ كَانُوا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ الْأَقَلِّ لَا الْأَكْثَرِ فَبَطَلَ اعْتِبَارُ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ .
فَإِنْ قِيلَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ } وَقَالَ { يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ } وَقَالَ { عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ } فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اعْتِبَارِ إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ قِيلَ لَهُ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا جَمَاعَةٌ فَلِمَ اعْتَبَرْت الْأَكْثَرَ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْخَبَرِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ يَعْنِي إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى شَيْءٍ وَخَالَفَهَا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهَا وَلَزِمَ اتِّبَاعُ الْجَمَاعَةِ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ فَأَخْبَرَ أَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ إنَّمَا يَجِبُ إذَا لَمْ يُخَالِفْهَا إلَّا الْوَاحِدُ وَالْعَدَدُ الْيَسِيرُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ } مَعْنَاهُ مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فِي أُصُولِ اعْتِقَادَاتِهَا فَلَا تَنْقُضُوهُ وَتَصِيرُوا إلَى خِلَافِهِ ، وَكُلُّ مَنْ قَالَ بِقَوْلٍ بَاطِلٍ فَقَدْ خَالَفَ الْجَمَاعَةَ وَالسَّوَادَ الْأَعْظَمَ إمَّا فِي جُمْلَةِ اعْتِقَادِهَا أَوْ تَفْصِيلِهِ ا هـ مَعَ بَعْضِ تَلْخِيصٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهِ خِلَافٌ وَتُعُقِّبَ كَمَا سَيُعْلَمُ فَهُوَ خِلَافُ مَا نَسَبَهُ صَاحِبُ الْبَدِيعِ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ مُطْلَقًا ، وَصَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرُهُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ إنْ سَوَّغَ اجْتِهَادَ الْأَقَلِّ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَوِّغُوهُ

انْعَقَدَ مَعَ خِلَافِهِ هَذَا وَنَقَلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيّ مِنْ أَنَّهُ إنْ خَالَفَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَنَقَلَ سُلَيْمُ الرَّازِيّ عَنْهُ إنْ خَالَفَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَالْمُخْتَارُ لَيْسَ ) إجْمَاعَ الْأَكْثَرِ ( إجْمَاعًا ) أَصْلًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً وَلَا ظَنِّيَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ بَلْ وَلَا دَلِيلٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ الْأَئِمَّةِ ( وَ ) الْمُخْتَارُ ( لِبَعْضِهِمْ ) وَكَأَنَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( لَيْسَ إجْمَاعًا لَكِنْ حُجَّةٌ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إصَابَتُهُمْ ) أَيْ الْأَكْثَرِ ( خُصُوصًا مَعَ عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ هُوَ الْأَكْثَرُ ( وَأَمَّا الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ إجْمَاعًا ( فَانْفِرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْعَوْلِ ) أَيْ إنْكَارُهُ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ فَلَا يَقْدَحُ ذَهَابُ عَطَاءٍ وَابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَاقِرِ وَدَاوُد وَأَصْحَابِهِ إلَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَاخْتَارَهُ ( وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ فِي جَوَازِ أَدَاءِ الصَّوْمِ ) أَيْ إنْكَارِ صِحَّةِ أَدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ ( فِي السَّفَرِ ) كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيَّةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنْ صَامَ فِي السَّفَرِ فَكَأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي الْحَضَرِ .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ ( عَدُّوهُ ) أَيْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ انْفِرَادَ هَؤُلَاءِ بِالْمَنْعِ مَعَ ذَهَابِ الْأَكْثَرِ إلَى

عَدَمِهِ ( خِلَافًا لَا إجْمَاعًا ) وَلَوْ كَانَ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ إجْمَاعًا لَعَدُّوا قَوْلَ الْأَكْثَرِ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ إجْمَاعًا ( وَأَيْضًا فَالْأَدِلَّةُ إنَّمَا تُوجِبُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ ( فِي الْأُمَّةِ ) أَيْ حُجِّيَّةُ إجْمَاعِهِمْ ( غَيْرُ مَعْقُولٍ لُزُومُ إصَابَتِهِمْ ) فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ مُخَالِفًا لَهُمْ لَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَمَا ثَبَتَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى يَجِبُ رِعَايَةُ جَمِيعِ أَوْصَافِ النَّصِّ فِيهِ وَالنَّصُّ يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ( أَوْ ) مَعْقُولَ الْمَعْنَى لَزِمَ إصَابَتُهُمْ ( إكْرَامًا لَهُمْ ) وَالْأَكْثَرُ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ ( وَاسْتِدْلَالُ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ لَهُمْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ } مُفَادُهُ مَنْعُ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ ) إلَى عَدَمِهَا ( مِنْ شَذَّ الْبَعِيرُ ) وَنَدَّ إذَا تَوَحَّشَ بَعْدَ مَا كَانَ أَهْلِيًّا فَالشَّاذُّ مَنْ خَالَفَ بَعْدَ الْمُوَافَقَةِ لَا مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُوَافِقْ ابْتِدَاءً لَا عِبْرَةَ بِعَدَمِ وِفَاقِهِ فَإِذَنْ ( فَالْجَمَاعَةُ الْكُلُّ ، وَكَذَا السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ) الْمُرَادُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ مُتَابَعَةُ الْأَكْثَرِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ ، ثُمَّ خَالَفَ الْبَعْضُ لِشُبْهَةٍ اعْتَرَضَتْ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالسَّوَادُ الْأَعْظَمُ الْكُلُّ إذْ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا دُونَهُ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كُلِّهَا ( وَبِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ ) أَيْ وَاسْتِدْلَالِ الْمُكْتَفِي بِالْأَكْثَرِ بِاعْتِمَادِ الْأُمَّةِ عَلَى إجْمَاعِ الْأَكْثَرِ ( فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ خِلَافِ عَلِيٍّ وَ ) سَعْدِ ( بْنِ عُبَادَةَ وَسَلْمَانَ فَلَمْ يَعْتَدُّوهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةُ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ اعْتِدَادِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَتِهِ إنَّمَا هُوَ ( بَعْدَ رُجُوعِهِمْ ) أَيْ هَؤُلَاءِ إلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ ؛ لِأَنَّ بِرُجُوعِهِمْ تَقَرَّرَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافَتِهِ ( وَقَبْلَهُ ) أَيْ رُجُوعِهِمْ خِلَافَتُهُ ( صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِي الِانْعِقَادِ ) أَيْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ ( بِبَيْعَةِ الْأَكْثَرِ ) إذْ هِيَ كَافِيَةٌ فِي انْعِقَادِهَا بَلْ هِيَ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ كَافِيَةٌ ( لَا ) أَنَّ خِلَافَتَهُ ( مُجْمَعٌ عَلَيْهَا ) وَقْتَئِذٍ فَلَمْ يَتِمَّ دَعْوَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَنْعَقِدُ بِالْأَكْثَرِ ، ثُمَّ بَقِيَ مَا وَجْهُ قَائِلٍ إنْ لَمْ يَبْلُغْ الْأَقَلُّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ يَكُونُ حُجَّةً قَطْعِيَّةً ، وَإِنْ بَلَغَ لَا يَكُونُ حُجَّةً أَصْلًا وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مَا أَفَادَنِيهِ الْمُصَنِّفُ إمْلَاءً وَهُوَ أَنَّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْقَطْعُ فَلَوْ كَانَ مُخَالِفَهُ إجْمَاعًا لَوَقَعَ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَهُوَ مُحَالٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ أَهْلُ التَّوَاتُرِ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى الْحِسِّ لَا مَا قَالُوهُ عَنْ رَأْيٍ وَاجْتِهَادٍ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قُلْت ثُمَّ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُفِيدَ الظَّنُّ وَلَا يَلْزَمَ مِنْهُ الْقَطْعُ بِالنَّقِيضَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( عَدَالَةُ الْمُجْتَهِدِ فِي ) الْقَوْلِ ( الْمُخْتَارِ لِلْآمِدِيِّ ) وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمَنْخُولِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْعَدْلِ ( لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( لَا تُوقِفُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ ( عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى عَدَالَتِهِ ( وَالْحَنَفِيَّةُ تَشْتَرِطُ ) عَدَالَةَ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْمُجْتَهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْجَصَّاصُ وَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَعَزَاهُ السَّرَخْسِيُّ إلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَى كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وَصَاحِبُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ وَالسُّبْكِيُّ إلَى الْجُمْهُورِ ( لِأَنَّ الدَّلِيلَ ) الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( يَتَضَمَّنُهَا ) أَيْ الْعَدَالَةَ ( إذْ الْحُجِّيَّةُ ) الثَّابِتَةُ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ إنَّمَا هِيَ ( لِلتَّكْرِيمِ ) لَهُمْ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِهَا لَهُمْ بِمَعْنًى مَعْقُولٍ ( وَلِوُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِي إخْبَارِهِ ) أَيْ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } الْآيَةَ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَامَى الْكَذِبُ غَالِبًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُظْهِرٍ لَهُ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ عُلِمَ فِسْقُهُ حَتَّى تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهَذَا عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَةِ أَصْلًا وَلَا عَنْ الْأَهْلِيَّة لِلْكَرَامَةِ بِسَبَبِ الدِّينِ أَلَا يَرَى أَنَّا نَقْطَعُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَمُوتُ مُؤْمِنًا مُصِرًّا عَلَى فِسْقِهِ أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ فَإِذَا كَانَ أَهْلًا لِلْكَرَامَةِ بِالْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ فَكَذَلِكَ

فِي الدُّنْيَا بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ فِي الْإِجْمَاعِ ( وَقِيلَ ) أَيْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ ( يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْعَدْلِ ( فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ كَإِقْرَارِهِ ) أَيْ كَمَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِالْمَالِ وَالْجِنَايَاتِ فَيَكُونُ إجْمَاعُ الْعُدُولِ حُجَّةً عَلَيْهِ إنْ وَافَقَهُمْ لَا إذَا خَالَفَهُمْ وَعَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا الْقَوْلُ نَظَرًا إلَى هَذَا الْقِيَاسِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ إقْرَارَهُ مُعْتَبَرٌ مِنْهُ ( فِيمَا عَلَيْهِ وَهَذَا ) أَيْ وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِ هُنَا ( لَهُ ) لَا عَلَيْهِ ( إذْ يَنْتَفِي ) بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ ( حُجِّيَّتُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ فَيَحْصُلُ لَهُ شَرَفُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَالِاعْتِبَارِ بِمَقَالِهِ فَانْتَفَتْ صِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ إذَا خَالَفَ يُسْأَلُ عَنْ مَأْخَذِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْمِلَهُ فِسْقُهُ عَلَى الْفُتْيَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُحْتَمَلًا اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَالَةِ الْمُجْتَهِدِينَ ( يُبْتَنَى شَرْطُ عَدَمِ الْبِدْعَةِ ) فِيهِ أَيْضًا ( إذَا لَمْ يَكْفُرْ بِهَا ) أَيْ بِالْبِدْعَةِ ( كَالْخَوَارِجِ ) إلَّا الْغُلَاةَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَبَاحِثِ الْخَبَرِ وَلَمْ يَكْفُرُوا بِبِدْعَتِهِمْ ( وَالْحَنَفِيَّةُ ) قَالُوا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْبِدْعَةِ ( إذَا دَعَا إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَقَصِّيًا ) وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ الْحَقِّ عِنْدَ ظُهُورِ الدَّلِيلِ بِنَاءً عَلَى مَيْلٍ إلَى جَانِبٍ ( يُوجِبُ خِفَّةَ سَفِيهٍ فَيُتَّهَمُ ) فِي أَمْرِ الدِّينِ فَإِنْ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا يَكُونُ قَوْلُهُ فِي غَيْرِ بِدْعَتِهِ مُعْتَبَرًا فِي انْعِقَادِ الْجِمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَلِذَا كَانَ مَقْبُولُهَا فِي الْأَحْكَامِ لَا فِي بِدْعَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُضَلِّلُ لِمُخَالَفَتِهِ نَصًّا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَكُلُّ قَوْلٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ ،

وَكَذَا إنْ كَفَرَ بِهَوَاهُ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأُمَّةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ مُطْلَقًا ، ثُمَّ هَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمُتَابِعُوهُ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِالْهَوَى وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُظْهِرٍ لَهُ لَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِيمَا يُضَلِّلُ فِيهِ وَيُعْتَبَرُ فِيمَا سِوَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مُظْهِرًا لَهُ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قُبِلَتْ بِهِ شَهَادَتُهُ لَا يُوجَدُ هُنَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَلَى مَا قَالَ مُحَمَّدٌ قَوْمٌ عَظَّمُوا الذُّنُوبَ حَتَّى جَعَلُوهَا كُفْرًا لَا يُتَّهَمُونَ بِالْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُؤْتَمَنُونَ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمُوَافَقَةِ الضُّلَّالِ لِأَهْلِ الْحَقِّ فِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي هُوَ حُجَّةُ اللَّهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَقِّ الَّذِينَ لَمْ يَثْبُتْ فِسْقُهُمْ وَلَا ضَلَالُهُمْ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( وَالْحَقُّ إطْلَاقُ مَنْعِ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ لَهُمْ ) فِي اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ صَيْرُورَةَ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَمُوَافِقُهُ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيِّ قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِجْمَاعِ وِفَاقُ الْقَدَرِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَلَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي الْفِقْهِ ، وَإِنْ اُعْتُبِرَ فِي الْكَلَامِ هَكَذَا رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ وَالْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَذَكَرَ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ الْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ

أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَاسْتَقْرَاهُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ .
وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَرْجُوحِيَّةُ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ قَوْلِهِ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الْكَذِبِ لَا أَنَّهُ الصَّحِيحُ كَمَا قَالَهُ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُ الْبِدْعَةِ الْمُفَسِّقَةِ مَانِعَةٌ مِنْ اعْتِبَارِ قَوْلِ صَاحِبِهَا ( لَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ الرَّوَافِضِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافَةِ الشُّيُوخِ ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالِ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ فَسَقَةٌ ( وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ ) أَيْ عَدَمُ اعْتِبَارِ خِلَافِ الرَّافِضَةِ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ ( لِتَقَرُّرِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافَتِهِمْ ( قَبْلَهُمْ ) أَيْ قَبْلَ وُجُودِ الرَّافِضَةِ ( فَعَصَوْا ) أَيْ الرَّافِضَةُ ( بِهِ ) أَيْ بِخِلَافِهِمْ لَهُ لَا أَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ بِنَاءٌ عَلَى فِسْقِهِمْ ( وَخِلَافُ الْخَوَارِجِ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( خِلَافُ الْحُجَّةِ ) الَّتِي هِيَ دَلِيلٌ ظَنِّيٌّ ( لَا ) خِلَافُ ( إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ) الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْمُخَالِفِينَ مُجْتَهِدٌ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ كَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُجْتَهِدٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُخَالِفِينَ كَمُعَاوِيَةَ وَابْنِ الْعَاصِ مُجْتَهِدٌ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ الْإِجْمَاعِ حِينَئِذٍ ( وَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ هَذَا التَّعْقِيبُ ( إبْطَالُ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ ) أَيْ كَوْنُ عَدَمِ اعْتِبَارِ خِلَافِ الرَّافِضَةِ فِي خِلَافَةِ الشُّيُوخِ لِفِسْقِهِمْ ( وَالْمَطْلُوبُ ) أَيْ اشْتِرَاطُ عَدَمِ فِسْقِ الْمُجْمِعِينَ ( ثَابِتٌ بِالْأَوَّلِ ) وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ يَتَضَمَّنُ الْعَدَالَةَ إذْ الْحُجِّيَّةُ لِلتَّكْرِيمِ وَمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْرِيمِ وَاَللَّهُ

سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يُشْتَرَطُ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيَّةِ ( كَوْنُهُمْ ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ ( الصَّحَابَةَ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ ) فَقَالُوا الْإِجْمَاعُ اللَّازِمُ يَخْتَصُّ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ فَأَمَّا إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ( وَلِأَحْمَدَ قَوْلَانِ ) أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالظَّاهِرِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ أَصْحَابِهِ لَا كَالْجُمْهُورِ ( لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ) الْمُفِيدَةِ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعِ ( مَنْ سِوَاهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ فَلَا مُوجِبَ لِتَخْصِيصِهَا بِإِجْمَاعِهِمْ ( قَالُوا ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوَّلًا انْعَقَدَ ( إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ ) قَبْلَ مَجِيءِ مَنْ بَعْدَهُمْ ( عَلَى أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ ) مِنْ الْأَحْكَامِ ( جَازَ ) الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَجَازَ ( مَا أَدَّى إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ ) مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ الْأَخْذُ بِهِ ( فَلَوْ صَحَّ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( عَلَى بَعْضِهَا ) أَيْ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا ( لَمْ يَجُزْ ) أَيْ الِاجْتِهَادُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ إجْمَاعًا وَلَا الْأَخْذُ بِغَيْرِ مَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ( فَيَتَعَارَضُ الْإِجْمَاعَانِ ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ الْمُفِيدُ أَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ لَا يَجُوزُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ .
( وَالْجَوَابُ ) أَنَّ الصَّحَابَةَ ( أَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوطَةٍ ) عَامَّةٍ ( أَيْ ) يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيمَا لَا قَاطِعَ فِيهِ ( مَا دَامَ لَا قَاطِعَ فِيهِ ) فَلَمْ يَتَنَاقَضْ الْإِجْمَاعَانِ ؛ لِأَنَّ مَا لَا قَاطِعَ فِيهِ قَدْ زَالَ مِنْهُ الشَّرْطُ وَهُوَ مَا دَامَ لَا قَاطِعَ فِيهِ لِحُصُولِ الْقَاطِعِ فِيهِ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الثَّانِي فَزَالَ الْحُكْمُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ ( قَالُوا ) أَيْ الظَّاهِرِيَّةُ ثَانِيًا ( لَوْ اُعْتُبِرَ ) إجْمَاعُ غَيْرِ الصَّحَابَةِ ( اُعْتُبِرَ ) أَيْضًا إجْمَاعُ غَيْرِهِمْ ( مَعَ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَ خِلَافٌ ) مُسْتَقِرٌّ ؛

لِأَنَّهُ إذَا جَازَ اعْتِبَارُهُ مَعَ عَدَمِ قَوْلِ الصَّحَابَةِ فَلْيَجُزْ مَعَ مُوَافَقَةِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ مُخَالَفَةَ بَعْضِهِمْ لَا تَصْلُحُ مُعَارِضًا لِإِجْمَاعِ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ وَاللَّازِمَ مُنْتَفٍ لِاشْتِرَاطِكُمْ عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ .
( الْجَوَابُ إنَّمَا يَلْزَمُ ) هَذَا لَازِمًا لِهَذَا الْقَوْلِ مَعَ بُطْلَانِهِ ( مِنْ شَرَطَ عَدَمِ سَبْقِ الْخِلَافِ الْمُتَقَرِّرِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ ) فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ لِفَقْدِ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ لَكِنَّ هَذَا إذَا سُلِّمَ الْمُلَازَمَةُ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ( لَا ) أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ هَذَا لَازِمًا بَاطِلًا ( مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) عَدَمَ سَبْقِ خِلَافٍ مُتَقَرِّرٍ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( أَوْ جَعَلَ الْوَاحِدَ ) أَيْ خِلَافَهُ ( مَانِعًا ) مِنْ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِمَنْ سِوَاهُ بَلْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ هَذَا غَيْرَ قَائِلٍ بِبُطْلَانِهِ إذْ هُوَ يَمْنَعُ بُطْلَانَ اللَّازِمِ ( وَيُعْتَبَرُ التَّابِعِيُّ الْمُجْتَهِدُ فِيهِمْ ) أَيْ فِي الصَّحَابَةِ عِنْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ ( وَأَمَّا مَنْ بَلَغَ ) مِنْ التَّابِعِينَ ( دَرَجَتَهُ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ ( بَعْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ فَاعْتِبَارُهُ ) أَيْ ذَلِكَ فِيهِمْ ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِيهِمْ مَبْنِيٌّ ( عَلَى اشْتِرَاطِ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ ) فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ فِي حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ فَمَنْ اشْتَرَطَهُ اعْتَبَرَهُ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قُلْت إلَّا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ فَائِدَةُ الِاشْتِرَاطِ جَوَازُ رُجُوعِ بَعْضِ الْمُجْمِعِينَ وَدُخُولِ مُجْتَهِدٍ يَحْدُثُ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ .
أَمَّا مَنْ قَالَ فَائِدَتُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ لَا غَيْرُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَعْتَبِرَهُ

أَيْضًا ( وَقِيلَ ) أَيْ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ ( لَا يُعْتَبَرُ ) التَّابِعِيُّ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُجْتَهِدًا عِنْدَ انْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ ( لَنَا ) عَلَى اعْتِبَارِ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ فِيهِمْ ( لَيْسُوا ) أَيْ الصَّحَابَةُ ( كُلَّ الْأُمَّةِ دُونَهُ ) أَيْ التَّابِعِيِّ الْمُجْتَهِدِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُمْ إلَّا فِي رِوَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الْحَقِّ مَعَهُمْ دُونَهُ وَلَا خُرُوجَهُ مِنْ الْأُمَّةِ وَالْعِصْمَةُ إنَّمَا هِيَ لِلْكُلِّ ( وَاسْتُدِلَّ لِهَذَا ) الْمُخْتَارِ ( بِأَنَّ الصَّحَابَةَ سَوَّغُوا لَهُمْ ) أَيْ لِلتَّابِعِينَ الِاجْتِهَادَ ( مَعَ وُجُودِهِمْ ) فَقَدْ مَلَأَ شُرَيْحٌ الْكُوفَةَ أَقْضِيَةً وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ بِالْمَدِينَةِ فَتَاوًى وَهِيَ مَشْحُونَةٌ بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا عَطَاءٌ بِمَكَّةَ وَالْحَسَنُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ بِالْبَصْرَةِ وَلَوْلَا اعْتِبَارُ قَوْلِهِمْ وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ أَنْفُسِهِمْ لَمَا سَوَّغُوا لَهُمْ .
( قُلْنَا إنَّمَا يَتِمُّ ) الِاسْتِدْلَال بِهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ قَوْلِهِمْ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ ( لَوْ نُقِلَ تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ ) أَيْ التَّابِعِينَ ( مَعَ إجْمَاعِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( وَلَمْ يَثْبُتْ ) تَسْوِيغُ خِلَافِهِمْ إلَّا مَعَ اخْتِلَافِهِمْ ( كَالْمَنْقُولِ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ( تَذَاكَرْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ لِوَفَاةِ زَوْجِهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَبْعَدَ الْأَجَلَيْنِ ، وَقُلْت أَنَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ ) وَلَيْسَ هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ اتِّفَاقَهُمْ لَوْ مَنَعَهُمْ الِاجْتِهَادَ لَسَأَلُوا عَنْهُ قَبْلَ إقْدَامِهِمْ وَكَانُوا لَا يَسْأَلُونَ

قَطْعًا ا هـ وَلَيْسَ الْقَطْعُ بِانْتِفَاءِ السُّؤَالِ بِسَهْلٍ ، ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالتَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي تَابِعِ التَّابِعِينَ مَعَ الصَّحَابَةِ أَيْضًا .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ ( بِأَهْلِ الْبَيْتِ النَّبَوِيِّ ) وَهُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ { لَمَّا نَزَلَ { إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } أَلْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ كِسَاءً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي وَخَاصَّتِي اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمْ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا } ( وَحْدَهُمْ ) مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ لَهُمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ ( خِلَافًا لِلشِّيعَةِ ) وَاقْتَصَرَ فِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى الزَّيْدِيَّةِ وَالْإِمَامِيَّةِ فَإِنَّ إجْمَاعَهُمْ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ لِلْآيَةِ فَإِنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا عَنْهُمْ فَيَكُونُ إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّ الْخَطَأَ رِجْسٌ ، وَإِنَّمَا الرِّجْسُ الْعَذَابُ أَوْ الْإِثْمُ أَوْ كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ وَمُسْتَنْكَرٍ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْبَيْتِ هُمْ مَعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا وَهُوَ { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ } إلَخْ وَمَا بَعْدَهَا وَهُوَ { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ } الْآيَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الْعِتْرَةِ وَحْدَهُمْ حُجَّةٌ .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يَنْعَقِدُ ( بِالْأَرْبَعَةِ ) الْخُلَفَاءِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ ( عِنْدَ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ ( حَتَّى رَدَّ ) مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ( عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا ) فِي خِلَافَةِ الْمُعْتَضِدِ بِاَللَّهِ لِكَوْنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى ذَلِكَ ( بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا ) أَيْ بِتِلْكَ الْأَمْوَالِ ( لِبَيْتِ الْمَالِ لِنَفَاذِهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ بِرَدِّهَا وَقَبِلَ الْمُعْتَضِدُ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى الْآفَاقِ وَكَانَ ثِقَةً دَيِّنًا وَرِعًا عَالِمًا بِمَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ أَصْلُهُ مِنْ الْبَصْرَةِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَأَخَذَ عَنْ هِلَالٍ الرَّاوِي وَأَخَذَ عَنْهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَغَيْرُهُمَا .
وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالشَّامِ وَالْكُوفَةِ وَالْكَرْخِ مِنْ بَغْدَادَ وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يَنْعَقِدُ ( بِالشَّيْخَيْنِ ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا أَوْ تَوَقُّفِهِمْ أَوْ عَدَمِ سَمَاعِهِمْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ ) الْمُفِيدَةَ لِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( تُوجِبُ وَقْفَهُ ) أَيْ تَحَقُّقِ الْإِجْمَاعِ ( عَلَى غَيْرِهِمْ ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَيْتِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَغَيْرِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ( وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ } ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا هُوَ حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فَيَنْتَفِي عَنْهُمَا الْخَطَأُ وَلَمَّا لَمْ يَجِبْ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا حَالَ اخْتِلَافِهِمَا وَجَبَ حَالَ اتِّفَاقِهِمَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ } ) الْمَهْدِيِّينَ عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْعَزِيمَةِ وَأَنَّهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَنَّهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيَّنَّا دَلِيلَهُ ثَمَّةَ كَمَا هَذَا حُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ حَثَّ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ فَيَنْتَفِي عَنْهُمْ الْخَطَأُ .
( أُجِيبُ : يُفِيدَانِ ) أَيْ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ ( أَهْلِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ ) أَيْ أَهْلِيَّةَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَرْبَعَةِ لِاتِّبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ ( لَا مَنْعَ الِاجْتِهَادِ ) لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ هَذَا الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ ( أَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ

الِاقْتِدَاءَ فِيهِمَا ( مَعَ إيجَابِهِ ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ مُفِيدٌ حُجِّيَّةَ قَوْلِهِمَا وَقَوْلِهِمْ عَلَى كُلِّ مُجْتَهِدٍ سِوَاهُمْ الَّذِي هُوَ الْمَطْلُوبُ ( إلَّا أَنْ يُدْفَعَ بِأَنَّهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( آحَادٌ ) فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْقَطْعُ بِكَوْنِ إجْمَاعِهِمَا أَوْ إجْمَاعِهِمْ حُجَّةً قَطْعِيَّةً ؛ لِأَنَّ الظَّنِّيَّ لَا يُفِيدُ الْقَطْعَ ( وَبِمُعَارَضَتِهِ ) أَيْ وَأُجِيبُ أَيْضًا بِمُعَارَضَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا { بِأَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ } ( { وَخُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ } ) أَيْ عَائِشَةَ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ الْأَخْذِ بِقَوْلِ كُلِّ صَحَابِيٍّ وَقَوْلِ عَائِشَةَ ، وَإِنْ خَالَفَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ ( إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ ) أَيْ { أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ } ( لَمْ يُعْرَفْ ) بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَزْمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْكُبْرَى مَكْذُوبٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ وَإِلَّا فَلَهُ طُرُقٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ أَقْرَبُهَا إلَى اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فَبِأَيِّهِمْ أَخَذْتُمْ بِقَوْلِهِ اهْتَدَيْتُمْ } .
وَمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي مَثَلُ النُّجُومِ فَبِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ } نَعَمْ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَالْبَزَّارُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْكَلَامُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ

مُنْقَطِعٍ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يُؤَدِّي بَعْضَ مَعْنَاهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَرْفُوعُ { النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتْ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُونَ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَالثَّانِي ) أَيْ { خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنْ الْحُمَيْرَاءِ } مَعْنَاهُ ( إنَّكُمْ سَتَأْخُذُونَ ) فَلَا يُعَارِضَانِ الْأَوَّلَيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا لَا يُعَارِضَانِهِمَا ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا أَعْرِفُ لَهُ إسْنَادًا وَلَا رَأَيْته فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ ذَكَرَهُ فِي مَادَّةِ " ح م ر " وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ وَرَأَيْته أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفِرْدَوْسِ لَكِنْ بِغَيْرِ لَفْظِهِ ذَكَرَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِغَيْرِ إسْنَادٍ أَيْضًا وَلَفْظُهُ { خُذُوا ثُلُثَ دِينِكُمْ مِنْ بَيْتِ الْحُمَيْرَاءِ } وَنَصَّ لَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ فَلَمْ يُخَرِّجْ لَهُ إسْنَادًا وَذَكَرَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَافِظَيْنِ الْمِزِّيَّ وَالذَّهَبِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ ا هـ .
قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُلَقِّنِ وَقَالَ الْحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ لَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى سَنَدٍ إلَى الْآنَ ، .
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَاهِيَةِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ لَهَا إسْنَادٌ بَلْ قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَكَانَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ يَقُولُ كُلُّ حَدِيثٍ فِيهِ لَفْظُ الْحُمَيْرَاءِ لَا أَصْلَ لَهُ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا فِي النَّسَائِيّ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ( وَالْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ ) أَيْ دَلِيلِ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِحُجِّيَّةِ إجْمَاعِ الْأَرْبَعَةِ وَالشَّيْخَيْنِ ( الْحُجِّيَّةُ الظَّنِّيَّةُ ) أَمَّا الْحُجِّيَّةُ فَلِلطَّلَبِ الْجَازِمِ لِلِاتِّبَاعِ لَهُمْ وَلَهُمَا ، وَأَمَّا الظَّنِّيَّةُ

فَلِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ ( وَرَدُّ أَبِي خَازِمٍ ) عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ أَمْوَالًا تَرَكَهَا أَقْرِبَاؤُهُمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهَا لِبَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ كَافَّةُ مُعَاصِرِيهِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَدْ ( رَدَّهُ أَبُو سَعِيدٍ ) أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَرْذَعِيُّ مِنْ كِبَارِهِمْ وَقَالَ هَذَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَكِنْ نَقَلَ الْجَصَّاصُ عَنْ أَبِي خَازِمٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِهِ لَا أَعُدُّ زَيْدًا خِلَافًا عَلَى الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَإِذَا لَمْ أَعُدَّهُ خِلَافًا وَقَدْ حَكَمْتُ بِرَدِّ هَذَا الْمَالِ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ فَقَدْ نَفَذَ قَضَائِي بِهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ بِالنَّسْخِ وَمِنْ هُنَا قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو خَازِمٍ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ خِلَافَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَا يَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِسِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ وَوَافَقَهُ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ فِي زَمَانِهِ .

( مَسْأَلَةٌ وَلَا ) يَنْعَقِدُ ( بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ) أَيْ طَيْبَةَ ( وَحْدَهُمْ ) عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُمَّةِ ( خِلَافًا لِمَالِكٍ ) عَلَى مَا شَاعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَقَدْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ مَذْهَبَهُ ابْنُ بُكَيْر وَأَبُو يَعْقُوبَ الرَّازِيّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مَنِيَّاتٍ وَالطَّيَالِسِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الْفَرَجِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ ( قِيلَ مُرَادُهُ ) أَيْ مَالِكٍ ( أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مُقَدَّمَةٌ ) عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ وَنَقَلَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا ( وَقِيلَ ) مَحْمُولٌ ( عَلَى الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ ) أَيْ الْمُتَكَرِّرَةِ الْوُجُودِ كَثِيرًا ( كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالصَّاعِ ) وَالْمُدِّ دُونَ غَيْرِهَا وَلَفْظُ الْقَرَافِيُّ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا طَرِيقُهُ التَّوْقِيفُ حُجَّةٌ ( وَقِيلَ بَلْ ) هُوَ حُجَّةٌ ( عَلَى الْعُمُومِ ) فِي الْمَنْقُولَاتِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ الْمَغَارِبَةِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ قَالُوا وَفِي رِسَالَةِ مَالِكٍ إلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَةَ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ حَكَاهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَعَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَادَّعَى أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ جَدُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحُكِيَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ إذَا وَجَدْت مُتَقَدِّمِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا يَدْخُلُ قَلْبَك شَكٌّ أَنَّهُ الْحَقُّ وَكُلَّمَا جَاءَك شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا تَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَلَا تَعْبَأْ بِهِ فَقَدْ وَقَعْت فِي الْبِحَارِ وَاللُّجَجِ وَفِي لَفْظٍ لَهُ إذَا رَأَيْت أَوَائِلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ فَلَا تَشُكَّنَّ أَنَّهُ الْحَقُّ وَاَللَّهِ إنِّي لَك نَاصِحٌ وَاَللَّهِ إنِّي لَك نَاصِحٌ وَاَللَّهِ إنِّي

لَك نَاصِحٌ وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ضَرْبَانِ نَقْلِيٌّ وَاسْتِدْلَالِيٌّ فَالْأَوَّلُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ أَحَدُهَا نَقْلُ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ كَنَقْلِهِمْ الصَّاعَ وَالْمُدَّ وَالْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَالْأَوْقَاتَ وَالْأَخْبَارَ وَنَحْوَهُ .
ثَانِيهَا نَقْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلٍ كَعُهْدَةِ الرَّقِيقِ .
ثَالِثُهَا نَقْلُ ذَلِكَ مِنْ إقْرَارٍ كَتَرْكِهِمْ أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ الْخَضْرَاوَاتِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تُزْرَعُ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ لَا يَأْخُذُونَهَا مِنْهَا وَهَذَا النَّوْعُ حُجَّةً يَلْزَمُ عِنْدَنَا الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَتَرْكُ الْأَخْبَارِ وَالْمَقَايِيسِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ وَالثَّانِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِمُرَجَّحٍ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَدَّمْنَا عَنْهُمْ إنْكَارَ كَوْنِهِ مَذْهَبَ مَالِكٍ .
ثَانِيهَا مُرَجَّحٌ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
ثَالِثُهَا حُجَّةٌ ، وَإِنْ لَمْ يُجْزَمْ خِلَافُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْتَلَفَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالْإِقْرَارِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ نَقْلٌ مُحَصِّلٌ لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ وَإِنَّهُمْ عَدَدٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ تُحِيلُ الْعَادَةُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤَ عَلَى خِلَافِ الصِّدْقِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هَذَا سَبِيلُهُ أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ الْآحَادِ الْأَقْيِسَةَ وَالظَّوَاهِرَ ، وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي فَالْأَوْلَى فِيهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ إذَا انْفَرَدَ وَمُرَجِّحٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ وَدَلِيلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَدِينَةَ مَأْرَزُ الْإِيمَانِ وَمَنْزِلُ الْأَحْكَامِ وَالصَّحَابَةُ هُمْ الْمُشَافِهُونَ لِأَسْبَابِهَا الْمُفَاهِمُونَ لِمَقَاصِدِهَا ، ثُمَّ التَّابِعُونَ نَقَلُوهَا وَضَبَطُوهَا

وَعَلَى هَذَا فَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مِنْ حَيْثُ إجْمَاعُهُمْ بَلْ إمَّا مِنْ جِهَةِ نَقْلِهِمْ الْمُتَوَاتِرِ ، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ مُشَاهَدَتِهِمْ الْأَحْوَالَ الدَّالَّةَ عَلَى مَقَاصِدِ الشَّرْعِ قَالَ وَهَذَا النَّوْعُ الِاسْتِدْلَالِيُّ إنْ عَارَضَهُ خَبَرٌ فَالْخَبَرُ أَوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَصَارَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ الْخَبَرِ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ بِالْعِصْمَةِ إجْمَاعُ كُلِّ الْأُمَّةِ لَا بَعْضِهَا انْتَهَى .
فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ التَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ جُمْهُورُهُمْ ، وَمِنْهَا مَا يَقُولُ بِهِ بَعْضُهُمْ ، وَالْمَرَاتِبُ أَرْبَعٌ مَا يَجْرِي مَجْرَى النَّقْلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَقْلِهِمْ مِقْدَارَ الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَهَذَا حُجَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْعَمَلُ الْقَدِيمُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ أَيْضًا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى كَمَا سَلَفَ ، وَعَمَلُهُمْ الْمُوَافِقُ لِأَحَدِ دَلِيلَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ كَحَدِيثَيْنِ وَقِيَاسَيْنِ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ مُرَجِّحٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ وَعَلَيْهِ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ عَقِيلٍ ، وَمُرَجِّحٌ وَعَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ وَنَقَلَ عَنْ نَصِّ أَحْمَدَ وَالنَّقْلُ الْمُتَأَخِّرُ بِالْمَدِينَةِ ، وَالْجُمْهُورُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا ذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ ، ثُمَّ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَنْبَارِيُّ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا إجْمَاعُهُمْ حُجَّةٌ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إجْمَاعِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ حَتَّى يُفَسَّقَ الْمُخَالِفُ وَيُنْقَضَ قَضَاؤُهُ بَلْ حُجَّةٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُسْتَنِدَ إلَيْهِ مُسْتَنِدٌ إلَى مَأْخَذٍ مِنْ

مَآخِذِ الشَّرِيعَةِ كَالْمُسْتَنِدِ إلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَحْدِ ( لَنَا الْأَدِلَّةُ ) الْمُفِيدَةُ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ ( تَوَقُّفُهُ ) أَيْ تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ ( عَلَى غَيْرِهِمْ ) أَيْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ فَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمْ وَحْدَهُمْ .
( وَاسْتِدْلَالُهُمْ ) أَيْ الْمَالِكِيَّةِ ( بِأَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ الْمُنْحَصِرِ ) فِي الْمَدِينَةِ مِنْ شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ مَعَ اجْتِهَادِهِمْ ( يَتَشَاوَرُونَ وَيَتَنَاظَرُونَ ) فِي الْوَاقِعَةِ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا وَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى حُكْمٍ فِيهَا ( لَا يُجْمِعُونَ إلَّا عَنْ رَاجِحٍ ) فَيُكْتَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ وَحْدَهُمْ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ ( مَنَعَ قَضَاءَهَا ) أَيْ الْعَادَةِ ( بِهِ ) أَيْ بِإِجْمَاعِهِمْ عَنْ رَاجِحٍ دُونَ سَائِرِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُمْ الْمُخْتَصُّونَ بِهَذَا وَالْمُوجِبُ لِانْعِقَادِهِ مِنْهُمْ وَحْدَهُمْ هُوَ الِاخْتِصَاصُ ( وَدُفِعَ ) الْمَنْعِ ( بِأَنَّ الْمُرَادَ ) مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْجَمْعِ إلَخْ أَنَّ الْعَادَةَ ( قَاضِيَةٌ ) فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْحُكْمِ إلَّا ( بِاطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ عَلَى دَلِيلِهِ ( فَامْتَنَعَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ أَحَدٌ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ شَأْنَ هَذَا الْجَمْعِ أَنْ لَا يُجْمِعُوا عَلَى أَمْرٍ إلَّا بَعْدَ تَشَاوُرٍ وَتَنَاظُرٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي اطِّلَاعَهُمْ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ اطِّلَاعِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى خِلَافِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَرْجَحَ مِنْهُ ، فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ إجْمَاعِهِمْ عَلَى مَرْجُوحٍ إذْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَى دَلِيلٍ خِلَافَ قَوْلِهِمْ إذْ رُبَّ رَاجِحٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْبَعْضُ فَيُجَابُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا احْتِمَالٌ مُمْكِنٌ

بَعِيدٌ ( وَالِاحْتِمَالُ ) الْمُمْكِنُ الْبَعِيدُ ( لَا يَنْفِي الظُّهُورَ وَهَذَا ) أَيْ لَكِنَّ هَذَا الْجَوَابَ ( انْحِطَاطٌ إلَى كَوْنِهِ ) أَيْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ( حُجِّيَّةً ظَنِّيَّةً لَا ) أَنَّهُ يَكُونُ ( إجْمَاعًا ) قَطْعِيًّا وَقَدْ صَرَّحَ أَكْثَرُ الْمَغَارِبَةِ بِهِ عَلَى مَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْهُمْ فَقَالُوا وَلَيْسَ قَطْعِيًّا بَلْ ظَنِّيٌّ يُقَدَّمُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَوْلِ جُمْهُورِهِمْ بَلْ قَوْلُ جُمْهُورِهِمْ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْقُرْطُبِيِّ .
( فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ مِثْلُهُ ) أَيْ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ بِمِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ ( فِي أَهْلِ ) بَلْدَةٍ ( أُخْرَى ) كَمَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَحْدَهُمْ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِاطِّلَاعِ الْأَكْثَرِ عَلَى الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ وَيَمْتَنِعُ أَنْ لَا يَطَّلِعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَى آخِرِ مَا وَجَّهْنَاهُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ( اُلْتُزِمَ ) هَذَا ( وَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ اتِّفَاقَ مِثْلِهِمْ حُجَّةٌ يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ مِنْ خِلَافِ مِثْلِهِ ) غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ مَالِكٍ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ عَنْ الْأَنْبَارِيِّ وَلَا بَأْسَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ إذَا أَفْتَى بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ الِاجْتِهَادِيَّةِ التَّكْلِيفِيَّةِ ( أَوْ قَضَى ) بَعْضُهُمْ بِهِ وَاشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَسَكَتُوا بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ وَنَظَرِهِمْ فِيهِ ( وَلَمْ يُخَالِفْ ) فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَكَانَ ذَلِكَ ( قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ ) فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَاسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَى هَذَا ( إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ ) وَهِيَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ حِينَ يَتَبَيَّنُ لِلسَّاكِتِ الْوَجْهُ فِيهِ وَفِي الْمِيزَانِ وَأَدْنَاهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ أَيْ مَجْلِسِ بُلُوغِ الْخَبَرِ وَقِيلَ يُعْذَرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ قِيلَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ حَيْثُ قَالَ فَإِذَا اسْتَمَرَّتْ الْأَيَّامُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُظْهِرْ السَّاكِتُ خِلَافًا مَعَ الْعِنَايَةِ مِنْهُمْ بِأَمْرِ الدِّينِ وَحِرَاسَةِ الْأَحْكَامِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُظْهِرُوا الْخِلَافُ ؛ لِأَنَّهُمْ مُوَافِقُونَ لَهُمْ انْتَهَى .
لِأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ تَرْكَ إظْهَارِ الْخِلَافِ إنَّمَا يَكُونُ دَلَالَةً عَلَى الْمُوَافَقَةِ إذَا انْتَشَرَ الْقَوْلُ وَظَهَرَ وَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَوْقَاتٌ يُعْلَمُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مُخَالِفٌ لَأَظْهَرَ الْخِلَافَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى غَيْرِهِ مَقَالَتَهُ إذْ كَانَ قَدْ اسْتَوْعَبَ مُدَّةَ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ انْتَهَى .
وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ( وَلَا تَقِيَّةَ ) أَيْ خَوْفٍ يَمْنَعُ السَّاكِتَ مِنْ الْمُخَالَفَةِ ( فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ ) وَأَحْمَدَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ أَنَّ هَذَا ( إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ فِي الْفُتْيَا ( كَذَلِكَ ) أَيْ إجْمَاعٌ قَطْعِيٌّ ( لَا فِي الْقَضَاءِ ) ذَكَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُمْ

وَاَلَّذِي فِي الْمَحْصُولِ وَالْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ وَالْأَوْسَطِ لِابْنِ بَرْهَانٍ عَنْهُ إنْ كَانَ الْقَائِلُ حَاكِمًا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةَ وَإِلَّا فَنَعَمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ وَاضِحٌ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ صُدُورِهِ عَنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ فَقَدْ يُفْتِي الْحَاكِمُ تَارَةً وَيَقْضِي أُخْرَى وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إجْمَاعٌ إنْ كَانَ حُكْمًا ، غَيْرُ إجْمَاعٍ إنْ كَانَ فُتْيَا ( وَعَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ ) فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا ( وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبَانَ وَالْبَاقِلَّانِيّ وَدَاوُد وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ ) وَالْغَزَالِيُّ بَلْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ إنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْمَنْخُولِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَالسُّبْكِيُّ .
وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ نَقَلُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ السُّكُوتِيُّ لَيْسَ بِإِجْمَاعٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَذَكَرَ أَنَّهُ آخِرُ أَقْوَالِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَابْنُ بَرْهَانٍ إلَيْهِ ذَهَبَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ وَنَصَرَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْأُصُولِ وَمُقَدِّمَاتِ كُتُبِهِمْ الْمَبْسُوطَةِ فِي الْفُرُوعِ انْتَهَى .
وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّسَالَةِ أَيْضًا لَكِنْ صَرَّحَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأُمِّ بِخِلَافِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَأَنْ يُنَزَّلُ الْقَوْلَانِ عَلَى حَالَيْنِ فَالنَّفْيُ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ مِنْ حَاكِمٍ وَالْإِثْبَاتُ إذَا مَا صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ

إجْمَاعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَجَمَعَ السُّبْكِيُّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْقَطْعِيُّ وَالْمُثْبَتُ هُوَ الظَّنِّيُّ ، وَأَمَّا مُتَقَدِّمُو الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْإِجْمَاعِ إلَّا عَلَى الْقَطْعِيِّ انْتَهَى .
قُلْت وَأُخِذَ هَذَا مِنْ قَوْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَالرُّويَانِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ حُجَّةٌ وَهَلْ هُوَ إجْمَاعٌ فِيهِ وَجْهَانِ ( وَالْجُبَّائِيُّ إجْمَاعٌ بِشَرْطِ الِانْقِرَاضِ ) لِلْعَصْرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ ابْنُ فُورَكٍ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِ مَذْهَبِهِ وَالْأُسْتَاذُ أَبُو طَاهِرٍ عَنْ حُذَّاقِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَقَالَ فِي اللُّمَعِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ أَصَحُّ الْأَوْجُهِ ( وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ ) وَالْكَرْخِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَأَبِي هَاشِمٍ عَلَى مَا فِي الْقَوَاطِعِ ( إجْمَاعٌ ظَنِّيٌّ أَوْ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ ) وَقِيلَ إنْ كَانَ السَّاكِنُونَ أَقَلَّ كَانَ إجْمَاعًا وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُخْتَارُ الْجَصَّاصِ ، وَحَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ إنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ أَوْ اسْتِبَاحَةِ فَرْجٍ فَإِجْمَاعٌ وَإِلَّا فَحُجَّةٌ وَفِي كَوْنِهِ إجْمَاعًا وَجْهَانِ وَذَهَبَ الرُّويَانِيُّ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ عَصْرِهِمْ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَأَلْحَقَ الْمَاوَرْدِيُّ التَّابِعِينَ بِالصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الصَّحِيحُ ، وَصَاحِبُ الْوَافِي تَابِعِي التَّابِعِينَ بِالتَّابِعِينَ ، وَصَرَّحَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَعْصَارِ كَذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ قَالَ ( الْحَنَفِيَّةُ لَوْ شُرِطَ سَمَاعُ قَوْلِ كُلٍّ ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ ( انْتَفَى ) الْإِجْمَاعُ ( لِتَعَذُّرِهِ ) أَيْ سَمَاعِ قَوْلِ كُلٍّ ( عَادَةً ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ إذْ لَيْسَ فِي وُسْعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ السَّمَاعُ مِنْ الَّذِينَ كَانُوا

قَبْلَهُمْ بِقُرُونٍ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَذِّرَ كَالْمُمْتَنِعِ ، وَكَذَا يَتَعَذَّرُ السَّمَاعُ عَنْ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَالْوُقُوفُ عَلَى قَوْلِ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ الْبَيِّنِ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ غَيْرُ مُنْتَفٍ فَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ مُنْتَفٍ ، فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ تَعْلَمُونَ السُّكُوتِيَّ مِنْ الْقَوْلِ حِينَئِذٍ ؟ فَالْجَوَابُ بِالتَّتَبُّعِ لِكَيْفِيَّةِ وُقُوعِهِ فَمَا تُتُبِّعَ فَلَمْ يُدْرَ كَيْفَ وُجِدَ كَانَ قَوْلِيًّا ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمَا تُتُبِّعَ فَوُجِدَ أَنَّهُ أَفْتَى بِهِ أَوْ قَضَى بِهِ بَعْضُهُمْ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ أَوْ بِغَيْبَةٍ مِنْهُمْ وَبَلَغَهُمْ فَسَكَتُوا وَلَمْ يُنْكِرُوهُ أَوْ نُقِلَ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَهُوَ سُكُوتِيٌّ .
( وَأَيْضًا الْعَادَةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ إفْتَاءُ الْأَكَابِرِ وَسُكُوتُ الْأَصَاغِرِ تَسْلِيمًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ السُّكُوتِيَّ ( إجْمَاعٌ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ فَكَذَا ) الْأَحْكَامُ ( الْفَرْعِيَّةُ ) يَكُونُ فِيهَا إجْمَاعًا قَالَ ( النَّافُونَ ) لِحُجِّيَّتِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ قَطْعًا وَظَنًّا ( السُّكُوتُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُوَافَقَةِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ تَفَكُّرٍ أَوْ عَدَمِ اجْتِهَادٍ أَوْ تَعْظِيمٍ ) لِلْقَائِلِ فَلَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ ( أَجَابَ الظَّنِّيُّ بِأَنَّهُ ) أَيْ السُّكُوتَ ( ظَاهِرٌ فِي الْمُوَافَقَةِ ) لِلْمُفْتِي فِي فَتْوَاهُ وَالْقَاضِي فِي قَضَائِهِ ( وَفِي غَيْرِهَا ) أَيْ وَالسُّكُوتُ فِي غَيْرِ الْمُوَافَقَةِ مِمَّا ذُكِرَ ( احْتِمَالَاتٌ ) غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَهِيَ ( لَا تَنْفِي الظُّهُورَ وَ ) أَجَابَ ( الْحَنَفِيَّةُ انْتَفَى الْأَوَّلُ ) وَهُوَ السُّكُوتُ لِلْخَوْفِ ( بِالْعَرَضِ ) حَيْثُ قُلْنَا وَلَا تَقِيَّةَ ( وَ ) انْتَفَى ( مَا بَعْدَهُ ) وَهُوَ السُّكُوتُ لِلتَّفَكُّرِ ( بِمُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ عَادَةً وَ ) السُّكُوتُ ( لِلتَّعْظِيمِ بِلَا تَقِيَّةٍ فِسْقٌ ) كَتَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ الرَّدُّ ؛ لِأَنَّ الْفَتْوَى أَوْ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ غَيْرَ حَقٍّ يَكُونُ

مُنْكَرًا وَاجِبَ الرَّدِّ فَلَا يُنْسَبُ إلَى الْمُتَدَيِّنِ وَكَيْفَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَبَاحِثَ الْمُجْتَهِدِينَ مَأْمُونَةُ الْعَوَاقِبِ لِطَهَارَةِ مَقَاصِدِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَظَاهِرُونَ عَلَى النَّصِيحَةِ بِتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَإِزَاحَةِ الْبَاطِلِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَالسَّادَةُ الْقَادَةُ إلَى الْيَقِينِ فَإِنْ اُدُّعِيَ ثُبُوتُ ذَلِكَ عَنْ سَاكِتٍ فَلَا يَقْدَحُ مُخَالَفَتُهُ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الْقَادِحَ قَوْلُ الْمُجْتَهِدِ الْعَدْلِ وَهَذَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَيْسَ بِهِ وَكَيْفَ لَا وَمَنْ تَسَامَحَ فِي الدِّينِ وَلَوْ بِمَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ ، وَإِنْ فُرِضَ كَوْنُ الْقَاضِي ظَالِمًا يَبْطِشُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ وَمَوَاضِعِ الْإِنْكَارِ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ أَهْلٍ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَصِيرَ إجْمَاعًا .
( وَمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُكُوتِهِ عَنْ عُمَرَ فِي الْقَوْلِ ) مِنْ قَوْلِهِ ( كَانَ مَهِيبًا نَفَوْا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ ( صِحَّتَهُ ) عَنْهُ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( كَانَ يُقَدِّمُهُ ) أَيْ ابْنَ عَبَّاسٍ ( عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَكَابِرِ وَيَسْتَحْسِنُ قَوْلَهُ ) فَعَنْهُ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ لِمَ يَدْخُلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ عُمَرُ إنَّهُ مِنْ حَيْثُ عَلِمْتُمْ فَدَعَانِي ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَنِي مَعَهُمْ فَمَا رَأَيْت أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمئِذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ { إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَمَرَنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إذَا نَصَرَنَا وَفَتَحَ عَلَيْنَا وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ لِي أَكَذَلِكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْت لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْت هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ قَالَ { إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } وَذَلِكَ عَلَامَةُ أَجَلِك {

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } فَقَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلَّا مَا تَقُولُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ دَعَا عُمَرُ الْأَشْيَاخَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُمْ { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا عَلِمْتُمْ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ } وِتْرًا فَفِي أَيْ الْوِتْرِ تَرَوْنَهَا فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ إنَّهَا تَاسِعَةٌ سَابِعَةٌ خَامِسَةٌ ثَالِثَةٌ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تَكَلَّمْ قَالَ قُلْت أَقُولُ بِرَأْيِي قَالَ عَنْ رَأْيِك أَسْأَلُك قُلْت إنِّي سَمِعْت وَاَللَّهِ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ السَّبْعِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ عُمَرُ أَعْجَزْتُمْ أَنْ تَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالَ هَذَا الْغُلَامُ الَّذِي لَمْ تَسْتَوْشِئُوا رَأْسَهُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
( وَكَانَ ) عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( أَلْيَنَ لِلْحَقِّ ) وَأَشَدَّ انْقِيَادًا لَهُ مِنْ غَيْرِهِ ( وَعَنْهُ لَا خَيْرَ فِيكُمْ إنْ لَمْ تَقُولُوا وَلَا خَيْرَ فِي إنْ لَمْ أَسْمَعْ ) ذَكَرَهُ فِي التَّقْوِيمِ وَغَيْرِهِ ( وَقِصَّتُهُ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي نَهْيِهِ عَنْ مُغَالَاةِ الْمَهْرِ شَهِيرَةٌ ) رَوَاهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ رَكِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَا إكْثَارُكُمْ فِي صُدُقِ النِّسَاءِ وَقَدْ { كَانَ الصَّدُقَاتُ فِيمَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ } وَلَوْ كَانَ الْإِكْثَارُ فِي ذَلِكَ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ أَوْ مَكْرُمَةً لَمْ تَسْبِقُوهُمْ إلَيْهَا فَلَا أَعْرِفَنَّ مَا زَادَ رَجُلٌ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ثُمَّ نَزَلَ فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَهَيْتَ النَّاسَ أَنْ

يَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صُدُقِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ نَعَمْ قَالَتْ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ عَفْوًا كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ قَالَ ، ثُمَّ رَجَعَ فَرَكِبَ الْمِنْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدَاقِهِنَّ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا أَحَبَّ لَكِنْ فِي نَفْيِ صِحَّةِ اعْتِذَارِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ تَرْكِ مُرَاجَعَةِ عُمَرَ بِالْهَيْبَةِ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ دَخَلْت أَنَا وَزُفَرُ بْنُ الْحَدَثَانِ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَعْدَ مَا ذَهَبَ بَصَرُهُ فَتَذَاكَرْنَا فَرَائِضَ الْمَوَارِيثِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَتَرَوْنَ مَنْ أَحْصَى رَمْلَ عَالِجٍ عَدَدًا لَمْ يَخُصَّ فِي مَالٍ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا إذَا ذَهَبَ نِصْفٌ وَنِصْفٌ فَأَيْنَ الثُّلُثُ فَسَاقَ الْحَدِيثَ وَرَأْيُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ لَهُ زُفَرُ مَا مَنَعَك أَنْ تُشِيرَ عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّأْيِ قَالَ هَيْبَةً وَاَللَّهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَوْقُوفٌ حَسَنٌ انْتَهَى قَالُوا وَلَئِنْ صَحَّ فَهَذَا مِنْهُ إظْهَارٌ لِلْعُذْرِ فِي الِامْتِنَاعِ عَنْ مُنَاظَرَتِهِ وَاسْتِقْصَائِهِ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ احْتِشَامًا وَإِجْلَالًا لَهُ كَمَا يَكُونُ مَعَ الشُّبَّانِ مَعَ ذَوِي الْأَسْنَانِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَلَا سِيَّمَا إذَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَرْجِعُ عَنْ رَأْيِهِ فَإِنَّ الْمُنَاظَرَةَ فِي ذَلِكَ قَدْ تُتْرَكُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا وَإِنْ دَفَعَ أَنَّ السُّكُوتَ قَدْ يَكُونُ تَقِيَّةً لَا يَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهَا مُطْلَقًا لَا لِلْمُوَافَقَةِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ كَوْنِهِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا ، بَلْ قُصَارَى مَا يَثْبُتُ مَعَهُ كَوْنُهُ ظَنِّيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ

نَادِرٌ فَلَا يَقْدَحُ فِيمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَهُوَ الْمُوَافَقَةُ وَلَعَلَّهُ إنَّمَا تَمَّ لِابْنِ عَبَّاسٍ السُّكُوتُ إجْلَالًا لَعُمَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَلُومًا عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَئِذٍ فِي دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ ( وَقَدْ يُقَالُ السُّكُوتُ عَنْ ) إنْكَارِ ( الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ ) عَلَى إنْكَارِهِ ( فِسْقٌ وَقَوْلُ الْمُجْتَهِدِ لَيْسَ إيَّاهُ ) أَيْ مُنْكَرًا ( فَلَا يَجِبُ ) عَلَى الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ ( إظْهَارُ خِلَافِهِ ) أَيْ قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ النَّاطِقِ ( لِيَكُونَ السُّكُوتُ ) عَنْ إنْكَارِهِ ( فِسْقًا ) لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ سُكُوتًا عَنْ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إنْكَارِهِ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ الْمُجْتَهِدُ السَّاكِتُ ( مُخَيَّرٌ ) بَيْنَ السُّكُوتِ وَاظِهَارِ خِلَافِهِ وَهَذَا ( بِخِلَافِ الِاعْتِقَادِيِّ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدَ فِيهِ ( مُكَلَّفٌ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ فَغَيْرُهُ ) أَيْ الْحَقِّ إذَا أُتِيَ بِهِ ( عَنْ اجْتِهَادِ مُنْكِرٍ فَامْتَنَعَ السُّكُوتُ ) فِيهِ كَيْ لَا يَكُونَ سَاكِتًا عَنْ مُنْكَرٍ فَيَكُونُ فَاسِقًا اللَّهُمَّ ( إلَّا أَنْ يُقَالَ يَجِبُ ) عَلَى السَّاكِتِ إظْهَارُ خِلَافِ قَوْلِ الْقَائِلِ فِي الْفُرُوعِ أَيْضًا ( لِتَجْوِيزِهِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ ( رُجُوعَ الْمُفْتِي ) أَوْ الْقَاضِي ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى قَوْلِهِ ( لِحَقِّيَّتِهِ ) عَلَى أَنَّا سَنَذْكُرُ مِنْ الْمِيزَانِ أَنَّ الْعَمَلَ وَالِاعْتِقَادِيَّ فِي الْجَوَابِ سَوَاءٌ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ .
( وَإِذَنْ فَقَوْلُ مُعَاذٍ فِي جَلْدِ الْحَامِلِ ) الَّتِي زَنَتْ لَمَّا هَمَّ بِجِلْدِهَا عُمَرُ أَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَك عَلَى ظَهْرِهَا سَبِيلًا ( مَا جَعَلَ اللَّهُ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا ) وَلَفْظُ كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ فَلَمْ يَجْعَلْ لَك عَلَى مَا فِي بَطْنِهَا سَبِيلًا فَقَالَ لَوْلَا مُعَاذٌ لَهَلَكَ عُمَرُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَخْرِيجِهِ .
دَلِيلٌ ( لِلْوُجُوبِ ) أَيْ وُجُوبِ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ فِي قَضَاءِ الْمُجْتَهِدِ

عَلَى الْمُجْتَهِدِ الْمُخَالِفِ لَهُ ( فَيَبْطُلُ ) بِهِ ( تَفْصِيلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ) السَّابِقُ بِنَاءً عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ لَا تُنْكِرُ الْحُكْمَ ؛ لِأَنَّ مُعَاذًا أَنْكَرَ الْقَضَاءَ الْمُخَالِفَ لِمَا عِنْدَهُ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ وُجُوبَ إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ السَّاكِتِ لِلْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ إذَا جُوِّزَ رُجُوعُهُ إلَيْهِ ( مَمْنُوعٌ ) ؛ لِأَنَّ التَّجْوِيزَ غَيْرُ مُلْزِمٍ وَلَيْسَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْقَائِلُ بِمَعْلُومِ الْبُطْلَانِ فِي الْوَاقِعِ بَلْ صَوَابٌ عِنْدَ قَائِلِهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَعْذُورٌ فِي حَالِ الْخَطَأِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَ مُعَاذٍ دَلِيلُ الْوُجُوبِ بَلْ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَقَوْلُ مُعَاذٍ اخْتِيَارٌ لِأَحَدِ الْجَائِزَيْنِ ) مِنْ السُّكُوتِ وَإِظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ ( أَوْ ) إظْهَارُ الْمُخَالَفَةِ وَاجِبٌ ( فِي خُصُوصِ ) هَذِهِ ( الْمَادَّةِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ نَفْسٍ مُحْتَرَمَةٍ عَنْ تَعْرِيضِهَا لِلْهَلَاكِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ السُّكُوتِ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا فِي الِاعْتِقَادِيِّ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْفَرْعِيِّ لِعَدَمِ اللَّازِمِ الْبَاطِلِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ إجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ فِي الْفَرْعِيِّ بِخِلَافِهِ فِي الِاعْتِقَادِيِّ لَكِنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُبْطِلُ الْمُدَّعَى .
( وَقَوْلُهُ ) أَيْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ( الْعَادَةُ أَنْ لَا يُنْكَرَ بِخِلَافِ الْفَتْوَى ) إنَّمَا هُوَ ( بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ ) لَا قَبْلَهُ وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا قَبْلَهُ وَالْأَمْرُ فِي الْفَتْوَى كَذَلِكَ ( وَقَوْلُ الْجُبَّائِيُّ الِاحْتِمَالَاتُ تَضْعُفُ بَعْدَ الِانْقِرَاضِ لَا قَبْلَهُ ) أَيْ الِانْقِرَاضِ ( مَمْنُوعٌ بَلْ الضَّعْفُ ) لَهَا ( يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ التَّأَمُّلِ فِي مِثْلِهِ عَادَةً وَمِنْ الْمُحَقِّقِينَ ) وَهُوَ عَضُدُ الدِّينِ ( مَنْ قَيَّدَ قَطْعِيَّتَهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ ( بِمَا إذَا كَثُرَ وَتَكَرَّرَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ) بِلَفْظِ رُبَّمَا ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيِّ فِيمَا

يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ عَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مِنْ آخَرِينَ ( يُحْتَمَلُ ) أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِلْقَطْعِ بِمَضْمُونِهِ كَمَا ذُكِرَ لِبُعْدِ ظَنِّ الْمُخَالَفَةِ مِنْ السَّاكِتِينَ فِي مِثْلِهِ عَادَةً بَلْ كَمَا ذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّ تَكَرُّرَ الْفُتْيَا مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ مُفْضٍ إلَى الْقَطْعِ قَالَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ طُولِ الزَّمَانِ وَقِصَرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ التِّلْمِسَانِيِّ فِي شَرْحِ الْمَعَالِمِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُ جَعَلَ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ مَعَ تَكَرُّرِ الْوَاقِعَةِ .
قَالَ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا إذَا تَكَرَّرَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ فَلَا أُنْكِرُ جَرَيَانَ خِلَافٍ وَقَدْ اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ الْخِلَافُ فِي السُّكُوتِيِّ بَلْ أَضْعَفُ مِنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ قُيُودًا رَأَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا مَعَ مَزِيدِ كَلَامٍ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا : أَوَّلُهَا : كَوْنُهُ فِي مَسَائِلِ التَّكْلِيفِ إذْ قَوْلُ الْقَائِلِ عَمَّارٌ أَفْضَلُ مِنْ حُذَيْفَةَ مَثَلًا وَبِالْعَكْسِ لَا يَدُلُّ السُّكُوتُ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ إذْ لَا تَكْلِيفَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ مِنْ مَشَايِخِنَا كَمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا .
ثَانِيهَا : أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ بَلَغَ جَمِيعَ أَهْلِ الْعَصْرِ وَلَمْ يُنْكِرُوا وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَرَاءَهُ حَالَتَانِ : إحْدَاهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ بَلَغَهُمْ لِانْتِشَارِهِ وَشُهْرَتِهِ فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ إجْمَاعٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا وَجَعَلَهُ دَرَجَةً دُونَ الْأَوَّلِ انْتَهَى قُلْت وَجَعَلَ مَشَايِخُنَا اشْتِهَارَ الْفَتْوَى مِنْ الْبَعْضِ وَالسُّكُوتَ

مِنْ الْبَاقِينَ كَافِيًا فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا مِنْ صُوَرِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أَيْضًا لَكِنَّ كَوْنَهُ إجْمَاعًا قَطْعِيًّا عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِبُلُوغِهِ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الِاشْتِهَارُ عَلَى الْعِلْمِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُمْ الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ قَطْعِيٌّ عَلَى نَوْعٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا عُلِمَ بُلُوغُهُ مُجْتَهِدِي الْعَصْرِ وَسُكُوتُهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ ، وَأَمَّا مَا ظُنَّ بُلُوغُهُ إيَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ فَظَنِّيٌّ وَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ هُوَ وَقَوْلُ الْإسْفَرايِينِيّ الْمَذْكُورُ .
الْحَالَة الثَّانِيَةِ أَنْ لَا يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ بَلْ اُحْتُمِلَ بُلُوغُهُ وَعَدَمُهُ وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَشِرْ وَذَكَرَ أَنَّ عَدَمَ إنْكَارِهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ قَوْلٌ فِيهِ لِعَدَمِ خَوْضِهِمْ فِي ذَلِكَ أَوْ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَانِعِ أَوْ لَهُمْ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لَمْ يُنْقَلْ وَقِيلَ حُجَّةٌ مُطْلَقًا ، وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ إنْ كَانَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ كَانَ كَالسُّكُوتِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ خَوْضِ غَيْرِ الْقَائِلِ فِيهِ فَيَكُونُ سُكُوتُهُ مُوَافَقَةً لِلْقَائِلِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِاحْتِمَالِ الذُّهُولِ ، ثُمَّ اشْتِرَاطُ بُلُوغِ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَصْرِ كَمَا ذَكَرَ مَاشٍ عَلَى ظَاهِرِ تَفْسِيرِ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ الِانْتِشَارَ بِبُلُوغِ الْجَمِيعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّازِيِّ أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ بَلَغَ الْجَمِيعَ أَوْ لَا وَبِهِ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ .
قُلْت وَيَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا مُتَفَرِّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْمُجْتَهِدِينَ أَوْ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمْ وَقَدْ عَرَفْت الْمُخْتَارَ وَغَيْرَهُ فِيهِ .
ثَالِثُهَا كَوْنُ السُّكُوتِ مُجَرَّدًا عَنْ الرِّضَا وَالْكَرَاهَةِ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ أَمَارَةُ رِضًا فَقَالَ الرُّويَانِيُّ

وَالْخُوَارِزْمِي وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يَكُونُ إجْمَاعًا بِلَا خِلَافٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ سَخَطٍ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا بِلَا خِلَافٍ وَكَلَامُ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ ، وَإِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَةُ السَّخَطِ .
قُلْت وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ بَعِيدٌ .
رَابِعُهَا مُضِيُّ زَمَانٍ يَسَعُ قَدْرَ مُهْلَةِ النَّظَرِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ عَادَةً وَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَنْدَفِعَ احْتِمَالُ أَنَّ السَّاكِتِينَ كَانُوا فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ .
خَامِسُهَا أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ .
سَادِسُهَا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَوْ أَفْتَى وَاحِدٌ بِخِلَافِ الثَّابِتِ قَطْعًا فَلَيْسَ سُكُوتُهُمْ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَأَنَّ الْإِنْكَارَ لَا يُفِيدُ وَفِي الْمِيزَانِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الِاجْتِهَادِيَّات بَلْ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا تَكْلِيفٌ عِنْدَهُمْ كَمَا يُقَالُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَفْضَلُ أَمْ أَنَسٌ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَمَّا اُشْتُهِرَ مِنْ الْقَوْلِ بِأَحَدِهِمَا إجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِهَا تَكْلِيفٌ عِنْدَهُمْ وَانْتَشَرَ قَوْلُ الْبَعْضِ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ كَانَ إجْمَاعًا ، وَإِنْ كَانَتْ اجْتِهَادِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الْعَمَلِ لَا الِاعْتِقَادِ فَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَائِلِ إنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فِي الْفُرُوعِ فَالْجَوَابُ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ الِاعْتِقَادِيَّةِ سَوَاءٌ وَعَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَالْجُبَّائِيُّ يَكُونُ إجْمَاعًا إذَا انْتَشَرَ الْقَوْلُ فِيهِمْ ، ثُمَّ انْقَرَضَ الْعَصْرُ وَابْنُهُ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَكِنْ يَكُونُ حُجَّةً وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً وَعَنْ

الشَّافِعِيِّ لَا أَقُولُ إنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَكِنْ أَقُولُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا تَحَرُّزًا عَنْ احْتِمَالِ الْخِلَافِ احْتِيَاطًا انْتَهَى مُلَخَّصًا .
وَيَتَلَخَّصُ مِنْهُ أَنَّ كَوْنَ الْمَسْأَلَةِ تَكْلِيفِيَّةً مُغْنٍ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَائِلِ : الْمُجْتَهِدُ قَدْ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ .
سَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ لِيَخْرُجَ إفْتَاءُ مُقَلِّدٍ سَكَتَ عَنْهُ الْمُخَالِفُونَ لِلْعِلْمِ بِمَذْهَبِهِمْ وَمَذْهَبُهُ كَشَافِعِيٍّ يُفْتِي بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّ الذَّكَرِ فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُ الْحَنَفِيِّ عَنْهُ عَلَى مُوَافَقَتِهِ لِلْعِلْمِ بِاسْتِقْرَارِ الْمَذَاهِبِ وَالْخِلَافِ ، وَفَائِدَتُهُ أَنْ لَا يَكُونَ السُّكُوتُ تَقِيَّةً كَمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ إجْمَاعًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمِيزَانِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيِّ وَالْمُتَأَخِّرِينَ ، وَوَقَعَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِعَصْرِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَيْدًا اتِّفَاقِيًّا وَإِلَّا فَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَمِيعِ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ التَّسْوِيَةُ هِيَ الْوَجْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( تَنْبِيهٌ ) وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ هَذَا مُبَاحٌ وَأَقْدَمَ الْبَاقِي عَلَى فِعْلِهِ أَنَّهُ يَكُونُ إجْمَاعًا مِنْهُمْ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ، وَأَمَّا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى عَمَلٍ وَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ قَوْلٌ فَفِيهِ مَذَاهِبُ : أَحَدُهَا وَهُوَ مَا قَطَعَ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَفِي الْمَنْخُولِ أَنَّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ كَفِعْلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ لِإِجْمَاعِهِمْ كَثُبُوتِهَا لَهُ .
ثَانِيهَا الْمَنْعُ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْقَاضِي وَتَعَقَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الَّذِي رَآهُ فِي التَّقْرِيبِ لِلْقَاضِي التَّصْرِيحُ بِالْجَوَازِ فَقَالَ كُلُّ مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ يَقَعُ بِوَجْهَيْنِ إمَّا قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ انْتَهَى .
ثَالِثُهَا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يُحْمَلُ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْوُجُوبِ .
رَابِعُهَا قَوْلُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ كُلُّ فِعْلٍ لَمْ يَخْرُجْ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا أَنَّ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَفْعَالِ الرَّسُولِ مَخْرَجَ الشَّرْعِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الشَّرْعُ ، وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ مَخْرَجَ الْحُكْمِ وَالْبَيَانِ يَصِحُّ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ الْإِجْمَاعُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ الرَّسُولِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَجِيءِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَنْقَرِضَ الْعَصْرُ أَوْ لَا وَمِنْ اشْتِرَاطِهِ فِي الْقَوْلِيِّ فَهُنَا أَوْلَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ اشْتِرَاطَهُ خِلَافُ التَّحْقِيقِ .

( مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ ) فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ ( لَمْ يَجُزْ إحْدَاثُ ) قَوْلٍ ( ثَالِثٍ ) فِيهَا ( عِنْدَ الْأَكْثَرِ ) مِنْهُمْ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي الْمَعَالِمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي رِسَالَتِهِ ( وَخَصَّهُ ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ إحْدَاثِ ثَالِثٍ ( بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِالصَّحَابَةِ ) أَيْ بِمَا إذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهَا مِنْهُمْ فَلَمْ يُجَوِّزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ إحْدَاثَ ثَالِثٍ فِيهَا ( وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ ) وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالرَّازِيِّ فِي غَيْرِ الْمَعَالِمِ وَأَتْبَاعِهِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَرْفَعْ شَيْئًا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ وَلَا يَجُوزُ ( إنْ رَفَعَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَرَدِّ الْمُشْتَرَاةِ بِكْرًا بَعْدَ الْوَطْءِ لِعَيْبٍ قَبْلَ الْوَطْءِ ) كَانَ بِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ عَلِمَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْوَطْءِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ ( قِيلَ لَا ) يَرُدُّهَا ( وَقِيلَ ) يَرُدُّهَا ( مَعَ الْأَرْشِ ) أَيْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ ( لَا يُقَالُ ) يَرُدُّهَا ( مَجَّانًا ) أَيْ بِغَيْرِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَوَّلُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالثَّانِي عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَّهُمَا قَالَا يَرُدُّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَنِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا ، ثُمَّ قَالَ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ لَا يَسْلَمُ لِلْمُشْتَرِي مَجَّانًا فَمَنْ قَالَ يَرُدُّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا فَقَدْ خَالَفَ أَقَاوِيلَ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً عَلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الْمِثَالِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُمْ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ .
وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَصَحَّتْ عَنْهُمْ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ : الْأَوَّلُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَالثَّانِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ

سِيرِينَ وَعَدَدٍ كَثِيرٍ ، وَالثَّالِثُ عَنْ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ مِنْ أَقْرَانِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ انْتَهَى وَاَلَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ شُرَيْحًا وَالنَّخَعِيَّ كَانَا يَقُولَانِ إنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا عُشْرَ قِيمَتِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا نِصْفَ عُشْرِ قِيمَتِهَا ، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَقَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي قَدْرُ مَا يَضَعُ ذَلِكَ الْعَيْبُ أَوْ الدَّاءُ مِنْ ثَمَنِهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَالنُّعْمَانُ ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا رَدَّهَا وَلَا يَرُدُّ مَعَهَا شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا رَدَّهَا وَمَا نَقَصَهَا الِاقْتِضَاضُ مِنْ ثَمَنِهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَلَمْ يَرُدَّهَا بَلْ يَرْجِعُ بِمَا نَقَصَهَا الْعَيْبُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الرَّدِّ وَبَذْلُ الْأَرْشِ وَالْبَقَاءُ وَأَخْذُ الْأَرْشِ فَإِنْ تَشَاحَّا فَالصَّحِيحُ يُجَابُ مَنْ يَدْعُو إلَى الْإِمْسَاكِ وَالرُّجُوعِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ .
وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الثَّيِّبِ رِوَايَتَيْنِ لَا يَرُدُّهَا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَرُدُّهَا بِلَا شَيْءٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَنَّهَا الصَّحِيحَةُ ( وَمُقَاسَمَةُ الْجَدِّ ) الصَّحِيحِ وَهُوَ مَنْ لَا يَدْخُلُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى الْمَيِّتِ أُنْثَى ( الْإِخْوَةَ ) لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كَمَا هِيَ مُسْتَوْفَاةٌ فِي عِلْمِ الْمَوَارِيثِ ( وَحَجْبُهُ الْإِخْوَةَ فَلَا يُقَالُ بِحِرْمَانِهِ ) أَيْ الْجَدِّ بِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِاتِّفَاقِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ لِلْجَدِّ حَظًّا مِنْ الْمِيرَاثِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الْمِثَالِ أَيْضًا نَظَرٌ فَإِنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ مَشْهُورَةٌ عَنْ

الصَّحَابَةِ حَجْبُهُ لَهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ ، ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ إلَى الْمُقَاسَمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَجَاءَ حِرْمَانُهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ ، ثُمَّ رَجَعَ زَيْدٌ وَعَلِيٌّ إلَى الْمُقَاسَمَةِ قُلْت اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى بُطْلَانِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْحِرْمَانُ فَالْقَوْلُ بِهِ بَعْدَ مَنْ بَعْدَهُمْ يَكُونُ ثَالِثًا رَافِعًا لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَلَا يُسْمَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ اللَّاحِقَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ ( وَعِدَّةُ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا ) زَوْجُهَا ( بِالْوَضْعِ ) لِحَمْلِهَا كَمَا هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ( أَوْ أَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ ) مِنْ الْوَضْعِ وَمُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ ( لَا يُقَالُ ) تَنْقَضِي عِدَّتُهَا ( بِالْأَشْهُرِ فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ ثَالِثٌ رَافِعٌ لِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ الْفَسْخِ ) لِلنِّكَاحِ ( بِالْعُيُوبِ ) مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ وَالْقَرْنِ وَالرَّتْقِ وَعَدَمِ الْفَسْخِ بِهَا ( وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ أَوْ زَوْجٍ ) وَأَبَوَيْنِ ( لِلْأُمِّ ثُلُثُ الْكُلِّ أَوْ ثُلُثُ مَا بَقِيَ ) بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ .
( يَجُوزُ التَّفْصِيلُ فِي الْعُيُوبِ ) وَكَيْفَ لَا وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا مَشْهُورَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ وَاَلَّذِينَ قَالُوا بِالتَّفْرِيقِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يُفْسَخُ بِهِ كَمَا ذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَقَدْ وَقَعَ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ ( وَبَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ ) كَمَا سَتَعْلَمُ فَإِنَّ التَّفْصِيلَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ فِي كُلِّ صُورَةٍ قَوْلًا ( وَطَائِفَةٌ ) كَالظَّاهِرِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ بَرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ قَالُوا ( يَجُوزُ ) إحْدَاثُ

ثَالِثٍ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُجْمِعُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ الصَّحَابَةَ أَوْ غَيْرَهُمْ وَسَوَاءٌ رَفَعَ الثَّالِثُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَرْفَعْ ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ نَقْلِ قَوْلَيْنِ عَنْ أَهْلِ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ إجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِمَا فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ إحْدَاثِ ثَالِثٍ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ نَفْيُ بَيَانِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَقَالَ ( الْآمِدِيُّ ) إنَّمَا يَجُوزُ الْإِحْدَاثُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ( لَمْ يُخَالِفْ مُجْمَعًا ) عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ خِلَافُ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ ( الْمَانِعُ ) مِنْ الْإِحْدَاثِ ؛ لِأَنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلَمْ يُوجَدْ ( بَلْ ) الثَّالِثُ حِينَئِذٍ ( وَافَقَ كُلًّا ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ ( فِي شَيْءٍ ) فَيَجُوزُ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلْجَوَازِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ وَارْتِفَاعُ الْمَانِعِ مِنْهُ وَهُوَ خَرْقُ الْإِجْمَاعِ فَإِنْ قِيلَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يُفَصِّلُوا إجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ ؛ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِلْإِجْمَاعِ لَازِمَةٌ لِكُلِّ صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ إحْدَاثٍ ثَالِثٍ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَكَوْنُ عَدَمِ التَّفْصِيلِ مُجْمَعًا ) عَلَيْهِ ( مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ ( الْقَوْلُ بِهِ ) أَيْ بِعَدَمِ التَّفْصِيلِ وَالْفَرْضُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوهُ بَلْ سَكَتُوا عَنْهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ السُّكُوتُ عَنْ التَّفْصِيلِ قَوْلًا بِعَدَمِهِ ( امْتَنَعَ الْقَوْلُ فِيمَا يَحْدُثُ ) مِنْ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ فِيهَا ( إذْ كَانَ عَدَمُ الْقَوْلِ قَوْلًا بِالْعَدَمِ ) لِلْقَوْلِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الشَّيْءِ وَعَدَمِ الْقَوْلِ بِالشَّيْءِ أَنْ لَا حُكْمَ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ .
( وَلَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ ( لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِخَطَئِهِ ) أَيْ التَّفْصِيلِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّفْصِيلَ لَا

عَنْ دَلِيلٍ مُمْتَنِعٌ ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الشَّرْعِ بِلَا دَلِيلٍ بَاطِلٌ فَهُوَ ( عَنْ دَلِيلٍ ) وَحِينَئِذٍ ( فَإِنْ اطَّلَعُوا ) أَيْ الْمُطْلِقُونَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الدَّلِيلِ ( وَتَرَكُوهُ أَوْ لَمْ يَطَّلِعُوا ) عَلَيْهِ ( حَتَّى تَقَرَّرَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ لَزِمَ خَطَؤُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ ( إذْ لَوْ كَانَ ) ذَلِكَ الدَّلِيلُ ( صَوَابًا أَخْطَئُوا ) بِتَرْكِ عَمَلِهِمْ بِهِ عَلِمُوهُ أَوْ جَهِلُوهُ ( وَالتَّالِي ) أَيْ خَطَؤُهُمْ ( مُنْتَفٍ فَلَيْسَ ) دَلِيلُ التَّفْصِيلِ ( صَوَابًا ) وَلِانْتِفَاءِ خَطَئِهِمْ لَزِمَ صَوَابُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنْ لَوْ كَانَ التَّفْصِيلُ صَحِيحًا كَانَ الْمُطْلِقُونَ مُخْطِئِينَ أَوْ جَاهِلِينَ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلُزُومُهُ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْقَطْعِ بِصَوَابِ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ ( وَالْمَانِعُ ) مِنْ الْقَوْلِ بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ( لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْمُخَالَفَةِ ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُخَالَفَةً بَلْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ لِلْقَطْعِ بِخَطَئِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَزِمَ جَهْلُ الْكُلِّ أَوْ خَطَؤُهُمْ ( مَعَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُطْلِقَ ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ ( يَنْفِي التَّفْصِيلَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الْحَقُّ مَا ذَهَبْتُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ ( فَتَضَمُّنُهُ ) أَيْ نَفْيِ التَّفْصِيلِ ( وَإِطْلَاقُهُ ) أَيْ الْمُطْلِقِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ مَا هُوَ الْحَقُّ حَقِيقَةٌ فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لِإِيجَابِ كُلِّ طَائِفَةٍ الْأَخْذَ بِقَوْلِهَا أَوْ قَوْلِ مُخَالِفِهَا وَتَحْرِيمِ الْأَخْذِ بِغَيْرِهَا .
( وَأَمَّا قَوْلُهُمْ ) أَيْ اسْتِدْلَالُ الْأَكْثَرِينَ بِأَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ ( يَلْزَمُ تَخْطِئَةُ كُلِّ فَرِيقٍ ) مِنْ الْمُطْلِقِينَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يُفَصِّلُوا ( فَيَلْزَمُ تَخْطِئَتُهُمْ ) أَيْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا وَتَخْطِئَتُهَا غَيْرُ جَائِزٍ لِلنَّصِّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَالتَّفْصِيلُ غَيْرُ جَائِزٍ ( فَدُفِعَ بِأَنَّ الْمُنْتَفِي ) فِي النَّصِّ ( تَخْطِئَةُ الْكُلِّ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ

لَا تَخْطِئَةُ كُلٍّ فِي غَيْرِ مَا خَطِئَ فِيهِ الْآخَرُ ) وَلَازِمٌ التَّفْصِيلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ نَعَمْ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَوَجَّهَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِعِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ شَامِلَةٌ لِلصُّورَتَيْنِ فَالتَّخْصِيصُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَكِنْ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ ، وَهَذَا النَّظَرُ لَهُ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ انْقِسَامُ الْأُمَّةِ إلَى شَطْرَيْنِ كُلُّ شَطْرٍ مُخْطِئٌ فِي مَسْأَلَةٍ ؟ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ خِلَافَهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَحْذُورَ حُصُولُ الِاجْتِمَاعِ مِنْهَا عَلَى الْخَطَأِ إذْ لَيْسَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ الْأُمَّةِ بِمَعْصُومٍ فَإِذَا انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِخَطَأٍ غَيْرِ خَطَأِ صَاحِبِهِ فَلَا إجْمَاعَ عَلَى الْخَطَأِ ( الْمُجَوِّزِ مُطْلَقًا اخْتِلَافَهُمْ ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ الْأَوَّلِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْزِيعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ ( دَلِيلِ تَسْوِيغِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ ) فِيهَا ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهَا دَالٌّ عَلَى كَوْنِهَا اجْتِهَادِيَّةً فَسَاغَ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فَسَاغَ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ ( فَلَا يَكُونُ ) اخْتِلَافُهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ فِيهَا ( مَانِعًا ) مِنْ إحْدَاثِ ثَالِثٍ فِيهَا بَلْ مُسَوِّغًا لَهُ لِصُدُورِهِ عَنْ اجْتِهَادٍ أَيْضًا ( أُجِيبُ ) بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ دَلِيلُ تَسْوِيغِ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ الِاجْتِهَادُ ( بِشَرْطِ عَدَمِ حُدُوثِ إجْمَاعٍ مَانِعٍ ) مِنْ الِاجْتِهَادِ ( كَمَا لَوْ اخْتَلَفُوا ) فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ ( ثُمَّ أَجْمَعُو هُمْ ) عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فِيهِ وَهُنَا وُجِدَ إجْمَاعٌ مَانِعٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ إجْمَاعُهُمْ مَعْنًى عَلَى عَدَمِ التَّفْصِيلِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ مُطْلَقًا أَيْضًا ( لَوْ لَمْ يَجُزْ ) إحْدَاثُ قَوْلٍ ثَالِثٍ مُطْلَقًا ( لَأُنْكِرَ إذْ وَقَعَ ) لَكِنَّهُ وَقَعَ ( وَلَمْ يُنْكَرْ قَالَ الصَّحَابَةُ لِلْأُمِّ ثُلُثُ مَا بَقِيَ ) بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ (

فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ( وَابْنُ عَبَّاسٍ ثُلُثُ الْكُلِّ ) فِيهِمَا كَمَا رَوَاهُ الْجَارُودِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا ( فَأَحْدَثَ ابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُ ) وَهُوَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ كَمَا ذَكَرَ الْجَصَّاصُ ( أَنَّ ) لِلْأُمِّ ( فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ ) وَأَبَوَيْنِ ( كَابْنِ عَبَّاسٍ وَالزَّوْجَةِ ) أَيْ وَلِلْأُمِّ فِي مَسْأَلَتِهَا مَعَ الْأَبَوَيْنِ ( كَالصَّحَابَةِ ، وَعَكَسَ تَابِعِيٌّ آخَرَ ) وَهُوَ الْقَاضِي شُرَيْحٌ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْكَافِي فَقَالَ لَهَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ كَالصَّحَابَةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ ( وَلَمْ يُنْكَرْ ) إحْدَاثُ كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ( وَإِلَّا ) لَوْ أُنْكِرَ ( نُقِلَ ) وَلَمْ يُنْقَلْ وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ .
( أَجَابَ الْمُفَصِّلُ بِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْ كُلٍّ ( مِنْ قِسْمِ الْجَائِزِ ) إحْدَاثُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ بَلْ قَالَ فِي كُلِّ صُورَةٍ بِقَوْلٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ ( وَمُطْلِقُو الْمَنْعِ ) أَيْ وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا ( بِمَنْعِ ) كُلٍّ مِنْ ( انْتِفَاءِ الْإِنْكَارِ وَلُزُومِ النَّقْلِ لَوْ أَنْكَرَ ، وَالشُّهْرَةُ لَوْ نُقِلَ ) بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْكَرَ وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ نُقِلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَشْتَهِرَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى حِكَايَةِ إنْكَارِهِ وَنَقْلِهِ أَلْبَتَّةَ .

( مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ إذَا أَجْمَعُوا ) أَيْ أَهْلُ عَصْرٍ ( عَلَى دَلِيلٍ ) لِحُكْمٍ ( أَوْ تَأْوِيلٍ جَازَ ) لِمَنْ بَعْدَهُمْ ( إحْدَاثُ غَيْرِهِمَا ) مِنْ غَيْرِ إلْغَاءِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قُلْت ذَكَرَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ مَا نَصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُ التَّأْوِيلِ الْقَدِيمِ ، وَأَمَّا إحْدَاثُ الْجَدِيدِ فَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ الْقَدْحُ فِي الْقَدِيمِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى تَفْسِيرِ الْمُشْتَرَكِ بِأَحَدِ مَعْنَيَيْهِ ، ثُمَّ جَاءَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَفَسَّرَهُ بِمَعْنَاهُ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ بِمَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا وَصِحَّةُ الْجَدِيدِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْقَدِيمِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ الْقَدْحُ جَازَ فَلِمَ لَمْ يُقَيِّدْ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفُ الْجَوَازَ بِمَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى بُطْلَانِهِ وَبِمَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَدْحُ فِي الْأَوَّلِ قُلْت كَأَنَّهُ لِلْعِلْمِ بِإِرَادَتِهِ لِلُزُومِ تَخْطِئَةِ الْأُمَّةِ فِيمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ تَقْدِيرُهُ كَمَا لَمْ يُقَيِّدْهُ آخَرُونَ بِمَا إذَا لَمْ يَنُصُّوا عَلَى صِحَّةِ إحْدَاثِهِ أَيْضًا لِلْعِلْمِ بِجَوَازِ مَا نَصُّوا عَلَى صِحَّتِهِ اتِّفَاقًا إذْ لَا تَخْطِئَةَ لِلْأُمَّةِ فِيهِ فَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا سَكَتُوا فِيهِ عَنْ الْأَمْرَيْنِ فَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إجْمَاعٌ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ نَصًّا جَازَ الِاسْتِدْلَال بِهِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ لَا ، وَقَالَ ابْنُ بَرْهَانٍ إنْ كَانَ ظَاهِرًا لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ ، وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا يَجُوزُ لِجَوَازِ اشْتِبَاهِهِ عَلَى الْأَوَّلِينَ ( وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ لَا ، لَنَا ) أَنَّ كُلًّا مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ ( قَوْلٌ ) عَنْ اجْتِهَادٍ ( لَمْ يُخَالِفْ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ لَيْسَ قَوْلًا بِالْعَدَمِ ) فَجَازَ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِجَوَازِهِ وَعَدَمِ

الْمَانِعِ مِنْهُ ( بِخِلَافِ عَدَمِ التَّفْصِيلِ ) فِي قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مُجْمَعٍ عَلَيْهِمَا ( فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ ) فَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُفَصَّلَ فِيهَا يُخَالِفُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى ( لِأَنَّهُ ) أَيْ أَحَدَ صَاحِبَيْ الْقَوْلَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ ( يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّفْصِيلُ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ ) أَيْ التَّفْصِيلِ ( بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَازَ التَّفْصِيلُ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِخَطَئِهِ إلَخْ ( وَكَذَا ) الْمُطْلِقُ ( الْآخَرُ ) يَقُولُ لَا يَجُوزُ التَّفْصِيلُ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ بِمَا ذَكَرْنَا ( فَيَلْزَمُ ) مِنْ الْإِحْدَاثِ لَهُ ( خَطَؤُهُمْ ) أَيْ الْأُمَّةِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْقَوْلِ قَوْلٌ بِالْعَدَمِ ( وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَجُزْ ) إحْدَاثُ كُلٍّ مِنْ الدَّلِيلِ وَالتَّأْوِيلِ ( لَأَنْكَرَ ) إحْدَاثَهُ ( حِينَ وَقَعَ ) ضَرُورَةَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنْكِرُوهُمْ لَا يَسْكُتُونَ عَنْهُ ( لَكِنْ ) لَمْ يُنْكِرْ بَلْ ( كُلُّ عَصْرٍ بِهِ يَتَمَدَّحُونَ ) وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ فَضْلًا فَكَانَ إجْمَاعًا قَالَ مَانِعُو جَوَازِهِ أَوَّلًا هُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ؛ لِأَنَّ سَبِيلَهُمْ الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ السَّابِقُ وَهَذَا الْحَادِثُ غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ بِالْآيَةِ .
قُلْنَا مَمْنُوعٌ بَلْ كَمَا قَالَ ( وَاتِّبَاعُ غَيْرِ سَبِيلِهِمْ اتِّبَاعُ خِلَافِ مَا قَالُوهُ ) مُتَّفِقِينَ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْمُغَايَرَةِ ( لَا مَا لَمْ يَقُولُوهُ ) وَهَذَا مَا لَمْ يَقُولُوهُ ، ثُمَّ إنَّ الْمُحْدِثَ لَهُ لَمْ يَتْرُكْ دَلِيلَ الْأَوَّلِينَ وَلَا تَأْوِيلَهُمْ ، وَإِنَّمَا ضَمَّ دَلِيلًا وَتَأْوِيلًا إلَى دَلِيلِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمْ .
( قَالُوا ) أَيْ مَانِعُو جَوَازِهِ ثَانِيًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ } أَيْ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِتَعَرُّفِهِ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ الْمُفِيدَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ( فَلَوْ كَانَ ) الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ الْمُحْدَثُ ( مَعْرُوفًا أُمِرُوا ) أَيْ الْأَوَّلُونَ ( بِهِ ) ضَرُورَةً

لَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فَلَمْ يَجُزْ الْمَصِيرُ إلَيْهِ ( عُورِضَ لَوْ كَانَ ) الدَّلِيلُ أَوْ التَّأْوِيلُ الْمُحْدَثُ ( مُنْكَرًا لَنَهَوْا عَنْهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ } أَيْ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ ؛ لِأَنَّهُ عَامٌّ لِتَعَرُّفِهِ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ الْمُفِيدَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَنْهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ مُنْكَرًا بَلْ مَعْرُوفًا ، ثُمَّ فِي الْمُلَخَّصِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِيمَا إذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى كَذَا إلَّا مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الدَّلِيلُ الثَّانِي مِمَّا تَتَغَيَّرُ دَلَالَتُهُ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ دَلِيلًا مِثْلَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْخُصُوصِ أَوْ يَنْقُلَهُ إلَى الْمَجَازِ أَوْ النَّسْخِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُمْ كَمَا لَا يَصِحُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا ، ثُمَّ هَلْ يَجْرِي التَّعْلِيلُ بِعِلَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى مَجْرَى الدَّلِيلِ فِي الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ فَإِنْ قُلْنَا بِجَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ فَأَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ وَسُلَيْمٌ نَعَمْ هِيَ كَالدَّلِيلِ فِي جَوَازِ إحْدَاثِهَا إلَّا إذَا قَالُوا لَا عِلَّةَ إلَّا هَذِهِ أَوْ تَكُونُ الثَّانِيَةُ بِخِلَافِ الْأُولَى فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ حِينَئِذٍ فَاسِدَةً ، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ إنْ كَانَ لِحُكْمٍ عَقْلِيٍّ فَلَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِعِلَّتَيْنِ ، وَإِنْ قُلْنَا يُمْنَعُ التَّعْلِيلُ بِعِلَّتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ عِلَّتَهُمْ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنَدٍ ) أَيْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ إذْ رُتْبَةُ الِاسْتِقْلَالِ بِإِثْبَاتِ الْأَحْكَامِ لَيْسَتْ لِلْبَشَرِ ( وَإِلَّا ) لَوْ جَازَ الْإِجْمَاعُ لَا عَنْ مُسْتَنَدٍ ( انْقَلَبَتْ الْأَبَاطِيلُ صَوَابًا أَوْ أُجْمِعَ عَلَى خَطَأٍ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ ( قَوْلُ كُلٍّ ) مِنْ الْمُجْمِعِينَ ( وَقَوْلُ كُلٍّ بِلَا دَلِيلٍ مُحَرِّمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ لِلشَّرْعِ بِالتَّشَهِّي وَهُوَ بَاطِلٌ فَكَوْنُهُ بِلَا مُسْتَنَدٍ بَاطِلٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا لُزُومُ اللَّازِمِ الْمَذْكُورِ وَبُطْلَانُهُ إلَّا أَنَّ ( لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ ) ذِكْرُ أَحَدِ اللَّازِمَيْنِ كَافٍ لِعَدَمِ انْفِكَاكِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ انْقِلَابَ الْبَاطِلِ صَوَابًا بِالْإِجْمَاعِ إجْمَاعٌ عَلَى خَطَأٍ كَمَا أَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْخَطَأِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ انْقِلَابُ الْبَاطِلِ صَوَابًا فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَاسْتَدَلَّ ) لِهَذَا الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ ( يَسْتَحِيلُ ) الْإِجْمَاعُ ( عَادَةً مِنْ الْكُلِّ لَا لِدَاعٍ ) يَدْعُو إلَى الْحُكْمِ مِنْ دَلِيلٍ أَوْ أَمَارَةٍ ( كَالِاجْتِمَاعِ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ ) أَيْ كَاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى اشْتِهَاءِ طَعَامٍ وَاحِدٍ ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( بِأَنَّهُ ) لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي دَلِيلًا شَرْعِيًّا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ( بِخَلْقِ الضَّرُورِيِّ ) أَيْ بِسَبَبِ خَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ عِنْدَهُمْ بِهِ فَيَصْدُرُ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ وَهُوَ لَيْسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَالْمُسْتَنَدُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا ( وَيَصْلُحُ ) هَذَا الدَّفْعُ .
( جَوَابَ الْأَوَّلِ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ ( أَيْضًا إذْ الضَّرُورِيُّ حَقٌّ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الدَّفْعَ ( فَرْضٌ غَيْرَ وَاقِعٍ ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ تَعَالَى خَاطَبَ بِكَذَا لَا يَثْبُتُ ضَرُورَةً عَقْلِيَّةً بَلْ بِالسَّمْعِ ) وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ ( وَلَوْ أُلْقِيَ فِي الرُّوعِ ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ الْقَلْبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُجَوَّزِينَ بِقَوْلِهِمْ وَذَلِكَ بِأَنْ

يُوَفِّقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لِاخْتِيَارِ الصَّوَابِ ( فَإِلْهَامٌ ) وَهُوَ ( لَيْسَ حُجَّةً إلَّا عَنْ نَبِيٍّ قَالُوا ) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ ( لَوْ كَانَ ) الْإِجْمَاعُ عَنْ سَنَدٍ ( لَمْ يُفِدْ الْإِجْمَاعُ ) لِلِاسْتِغْنَاءِ بِالسَّنَدِ عَنْهُ ( أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ حِينَئِذٍ ( التَّحَوُّلُ ) لِلْحُكْمِ إذَا كَانَ ظَنِّيًّا مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّنِّيَّةِ ( إلَى الْأَحْكَامِ الْقَطْعِيَّةِ ) وَهُوَ سُقُوطُ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَكَيْفِيَّةُ دَلَالَتِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ طَلَبُ الدَّلِيلِ الَّذِي صَدَرَ الْإِجْمَاعُ عَنْهُ بَلْ إنْ ظَهَرَ أَوْ نُقِلَ إلَيْهِ كَانَ أَحَدَ أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ نَفْيَ فَائِدَةِ الْإِجْمَاعِ عَنْ دَلِيلٍ ( يَسْتَلْزِمُ لُزُومَ نَفْيِ الْمُسْتَنَدِ ) لِإِيجَابِهِ عَدَمَ انْعِقَادِهِ عَنْ دَلِيلِ الْمُسْتَلْزِمِ لِوُجُوبِ كَوْنِهِ عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ الْمُسْتَنَدُ لَا يَجِبُ لَا إنَّ عَدَمَهُ يَجِبُ ( ثُمَّ يَجُوزُ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُسْتَنَدِ ( قِيَاسًا خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ ) وَابْن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَاسْتُغْرِبَ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَنْعَ الظَّاهِرِيَّةِ لَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي مَنْعِ الْقِيَاسِ وَهُوَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهِ وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى عَكْسِ هَذَا كَمَا سَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي خَاتِمَةِ الْمَسْأَلَةِ .
( وَبَعْضُهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ ( يُجَوِّزُهُ ) أَيْ كَوْنَهُ عَنْ قِيَاسٍ عَقْلًا وَيَقُولُ ( وَلَمْ يَقَعْ لَنَا مَانِعٌ يُقَدَّرُ ) فِي عَدَمِ كَوْنِ الْقِيَاسِ سَنَدَ الْإِجْمَاعِ ( إلَّا الظَّنِّيَّةَ ) أَيْ كَوْنَهُ دَلِيلًا ظَنِّيًّا ظَنًّا أَنَّ الْإِجْمَاعَ حَيْثُ كَانَ أَصْلًا قَطْعِيًّا مِنْ أُصُولِ الدِّينِ مَعْصُومًا عَنْ الْخَطَأِ لَا يَكُونُ مُسْتَنِدًا إلَى ظَنِّيٍّ مُعَرَّضٍ لِلْخَطَأِ غَيْرِ مَعْصُومٍ عَنْهُ إذْ الْمُجْتَهِدُ قَدْ يُخْطِئُ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ فَرْعِ الشَّيْءِ أَقْوَى مِنْهُ ( وَلَيْسَتْ ) الظَّنِّيَّةُ لِلدَّلِيلِ ( مَانِعَةً ) مِنْ صَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ ( كَالْآحَادِ ) أَيْ كَخَبَرِ

الْآحَادِ فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ قَالَ فِي الْبَدِيعِ وَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَنْهُ بَلْ حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْكُتُبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْمِيزَانِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ وَالْقَاشَانِيِّ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَفِي أُصُولِ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ ابْنُ جَرِيرٍ يَقُولُ الْإِجْمَاعُ الْمُوجِبُ لِلْعِلْمِ قَطْعًا لَا يَصْدُرُ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا عَنْ قِيَاسٍ وَعَلَى هَذَا فَيَنْتَفِي احْتِجَاجُ ابْنِ الْقَطَّانِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَافَقَ عَلَى وُقُوعِهِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ فَكَذَلِكَ الْقِيَاسُ ، ثُمَّ مَنَعَ كَوْنَ الْقِيَاسِ الَّذِي يَسْتَنِدُ الْإِجْمَاعُ ظَنِّيًّا ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ سَبَقَهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقِيَاسُ ظَنِّيًّا بَلْ قَطْعِيًّا لِوُقُوعِ الْإِجْمَاعِ عَلَى صِحَّتِهِ فَيَكُونُ إسْنَادُ الْإِجْمَاعِ إلَى قَطْعِيٍّ لَا إلَى ظَنِّيٍّ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ الْأَصْلِ .
قُلْت إلَّا أَنَّ فِي هَذَا تَأَمُّلًا فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا عُلِمَ انْعِقَادُهُ لِدَلِيلٍ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلِ وَهَذَا مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْأَشَاعِرَةِ .
وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَى الْحُكْمِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الدَّلِيلِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ الْمَطْلُوبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فَيَكُونُ مُنْعَقِدًا عَلَيْهِ لَا عَلَى الدَّلِيلِ .
قَالُوا وَمِمَّا يُبْتَنَى عَلَيْهِ لَوْ انْعَقَدَ عَلَى مُوجَبِ خَبَرٍ فَعِنْدَ الْأَوَّلَيْنِ يَكُونُ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ طَرِيقًا مَخْصُوصًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ النَّقْلُ فَيُطْلَبُ صِحَّتُهُ وَعَدَمُ

صِحَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الطَّرِيقِ لَكِنَّ نَقْلَ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ جَوَازِ انْعِقَادِهِ عَنْ جَلِيِّ الْقِيَاسِ دُونَ خَفِيِّهِ ( وَ ) قَدْ ( وَقَعَ قِيَاسُ الْإِمَامَةِ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيَاسًا ( عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ ) لَهُ { فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيَّنَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ } كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ { لَمَّا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ الْأَنْصَارُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَأَتَاهُمْ عُمَرُ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأَيُّكُمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا نَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ } حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ وَافَقْنَا مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طِيبَ نَفْسٍ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصِّدِّيقَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ رَضِيَهُ لِدِينِنَا فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا .
( وَفِيهِ ) أَيْ وَفِي كَوْنِ هَذَا مِمَّا مُسْتَنَدُهُ الْقِيَاسُ ( نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةَ ( أَثْبَتُوهُ ) أَيْ كَوْنَ أَبِي بَكْرٍ إمَامًا فِي الْكُبْرَى ( بِأَوْلَى ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا تَقَدَّمَ وَخُصُوصًا الْأَخِيرَ ( وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الْمُفِيدَةُ لَهُ هِيَ ( الدَّلَالَةُ ) عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ ) عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى النَّصِّ ( لَكِنْ ) وَقَعَ الْإِجْمَاعُ مُسْتَنِدًا إلَى

الْقِيَاسِ فِي غَيْرِ هَذَا وَهُوَ ( حَدُّ الشُّرْبِ ) لِلْخَمْرِ فَإِنَّهُ ثَمَانُونَ لِلْحُرِّ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قِيَاسًا ( عَلَى الْقَذْفِ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) كَمَا يُفِيدُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ نَجْلِدَهُ ثَمَانِينَ فَإِنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرَوَى الْحَدِيثَ مَرَّةً مُقْتَصِرًا عَلَى هَذَا وَمَرَّةً عَلَى هَذَا ، ثُمَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَيَمْنَعُهُ ) أَيْ ثُبُوتَ الْحَدِّ بِالْقِيَاسِ ( بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ ) لَكِنَّ الْوَجْهَ إسْقَاطُ بَعْضٍ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ كَمَا يُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهِ فِي مَسْأَلَةٍ عَقِبَ مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْقِيَاسِ وَيُشِيرُ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَأْثُورَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَنْتَهِضُ عَلَيْهِمْ وَنَذْكُرُ ثَمَّةَ مَا يُيَسِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَإِذَا تَمَّ مَنْعُ هَذَا ( فَالشَّيْرَجُ النَّجِسُ عَلَى السَّمْنِ فِي الْإِرَاقَةِ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَأَفْصَحَ بِهِ شَارِحُو كَلَامِهِ وَغَيْرُهُمْ أَيْ فَالْإِجْمَاعُ عَلَى إرَاقَةِ الشَّيْرَجِ النَّجِسِ الْمَائِعِ قِيَاسًا عَلَى إرَاقَةِ السَّمْنِ النَّجِسِ الْمَائِعِ الْمُسْتَفَادِ مِمَّا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ فَقَالَ إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ } وَقَدْ أُعِلَّ بِأَنَّهُ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرٌ

عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ كَانَ يَضْطَرِبُ فِي إسْنَادِهِ كَمَا يَضْطَرِبُ فِي مَتْنِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا تَقْرَبُوهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ فَإِنَّ جُمْهُورَهُمْ يُجَوِّزُ الِاسْتِصْبَاحَ بِهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يُجَوِّزُ بَيْعَهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْإِجْمَاعُ فِي هَذَا بِالْقِيَاسِ ( وَصَرَّحَ مُتَأَخِّرٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا بِنَفْيِ قَطْعِيَّةِ الْمُسْتَنَدِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ بَلْ الْإِجْمَاعُ يُفِيدُهَا ) أَيْ الْقَطْعِيَّةَ ( كَأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا مِنْ قَائِلِهِ ( لِنَفْيِ الْفَائِدَةِ ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ السَّنَدِ قَطْعِيًّا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِ ، ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعِ حُجَّةٌ قَطْعًا وَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ إلَّا فِي مَوْضِعٍ فِيهِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَالْحُكْمُ بِهِ مَعْلُومٌ لَمْ يَكُنْ فِي انْعِقَادِهِ حُجَّةٌ فَائِدَةٌ وَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِلْعِبَادِ إذْ الشَّرَائِعُ مَا شُرِعَتْ إلَّا لِمَصْلَحَةِ الْعِبَادِ وَفَائِدَتِهِمْ ، ثُمَّ حَيْثُ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ كَوْنُهُ حُجَّةً دَلَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّ فِي انْعِقَادِهِ فَائِدَةً وَهُوَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُ لَا تَيَقُّنَ فِي ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِهِمَا وَلِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا عُرِفَ حُجَّةً كَرَامَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَتَى وَقَعَتْ حَادِثَةٌ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ قَاطِعٌ وَعَمِلُوا فِيهَا بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْخَطَأِ .
وَجَازَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْخَطَأِ كَانَ قَوْلًا بِخُرُوجِ الْحَقِّ عَنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمَسُّ الْحَاجَةِ إلَى تَجْدِيدِ الرِّسَالَةِ وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ لِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى بِكَوْنِ رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ

الْأَنْبِيَاءِ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً لِهَذِهِ الْحَاجَةِ أَلَا يُرَى أَنَّ إجْمَاعَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِمَا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ حَالَ حَيَاةِ رُسُلِهِمْ وَبَعْدَ وَفَاتِهِمْ بِتَجْدِيدِ الرِّسَالَةِ وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ فِي حَالِ حَيَاةِ الرَّسُولِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَاجَةَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ دُونَ مَوْضِعِ الْآيَةِ الْمُفَسِّرَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْحُكْمُ قَطْعًا فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَثَبَتَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ فَيَنْعَقِدُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ لَا فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَلِعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوجِبَةَ لِكَوْنِهِ حُجَّةً لَا تُفْصَلُ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الدَّاعِي دَلِيلًا قَاطِعًا أَوْ ظَاهِرًا مَعَ الشُّبْهَةِ فَاشْتِرَاطُ الْقَطْعِيِّ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِلَا دَلِيلٍ وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ، ثُمَّ إذَا كَانَ الْمَبْنِيُّ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُحْتَمَلِ حُجَّةً فَعَلَى الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَإِذَا قِيلَ ) الْقِيَاسُ الْمُسْتَنِدُ إلَى قَطْعِيٍّ ( يُفِيدُهَا ) أَيْ الْقَطْعِيَّةَ ( بِأَوْلَى ) أَيْ بِطَرِيقٍ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ ( انْتَفَى ) التَّوَجُّهُ الْمَذْكُورُ ( هَذَا عَلَى عَدَمِ تَفَاوُتِ الْقَطْعِيِّ قُوَّةً كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ) .
وَأَمَّا عَلَى تَفَاوُتِهِ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ فَالْحَاجَةُ إلَى مُطْلَقِ الْحُجَّةِ وَالدَّلِيلِ ثَابِتَةٌ وَفِي كَثْرَةِ الدَّلَائِلِ تَيْسِيرٌ عَلَى النَّاسِ لِيَطْلُبُوا الْحَقَّ بِأَيِّ دَلِيلٍ اتَّفَقَ لَهُمْ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاقِعٌ بَلْ وَمُرَادٌ لَهُمْ مِنْ الشَّارِعِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَفِي الْمِيزَانِ وَلِأَنَّا وَجَدْنَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ الْكِتَابَ وَالْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ الْمَاسَّةُ تَرْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا فَكَذَا إذَا وُجِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَهَا وَلِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ

أَنَّهُ لَا حَاجَةَ وَلَكِنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ وَرَفْعِ الْمُؤْنَةِ عَنْ طَلَبِ الْحَقِّ بِالِاجْتِهَادِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ ، وَأَمَّا فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونَ الْإِجْمَاعُ حُجَّةً وَقَوْلُ الرَّسُولِ حُجَّةٌ فَيَكُونَ حُجَّتَيْنِ وَهَكَذَا تَقُولُ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ إنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ لِمَا قُلْنَا انْتَهَى هَذَا ، وَفِي التَّلْوِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِي كَوْنِ السَّنَدِ قَطْعِيًّا ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ اتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ عَلَى حُكْمٍ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَظَاهِرُ الْبُطْلَانِ ، وَكَذَا إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فَلَا يُتَصَوَّرُ النِّزَاعُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الثَّابِتِ مُحَالٌ .

( مَسْأَلَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا ) أَيْ مُجْتَهِدُو عَصْرٍ ( دَلِيلًا رَاجِحًا ) أَيْ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُكَافِئِ لَهُ ( عَمِلُوا بِخِلَافِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَمِلُوا عَلَى وَفْقِهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ الرَّاجِحِ حَالَ كَوْنِهِمْ ( مُصِيبِينَ ) فِي الْحُكْمِ لَكِنْ بِدَلِيلٍ مَرْجُوحٍ ( فَقِيلَ كَذَلِكَ ) أَيْ لَا يَجُوزُ ( لِأَنَّ الرَّاجِحَ سَبِيلُهُمْ ) أَيْ الْمُؤْمِنِينَ ( وَعَمِلُوا بِغَيْرِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ مُوَافَقَةِ الْحُكْمِ لِلدَّلِيلِ لَيْسَ اتِّبَاعًا لَهُ بَلْ إذَا أَخَذُوهُ مِنْهُ ( وَالْمُجَوِّزُ ) لِعَمَلِهِمْ عَلَى وَفْقٍ رَاجِحٍ مُصِيبِينَ فِي الْحُكْمِ لَكِنَّ الْمَرْجُوحَ يَقُولُ ( لَيْسَ ) عَدَمُ الْعِلْمِ بِالرَّاجِحِ ( بِإِجْمَاعٍ عَلَى عَدَمِهِ ) أَيْ الرَّاجِحِ ( لِيَكُونَ ) عَمَلُهُمْ بِالْمَرْجُوحِ عَلَى وَفْقِ الرَّاجِحِ ( خَطَأً ) فَإِنَّ الْخَطَأَ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَوْلًا بِعَدَمِ الْحُكْمِ فِيهَا ( وَسَبِيلُهُمْ مَا عَمِلُوا بِهِ لَا مَا ) أَيْ لَا الرَّاجِحُ الَّذِي ( لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ بَلْ هُوَ ) أَيْ الَّذِي لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ لَمْ يَخْطِرْ لَهُمْ ( مِنْ شَأْنِهِ ) أَنْ يَكُونَ سَبِيلَهُمْ لَا أَنَّهُ سَبِيلُهُمْ بِالْفِعْلِ وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَاِبْنُ الْحَاجِبِ ، ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفِينَ بِالْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ فَاشْتِرَاكُهُمْ فِي عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ .

( مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ امْتِنَاعُ ارْتِدَادِ أُمَّةِ عَصْرٍ سَمْعًا ، وَإِنْ جَازَ ) ارْتِدَادُهُمْ ( عَقْلًا ) إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ ( وَقِيلَ يَجُوزُ ) شَرْعًا كَمَا يَجُوزُ عَقْلًا ( لَنَا أَنَّهُ ) أَيْ ارْتِدَادَهُمْ ( إجْمَاعٌ عَلَى الضَّلَالَةِ ) فَإِنَّ الرِّدَّةَ ضَلَالَةٌ وَأَيُّ ضَلَالَةٍ .
( وَالسَّمْعِيَّةُ ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ ( تَنْفِيهِ ) أَيْ إجْمَاعَهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ ( وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرِّدَّةَ تُخْرِجُهُمْ ) أَيْ الْأُمَّةَ ( عَنْ تَنَاوُلِهَا ) أَيْ السَّمْعِيَّةِ إيَّاهُمْ ( إذْ لَيْسُوا أُمَّتَهُ ) حِينَئِذٍ ( وَالْجَوَابُ يَصْدُقُ ) إذَا ارْتَدُّوا أَنَّهُ ( ارْتَدَّتْ أُمَّتُهُ قَطْعًا ) أَيْ وَهُوَ أَعْظَمُ الْخَطَإِ وَإِيرَادُ صِدْقِ أَنَّ الْأُمَّةَ ارْتَدَّتْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ إذَا أُطْلِقَ بَعْدَ وُقُوعِ الرِّدَّةِ أَمَّا فِي حَالِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَيُمْكِنُ الْتِفَاتُ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْعِلَّةَ مَعَ الْمَعْلُولِ أَوْ سَابِقِهِ فَإِنَّ الِارْتِدَادَ عِلَّةُ خُرُوجِهِمْ عَنْ كَوْنِهِمْ أُمَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى خُرُوجِهِمْ صَدَقَ مَعَهُ لَفْظُ الْأُمَّةِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَلَا ، ثُمَّ ظَاهِرُ دَلِيلِ الْمُخْتَارِ أَنَّ السَّمْعِيَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ } وَنَظَائِرُهُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَلَوْ اسْتَدَلَّ بِنَحْوِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ } لَكَانَ أَوْضَحَ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو عَنْ قَائِمٍ بِالْحَقِّ وَيَسْتَحِيلُ مَعَهُ رِدَّةُ الْكُلِّ .

( مَسْأَلَةٌ ظُنَّ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ الثُّلُثُ ) مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ ( يَتَمَسَّكُ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِ الْكُلِّ بِالثُّلُثِ إذَا قِيلَ بِهِ ) أَيْ بِالثُّلُثِ ( وَبِالنِّصْفِ وَالْكُلِّ وَلَيْسَ ) هَذَا الظَّنُّ وَاقِعًا مَوْقِعَهُ ( لِأَنَّ نَفْيَ الزَّائِدِ ) عَلَى الثُّلُثِ ( جُزْءُ قَوْلِهِ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ بِوُجُوبِ الثُّلُثِ فَقَطْ إذْ هُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حُكْمَيْنِ وُجُوبِ الثُّلُثِ ( وَ ) نَفْيِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ ( لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ لَا بُدَّ فِي نَفْيِهِ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ فَإِنْ أَبْدَى وُجُودَ مَانِعٍ مِنْ الزِّيَادَةِ كَالْكُفْرِ أَوْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ لَهَا كَالْإِسْلَامِ أَوْ عَدَمِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزِّيَادَةِ فَلَيْسَ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِي شَيْءٍ بَلْ هِيَ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْهُ .

( مَسْأَلَةٌ إنْكَارُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ) كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ الْمَنْقُولِ بِالتَّوَاتُرِ ( يُكَفِّرُ ) مُتَعَاطِيَهُ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَطَائِفَةٍ ) ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ سَنَدٍ قَاطِعٍ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ إنْكَارَ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كُفْرٌ غَيْرَ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا إلَى الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَ عَلَى الْعُمُومِ فِيهِمْ إذْ فِي الْمِيزَانِ فَأَمَّا إنْكَارُ مَا هُوَ ثَابِتٌ قَطْعًا مِنْ الشَّرْعِيَّاتِ بِأَنْ عَلِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ انْتَهَى .
وَالتَّقْوِيمُ مُشِيرٌ إلَيْهِ أَيْضًا إذْ فِيهِ لَمْ نُبَالِ بِخِلَافِ الرَّوَافِضِ إيَّانَا فِي إمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَبِخِلَافِ الْخَوَارِجِ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ لِفَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ ، وَإِنْ كُنَّا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِلشُّبْهَةِ ( وَطَائِفَةٌ لَا ) تُكَفِّرُهُ وَهُوَ مَعْزُوٌّ إلَى بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ حُجِّيَّتِهِ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ فَلَا يُفِيدُ الْعِلْمَ فَإِنْكَارُ حُكْمِهِ لَيْسَ بِكُفْرٍ كَإِنْكَارِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ دَلِيلَ حُجِّيَّتِهِ قَطْعِيٌّ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ فَلَا يَتِمُّ أَمْرُ هَذَا الْبِنَاءِ ( وَيُعْطِي الْأَحْكَامُ ) لِلْآمِدِيِّ ( وَغَيْرِهِ ) كَمُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( ثَلَاثَةً ) مِنْ الْأَقْوَالِ ( هَذَيْنِ وَالتَّفْصِيلِ ) وَهُوَ ( مَا ) كَانَ ( مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ ) أَيْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِلتَّشْكِيكِ كَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَوُجُوبِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَخَوَاتِهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ ( يُكَفَّرُ ) مُنْكِرُهُ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بِأَنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ مِنْهُ إلَّا الْخَوَاصُّ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَإِعْطَاءِ السُّدُسِ

لِلْجَدَّةِ وَحُرْمَةِ تَزَوُّجِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا ( فَلَا ) يُكَفَّرُ مُنْكَرُهُ .
( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمُعْطَى ( غَيْرُ وَاقِعٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ إنْكَارَ نَحْوِ الصَّلَاةِ لَا يُكَفَّرُ مُتَعَاطِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا ( إذْ لَا مُسْلِمَ يَنْفِي كُفْرَ مُنْكِرِ نَحْوَ الصَّلَاةِ ) فَلَيْسَ فِي الْوَاقِعِ إلَّا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا التَّكْفِيرُ مُطْلَقًا وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِمَا لَفْظُهُ فَشَا فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ خَارِقَ الْإِجْمَاعِ يُكَفَّرُ وَهُوَ بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَ الْإِجْمَاعِ لَا يُكَفَّرُ وَالْقَوْلُ فِي التَّكْفِيرِ وَالتَّبَرِّي لَيْسَ بِالْهَيِّنِ ، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ مَنْ اعْتَرَفَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَقَرَّ بِصِدْقِ الْمُجْمِعِينَ فِي النَّقْلِ ، ثُمَّ أَنْكَرَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ كَانَ هَذَا التَّكْذِيبُ آيِلًا إلَى الشَّارِعِ وَمَنْ كَذَّبَ الشَّارِعَ كَفَرَ ، وَالْقَوْلُ الضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ طَرِيقًا فِي ثُبُوتِ الشَّرْعِ لَمْ يَكْفُرْ وَمَنْ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ الشَّيْءِ مِنْ الشَّرْعِ ثُمَّ جَحَدَهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلشَّرْعِ ، وَإِنْكَارُ جُزْءٍ مِنْ الشَّرْعِ كَإِنْكَارِ كُلِّهِ ثَانِيهمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَعَلَيْهِ مَشَى ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَعَلَّلَ إكْفَارَ مَنْ اعْتَقَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِكِ فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ خِلَافَ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ صَارَ بِخِلَافِهِ جَاحِدًا لِمَا قُطِعَ بِهِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ كَالْجَاحِدِ لِصِدْقِ الرَّسُولِ .
( وَإِذَا حُمِلَ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْخُصُوصِ ) وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فِيمَا فِي الْأَحْكَامِ وَمَا وَافَقَهُ لِيَنْدَفِعَ وُرُودُ هَذَا اللَّازِمِ الْبَاطِلِ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِعَدَمِ صِحَّةِ تَقْسِيمِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ إذْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ ( لَمْ يَتَنَاوَلْهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ بَلْ

يُبَايِنُهُ ، ثُمَّ يُقَالُ وَلَيْسَ كَوْنُ الشَّيْءِ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ لَهُ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ ( لِأَنَّ حُكْمَهُ حِينَئِذٍ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( مَا لَيْسَ ) نَاشِئًا ( إلَّا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْإِجْمَاعِ ، وَالْمَعْلُومُ بِالضَّرُورَةِ الدِّينِيَّةِ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ ظُهُورِ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ ظُهُورَ اشْتِرَاكٍ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مِنْهُ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ صَفِيُّ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ فِي النِّهَايَةِ جَاحِدًا الْحُكْمَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعٍ قَطْعِيٍّ لَا يُكَفَّرُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْفُقَهَاءِ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَنَا بِالْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ ؛ لِأَنَّ جَاحِدَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الظَّنِّيِّ لَا يُكَفَّرُ وِفَاقَا انْتَهَى .
وَجَعَلَ السُّبْكِيُّ لِمُنْكِرِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَيْرِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ : مُنْكِرُ إجْمَاعٍ ذِي شُهْرَةٍ فِيهِ نَصٌّ كَحِلِّ الْبَيْعِ فَفِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَافِرٌ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا رَيْبَ فِي كُفْرِهِ لِتَكْذِيبِهِ الصَّادِقَ ، وَمُنْكِرُ إجْمَاعٍ ذِي شُهْرَةٍ لَا نَصَّ فِيهِ قِيلَ لَا يُكَفَّرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَكْذِيبِ الصَّادِقِ إذْ الْفَرْضُ أَنْ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَإِنَّمَا كَذَّبَ الْمُجْمِعِينَ وَالْأَصَحُّ يُكَفَّرُ ؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَهُمْ يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ الصَّادِقِ ، وَمُنْكِرُ إجْمَاعٍ لَيْسَ بِذِي شُهْرَةٍ وَالْأَصَحُّ لَا يُكَفَّرُ وَعَبَّرَ عَنْهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ جَاحِدًا لِخَفِيٍّ وَلَوْ مَنْصُوصًا وَمَثَّلَ بِاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الصُّلْبِيَّةِ فَإِنَّهُ قَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ لِتَكْذِيبِهِ الْأُمَّةَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْ الْأُمَّةَ صَرِيحًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا فَهُوَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ انْتَهَى .
وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ الْمُنْكِرُ

إذَا اعْتَرَفَ بِالْعِلْمِ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ بِالْقَطْعِيِّ مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ نَصًّا كَعَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَقِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَمَعَ سُكُوتِ بَعْضِهِمْ ) وَلَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ كَأَنَّهُ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ وَالْعِلْمِ بِهِ فَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ فِي الْأَصْلِ انْتَهَى وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ حُكْمُهُ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُرَادُ بِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا عَلَى سَبِيلِ التَّيَقُّنِ انْتَهَى .
أَيْ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ أَنْ يَثْبُتَ الْمُرَادُ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ كَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى شَيْءٍ نَصًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ تَوَهُّمُ الْخَطَأِ وَقَيَّدَ بِالْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ قَطْعًا وَيَقِينًا بِسَبَبِ الْعَارِضِ كَمَا إذَا ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِنَصِّ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْآخَرِينَ وَكَثُبُوتِ بُطْلَانِ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ وَكَإِجْمَاعِ الْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ أَنْ يُوجِبَ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْآيَةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ فَيُكَفَّرُ جَاحِدُ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ بِأَنْ يَكُونَ حُكْمًا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ كَجَاحِدِهِمَا لَا حُكْمَ كُلِّ إجْمَاعٍ لِيَتَنَاوَلَ إجْمَاعًا نَصَّ الْبَعْضُ عَلَى حُكْمِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ الْبَاقُونَ وَإِجْمَاعًا لِلْعَصْرِ الثَّانِي بَعْدَ سَبْقِ الْخِلَافِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَيْضًا قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ هَذَا أَيْ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَرَاتِبَ فَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ مِثْلُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَإِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِذَا صَارَ الْإِجْمَاعُ مُجْتَهَدًا فِي السَّلَفِ كَانَ كَالصَّحِيحِ مِنْ الْآحَادِ انْتَهَى .

وَمُنْكِرُ خَبَرِ الْآحَادِ لَا يُكَفَّرُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي كَوْنِهِ مَقْطُوعًا بِهِ حَتَّى يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَهَذَا أَقْوَى مَا يَكُونُ مِنْ الْإِجْمَاعِ فَفِي الصَّحَابَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعِتْرَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ قَطْعًا فَيُكَفَّرُ جَاحِدُهُ كَمَا يُكَفَّرُ جَاحِدُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ انْتَهَى .
فَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ قَائِلًا بِإِكْفَارِ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مِنْ كَلَامِهِ بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُ إكْفَارِ مُنْكِرِهِ بَلْ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُبَدَّعُ مُنْكِرُ حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ أَوْ الَّذِي لَمْ يَنْقَرِضْ أَهْلُ عَصْرِهِ أَوْ الْإِجْمَاعَاتُ الَّذِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْمُعْتَبَرُونَ فِي انْتِهَاضِهِ حُجَّةً ( وَأَمَّا ) مُنْكِرُ إجْمَاعِ ( مَنْ بَعْدَهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( بِلَا سَبْقِ خِلَافٍ فَيُضَلَّلُ ) وَيُخَطَّأُ مِنْ غَيْرِ إكْفَارٍ ( كَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ ) أَيْ كَمُنْكِرِهِ ( وَالْمَسْبُوقِ بِهِ ) أَيْ بِخِلَافِ مُسْتَقِرِّ إجْمَاعٍ ( ظَنِّيٌّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ كَالْمَنْقُولِ ) أَيْ كَالْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ ( آحَادًا ) بِأَنْ رَوَى ثِقَةٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى كَذَا فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السُّنَّةِ الْمَنْقُولَةِ بِالْآحَادِ فَيُوجِبُ الْعَمَلَ لَا الْعِلْمَ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ( وَوَجْهُ التَّرْتِيبِ ) فِي هَذِهِ الْإِجْمَاعَاتِ ( قَطْعِيَّةُ ) إجْمَاعِ ( الصَّحَابِيِّ إذْ لَمْ يُعْتَبَرْ خِلَافُ مُنْكِرِهِ ) أَيْ إجْمَاعِهِمْ ( وَضَعُفَ الْخِلَافُ ) أَيْ خِلَافُ مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ ( فِيمَنْ سِوَاهُمْ فَنَزَلَ ) إجْمَاعُ مَنْ سِوَاهُمْ ( عَنْ الْقَطْعِيَّةِ إلَى قُرْبِهَا ) أَيْ الْقَطْعِيَّةِ ( مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ وَمِثْلُهُ ) أَيْ

إجْمَاعِ مَنْ سِوَاهُمْ فِي النُّزُولِ عَنْ الْقَطْعِيَّةِ ( يَجِبُ فِي ) الْإِجْمَاعِ ( السُّكُوتِيِّ عَنْ الْأَوْجَهِ فَضُلِّلَ ) مُنْكِرُ حُكْمِهِ ( وَقَوِيَ ) الْخِلَافُ ( فِي الْمَسْبُوقِ ) بِخِلَافٍ مُسْتَقِرٍّ ( وَالْمَنْقُولِ آحَادًا فَحُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ تُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ فَيَجُوزُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي حُكْمَيْ الْمَسْبُوقِ وَالْمَنْقُولِ آحَادًا وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِهِ غَيْرَ مَسْبُوقٍ بِخِلَافٍ ( الِاجْتِهَادُ ) الْمُجْتَهِدُ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ ( بِخِلَافِهِ ) حَتَّى يُسَوَّغَ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَلِمُقَلِّدِهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ حُكْمٍ يُخَالِفُ حُكْمَهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ تَضَافُرُ الِاجْتِهَادِ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ إلَى دَرَجَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ فَيَصِيرَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَمُخَالِفِهِ .
وَإِذْ قَدْ جَازَ الِاجْتِهَادُ بِخِلَافِهِ لِمُجْتَهِدٍ مِنْ غَيْرِ الْمُجْمِعِينَ ( فَرُجُوعُ بَعْضِهِمْ ) أَيْ الْمُجْمِعِينَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ اجْتِهَادًا يَجُوزُ بِطَرِيقٍ ( أَوْلَى ، ثُمَّ لَيْسَ ) هَذَا الْإِجْمَاعُ ( نَسْخًا ) لِلْأَوَّلِ ( بَلْ مُعَارِضٌ ) لَهُ ( رَجَحَ ) عَلَيْهِ بِمُرَجِّحٍ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ حَسْبَمَا ظَهَرَ لِأَهْلِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( فَلَا يُقْطَعُ بِخَطَأِ الْأَوَّلِ وَلَا صَوَابِهِ ) فِي الْوَاقِعِ ، وَكَذَا الثَّانِي ( بَلْ هُوَ ) أَيْ قَوْلُ كُلٍّ بِخَطَأِ مُخَالِفِهِ وَإِصَابَةِ نَفْسِهِ بِنَاءٌ ( عَلَى ظَنِّ الْمُجْتَهِدِ ) وَهُوَ قَدْ يَكُونُ الثَّابِتَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَقَدْ لَا ( فَدَلِيلُ الْقَطْعِيَّةِ ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ مُسْتَفَادٌ ( مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَقْدِيمِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( عَلَى الْقَاطِعِ فِي إجْمَاعِهِمْ ) إذْ لَا يَتْرُكُونَ الْقَاطِعَ لِظَنِّيٍّ ( وَمَنَعَ الْغَزَالِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ حُجِّيَّةَ ) الْإِجْمَاعِ ( الْآحَادِيِّ إذْ لَيْسَ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ دَلِيلٌ ( قَطْعِيٌّ وَحُجِّيَّةُ غَيْرِ الْقَاطِعِ ) إنَّمَا تَكُونُ ( بِقَاطِعٍ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلَا قَاطِعَ فِيهِ ) أَيْ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ حُجَّةً

( وَالْجَوَابُ بَلْ فِيهِ ) أَيْ فِي كَوْنِ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ حُجَّةَ قَاطِعٍ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقَاطِعُ فِيهِ ( أَوْلَوِيَّتُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ ( بِهَا ) أَيْ بِالْحُجِّيَّةِ ( مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ) أَيْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنِّيِّ الدَّلَالَةِ الَّذِي تَخَلَّلَتْ وَاسِطَةٌ بَيْنَ نَاقِلِهِ وَبَيْنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إجْمَاعٌ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ ( فِي ) الْإِجْمَاعِ ( الْقَطْعِيِّ الْمَنْقُولِ آحَادًا ) الَّذِي لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَاقِلِهِ وَاسِطَةٌ بِطَرِيقٍ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ الضَّرَرِ فِي مُخَالَفَةِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ احْتِمَالِهِ فِي مُخَالَفَةِ الْمَظْنُونِ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَثْبُتُ فِيمَا تَخَلَّلَ فِي نَقْلِهِ وَاسِطَةٌ أَوْ وَسَائِطُ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ .
( وَقَدْ فَرَّقَ ) بَيْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَنَقْلِ الْإِجْمَاعِ آحَادًا ( بِإِفَادَةِ نَقْلِ الْوَاحِدِ الظَّنَّ فِي الْخَبَرِ دُونَ الْإِجْمَاعِ لِبُعْدِ انْفِرَادِهِ ) أَيْ الْوَاحِدِ ( بِالِاطِّلَاعِ ) عَلَى الْإِجْمَاعِ وَعَدَمِ بُعْدِ انْفِرَادِ الْوَاحِدِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الْخَبَرِ ( وَيُدْفَعُ الِاسْتِبْعَادُ بِعَدَالَةِ النَّاقِلِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) نَقْلُ الْوَاحِدِ الْإِجْمَاعَ ( الِانْفِرَادَ ) بِهِ أَيْضًا ( بَلْ ) يُفِيدُ ( مُجَرَّدُ عَمَلِهِ ) أَيْ النَّاقِلِ ( فَجَازَ عِلْمُ الَّذِي لَمْ يَنْقُلْهُ أَيْضًا ) إلَّا إنْ عُورِضَ الْإِجْمَاعُ الْآحَادِيُّ بِحَالٍ يَعْمَلُ بِمَا تَقْتَضِيهِ قَاعِدَةُ التَّعَارُضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( مِثَالُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ الْآحَادِيِّ ( قَوْلُ عُبَيْدَة ) السَّلْمَانِيِّ ( مَا اجْتَمَعَ أَصِحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى مُحَافَظَةِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَالْإِسْفَارِ بِالْفَجْرِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْأُخْتِ فِي عِدَّةِ الْأُخْتِ ) كَذَا تَوَارَدَهُ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ .
نَعَمْ

أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْرُكُونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ عَلَى حَالٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ مَا أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا أَجْمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ بِالْفَجْرِ ، ثُمَّ فِي التَّقْوِيمِ وَحَكَى مَشَايِخُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ نَصًّا أَنَّ إجْمَاعَ كُلِّ عَصْرٍ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُ عَلَى مَرَاتِبَ أَرْبَعَةٍ فَالْأَقْوَى إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْرَةَ وَأَهْلَ الْمَدِينَةِ يَكُونُونَ فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصِّ الْبَعْضِ وَسُكُوتِ الْبَاقِينَ ؛ لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّقْرِيرِ دُونَ النَّصِّ ، ثُمَّ إجْمَاعُ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ عَلَى حُكْمٍ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ قَوْلُ مَنْ سَبَقَهُمْ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا خُلَفَاءَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَانُوا خُلَفَاءَ الصَّحَابَةِ فَيَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خُلَفَائِهِمْ مِنْ التَّفَاوُتِ فَوْقَ مَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { خَيْرُ النَّاسِ رَهْطِي الَّذِينَ أَنَا فِيهِمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُوَا الْكَذِبُ } فَرَتَّبَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرَاتِبَ فِي الْخَيْرِيَّةِ فَكَذَلِكَ نَحْنُ نُرَتِّبُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ حُجَّةً ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ مَا تَنْتَهِي إلَيْهِ صِفَةُ الْخَيْرِيَّةِ ، ثُمَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى حُكْمٍ سَبَقَهُمْ فِيهِ مُخَالِفٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا لَا يَكُونُ إجْمَاعًا ا هـ وَعَلَى هَذَا دَرَجَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ : يُحْتَجُّ بِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( فِيمَا لَا يَتَوَقَّفُ حُجِّيَّتُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( عَلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ ( عَقْلِيًّا كَالرُّؤْيَةِ ) لِلَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ ( لَا فِي جِهَةٍ وَنَفْيِ الشَّرِيكِ ) لِلَّهِ تَعَالَى ( وَلِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( فِي الْعَقْلِيِّ ) أَيْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ ( مُفِيدُهُ الْعَقْلُ لَا الْإِجْمَاعُ ) لِاسْتِقْلَالِ الْعَقْلِ بِإِفَادَةِ الْيَقِينِ وَمَشَى عَلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَفِي بُرْهَانِهِ وَلَا أَثَرَ لِلْإِجْمَاعِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَإِنَّ الْمُتَّبَعَ فِيهَا الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ فَإِذَا انْتَصَبَتْ لَمْ يُعَارِضْهَا شِقَاقٌ وَلَمْ يُعَضِّدْهَا وِفَاقٌ وَتَعَقَّبَهُ ، فَفِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْعَقْلِيَّ قَدْ يَكُونُ ظَنِّيًّا فَبِالْإِجْمَاعِ يَصِيرُ قَطْعِيًّا كَمَا فِي تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّات وَدُفِعَ بِأَنَّ الْعَقْلَ إنْ حَكَمَ بِهِ فَلَا يَكُونُ ظَنِّيًّا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إلَّا أَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ظَنٌّ بِهِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا بِالْعَقْلِ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ غَيْرَ عَقْلِيٍّ ( كَالْعِبَادَاتِ ) أَيْ كَوُجُوبِهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ ( وَفِي الدُّنْيَوِيَّةِ كَتَرْتِيبِ أُمُورِ الرَّعِيَّةِ وَالْعِمَارَاتِ وَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ قَوْلَانِ لِعَبْدِ الْجَبَّارِ ) مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ أَحَدُهُمَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَذَكَرَ فِي الْقَوَاطِعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ دُونَ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ وَأَنَا أَعْلَمُ بِأُمُورِ دِينِكُمْ } وَكَانَ إذَا رَأَى رَأْيًا فِي الْحَرْبِ يُرَاجِعُهُ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ وَرُبَّمَا تَرَكَ رَأْيَهُ بِرَأْيِهِمْ كَمَا وَقَعَ فِي حَرْبِ بَدْرٍ وَالْخَنْدَقِ ، ثَانِيهمَا

وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِمَا وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَنَصَّ فِي الْبِدَايَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْمُخْتَارُ حُجَّةٌ إنْ كَانَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَدَالَةِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ عَلَى حُجِّيَّتِهِ لَا تُفَصَّلُ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ عَنْ وَحْيٍ فَهُوَ الصَّوَابُ ، وَإِنْ كَانَ عَنْ رَأْيٍ وَكَانَ خَطَأً فَهُوَ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ وَيَظْهَرُ الصَّوَابُ بِالْوَحْيِ أَوْ بِإِشَارَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُقَرُّ عَلَيْهِ وَالْإِجْمَاعُ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَفِي الْمِيزَانِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ إجْمَاعًا هَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي كَمَا فِي الْإِجْمَاعِ فِي أُمُورِ الدِّينِ أَمْ لَا ؟ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحَالُ يَجِبُ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ لَا يَجِبُ وَتَجُوزُ الْمُخَالَفَةُ ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَوِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْعَاجِلَةِ وَهِيَ تَحْتَمِلُ الزَّوَالَ سَاعَةً فَسَاعَةً ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( عَلَى ) حِسِّيٍّ مِنْ الْحِسِّيَّاتِ ( الْمُسْتَقْبَلَاتِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأُمُورِ الْآخِرَةِ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إجْمَاعٌ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ( بَلْ ) يُعْتَبَرُ ( مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْقُولٌ ) عَمَّنْ يُوقَفُ عَلَى الْمَغِيبِ فَرَجَعَ إلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْإِخْبَارَاتِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الْإِجْمَاعِ الْمَخْصُوصِ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الِاجْتِهَادُ كَذَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَكَأَنَّ لِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( كَذَا لِلْحَنَفِيَّةِ ) وَتَعَقَّبَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ قَدْ يَكُونُ مِمَّا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْمُخْبِرُ الصَّادِقُ بَلْ اسْتَنْبَطَهُ الْمُجْتَهِدُونَ مِنْ نُصُوصِهِ فَيُفِيدُ الْإِجْمَاعُ قَطْعِيَّتَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّ الْحِسِّيَّ الِاسْتِقْبَالِيَّ لَا

مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ فَإِنْ وَرَدَ بِهِ نَصٌّ فَهُوَ ثَابِتٌ بِهِ وَلَا احْتِيَاجَ إلَى الْإِجْمَاعِ .
وَإِنْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَلَا يُتَمَسَّكُ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ كَوُجُودِ الْبَارِئِ تَعَالَى وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ وَدَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ لِلُزُومِ الدَّوْرِ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِجْمَاعِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى عِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْخَطَأِ الْمَوْقُوفِ عَلَى ثُبُوتِ صِدْقِ الرَّسُولِ الْمَوْقُوفِ عَلَى دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِهِ الْمَوْقُوفِ عَلَى وُجُودِ الْبَارِئِ وَإِرْسَالِهِ فَلَوْ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَلَى صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ لَزِمَ الدَّوْرُ .
وَإِلَى هُنَا انْتَهَى تَحْرِيرُ أُصُولِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَبَلَغَتْ قَوَاعِدُهَا فِي سَمَاءِ الْبَيَانِ غَايَةَ الِارْتِفَاعِ فَبَرَزَتْ خَرَائِدُهَا سَافِرَةً لِلِّثَامِ فِي أَحْسَنِ حُلَّةٍ وَأَكْمَلِ قَوَامٍ سَهْلَةَ الِانْقِيَادِ لِذَوِي النُّهَى وَالْأَحْلَامِ بِتَوْفِيقِ الْمَلِكِ الْعَلِيمِ الْعَلَّامِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَفْهَامِ شَامِخَةَ الْأَنْفِ أَبِيَّةَ الزِّمَامِ ، وَمِنْ هُنَا يَقَعُ الشُّرُوعُ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مِضْمَارُ الْفُحُولِ وَمِيزَانُ الْعُقُولِ وَلِلظَّفَرِ بِدَقَائِقِهِ وَرَقَائِقِهِ عَلَى اخْتِلَافِ حَدَائِقِهِ وَحَقَائِقِهِ تُشَدُّ الرِّحَالُ وَلِلِاحْتِبَاءِ بِمَطَارِفِ أَزْهَارِهِ وَالِاجْتِنَاءِ لِأَصْنَافِ ثِمَارِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِبَهْجَةِ أَنْوَارِهِ وَالِاجْتِلَاءِ لِسَاطِعِ أَنْوَارِهِ تَسِيرُ الرِّجَالُ وَفِي مُنَازَلَةٍ تَتَمَايَزُ الْأَقْدَارُ بِحَسَبِ مَا نَالَتْهُ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَنْظَارِ وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي سُلُوكِ صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ وَالْهِدَايَة إلَى مَقْصِدِهِ الْأَسْنَى مِنْ فَضْلِهِ الْعَمِيمِ إنَّهُ سُبْحَانَهُ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ تَعَالَى ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23