كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

طُولُ صُحْبَتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَأَمْثَالُهُ كَسَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَإِنْ رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَوْا عَنْهُ لَا يَعُدُّونَ مِنْ الصَّحَابَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ صُحْبَتِهِمْ إلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَعْرَى عَنْ نَظَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَالتِّرْمِذِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ أَخْرَجُوا { لِوَابِصَةَ قَالَ أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ لَا أَدَعَ شَيْئًا مِنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ إلَّا سَأَلْته عَنْهُ } الْحَدِيثَ { وَأَنَّ رَجُلًا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ } وَابْنُ مَاجَهْ أَخْرَجَ لَهُ أَيْضًا { رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ } وَالطَّبَرَانِيُّ أَخْرَجَ لَهُ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أُخْرَى أَحَدَهَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { لَا تَتَّخِذُوا ظُهُورَ الدَّوَابِّ مَنَابِرَ } ثَانِيَهَا { سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ الْوَسَخِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْأَظْفَارِ فَقَالَ دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك } ثَالِثَهَا { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ } وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبِّقِ وَاسْمُ الْمُحَبِّقِ صَخْرٌ أَخْرَجَ لَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ وَأَحْمَدُ حَدِيثَيْنِ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثًا .
نَعَمْ مَعْقِلٌ رَوَى لَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ حَدِيثًا وَالنَّسَائِيِّ حَدِيثًا ( فَإِنْ قَبِلَهُ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا إذَا بَلَغَهُمْ أَوْ اخْتَلَفُوا قُبِلَ ) وَقُدِّمَ عَلَى الْقِيَاسِ ( كَحَدِيثِ مَعْقِلٍ ) السَّابِقِ فِي بِرْوَعَ فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي قَبُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ

الْمَشْهُورِينَ صَارَ كَأَنَّهُ رَوَاهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا قَبِلَهُ السَّلَفُ أَوْ سَكَتُوا عَنْ رَدِّهِ بَعْدَمَا بَلَغَهُمْ فَبِطَرِيقٍ أَوْلَى لِأَنَّهُمْ عُدُولٌ أَهْلُ فِقْهٍ لَا يُتَّهَمُونَ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِقَبُولِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِالسُّكُوتِ عَنْ رَدِّ مَا يَجِبُ رَدُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا عَلَى وَجْهِ الرِّضَا بِالْمَسْمُوعِ ( أَوْ رَدُّوهُ ) أَيْ السَّلَفُ حَدِيثَ الْمَجْهُولِ ( لَا يَجُوزُ ) الْعَمَلُ بِهِ ( إذَا خَالَفَهُ ) الْقِيَاسُ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ بِرَدِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَيَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى الرَّدِّ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ اتَّهَمُوهُ فِي الرِّوَايَةِ ( وَسَمَّوْهُ مُنْكَرًا كَحَدِيثِ { فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً } كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ( رَدَّهُ عُمَرُ ) فَقَالَ لَا نَتْرُكُ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا .
( وَقَالَ مَرْوَانُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حِينَ أَخْبَرَ ) بِحَدِيثِهَا الْمَذْكُورِ ( لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا امْرَأَةٌ سَنَأْخُذُ بِالْعِصْمَةِ الَّتِي وَجَدْنَا النَّاسَ عَلَيْهَا وَهُمْ ) أَيْ النَّاسُ يَوْمئِذٍ ( الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَدَلَّ أَنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ) حَدِيثُ الْمَجْهُولِ ( فِي السَّلَفِ بَلْ ) ظَهَرَ ( بَعْدَهُمْ فَلَمْ يَعْلَمْ رَدَّهُمْ وَعَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمَ رَدِّهِ ( جَازَ ) الْعَمَلُ بِهِ ( إذَا لَمْ يُخَالِفْ ) الْقِيَاسَ لِتَرَجُّحِ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ظَاهِرًا لِغَلَبَتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ( وَلَمْ يَجِبْ ) الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْعًا لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ( فَيَدْفَعَ ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّفْيِ أَيْ لِيَدْفَعَ ( نَافِيَ الْقِيَاسِ ) عَنْ مَنْعِ هَذَا

الْحُكْمِ ( أَوْ يَنْفَعَهُ ) أَيْ نَافِيَ الْقِيَاسِ وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِدَفْعِ جَوَابِ السُّؤَالِ الْقَائِلِ إذَا وَافَقَهُ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ فَمَا فَائِدَةُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ بِأَنَّهَا جَوَازُ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ نَافِي الْقِيَاسِ مِنْ مَنْعِ هَذَا الْحُكْمِ لِكَوْنِهِ مُضَافًا إلَى الْحَدِيثِ ( وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ) الدَّفْعَ أَوْ النَّفْعَ ( لَوْ قَبِلَهُ ) أَيْ السَّلَفُ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِهِ وَقَدْ يَنْفَعُهُ حَيْثُ يُضِيفُ الْحُكْمَ إلَيْهِ لَا إلَى الْقِيَاسِ لَكِنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمْ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَهُمْ ( وَرِوَايَةُ مِثْلِ هَذَا الْمَجْهُولِ فِي زَمَانِنَا لَا تُقْبَلُ ) مَا لَمْ تَتَأَيَّدْ بِقَبُولِ الْعُدُولِ لِغَلَبَةِ الْفُسَّاقِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ ( قُلْنَا ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ لِلرَّاوِي الصَّحَابِيِّ ( بَلْ وَضْعُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ التَّقْسِيمَ الْمَذْكُورَ فِيمَا هُوَ ( أَعَمُّ ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِ ( وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَالرَّاوِي إنْ عُرِفَ بِالْفِقْهِ إلَخْ غَيْرَ أَنَّ التَّمْثِيلَ وَقَعَ بِالصَّحَابَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ يَلْزَمُ ) كَوْنُ الرَّاوِي ( صَحَابِيًّا ) مِنْ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ ( فَصَارَ هَذَا حُكْمَ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَيْضًا وَلَا جَرْحَ ) لِلرَّاوِي وَالشَّاهِدِ ( بِتَرْكِ الْعَمَلِ فِي رِوَايَةٍ وَلَا شَهَادَةٍ ) لَهُمَا ( لِجَوَازِهِ ) أَيْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ ( بِمُعَارِضٍ ) مِنْ رِوَايَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ أُخْرَى أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ غَيْرِ الْعَدَالَةِ لَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّاوِي وَالشَّاهِدِ مَجْرُوحٌ .
قَالَ السُّبْكِيُّ فَإِنْ فُرِضَ ارْتِفَاعُ الْمَوَانِعِ بِأَسْرِهَا وَكَانَ مَضْمُونُ الْخَبَرِ وُجُوبًا فَتَرْكُهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ جُرْحًا قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ وَهُوَ وَاضِحٌ قُلْت نَعَمْ فِي غَيْرِ الصَّحَابِيِّ أَمَّا فِي الصَّحَابِيِّ فَلَا وَسَتَقِفُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ لِلْحَنَفِيَّةِ بَعْدَ سَبْعِ مَسَائِلَ (

وَلَا ) جُرْحَ ( بِحَدٍّ لِشَهَادَةٍ بِالزِّنَى مَعَ عَدَمِ ) كَمَالِ ( النِّصَابِ ) لِلشَّهَادَةِ بِهِ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى فِسْقِ الشَّاهِدِ وَتَقَدَّمَ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي الْعَدَالَةِ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَدَّهَا بِهِ كَرَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ ( وَلَا ) جَرْحَ ( بِالْأَفْعَالِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا ) مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْقَائِلِ بِإِبَاحَتِهَا أَوْ مُقَلِّدِهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ وَاللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ بِلَا قِمَارٍ وَتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَرَكْضِ الدَّابَّةِ ) أَيْ حَثُّهَا لِتَعْدُوَ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِإِفْرَاطِ شُعْبَةَ لَمَّا قِيلَ لَهُ لِمَ تَرَكْت حَدِيثَ فُلَانٍ قَالَ رَأَيْته يَرْكُضُ عَلَى بِرْذَوْنٍ إذْ مَا يَلْزَمُ مِنْ رَكْضِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ وَكَيْفَ وَهُوَ مَشْرُوعٌ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَالْمُوَطَّأِ وَاللَّفْظُ لَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي ضَمَرَتْ مِنْ الْحَيْفَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تَضْمُرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا } ( وَكَثْرَةِ الْمِزَاحِ غَيْرِ الْمُفْرِطِ ) بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَقًّا فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْزَحُ أَحْيَانًا وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { قَالُوا إنَّك تُدَاعِبُنَا قَالَ إنِّي وَإِنْ دَاعَبْتُكُمْ لَا أَقُولُ إلَّا حَقًّا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَخٍ لَهُ صَغِيرٍ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْهُ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ احْمِلْنِي فَقَالَ إنَّا حَامِلُوك عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ قَالَ وَمَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ نَاقَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ إلَّا النُّوقُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْخِفَّةُ تَسْتَفِزُّهُ فَيَخْلِطُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَلَا يُبَالِي بِمَا يَأْتِي مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ جُرْحًا ( وَعَدَمِ اعْتِيَادِ الرِّوَايَةِ ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْإِتْقَانُ وَرُبَّمَا يَكُونُ إتْقَانُ مَنْ لَمْ تَصِرْ الرِّوَايَةُ عَادَةً لَهُ فِيمَا يَرْوِي أَكْثَرَ مِنْ إتْقَانِ مَنْ اعْتَادَهَا وَقَدْ كَانَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَا فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ ثُمَّ لَمْ يُرَجِّحْ أَحَدٌ رِوَايَةَ مَنْ اعْتَادَهَا عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا ( وَلَا يَدْخُلُهُ ) أَيْ مَنْ لَمْ يَعْتَدْهَا ( مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ ) إذْ يَجُوزُ اعْتِيَادُهَا مَعَ وِحْدَةِ الْآخِذِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ ( مَجْهُولُ الْعَيْنِ بِاصْطِلَاحٍ ) لِلْمُحَدِّثِينَ ( كَسَمْعَانَ بْنِ مُشَنِّجٍ وَالْهَزْهَازِ بْنِ مَيْزَنَ لَيْسَ لَهُمَا ) رَاوٍ ( إلَّا الشَّعْبِيُّ وَجَبَّارٌ الطَّائِيُّ فِي آخَرِينَ ) وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَغَرَّ الْهَمْدَانِيِّ وَالْهَيْثَمُ بْنُ حَنَشٍ وَمَالِكُ بْنُ أَغَرَّ وَسَعِيدُ بْنُ ذِي حَدَّانِ وَقَيْسُ بْنُ كُرْكُمَ وَخَمْرُ بْنُ مَالِكٍ ( لَيْسَ لَهُمْ ) رَاوٍ ( إلَّا ) أَبُو إِسْحَاقَ ( السَّبِيعِيُّ وَفِي ) عِلْمِ ( الْحَدِيثِ ) فِيهِ أَقْوَالٌ .
( نَفْيُهُ ) أَيْ نَفْيُ قَبُولِهِ ( لِلْأَكْثَرِ ) مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ ( وَقَبُولُهُ ) مُطْلَقًا ( قِيلَ هُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ ( لِمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ) فِي الرَّاوِي شَرْطًا ( غَيْرَ الْإِسْلَامِ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُنْفَرِدِ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ ) كَابْنِ مَهْدِيٍّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاكْتَفَى فِي التَّعْدِيلِ بِوَاحِدٍ ( وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ مَعَ ضَبْطٍ ) فَيُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا ( وَقِيلَ إنْ زَكَّاهُ عَدْلٌ ) مِنْ أَئِمَّةِ الْجُرْحِ وَالتَّعْدِيلِ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ ( وَقِيلَ

إنْ شُهِرَ ) فِي غَيْرِ الْعِلْمِ ( بِالزُّهْدِ كَمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ أَوْ النَّجْدَةِ كَعَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ ) قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمَرْجِعُ التَّفْصِيلِ ) الْأَوَّلِ ( وَمَا بَعْدَهُ وَاحِدٌ وَهُوَ إنْ عُرِفَ عَدَمُ كَذِبِهِ ) قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا ( غَيْرَ أَنَّ لِمَعْرِفَتِهَا ) وَالْوَجْهُ لِمَعْرِفَتِهِ أَيْ عَدَمِ كَذِبِهِ ( طُرُقًا ؛ التَّزْكِيَةُ وَمَعْرِفَةُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ وَزُهْدُهُ وَالنَّجْدَةُ فَإِنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَا ) أَيْ النَّجْدَةِ ( عَادَةً يَرْتَفِعُ عَنْ الْكَذِبِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ تَحَقَّقَ خِلَافُهُ ) أَيْ خِلَافُ ثُبُوتِ الصِّدْقِ مَعَ تَحَقُّقِ النَّجْدَةِ ( فِيمَا قَالَ الْمُبَرِّدُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ مَعْدِ يَكْرِبَ فَإِنَّهُ نَسَبَ إلَيْهِ الْكَذِبَ ( وَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَ إنْ زَكَّاهُ ) عَدْلٌ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا ( مُرَادُ الْأَوَّلِ ) وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ قُبِلَ وَإِلَّا فَلَا ( وَلَا ) جَرْحَ أَيْضًا ( بِحَدَاثَةِ السِّنِّ بَعْدَ إتْقَانِ مَا سَمِعَ ) عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَتَحْقِيقِ الْعَدَالَةِ وَمَا فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي عِنْدَ الرِّوَايَةِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَبُولِ مَنْ تَحَمَّلَ مِنْ الصَّحَابَةِ صَغِيرًا وَأَدَّى كَبِيرًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى ذَلِكَ ( وَاسْتِكْثَارِ مَسَائِلِ الْفِقْهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ خَلَلٌ فِي الْحِفْظِ كَمَا زَعَمَهُ مَنْ زَعَمَهُ بَلْ رُبَّمَا كَانَ دَلِيلَ قُوَّةِ الذِّهْنِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُسْن الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ ( وَكَثْرَةِ الْكَلَامِ كَمَا عَنْ زَاذَانَ ) .
قَالَ شُعْبَةُ قُلْت لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ لِمَ لَمْ تَرْوِ عَنْ زَاذَانَ قَالَ كَثِيرُ الْكَلَامِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا غَيْرُ قَادِحٍ ( وَبَوْلٍ قَائِمًا كَمَا عَنْ سِمَاكٍ ) قَالَ جَرِيرٌ رَأَيْت سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ يَبُولُ قَائِمًا فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ فَإِنَّ مُجَرَّدَ هَذَا غَيْرُ قَادِحٍ وَكَيْفَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ قَائِمًا } إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ

كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَهُوَ مُبَاحٌ غَيْرُ خَارِمٍ لِلْمُرُوءَةِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَرْتَدُّ عَلَى الْبَائِلِ وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ .

( وَاخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ الْعَدْلِ ) عَنْ الْمَجْهُولِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ ( فَالتَّعْدِيلُ ) إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ وَإِلَّا كَانَتْ تَلْبِيسًا لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِيقَاعِ فِي الْعَمَلِ بِمَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا رَوَى حَدِيثًا فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ الْعَمَلَ بِهِ وَالتَّلْبِيسُ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَدَالَةِ وَهَذَا عَزَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ ( وَالْمَنْعُ ) لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يَرْوِي مَنْ يَرْوِي وَلَا يُفَكِّرُ عَمَّنْ يَرْوِي وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ تَعْدِيلًا لَهُ لَكَانَتْ تَلْبِيسًا وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ لَوْ وَجَبَ بِمُجَرَّدِهَا الْعَمَلُ عَلَى السَّامِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ غَايَةُ رِوَايَتِهِ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ الْعَمَلَ عَلَيْهِ بَلْ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ الْكَشْفَ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَإِذَا لَمْ يَكْشِفْ وَعَمِلَ كَانَ هُوَ الْمُقَصِّرُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَهَذَا مَا عَزَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَذَكَرَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ ( وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ ) فَهِيَ تَعْدِيلٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ خِلَافُ مَا عَهِدَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَادَةِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ( أَوْ لَا ) يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ عَادَتِهِ فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْوِي عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتَوَقَّفَ فِيهَا ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا التَّفْصِيلُ ( الْأَعْدَلُ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ وَجْهِهِ فَلَا جَرَمَ أَنْ اخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ .
( وَأَمَّا التَّدْلِيسُ ) وَفَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ ( إيهَامُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْمُعَاصِرِ الْأَعْلَى ) سَوَاءٌ لَقِيَهُ أَوْ لَا سَمَاعًا مِنْهُ بِحَذْفِ الْمُعَاصِرِ الْأَدْنَى سَوَاءٌ كَانَ شَيْخَهُ أَوْ شَيْخَ شَيْخِهِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَصَاعِدًا بِنَحْوِ عَنْ فُلَانٍ

وَقَالَ فُلَانٌ ( أَوْ وَصَفَ شَيْخَهُ بِمُتَعَدِّدٍ ) بِأَنْ يُسَمِّيَهُ أَوْ يُكَنِّيَهُ أَوْ يَنْسُبَهُ إلَى قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ يَصِفَهُ بِمَا لَا يُعْرَفُ بِهِ كَيْ لَا يُعْرَفُ وَيَفْعَلُ هَذَا الْمُوهِمُ أَوْ الْوَاصِفُ ذَلِكَ ( لِإِيهَامِ الْعُلُوِّ ) فِي السَّنَدِ أَوْ لِصِغَرِ سِنِّ الْمَحْذُوفِ عَنْ سِنِّ الرَّاوِي أَوْ لِتَأَخُّرِ وَفَاتِهِ وَمُشَارَكَةِ مَنْ دُونَهُ فِيهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ ( وَالْكَثْرَةِ ) فِي الشُّيُوخِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامٍ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَدْ لَهِجَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْخَطِيبِ فِي تَصَانِيفِهِ ( فَغَيْرُ قَادِحٍ ) وَالْأَوَّلُ مِنْ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ وَالثَّانِي مِنْ تَدْلِيسِ الشُّيُوخِ ( أَمَّا ) مَا كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ ( لِإِيهَامِ الثِّقَةِ ) أَيْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ مَوْثُوقًا بِهِ ( بِإِسْقَاطِ مُخْتَلَفٍ فِي ضَعْفِهِ بَيْنَ ثِقَتَيْنِ يُوَثِّقُهُ ) الْمُسْقِطُ بِذَلِكَ ( بِأَنْ ذَكَرَ ) الثِّقَةَ ( الْأَوَّلَ بِمَا لَا يُشْتَهَرُ بِهِ مِنْ مُوَافِقِ اسْمِ مَنْ عُرِفَ أَخْذُهُ عَنْ ) الثِّقَةِ ( الثَّانِي وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعُ ( أَحَدُ قِسْمَيْ ) تَدْلِيسِ ( التَّسْوِيَةِ فَيُرَدُّ ) مَتْنُ الْحَدِيثِ ( عِنْدَ مَانِعِي ) قَبُولِ ( الْمُرْسَلِ وَيُتَوَقَّفُ فِي عَنْعَنَتِهِ ) أَيْ قَبُولِ مَا رَوَاهُ بِلَفْظِ عَنْ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ لِلتَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ وَالسَّمَاعِ وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرَدُّ أَيْضًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْعَنْعَنَةَ مِنْ صِيَغِ التَّدْلِيسِ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمُعَنْعَنَ مُدَلِّسٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُعَنْعَنُ لَا يُدَلِّسُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ يُنْظَرُ فِي حَالِ الْمُدَلِّسِ فَإِنْ كَانَ يَتَسَامَحُ بِأَنْ يَرْوِيَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ لَمْ يُحْتَجَّ بِشَيْءٍ مِمَّا رَوَاهُ حَتَّى يَقُولَ أَنْبَأَنَا أَوْ سَمِعْت وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ ثِقَةٍ اسْتَغْنَى عَنْ تَوْثِيقِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ تَدْلِيسِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَنُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ

أَنَّهُمْ قَالُوا يُقْبَلُ تَدْلِيسُ ابْنِ عُيَيْنَةَ لِأَنَّهُ إذَا وَقَفَ أَحَالَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَنُظَرَائِهِمَا وَرَجَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا إلَّا لِابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ خَبَرٌ دَلَّسَ فِيهِ إلَّا .
وَقَدْ تَبَيَّنَ سَمَاعُهُ عَنْ ثِقَةٍ مِثْلِ ثِقَتِهِ وَكَلَامُ الْبَزَّارِ وَأَبِي الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ يُفِيدُ عَدَمَ اخْتِصَاصِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِذَلِكَ وَهُوَ الْوَجْهُ ، ثُمَّ لَعَلَّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ الصَّحِيحُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْمُدَلِّسُ بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهِ السَّمَاعَ وَالِاتِّصَالَ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْسَلِ وَأَنْوَاعِهِ وَمَا رَوَاهُ بِلَفْظٍ مُبَيِّنٍ لِلِاتِّصَالِ نَحْوَ سَمِعْت وَحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَشْبَاهَهَا فَهُوَ مَقْبُولٌ يُحْتَجُّ بِهِ نَعَمْ .
قَالَ الْحَاكِمُ الْأَحَادِيثُ الْمُعَنْعَنَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَدْلِيسٌ مُتَّصِلَةٌ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ وَزَادَ أَبُو عُمَرَ وَالدَّانِي اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَالْأَوْجَهُ حَذْفُ هَذَا الشَّرْطِ .
وَقَالَ الْخَطِيبُ أَهْلُ الْعِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ إذَا كَانَ لَقِيَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْإِسْنَادِ الْمُعَنْعَنِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الرَّاوِي بِالْعَنْعَنَةِ مِنْ التَّدْلِيسِ وَبِشَرْطِ ثُبُوتِ مُلَاقَاتِهِ لِمَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ هُوَ مَذْهَبُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةٍ صَحِيحَةٍ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يُسْبَقْ قَائِلُهُ إلَيْهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الشَّائِعَ الْمُتَّفَقَ

عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنْ يَثْبُتَ كَوْنُهُمَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ قَطُّ أَنَّهُمَا اجْتَمَعَا أَوْ تَشَافَهَا .
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَفِيمَا قَالَهُ مُسْلِمٌ نَظَرٌ قَالَ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا أَرَاهُ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِيمَا وُجِدَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ مِمَّا ذَكَرُوهُ عَنْ مَشَايِخِهِمْ قَائِلِينَ فِيهِ ذَكَرَ فُلَانٌ قَالَ فُلَانٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ ( دُونَ الْمُجِيزِينَ ) لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ أَيْ جُمْهُورِهِمْ فَقَدْ حَكَى الْخَطِيبُ أَنَّ جُمْهُورَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ يَقْبَلُ خَبَرَ الْمُدَلِّسِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ لَا يَقْبَلُ عَنْعَنَةَ الْمُدَلِّسِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى قَبُولِ الْمُرْسَلِ ( وَلَا يَسْقُطُ ) الرَّاوِي الْمُدَلِّسُ بِالتَّدْلِيسِ الْمَذْكُورِ ( بَعْدَ كَوْنِهِ إمَامًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ) وَهَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى صَرِيحٍ فِيهِ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخَذَهُ مِنْ شَرْطِهِ لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ ( لِاجْتِهَادِهِ وَعَدَمِ صَرِيحِ الْكَذِبِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنْ التَّدْلِيسِ ( مَحْمَلُ فِعْلِ الثَّوْرِيِّ وَالْأَعْمَشِ وَبَقِيَّةَ ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ كَثِيرٌ عَنْ كَثِيرٍ كَقَتَادَةَ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ .
وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَا كَانَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَشِبْهِهِمَا عَنْ الْمُدَلِّسِينَ ( بِعَنْ ) مَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْحَلَبِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْمُعَنْعَنَاتُ الَّتِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مُنَزَّلَةٌ بِمَنْزِلَةِ السَّمَاعِ ( وَيَجِبُ ) سُقُوطُ الرَّاوِي بِتَدْلِيسِهِ ( فِي الْمُتَّفِقِ ) أَيْ بِمُتَّفِقٍ عَلَى ضَعْفِهِ لِأَنَّهُ غَرَرٌ شَدِيدٌ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَا لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِهِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ سِوَى تَكْبِيرِ شَيْخِهِ أَنْ يَرْوِيَ

عَنْ الضُّعَفَاءِ كَمَا كَانَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ يَفْعَلُهُ حَتَّى قَالَ لَهُ الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ : أَفْسَدْتَ حَدِيثَ الْأَوْزَاعِيِّ تَرْوِي عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ نَافِعٍ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ .
وَغَيْرُك يُدْخِلُ بَيْنَ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَيْنَ نَافِعٍ .
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيِّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الزُّهْرِيِّ ، إبْرَاهِيمَ بْنُ مُرَّةَ وَقُرَّةَ .
فَقَالَ لَهُ أَنْبَلَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَرْوِيَ عَنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ فَقَالَ الْهَيْثَمُ قُلْت لَهُ فَإِذَا رَوَى عَنْ هَؤُلَاءِ وَهُمْ ضُعَفَاءُ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ ، فَأَسْقَطْتَهُمْ أَنْتَ وَصَيَّرْتَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ الثِّقَاتِ ضَعُفَ الْأَوْزَاعِيُّ فَلَمْ يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِي فَهَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِلضَّرَرِ الدِّينِيِّ وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ تَدْلِيسِ التَّسْوِيَةِ .
وَالْمُرَادُ بِمَا عَنْ شُعْبَةَ التَّدْلِيسُ أَخُو الْكَذِبِ وَالتَّدْلِيسُ فِي الْحَدِيثِ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَى وَلَأَنْ أَسْقُطَ مِنْ السَّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ وَلَأَنْ أَزْنِيَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ وَهَذَا مِنْ شُعْبَةَ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إفْرَاطٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَالتَّنْفِيرِ مِنْهُ ( وَتَحَقُّقُهُ ) أَيْ هَذَا التَّدْلِيسِ الْكَائِنِ بِالْإِسْقَاطِ يَكُونُ ( بِالْعِلْمِ بِمُعَاصَرَةِ الْمَوْصُولِينَ وَإِلَّا ) إذَا انْتَفَى الْعِلْمُ بِمُعَاصَرَتِهِمَا ( لَا تَدْلِيسَ ) عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ ( وَيَقْضِي ) تَدْلِيسُ الشُّيُوخِ ( إلَى تَضْيِيعِ ) الشَّيْخِ ( الْمَوْصُولِ ) أَيْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ ( وَحَدِيثِهِ ) أَيْ الْمَرْوِيِّ أَيْضًا بِأَنْ لَا يُتَنَبَّهَ لَهُ فَيَصِيرُ بَعْضُ رُوَاتِهِ مَجْهُولًا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ تَدْلِيسِ الْإِسْنَادِ مَا تَقَدَّمَ هُوَ الْمَذْكُورُ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ التَّدْلِيسُ يَخْتَصُّ بِمَنْ رَوَى عَمَّنْ عُرِفَ لِقَاؤُهُ إيَّاهُ فَأَمَّا إنْ عَاصَرَهُ وَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ لَقِيَهُ فَهُوَ الْمُرْسَلُ

الْخَفِيُّ وَمَنْ أَدْخَلَ فِي تَعْرِيفِ التَّدْلِيسِ الْمُعَاصَرَةَ وَلَوْ بِغَيْرِ لُقًى لَزِمَهُ دُخُولُ الْمُرْسَلِ الْخَفِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ وَالصَّوَابُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ اللِّقَاءِ فِي التَّدْلِيسِ دُونَ الْمُعَاصَرَةِ وَحْدَهَا لَا بُدَّ مِنْهُ إطْبَاقُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْمُخَضْرَمِينَ كَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَبِيلِ الْإِرْسَالِ لَا مِنْ قَبِيلِ التَّدْلِيسِ وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الْمُعَاصَرَةِ يَكْتَفِي بِهِ فِي التَّدْلِيسِ لَكَانَ هَؤُلَاءِ مُدَلِّسِينَ لِأَنَّهُمْ عَاصَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطْعًا وَلَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ هَلْ لَقُوهُ أَمْ لَا وَمِمَّنْ قَالَ بِاشْتِرَاطِ اللِّقَاءِ فِي التَّدْلِيسِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَكَلَامُ الْخَطِيبِ فِي الْكِفَايَةِ يَقْتَضِيهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُعْرَفُ عَدَمُ الْمُلَاقَاةِ بِإِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ أَوْ بِجَزْمِ إمَامٍ مُطَّلِعٍ وَلَا يَكْفِي أَنْ يَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ زِيَادَةُ رَاوٍ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَزِيدِ وَلَا يُحْكَمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِحُكْمٍ كُلِّيٍّ لِتَعَارُضِ احْتِمَالِ الِاتِّصَالِ وَالِانْقِطَاعِ وَقَدْ صَنَّفَ فِيهِ الْخَطِيبُ كِتَابَ التَّفْصِيلِ لِمُبْهَمِ الْمَرَاسِيلِ وَكِتَابَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ .

( مَسْأَلَةٌ ) قَالَ ( الْأَكْثَرُ ) وَوَافَقَهُمْ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ ( الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ ) يَثْبُتَانِ ( بِوَاحِدٍ فِي الرِّوَايَةِ وَبِاثْنَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ وَقِيلَ ) يَثْبُتَانِ ( بِاثْنَيْنِ فِيهِمَا ) أَيْ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الْبَاقِلَّانِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ .
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ ( وَقِيلَ ) يَثْبُتَانِ ( بِوَاحِدٍ فِيهِمَا ) أَيْ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ مُخْتَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ( لِلْأَكْثَرِ لَا يَزِيدُ شَرْطٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ وَلَا يَنْقُصُ ) شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ وَالْعَدَالَةُ شَرْطٌ لِقَبُولِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْجَرْحُ شَرْطٌ لِعَدَمِ قَبُولِهِمَا ، وَالرِّوَايَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَالشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَدُ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فَكَذَا التَّعْدِيلُ وَالْجَرْحُ فِيهِمَا ( الْمُعَدِّدُ ) أَيْ شَارِطُهُ فِيهِمَا قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا ( شَهَادَةٌ ) وَلِذَا يُرَدُّ بِمَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ ( فَيَتَعَدَّدُ ) أَيْ فَيُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْعَدَدُ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ ( عُورِضَ ) لَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَهَادَةٌ بَلْ هُوَ ( خَبَرٌ ) عَنْ حَالِ الرَّاوِي ( فَلَا ) يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ بَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُعِدُّونَ فِيهِمَا اشْتِرَاطَ الْعَدَدِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ( أَحْوَطُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الثِّقَةِ وَالْبُعْدِ عَنْ احْتِمَالِ الْعَمَلِ بِمَا لَيْسَ بِحَدِيثٍ فَكَانَ الْقَوْلُ بِهِ أَوْلَى ( أُجِيبَ بِالْمُعَارَضَةِ ) وَهِيَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ أَحْوَطُ حَذَرًا مِنْ تَضْيِيعِ الشَّرَائِعِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَإِنَّ الِاكْتِفَاءَ بِوَاحِدٍ يُفِيدُ ذَلِكَ لِأَنَّ بِهِ يَصِيرُ قَوْلُ الرَّاوِي مَقْبُولًا فَتَثْبُتُ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى ثَانٍ تَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ احْتِمَالُ عَدَمِ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ حَدِيثٌ ( الْمُفْرَدُ فِيهِمَا ) أَيْ التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا ( خَبَرٌ

) فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ ( فَيُقَالُ ) لَهُ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( شَهَادَةٌ ) فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ ( فَإِذَا قَالَ ) الْمُفْرَدُ الْإِفْرَادُ ( أَحْوَطُ ) كَمَا ذَكَرْنَا ( عُورِضَ ) بِأَنَّ التَّعَدُّدَ أَحْوَطُ كَمَا ذَكَرْنَا ( وَالْأَجْوِبَةُ ) مِنْ الطَّرَفَيْنِ ( كُلُّهَا جَدَلِيَّةٌ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُرَجِّحَةٍ لِمَذْهَبٍ بَلْ مُوقِفَةٌ عَنْهُ ( وَالْمُعَارَضَةُ الْأُولَى ) وَهِيَ الْإِفْرَادُ أَحْوَطُ ( تَنْدَفِعُ بِانْتِفَاءِ شَرْعِ مَا لَمْ يُشْرَعْ شَرٌّ مِنْ تَرْكِ مَا شُرِعَ ) وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الَّذِي لَمْ تُزَكَّ رُوَاتُهُ اثْنَانِ وَهُمَا لَيْسَا شَرْطًا فِيهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الصَّوَابَ يَنْدَفِعُ بِأَنْ شَرَعَ مَا لَمْ يُشْرَعْ إلَخْ كَمَا كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ حَالَ قِرَاءَتِي لِهَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ إنَّمَا كَانَ شَرْعُ مَا لَمْ يُشْرَعْ شَرًّا مِنْ تَرْكِ مَا شُرِعَ لِأَنَّهُ يَضْرِبُ بِعِرْقٍ إلَى الْمُشَارَكَةِ فِي الرُّبُوبِيَّةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ تَرْكِ مَا شُرِعَ ( وَالثَّانِيَةُ ) أَيْ وَالْمُعَارَضَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ التَّعَدُّدُ أَحْوَطُ ( تَقْتَضِي التَّعَدُّدَ فِيهِمَا ) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ لَا يَزِيدُ ) شَرْطٌ عَلَى مَشْرُوطِهِ بِالِاسْتِقْرَاءِ ( مُنْتَفٍ بِشَاهِدِ الْهِلَالِ ) أَيْ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِوَاحِدٍ وَيَفْتَقِرُ تَعْدِيلُهُ إلَى اثْنَيْنِ ( وَلَا يَنْقُصُ ) شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ مُنْتَفٍ ( بِشَهَادَةِ الزِّنَى ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ كَوْنَهُمْ أَرْبَعَةً وَيَكْفِي فِي تَعْدِيلِهِمْ اثْنَانِ ( وَمَا قِيلَ لَا نَقْصَ ) بِهَذَيْنِ ( بَلْ ) زِيَادَةُ الْأَصْلِ فِي شَهَادَةِ الزِّنَى وَنُقْصَانُهُ فِي شَهَادَةِ رَمَضَانَ إنَّمَا ثَبَتَ ( بِالنَّصِّ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الدَّرْءِ ) لِلْعُقُوبَاتِ ( وَالْإِيجَابُ ) لِلْعِبَادَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي حَاشِيَةِ التَّفْتَازَانِيِّ فَلِلِاحْتِيَاطِ فِي الدَّرْءِ يَرْجِعُ إلَى شَهَادَةِ الزِّنَى وَالْإِيجَابُ يَرْجِعُ إلَى شَهَادَةِ الْهِلَالِ ( لَا يُخْرِجُهُ ) أَيْ هَذَا

الْجَوَابُ ( عَنْهُمَا ) أَيْ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ وَثُبُوتِ النَّقْصِ لِلشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ مَا بِهِ النَّقْضُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِبَاعِثِ مَصْلَحَةٍ خَاصَّةٍ فَإِنَّ كُلَّ الْمَشْرُوعَاتِ كَذَلِكَ ( وَأَوْجَهُهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ( الْمُفْرَدُ ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُفْرَدَ يَكْفِي فِيهِمَا ( فَإِذَا قِيلَ كَوْنُهُ شَهَادَةً أَحْوَطُ مَنَعَ مَحَلِّيَّتَهُ ) أَيْ التَّعْدِيلِ ( لَهُ ) أَيْ لِلِاحْتِيَاطِ ( إذْ الِاحْتِيَاطُ عِنْدَ تَجَاذُبِ مُتَعَارِضَيْنِ ) لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( فَيُعْمَلُ بِأَشَدِّهِمَا وَلَا تَزِيدُ التَّزْكِيَةُ عَلَى أَنَّهَا ثَنَاءٌ ) خَاصٌّ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الشَّاهِدِ وَالرَّاوِي ( وَهُوَ ) أَيْ ثُبُوتُهُ لَهُ يَكُونُ ( بِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ ) الْخَاصِّ مِنْ الْمُزَكِّي ( فَإِثْبَاتُ زِيَادَةٍ عَلَى الْخَبَرِ ) بِخَبَرٍ آخَرَ يَكُونُ ( بِلَا دَلِيلٍ فَيَمْتَنِعُ ) التَّعَارُضُ ( وَلَا يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاطُ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ ذُكُورَةِ الْمُعَدِّلِ ) لِلشَّاهِدِ فِي الْحُدُودِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ عِنْدَهُ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الشَّهَادَةُ وَشَرْطٌ مَحْضٌ لَهَا عِنْدَهُمَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا وَظَاهِرُ الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا شَرْطٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ وَيُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ فِي الْمُزَكِّي فِي الْحُدُودِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا فِي الْقِصَاصِ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ ا هـ وَهَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالُوا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ ( وَمُقْتَضَى النَّظَرِ قَبُولُ تَزْكِيَةِ كُلِّ عَدْلٍ ذَكَرًا أَوْ امْرَأَةً فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ) لِمَا

تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ حَقِيقَتَهَا ثَنَاءٌ وَإِخْبَارٌ خَاصٌّ عَنْ حَالِ الشَّاهِدِ أَوْ الرَّاوِي لَا الشَّهَادَةِ ( وَلَوْ شُرِطَتْ الْمُلَابَسَةُ فِي الْمَرْأَةِ ) لِمَنْ تُزَكِّيهِ ( لِسُؤَالِ بَرِيرَةَ ) أَيْ سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ مَوْلَاةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ بِإِشَارَةِ عَلِيٍّ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ ( وَالْعَبْدُ ) أَيْضًا ( لَمْ يَبْعُدْ فَيَنْتَفِي ظُهُورُ مَبْنَى النَّفْيِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَنَّ نَفْيَ تَعْدِيلِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لِظُهُورِ عَدَمِ مُخَالَطَتِهِمَا الرِّجَالَ وَالْأَحْرَارَ خِلْطَةً تُوجِبُ مَعْرِفَةَ بَاطِنِ الْحَالِ فَلَوْ قِيلَ بِجَوَازِ تَعْدِيلِهِمَا بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِمُخَالَطَتِهِمَا كَأَنْ تُعَدَّلَ مَنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ وَالْعَبْدُ مَنْ كَانَ مَوْلًى لَهُ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ مَنْ عَرَفَ اتِّفَاقَ أَمْرٍ كَانَ جَامِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا لَمْ يَبْعُدْ ، وَلَمْ يَبْعُدْ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِنَا حَسَنٌ فَيَكُونُ مَذْهَبًا مُفَصِّلًا فَإِنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَرْأَةِ مُطْلَقٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَثْبُتُ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ إنْ عَرَفَ مُخَالَطَتَهَا وَفِي الْعَبْدِ الْمَعْرُوفِ إطْلَاقُ الْجَوَازِ فَيَثْبُتُ فِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ إنْ عَرَفَ مُخَالَطَتَهُ وَإِلَّا لَا ا هـ .
قُلْت وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرْأَةِ تَفَقُّهًا ظَفِرْت بِهِ مَنْقُولًا فَفِي الْمُحِيطِ وَيُقْبَلُ تَعْدِيلُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا إذَا كَانَتْ بَرْزَةً تُخَالِطُ النَّاسَ وَتُعَامِلُهُمْ لِأَنَّ لَهَا خِبْرَةً بِأُمُورِهِمْ وَمَعْرِفَةً بِأَحْوَالِهِمْ فَيُفِيدُ السُّؤَالُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْأُنْثَى وَالذَّكَرُ كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ خُصُوصًا فِي تَعْدِيلِ النِّسْوَانِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَعْرَفُ بِالْأَحْوَالِ فِي بُيُوتِهِنَّ فَإِنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً غَيْرَ بَرْزَةٍ لَا يَكُونُ لَهَا خِبْرَةٌ فَلَا تَعْرِفُ أَحْوَالَ النَّاسِ إلَّا حَالَ زَوْجِهَا وَوَلَدِهَا فَلَا يَكُونُ تَعْدِيلُهَا مُعْتَبَرًا فَلَا يُفِيدُ السُّؤَالُ عَنْهَا ا هـ

وَحِينَئِذٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ مُرَادُ الْمُطْلَقِ هَذَا وَإِنَّمَا طَوَى ذِكْرَهُ مَنْ طَوَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا تُطْلَبُ التَّزْكِيَةُ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْمُزَكَّى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ حَكَى مَشَايِخُنَا أَيْضًا خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ فِي تَزْكِيَةِ الْعَبْدِ فَلَمْ يَقْبَلْهَا مُحَمَّدٌ وَقَبِلَهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ إطْلَاقِ قَبُولِهَا مِنْهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِأَحْوَالِ الْمُزَكَّى كَمَا ذَكَرْنَا فَيَكُونُ فِي كُلٍّ مِنْ تَزْكِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ قَوْلَانِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالْقَبُولُ بِشَرْطِ خِبْرَتِهِمَا بِالْمُزَكَّى ثُمَّ التَّحْرِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّزْكِيَةَ إمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَأَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا سَائِرُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ وَمَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ سِوَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَأَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ عَرَفْت مَا فِيهَا غَيْرَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا اشْتَرَطَ فِي شُهُودِ الزِّنَى أَرْبَعَةَ ذُكُورٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ عَدَدٍ فِيهَا لَهُمَا اللَّهُمَّ إلَّا مَا يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ اشْتِرَاطِ عَدَدِ الشَّهَادَةِ فِيهَا فِي الْحَدِّ إجْمَاعًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اثْنَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ تَوَجُّهُ التَّقَصِّي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ عَنْ النَّقْضِ بِشَهَادَةِ الزِّنَى لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ شَرْطٌ عَنْ مَشْرُوطِهِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا لَمْ يَنْقُصْ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تَقَدَّمَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الرَّجُلَيْنِ إجْمَاعٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَذَكَرُوا أَنَّ مُحَمَّدًا يَشْتَرِطُ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةً وَاحِدَةً فَرَتَّبَهَا

عَلَى مَرَاتِبِ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ تَزْكِيَةَ الْفَاسِقِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْأَعْمَى وَأَطْلَقُوا أَنَّهُمَا يَقْبَلَانِ تَزْكِيَةَ الْمَذْكُورِينَ وَالْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَلَمْ يَذْكُرُوا اشْتِرَاطَ عَدَدٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا الْأَحْوَطُ اثْنَانِ كَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ تَقْيِيدَ الْمُصَنِّفِ تَعْدِيلَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا وَالْعَبْدِ سَيِّدَهُ بِمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُهُ مِنْ كَوْنِ الزَّوْجِيَّةِ وَالسَّيِّدِيَّةِ غَيْرُ قَائِمَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْحَالِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَزْكِيَةَ الرَّاوِي كَتَزْكِيَةِ السِّرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ فَالْمَعْرُوفُ مَذْهَبَانِ تَقْدِيمُ الْجَرْحِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُعَدِّلُونَ أَقَلَّ مِنْ الْجَارِحِينَ أَوْ مِثْلَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُمْ نَقَلَهُ الْخَطِيبُ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَصَحَّحَهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمْ ( وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ تَسَاوِي الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ فَكَذَلِكَ ) أَيْ يُقَدَّمُ الْجَرْحُ ( وَالتَّفَاوُتُ ) بَيْنَ الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ فِي الْمِقْدَارِ ( فَيَتَرَجَّحُ الْأَكْثَرُ ) مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى الْأَقَلِّ مِنْهُمَا ( فَأَمَّا وُجُوبُ التَّرْجِيحِ ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِمُرَجِّحٍ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ تَسَاوَيَا أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ ( كَنَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فَقَدْ أَنْكَرَ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ ( بِنَاءً عَلَى حِكَايَةِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ) الْبَاقِلَّانِيِّ ( وَالْخَطِيبِ ) الْبَغْدَادِيِّ ( الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عِنْدَ التَّسَاوِي لَوْلَا تَعَقُّبُ الْمَازِرِيِّ الْإِجْمَاعَ بِنَقْلِهِ عَنْ مَالِكِيٍّ يُشْهَرُ بِابْنِ شَعْبَانَ ) أَنَّهُ يَطْلُبُ التَّرْجِيحَ فِي هَذَا كَمَا قِيلَ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ مِنْ الْمُعَدِّلِ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ ابْنَ شَعْبَانَ ( غَيْرُ مَشْهُورٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ تَابِعٌ فَلَا يَنْفِيهِ ) أَيْ قَوْلَ ابْنِ شَعْبَانَ الْإِجْمَاعُ وَلَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ ثَمَّةَ قَائِلٌ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالتَّعْدِيلِ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ بَلْ يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فَهَذَا قَائِلٌ أَيْضًا بِطَرِيقِ أَوْلَى بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْعَمَلِ بِالتَّعْدِيلِ وَطَلَبِ التَّرْجِيحِ إذَا تَسَاوَى عَدَدُ الْجَارِحِينَ وَالْمُعَدِّلِينَ كَمَا لَا يَخْفَى فَيَنْخَدِشُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ إذَا تَسَاوَى عَدَدَاهُمَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا لَكِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَائِلٌ

بِطَلَبِ التَّرْجِيحِ إذَا كَانَ الْجَارِحُ أَقَلَّ ( وَأَمَّا وَضْعُ شَارِحِهِ ) أَيْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَهُوَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( مَكَانٌ ) وَقِيلَ ( التَّرْجِيحُ التَّعْدِيلُ ) أَيْ قَوْلُهُ وَقِيلَ بَلْ التَّعْدِيلُ مُقَدَّمٌ ( فَلَا يُعْرَفُ قَائِلٌ بِتَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ مُطْلَقًا ) وَأَوَّلَهُ الْأَبْهَرِيُّ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَلْ التَّجْرِيحُ مُقَدَّمٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الشَّارِحِينَ وَالْمُصَنِّفِ أَيْضًا قُلْت وَهَذَا أَعْجَبُ فَإِنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ التَّرْجِيحُ ( وَالْخِلَافُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمَا ) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بِلَا تَعْيِينِ سَبَبٍ ( أَوْ تَعْيِينِ الْجَارِحِ سَبَبًا لَمْ يَنْفِهِ الْمُعَدِّلُ أَوْ نَفَاهُ ) الْمُعَدِّلُ ( بِطَرِيقٍ غَيْرِ يَقِينِيٍّ لَنَا فِي تَقْدِيمِ الْجَرْحِ عَدَمُ الْإِهْدَارِ ) لِكُلٍّ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ بَلْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( فَكَانَ ) تَقْدِيمُهُ ( أَوْلَى أَمَّا الْجَارِحُ فَظَاهِرٌ ) لِأَنَّا قَدَّمْنَاهُ ( وَأَمَّا قَوْلُ الْمُعَدِّلِ فَلِأَنَّهُ ظَنَّ الْعَدَالَةَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ) مِنْ أَنَّ الْتِزَامَ الْإِسْلَامِ ظَاهِرٌ فِي اجْتِنَابِ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ ( وَلِمَا يَأْتِي ) مِنْ أَنَّ الْعَدَالَةَ يُتَصَنَّعُ فِي إظْهَارِهَا فَتُظَنُّ وَلَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ ( وَرُدَّ تَرْجِيحُ الْعَدَالَةِ بِالْكَثْرَةِ ) لِلْمُعَدِّلِينَ ( بِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَثُرُوا لَيْسُوا مُخْبِرِينَ بِعَدَمِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الْجَارِحُونَ ) وَلَوْ أَخْبَرُوا بِهِ لَكَانَتْ شَهَادَةً بَاطِلَةً عَلَى نَفْيٍ ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ ) أَيْ الْمُعَدِّلِينَ وَالْجَارِحِينَ ( لَمْ يَتَوَارَدُوا فِي التَّحْقِيقِ ) عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خَبَرَيْهِمَا ( فَأَمَّا إذَا عَيَّنَ ) الْجَارِحُ ( سَبَبَ الْجَرْحِ ) بِأَنْ قَالَ قُتِلَ فُلَانٌ يَوْمَ كَذَا ( وَنَفَاهُ الْمُعَدِّلُ يَقِينًا ) بِأَنْ قَالَ رَأَيْته حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ( فَالتَّعْدِيلُ ) أَيْ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْجَرْحِ ( اتِّفَاقٌ وَكَذَا ) يُقَدَّمُ التَّعْدِيلُ عَلَى

الْجَرْحِ ( لَوْ قَالَ ) الْمُعَدِّلُ ( عَلِمْتُ مَا جَرَحَهُ ) أَيْ الْجَارِحُ لِلشَّاهِدِ أَوْ الرَّاوِي ( بِهِ ) مِنْ الْقَوَادِحِ ( وَأَنَّهُ ) أَيْ الْمَجْرُوحَ ( تَابَ عَنْهُ ) أَيْ عَمَّا جَرَحَ بِهِ هَذَا وَفِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَوْ الْأُولَى نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشُرُوحِهِ وَكَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَيْهِ أَوَّلًا أَيْضًا فَالتَّرْجِيحُ وَقَالُوا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ وَفِي شَرْحِ السُّبْكِيّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مِنْ مَوَاقِعِ الْخِلَافِ انْتَهَى نَعَمْ رُجْحَانُ التَّعْدِيلِ فِي الصُّورَتَيْنِ مُتَّجَهٌ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ .
أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ الْحَنَفِيَّةُ وَ ) أَكْثَرُ ( الْمُحَدِّثِينَ ) وَمِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ( لَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا مُبَيَّنًا ) سَبَبُهُ كَأَنْ يَقُولَ الْجَارِحُ فُلَانٌ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا ( لَا التَّعْدِيلَ وَقِيلَ بِقَلْبِهِ ) أَيْ لَا يَقْبَلُ التَّعْدِيلَ إلَّا مُبَيَّنًا سَبَبُهُ كَأَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ فُلَانٌ مُجْتَنِبٌ لِلْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَيَقْبَلُ الْجَرْحَ بِلَا ذِكْرِ سَبَبِهِ ( وَقِيلَ ) يَكْفِي الْإِطْلَاقُ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( وَقِيلَ لَا ) يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَقَالَ ( الْقَاضِي ) أَبُو بَكْرٍ قَالَ ( الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا جَرَحَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْجَرْحَ يَجِبُ الْكَشْفُ ) عَنْ ذَلِكَ ( وَلَمْ يُوجِبُوهُ ) أَيْ الْكَشْفَ ( عَلَى عُلَمَاءِ الشَّأْنِ قَالَ وَيَقْوَى عِنْدَنَا تَرْكُهُ ) أَيْ الْكَشْفِ عَنْ ذَلِكَ ( إذَا كَانَ الْجَارِحُ عَالِمًا كَمَا لَا يَجِبُ اسْتِفْسَارُ الْمُعَدِّلِ ) عَمَّا بِهِ صَارَ عِنْدَهُ الْمُزَكَّى عَدْلًا ( وَهَذَا مَا يُخَالِفُ مَا عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَ ) كُلٌّ مِنْ الْمُعَدِّلِ وَالْجَارِحِ ( عَالِمًا كَفَى ) الْإِطْلَاقُ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا ( لَا ) يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَالرَّازِيُّ وَالْخَطِيبُ ( فِي الِاكْتِفَاءِ فِي التَّعْدِيلِ بِالْإِطْلَاقِ ) عَنْ شَرْطِ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ كَوْنِ الْمُعَدِّلِ عَالِمًا وَعَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِطْلَاقِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُعَدِّلُ عَالِمًا ( أَوْ ) هَذَا ( مِثْلُهُ ) أَيْ مَا عَنْ الْإِمَامِ مِنْ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ تَقْيِيدِ الْمُعَدِّلِ بِالْعِلْمِ ( فَمَا نُسِبَ إلَى الْقَاضِي مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِطْلَاقِ ) فِي الْجَرْحِ كَمَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْمَنْخُولِ ( غَيْرُ ثَابِتٍ ) عَنْ الْقَاضِي بَلْ كَمَا

قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَهْمٌ مِنْهُمَا وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْجَارِحِ وَالْمُعَدِّلِ بَصِيرًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ ( وَيَبْعُدُ مِنْ عَالِمِ الْقَوْلِ بِسُقُوطِ رِوَايَةٍ أَوْ ثُبُوتِهَا بِقَوْلِ مَنْ لَا خِبْرَةَ عِنْدَهُ بِالْقَادِحِ وَغَيْرِهِ ) بَلْ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ لَا يَذْهَبُ مُحَصِّلٌ إلَى قَبُولِ ذَلِكَ مُطْلَقًا مِنْ رَجُلٍ غُمْرٍ جَاهِلٍ لَا يَعْرِفُ مَا يَجْرَحُ بِهِ وَلَا مَا يُعَدِّلُ بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا الْقَاضِي ( وَمَا أَوْرَدُوهُ مِنْ دَلِيلِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( إنْ شَهِدَ ) الْجَارِحُ ( مِنْ غَيْرِ بَصِيرَةٍ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا ) لِإِطْلَاقِ الْكَلَامِ حِينَئِذٍ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي .
( وَالْكَلَامُ فِيهِ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَدْلِ ( فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ ) الْجَارِحُ ( إلَّا ذَا بَصِيرَةٍ فَإِنْ سَكَتَ ) الْجَارِحُ عَنْ الْبَيَانِ ( فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ ) أَيْ الْمَوْضِعِ الْمُخْتَلَفِ فِي أَنَّهُ هُوَ سَبَبُ الْجَرْحِ ( فَمُدَلِّسٌ ) وَهُوَ قَادِحٌ فِي عَدَالَتِهِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ مَا أَوْرَدُوهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( يُفِيدُ أَنْ لَا بُدَّ مِنْ بَصِيرَةٍ عِنْدَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِالْقَادِحِ وَغَيْرِهِ بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ ) الْخِلَافُ مِنْ أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( وَكَذَا مَا أَجَابُوا بِهِ ) أَيْ الْقَاضِي ( مِنْ أَنَّهُ ) أَيْ الْجَارِحَ ( قَدْ يَبْنِي عَلَى اعْتِقَادِهِ ) فِيمَا يَرَاهُ جَرْحًا حَقًّا ( أَوْ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ ) فَلَا يَكُونُ مُدَلِّسًا ( فَرْعٌ أَنَّ لَهُ ) أَيْ لِلْجَارِحِ ( عِلْمًا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ فَيَجْرَحَهُ أَوْ يُعَدِّلَهُ بِمَا يَعْتَقِدُهُ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِيهِ لَكِنْ دُفِعَ بِأَنَّ كَوْنَهُ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ خِلَافُ مُقْتَضَى بَصَرِهِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ ) أَيْ سُقُوطِ رِوَايَةٍ أَوْ ثُبُوتِهَا بِقَوْلِ مَنْ لَا خِبْرَةَ عِنْدَهُ بِالْقَادِحِ

وَغَيْرِهِ ( فَيَجِبُ كَوْنُ الْأَقْوَالِ عَلَى تَقْدِيرِ الْعِلْمِ ) لِلْمُعَدِّلِ وَالْجَارِحِ فَيَكُونُ ( أَرْبَعَةً فَقَائِلٌ ) يَقُولُ ( لَا يَكْفِي ) الْإِطْلَاقُ مِنْ الْعَالِمِ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( لِلِاخْتِلَافِ ) بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي سَبَبِهِمَا .
( فَفِي التَّعْدِيلِ جَوَابُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ فِي تَعْدِيلِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ ) إنَّمَا يُضَعِّفُهُ رَافِضِيٌّ مُبْغِضٌ لِآبَائِهِ لَوْ رَأَيْت لِحْيَتَهُ وَخِضَابَهُ وَهَيْئَتَهُ لَعَرَفْت أَنَّهُ ثِقَةٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى ثِقَتِهِ بِمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّ حُسْنَ الْهَيْئَةِ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْمُعَدِّلُ وَالْمَجْرُوحُ ( وَفِي الْجَرْحِ ) الِاخْتِلَافُ فِي سَبَبِهِ ( كَثِيرٌ كَشُعْبَةَ ) أَيْ كَجَرْحِهِ ( بِالرَّكْضِ ) كَمَا تَقَدَّمَ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ وَبِسَمَاعِ الصَّوْتِ مِنْ مَنْزِلِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو لِلْمِنْهَالِ وَخُصُوصًا إنْ كَانَ قِرَاءَةً بِأَلْحَانٍ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ فَلَوْ أَثْبَتَ بِالْإِطْلَاقِ لَكَانَ مَعَ الشَّكِّ بِهِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ هَذَا ( بِأَنْ لَا شَكَّ ) فِي ثُبُوتِهِ بِهِ ( مَعَ إخْبَارِ الْعَدْلِ ) لِأَنَّ قَوْلَهُ يُوجِبُ الظَّنَّ وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ لَمْ يَقُلْ ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ ) بِالشَّكِّ ( الشَّكُّ الْآتِي مِنْ احْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي الْعَدَالَةِ لِلتَّصَنُّعِ ) فِي إظْهَارِهَا بِالتَّكَلُّفِ فِي الِاتِّصَافِ بِالْفَضَائِلِ وَالْكَمَالَاتِ فَيَتَسَارَعُ النَّاسُ إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَهَذَا هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ بِقَوْلِهِ وَلِمَا يَأْتِي ( وَاعْتِقَادُ مَا لَيْسَ قَادِحًا قَادِحًا فِي الْجَرْحِ ، وَالْعَدَالَةُ لَا تَنْفِيهِ ) أَيْ الْغَلَطَ الْمَذْكُورَ ( وَالْجَوَابُ أَنَّ قُصَارَى ) أَيْ غَايَةَ ( الْعَدْلِ الْبَاطِنِ الظَّنُّ الْقَوِيُّ بِعَدَمِ مُبَاشَرَةِ الْمَمْنُوعِ ) شَرْعًا ( لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ ) بِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَالْجَهْلُ بِمَفْهُومِ الْعَدَالَةِ مُمْتَنِعٌ عَادَةً مِنْ أَهْلِ الْفَنِّ وَلَا بُدَّ فِي إخْبَارِهِ ) أَيْ الْمُعَدِّلِ ( مِنْ تَطْبِيقِهِ ) أَيْ

مَفْهُومِ الْعَدَالَةِ ( عَلَى حَالِ مَنْ عَدَّلَهُ فَأَغْنَى ) مَجْمُوعُ هَذَا ( عَنْ الِاسْتِفْسَارِ ) مِنْهُ عَنْ سَبَبِهَا ( وَيُقْطَعُ بِأَنَّ جَوَابَ أَحْمَدَ ) بْنِ يُونُسَ الْمَذْكُورَ ( اسْتِرْوَاحٌ لَا تَحْقِيقٌ إذْ لَا نَشُكُّ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لَهُ أَلِحُسْنِ اللِّحْيَةِ وَخِضَابِهَا دَخْلٌ فِي الْعَدَالَةِ ؟ نَفَاهُ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ لَهَا دَخْلٌ فِي مَفْهُومِهَا ( وَقَائِلٌ ) يَقُولُ ( يَكْفِي ) الْإِطْلَاقُ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( مِنْ الْعَالِمِ لَا مِنْ غَيْرِهِ ) وَقَيَّدَ بِهِ لِيَتَبَيَّنَ دُخُولُ قَوْلِ الْإِمَامِ فِي هَذَا الْقِسْمِ حَيْثُ قَالَ ( وَهُوَ مُخْتَارُ الْإِمَامِ تَنْزِيلًا لِعِلْمِهِ مَنْزِلَةَ بَيَانِهِ ) وَإِلَّا فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي كُلِّ الْأَقْوَالِ ( وَجَوَابُهُ فِي الْجَرْحِ مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَثِيرٌ بِخِلَافِ الْعَدَالَةِ ( وَقَائِلٌ ) يَقُولُ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ ( فِي الْعَدَالَةِ فَقَطْ لِلْعِلْمِ بِمَفْهُومِهَا اتِّفَاقًا فَسُكُوتُهُ كَبَيَانِهِ بِخِلَافِ الْجَرْحِ ) فَإِنَّ أَسْبَابَهُ كَثِيرَةٌ وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ ( مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَائِلٌ ) يَقُولُ ( قَلْبُهُ ) أَيْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي الْجَرْحِ لَا فِي الْعَدَالَةِ ( لِلتَّصَنُّعِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجَرْحِ يَظْهَرُ وَتَقَدَّمَ ) جَوَابُهُ مَرَّتَيْنِ ( وَيُعْتَرَضُ عَلَى الْأَكْثَرِ بِأَنَّ عَمَلَ الْكُلِّ ) مِنْ أَهْلِ الشَّأْنِ ( فِي الْكُتُبِ عَلَى إبْهَامِ ) سَبَبِ ( التَّضْعِيفِ إلَّا قَلِيلًا فَكَانَ ) الِاكْتِفَاءُ بِإِطْلَاقِ الْجَرْحِ ( إجْمَاعًا وَالْجَوَابُ ) مِنْ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ عَمَلَهُمْ الْمَذْكُورَ ( أَوْجَبَ التَّوَقُّفَ عَنْ قَبُولِهِ ) أَيْ الرَّاوِي الْمُضَعَّفِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ فِيهِ رِيبَةً يُوجِبُ مِثْلَهَا التَّوَقُّفُ ثُمَّ مَنْ انْزَاحَتْ عَنْهُ الرِّيبَةُ مِنْهُمْ بِبَحْثٍ عَنْ حَالِهِ أَوْجَبَ الثِّقَةَ بِعَدَالَتِهِ قَبِلْنَا حَدِيثَهُ وَلَمْ نَتَوَقَّفْ كَمَنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ مَسَّهُمْ مِثْلُ هَذَا

الْجَرْحِ مِنْ غَيْرِهِمْ ( يُوجِبُ قَبُولَ ) الْجَرْحِ ( الْمُبْهَمِ إذْ الْكَلَامُ فِيمَنْ عَدَّلَ وَإِلَّا فَالتَّوَقُّفُ لِجَهَالَةِ حَالِهِ ثَابِتٌ وَإِنْ لَمْ يَجْرَحْ بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ أَصْحَابَ الْكُتُبِ الْمَعْرُوفِينَ عُرِفَ مِنْهُمْ صِحَّةُ الرَّأْيِ فِي الْأَسْبَابِ ) الْجَارِحَةِ فَأَوْجَبَ جَرْحُهُمْ الْمُبْهَمُ التَّوَقُّفَ عَنْ الْعَمَلِ بِالْمَجْرُوحِ ( حَتَّى لَوْ عَرَفَ ) الْجَارِحُ مِنْهُمْ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ خِلَافِ الرَّأْيِ الصَّحِيحِ فِي الْأَسْبَابِ الْجَارِحَةِ ( لَا يُقْبَلُ ) جَرْحُهُ ( فَلَا يَتَوَقَّفُ ) فِي قَبُولِ ذَلِكَ الْمَجْرُوحِ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ الْأَكْثَرُ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ ) فَلَا يُبْحَثُ عَنْهَا فِي رِوَايَةٍ وَلَا شَهَادَةٍ ( وَقِيلَ ) هُمْ ( كَغَيْرِهِمْ ) فِيهِمْ الْعُدُولُ وَغَيْرُهُمْ ( فَيُسْتَعْلَمُ التَّعْدِيلُ بِمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ التَّزْكِيَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مَنْ كَانَ مَقْطُوعًا بِعَدَالَتِهِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ ظَاهِرِهَا ( وَقِيلَ ) هُمْ ( عُدُولٌ إلَى الدُّخُولِ فِي الْفِتْنَةِ ) فِي آخِرِ عَهْدِ عُثْمَانَ كَمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَقِيلَ مِنْ حِينِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَقَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ مَا بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِ هَذَا الْقَائِلِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الدَّاخِلِ فِي فِتْنَةِ عُثْمَانَ أَيْضًا تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْفِتْنَةَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ بِسَبَبِ قَتْلِ عُثْمَانَ ( فَتُطْلَبُ التَّزْكِيَةُ ) لَهُمْ مِنْ وَقْتَئِذٍ ( فَإِنَّ الْفَاسِقَ مِنْ الدَّاخِلِينَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( هَذَا الْمَذْهَبَ بِأَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ إلَى ظُهُورِهَا فَلَا يُقْبَلُ الدَّاخِلُونَ مُطْلَقًا ) أَيْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ( لِجَهَالَةِ عَدَالَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجُونَ ) مِنْهَا ( كَغَيْرِهِمْ ) يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إلَى ظُهُورِهَا أَمْرَيْنِ عَدَمُ قَبُولِهِمْ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِالْبَحْثِ عَنْهَا وَعَدَمِ الْقَبُولِ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْهَا ) أَيْ عَدَالَتِهِمْ ( بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ ) أَيْ الْبَحْثُ عَنْهَا بَعْدَهُ ( مَنْقُولٌ ) عَنْ بَعْضِهِمْ ( فَفَاسِدُ التَّرْكِيبِ ) إذْ حَاصِلُهُ : هُمْ كَغَيْرِهِمْ إلَى ظُهُورِهَا فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ ( وَحَاصِلُهُ الْمَذْهَبُ الثَّانِي وَلَيْسَ ثَالِثًا ) إذْ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ مُطْلَقًا وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِيَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( وَإِنْ أَرَادَ لَا يُقْبَلُ بِوَجْهٍ فَشِقُّهُ الْأَوَّلُ ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ : فَهُمْ ( عُدُولٌ ) إلَى : ظُهُورِهَا فَلَا يُقْبَلُونَ لِأَنَّهُمْ ( كَغَيْرِهِمْ ) ثُمَّ لَا قَائِلَ بِأَنَّهُمْ لَا

يُقْبَلُونَ أَصْلًا ( وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ عُدُولٌ إلَّا مَنْ قَاتَلَ عَلِيًّا لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ الْأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى ( { وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } ) الْآيَةَ مَدَحَهُمْ تَعَالَى فَدَلَّ عَلَى فَضْلِهِمْ { وَلَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نُصَيْفَهُ } كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا مِنْ أَبْلَغِ الْأَدِلَّةِ وَأَوْضَحِهَا عَلَى عَظِيمِ فَضْلِهِمْ ( وَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُمْ مِنْ مُدَاوَمَةِ الِامْتِثَالِ ) لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبَذْلِهِمْ الْأَمْوَالَ وَالْأَنْفُسَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى الْعَدَالَةِ ( وَدُخُولِهِمْ فِي الْفِتَنِ بِالِاجْتِهَادِ ) أَيْ اجْتَهَدُوا فِيهَا فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ إلَى مَا ارْتَكَبَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالِاجْتِهَادِ اتِّفَاقًا وَلَا تَفْسِيقَ بِوَاجِبٍ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ حَكَى إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حِكَايَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ إجْمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى تَعْدِيلِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ نَعَمْ حِكَايَتُهُ إجْمَاعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى تَعْدِيلِ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ حَسَنٌ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَ الْقَوْلُ الْفَصْلُ أَنَّا نَقْطَعُ بِعَدَالَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إلَى هَذَيَانِ الْهَاذِينَ وَزَيْغِ الْمُبْطِلِينَ وَقَدْ سَلَفَ اكْتِفَاؤُنَا فِي الْعَدَالَةِ بِتَزْكِيَةِ الْوَاحِدِ مِنَّا فَكَيْفَ بِمَنْ زَكَّاهُمْ عَلَّامُ الْغُيُوبِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ فِي غَيْرِ آيَةٍ وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِي عَصَمَهُ اللَّهُ عَنْ الْخَطَأِ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ

أَمْرَهُمْ فِيمَا جَرَى بَيْنَهُمْ إلَى رَبِّهِمْ جَلَّ وَعَلَا وَنَبْرَأُ إلَى الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ مِمَّنْ يَطْعَنُ فِيهِمْ وَنَعْتَقِدُ أَنَّ الطَّاعِنَ عَلَى ضَلَالٍ مُهِينٍ وَخُسْرَانٍ مُبِينٍ مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقَّ كَانَ عُثْمَانَ وَأَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُومًا وَحَمَى اللَّهُ الصَّحَابَةَ مِنْ مُبَاشَرَةِ قَتْلِهِ فَالْمُتَوَلِّي قَتْلَهُ كَانَ شَيْطَانًا مَرِيدًا ثُمَّ لَا نَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ الرِّضَا بِقَتْلِهِ إنَّمَا الْمَحْفُوظُ الثَّابِتُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ إنْكَارُ ذَلِكَ ثُمَّ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْأَخْذِ بِالثَّأْرِ اجْتِهَادِيَّةً رَأَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ التَّأْخِيرَ مَصْلَحَةً وَرَأَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْبِدَارَ مَصْلَحَةً وَكُلٌّ جَرَى عَلَى وَفْقِ اجْتِهَادِهِ وَهُوَ مَأْجُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ كَانَ الْإِمَامُ الْحَقُّ بَعْدَ ذِي النُّورَيْنِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَأَوِّلًا هُوَ وَجَمَاعَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَعَدَ عَنْ الْفَرِيقَيْنِ وَأَحْجَمَ عَنْ الطَّائِفَتَيْنِ لَمَّا أَشْكَلَ الْأَمْرُ وَكُلٌّ عَمِلَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَالْكُلُّ عُدُولٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهُمْ نَقَلَةُ هَذَا الدِّينِ وَحَمَلَتُهُ الَّذِينَ بِأَسْيَافِهِمْ ظَهَرَ وَبِأَلْسِنَتِهِمْ انْتَشَرَ وَلَوْ تَلُونَا الْآيَ وَقَصَصْنَا الْأَحَادِيثَ فِي تَفْضِيلِهِمْ لَطَالَ الْخِطَابُ فَهَذِهِ كَلِمَاتٌ مَنْ اعْتَقَدَ خِلَافَهَا كَانَ عَلَى زَلَلٍ وَبِدْعَةٍ فَلْيُضْمِرْ ذُو الدِّينِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَقْدًا ثُمَّ لِيَكُفَّ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ فَتِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا أَيْدِيَنَا فَلَا نُلَوِّثُ بِهَا أَلْسِنَتَنَا انْتَهَى .
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَّةِ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ رَقِيَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا حَيْثُ قَالَ قَدْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( ثُمَّ الصَّحَابِيُّ ) أَيْ مَنْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ ( عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا وَمَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ بِاللِّقَاءِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُجَالَسَةِ وَالْمُمَاشَاةِ وَوُصُولِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَإِنْ لَمْ يُكَلِّمْهُ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ سَوَاءٌ كَانَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ انْتَهَى وَذَلِكَ بِأَنْ يُحْمَلَ صَغِيرًا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ هَلْ تَمْيِيزُ الْمُلَاقِي لَهُ شَرْطٌ حَتَّى لَا يَدْخُلَ الْأَطْفَالُ الَّذِينَ حَنَّكَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُلَاقُوهُ مُمَيِّزِينَ وَلَا مَنْ رَآهُ وَهُوَ لَا يَعْقِلُ أَمْ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَدْخُلُونَ .
فِيهِ تَرَدُّدٌ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ مَعَ الرُّؤْيَةِ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو سَعِيدٍ الْعَلَائِيُّ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ وَلَا صُحْبَةَ لَهُ بَلْ وَلَا رُؤْيَةَ وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ أَيْضًا وَفِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ حَنَّكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُ وَلَا تُعْرَفُ لَهُ رُؤْيَةٌ بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ وَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ انْتَهَى وَخَرَجَ بِ ( مُسْلِمًا ) مَنْ لَقِيَهُ كَافِرًا سَوَاءٌ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ حَيَاتِهِ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَبِقَوْلِهِ وَمَاتَ عَلَى إسْلَامِهِ مَنْ لَقِيَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَمَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَطَلٍ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ مَنْ يُسَمَّى صَحَابِيًّا بَعْدَ انْقِرَاضِ الصَّحَابَةِ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ لَا يُسَمَّى الشَّخْصُ صَحَابِيًّا حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ ( أَوْ ) لَقِيَهُ ( قَبْلَ النُّبُوَّةِ

وَمَاتَ قَبْلَهَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ) فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ وَذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجَمَ فِي الصَّحَابَةِ الْقَاسِمُ بْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ وُلِدَ وَمَاتَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا لَمْ يُتَرْجِمُوهُ فِيهِمْ لِاشْتِرَاطِ تَمْيِيزِ الْمُلَاقِي كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ قُلْت فَيُشْكِلُ بِتَرْجَمَتِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ لِإِبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَوْ ) لَقِيَهُ مُسْلِمًا ( ثُمَّ ارْتَدَّ وَعَادَ ) إلَى الْإِسْلَامِ ( فِي حَيَاتِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِهِ فِي الصُّحْبَةِ ثَانِيًا بِدُخُولِهِ الثَّانِي فِي الْإِسْلَامِ ( وَأَمَّا ) لَوْ لَقِيَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ وَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ ( بَعْدَ وَفَاتِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَقُرَّةَ ) بْنِ هُبَيْرٍ ( وَالْأَشْعَثِ ) بْنِ قَيْسٍ ( فَفِيهِ نَظَرٌ وَ الْأَظْهَرُ النَّفْيُ ) لِصُحْبَتِهِ لِأَنَّ صُحْبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ وَحَيْثُ كَانَتْ الرِّدَّةُ مُحْبِطَةً لِلْعَمَلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُحْبِطَةٌ لِلصُّحْبَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَذَهَبَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اسْمَ الصُّحْبَةِ بَاقٍ لِلرَّاجِعِ إلَى الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ رَجَعَ لِلْإِسْلَامِ فِي حَيَاتِهِ أَمْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ لَقِيَهُ ثَانِيًا أَمْ لَا قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِهِ قِصَّةُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ ارْتَدَّ وَأُتِيَ بِهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَسِيرًا فَعَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَبِلَ مِنْهُ ذَلِكَ وَزَوَّجَهُ أُخْتَهُ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَلَا عَنْ تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِ فِي الْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى .
وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ دَلِيلًا ( وَ ) عِنْدَ (

جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مُتَتَبِّعًا ) لَهُ ( مُدَّةً يَثْبُتُ مَعَهَا إطْلَاقُ صَاحِبِ فُلَانٍ عُرْفًا ) عَلَيْهِ ( بِلَا تَحْدِيدٍ ) لِمِقْدَارِهَا بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ ( فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ ) مِقْدَارُهَا ( سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) فَصَاعِدًا ذَكَرَهُ الْمَايَمُرْغِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِوَجْهِهِ ( وَابْنُ الْمُسَيِّبِ ) مِقْدَارُهَا ( سَنَةٌ أَوْ غَزْوٌ ) مَعَهُ وَعَلَّلَ بِأَنَّ لِصُحْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَفًا عَظِيمًا فَلَا تُنَالُ إلَّا بِاجْتِمَاعٍ طَوِيلٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْخُلُقُ الْمَطْبُوعُ عَلَيْهِ الشَّخْصُ كَالسَّنَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا الْمِزَاجُ وَالْغَزْوِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى السَّفَرِ الَّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَيَسْفُرُ فِيهِ أَخْلَاقُ الرَّجُلِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ لَوْ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعُدُّ مِنْ الصَّحَابَةِ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ وَمَنْ شَارَكَهُ فِي انْتِفَاءِ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ كَوْنِهِمْ لَا خِلَافَ فِي عَدِّهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ لَكَفَى فِي ضَعْفِهِ ( لَنَا ) عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ ( إنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ) إطْلَاقِ ( الصَّحَابِيِّ وَصَاحِبِ فُلَانٍ الْعَالِمِ لَيْسَ إلَّا ذَاكَ ) أَيْ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ إلَى آخِرِهِ ( فَإِنْ قِيلَ يُوجِبُهُ ) أَيْ كَوْنَ الصَّحَابِيِّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً ( اللُّغَةُ ) لِاشْتِقَاقِهِ مِنْ الصُّحْبَةِ وَهِيَ تَصْدُقُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا ( قُلْنَا ) إيجَابُ اللُّغَةِ ذَلِكَ ( مَمْنُوعٌ فِيمَا بِيَاءِ النِّسْبَةِ وَلَوْ سُلِّمَ ) إيجَابُ اللُّغَةِ ذَلِكَ فِيمَا بِيَاءِ النِّسْبَةِ أَيْضًا فَقَدْ تَقَرَّرَ لِلْأَئِمَّةِ عُرْفٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ إلَّا فِيمَنْ كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ وَاتَّصَلَ لِقَاؤُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَا يَجُرُّونَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَقِيَ الْمَرْءَ سَاعَةً وَمَشَى مَعَهُ خُطًى وَسَمِعَ مِنْهُ

حَدِيثًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ( فَالْعُرْفُ مُقَدَّمٌ وَلِذَا ) أَيْ تَقَدُّمِهِ عَلَى اللُّغَةِ ( يَتَبَادَرُ ) هَذَا الْمُرَادُ الْعُرْفِيُّ مِنْ إطْلَاقِهِ ( قَالُوا الصُّحْبَةُ تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ يُقَالُ صَحِبَهُ سَاعَةً كَمَا يُقَالُ ) صَحِبَهُ ( عَامًا فَكَانَ ) وَضْعُهَا ( لِلْمُشْتَرَكِ ) بَيْنَهُمَا كَالزِّيَارَةِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُمَا لَمَّا احْتَمَلَا الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ جُعِلَ الزَّائِرُ وَالْمُحَدِّثُ لِمَنْ اتَّصَفَ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ ( قُلْنَا ) هَذَا ( غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ قَالُوا لَوْ حَلَفَ لَا يَصْحَبُهُ حَنِثَ بِلَحْظَةٍ قُلْنَا ) هَذَا ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ أَيْضًا ( لَا فِيهِ ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( وَهُوَ الصَّحَابِيُّ بِالْيَاءِ ) الَّتِي لِلنِّسْبَةِ ( بَلْ تَحَقَّقَ فِيهِ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ( اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ الْكَائِنُ فِي نَحْوِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ ) أَيْ الْعُرْفُ الْمَذْكُورُ ( لِلْمُلَازِمِ مُتَتَبِّعًا ) لِلْمُلَازِمِ ( اتِّفَاقًا وَيُبْتَنَى عَلَيْهِ ) أَيْ الْخِلَافِ فِي الصَّحَابِيِّ مَنْ هُوَ ( ثُبُوتُ عَدَالَةِ غَيْرِ الْمُلَازِمِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّزْكِيَةِ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ ( أَوْ ) عَدَمُ ثُبُوتِهَا وَحِينَئِذٍ ( يَحْتَاجُ ) إلَى التَّزْكِيَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ ( وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ جَرَى الْحَنَفِيَّةُ كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي مِثْلِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ فَجَعَلُوا تَزْكِيَتَهُ عَمَلَ السَّلَفِ بِحَدِيثِهِ ( وَلَوْلَا اخْتِصَاصُ الصَّحَابِيِّ بِحُكْمٍ ) شَرْعِيٍّ وَهُوَ عَدَالَتُهُ ( لَأَمْكَنَ جَعْلُ الْخِلَافِ فِي مُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ ) أَيْ تَسْمِيَتِهِ صَحَابِيًّا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( وَلَا مُشَاحَّةَ فِيهِ ) أَيْ الِاصْطِلَاحِ لَكِنَّ الِاخْتِصَاصَ الْمَذْكُورَ يُفِيدُ أَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ ( وَأَمَّا قَوْلُ إنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ عَاصَرَهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَقَطْ ) وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ

فَإِنَّهُ قَالَ وَمِمَّنْ دُفِنَ أَيْ بِمِصْرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَبُو تَمِيمٍ الْجَيَشَانِيُّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ انْتَهَى ، وَإِنَّمَا هَاجَرَ أَبُو تَمِيمٍ إلَى الْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السِّيَرِ ( وَنَحْوُهُ ) كَأَنْ كَانَ صَغِيرًا مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَابْنُ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ ( فَتَكَلَّفَ كِتَابَتَهُ كَثِيرٌ ) لِانْكِشَافِ انْتِفَاءِ الصُّحْبَةِ فِيمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ الْمُعَاصِرُ ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْعَدْلُ أَنَا صَحَابِيٌّ قُبِلَ عَلَى الظُّهُورِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ وَازِعَ عَدَالَتِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ ( لَا ) عَلَى ( الْقَطْعِ لِاحْتِمَالِ قَصْدِ الشَّرَفِ ) بِدَعْوَى رُتْبَةٍ شَرِيفَةٍ لِنَفْسِهِ ( فَمَا قِيلَ ) هُوَ ( كَقَوْلِ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ ( أَنَا عَدْلٌ ) كَمَا فِي الْبَدِيعِ ( تَشْبِيهٌ فِي احْتِمَالِ الْقَصْدِ ) لِلشَّرَفِ ( لَا تَمْثِيلُ ) فِي حُكْمِهِ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ تَمْثِيلًا ( لَقُبِلَ ) قَوْلُهُ أَنَا عَدْلٌ فَيُحْكَمُ بِعَدَالَتِهِ ( أَوْ لَمْ يُقْبَلْ الْأَوَّلُ ) أَيْ قَوْلُ الْمُعَاصِرِ الْعَدْلِ أَنَا صَحَابِيٌّ فَلَا يُحْكَمُ بِصَحَابَتِهِ ( وَالْفَارِقُ ) بَيْنَ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَنَا صَحَابِيٌّ وَقَوْلِ غَيْرِهِ أَنَا عَدْلٌ فِي قَبُولِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ( سَبْقُ الْعَدَالَةِ لِلْأَوَّلِ عَلَى دَعْوَاهُ ) الصُّحْبَةَ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ عَدَالَتَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ أَنَا عَدْلٌ لِيُقْبَلَ نَعَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ الصُّحْبَةَ لَا يُنَافِيهَا الظَّاهِرُ ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَاهَا بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّهُ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ } يُرِيدُ انْخِرَامَ الْقَرْنِ قَالَهُ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُمِلَ عَلَى السَّمَاعِ ) مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا وَاسِطَةٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ الْقَوْلَ عَنْهُ إلَّا إذَا سَمِعَهُ مِنْهُ ( وَقَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ السَّمَاعَ ( وَالْإِرْسَالَ ) لِاحْتِمَالِ الْأَمْرَيْنِ لَفْظَ قَالَ وَمَعَ هَذَا ( فَلَا يَضُرُّ إذْ لَا يُرْسَلُ إلَّا عَنْ صَحَابِيٍّ ) وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ ( وَلَا يُعْرَفُ فِي ) رِوَايَةِ ( الْأَكَابِرِ عَنْ الْأَصَاغِرِ رِوَايَتُهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( عَنْ تَابِعِيٍّ إلَّا كَعْبَ الْأَحْبَارِ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّات ) رَوَى عَنْهُ الْعَبَادِلَةُ الْأَرْبَعَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَأَنَسٌ ثُمَّ نُقِلَ هَذَا عَنْ الْقَاضِي وِفَاقًا لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْآمِدِيِّ وَتَعَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي التَّقْرِيبِ حَمْلُ قَالَ عَلَى السَّمَاعِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا ، قَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ فِيهَا خِلَافًا ( وَلَا إشْكَالَ فِي قَالَ لَنَا وَسَمِعْته وَحَدَّثَنَا ) وَأَخْبَرَنَا وَشَافَهَنَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ فَهُوَ خَبَرٌ يَجِبُ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ ، ( مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ التَّأَوُّلُ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ يَعْنِي ) حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ ( أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ ) أَيْ الْحَسَنُ ( بِهَا ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا إذَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَارَ إلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ مَنْ قَالَ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَخْطَأَ انْتَهَى وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْحُفَّاظِ بَلْ .
قَالَ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَا رَآهُ قَطُّ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ حَدَّثَنَا لَيْسَ بِنَصٍّ فِي أَنَّ قَائِلَهَا سَمِعَ ( وَفِي مُسْلِمٍ قَوْلُ الَّذِي يَقْتُلُهُ

الدَّجَّالُ أَنْتَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أُمَّتَهُ وَهُوَ مِنْهُمْ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا .
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي إبْرَاهِيمَ بْنَ سُفْيَانَ رَاوِي مُسْلِمٍ يُقَالُ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الْخَضِرُ وَإِنْ كَانَ مَعْمَرٌ ذَكَرَهُ فِي جَامِعِهِ فِي أَثَرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا وَلَا أَنَّ الْخَضِرَ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ { يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّك الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ } ( فَإِنْ قَالَ سَمِعْته أَمَرَ أَوْ نَهَى ) أَوْجَبَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ نَقْصًا فِي الْحُجَّةِ فَجَاءَ الْخِلَافُ ( فَالْأَكْثَرُ حُجَّةً ) لِظُهُورِهِ فِي تَحَقُّقِهِ كَذَلِكَ وَالْعَدْلُ لَا يَجْزِمُ بِشَيْءٍ إلَّا إذَا عَلِمَهُ ( وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اعْتَقَدَهُ ) أَيْ مَا سَمِعَهُ ( مِنْ صِيغَةٍ أَوْ ) شَاهَدَهُ مِنْ ( فِعْلٍ أَمْرًا وَنَهْيًا وَلَيْسَ ) مَا اعْتَقَدَهُ أَمْرًا وَنَهْيًا ( إيَّاهُ ) أَيْ أَمْرًا وَنَهْيًا ( عِنْدَ غَيْرِهِ ) كَمَا إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ فَيَقُولُ نَهَى عَنْ كَذَا وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ أَوْ أَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرِ فَيَقُولُ أَمَرَ وَغَيْرُهُ لَا يَرَاهُ نَهْيًا وَلَا أَمْرًا ( وَرَدُّهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ ( بِأَنَّهُ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ صَحِيحٌ ) لِمَعْرِفَتِهِمْ بِأَوْضَاعِ اللُّغَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمَا هُوَ أَدَقُّ مِنْهُمَا وَعَدَالَتُهُمْ الْمُقْتَضِيَةُ لِتَحَرُّزِهِمْ فِي مَوَاقِعِ الِاحْتِمَالِ وَالِاحْتِمَالَاتُ الْبَعِيدَةُ لَا تَمْنَعُ الظُّهُورَ ( أَمَّا أُمِرْنَا ) بِكَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ { أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ فِي الْعِيدَيْنِ

الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ } الْحَدِيثَ ( وَنُهِينَا ) عَنْ كَذَا كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهَا أَيْضًا { نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ } ( وَأُوجِبَ ) عَلَيْنَا كَذَا وَأُبِيحَ لَنَا أَوْ رُخِّصَ لَنَا كَذَا بِبِنَاءِ الْجَمِيعِ لِلْمَفْعُولِ ( وَحُرِّمَ ) عَلَيْنَا كَذَا ( وَجَبَ أَنْ يَقْوَى الْخِلَافُ ) فِيهِ ( لِلزِّيَادَةِ ) لِلِاحْتِمَالِ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( بِانْضِمَامِ احْتِمَالِ كَوْنِ الْآمِرِ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ أَوْ ) كَوْنِ ذَلِكَ ( اسْتِنْبَاطًا ) مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا قَاسَ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ قِيَاسُهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ وَيَقُولُ عُرْفًا أُمِرْنَا بِكَذَا وَكَذَا الْبَاقِي وَقَدْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْكَرْخِيُّ وَالصَّيْرَفِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ ( وَمَعَ ذَلِكَ ) أَيْ احْتِمَالُهُ لِهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَهِيَ ( خِلَافُ الظَّاهِرِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مُخْتَصٍّ بِمِلْكٍ لَهُ الْأَمْرُ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّ الْآمِرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ فَيَكُونُ ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْآمِرَ وَالنَّاهِيَ وَالْمُوجِبَ وَالْمُحَرِّمَ وَالْمُبِيحَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَكْثَرُ لَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيلَ هَذَا فِي غَيْرِ الصِّدِّيقِ أَمَّا إذَا قَالَهُ الصِّدِّيقُ فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ مَا عَدَا هَذَا الظَّاهِرَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ فَلَا يَرْفَعُ الظُّهُورَ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ أَيْ الصَّحَابِيُّ ( مِنْ السُّنَّةِ كَذَا ) كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ دَاسَةَ وَابْنِ الْأَعْرَابِيِّ لِسُنَنِ أَبِي دَاوُد { أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ السُّنَّةُ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ } بَلْ قَوْلُ الرَّاوِي صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ذَلِكَ ( ظَاهِرٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فِي سُنَّتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) وَقَدَّمْنَا فِي تَقْسِيمٍ لِلْحَنَفِيَّةِ الْحُكْمَ إمَّا رُخْصَةً .
.
.
إلَى آخِرِهِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَبِهِ أَخَذَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ

وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ ( وَتَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ ) أَيْ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ كَالْكَرْخِيِّ وَالرَّازِيِّ وَأَبِي زَيْدٍ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيِّ وَمُتَابِعِيهِمْ وَالصَّيْرَفِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ( أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الرَّاوِي صَحَابِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( أَعَمُّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَمِنْ سُنَّةِ ) الْخُلَفَاءِ ( الرَّاشِدِينَ ) وَبَيَّنَّا ثَمَّةَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ الْوَجْهَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ .
وَإِنَّ الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ ذَكَرَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ مَوْقُوفٌ وَمِنْ الصَّحَابَةِ ظَاهِرٌ فِي مُرَادِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَالْحَاكِمَ نَفَيَا فِي هَذَا الْخِلَافِ وَأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ نَفَاهُ فِيهِمَا وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى اطِّلَاعِهِمْ عَلَى الْخِلَافِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ ، فِي الْخِلَافِ ، فِي ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ

قَوْله ( كُنَّا نَفْعَلُ أَوْ نَرَى وَكَانُوا ) يَفْعَلُونَ كَذَا فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ ( ظَاهِرٌ فِي الْإِجْمَاعِ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( وَقِيلَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قَالُوا لَوْ كَانَ ) حُجَّةً ( لَمْ تَجُزْ الْمُخَالَفَةُ لِخَرْقِ الْإِجْمَاعِ ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ هَذَا ( بِأَنَّ مُقْتَضَى مَا ذُكِرَ ظُهُورُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( فِي نَفْيِ الْإِجْمَاعِ أَوْ ) ( لُزُومِ نَفْيِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( وَهُوَ ) أَيْ ظُهُورُهُ فِي أَحَدِهِمَا ( خِلَافُ مُدَّعَاكُمْ ) أَيُّهَا النَّافُونَ لِلْحُجِّيَّةِ لِأَنَّ مُدَّعَاكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهَذَا مِنْكُمْ إنَّمَا يَنْفِي كَوْنَهُ إجْمَاعًا أَوْ يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ كَوْنِهِ إجْمَاعًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نَفْيُ الْحُجِّيَّةِ ثُمَّ الْجَوَابُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّ التَّسَاوِي ) فِي احْتِمَالِ كَوْنِهِ حُجَّةً وَاحْتِمَالِ كَوْنِهِ غَيْرَ حُجَّةٍ ( كَافٍ بِهِ ) أَيْ فِي جَوَازِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ لِأَنَّ الْحُجِّيَّةَ لَا تَثْبُتُ بِالشَّكِّ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ الْجَوَابُ ( أَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ الْمُخَالَفَةِ إنَّمَا هُوَ ( فِي الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ ) أَمَّا فِي ظَنِّيِّ الثُّبُوتِ فَلَا وَهَذَا ظَنِّيُّ الثُّبُوتِ ( وَأَمَّا رَدُّهُ ) أَيْ دَلِيلِ الْأَكْثَرِ ( بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ إذْ الْمُدَّعَى ظُهُورُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَبِهَذَا ) أَيْ كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ ( ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ ) أَيْ كُنَّا نَفْعَلُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ( وَقْفٌ خَاصٌّ ) لِأَنَّهُ عَلَى جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ ( وَجَعْلَهُ ) أَيْ كُنَّا نَفْعَلُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ( رَفْعًا ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ ( ضَعِيفٌ ) إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ نِسْبَتُهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَلَا عَمَلًا وَلَا تَقْرِيرًا ( حَتَّى لَمْ يَحْكِهِ ) أَيْ

الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ رَفْعًا ( بَعْضُ أَهْلِ النَّقْلِ فَأَمَّا ) قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ ( بِزِيَادَةٍ نَحْوُ : فِي عَهْدِهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ( رَفْعٌ ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ حِينَئِذٍ مُشْعِرٌ بِاطِّلَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَتَقْرِيرِهِمْ عَلَيْهِ وَتَقْرِيرُهُ أَحَدُ وُجُوهِ السُّنَنِ الْمَرْفُوعَةِ وَقَوْلُهُ ( لَا يُعْرَفُ خِلَافُهُ إلَّا عَنْ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ) فِيهِ نَظَرٌ قَدْ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ إلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَخْفَى غَالِبًا فَمَرْفُوعٌ وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ كَانَ مَرْفُوعًا وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ وَقَالَ نَحْوَهُ فِي عَهْدِهِ لِيَشْمَلَ مَا فِي لَفْظٍ لِجَابِرٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ { كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ } ( وَ ) أَمَّا قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ ( بِنَحْوِ وَهُوَ يَسْمَعُ ) ( فَإِجْمَاعٌ ) كَوْنُهُ رَفْعًا كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ : أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُنْكِرُهُ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ

( مَسْأَلَةٌ إذَا أَخْبَرَ ) مُخْبِرٌ خَبَرًا ( بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يُنْكِرْ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ( كَانَ ) الْخَبَرُ ( ظَاهِرًا فِي صِدْقِهِ ) أَيْ مُخْبِرِهِ فِيهِ ( لَا قَطْعِيًّا ) وَإِلَّا لَأَنْكَرَهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا لِأَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى الْكَذِبِ الْحَرَامِ مُمْتَنِعٌ مِنْهُ ( لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَمْ يَسْمَعْهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرَ لِاشْتِغَالِهِ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ ( أَوْ ) سَمِعَهُ لَكِنْ ( لَمْ يَفْهَمْهُ ) لِرَدَاءَةِ عِبَارَةِ الْمُخْبِرِ مَثَلًا ( أَوْ كَانَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بَيَّنَ نَقِيضَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ إنْكَارُهُ ( أَوْ رَأَى تَأْخِيرَ الْإِنْكَارِ ) لِمَصْلَحَةٍ فِي تَأْخِيرِهِ ( أَوْ مَا عَلِمَ كَذِبَهُ ) لِكَوْنِهِ دُنْيَوِيًّا وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( أَوْ رَآهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْخَبَرَ ( صَغِيرَةً وَلَمْ يَحْكُمْ بِإِصْرَارِهِ ) أَيْ الْمُخْبِرِ عَلَيْهَا قَالُوا وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ جَمِيعِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا قَطْعَ بِصِدْقِهِ .

( وَكَتَخْصِيصِهِ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي ( الْعَامَّ تَقْيِيدُهُ لِلْمُطْلَقِ ) فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سَمَاعِ الْمُقَيِّدِ لِإِطْلَاقِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَمَلَهُ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي لَهُ ( وَعَلِمَ عَمَلَ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ ( اتَّبَعَ الْخَبَرَ ) لِأَنَّ غَيْرَ الرَّاوِي جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ ثُمَّ لَيْسَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا يُتْرَكُ بِهِ الْخَبَرُ ( وَمَنْ يَرَى حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ ) أَهْلِ ( الْمَدِينَةِ ) كَمَالِكٍ ( يَسْتَثْنِيهِ ) فَيَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَالْعَمَلُ بِإِجْمَاعِهِمْ ( كَإِجْمَاعِ الْكُلِّ ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْقِسْمَ .
وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَمُوَافِقُوهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ لِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُوَافِقُ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الصَّحَابِيِّ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ إنْ قَبِلَ السَّلَفُ حَدِيثَهُ أَوْ سَكَتُوا أَوْ اخْتَلَفُوا عَمِلَ بِالْحَدِيثِ فَعُلِمَ مِنْ الْقَبُولِ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْعَمَلُ بِهِ فِي تَرْكِ الْأَكْثَرِ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ خُصُوصًا مَعَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَشُهْرَةِ رَاوِيه ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَتَرْكُ الصَّحَابَةِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ ) أَيْ بِالْحَدِيثِ ( عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ مُخْتَلَفٌ فِي رَدِّهِ ) أَيْ الْحَدِيثِ ( وَهُوَ ) أَيْ رَدُّهُ بِتَرْكِهِمْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ هُوَ ( الْوَجْهُ إذَا كَانَ ) الْحَدِيثُ ( ظَاهِرًا فِيهِمْ وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ رَاوِي الْحَدِيثِ ( مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْمَرْوِيِّ ( فَالْحَنَفِيَّةُ إنْ كَانَ ) الْحَدِيثُ ( مِنْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ عَلَى التَّارِكِ ) لِلْعَمَلِ بِهِ ( كَحَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ ) الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { بَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَقَعَ فِي زُبْيَةٍ فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمَ فَقَهْقَهُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ } .
( عَنْ أَبِي مُوسَى ) الْأَشْعَرِيِّ ( تَرْكُهُ ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ ( لَا يَضُرُّهُ ) أَيْ الْحَدِيثَ ( إذْ لَا يَسْتَلْزِمُ ) تَرْكُهُ قَدْحًا فِي الْحَدِيثِ ( مِثْلُ تَرْكِ الرَّاوِي ) الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُفَسَّرَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ لِجَوَازِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي وُقُوعِ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ وُقُوعَهَا فِي الصَّلَاةِ ( مِنْ الْحَوَادِثِ النَّادِرَةِ فَجَازَ خَفَاؤُهُ ) أَيْ الْحَدِيثِ ( عَنْهُ ) أَيْ أَبِي مُوسَى قُلْت لَكِنْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهَذَا نَظَرٌ فَفِي الْأَسْرَارِ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا عَنْ أَبِي مُوسَى وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( عَلَى أَنَّهُ مَنَعَ صِحَّتَهُ ) أَيْ تَرَكَهُ ( عَنْهُ ) أَيْ أَبِي مُوسَى ( بَلْ ) رَوَى ( نَقِيضَهُ ) أَيْ نَقِيضِ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْهُ ( أَوْ لَا ) يَكُونُ الْحَدِيثُ ( مِنْهُ ) أَيْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ ( كَالتَّغْرِيبِ ) الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ إخْرَاجُ الْحَاكِمِ لِلْمُحْصَنِ الْحُرِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ ( تَرَكَهُ عُمَرُ بَعْدَ لَحَاقِ مَنْ غَرَّبَهُ مُرْتَدًّا ) فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ غَرَّبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

رَبِيعَةَ بْنَ أُمِّيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا ( فَيَقْدَحُ ) تَرْكُ عَمَلِ غَيْرِ الرَّاوِي لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ ( لِاسْتِلْزَامِهِ ) أَيْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ حِينَئِذٍ ( ذَلِكَ ) أَيْ الْقَدْحَ فِيهِ ( أَوْ أَنَّهُ ) أَيْ التَّغْرِيبَ ( كَانَ زِيَادَةَ تَعْزِيرِ سِيَاسَةٍ ) شَرْعِيَّةٍ إيحَاشًا لِلزَّانِي وَزِيَادَةً فِي تَنْكِيلِهِ ( إذْ لَا يَخْفَى ) كَوْنُ التَّغْرِيبِ مِنْ الْحَدِّ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ عُمَرَ ( لِابْتِنَاءِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهْرَةِ مَعَ حَاجَةِ الْإِمَامِ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَيَفْحَصُ عَنْهُ وَكُفْرُهُ ) أَيْ الْمُغَرَّبِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ ( لَا يُحِلُّ تَرْكهُ الْحَدَّ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِلْمُؤَلَّفَةِ بَعْدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ فَهِمَ انْتِهَاءَ حُكْمِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ شَوْكَةٍ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وَمَنَعَهُمْ ) .
فَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ .
( بَقِيَ قِسْمٌ ) لَمْ يُذْكَرْ فِي تَقْسِيمِهِمْ وَهُوَ ( مُحْتَمَلٌ لَا يَخْفَى ) أَيْ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ ( وَلَيْسَ ) الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ ( مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ ) الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِرَاوِيهِ ( التَّارِكِ ) لِلْعَمَلِ بِهِ ( الَّتِي تُهِمُّهُ ) وَتُوجِبُ لَهُ زِيَادَةَ الْفَحْصِ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ لَيْسَ ) تَرْكَ عَمَلِ غَيْرِ الرَّاوِي التَّارِكِ لَهُ ( كَالرَّاوِي ) أَيْ كَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ لِرَاوِيهِ ( لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ عَدَمِ بُلُوغِهِ ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إلَى تَارِكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرَاوِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ ( أَوْلَى مِنْ الْأَكْثَرِ ) أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي تَرَكَ الْأَكْثَرُ الْعَمَلَ ( بِهِ ) أَيْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِلزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلْيُطْلَبْ لَهُ مِثَالٌ إنْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي نَفْسِ

الْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِانْتِفَاءِ مِثَالِهِ فِي اسْتِقْرَائِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَذْكُورِ جَائِزٌ ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ ( بِخِلَافِ ) مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى حَذْفُهُ مِثْلُ ( الشَّرْطِ ) كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ .
يَعْنِي الْأَمَةَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَالِاسْتِثْنَاءُ ) كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَالْحَالُ ) كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَالْغَايَةُ ) كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ ( وَقِيلَ لَا ) يَجُوزُ مُطْلَقًا ( وَقِيلَ إنْ رَوَى مَرَّةً عَلَى التَّمَامِ ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الْخَبَرَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ عَلَى التَّمَامِ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ ( وَمَا قِيلَ يَمْنَعُ إنْ خَافَ تُهْمَةَ الْغَلَطِ ) كَمَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ حَيْثُ قَالَ مَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلَى التَّمَامِ وَخَافَ إنْ رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى النُّقْصَانِ أَنْ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ زَادَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَوْ أَنَّهُ نَسِيَ فِي الثَّانِي بَاقِيَ الْحَدِيثِ لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ ( فَأَمَرُ آخَرُ ) لَا دَخْلَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوَازِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ ( لَنَا إذَا انْقَطَعَ التَّعَلُّقُ ) بَيْنَ الْمَذْكُورِ وَالْمَحْذُوفِ ( فَكَخَبَرَيْنِ أَوْ أَخْبَارٍ وَشَاعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْأَوْلَى الْكَمَالُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ } ) أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ {

لَا فَضْلَ لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ } ( وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ ) أَيْ بِأَمَانِهِمْ ( أَدْنَاهُمْ ) أَيْ أَقَلُّهُمْ ( وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ ) أَيْ يَرُدُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُمْ التَّبِعَةَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاقْتَطَعَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ سَرَايَا وَجَّهَهَا لِلْإِغَارَةِ فَمَا غَنِمَتْهُ جَعَلَ لَهَا مَا سَمَّى وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ لِأَنَّ بِهِمْ قَدَرَتْ السَّرَايَا عَلَى التَّوَغُّلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ ( وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ) أَيْ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي اتِّحَادِ كَلِمَتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ وَتَعَاوُنِهِمْ عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ الْمُحَارِبَةِ لَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَيُجِير عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ فَفَسَّرَ الرَّدَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَارَةِ فَالْمَعْنَى يَرُدُّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ كُلُّهُمْ مُجِيرًا يُقَالُ أَجَرْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ إذَا حَمَيْته مِنْهُ وَمَنَعْته

( مَسْأَلَةٌ .
الْمُخْتَارُ ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ ( أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِقَرَائِنِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ لِمَا تَقَدَّمَ ) أَيْ مَا يَلْزَمُ الْخَبَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُخْبِرِ أَوْ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ ( وَلَوْ كَانَ ) الْمُخْبِرُ ( غَيْرَ عَدْلٍ لَا ) أَنَّهُ يُفِيدُهُ ( مُجَرَّدًا ) عَنْ الْقَرَائِنِ ( وَقِيلَ إنْ كَانَ ) الْمُخْبِرُ ( عَدْلًا جَازَ ) أَنْ يُفِيدَ الْعِلْمَ ( مَعَ التَّجَرُّدِ ) عَنْ الْقَرَائِنِ لَكِنْ لَا يَطَّرِدُ فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّمَا حَصَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ بَلْ قَدْ يُوجَدُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَلَا يُوجَدُ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ ( وَعَنْ أَحْمَدَ ) فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ مَعَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ لَكِنْ ( يَطَّرِدُ ) فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّمَا حَصَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ ( وَأَوَّلُ ) الْعِلْمُ الْمُفَادُ بِهِ مُطَّرِدًا ( بِعِلْمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ لَكِنَّ تَصْرِيحَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي مَرْوِيِّهِمَا ) أَيْ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ( بِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ ) وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ يُوسُفَ ( يَنْفِيه ) أَيْ هَذَا التَّأْوِيلَ ثُمَّ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَهَبَ إلَى هَذَا ( مُسْتَدِلًّا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ كَانَ ) الْإِجْمَاعُ ( عَنْ ظُنُونٍ ) أَيْ ظَنِّ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ( فَظَنٌّ مَعْصُومٌ ) مِنْ الْخَطَأِ وَظَنِّ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ لَا يُخْطِئُ وَالْأُمَّةُ فِي إجْمَاعِهَا مَعْصُومَةٌ مِنْ الْخَطَأِ ( وَالْأَكْثَرُ ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ ( لَا ) يُفِيدُ الْعِلْمَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِقَرَائِنَ أَوْ لَا ( لَنَا ) فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ إفَادَةُ الْعِلْمِ بِقَرَائِنَ ( الْقَطْعُ بِهِ فِي نَحْوِ إخْبَارِ مَلِكٍ ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى

الْمَفْعُولِ أَيْ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ مَلِكًا ( بِمَوْتِ وَلَدٍ ) لَهُ ( فِي النَّزْعِ مَعَ صُرَاخٍ وَانْتِهَاكِ حَرَمٍ ) لِلْمَلِكِ ( وَنَحْوِهِ ) مِنْ خُرُوجِ الْمَلِكِ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ مِنْ تَمْزِيقِ ثَوْبٍ وَحَسْرِ رَأْسٍ وَاضْطِرَابِ بَالٍ وَتَشْوِيشِ حَالٍ إذْ كُلُّ عَاقِلٍ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ وَشَاهَدَ هَذِهِ الْقَرَائِنَ قَاطِعٌ بِصِحَّةِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَحَاصِلٌ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا يَعْلَمُ صِدْقَ الْمُتَوَاتِرِ ( وَفِي الثَّانِي ) وَهُوَ عَدَمُ إفَادَةِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ ( لَوْ كَانَ ) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ ( فَبِالْعَادَةِ ) إذْ لَا عِلِّيَّةَ وَلَا تَرْتِيبَ إلَّا بِإِجْرَاءِ اللَّهِ عَادَتَهُ بِخَلْقِ شَيْءٍ عَقِبَ آخَرَ ( فَيُطْرَدُ ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحُصُولُ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ مَعْنَى الِاطِّرَادِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ ضَرُورِيٌّ بِالْوِجْدَانِ إذْ كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ خَبَرَ الْعَدْلِ وَلَا يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ ( وَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِي الْإِخْبَارِ بِهِمَا ) أَيْ إخْبَارِ عَدْلَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ فَإِنَّ إخْبَارَهُمَا بِهِمَا جَائِزٌ بِالضَّرُورَةِ بَلْ وَاقِعٌ وَالْمَعْلُومَانِ ثَابِتَانِ فِي الْوَاقِعِ وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ جَهْلًا وَبُطْلَانُ اجْتِمَاعِهِمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ اسْتِحَالَتَهُ بَدِيهِيَّةٌ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلسُّبْكِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَائِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ إنَّمَا يَقُولُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةُ الْكَذِبِ مَوْجُودَةً لِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى خَبَرِ الْعَدْلِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَدْ يُقَالُ انْضِمَامُ خَبَرِ عَدْلٍ آخَرَ إلَيْهِ مُنَافٍ لَهُ قَرِينَةُ كَذِبِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُفِيدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلْمًا ( وَوَجَبَ التَّأْثِيمُ ) لَهُ بِالِاجْتِهَادِ لِمُخَالَفَتِهِ الْيَقِينَ حِينَئِذٍ ( وَهُوَ ) أَيْ وُجُوبُ التَّأْثِيمِ لِمُخَالِفِهِ ( مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ ) هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ التَّلَازُمُ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي مِنْ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ

وَهُوَ عَدَمُ حُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ مِنْ اقْتِرَانِيَّيْنِ وَاسْتِثْنَائِيٍّ .
بَيَانُهَا : لَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَكَانَ بِالْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَادَةِ لَاطَّرَدَتْ .
يَنْتِجُ مِنْ الِاقْتِرَانِيِّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِيَّاتِ ؛ لَوْ كَانَ مُفِيدًا لَاطَّرَدَ ؛ ثُمَّ يُقَالُ أَيْضًا لَوْ كَانَ مُفِيدًا لَاطَّرَدَ وَلَوْ اطَّرَدَ لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ ، يَنْتِجُ مِنْ الِاقْتِرَانِيِّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِيَّاتِ أَيْضًا ؛ لَوْ أَفَادَ لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ ؛ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبِاسْتِثْنَائِيِّ فَيُقَالُ لَوْ أَفَادَ لَوَجَبَ التَّأْثِيمُ لَكِنْ لَا فَلَا ( الْأَكْثَرُ ) قَالُوا ( مُفِيدُهُ ) أَيْ الْعِلْمِ ( الْقَرَائِنُ فَقَدْ أَخْرَجُوا الْخَبَرَ عَنْ كَوْنِهِ جُزْءَ مُفِيدِ الْعِلْمِ ) أَيْ جُزْءَ عِلَّةِ الْإِفَادَةِ ( وَدَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ ( بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ لَجَوَّزْنَا مَوْتَ ) شَخْصٍ ( آخَرَ ) لِلْمَلِكِ غَيْرِ وَلَدِهِ مِنْ أَخِيهِ وَأَبِيهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِمَوْتِ وَلَدِهِ بِعَيْنِهِ ( يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ الْمَجْمُوعِ ) مِنْ الْخَبَرِ وَالْقَرَائِنِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إثْبَاتِ الْخَبَرِ جُزْءَ عِلَّةِ إفَادَةِ الْعِلْمِ ( فَإِذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ ( جُزْءُ السَّبَبِ ) لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ ( لَزِمَ ) كَوْنُهُ ( شَرْطًا ) لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ شَرْطًا لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ ( عَيْنُ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا مَعَ الْخَبَرِ مِنْ الْقَرَائِنِ لَا مُجَرَّدَ قَرَائِنَ بِلَا خَبَرٍ ( فَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِ الْمُخْتَارِ ( اعْتِرَافٌ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهِ شَرْطًا ( فَأَغْنَاهُمْ ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَافُ أَهْلَ الْمُخْتَارِ ( عَمَّا نَسَبُوهُ ) أَيْ الْأَكْثَرَ ( إلَيْهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الْمُخْتَارِ ( مِنْ قَوْلِهِمْ ) أَيْ الْأَكْثَرِ ( دَلِيلُكُمْ ) أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ ( عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ ( بِلَا قَرِينَةٍ يَنْفِيه ) أَيْ الْعِلْمَ عَنْهُ ( بِهَا )

أَيْ بِالْقَرِينَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ دَلِيلُكُمْ عَلَى نَفْيِهِ ( لَوْ كَانَ ) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِلَا قَرَائِنَ ( أَدَّى إلَى النَّقِيضَيْنِ ) أَيْ تَنَاقُضِ الْمَعْلُومَيْنِ ( إلَى آخِرِهِ ) أَيْ وَلُزُومِ الِاطِّرَادِ وَتَأْثِيمِ مُخَالِفِهِ ( وَ ) أَغْنَاهُمْ عَنْ ( دَفْعِهِ بِأَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ ( إنَّمَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ ) أَيْ كَوْنِ الْخَبَرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ نَفْيِ الْقَرِينَةِ ( لَا مُطْلَقًا ) لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا مَعَ الْقَرِينَةِ ( لِأَنَّ لُزُومَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ ) إنَّمَا هُوَ ( بِتَقْدِيرِهِ ) أَيْ عَدَمِ الْقَرَائِنِ ( أَمَّا الْجَوَابُ بِالْتِزَامِ الِاطِّرَادِ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ فِيمَا فِيهِ الْقَرَائِنُ بِأَنْ يُقَالَ خَبَرُ كُلِّ عَدْلٍ مَعَ الْقَرِينَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ( فَبَعِيدٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَيْسَ كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ بِقَرَائِنَ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالدَّعْوَى ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّعْوَى تُفِيدُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ ( قَدْ يُوجِبُهُ ) أَيْ الْعِلْمَ ( لَا الْكُلِّيَّةَ ) أَيْ لَا أَنَّ كُلَّ خَبَرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ ( لِمَا نَذْكُرُ ) فِي جَوَابِ الْوَاقِعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ نَقِيضَهَا بِأَنْ يَرْجِعُوا فَيَذْكُرُوا أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا سَكَنَ وَبَرَدَ فَظَنَّ مَوْتَهُ ( فَبِإِيجَابِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ الْعِلْمَ ( يُعْلَمُ أَنَّهُ ) أَيْ الْخَبَرَ ( ذَلِكَ ) الْخَبَرُ الَّذِي يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ يَعْنِي أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ إفَادَةَ الْعِلْمِ لِلْخَبَرِ الْمَحْفُوفِ بِالْقَرَائِنِ إنِّي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ ( كَمَا فِي ) الْخَبَرِ ( الْمُتَوَاتِرِ يُعَرِّفُهُ ) أَيْ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا ( أَثَرُهُ ) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَثَرُهُ وَهُوَ ( الْعِلْمُ ) ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فَكَذَا هُنَا إذَا ثَبَتَ بِهِ الْعِلْمُ ثَبَتَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ بِالْقَرَائِنِ ( وَحِينَئِذٍ نَمْنَعُ إمْكَانَ مِثْلِهِ ) أَيْ إخْبَارِ

وَاحِدٍ آخَرَ عَدْلٍ ( بِالنَّقِيضِ الْآخَرِ ) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ ( إلَّا لَوْ وَقَعَ ) الْإِخْبَارُ بِالْمُتَنَاقَضِينَ ( فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَجُوزُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ التَّعَارُضِ ) فِيهَا ( لِلُّزُومِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ ) فِيهَا ( فَأَحَدُهُمَا مَنْسُوخٌ ) وَالْآخَرُ نَاسِخٌ لَهُ ( وَيَلْتَزِمُ التَّأْثِيمُ ) لِلْمُخَالِفِ لِلْخَبَرِ الْمَحْفُوفِ بِالْقَرَائِنِ بِالِاجْتِهَادِ ( لَوْ وَقَعَ ) الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ ( فِيهَا ) أَيْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ مُفِيدِي الْعِلْمِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ التَّأْثِيمِ ( بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ ( لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ بَلْ ) لِلْقَطْعِ ( بِوُقُوعِهِ فَعُلِمَ بِهِ ) أَيْ بِنَفْسِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ ( أَنَّهُ ) أَيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ ( لَا يُفِيدُهُ ) أَيْ الْعِلْمَ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا ذَلِكَ ( وَمَا قِيلَ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ هَذَا مِنْ جَوَازِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِمُتَنَاقِضَيْنِ ( يَقَعُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ إخْبَارِ الْمَلِكِ ) بِمَوْتِ ابْنِهِ بِأَنْ يُخْبِرَهُ مُخْبِرٌ بِمَوْتِهِ مَعَ الْقَرَائِنِ ثُمَّ يُخْبِرَهُ آخَرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى الْمُخْبَرِ وَالْحَاضِرِينَ وَقَامَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى ذَلِكَ ( يَرُدُّ بِأَنَّ ذَاكَ ) أَيْ جَوَازَ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِخَبَرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لِلْمَوْتِ وَهُمَا مَوْتُ ابْنِهِ وَعَدَمُهُ ( عِنْدَ عَدَمِ إفَادَتِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَوْتِهِ الْعِلْمُ ( الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّنَاقُضَ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ الثُّبُوتَ فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعِلْمِ فَامْتِنَاعُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِنَقِيضِ مَا عُلِمَ ضَرُورِيٌّ ( وَالطَّارِدُ ) لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ ( فِي مَرْوِيِّهِمَا ) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ ( لَوْ أَفَادَ ) مَرْوِيُّهُمَا الظَّنَّ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لَكِنَّهُ أُجْمِعَ عَلَى

الْعَمَلِ بِهِ فَلَمْ يُفِدْ الظَّنَّ ( أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِلنَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِهِ ) أَيْ الظَّنِّ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ ( وَالذَّمُّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى اتِّبَاعِهِ قَالَ تَعَالَى ( { وَلَا تَقْفُ } ) أَيْ لَا تَتَّبِعْ { مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } ( إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ ) فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ فَدَلَّ عَلَى حُرْمَتِهِ ( وَالْجَوَابُ ) عَنْ هَذَا ( الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ لَا لِإِفَادَتِهِ ) أَيْ مَرْوِيِّهِمَا ( الْعِلْمَ بِمَضْمُونِهِ وَالسَّمْعِيَّ ) أَيْ { لَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } وَ ( إنْ يَتَّبِعُونَ ) ( مَخْصُوصٌ بِالِاعْتِقَادِيَّاتِ ) الْمَطْلُوبِ فِيهَا الْيَقِينُ لَا مَا يُطْلَبُ فِيهِ الْعَمَلُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ السَّمْعِيِّ الْعُمُومَ ( وَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ ) الْقَطْعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ ( دَلِيلُ وُجُودِ الْمُخَصَّصِ ) فِي الِاعْتِقَادِيَّات عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ( أَوْ النَّاسِخِ ) لِلنَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ فِي غَيْرِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ ( وَمَا قِيلَ لَا إجْمَاعَ ) عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( لِلْخِلَافِ الْآتِي ) فِي الْعَمَلِ بِهِ ( لَيْسَ بِشَيْءٍ ) مُعْتَبَرٍ ( لِاتِّفَاقِ هَذَيْنِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ عَلَى نَقْلِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِهِ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ الطَّارِدِ ( ظَنٌّ مَعْصُومٌ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ فَالْحَاصِلُ إنْ ادَّعَيْت أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعَمَلِ ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( لِإِفَادَةِ الْخَبَرِ الْعِلْمَ مَنَعْنَاهُ ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى ( أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ ) فَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ ( أَوْ أَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ حَقٌّ قَطْعًا أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ وَلَا يُفِيدُ ) الْمَطْلُوبَ ( إذْ الْأَوَّلُ ) أَيْ

كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ ( هُوَ الْمُدَّعَى لَا الثَّانِيَ ) وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ حَقٌّ قَطْعًا ( وَسَوَاءٌ كَانَ ) هَذَا الْمُجْمَعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ( مِنْهُمَا ) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ ( أَوْ لَا يَكُونُ ) مِنْهُمَا ( وَقَدْ يَكُونُ ) خَبَرُ الْوَحْدِ ( مِنْهُمَا ) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ ( وَلَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ لِتَكَلُّمِ بَعْضِ أَهْلِ النَّقْدِ فِيهِ كالدارقطني قِيلَ وَجُمْلَةُ مَا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِائَةٌ وَعَشْرَةُ أَحَادِيثَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى إخْرَاجِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ ( فَالضَّابِطُ مَا أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ) لَا مَرْوِيِّهِمَا بِخُصُوصِهِ ( وَهِيَ ) أَيْ مَا أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ

( مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ يُوَافِقُ خَبَرًا قُطِعَ بِصِدْقِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ ( عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ ) فِي جَمَاعَةٍ ( لِعَمَلِهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ( بِهِ ) أَيْ بِالْخَبَرِ الْمُوَافِقِ لِعَمَلِهِمْ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ ( احْتَمَلَ الْإِجْمَاعُ الْخَطَأَ فَلَمْ يَكُنْ ) الْإِجْمَاعُ ( قَطْعِيَّ الْمُوجِبِ ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ ( وَمَنَعَهُ ) أَيْ الْقَطْعَ بِصِدْقِهِ ( غَيْرُهُمْ ) وَهُوَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ ( لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ) أَيْ عَمَلِهِمْ أَوْ عَمَلِ بَعْضِهِمْ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا بِذَلِكَ الْخَبَرِ لِاحْتِمَالِ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْمَدْلُولِ الْوَاحِدِ وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَمَلُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ ( وَلَوْ كَانَ ) عَمَلُهُمْ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْخَبَرِ ( لَمْ يَلْزَمْ احْتِمَالُ الْإِجْمَاعِ ) لِلْخَطَأِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلظَّنِّ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي الْعَمَلِ بِهِ ( لِلْقَطْعِ بِإِصَابَتِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِالْمَظْنُونِ ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ ( وَتَحْقِيقُهُ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ الْمُوَافِقَ لِحُكْمِهِ ( يُفِيدُ الْقَطْعَ بِحَقِّيَّةِ الْحُكْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ ) بِمَعْنَى ( أَنَّهُ ) أَيْ الْخَبَرَ بِلَفْظِهِ ( سَمِعَهُ فُلَانٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ )

( مَسْأَلَةٌ إذَا أَخْبَرَ ) مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ ( بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَعَلِمَ عِلْمَهُمْ بِكَذِبِهِ لَوْ كَذَبَ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ وَلَا حَامِلَ عَلَى السُّكُوتِ ) مِنْ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ ( قَطَعْنَا بِصِدْقِهِ بِالْعَادَةِ ) لِأَنَّ مَعَ اخْتِلَافِ أَمْزِجَتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ وَوُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَمْتَنِعُ عَادَةً السُّكُوتُ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالْمُخْتَارُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ تَمَادِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى

( مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ ) وَهُوَ أَنْ يُوجِبَ الشَّارِعُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ ( جَائِزٌ عَقْلًا خِلَافًا لِشُذُوذِ ) وَهْمِ الْجُبَّائِيِّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ ( لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ ) أَيْ التَّعَبُّدَ بِهِ لِوُرُودِ السَّمْعِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْمَلُوا بِهِ إذَا ظَنَنْتُمْ صِدْقَهُ وَعَرَضْنَاهُ عَلَى عُقُولِنَا عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ ( لَا يَسْتَلْزِمُ مُحَالًا ) لِذَاتِهِ عَقْلًا ( فَكَانَ ) التَّعَبُّدُ بِهِ ( جَائِزًا ) إذْ لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ غَيْرُ هَذَا وَغَايَةُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي اتِّبَاعِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ كَذِبًا أَوْ خَطَأً فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِكَذِبٍ أَوْ خَطَإٍ لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَمْنَعُ التَّعَبُّدَ بِهِ إذْ كَانَ الصِّدْقُ رَاجِحًا وَإِلَّا لَامْتَنَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَقَوْلِ الْمُفْتِي لِلْعَامِّيِّ لِتَحَقُّقِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيهِمَا لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( قَالُوا ) التَّعَبُّدُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَمُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ ( يُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ ) أَيْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ فِيمَا إذَا رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَآخَرُ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا وَعَمِلَ بِهِ ( لِجَوَازِ خَطَئِهِ وَ ) يُؤَدِّي إلَى ( اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ ) إنْ تَسَاوَيَا وَعَمِلَ بِهِمَا ( فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ ) وَهُوَ التَّعَبُّدُ بِهِ ( قُلْنَا الْأَوَّلُ ) أَيْ تَأْدِيَتُهُ إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ ( مُنْتَفٍ عَلَى إصَابَةِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ ) إذْ لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ هُمَا تَابِعَانِ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ وَيَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ فَيَكُونُ حَلَالًا لِوَاحِدٍ حَرَامًا لِآخَرَ ( وَعَلَى اتِّحَادِهِ ) أَيْ كَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا فَقَطْ ( إنَّمَا يَلْزَمُ ) كَوْنُ التَّعَبُّدِ بِهِ مُؤَدِّيًا إلَى

ذَلِكَ ( لَوْ قَطَعْنَا بِمُوجِبِهِ ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( لَكِنَّا ) لَا نَقْطَعُ بِهِ بَلْ ( نَظُنُّهُ وَهُوَ ) أَيْ ظَنُّهُ ( مَا ) أَيْ الَّذِي ( كَلَّفَ ) الْمُجْتَهِدَ بِهِ ( وَنُجَوِّزُ خِلَافَهُ ) أَيْ الْمَظْنُونِ وَنَقُولُ الْحَقُّ مَعَ مَنْ وَقَعَ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمُخَالِفُهُ عَلَى خَطَأٍ لَكِنْ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ سَاقِطٌ عَنْهُ إجْمَاعًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ ظَنِّ نَفْسِهِ ( وَنَجْزِمُ ) فِي الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا إلَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ ( بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُتَعَارِضَيْنِ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ فَإِنْ ظَنَنَّاهُ ) أَحَدَهُمَا ( سَقَطَ الْآخَرُ ) لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا تَنَاقُضَ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُظَنَّ أَحَدُهُمَا حَتَّى انْتَفَى التَّرْجِيحُ ( فَالتَّكْلِيفُ بِالتَّوَقُّفِ ) عَنْ الْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا فَيُعْمَلَ بِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَوْ يُتَخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ بِالْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَإِذَا عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا سَقَطَ الْآخَرُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ آخَرِينَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ ) أَيْ قَوْلَهُمْ التَّعَبُّدُ بِهِ مُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ عَقْلًا كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( لَيْسَ عَقْلِيًّا بَلْ مِمَّا أَخَذَهُ الْعَقْلُ مِنْ الشَّرْعِ فَالْمُطَابِقُ الثَّانِي ) وَهُوَ لُزُومُ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ بِحَاشِيَتِهِ هُنَا فَقَالَ أَيْ الْأَوَّلُ لَمَّا لَمْ يُفِدْ الِامْتِنَاعَ الْعَقْلِيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قُرِّرَ عَلَى إرَادَةِ الِامْتِنَاعِ الْعَقْلِيِّ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ

الْوَاقِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ عَقْلًا وَلَيْسَ بَلْ مَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ الْعَقْلِيِّ أَمَّا الْبَاطِلُ الشَّرْعِيُّ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ بَاطِلٌ شَرْعًا وَالْعَقْلُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ أَخْذًا مِنْ الشَّرْعِ كَمَا إذَا أَخَذَ أَصْلًا غَيْرَهُ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهُ فِي مَحَالِّ تَحَقُّقِهِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ لِيَصِحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى ( وَمَا عَنْهُمْ ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ ( مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ جَازَ ) التَّعَبُّدُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ( جَازَ ) التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَقَائِدِ ( وَنَقْلِ الْقُرْآنِ وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ بِلَا مُعْجِزٍ ) لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ ظَنُّ الصِّدْقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْمَلْزُومُ ( سَاقِطٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ فَنَمْنَعُ بُطْلَانَ التَّالِي ) فَنَقُولُ بَلْ يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ فِيهَا أَيْضًا عَقْلًا ( غَيْرَ أَنَّ التَّكْلِيفَ وَقَعَ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( فِيهَا ) أَمَّا فِي الْعَقَائِدِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّصِّ السَّمْعِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَأَمَّا فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ فَحَكَمَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِ إثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا وَأَمَّا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ صِدْقَ مُدَّعِيهَا بِغَيْرِ مُعْجِزَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ فِي نِهَايَةِ الْعَظَمَةِ وَغَايَةِ النُّدْرَةِ وَالطِّبَاعُ مُسْتَبْعَدَةٌ لِوُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ اُكْتُفِيَ فِيهَا بِالظَّنِّ .

( مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ ، وَمَنَعَهُ الرَّوَافِضُ وَشُذُوذٌ ) مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد ( لَنَا تَوَاتُرُ ) الْعَمَلِ بِهِ ( عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ) آحَادِ ( وَقَائِعَ خَرَجَتْ عَنْ الْإِحْصَاءِ لِلْمُسْتَقِرِّينَ يُفِيدُ مَجْمُوعَهَا ) أَيْ آحَادِ الْوَقَائِعِ ( إجْمَاعُهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( قَوْلًا أَوْ كَالْقَوْلِ عَلَى إيجَابِ الْعَمَلِ عَنْهَا ) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ( فَبَطَلَ إلْزَامُ الدَّوْرِ و ) إلْزَامُ ( مُخَالَفَةٍ { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ } عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِتَوَاتُرِ الْعَمَلِ بِهَا لَا بِخَبَرِ وَاحِدٍ بِالْعَمَلِ بِهَا وَالْمُتَوَاتِرِ وَلَوْ مَعْنًى يُفِيدُ الْعِلْمَ ( وَ ) إلْزَامُ ( كَوْنِ الْمُسْتَفَادِ ) مِنْ هَذِهِ الْوَقَائِعِ ( الْجَوَازَ ) أَيْ جَوَازَ الِاسْتِدْلَالِ وَالْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ .
وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّ إيجَابَهُمْ الْأَحْكَامَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا ( عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ ) أَيْ بِالْجَوَازِ ( دُونَ وُجُوبٍ وَمِنْ مَشْهُورِهَا ) أَيْ أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ( { عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ بِخَبَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ( وَعُمَرَ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَجُوسِ ) وَهُوَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ } كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( وَبِخَبَرِ حَمَلِ ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ ( ابْنِ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ ) حَيْثُ قَالَ { كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ

وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا } كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ( وَبِخَبَرِ الضَّحَّاكِ ) بْنِ سُفْيَانَ ( فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ الزَّوْجِ ) حَيْثُ قَالَ { كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيَّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ ( وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ) كَمَا أَفَادَهُ مَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِبْهَامِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ حَتَّى وَجَدَ كِتَابًا عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ { وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ } ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى قُلْت فَعَلَى هَذَا قَوْلُ السُّبْكِيّ وَأَمَّا رُجُوعُهُ إلَى كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَلَغَ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ بَلَغَهُ لَصَارَ إلَيْهِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ انْتَهَى مُتَعَقَّبٌ بِهَذَا فَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ مِمَّنْ رَوَى كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ .
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ ( وَ ) عَمِلَ ( عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ ) بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ( أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ ( وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً مِنْ الْآحَادِ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى عَمَلِهِمْ بِهَا لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِخُصُوصِيَّاتٍ فِيهَا سِوَى حُصُولِ الظَّنِّ فَعَلِمْنَاهُ ) أَيْ حُصُولَ الظَّنِّ ( الْمَنَاطُ عِنْدَهُمْ مَعَ ثُبُوتِ إجْمَاعِهِمْ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } ) وَقَدَّمْنَا فِي الْبَحْثِ الْأَوَّلِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ أَنَّ شَيْخَنَا الْحَافِظَ قَالَ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بَلْ مَعْنَاهُ ( { وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ } ) وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ أَيْضًا أَنَّ الْمَحْفُوظَ ؛ إنَّا ؛ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( { وَالْأَنْبِيَاءُ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ } ) رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ ( وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُونَ عِنْدَ رِيبَةٍ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الظَّنِّ كَإِنْكَارِ عُمَرَ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي نَفْيِ نَفَقَةِ الْمُبَانَةِ ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَال ( وَعَائِشَةَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ( وَأَيْضًا تَوَاتَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إرْسَالُ الْآحَادِ إلَى النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ ) مِنْهُمْ مُعَاذٌ فَرَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ إنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ } الْحَدِيثَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ قَبُولُ خَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِإِرْسَالِهِمْ مَعْنًى ( وَالِاعْتِرَاضُ ) عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ

الْأَخْبَارِ ( بِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ ( سَاقِطٌ ) لِأَنَّ إرْسَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ ( إذْ أَفَادَ وُجُوبَ عَمَلِ الْمُبَلَّغِ بِمَا بَلَّغَهُ الْوَاحِدُ ) لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رُسُلُهُ ( كَانَ ) إرْسَالُهُ ( دَلِيلًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ) وَهُوَ وُجُوبُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُبَلَّغ الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ لِأَنَّ الْمُبَلَّغَ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَعَلَى كُلٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَفَادَ اللَّفْظُ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا مُفِيدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ ( وَاسْتَدَلَّ ) مَنْ قَبْلَنَا لِلْمُخْتَارِ ( بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَوْلَا نَفَرَ } الْآيَةَ ) أَيْ { مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } لِأَنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَدْ جُعِلَ مُنْذِرًا وَوَجَبَ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِهِ وَلَوْلَا قَبُولُ خَبَرِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ ( وَاسْتُبْعِدَ ) الِاسْتِدْلَال بِهَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ النَّفَرَ لِإِفْتَائِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْذَارِ الْفَتْوَى بِقَرِينَةِ تَوَقُّفِهِ عَلَى التَّفَقُّهِ إذَا الْأَمْرُ بِالتَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِهِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى التَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ الْفَتْوَى لَا الْخَبَرُ الْمَخُوفُ مُطْلَقًا ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا الِاسْتِبْعَادُ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْإِنْذَارَ ( أَعَمُّ مِنْهُ ) أَيْ الْإِفْتَاءِ ( وَمِنْ أَخْبَارِهِمْ ) وَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ

الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّفَقُّهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْقَوْمِ بِالْمُقَلِّدِينَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِي فَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَمْلِ الْإِنْذَارِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَإِنَّهُ كَمَا يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْإِنْذَارِ يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْقَوْمِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُقَلِّدُ فِي الِانْزِجَارِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ فِي مِثْلِهَا إلَى غَيْرِهِ ( وَأَمَّا { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللَّاعِنُونَ } { إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلَّا النَّارَ } الْآيَةُ ( فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَمَا كَانَ لِلْإِيعَادِ عَلَى الْكِتْمَانِ لِقَصْدِ الْإِظْهَارِ فَائِدَةٌ ( لِجَوَازِ نَهْيِهِمْ عَنْ الْكِتْمَانِ لِيَحْصُلَ التَّوَاتُرُ بِإِخْبَارِهِمْ و { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ } الْآيَةَ ) الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْفَاسِقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بِخِلَافِهِ اسْتِدْلَالٌ ( بِمَفْهُومٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ ) وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ( وَلَوْ صَحَّ كَانَ ظَاهِرًا وَلَا يُثْبِتُونَ بِهِ ) أَيْ بِالظَّاهِرِ ( أَصْلًا دِينِيًّا وَإِنْ كَانَ ) الْأَصْلُ الدِّينِيُّ ( وَسِيلَةَ عَمَلٍ ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ أَنَّ بِهِ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ ( قَالُوا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ ( فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ ) أَيْ الْخِرْبَاقِ حَيْثُ قَالَ { أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ قَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ } مُتَّفَقٌ

عَلَيْهِ ( قُلْنَا ) تَوَقُّفُهُ ( لِلرِّيبَةِ ) فِي خَبَرِهِ ( إذْ لَمْ يُشَارِكُوهُ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا ( ثُمَّ لَيْسَ ) خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ ( دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ) أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ بِهِ ( بَلْ هُوَ ) أَيْ خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ دَلِيلٌ ( لِمُوجِبِ الِاثْنَيْنِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فِي رِوَايَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ رَوَاهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ { ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَاذَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَا صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } ( وَإِلَّا فَمَعَهُمَا ) أَيْ خَبَرَيْ الِاثْنَيْنِ ( لَا يَخْرُجُ ) الْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَاحِدُ ( عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَوْنُهُ ) أَيْ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ ( لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ) لِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَبُّدِ الْأُمَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَنْقُولًا عَنْ الرَّسُولِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ ( لَا يَضُرُّ إذْ يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ خَبَرَهُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقِلَ إلَى سَيِّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ النَّبِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْأَعْظَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ كَوْنِ تَوَقُّفِهِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ الْجَوَابُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا ( قَالُوا قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَقْفُ } ) فَنَهَى عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَأَنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ ( وَالْجَوَابُ ) أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ بِالظَّنِّ بَلْ ( بِمَا

ظَهَرَ مِنْ أَنَّهُ ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ( بِمُقْتَضَى الْقَاطِعِ ) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ ( وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ ) أَيْ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( بِالْعَقْلِ أَيْضًا كَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْقَفَّالِ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ ) كَابْنِ سُرَيْجٍ فِي جَمَاعَةٍ ( قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَعْلُومِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ ) عَقْلًا ( كَإِخْبَارِ وَاحِدٍ بِمَضَرَّةِ طَعَامٍ وَسُقُوطِ حَائِطٍ يُوجِبُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لِلْأَصْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ ) عَنْ الْمَضَارِّ ( فَكَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ( لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْبَعْثَةَ لِلْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ ) وَمَضْمُونُ الْخَبَرِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا ( وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ ( بِنَاءً عَلَى التَّحْسِينِ ) الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أُبْطِلَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِيجَابِ ( سَلَّمْنَاهُ ) أَيْ الْقَوْلَ بِالتَّحْسِينِ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَقْطُوعِ الْأَصْلِ ( أَوْلَى عَقْلًا ) لِلِاحْتِيَاطِ ( لَا وَاجِبٌ سَلَّمْنَاهُ ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ ( لَكِنْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ دُونَ الشَّرْعِيَّاتِ ) وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ وَهُوَ شَرْطُهُ ( سَلَّمْنَاهُ ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَصَحَّ قِيَاسُ الشَّرْعِيَّاتِ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسَ ( قِيَاسٌ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ بِظَنِّيٍّ ( قَالُوا ) أَيْ الْبَاقُونَ مِنْ مُثْبِتِيهِ بِالْعَقْلِ أَيْضًا أَوَّلًا خَبَرٌ ( يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا دَفْعًا لِمَضَرَّةٍ قُلْنَا لَمْ يَذْكُرُوا أَصْلَهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( فَإِنْ كَانَ ) أَصْلُهُ الْخَبَرَ ( الْمُتَوَاتِرَ فَلَا جَامِعَ

) بَيْنَهُمَا ( لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ ) أَيْ الْمُتَوَاتِرِ ( لِلْعِلْمِ ) أَيْ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ لَا لِلِاحْتِيَاطِ ( وَإِنْ كَانَ ) أَصْلُهُ ( الْفَتْوَى ) مِنْ الْمُفْتِي ( فَخَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ ) أَيْ فَحُكْمُ الْمُفْتِي خَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ فِيهَا ( وَمَا نَحْنُ فِيهِ ) مِنْ حُكْمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ ( عَامٌّ ) فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ ( أَوْ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِهَا ) أَيْ الْفَتْوَى فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْمُقَلِّدُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ خَاصٌّ بِالْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِ الْفَتْوَى ( فَالْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَلَوْ سُلِّمَ ) عَدَمُ الْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى الْفَتْوَى ( فَقِيَاسٌ كَالْأَوَّلِ ) أَيْ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ عَقْلِيًّا بَلْ شَرْعِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَطْلُوبِكُمْ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( لَوْ لَمْ يَجِبْ ) الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ ) وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَا يَفِيَانِ بِالْأَحْكَامِ بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى خِلَافِ مَقْصُودِ الْبَعْثَةِ ( وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وُجُوبُ التَّوَقُّفِ فَلَمْ يَخْلُ ) أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ ( فَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ وُجُوبِ التَّوَقُّفِ ( مَنَعْنَا بُطْلَانَ التَّالِي ) أَيْ امْتِنَاعَ خُلُوِّ وَقَائِعَ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الدَّلِيلِ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَا لَا دَلِيلَ فِيهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ ( وَإِذَا لَزِمَ التَّوَقُّف ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِيهِ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ ( عَلَى الْخِلَافِ ) فِيهَا كَمَا عُرِفَ ( وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ ) أَيْ بُعْدُ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( مِنْ

حَضِّ الشَّارِعِ ) أَيْ حَثِّهِ كُلّ مَنْ سَمِعَ شَرْعِيَّةَ حُكْمٍ قَالَهُ ( عَلَى نَقْلِ مَقَالَتِهِ ) بِنَحْوِ مَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا } فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمَنْقُولِ الْوَقْفَ أَدَّى إلَى أَنَّ حَضَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ سَمِعَ الْإِيجَابَ لِفَائِدَةِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ وَهَكَذَا النَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ بَلْ يُتَوَقَّفُ وَفِي هَذَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ كَانَ عَدَمُ النَّقْلِ كَالنَّقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعَمَل بِحُكْمٍ خَاصٍّ وَالْوَقْفَ عَنْهُ وَثُبُوتَ الْإِبَاحَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ حَضِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ سَامِعٍ لِيَحْصُلَ تَوَاتُرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ ( مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ سُنَّتِهِ لَا يَصِلُ مِنْهَا إلَى التَّوَاتُرِ شَيْءٌ ) مُوَافِقَةٌ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ التَّوَاتُرِ أَصْلًا أَوْ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدِيثَانِ وَإِلَّا كَانَ أَمْرُهُ وَحَضُّهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ظَنِّ حُصُولِهِ إلَى وَفَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ إلَى وَفَاتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِاقْتِصَارِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حَدِيثٍ إلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ حَدِيثُ { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } مِثَالٌ لِذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَعَهُ بَلْ صَرَّحَ بِعِزَّةِ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْهُ وَبِقَوْلِهِ أَوْ حَدِيثَانِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَهُ مُتَوَاتِرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمُتَوَاتِرِ مَعْدُومًا أَوْ مَقْصُورًا عَلَى

حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ تَأَمُّلٌ وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الْعِزَّةِ مَمْنُوعٌ وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعَدَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ وَصِفَاتِهِمْ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْعَادِ الْعَادَةِ أَنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ اتِّفَاقًا وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ الْمُتَوَاتِرِ مَوْجُودًا وُجُودَ كَثْرَةٍ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ شَرْقًا وَغَرْبًا الْمَقْطُوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثٍ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ الْعَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ أَفَادَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى قَائِلِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَثِيرٌ ا هـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( أَوْ ) لَا يَخْفَى ( الْأَخِيرَانِ ) أَيْ لُزُومِ التَّوَقُّفِ وَالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ مَا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( فَإِنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ ) عَنْ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ خَاصٍّ ( وَ ) فِي ( ثُبُوتِ ) الْإِبَاحَةِ ( الْأَصْلِيَّةِ ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ هَذَا لِيَتَحَقَّقَا ( بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ ( مِنْ قَبِيلِ ) الدَّلِيلِ ( النَّقْلِيِّ الصَّحِيحِ لَا عَقْلِيٍّ ) عَلَى وِزَانِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( وَلِمَنْ شَرَطَ الْمُثَنَّى ) فِي قَبُولِ الْخَبَرِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْخَبَرَ ( بِهِ ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ ( أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ لِاقْتِضَائِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ ( شَرْعًا عَامًّا بِخِلَافِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَمْرًا خَاصًّا ( قُلْنَا الْفَرْقُ ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ( وُجُودُ مَا لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحَوَامِلِ ) عَلَيْهَا مِنْ عَدَاوَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ ( أَوْ ) اشْتِرَاطِ الْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ ( بِخِلَافِ

الْقِيَاسِ وَلِذَا ) أَيْ وُجُودُ حَوَامِلَ فِي الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ فِي الرِّوَايَةِ ( اُشْتُرِطَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعَ ظُهُورِ انْحِطَاطِهَا ) أَيْ الرِّوَايَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ ( اتِّفَاقًا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْوَلَاءِ ) فِي الرِّوَايَةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ( رَدَّ عُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى رَوَاهُ الْخُدْرِيُّ ) أَيْ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ فَانْطَلَقَ إلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يَشْهَدُ لَك عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَصْغَرُنَا فَانْطَلَقَ أَبُو سَعِيدٍ فَشَهِدَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ } ( قُلْنَا لِرِيبَةٍ فِي خُصُوصِهِ ) أَيْ خَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ شَرَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَمْ يَتَّهِمْ عُمَرُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْحَدِيثِ حِفْظًا لِلرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا ) فِي ( عُمُومِهِ ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنُ تَوَقُّفِ الصَّحَابَةِ عَنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِرِيبَةٍ لَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ ( عَمِلُوا ) أَيْ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ ( بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ) كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

( مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْجَصَّاصِ ) خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ ) مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ وَعَزَا الْأَوَّلُ فِي شَرْحِهِ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا ( لَنَا عَدْلٌ ضَابِطٌ جَازِمٌ فِي عَمَلِيٍّ فَيُقْبَلُ كَغَيْرِهِ ) أَيْ كَمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ ( قَالُوا تَحَقَّقَ الْفَرْقُ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ ( بِقَوْلِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ادْرَءُوا أَيْ ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ } أَخْرَجَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ( وَفِيهِ ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ ( شُبْهَةٌ ) وَهِيَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ بِخَبَرِهِ ( قُلْنَا الْمُرَادُ ) بِالشُّبْهَةِ الَّتِي يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ الشُّبْهَةُ ( فِي نَفْسِ السَّبَبِ لَا الْمُثْبِتِ ) لِلسَّبَبِ ( وَإِلَّا ) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الشُّبْهَةَ فِي مُثْبِتِ السَّبَبِ ( انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ فِيهَا إذْ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِرَادَةُ غَيْرِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصٍ وَإِضْمَارٍ وَمَجَازٍ قَائِمٌ لَكِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِهِمَا اتِّفَاقًا ( وَإِلْزَامُهُ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ ( بِالْقِيَاسِ ) أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ ثَابِتٌ بِدَلَائِلَ مُوجِبَةٍ لِلْعِلْمِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالشَّهَادَةِ ( مُلْتَزَمٌ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ ) وَعِنْدَهُمْ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ ( وَالْفَرْقُ لَهُمْ ) بَيْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فِي هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَدَّ ( مَلْزُومٌ لِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ لَا يَدْخُلُهَا الرَّأْيُ ) فَامْتَنَعَ إثْبَاتُهَا بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ إثْبَاتُ كُلِّ حُكْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهُ

( تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ ) لِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ وُرُودِهِ أَيْ مَا جُعِلَ الْخَبَرُ فِيهِ حُجَّةً ( مَحَلُّ وُرُودِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَشْرُوعَاتٌ لَيْسَتْ حُدُودًا كَالْعِبَادَاتِ ) مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا مِمَّا لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً كَالْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ تَابِعٌ كَالْعُشْرِ أَوْ لَيْسَ بِخَالِصٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ ( وَالْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمَشْرُوطُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ فِي الرَّاوِي ( حُجَّةٌ فِيهَا خِلَافًا لِشَارِطِي الْمُثَنَّى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ) فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هَذَا التَّقْسِيمُ فِي ذَيْلِهَا لَكِنْ إنْ كَانَ الْخَبَرُ حَدِيثًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَا شَاذًّا وَلَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا سَيَأْتِي ( وَحُدُودٌ وَفِيهَا مَا تَقَدَّمَ ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ فِيهَا بِشُرُوطِهِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُ مُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ ( فَإِنْ كَانَ ) مَحَلُّ وُرُودِ الْخَبَرِ ( حُقُوقًا لِلْعِبَادِ فِيهَا إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْأَشْيَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَمْوَالِ كَالْآجَالِ وَالدُّيُونِ ( فَشَرْطُهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ ( الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ ) مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ وَالْبَصَرِ وَأَنْ لَا يَجُرَّ بِشَهَادَتِهِ مَغْنَمًا وَلَا يَدْفَعَ عَنْهَا مَغْرَمًا وَمَعَ الذُّكُورَةِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْعَدَدِ ( اُحْتِيطَ لِمَحَلِّيَّتِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ (

لِدَوَاعٍ ) إلَى التَّزْوِيرِ وَالْحِيَلُ فِي هَذَا النَّوْعِ ( لَيْسَتْ فِيمَا عَنْ الشَّارِعِ ) تَقْلِيلًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهَا ( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ ( الْفِطْرُ ) لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَيُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِهِلَالِ الْفِطْرِ الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ سَائِرِ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَفِي التَّلْوِيحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الْإِلْزَامِ لِأَنَّ الْفِطْرَ مِمَّا يُخَافُ فِيهِ التَّلْبِيسُ وَالتَّزْوِيرُ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَ يَنْتَفِعُونَ بِالْفِطْرِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَيَلْزَمُهُمْ الِامْتِنَاعُ عَنْ الصَّوْمِ يَوْمَ الْفِطْرِ فَكَانَ فِيهِ مَعْنَى الْإِلْزَامِ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ انْتِفَاعَهُمْ بِالصَّوْمِ أَكْثَرُ وَإِلْزَامَهُمْ فِيهِ أَظْهَرُ مَعَ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ ا هـ وَأُورِدَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا إذَا قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَصَامُوا ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ يُفْطِرُونَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ فَإِنَّ هَذَا فِطْرٌ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِطْرَ غَيْرُ ثَابِتٍ بِشَهَادَتِهِمْ بَلْ بِالْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ الْقَاضِي بِرَمَضَانَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ انْسِلَاخُهُ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَشَهَادَتُهُ أَفْضَتْ لَهُ كَشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ أَفَضْت إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَقَوْلُهُ ( إلَّا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُلْزَمُ بِهِ مُسْلِمًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْإِسْلَامُ ) اسْتِثْنَاءً مِمَّا تَضَمَّنَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِيهِ وَقَوْلُهُ ( إلَّا مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْبَكَارَةِ وَالْوِلَادَةِ وَالْعُيُوبِ فِي الْعَوْرَةِ ) اسْتِثْنَاءً مِنْ

الْعَدَدِ فَلِذَا قَالَ ( فَلَا عَدَدَ ) وَقَوْلُهُ ( وَذُكُورَةٌ ) اسْتِطْرَادٌ ( وَإِنْ ) كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حُقُوقًا لِلْعِبَادِ ( بِلَا إلْزَامٍ ) لِلْغَيْرِ ( كَالْإِخْبَارِ بِالْوَكَالَاتِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَالرِّسَالَاتِ فِي الْهَدَايَا وَالشَّرِكَاتِ ) وَالْوَدَائِعِ وَالْأَمَانَاتِ ( فَبِلَا شَرْطٍ ) أَيْ فَيُقْبَلُ فِي هَذِهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِلَا شَرْطِ شَيْءٍ فِيهِ ( سِوَى التَّمْيِيزِ مَعَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ ) فَيَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْعَدْلُ وَغَيْرُهُ وَالْبَالِغُ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا حَتَّى إذَا أَخْبَرَ أَحَدُهُمْ غَيْرَهُ بِأَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَذِنَ لَهُ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالتَّصَرُّفِ مَعَهُ بِنَاءً عَلَى خَبَرِهِ ثُمَّ اشْتِرَاطُ التَّحَرِّي ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ وَذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الِاسْتِحْسَانِ مِنْ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الِاسْتِحْسَانِ تَفْسِيرًا لِمَا فِي الْجَامِعِ يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا أَجْمَلَ فِيهِ اعْتِمَادًا عَلَى تَفْصِيلِهِ فِي الِاسْتِحْسَانِ فَيُشْتَرَطُ وَيَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُشْتَرَطَ رُخْصَةً وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ثُمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ سِوَى التَّمْيِيزِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذِهِ الشُّرُوطِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ فِي الْخَبَرِ فَيَصْلُحُ مُلْزِمًا وَالْخَبَرُ هُنَا غَيْرُ مُلْزِمٍ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى هَؤُلَاءِ وَأَيْضًا هَذِهِ حَالَةٌ مُسَالِمَةٌ وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ فِي الْمُنَازَعَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى التَّزْوِيرِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَبَاطِيلِ دَفْعًا لَهَا وَأَيْضًا ( لِلْإِجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ ) فَإِنَّ الْأَسْوَاقَ مِنْ لَدُنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى

يَوْمِنَا هَذَا قَائِمَةٌ بِعُدُولٍ وَفُسَّاقٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ أَحْرَارٍ وَغَيْرِ أَحْرَارٍ مُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَالنَّاسُ يَشْتَرُونَ مِنْ الْكُلِّ وَيَعْتَمِدُونَ خَبَرَ كُلِّ مُمَيِّزٍ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ( { وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقْبَلُ خَبَرَ الْهَدِيَّةِ مِنْ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ } ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا } وَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ { أَنَّهُ كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ } وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ فَثَمَّ مَا يَشْهَدُ لَهُ كَقَبُولِ هَدِيَّةِ سَلْمَانَ وَهُوَ عَبْدٌ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَبُولِ هَدِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ الشَّاةَ الْمَسْمُومَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا ( دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الرَّسُولِ ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّمَا يَجِدُ الْمُسْلِمَ الْبَالِغَ الْحُرَّ الْعَدْلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ لِيَبْعَثَهُ إلَى وَكِيلِهِ أَوْ غُلَامِهِ فَتَتَعَطَّلَ مَصَالِحُهُ لَوْ شُرِطَتْ فِي الرَّسُولِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ اشْتِرَاطِهَا ( فِي الرِّوَايَةِ ) فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ لِأَنَّ فِي عُدُولِ الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةً ( وَإِنْ ) كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حُقُوقًا لِلْعِبَادِ ( فِيهَا ) إلْزَامٌ لِلْغَيْرِ ( لِغَيْرِ وَجْهٍ ) دُونَ وَجْهٍ ( كَعَزْلِ الْوَكِيلِ ) لِأَنَّهُ إلْزَامٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُوَكِّلَ يُبْطِلُ عَمَلَ الْوَكِيلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَيْسَ بِإِلْزَامٍ لِلْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُوَكِّلَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ ( وَحَجْرُ الْمَأْذُونِ ) لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُخْرِجُ تَصَرُّفَاتِ الْعَبْدِ مِنْ الصِّحَّةِ إلَى الْفَسَادِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَلَيْسَ بِإِلْزَامٍ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ ( وَفَسْخُ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ ) لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِلشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُلْزِمُ كُلًّا مِنْهُمَا الْكَفَّ عَنْ

التَّصَرُّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَيْسَ إلْزَامًا لَهُمَا لِأَنَّ الْفَاسِخَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ إذْ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ وِلَايَةُ الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ كَمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِطْلَاقِ ( فَالْوَكِيلُ وَالرَّسُولُ فِيهَا ) أَيْ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ بِأَنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ مَنْ بِمَعْنَاهُمَا مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ قَاضٍ أَوْ الشَّرِيكِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ وَكَّلْتُك بِأَنْ تُخْبِرَ فُلَانًا بِالْعَزْلِ أَوْ الْحَجْرِ وَأَرْسَلْتُك إلَى فُلَانٍ لِتُبَلِّغَهُ عَنِّي هَذَا الْخَبَرَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا سِوَى التَّمْيِيزِ بِالِاتِّفَاقِ ( كَمَا قَبْلَهُ ) أَيْ كَمَا فِي الْمُخْبِرِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ مَا كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ فِيهِ حُقُوقَ الْعِبَادِ بِلَا إلْزَامٍ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْوَكِيلِ وَالرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُوَكِّلِ وَالْمُرْسِلِ إذْ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَالرَّسُولِ وَفِي الْمُرْسَلِ وَالْمُوَكَّلِ لَا يُشْتَرَطُ سِوَى التَّمْيِيزِ فَكَذَا فِيمَنْ قَامَ مَقَامَهُمَا ( وَكَذَا ) الْمُخْبِرُ ( الْفُضُولِيُّ ) لَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ ( عِنْدَهُمَا ) أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شُرُوطِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ لِلنَّاسِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ عَزْلًا وَتَوْكِيلًا بِحَسْبِ مَا يُعْرَضُ لَهُمْ مِنْ الْحَاجَاتِ ضَرُورَةً فَلَوْ شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُشْتَرَطْ دَفْعًا لِلْحَرَجِ ( وَشَرَطَ ) أَبُو حَنِيفَةَ ( عَدَالَتَهُ أَوْ الْعَدَدَ ) أَيْ كَوْنَ الْمُخْبِرِ الْفُضُولِيِّ اثْنَيْنِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْإِخْبَارَ ( لِإِلْزَامِ الضَّرَرِ ) فِيهِ فَإِنَّ بَعْدَ الْعَزْلِ يَنْفُذُ الشِّرَاءُ عَلَى الْوَكِيلِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ الْمَأْذُونِ ( كَالثَّانِي ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ مَا كَانَ مَحَلُّ الْخَبَرِ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِيهِ إلْزَامٌ مَحْضٌ ( وَلِوِلَايَةِ مَنْ ) يَتَوَصَّلُ الْفُضُولِيُّ ( عَنْهُ فِي ذَلِكَ ) التَّصَرُّفِ ( كَالثَّالِثِ ) أَيْ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ مَا كَانَ حَقًّا

لِلْعَبْدِ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ ( فَتَوَسَّطْنَا ) فِي الْقَوْلِ فِي هَذَا بِالِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ إعْمَالًا ( لِلشَّبَهَيْنِ ) لِأَنَّ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يُوَفَّرُ حَظُّهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ الْفُضُولِيِّ إذَا كَانَ وَاحِدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَشَايِخِ وَعَدَمُ اشْتِرَاطِهَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَيْضًا لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقَيْنِ كَخَبَرِ فَاسِقٍ فِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مُلْزِمًا فَلَا يَكُونُ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ فَائِدَةٌ قَالُوا وَالِاخْتِلَافُ نَشَأَ مِنْ لَفْظِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ إذَا حَجَرَ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ حِجْرًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ عَدْلٌ يَعْرِفُهُ الْعَبْدُ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ الْعَدَالَةَ لِلْمَجْمُوعِ وَبَعْضُهُمْ لِلرَّجُلِ فَقَطْ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ لِلْعَدَدِ تَأْثِيرًا فِي الِاطْمِئْنَانِ بَلْ تَأْثِيرُهُ أَقْوَى مِنْ الْعَدَالَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ لَا يَنْفُذُ وَبِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ يَنْفُذُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَطَ فِي الرَّجُلَيْنِ الْعَدَالَةَ كَانَ ذِكْرُهُ ضَائِعًا وَيَكْفِي أَنْ يُقَالَ حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ اشْتِرَاطَ وُجُودِ سَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ الذُّكُورِيَّةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ فَلِذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِطَ سَائِرَ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يُقْبَلَ خَبَرُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَجَزَمَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقِيلَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ شَرْطًا مَعَ أَحَدِ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ لَذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ أَيْضًا خِلَافُ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ فَإِنَّ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إخْرَاجًا حَتَّى يُخْبِرَهُ رَجُلٌ

عَدْلٌ أَوْ امْرَأَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ ( وَإِخْبَارُ مَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ قِيلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي ) لُزُومِ ( الْقَضَاءِ ) لِمَا فَاتَهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْإِخْبَارَ إخْبَارٌ ( عَنْ الشَّارِعِ بِالدِّينِ وَالْأَكْثَرُ ) مِنْ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ ( عَلَى الْخِلَافِ ) الَّذِي فِي الْعَزْلِ وَالْحَجْرِ ( وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ) قَالَ ( الْأَصَحُّ ) عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( الْقَضَاءُ ) اتِّفَاقًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُخْبِرَ ( رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) بِالتَّبْلِيغِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا كَمَا سَمِعَهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا } وَقَدْ بَيَّنَّا فِي خَبَرِ الرَّسُولِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسَلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُرْسَلِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا ا هـ .
وَتَعَقَّبَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ صَحَّ ) هَذَا ( انْتَفَى اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ فِي الرُّوَاةِ ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّبْلِيغِ عَلَى هَذَا وَانْتِفَاءُ اشْتِرَاطِهَا فِيهِمْ مَمْنُوعٌ اتِّفَاقًا ( فَإِنَّمَا ذَاكَ ) أَيْ الرَّسُولُ الَّذِي خَبَرُهُ بِمَنْزِلَةِ خَبَرِ الْمُرْسَلِ ( الرَّسُولُ الْخَاصُّ بِالْإِرْسَالِ ) لَا مُطْلَقًا وَهَذَا الْمُخْبِرُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( وَمُسَوِّغُ الرِّوَايَةِ التَّحَمُّلُ وَبَقَاؤُهُ ) أَيْ التَّحَمُّلِ ( وَهُمَا ) أَيْ التَّحَمُّلُ وَبَقَاؤُهُ ( عَزِيمَةٌ ) وَرُخْصَةٌ ( وَكَذَا الْأَدَاءُ ) لَهُ عَزِيمَةٌ وَرُخْصَةٌ ( فَالْعَزِيمَةُ فِي التَّحَمُّلِ أَصْلُ قِرَاءَةِ الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ ) عَلَيْك وَأَنْتَ تَسْمَعُ ( وَقِرَاءَتُك أَوْ ) قِرَاءَةُ ( غَيْرِك كَذَلِكَ ) أَيْ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ عَلَى الشَّيْخِ ( وَهُوَ يَسْمَعُ ) سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْخُ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ أَوْ لَا لَكِنْ مُمْسِكٌ أَصْلِهِ هُوَ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَارِئُ يَقْرَأُ فِيهِ عَلَى هَذَا عَمَلُ

كَافَّةِ الشُّيُوخِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ الْمُخْتَارُ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَهَكَذَا إنْ كَانَ ثِقَةٌ مِنْ السَّامِعِينَ يَحْفَظُ مَا يُقْرَأُ عَلَى الشَّيْخِ وَالْحَافِظُ لَهُ مُسْتَمِعٌ غَيْرُ غَافِلٍ عَنْهُ فَذَلِكَ كَافٍ أَيْضًا ( وَهِيَ ) أَيْ قِرَاءَتُك أَوْ غَيْرِك عَلَى الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ حِفْظٍ ( الْعَرْضُ ) سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ الْقَارِئَ يَعْرِضُ عَلَى الشَّيْخِ مَا يَقْرَؤُهُ كَمَا يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى الْمُقْرِئِ فَيَقُولُ أَهُوَ كَمَا قَرَأْت عَلَيْك ( فَيَعْتَرِفُ ) وَلَوْ بِنَعَمْ ( أَوْ يَسْكُتُ وَلَا مَانِعَ ) مِنْ السُّكُوتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالنُّظَّارِ ( خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ) وَهُوَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَشْرِقِ فِي أَنَّ إقْرَارَهُ شَرْطٌ وَالْأَوَّلُ الصَّحِيحُ ( لِأَنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ ) أَيْ السُّكُوتَ بِلَا مَانِعٍ مِنْهُ ( تَقْرِيرٌ وَلِأَنَّهُ ) أَيْ السُّكُوتَ بِلَا مَانِعٍ مِنْهُ ( يُوهِمُ الصِّحَّةَ فَكَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا فَغِشٌّ وَرَجَّحَهَا ) أَيْ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ ( أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى قِرَاءَةِ الشَّيْخِ مِنْ كِتَابٍ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ ) حَيْثُ قَالُوا قِرَاءَةُ الْمُحَدِّثِ عَلَى الطَّالِبِ أَعْلَى لِأَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى ذَلِكَ ( لِزِيَادَةِ عِنَايَتِهِ ) أَيْ الْقَارِئِ ( بِنَفْسِهِ فَيَزْدَادُ ضَبْطُ الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ وَالشَّيْخُ لِغَيْرِهِ وَالْإِنْسَانُ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ أَحْوَطُ مِنْهُ فِي أَمْرِ غَيْرِهِ وَأُورِدَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمُحَدِّثِ لَا يُؤْمَنُ فِيهَا غَفْلَتُهُ عَنْ سَمَاعِ الْقَارِئِ أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا أَهْوَنُ مِنْ الْخَطَأِ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُمَا سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا لَمْ يُمْكِنْ وَوَجَبَ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْأَهَمِّ مِنْهُمَا ( وَعَنْهُ ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعَ مِنْهُ ( يَتَسَاوَيَانِ ) فَفِي النَّوَازِلِ وَرَوَى

نُصَيْرٌ عَنْ خَلَفٍ عَنْ أَبِي سَعْدٍ الصَّغَانِيِّ قَالَ سَمِعْت أَبَا حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ يَقُولَانِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْعَالِمِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ سَوَاءٌ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَالْبُخَارِيِّ ( فَلَوْ حَدَّثَ ) الشَّيْخُ ( مِنْ حِفْظِهِ تَرَجَّحَ ) التَّحْدِيثُ مِنْ حِفْظِهِ عَلَى قِرَاءَةِ الْقَارِئِ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهَا رَاجِحَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ ( لِلْأَمْنِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى الْغَلَطِ ) لَوْ وَقَعَ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ فِعْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) فَإِنَّ مَحَلَّهُ أَنْ يَرْوِيَ الرَّاوِي وَهُوَ الشَّيْخُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنْ يَرْوِيَ نَفْسُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَلَى هَذَا حِكَايَةُ تَرْجِيحِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا هَذَا التَّفْصِيلِ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ الْخَطِيبُ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَشُعْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَامٍ وَأَبِي حَاتِمٍ فِي آخَرِينَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( وَخَلَّفَ عَنْهُ ) أَيْ الْأَصْلِ وَهُوَ ( الْكِتَابُ بِحَدَّثَنِي فُلَانٌ فَإِذَا بَلَغَك كِتَابِي هَذَا فَحَدِّثْ بِهِ عَنِّي بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) أَيْ عَلَى رَسْمِ الْكُتُبِ بِأَنْ يَكْتُبَ فِي عُنْوَانِهِ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ ثُمَّ يَكْتُبَ فِي دَاخِلِهِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ إلَخْ ثُمَّ يَقُولَ حَدَّثَنِي فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ بِكَذَا ثُمَّ يَقُولَ فَإِذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا أَوْ إذَا بَلَغَك كِتَابِي هَذَا فَارْوِهِ عَنِّي أَوْ فَحَدِّثْهُ عَنِّي بِهَذَا

الْإِسْنَادِ وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ شُهُودًا ثُمَّ يَخْتِمُهُ بِحَضْرَتِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ الْكِتَابُ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ بِالشُّهُودِ قَبِلَهُ وَرَوَى ذَلِكَ الْحَدِيثَ عَنْ الْكَاتِبِ بِإِسْنَادِهِ

وَفِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لِابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَقْسَامِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَتَلَقِّيهِ الْمُكَاتَبَةُ وَهِيَ أَنْ يَكْتُبَ الشَّيْخُ إلَى الطَّالِبِ وَهُوَ غَائِبٌ شَيْئًا مِنْ حَدِيثِهِ بِخَطِّهِ أَوْ يَكْتُبَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ حَاضِرٌ وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ مَا إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ عَنْهُ إلَيْهِ ( وَالرِّسَالَةُ ) أَنْ يُرْسِلَ الشَّيْخُ رَسُولًا إلَى آخَرَ وَيَقُولَ لِلرَّسُولِ ( بَلِّغْهُ عَنِّي أَنَّهُ حَدَّثَنِي فُلَانُ ) بْنُ فُلَانٍ عَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى تَمَامِ الْإِسْنَادِ بِكَذَا فَإِذَا بَلَغَتْك رِسَالَتِي إلَيْك ( فَارْوِهِ عَنِّي ) أَوْ فَحَدِّثْ بِهِ عَنِّي ( بِهَذَا الْإِسْنَادِ ) فَشَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ عَلَى رِسَالَةِ الْمُرْسِلِ حَلَّتْ لِلْمُرْسَلِ إلَيْهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهَذَا ) أَيْ قَوْلُهُ فَإِذَا بَلَغَك إلَخْ فِي الْفَصْلَيْنِ إنَّمَا يَلْزَمُ ( عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِذْنِ وَالْإِجَازَةِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا ) أَيْ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ ( وَالْأَوْجَهُ عَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِجَازَةِ فِيهِمَا ( كَالسَّمَاعِ ) فَإِنَّهُ سَاقَ سَنَدًا خَاصًّا بِمَتْنٍ مُعَيَّنٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُهُ وَالرَّسُولَ رَسُولُهُ صَارَ كَأَنَّهُ سَمِعَهُ وَإِذَا كَانَ بَعْدَ الثُّبُوتِ عَنْهُ كَسَمَاعِهِ مِنْهُ جَازَ أَنْ يَرْوِيَهُ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّ فِي السَّمَاعِ وَالْمُشَافَهَةِ لَوْ مَنَعَهُ عَنْ الرِّوَايَةِ جَازَ أَنْ يَرْوِيَ مَعَ مَنْعِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى إذْنِهِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ إجَازَةَ الرِّوَايَةِ بِالْكِتَابَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَمَنْصُورٌ وَاللَّيْثُ وَأَنَّهَا الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بَلْ جَعَلَهَا أَبُو الْمُظَفَّرِ السَّمْعَانِيُّ أَقْوَى مِنْ الْإِجَازَةِ وَصَارَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ قَبِيلِ

الرُّخْصَةِ وَالْكِتَابَةَ ، مِنْ قَبِيلِ الْعَزِيمَةِ الْمُسْنَدِ الْمَوْصُولِ ( وَهُمَا ) أَيْ الْكِتَابَةُ وَالرِّسَالَةُ ( كَالْخِطَابِ ) شَرْعًا ( لِتَبْلِيغِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِمَا ) أَيْ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ يَدْعُوهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ مِنْ جُمْلَةِ رُسُلِهِ بِالتَّبْلِيغِ مُعَاذٌ بَلْ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ( وَعُرْفًا ) كَمَا فِي تَقْلِيدِ الْمُلُوكِ الْقَضَاءَ وَالْإِمَارَةَ بِهِمَا كَمَا بِالْمُشَافَهَةِ ( وَيَكْفِي مَعْرِفَةُ خَطِّهِ ) أَيْ الْكَاتِبِ فِي حِلِّ رِوَايَةِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ عَنْهُ ( وَظَنُّ صِدْقِ الرَّسُولِ ) كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ( وَضَيَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ ) حَيْثُ نُسِبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إلَّا ( بِالْبَيِّنَةِ ) كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَمَالَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ ( وَلَا يَلْزَمُ كِتَابُ الْقَاضِي لِلِاخْتِلَافِ ) بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَمَا نَحْنُ فِيهِ ( بِالدَّاعِيَةِ ) إلَى تَرْوِيجِهَا بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِهَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي اشْتِرَاطُهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ وَأَمَّا مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ بِحَدِيثٍ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُهُ إمَّا بِقَوْلِ ثِقَةٍ أَوْ بِعَلَامَاتٍ مِنْهُ وَخَطٍّ يَغْلِبُ مَعَهَا فِي النَّفْسِ أَنَّهُ كِتَابُهُ فَإِنَّهُ يَسَعُ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ الْكِتَابُ أَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ يَعْنِي الْكَاتِبَ إلَيْهِ وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنِي (

وَلَا خَفَاءَ فِي ) جَوَازِ ( حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَسَمِعْته فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي قِرَاءَةِ الشَّيْخِ عَلَى الطَّالِبِ ( وَقَالَ ) أَيْضًا مَعَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مِنْ لِي وَلَنَا وَبِدُونِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي كَوْنِهَا مَحْمُولَةً عَلَى السَّمَاعِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْهُمَا فَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ إذَا عُلِمَ اللُّقِيُّ وَسَلِمَ الرَّاوِي مِنْ التَّدْلِيسِ لَا سِيَّمَا مَنْ عُرِفَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا مَا سَمِعَهُ كَحَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ فَرَوَى كُتُبَ ابْنِ جُرَيْجٍ بِلَفْظِ .
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَحَمَلَهَا النَّاسُ عَنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَا وَخَصَّصَ الْخَطِيبُ ذَلِكَ بِمَنْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ مِثْلُ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ لَا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى السَّمَاعِ ثُمَّ عَدَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَوْضَعِ الْعِبَارَاتِ فِي ذَلِكَ ( وَغَلَبَتْ ) لَفْظَةُ قَالَ ( فِي الْمُذَاكَرَةِ ) أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِهَا مَعَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ عَمَّا جَرَى بَيْنَهُمْ فِي الْمُذَاكَرَاتِ وَالْمُنَاظَرَاتِ حَتَّى قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّهُ لَائِقٌ بِمَا سَمِعَهُ مِنْهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ وَهُوَ بِهِ أَشْبَهُ مِنْ حَدَّثَنَا وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَنْدَهْ إنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ قَالَ قَالَ لِي فُلَانٌ فَهُوَ إجَازَةٌ وَحَيْثُ قَالَ قَالَ فُلَانٌ فَهُوَ تَدْلِيسٌ .
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فَلَمْ يَقْبَلْ الْعُلَمَاءُ كَلَامَهُ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فَذَلِكَ عَنْهُ بَاطِلٌ ( وَفِي الثَّانِي ) أَيْ قِرَاءَةِ الطَّالِبِ عَلَى الشَّيْخِ يَقُولُ ( قَرَأْت ) عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ إنْ كَانَ هُوَ الْقَارِئَ ( وَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ ) إنْ كَانَ الْقَارِئُ غَيْرَهُ ( وَحَدَّثَنَا بِقِرَاءَتِي ) عَلَيْهِ ( وَقِرَاءَةٍ ) عَلَيْهِ ( وَأَنْبَأَنَا وَنَبَّأَنَا كَذَلِكَ ) أَيْ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ ( وَالْإِطْلَاقُ ) لِحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةٍ عَلَيْهِ ( جَائِزٌ عَلَى الْمُخْتَارِ ) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَالثَّوْرِيِّ

وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْبُخَارِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَمُعْظَمِ الْكُوفِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ لَا الْمَنْعَ مُطْلَقًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إنَّهُ الصَّحِيحُ ( وَقِيلَ ) الْإِطْلَاقُ جَائِزٌ ( فِي أَخْبَرَنَا فَقَطْ ) وَهُوَ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُسْلِمٍ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَذَكَرَ صَاحِبُ كِتَابِ الْإِنْصَافِ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يُحْصِيهِمْ أَحَدٌ وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا أَخْبَرَنَا عَلَمًا يَقُومُ مَقَامَ قَوْلِ قَائِلِهِ أَنَا قَرَأْته عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ لَفَظَ بِهِ لِي وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا صَارَ هُوَ الشَّائِعَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالِاحْتِجَاجُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ عَنَاءٌ وَتَكَلُّفٌ وَخَيْرُ مَا يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ اصْطِلَاحٌ مِنْهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّمْيِيزَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ ثُمَّ خُصِّصَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ بِقَوْلِ حَدَّثَنَا لِقُوَّةِ إشْعَارِهِ بِالنُّطْقِ وَالْمُشَافَهَةِ ( وَالْمُنْفَرِدُ ) يَقُولُ ( حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي وَجَازَ الْجَمْعُ ) أَيْ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا لِجَوَازِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَمَا أَنَّ مَنْ مَعَهُ غَيْرُهُ يَقُولُ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَجَازَ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي وَأَخْبَرَنِي لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ حَدَّثَهُ وَغَيْرَهُ وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ الْحَاكِمُ وَذَكَرَ أَنَّهُ الَّذِي عَهِدَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ شُيُوخِهِ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الرَّاوِيَ يَقُولُ فِيمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِ لَفْظًا وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَدَّثَنِي فُلَانٌ وَفِيمَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ حَدَّثَنَا فُلَانٌ وَفِيمَا قَرَأَ عَلَى الْمُحَدِّثِ بِنَفْسِهِ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ وَفِيمَا قُرِئَ عَلَى الْمُحَدِّثِ وَهُوَ حَاضِرٌ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ حَسَنٌ رَائِقٌ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ مُسْتَحَبٌّ كَمَا حَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَافَّةً ( وَفِي الْخَلَفِ

) أَيْ الْكِتَابَةِ وَالرِّسَالَةِ يَقُولُ ( أَخْبَرَنِي ) كَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا ( وَقِيلَ ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا أَخْبَرَنِي ( كَحَدَّثَنِي ) لِأَنَّ الْإِخْبَارَ وَالتَّحْدِيثَ وَاحِدٌ ( بَلْ ) يَقُولُ ( كَتَبَ ) إلَيَّ ( وَأَرْسَلَ إلَيَّ لِعَدَمِ الْمُشَافَهَةِ قُلْنَا قَدْ اسْتَعْمَلَ ) أَخْبَرَنِي ( لِلْإِخْبَارِ مَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ الْمُشَافَهَةِ ( كَأَخْبَرَنَا اللَّهُ لَا حَدَّثَنَا ) مَعَ عَدَمِهَا إذْ لَا يُقَالُ حَدَّثَنَا اللَّهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ ذَكَرَ أَنَّهُ ذَهَبَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَكَابِرِهِمْ مِنْهُمْ اللَّيْثُ وَمَنْصُورٌ إلَى جَوَازِ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا فِي الرِّوَايَةِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ فِيهَا كَتَبَ إلَيَّ فُلَانٌ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَانٌ بِكَذَا وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ الَّذِي اخْتَارَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَشَايِخِهِ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ اللَّائِقُ بِمَذَاهِبِ أَهْلِ التَّحَرِّي وَالنَّزَاهَةِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِ مُكَاتَبَةً أَوْ كِتَابَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ ( وَالرُّخْصَةُ ) فِي التَّحَمُّلِ ( وَالْإِجَازَةُ مَعَ مُنَاوَلَةِ الْمُجَازِ بِهِ ) لِلْمُجَازِ لَهُ ( وَدُونَهَا ) أَيْ وَبِدُونِ مُنَاوَلَتِهِ لِأَنَّهَا لِتَأْكِيدِ الْإِجَازَةِ لِأَنَّهَا بِدُونِ الْإِجَازَةِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَالْإِجَازَةُ بِدُونِهَا مُعْتَبَرَةٌ .
ثُمَّ مِنْ صُوَرِ الْإِجَازَةِ بِدُونِ الْمُنَاوَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُخْبِرُ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ فُلَانٌ إلَى أَنْ يَأْتِيَ عَلَى سَنَدِهِ وَمِنْ صُوَرِهَا مَعَ الْمُنَاوَلَةِ أَنْ يُنَاوِلَهُ شَيْئًا مِنْ سَمَاعِهِ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا مُقَابَلًا بِهِ وَيَقُولُ هَذَا مِنْ سَمَاعِي أَوْ رِوَايَتِي عَنْ فُلَانٍ إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ فَارْوِهِ عَنِّي ( وَمِنْهُ ) أَيْ قِسْمِ الْإِجَازَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمُنَاوَلَةِ ( إجَازَةُ مَا صَحَّ مِنْ مَسْمُوعَاتِي ) عِنْدَك إلَّا أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ الرَّازِيَّ ذَكَرَ

أَنَّ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ أَجَزْت لَك مَا يَصِحُّ عِنْدَك مِنْ حَدِيثِي لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا لَوْ قَالَ مَا صَحَّ عِنْدَك مِنْ صَكٍّ فِيهِ إقْرَارِي فَاشْهَدْ بِهِ عَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ بِهِ وَسَنَذْكُرُ أَيْضًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ مَا يُوَافِقُهُ عَلَى وَجْهٍ أَبْلَغَ مِنْهُ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَازَةِ ( قِيلَ بِالْمَنْعِ ) وَهُوَ لِجَمَاعَاتٍ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَقَالَا كَمَا قَالَ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ لَوْ جَازَتْ الْإِجَازَةُ لَبَطَلَتْ الرِّحْلَةُ .
وَحَكَاهُ الْآمِدِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْخُجَنْدِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ وَأَنَّهُ قَالَ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَزْت لَك أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ أَجَزْت لَك أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ ( وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ ) وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَقَالَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَفِي الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ غُمُوضٌ وَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَرْوِيَّاتِهِ فَقَدْ أَخْبَرَهُ بِهَا جُمْلَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ تَفْصِيلًا وَإِخْبَارُهُ بِهَا غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى التَّصْرِيحِ نُطْقًا وَإِنَّمَا الْغَرَضُ حُصُولُ الْإِفْهَامِ وَالْفَهْمِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْإِجَازَةِ الْمُفْهِمَةِ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ ( لِلضَّرُورَةِ ) لِأَنَّ كُلَّ مُحَدِّثٍ لَا يَجِدُ مَنْ يُبَلِّغُ إلَيْهِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ وَلَا يَرْغَبُ كُلُّ طَالِبٍ إلَى سَمَاعِ أَوْ قِرَاءَةِ مَا عِنْدَ شَيْخِهِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ بِهَا لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ وَانْقِطَاعِ أَسَانِيدِهَا ( وَالْحَنَفِيَّةُ ) قَالُوا ( إنْ كَانَ ) الْمُجَازُ لَهُ ( يَعْلَمُ مَا فِي الْكِتَابِ ) الْمُجَازِ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْمُجِيزُ إنَّ فُلَانًا حَدَّثَنَا بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ بِأَسَانِيدِهِ هَذِهِ فَأَنَا أُحَدِّثُك بِهِ وَأَجَزْت لَك الْحَدِيثَ

بِهِ ( جَازَتْ الرِّوَايَةُ ) بِهَذِهِ الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ الْمُسْتَجِيزُ مَأْمُونًا بِالضَّبْطِ وَالْفَهْمِ ( كَالشَّهَادَةِ عَلَى الصَّكِّ ) فَإِنَّ الشَّاهِدَ إذَا وَقَفَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهِ أَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ كَانَ صَحِيحًا فَكَذَا رِوَايَةُ الْخَبَرِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجَازُ لَهُ عَالِمًا بِمَا فِي الْكِتَابِ ( فَإِنْ احْتَمَلَ ) الْكِتَابُ ( التَّغْيِيرَ ) بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ( لَمْ تَصِحَّ ) الْإِجَازَةُ وَلَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ بِالِاتِّفَاقِ ( وَكَذَا ) لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ( إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ ) الْكِتَابُ ذَلِكَ ( خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَكِتَابِ الْقَاضِي ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ( إذْ عِلْمُ الشُّهُودِ بِمَا فِيهِ شَرْطٌ ) عِنْدَهُمَا لِصِحَّةِ الشُّهُودِ ( خِلَافًا لَهُ ) أَيْ لِأَبِي يُوسُفَ ( وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ الْأَصَحُّ ) عِنْدَ نَفْسِهِ ( عَدَمُ الصِّحَّةِ ) لِهَذِهِ الْإِجَازَةِ ( اتِّفَاقَ وَتَجْوِيزُ أَبِي يُوسُفَ ) الشَّهَادَةَ ( فِي الْكِتَابِ ) مِنْ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ مَا فِيهِ ( لِضَرُورَةِ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْأَسْرَارِ ) عَادَةً ( وَيَكْرَهُ الْمُتَكَاتَبَانِ الِانْتِشَارَ ) لِأَسْرَارِهِمَا ( بِخِلَافِ كُتُبِ الْأَخْبَارِ ) لِأَنَّ السُّنَّةَ أَصْلُ الدِّينِ وَمَبْنَاهَا عَلَى الشُّهْرَةِ فَلَا وَجْهَ لِصِحَّةِ الْأَمَانَةِ فِيهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ذَلِكَ ) أَيْ جَوَازُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِيهِ لِلضَّرُورَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى ( فِي كُتُبِ الْعَامَّةِ لَا ) فِي كِتَابِ ( الْقَاضِي ) إلَى الْقَاضِي ( بِالْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ ) فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَهُ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي عِنْدَهُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ تَرَدَّدَ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْخِلَافُ عَنْهُ فِيهَا مَنْصُوصًا فَقَالَ

يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي هَذَا الْبَابِ وَوَجَّهَهُ بِمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُتَعَقِّبٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ بِالضَّرُورَةِ أَيْ أَنْ يُجَوِّزَ الْإِجَازَةَ عِنْدَهُ بِلَا عِلْمٍ لِلْمُجَازِ بِمَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ بِهِ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي بِلَا عِلْمٍ لِلشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ بِجَامِعِ الضَّرُورَةِ بَيْنَهُمَا يَعْنِي كَمَا لَمْ يَشْرِطْ أَبُو يُوسُفَ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي عِلْمَ الشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ لِضَرُورَةِ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَهْلِهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عِلْمُ الرَّاوِي بِمَا فِي الْكِتَابِ الْمُجَازِ بِهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ عِنْدَهُ لِضَرُورَةِ أَنَّ الْمُحَدِّثَ مُحْتَاجٌ إلَى تَبْلِيغِ مَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ الْأَخْبَارِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّصِلَ الْإِسْنَادُ وَيَبْقَى الدِّينُ وَقَدْ ظَهَرَ تَكَاسُلُ النَّاسِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَرُبَّمَا لَا يَتَيَسَّرُ لِلطَّالِبِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ وَالسَّمَاعُ مِنْهُ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِمَا فِيهِ نَوْعُ تَعْسِيرٍ وَتَنْفِيرٍ فَجُوِّزَتْ رُخْصَةً لِهَذَا الْمَعْنَى ( وَهَذَا ) التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ لِلْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ ( لِلِاتِّفَاقِ عَلَى النَّفْيِ ) لِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ ( لَوْ قَرَأَ ) الطَّالِبُ ( فَلَمْ يَسْمَعْ الشَّيْخُ أَوْ ) قَرَأَ ( الشَّيْخُ ) فَلَمْ يَسْمَعْ الطَّالِبُ ( وَلَمْ يَفْهَمْ ) فَفِي الْإِجَازَةِ الَّتِي هِيَ دُونَ الْقِرَاءَةِ أَوْلَى ثُمَّ فِي تَصْحِيحِ الْإِجَازَةِ بِدُونِ الْعِلْمِ رَفْعُ الِابْتِلَاءِ فَإِنَّ النَّاسَ مُبْتَلَوْنَ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَاقِّ فَلَوْ جُوِّزَتْ بِدُونِهِ لَرَغِبَ النَّاسُ عَنْ التَّعَلُّمِ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِدُونِهِ وَفِيهِ فَتْحُ بَابِ التَّقْصِيرِ وَالْبِدْعَةِ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مِثْلُ هَذِهِ الْإِجَازَةِ وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِقَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَقَبُولُ مَنْ سَمِعَ فِي صِبَاهُ مُقَيَّدٌ بِضَبْطِهِ غَيْرَ أَنَّهُ أُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ ) أَيْ الضَّبْطِ وَهِيَ

التَّمْيِيزُ مَقَامَهُ ( وَلِذَا ) أَيْ اشْتِرَاطُ ضَبْطِ السَّامِعِ ( مَنَعَتْ ) صِحَّةَ الرِّوَايَةِ ( لِلْمَشْغُولِ عَنْ السَّمَاعِ بِكِتَابَةٍ ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإسْفَرايِينِيّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَذَهَبَ إلَى الصِّحَّةِ مُطْلَقًا الْحَافِظُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَمَّالُ وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرُ مَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْحَنْظَلِيِّ أَنَّهُ كَتَبَ عِنْدَ عَارِمٍ وَعِنْدَ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ فِي حَالَةِ السَّمَاعِ وَمَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَتَبَ وَهُوَ يُقْرَأُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَا يَكْتُبُ وَقَالَ الصِّبْغِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُ حَضَرْت لَا حَدَّثَنَا وَلَا أَخْبَرَنَا ( أَوْ نَوْمٌ أَوْ لَهْوٌ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَدَارَ ) لِعَدَمِ جَوَازِ الرِّوَايَةِ ( عَدَمُ الضَّبْطِ ) لِلْمَرْوِيِّ ( وَأُقِيمَتْ مَظِنَّتُهُ ) أَيْ عَدَمِ الضَّبْطِ ( نَحْوُ الْكِتَابَةِ ) مَقَامَهُ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْفَهْمُ لِمَا يَقْرَأُ حَتَّى يَكُونَ الْوَاصِلُ إلَى سَمْعِ الْكَاتِبِ كَأَنَّهُ صَوْتُ غَفَلٍ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ مَعَهَا الْفَهْمُ فَلَا ( لِحِكَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ) فَإِنَّهُ حَضَرَ فِي حَدَاثَتِهِ مَجْلِسَ إسْمَاعِيلَ الصَّفَّارِ فَجَلَسَ يَنْسَخُ جُزْءًا كَانَ مَعَهُ وَإِسْمَاعِيلُ يُمْلِي فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لَا يَصِحُّ سَمَاعُك وَأَنْتَ تَنْسَخُ فَقَالَ : فَهْمِي لِلْإِمْلَاءِ خِلَافُ فَهْمِك ، ثُمَّ قَالَ تَحْفَظُ كَمْ أَمْلَى الشَّيْخُ مِنْ حَدِيثٍ إلَى الْآنَ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَمْلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا فَعُدَّتْ الْأَحَادِيثُ فَوُجِدَتْ كَمَا قَالَ ثُمَّ قَالَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْهَا عَنْ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ وَمَتْنُهُ كَذَا وَالْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ فُلَانٍ وَمَتْنُهُ كَذَا وَلَمْ يَزَلْ يَذْكُرُ أَسَانِيدَ الْأَحَادِيثِ وَمُتُونَهَا عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْإِمْلَاءِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْهُ وَلَعَلَّ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْحَنْظَلِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا بَلْ هُوَ الْأَشْبَهُ وَلَا سِيَّمَا مِنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الثَّوْرِيُّ

وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ إنْ فَهِمَ الْمَقْرُوءَ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَقَالُوا لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّسْخِ مِنْ السَّامِعِ وَبَيْنَهُ مِنْ الْمَسْمُوعِ وَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا تَحَدَّثَ الشَّيْخُ أَوْ السَّامِعُ أَوْ أَفْرَطَ الْقَارِئُ فِي الْإِسْرَاعِ أَوْ بَعُدَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ الْيَسِيرِ نَحْوُ الْكَلِمَةِ وَالْكَلِمَتَيْنِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْحَرْفِ يُدْغِمُهُ الشَّيْخُ فَلَا يُفْهَمُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَرْجُو أَنْ لَا تَضِيقَ رِوَايَتُهُ عَنْهُ وَفِي الْكَلِمَةِ تُسْتَفْهَمُ مِنْ الْمُسْتَفْهَمِ إنْ كَانَتْ مُجْتَمَعًا عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ سَالِمٍ مَنْعُ ذَلِكَ ( وَتَنْقَسِمُ ) الْإِجَازَةُ ( لِمُعَيَّنٍ فِي مُعَيَّنٍ ) كَأَجَزْتُ لَك أَوْ لَكُمْ أَوْ لِفُلَانٍ وَيَصِفُهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَهْرَسَتِي وَهَذَا أَعْلَى أَنْوَاعِ الْإِجَازَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْمُنَاوَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ السَّابِقِ لَا أَنَّهَا مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا كَمَا زَعَمَهُ الْبَاجِيُّ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ لِمُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ ( كَمَرْوِيَّاتِي ) وَمَسْمُوعَاتِي قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَالْخِلَافُ فِي هَذَا أَقْوَى وَأَكْثَرُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَجْوِيزِ الرِّوَايَةِ بِهَا أَيْضًا وَعَلَى إيجَابِ الْعَمَلِ بِمَا رَوَى بِهَا بِشَرْطٍ انْتَهَى ، وَمِنْ الْمَانِعِينَ لِصِحَّتِهَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ اشْهَدْ عَلَيَّ بِكُلِّ صَكٍّ تَجِدُ فِيهِ إقْرَارِي فَقَدْ أَجَزْت لَك فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَهُ الْإِجَازَةَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَتَعَجَّبَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَذَا يَطْلُبُ مِنِّي أَنْ أُجِيزَ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ ( وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ ) عَامٌّ فِي مُعَيَّنٍ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ نَحْوُ أَجَزْت لِكُلِّ أَحَدٍ الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ أَوْ مَرْوِيَّاتِي ( لِلْمُسْلِمِينَ مَنْ أَدْرَكَنِي ) ثُمَّ

هَذَا يَنْقَسِمُ إلَى مَوْجُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِلَى مَعْدُومٍ ( وَمِنْهُ مَنْ يُولَدُ لِفُلَانٍ ) وَمِنْ ثَمَّةَ فَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ لِمَوْجُودٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَامٍّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالنَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ وَعَمِلَ بِهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ لَا يَتِمُّ مَعَهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ يُقْتَدَى بِهِ الرِّوَايَةَ بِهَا عَلَى أَنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مُصَحِّحِهَا جَوَازُ الرِّوَايَةِ بِهَا وَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهَا غَيْرُ الرِّوَايَةِ بِهَا وَمَنَعَهَا بَعْضُهُمْ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِوَصْفٍ حَاضِرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ انْتَهَى وَمَثَّلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَجَزْتُ لِمَنْ هُوَ الْآنَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِبَلَدِ كَذَا أَوْ لِمَنْ قَرَأَ عَلَيَّ قَبْلَ هَذَا وَقَالَ فَمَا أَحْسَبُهُمْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ مِمَّنْ يَصِحُّ عِنْدَهُ الْإِجَازَةُ وَلَا رَأَيْت مَنْعَهُ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ مَحْصُورٌ مَوْصُوفٌ كَقَوْلِهِ لِأَوْلَادِ فُلَانٍ أَوْ إخْوَةِ فُلَانٍ وَأَمَّا تَخْصِيصُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى مَوْجُودٍ بِالْإِجَازَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَالْخِلَافُ فِيهِ أَقْوَى وَقَدْ أَبْطَلَهَا أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْرُهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ جُمْلَةً بِالْمُجَازِ فَكَمَا لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ لِلْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ الْإِجَازَةُ لَهُ انْتَهَى وَلَوْ قُلْنَا إنَّهَا إذْنٌ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا كَمَا لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ لِلْمَعْدُومِ وَأَجَازَهَا لِلْمَعْدُومِ مُطْلَقًا الْخَطِيبُ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَمْرُوسٍ الْمَالِكِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ مُعْظَمِ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ وَبِهَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُهُمْ شَرْقًا وَغَرْبًا انْتَهَى وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّعَهُ عَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَعْدُومِ

كَمَا هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَذَا ( بِخِلَافِ ) الْإِجَازَةِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ ( الْمَجْهُولِ فِي مُعَيَّنٍ ) كَأَجَزْتُ لِجَمَاعَةٍ مِنْ النَّاسِ رِوَايَةَ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( وَغَيْرِهِ ) أَيْ وَفِي غَيْرِهِ مُعَيَّنٌ ( ك ) أَجَزْت لِبَعْضِ النَّاسِ رِوَايَةَ ( كِتَابِ السُّنَنِ ) وَهُوَ يَرْوِي عِدَّةً مِنْ السُّنَنِ الْمَعْرُوفَةِ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ ( بِخِلَافِ ) أَجَزْت لَك رِوَايَةَ ( سُنَنِ فُلَانٍ ) كَأَبِي دَاوُد فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَحْسَنَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ قُبَيْلَ الْإِجَازَةِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ إجَازَةُ رِوَايَةِ ( مَا سَيَسْمَعُهُ الشَّيْخُ ) وَهِيَ بَاطِلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ عِيَاضٌ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ لِأَنَّ هَذَا يُجِيزُ مَا لَا خَبَرَ عِنْدَهُ بِهِ وَيَأْذَنُ لَهُ فِي الْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ بَعْدُ وَيُبِيحُ مَا لَمْ يَعْلَمْ هَلْ يَصِحُّ لَهُ الْإِذْنُ فِيهِ فَمَنْعُهُ هُوَ الصَّوَابُ ( وَفِي التَّفَاصِيلِ اخْتِلَافَاتٌ ) ذَكَرْنَا مُعْظَمَهَا وَيُرَاجَعُ فِي الْبَاقِي مِنْهَا الْكُتُبُ الْمُؤَلَّفَةُ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ ( ثُمَّ الْمُسْتَحَبُّ ) لِلْمُجَازِ فِي أَدَائِهِ ( قَوْلُهُ أَجَازَ لِي وَيَجُوزُ أَخْبَرَنِي وَحَدَّثَنِي مُقَيَّدًا ) بِقَوْلِهِ إجَازَةً أَوْ وَمُنَاوَلَةً أَوْ إذْنًا ( وَمُطْلَقًا ) عَنْ الْقَيْدِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( لِلْمُشَافَهَةِ فِي نَفْسِ الْإِجَازَةِ ) وَعَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَخُوهُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَذَكَرَ الْوَلِيدُ بْنُ الْخَاقَانِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ ( بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالرِّسَالَةِ ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِيهِمَا أَخْبَرَنِي وَلَا حَدَّثَنِي مُطْلَقًا ( إذْ لَا خِطَابَ أَصْلًا ) فِيهِمَا ذَكَرَهُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ وَذَكَرَ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنِي

بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْتَارُ أَخْبَرَنِي لِأَنَّ الْكِتَابَ وَالرِّسَالَةَ مِنْ الْغَائِبِ كَالْخِطَابِ مِنْ الْحَاضِرِ ( وَقِيلَ يُمْنَعُ حَدَّثَنِي لِاخْتِصَاصِهِ بِسَمَاعِ الْمَتْنِ ) وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْإِجَازَةِ وَالْمُنَاوَلَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ أَخْبَرَنِي وَعَلَى هَذَا شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْمُخْتَارُ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ الْجُمْهُورِ وَإِيَّاهُ اخْتَارَ أَهْلُ التَّحَرِّي وَالْوَرَعِ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْعِبَارَاتِ وَتَخْصِيصُ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ تُشْعِرُ بِهِ بِأَنْ تُقَيَّدَ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَالْوَجْهُ فِي الْكُلِّ اعْتِمَادُ عُرْفِ تِلْكَ الطَّائِفَةِ ) فَيُؤَدِّي عَلَى مَا هُوَ عُرْفُهَا فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ سَالِمٍ مِنْ التَّدْلِيسِ وَخِلَافِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَالِاكْتِفَاءُ الطَّارِئُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِكَوْنِ الشَّيْخِ مَسْتُورًا ) أَيْ كَوْنِهِ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ مُتَظَاهِرٍ بِالْفِسْقِ وَمَا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ ( وَوُجُودِ سَمَاعِهِ ) مُثْبَتًا ( بِخَطِّ ثِقَةٍ ) غَيْرِ مُتَّهَمٍ وَبِرِوَايَتِهِ مِنْ أَصْلٍ ( مُوَافِقٍ لِأَصْلِ شَيْخِهِ ) كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَسَبَقَ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ ( لَيْسَ خِلَافًا لِمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا فِي الرَّاوِي ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الِاكْتِفَاءَ الْمَذْكُورَ ( لِحِفْظِ السِّلْسِلَةِ ) أَيْ لِيَصِيرَ الْحَدِيثُ مُسَلْسَلًا بِحَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا ( عَنْ الِانْقِطَاعِ ) وَتَبْقَى هَذِهِ الْكَرَامَةُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ شَرَفًا لِنَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَذَلِكَ ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا ( لِإِيجَابِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَالْعَزِيمَةُ فِي الْحِفْظِ ) حِفْظُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ الْخَطِّ ( ثُمَّ دَاوَمَهُ إلَى ) وَقْتِ ( الْأَدَاءِ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السَّمَاعِ الْعَمَلُ بِالْمَسْمُوعِ وَتَبْلِيغُهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُمَا لَا بُدَّ

لَهُمَا مِنْ الْحِفْظِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا كَانَ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَخْبَارِ وَالشَّهَادَاتِ جَمِيعًا وَلِهَذَا قَلَّتْ رِوَايَتُهُ وَهُوَ طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَيَّنَهُ لِلنَّاسِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَسْنَدَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ إلَى يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً لَا يُحَدِّثُ إلَّا بِمَا حَفِظَهُ وَلَا يُحَدِّثُ بِمَا لَا يَحْفَظُهُ ( وَالرُّخْصَةُ ) فِي الْحِفْظِ ( تُذَكِّرُهُ ) أَيْ الرَّاوِيَ الْمَرْوِيَّ ( بَعْدَ انْقِطَاعِهِ ) أَيْ الْحِفْظِ ( عِنْدَ نَظَرِ الْكِتَابَةِ ) سَوَاءٌ كَانَتْ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ غَيْرِهِ مَعْرُوفٍ أَوْ مَجْهُولٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ ذِكْرُ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِخَطِّ الْمَجْهُولِ أَيْضًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ حَفِظَهُ مِنْ وَقْتِ السَّمَاعِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ فَيَكُونُ حُجَّةً وَتَحِلُّ لَهُ رِوَايَتُهُ لِأَنَّ التَّذَكُّرَ بِمَنْزِلَةِ الْحِفْظِ ، وَالنِّسْيَانَ الْوَاقِعَ قَبْلَهُ عَفْوٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ جُبِلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ دَوَامُ الْحِفْظِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُوَّةِ نُورِ قَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَصَوَّرًا أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } وَسَمَّى السَّرَخْسِيُّ هَذَا عَزِيمَةً مُشَبَّهَةً بِالرُّخْصَةِ

( فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ) الرَّاوِي الْمَرْوِيَّ بِنَظَرِ الْمَكْتُوبِ ( بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ خَطُّهُ أَوْ خَطُّ الثِّقَةِ وَهُوَ فِي يَدِهِ ) بِحَيْثُ لَا يَصِلُ يَدُ غَيْرِهِ إلَيْهِ أَوْ مَخْتُومًا بِخَاتَمِهِ ( أَوْ فِي يَدِ أَمِينٍ ) عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ( حَرُمَتْ الرِّوَايَةُ وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) بِذَلِكَ ( وَوَجَبَا ) أَيْ الرِّوَايَةُ وَالْعَمَلُ بِهِ ( عِنْدَهُمَا وَالْأَكْثَرُ وَعَلَى هَذَا ) الْخِلَافُ ( رُؤْيَةُ الشَّاهِدِ خَطَّهُ ) بِشَهَادَتِهِ ( فِي الصَّكِّ ) أَيْ كِتَابِ الشَّهَادَةِ ( وَالْقَاضِي ) خَطَّهُ أَوْ خَطَّ نَائِبِهِ بِقَضَائِهِ بِشَيْءٍ ( فِي السِّجِلِّ ) الَّذِي بِدِيوَانِهِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ كُلٌّ مِنْهُمَا ذَلِكَ فَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى الْخَطِّ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ مَا تَضَمَّنَّهُ الْمَكْتُوبُ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي الْكِتَابِ لِمَعْرِفَةِ الْقَلْبِ كَالنَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ لِلرُّؤْيَةِ بِالْعَيْنِ وَالنَّظَرُ فِي الْمِرْآةِ إذَا لَمْ يُفِدْهُ إدْرَاكًا لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فَالنَّظَرُ فِي الْكِتَابِ إذَا لَمْ يُفِدْهُ تَذَكُّرًا يَكُونُ هَدَرًا وَهَذَا لِأَنَّ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ وَتَنْفِيذَ الْقَضَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِلْمٍ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ شَبَهًا لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالتَّخْمِينِ فَبِصُورَةِ الْخَطِّ لَا يَسْتَفِيدُونَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِ التَّذَكُّرِ ( وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ) فِي رِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْهُ ( الْجَوَازُ فِي الرِّوَايَةِ ) أَيْ جَوَازُ الْعَمَلِ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ إذَا كَانَ خَطًّا مَعْرُوفًا لَا يُخَافُ تَغْيِيرُهُ عَادَةً بِأَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ أَمِينٍ لِأَنَّ التَّبْدِيلَ فِيهِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَلَا يَعُودُ بِتَغْيِيرِهِ نَفْعٌ لِأَحَدٍ وَدَوَامُ الْحِفْظِ وَالتَّذَكُّرِ مُتَعَذِّرٌ فَلَوْ اشْتَرَطْنَا التَّذَكُّرَ لِصِحَّتِهَا أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ ( وَالسِّجِلُّ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ ) أَيْ وَجَوَازُ عَمَلِ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِ خَطِّهِ أَوْ خَطٍّ مَعْرُوفٍ مُفِيدٍ

قَضَاءَهُ بِقَضِيَّةٍ فِي مَكْتُوبٍ مَحْفُوظٍ بِيَدِهِ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُ غَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ مَخْتُومًا بِخَاتَمِهِ أَوْ بِيَدِ أَمِينِهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ حِفْظَ الْقَاضِي جَمِيعَ جُزْئِيَّاتِ الْوَقَائِعِ ذِكْرًا مُتَعَذِّرٌ غَالِبًا لِكَثْرَةِ أَشْغَالِهِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْخَطِّ عِنْدَ النِّسْيَانِ أَدَّى إلَى تَعْطِيلِ أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَالْحَرَجِ وَهُوَ مُنْتَفٍ وَلِهَذَا كَانَ مِنْ آدَابِ الْقَضَاءِ كِتَابَةُ الْقَاضِي الْوَقَائِعَ وَإِيدَاعُهَا قِمَطْرَهُ وَخَتْمُهُ بِخَاتَمِهِ وَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا عِنْدَ النِّسْيَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْكِتَابَةِ وَالْحِفْظِ فَائِدَةٌ وَإِنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ أَمِينِهِ لِلْأَمْنِ عَنْ التَّزْوِيرِ فِيهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّ التَّزْوِيرَ فِيهِ مُتَطَرِّقٌ إلَيْهِ لِمَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُومَاتِ ( لَا الصَّكِّ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ عَمَلُ الشَّاهِدِ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ لِأَنَّ مَبْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَالصَّكُّ إذَا كَانَ بِيَدِ الْخَصْمِ لَا يَحْصُلُ الْأَمْنُ فِيهِ مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِيَدِهِ لِلْأَمْنِ عَنْ ذَلِكَ كَالسِّجِلِّ بِيَدِ الْقَاضِي ( وَعَنْ مُحَمَّدٍ ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ لِلْمَذْكُورِينَ بِمُجَرَّدِ الْخَطِّ إذَا تَيَقَّنُوا أَنَّهُ خَطُّهُمْ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ فِي الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَلَوْ كَانَ الصَّكُّ بِيَدِ الْخَصْمِ ( تَيْسِيرًا ) عَلَى النَّاسِ لِأَنَّ جَرَيَانَ التَّغْيِيرِ فِيهِ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ ثَبَتَ بِالْخَطِّ وَالْخَطُّ يَنْدُرُ شِبْهُهُ بِالْخَطِّ عَلَى وَجْهٍ يَخْفَى التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا وَ النَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ وَلَا اعْتِبَارَ لِتَوَهُّمِ التَّغْيِيرِ لِأَنَّ لَهُ أَثَرًا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ جَازَ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِدَلِيلِهِمَا مَعَ الْأَكْثَرِ

فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ ( لَنَا عَمَلُ الصَّحَابَةِ بِكِتَابِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِلَا رِوَايَةِ مَا فِيهِ ) لِلْعَامِلِينَ ( بَلْ لِمَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَكِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا قَدَّمْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ فَجَازَ مِثْلُهُ لِغَيْرِهِمْ ( وَهُوَ ) أَيْ عَمَلُهُمْ بِكِتَابِهِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ ( شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَبُولِ كِتَابِ الشَّيْخِ إلَى الرَّاوِي ) بِالتَّحْدِيثِ عَنْهُ ( بِلَا شَرْطِ بَيِّنَةٍ ) عَلَى ذَلِكَ ( وَهُنَا ) أَيْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى الْمَكْتُوبِ بِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ ( أَوْلَى ) مِنْ عَمَلِ الرَّاوِي بِكِتَابِ الشَّيْخِ إلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّزْوِيرِ فِيهِ أَبْعَدُ ( وَمَا قِيلَ النِّسْيَانُ غَالِبٌ فَلَوْ لَزِمَ التَّذَكُّرُ بَطَلَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ) كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ بَدِيًّا عَلَى مَا قَالُوهُ ( غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِنَّمَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ مَحَلَّ النِّزَاعِ ( غَلَبَةُ عَدَمِ التَّذَكُّرِ عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ التَّذَكُّرِ غَالِبًا عِنْدَ مَعْرِفَةِ الْخَطِّ ( مَمْنُوعٌ )

( وَالْعَزِيمَةُ فِي الْأَدَاءِ ) أَنْ يَكُونَ ( بِاللَّفْظِ ) نَفْسِهِ ( وَالرُّخْصَةُ ) فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَدَّى ( مَعْنَاهُ بِلَا نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ لِلْعَالِمِ بِاللُّغَةِ وَمَوَاقِعِ الْأَلْفَاظِ ) مِنْ الْمَعَانِي الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَمُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ لَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ( وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ ) وَصَاحِبُ الْمِيزَانِ وَأَتْبَاعُهُمَا ( إلَّا فِي نَحْوِ الْمُشْتَرَكِ ) مِنْ الْخَفِيِّ وَالْمُشْكِلِ وَإِلَّا فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَصْلًا ( وَبِخِلَافِ الْعَامِّ وَالْحَقِيقَةِ الْمُحْتَمِلَيْنِ لِلْخُصُوصِ وَالْمَجَازِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ ( لِلُّغَوِيِّ الْفَقِيهِ ) لَا لِلُّغَوِيِّ فَقَطْ ( أَمَّا الْمُحْكَمُ ) أَيْ مُتَّضِحُ الْمَعْنَى بِحَيْثُ لَا يُشْتَبَهُ مَعْنَاهُ وَلَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مُتَعَدِّدَةً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ لَا مَا لَا يَحْتَمِلُ النَّسْخَ عَلَى مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ فِي أَقْسَامِ الْكِتَابِ ( مِنْهُمَا ) أَيْ الْعَامِّ وَالْحَقِيقَةِ ( فَتَكْفِي اللُّغَةُ ) أَيْ مَعْرِفَتُهَا فِيهِ ( وَاخْتَلَفَ مُجِيزُو الْحَنَفِيَّةِ ) الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى ( فِي الْجَوَامِعِ ) أَيْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { بُعِثْت بِجَوَامِع الْكَلِمِ } وَلِأَحْمَدَ { أُوتِيت فَوَاتِحَ الْكَلَامِ وَجَوَامِعَهُ } ثُمَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَبَلَغَنِي أَنَّ جَوَامِعَ الْكَلِمِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْمَعُ الْأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ أَوْ الْأَمْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إيجَازُ الْكَلَامِ فِي إشْبَاعٍ لِلْمَعَانِي يَقُولُ الْكَلِمَةَ الْقَلِيلَةَ الْحُرُوفِ فَيَنْتَظِمُ الْكَثِيرَ مِنْ الْمَعْنَى وَيَتَضَمَّنُ أَنْوَاعًا مِنْ الْأَحْكَامِ قَالُوا ( { كَالْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ } ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَأَنَّهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ ( { وَالْعَجْمَاءُ جُبَارٌ } ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو

دَاوُد الْعَجْمَاءُ الْمُنْفَلِتَةُ الَّتِي لَا يَكُونُ مَعَهَا أَحَدٌ وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ الْجُبَارُ الْهَدَرُ الَّذِي لَا يُغْرَمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لِلْعَالِمِ بِطُرُقِ الِاجْتِهَادِ إذَا كَانَتْ الْجَوَامِعُ ظَاهِرَةَ الْمَعْنَى وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالسَّرَخْسِيُّ إلَى الْمَنْعِ لِإِحَاطَةِ الْجَوَامِعِ بِمَعَانٍ قَدْ تَقْصُرُ عَنْهَا عُقُولُ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مُكَلَّفٌ بِمَا فِي وُسْعِهِ ( وَالرَّازِيُّ مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَابْنُ سِيرِينَ ) وَثَعْلَبٌ فِي جَمَاعَةٍ ( عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُحْكَمِ أَوْ لَا ، كَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّازِيِّ نَظَرٌ فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ لَهُ قَدْ حَكَيْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يُحَدِّثَانِ بِالْمَعَانِي وَكَانَ غَيْرُهُمَا مِنْهُمْ ابْنُ سِيرِينَ يُحَدِّثُ بِاللَّفْظِ وَالْأَحْوَطُ عِنْدَنَا أَدَاءُ اللَّفْظِ وَسِيَاقَتُهُ عَلَى وَجْهِهِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَعْنَى سَوَاءٌ كَانَ اللَّفْظُ مِمَّا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي مِثْلُ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ فِي إتْقَانِهِمَا لِلْمَعَانِي وَالْعِبَارَاتِ إلَى مَعْنَاهَا فِقْهًا غَيْرَ فَاضِلَةٍ عَنْهَا وَلَا مُقَصِّرَةٍ وَهَذَا عِنْدَنَا إنَّمَا كَانَا يَفْعَلَانِهِ فِي اللَّفْظِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَيَكُونُ لِلْمَعْنَى عِبَارَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فَيُعَبِّرَانِ تَارَةً بِعِبَارَةٍ وَتَارَةً بِغَيْرِهَا فَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّا لَا نَظُنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا كَانَ يُغَيِّرَانِهِ إلَى لَفْظٍ غَيْرِهِ مَعَ احْتِمَالِهِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى لَفْظِ الْأَصْلِ وَأَكْثَرُ فَسَادِ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَتَنَاقُضِهَا وَاسْتِحَالَتِهَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْمَعُ اللَّفْظَ الْمُحْتَمِلَ لِلْمَعَانِي فَيُعَبِّرُ هُوَ بِلَفْظٍ غَيْرِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ فَيُفْسِدُهُ انْتَهَى ( لَنَا ) فِيمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ (

الْعِلْمُ بِنَقْلِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( أَحَادِيثَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي وَقَائِعَ مُتَّحِدَةٍ ) كَمَا يُحَاطُ بِهَا عِلْمًا فِي دَوَاوِينِ السُّنَّةِ ( وَلَا مُنْكِرَ ) لِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُمْ ( وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ ) فَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ كُنْت لَا يَفُوتُنِي عَشِيَّةُ خَمِيسٍ لَا آتِي فِيهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا سَمِعْته يَقُولُ لِشَيْءٍ قَطُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَتْ ذَاتَ عَشِيَّةٍ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ ثُمَّ قَالَ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ شَبِيهٌ بِهِ قَالَ فَأَنَا رَأَيْته وَأَزْرَارُهُ مَحْلُولَةٌ مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْوُهُ أَوْ شِبْهُهُ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَوْصُولًا وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ رَأَيْت أَبَا الدَّرْدَاءِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا أَوْ نَحْوُهُ أَوْ شَكْلُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ كَانَ أَنَسٌ إذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَغَ قَالَ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ ( وَلَا مُنْكِرَ ) عَلَى قَائِلِيهِ ( فَكَانَ ) الْمَجْمُوعُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَعَدَمِ إنْكَارِ غَيْرِهِمْ ( إجْمَاعًا ) عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى ( وَبَعْثُهُ ) أَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الرُّسُلَ ) إلَى النَّوَاحِي بِتَبْلِيغِ الشَّرَائِعِ ( بِلَا إلْزَامِ لَفْظٍ ) مَخْصُوصٍ بَلْ كَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ أَنْ يُبَلِّغُوا الْمَبْعُوثَ إلَيْهِمْ

بِلُغَتِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقَاتِهَا ( وَمَا رَوَى الْخَطِيبُ ) فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ فِي مَعْرِفَةِ أُصُولِ عِلْمِ الرِّوَايَةِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا لَهُ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا إنَّا لَنَسْمَعُ مِنْك الْحَدِيثَ وَلَا نَقْدِرُ عَلَى تَأْدِيَتِهِ كَمَا سَمِعْنَاهُ مِنْك قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا أَوْ تُحَرِّمُوا حَلَالًا وَأَصَبْتُمْ الْمَعْنَى فَلَا بَأْسَ } وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ .
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ فَقَالَ لَوْلَا هَذَا مَا حَدَّثَنَا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا يُفِيدُهُ تَجْرِيدُ الذَّهَبِيِّ وَالصُّحْبَةُ لِسُلَيْمَانَ فَيَكُونُ مُرْسَلًا انْتَهَى وَسَتَعْلَمُ أَنَّ الْإِرْسَالَ غَيْرُ ضَائِرٍ فِي الْإِسْنَادِ مِنْ الثِّقَةِ بَلْ هِيَ مِنْهُ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ ( وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال ) لِلْجُمْهُورِ ( بِتَفْسِيرِهِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ ( بِالْعَجَمِيَّةِ ) فَإِنَّهُ إذْ جَازَ تَفْسِيرُهُ بِهَا فَلَأَنْ يَجُوزَ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَتَرْجَمَتِهَا بِهَا أَقَلُّ مِمَّا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَجَمِيَّةِ ( فَمَعَ الْفَارِقِ ) أَيْ قِيَاسٌ مَعَهُ ( إذْ لَوْلَاهُ ) أَيْ تَفْسِيرُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ ( امْتَنَعَ مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ ) لِأَنَّ الْعَجَمِيَّ لَا يَفْهَمُ الْعَرَبِيَّ إلَّا بِالتَّفْسِيرِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ فِي النَّقْلِ بِالْمَعْنَى وَلِهَذَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِجَمِيعِ الْأَلْسُنِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى بِالِاتِّفَاقِ ( وَأَيْضًا ) مِنْ الْأَدِلَّةِ (

عَلَى تَجْوِيزِهِ : الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى ) لِأَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ بِهِ لَا بِاللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْجِزٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَعْنَى ( حَاصِلٌ ) فَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ ( وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ) السَّابِقَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى لِلْمُشْتَرَكِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ ( تَأْوِيلُهُ ) أَيْ الرَّاوِي لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ ( وَلَيْسَ ) تَأْوِيلُهُ ( حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ كَقِيَاسِهِ ) لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ ( بِخِلَافِ الْمُحْكَمِ ) فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلْأَمْنِ عَنْ الْغَلَطِ ( وَالْمُحْتَمِلُ لِلْخُصُوصِ مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِهِ الْمُخَصَّصِ كَعَمَلِهِ ) أَيْ الرَّاوِي فِي الْمُفَسَّرِ ( بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ ) حَيْثُ يُحْمَلُ عَمَلُهُ بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ ( عَلَى النَّاسِخِ ) أَيْ سَمَاعُهُ النَّاسِخَ لِمَرْوِيِّهِ ( وَيُشْكِلُ ) اسْتِثْنَاءُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( بِتَرْجِيحِ تَقْلِيدِهِ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ يَأْتِي فِيهِ الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لِاسْتِثْنَائِهِ ( فَإِنْ أُجِيبَ ) بِأَنَّهُ إنَّمَا تَرَجَّحَ تَقْلِيدُهُ ( بِحَمْلِهِ ) أَيْ تَقْلِيدِهِ ( عَلَى السَّمَاعِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ ) أَيْ حَمْلَهُ عَلَى السَّمَاعِ ثَابِتٌ لَهُ ( مَعَ إمْكَانِ قِيَاسِهِ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ قِيَاسًا وَاجْتِهَادًا ( فَكَذَا فِي نَحْوِ الْمُشْتَرَكِ ) مِنْ الْخَفِيِّ وَالْمُشْكِلِ إذَا حَمَلَهُ عَلَى بَعْضِ وُجُوهِهِ ( تَقَدَّمَ تَرْجِيحُ اجْتِهَادِهِ ) إذَا كَانَ أَعْرَفَ بِمَا هُنَاكَ مِمَّا شَاهَدَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُوجِبَةِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرَ فَإِنْ قِيلَ تَرْجِيحُ اجْتِهَادِ الصَّحَابِيِّ عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ فَالْجَوَابُ الْمَنْعُ ( وَإِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ

قَلَّلَهُ بِرُبَّ فَكَانَ الظَّاهِرُ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ( فِي الْفِقْهِ أَفْقَهِيَّتَهُمْ إلَّا قَلِيلًا فَيُحْمَلُ ) حَالُهُمْ ( عَلَى الْغَالِبِ وَالتَّحْقِيقُ لَا يُتْرَكُ اجْتِهَادٌ لِاجْتِهَادِ الْأَفْقَهِ وَفِي الصَّحَابَةِ لِقُرْبِ سَمَاعِ الْعِلَّةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَا يُفِيدُهَا ) أَيْ الْعِلَّةَ ( وَعَلَى هَذَا ) التَّوْجِيهِ ( نُجِيزُهُ ) أَيْ النَّقْلَ بِالْمَعْنَى ( فِي الْمُجْمَلِ وَلَا يُنَافِي ) هَذَا ( قَوْلَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( لَا يُتَصَوَّرُ ) النَّقْلُ بِالْمَعْنَى ( فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُتَشَابِهِ ) لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْهُ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ قَوْلِهِمْ ( لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى مَعْنَاهُ ) فَإِنَّ الْمُجْمَلَ لَا يُسْتَفَادُ الْمُرَادُ مِنْهُ إلَّا بِبَيَانٍ سَمْعِيٍّ وَالْمُتَشَابِهُ لَا يَنَالُ مَعْنَاهُ فِي الدُّنْيَا أَصْلًا وَالْمُصَنِّفُ يَقُولُ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ يَقُولُ إذَا رَوَاهُ بِمَعْنًى عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ أُصَحِّحُهُ حَمْلًا عَلَى السَّمَاعِ فَإِنَّا إذَا عَمِلْنَا بِتَرْكِهِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مِنْ الْمُفَسَّرِ لَحَكَمْنَا بِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إذَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ فَكَذَلِكَ إذَا رَوَى الْمُجْمَلَ بِمَعْنًى مُفَسَّرٍ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَ تَفْسِيرَهُ إذْ كَانَ لَا يَحِلُّ أَنْ يُفَسِّرَهُ بِرَأْيِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْسَامَ خَمْسَةٌ الْمُفَسَّرُ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ إلَّا مَعْنًى وَاحِدًا فَيَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى اتِّفَاقًا بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْفِقْهِ وَالْحَقِيقَةُ وَالْعَامُّ الْمُحْتَمَلَانِ لِلْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصُ فَيَجُوزُ مَعَ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ فَلَوْ انْسَدَّ بَابُ التَّخْصِيصِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } وَالْمَجَازُ بِمَا يُوجِبُهُ رَجَعَ الْجَوَازُ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِعِلْمِ اللُّغَةِ فَقَطْ لِصَيْرُورَتِهِ مُحْكَمًا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمُشْتَرَكُ وَالْمُشْكِلُ وَالْخَفِيُّ فَلَا يَجُوزُ بِالْمَعْنَى أَصْلًا عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُعْرَفُ إلَّا

بِتَأْوِيلٍ وَتَأْوِيلُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ كَقِيَاسِهِ وَحَكَمَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ تَأْوِيلَهُ أَوْ مَسْمُوعَهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَمُجْمَلٌ وَمُتَشَابِهٌ فَقَالُوا لَا يُتَصَوَّرُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ فَرْعُ مَعْرِفَةَ الْمَعْنَى وَلَا يُمْكِنُ فِيهِمَا وَالْمُصَنِّفُ يَقُولُ كَذَلِكَ وَلَكِنْ نَقُولُ إذَا عَيَّنَ مَعْنًى أَنَّهُ الْمُرَادُ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ سَمِعَهُ عَلَى وِزَانِ حُكْمِنَا فِي تَرْكِهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّاسِخَ حُكْمًا وَدَلِيلًا وَمَا هُوَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَذَا أَفَادَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَالُوا ) أَيْ الْمَانِعُونَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئًا فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ فَرُبَّ مُبَلَّغ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ فَحَرَّضَ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمِعَهُ فَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ نَقْلِهِ بِلَفْظِهِ لِأَنَّ أَدَاءَهُ كَمَا سَمِعَهُ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ بِلَفْظِهِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ مَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ { نَضَّرَ اللَّهُ مَنْ سَمِعَ قَوْلِي ثُمَّ لَمْ يَزِدْ فِيهِ } ( قُلْنَا ) قَوْلُهُ { نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً } ( حَثٌّ عَلَى الْأَوْلَى ) فِي نَقْلِهِ وَهُوَ نَقْلُهُ بِصُورَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ دُعَاءً لَهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ وَجْهَهُ نَضِرًا أَيْ يُجَمِّلَهُ وَيُزَيِّنَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ نَضْرَةِ النَّعِيمِ قَالَ تَعَالَى { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } كَمَا ذَكَرَهُمَا الرامهرمزي وَقَالَ هُوَ بِتَخْفِيفِ الضَّادِ وَالْمُحَدِّثُونَ يُثَقِّلُونَهَا وَفِي الْغَرِيبَيْنِ رَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَأَبُو عُبَيْدٍ بِالتَّخْفِيفِ .
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمُؤَدِّبُ لَيْسَ هَذَا مِنْ الْحُسْنِ فِي الْوَجْهِ إنَّمَا مَعْنَاهُ حَسَّنَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي خَلْقِهِ أَيْ جَاهِهِ

وَقَدْرِهِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَسْنَدَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى بِشْرِ بْنِ الْحَارِثِ سَمِعْت الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ يَقُولُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا } وَإِلَى الْحُمَيْدِيِّ سَمِعْت سُفْيَانَ يَقُولُ مَا أَحَدٌ تَطَلَّبَ الْحَدِيثَ إلَّا وَفِي وَجْهِهِ نَضْرَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ ( فَأَيْنَ مَنْعُ خِلَافِهِ ) أَيْ خِلَافِ الْأَوْلَى وَهُوَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى ( فَإِنْ قِيلَ هُوَ ) أَيْ الْمَانِعُ مِنْ خِلَافِهِ ( قَوْلُهُ { فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ } أَفَادَ أَنَّهُ ) أَيْ الرَّاوِيَ ( قَدْ يَقْصُرُ لَفْظُهُ ) عَنْ اسْتِيعَابِ أَدَاءِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ اللَّفْظُ النَّبَوِيُّ مِنْ الْأَحْكَامِ ( فَتَنْتَفِي أَحْكَامٌ يَسْتَنْبِطُهَا الْفَقِيهُ ) بِوَاسِطَةِ نَقْلِهِ بِالْمَعْنَى ( قُلْنَا غَايَتُهُ ) أَيْ قُصُورِ لَفْظِهِ عَنْ اسْتِيعَابِ ذَلِكَ ( نَقْلُ بَعْضِ الْخَبَرِ بَعْدَ كَوْنِهِ حُكْمًا تَامًّا ) وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَقَدْ يُفَرَّقُ ) بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَذْفِ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَاقِي تَعَلُّقًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى ( بِأَنْ لَا بُدَّ ) لِلْحَاذِفِ ( مِنْ نَقْلِ الْبَاقِي فِي عُمُرِهِ كَيْ لَا تَنْتَفِي الْأَحْكَامُ ) الْمُسْتَفَادَةُ مِنْهُ ( بِخِلَافِ مَنْ قَصَرَ ) لَفْظُهُ عَنْهَا ( فَإِنَّهَا ) أَيْ الْأَحْكَامَ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْهُ ( تَنْتَفِي ) لِعَدَمِ مُفِيدِهَا حِينَئِذٍ ( بَلْ ) الْجَوَابُ ( الْجَوَازُ لِمَنْ لَا يُخِلُّ ) بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ ( لِفِقْهِهِ قَالُوا ) أَيْ الْمَانِعُونَ أَيْضًا النَّقْلُ بِالْمَعْنَى ( يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ ) بِمَقْصُودِ الْحَدِيثِ ( بِتَكَرُّرِ النَّقْلِ كَذَلِكَ ) أَيْ بِالْمَعْنَى فَانْقَطَعَ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظِ وَتَفَاوُتِهِمْ فِي تَنَبُّهِ بَعْضِهِمْ عَلَى مَا لَا يَتَنَبَّهُ الْآخَرُ عَلَيْهِ فَإِذَا قُدِّرَ النَّقْلُ بِالْمَعْنَى مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا وَوَقَعَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَدْنَى تَغْيِيرٍ حَصَلَ بِالتَّكْرَارِ

تَغْيِيرٌ كَثِيرٌ وَاخْتَلَّ الْمَقْصُودُ ( أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَوَازَ ) لِلنَّقْلِ بِالْمَعْنَى حَالَةَ كَوْنِهِ ( بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ ) أَيْ الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ كَمَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ( يَنْفِيه ) أَيْ أَدَاءَ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى لِأَنَّهُ خِلَافُ الْفَرْضِ وَقَدْ انْتَفَى بِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ يَجُوزُ إنْ نَسِيَ اللَّفْظَ لَا إنْ لَمْ يَنْسَهُ لِفَوَاتِ الْفَصَاحَةِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا قِيلَ يَجُوزُ إنْ كَانَ مُوجِبُهُ عِلْمًا لَا إنْ كَانَ عَمَلًا وَمَا عَلَيْهِ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ تَقْيِيدِ الْجَوَازِ بِلَفْظٍ مُرَادِفٍ مَعَ بَقَاءِ التَّرْكِيبِ وَمَوْقِعِ الْكَلَامِ عَلَى حَالِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ الْمُرْسَلُ قَوْلُ الْإِمَامِ ) مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ أَيْ مَنْ لَهُمْ أَهْلِيَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ( الثِّقَةِ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) كَذَا ( مَعَ حَذْفٍ مِنْ السَّنَدِ وَتَقْيِيدِهِ ) أَيْ الْقَائِلِ ( بِالتَّابِعِيِّ أَوْ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ ) أَيْ التَّابِعِينَ كَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ( اصْطِلَاحٌ ) لِلْمُحَدِّثِينَ وَسُمِّيَ الْأَوَّلُ بِالْمَشْهُورِ وَعُزِيَ الثَّانِي إلَى بَعْضِهِمْ ( فَدَخَلَ ) فِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ ( الْمُنْقَطِعُ ) بِالِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ لِلْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ رُوَاتِهِ قَبْلَ الصَّحَابِيِّ رَاوٍ أَوْ اثْنَانِ فَصَاعِدًا إلَّا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ( وَالْمُعْضَلُ ) بِاصْطِلَاحِهِمْ الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَا سَقَطَ مِنْ إسْنَادِهِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ( وَتَسْمِيَةُ قَوْلِ التَّابِعِيِّ مُنْقَطِعًا ) كَمَا هُوَ صَنِيعُ الْحَافِظِ الْبَرْدِيجِيِّ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِحِكَايَةِ الْخَطِيبِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْمُنْقَطِعَ مَا رُوِيَ عَنْ التَّابِعِيِّ أَوْ مَنْ دُونَهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ ( خِلَافَ الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ فِيهِ ) أَيْ الْمُنْقَطِعِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا غَرِيبٌ بَعِيدٌ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ قَوْمًا يُسَمُّونَ قَوْلَ التَّابِعِيِّ الَّذِي لَقِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْقَطِعًا لَا مُرْسَلًا لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ ( وَهُوَ ) أَيْ قَوْلُ التَّابِعِيِّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ هُوَ ( الْمَقْطُوعُ ) كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ قَالَ وَجَدْت التَّعْبِيرَ بِالْمَقْطُوعِ عَنْ الْمُنْقَطِعِ غَيْرِ الْمَوْصُولِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا .
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَوَجَدْته أَيْضًا فِي كَلَامِ الْحُمَيْدِيِّ الدَّارَقُطْنِيّ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمُرْسِلُ صَحَابِيًّا ( فَحَكَى الِاتِّفَاقَ عَلَى

قَبُولِهِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِقَوْلِ ) أَبِي إِسْحَاقَ ( الْإسْفَرايِينِيّ ) لَا يُحْتَجُّ بِهِ ( وَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ نَفْيِهِ ) أَيْ قَبُولِهِ ( إنْ عَلِمَ إرْسَالَهُ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُعْتَمَدِ أَيْ وَلِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا أَيْضًا فَإِنْ قُلْت فِي أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ كَانَ مِنْ الْفِتْيَانِ قَلَّتْ صُحْبَتُهُ وَكَانَ يَرْوِي عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِذَا أَطْلَقَ الرِّوَايَةَ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مَقْبُولًا وَإِنْ احْتَمَلَ الْإِرْسَالَ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ لَمْ يُحْمَلْ حَدِيثُهُ إلَّا عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قُلْت لَا فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِهِ عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُونَ فَالْمَعْنَى إرْسَالُ الصَّحَابِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُحْمَلُ عَلَى سَمَاعِهِ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ ( أَوْ ) كَانَ الْمُرْسِلُ ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرِ صَحَابِيٍّ ( فَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إطْلَاقُ الْقَبُولِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَأَكْثَرُ ) أَهْلِ ( الْحَدِيثِ مِنْ عَهْدِ الشَّافِعِيِّ إطْلَاقُ الْمَنْعِ وَالشَّافِعِيُّ ) قَالَ ( إنْ عَضَّدَ بِإِسْنَادٍ أَوْ إرْسَالٍ مَعَ اخْتِلَافِ الشُّيُوخِ ) مِنْ الْمُرْسِلِينَ لَا غَيْرُ ( أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَوْ عُرِفَ ) الْمُرْسِلُ ( أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ قُبِلَ وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ ( لَا ) يُقْبَلُ ( قِيلَ وَقَيَّدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيُّ قَبُولَهُ مَعَ كَوْنِهِ مُعَضَّدًا بِمَا ذَكَرْنَاهُ ( بِكَوْنِهِ ) أَيْ الْمُرْسِلِ ( مِنْ كِبَارِ

التَّابِعِينَ ) وَإِذَا أَشْرَكَ أَحَدًا مِنْ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثِهِ لَمْ يُخَالِفْهُ ( وَلَوْ خَالَفَ الْحُفَّاظَ فَبِالنَّقْصِ ) أَيْ بِكَوْنِ حَدِيثِهِ أَنْقَصَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ ( وَابْنُ أَبَانَ ) يَقْبَلُ ( فِي الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَفِيمَا بَعْدَهَا إذَا كَانَ ) الْمُرْسِلُ ( مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَرَوَى الْحُفَّاظُ مُرْسَلَهُ كَمَا رَوَوْا مُسْنَدَهُ وَالْحَقُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ مُطْلَقًا ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى وِزَانِ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ بَيَانِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ حَيْثُ شُرِطَ الْعِلْمُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُلِّ ( لَنَا جَزْمُ الْعَدْلِ بِنِسْبَةِ الْمَتْنِ إلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ قَالَ يَسْتَلْزِمُ اعْتِقَادَ ثِقَةِ الْمُسْقَطِ ) لِتَوَقُّفِهِ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ تَلْبِيسًا قَادِحًا فِيهِ وَالْفَرْضُ انْتِفَاؤُهُ ( وَكَوْنُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ قَوِيُّ الظُّهُورِ فِي الْمُطَابَقَةِ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ ثِقَةَ الْمُسْقَطِ ( لَمْ يَكُنْ ) الْمُرْسِلُ ( عَدْلًا ) وَلَوْ لَمْ يُطَابَقْ لَمْ يَكُنْ ( إمَامًا ) فَالِاسْتِثْنَاءُ بِاعْتِبَارَيْنِ ( وَلِذَا ) أَيْ اسْتِلْزَامُ جَزْمِ الْعَدْلِ بِذَلِكَ اعْتِقَادُ ثِقَةِ الْمُسْقَطِ ( حِينَ سُئِلَ النَّخَعِيُّ الْإِسْنَادَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ ) أَيْ لَمَّا قَالَ الْأَعْمَشُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا رَوَيْت لِي حَدِيثًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَسْنِدْهُ لِي ( قَالَ إذَا قُلْت حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ فَإِذَا قُلْت قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَغَيْرُ وَاحِدٍ ) أَيْ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ ( وَقَالَ الْحَسَنُ مَتَى قُلْت لَكُمْ حَدَّثَنِي فُلَانٌ فَهُوَ حَدِيثُهُ ) لَا غَيْرَ ( وَمَتَى قُلْت قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ سَبْعِينَ ) سَمِعْته أَوْ أَكْثَرَ ( فَأَفَادُوا أَنَّ إرْسَالَهُمْ عِنْدَ الْيَقِينِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ ) أَيْ الْيَقِينِ بِالْمَرْوِيِّ ( فَكَانَ ) الْمُرْسَلُ ( أَقْوَى مِنْ الْمُسْنَدِ ) لِظُهُورِ أَنَّ الْعَدْلَ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا

مَنْ جَزَمَ بِعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ مَنْ ذَكَرَهُ لِظُهُورِ إحَالَةِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ غَالِبًا ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ أَقْوَى مِنْهُ ( مُقْتَضَى الدَّلِيلِ ) كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ( فَإِنْ قِيلَ تَحَقَّقَ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَسُفْيَانَ ) الثَّوْرِيِّ ( وَبَقِيَّةَ تَدْلِيسُ التَّسْوِيَةِ ) كَمَا سَلَف ( وَهُوَ ) أَيْ إرْسَالُ مَنْ تَحَقَّقَ فِيهِ هَذَا التَّدْلِيسُ ( مَشْمُولٌ بِدَلِيلِكُمْ ) الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ أَنْ يَقْبَلُوهُ ( قُلْنَا نَلْتَزِمُهُ ) أَيْ شُمُولَ الدَّلِيلِ لَهُ وَنَقُولُ بِحُجِّيَّتِهِ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرْسَلْ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ ( وَوَقْفُ مَا أَوْهَمَهُ ) أَيْ التَّدْلِيسَ ( إلَى الْبَيَانِ ) لِإِرْسَالِهِ عَنْ ثِقَةٍ أَوَّلًا ( قَوْلُ النَّافِينَ ) لِحُجِّيَّةِ الْمُرْسِلِ ( أَوْ مَحَلِّهِ ) أَيْ الْوَقْفِ ( الِاخْتِلَافُ ) أَيْ اخْتِلَافُ حَالِ الْمُدَلِّسِ بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَارَةً يَحْذِفُ الْمُضَعَّفَ عِنْدَ الْكُلِّ وَتَارَةً يَحْذِفُ الْمُضَعَّفَ عِنْدَ غَيْرِهِ ( بِخِلَافِ الْمُرْسِلِ ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ فِيهِ بِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ مُجْمَعًا عَلَى ضَعْفِهِ بَلْ ثِقَةٌ أَوْ مَنْ يَعْتَقِدُ الْإِمَامُ الْحَاذِفُ ثِقَتَهُ ( وَاسْتَدَلَّ ) لِلْمُخْتَارِ ( اُشْتُهِرَ إرْسَالُ الْأَئِمَّةِ كَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِمْ و ) اُشْتُهِرَ ( قَبُولُهُ ) أَيْ إرْسَالُهُمْ ( بِلَا نَكِيرٍ فَكَانَ ) قَبُولُهُ ( إجْمَاعًا لَا يُقَالُ لَوْ كَانَ ) قَبُولُهُ إجْمَاعًا ( لَمْ يَجُزْ خِلَافُهُ ) لِكَوْنِهِ خَرْقًا لِلْإِجْمَاعِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّا نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ ( لِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ عَدَمَ جَوَازِ خِلَافِهِ إنَّمَا هُوَ ( فِي ) الْإِجْمَاعِ ( الْقَطْعِيِّ ) وَالْإِجْمَاعُ هُنَا ظَنِّيٌّ ( لَكِنْ يُنْقَضُ ) الْإِجْمَاعُ ( بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ لَا نَأْخُذُ بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ مُبَالَاتِهِمَا عَمَّنْ أَخَذَا الْحَدِيثَ ( وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ ) إرْسَالُهُمَا عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ ( إذْ اللَّازِمُ )

لِدَلِيلِ الْقَابِلِ لِلْمُرْسِلِ ( أَنَّ الْإِمَامَ الْعَدْلَ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) أَنَّهُ لَا يُرْسِلُ إلَّا عَنْ ثِقَةٍ ( أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا عَنْهُ ) أَيْ عَنْ ثِقَةٍ ( نَافٍ لِلْإِجْمَاعِ ) لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ مَعَ مُخَالَفَةِ ابْنِ سِيرِينَ ( فَهُوَ ) أَيْ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِهِ ( خَطَأٌ ) عَلَى هَذَا وَإِنْ كَانَ مَنْعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ مَرَاسِيلِهِمَا خَطَأً أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا لَا يَصِحُّ مَانِعًا وَكَيْفَ وَالْعَدْلُ الثِّقَةُ وَإِنْ أَخَذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ فَهُوَ ثِقَةٌ يُبَيِّنُهُ إذَا رَوَى عَنْهُ وَلَا يُرْسِلُ فَيُسْقِطُهُ لِأَنَّهُ غِشٌّ فِي الدِّينِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاحْتَجَّ ( الْأَكْثَرُ ) لِقَبُولِهِ ( بِهَذَا ) الْإِجْمَاعِ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِقَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ الْمَذْكُورِ ( وَبِتَقْدِيرِ تَمَامِهِ ) أَيْ الْإِجْمَاعِ ( لَا يُفِيدُهُمْ ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ ( تَعْمِيمًا ) فِي أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنَّ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَئِمَّةِ النَّقْلِ فَلَمْ يَجِبْ فِي غَيْرِهِمْ ( وَبِأَنَّ رِوَايَةَ الثِّقَةِ ) أَيْ الْعَدْلِ عَمَّنْ أَسْقَطَهُ ( تَوْثِيقٌ لِمَنْ أَسْقَطَهُ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ ذَلِكَ فَيُقْبَلُ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِالتَّعْدِيلِ ( وَدُفِعَ ) هَذَا ( بِأَنَّ ظُهُورَ مُطَابَقَةِ ظَنِّ الْجَاهِلِ ثِقَةَ السَّاقِطِ مُنْتَفٍ ) يَعْنِي كَوْنَ رِوَايَةِ الْعَدْلِ تَوْثِيقًا لِمَنْ رَوَى عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُطَابَقَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ إمَامٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ظَنِّ الْجَاهِلِ ثِقَةَ السَّاقِطِ لَا يُوجِبُ ظُهُورَ ثِقَتِهِ فَلَا يُثْبِتُ بِتَوْثِيقِهِ ثِقَتَهُ ( وَلَعَلَّ التَّفْصِيلَ ) فِي الْمُرْسِلِ بَيْنَ كَوْنِهِ عَدْلًا إمَامًا فَيُقْبَلُ وَإِلَّا فَلَا .
( مُرَادُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْإِطْلَاقِ ) لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ بِأَنْ يُرِيدُوا قَبُولَهُ بِقَيْدِ إمَامَةِ الْمُرْسِلِ وَعَدَالَتِهِ ( بِشَهَادَةِ اقْتِصَارِ دَلِيلِهِمْ ) لِلْقَبُولِ ( عَلَى الْأَئِمَّةِ ) أَيْ عَلَى ذِكْرِ إرْسَالِهِمْ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ هَذَا ( فَبَعِيدٌ قَوْلُهُمْ بِتَوْثِيقِ

مَنْ لَا يُعَوَّلُ عَلَى عِلْمِهِ وَمِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا الصَّنِيعِ مِنْ إرَادَةِ الْمُفِيدِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ بِمَا يُعْرَفُ مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ وَفِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِمْ ( مِنْ أَوَائِلِ الْأَئِمَّةِ كَثِيرٌ ) فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ مَذْهَبَ غَيْرِ الْمُفَصِّلِ ( النَّافُونَ ) لِقَبُولِهِ قَالُوا أَوَّلًا الْإِرْسَالُ ( يَسْتَلْزِمُ جَهَالَةَ الرَّاوِي ) لِلْأَصْلِ عَيْنًا وَصِفَةً ( فَيَلْزَمُ ) مِنْ قَبُولِ الْمُرْسَلِ ( الْقَبُولُ مَعَ الشَّكِّ ) فِي عَدَالَةِ الرَّاوِي إذْ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ هَلْ هُوَ عَدْلٌ لَجَازَ أَنْ يَقُولَ لَا كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ بِالِاتِّفَاقِ ( قُلْنَا ذَلِكَ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِلْزَامُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ ( فِي غَيْرِ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ ) وَأَمَّا الْأَئِمَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إلَّا عَمَّنْ لَوْ سُئِلُوا عَنْهُ لَعَدَّلُوهُ وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا بِقَبُولِ مَرَاسِيلِهِمْ لَا غَيْرُ ( قَالُوا ) ثَانِيًا فَحَيْثُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمُرْسَلِ ( فَلَا فَائِدَةَ لِلْإِسْنَادِ ) وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى ذِكْرِهِ إجْمَاعًا عَلَى الْعَبَثِ وَهُوَ مُحَالٌ عَادَةً ( قُلْنَا ) الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ الْفَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ ( بَلْ يَلْزَمُ الْإِسْنَادُ فِي غَيْرِ الْأَئِمَّةِ لِيُقْبَلَ ) الْمَرْوِيُّ فَإِنَّ مُرْسَلَ غَيْرِهِمْ لَا يُقْبَلُ فَتَكُونُ الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِمْ قَبُولَهُ ( وَفِي الْأَئِمَّةِ إفَادَةُ مَرْتَبَتِهِ ) أَيْ الرَّاوِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ فِيمَا عَسَاهُ يَتَرَجَّحُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ ( لِلتَّرْجِيحِ ) عِنْدَ التَّعَارُضِ ( وَرَفْعِ الْخِلَافِ ) فِي قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَرَدِّهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي قَبُولِ الْمُسْنَدِ ( وَفَحْصِ الْمُجْتَهِدِ بِنَفْسِهِ ) عَنْ حَالِ الرَّاوِي ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) الْمُرْسِلُ ( مَشْهُورًا ) بِالْإِمَامَةِ وَالْعَدَالَةِ ( لِيَنَالَ ) الْمُجْتَهِدُ ( ثَوَابَهُ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ ( وَيَقْوَى ظَنُّهُ ) بِصِحَّةِ الْمَرْوِيِّ فَإِنَّ الظَّنَّ

الْحَاصِلَ بِفَحْصِهِ أَقْوَى مِنْ الْحَاصِلِ بِفَحْصِ غَيْرِهِ ( قَالُوا ) ثَالِثًا ( لَوْ تَمَّ ) الْقَوْلُ بِالْعَمَلِ بِالْمُرْسَلِ مِنْ السَّلَفِ ( قُبِلَ ) الْمُرْسَلُ ( فِي عَصْرِنَا ) أَيْضًا لِتَحَقُّقِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَبُولِ مِنْ السَّلَفِ فِي عَدْلِ كُلِّ عَصْرٍ ( قُلْنَا نَلْتَزِمُهُ ) أَيْ قَبُولَ الْمُرْسِلِ فِي كُلِّ عَصْرٍ ( إذَا كَانَ ) الْمُرْسِلُ ( مِنْ الْعُدُولِ وَأَئِمَّةِ الشَّأْنِ ) وَنَمْنَعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الرِّيبَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ قَالَ ( الشَّافِعِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ ) أَيْ يُوجَدُ ذَلِكَ ( الْعَاضِدُ ) لِلْمُرْسِلِ مَعَهُ ( لَمْ يَحْصُلْ الظَّنُّ وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ حُصُولِ الظَّنِّ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْعَاضِدُ الْمَذْكُورُ مَعَهُ ( مَمْنُوعٌ بَلْ ) الظَّنُّ حَاصِلٌ بِالْمُرْسَلِ ( دُونَهُ ) أَيْ الْعَاضِدِ الْمَذْكُورِ ( بِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ الدَّلِيلِ لِقَبُولِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ ( وَقَدْ شُوحِحَ ) الشَّافِعِيُّ فِي جَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ شُرُوطِ قَبُولِهِ أَنْ يَأْتِيَ أَيْضًا مُرْسَلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ مُسْنَدًا ( فَقِيلَ ضَمُّ غَيْرِ الْمُسْنَدِ ) إلَى غَيْرِ الْمُسْنِدِ ( ضَمُّ غَيْرِ مَقْبُولٍ إلَى مِثْلِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَقْبُولٍ ( فَلَا يُفِيدُ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ عِنْدَ الِانْفِرَادِ إنَّمَا هُوَ الْجَهَالَةُ بِعَدَالَةِ رَاوِي الْأَصْلِ وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا ( وَفِي الْمُسْنِدِ ) أَيْ وَفِي ضَمِّ الْمُسْنَدِ إلَيْهِ ( الْعَمَلُ بِهِ ) أَيْ بِالْمُسْنَدِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ ضُمَّ إلَى الْمُرْسِلِ فَلَا يَكُونُ قَبُولُهُ قَبُولًا لِلْمُرْسَلِ ( وَدُفِعَ الْأَوَّلُ ) أَيْ عَدَمُ إفَادَةِ ضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ ( بِأَنَّ الظَّنَّ قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ ) أَيْ ضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ ( كَمَا يَقْوَى ) الظَّنُّ ( بِهِ ) أَيْ بِضَمِّ الْمُرْسَلِ إلَى الْمُرْسِلِ ( لَوْ كَانَ ) الظَّنُّ ( حَاصِلًا قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ ضَمِّهِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُحَدِّثَ عَنْ الْمَجْمُوعِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ ( وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي تَعَدُّدِ طُرُقِ الضَّعِيفِ ) بِغَيْرِ الْفِسْقِ مَعَ

الْعَدَالَةِ ( قِيلَ وَالثَّانِي ) أَيْ كَوْنُ الْعَمَلِ بِالْمُسْنَدِ إذَا ضُمَّ إلَى الْمُرْسَلِ ( وَارِدٌ ) وَقَائِلُهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنَعَ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ ( وَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُسْنَدَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ إسْنَادِ الْأَوَّلِ فَيُحْكَمُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُرْسَلِ ( مَعَ إرْسَالِهِ بِالصِّحَّةِ ) ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ( وَدُفِعَ ) هَذَا الْجَوَابُ وَدَافِعُهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ ( بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ) تَبَيُّنُ صِحَّةِ الْإِسْنَادِ الَّذِي فِيهِ الْإِرْسَالُ بِالْمُسْنَدِ ( لَوْ كَانَ ) الْإِسْنَادُ فِي كِلَيْهِمَا ( وَاحِدًا لِيَكُونَ الْمَذْكُورُ إظْهَارًا لِلسَّاقِطِ وَلَمْ يُقْصِرْهُ ) أَيْ كَوْنَ اعْتِضَادِ الْمُرْسَلِ بِالْمُسْنَدِ مُوجِبًا لِقَبُولِ الْمُرْسَلِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ كَوْنِ الْإِسْنَادِ فِي كِلَيْهِمَا وَاحِدًا بَلْ أَطْلَقَ فَكَمَا يَتَنَاوَلُ هَذَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا تَعَدَّدَ إسْنَادُهُمَا ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ صِحَّتُهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ ( وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُرْسَلِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَدَالَةُ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ أَوْ بِلَا الْتِفَاتٍ إلَى تَعْدِيلِهِمْ ) أَيْ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ ) أَيْ بِالْمُسْنَدِ ( ابْتِدَاءً ) فَإِنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَةِ رُوَاتِهِ ( وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَالَتِهِمْ ) أَيْ رُوَاةِ الْمُسْنَدِ ( وَهِيَ ) أَيْ عِبَارَتُهُ ( قَوْلُهُ ) وَالْمُنْقَطِعُ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ شَاهَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ التَّابِعِينَ فَحَدَّثَ حَدِيثًا مُنْقَطِعًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُعْتُبِرَ عَلَيْهِ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا أَرْسَلَ مِنْ الْحَدِيثِ ( فَإِنْ شَرِكَهُ الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ فَأَسْنَدُوهُ ) بِمِثْلِ مَعْنَى مَا رَوَى ( كَانَتْ ) هَذِهِ ( دَلَالَةً ) عَلَى صِحَّةِ مَنْ قِيلَ عَنْهُ وَحِفْظِهِ ( وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُوجِبُ عِبَارَتُهُ ثُبُوتَهَا فِي سَنَدِهِمْ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ أَيْ شَرِكَهُ

الْحُفَّاظُ الْمَأْمُونُونَ صِفَةً لِأَهْلِ سَنَدِ الْمُتَّصِلِ الْعَاضِدِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي شَرِكَهُ لِلْمُرْسِلِ وَلَيْسَ جَمِيعَ رِجَالِ السَّنَدِ أَرْسَلُوا أَوْ وَصَلُوا بَلْ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْمُبْتَدِئِ بِذِكْرِ الْحَدِيثِ وَإِسْنَادِهِ فَهُوَ الَّذِي إنْ ذَكَرَ جَمِيعَ الرِّجَالِ فَقَدْ وَصَلَهُ وَإِنْ حَذَفَ بَعْضَهُمْ أَرْسَلَهُ فَلَزِمَ كَوْنُ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا هِيَ لِلْمُخْرِجِينَ كَمَا أَنَّ الْمُرْسِلَ هُوَ الْمُخْرِجُ لِلْحَدِيثِ فَبَقِيَ سَاكِتًا عَنْ رِجَالِ السَّنَدِ غَيْرَ حَاكِمٍ عَلَيْهِمْ بِتَوْثِيقٍ أَوْ ضَعْفٍ ( وَكَانَ الْإِيرَادُ ) عَلَى الْعَمَلِ بِهِ إذَا أَتَى مُسْنَدًا أَيْضًا ( بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الصِّحَّةِ ) أَيْ صِحَّةِ السَّنَدِ فِي الْمُسْنَدِ ( وَالْجَوَابُ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يُشْتَرَطُ فِي سَنَدِ الْمُسْنَدِ الصِّحَّةُ ( صَيْرُورَتُهُمَا ) أَيْ الْمُسْنَدِ وَالْمُرْسَلِ ( دَلِيلَيْنِ قَدْ يُفِيدُ فِي الْمُعَارَضَةِ ) بِأَنْ يُرَجَّحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ دَلِيلٌ وَاحِدٌ هَذَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَإِرْسَالُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدِي حَسَنٌ فَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَرَاسِيلَهُ حُجَّةٌ لِأَنَّهَا فُتِّشَتْ فَوُجِدَتْ مُسْنَدَةً وَالثَّانِي أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ لَا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهَا وَالتَّرْجِيحُ بِالْمُرْسَلِ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا الثَّانِي لِأَنَّ فِي مَرَاسِيلِ سَعِيدٍ مَا لَمْ يُوجَدْ مُسْنَدًا بِحَالٍ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ وَقَدْ جَعَلَ الشَّافِعِيُّ لِمَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَزِيَّةً كَمَا اسْتَحْسَنَ مُرْسَلَ سَعِيدٍ ( وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ ) وَهُوَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ( مَنْ أَدْرَجَ عَنْ رَجُلٍ فِي حُكْمِهِ ) أَيْ الْمُرْسَلِ ( مِنْ الْقَبُولِ عِنْدَ قَابِلِ الْمُرْسَلِ ) وَهُوَ ظَاهِرُ صَنِيعِ أَبِي دَاوُد فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ ( وَلَيْسَ ) هَذَا مَقْبُولًا مِثْلَ الْمُرْسَلِ ( فَإِنَّ تَصْرِيحَهُ ) أَيْ الرَّاوِي ( بِهِ ) أَيْ بِمَنْ رَوَى عَنْهُ

حَالَ كَوْنِهِ ( مَجْهُولًا لَيْسَ كَتَرْكِهِ ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ( يَسْتَلْزِمُ تَوْثِيقَهُ ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْهُ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ أَيْ فِي حُكْمِ الْمُنْقَطِعِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا الْحَافِظِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنَّ الْقَائِلَ إنْ كَانَ تَابِعِيًّا كَبِيرًا حُمِلَ عَلَى الْإِرْسَالِ أَوْ صَغِيرًا حُمِلَ عَلَى الِانْقِطَاعِ نَظَرًا إلَى أَنَّ غَالِبَ حَالِهِمَا مُخْتَلِفٌ هَذَا إذَا قَالَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا نَحْوُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عُمَرَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ فُلَانٍ فَلَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِهِ انْتَهَى وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ كَمَا فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ الرَّشِيدُ الْعَطَّارُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ ( نَعَمْ يَلْزَمُ ) حُكْمُ الْمُرْسَلِ مِنْ بَابِ أَوْلَى ( كَوْنُ ) قَوْلِ الْقَائِلِ ( عَنْ الثِّقَةِ تَعْدِيلًا ) فَيَكُونُ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ تَعْدِيلًا فَوْقَ الْإِرْسَالِ عِنْدَ مَنْ يَقْبَلُهُ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَنْ الثِّقَةِ ( عِنْدَ مَنْ يَرُدُّهُ ) أَيْ الْمُرْسَلَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَبِرُهُ ( إلَّا إنْ عُرِفَتْ عَادَتُهُ ) أَيْ الْقَائِلِ عَنْ الثِّقَةِ ( فِيهِ ) أَيْ قَوْلِهِ هَذَا ( الثِّقَةُ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَقْبَلُهُ مَنْ يَرُدُّ الْمُرْسَلَ ( كَمَالِكٍ ) أَيْ كَقَوْلِهِ حَدَّثَنِي ( الثِّقَةُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ ) بِالثِّقَةِ ( مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْر وَالثِّقَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قِيلَ ) الثِّقَةُ ( عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ وَقِيلَ الزُّهْرِيُّ ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ( وَاسْتُقْرِئَ مِثْلُهُ ) أَيْ إطْلَاقِ الثِّقَةِ عَلَى مَنْ يَكُونُ ثِقَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( لِلشَّافِعِيِّ ) فَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْآبُرِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الشَّافِعِيِّ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ

الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ يَقُولُ إذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَيَحْيَى بْنُ حَسَّانَ وَعَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ فَأَبُو أُسَامَةَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ فَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ رَدَّهُ ) أَيْ مَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِيهِ عَنْ الثِّقَةِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ عَادَتَهُ فِيهِ الثِّقَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( يَلِيقُ بِشَارِطِ الْبَيَانِ فِي التَّعْدِيلِ لَا الْجُمْهُورِ ) الْقَائِلِينَ بِأَنَّ بَيَانَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَقِّ الْعَالِمِ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ تَعْدِيلٌ عَارٍ عَنْ بَيَانِ السَّبَبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا أَكْذَبَ الْأَصْلَ ) أَيْ الشَّيْخُ ( الْفَرْعُ ) أَيْ الرَّاوِي عَنْهُ ( بِأَنْ حَكَمَ بِالنَّفْيِ ) فَقَالَ مَا رَوَيْت هَذَا الْحَدِيثَ لَك أَوْ كَذَبْت عَلَيَّ ( سَقَطَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ ) أَيْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ ( لِلْعِلْمِ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا وَلَا مُعَيِّنَ ) لَهُ وَهُوَ قَادِحٌ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ ( وَبِهَذَا ) التَّعْلِيلِ ( سَقَطَ اخْتِيَارُ السَّمْعَانِيِّ ) ثُمَّ السُّبْكِيّ عَدَمَ سُقُوطِهِ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لَهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لِلْفَرْعِ ( وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ وَالشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْكَاكِيُّ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ السَّرَخْسِيَّ وَفَخْرَ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبَ التَّقْوِيمِ حَكَوْا فِي إنْكَارِ الرَّاوِي رِوَايَتَهُ مُطْلَقًا اخْتِلَافَ السَّلَفِ ( وَهُمَا ) أَيْ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ ( عَلَى عَدَالَتِهِمَا إذْ لَا يَبْطُلُ الثَّابِتُ ) أَيْ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ عَدَالَتِهِمَا الْمَفْرُوضَةِ ( بِالشَّكِّ ) فِي زَوَالِهَا ( وَإِنْ شُكَّ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالنَّفْيِ ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ أَنِّي رَوَيْت هَذَا الْحَدِيثَ لَك أَوْ لَا أَذْكُرُهُ ( فَالْأَكْثَرُ ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ الْحَدِيثَ ( حُجَّةٌ ) أَيْ يُعْمَلُ بِهِ ( وَنَسَبَ لِمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ تَخْرِيجًا مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي قَاضٍ تَقُومُ الْبَيِّنَةُ بِحُكْمِهِ وَلَا يَذْكُرُ رَدَّهَا ) أَيْ الْبَيِّنَةِ ( أَبُو يُوسُفَ ) فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ ( وَقَبِلَهَا مُحَمَّدٌ ) فَيَنْفُذُ حُكْمُهُ ( وَنِسْبَةُ بَعْضِهِمْ الْقَبُولَ لِأَبِي يُوسُفَ غَلَطٌ ) فَإِنَّ الْمَسْطُورَ فِي الْكُتُبِ الْمَذْهَبِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ هُوَ الْأَوَّلُ ( وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهَا ) أَيْ مَسْأَلَةِ الْقَاضِي الْمُنْكِرِ لِحُكْمِهِ ( قَوْلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَضَمُّهُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ يَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ وَعَلَى الْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْقَابِلِ ) لِلرِّوَايَةِ مَعَ إنْكَارِ الْأَصْلِ

قَالَ ( الْفَرْعُ عَدْلٌ جَازِمٌ ) بِالرِّوَايَةِ عَنْ الْأَصْلِ ( غَيْرُ مُكَذَّبٍ ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْأَصْلَ غَيْرُ مُكَذِّبِهِ ( فَيُقْبَلُ ) لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ مُعَارَضَةِ الْمَانِعِ ( كَمَوْتِ الْأَصْلِ وَجُنُونِهِ ) إذْ نِسْيَانُهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا بَلْ دُونَهُمَا قَطْعًا وَفِيهِمَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا فِيهِ ( وَيُفَرَّقُ ) بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ ( بِأَنَّ حُجِّيَّتَهُ ) أَيْ الْحَدِيثِ ( بِالِاتِّصَالِ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِنَفْيِ مَعْرِفَةِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ لَهُ ) أَيْ لِلْمَرْوِيِّ ( يَنْتَفِي ) الِاتِّصَالُ ( وَهُوَ ) أَيْ انْتِفَاءُ الِاتِّصَالِ ( مُنْتَفٍ فِي الْمَوْتِ ) وَالْجُنُونِ ( وَالِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ سُهَيْلًا بَعْدَ أَنْ قِيلَ لَهُ حَدَّثَ عَنْك رَبِيعَةُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ } فَلَمْ يَعْرِفْهُ ) إذْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ سُلَيْمَانُ فَلَقِيت سُهَيْلًا فَسَأَلْته عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَا أَعْرِفُهُ ( صَارَ يَقُولُ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ عَنِّي ) كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ وَفِي السُّنَنِ فَقُلْت إنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَنِي بِهِ عَنْك قَالَ فَإِنْ كَانَ رَبِيعَةُ أَخْبَرَك عَنِّي فَحَدِّثْ بِهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنِّي وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ أَنِّي حَدَّثْته إيَّاهُ وَلَا أَحْفَظُهُ ( دُفِعَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ لِلْمَطْلُوبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ ) بِهِ فَإِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ إسْنَادِ الْحَدِيثِ وَتَصْحِيحِ رِوَايَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ عَلَى طَرِيقِ حِكَايَةِ الْوَاقِعَةِ بِزَعْمِهِ وَلَا دَلَالَةَ لِهَذَا عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) اسْتِلْزَامُهُ لَهُ ( فَرَأْيُ سُهَيْلٍ كَرَأْيِ غَيْرِهِ ) فَلَا يَكُونُ رَأْيُهُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) كَوْنُ رَأْيِهِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ ( فَعَلَى الْجَازِمِ فَقَطْ ) لَا عُمُومِ النَّاسِ ( قَالُوا ) أَيْ النَّافُونَ لِلْعَمَلِ بِهِ (

{ قَالَ عَمَّارٌ لِعُمَرَ أَتَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إذْ أَنَا وَأَنْتَ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبنَا فَلَمْ نَجِدْ الْمَاءَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْت وَصَلَّيْت فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ } فَلَمْ يَقْبَلْهُ عُمَرُ ) كَمَا مَعْنَى هَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَأَمَّا لَفْظُهُ بِتَمَامِهِ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهُ ( إذْ كَانَ نَاسِيًا لَهُ ) إذْ لَا يُظَنُّ بِعَمَّارٍ الْكَذِبُ وَلَا بِعُمَرَ عَدَمُ الْقَبُولُ مَعَ الذِّكْرِ لَهُ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ فِي السُّنَنِ فَقَالَ يَا عَمَّارُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ شِئْت وَاَللَّهِ لَمْ أَذْكُرْهُ أَبَدًا فَقَالَ كَلًّا وَاَللَّهِ لَنُوَلِّيَنَّكَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَوَلَّيْت ( وَرُدَّ بِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْمَأْثُورَ عَنْ عَمَّارٍ وَعُمَرَ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ عَمَّارًا لَمْ يَرْوِ عَنْ عُمَرَ ) ذَلِكَ بَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَرُدَّ ) هَذَا الرَّدُّ ( بِأَنَّ عَدَمَ تَذَكُّرِ غَيْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ الْحَادِثَةُ الْمُشْتَرَكَةُ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّاوِي لَهَا ( إذَا مُنِعَ قَبُولُ ) حُكْمِ ( الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا ) لِلشَّكِّ فِيهِ حِينَئِذٍ ( فَنِسْيَانُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ أَصْلَ رِوَايَتِهِ لَهُ أَوْلَى ) أَنْ يَمْنَعَ قَبُولَ حُكْمِهِ مِنْ ذَلِكَ ( فَالْوَجْهُ رَدُّهُ ) أَيْ عُمَرَ ( لَكِنْ لَا يَلْزَمُ الرَّاوِي ) وَهُوَ عَمَّارٌ مَا يَلْزَمُ النَّاسَ مِنْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِحَدِيثِهِ ( لِدَلِيلِ الْقَبُولِ ) أَيْ لِقِيَامِ دَلِيلِ قَبُولِهِ فِي حَقِّهِ حَيْثُ جَزَمَ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَيَلْزَمُ أَنْ يُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَهُوَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِمَنْ هُوَ بِمِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ وَقَدْ يُقَالُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إذَا قُبِلَ أَنْ يَجِبَ الْعَمَلُ بِهِ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ السُّنَنِ ( وَأَمَّا ) قَوْلُ النَّافِينَ لِلْعَمَلِ بِهِ ( لَمْ يُصَدِّقْهُ ) أَيْ الْأَصْلُ الْفَرْعَ ( فَلَا

يُعْمَلُ بِهِ كَشَاهِدِ الْفَرْعِ عِنْدَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ ) بِجَامِعِ الْفَرْعِيَّةِ وَالنِّسْيَانِ ( فَيُدْفَعُ بِأَنَّهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( أَضْيَقُ ) مِنْ الرِّوَايَةِ لِاخْتِصَاصِ الشَّهَادَةِ بِشَرَائِطَ لَا تُشْتَرَطُ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَالذُّكُورَةِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا لِتَعَلُّقِهَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ الْمَجْبُولِينَ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّنَةِ وَتَوَفَّرَ الْكَذِبُ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ ، وَأَوْرَدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالرِّوَايَةِ حُكْمٌ كُلِّيٌّ يَعُمُّ الْمُكَلَّفِينَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالشَّهَادَةُ قَضِيَّةٌ جُزْئِيَّةٌ وَأُجِيبَ بِالتَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ أَبْعَدُ عَنْ التُّهْمَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ أَجْدَرَ بِالِاحْتِيَاطِ ( وَمُتَوَقِّفَةً عَلَى تَحْمِيلِ الْأَصْلِ ) الْفَرْعَ لَهَا فَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ ( بِإِنْكَارِهِ ) أَيْ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ ( بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ ) فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّمَاعِ دُونَ التَّحْمِيلِ فَلَا يَكُونُ إنْكَارُ الْأَصْلِ مُسْتَلْزِمًا لِفَوَاتِ الرِّوَايَةِ لِجَوَازِ السَّمَاعِ مَعَ نِسْيَانِهِ لَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عِنْدَ مَنْ شَرَطَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَرْعِ تَحْمِيلَ الْأَصْلِ لَهَا كَالْحَنَفِيَّةِ أَمَّا مَنْ لَمْ يَشْرِطْهُ كَالشَّافِعِيَّةِ فَلَا وَفِي الْأَوَّلِ كِفَايَةٌ وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ عَدَمُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِالرِّوَايَةِ مَعَ نِسْيَانِ الْأَصْلِ لِلْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا انْفَرَدَ الثِّقَةُ ) مِنْ بَيْنِ ثِقَاتٍ رَوَوْا حَدِيثًا ( بِزِيَادَةٍ ) عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثِ ( وَعَلِمَ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ ) لِسَمَاعِهِ وَسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ ( وَمَنْ مَعَهُ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا ) أَيْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ ( عَادَةً لَمْ تُقْبَلْ ) تِلْكَ الزِّيَادَةُ ( لِأَنَّ غَلَطَهُ ) أَيْ الْمُنْفَرِدِ بِهَا ( وَهْمٌ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَنْ مَعَهُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً ( أَظْهَرَ الظَّاهِرِينَ ) مِنْ غَلَطِهِ وَغَلَطِهِمْ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَطَرُّقِ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ احْتِمَالِ تَطَرُّقِهِ إلَيْهِمْ وَهُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ غَيْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْهُ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُمْ يَغْفُلُ عَنْ مِثْلِهَا ( فَالْجُمْهُورُ ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ( وَهُوَ الْمُخْتَارُ تُقْبَلُ ) وَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَبَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لَا تُقْبَلُ ( لَنَا ) أَنَّ رَاوِيَهَا ( ثِقَةٌ جَازِمٌ ) بِرِوَايَتِهَا ( فَوَجَبَ قَبُولُهُ ) كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ ( قَالُوا ) أَيْ نَافُو قَبُولِهَا رَاوِيهَا ( ظَاهِرُ الْوَهْمِ لِنَفْيِ الْمُشَارِكِينَ ) لَهُ فِي السَّمَاعِ وَالْمَجْلِسِ ( الْمُتَوَجِّهِينَ لِمَا تَوَجَّهَ لَهُ ) إيَّاهَا ( قُلْنَا إنْ كَانُوا ) أَيْ نَافُوهَا ( مَنْ تَقَدَّمَ ) أَيْ مَنْ لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ عَنْ مِثْلِهَا عَادَةً ( فَمُسَلَّمٌ ) كَوْنُهُ ظَاهِرَ الْوَهْمِ فَلَا يُقْبَلُ وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ النِّزَاعِ ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانُوا لَيْسُوا مِمَّنْ تَقَدَّمَ ( فَأَظْهَرُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ ظَاهِرَ الْوَهْمِ ( عَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمِ ظُهُورِهِ ( لِأَنَّ سَهْوَ الْإِنْسَانِ فِي أَنَّهُ سَمِعَ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعِيدٌ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ) فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُمْ ( إذَا كَانُوا مِمَّنْ تُبْعِدُ الْعَادَةُ غَفْلَتَهُمْ عَنْهُ ) فَإِنَّ سَهْوَهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ ( فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَجْهَيْنِ ) فِي

الشِّقَّيْنِ ( ظَاهِرَانِ تَعَارَضَا فَرُجِّحَ ) فِي الْأَوَّلِ أَحَدُهُمَا وَفِي الثَّانِي الْآخَرُ لِمُوجِبٍ لَهُ ( فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ أَوْ جُهِلَ ) تَعَدُّدُهُ ( قُبِلَ ) الْمَزِيدُ ( اتِّفَاقًا ) أَمَّا إذَا تَعَدَّدَ فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ فِي مَجْلِسٍ انْفَرَدَ بِهِ وَأَمَّا إذَا جُهِلَ فَلِاحْتِمَالِ التَّعَدُّدِ كَذَلِكَ هَذَا ( وَالْإِسْنَادُ مَعَ الْإِرْسَالِ زِيَادَةٌ وَكَذَا الرَّفْعُ ) لِلْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِقَةٍ ( مَعَ الْوَقْفِ ) لَهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ ثِقَةٍ زِيَادَةٌ ( وَالْوَصْلُ ) لَهُ بِذِكْرِ الْوَسَائِطِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثِقَةٍ ( مَعَ الْقَطْعِ ) لَهُ بِتَرْكِ بَعْضِهَا مِنْ ثِقَةٍ زِيَادَةٌ فَيَأْتِي فِي كُلٍّ مِنْهَا مَا يَأْتِي فِي الزِّيَادَةِ مِنْ الْحُكْمِ ( خِلَافًا لِمُقَدَّمِ الْأَحْفَظِ ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْمُرْسِلَ أَوْ الْمُسْنِدَ أَوْ الرَّافِعَ أَوْ الْوَاقِفَ أَوْ الْوَاصِلَ أَوْ الْقَاطِعَ كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ ( أَوْ الْأَكْثَرِ ) كَذَلِكَ أَيْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ آخَرِينَ ( فَإِنْ قِيلَ الْإِرْسَالُ وَالْقَطْعُ كَالْجَرْحِ فِي الْحَدِيثِ ) فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَا عَلَى الْإِسْنَادِ وَالْوَصْلِ كَمَا يُقَدَّمُ الْجَرْحُ عَلَى التَّعْدِيلِ ( أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ ) أَيْ الْجَرْحِ ( لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ ) فِيهِ ( لَا لِذَاتِهِ ) أَيْ الْجَرْحِ ( وَذَلِكَ ) أَيْ مَزِيدُ الْعِلْمِ ( فِي الْإِسْنَادِ فَيُقَدَّمُ ) عَلَى غَيْرِهِ ( وَهَذَا الْإِطْلَاقُ ) لِقَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ يُقْبَلُ ( يُوجِبُ قَبُولَهَا ) أَيْ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ ( مِنْ رَاوٍ ) وَاحِدٍ رَوَى نَاقِصًا ثُمَّ رَوَاهُ بِالزِّيَادَةِ ( أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ نَاقِصًا وَبَعْضُهُمْ بِزِيَادَةٍ ( وَإِنْ عَارَضَتْ ) الزِّيَادَةُ ( الْأَصْلَ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ ) بَيْنَهُمَا أَوْ لَا ( وَهَذَا ) مَعْنَى ( مَا قِيلَ ) أَيْ مَا نَقَلَهُ الْخَطِيبُ مِنْ ذَهَابِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ إلَى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23