كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

عَنْهُ قَوَاعِدُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ } وَفُسِّرَ بِأَمْرَيْنِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ مَعَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلسَّبَبِ عَالِمٌ بِحُكْمِهِ فَأَلْغَاهُ لِغَلَطِهِ فِي ظَنِّ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ بِلَا قَصْدٍ إلَى الْيَمِينِ كَلَا وَاَللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ ، فَرُفِعَ حُكْمُهُ الدُّنْيَوِيُّ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَهَذَا تَشْرِيعٌ لِعِبَادِهِ أَنْ لَا يُرَتِّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَمْ تُقْصَدْ وَكَيْفَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّائِمِ عِنْدَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ مِنْ حَيْثُ لَا قَصْدَ لَهُ إلَى اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ وَإِنَّمَا لَا يُصَدِّقُهُ غَيْرُ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ وَهُوَ الْقَاضِي وَفِي الْحَاوِي مَعْزُوًّا لِلْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنْ أَسَدًا سُئِلَ عَمَّنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَمْرَةُ عَلَى أَيِّهِمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ .
فَقَالَ فِي الْقَضَاءِ تَطْلُقُ الَّتِي سَمَّى وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا أَمَّا الَّتِي سَمَّى فَلِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ طَلُقَتْ بِالنِّيَّةِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعَلَمُ .
( وَكَذَا قَالُوا يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ ) أَيْ الْمُخْطِئِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِعْت هَذَا مِنْك بِأَلْفٍ وَقِبَلَ الْآخَرُ وَصَدَّقَهُ فِي أَنَّ الْبَيْعَ خَطَأٌ مِنْهُ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ بَيْعًا ( فَاسِدًا وَلَا رِوَايَةَ فِيهِ ) عَنْ أَصْحَابِنَا وَلَكِنْ يَجِبُ هَذَا ( لِلِاخْتِيَارِ فِي أَصْلِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ صَدَرَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ لِإِقَامَةِ الْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ مَقَامَ الْقَصْدِ ( وَعَدَمِ الرِّضَا ) فَيَنْعَقِدُ لِلِاخْتِيَارِ فِي أَصْلِهِ فَيَفْسُدُ لِعَدَمِ الرِّضَا حَقِيقَةً كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ فَيَمْلِكُ الْبَدَلَ بِالْقَبْضِ وَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كَالْمُكْرَهِ بَلْ

كَالْهَازِلِ بَلْ فَوْقَهُ فَقَالَ ( وَالْوَجْهُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمُخْطِئَ ( فَوْقَ الْهَازِلِ إذْ لَا قَصْدَ ) لِلْمُخْطِئِ ( فِي خُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا حُكْمِهِ ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخْتَارٍ وَلَا رَاضٍ بِالتَّكَلُّمِ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ وَلَا بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْهَازِلِ فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ رَاضٍ بِخُصُوصِ اللَّفْظِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَأَقَلُّ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ كَالْهَازِلِ فَلَا يَمْلِكُ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ كَالْهَازِلِ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( وَأَمَّا مَا ) هُوَ مُكْتَسَبٌ ( مِنْ غَيْرِهِ فَالْإِكْرَاهُ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَلَا يَخْتَارُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْ تُرِكَ وَنَفْسُهُ ( وَهُوَ مُلْجِئٌ ) بِأَنْ يُضْطَرَّ الْفَاعِلُ إلَى مُبَاشَرَةِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ( بِمَا يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ الْعُضْوَ ) وَلَوْ أُنْمُلَةً ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ ( بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَفْوِيتُ أَحَدِهِمَا بَلْ إنَّ ذَلِكَ تَهْدِيدٌ وَتَخْوِيفٌ لَا تَحْقِيقٌ ( لَا ) يَكُونُ إكْرَاهًا أَصْلًا ( فَيُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَنِدًا إلَى اخْتِيَارٍ آخَرَ لَا أَنَّهُ يَعْدَمُهُ أَصْلًا إذْ حَقِيقَتُهُ الْقَصْدُ إلَى مَقْدُورٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِتَرْجِيحِ أَحَدِ جَانِبَيْهِ عَلَى الْآخَرِ ، فَإِنْ اسْتَقَلَّ الْفَاعِلُ فِي قَصْدِهِ فَصَحِيحُ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ ( وَيَعْدَمُ الرِّضَا وَغَيْرَهُ ) أَيْ وَغَيْرَ مُلْجِئٍ لِكَوْنِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ( بِضَرْبٍ لَا يُفْضِي إلَى تَلَفِ عُضْوٍ وَحَبْسٍ فَإِنَّمَا يَعْدَمُ الرِّضَا ) خَاصَّةً ( لِتَمَكُّنِهِ ) أَيْ الْمُكْرَهِ ( مِنْ الصَّبْرِ ) عَلَى الْمُكْرَهِ بِهِ ( فَلَا يُفْسِدُهُ ) أَيْ هَذَا الِاخْتِيَارَ الْإِكْرَاهُ

( وَأَمَّا ) تَهْدِيدُهُ ( بِحَبْسِ نَحْوَ ابْنِهِ ) وَأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَزَوْجَتِهِ وَكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَأُخْتِهِ وَأَخِيهِ ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُتَأَيِّدَةَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْوِلَادِ ( فَقِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ فِي أَنَّهُ إكْرَاهٌ ) الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ وَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّهُ إكْرَاهٌ ؛ لِأَنَّ بِحَبْسِهِمْ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْحُزْنِ وَالْهَمِّ مَا يَلْحَقُ بِحَبْسِ نَفْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ فَكَمَا أَنَّ التَّهْدِيدَ فِي حَقِّهِ بِذَلِكَ يُعْدِمُ تَمَامَ الرِّضَا فَكَذَا التَّهْدِيدُ بِحَبْسِ أَحَدِهِمْ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ فِي قَطْعِ يَدِ نَحْوِ ابْنِهِ أَوْ قَتْلِهِ فِي كَوْنِهِ إكْرَاهًا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِكْرَاهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مُلْجِئًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُلْجِئٍ ( لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ ) عَلَى الْمُكْرَهِ ( لِلذِّمَّةِ ) أَيْ لِقِيَامِ الذِّمَّةِ ( وَالْعَقْلِ ) وَالْبُلُوغِ ( وَلِأَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ قَدْ يُفْتَرَضُ ) فِعْلُهُ ( كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى الشُّرْبِ ) لِلْمُسْكِرِ وَلَوْ خَمْرًا ( فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ) أَيْ تَرْكِ شُرْبِهِ عَالِمًا بِسُقُوطِ حُرْمَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي لِإِبَاحَتِهِ فِي حَقِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُبَاحِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ فَرْضٌ ( وَيَحْرُمُ كَعَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ ظُلْمًا فَيُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ كَعَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ ) عَلَى لِسَانِهِ لِمَا سَتَعْلَمُ ( بِخِلَافِ الْمُبَاحِ كَالْإِفْطَارِ لِلْمُسَافِرِ ) فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ يَأْثَمُ لِصَيْرُورَتِهِ فَرْضًا بِالْإِكْرَاهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ قَالَ سَالِفًا كَالْإِكْرَاهِ بِالْقَتْلِ عَلَى الشُّرْبِ وَالْإِفْطَارِ لَكَانَ أَوْلَى وَاسْتَغْنَى عَنْ هَذَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ فَرْضٌ وَمُبَاحٌ وَرُخْصَةٌ وَحَرَامٌ وَيُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْحَرَامِ وَالرُّخْصَةِ وَيَأْثَمُ فِي الْفَرْضِ وَالْمُبَاحِ وَكُلُّ مِنْ الْأَجْرِ وَالْإِثْمِ إنَّمَا

يَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَأْثَمْ ، وَلَمْ يُؤْجَرْ وَبِالرُّخْصَةِ جَوَازُ الْفِعْلِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يُؤْجَرُ عَمَلًا بِالْعَزِيمَةِ وَبِهَذَا سَقَطَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِعْلُ وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ فَهِيَ مَعْنَى الرُّخْصَةِ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ يَأْثَمُ فَهُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ .
( وَلَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ ) ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلْفَاعِلِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مَا لَا يَرْضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ ( بَلْ الْفِعْلُ عَنْهُ ) أَيْ الْإِكْرَاهِ ( اخْتِيَارُ أَخَفِّ الْمَكْرُوهَيْنِ ) عِنْدَ الْفَاعِلِ مِنْ الْمُكْرَهِ بِهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ( ثُمَّ أَصْلُ الشَّافِعِيِّ ) أَيْ الْأَمْرُ الْكُلِّيِّ الَّذِي بَنَى الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْإِكْرَاهَ مَا كَانَ مِنْهُ ( بِغَيْرِ حَقٍّ إنْ كَانَ عُذْرًا شَرْعًا بِأَنْ يَجْعَلَ الشَّارِعُ ) وَالْأَحْسَنُ بِأَنْ يُحِلَّ ( لِلْفَاعِلِ الْإِقْدَامَ ) عَلَى الْفِعْلِ كَمَا قَالَ فِي قَسِيمِهِ الْآتِي بِأَنْ لَا يُحِلَّ ( قَطْعَ ) الْإِكْرَاهِ ( الْحُكْمَ ) أَيْ حُكْمَ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ( عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ ) سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى ( قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَوْلِ ) يَكُونُ ( بِقَصْدِ الْمَعْنَى وَ ) صِحَّةُ ( الْعَمَلِ بِاخْتِيَارِهِ ) لِيَكُونَ تَرْجَمَةً عَمَّا فِي الضَّمِيرِ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْإِكْرَاهُ ( يُفْسِدُهُمَا ) أَيْ الْقَصْدَ وَالِاخْتِيَارَ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ إنَّمَا تَكَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِنَيْلِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فِي قَلْبِهِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا ( وَأَيْضًا نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَيْهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( بِلَا رِضَاهُ إلْحَاقَ الضَّرَرِ بِهِ ) وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمُ الْحُقُوقِ ( وَعِصْمَتُهُ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( تَدْفَعُهُ ) أَيْ الضَّرَرَ عَنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ بِلَا

اخْتِيَارِهِ ثُمَّ إذَا قَطَعَ الْحُكْمَ عَنْ الْفَاعِلِ بِقَوْلٍ ( إنْ أَمْكَنَ نِسْبَتُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( إلَى الْحَامِلِ ) وَهُوَ الْمُكْرَهُ بِإِمْكَانِ أَنْ يُبَاشِرَهُ الْحَامِلُ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ .
( كَعَلَى إتْلَافِ الْمَالِ نُسِبَ ) الْفِعْلُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْحَامِلِ وَيَكُونُ هُوَ الْمُؤَاخَذُ بِهِ وَيُجْعَلُ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُمْكِنْ نِسْبَتُهُ إلَى الْحَامِلِ ( بَطَلَ ) بِالْكُلِّيَّةِ ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ أَحَدٌ ( كَعَلَى الْأَقْوَالِ إقْرَارٌ وَبَيْعٌ وَغَيْرُهُمَا ) كَمَا سَيَتَّضِحُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) الْإِكْرَاهُ ( عُذْرًا بِأَنْ لَا يُحِلُّ ) لِلْفَاعِلِ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ ( كَعَلَى الْقَتْلِ وَالزِّنَا لَا يَقْطَعُهُ ) أَيْ الْحُكْمُ ( عَنْهُ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( فَيَقْتَصُّ مِنْهُ الْمُكْرَهُ ) الَّذِي هُوَ الْقَاتِلُ بِالْقَتْلِ ( وَيُحَدُّ ) الْمُكْرَهُ الَّذِي هُوَ الزَّانِي بِالزِّنَا ، فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا بِالِاقْتِصَاصِ مِنْ الْحَامِلِ أَيْضًا أُجِيبَ لَا ( وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْحَامِلِ أَيْضًا عِنْدَهُ بِالتَّسْبِيبِ ) فِي قَتْلِهِ بِإِكْرَاهِهِ أَوْ هُوَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إيجَابِ الْقِصَاصِ إذَا تَعَيَّنَ لِلْقَتْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِهِ الْإِحْيَاءُ بِسَدِّ بَابِ الْقَتْلِ عَدُوَّانَا وَالْقَتْلُ بِالْإِكْرَاهِ شَائِعٌ مِنْ أَهْلِ الْجَوْرِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُلْجِئِ لَانْفَتَحَ بَابُ الْقَتْلِ ( وَمَا ) كَانَ مِنْ الْإِكْرَاهِ ( بِحَقٍّ لَا يَقْطَعُ ) نَفْسَ الْفِعْلِ عَنْ الْفَاعِلِ ( فَصَحَّ إسْلَامُ الْحَرْبِيِّ وَبَيْعُ الْمَدْيُونِ الْقَادِرِ ) عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ ( مَالَهُ لِلْإِيفَاءِ وَطَلَاقُ الْمُولِي ) عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ زَوْجَتِهِ مِنْ الْإِيلَاءِ ( بَعْدَ الْمُدَّةِ مُكْرَهِينَ ) أَيْ حَالَ كَوْنِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْحَرْبِيُّ وَالْمَدْيُونُ وَالْمُولِي مُكْرَهِينَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ وَبَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ جَائِزٌ فَعُدَّ اخْتِيَارُهُ قَائِمًا

فِي حَقِّهِ إعْلَاءً لِلْإِسْلَامِ كَمَا عُدَّ قَائِمًا فِي حَقِّ السَّكْرَانِ زَجْرًا لَهُ .
( بِخِلَافِ إسْلَامِ الذِّمِّيِّ ) بِالْإِكْرَاهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ جَائِزٍ ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ اخْتِيَارِهِ قَائِمًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلِصِحَّةِ إكْرَاهِ كُلٍّ مِنْ الْمَدْيُونِ وَالْمَوْلَى عَلَى الْإِيفَاءِ وَالطَّلَاقُ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِكَوْنِهِ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا هُوَ حَقٌّ عَلَيْهِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ عَلَى الطَّلَاقِ قَبْلَ مُضِيِّهَا بَاطِلٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ ( وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ مُخَلَّدٍ وَضَرْبٍ مُبَرِّحٍ ) أَيْ شَدِيدٍ ( وَقَتْلٍ سَوَاءٌ عِنْدَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ فِي الْحَبْسِ ضَرَرًا كَالْقَتْلِ وَالْعِصْمَةُ تَقْتَضِي دَفْعَ الضَّرَرِ ( بِخِلَافِ نَحْوِ إتْلَافِ الْمَالِ وَإِذْهَابِ الْجَاهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا ( وَأَصْلُ الْحَنَفِيَّةِ ) أَيْ الْأَمْرُ الْكُلِّيُّ الَّذِي يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ ( أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ إمَّا قَوْلٌ لَا يَنْفَسِخُ ) كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ( فَيَنْفُذُ كَمَا ) يَنْفُذُ ( فِي الْهَزْلِ ) بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلِاخْتِيَارِ وَالْإِكْرَاهُ مُفْسِدٌ لَهُ لَا مُنَافٍ ( مَعَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُكْرَهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ ( إلَّا مَا أَتْلَفَ ) مِنْ الْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ بِإِكْرَاهِهِ ( كَالْعِتْقِ فَيُجْعَلُ ) الْفَاعِلُ ( آلَةً ) لِلْحَامِلِ فِي إتْلَافِ مَالِيَّةِ الْعَتِيقِ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ ( فَيَضْمَنُ ) الْحَامِلُ لِلْفَاعِلِ قِيمَةَ الْعَبْدِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ إتْلَافٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِعْتَاقِ وَهُوَ مُقْتَصَرٌ عَلَى الْفَاعِلِ .
وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ كَمَا فِي

الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ وَالْوَلَاءُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْعَبْدِ لِأَحَدٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ نَفَذَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِهِ وَلَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ ( بِخِلَافِ مَا لَمْ يَتْلَفْ كَعَلَى قَبُولِهَا الْمَالَ فِي الْخُلْعِ ) أَيْ كَإِكْرَاهِ الزَّوْجَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا عَلَى أَنْ تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ ( إذْ يَقَعُ ) الطَّلَاقُ إذَا قَبِلَتْ ( وَلَا يَلْزَمُهَا ) الْمَالُ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ قَاصِرًا كَانَ أَوْ كَامِلًا يُعْدِمُ الرِّضَا بِالسَّبَبِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا وَالطَّلَاقُ غَيْرُ مُفْتَقِرٍ إلَى الرِّضَا وَالْتِزَامُ الْمَالِ مُفْتَقِرٌ إلَيْهِ وَقَدْ انْعَدَمَ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ الْإِكْرَاهِ ( فِي الزَّوْجِ ) عَلَى أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ غَيْرَ مُكْرَهَةٍ فَإِنَّهُ ( يَقَعُ الْخُلْعُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جَانِبِهِ طَلَاقٌ وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ ( وَيَلْزَمُهَا ) الْمَالُ ؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْهُ طَائِعَةً بِإِزَاءِ مَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلًا لَا يَنْفَسِخُ بَلْ كَانَ قَوْلًا يَنْفَسِخُ ( فَسَدَ كَالْبَيْعِ ) وَالْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ وَيَمْنَعُ نَفَاذَهُ ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ النَّفَاذِ وَقَدْ فَاتَ بِهِ فَانْعَقَدَ فَاسِدًا حَتَّى لَوْ أَجَازَهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً صَحَّ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ عَدَمُ الرِّضَا كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَجَلٍ فَاسِدٍ أَوْ خِيَارٍ فَاسِدٍ فَإِنَّهُ إذَا أَسْقُط مَنْ لَهُ الْخِيَارُ أَوْ الْأَجَلُ مَا شُرِطَ لَهُ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ جَازَ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ فَكَذَا هَذَا .
( وَالْأَقَارِيرُ ) بِمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ مِنْ الْمَالِيَّاتِ وَغَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهَا تَعْتَمِدُ عَلَى قِيَامِ الْمُخْبَرِ بِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِهِ سَابِقًا عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَارُ فِي ذَاتِهِ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ

فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تُهْمَةٌ وَلَا دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ تَرَجَّحَ صِدْقُهُ بِوُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ وَإِذَا كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَتَرَجَّحْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَفِي الْإِقْرَارِ مُكْرَهًا قَامَتْ قَرِينَةُ عَدَمِ صِدْقِهِ وَعَدَمِ وُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ السَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ وَخَوْفَهُ عَلَى تَلَفِ نَفْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لَا لِوُجُودِ الْمُخْبَرِ بِهِ ، فَإِنْ قِيلَ الْإِكْرَاهُ يُعَارِضُهُ أَنَّ الصِّدْقَ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُؤْمِنِ وَوُجُودُ الْمُخْبَرِ بِهِ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكَلَامِ فَلَا يَقُومُ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْمُخْبَرِ بِهِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعَارِضَةَ إنَّمَا تَنْفِي الْمَدْلُولَ لَا الدَّلِيلَ وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى رُجْحَانٌ لِجَانِبِ الصِّدْقِ أَوْ الْكَذِبِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّكِّ ( مَعَ اقْتِصَارِهَا ) أَيْ الْأَقَارِيرِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقِرِّ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ آلَةً لِلْمُكْرَهِ ( أَوْ فِعْلٍ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً ) لِلْحَامِلِ عَلَيْهِ ( كَالزِّنَا وَأَكْلِ رَمَضَانَ وَشُرْبِ الْخَمْرِ ) إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الشَّخْصِ وَاطِئًا بِآلَةِ غَيْرِهِ أَوْ آكِلًا أَوْ شَارِبًا بِفَمِ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ ( اقْتَصَرَ ) حُكْمُهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( وَلَزِمَهُ حُكْمُهُ ) حَتَّى لَوْ أَكْرَهَ صَائِمٌ صَائِمًا عَلَى الْأَكْلِ فَسَدَ صَوْمُ الْآكِلِ لَا غَيْرُ ( إلَّا الْحَدَّ ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْفَاعِلِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الزِّنَا لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ هَذَا مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُ نِسْبَةِ نَفْسِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إلَى الْحَامِلِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَاتِ عَنْ أَصْحَابِنَا ( وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ هُمَا ) أَيْ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ ( إتْلَافٌ فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي لُزُومِهِ الْفَاعِلَ أَوْ الْحَامِلَ ) فَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا أَكْرَهَ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمَحْمُولِ لَا الْحَامِلِ وَإِنْ صَلَحَ

آلَةً لَهُ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ كَمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَكْلِ حَصَلَتْ لِلْمَحْمُولِ فَكَانَ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الزِّنَا يَجِبُ الْعُقْرُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْوَطْءِ حَصَلَتْ لَهُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ حَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ تَلِفَتْ بِلَا مَنْفَعَةٍ لِلْمَحْمُولِ .

وَفِي الْمُحِيطِ أَكْرَهَ عَلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ وَإِنْ كَانَ الْمَحْمُولُ جَائِعًا وَحَصَلَتْ لَهُ مَنْفَعَتُهُ لِأَنَّ الْمَحْمُولَ أَكَلَ طَعَامَ الْحَامِلِ بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْأَكْلِ إكْرَاهٌ عَلَى الْقَبْضِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْأَكْلُ بِدُونِهِ غَالِبًا فَصَارَ قَبْضُهُ مَنْقُولًا إلَى الْحَامِلِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ فَصَارَ غَاصِبًا ثُمَّ مَالِكًا لِلطَّعَامِ بِالضَّمَانِ ثُمَّ آذِنًا لَهُ بِالْأَكْلِ ( إلَّا مَالَ الْفَاعِلِ ) أَيْ إلَّا إذَا أَكْرَهَ الْفَاعِلُ عَلَى أَكْلِ مَالِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ حَالَ كَوْنِهِ ( جَائِعًا فَلَا رُجُوعَ ) لَهُ عَلَى الْحَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُ ، وَلَمْ يَصِرْ آكِلًا طَعَامَ الْحَامِلِ بِإِذْنِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ غَاصِبًا قَبْلَ الْأَكْلِ لِعَدَمِ إزَالَةِ يَدِ الْمَالِكِ مَا دَامَ الطَّعَامُ فِي يَدِهِ أَوْ فِي فِيهِ فَصَارَ آكِلًا طَعَامَ نَفْسِهِ ( أَوْ شَبْعَانَ فَعَلَى الْحَامِلِ قِيمَتُهُ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( بِهِ ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا ( وَالْعُقْرُ عَلَى الْفَاعِلِ بِلَا رُجُوعٍ ) عَلَى الْحَامِلِ كَمَا ذَكَرْنَا ( أَمَّا لَوْ أَتْلَفَهَا ) أَيْ الْمَوْطُوءَةَ بِالْوَطْءِ ( يَنْبَغِي الضَّمَانُ عَلَى الْحَامِلِ ، وَكَذَا ) اقْتَصَرَ حُكْمُ الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ عَلَى الْفَاعِلِ ( إنْ اُحْتُمِلَ ) كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِيهِ ( وَلَزِمَ آلِيَّتُهُ ) أَيْ الْفَاعِلِ لِلْحَامِلِ لَازِمٌ هُوَ ( تَبَدُّلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمُخَالَفَةِ الْمُكْرَهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ بُطْلَانَ الْإِكْرَاهِ ) ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حَمْلِ الْغَيْرِ عَلَى مَا يُرِيدُهُ الْحَامِلُ وَيَرْضَاهُ عَلَى خِلَافِ رِضَا الْفَاعِلِ وَهُوَ فِعْلٌ مُعَيَّنٌ فَإِذَا فَعَلَ غَيْرَهُ كَانَ طَائِعًا بِالضَّرُورَةِ لَا مُكْرَهًا ( كَإِكْرَاهِ الْمُحْرِمِ ) مُحْرِمًا آخَرَ ( عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَامِلَ إنَّمَا أَكْرَهَهُ ( عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ فَلَوْ جَعَلَ ) الْفَاعِلَ ( آلَةً ) لِلْحَامِلِ ( صَارَ ) قَتْلُ الصَّيْدِ جِنَايَةً

( عَلَى إحْرَامِ الْحَامِلِ ) فَلَمْ يَكُنْ آتِيًا بِمَا أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ ، فَإِنْ قِيلَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاعِلِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْإِثْمِ فَقَطْ إذْ الْجَزَاءُ يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْحَامِلِ أُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ هُنَا قَتْلُ الصَّيْدِ بِالْيَدِ وَالْجَزَاءُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ مُقْتَصَرٌ عَلَى الْفَاعِلِ ( وَلُزُومِ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْحَامِلِ ( مَعَهُ ) أَيْ الْفَاعِلِ .
( لِأَنَّهُ ) أَيْ إكْرَاهَ الْحَامِلِ لِلْفَاعِلِ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ ( يَفُوقُ الدَّلَالَةَ ) أَيْ دَلَالَتَهُ عَلَى مَنْ يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَفِيهَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فَفِيهِ أَوْلَى فَالْجَزَاءُ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّهُ جَانٍ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ وَالْقَتْلُ بِالْيَدِ لَمْ يَتَجَاوَزْ الْفَاعِلُ فِي حَقِّ مَا وَجَبَ بِهِ الْجَزَاءُ ( وَ ) كَالْإِكْرَاهِ لِلْغَيْرِ ( عَلَى الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ) لِمِلْكِهِ ( اقْتَصَرَ التَّسْلِيمُ عَلَى الْفَاعِلِ وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ وَنُسِبَ إلَى الْحَامِلِ وَجُعِلَ الْفَاعِلُ آلَةً ( تَبَدَّلَ مَحَلُّ التَّسْلِيمِ عَنْ الْبَيْعِيَّةِ إلَى الْمَغْصُوبِيَّةِ ) ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ مِنْ جِهَةِ الْحَامِلِ يَكُونُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِيلَاءِ فَيَصِيرُ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ غَصْبًا ( بِخِلَافِ نِسْبَتِهِ ) أَيْ التَّسْلِيمِ ( إلَى الْبَائِعِ فَإِنَّهُ مُتَمَّمٌ لِلْعَقْدِ فَيَمْلِكُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ ( مِلْكًا فَاسِدًا ) لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ نَفَاذِهِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَلَمْ يَسْتَلْزِمُ تَبْدِيلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ تَبْدِيلَ ذَاتِ الْفِعْلِ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتَلْزَمَ تَبْدِيلُهُ تَبْدِيلَ ذَاتِ الْفِعْلِ فِي الثَّانِي ( وَإِنْ ) احْتَمَلَ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي الْفِعْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ( لَمْ تَلْزَمْ ) آلِيَّتُهُ تَبَدَّلَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ ( كَعَلَى إتْلَافِ الْمَالِ وَالنَّفْسِ فَفِي الْمُلْجِئِ نَسَبً ) الْفِعْلِ ( إلَى الْحَامِلِ ابْتِدَاءً ) لَا نَقْلًا مِنْ الْفَاعِلِ إلَيْهِ كَمَا ذَهَبَ

إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ .
( فَلَزِمَهُ ) أَيْ الْحَامِلُ ( ضَمَانَ الْمَالِ ) فِي إكْرَاهِهِ الْغَيْرَ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ وَالْقِصَاصِ فِي إكْرَاهِهِ الْغَيْرَ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعَدُوَّانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ زُفَرُ الْقِصَاصَ عَلَى الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ قَتْلَهُ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ عَمْدًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ بَلْ الْوَاجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْحَامِلِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا هُوَ بِمُبَاشَرَةِ جِنَايَةٍ تَامَّةٍ وَعُدِمَتْ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الْفَاعِلِ وَالْحَامِلِ لِبَقَاءِ الْإِثْمِ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ الْحَيَاةِ فَيَقْدُمُ عَلَى مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى إبْقَاءِ الْحَيَاةِ بِقَضِيَّةِ الطَّبْعِ بِمَنْزِلَةِ آلَةٍ لَا اخْتِيَارَ لَهَا كَالسَّيْفِ فِي يَدِ الْقَاتِلِ فَيُضَافُ الْفِعْلُ إلَى الْحَامِلِ ( وَ ) يَلْزَمُهُ ( الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ فِي إكْرَاهِهِ ) غَيْرَهُ ( عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ إنْسَانًا عَلَى عَاقِلَةِ الْحَامِلِ ) وَإِنَّمَا كَانَ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ فِي هَذِهِ ( لِأَنَّهُ عَارَضَ اخْتِيَارَهُ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَامِلِ فَوَجَبَ تَرْجِيحُهُ بِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ فَصَارَ الْمَرْجُوحُ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْعَدَمِ وَالْتُحِقَ بِالْآلَةِ الَّتِي لَا اخْتِيَارَ لَهَا فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَلْزَمُ الْفَاعِلُ لَا الْآلَةَ ( وَكَذَا حِرْمَانُ الْإِرْثِ ) يُنْسَبُ إلَى الْحَامِلِ ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ مِمَّا يَصْلُحُ كَوْنُهُ آلَةً فِيهِ لِلْحَامِلِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْمَحَلِّ ( أَمَّا الْإِثْمُ ) فَالْفَاعِلُ لَا يَصْلُحُ آلَتَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى دَيْنِ غَيْرِهِ وَيَكْتَسِبَ الْإِثْمَ لِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَصْدُ الْقَلْبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَصْدُ بِقَلْبِ الْغَيْرِ كَمَا لَا يُتَصَوَّرُ التَّكَلُّمُ بِلِسَانِ الْغَيْرِ وَلَوْ فَرَضْنَاهُ آلَةً يَلْزَمُ تَبَدُّلُ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ إذْ الْجِنَايَةُ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَلَى دَيْنِ الْحَامِلِ

وَهُوَ لَمْ يَأْمُرْ الْفَاعِلَ بِذَلِكَ فَيَنْتَفِي الْإِكْرَاهُ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ آلَةً ( فَعَلَيْهَا ) أَيْ الْجَاعِلِ وَالْفَاعِلِ الْإِثْمُ الْحَامِلُ ( لِحَمْلِهِ ) الْفَاعِلِ عَلَى الْقَتْلِ فَقَدْ قَصَدَ بِهِ قَتْلَ نَفْسٍ مُحَرَّمَةٍ ( وَإِيثَارُ الْآخَرِ ) وَهُوَ الْفَاعِلِ ( حَيَاتَهُ ) عَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَتَحْقِيقُهُ مَوْتَهُ بِمَا فِي وُسْعِهِ مِنْ الْجُرْحِ الصَّالِحِ لِزَهُوقِ الرُّوحِ طَاعَةً لِلْمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَهَاهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ هَذَا ( فِي الْعَمْدِ وَفِي الْخَطَأِ لِعَدَمِ تَثَبُّتِهِمَا ) أَيْ الْحَامِلِ وَالْفَاعِلِ .
( وَفِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ ( اقْتَصَرَ ) حُكْمُ الْفِعْلِ ( عَلَى الْفَاعِلِ ) ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى الْحَامِلِ إنَّمَا كَانَ لِفَسَادِ اخْتِيَارِ الْفَاعِلِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمُلْجِئِ ( فَيَضْمَنُ ) مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ ( وَيُقْتَصُّ ) مِنْهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا ( وَكُلُّ الْأَقْوَالِ لَا تَحْتَمِلُ آلِيَّةَ قَائِلِهَا ) لِلْحَامِلِ عَلَيْهَا ( لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْحَامِلِ عَلَى تَطْلِيقِ زَوْجَةِ غَيْرِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ ) أَيْ غَيْرِهِ قَالُوا لِامْتِنَاعِ التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَا يُقَالُ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ كَلَامُ الْمُرْسَلِ فَمَجَازٌ إذْ الْعِبْرَةُ بِالتَّبْلِيغِ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ مُشَافَهَةً وَقَدْ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ وَفِي الطَّرِيقَةِ الْبَرْغَوِيَّةِ لَا نَظَرَ إلَى التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْكَلَامِ وَإِلَى الْحُكْمِ فَمَتَى كَانَ فِي وُسْعِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ يَجْعَلُ غَيْرَهُ آلَةً لَهُ وَمَتَى لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ غَيْرَهُ آلَتَهُ فَالرَّجُلُ قَادِرٌ عَلَى تَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ فَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ يُجْعَلُ فَاعِلًا تَقْدِيرًا وَاعْتِبَارًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ عَلَى تَطْلِيقِ امْرَأَةِ الْغَيْرِ

وَإِعْتَاقِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَجْعَلَ الْفَاعِلَ آلَتَهُ ( بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ ) فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ وَمِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ كَمَا سَلَفَ ( هَذَا تَقْسِيمُ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ نِسْبَتِهِ ) .
أَيْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ ( إلَى الْحَامِلِ وَالْمَحْمُولِ وَأَمَّا ) تَقْسِيمُهُ ( بِاعْتِبَارِ حِلِّ إقْدَامِ الْمُكْرَهِ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ حِلِّ إقْدَامِهِ ( فَالْحُرُمَاتُ إمَّا بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ وَلَا يُرَخَّصُ فِيهَا كَالْقَتْلِ وَجُرْحِ الْغَيْرِ ) ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ دَلِيلِ الرُّخْصَةِ خَوْفَ تَلَفِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ أَوْ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الصِّيَانَةِ عَنْهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يُتْلِفَ نَفْسَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَبْدُهُ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ فَصَارَ الْإِكْرَاهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فِي حَقِّ إبَاحَةِ قَتْلِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ لِتَعَارُضِ الْحُرْمَتَيْنِ إذْ التَّرَخُّصُ لَوْ ثَبَتَ بِالْإِكْرَاهِ لِصِيَانَةِ حُرْمَةِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ مَنَعَ ثُبُوتُهُ وُجُوبَ صِيَانَةِ حُرْمَةِ نَفْسِ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلتَّعَارُضِ وَحُرْمَةُ طَرَفِ غَيْرِهِ مِثْلُ حُرْمَةِ نَفْسِ ذَلِكَ الْغَيْرِ فَلَا يُرَخَّصُ بِالْجُرْحِ وَإِتْلَافِ طَرَفِ غَيْرِهِ لِحِمَايَةِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضْطَرَّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ طَرَفَ الْغَيْرِ لِيَأْكُلَهُ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ مَا إذَا أَكْرَهَ عَلَى قَطْعِ طَرَفِ نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ لَنَقْتُلَنَّكَ أَوْ تَقْطَعُ أَنْتَ يَدَك حُلَّ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَوْقَ حُرْمَةِ يَدِهِ عِنْدَ التَّعَارُضِ ؛ لِأَنَّ أَطْرَافَهُ وِقَايَةُ نَفْسِهِ كَأَمْوَالِهِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَارَ أَدْنَى الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ الْأَعْلَى كَمَا لَهُ أَنْ يَبْذُلَ مَالَهُ لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَلِأَنَّ فِي بَذْلِ طَرَفِهِ صِيَانَةَ نَفْسِهِ إذْ فِي فَوَاتِ النَّفْسِ فَوَاتُ الْيَدِ وَلَا عَكْسَ ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُ قَطْعُ طَرَفِ الْغَيْرِ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ صِيَانَةً

لِنَفْسِهِ لِإِلْحَاقِ الطَّرَفِ بِالْمَالِ أُجِيبَ بِأَنَّ إلْحَاقَهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِنَّ النَّاسَ يَبْذُلُونَ الْمَالَ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ لَا الطَّرَفِ وَيَبْذُلُ الْإِنْسَانُ كُلًّا مِنْهُمَا لِصِيَانَةِ نَفْسِهِ ( وَزِنَا الرَّجُلِ ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ زِنَاهُ ( قَتْلٌ مَعْنًى ) لِوَلَدِهِ إمَّا لِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ عَنْهُ إذْ مَنْ لَا نَسَبَ لَهُ كَالْمَيِّتِ وَإِمَّا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّسَبِ وَلَا عَلَى الْمَرْأَةِ لِعَجْزِهَا فَيَهْلِكَ فَإِنْ قِيلَ يَتِمُّ هَذَا فِي غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ أَمَّا فِيهَا فَلَا لِنِسْبَتِهِ إلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ وَوُجُوبُ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ أُجِيبَ بِأَنَّ حِكْمَةَ الْحُكْمِ تُرَاعَى فِي الْجِنْسِ لَا فِي كُلِّ فَرْدٍ عَلَى أَنْ صَاحِبَ الْفِرَاشِ قَدْ يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ لِتُهْمَةِ الزِّنَا وَيُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ وَيَنْقَطِعُ نَسَبُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ هَالِكًا وَعَلَى هَذَا فَيَتَلَخَّصُ أَنَّ الزِّنَا إهْلَاكٌ فِي صُورَةٍ مُطْلَقًا وَفِي أُخْرَى قَدْ وَقَدْ فَكَانَ مَعْنَى الْإِهْلَاكِ غَالِبًا فَاعْتُبِرَ إهْلَاكًا مُطْلَقًا اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ وَدَفْعًا لِلْمُفْسِدَةِ وَأَوْرَدَ حُصُولَ الْوَلَدِ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَالْهَلَاكُ مَوْهُومٌ لِقُدْرَةِ الْأُمِّ عَلَى كَسْبٍ يُنَاسِبُهَا وَهَلَاكُ الْمُكْرَهِ مُتَيَقَّنٌ فَلَا يُعَارِضُهُ .
وَدُفِعَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ لَا الْمُتَحَقِّقَةِ وَكَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْوَطْءِ سَبَبًا لِلْعُلُوقِ وَمِنْ كَوْنِهَا عَاجِزَةً عَنْ الْإِنْفَاقِ وَمِنْ كَوْنِهِ هَالِكًا عِنْدَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ ظَاهِرَةٌ وَبَعْضُهَا أَظْهَرُ مِنْ بَعْضٍ فَبُنِيَ الْحُكْمُ عَلَى هَذِهِ الظَّوَاهِرِ عَلَى أَنَّ هَلَاكَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ الْمُكْرَهُ إذْ لَيْسَ كُلُّ مَا يُخَوَّفُ بِهِ وَاقِعًا خُصُوصًا لِقَتْلِ الَّذِي يَنْفِرُ الطَّبْعُ مِنْهُ ( فَلَا يُحِلُّهَا ) أَيْ الْحُرُمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ كَقَتْلِ الْغَيْرِ وَجُرْحِهِ وَزِنَا الرَّجُلِ ( الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ أَوْ ) بِحَيْثُ ( تَسْقُطُ

كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَيُبِيحُهَا ) أَيْ الْإِكْرَاهُ الْمُلْجِئُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ( لِلِاسْتِثْنَاءِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى عَنْ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِهَا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ بِمَعْنَى أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا حَالَتَئِذٍ فَتَبْقَى الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ ضَرُورَةً ( وَالْمُلْجِئُ نَوْعٌ مِنْ الِاضْطِرَارِ أَوْ تَثْبُتُ ) الْإِبَاحَةُ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ ( بِدَلَالَتِهِ ) أَيْ الِاضْطِرَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ فَوَاتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ ( إنْ اخْتَصَّ ) الِاضْطِرَارُ ( بِالْمَخْمَصَةِ فَيَأْثَمُ ) الْمُكْرَهُ ( لَوْ أَوْقَعَ ) الْقَتْلَ أَوْ قَطْعَ الْعُضْوِ ( بِهِ لِامْتِنَاعِهِ ) مِنْ تَنَاوُلِ ذَلِكَ ( إنْ ) كَانَ ( عَالِمًا بِسُقُوطِهَا ) أَيْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الشَّاةِ وَشُرْبِ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَيُرْجَى أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ إقَامَةَ الشَّرْعِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فِي زَعْمِهِ ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ زَوَالِ الْحُرْمَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ خَفِيَ فَعُذِرَ بِالْجَهْلِ كَمَا فِي الْخِطَابِ قَبْلَ الشُّهْرَةِ كَالصَّلَاةِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ .
( وَلَا يُبِيحُهَا ) أَيْ الْحُرُمَاتِ الَّتِي بِحَيْثُ تَسْقُطُ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ الْإِكْرَاهُ ( غَيْرُ الْمُلْجِئِ بَلْ يُوَرِّثُ ) غَيْرُ الْمُلْجِئِ ( شُبْهَةً فَلَا حَدَّ بِالشُّرْبِ مَعَهُ ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ بِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ فِي الْأَفْعَالِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَوْ كَانَ مُلْجِئًا أَوْجَبَ الْحِلَّ فَإِذَا وُجِدَ جُزْءٌ مِنْهُ يَصِيرُ شُبْهَةً كَالْمِلْكِ فِي الْجُزْءِ مِنْ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْ الشَّرِيكِ بِوَطْئِهَا ( أَوْ ) بِحَيْثُ ( لَا تَسْقُطُ ) أَيْ لَا يَحِلُّ مُتَعَلِّقُهَا قَطُّ ( لَكِنْ رُخِّصَتْ ) مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ وَحِينَئِذٍ (

فَإِمَّا مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِّهِ تَعَالَى الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ ) بِحَالٍ ( كَحُرْمَةِ التَّكَلُّمِ بِكُفْرٍ ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ حَرَامٌ صُورَةً وَمَعْنًى حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَإِجْرَاءُ كَلِمَةِ الْكُفْرِ صُورَةً كُفْرٌ إذْ الْأَحْكَامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّاهِرِ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ رَخَّصَ فِيهِ بِشَرْطِ اطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } ( أَوْ الَّذِي يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ السُّقُوطَ ( كَتَرْكِ الصَّلَاةِ وَأَخَوَاتِهَا ) مِنْ الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ حُرْمَةَ تَرْكِهَا مِمَّنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ مُؤَبَّدَةٌ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُحْتَمِلٌ لِلسُّقُوطِ فِي الْجُمْلَةِ بِالْأَعْذَارِ ( فَيُرَخَّصُ ) تَرْكُهَا ( بِالْمُلْجِئِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي نَفْسِهِ يَفُوتُ أَصْلًا وَحَقُّ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَفُوتُ إلَى خَلَفٍ .
( فَلَوْ صَبَرَ ) ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ ( فَهُوَ شَهِيدٌ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِكْرَاهِ وَفِيمَا فَعَلَ إظْهَارُ الصَّلَابَةِ فِي الدِّينِ وَبَذْلُ نَفْسِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( وَمِنْهُ ) أَيْ هَذَا الْقَسَمِ ( زِنَاهَا ) أَيْ إذَا أُكْرِهَتْ عَلَى الزِّنَا فَتَمْكِينُهَا مِنْ الزِّنَا حَرَامٌ ( لَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ تَعَالَى الْمُحْتَمِلُ لِلرُّخْصَةِ ) لَهَا مَعَ بَقَاءِ الْحُرْمَةِ فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ .
( لِعَدَمِ الْقَطْعِ ) لِنَسَبِ وَلَدِهَا مِنْ الزِّنَا عَنْهَا بِحَالٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الْقَتْلِ الَّذِي هُوَ الْمَانِعُ مِنْ التَّرَخُّصِ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ وَأَوْرَدَ الْمَرْأَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ فَقَدْ يَنْفِيهِ فَيُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْهَلَاكَ يُضَافُ إلَى الرَّجُلِ بِإِلْقَاءِ بَذْرَةٍ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَا إلَى فِعْلِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ وَالْفِعْلُ يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ دُونَ الْمَحَلِّ ( بِخِلَافِ ) الْإِكْرَاهِ

( غَيْرِ الْمُلْجِئِ فِيهِ ) أَيْ فِي زِنَاهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُرَخَّصٍ لَهَا فِي ذَلِكَ ( لَكِنْ لَا تُحَدُّ الْمَرْأَةُ ) بِالتَّمْكِينِ فِيهِ ( وَيُحَدُّ هُوَ ) أَيْ الرَّجُلُ ( مَعَهُ ) أَيْ الْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ ؛ لِأَنَّ الْمُلْجِئَ لَيْسَ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ كَمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةَ رُخْصَةٍ ( لَا مَعَ الْمُلْجِئِ ) اسْتِحْسَانًا كَمَا رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَا بِهِ .
وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُحَدُّ مَعَ الْمُلْجِئِ أَيْضًا كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا وَزُفَرُ ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الرَّجُلِ إلَّا بِانْتِشَارِ آلَتِهِ وَهُوَ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَعَ الْخَوْفِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ تَمْكِينَهَا يَتَحَقَّقُ مَعَ خَوْفِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ زِنَاهُ مَعَ الْمُلْجِئِ ( مَعَ قَطْعِ الْعُضْوِ ) أَوْ تَلَفِ الْعُضْوِ ( لَا لِلشَّهْوَةِ ) لِيُزْجَرَ بِالْحَدِّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْزَجِرًا إلَى أَنْ تَحَقَّقَ الْإِكْرَاهُ فَكَانَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِهِ وَانْتِشَارُ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا بِالْفُحُولِيَّةِ الْمُرَكَّبَةِ فِي الرِّجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ قَدْ تَنْتَشِرُ آلَتُهُ طَبْعًا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لَهُ وَلَا قَصْدٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخَوْفِ ( وَإِمَّا ) مُتَعَلِّقَةٌ ( بِحُقُوقِ الْعِبَادِ كَحُرْمَةِ إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ ) فَإِتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ حُرْمَةً هِيَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ وَوُجُوبَ عَدَمِ إتْلَافِهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ وَالْحُرْمَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِتَرْكِ الْعِصْمَةِ ثُمَّ حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ ( لَا تَسْقُطُ ) بِحَالٍ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ حُرْمَةُ مَالِهِ ( حَقُّهُ ) أَيْ الْعَبْدِ وَإِتْلَافُ مَالِهِ ظُلْمٌ وَحُرْمَةُ الظُّلْمِ مُؤَبَّدَةٌ لَكِنَّهَا حَقُّهُ ( الْمُحْتَمِلُ لِلرُّخْصَةِ بِالْمُلْجِئِ ) حَتَّى لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِهِ إكْرَاهًا مُلْجِئًا رُخِّصَ لَهُ فِيهِ ( لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ فَوْقَ حُرْمَةِ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُهَانٌ

مُبْتَذَلٌ رُبَّمَا يَجْعَلُهُ صَاحِبُهُ صِيَانَةً لِنَفْسِ الْغَيْرِ أَوْ طَرَفِهِ ( وَلَا تَزُولُ الْعِصْمَةُ ) لِلْمَالِ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ بِالْإِكْرَاهِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ عِصْمَتَهُ ( لِحَاجَةِ مَالِكِهِ ) إلَيْهِ ( وَلَا تَزُولُ ) الْحَاجَةُ ( بِإِكْرَاهِ الْآخَرِ ) فَيَكُونُ إتْلَافُهُ وَإِنْ رُخِّصَ فِيهِ بَاقِيًا عَلَى الْحُرْمَةِ .
( وَلَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ كَانَ شَهِيدًا ) ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِدَفْعِ الظُّلْمِ كَمَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ تَرْكِ الْفَرَائِضِ حَتَّى قُتِلَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْعِبَادَاتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ التَّرْكِ فِيهَا مِنْ بَابِ إعْزَازِ الدِّينِ قَيَّدُوا الْحُكْمَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَقَالُوا كَانَ شَهِيدًا ( إنْ شَاءَ اللَّهُ وَبَقِيَ مِنْ الْمُكْتَسَبَةِ الْجَهْلُ نَذْكُرُهُ فِي الِاجْتِهَادِ إنْ شَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) .

( الْبَابُ الثَّانِي ) مِنْ الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ فِي أَحْوَالِ الْمَوْضُوعِ فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ( أَدِلَّةُ الْأَحْكَامِ ) الشَّرْعِيَّةِ ( الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ ) بِحُكْمِ الِاسْتِقْرَاءِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ إمَّا وَحْيٌ أَوْ غَيْرُهُ وَالْوَحْيُ إمَّا مَتْلُوٌّ فَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ غَيْرُ مَتْلُوٍّ فَهُوَ السُّنَّةُ ، وَغَيْرُ الْوَحْيِ إمَّا قَوْلُ كُلِّ الْأُمَّةِ مِنْ عَصْرٍ فَهُوَ الْإِجْمَاعُ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَوْ أَنَّ الدَّلِيلَ إمَّا وَاصِلٌ إلَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ إمَّا مَتْلُوٌّ وَهُوَ الْكِتَابُ أَوْ غَيْرُ مَتْلُوٍّ وَهُوَ السُّنَّةُ وَيَنْدَرِجُ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَالثَّانِي إمَّا وَاصِلٌ عَنْ مَعْصُومٍ عَنْ خَطَأٍ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ أَوْ عَنْ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ ( وَمَنْعُ الْحَصْرِ بِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَالِاحْتِيَاطُ وَالِاسْتِصْحَابُ وَالتَّعَامُلُ مَرْدُودٌ بِرَدِّهَا ) أَيْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ ( إلَى أَحَدِهَا ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى ( مُعَيَّنًا ) كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى السُّنَّةِ وَشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى الْكِتَابِ إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَإِلَى السُّنَّةِ إذَا قَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ وَالتَّعَامُلُ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إلَى الْإِجْمَاعِ ( وَمُخْتَلِفًا فِي الِاحْتِيَاطِ وَالِاسْتِصْحَابِ ) كَمَا سَيَأْتِي فِي خَاتِمَةِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَمَعْنَى الْإِضَافَةِ ) فِي أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ ( أَنَّ الْأَحْكَامَ النِّسَبُ الْخَاصَّةُ النَّفْسِيَّةُ ) بِالطَّلَبِ وَالتَّخْيِيرِ ( وَالْأَرْبَعَةَ ) أَيْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ ( أَدِلَّتُهَا ) أَيْ النِّسَبُ الْمَذْكُورَةُ ( وَبِذَلِكَ ) أَيْ وَبِسَبَبِ كَوْنِهَا أَدِلَّةً ( سُمِّيَتْ أُصُولًا ) لِأَنَّ الْأَصْلَ مَا

يَنْبَنِي عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ ( وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( الْقِيَاسَ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ ) لِإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ ظَاهِرًا ( فَرْعًا مِنْ وَجْهٍ لِثُبُوتِ حُجِّيَّتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ) وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ كَمَا يُصَرَّحُ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ ( يُوجِبُ مِثْلَهُ ) أَيْ الْأَصَالَةَ مِنْ وَجْهٍ وَالْفَرْعِيَّةَ مِنْ وَجْهٍ ( فِي السُّنَّةِ ) لِإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهَا ظَاهِرًا وَثُبُوتِ حُجِّيَّتِهَا بِالْكِتَابِ ( وَالْإِجْمَاعِ ) لِإِسْنَادِ الْحُكْمِ إلَيْهِ ظَاهِرًا وَثُبُوتُ حُجِّيَّتِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا مُوجِبَ لِلِاقْتِصَارِ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقِيَاسِ حَتَّى أَنَّهُ أَوْجَبَ إفْرَادَهُ بِالذِّكْرِ عَنْ الثَّلَاثَةِ فَقَالُوا أُصُولُ الشَّرْعِ ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ، وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ الْقِيَاسُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهَا .
وَقِيلَ أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لِلْفِقْهِ فَقَطْ وَهِيَ أَصْلٌ لَهُ وَلِعِلْمِ الْكَلَامِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ الْقَطْعِ وَفِيهَا الْقَطْعُ ( وَالْأَقْرَبُ ) أَنَّ اخْتِصَاصَهُ بِالذِّكْرِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا ( لِاحْتِيَاجِهِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى أَحَدِهَا ) لِابْتِنَائِهِ عَلَى عِلَّةٍ مُسْتَنْبَطَةٍ مِنْ أَحَدِهَا وَعَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَيْهِ ( وَلَا يَرِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْمُسْتَنِدِ ) لَهُ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِيهِمْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا وَيُوَفِّقَهُمْ لِاخْتِيَارِ الصَّوَابِ كَمَا هُوَ قَوْلُ شِرْذِمَةٍ عَلَى هَذَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ افْتِقَارِ الْإِجْمَاعِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حِينَئِذٍ وَلُزُومِ افْتِقَارِ الْقِيَاسِ إلَى أَحَدِهِمَا ( وَلَا ) يَرِدُ ( عَلَى لُزُومِهِ ) أَيْ الْمُسْتَنَدِ لَهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ عَلَيْهِ أَيْضًا ( لِأَنَّ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمُسْتَنَدِ ( قَوْلُ كُلٍّ ) إلَّا فُرَادَى ( وَلَيْسَ ) قَوْلُ كُلٍّ إلَّا فُرَادَى ( إجْمَاعًا بَلْ هُوَ ) أَيْ الْإِجْمَاعُ ( كُلُّهَا ) أَيْ الْأَقْوَالِ ( الْمُتَوَقِّفُ عَلَى ) قَوْلِ ( كُلِّ وَاحِدٍ وَلَا يَحْتَاجُ )

الْمَجْمُوعُ إلَى مُسْتَنَدٍ ( وَإِلَّا ) لَوْ احْتَاجَ الْمَجْمُوعُ إلَى مُسْتَنَدٍ ( كَانَ الثَّابِتُ بِهِ ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ ( بِمَرْتَبَةِ الْمُسْتَنَدِ ) أَيْ فِي رُتْبَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ يُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا لَا يُثْبِتُهُ الْمُسْتَنَدُ وَهُوَ قَطْعِيَّةُ الْحُكْمِ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَوَابِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُسْتَنَدِ فِي تَحَقُّقِهِ لَا فِي نَفْسِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ فَإِنَّ الْمُسْتَدِلَّ بِهِ لَا يَفْتَقِرُ إلَى مُلَاحَظَةِ الْمُسْتَنَدِ وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ لَا يُمْكِنُ بِدُونِ اعْتِبَارِ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ مِنْهُ ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ تَرْتِيبُهَا الذِّكْرِيُّ تَقْدِيمًا لِلْأَقْدَمِ بِالذَّاتِ وَالشَّرَفِ فَالْأَقْدَمِ فَنَقُولُ ( الْكِتَابُ ) هُوَ ( الْقُرْآنُ ) تَعْرِيفًا ( لَفْظِيًّا ) فَإِنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَلَبَ فِي الْعُرْفِ الْعَامِّ عَلَى الْمَجْمُوعِ الْمُعَيَّنِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَقْرُوءِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ ثُمَّ اسْتِعْمَالُ الْقُرْآنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَشْهَرُ مِنْ لَفْظِ الْكِتَابِ وَأَظْهَرُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقُرْآنُ ( اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الْمُنَزَّلُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ الْمُتَوَاتِرُ ) فَاللَّفْظُ : شَامِلٌ لِلْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، مُخْرِجٌ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى .
وَالْعَرَبِيُّ : مُخْرِجٌ لِمَا سِوَاهُ مِنْ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْمُنَزَّلُ : أَيْ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ .
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ : أَيْ لِلتَّفَكُّرِ فِيهِ فَيُعْرَفُ مَا يُدَبَّرُ أَيْ مَا يَتْبَعُ ظَاهِرَهُ مِنْ التِّلَاوَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالْمَعَانِي الْمُسْتَنْبَطَةِ ، وَيَتَّعِظُ بِهِ ذَوُو الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَوْ يَسْتَحْضِرُونَ بِهِ مَا هُوَ كَالْمَرْكُوزِ فِي

عُقُولِهِمْ مِنْ فَرْطِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِمَا نُصِبَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّلَائِلِ فَإِنَّ الْكُتُبَ الْإِلَهِيَّةَ لِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَالْإِرْشَادِ إلَى مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَقْلُ وَلَعَلَّ التَّدَبُّرَ لِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ وَالتَّذَكُّرُ لِمَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَقْلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي قَوْله تَعَالَى { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ } وَهَذَا اقْتِبَاسٌ مِنْهُ مُخْرِجٌ لِمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْعَرَبِيَّةِ وَبَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَمْ يُسْنِدْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي } الْحَدِيثَ .
وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ : { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا .
} وَالْمُتَوَاتِرُ وَسَتَعْرِفُ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ مُخْرِجٌ لِمَا كَانَ هَكَذَا غَيْرَ مُتَوَاتِرٍ كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَأُبَيُّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَاتٍ وَبَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي أَسْنَدَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ كَالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّ الْبِلَادِ شَرٌّ قَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي فَانْطَلَقَ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ إنِّي سَأَلْت رَبِّي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ شَرُّ الْبِلَادِ الْأَسْوَاقُ } فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ ( فَخَرَجَتْ الْأَحَادِيثُ الْقُدْسِيَّةُ ) أَيْ

الْإِلَهِيَّةُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَخْرَجَهَا لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ نَوْعَيْهَا الْمَذْكُورَيْنِ .
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ يَبْقَى اللَّفْظُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي أَسْنَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ الْمَقْصُودُ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ وَلَيْسَ بِقُرْآنٍ دَاخِلًا فِي هَذَا التَّعْرِيفِ فَيَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ وَالْجَوَابُ أَنَّ دُخُولَ هَذَا وَخُرُوجَهُ فَرْعُ وُجُودِهِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فَلَا إشْكَالَ ( وَالْإِعْجَازُ ) أَيْ وَثُبُوتُهُ لَهُ وَهُوَ أَنْ يَرْتَقِيَ فِي بَلَاغَتِهِ إلَى حَدٍّ يَخْرُجُ عَنْ طَوْقِ الْبَشَرِ وَيُعْجِزُهُمْ عَنْ مُعَارَضَتِهِ ( تَابِعٌ لَازِمٌ ) غَيْرُ بَيِّنٍ ( لِأَبْعَاضٍ خَاصَّةٍ مِنْهُ لَا بِقَيْدِ سُورَةٍ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ ( وَلَا كُلِّ بَعْضٍ نَحْوَ { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } ) الْآيَةَ فَإِنَّهَا جُمَلٌ لَا إعْجَازَ فِيهَا ( وَهُوَ ) أَيْ الْقُرْآنُ ( مَعَ جُزْئِيَّةِ اللَّامِ ) فِيهِ أَيْ كَوْنِهِ مُقْتَرِنًا بِهَا لِإِفَادَةِ التَّعْرِيفِ الْعَهْدِيِّ ( لِلْمَجْمُوعِ ) مِنْ الْفَاتِحَةِ إلَى آخِرِ سُورَةِ النَّاسِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى مَا دُونَهُ مِنْ آيَةٍ وَسُورَةٍ ( وَلَا مَعَهَا ) أَيْ جُزْئِيَّةِ اللَّامِ لَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُقْتَرِنًا بِهَا تَعْرِيفُهُ ( لَفْظٌ إلَخْ ) أَيْ عَرَبِيٌّ مُنَزَّلٌ لِلتَّدَبُّرِ وَالتَّذَكُّرِ مُتَوَاتِرٌ ( فَيَصْدُقُ عَلَى الْآيَةِ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَهَذَا أَنْسَبُ بِغَرَضِ الْأُصُولِيِّ لِأَنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ دَلِيلُ الْحُكْمِ وَذَلِكَ آيَةٌ لَا مَجْمُوعُ الْقُرْآنِ ( وَهَذَا ) التَّعْرِيفُ لِلْقُرْآنِ ( لِلْحُجَّةِ الْقَائِمَةِ ) أَيْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ حُجَّةً قَائِمَةً عَلَى الْعِبَادِ فِي الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ .
( وَ ) تَعْرِيفُهُ ( بِلَا هَذَا الِاعْتِبَارِ ) أَيْ كَوْنُهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِيهَا ( كَلَامُهُ تَعَالَى الْعَرَبِيُّ الْكَائِنُ لِلْإِنْزَالِ وَلِلْعَرَبِيِّ ) أَيْ كَوْنُهُ عَرَبِيًّا ( رَجَعَ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ الصِّحَّةِ ) أَيْ صِحَّةِ الصَّلَاةِ ( لِلْقَادِرِ ) عَلَى الْعَرَبِيِّ (

بِالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ قِرَاءَةُ مُسَمَّى الْقُرْآنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَمَا فِي الْخَارِجِ الْمُنْحَصِرِ فِيهِ الْقُرْآنُ عَرَبِيٌّ رَوَاهُ نُوحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَعَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ مَجْنُونٌ فَيُدَاوَى أَوْ زِنْدِيقٌ فَيُقْتَلُ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي جَوَابِ مَنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَهَبَ أَوَّلًا إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْمَعْنَى وَحْدَهُ اسْتِدْلَالًا بِجَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِالْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّظْمَ الْعَرَبِيَّ لَيْسَ رُكْنًا لِلْقُرْآنِ عِنْدَهُ بَلْ قَالَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ ( رُكْنٌ زَائِدٌ ) فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً لِأَنَّ النَّظْمَ الْعَرَبِيَّ مَقْصُودٌ لِلْإِعْجَازِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ الْمُنَاجَاةُ لَا الْإِعْجَازُ فَلَا يَكُونُ النَّظْمُ لَازِمًا فِيهَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُعَارَضَةُ النَّصِّ بِالْمَعْنَى فَإِنَّ النَّصَّ طَلَبٌ بِالْعَرَبِيِّ .
وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُجِيزُهُ بِغَيْرِهَا ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَتَعَلَّقَ جَوَازُ الصَّلَاةِ فِي شَرِيعَةِ النَّبِيِّ الْآتِي بِالنَّظْمِ الْمُعْجِزِ بِقِرَاءَةِ ذَلِكَ الْمُعْجِزِ بِعَيْنِهِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ ( لَا يُفِيدُ ) دَفْعَ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ ( بَعْدَ دُخُولِهِ ) أَيْ الرُّكْنِ لِلشَّيْءِ فِي مَاهِيَّتِه لِأَنَّ كَوْنَهُ زَائِدًا عَلَى الْمَاهِيَّةِ مَعَ الدُّخُولِ فِيهَا غَيْرُ مَعْقُولٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَدِيعِ ( وَدَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا التَّعَقُّبِ كَمَا فِي شَرْحِهِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ ( بِإِرَادَتِهِمْ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَوَازُ ) لِلصَّلَاةِ أَيْ وَجَوَازُ الصَّلَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى فَقَطْ إذْ لَيْسَ الْإِعْجَازُ الْمُتَعَلِّقُ بِاللَّفْظِ مَقْصُودًا فِي الصَّلَاةِ ( مَعَ دُخُولِهِ ) أَيْ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ ( فِي

الْمَاهِيَّةِ ) أَيْ الْقُرْآنِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ رُكْنًا لِمَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ وَزَائِدًا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ ( دَفْعٌ بِعَيْنِ الْإِشْكَالِ لِأَنَّ دُخُولَهُ ) أَيْ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ فِي مَاهِيَّةِ الْقُرْآنِ هُوَ ( الْمُوجِبُ لِتَعَلُّقِ الْجَوَازِ بِهِ ) أَيْ بِالنَّظْمِ الْعَرَبِيِّ لِكَوْنِهِ مَأْمُورًا بِقِرَاءَةِ مُسَمَّى الْقُرْآنِ ( عَلَى أَنَّ مَعْنَى الرُّكْنِ الزَّائِدِ عِنْدَهُمْ مَا قَدْ يَسْقُطُ شَرْعًا ) كَمَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا فِي الْإِقْرَارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِعُذْرِ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ وَقْتًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الْأَدَاءِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ إيمَانُهُ إيمَانَ يَأْسٍ ( وَادِّعَاؤُهُ ) أَيْ السُّقُوطَ شَرْعًا ( فِي النَّظْمِ ) الْعَرَبِيِّ ( عَيْنُ النِّزَاعِ ، وَالْوَجْهُ فِي الْعَاجِزِ ) عَنْ النَّظْمِ الْعَرَبِيِّ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْعَاجِزَ عَنْهُ ( كَالْأُمِّيِّ ) لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ كَلَا قُدْرَةٍ ، فَكَانَ أُمِّيًّا حُكْمًا فَلَا يَقْرَأُ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إذْ فِي الْمُجْتَبَى وَاخْتَلَفَ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيُحْسِنُ بِغَيْرِهَا ، الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا قِرَاءَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا ا هـ وَعَلَى أَنَّهُ يُصَلِّيَ بِلَا قِرَاءَةِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بَلْ يُسَبِّحَ وَيُهَلِّلَ ( فَلَوْ أَدَّى ) الْعَاجِزُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْفَارِسِيِّ فِي الصَّلَاةِ ( قِصَّةً ) أَوْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا ( فَسَدَتْ ) الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ غَيْرِ قُرْآنٍ ( لَا ذِكْرًا ) أَوْ تَنْزِيهًا إلَّا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ إخْلَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا فَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ يَقْرَأُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ يَذْبَحُ وَيُسَمِّي بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ

الْعَرَبِيَّةَ قَالَ يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُجْزِئُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا فِي الذَّبِيحَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَجْزَأَهُ .
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِهِ وَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ ، وَمَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ وَقَاضِي خَانْ نَقْلًا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ الْفَسَادَ بِهَا عِنْدَهُمَا ( وَعَنْهُ ) أَيْ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ لِلْقُرْآنِ حَيْثُ أُخِذَ فِيهِ التَّوَاتُرُ ( يَبْطُلُ إطْلَاقُ عَدَمِ الْفَسَادِ ) لِلصَّلَاةِ ( بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ ) فِيهَا كَمَا فِي الْكَافِي لِانْتِفَاءِ التَّوَاتُرِ فِيهَا إذْ هِيَ مَا نُقِلَ آحَادًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَا عَدَا الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ لِأَبِي عَمْرٍو وَنَافِعٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَابْنِ كَثِيرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَقَالَ السُّبْكِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا مَا وَرَاءَ الْقِرَاءَاتِ الْعَشْرِ لِلْمَذْكُورِينَ وَيَعْقُوبَ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَخَلَفٍ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ قَالَتْ الْأُمَّةُ لَوْ صَلَّى بِكَلِمَاتٍ تَفَرَّدَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ النَّقْلُ الْمُتَوَاتِرُ وَبَابُ الْقُرْآنِ بَابُ يَقِينٍ وَإِحَاطَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ النَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ كَوْنُهُ قُرْآنًا ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ قُرْآنٌ فَتِلَاوَتُهُ فِي الصَّلَاةِ كَتِلَاوَةِ خَبَرٍ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ وَكَذَا فِي التَّقْوِيمِ لَكِنْ فِي الدِّرَايَةِ وَلَوْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ لَيْسَتْ فِي مُصْحَفِ الْعَامَّةِ كَقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَفْسُدُ وَلَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ عَنْ عُلَمَائِنَا أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ إذَا قَرَأَ هَذَا وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا آخَرَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ ا هـ .
وَفِي

الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ نَحْوَ مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ذِكْرًا وَلَا تَهْلِيلًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَا كَانَ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهَا وَلَا يُقَالُ كَيْفَ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغَّبَنَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِقِرَاءَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمَا كَانَ فِي مُصْحَفِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ ذَاكَ قَدْ انْتَسَخَ وَابْنُ مَسْعُودٍ أَخَذَ بِقِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ أَخَذُوا بِقِرَاءَتِهِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ فَإِنَّمَا رَغَّبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغْيِيرُ مَعْنًى وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَلَا نُقْصَانُهُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ وَتَمْتَنِعُ إنْ كَانَ فِيهَا زِيَادَةُ حَرْفٍ أَوْ تَغْيِيرُ مَعْنًى وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إذَا تَعَمَّدَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَمِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَظْهَرُ عَدَمُ تَسْلِيمِ نَقْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذَّةِ وَلَا الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بِهَا ( وَلَزِمَ فِيمَا لَمْ يَتَوَاتَرْ نَفْيُ الْقُرْآنِيَّةِ ) عَنْهُ ( قَطْعًا غَيْرَ أَنَّ إنْكَارَ الْقَطْعِيِّ إنَّمَا يَكْفُرُ ) مُنْكِرُهُ ( إذَا كَانَ ) ذَلِكَ الْقَطْعِيُّ ( ضَرُورِيًّا ) مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ كَمَا هُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ (

وَمَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ ) أَيْ الضَّرُورِيَّ فِي الْقَطْعِيِّ الْمُكَفَّرِ بِإِنْكَارِهِ كَالْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ ( إذَا لَمْ يُثْبِتْ فِيهِ شُبْهَةً قَوِيَّةً فَلِذَا ) أَيْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ فِي الْقَطْعِيِّ الْمُنْكَرِ ثُبُوتًا وَانْتِفَاءً ( لَمْ يَتَكَافَرُوا ) أَيْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدٌ مِنْ الْمُخَالِفِينَ الْآخَرَ ( فِي التَّسْمِيَةِ ) لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ لِتُقَوِّيهِ فِي كُلِّ طَرَفٍ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ وَاضِحٌ فِي عَدَمِ التَّكْفِيرِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُكَابِرٍ لِلْحَقِّ وَلَا قَاصِدٍ إنْكَارَ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِّ الْوُضُوحِ إلَى حَدِّ الْإِشْكَالِ وَأَوْرَدَ الدَّلِيلُ عِنْدَ كُلٍّ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مِنْ نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ قَطْعِيٍّ وَإِلَّا لَمَا جَازَ نَفْيُهَا وَإِثْبَاتُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ تُطْلَقُ قُوَّةُ الشُّبْهَةِ عَلَى دَلِيلِ كُلٍّ وَهِيَ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى الظَّنِّيِّ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ دَلِيلُ كُلٍّ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ فَهُوَ ظَنِّيٌّ عِنْدَ مُخَالِفِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ قِيلَ فَمَنْ يَعْتَقِدُ قَطْعِيَّةَ دَلِيلِهِ وَيَجْزِمُ بِخَطَأِ مُخَالِفِهِ كَيْفَ يُسَلِّمُ قُوَّةَ الشُّبْهَةِ فِي دَلِيلِهِ فَإِنَّ إفَادَةَ الظَّنِّ بِقُوَّةِ الشُّبْهَةِ تَقْدَحُ فِي كَوْنِ دَلِيلِهِ قَطْعِيًّا عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِلظَّنِّ وَقُوَّةِ الشُّبْهَةِ مَعَ الْقَطْعِيِّ لِأَنَّ الظَّنَّ يَضْمَحِلُّ بِمُقَابَلَةِ الْقَاطِعِ أُجِيبُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِتَحَقُّقِ قُوَّةِ الشُّبْهَةِ فِي دَلِيلِ الْمُخَالِفِ حُصُولَ الظَّنِّ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ دَلِيلَهُ قَوِيُّ الشُّبْهَةِ بِالْحَقِّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفِكْرِ التَّامِّ فِي دَلِيلِ نَفْسِهِ لِيَظْهَرَ بُطْلَانُ دَلِيلِ مُخَالِفِهِ فَجُعِلَتْ تِلْكَ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ عُذْرًا فِي مَنْعِ التَّكْفِيرِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَ دَلِيلُ كُلٍّ قَطْعِيًّا لَزِمَ تَعَارُضُ الْقَطْعِيَّيْنِ قُلْنَا لَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِقَادِ كُلٍّ

قَطْعِيَّةِ دَلِيلِهِ تَعَارُضُ الْقَطْعِيَّيْنِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُ وَمِنْ مُخَالِفِهِ وَإِلَّا لَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ الْقَوِيَّةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَكَفَّرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِأَنَّهُ إنْ تَوَاتَرَ كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِنْكَارُ كَوْنِهَا مِنْهُ كُفْرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُنْكِرُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَإِثْبَاتُهَا مِنْهُ كُفْرٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ يُلْحِقُ بِالْقُرْآنِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَنُقِلَ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ ثُمَّ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى نَفْيِ قُرْآنِيَّتِهَا فِي غَيْرِ سَجْدَةِ النَّمْلِ مَنْ ذَهَبَ كَمَالِكٍ ( لِعَدَمِ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا فِي الْأَوَائِلِ ) أَيْ أَوَائِلِ السُّوَرِ ( قُرْآنًا وَكِتَابَتُهَا ) بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ( لِشُهْرَةِ الِاسْتِنَانِ بِالِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ( وَالْآخَرُ ) أَيْ الْمُثْبِتُ لِقُرْآنِيَّتِهَا فِي الْأَوَائِلِ يَقُولُ ( إجْمَاعُهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( عَلَى كِتَابَتِهَا ) بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِي الْأَوَائِلِ ( مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ ) عَمَّا سِوَاهُ حَتَّى لَمْ يُثْبِتُوا آمِينَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ وَلَا تَخْلِطُوهُ بِشَيْءٍ يَعْنِي فِي كِتَابَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حَدِيثٌ حَسَنٌ مَوْقُوفٌ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي دَاوُد ا هـ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ جَرِّدُوا الْقُرْآنَ لَا تُلْحِقُوا بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ ( وَالِاسْتِنَانُ ) لَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ( لَا يُسَوِّغُهُ ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى كِتَابَتِهَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ فِيهَا ( لِتَحَقُّقِهِ ) أَيْ الِاسْتِنَانِ ( فِي الِاسْتِعَاذَةِ وَلَمْ تُكْتَبْ ) فِي الْمُصْحَفِ .
(

وَالْأَحَقُّ أَنَّهَا ) أَيْ التَّسْمِيَةُ فِي مَحَالِّهَا ( مِنْهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( لِتَوَاتُرِهَا فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُصْحَفِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَوَاتُرُهَا فِيهِ ( دَلِيلُ كَوْنِهَا قُرْآنًا عَلَى أَنَّا نَمْنَعُ لُزُومَ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي ) ثُبُوتِ ( الْقُرْآنِيَّةِ ) لَهَا فِي مَحَالِّهَا ( بَلْ ) الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ ( التَّوَاتُرُ فِي مَحَلِّهِ ) مِنْ الْقُرْآنِ ( فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ ) أَيْ مَا هُوَ قُرْآنٌ ( فِيهِ ) أَيْ فِي مَحَلِّهِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي التَّسْمِيَةِ ( وَعَنْهُ ) أَيْ : الِاشْتِرَاطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ تَوَاتُرُهُ فِي مَحَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ ( لَزِمَ قُرْآنِيَّةُ الْمُكَرَّرَاتِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ( وَتَعَدُّدُهَا ) أَيْ الْمُكَرَّرَاتِ فِي مَحَالِّهَا ( قُرْآنًا ) لِتَوَاتُرِهَا فِي مَحَالِّهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُهَا ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمُ تَعَدُّدِ مَا هُوَ قُرْآنٌ ( فِيمَا تَوَاتَرَ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَامْتَنَعَ جَعْلُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْمُتَوَاتِرِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ( مِنْهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ مَحَلِّهِ مَثَلًا لَوْ كَتَبَ { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } بَيْنَ آيَتَيْنِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يَكُونُ ذَلِكَ قُرْآنًا ( ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ ) الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ ( آيَةٌ وَاحِدَةٌ مُنَزَّلَةٌ يُفْتَتَحُ بِهَا السُّوَرُ ) لِمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يُنْزَلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يَعْرِفُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ

لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي } الْحَدِيثَ وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي مَبْدَأِ الْوَحْيِ { أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ .
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ .
اقْرَأْ وَرَبُّك الْأَكْرَمُ } } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ لَا فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَلَا فِي آخِرِهَا فَيَكُونُ الْقُرْآنُ مِائَةً وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً وَآيَةً وَاحِدَةً لَا مَحَلَّ لَهَا بِخُصُوصِهَا ( وَالشَّافِعِيَّةُ ) عَلَى أَنَّهَا ( آيَاتٌ فِي السُّوَرِ ) أَيْ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَهُمْ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ وَبَرَاءَةٍ فَإِنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْ بَرَاءَةٍ بِلَا خِلَافٍ .
( وَتَرْكُ نِصْفِ الْقُرَّاءِ ) أَيْ ابْنِ عَامِرٍ وَنَافِعٍ وَأَبِي عُمَرَ وَلَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مُطْلَقًا وَحَمْزَةَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ ( تَوَاتَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهَا ) فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ مُتَوَاتِرٌ ( وَلَا مَعْنَى عِنْدَ قَصْدِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ أَنْ يَتْرُكَ أَوَّلَهَا لَوْ لَمْ يَحُثَّ عَلَى أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ عَلَى نَحْوِهَا ) فَكَيْفَ وَقَدْ حَثَّ عَلَيْهِ ( وَتَوَاتُرُ قِرَاءَتِهَا ) أَيْ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ( عَنْهُ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِقِرَاءَةِ الْآخَرِينَ ) مِنْ الْقُرَّاءِ لَهَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ ( لَا يَسْتَلْزِمُهَا ) أَيْ التَّسْمِيَةَ ( مِنْهَا ) أَيْ السُّوَرِ ( لِتَجْوِيزِهِ ) أَيْ كَوْنِ قِرَاءَتِهَا فِيهَا ( لِلِافْتِتَاحِ ) بِهَا تَبَرُّكًا هَذَا وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَفِي شَرْحِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا وَبِهَا تَصِيرُ سَبْعَ آيَاتٍ وَقَالَ

أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ لَيْسَ عَنْ أَصْحَابِنَا رِوَايَةٌ مَنْصُوصَةٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْهَا إلَّا أَنَّ شَيْخَنَا أَبَا الْحَسَنِ الْكَرْخِيَّ حَكَى مَذْهَبَهُمْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنْهَا عِنْدَهُمْ وَإِلَّا لَجَهَرَ بِهَا كَمَا جَهَرَ بِسَائِرِ آيِ السُّوَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( وَمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ إنْكَارِ ) كَوْنِ ( الْمُعَوِّذَتَيْنِ ) مِنْ الْقُرْآنِ ( لَمْ يَصِحَّ ) عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّرْطُوسِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَإِنْ ثَبَتَ خُلُوُّ مُصْحَفِهِ ) مِنْهُمَا ( لَمْ يَلْزَمْ ) أَنْ يَكُونَ خُلُوُّهُ مِنْهُمَا ( لِإِنْكَارِهِ ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ قُرْآنِيَّتَهُمَا ( لِجَوَازِهِ ) أَيْ خُلُوِّهِ مِنْهُمَا ( لِغَايَةِ ظُهُورِهِمَا ) لِحُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِكَوْنِهِمَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهِمَا وَإِعْجَازِهِمَا ثُمَّ حِفْظِ عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمَا ( أَوْ لِأَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُ ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ ( أَنْ لَا يَكْتُبَ مِنْهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( إلَّا مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَتْبِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ ) أَيْ أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ

( مَسْأَلَةٌ الْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ حُجَّةٌ ظَنِّيَّةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَنَا مَنْقُولٌ عَدْلٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا مُتَيَقِّنُ الْخَطَأِ قُلْنَا فِي قُرْآنِيَّتِهِ لَا خَبَرِيَّتِهِ مُطْلَقًا وَانْتِفَاءُ الْأَخَصِّ ) أَيْ الْقُرْآنِيَّةِ ( لَا يَنْفِي الْأَعَمَّ ) أَيْ الْخَبَرِيَّةَ مُطْلَقًا ( فَكَمَا لِأَخْبَارِ الْآحَادِ ) فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهَا مِنْهَا ( وَمَنَعَهُمْ ) أَيْ مَانِعِي حُجِّيَّتِهَا ( الْحَصْرُ ) فِي كَوْنِهِ قُرْآنًا أَوْ خَبَرًا وَرَدَ بَيَانًا فَظُنَّ قُرْآنًا فَأَلْحَقَ بِهِ فَإِنَّ غَيْرَ الْخَبَرِ الْوَارِدِ لَا يَحْتَمِلُ هَذَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ ( بِتَجْوِيزِ ذِكْرِهِ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ذَلِكَ ( مَعَ التِّلَاوَةِ مَذْهَبًا ) لِلْقَارِئِ بِنَاءً عَلَى دَلِيلٍ اعْتَقَدَهُ كَاعْتِقَادِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالتَّتَابُعِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَذِكْرُهُ فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ ( بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّ نَظْمَ مَذْهَبِهِ مَعَهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( إيهَامٌ أَنَّ مِنْهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( مَا لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُحَرَّرَ عَنْهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( كَقَوْلِنَا بِصَرِيحِ لَفْظِهِ ) فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَحَدِهِمَا فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ وَثَانِيهِمَا قَوْلُهُ ذَكَرَ اللَّهُ الْأَخَوَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ بِلَا تَوْقِيتٍ ثُمَّ وَقَّتَتْ عَائِشَةُ الْخَمْسَ وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ مِمَّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا يُقْرَأُ فَأَقَلُّ حَالَاتِهِ أَنْ يَكُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَأْتِي بِهِ غَيْرُهُ فَهَذَا عَيْنُ قَوْلِنَا فَلَا جَرَمَ أَنْ كَانَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ حَتَّى احْتَجُّوا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا عَلَى قَطْعِ الْيُمْنَى ( وَمَنْشَأُ الْغَلَطِ ) فِي أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ حُجِّيَّتِهِ كَمَا نَسَبَهُ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ ( عَدَمُ إيجَابِهِ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( التَّتَابُعَ ) فِي

صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ( مَعَ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا عَجِيبٌ لِجَوَازِ كَوْنِ ذَلِكَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَوْ لِقِيَامِ مُعَارِضٍ ا هـ وَعَلَى هَذَا مَشَى السُّبْكِيُّ فَقَالَ لَعَلَّهُ لِمُعَارَضَةِ ذَلِكَ مَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ نَزَلَتْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ فَسَقَطَتْ مُتَتَابِعَاتٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ

( مَسْأَلَةٌ قِرَاءَةُ السَّبْعَةِ مَا ) كَانَ مِنْهَا ( مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ ) بِأَنْ كَانَ هَيْئَةً لِلَفْظٍ يَتَحَقَّقُ بِدُونِهَا وَلَا يَخْتَلِفُ خُطُوطُ الْمَصَاحِفِ بِهِ ( كَالْحَرَكَاتِ وَالْإِدْغَامِ ) فِي الْمِثْلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ وَهُوَ إدْرَاجُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا سَاكِنًا فِي الثَّانِي ( وَالْإِشْمَامِ ) وَهُوَ الْإِشَارَةُ بِالشَّفَتَيْنِ إلَى الْحَرَكَةِ بَعِيدُ الْإِسْكَانِ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ فَيُدْرِكُهُ الْبَصِيرُ لَا غَيْرُ ( وَالرَّوْمِ ) وَهُوَ إخْفَاءُ الصَّوْتِ بِالْحَرَكَةِ ( وَالتَّفْخِيمِ وَالْإِمَالَةِ ) وَهِيَ الذَّهَابُ بِالْفَتْحَةِ إلَى جِهَةِ الْكَسْرَةِ ( وَالْقَصْرِ وَتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَأَضْدَادِهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَات مِنْ الْفَكِّ وَعَدَمِ الْإِشْمَامِ وَالرَّوْمِ وَالتَّرْقِيقِ وَعَدَمِ الْإِمَالَةِ وَالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ ( لَا يَجِبُ تَوَاتُرُهَا وَخِلَافُهُ ) أَيْ خِلَافُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ ( مِمَّا اخْتَلَفَ بِالْحُرُوفِ كَ : مَلِكِ ) الْمَنْسُوبِ قِرَاءَتَهُ إلَى مَنْ عَدَا الْكِسَائِيَّ وَعَاصِمًا ( وَمَالِكِ ) الْمَنْسُوبِ قِرَاءَتَهُ إلَيْهِمَا وَيُسَمَّى بِقَبِيلِ جَوْهَرِ اللَّفْظِ ( مُتَوَاتِرٌ وَقِيلَ مَشْهُورٌ ) أَيْ آحَادُ الْأَصْلِ مُتَوَاتِرُ الْفُرُوعِ ( وَالتَّقْيِيدُ ) لِمَا هُوَ خِلَافُ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ مِنْهَا ( بِاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ ) كَمَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ ( غَيْرُ مُفِيدٍ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ ) بِاسْتِقَامَةِ وَجْهِهَا فِي الْعَرَبِيَّةِ ( الْجَادَّةَ ) الظَّاهِرَةَ فِي التَّرْكِيبِ ( لَزِمَ عَدَمُ الْقُرْآنِيَّةِ فِي { قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ } ) بِرَفْعِ قَتْلِ وَنَصْبِ أَوْلَادِهِمْ وَجَرِّ شُرَكَائِهِمْ عَلَى أَنَّ ( قَتْلَ ) مُضَافٌ إلَى شُرَكَائِهِمْ وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ أَوْلَادُهُمْ ( لِابْنِ عَامِرٍ ) لِأَنَّ الْجَادَّةَ فِي سِعَةِ الْكَلَامِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ بِغَيْرِ الظَّرْفِ وَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ ( أَوْ ) أُرِيدَ بِهَا الِاسْتِقَامَةُ وَلَوْ ( بِتَكَلُّفِ شُذُوذٍ وَخُرُوجٍ عَنْ الْأُصُولِ فَمُمْكِنٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ

) فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ ( وَقَدْ نَظَرَ فِي التَّفْصِيلِ ) أَيْ نَظَرَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ فِي كَوْنِ مَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ كَالْحَرَكَاتِ لَا يَجِبُ تَوَاتُرُهُ بِخِلَافِ مَا كَانَ مِنْهُ ( لِأَنَّ الْحَرَكَاتِ وَمَا مَعَهَا أَيْضًا قُرْآنٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي ) أَيْ خِلَافَ مَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ ( فَفِي عَدِّهِمَا مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي ) أَيْ مِمَّا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ ( نَظَرٌ ) وَالْأَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي ( مَالِكِ ) وَ ( مَلِكِ ) إذْ ( مَالِكِ ) لَا يَزِيدُ عَلَى مِلْكٍ إلَّا بِالْمَدَّةِ الَّتِي هِيَ الْأَلِفُ ( لَنَا ) فِي أَنَّ مَا مِنْ قَبِيلِ الْأَدَاءِ أَنَّهُ ( قُرْآنٌ فَوَجَبَ تَوَاتُرُهُ ) ضَرُورَةً أَنَّ جَمِيعَ الْقُرْآنِ مُتَوَاتِرٌ إجْمَاعًا لِكَوْنِ الْعَادَةِ قَاضِيَةً بِهِ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِالِاشْتِهَارِ ( الْمَنْسُوبِ إلَيْهِمْ ) هَذِهِ الْقِرَاءَاتُ ( آحَادٌ ) لِأَنَّهُمْ سَبْعَةُ نَفَرٍ وَالتَّوَاتُرُ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْعَدَدِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَضْلًا عَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ .
( أُجِيبَ : بِأَنَّ نِسْبَتَهَا ) أَيْ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ إلَيْهِمْ ( لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالتَّصَدِّي ) لِلِاشْتِغَالِ وَالْإِشْغَالِ بِهَا وَاشْتِهَارِهِمْ بِذَلِكَ ( لَا لِأَنَّهُمْ النَّقَلَةُ ) خَاصَّةً بِمَعْنَى أَنَّ رِوَايَتَهُمْ مَقْصُورَةٌ عَلَيْهِمْ ( بَلْ عَدَدُ التَّوَاتُرِ ) مَوْجُودٌ ( مَعَهُمْ ) فِي كُلِّ طَبَقَةٍ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلِأَنَّ الْمَدَارَ ) لِحُصُولِ التَّوَاتُرِ ( الْعِلْمُ ) أَيْ حُصُولُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعَدَدِ ( لَا الْعَدَدُ ) الْخَاصُّ ( وَهُوَ ) أَيْ الْعِلْمُ ( ثَابِتٌ ) بِقِرَاءَاتِهِمْ

( مَسْأَلَةٌ بَعْدَ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ ) الْأَوَّلِ لِلْعَامِّ الْمُخَصَّصِ ( لَا يَجُوزُ ) عِنْدَهُمْ ( تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَوْ فُرِضَ نَقْلُ الرَّاوِي قُرْآنَ الشَّارِعِ الْمُخْرِجِ ) لِبَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ الْمَتْلُوِّ ( بِالتِّلَاوَةِ ) فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقُرْآنِ حَالَ كَوْنِهِ ( تَقْيِيدًا ) لِإِطْلَاقِ عُمُومِ الْمَتْلُوِّ وَحَالَ كَوْنِ الْمُخْرَجِ ( مُفَادًا لِغَيْرِيَّةٍ ) أَيْ مَا هُوَ غَيْرُ قُرْآنٍ هَذَا وَتَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي التَّخْصِيصِ مُطْلَقًا لَكِنْ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ يُعْلَمُ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالتَّمْهِيدُ الْمَذْكُورُ لِبَيَانِ مَنْعِهِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مَعَ إمْكَانِ تَصَوُّرِ شَرْطِهِ فِيهِ لَا غَيْرُ ، دَفْعًا لِتَوَهُّمِ أَنَّ امْتِنَاعَهُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا هُوَ لِانْتِفَاءِ تَصَوُّرِ شَرْطِهِ لَا لِلْإِشَارَةِ إلَى جَوَازِهِ عِنْدَ غَيْرِ شَارِطِيهَا مِنْهُمْ ( وَكَذَا ) لَا يَجُوزُ ( تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ ) أَيْ الْكِتَابِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ هُوَ ( الْمُسَمَّى بِالزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَحَمْلُهُ ) أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا حَمْلُ الْكِتَابِ ( عَلَى الْمَجَازِ لِمُعَارَضَتِهِ ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ لَهُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْعَامَّ قَطْعِيٌّ كَالْعِرَاقِيِّينَ ظَاهِرٌ ( وَكَذَا الْقَائِلُ بِظَنِّيَّةِ الْعَامِّ مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ كَأَبِي مَنْصُورٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَيْضًا ( عَلَى الْأَصَحِّ ) كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ ( لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ ) لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْخَبَرِ ثَابِتٌ ( فِي ثُبُوتِ الْخَبَرِ وَالدَّلَالَةِ ) أَيْ وَدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ ( فَرْعُهُ ) أَيْ ثُبُوتُ الْخَبَرِ ( فَاحْتِمَالُهُ ) أَيْ ثُبُوتِ الْخَبَرِ عَدَمُ

ثُبُوتِهِ ( عَدَمَهَا ) أَيْ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ ( فَزَادَ ) خَبَرُ الْوَاحِدِ احْتِمَالًا عَلَى احْتِمَالِ الْكِتَابِ ( بِهِ ) أَيْ بِعَدَمِ ثُبُوتِهِ الْمُسْتَلْزِمِ عَدَمَ الدَّلَالَةِ أَصْلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّخْصِيصِ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ تَخْصِيصَ عَامٍّ إلَّا بِعَامٍّ كَالنِّسَاءِ فِي لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ فَفِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ مِثْلُ مَا فِي الْأَوَّلِ حَتَّى احْتَمَلَ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ التَّخْصِيصَ وَوَقَعَ فَإِنَّهُ خَصَّ مِنْ تَخْصِيصِ مَنْ قَاتَلَ مِنْهُنَّ أَوْ كَانَتْ مَلِكَةً فَسَاوَى فِي احْتِمَالِ عَدَمِ إرَادَةِ الْبَعْضِ الْقَطْعِيِّ الْعَامِّ وَزَادَ هُوَ عَلَيْهِ بِاحْتِمَالِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ رَأْسًا وَلَوْ انْفَرَدَ الْقَطْعِيُّ بِاحْتِمَالِ مَتْنِهِ دُونَ الْخَبَرِ كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّابِتُ فِيهِ أَقْوَى مِنْ احْتِمَالِهِ لِأَنَّ تِلْكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَادِ أَيُّهَا هُوَ وَهَذِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوُجُودِ فَهُوَ فِي أَصْلِهَا وَذَاكَ فِي وَصْفِهَا بَعْدَ الْقَطْعِ بِثُبُوتِهَا كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
( لَنَا ) فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ ( لَمْ يَثْبُتْ ثُبُوتَهُ ) أَيْ الْكِتَابَ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ قَطْعِيٌّ وَثُبُوتَ خَبَرِ الْوَاحِدِ ظَنِّيٌّ ( فَلَا يُسْقِطُ ) خَبَرُ الْوَاحِدِ ( حُكْمَهُ ) أَيْ الْكِتَابِ ( عَنْ تِلْكَ الْأَفْرَادِ ) الَّتِي بِحَيْثُ يُخْرِجُهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ مِنْ عَامِّ الْكِتَابِ ( وَإِلَّا ) لَوْ أَسْقَطَ حُكْمَهُ عَنْهَا ( قُدِّمَ الظَّنِّيُّ عَلَى الْقَاطِعِ ) وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ الظَّنَّ مُضْمَحِلٌّ بِالْقَطْعِ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ ) الْخَبَرُ ( تَوَاتُرًا أَوْ شُهْرَةً ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِهِ ( لِلْمُقَاوَمَةِ ) بَيْنَ الْكِتَابِ وَبَيْنَهُمَا أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُورِ عَلَى رَأْيِ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ فِي أَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمَ الْيَقِينِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى رَأْيِ ابْنِ أَبَانَ وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ

عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ فَلِأَنَّهُ قَرِيبٌ بِالْيَقِينِ وَالْعَامُّ لَيْسَ بِحَيْثُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الظَّنِّ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْصِيصِ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَاتِهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ ( فَثَبَتَ ) كُلٌّ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ ( تَخْصِيصًا ) لِعُمُومِ الْكِتَابِ ( وَزِيَادَةً ) عَلَى مُطْلَقِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( مُقَارِنًا ) لَهُ إذَا كَانَ هُوَ الْمُخَصَّصَ الْأَوَّلَ ( وَنَسْخًا ) أَيْ وَنَاسِخًا لَهُ حَالَ كَوْنِهِ ( مُتَرَاخِيًا ) وَهُوَ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ لِأَنَّ الْمُقَارَنَةَ عَلَى تَقْدِيرِ التَّخْصِيصِ ، وَالنَّسْخَ عَلَى تَقْدِيرِ الزِّيَادَةِ ( وَعَنْهُ ) أَيْ اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ ( حَكَمُوا بِأَنَّ تَقْيِيدَ الْبَقَرَةِ ) فِي قَوْله تَعَالَى اذْبَحُوا بَقَرَةً بِالْمُقَيِّدَاتِ فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ ( نَسْخٌ ) لِإِطْلَاقِهَا لِكَوْنِ الْمُقَيِّدَاتِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ طَلَبِ ذَبْحِ مُطْلَقِهَا ( كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ ) كَ { أُولَاتِ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } بِالنِّسْبَةِ إلَى { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا } الْآيَةَ { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ } بِالنِّسْبَةِ إلَى { وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
( وَعَنْ لُزُومِ الزِّيَادَةِ بِالْآحَادِ مَنَعُوا إلْحَاقَ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ ) لِلْأَرْكَانِ ( وَالطَّهَارَةِ ) مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ ( بِنُصُوصِ الْقِرَاءَةِ ) أَيْ قَوْله تَعَالَى { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } ( وَالْأَرْكَانُ ) أَيْ { ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } ( وَالطَّوَافُ ) أَيْ { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } ( فَرَائِضُ ) بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } {

وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا } وَبِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ فِيهِ الْمَنْطِقَ فَمَنْ نَطَقَ فَلَا يَنْطِقُ إلَّا بِخَيْرٍ } ( بَلْ ) أَلْحَقُوهَا ( وَاجِبَاتٍ ) لِلْمَذْكُورَاتِ ( إذْ لَمْ يَرِدْ بِمَا تَيَسَّرَ الْعُمُومُ الِاسْتِغْرَاقِيُّ ) وَهُوَ جَمِيعُ مَا تَيَسَّرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( بَلْ ) أَرَادَ بِهِ مَا تَيَسَّرَ ( مِنْ أَيِّ مَكَان فَاتِحَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) فَلَوْ قَالُوا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّعْدِيلِ وَالطَّوَافِ بِلَا طَهَارَةٍ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الْآحَادِ لَكَانَ نَسْخًا لِهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ بِهَا وَهُوَ لَا يَجُوزُ فَرَتَّبُوا عَلَيْهَا مُوجِبَهَا مِنْ وُجُوبِهَا فَيَأْثَمُ بِالتَّرْكِ وَيَلْزَمُ الْجَابِرُ فِيمَا شُرِعَ فِيهِ وَلَا تَفْسُدُ ثُمَّ كَوْنُ التَّعْدِيلِ وَاجِبًا قَوْلُ الْكَرْخِيِّ .
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ ( وَتَرْكُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُسِيءَ ) صَلَاتَهُ بَعْدَ أَوَّلِ رَكْعَةٍ حَتَّى أَتَمَّ ( يُرَجِّحُ تَرْجِيحَ الْجُرْجَانِيِّ الِاسْتِنَانُ ) لِأَنَّ مِنْ الْبَعِيدِ تَقْرِيرَهُ عَلَى مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّلَاةِ شَرْعًا لِعَدَمِ الصِّحَّةِ حَقِيقَةٌ ، وَلِعَدَمِ كُلٍّ مِنْ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ مَجَازٌ ، وَلَا خَفَاءَ

فِي أَنَّ نَفْيَهَا لِعَدَمِ الْوَاجِبِ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ نَفْيِهَا لِعَدَمِ السُّنَّةِ وَلِلْمُوَاظَبَةِ وَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ تَرْكِهَا فَقَالَ إنِّي أَخَافُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ ( كَقَوْلِهِمْ فِي تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَوِلَائِهِ وَنِيَّتِهِ ) إنَّهَا سُنَّةٌ ( لِضَعْفِ دَلَالَةِ مُقَيِّدِهَا ) كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ( بِخِلَافِ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ نَفْيَ الْكَمَالِ فِي خَبَرِهَا بَعِيدٌ عَنْ مَعْنَى اللَّفْظِ ) لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْوَاقِعِ خَبَرًا إنَّمَا هُوَ الِاسْتِقْرَارُ الْعَامُّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فَالتَّقْدِيرُ لَا صَلَاةَ كَائِنَةً لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ .
وَعَدَمُ الْوُجُودِ شَرْعًا هُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ ( وَبِظَنِّيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا ظَنِّيَّةٌ يَثْبُتُ ( النَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ وَالْوُجُوبُ ) يَثْبُتُ ( بِقَطْعِيِّهَا ) أَيْ الدَّلَالَةِ ( مَعَ ظَنِّيَّةِ الثُّبُوتِ ) كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ ( وَقَلْبِهِ ) أَيْ وَبِظَنِّيِّهَا مَعَ قَطْعِيَّةِ الثُّبُوتِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ ( وَالْفَرْضُ ) يَثْبُتُ ( بِقَطْعِيِّهِمَا ) أَيْ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَالنُّصُوصِ الْمُفَسَّرَةِ وَالْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومَاتُهَا قَطْعِيَّةٌ لِيَكُونَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ ( وَيَشْكُلُ ) عَلَى أَنَّ بِظَنَّيْهِمَا يَثْبُتُ النَّدْبُ وَالسُّنَّةُ ( اسْتِدْلَالُهُمْ ) لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِي الطَّوَافِ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ ( بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ صَلَاةً لِصِدْقِ التَّشْبِيهِ ) أَيْ تَشْبِيهِ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ ( بِالثَّوَابِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْمَنْطِقَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مُوجِبًا مَا سِوَاهُ ) أَيْ الْمَنْطِقَ ( مِنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ فِي الطَّوَافِ ) حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ ( لِجَوَازِ نَحْوِ الشُّرْبِ ) فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هِيَ سُنَّةٌ .
( فَالْوَجْهُ ) الِاسْتِدْلَال لَهُ ( بِحَدِيثِ { عَائِشَةَ

حِينَ حَاضَتْ مُحْرِمَةً فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَرَتَّبَ مَنْعَ الطَّوَافِ عَلَى انْتِفَاءِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّ هَذَا حُكْمٌ وَسَبَبٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالسَّبَبِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ لَا لِعَدَمِ دُخُولِ الْحَائِضِ الْمَسْجِدَ ( وَادَّعُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ لَفْظَ جَزَاءٍ ) فِي قَوْله تَعَالَى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا } ( انْتِفَاءَ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلْعَبْدِ لِاسْتِخْلَاصِهَا ) أَيْ عِصْمَةِ الْمَسْرُوقِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى ( عِنْدَ الْقَطْعِ ) لِمَا يَأْتِي قَرِيبًا .
( فَإِنْ قُطِعَ ) السَّارِقُ ( تَقَرَّرَ ) خُلُوصُهُ لِلَّهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا يَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ وَكَانَ الْقَطْعُ مُبَيِّنًا لَنَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ ( فَلَا يَضْمَنُ ) الْمَسْرُوقَ ( بِاسْتِهْلَاكِهِ ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْجَزَاءُ الْمُطْلَقُ ( فِي الْعُقُوبَاتِ ) يَكُونُ ( عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى خَالِصًا بِالِاسْتِقْرَاءِ ) لِأَنَّهُ الْمُجَازِي عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمِنْ ثَمَّةَ سُمِّيَتْ الدَّارُ الْآخِرَةُ دَارَ الْجَزَاءِ لِأَنَّهُ الْمُجَازِي وَحْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ وَلِذَا لَمْ تُرَاعَ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا رُوعِيَتْ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مَالًا كَانَ أَوْ عُقُوبَةً وَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا حَاكِمُ الشَّرْعِ وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ الْمَالِكِ وَإِذَا كَانَ حَقُّ اللَّهِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاقِعَةً عَلَى حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ جَزَاءً مِنْ اللَّهِ بِمُقَابَلَتِهَا ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ تُحَوَّلُ الْعِصْمَةُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ عِنْدَ فِعْلِ السَّرِقَةِ حَتَّى تَقَعَ جِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ لِيَسْتَحِقَّ الْجَزَاءَ

مِنْهُ تَعَالَى وَمَتَى تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَقٌّ لِلْعَبْدِ بَلْ صَارَ الْمَالُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ مُلْحَقًا بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَعَصِيرِ الْمُسْلِمِ إذَا تَخَمَّرَ لَمْ يَبْقَ لِلْعَبْدِ بِسَرِقَةِ عَصِيرِهِ حَقٌّ فِيهِ فَلَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ رِعَايَةً لِحَقِّهِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِ تَعَالَى وَقَدْ اسْتَوْفَى بِالْقَطْعِ مَا وَجَبَ بِالْهَتْكِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ فَهُوَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ بِهَا وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ سَاقِطُ الْعِصْمَةِ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ حَقًّا لِلشَّرْعِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْ السَّارِقِ غَيْرُ سَاقِطِ الْعِصْمَةِ وَلَا حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَالضَّمَانُ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ بِالنَّصِّ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا دِيَانَةً فَفِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ لِلسَّارِقِ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مُحَمَّدٍ يُفْتَى بِالضَّمَانِ لِلُحُوقِ الْخُسْرَانِ وَالنُّقْصَانِ لِلْمَالِكِ مِنْ جِهَةِ السَّارِقِ .
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَحْسَنُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ لَفْظُ جَزَاءٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْعُقُوبَاتِ خَاصًّا بِالْعُقُوبَةِ عَلَى الْجِنَايَةِ عَلَى حَقِّهِ تَعَالَى ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إنَّمَا هُوَ ( بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْخَاصِّ ) إنَّمَا يَكُونُ ( بِالْوَضْعِ ) لَا بِعَادَةِ الِاسْتِعْمَالِ ( أَوْ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْجَزَاءُ ( الْكَافِي فَلَوْ وَجَبَ ) الضَّمَانُ مَعَ الْقَطْعِ ( لَمْ يَكْفِ ) الْقَطْعُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ كَافٍ ( وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَيْسَ الْكَافِي جَزَاءَ الْمَصْدَرِ الْمَمْدُودِ بَلْ ) الْكَافِي ( الْمُجْزِئُ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَوْ الْجَازِئِ مِنْ الْجُزْءِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ ) كَمَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ ( فَهُوَ ) أَيْ سُقُوطُ الضَّمَانِ عَنْ السَّارِقِ

بَعْدَ قَطْعِهِ ( بِالْمَرْوِيِّ ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ ( لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا فِيهِ ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ { لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ } ثُمَّ إنَّ رَاوِيَهُ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ لَمْ يَلْقَهُ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ سَهْلٌ جِدًّا وَالثَّانِي غَيْرُ ضَائِرٍ لِأَنَّ الْمِسْوَرَ مَقْبُولٌ فَإِرْسَالُهُ غَيْرُ قَادِحٍ .
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ فَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ أَيْضًا ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ الْقَطْعِ ( لَيْسَ مِنْ الزِّيَادَةِ ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى النَّصِّ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ ( لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَصْدُقُ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتِهِ فَيَكُونَا ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ وَإِثْبَاتُهُ ( مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُطْلَقِ بَلْ هُوَ ) أَيْ نَفْيُ الضَّمَانِ ( حُكْمٌ آخَرُ أَثْبَتُ بِتِلْكَ الدَّلَالَةِ ) الِاسْتِقْرَائِيَّة لِجَزَاءٍ ( أَوْ بِالْحَدِيثِ ) الْمَذْكُورِ ( بِخِلَافِ قَوْلِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَجَبَ لَهُ ) أَيْ لِلْعَمَلِ بِالْخَاصِّ ( مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ فِي الْمُفَوِّضَةِ ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا أَوْ زَوَّجَهَا غَيْرُهَا بِإِذْنِهَا بِلَا تَسْمِيَةِ مَهْرٍ أَوْ عَلَى أَنْ لَا مَهْرَ لَهَا وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا وَهِيَ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِلَا مَهْرٍ بِلَا إذْنِهَا ( فَيُؤْخَذُ ) مَهْرُ الْمِثْلِ ( بَعْدَ الْمَوْتِ بِلَا دُخُولٍ عَمَلًا بِالْبَاءِ ) الَّذِي هُوَ لَفْظٌ خَاصٌّ فِي الْإِلْصَاقِ حَقِيقَةً فِي قَوْله تَعَالَى { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ } ( لِإِلْصَاقِهَا الِابْتِغَاءَ وَهُوَ الْعَقْدُ ) الصَّحِيحُ ( بِالْمَالِ ) فَإِنَّهُ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ وَلَا نَظَرَ فِيهِ لِلْمُصَنِّفِ ( وَحَدِيثُ

بِرْوَعَ ) وَهُوَ مَا { عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلًا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ } أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَاللَّفْظُ لِأَبِي دَاوُد وَالْمُرَادُ صَدَاقُ مِثْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ سَتَأْتِي فِي الْكَلَامِ فِي جَهَالَةِ الرَّاوِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ بِرْوَعَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَكْسِرُونَهَا وَفِي الْغَايَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ خَطَأٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ وَهُوَ خَطَأٌ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ فِعْوَلُ إلَّا حَرْفَانِ خِرْوَعَ وَهُوَ كُلُّ نَبْتٍ لَانَ وَعِتْوَدَ وَادٍ أَوْ مَوْضِعٌ ( مُؤَيَّدٌ فَإِنَّهُ مُقَرَّرٌ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ تَقْدِيرِ أَقَلِّهِ ) أَيْ الْمَهْرِ ( شَرْعًا عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ } لِأَنَّ الْفَرْضَ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ التَّقْدِيرُ وَالضَّمِيرُ الْمُتَّصِلُ بِهِ لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ ذَاتُ الْمُتَكَلِّمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدَّرَهُ إلَّا أَنَّهُ فِي تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ مُجْمَلٌ .
( فَالْتَحَقَ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ } ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَسَنَدُ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ حَسَنٌ ( بَيَانًا بِهِ ) فَصَارَتْ عَشَرَةُ الدَّرَاهِمِ مِنْ الْفِضَّةِ تَقْدِيرًا لَازِمًا لِأَنَّهَا الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِهَا عَادَةً فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مُقَدَّرًا شَرْعًا كَانَ مُبْطِلًا لِلْخَاصِّ لَا عَامِلًا بِهِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ نَظَرٍ ( إذْ يَدْفَعُ ) كَوْنُ الْمُرَادِ مِنْ الْآيَةِ هَذَا ( بِجَوَازِ كَوْنِهِ ) أَيْ مَا فَرَضْنَا ( النَّفَقَةَ

وَالْكِسْوَةَ وَالْمَهْرَ بِلَا كَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَهْرِ ( لَا يَنْقُصُ شَرْعًا كَمَا فِيهِمَا ) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ( وَتَعَلُّقُ الْعِلْمِ ) بِالْمَفْرُوضِ فِي قَوْلِهِ { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا } ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ التَّعْيِينُ فِي الْمَفْرُوضِ ( لِتَعَلُّقِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ ( بِضِدِّهِ ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أَيْضًا ( وَأَمَّا قَصْرُ الْمُرَادِ عَلَيْهِمَا ) أَيْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ( لِعَطْفِ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) عَلَى قَوْلِهِ أَزْوَاجِهِمْ ( وَلَا مَهْرَ لَهُنَّ ) أَيْ لِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ عَلَى سَادَاتِهِنَّ ( فَغَيْرُ لَازِمٍ ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَفْرُوضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَزْوَاجِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِمَاءِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ ( فَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ تَقْدِيرُ الْمَهْرِ شَرْعًا ( بِالْخَبَرِ ) الْمَذْكُورِ ( مُقَيِّدًا لِإِطْلَاقِ الْمَالِ فِي أَنْ تَبْتَغُوا ) بِأَمْوَالِكُمْ إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَكِنْ الْعَمَلُ بِهَذَا الْخَبَرِ يُوجِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدكُمْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ( وَكَذَا ادِّعَاءُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ لِلْعَمَلِ بِهِ ) أَيْ بِالْخَاصِّ ( وَهُوَ الْفَاءُ لِإِفَادَتِهَا تَعْقِيبٍ فَإِنْ طَلَّقَهَا الِافْتِدَاءَ ) الْمُشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخَاصِّ ( بَلْ ) هِيَ ( لِتَعْقِيبِ الطَّلَاقِ مَرَّتَانِ لِأَنَّهَا ) أَيْ فَإِنْ طَلَّقَهَا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ ( بَيَانُ الثَّالِثَةِ أَيْ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَالِثَةً فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَنْكِحَ وَاعْتَرَضَ ) بَيْنَهُمَا ( جَوَازُهُ ) أَيْ الطَّلَاقِ ( بِمَالٍ أُولَى كَانَتْ ) الطَّلْقَةُ ( أَوْ ثَانِيَةً أَوْ ثَالِثَةً ) دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ مَجَّانًا تَارَةً وَبِعِوَضٍ أُخْرَى ( وَلِذَا ) أَيْ كَوْنِ جَوَازِهِ بِمَالٍ

اعْتِرَاضًا بَيْنَهُمَا لَا أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } ( لَمْ يَلْزَمْ فِي شَرْعِيَّةِ الثَّالِثَةِ تَقَدُّمُ خُلْعٍ وَأَمَّا إيرَادُ أَثْبَتُّمْ التَّحْلِيلَ ) لِلزَّوْجِ الثَّانِي ( بِلَعْنِ الْمُحَلِّلِ ) فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ مَنْ يُثْبِتُ الْحِلَّ كَالْمُحَرِّمِ مَنْ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ { وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَوْجَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ لَمَّا أَتَتْهُ فَقَالَتْ كُنْت عِنْدَ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ فَطَلَّقَنِي فَأَبَتّ طَلَاقِي فَتَزَوَّجْت بَعْدَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَك } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد ( زِيَادَةً عَلَى الْخَاصِّ لَفْظُ حَتَّى فِي { حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } لِأَنَّهُ وُضِعَ لِمَعْنًى خَاصٍّ وَهُوَ الْغَايَةُ وَغَايَةُ الشَّيْءِ مَا يَنْتَهِي بِهِ الشَّيْءُ فَيَكُونُ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي غَايَةً لِلْمُحَرَّمَةِ الثَّابِتَةِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَا غَيْرُ وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ فَلَا يَثْبُتُ الْحِلُّ الْجَدِيدُ بِهِ فَإِثْبَاتُهُ بِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ زِيَادَةً لَهُ عَلَى الْخَاصِّ مُبْطِلَةٌ لَهُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهَذَا مِمَّا أَوْرَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ وَهِيَ الْمُطَلَّقَةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا ثُمَّ رَجَعَتْ إلَى الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالُوا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَيْثُ قَالَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِثَلَاثٍ قِيَاسًا عَلَى

الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثِ عَمَلًا بِكُلٍّ مِنْ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ( فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ لَيْسَ عَدَمُ تَحْلِيلِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ الثَّانِي الزَّوْجَةَ لِلْأَوَّلِ ( وَ ) عَدَمُ ( الْعَوْدِ ) أَيْ عَوْدِهَا ( إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى ) وَهِيَ مِلْكُ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ ( مِمَّا صَدَقَاتِ مَدْلُولِهَا ) أَيْ حَتَّى فِي الْآيَةِ ( لِيَلْزَمَ إبْطَالُهُ ) أَيْ مَدْلُولِهَا ( بِالْخَبَرِ فَهُوَ ) أَيْ إثْبَاتُ التَّحْلِيلِ بِالثَّانِي ( إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِالْخَبَرِ أَوْ بِمَفْهُومِ حَتَّى عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ مَفْهُومُهَا أَيْ الْعَمَلِ بِهِ ( اتِّفَاقٌ ) أَيْ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَمَّا عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَهُمْ فَلِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِشَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ صَاحِبِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ بِالْأَصْلِ ) الْكَائِنِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ ( وَعَلَى تَقْدِيرِهِ ) أَيْ كَوْنِهِ إثْبَاتُ مَسْكُوتِ الْكِتَابِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ ( يُرِدْ الْعَوْدَ وَالتَّحْلِيلَ إنَّمَا جُعِلَ ) كُلٌّ مِنْهُمَا ( فِي حُرْمَتِهَا بِالثَّلَاثِ وَلَا حُرْمَةَ قَبْلَهَا ) أَيْ الثَّلَاثِ حُرْمَةُ الثَّلَاثِ ( فَلَا يُتَصَوَّرُ ) أَيْ الْعَوْدُ إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ حَالَةُ مِلْكِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ وَبِمَا دُونِ الثَّلَاثِ لَا تَحْرُمُ إذْ يَحِلُّ لَهُ تَزَوُّجُهَا فِي الْحَالِ وَكَذَا إثْبَاتُ الزَّوْجِ الْحِلَّ الْجَدِيدَ إنَّمَا هُوَ إذَا حُرِّمَتْ بِالثَّلَاثِ وَبِمَا دُونِهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ الْحِلُّ ثَابِتٌ فَلَوْ أَثْبَتَ حِلًّا كَانَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ .
وَمَا قِيلَ الْحِلُّ الثَّابِتُ قَبْلَ الثَّلَاثِ حِلٌّ يَزُولُ بِطَلْقَةٍ أَوْ ثِنْتَيْنِ وَاَلَّذِي يُثْبِتُهُ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلْقَةِ أَوْ الطَّلْقَتَيْنِ حِلٌّ لَا يَزُولُ إلَّا بِالثَّلَاثِ فَهُوَ غَيْرُهُ فَلَيْسَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ جَوَابُهُ أَنَّ إثْبَاتَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَعْنِي الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ هُوَ عَيْنُ مَحَلِّ النِّزَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَى الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لَهُ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى

فَإِنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ حِلًّا جَدِيدًا فِي الْغَلِيظَةِ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُثْبِتَهُ فِي الْأَخَفِّ مِنْهَا أَوْ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ أَنَّهُ نِكَاحُ زَوْجٍ بِإِلْغَاءِ كَوْنِهِ فِي حُرْمَةٍ غَلِيظَةٍ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ مَحَلٌّ وَالْمَحَلُّ لَا يَدْخُلُ فِي التَّعْلِيلِ وَإِلَّا انْسَدَّ بَابُ الْقِيَاسِ فَيَصِيرُ كَوْنُهُ نِكَاحَ زَوْجٍ تَمَامَ الْعِلَّةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي نِكَاحِ زَوْجٍ بَعْدَ طَلْقَةٍ وَيُدْفَعُ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ اعْتِبَارِ الزَّوْجِ كَذَلِكَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ لَازِمًا بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنَّ اعْتِبَارَهُ كَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ ثُبُوتِ حُرْمَةِ تَزَوُّجِهَا الْكَائِنَةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الطَّلَقَاتِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَوْنُ الْحِلِّ جَدِيدًا ضَرُورِيًّا فَالزَّوْجُ إنَّمَا أَثْبَتَ الْحِلَّ فَقَطْ ثُمَّ لَزِمَ كَوْنُهُ جَدِيدًا بِسَبَبِ أَنَّهُ وَرَدَ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الطَّلَقَاتِ فَهُوَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا بِوَضْعِ الشَّرْعِ الزَّوْجَ لِذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ الشَّارِعِ إيَّاهُ مُحَلِّلًا لَا يَقْتَضِي سِوَى هَذَا الْقَدْرِ دُونَ كَوْنِ الْحِلِّ يَمْلِكُ فِيهِ الثَّلَاثَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي عَدَمِ الْحُرْمَةِ لَا يُثْبِتُ الزَّوْجُ حِلَّ تَزَوُّجِهَا لِثُبُوتِهِ وَيَعُودُ لُزُومُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ شَرْحَ قَوْلِهِ ( فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمَا ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ ( هَدْمُ الزَّوْجِ ) الثَّانِي ( مَا دُونَ الثَّلَاثِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَلَا يَخْفَى تَضَاؤُلُ أَنَّهُ ) أَيْ مَا دُونَ الثَّلَاثِ ( أَوْلَى بِهِ ) أَيْ بِالْحِلِّ الْجَدِيدِ مِنْ الثَّلَاثِ ( أَوْ ) أَنَّهُ ثَابِتٌ ( بِالْقِيَاسِ ) عَلَيْهَا ( فَالْحَقُّ هَدْمُ الْهَدْمِ )

( الْبَابُ الثَّالِثُ ) ( السُّنَّةُ ) وَهِيَ لُغَةً ( الطَّرِيقَةُ الْمُعْتَادَةُ ) مَحْمُودَةً كَانَتْ أَوْ لَا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( وَفِي الْأُصُولِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ ) مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ ثُمَّ مِنْهُمْ كَالْبَيْضَاوِيِّ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ التَّقْرِيرَ لِدُخُولِهِ فِي الْفِعْلِ لِأَنَّهُ كَفَّ عَنْ الْإِنْكَارِ وَالْكَفُّ فِعْلٌ وَقِيلَ الْقَوْلُ فِعْلٌ أَيْضًا فَلَوْ تَرَكَهُ جَازَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ اُشْتُهِرَ إطْلَاقُ الْفِعْلِ مُقَابِلًا لَهُ فَيَجِبُ ذِكْرُهُ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ ( وَفِي فِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ مَا وَاظَبَ عَلَى فِعْلِهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ ) فَقَالُوا مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ ( لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمَفْعُولُ الْمُوَاظَبُ عَلَيْهِ ( بِلَا وُجُوبٍ ) لَهُ إذْ الْوَاجِبُ لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِهِ بِلَا عُذْرٍ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ شُمُولِهِ لِجَمِيعِ الْمَسْنُونَاتِ ( وَمَا لَمْ يُوَاظِبْهُ ) أَيْ فِعْلُهُ ( مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغِبَ فِيهِ وَعَادَةُ غَيْرِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْعِصْمَةِ مُقَدَّمَةً كَلَامِيَّةً لِتُوقِفَ حُجِّيَّةَ مَا قَامَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ) أَيْ الْعِصْمَةِ إذْ بِثُبُوتِهَا يَثْبُتُ حَقِّيَّةُ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ( وَهِيَ ) أَيْ الْعِصْمَةُ ( عَدَمُ قُدْرَةِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ خَلْقِ مَانِعٍ ) مِنْ الْمَعْصِيَةِ ( غَيْرِ مُلْجِئٍ ) إلَى تَرْكِهَا ( وَمُدْرَكُهَا ) أَيْ الْعِصْمَةِ وَمُسْتَنَدُهَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ( السَّمْعُ وَعِنْدَ

الْمُعْتَزِلَةِ ) السَّمْعُ وَ ( الْعَقْلُ أَيْضًا ) ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي عِصْمَتِهِمْ مِنْ الذُّنُوبِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ ( الْحَقُّ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ كَبِيرَةٌ وَلَوْ ) كَانَتْ ( كُفْرًا عَقْلًا ) كَمَا هُوَ قَوْلُ الْقَاضِي وَأَكْثَرِ الْمُحَقِّقِينَ ( خِلَافًا لَهُمْ ) أَيْ لِلْمُعْتَزِلَةِ ( وَمَنَعَتْ الشِّيعَةُ الصَّغِيرَةَ أَيْضًا وَأَمَّا الْوَاقِعُ فَالْمُتَوَارَثُ أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ وَلَا مَنْ نَشَأَ فَحَّاشًا ، سَفِيهًا لَنَا لَا مَانِعَ فِي الْعَقْلِ مِنْ الْكَمَالِ بَعْدَ النَّقْصِ وَرَفَعَ الْمَانِعَ قَوْلُهُمْ ) أَيْ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ ( بَلْ فِيهِ ) أَيْ الْعَقْلِ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَانِعُ ( إفْضَاؤُهُ ) أَيْ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ ( إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ وَاحْتِقَارِهِمْ ) بَعْدَ الْبِعْثَةِ ( فَنَافَى ) صُدُورُهَا عَنْهُمْ ( حِكْمَةَ الْإِرْسَالِ ) وَهِيَ اهْتِدَاءُ الْخَلْقِ بِهِمْ ( مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ فَإِنْ بَطَلَ ) الْقَوْلُ بِهِمَا ( كَدَعْوَى الْأَشْعَرِيَّةِ بَطَلَ ) قَوْلُهُمْ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَبْطُلْ الْقَوْلُ بِهِ مُطْلَقًا ( مُنِعَتْ الْمُلَازَمَةُ ) وَهُوَ صُدُورُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ مُفْضٍ إلَى التَّنْفِيرِ عَنْهُمْ بَعْدَ الْبِعْثَةِ وَاحْتِقَارِهِمْ ( كَالْحَنَفِيَّةِ بَلْ بَعْدَ صَفَاءِ السَّرِيرَةِ وَحُسْنِ السِّيرَةِ يَنْعَكِسُ حَالُهُمْ فِي الْقُلُوبِ ) مِنْ تِلْكَ الْحَالِ إلَى التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ .
( وَيُؤَكِّدُهُ ) أَيْ انْعِكَاسَ حَالِهِمْ حِينَئِذٍ ( دَلَالَةُ الْمُعْجِزَةِ ) عَلَى صِدْقِهِ وَحَقِّيَّةِ مَا أَتَى بِهِ ( وَالْمُشَاهَدَةُ وَاقِعَةٌ بِهِ ) أَيْ بِانْعِكَاسِ الْحَالِ فِي الْقُلُوبِ حِينَئِذٍ ( فِي آحَادٍ انْقَادَ الْخَلْقُ إلَى إجْلَالِهِمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ ) مِنْ أَحْوَالٍ تُنَافِي ذَلِكَ ( فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ وَبَعْدَ الْبِعْثَةِ الِاتِّفَاقُ ) مِنْ أَهْلِ الشَّرَائِعِ كَافَّةً ( عَلَى عِصْمَتِهِ ) أَيْ النَّبِيِّ ( عَنْ تَعَمُّدِ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ ) مِنْ اللَّهِ إلَى الْخَلَائِقِ

كَالْكَذِبِ فِي الْأَحْكَامِ إذْ لَوْ جَازَ عَلَيْهِ التَّقَوُّلُ وَالِافْتِرَاءُ فِي ذَلِكَ عَقْلًا لَأَدَّى إلَى إبْطَالِ دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ وَهُوَ مُحَالٌ ( وَكَذَا ) الِاتِّفَاقُ عَلَى عِصْمَتِهِ مِنْ الْكَذِبِ ( غَلَطًا ) وَنِسْيَانًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ ( عِنْدَ الْجُمْهُورِ ) لِمَا ذَكَرْنَا ( خِلَافًا لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْمُعْجِزَةِ ) عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ فِيمَا يَصْدُرُ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ ( عَلَى عَدَمِ الْكَذِبِ ) فِي ذَلِكَ ( قَصْدًا ) أَيْ إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا هُوَ مُتَذَكِّرٌ لَهُ عَامِدٌ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ النِّسْيَانِ وَفَلَتَاتِ اللِّسَانِ فَلَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى الصِّدْقِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْكَذِبِ فِيهِ نَقْصٌ لِدَلَالَتِهَا ( وَ ) عَلَى ( عَدَمِ تَقْرِيرِهِ عَلَى السَّهْوِ ) إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَرِدْ الْبَيَانُ مِنْهُ أَوْ مِنْ اللَّهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَادِرٌ قَصْدًا ( فَلَمْ يَرْتَفِعْ الْأَمَانُ عَمَّا يُخْبِرُ بِهِ عَنْهُ تَعَالَى ) فَانْتَفَى مَا قِيلَ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الْوُثُوقِ بِتَبْلِيغِهِ لِاحْتِمَالِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَانْتِفَاءِ دَلِيلٍ لِلسَّامِعِ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ سَهْوًا وَغَلَطًا وَبَيْنَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ قَصْدًا فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ بِالْمُعْجِزَةِ وَهُوَ الدَّلَالَةُ عَلَى صِدْقِهِ .
( وَأَمَّا غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ مَا يُخِلُّ بِمَا يَرْجِعُ إلَى التَّبْلِيغِ ( مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ ) وَهِيَ مَا يُلْحَقُ فَاعِلُهَا بِالْأَرْذَالِ وَالسُّفَّلِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِدَنَاءَةِ الْهِمَّةِ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ كَسَرِقَةِ كِسْرَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ ( فَالْإِجْمَاعُ عَلَى عِصْمَتِهِمْ عَنْ تَعَمُّدِهَا سِوَى الْحَشْوِيَّةِ وَبَعْضِ الْخَوَارِجِ ) وَهُمْ الْأَزَارِقَةُ حَتَّى جَوَّزُوا عَلَيْهِمْ الْكُفْرَ فَقَالُوا يَجُوزُ بِعْثَةُ نَبِيٍّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بَعْدَ نُبُوَّتِهِ وَالْفُضَيْلِيَّةُ مِنْهُمْ أَيْضًا فَجَوَّزُوا صُدُورَ الذَّنْبِ مِنْهُمْ مَعَ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الذَّنْبَ كُفْرٌ ثُمَّ الْأَكْثَرُ

عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ السَّمْعِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِينَ فِيهِ إذْ الْعِصْمَةُ فِيمَا وَرَاءَ التَّبْلِيغِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَقْلًا وَالْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعَقْلِ بِنَاءً عَلَى أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ .
( وَ ) عَلَى ( تَجْوِيزِهَا ) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ ( غَلَطًا وَبِتَأْوِيلِ خَطَأٍ إلَّا الشِّيعَةَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي فِعْلِهِمَا غَلَطًا وَفِعْلِهِمَا بِتَأْوِيلٍ خَطَأٍ هَذَا عَلَى مَا فِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمَوَاقِفِ وَأَمَّا سَهْوًا فَجَوَّزُوهُ الْأَكْثَرُونَ .
قَالَ الشَّرِيفُ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ ( وَجَازَ تَعَمُّدُ غَيْرِهَا ) أَيْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ كَنَظْرَةٍ وَكَلِمَةِ سَفَهٍ نَادِرَةٍ فِي غَضَبٍ ( بِلَا إصْرَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنَعَهُ ) أَيْ تَعَمُّدَ غَيْرِهَا ( الْحَنَفِيَّةُ وَجَوَّزُوا الزَّلَّةَ فِيهِمَا ) أَيْ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ ( بِأَنْ يَكُونَ الْقَصْدُ إلَى مُبَاحٍ فَيَلْزَمُ مَعْصِيَةً ) لِذَلِكَ لَا أَنَّهُ قَصَدَ عَيْنَهَا ( كَوَكْزِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ) أَيْ كَدَفْعِهِ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَقِيلَ بِجَمْعِ الْكَفِّ الْقِبْطِيِّ وَاسْمُهُ فَانُونَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ بَلْ أَفْضَى بِهِ ذَلِكَ إلَيْهِ ( وَيَقْتَرِنُ بِالتَّنْبِيهِ ) عَلَى أَنَّهَا زَلَّةٌ إمَّا مِنْ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ { هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } أَيْ هَيَّجَ غَضَبِي حَتَّى ضَرَبَتْهُ فَوَقَعَ قَتِيلًا فَأَضَافَهُ إلَيْهِ تَسَبُّبًا أَوْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَعَصَى آدَم رَبَّهُ فَغَوَى } أَيْ أَخْطَأَ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ أَكْلِهَا ، وَطَلَبَ الْمُلْكَ وَالْخُلْدَ بِذَلِكَ ( وَكَأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا النَّوْعَ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَمْرَ الَّذِي أَفْضَى فِعْلُهُ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُ ( شِبْهَ عَمْدٍ ) مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ لِقَصْدِهِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ ( فَلَمْ يُسَمُّوهُ خَطَأً ) مُلَاحَظَةً لِلْقَصْدِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ ( وَلَوْ أَطْلَقُوهُ ) أَيْ الْخَطَأَ عَلَيْهِ كَمَا

أَطْلَقَهُ غَيْرُهُمْ ( لَمْ يَمْتَنِعْ وَكَانَ أَنْسَبَ مِنْ الِاسْمِ الْمُسْتَكْرَهِ ) أَيْ الزَّلَّةِ وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ وَقَدْ قَالُوا لَوْ رَمَى غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا كَانَ خَطَأً مَعَ قَصْدِهِ الرَّمْيَ إلَى الْآدَمِيِّ وَأَمَّا أَنَّهُ أَنْسَبُ مُطْلَقًا فَفِيهِ تَأَمُّلٌ بَلْ رُبَّمَا مَنَعَ الْأَنْسَبِيَّةَ فِي قِصَّةِ آدَمَ وَمَا شَابَهَهَا قَوْله تَعَالَى { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا } كَمَا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي نَحْوِ وَكْزِ مُوسَى لَا مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( ثُمَّ يَنْحَصِرُ ) الْخَبَرُ ( فِي صِدْقٍ إنْ طَابَق ) حُكْمُهُ ( الْوَاقِعَ ) أَيْ الْخَارِجَ الْكَائِنَ لِنِسْبَةِ الْكَلَامِ الْخَبَرِيِّ بِأَنْ كَانَتْ نِسْبَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ مُوَافِقَةً لِنِسْبَتِهِ الْخَارِجِيَّةِ فِي الْكَيْفِ بِأَنْ كَانَتَا ثُبُوتِيَّتَيْنِ أَوْ سَلْبِيَّتَيْنِ ( وَكَذِبٍ إنْ لَا ) تُطَابِقَ نِسْبَتُهُ الذِّهْنِيَّةُ النِّسْبَةَ الْخَارِجِيَّةَ فِي الْكَيْفِ بِأَنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ثُبُوتِيَّةً وَالْأُخْرَى سَلْبِيَّةً سَوَاءٌ اعْتَقَدَ الْمُطَابَقَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا وَحَصَرَهُ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ ( الْجَاحِظُ فِي ثَلَاثَةٍ ) الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ ( الثَّالِثِ مَا لَا ) أَيْ مَا لَيْسَ بِصَادِقٍ ( وَلَا ) كَاذِبٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْخَبَرَ ( إمَّا مُطَابِقٌ ) لِلْوَاقِعِ ( مَعَ الِاعْتِقَادِ ) لِلْمُطَابَقَةِ ( أَوْ ) مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ مَعَ ( عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ اعْتِقَادِهَا ( أَوْ غَيْرُ مُطَابِقٍ ) لِلْوَاقِعِ .
( كَذَلِكَ ) أَيْ مَعَ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَمَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهَا ( الثَّانِي مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ الْمُطَابِقُ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ اعْتِقَادِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ أَصْلًا وَالثَّانِي مِنْ الثَّانِي غَيْرِ الْمُطَابِقِ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ وَيَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ أَيْضًا اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ وَعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ ( لَيْسَ كَذِبًا وَلَا صِدْقًا ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَالْأَوَّلُ مِنْ الْأَوَّلِ صِدْقٌ وَمِنْ الثَّانِي كَذِبٌ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ عَلَى قَوْلِهِ سِتَّةً وَاحِدٌ صِدْقٌ وَوَاحِدٌ كَذِبٌ وَأَرْبَعَةٌ وَاسِطَةٌ ( لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةُ { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } ) أَيْ جُنُونٌ ( حَصَرُوا ) أَيْ الْكُفَّارُ ( قَوْلَهُ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } ( فِي الْكَذِبِ وَالْجِنَّةِ فَلَا كَذِبَ مَعَهَا ) أَيْ الْجِنَّةِ لِأَنَّهُ قَسِيمُ الْكَذِبِ عَلَى زَعْمِهِمْ وَقَسِيمُ الشَّيْءِ يَجِبُ أَنْ

يَكُونَ غَيْرُهُ ( وَلَمْ يَعْتَقِدُوا صِدْقَهُ ) بَلْ هُمْ جَازِمُونَ بِكَذِبِهِ فَهَذَا حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكَذِبٍ وَلَا صِدْقٍ ثُمَّ هُمْ عُقَلَاءُ عَارِفُونَ بِاللُّغَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا لِيَكُونَ هَذَا مِنْهُمْ بِزَعْمِهِمْ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( وَالْجَوَابُ حَصَرُوهُ ) أَيْ خَبَرَهُ ( فِي الِافْتِرَاءِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالْجِنَّةِ الَّتِي لَا عَمْدَ فِيهَا فَهُوَ ) أَيْ حَصْرُهُمْ خَبَرَهُ إنَّمَا هُوَ ( فِي كَذِبٍ عَمْدٍ وَغَيْرِ عَمْدٍ ) أَيْ فِي نَوْعَيْهِ الْمُتَبَايِنَيْنِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَنَوَّعُ إلَيْهِمَا قَوْله تَعَالَى { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ } وَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } ( أَوْ ) حَصَرُوهُ ( فِي تَعَمُّدِهِ ) أَيْ الْكَذِبَ ( وَعَدَمِ الْخَبَرِ ) لِخُلُوِّهِ عَنْ الْقَصْدِ وَالشُّعُورِ الْمُعْتَدِّ بِهِ عَلَى مَا هُوَ حَالُ الْمَجْنُونِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ الْكَلَامِ فَضْلًا عَنْ الْخَبَرِ فَهُوَ حُصِرَ فِي فَرْدٍ لِلشَّيْءِ وَنَقِيضِ ذَلِكَ الشَّيْءِ ( وَقَوْلُ عَائِشَةَ فِي ابْنِ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا كَذَبَ وَلَكِنَّهُ وَهَمَ ) وَعَزَاهُ السُّبْكِيُّ إلَى الصَّحِيحَيْنِ .
( تُرِيدُ ) مَا كَذَبَ ( عَمْدًا ) وَلَيْسَ لَفْظُ مَا كَذَبَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا فِي أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ وَهَمَ إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مَاتَ يَهُودِيًّا أَنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبَ وَإِنَّ أَهْلَهُ لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ } ثُمَّ قَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمُوَطَّأِ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ ( وَقِيلَ ) أَيْ وَقَالَ النَّظَّامُ وَمُوَافِقُوهُ ( الصِّدْقُ مُطَابَقَةُ الِاعْتِقَادِ ) وَإِنْ كَانَ

الِاعْتِقَادُ غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ ( وَالْكَذِبُ عَدَمُهَا ) أَيْ مُطَابَقَةِ الِاعْتِقَادِ وَإِنْ كَانَ الِاعْتِقَادُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ كَمَا قَالَ ( فَالْمُطَابِقُ ) لِلْوَاقِعِ ( كَذِبٌ إذَا اعْتَقَدَ عَدَمَهَا ) أَيْ الْمُطَابَقَةِ لِلْوَاقِعِ وَالْمُخَالِفُ لِلْوَاقِعِ صِدْقٌ إذَا اعْتَقَدَ مُطَابَقَتَهُ لَهُ وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ عِنْدَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مَا لَا يُطَابِقُ الِاعْتِقَادَ كَاذِبٌ كَانَ هُنَاكَ اعْتِقَادٌ أَوْ لَا ( لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } فِي قَوْلِهِمْ { نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ } ) الْمُطَابِقِ لِلْوَاقِعِ دُونَ اعْتِقَادِهِمْ ( أُجِيبَ ) بِأَنَّ التَّكْذِيبَ إنَّمَا هُوَ ( فِي الشَّهَادَةِ لِعَدَمِ الْمُوَاطَأَةِ ) أَيْ مُوَافَقَةِ اللِّسَانِ الْقَلْبَ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى خَبَرٍ ضِمْنِيٍّ يُشْعِرُ بِهِ تَأْكِيدُهُمْ كَلَامَهُمْ بِأَنَّ وَاللَّامِ وَكَوْنِ الْجُمْلَةِ اسْمِيَّةٌ وَهُوَ أَنَّ إخْبَارَنَا هَذَا صَادِرٌ عَنْ صَمِيمِ قُلُوبِنَا وَخُلُوصِ اعْتِقَادِنَا وَوُفُورِ رَغْبَتِنَا وَنَشَاطِنَا لَا إلَى خَبَرِهِمْ الْمَذْكُورِ صَرِيحًا وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ تَعَالَى { وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّك لَرَسُولُهُ } ( أَوْ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ ) الشَّهَادَةُ ( مِنْ الْعِلْمِ ) لِأَنَّ مَنْ قَالَ أَشْهَدُ بِكَذَا تَضَمَّنَ إنِّي أَقُولُهُ عَنْ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ بِمُجَرَّدِهَا تَحْتَمِلُ الْعِلْمَ وَالزُّورَ وَتَقَيُّدُهُمَا لُغَةٌ أَوْ فِي دَعْوَاهُمْ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْغَيْبَةِ وَالْحُضُورِ بِشَهَادَةِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُنْبِئِ عَنْ الِاسْتِمْرَارِ أَوْ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ لَكِنْ لَا فِي الْوَاقِعِ بَلْ فِي زَعْمِهِمْ الْفَاسِدِ وَاعْتِقَادِهِمْ الْبَاطِلِ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ شَأْنُهُمْ الْكَذِبُ وَإِنْ صَدَقُوا فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ .
( وَالْمُوجِبُ لِهَذَا ) التَّأْوِيلِ ( وَمَا قَبْلَهُ ) مِنْ تَأْوِيلِ قَوْلِ عَائِشَةَ ( الْقَطْعُ مِنْ اللُّغَةِ بِالْحُكْمِ بِصِدْقِ قَوْلِ الْكَافِرِ كَلِمَةَ

الْحَقِّ ) كَالْإِسْلَامِ حَقٌّ لِكَوْنِهِ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مَعَ عَدَمِ مُطَابَقَةِ اعْتِقَادِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ لِمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ دُونَ الِاعْتِقَادِ وَمَا ذَكَرَهُ الْفَرِيقَانِ ظُنُونٌ وَالْقَطْعِيُّ لَا يُتْرَكُ بِالظَّنِّيِّ بَلْ بِالْعَكْسِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ وَإِلَّا كَانَ يُدْفَعُ بِأَنَّ التَّأْوِيلَ خِلَافُ الْأَصْلِ .
وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ الصِّدْقُ الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ مَعَ اعْتِقَادِهَا فَإِنَّ فَقْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ صَدَقَ فَقْدُ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ بِاعْتِقَادِ عَدَمِهَا أَمْ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ فَكَذِبٌ وَإِنَّ فَقْدَ أَحَدِهِمَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ مُطَابَقَتُهُ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ لِلْخَارِجِ وَبِالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاءُ الْمُطَابَقَةِ لِلْخَارِجِ أَوْ اعْتِقَادُهَا فِيهِ وَفِي الْأَسْرَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَقِيلَ إنْ طَابَقَ فَصِدْقٌ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ فَإِنْ عَلِمَ الْمُتَكَلِّمُ بِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ فَكَذِبٌ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَخَطَأٌ لَا كَذِبٌ وَهَذَا الِاصْطِلَاحُ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } لِأَنَّهُمْ نَسَبُوهُ إلَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي إخْبَارِهِ عَنْ الْبَعْثِ عَنْ غَيْرِ عَمْدِ الْكَذِبِ فَصَارَ فِي خِطَابِهِ كَذِي الْجِنَّةِ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ انْتَهَى قُلْت وَيُوَافِقُهُ ظَاهِرًا مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ

( وَيَنْقَسِمُ ) الْخَبَرُ ( بِاعْتِبَارٍ آخَرَ ) أَيْ الْحُكْمِ بِالْقَطْعِ بِصِدْقِهِ وَعَدَمِهِ ( إلَى مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ ضَرُورَةً ) إمَّا بِنَفْسِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ انْضِمَامِ غَيْرِهِ إلَيْهِ وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ فَإِنَّهُ بِنَفْسِهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِمَضْمُونِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ أَيْ اُسْتُفِيدَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِمَضْمُونِهِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ بِأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقُهُ مَعْلُومًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ نَحْوُ الْوَاحِدُ نِصْفُ الِاثْنَيْنِ ( أَوْ نَظَرًا كَخَبَرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) وَأَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ مَنْ ثَبَتَ بِأَحَدِهَا صِدْقُهُ بِأَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَوْ رَسُولُهُ أَوْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ بِصِدْقِهِ وَخَبَرِ مَنْ وَافَقَ خَبَرُهُ دَلِيلَ الْعَقْلِ فِي الْقَطْعِيَّاتِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِلْمُ وُقُوعِ مَضْمُونِهِ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَهُوَ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى صِدْقِ اللَّهِ وَصِدْقِ رَسُولِهِ وَعِصْمَةِ الْأُمَّةِ عَنْ الْكَذِبِ وَعَلَى أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلصَّادِقِ صَادِقٌ ( أَوْ ) مَا يُعْلَمُ ( كَذِبُهُ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ ) أَيْ مَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ ضَرُورَةً كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْوَاحِدَ ضِعْفُ الِاثْنَيْنِ أَوْ نَظَرًا كَالْإِخْبَارِ بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ ( وَمَا يَظُنُّ أَحَدُهُمَا ) أَيْ صِدْقَهُ أَوْ كَذِبَهُ ( كَخَبَرِ الْعَدْلِ ) لِرُجْحَانِ صِدْقِهِ عَلَى كَذِبِهِ ( وَالْكَذُوبِ ) لِرُجْحَانِ كَذِبِهِ عَلَى صِدْقِهِ ( أَوْ يَتَسَاوَيَانِ ) أَيْ الِاحْتِمَالَانِ ( كَالْمَجْهُولِ ) أَيْ كَخَبَرِ مَجْهُولِ الْحَالِ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ فِي الْعَدَالَةِ وَعَدَمِهَا وَلَمْ يَشْتَهِرْ أَمْرُهُ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِحَالِهِ يُوجِبُ تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ .
( وَمَا قِيلَ مَا لَمْ يَعْلَمْ صِدْقَهُ يَعْلَمْ كَذِبَهُ ) وَإِلَّا لَنُصِبَ عَلَى صِدْقِهِ دَلِيلٌ ( كَخَبَرِ مُدَّعِي الرِّسَالَةَ ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ صِدْقًا دَلَّ عَلَيْهِ بِالْمُعْجِزَةِ كَمَا ذَهَبَ إلَى هَذَا بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ ( بَاطِلٌ لِلُزُومِ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ فِي إخْبَارِ مَسْتُورَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ )

مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ أَحَدِهِمَا لِلُزُومِ كَذِبِهِمَا قَطْعًا وَيَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَهُمَا لِأَنَّ كَذِبَ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ يَسْتَلْزِمُ صِدْقَ الْآخَرِ ( وَلُزُومُ الْحُكْمِ بِكُفْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ) فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَلَا يُعْلَمُ صِدْقُهُمْ بِقَاطِعٍ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَالضَّرُورَةِ ( بِخِلَافِ أَهْلِ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ ) مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِكُفْرِهِمْ إذَا أَتَوْا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْعَدَالَةَ ( دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْعِلْمِ الْأَوَّلِ ) أَيْ الَّذِي فِي قَوْلِهِ وَمَا قِيلَ مَا لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ يُعْلَمْ كَذِبُهُ ( الظَّنُّ ) غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ ثُمَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالْعِلْمِ الْأَوَّلِ الظَّنُّ ( وَإِلَّا ) لَوْ أَرَادَ بِهِ الْقَطْعَ ( بَطَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ ) لِأَنَّهُ يُفِيدُ الظَّنَّ لَا الْقَطْعَ إلَّا مِنْ خَارِجٍ ( وَلَا يَقُولُهُ ) أَيْ بُطْلَانَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( ظَاهِرِيٌّ فَلَا يَتِمُّ إلْزَامُ كُفْرِ كُلِّ مُسْلِمٍ ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِتَرَجُّحِ صِدْقِ خَبَرِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُسْلِمٌ عَلَى كَذِبِهِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ فَيُعْلَمُ كَذِبُهُ فَيَلْزَمُ اللَّازِمُ الْمَذْكُورُ لِفَرْضِ أَنَّهُ عُلِمَ صِدْقُهُ أَيْ ظُنَّ ، وَالْعِلْمُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الظَّنِّ كَمَا بِالْعَكْسِ وَإِنَّمَا يَتِمُّ لُزُومُ ارْتِفَاعِ النَّقِيضَيْنِ ظَنًّا .
وَأَمَّا تَمَسُّكُهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحُكْمِ بِكَذِبِ مُدَّعِي الرِّسَالَةَ بِلَا دَلِيلٍ عَلَيْهَا فَجَوَابُهُ ( وَالْحُكْمُ بِكَذِبِ الْمُدَّعِي ) الرِّسَالَةَ بِلَا مُعْجِزَةٍ ( بِدَلِيلِهِ ) أَيْ التَّكْذِيبِ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ عَنْ اللَّهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَهِيَ تَقْضِي بِكَذِبِ مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُهَا بِلَا دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَا تَقْضِي بِكَذِبِهِ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ فَالْقِيَاسُ فَاسِدٌ

تَنْبِيهٌ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ بِكَذِبِ مُدَّعِي الرِّسَالَةِ بِلَا دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ قَطْعِيٌّ قَالَ السُّبْكِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ لِتَجْوِيزِ الْعَقْلِ صِدْقَهُ هَذَا وَمُدَّعِي النُّبُوَّةِ أَيْ الْإِيحَاءِ إلَيْهِ فَقَطْ لَا يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الْمُرَادَ مُدَّعِيهَا قَبْلَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

( وَ ) يَنْقَسِمُ الْخَبَرُ ( بِاعْتِبَارٍ آخَرَ ) أَيْ السَّنَدِ ( إلَى مُتَوَاتِرٍ وَآحَادٍ فَالْمُتَوَاتِرُ ) لُغَةً الْمُتَتَابِعُ عَلَى التَّرَاخِي وَاصْطِلَاحًا ( خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ لَا بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ ) عَنْهُ بَلْ بِنَفْسِهِ فَخَبَرُ جِنْسٌ شَامِلٌ لَهُ وَلِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَجَمَاعَةٍ تَخْرُجُ بَعْضُ أَفْرَادِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَهُوَ خَبَرُ الْفَرْدِ ، وَ ( يُفِيدُ الْعِلْمَ ) يَخْرُجُ مَا كَانَ مِنْ خَبَرِ الْآحَادِ خَبَرُ جَمَاعَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ لِلْعِلْمِ وَلَا بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَمَّا يُفِيدُهُ مِنْ إخْبَارِ جَمَاعَةٍ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَقْلِيَّةً كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ بِأَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ وَخَبَرِ جَمَاعَةٍ مُوَافِقٍ كَخَبَرِ اللَّهِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ أَوْ حِسِّيَّةً كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ عَنْ عَطَشِهِمْ وَجُوعِهِمْ بِشَهَادَةِ آثَارِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَوْ عَادِيَّةً كَخَبَرِ جَمَاعَةٍ عَنْ مَوْتِ وَالِدِهِمْ مَعَ شَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ وَالتَّفَجُّعِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ لَا تَكُونُ مُتَوَاتِرَةً ( بِخِلَافِ مَا يَلْزَمُ ) مِنْ الْقَرَائِنِ ( نَفْسَهُ ) أَيْ الْخَبَرَ مِثْلَ الْهَيْئَاتِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ الْمُوجِبَةِ لِتَحْقِيقِ مَضْمُونِهِ ( أَوْ الْمُخْبِرَ ) أَيْ الْمُتَكَلِّمَ مِثْلَ كَوْنِهِ مَوْسُومًا بِالصِّدْقِ مُبَاشِرًا لِلْأَمْرِ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ ( أَوْ الْمُخْبَرَ عَنْهُ ) أَيْ الْوَاقِعَةَ الَّتِي أَخْبَرُوا عَنْ وُقُوعِهَا كَكَوْنِهَا أَمْرًا قَرِيبَ الْوُقُوعِ أَوْ بَعِيدَهُ فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ بِمَعُونَةِ مِثْلِ هَذِهِ الْقَرَائِنِ لَا تَقْدَحُ فِي التَّوَاتُرِ ( وَعَنْهُ ) أَيْ هَذَا اللَّازِمِ ( يَتَفَاوَتُ عَدَدُهُ ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ حَتَّى إنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إذَا كَانَ قَرِيبَ الْوُقُوعِ يَحْصُلُ بِإِخْبَارِ عَدَدٍ أَقَلَّ مِنْ عَدَدِ بَعِيدِهِ .
( وَمَنَعَتْ السُّمَنِيَّةُ ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ فِرْقَةٌ مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى سُومَنَاتٍ بَلَدٍ مَشْهُورٍ بِالْهِنْدِ وَالْبَرَاهِمَةُ

وَهُمْ طَائِفَةٌ لَا يُجَوِّزُونَ عَلَى اللَّهِ بِعْثَةَ الرُّسُلِ ( إفَادَتَهُ الْعِلْمَ وَهُوَ ) أَيْ مَنْعُهُمْ ( مُكَابَرَةٌ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِوُجُودِ نَحْوِ مَكَّةَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ ) بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَقْطَعُ بِالْمَحْسُوسَاتِ عِنْدَ الْإِحْسَاسِ بِهَا بِلَا تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَعُودُ إلَى الْجَزْمِ فَكَانَ هَذَا دَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى إفَادَةِ هَذَا الْخَبَرِ الْعِلْمَ ( وَتَشْكِيكُهُمْ ) أَيْ السُّمَنِيَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ ( بِأَنَّهُ كَأَكْلِ الْكُلِّ طَعَامًا ) أَيْ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عَادَةً ( وَأَنَّ الْجَمِيعَ ) مُرَكَّبٌ ( مِنْ الْآحَادِ ) بَلْ هُوَ نَفْسُ الْآحَادِ ( وَكُلٌّ ) مِنْهُمْ ( لَا يَعْلَمُ خَبَرَهُ ) أَيْ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ ( فَكَذَا الْكُلُّ ) وَإِلَّا انْقَلَبَ الْمُمْكِنُ مُمْتَنِعًا وَهُوَ مُحَالٌ ( وَبِلُزُومِ تَنَاقُضِ الْمَعْلُومَيْنِ إذَا أَخْبَرَ جَمْعَانِ كَذَلِكَ ) أَيْ يُفِيدُ خَبَرُ كُلٍّ مِنْهُمَا الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ ( بِهِمَا ) أَيْ بِذَيْنِك الْمَعْلُومَيْنِ الْمُتَنَاقِضَيْنِ كَمَا إذَا أَخْبَرَ أَحَدُ الْجَمْعَيْنِ بِمَوْتِ زَيْدٍ فِي وَقْتِ كَذَا وَالْجَمْعُ الْآخَرُ بِحَيَاتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ بَاطِلٌ ( وَ ) بِلُزُومِ ( صِدْقِ الْيَهُودِ فِي ) نَقْلِهِمْ عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ( لَا نَبِيَّ بَعْدِي ) لِأَنَّهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ يُفِيدُ الْعِلْمَ خَبَرُهُمْ وَهُوَ بَاطِلٌ لِمُنَافَاتِهِ ثُبُوتَ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتَةِ بِالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ .
( وَ ) بِلُزُومِ ( عَدَمِ الْخِلَافِ ) فِيهِ نَفْسَهُ حَيْثُ قُلْتُمْ يُفِيدُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ ( وَبِأَنَّا نُفَرِّقُ بَيْنَهُ ) أَيْ بَيْنَ الْعِلْمِ الَّذِي يُفِيدُهُ الْمُتَوَاتِرُ ( وَغَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ ضَرُورَةَ ) حَتَّى لَوْ عَرَضْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وُجُودَ جَالِينُوسَ وَكَوْنَ الْوَاحِدِ نِصْفَ الِاثْنَيْنِ وَجَدْنَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ بِالضَّرُورَةِ وَلَوْ حَصَلَ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِالْمُتَوَاتِرِ لَمَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ

مِنْ الْبَدِيهِيَّاتِ وَالْمَحْسُوسَاتِ لِأَنَّ الضَّرُورِيَّاتِ لَا تَخْتَلِفُ فِي الْجَزْمِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ لِتَطَرُّقِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهَا ( تَشْكِيكٍ فِي ضَرُورَةٍ ) فَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَوَابَ ( وَأَبْعَدُهَا ) أَيْ هَذِهِ التَّشْكِيكَاتِ ( الْأَوَّلُ ) وَهُوَ كَوْنُهُ كَاجْتِمَاعِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى أَكْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ عَلِمَ وُقُوعَ الْعِلْمِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْ الْعِلْمِ بِوُجُودِ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ وَالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْإِمْكَانِ فَدَلَّ عَلَى إمْكَانِ اجْتِمَاعِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى خَبَرٍ وَاحِدٍ وَالْفَرْقُ وُجُودُ الدَّاعِي عَادَةً وَعَدَمُهُ عَادَةً ثَمَّةَ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَمْزِجَةِ وَالشَّهَوَاتِ مُؤَثِّرٌ فِي اخْتِلَافِ الدَّاعِي إلَى الْمَأْكُولِ وَغَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي اخْتِلَافِهِ إلَى الْإِخْبَارِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لِلْمِزَاجِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِوُقُوعِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ فَلَا بُعْدَ فِي وُقُوعِهِ وَاطِّلَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ عَلَيْهِ فَيَدْعُوهُمْ إلَى نَقْلِهِ ( وَإِنَّمَا خُيِّلَ ) أَيْ ظَنَّ هَذَا ( فِي الْإِجْمَاعِ عَنْ ) دَلِيلٍ ( ظَنِّيٍّ ) كَمَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابِهِ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ ( وَاخْتِلَافُ حَالِ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ ضَرُورِيٌّ ) أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاحِدَ جُزْءٌ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَيْسَتْ الْعَشَرَةُ جُزْءًا مِنْ نَفْسِهَا وَلِمَجْمُوعِ طَاقَاتِ الْحَبْلِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا لَيْسَ لِطَاقَةٍ أَوْ طَاقَتَيْنِ مِنْهَا وَلِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَا مَا لَيْسَ لِمَا دُونَهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ أَمْرٍ لِكُلٍّ مِنْ الْآحَادِ عَلَى انْفِرَادِ ثُبُوتِهِ لِجُمْلَتِهَا وَلَا يَلْزَمُ الِانْقِلَابُ لِأَنَّ الْمُتَوَاتِرَ قَابِلٌ لِلْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ ، غَيْرُ قَابِلٍ لَهُ بِاعْتِبَارِ اجْتِمَاعِ النَّقَلَةِ إلَى حَدٍّ يَمْنَعُ الْعَقْلُ تَوَافُقَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَالْمُمْكِنُ لِذَاتِهِ قَدْ يَصِيرُ مُمْتَنِعًا .
( وَالثَّالِثُ ) أَيْ لُزُومُ تَنَاقُضِ مَعْلُومَيْنِ بِخَبَرَيْنِ مُتَوَاتِرَيْنِ بِهِمَا ( فَرْضٌ مُمْتَنِعٌ ) عَادَةً فَلَا يُلْتَفَتُ

إلَيْهِ ( وَأَخْبَارُ الْيَهُودِ آحَادُ الْأَصْلِ ) لِأَنَّ الْيَهُودَ قَلُّوا فِي زَمَانِ بُخْتَ نَصَّرَ لِقَتْلِهِ إيَّاهُمْ فَفَاتَ شَرْطُ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَهُوَ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةِ وَلِأَنَّ الْقَاطِعَ دَلَّ عَلَى كَذِبِهِمْ فِيمَا نَقَلُوا وَالْخَبَرُ إنَّمَا يَكُونُ مُتَوَاتِرًا إذَا لَمْ يُكَذِّبْهُ قَاطِعٌ ( وَقَدْ يُخَالِفُ فِي الضَّرُورِيِّ مُكَابَرَةٌ كَالسُّوفِسْطَائِيَّةِ ) فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ وَيَزْعُمُ أَنَّهَا خَيَالَاتٌ بَاطِلَةٌ وَهُمْ الْعَنَانِيَّةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ ثُبُوتَهَا وَيَزْعُمُ أَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلِاعْتِقَادَاتِ حَتَّى لَوْ اعْتَقَدَ الْمُعْتَقِدُ الْعَرَضَ جَوْهَرًا وَالْجَوْهَرَ عَرَضًا فَالْأَمْرُ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ وَهُمْ الْعِنْدِيَّةُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ شَيْءٍ وَلَا ثُبُوتَهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ شَاكٌّ وَشَاكٌّ فِي أَنَّهُ شَاكٌّ وَهَلُمَّ جَرَّا وَهُمْ اللَّا أَدْرِيَّةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مُكَابَرَةٌ مِنْهُمْ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ وَمِنْ ثَمَّةَ كَانَ الْحَقُّ أَنْ لَا طَرِيقَ إلَى مُنَاظَرَتِهِمْ خُصُوصًا اللَّا أَدْرِيَّةُ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَرِفُونَ بِمَعْلُومٍ لِيَثْبُتَ بِهِ مَجْهُولٌ بَلْ الطَّرِيقُ تَعْذِيبُهُمْ بِالنَّارِ لِيَعْتَرِفُوا أَوْ يَحْتَرِقُوا وَسُوفُسْطَا اسْمٌ لِلْحِكْمَةِ الْمُمَوَّهَةِ وَالْعِلْمِ الْمُزَخْرَفِ ، وَيُقَالُ سَفَطَ فِي الْكَلَامِ إذَا النَّطْرُونِيُّ وَسَفْسَطَ الرَّجُلُ إذَا تَجَاهَلَ فَسُمُّوا بِهَذَا الِاسْمِ لِهَذَيَانِهِمْ أَوْ تَجَاهُلِهِمْ فَانْتَفَى التَّشْكِيكُ الْخَامِسُ .
( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالتَّوَاتُرِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ إنَّمَا هُوَ ( فِي السُّرْعَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِي الْجَلَاءِ وَالْخَفَاءِ ) بِوَاسِطَةِ التَّفَاوُتِ فِي الْإِلْفِ وَالْعَادَةِ وَالْمُمَارَسَةِ وَالْإِخْطَارِ بِالْبَالِ وَتَصَوُّرَاتِ أَطْرَافِ الْأَحْكَامِ ( لَا ) لِلِاخْتِلَافِ ( فِي الْقَطْعِ ) بِوَاسِطَةِ احْتِمَالِ النَّقِيضِ وَالْأَوَّلُ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الضَّرُورَةِ وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فَانْتَفَى التَّشْكِيكُ السَّادِسُ ( ثُمَّ الْجُمْهُورُ ) مِنْ

الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ( عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعِلْمَ ضَرُورِيٌّ ) لِحُصُولِهِ بِلَا نَظَرٍ وَلَا كَسْبٍ ( وَالْكَعْبِيُّ وَأَبُو الْحُسَيْنِ ) قَالَا هُوَ ( نَظَرِيٌّ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ قَالُوا ) أَيْ النَّظَرِيُّونَ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالتَّوَاتُرِ ( يَحْتَاجُ إلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ ) لِيَرْكَبَا عَلَى وَجْهٍ مُنْتَجٍ هَكَذَا ( الْمُخْبَرُ عَنْهُ مَحْسُوسٌ فَلَا يُشْتَبَهُ ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا إشَارَةً إلَى وَجْهِ اشْتِرَاطِ الْإِسْنَادِ إلَى الْحِسِّ لِأَنَّ الْعَقْلِيَّ قَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ كَحُدُوثِ الْعَالَمِ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ ( وَلَا دَاعِيَ لَهُمْ ) أَيْ لِلْجَمَاعَةِ الْمُخْبِرِينَ ( إلَى الْكَذِبِ ) لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ ( وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ ) أَيْ مَحْسُوسٌ غَيْرُ مُشْتَبَهٍ وَلَا دَاعِيَ لِمُخْبِرٍ بِهِ إلَى الْكَذِبِ ( صِدْقٌ ) فَهَذَا الْخَبَرُ صِدْقٌ وَلَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا لَمَا احْتَاجَ إلَيْهِمَا ( قُلْنَا احْتِيَاجُهُ ) أَيْ الْعِلْمِ بِخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ ( إلَى سَبْقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ) أَيْ الْمُقَدِّمَتَيْنِ وَتَرْتِيبِهِمَا عَلَى وَجْهٍ مُنْتَجٍ ( مَمْنُوعٌ فَإِنَّا نَعْلَمُ عِلْمَنَا بِوُجُودِ بَغْدَادَ مِنْ غَيْرِ خُطُورِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ) بِالْبَالِ حَتَّى إنَّ ذَلِكَ يَعْلَمُهُ مَنْ لَيْسَ يَعْلَمُ تَرْتِيبَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ مِنْ الصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ ( فَكَانَ ) الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ ( مَخْلُوقًا عِنْدَهُ ) أَيْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ لِسَامِعِهِ ( بِالْعَادَةِ وَإِمْكَانِ صُورَةِ التَّرْتِيبِ ) لِلْمُقَدَّمَتَيْنِ فِيهِ ( لَا يُوجِبُ النَّظَرِيَّةَ ) لِلْعِلْمِ الْحَاصِلِ مِنْهُ ( لِإِمْكَانِهِ ) أَيْ تَرْتِيبِهِمَا ( فِي أَجْلَى الْبَدِيهِيَّاتِ كَالْكُلِّ أَعْظَمُ مِنْ جُزْئِهِ ) بِأَنْ يُقَالَ الْكُلُّ فِيهِ جُزْءٌ آخَرُ غَيْرُ جُزْئِهِ الْمُفَضَّلِ عَلَيْهِ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَعْظَمُ .
( وَمَرْجِعُ الْغَزَالِيِّ ) حَيْثُ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالتَّوَاتُرِ ضَرُورِيٌّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الشُّعُورِ بِتَوَسُّطِ وَاسِطَةٍ مُفْضِيَةٍ إلَيْهِ

مَعَ أَنَّ الْوَاسِطَةَ حَاضِرَةٌ فِي الذِّهْنِ وَلَيْسَ ضَرُورِيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ حَاصِلٌ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ كَقَوْلِنَا الْمَوْجُودُ لَا يَكُونُ مَعْدُومًا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُصُولِ مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ جَامِعٌ وَالثَّانِيَةِ أَنَّهُمْ قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاقِعَةِ لَكِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِلَفْظٍ مَنْظُومٍ وَلَا إلَى الشُّعُورِ بِتَوَسُّطِهِمَا وَإِفْضَائِهِمَا إلَيْهِ ( إلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْمُتَوَاتِرُ ( مِنْ قَبِيلِ الْقَضَايَا الَّتِي قِيَاسَاتُهَا مَعَهَا ) كَالْعَشَرَةِ نِصْفُ الْعِشْرِينَ ( وَظَهَرَ ) مِنْ قَوْلِنَا نَعْلَمُ عِلْمَنَا بِوُجُودِ بَغْدَادَ إلَى آخِرِهِ ( عَدَمُهُ ) أَيْ عَدَمُ قَوْلِهِ أَيْ بُطْلَانُ قَوْلِهِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُنْكِرُونَ لِضَرُورَتِهِ ( لَوْ كَانَ ضَرُورِيًّا عُلِمَ ضَرُورِيَّتُهُ بِالضَّرُورَةِ ) لِأَنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ لِلْإِنْسَانِ وَلَا يَشْعُرُ بِالْعِلْمِ وَلَا بِكَيْفِيَّةِ حُصُولِهِ مُحَالٌ وَحِينَئِذٍ ( فَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ ) لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَلَيْسَ ضَرُورِيًّا ( قُلْنَا ) أَوَّلًا مُعَارَضٌ بِأَنَّهُ ( لَوْ كَانَ نَظَرِيًّا عُلِمَ نَظَرِيَّتُهُ بِالضَّرُورَةِ ) لِمَا ذَكَرْتُمْ ( وَالْحِلُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ الشُّعُورُ بِصِفَتِهِ ) الَّتِي هِيَ الضَّرُورَةُ لِإِمْكَانِ كَوْنِ الشَّيْءِ مَعْلُومًا وَلَا تَكُونُ صِفَتُهُ مَعْلُومَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمْ ) أَيْ الْمُنْكِرِينَ لِلضَّرُورَةِ ( لَمْ يُلْزِمُوا ) أَهْلَ الضَّرُورَةِ ( مِنْ الشُّعُورِ بِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ ( الشُّعُورَ بِصِفَتِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ ( بَلْ أَلْزَمُوا كَوْنَ الْعِلْمِ بِهَا ) أَيْ بِصِفَتِهِ ( ضَرُورِيًّا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ ) أَيْ الْعِلْمِ بِهَا ( ضَرُورِيًّا الشُّعُورُ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا ( بَلْ الضَّرُورَةُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْحُصُولَ بِوَجْهٍ إذْ يَتَوَقَّفُ ) الشُّعُورُ بِكَوْنِهِ ضَرُورِيًّا ( عَلَى تَوَجُّهِ النَّفْسِ وَتَطْبِيقِ مَفْهُومِ الضَّرُورِيِّ الْمَشْهُورِ )

وَهُوَ كَوْنُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَكَسْبٍ ( وَلَيْسَ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى ذَلِكَ ) أَيْ تَوَجُّهِ النَّفْسِ وَتَطْبِيقِ مَفْهُومِ الضَّرُورِيِّ ( نَظَرِيًّا بَلْ الْجَوَابُ مَنْعُ انْتِفَاءِ التَّالِي ) وَهُوَ عِلْمُ ضَرُورِيَّتِهِ بِالضَّرُورَةِ ( وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ ) آنِفًا حَيْثُ قَالَ قُلْنَا احْتِيَاجُهُ إلَى سَبْقِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ مَمْنُوعٌ ( وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تُوجِبُ عَدَمَ الِاخْتِلَافِ ) كَمَا سَلَفَ قَرِيبًا ( فَقَدْ يَنْشَأُ ) الِاخْتِلَافُ ( لَا مِنْ جِهَةِ الْمَفْهُومِ بَلْ مِنْ الْغَلَطِ بِظَنِّ كُلٍّ مُتَوَقِّفٍ ) عَلَى غَيْرِهِ نَظَرِيًّا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( وَقَدْ انْتَظَمَ الْجَوَابُ ) الْقَائِلُ احْتِيَاجُهُ إلَى سَبْقِ الْعِلْمِ مَمْنُوعٌ إلَخْ ( دَلِيلَ الْمُخْتَارِ ) وَهُوَ أَنَّهُ ضَرُورِيٌّ .
( وَشُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ ) الصَّحِيحَةُ فِي الْمُخْبِرِينَ ثَلَاثَةٌ ( تَعَدُّدُ النَّقَلَةِ بِحَيْثُ يَمْنَعُ التَّوَاطُؤَ عَادَةً ) عَلَى الْكَذِبِ فَهَذَا أَحَدُهَا ( وَالِاسْتِنَادُ ) فِي إخْبَارِهِمْ ( إلَى الْحِسِّ ) أَيْ إحْدَى الْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لَا إلَى الْعَقْلِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ وَهَذَا ثَانِيهَا ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) الِاسْتِنَادُ إلَى الْحِسِّ ( فِي كُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ فِي اشْتِرَاطِ الْقَاضِي وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِمَا أَخْبَرُوا بِهِ لَا ظَانِّينَ فِيهِ ، غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ الْجَمِيعُ فَبَاطِلٌ قَالَ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمُخْبِرِينَ مُقَلِّدًا فِيهِ أَوْ ظَانًّا أَوْ مُجَازِفًا قَالَ السُّبْكِيُّ وَعِنْدِي هُنَا وَقْفَةٌ فَقَدْ يُقَالُ الْعِلْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا إذَا عَلِمَ الْكُلَّ ( وَاسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ فِي ذَلِكَ ) أَيْ التَّعَدُّدِ وَالِاسْتِنَادِ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ طَبَقَةٍ لَهُمْ حُكْمُ أَنْفُسِهِمْ فَيُشْتَرَطُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِمْ ( وَالْعِلْمُ بِهَا ) أَيْ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ أَوَّلًا ( شَرْطُ الْعِلْمِ بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ ( عِنْدَ

مَنْ جَعَلَهُ ) أَيْ عِلْمَ الْمُتَوَاتِرِ ( نَظَرِيًّا ) لِأَنَّهُ الطَّرِيقُ إلَيْهِ ( وَعِنْدَنَا ) الْعِلْمُ بِالشُّرُوطِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الْعِلْمِ بِالتَّوَاتُرِ بِخَلْقِ اللَّهِ إيَّاهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ ( عَادَةً ) فَإِنَّ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عِلْمًا مِنْهُ عِلْمُ وُجُودِ الشَّرَائِطِ وَإِلَّا فَلَا ، فَهِيَ شُرُوطٌ لَهُ لَا يَتَحَقَّقُ هُوَ فِي نَفْسِهِ إلَّا بَعْدَهَا لَا شَرْطُ الْعِلْمِ بِهِ وَكَيْفَ لَا ( وَقَدْ ) يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ مِنْهُ وَحَالُهُ أَنَّهُ ( لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا ) أَيْ الشُّرُوطِ بَلْ هُوَ ذَاهِلٌ عَنْ مُلَاحَظَتِهَا وَأَيْضًا لَوْ كَانَ سَبْقُ الْعِلْمِ بِالشُّرُوطِ ضَابِطًا لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَمَا اخْتَلَفَ حُصُولُهُ عِنْدَ وُجُودِهَا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَلِفُ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبْقُ الْعِلْمِ يُوجِبُ حُصُولَهُ لِقَوْمٍ بِوَاقِعَةٍ لَا لِغَيْرِهِمْ فِيهَا وَلَا لَهُمْ فِي غَيْرِهَا ( وَلَا يَتَعَيَّنُ عَدَدٌ ) مَخْصُوصٌ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ التَّوَاتُرِ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ ) يَتَعَيَّنُ فَقِيلَ ( أَقَلُّهُمْ خَمْسَةٌ ) لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِي الزِّنَى تَجِبُ تَزْكِيَتُهُمْ لِإِفَادَةِ خَبَرِهِمْ الظَّنَّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يُفِيدُ الْيَقِينَ ثُمَّ بِالْأَوْلَى مَا دُونَهَا وَالْإِصْطَخْرِيُّ عَشَرَةٌ لِأَنَّ مَا دُونَهَا جَمْعُ الْآحَادِ فَاخْتَصَّ بِأَخْبَارِهَا وَالْعِشْرِينَ فَمَا زَادَ جَمْعُ الْكَثْرَةِ ( وَاثْنَا عَشَرَ ) كَعَدَدِ نُقَبَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ الْمَبْعُوثِينَ طَلِيعَةً لَهُمْ إلَى الْجَبَابِرَةِ وَالْكَنْعَانِيِّينَ بِالشَّامِ فَإِنَّ كَوْنَهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ .
( وَعِشْرُونَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } فَيَتَوَقَّفُ بَعْثُ عِشْرِينَ لِمِائَتَيْنِ عَلَى إخْبَارِهِمْ بِصَبْرِهِمْ وَكَوْنِهِمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلَ ذَلِكَ ( وَأَرْبَعُونَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُك اللَّهُ وَمَنْ

اتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا كَمَّلَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِدَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِخْبَارُ اللَّهِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَافُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَدْعِي إخْبَارَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِذَلِكَ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ وَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ( وَسَبْعُونَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا } أَيْ لِلِاعْتِذَارِ إلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَسَمَاعِهِمْ كَلَامَهُ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ لِيُخْبِرُوا قَوْمَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَهُ ، وَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ عَدَدُ أَهْلِ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَهِيَ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى الَّتِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهَا الْإِسْلَامَ وَلِذَلِكَ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا لِاقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ احْتِرَامِهِمْ يَسْتَدْعِي التَّنْقِيبَ عَنْهُمْ لِيُعْرَفُوا وَإِنَّمَا يُعْرَفُونَ بِإِخْبَارِهِمْ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَدَدُ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي عَدَدِهِمْ رِوَايَاتٌ ثَلَاثٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَلْفٌ وَثَلَثُمِائَةٍ ، أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ ، أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ أَصَحُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالصَّحِيحُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَكَوْنُهُمْ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ الْمَطْلُوبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ( وَمَا لَا يُحْصَى وَمَا لَا يَحْصُرُهُمْ بَلَدٌ ) لِيَمْتَنِعَ التَّوَاطُؤُ وَالْكُلُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ كَمَا قَالَ ( وَالْحَقُّ عَدَمُهُ ) أَيْ الْحَصْرِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ( لِقَطْعِنَا بِقَطْعِنَا

بِمَضْمُونِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ ( بِلَا عِلْمٍ مُتَقَدِّمٍ بِعَدَدٍ ) مَخْصُوصٍ ( عَلَى النَّظَرِيَّةِ ) أَيْ الطَّائِفَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمًا نَظَرِيًّا ( وَلَا ) عِلْمٍ ( مُتَأَخِّرٍ ) بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ ( عَلَى الضَّرُورِيَّةِ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يُفِيدُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا ( وَلِلْعِلْمِ بِاخْتِلَافِهِ ) أَيْ الْعَدَدِ ( بِحُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَدٍ ) خَاصٍّ ( فِي مَادَّةٍ وَعَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ حُصُولِهِ ( فِي ) مَادَّةٍ ( أُخْرَى مَعَ مِثْلِهِ ) أَيْ الْعَدَدِ الْخَاصِّ الْمَذْكُورِ ( فَبَطَلَ ) بِهَذَا أَيْضًا ( قَوْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ وَالْقَاضِي كُلُّ خَبَرِ عَدَدٍ أَفَادَ عِلْمًا ) بِشَيْءٍ لِشَخْصٍ ( فَمِثْلُهُ ) أَيْ خَبَرُ ذَلِكَ الْعَدَدِ ( يُفِيدُهُ ) أَيْ عِلْمًا بِشَيْءٍ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصِ ، ثُمَّ قَالَ تَعْلِيلًا لِاخْتِلَافِ الْعَدَدِ فِي إفَادَتِهِ الْعِلْمَ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ دَلِيلِ إبْطَالِ كَوْنِ عَدَدٍ مَا إذَا أَفَادَ الْعِلْمَ أَفَادَهُ فِي كُلِّ مَادَّةٍ ( لِلِاخْتِلَافِ فِي لَوَازِمِ مَضْمُونِ الْخَبَرِ مِنْ قُرْبِهِ وَبُعْدِهِ وَمِنْ مُمَارَسَةِ الْمُخْبِرِينَ لِمَضْمُونِهِ وَالْعِلْمِ بِأَمَانَتِهِمْ وَضَبْطِهِمْ وَحُسْنِ إدْرَاكِ الْمُسْتَمِعِينَ ) فَإِنَّ هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِي الْمُفِيدِ بِنَفْسِهِ فَاخْتِلَافُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِالْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ وَاقِعٌ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ لَيْسَ غَيْرُ ، وَتَفَاوُتُهَا فِي إيجَابِ الْعِلْمِ بِهَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بَسِيطَةٌ فَكَيْفَ إذَا تَرَكَّبَ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ثُمَّ أَمْرُ قَوْلِ الْقَاضِي وَأَبِي الْحُسَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ( إلَّا أَنْ يُرَادَ ) بِهِ ( مَعَ التَّسَاوِي ) لِلْخَبَرَيْنِ فِي ذَاتَيْهِمَا وَمُخْبِرَيْهِمَا وَمَخْبَرَيْهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( فَصَحِيحٌ ) حِينَئِذٍ قَوْلُهُمَا لَكِنَّ التَّسَاوِي مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ ( بَعِيدٌ ) جِدًّا لِتَفَاوُتِهِمَا عَادَةً ثُمَّ تَلَخَّصَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إنَاطَةِ حُصُولِ الْعِلْمِ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ لِكُلِّ

سَامِعٍ بِهِ .
وَكَيْفَ وَالِاعْتِقَادُ يَتَزَايَدُ بِتَدْرِيجٍ خَفِيٍّ كَمَا يَحْصُلُ كَمَالُ الْعَقْلِ كَذَلِكَ لِلْإِنْسَانِ وَالْقُوَّةُ الْبَشَرِيَّةُ قَاصِرَةٌ عَنْ ضَبْطِهِ بَلْ الضَّابِطُ لِلْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ حُصُولُ الْعِلْمِ فَمَتَى أَفَادَ الْخَبَرُ بِمُجَرَّدِهِ الْعِلْمَ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَأَنَّ جَمِيعَ شَرَائِطِهِ مَوْجُودَةٌ وَإِنْ لَمْ يُفِدْهُ ظَهَرَ عَدَمُ تَوَاتُرِهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ ( وَأَمَّا شَرْطُ الْعَدَالَةِ وَالْإِسْلَامِ كَيْ لَا يَلْزَمَ تَوَاتُرُ ) خَبَرِ ( النَّصَارَى بِقَتْلِ الْمَسِيحِ ) وَهُوَ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ } وَإِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ( فَسَاقِطٌ كَشُرُوطِ الْيَهُودِ أَهْلِ الذِّلَّةِ ) وَالْمَسْكَنَةِ أَنْ يَكُونُوا فِي الْمُخْبِرِينَ ( لِخَوْفِهِمْ ) أَيْ الْيَهُودِ ( الْمُوَاطَأَةَ ) عَلَى الْكَذِبِ مِنْ الْمُخْبِرِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ هَؤُلَاءِ بَلْ كَانَ الْكُلُّ مِنْ الْأَكَابِرِ وَالْعُظَمَاءِ لِعَدَمِ خَوْفِهِمْ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْكَذِبِ لِعِزَّتِهِمْ وَجَاهِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ فَإِنَّ خَوْفَهُمْ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْكَذِبِ لِهَوَانِهِمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ أَمَّا سُقُوطُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ تَحَقَّقَ الشَّرْطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اسْتِوَاءُ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَاسِطَةُ فِي الْعَدَدِ الْمَانِعِ مِنْ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَخَبَرُهُمْ آحَادُ الْأَصْلِ ) فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِمْ قَلِيلِينَ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَمْتَنِعُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ لِأَنَّ الْمَسِيحَ شُبِّهَ لَهُمْ فَقَتَلُوهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُ هُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ } وَأَمَّا سُقُوطُ الثَّانِي فَلِحُصُولِ الْعِلْمِ بِإِخْبَارِ الْعُظَمَاءِ عَنْ مَحْسُوسٍ كَغَيْرِهِمْ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْعِلْمُ مِنْ خَبَرِهِمْ أَسْرَعَ لِتَرَفُّعِهِمْ عَنْ رَذِيلَةِ الْكَذِبِ لِشَرَفِهِمْ وَحِفْظِ جَاهِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ فَإِنَّهُمْ قَدْ

يُقْدِمُونَ عَلَى الْكَذِبِ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِهِ لِدَنَاءَةِ نُفُوسِهِمْ وَخِسَّتِهِمْ وَعَدَمِ خَوْفِهِمْ مِنْ سُقُوطِ جَاهِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ ( تَتْمِيمٌ ) وَأَمَّا شُرُوطُ الْمُتَوَاتِرِ فِي الْمُسْتَمِعِينَ فَثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا كَوْنُ الْمُسْتَمِعِ أَهْلًا لِقَبُولِ الْعِلْمِ بِالْمُتَوَاتِرِ ثَانِيهَا عَدَمُ عِلْمِهِ بِمَدْلُولِ الْخَبَرِ قَبْلَ سَمَاعِهِ وَإِلَّا كَانَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ ثَالِثُهَا أَنْ لَا يَكُونَ مُعْتَقِدًا بِخِلَافِ مَدْلُولِهِ إمَّا لِشُبْهَةِ دَلِيلٍ إنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ لِتَقْلِيدٍ إنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ فَإِنَّ ارْتِسَامَ ذَلِكَ فِي ذِهْنِهِ وَاعْتِقَادَهُ لَهُ مَانِعٌ مِنْ قَبُولِ غَيْرِهِ وَالْإِصْغَاءِ إلَيْهِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ وَلَا تَعَقُّبٍ وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ الشَّرِيفِ الْمُرْتَضَى ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ دَالٌّ عَلَى إمَامَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إفَادَتِهِ الْعِلْمَ عِنْدَ الْخَصْمِ اعْتِقَادُ خِلَافِهِ وَهَذَا تَعَقُّبٌ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَيْهِ لِهَذِهِ الدَّسِيسَةِ لَا غَيْرُ ، فَإِذَا هُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا

( وَيَنْقَسِمُ الْمُتَوَاتِرُ إلَى مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِمَوْضُوعٍ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ ) كَالْأَمْكِنَةِ النَّائِيَةِ وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ ( وَغَيْرِ مَوْضُوعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ( بَلْ يُعْلَمُ ) ذَلِكَ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَوْضُوعٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِلسَّامِعِ ( عِنْدَهَا ) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ( بِالْعَادَةِ كَأَخْبَارِ عَلِيٍّ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحُرُوبِ ( وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ) فِي الْعَطَاءِ ( يَحْصُلُ عِنْدَهَا ) أَيْ إخْبَارِهِمَا لِلسَّامِعِ عَادَةً ( عِلْمُ الشَّجَاعَةِ ، وَالسَّخَاءِ ، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا ) أَيْ أَخْبَارِهِمَا ( يَدُلُّ عَلَى السَّجِيَّةِ ضِمْنًا ، إذْ لَيْسَ الْجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ إعْطَاءِ آلَافٍ ) لِأَنَّ الْجُودَ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ هِيَ مَبْدَأٌ لِإِفَادَةِ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي لَا لِعِوَضٍ ( وَلَا الشَّجَاعَةُ جُزْءَ مَفْهُومٍ قَتْلِ آحَادٍ مَخْصُوصِينَ ) لِأَنَّ الشَّجَاعَةَ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ تَقْتَضِي اعْتِدَالَ الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ ( وَلَا ) يَدُلُّ عَلَى السَّجِيَّةِ ( الْتِزَامًا إلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ ) لِلِالْتِزَامِ ( لِجَوَازِ تَعَقُّلِ قَاتِلٍ أَلْفًا بِلَا خُطُورِ مَعْنَى الشَّجَاعَةِ فَمَا قِيلَ ) أَيْ فَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَوَاتِرُ فِي الْوَقَائِعِ ( الْمَعْلُومُ مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ بِتَضَمُّنٍ أَوْ الْتِزَامِ تَسَاهُلٍ ) كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِمَّا حَقَّقْنَاهُ ( وَأَمَّا الْآحَادُ فَخَبَرٌ لَا يُفِيدُ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ ) سَوَاءٌ لَمْ يُفِدْهُ أَصْلًا أَوْ أَفَادَهُ بِالْقَرَائِنِ الزَّائِدَةِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرَ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ لَا يَتِمُّ عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ خَبَرُ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِنَفْسِهِ مُطَّرِدًا وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُطَّرِدٍ كَمَا سَيَأْتِي ( وَقِيلَ مَا ) أَيْ خَبَرٌ ( يُفِيدُ الظَّنَّ وَاعْتُرِضَ بِمَا ) أَيْ بِخَبَرٍ ( لَمْ يُفِدْهُ ) أَيْ الظَّنَّ فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ بِهِ لِصِدْقِ الْمَحْدُودِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَبَرَ وَاحِدٍ دُونَ الْحَدِّ ( وَدُفِعَ بِأَنَّهُ ) أَيْ

الْخَبَرَ الَّذِي لَمْ يُفِدْ الظَّنَّ ( لَا يُرَادُ ) لِلْمُعَرِّفِ أَيْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْمَحْدُودِ ( إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ ) أَيْ بِالْخَبَرِ ( حُكْمٌ ) وَالْمَقْصُودُ تَعْرِيفُ الْخَبَرِ الَّذِي يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ وَلَا يَكُونُ مُتَوَاتِرًا وَعَلَى هَذَا تَثْبُتُ الْوَاسِطَةُ ( وَلَيْسَ ) بِشَيْءٍ ( إذْ يَثْبُتُ بِالضَّعِيفِ ) أَيْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ضَعَّفَهُ ( بِغَيْرِ وَضْعِ ) أَيْ كَذِبِ ( الْفَضَائِلُ وَهُوَ النَّدْبُ ) وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ

( وَمِنْهُ ) أَيْ خَبَرِ الْآحَادِ ( قِسْمٌ يُسَمَّى الْمُسْتَفِيضَ ) وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ( مَا رَوَاهُ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا ) أَيْ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ وَكَأَنَّهُ حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ أَقَلُّ مَا تَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِفَاضَةُ اثْنَانِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْتَفِيضَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ شَائِعًا وَقَدْ صَدَرَ عَنْ أَصْلٍ لِيُخْرِجَ مَا شَاعَ لَا عَنْ أَصْلٍ وَرُبَّمَا حَصَلَتْ الِاسْتِفَاضَةُ بِاثْنَيْنِ وَجَعَلَهُ الْأُسْتَاذُ الْإسْفَرايِينِيّ وَابْنُ فُورَكٍ وَاسِطَةً بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ وَزَعَمَا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْعِلْمَ نَظَرًا وَالْمُتَوَاتِرُ يَقْتَضِيهِ ضَرُورَةً وَمَثَّلَ الْإسْفَرايِينِيّ بِمَا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَرَدَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالصِّدْقِ فِيهِ وَإِنَّمَا قُصَارَاهُ ظَنٌّ غَالِبٌ ( وَالْحَنَفِيَّةُ ) قَالُوا ( الْخَبَرُ مُتَوَاتِرٌ وَآحَادٌ وَمَشْهُورٌ وَهُوَ ) أَيْ الْمَشْهُورُ ( مَا كَانَ آحَادُ الْأَصْلِ مُتَوَاتِرًا فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَبَيْنَهُ ) أَيْ الْمَشْهُورِ ( وَبَيْنَ الْمُسْتَفِيضِ ) بِأَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ( عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ ) لِصِدْقِهِمَا فِيمَا رَوَاهُ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ ثُمَّ تَوَاتَرَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ ، وَانْفِرَادُ الْمُسْتَفِيضِ عَنْ الْمَشْهُورِ فِيمَا رَوَاهُ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ أَوْ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَنْتَهِ إلَى التَّوَاتُرِ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ .
وَانْفِرَادُ الْمَشْهُورِ عَنْ الْمُسْتَفِيضِ فِيمَا رَوَاهُ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فِي الْأَصْلِ ثُمَّ تَوَاتَرَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَشْهُورُ ( قِسْمٌ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ عِنْدَ الْجَصَّاصِ ) فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ( وَعَامَّتُهُمْ ) أَيْ

الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ ( قَسِيمٌ ) لِلْمُتَوَاتِرِ ( فَالْآحَادُ مَا لَيْسَ أَحَدَهُمَا ) أَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمَشْهُورِ اتِّفَاقًا ( وَالْمُتَوَاتِرُ عِنْدَهُ ) أَيْ الْجَصَّاصِ ( مَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ ضَرُورَةً أَوْ ) مَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ ( نَظَرًا وَهُوَ ) أَيْ مُفِيدُ الْعِلْمِ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ نَظَرًا ( الْمَشْهُورُ وَعَلَى هَذَا ) أَيْ أَنَّ الْمَشْهُورَ يُفِيدُ الْعِلْمَ نَظَرًا .
( قِيلَ ) الْجَصَّاصُ ( يُكْفَرُ ) جَاحِدُهُ ( بِجَحْدِهِ ) وَعَامَّتُهُمْ لَا يُكَفِّرُونَهُ فَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الْإِكْفَارِ وَعَدَمِهِ وَالْقَائِلُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ ( وَالْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِهِ ) أَيْ الْإِكْفَارِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ( لِآحَادِيَّةِ أَصْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ ) جَحْدُهُ ( تَكْذِيبًا لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلْ ضَلَالَةً لِتَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ ) فِي الْقَبُولِ وَاتِّهَامِهِمْ بِعَدَمِ التَّأَمُّلِ فِي كَوْنِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَايَةَ التَّأَمُّلِ ( وَلِأَنَّ الْإِفَادَةَ ) لِلْعِلْمِ ( إذَا كَانَتْ نَظَرِيَّةً تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ ) أَيْ النَّظَرِ ( وَقَدْ يَعْجِزُ السَّامِعُ لِلْمَشْهُورِ عَنْهُ ) أَيْ النَّظَرِ ( أَوْ يَذْهَلُ عَنْهُ وَحَاصِلُ ذَلِكَ النَّظَرِ ) الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْعِلْمِ الْمُفَادِ بِالْمَشْهُورِ عَلَى قَوْلِ الْجَصَّاصِ ( الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ ) عَلَى ( أَنَّهُ ) أَيْ الْمَشْهُورُ ( صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ بِهِ ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ ( قُلْنَا اللَّازِمُ ) مِنْ إجْمَاعِهِمْ ( الْقَطْعُ بِصِحَّةِ الرِّوَايَةِ ) لَهُ ( بِمَعْنَى اجْتِمَاعِ شَرَائِطِ الْقَبُولِ لَا الْقَطْعِ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَشْهُورُ ( قَالَهُ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَلَوْ كَانَ ) الْإِجْمَاعُ الْمُتَأَخِّرُ ( عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ لَا يُكْفَرُ ( لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مَعْنَى الْخَفَاءِ ) فِيهِ وَهُوَ الْعَجْزُ وَالذُّهُولُ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمُتَوَاتِرِ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَكْذِيبِهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَالْمَسْمُوعِ مِنْهُ وَتَكْذِيبُهُ كُفْرٌ وَعَلَى هَذَا فَلَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي الْأَحْكَامِ ( ثُمَّ يُوجِبُ ) الْمَشْهُورُ عِنْدَ عَامَّةِ الْحَنَفِيَّةِ ( ظَنًّا فَوْقَ ) ظَنِّ خَبَرِ ( الْآحَادِ قَرِيبًا مِنْ الْيَقِينِ ) وَهُوَ مَا سَمَّاهُ الْقَوْمُ عِلْمَ طُمَأْنِينَةٍ إذْ هِيَ زِيَادَةُ تَوْطِينٍ وَتَسْكِينٍ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ عَلَى مَا أَدْرَكَتْهُ فَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ يَقِينًا فَاطْمِئْنَانُهَا زِيَادَةُ الْيَقِينِ وَكَمَالُهُ كَمَا يَحْصُلُ لِلْمُتَيَقِّنِ بِوُجُودِ مَكَّةَ بَعْدَمَا يُشَاهِدُهَا وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَاطْمِئْنَانُهَا رُجْحَانُ جَانِبِ الظَّنِّ بِحَيْثُ يَكَادُ يَدْخُلُ فِي حَدِّ الْيَقِينِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَحَاصِلُهُ سُكُونُ النَّفْسِ عَنْ الِاضْطِرَابِ بِشُبْهَةٍ إلَّا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ آحَادِ الْأَصْلِ ( لِمَقُولِيَّةِ الظَّنِّ ) عَلَى أَفْرَادِهِ ( بِالتَّشْكِيكِ ) فَبَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فِي مَعْنَاهُ ( فَوَجَبَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَشْهُورِ ( كَتَقْيِيدِ ) مُطْلَقِ ( آيَةِ جَلْدِ الزَّانِي ) الشَّامِلِ لِلْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ ( بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ بِرَجْمِ مَاعِزٍ ) مِنْ غَيْرِ جَلْدِ الثَّابِتِ جُمْلَةُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا .
( وَقَوْلُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بَلْ تَقْيِيدُهُ بِهِ مِنْ قَبِيلِ التَّقْيِيدِ بِمَا هُوَ مُتَوَاتِرُ الْمَعْنَى ( وَ ) تَقْيِيدُ مُطْلَقِ ( صَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ) الشَّامِلِ لِلْمُتَتَابِعِ وَغَيْرِهِ ( بِالتَّتَابُعِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ كَمَا تَقَدَّمَ ( لِشُهْرَتِهَا ) أَيْ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ ( فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ ) أَيْ الشُّهْرَةُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ( الشَّرْطُ ) فِي وُجُوبِ تَقْيِيدِ مُطْلَقِ الْكِتَابِ بِهِ ( وَ ) تَقْيِيدُ (

آيَةِ غَسْلِ الرَّجُلِ ) فِي الْوُضُوءِ ( بِعَدَمِ التَّخَفُّفِ ) أَيْ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَيْهَا ( بِحَدِيثِ الْمَسْحِ ) عَلَى الْخُفِّ الْمُخْرَجِ فِي الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَغَيْرِهَا ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) حَدِيثُهُ ( مُتَوَاتِرًا ) وَعَلَيْهِ مَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ يُخَافُ عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْأَخْبَارِ مَا يُشْبِهُ الْمُتَوَاتِرَ وَمَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ وَمَا فِي الْمَبْسُوطِ جَوَازُ الْمَسْحِ بِآثَارٍ مَشْهُورَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ التَّوَاتُرِ وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ الْكَرْخِيُّ أَثْبَتْنَا الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .

( فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ الرَّاوِي مِنْهَا كَوْنُهُ بَالِغًا حِينَ الْأَدَاءِ ) وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَقْتَ التَّحَمُّلِ ( لِاتِّفَاقِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ( عَلَى ) قَبُولِ رِوَايَةِ ( ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ بِلَا اسْتِفْسَارٍ ) عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَحَمَّلُوا فِيهِ مَا يَرْوُونَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُصُوصًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالنُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَسِنُّ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْعَشْرِ فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ السِّيَرِ وَالْأَخْبَارِ وَمَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَمِمَّا حَفِظَهُ فِي الصِّغَرِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ كُنْت أَنَا وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فِي الْأُطُمِ الَّذِي فِيهِ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَرْفَعُنِي وَأَرْفَعُهُ فَإِذَا رَفَعَنِي رَأَيْت أَبِي حِينَ يَمُرُّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ يُقَاتِلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَذَهَبَ الزُّبَيْرُ فَلَمَّا رَجَعَ قُلْت لَهُ يَا أَبَتِ لَقَدْ رَأَيْتُك وَأَنْتَ تَمُرُّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَجْمَعَ لِي أَبَوَيْهِ يَتَفَدَّانِي بِهِمَا فِدَاك أَبِي وَأُمِّي } وَالْخَنْدَقُ إمَّا فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ أَوْ الْخَامِسَةِ فَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عُمُرُهُ إذْ ذَاكَ أَرْبَعُ سِنِينَ وَبَعْضُ أَشْهُرٍ فَقَدْ ضَبَطَ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَهُوَ صَغِيرٌ جِدًّا وَالنُّعْمَانُ مِنْ أَقْرَانِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ فِي الْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ .
قَالَ الْوَاقِدِيُّ وُلِدَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَمِمَّا صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنْ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الْحَلَالُ بَيِّنٌ } الْحَدِيثَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَإِنْ جَاءَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ تَحَمَّلَ صَغِيرًا وَأَدَّى كَبِيرًا فَقَدْ { قِيلَ لَهُ أَشَهِدْت الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْته مِنْ الصِّغَرِ } وَسَاقَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنَسٌ فَكَانَ ابْنُ عَشَرَ سِنِينَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَعَرَضَتْهُ أُمُّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخِدْمَتِهِ فَقَبِلَهُ وَتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً وَقَدْ رُوِيَ لَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفَا حَدِيثٍ وَمِائَتَا حَدِيثٍ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُونَ حَدِيثًا وَلَمْ يُنْقَلْ الْفَحْصُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي تَلَقَّى فِيهِ ذَلِكَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ التَّلَقِّي فِي غَيْرِ حَالَةِ الْبُلُوغِ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ لَمْ يَغْفُلْ الْفَحْصُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَوْ فِي بَعْضِهَا وَلَوْ فُحِصَ عَنْهُ لَنُقِلَ ظَاهِرًا وَلَمْ يُنْقَلْ ثُمَّ قَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَهُ كِفَايَةٌ ( فَبَطَلَ الْمَنْعُ ) أَيْ مَنْعُ قَبُولِهِ لِكَوْنِ الصِّغَرِ مَظِنَّةَ عَدَمِ الضَّبْطِ وَالتَّحْرِيرِ وَيَسْتَمِرُّ الْمَحْفُوظُ إذْ ذَاكَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ .
( وَأَمَّا إسْمَاعُهُمْ الصِّبْيَانَ ) لِلْحَدِيثِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ( فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ ) قَبُولَ رِوَايَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَلْبَتَّةَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ بِدَلِيلِ إحْضَارِهِمْ مَنْ لَا يَضْبِطُ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى رِوَايَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي الصِّبَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى رِوَايَةِ مَا تَحَمَّلُوهُ فِي الصِّبَا ( وَقَبْلَ

الْمُرَاهِقِ شُذُوذٌ مَعَ تَحْكِيمِ الرَّأْيِ ) فَإِذَا وَقَعَ فِي ظَنِّ السَّامِعِ صِدْقُهُ قَبِلَ رِوَايَتَهُ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالدِّيَانَاتِ .
( قُلْنَا الْمُعْتَمَدُ الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَرْجِعُوا ) أَيْ الصَّحَابَةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْمُرَاهِقِ ( وَاعْتِمَادُ أَهْلِ قُبَاءَ عَلَى أَنَسٍ أَوْ ابْنِ عُمَرَ لِسِنِّ الْبُلُوغِ ) وَهُوَ جَوَابُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ عَنْ حُجَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ رِوَايَةَ الصَّبِيِّ فِي بَابِ الدَّيْنِ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ بِحَدِيثِ أَهْلِ قُبَاءَ حَيْثُ قَالُوا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَتَاهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُمْ كَانُوا فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا كَهَيْئَتِهِمْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمئِذٍ صَغِيرًا عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ يَوْمَ أُحُدٍ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ كَانَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ فَقَدْ اعْتَمَدُوا خَبَرَهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ إلَّا بِعِلْمٍ وَهُوَ الصَّلَاةُ إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَكِنَّا نَقُولُ إنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَإِنَّا نَحْمِلُ عَلَى أَنَّهُمَا جَاءَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَأَخْبَرَا بِذَلِكَ فَإِنَّمَا تَحَوَّلُوا مُعْتَمَدِينَ عَلَى رِوَايَةِ الْبَالِغِ وَهُوَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بَالِغًا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ لَا لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا فَإِنَّ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا ا هـ وَقَدْ مَشَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَعَقَّبَ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ فِيهَا أُمُورًا أَحَدَهَا أَنَّ الْمُخْبِرَ لَمْ يَكُنْ ابْنَ عُمَرَ بَلْ كَانَ رَجُلًا غَيْرَهُ وَإِنَّمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ

رَاوِيَ أَخْبَارِهِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ثَانِيَهَا { أَنَّ ابْنَ عُمَرَ إنَّمَا عُرِضَ يَوْمُ أُحُدٍ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ يُجِزْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُرِضَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ } كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ثَالِثَهَا أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ كَانَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَنَسًا كَانَ ابْنَ عَشَرَ سِنِينَ كَمَا سَلَفَ فَكَيْفَ يَكُونُ بَالِغًا وَلَمْ يُكْمِلْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَأُحُدٌ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ فَكَانَ عُمُرُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَابْنُ عُمَرَ كَانَ يَوْمئِذٍ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنَسٍ بِسَنَةٍ لَا بِالْعَكْسِ .
( وَالْمُحَدِّثُونَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ إسَافٍ وَهُوَ شَيْخٌ ) أَيْ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّ الَّذِي أَتَاهُمْ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكِ بْنِ إسَافٍ الشَّاعِرُ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَنَقَلَهُ الْأَبْنَاسِيُّ فِي رِجَالِ الْعُمْدَةِ عَنْ ابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَوَضَعَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَزْوَ وَهُوَ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَكْعَتَيْنِ إلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَأَخْبَرَهُمْ بِتَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ بْنِ قَيْظِيٍّ الْأَشْهَلِيِّ ذَكَرَهُ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَهَذَا أَرْجَحُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرُهُ ا هـ .
وَلَيْسَ هُوَ بِرَفِيقِ أُسَيْدَ بْنِ حُضَيْرٍ فِي الْمِصْبَاحَيْنِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْبُلْقِينِيُّ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَلَبِيُّ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا فِي الصَّحَابَةِ بِهَذِهِ النِّسْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ مِنْهُمْ نُسِبَ إلَى خِلَافِ

الظَّاهِرِ ا هـ .
وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ { أَنَّ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ { ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ } الْحَدِيثَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ { فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ } وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ { بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا } الْحَدِيثَ فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَمْ يُسَمَّ هَذَا وَمَنْ فَسَّرَ بِاَلَّذِي قَبْلَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهَذِهِ الصُّبْحُ وَذَاكَ مَسْجِدُ بَنِي حَارِثَةَ وَذَا مَسْجِدُ قُبَاءَ ثُمَّ قَالَ فِي الشَّرْحِ مُشِيرًا إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ .
وَالْجَوَابُ أَنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَالْآتِي إلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ أَوْ ابْنُ نَهِيكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يُسَمِّ الْآتِيَ بِذَلِكَ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ ابْنُ طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ نَقَلُوا أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ بَنِي حَارِثَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوا مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ

يَكُونَ عَبَّادُ أَتَى بَنِي حَارِثَةَ أَوَّلًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَى أَهْلِ قُبَاءَ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فِي الصُّبْحِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِمَا أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي حَارِثَةَ ا هـ وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُمْهُورِ قَبُولَ أَخْبَارِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ بِخِلَافِ مَا طَرِيقُهُ النَّقْلُ كَالْإِفْتَاءِ وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَنَحْوِهِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي ( وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ ) فِي حُكْمِهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي نُقْصَانِ الْعَقْلِ بَلْ رُبَّمَا كَانَ نُقْصَانُهُ بِالْعَتَهِ فَوْقَ نُقْصَانِهِ بِالصِّبَا إذْ قَدْ يَكُونُ الصَّبِيُّ أَعْقَلَ مِنْ الْبَالِغِ وَالْمَعْتُوهِ لَا .
( ثُمَّ قِيلَ سِنُّ التَّحَمُّلِ خَمْسٌ ) حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ الْمُتَأَخِّرِينَ ( لِعَقْلِيَّةِ مَحْمُودٍ الْمَجَّةَ ابْنَ خَمْسٍ فِي الْبُخَارِيِّ ) أَيْ لِمَا رَوَى هُوَ وَالنَّسَائِيُّ { عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ عَقَلْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ } ( أَوْ ) ابْنُ ( أَرْبَعٍ ) فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ خَمْسِ سِنِينَ وَالْمَجَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْمَجِّ وَهُوَ إرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْفَمِ مَعَ النَّفْخِ وَقِيلَ لَا يَكُونُ مَجًّا حَتَّى يَتَبَاعَدَ بِهِ ( وَقِيلَ ) أَقَلُّ سِنِّ التَّحَمُّلِ ( أَرْبَعٌ لِذَلِكَ ) أَيْ كَوْنِ مَحْمُودِ الْمَذْكُورِ كَانَ سِنُّهُ أَرْبَعًا ( وَلِتَسْمِيعِ ابْنِ اللَّبَّانِ ) وَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ تَسْمِيعُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي لِلْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ اللَّبَّانِ

الْأَصْفَهَانِيِّ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَرَوَيْنَا عَنْ الْخَطِيبِ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ حَفِظْت الْقُرْآنَ وَلِي خَمْسُ سِنِينَ وَأُحْضِرْت عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُقْرِي وَلِي أَرْبَعُ سِنِينَ فَأَرَادُوا أَنْ يُسَمِّعُوا لِي فِيمَا حَضَرْت قِرَاءَتَهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَصْغُرُ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ لِي ابْنُ الْمُقْرِي اقْرَأْ سُورَةَ الْكَافِرُونَ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ اقْرَأْ سُورَةَ التَّكْوِيرِ فَقَرَأْتهَا فَقَالَ لِي غَيْرُهُ اقْرَأْ سُورَةَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَقَرَأْتهَا وَلَمْ أَغْلَطْ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ الْمُقْرِي سَمِّعُوا لَهُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيَّ .
وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ بَلَغَنَا عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ رَأَيْت صَبِيًّا ابْنَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَقَدْ حُمِلَ إلَى الْمَأْمُونِ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَنَظَرَ فِي الرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا جَاعَ يَبْكِي وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ بِسَنَدِهِ إلَّا أَنَّ فِيهِ أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ الْقَاضِي وَكَانَ يَعْتَمِدُ عَلَى حِفْظِهِ فِيهِمْ .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مُتَسَاهِلًا قُلْت وَلِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ .
وَقَالَ السَّلَفِيُّ أَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إذَا بَلَغَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأَنَّ الْعَجَمِيَّ يَصِحُّ سَمَاعُهُ إذَا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ ( وَصَحَّحَ عَدَمَ التَّقْدِيرِ بَلْ ) الْمَنَاطُ فِي الصِّحَّةِ ( الْفَهْمُ وَالْجَوَابُ ) فَمَتَى كَانَ يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ كَانَ سَمَاعُهُ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ ابْنَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا وَمَا ذَاكَ إلَّا ( لِلِاخْتِلَافِ ) أَيْ اخْتِلَافِ الصِّبْيَانِ بَلْ أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ فِي فَهْمِ الْخِطَابِ وَرَدِّ الْجَوَابِ فَلَا يَتَقَيَّدُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ ( وَحِفْظُ الْمَجَّةِ وَإِدْرَاكُ ابْنِ اللَّبَّانِ لَا يَطَّرِدُ ) كُلٌّ مِنْهُمَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِفْظِ مَحْمُودِ الْمَجَّةِ حِفْظُ مَا سِوَاهَا مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ الْحَدِيثِ

وَلَا أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُمَيِّزُ تَمْيِيزَ مَحْمُودٍ فِي سِنِّهِ وَلَا أَنْ لَا يَعْقِلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَسِنُّهُ أَقَلُّ مِنْ سِنِّهِ وَلَا مِنْ إدْرَاكِ ابْنِ اللَّبَّانِ فِي أَرْبَعٍ إدْرَاكَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فِي أَرْبَعٍ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي الِاسْتِرْوَاحِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي رَآهُ إبْرَاهِيمُ الْجَوْهَرِيُّ لِيَلْزَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعٍ صَحَّ تَحَمُّلُهُ ( وَهَذَا ) أَيْ كَوْنُ الصَّحِيحِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ بِسِنٍّ خَاصٍّ ( يُوقِفُ الْحُكْمَ بِقَبُولِ مَنْ عُلِمَ سَمَاعُهُ صَبِيًّا عَلَى مَعْرِفَةِ حَالِهِ فِي صِبَاهُ ) فَيُعْطَى لِمَا يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ حُكْمُهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ ( أَمَّا مَعَ عَدَمِهَا ) أَيْ مَعْرِفَةِ حَالِهِ ( فَيَجِبُ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ لِسَبْعٍ ) مِنْ السِّنِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ } صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ ، مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي سِنِّ التَّمْيِيزِ أَنْ يَصِيرَ الصَّغِيرُ بِحَيْثُ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَشْرَبُ وَحْدَهُ وَيَسْتَنْجِي وَحْدَهُ ( وَأَفْرَطَ مُعْتَبِرُ خَمْسَةَ عَشَرَ ) حَتَّى قَالَ عَنْهُ أَحْمَدُ بِئْسَ الْقَوْلُ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ وَهُوَ عَجَبٌ مِنْ هَذَا الْعَالِمِ الْمَكِينِ .
وَقِيلَ مَتَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَالْحِمَارِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ

( وَالْإِسْلَامُ كَذَلِكَ ) أَيْ وَمِنْهَا كَوْنُ الرَّاوِي مُسْلِمًا حِينَ الْأَدَاءِ ( لِقَبُولِ ) رِوَايَةِ ( جُبَيْرٍ فِي قِرَاءَتِهِ ) أَيْ { أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ } فِي الصَّحِيحَيْنِ ) مَعَ أَنَّ سَمَاعَهُ إيَّاهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَمَّا جَاءَ فِي فِدَاءِ أَسَارَى بَدْرٍ ( وَلِعَدَمِ الِاسْتِفْسَارِ ) عَنْ مَرْوِيِّهِ هَلْ تَحَمُّلُهُ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ أَوْ الْإِسْلَامِ وَلَوْ كَانَ تَحَمُّلُهُ حَالَةَ الْإِسْلَامِ شَرْطًا لَاسْتَفْسَرَ وَلَوْ اسْتَفْسَرَ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ أَدَائِهِ ( فِي الْكُفْرِ ) فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ } ) الْآيَةَ ( وَهُوَ ) أَيْ الْفَاسِقُ ( الْكَافِرُ بِعُرْفِهِمْ ) أَيْ السَّلَفِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْكَافِرُ ( مِنْهُ ) أَيْ مِمَّنْ صَدَقَ عَلَيْهِ الْفَاسِقُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالْكَافِرُ خَارِجٌ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ( وَلِلتُّهْمَةِ ) أَيْ تُهْمَةِ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ وَالْكَافِرُ عَدُوُّنَا فِي الدِّينِ فَرُبَّمَا تَحْمِلُهُ الْعَدَاوَةُ الدِّينِيَّةُ عَلَى السَّعْيِ فِي هَدْمِ الدِّينِ بِإِدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ تَنْفِيرًا لِلْعُقَلَاءِ عَنْهُ ( وَالْمُبْتَدِعُ بِمَا هُوَ كُفْرٌ ) كَغُلَاةِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ ( مِثْلُهُ ) أَيْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ ( عِنْدَ الْمُكَفِّرِ ) وَهُوَ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا قَالَ الْآمِدِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِجَامِعِ الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ ( وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ ) أَيْ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ إنْ اعْتَقَدَ حُرْمَةَ الْكَذِبِ قَبِلْنَا رِوَايَتَهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ ابْتِدَاعَهُ بِمَا هُوَ مُكَفِّرٌ لَهُ ( بِتَأْوِيلِ الشَّرْعِ ) فَكَيْفَ يَكُونُ كَالْمُنْكِرِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ اعْتِقَادُهُ حُرْمَةَ الْكَذِبِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ

صِدْقُهُ فَوُجِدَ الْمُقْتَضِي لِلْقَبُولِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمُعَارِضِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ وَقِيلَ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ كُلَّ مُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي أَنَّ مُخَالِفِيهَا مُبْتَدِعَةٌ وَقَدْ تُبَالِغُ فَتُكَفِّرُ مُخَالِفَهَا فَلَوْ أَخَذَ ذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَاسْتَلْزَمَ تَكْفِيرَ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذِي تُرَدُّ رِوَايَتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمْرًا مُتَوَاتِرًا مِنْ الشَّرْعِ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَا مَنْ اعْتَقَدَ عَكْسَهُ .
فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ ضَبْطُهُ لِمَا يَرْوِيهِ مَعَ وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ فَلَا مَانِعَ مِنْ قَبُولِهِ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ الْمُبْتَدِعِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ ( كَالْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ كَفِسْقِ الْخَوَارِجِ ) وَهُمْ سَبْعُ فِرَقٍ ضَالَّةٍ لَهُمْ ضَلَالَاتٌ فَاضِحَةٌ وَأَبَاطِيلُ وَاضِحَةٌ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي أَصْنَافِهَا يُعْرَفُ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ ( وَفِيهَا ) أَيْ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ مَذْهَبَانِ ( الرَّدُّ ) لِلشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ } وَهُوَ فَاسِقٌ ( وَالْأَكْثَرُ الْقَبُولُ ) لِمَا اُشْتُهِرَ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { أُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ } فَإِنَّ قَوْلَ صَاحِبِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ ظَاهِرُ الصِّدْقِ إذَا ظَنَّ صِدْقَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ سُئِلَ الْمِزِّيُّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَالذَّهَبِيُّ قَالَ لَا أَصْلَ لَهُ .
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ يُؤْخَذُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ

لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ } وَنُقِلَ عَنْ مُغَلْطَاي أَنَّهُ رَأَى لَهُ فِي كِتَابٍ يُسَمَّى إدَارَةَ الْأَحْكَامِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْخَيْزُونِيِّ فِي قِصَّةِ { الْحَضْرَمِيِّ وَالْكَنَدِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَضَيْت لِي بِحَقِّي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا أَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ } قَالَ شَيْخُنَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ وَلَا أَدْرِي هَلْ سَاقَ لَهُ إسْمَاعِيلُ الْمَذْكُورُ إسْنَادًا أَوْ لَا ( وَلَا يُعَارِضُ ) هَذَا الْمَرْوِيُّ ( الْآيَةَ لِتَأَوُّلِهَا بِالْكَافِرِ أَوْ ) بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ هُوَ مُرْتَكِبٌ فِسْقًا ( بِلَا تَأْوِيلٍ أَنَّهُ ) أَيْ الْفِسْقَ ( مِنْ الدِّينِ ) وَهَذَا مُرْتَكِبٌ فِسْقًا بِتَأْوِيلِ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ ( بِخِلَافِ اسْتِدْلَالِهِمْ ) أَيْ الْأَكْثَرِينَ ( أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَهِيَ ) أَيْ بِدْعَةُ قَتَلَتِهِ ( جَلِيَّةٌ ) لِذَوِي الْعُقُولِ الْمُرْضِيَةِ ( رُدَّ بِمَنْعِ إجْمَاعِ الْقَبُولِ ) لِرِوَايَتِهِمْ .
قَالَ السُّبْكِيُّ بَلْ الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى رَدِّ رِوَايَتِهِمْ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ فَإِنَّ قَتَلَةَ عُثْمَانَ إنْ كَانُوا مُسْتَحِلِّينَ قَتْلَهُ فَلَا رَيْبَ فِي كُفْرِهِمْ وَالْكَافِرُ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ مُسْتَحِلِّينَ فَلَا رَيْبَ فِي فِسْقِهِمْ بِفِسْقٍ ظَاهِرٍ فَتُرَدُّ رِوَايَتُهُمْ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ الَّذِي ادَّعَى الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا مُجَازِفٌ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ بَاشَرَ قَتْلَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ رِوَايَةٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ حَاصَرَهُ أَوْ رَضِيَ بِقَتْلِهِ فَأَهْلُ الشَّامِ قَاطِبَةً مَعَ مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ التَّابِعِينَ إمَّا مُكَفِّرٌ لِأُولَئِكَ وَإِمَّا مُفَسِّقٌ .
وَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الشَّامِ فَكَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٍ عَلَى هَذَا الرَّأْيِ وَفِرْقَةٍ سَاكِتَةٍ وَفِرْقَةٍ عَلَى رَأْيِ أُولَئِكَ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ ( وَلَوْ سَلِمَ ) قَبُولُ رِوَايَةِ قَتَلَتِهِ (

فَلَيْسَ ) قَتْلُ عُثْمَانَ ( مِنْهَا ) أَيْ الْبِدَعِ الْجَلِيَّةِ بَلْ كَانَ ذَلِكَ مَذْهَبًا لِبَعْضِ الْقَتَلَةِ ( لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَاهُ ) أَيْ قَتْلَهُ حَقًّا ( اجْتِهَادِيًّا فَلَا يُفَسِّقُهُمْ وَنُقِلَ ) هَذَا ( عَنْ عَمَّارِ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ) مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْفَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَالْأَشْتَرُ ) فِي جَمَاعَةٍ وَفِي هَذَا مَا فِيهِ فَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَوَّلِ .
( وَأَمَّا غَيْرُ ) الْبِدَعِ ( الْجَلِيَّةِ كَنَفْيِ زِيَادَةِ الصِّفَاتِ ) الثُّبُوتِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ الْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْإِرَادَةِ وَغَيْرِهَا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّاتِ كَمَا عَلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَمُوَافِقُوهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ عِبَارَتِهِمْ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ هُوَ حَيٌّ عَالِمٌ قَادِرٌ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ بِنَفْسِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( فَقِيلَ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا ) قَالَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( وَإِنْ ادَّعَى كُلٌّ ) مِنْ الْمُتَخَالَفِينَ ( الْقَطْعَ بِخَطَأِ الْآخَرِ لِقُوَّةِ شُبْهَتِهِ عِنْدَهُ وَإِطْلَاقُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ) وَمُوَافِقِيهِ ( رَدَّ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ وَقَبُولَ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ قَدْ يَحْمِلُهُ عَلَى تَحْرِيفِ الرِّوَايَاتِ وَتَسْوِيَتِهَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ وَعُزِيَ إلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَعَزَاهُ ابْنُ حِبَّانَ إلَى الْمُحَدِّثِينَ بِلَفْظِ لَيْسَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ أَئِمَّتِنَا خِلَافٌ أَنَّ الصَّدُوقَ الْمُتْقِنَ إذَا كَانَ فِيهِ بِدْعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ يَدْعُو إلَيْهَا أَنَّ الِاحْتِجَاجَ بِأَخْبَارِهِ جَائِزٌ فَإِذَا دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوْ الْأَكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَوَّلَاهَا ( يُخَصِّصُهُ ) أَيْ إطْلَاقُ عَدَمِ قَبُولِ ذِي الْبِدْعَةِ الْجَلِيَّةِ اتِّفَاقًا ( لِاقْتِضَائِهِ ) أَيْ إطْلَاقَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( رَدَّ الدَّاعِي مِنْ نُفَاةِ الزِّيَادَةِ ) لِلصِّفَاتِ عَلَى الذَّاتِ إلَى بِدْعَتِهِ هَذِهِ بَلْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ الدَّاعِيَةُ إلَى

الْبِدْعَةِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَاطِبَةً لَا أَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا .
كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْحَاكِمِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ الدَّاعِي إلَى الضَّلَالِ مُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِ الْأَخْذِ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَأَغْرَبَ ابْنُ حِبَّانَ فَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَى قَبُولِ الدَّاعِيَةِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ سَهْوٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَكَذَا حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الدَّاعِيَةَ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى بِدْعَتِهِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلَى هَذَا أَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كُلُّهُمْ لِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ إلَى الْهَوَى سَبَبٌ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مَا عَزَا الْخَطِيبُ إلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ يَقْبَلُ أَخْبَارَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا بِالتَّأْوِيلِ أَوْ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَذَا الْقَوْلِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَيْضًا مَا عَزَاهُ الْخَطِيبُ إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ إنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ الْكَذِبَ فِي نُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَوْ لِأَهْلِ مَذْهَبِهِ قُبِلَ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ أَوْ لَا ؟ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُقْبَلْ ( وَتَعْلِيلُهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا غَيْرُهُ رَدُّ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ ( بِأَنَّ الدَّعْوَةَ دَاعٍ إلَى التَّقَوُّلِ ) أَيْ الْكَذِبِ ( يُخَصِّصُهُ ) أَيْ الرَّدَّ ( بِرِوَايَةِ ) الدَّاعِي مَا هُوَ عَلَى ( وَفْقِ مَذْهَبِهِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ أَيْضًا لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَمَشَّى فِيهِ وَمِنْ هُنَا نَصَّ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ رَدُّ رِوَايَةِ الْمُبْتَدِعِ مَا يُقَوِّي بِدْعَتَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً

كَمَا إذَا كَانَ دَاعِيَةً قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْحَافِظُ الْجُوزَجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ الرِّجَالِ فَقَالَ وَمِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ الْحَقِّ أَيْ السُّنَّةِ صَادِقُ اللَّهْجَةِ فَلَيْسَ فِيهِ حِيلَةٌ إلَّا أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا لَا يَكُونُ مُنْكَرًا إذَا لَمْ تَقْوَ بِهِ بِدْعَتُهُ ا هـ وَمَا قَالَهُ مُتَّجِهٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا رُدَّ حَدِيثُ الدَّاعِيَةِ وَارِدَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ ظَاهِرُ الْمَرْوِيِّ يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْمُبْتَدِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً ( لَا مُطْلَقًا ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ حِبَّانَ السَّالِفِ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ ( وَتَعْلِيلُهُ ) أَيْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ ( قَبُولَ شَهَادَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ) جَمْعُ هَوَى مَقْصُورٌ وَهُوَ الْمَيْلُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَالْمُسْتَلَذَّات مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ الْمُبْتَدِعُونَ الْمَائِلُونَ إلَى مَا يَهْوُونَهُ فِي أَمْرِ الدِّينِ ( إلَّا الْخَطَابِيَّةَ ) مِنْ الرَّافِضَةِ الْمَنْسُوبِينَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَقِيلَ ابْنِ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيِّ الْأَجْدَعِ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ عَلِيًّا الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ وَجَعْفَرُ الصَّادِقُ الْإِلَهُ الْأَصْغَرُ وَفِي الْمَوَاقِفِ قَالُوا الْأَئِمَّةُ أَنْبِيَاءُ وَأَبُو الْخَطَّابِ نَبِيٌّ فَفَرَضُوا طَاعَتَهُ بَلْ زَادُوا عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ آلِهَةٌ وَالْحَسَنَانِ ابْنَا اللَّهِ وَجَعْفَرُ إلَهٌ لَكِنْ أَبُو الْخَطَّابِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمِنْ عَلِيٍّ فَقَبَّحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَشَدَّ غَبَاوَتَهُمْ وَأَعْظَمَ فِرْيَتِهِمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا رِوَايَتُهُمْ وَلَا كَرَامَةَ وَكَيْفَ وَقَدْ شَاعَ أَيْضًا كَوْنُهُمْ الْفِرْقَةَ ( الْمُتَدَيِّنِينَ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِهِمْ أَوْ لِلْحَالِفِ ) لَهُمْ عَلَى صِدْقِهِ ( بِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى وَقَعَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْهَوَى ( لِتَعَمُّقِهِ ) فِي الدِّينِ ( وَذَلِكَ ) أَيْ تَعَمُّقُهُ فِي الدِّينِ ( يَصُدُّهُ ) أَيْ يَمْنَعُهُ ( عَنْ الْكَذِبِ أَوْ يَرَاهُ ) أَيْ الْكَذِبَ ( حَرَامًا يُوجِبُ قَبُولَ الْخَوَارِجِ كَالْأَكْثَرِ ) لِعَدَمِ اسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ

وَعَدَمِ شُهْرَةِ تَدَيُّنِهِمْ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِهِمْ وَالْحَالِفِ لَهُمْ ثُمَّ حَيْثُ قُبِلُوا فِي الشَّهَادَةِ فَكَذَا فِي الرِّوَايَةِ .
وَهَذَا فِي الْمَعْنَى مَا عَزَاهُ الْخَطِيبُ إلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَنْ مَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا لَكِنْ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْأَقْطَعِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْخَوَارِجِ مَا لَمْ يَخْرُجُوا إلَى قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُظْهِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْفِسْقَ وَإِنَّمَا اعْتَقَدُوهُ فَإِذَا قَاتَلُوا فَقَدْ أَظْهَرُوا الْفِسْقَ فَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ ثُمَّ إنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ فَرَّقَ فِي الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ بِالْقَبُولِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ فِي الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُحَاجَّةَ وَالدَّعْوَةَ لَا تَدْعُو إلَى التَّزْوِيرِ فِي حُقُوقِ النَّاسِ فَلَمْ تَرُدَّ شَهَادَةَ صَاحِبِهَا بِخِلَافِهَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، ثُمَّ ظَاهِرُ كَوْنِ ، وَتَعْلِيلُهُ مُبْتَدَأٌ وَبِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَيُوجِبُ قَبُولَ الْخَوَارِجِ خَبَرَهُ هَذَا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُقْتَصِرِ عَلَى تَعْلِيلِ رَدِّ شَهَادَةِ الْخَطَابِيَّةِ بِتَدَيُّنِهِمْ الْكَذِبَ لِمُوَافِقِهِمْ أَوْ الْحَالِفَ عَلَى صِدْقِهِ مَا تَقَدَّمَ آنِفًا عَنْهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ يُوجِبُ كَوْنَهُمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَا قَبُولَ لِرِوَايَتِهِ فِي الدِّينِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ( وَأَمَّا شُرْبُ النَّبِيذِ ) مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ إذَا طُبِخَ أَدْنَى طَبْخِهِ وَإِنْ اشْتَدَّ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ غَيْرِ لَهْوٍ ( وَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ ) بِالشِّينِ مُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمَكْسُورَةٍ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ بِلَا قِمَارٍ بِهِ ( وَأَكْلُ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا مِنْ مُجْتَهِدٍ وَمُقَلِّدِهِ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( فَلَيْسَ بِفِسْقٍ ) إذْ لَوْ فَسَّقْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا لَفَسَّقْنَا بِارْتِكَابِ عَمَلٍ مُتَفَرِّعٍ عَلَى رَأْيٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ فَإِنَّ عَلَى

الْمُجْتَهِدِ اتِّبَاعَ ظَنِّهِ وَعَلَى الْمُقَلِّدِ اتِّبَاعَ مُقَلَّدِهِ وَإِنَّهُ بَاطِلٌ

( وَمِنْهَا رُجْحَانُ ضَبْطِهِ عَلَى غَفْلَتِهِ لِيَحْصُلَ الظَّنُّ ) بِصِدْقِهِ إذْ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ وَالْحُجَّةُ هِيَ الْكَلَامُ الصِّدْقُ ( وَيُعْرَفُ ) رُجْحَانُ ضَبْطِهِ ( بِالشُّهْرَةِ وَبِمُوَافَقَةِ الْمَشْهُورِينَ بِهِ ) أَيْ بِالضَّبْطِ فِي رِوَايَتِهِمْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى ( أَوْ غَلَبَتِهَا ) أَيْ الْمُوَافَقَةِ ( وَإِلَّا ) إنْ لَمْ يَعْرِفْ رُجْحَانَ ضَبْطِهِ بِذَلِكَ ( فَغَفْلَةٌ وَأَمَّا ) ضَبْطُ الْمَرْوِيِّ ( فِي نَفْسِهِ ) أَيْ الرَّاوِي ( فَلِلْحَنَفِيَّةِ تَوَجُّهُهُ بِكُلِّيَّتِهِ إلَى كُلِّهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ ثُمَّ حِفْظُهُ بِتَكْرِيرِهِ ثُمَّ الثَّبَاتُ ) عَلَيْهِ ( إلَى أَدَائِهِ )

( وَمِنْهَا الْعَدَالَةُ حَالَ الْأَدَاءِ وَإِنْ تَحَمَّلَ فَاسِقًا إلَّا بِفِسْقٍ ) تَعَمَّدَ ( الْكَذِبَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ ) كَأَبِي بَكْرٍ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَالصَّيْرَفِيُّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يُوجِبُ مَنْعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ أَبَدًا وَكَأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } وَهُوَ ثَابِتٌ بِالتَّوَاتُرِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى ذَهَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالِدُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَيُرَاقُ دَمُهُ لَكِنْ ضَعَّفَهُ وَلَدُهُ وَعَدَّهُ مِنْ هَفَوَاتِهِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا رَيْبَ أَنَّ تَعَمُّدَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ كُفْرٌ مَحْضٌ ( وَالْوَجْهُ الْجَوَازُ ) لِرِوَايَتِهِ وَشَهَادَتِهِ ( بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ ) لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَبُولِ رِوَايَتِهِ بَعْدَ صِحَّةِ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْعَدَالَةُ ( مَلَكَةٌ ) أَيْ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ ( تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى ) أَيْ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الصَّغَائِرَ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } ( وَالْمُرُوءَةِ ) بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ تَرْكُهُ مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهِيَ صِيَانَةُ النَّفْسِ عَنْ الْأَدْنَاسِ وَمَا يَشِينُهَا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ

أَنْ لَا يَأْتِيَ مَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعِ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ ( وَالشَّرْطُ ) لِقَبُولِ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ ( أَدْنَاهَا ) أَيْ الْعَدَالَةِ ( تَرْكُ الْكَبَائِرِ وَالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ ) لِأَنَّ الصَّغَائِرَ قَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهَا إلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَالْإِصْرَارُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ تَكْرَارًا يُشْعِرُ بِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِدِينِهِ إشْعَارَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ بِذَلِكَ ا هـ وَمِنْ هُنَا قِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ تَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ لِدُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ لِأَنَّ الْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَبِيرَةٌ .
قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَالْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ وَابْنُ شَاهِينَ فَلَعَلَّ ذِكْرَهُ مَخَافَةُ تَوَهُّمِ عَدَمِ دُخُولِهِ فِي تَرْكِ الْكَبَائِرِ أَوْ مُوَافَقَةٌ لِمَنْ قَالَ إنَّهَا لَا تَصِيرُ بِالْإِصْرَارِ كَبِيرَةً كَمَا أَنَّ الْكَبِيرَةَ لَا تَصِيرُ بِالْمُوَاظَبَةِ كُفْرًا وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الصَّغَائِرُ مُخْتَلِفَةُ النَّوْعِ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِصْرَارِ عَلَى الْوَاحِدَةِ إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يُشْعِرُ مَجْمُوعُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْإِصْرَارُ عَلَى أَصْغَرِ الصَّغَائِرِ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ( وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ ) أَيْ وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا أَيْضًا ( وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ الشِّرْكَ وَالْقَتْلَ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَةَ وَالزِّنَى وَالْفِرَارَ مِنْ الزَّحْفِ وَالسِّحْرَ وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْإِلْحَادَ فِي الْحَرَمِ أَيْ الظُّلْمَ وَفِي بَعْضِهَا ) أَيْ الطُّرُقِ ( الْيَمِينُ الْغَمُوسُ ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا

مَجْمُوعَةً فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَا مَرْفُوعَةً وَلَا مَوْقُوفَةً ثُمَّ قَوْلُ شَيْخِنَا الْحَافِظِ وَقَعَ لَهُ مَجْمُوعُ الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَمَا هِيَ كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ وَفِي أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ لَكِنْ تَصَحَّفَ الرِّبَا بِالزِّنَى لَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْ سِيَاقِ بَيَانِهِ بَلْ إنَّمَا ظَهَرَ مِنْهُ وُجُودُ ذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الطُّرُقِ فَإِنَّهُ أَسْنَدَ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدِهِ إلَى ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا إنَّمَا هِيَ تِسْعٌ : الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ نَسَمَةٍ يَعْنِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَاَلَّذِي يَسْتَسْحِرُ وَالْإِلْحَادُ فِي الْمَسْجِدِ يَعْنِي الْحَرَامَ وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْعُقُوقِ ثُمَّ قَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ طَيْسَلَةَ مِثْلُ هَذَا السِّيَاقِ لَكِنْ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ إسْنَادًا لِأَنَّ أَيُّوبَ بْنَ عُتْبَةَ مَوْصُوفٌ بِسُوءِ الْحِفْظِ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي عَدِّ الْخِصَالِ فَرَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ أَيُّوبَ كَمَا ذَكَرْنَا وَرَوَاهُ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَيُّوبَ فَأَسْقَطَ خَصْلَتَيْنِ ثُمَّ أُسْنِدَ إلَى حُسَيْنٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ طَيْسَلَةَ قَالَ { سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ قُلْت أَقَبْلَ الدَّمِ ؟ قَالَ نَعَمْ ، وَرَغْمًا ، وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ } وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَصَمِّ عَنْ عَبَّاسٍ الدَّوْرِيِّ وَخَالَفَهُ حَسَنُ بْنُ مُوسَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ فَذَكَرَ الزِّنَى بَدَلَ خَصْلَةً مِنْ السَّبْعِ أَخْرَجَهُ

الْبَرْدِيجِيُّ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَعَدَّ الْخِصَالَ كَمَا فِي رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ لَكِنْ ذَكَرَ بَدَلَ الْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ الْيَمِينَ الْفَاجِرَةَ وَرِجَالُ هَذَا رِجَالُ الصَّحِيحِ لَكِنَّ الْجَرِيرِيَّ لَمْ يَلْقَ ابْنَ عُمَرَ فَإِنْ كَانَ حَمَلَهُ عَنْ ثِقَةٍ فَمُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ لِرِوَايَةِ طَيْسَلَةَ .
وَإِذَا جَمَعْت الْخِصَالَ فِي هَذِهِ الطُّرُقِ زَادَتْ خَصْلَتَيْنِ عَلَى التِّسْعِ وَهُمَا الزِّنَى وَالْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ وَأَقْوَى طُرُقِهِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ فَذَكَرَ سَنَدَهُ إلَى عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ الْمُصَلُّونَ وَمَنْ يُقِيمُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الَّتِي كَتَبَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَنْ يُؤْتِي زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ وَمَنْ يَصُومُ رَمَضَانَ يَحْتَسِبُ صَوْمَهُ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَمْ الْكَبَائِرِ قَالَ هِيَ تِسْعٌ أَعْظَمُهُنَّ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالسِّحْرُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا لَا يَمُوتُ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الْخِصَالِ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ إلَّا رَافَقَ مُحَمَّدًا فِي بُحْبُوحَةِ جَنَّةٍ أَبْوَابُهَا مَصَارِيعُ الذَّهَبِ } قَالَ شَيْخُنَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مُقْتَصِرًا عَلَى ذِكْرِ الْكَبَائِرِ دُونَ أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ وَالْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ وَقَالَ قَدْ احْتَجَّا بِرُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ سِنَانٍ ا هـ مُلَخَّصًا ( وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَكْلَ الرِّبَا ) كَذَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَظَاهِرُهُ كَمَا قَالَ

شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِثُبُوتِهِ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي الصَّحِيحَيْنِ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ } الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَتَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ بِلَفْظِ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ .
الْحَدِيثَ .
فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّ الْكَبِيرَةَ وَالْمُوبِقَةَ مُتَرَادِفَتَانِ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُ السُّبْكِيّ الْمُوبَقَةُ أَخَصُّ مِنْ الْكَبِيرَةِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْكَبَائِرُ ( وَعَنْ عَلِيٍّ إضَافَةُ السَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ ) إلَى الْكَبَائِرِ أَيْضًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَسَأَلْت الْمَشَايِخَ عَنْهُ فَلَمْ يَحْضُرْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَالسَّرِقَةُ لَا نَعْرِفُ لَهَا إسْنَادًا عَنْهُ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَالْخَمْرُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ مُدْمِنَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ ا هـ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا قَالَ { قَالَ لِي جِبْرِيلُ يَا مُحَمَّدُ إنَّ مُدْمِنَ خَمْرٍ كَعَابِدِ وَثَنٍ } ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ { شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ } نَعَمْ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَرَأَيْتُمْ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ مَا تَقُولُونَ فِيهِمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هُنَّ فَوَاحِشُ وَفِيهِنَّ عُقُوبَةٌ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكِ بِاَللَّهِ وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَاحْتَفَزَ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلِ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلِ الزُّورِ } قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَزِيزٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ

وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَعَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قُلْت لِابْنِ عَبَّاسٍ { إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ سُئِلَ عَنْ الْخَمْرِ أَمِنْ الْكَبَائِرِ هِيَ قَالَ لَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلِمَ قَالَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَزَنَى وَتَرَكَ الصَّلَاةَ فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ } قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا لَكِنْ ضَبَّبَ عَلَى لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَكَذَا أَخْرَجَهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ( وَفِي ) الْحَدِيثِ ( الصَّحِيحِ ) الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ( قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ) مَعْدُودَانِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَيْضًا وَهَلْ يَتَقَيَّدُ الْمَشْهُودُ بِهِ بِقَدْرِ نِصَابِ السَّرِقَةِ تَرَدَّدَ فِيهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَزَمَ الْقَرَافِيُّ بِعَدَمِ التَّقَيُّدِ بِهِ .
وَقَالَ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا فَلْسًا ( وَمِمَّا عُدَّ ) مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْضًا نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ ( الْقِمَارُ وَالسَّرَفُ وَسَبُّ السَّلَفِ الصَّالِحِ ) أَيْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَوْلُهُ ( وَالطَّعْنُ فِي الصَّحَابَةِ ) مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ( وَالسَّعْيُ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فِي الْمَالِ وَالدِّينِ وَعُدُولُ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَقِّ ) .
قُلْتُ وَفِي هَذِهِ نُصُوصٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تُفِيدُ تَحْرِيمَهَا مَعْرُوفَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَأَمَّا النَّصُّ الصَّرِيحُ السَّمْعِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَبَائِرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِذَلِكَ نَعَمْ يُسْتَفَادُ كَوْنُهَا كَبَائِرَ مِنْ بَعْضِ ضَوَابِطِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَيَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ آيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَمِنْ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ } وَمِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا مِنْ بَعْدِي فَمَنْ

أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَصًّا صَرِيحًا فِي كَوْنِ السَّعْيِ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ وَالْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ كَبِيرَةٌ ( وَالْجَمْعُ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِلَا عُذْرٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْلَى بِذَلِكَ أَيْضًا ( وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ ) أَيْ مَا تَوَعَّدَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ ( بِخُصُوصِهِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ وَهَذَا الْقَوْلُ جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَعْلَاهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي التَّفْسِيرِ عَنْهُ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنٍ أَوْ عَذَابٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكَبَائِرِ أَسَبْعٌ هِيَ قَالَ هِيَ إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ مُخْتَلِفَةٍ وَبِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَفِي بَعْضِهَا أَوْ سَبْعُمِائَةٍ وَكَأَنَّهَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي أَوْ مُبَالَغَةٌ وَقِيلَ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ .
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُمْ إلَى تَرْجِيحِهِ أَمْيَلُ ا هـ وَهُوَ غَيْرُ جَامِعٍ لِخُرُوجِ عِدَّةٍ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا كَأَكْلِ الرِّبَا وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْعُقُوقِ فَالْأَوَّلُ أَمْثَلُ ( قِيلَ وَكُلُّ مَا مَفْسَدَتُهُ كَأَقَلِّ مَا رُوِيَ مَفْسَدَةً فَأَكْثَرَ فَدَلَالَةُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِئْصَالِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِرَارِ وَإِمْسَاكُ الْمُحْصَنَةِ لِيُزْنَى بِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَذْفِهَا ، وَمَنْ جَعَلَ الْمُعَوَّلَ ) أَيْ الضَّابِطَ لِلْكَبِيرَةِ ( أَنْ يَدُلَّ الْفِعْلُ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ بِأَمْرِ

دِينِهِ ظَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الضَّابِطَ ( غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ مَا قَبْلَهُ ( مَعْنًى ) وَالْحَالُ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُلَازَمَةً وَكَأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِمَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالدِّينِ دَلَالَةَ أَدْنَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأُمُورِ ا هـ .
أَيْ مَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا فِي دِينِهِ إشْعَارَ مَا هُوَ الْأَصْغَرُ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا الْقَيْدَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ لِلْمُعَرَّضِ بِهِ ( وَمَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ صَغَائِرُ دَالَّةٌ عَلَى خِسَّةٍ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَاشْتِرَاطِ ) أَخْذِ الْأُجْرَةِ ( عَلَى ) سَمَاعِ ( الْحَدِيثِ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَلَا يَعْرَى إطْلَاقُ هَذَا عَنْ نَظَرٍ نَعَمْ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ إلَى أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ أَخَذَ عَلَى التَّحْدِيثِ أَجْرًا وَرَخَّصَ آخَرُونَ فِيهِ كَالْفَضْلِ بْنِ دُكَيْنٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِأَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ غَيْرَ أَنَّ فِي هَذَا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ خَرْمًا لِلْمُرُوءَةِ وَالظَّنُّ يُسَاءُ بِفَاعِلِهِ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ يَنْفِي ذَلِكَ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ فَقِيرًا مُعِيلًا وَكَانَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّحْدِيثِ يَمْنَعُهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ لِعِيَالِهِ ( وَبَعْضِ مُبَاحَاتٍ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ ) فَفِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْأَكْلُ فِي السُّوقِ دَنَاءَةٌ } وَفِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَنْصِبَ مَائِدَةً وَيَأْكُلَ وَعَادَةُ مِثْلِهِ خِلَافُهُ فَلَوْ كَانَ مِمَّنْ عَادَتُهُ ذَلِكَ كَالصَّنَّاعِينَ وَالسَّمَاسِرَةِ أَوْ كَانَ فِي اللَّيْلِ فَلَا وَكَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَالشُّرْبِ مِنْ سِقَايَاتِ الْأَسْوَاقِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سُوقِيًّا أَوْ غَلَبَهُ الْعَطَشُ .
( وَالْبَوْلُ فِي الطَّرِيقِ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ أَيْضًا

قُلْت وَفِي إبَاحَتِهِ نَظَرٌ لِلْأَمْرِ بِاتِّقَاءِ ذَلِكَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلِمَا فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ بِسَنَدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ فِي طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ( وَالْإِفْرَاطُ فِي الْمَزْحِ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِهِ وَصُحْبَةُ الْأَرْذَالِ وَالِاسْتِخْفَافُ بِالنَّاسِ وَفِي إبَاحَةِ هَذَا ) أَيْ الِاسْتِخْفَافِ بِالنَّاسِ ( نَظَرٌ ) .
قُلْت وَكَيْفَ لَا وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَمْطُ النَّاسِ احْتِقَارُهُمْ وَازْدِرَاؤُهُمْ كَمَا يُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطِرَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ ( وَتَعَاطَى الْحِرَفَ الدَّنِيئَةَ ) بِالْهَمْزِ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَهِيَ السُّقَاطَةُ الْمُبَاحَةُ ( كَالْحِيَاكَةِ وَالصِّيَاغَةِ ) وَالْحِجَامَةِ وَالدَّبَّاغَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَا يَلِيقُ بِأَرْبَابِ الْمُرُوآتِ وَأَهْلِ الدِّيَانَاتِ فِعْلُهَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِهَا كَذَا فِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ وَفِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ اعْتَادَهَا وَكَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْقَيْدِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقَيَّدَ بِصَنْعَةِ آبَائِهِ بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَلِيقُ بِهِ هُوَ أَمْ لَا ( وَلِبْسُ الْفَقِيهِ قَبَاءً وَنَحْوَهُ ) كَالْقَلَنْسُوَةِ التُّرْكِيَّةِ فِي بَلَدٍ لَمْ يَعْتَادُوهُ ( وَلِعْبُ الْحَمَامِ ) إذَا لَمْ يَكُنْ قِمَارًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ الْأَرْذَالِ

إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْكَذِبِ وَعَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِهِ لِأَنَّ مَنْ لَا يَجْتَنِبُ هَذِهِ الْأُمُورَ فَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَجْتَنِبُ الْكَذِبَ فَلَا يُوثَقُ بِقَوْلِهِ وَلَا يُظَنُّ صِدْقُهُ فِي رِوَايَتِهِ

( وَأَمَّا ) ( الْحُرِّيَّةُ وَالْبَصَرُ وَعَدَمُ الْحَدِّ فِي قَذْفٍ وَ ) عَدَمُ ( الْوِلَادِ وَ ) عَدَمُ ( الْعَدَاوَةِ ) الدُّنْيَوِيَّةِ ( فَتَخْتَصُّ بِالشَّهَادَةِ ) أَيْ تُشْتَرَطُ فِيهَا لَا فِي الرِّوَايَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَإِلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ فِيمَا يَجِبُ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِي التَّمْيِيزِ بِهَا شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِحَبْسِ الشُّهُودِ فَلَمْ يَقَعْ ضَرُورَةً إلَى إهْدَارِ هَذِهِ التُّهْمَةِ وَالثَّانِي مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا وَهَذَا الِاحْتِيَاجُ بِجُمْلَتِهِ مُنْتَفٍ فِي الرِّوَايَةِ فَكَانَ الْبَصِيرُ وَالْأَعْمَى فِيهَا سَوَاءً وَقَدْ اُبْتُلِيَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِكَفِّ الْبَصَرِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ عَنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ فَحْصٍ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بَعْدَهُ وَلَا شَهَادَةُ الْعَبْدِ فِي غَيْرِ هِلَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَمَالِ وِلَايَةِ الشَّاهِدِ إذْ هِيَ تَنْفِيذُ الْقَوْلِ عَلَى الْغَيْرِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةُ تُعْدَمُ بِالرِّقِّ أَصْلًا وَالرِّوَايَةُ لَا تَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ لِأَنَّ مَا يَلْزَمُ السَّامِعَ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمَرْوِيِّ لَيْسَ بِإِلْزَامِ الرَّاوِي عَلَيْهِ بَلْ بِالْتِزَامِهِ طَاعَةَ الشَّارِعِ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مُفْتَرِضُ الطَّاعَةِ فَإِذَا تَرَجَّحَ صِدْقُ الرَّاوِي يَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِ امْتِثَالَ مَا يَرِدُ مِنْ الشَّارِعِ كَالْقَاضِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ سَمَاعِ الشَّهَادَةِ بِالْتِزَامِهِ وَتَقَلُّدِهِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ لَا بِإِلْزَامِ الْمُدَّعِي أَوْ الشَّاهِدِ وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَرْوِيِّ يَلْزَمُ الرَّاوِيَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْوِلَايَةُ وَلِهَذَا جَعَلَ الْعَبْدَ كَالْحُرِّ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ

رَمَضَانَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً فَلَا بُدَّ مِنْ كَمَالِ الْوِلَايَةِ لِلشَّاهِدِ لِيُمْكِنَ الْإِلْزَامُ بِشَهَادَتِهِ وَلَا شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لِأَنَّ رَدَّ شَهَادَتِهِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ بِالنَّصِّ كَمَا عُرِفَ ( وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ ( نَفْيُ ) قَبُولِ ( رِوَايَتِهِ ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكَذِبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } .
وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ عَدَمُ الْحَدِّ مُخْتَصًّا بِالشَّهَادَةِ ( وَالظَّاهِرُ ) مِنْ الْمَذْهَبِ ( خِلَافُهُ ) أَيْ خِلَافُ قَبُولِ رِوَايَتِهِ ( لِقَبُولِ ) الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ رِوَايَةَ ( أَبِي بَكْرَةَ ) مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالِ أَحَدٍ بِطَلَبِ التَّارِيخِ فِي خَبَرِهِ أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَمْ قَبْلَهُ وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْحَدِّ مُخْتَصٌّ بِالشَّهَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَرِوَايَةُ الْخَبَرِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا وَلَا شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَا الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لِمَا رَوَى الْخَصَّافُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ } وَالْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَلَا ذِي الْحِنَةِ } وَالظِّنَّةُ التُّهْمَةُ وَالْحِنَةُ الْعَدَاوَةُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالرِّوَايَةُ لَيْسَتْ فِي هَذَا كَالشَّهَادَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَظَهَرَ ) مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا وَتَفْسِيرُهَا وَتَفْسِيرُهُ ( أَنَّ شَرْطَ الْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ كَثِيرٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ شَرَطَ الْإِسْلَامَ بِالْبَيَانِ إجْمَالًا ) بِأَنْ يَقُولَ عَنْ تَصْدِيقٍ قَلْبِيٍّ آمَنْت بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ

تَفْصِيلًا حَرَجًا ( أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ ) أَيْ مَقَامَ بَيَانِ الْإِسْلَامِ إجْمَالًا ( مِنْ الصَّلَاةِ ) فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ( وَالزَّكَاةِ وَأَكْلِ ذَبِيحَتِنَا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( دُونَ النَّشْأَةِ فِي الدَّارِ ) أَيْ دَارِ الْإِسْلَامِ ( بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِهَذَا الْإِسْلَامِ الْحُكْمِيِّ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا ظَهَرَ عَدَمُ الْحَاجَةِ إلَى ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ مِنْ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ مُرَادًا بِهَا أَدْنَاهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا وَتَفْسِيرِهِ لِظُهُورِ انْتِفَائِهَا فِيهِ وَكَيْفَ لَا وَالْكُفْرُ أَعْظَمُ الْكَبَائِرِ فَالِاعْتِذَارُ عَنْ ذِكْرِهِ مَعَ ذِكْرِهَا بِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَبُولَ خَبَرِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ قَدْ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ وَلِهَذَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الْكَافِرِ إذَا شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ وَطَعْنُ الْخَصْمِ فِيهِ سَاقِطٌ وَوَصْفُ الْكَافِرِ بِهَا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مَجَازٌ عَنْ اسْتِقَامَتِهِ عَلَى مُعْتَقِدِهِ وَحُسْنِ سِيرَتِهِ فِي مُعَامَلَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
( ثُمَّ الْحَنَفِيَّةُ قَالُوا هَذَا ) كُلَّهُ ( فِي الرِّوَايَةِ ) لِلْأَخْبَارِ ( وَفِي غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ الرِّوَايَةِ ( لَا يُقْبَلُ الْكَافِرُ مُطْلَقًا فِي الدِّيَانَاتِ كَنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ وَإِنْ وَقَعَ عِنْدَهُ ) أَيْ السَّامِعِ ( صِدْقُهُ ) أَيْ الْكَافِرِ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ إلْزَامِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى الْغَيْرِ وَفِي قَبُولِ خَبَرِهِ جَعَلَهُ أَهْلًا لِذَلِكَ ( إلَّا أَنَّ فِي النَّجَاسَةِ تُسْتَحَبُّ إرَاقَتُهُ ) أَيْ الْمَاءِ ( لِلتَّيَمُّمِ دَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ الْعَادِيَّةِ ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الصِّدْقِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْ خَبَرِهِ لِأَنَّ

الْكُفْرَ لَا يُنَافِي الصِّدْقَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا تَحْصُلُ الطَّهَارَةُ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ بَلْ تَتَنَجَّسُ الْأَعْضَاءُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِرَاقَةِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ لِتَحْصُلَ الطَّهَارَةُ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَقِينٍ ( وَلَا تَجُوزُ ) الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ ( قَبْلَهَا ) أَيْ إرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ الطَّاهِرِ ظَاهِرًا ( بِخِلَافِ ) ( خَبَرِ الْفَاسِقِ بِهِ ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ ( وَبِحِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ يَحْكُمُ ) السَّامِعُ ( رَأْيَهُ فَيَعْمَلُ بِالنَّجَاسَةِ وَالْحُرْمَةِ إنْ وَافَقَهُ ) أَيْ رَأْيَهُ كُلًّا مِنْهُمَا لِأَنَّ أَكْثَرَ الرَّأْيِ فِيمَا لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَبَنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْيَقِينِ ( وَالْأَوْلَى إرَاقَةُ الْمَاءِ ) لِاحْتِمَالِ كَذِبِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ فَيُرِيقُهُ لِيَصِيرَ عَادِمًا لِلْمَاءِ ( لِيَتَيَمَّمَ ) أَيْ لِيَجُوزَ لَهُ التَّيَمُّمُ بِيَقِينٍ ( وَتَجُوزُ ) صَلَاتُهُ ( بِهِ ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ تَجِبُ ( إنْ لَمْ يُرِقْهُ ) لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْكَافِرِ بِهِ ( لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِهِ يَتَعَرَّفُ مِنْهُ ) أَيْ الْفَاسِقِ ( لَا مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ الْفَاسِقِ ( لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَاصٌّ ) بِالنِّسْبَةِ إلَى رِوَايَةِ الْحَدِيثِ يَعْنِي لَيْسَ بِأَمْرٍ يَقِفُ عَلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ حَتَّى يُمْكِنَ تَلَقِّيهِ مِنْ الْعُدُولِ بَلْ رُبَّمَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إلَّا الْفَاسِقُ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَيَافِيِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْغَالِبُ فِيهِمَا الْفُسَّاقُ فَقُبِلَ مَعَ التَّحَرِّي لِأَجْلِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ ( لَكِنَّهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ ( غَيْرُ لَازِمَةٍ ) لِلْمَاءِ بَلْ عَارِضَةٌ عَلَيْهِ ( فَضَمَّ التَّحَرِّيَ ) إلَى إخْبَارِهِ ( كَيْ لَا يُهْدَرَ فِسْقُهُ بِلَا مُلْجِئٍ وَالطَّهَارَةُ ) تَثْبُتُ ( بِالْأَصْلِ ) لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِيهِ فَيَعْمَلُ بِهِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ ( بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي عُدُولِ الرُّوَاةِ كَثْرَةً بِهِمْ غُنْيَةٌ ) عَنْ

الْفَسَقَةِ فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْفَاسِقِ أَصْلًا وَقَعَ فِي قَلْبِ السَّامِعِ صِدْقُهُ أَوَّلًا لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ ( فِي الْهَدِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَمَا لَا إلْزَامَ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ ) حَيْثُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ ضَمِّ التَّحَرِّي إلَيْهِ ( لِلُزُومِهَا ) أَيْ الضَّرُورَةِ ( لِلْكَثْرَةِ ) لِوُجُودِهَا .
( وَلَا دَلِيلَ ) مُتَيَسِّرٍ ( سِوَاهُ ) أَيْ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَسَّرُ لِكُلِّ مُهْدٍ أَوْ مُرْسِلٍ بِخَبَرِ وَكَالَةٍ وَنَحْوِهَا كُلَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ عَدْلٌ يَقُومُ بِهِ وَقَدْ جَرَتْ السُّنَّةُ وَالتَّوَارُثُ بِإِرْسَالِ الْهَدِيَّةِ عَلَى يَدِ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ لَا وَيُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ أَصْلًا إلَى حَالِ الْوَاصِلِ بِهَا فَكَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا عَلَى الْقَبُولِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَاجَةِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ الْفَاسِقِ ( الْمَسْتُورُ ) وَهُوَ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ ( فِي الصَّحِيحِ ) فَلَا يَكُونُ خَبَرُهُ حُجَّةً حَتَّى تَظْهَرَ عَدَالَتُهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْعَدْلِ فِي الْإِخْبَارِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَطَهَارَتِهِ وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذَا الْفَصْلَ ( وَأَمَّا ) ( الْمَعْتُوهُ وَالصَّبِيُّ فِي نَحْوِ النَّجَاسَةِ ) أَيْ الْإِخْبَارِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَبِطَهَارَتِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا مِنْ الدِّيَانَاتِ ( كَالْكَافِرِ ) فِي عَدَمِ قَبُولِ أَخْبَارِهِ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِمَا عَلَى نَفْسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَرْفُوعُ الْقَلَمِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ الْكَذِبِ لِعَدَمِ الْوَازِعِ وَالرَّادِعِ لَهُ لِكَوْنِهِ مَأْمُونَ الْعِقَابِ فَلَا يُؤْتَمَنُ عَلَى حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُهُ الْمَعْتُوهُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمَا احْتِيَاطًا ( وَكَذَا ) ( الْمُغَفَّلُ ) أَيْ الشَّدِيدُ الْغَفْلَةِ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ

عَلَى طَبْعِهِ الْغَفْلَةُ وَالنِّسْيَانُ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ ( وَالْمُجَازِفُ ) الَّذِي يَتَكَلَّمُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاطٍ غَيْرِ مُبَالٍ بِالسَّهْوِ وَالْغَلَطِ وَلَا مُشْتَغِلٍ بِالتَّدَارُكِ بَعْدَ الْعِلْمِ كَالْكَافِرِ فِي عَدَمِ قَبُولِ أَخْبَارِهِ لِأَنَّ مَعْنَى السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِي رِوَايَتِهِمَا يَتَرَجَّحُ بِاعْتِبَارِ الْغَفْلَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ كَمَا يَتَرَجَّحُ الْكَذِبُ بِاعْتِبَارِ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ

( مَسْأَلَةٌ مَجْهُولُ الْحَالِ وَهُوَ الْمَسْتُورُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ ) مِنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ ( قَبُولُ مَا لَمْ يَرُدَّهُ السَّلَفُ وَجْهُهَا ) أَيْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ( ظُهُورُ الْعَدَالَةِ بِالْتِزَامِهِ الْإِسْلَامَ { وَلَأُمِرْت أَنْ أَحْكُمَ بِالظَّاهِرِ } ) وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ قَرِيبًا ( وَدُفِعَ ) وَجْهُهَا ( بِأَنَّ الْغَالِبَ أَظْهَرُ وَهُوَ ) أَيْ الْغَالِبُ ( الْفِسْقُ ) فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ ( فَيُرَدُّ ) خَبَرُهُ ( بِهِ ) أَيْ بِهَذَا الْغَالِبِ ( مَا لَمْ تَثْبُتْ الْعَدَالَةُ بِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ الْإِسْلَامَ ( وَقَدْ يَنْفَصِلُ ) الْقَائِلُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ ( بِأَنَّ الْغَلَبَةَ ) لِلْفِسْقِ ( فِي غَيْرِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ ) لَا فِي الرُّوَاةِ الْمَاضِينَ لَهُ ( وَيَدْفَعُ ) هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ كَوْنُ الْغَلَبَةِ فِي غَيْرِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ ( فِي الْمَعْرُوفِينَ ) مِنْهُمْ ( لَا فِي الْمَجْهُولِينَ مِنْهُمْ ) وَكَلَامُنَا فِي الْمَجْهُولِينَ مِنْهُمْ ( وَالِاسْتِدْلَالُ ) لِلرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ ( بِأَنَّ الْفِسْقَ سَبَبُ التَّثَبُّتِ فَإِذَا انْتَفَى ) الْفِسْقُ ( انْتَفَى ) وُجُوبُ التَّثَبُّتِ ( وَانْتِفَاؤُهُ ) أَيْ الْفِسْقِ ( بِالتَّزْكِيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى ) صِحَّةِ ( هَذَا الدَّافِعِ إذْ يُورَدُ عَلَيْهِ ) أَيْ الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ ( مَنْعُ الْحَصْرِ ) فِي التَّزْكِيَةِ ( بِالْإِسْلَامِ ) أَيْ بِالْتِزَامِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْكَفَّ عَنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِ كَالتَّزْكِيَةِ ( وَيُدْفَعُ ) بِأَنَّ الظَّاهِرَ بِالْكَثْرَةِ أَظْهَرُ مِنْهُ وَالْمَجْهُولُونَ مِنْ النَّقَلَةِ لَمْ تَثْبُتْ فِيهِمْ غَلَبَةُ الْعَدَالَةِ فَكَانُوا كَغَيْرِهِمْ ( وَأَمَّا ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ فَعَدْلٌ وَاجِبُ الْقَبُولِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَسْتُورًا بَعْضٌ ) مِنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالْبَغَوِيِّ ثُمَّ قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْتَجُّ بِأَحَادِيثِ الْمَجْهُولِينَ قَالَ شَيْخُنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ عَدَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ بِالْتِزَامِهِ أَوَامِرَ اللَّهِ وَنَوَاهِيَهُ وَكَوْنِ بَاطِنِ أَمْرِهِ غَيْرِ مَعْلُومٍ

لَا يُصَيِّرُهُ مَرْدُودًا مَجْهُولًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ أَوْرَدَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمَا إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ فِي الظَّاهِرِ صَرِيحٌ فِي قَبُولِ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْمَجْهُولِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ لِمَنْ هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مَسْتُورٌ وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَقِرُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَلِذَا أَعْطَى حُكْمَ مَجْهُولِ الْحَالِ عَدَمَ الْقَبُولِ وَسَمَّاهُ مَسْتُورًا وَجَعَلَ مَنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ مُقَابِلًا لَهُ فَهُوَ عَدْلٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ وَاجِبُ الْقَبُولِ

( مَسْأَلَةٌ عُرِفَ أَنَّ الشُّهْرَةَ ) لِلرَّاوِي بِالْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَغَيْرِهِمْ ( مُعَرَّفُ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ كَمَالِكٍ وَالسُّفْيَانَيْنِ ) الثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ ( وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِمْ ) كَوَكِيعٍ وَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ وَابْنِ الْمَدِينِيِّ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ فِي نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَاسْتِقَامَةِ الْأَمْرِ ( لِلْقَطْعِ بِأَنَّ الْحَاصِلَ بِهَا ) أَيْ بِالشُّهْرَةِ بِهِمَا ( مِنْ الظَّنِّ ) بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ بِهِمَا ( فَوْقَ التَّزْكِيَةِ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ إِسْحَاقَ ) بْنِ رَاهْوَيْهِ فَقَالَ مِثْلُ إِسْحَاقَ يُسْأَلُ عَنْهُ ( وَابْنُ مَعِينٍ ) عَلَى مَنْ سَأَلَهُ ( عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يُسْأَلُ عَنْ النَّاسِ ، وَ ) تَثْبُتُ الْعَدَالَةُ أَيْضًا ( بِالتَّزْكِيَةِ وَأَرْفَعُهَا ) أَيْ مَرَاتِبِهَا عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ ( قَوْلُ الْعَدْلِ نَحْوَ حُجَّةٍ ثِقَةٍ بِتَكْرِيرٍ لَفْظًا ) كَثِقَةٍ ثِقَةٍ حُجَّةٍ حُجَّةٍ ( أَوْ مَعْنًى ) كَثَبْتٍ حُجَّةٍ ثَبْتٍ حَافِظٍ ثِقَةٍ ثَبْتٍ ثِقَةٍ مُتْقِنٍ وَنَحْوِ هَذِهِ مِمَّا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْمَرْتَبَة وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَرْفَعُهَا الْوَصْفُ بِمَا دَلَّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ وَأَصْرَحُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ كَأَوْثَقِ النَّاسِ أَوْ أَثْبَتِ النَّاسِ أَوْ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي التَّثَبُّتِ ثُمَّ مَا تَأَكَّدَ مِنْ الصِّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْدِيلِ أَوْ وَصْفَيْنِ كَثِقَةٍ ثِقَةٍ أَوْ ثِقَةٍ حَافِظٍ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الْإِفْرَادُ ) كَحُجَّةٍ أَوْ ثِقَةٍ أَوْ مُتْقِنٍ .
وَجَعَلَ الْخَطِيبُ هَذَا أَرْفَعَ الْعِبَارَاتِ ( وَحَافِظٌ ضَابِطٌ تَوْثِيقٌ لِلْعَدْلِ يُصَيِّرُهُ كَالْأَوَّلِ ) أَيْ تَكْرِيرِ التَّوْثِيقِ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( مَأْمُونٌ صَدُوقٌ وَلَا بَأْسَ وَهُوَ ) أَيْ لَا بَأْسَ ( عِنْدَ ابْنِ مَعِينٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ كَثِقَةٍ عَلَى نَظَرٍ فِي عِبَارَةِ ابْنِ مَعِينٍ ) عَلَى مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ حَيْثُ قَالَ قُلْتُ

لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ إنَّك تَقُولُ فُلَانٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَفُلَانٌ ضَعِيفٌ قَالَ إذَا قُلْتُ لَكَ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ فَهُوَ ثِقَةٌ وَإِذَا قُلْتُ هُوَ ضَعِيفٌ فَلَيْسَ هُوَ بِثِقَةٍ لَا تَكْتُبْ حَدِيثَهُ فَإِنَّهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ يَقُلْ ابْنُ مَعِينٍ قَوْلِي بِهِ بَأْسٌ كَقَوْلِي ثِقَةٌ حَتَّى يَلْزَمَ مِنْهُ التَّسَاوِي بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ إنَّمَا قَالَ إنَّ مَنْ قَالَ فِيهِ هَذَا فَهُوَ ثِقَةٌ وَلِلثِّقَةِ مَرَاتِبُ فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِمْ ثِقَةٌ أَرْفَعُ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي مُطْلَقِ الثِّقَةِ ( وَخِيَارُ تَعْدِيلٍ فَقَطْ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ إلَّا أَنَّهُ يَكْذِبُ وَلَا يَشْعُرُ ثُمَّ ) يَلِيهَا ( صَالِحٌ شَيْخٌ وَهُوَ ) أَيْ شَيْخٌ ( أَرْفَعُ مِنْ شَيْخٍ وَسَطٍ ثُمَّ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَصُوَيْلِحٌ ) وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى مَا فِي الْمِيزَانِ فَإِنَّهُ قَالَ ثُمَّ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَجَيِّدُ الْحَدِيثِ وَصَالِحُ الْحَدِيثِ وَشَيْخٌ وَسَطٌ وَشَيْخٌ وَحُسْنُ الْحَدِيثِ وَصَدُوقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَصُوَيْلِحٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ا هـ .
وَجَعَلَ الْعِرَاقِيُّ مِنْهَا مُتَقَارِبَ الْحَدِيثِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَأَرْجُو أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مَنْ قِيلَ فِيهِ صَالِحُ الْحَدِيثِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لِلِاعْتِبَارِ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا دُونَ قَوْلِهِمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ نَظِيرَ مَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا أَوْ الْأُولَى أَرْفَعُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ حُصُولُ الرَّجَاءِ بِذَلِكَ ( وَالْمَرْجِعُ الِاصْطِلَاحُ وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ ) كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ ( وَفِي الْجُرْحِ ) قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَسْوَأُ مَرَاتِبُهُ الْوَصْفُ بِمَا دَلَّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ ، وَأَصْرَحُ ذَلِكَ التَّعْبِيرُ بِأَفْعَلَ كَأَكْذَبِ النَّاسِ وَقَوْلِهِمْ إلَيْهِ الْمُنْتَهَى فِي الْوَضْعِ أَوْ هُوَ رُكْنُ الْكَذِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ ( كَذَّابٌ وَضَّاعٌ دَجَّالٌ يَكْذِبُ

هَالِكٌ ) يَضَعُ الْحَدِيثَ أَوْ وَضَعَ حَدِيثًا وَالْأَلْفَاظُ الْأُوَلُ مِنْ هَذِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَوْعُ مُبَالَغَةٍ فَهِيَ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا ( ثُمَّ سَاقِطٌ ) وَذَكَرَ الْخَطِيبُ أَنَّ أَدْوَنَ الْعِبَارَاتِ كَذَّابٌ سَاقِطٌ ( مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ وَالْوَضْعِ ) وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ( ذَاهِبٌ ) أَوْ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ ( وَمَتْرُوكٌ ) أَوْ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَمُتَّفَقٌ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ تَرَكُوهُ ( وَمِنْهُ لِلْبُخَارِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَسَكَتُوا عَنْهُ ) فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فِيمَنْ تَرَكُوا حَدِيثَهُ ( لَا يُعْتَبَرُ بِهِ ) لَا يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ ( لَيْسَ بِثِقَةٍ ) لَيْسَ بِالثِّقَةِ غَيْرِ ثِقَةٍ غَيْرِ ( مَأْمُونٍ ثُمَّ رَدُّوا حَدِيثَهُ ) رُدَّ حَدِيثُهُ مَرْدُودُ الْحَدِيثِ ( ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَاهٍ بِمَرَّةٍ طَرَحُوا حَدِيثَهُ مُطْرَحٌ ) مُطْرَحُ الْحَدِيثِ ( ارْمِ بِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ) لَا شَيْءَ ( لَا يُسَاوِي شَيْئًا فَفِي هَذِهِ ) الْمَرَاتِبِ ( لَا حُجِّيَّةَ وَلَا اسْتِشْهَادَ وَلَا اعْتِبَارَ ) بِحَدِيثِ مَنْ قِيلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ( ثُمَّ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مُضْطَرِبُهُ وَاهٍ ضَعَّفُوهُ ) كَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفُوهُ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ ( لَا يُحْتَجُّ بِهِ ثُمَّ فِيهِ مَقَالٌ ) اُخْتُلِفَ فِيهِ فِيهِ خِلْفٌ فِيهِ ( ضَعْفُ ضُعِّفَ ) عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ .
وَكَذَا ( تُعَرَّفُ وَتُنَكَّرُ لَيْسَ بِذَاكَ ) لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيُّ لَيْسَ ( بِالْقَوِيِّ ) لَيْسَ ( بِحُجَّةٍ ) لَيْسَ ( بِعُمْدَةٍ ) لَيْسَ ( بِالْمَرْضِيِّ ) لَيْسَ بِالْمَتِينِ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ حُجَّةٍ لِلضَّعْفِ مَا هُوَ ( سَيِّئُ الْحِفْظِ لَيِّنٌ ) لَيِّنُ الْحَدِيثِ فِيهِ لِينٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ ( وَيُخَرَّجُ ) الْحَدِيثُ ( فِي هَؤُلَاءِ ) الْمَذْكُورِينَ فِي هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ ( لِلِاعْتِبَارِ وَالْمُتَابَعَاتِ ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ ( إلَّا ابْنَ مَعِينٍ فِي ضَعِيفٍ ) ( وَيَثْبُتُ التَّعْدِيلُ ) لِلشَّاهِدِ وَالرَّاوِي ( بِحُكْمِ الْقَاضِي الْعَدْلِ ) بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ (

وَعَمَلِ الْمُجْتَهِدِ ) الْعَدْلِ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهِ فِي الْقَاضِي هَذَا فِي الْقَاضِي وَالْمُجْتَهِدِ ( الشَّارِطِينَ ) لِلْعَدَالَةِ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَإِلَّا لَكَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا بِقَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَالْمُجْتَهِدُ فَاسِقًا بِعَمَلِهِ بِرِوَايَةِ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ عِنْدَهُ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ فِيهِمَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَاكِمُ عَدْلًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ فَحُكْمُهُ بِشَهَادَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُجْتَهِدُ عَدْلًا فَعَمَلُهُ بِرِوَايَتِهِ لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا لَهُ ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِ تَعْدِيلًا بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي الْعَمَلِ سِوَى رِوَايَتِهِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ عَمَلَهُ لَيْسَ مِنْ الِاحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ ( لَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ ) شَيْءٌ ( سِوَى كَوْنُهُ ) أَيْ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ ( عَلَى وَفْقِهِ ) أَيْ مَا رَوَاهُ الرَّاوِي الْمَذْكُورُ وَبَقِيَ هَلْ رِوَايَةُ الْعَدْلِ الْحَدِيثَ عَنْ الرَّاوِي تَعْدِيلٌ لَهُ قِيلَ نَعَمْ مُطْلَقًا وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ وَقِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِمَا إنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْوِي إلَّا عَنْ عَدْلٍ فَتَعْدِيلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْجَرْيُ عَلَى الْعَادَةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَمَّنْ لَوْ سُئِلَ عَنْ عَدَالَتِهِ لَتَوَقَّفَ فِيهَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ الرِّوَايَةِ لَا يُوجِبُ الْعَمَلَ عَلَى السَّامِعِ بِمُقْتَضَاهَا بَلْ الْغَايَةُ أَنْ يَقُولَ سَمِعْته يَقُولُ فَعَلَى السَّامِعِ الِاسْتِكْشَافُ عَنْ حَالِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ إذَا أَرَادَ الْعَمَلَ بِرِوَايَتِهِ وَإِلَّا فَالتَّقْصِيرُ مِنْ قِبَلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( تَنْبِيهٌ حَدِيثُ ) الرَّاوِي ( الضَّعِيفِ لِلْفِسْقِ لَا يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ ) لِعَدَمِ تَأْثِيرِ مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فِيهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ ( وَلِغَيْرِهِ ) أَيْ وَحَدِيثُ الضَّعِيفِ لِغَيْرِ الْفِسْقِ كَسُوءِ الْحِفْظِ مَعَ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ ( يَرْتَقِي ) بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ ( وَهَذَا التَّفْصِيلُ أَصَحُّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ التَّفْصِيلِ ( إلَى الْمَوْضُوعِ فَلَا ) يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ ( أَوْ خِلَافُهُ ) أَيْ الْمَوْضُوعِ ( فَنَعَمْ ) أَيْ يَرْتَقِي بِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ إلَى الْحُجِّيَّةِ ( لِوُجُوبِ الرَّدِّ لِلْفِسْقِ وَبِالتَّعَدُّدِ ) لِطُرُقِهِ ( لَا يَرْتَفِعُ ) الْمُوجِبُ لِلرَّدِّ بِفِسْقِهِ ( بِخِلَافِهِ ) أَيْ الرَّدِّ ( لِسُوءِ الْحِفْظِ لِأَنَّهُ ) أَيْ رَدَّهُ ( لِوَهْمِ الْغَلَطِ وَالتَّعَدُّدِ يُرَجَّحُ أَنَّهُ ) أَيْ الرَّاوِيَ السَّيِّئُ الْحِفْظِ ( أَجَادَ فِيهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَرْوِيِّ ( فَيَرْتَفِعُ الْمَانِعُ وَأَمَّا ) الطَّعْنُ فِي الْحَدِيثِ ( بِالْجَهَالَةِ ) لِرَاوِيهِ بِأَنْ لَمْ يُعْرَفْ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ إلَّا بِحَدِيثٍ أَوْ بِحَدِيثَيْنِ ( فَبِعَمَلِ السَّلَفِ ) بِهِ يَزُولُ الطَّعْنُ فِيهِ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِهِ إمَّا لِعِلْمِهِمْ بِعَدَالَةِ الرَّاوِي وَحُسْنِ ضَبْطِهِ أَوْ لِمُوَافَقَتِهِ سَمَاعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ سَامِعٍ مِنْهُ ذَلِكَ مَشْهُورٌ لِانْتِفَاءِ اتِّهَامِهِمْ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَعَ مَا لَهُمْ مِنْ الرُّتْبَةِ الْعَالِيَةِ فِي الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى ( وَسُكُوتُهُمْ ) أَيْ السَّلَفِ ( عِنْدَ اشْتِهَارِ رِوَايَتِهِ ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَاوِيهِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ( كَعَمَلِهِمْ ) بِهِ ( إذْ لَا يَسْكُنُونَ عَنْ مُنْكَرٍ ) يَسْتَطِيعُونَ إنْكَارَهُ وَالْفَرْضُ ثُبُوتُ الِاسْتِطَاعَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ .
( فَإِنْ قَبِلَهُ ) أَيْ الْحَدِيثَ ( بَعْضٌ ) مِنْهُمْ ( وَرَدَّهُ آخَرُ ) مِنْهُمْ ( فَكَثِيرٌ ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ ( عَلَى الرَّدِّ وَالْحَنَفِيَّةِ يُقْبَلُ وَلَيْسَ ) قَبُولُهُ (

مِنْ تَقْدِيمِ التَّعْدِيلِ عَلَى الْجَرْحِ لِأَنَّ تَرْكَ الْعَمَلِ ) بِالْحَدِيثِ ( لَيْسَ جُرْحًا ) فِي رَاوِيهِ ( كَمَا سَنَذْكُرُ فَهُوَ ) أَيْ قَبُولُ الْبَعْضُ لَهُ ( تَوْثِيقٌ ) لِلرَّاوِي ( بِلَا مُعَارِضٍ وَمَثَّلُوهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ مَا قَبِلَهُ بَعْضُهُمْ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ ( بِحَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى لِبِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمَهْرِ مِثْلِ نِسَائِهَا حِينَ مَاتَ عَنْهَا هِلَالُ بْنُ مُرَّةَ } قَبِلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَرَدَّهُ عَلِيٌّ ) فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى مَاتَ عَنْهَا فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَهَا مِثْلُ صَدَاقِ نِسَائِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ امْرَأَةٍ مِنَّا مِثْلَ مَا قَضَيْت فَفَرِحَ بِهَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقَيْنِ بِسِيَاقَيْنِ أَحَدُهُمَا مُخْتَصَرٌ قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ بَعْدِ اشْتِرَاطِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُقَارَنَةَ فِي الْمُخَصِّصِ إلَخْ وَثَانِيهِمَا نَحْوَ هَذَا وَفِيهِ فَقَامَ نَاسٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيهِمْ الْجَرَّاحُ وَابْنُ سِنَانٍ فَقَالُوا يَا ابْنَ مَسْعُودٍ نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَاهَا فِينَا فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَأَنَّ زَوْجَهَا هِلَالَ بْنَ مُرَّةَ الْأَشْجَعِيَّ كَمَا قَضَيْتَ فَفَرِحَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَحًا شَدِيدًا حِينَ وَافَقَ قَضَاؤُهُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ قَالَ لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لَكَانَ الْحُجَّةَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ بِمِصْرَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ بِحَدِيثِ بِرْوَعَ ا هـ .
لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ جَمِيعُ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَسَانِيدِهَا صِحَاحٌ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ نَقُولُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ عَمَلَهُ ) أَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ ( كَانَ بِالرَّأْيِ غَيْرَ أَنَّهُ سُرَّ بِرِوَايَةِ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِهِ مِنْ إلْحَاقِ الْمَوْتِ بِالدُّخُولِ بِدَلِيلِ إيجَابِ الْعِدَّةِ بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْتِ ( كَالدُّخُولِ وَهُوَ ) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ ( أَعَمُّ مِنْ الْقَبُولِ لِجَوَازِ اعْتِبَارِهِ ) أَيْ الْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ بِالنِّسْبَةِ إلَى رَأْيِهِ الْمَذْكُورِ ( كَالْمُتَابَعَاتِ ) فِي بَابِ الرِّوَايَاتِ لِإِفَادَةِ التَّقْوِيَةِ ( إلَّا أَنْ يُنْقَلَ ) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ( أَنَّهُ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ هَذَا ( اسْتَدَلَّ بِهِ ) أَيْ بِالْمَرْوِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى رَأْيِهِ ( وَهَذَا نَظَرٌ فِي الْمِثَالِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْأَصْلِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ قَبُولَ مَا قَبِلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَرَدَّهُ بَعْضُهُمْ ( فِي تَقْسِيمِ الرَّاوِي الصَّحَابِيِّ إلَى مُجْتَهِدٍ كَالْأَرْبَعَةِ ) أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( وَالْعَبَادِلَةِ ) جَمْعُ عَبْدَلٍ لِأَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي زَيْدٍ زَيْدَلَ أَوْ عَبْدٍ وَضْعًا كَالنِّسَاءِ لِلْمَرْأَةِ وَهُمْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ مَقَامَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ( فَيُقَدَّمُ ) خَبَرُهُ ( عَلَى الْقِيَاسِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ وَافَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ ( وَ ) إلَى ( عَدْلٍ ضَابِطٍ ) غَيْرِ مُجْتَهِدٍ ( كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَسَلْمَانَ وَبِلَالٍ فَيُقَدَّمُ ) خَبَرُهُ ( إلَّا إنْ خَالَفَ كُلَّ الْأَقْيِسَةِ عَلَى قَوْلِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ ) وَأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ ( كَحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ ) وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلُبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخَطهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّصْرِيَةُ رَبْطُ أَخْلَافِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ وَتَرْكُ حَلْبِهَا الْيَوْمَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا لَبَنٌ فَيَرَاهُ مُشْتَرِيهَا كَثِيرًا فَيَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا ثُمَّ إذَا حَلَبَهَا الْحَلْبَةَ أَوْ الْحَلْبَتَيْنِ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَبَنِهَا وَهَذَا غُرُورٌ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِهَا فَذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِسْبِيجَابِيّ نَقْلًا عَنْ أَصْحَابِ الْأَمَالِي عَنْهُ وَالْمَذْكُورُ عَنْهُ لِلْخَطَّابِيِّ وَابْنِ قُدَامَةَ أَنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ قِيمَةِ اللَّبَنِ .
وَلَمْ يَأْخُذْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِهِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ ( فَإِنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ وَضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ ) بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ كَمَا يَأْتِي ( وَلَوْ ) كَانَ اللَّبَنُ ( قِيَمِيًّا فَبِالْقِيمَةِ ) أَيْ فَضَمَانُهُ بِهَا مِنْ النَّقْدَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا ( لَا كَمِّيَّةِ تَمْرٍ خَاصَّةً وَلِتَقْوِيمِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِقَدْرٍ وَاحِدٍ ) وَالْمَضْمُونُ إنَّمَا يَكُونُ قَدْرُ ضَمَانِهِ بِقَدْرِ التَّالِفِ مِنْهُ إنْ قَلِيلًا فَقَلِيلٌ وَإِنْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ ( وَرُبَّ شَاةٍ ) تَكُونُ (

بِصَاعٍ ) مِنْ التَّمْرِ خُصُوصًا فِي غَلَائِهِ ( فَيَجِبُ رَدُّهَا مَعَ ثَمَنِهَا ) فَيَكُونُ رِبًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَالْأَكْثَرِ ) مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ خَبَرُ الْعَدْلِ الضَّابِطِ ( كَالْأَوَّلِ ) أَيْ كَخَبَرِ الْمُجْتَهِدِينَ ( وَيَأْتِي الْوَجْهُ ) فِي كَوْنِهِ كَذَلِكَ ( وَتَرْكُهُ ) أَيْ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ ( لِمُخَالَفَةِ الْكِتَابِ ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى } وَ ) مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ ( الْمَشْهُورَةِ ) وَهِيَ مَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا أَيْ نَصِيبًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ } إنْ كَانَ مُوسِرًا كَمَا رَوَى مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ ( { وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ مَعْنَاهُ الرَّجُلُ يَشْتَرِي الْمَمْلُوكَ فَيَسْتَغِلُّهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُضِيَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْعَبْدَ عَلَى الْبَائِعِ بِالْعَيْبِ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَيَأْخُذُهُ وَيَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ طَيِّبَةً وَهُوَ الْخَرَاجُ وَإِنَّمَا طَابَتْ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْعَبْدِ وَلَوْ مَاتَ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ وَهَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ .
( وَ ) مُخَالَفَةُ ( الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّضْمِينِ بِالْمِثْلِ ) فِي الْمِثْلِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ ( أَوْ الْقِيمَةِ ) فِي الْقِيَمِيِّ الْفَائِتِ عَيْنُهُ أَوْ الْمِثْلِيِّ الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ اللَّبَنَ مِثْلِيٌّ فَضَمَانُهُ بِالْمِثْلِ وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ قَوْلُ الضَّامِنِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ فَالْوَاجِبُ الْقِيمَةُ فَكَانَ إيجَابُ التَّمْرِ مَكَانَ اللَّبَنِ مُطْلَقًا مُخَالِفًا لِهَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ وَلِلْقِيَاسِ أَيْضًا عَلَى سَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ الْمِثْلِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ أَنَّهُ مُضْطَرِبُ الْمَتْنِ فَمَرَّةً جَعَلَ الْوَاجِبَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ

وَمَرَّةً صَاعًا مِنْ طَعَامٍ غَيْرِ بُرٍّ وَمَرَّةً مِثْلَ أَوْ مِثْلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا وَمَرَّةً ذَكَرَ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَرَّةً لَمْ يَذْكُرْهُ وَقِيلَ هُوَ مَنْسُوخٌ قَالَ الطَّحَاوِيُّ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مُجْمَلًا فَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ نَسَخَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ } فَلَمَّا قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفُرْقَةِ الْخِيَارُ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَجْعُولَ فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهُوَ لَا يَقْطَعُهُ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ التَّصْرِيَةُ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ عِنْدَنَا وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَلِفِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا عَيْبٌ كَمَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ وَأَخَذَ بِهِ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مَا كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ تُؤْخَذُ بِالْأَمْوَالِ ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ الرِّبَا فَرُدَّتْ الْأَشْيَاءُ الْمَأْخُوذَةُ إلَى أَمْثَالِهَا إنْ كَانَ لَهَا أَمْثَالٌ وَإِلَى قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ لَا أَمْثَالَ لَهَا ( وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقِيهٌ ) لَمْ يَعْدَمْ شَيْئًا مِنْ أَسْبَابِ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ أَفْتَى فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُفْتِي فِي زَمَنِهِمْ إلَّا مُجْتَهِدٌ وَرَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ مَا بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَتَابِعِيٍّ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ( وَمَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالْحَالُ كَوَابِصَةَ ) بْنِ مَعْبَدٍ وَالتَّمْثِيلُ بِهِ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ الْمَذْكُورِ عِنْدَهُمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَاتَه إلَّا بِرِوَايَةِ حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ وَلَا طُولُ صُحْبَتِهِ وَقَدْ عُرِفَتْ عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ بِالنُّصُوصِ وَاشْتُهِرَ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23