كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

قَبُولِهَا ( غَيَّرَتْ الْحُكْمَ ) الثَّابِتَ ( أَمْ لَا ) أَوْجَبَتْ نَقْصًا مِنْ أَحْكَامٍ ثَبَتَتْ بِخَبَرٍ لَيْسَتْ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةُ أَمْ لَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ مَنْ رَوَاهُ بِدُونِهَا ( وَنُقِلَ فِيهِ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( إجْمَاعُ ) أَهْلِ ( الْحَدِيثِ ) ذَكَرَهُ ابْنُ طَاهِرٍ حَيْثُ قَالَ لَا خِلَافَ نَجِدُهُ بَيْنَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ انْتَهَى فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَيْدٍ ( وَقِيلَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ الْمَنْعُ ) أَيْ وَقَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ الرَّاوِي وَاحِدًا وَالزِّيَادَةُ مُعَارِضَةً وَفِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ إنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَبُولِ الزِّيَادَةِ وَالْأَصْلِ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ قُبِلَتْ وَإِنْ اتَّحَدَ فَإِنْ كَانَتْ مَرَّاتُ رِوَايَتِهِ لِلزِّيَادَةِ أَقَلَّ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ سَهَوْت فِي تِلْكَ الْمَرَّاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ قُبِلَتْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَهُوَ ) أَيْ مَنْعُ قَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمُعَارَضَةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ رَاوٍ أَوْ أَكْثَرَ ( مُقْتَضَى حُكْمِ ) أَهْلِ ( الْحَدِيثِ بِعَدَمِ قَبُولِ الشَّاذِّ الْمُخَالِفِ ) لِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ وَإِنْ كَانَ رَاوِيهِ ثِقَةً ( بَلْ أَوْلَى إذْ مَثَّلُوهُ ) أَيْ الشَّاذَّ الْمُخَالِفَ ( بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ ) وَهُوَ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الصَّحِيحِ ( عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ { أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ } ) رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ ( وَمَنْ سِوَاهُ ) أَيْ الثِّقَةِ الَّذِي هُوَ هَمَّامٌ إنَّمَا رَوَى ( عَنْهُ ) أَيْ ابْنُ جُرَيْجٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ } كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد قَالَ وَالْوَهْمُ فِيهِ مِنْ هَمَّامٍ وَلَمْ يَرْوِهِ إلَّا هَمَّامٌ وَهُوَ مُتَعَقَّب بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ الْمُتَوَكِّلِ الْبَصْرِيَّ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَيْضًا كَمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ ( مَعَ كَوْنِهِ ) أَيْ

مَرْوِيِّ الثِّقَةِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ ( لَمْ يُعَارَضْ ) بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ فَإِذَا حَكَمُوا بِعَدَمِ قَبُولِ رِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَعَ مُخَالَفَةٍ لَيْسَتْ مُعَارِضَةً فَأَوْلَى أَنْ يَرُدُّوا الزِّيَادَةَ الْمُعَارِضَةَ لِمَا رَوَاهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ ) الْجَمْعُ ( مَعَ جَهْلِ الِاتِّحَادِ ) لِلْمَجْلِسِ وَمَعَ وَحْدَةِ الرَّاوِي ( وَمَرَّاتِ رِوَايَتِهَا ) أَيْ الزِّيَادَةِ ( لَيْسَتْ أَقَلَّ مِنْ تَرْكِهَا قُبِلَتْ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا أَنْ يَقُولَ سَهَوْت فِي مَرَّاتِ الْحَذْفِ ) وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ التَّفْتَازَانِيُّ عَنْ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا ( مَذْهَبٌ فِي قَبُولِهَا ) أَيْ الزِّيَادَةِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُخَالِفَةً أَوْ لَا ( مِنْ ) الرَّاوِي ( الْوَاحِدِ لَا بِقَيْدِ مُخَالَفَتِهَا ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْعِدَّةِ حَيْثُ قَالَ : إذَا رَوَى الْوَاحِدُ خَبَرًا ثُمَّ رَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ سَمِعَ كُلًّا مِنْ الْخَبَرَيْنِ فِي مَجْلِسٍ قُبِلَتْ الزِّيَادَةُ وَإِنْ عَزَا ذَلِكَ إلَى مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَتَكَرَّرَتْ رِوَايَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ ثُمَّ رَوَى الزِّيَادَةَ فَإِنْ قَالَ كُنْتُ أُنْسِيتُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي الزِّيَادَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ هَذَا قَدْحًا صَرِيحًا فِي نَقْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ فَإِنَّ النَّقْلَ كَثِيرٌ ( ثُمَّ مُوجِبُ الدَّلِيلِ السَّابِقِ ) وَهُوَ قَوْلُنَا ثِقَةٌ جَازِمٌ ( وَالْإِطْلَاقُ ) الْمَذْكُورُ فِي نَقْلِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ ( قَبُولُ ) الزِّيَادَةِ ( الْمُعَارِضَةِ ) مُطْلَقًا وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ ( أَوْ يُسْلَكُ التَّرْجِيحُ ) أَمَّا كَوْنُ هَذَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْمَذْكُورِ فَظَاهِرٌ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْمُعَارِضَةَ وَغَيْرَهَا وَأَمَّا أَنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ نَقْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ فَكَذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَهُ ثُمَّ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ

قَبُولِهَا عَدَمُ الْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ ظَنُّ خِلَافِهِ لِمُعَارَضَةِ الثِّقَاتِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ الْتَزَمْنَا مِنْ قَبُولِهَا الْعَمَلُ بِهَا لَكِنَّا أَنْزَلْنَاهَا حَدِيثًا مُعَارِضًا لِغَيْرِهِ فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَدْنَاهَا فَإِنَّا حِينَئِذٍ لَا نَطْلُبُ تَرْجِيحًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا عَارَضَتْهُ فَكَانَ الْوَجْهُ الْقَبُولَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ ثُمَّ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْمَزِيدِ الْمُعَارِضِ الزِّيَادَةُ ( الْمُوجِبَةُ نَقْصًا مِثْلُ ) رِوَايَةِ ( { وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا } ) بَعْدَ قَوْلِهِ { وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا } بَدَلَ قَوْلِهِ وَطَهُورًا وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثِ فِي مَسْأَلَةِ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ بِحُكْمِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُهُ ثُمَّ لِمَا تَوَجَّهَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يُرَدُّ الشَّاذُّ الْمُخَالِفُ لِمَا رَوَتْهُ الثِّقَاتُ الْتَزَمَهُ وَقَالَ ( وَالشَّاذُّ الْمَمْنُوعُ ) أَيْ الْمَرْدُودُ هُوَ ( الْأَوَّلُ ) أَيْ مَا انْفَرَدَ بِمَزِيدٍ فِي مَجْلِسٍ مُتَّحِدٍ لَهُ وَلَهُمْ وَالْمَزِيدُ ( مَا لَا يَغْفُلُ مِثْلُهُمْ ) أَيْ مَنْ مَعَهُ فِيهِ ( عَنْهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْمَزِيدِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ الْمُعَارِضَةِ ( جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ إيَّاهُ ) أَيْ الْمَزِيدَ إذَا كَانَ هُوَ وَالْأَصْلُ ( مِنْ اثْنَيْنِ خَبَرَيْنِ { كَنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ } كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِلَفْظِ مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ انْهَهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا } رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِلَفْظِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَفِي سَنَدِهِ مَا لَمْ يُسَمَّ ( أَجْرَوْا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( الْمُعَارَضَةَ ) بَيْنَهُمَا ( وَرَجَّحُوا ) قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ لِعَتَّابٍ لِأَنَّ فِيهِ ( زِيَادَةَ الْعُمُومِ ) لِتَنَاوُلِهِ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ غَايَتُهُ

أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ لَمْ يَعْمَلَا بِهَا فِي حَقِّ الْعَقَارِ لِكَوْنِ النَّصِّ مَعْلُولًا بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْعَقَارِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَا يُبْتَنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا رَجَّحُوا قَوْلَهُ لِعَتَّابٍ عَلَى نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِهِ ( إذْ لَا يَحْمِلُونَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ ) فِي مِثْلِهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ( وَالْوَجْهُ فِيهِ ) أَيْ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ ( وَفِي تُرْبَتِهَا ) أَيْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ( تَعَيُّنُ الْعَامِّ ) وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ وَالْأَرْضِ لِإِجْرَاءِ الْمُعَارَضَةِ ثُمَّ التَّرْجِيحُ بِالْعُمُومِ كَمَا يُرَجَّحُ الْعِلَّةُ بِزِيَادَةِ الْمَحَالِّ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ صَيَّرَتْ كُلًّا مِنْ قَبِيلِ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَهُوَ لَيْسَ تَخْصِيصًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ إثْبَاتُ عَيْنِ الْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْعَامُّ لِبَعْضِ أَفْرَادِهِ وَلَا مُنَافَاةَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُمُومِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْمَتْرُوكُ فَلَا يُعَارَضُ لِتَرَجُّحٍ فَإِنَّ التَّرْجِيحَ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ يَكُونُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَيَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ ) بِحُكْمِهِ ( وَمِنْ الْوَاحِدِ ) أَيْ وَجَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ الزِّيَادَةَ وَالْأَصْلَ بِدُونِهَا إذَا كَانَ رَاوِيهِمَا وَاحِدًا خَبَرًا ( وَاحِدًا وَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا ) أَيْ وَحَكَمُوا بِأَنَّهَا مُرَادَةٌ فِي الْأَصْلِ ( كَابْنِ مَسْعُودٍ ) أَيْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ أَوْ يَتَرَادَّانِ } ( وَفِي أُخْرَى ) عَنْهُ ( لَمْ تُذْكَرْ ) السِّلْعَةُ رَوَاهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنْ بِلَفْظِ الْبَيِّعَانِ وَالْحَدِيثُ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ بِمَجْمُوعِ طُرُقِهِ حَسَنٌ

يُحْتَجُّ بِهِ لَكِنْ فِي لَفْظِهِ اخْتِلَافٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي ( فَقَيَّدُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ جَرَيَانَ التَّحَالُفِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ ( بِهَا ) أَيْ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِيَ قِيَامُ السِّلْعَةِ ( حَمْلًا عَلَى حَذْفِهَا فِي الْأُخْرَى نِسْيَانًا بِلَا ذَلِكَ التَّفْصِيلِ ) الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَّاتُ تَرْكِ الزِّيَادَةِ أَقَلَّ مِنْ مَرَّاتِ رِوَايَتِهَا لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَقُولَ سَهَوْت فِي مَرَّاتِ الْحَذْفِ ( وَهُوَ ) أَيْ قَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ ( الْوَجْهُ ) لِأَنَّ عَدَالَتَهُ وَثِقَتَهُ تُعَبِّرُ عَنْ الرَّاوِي بِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُفَصِّلُ شَرْطًا لِلْقَبُولِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى أَنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ صَرِيحًا ( فَلَيْسَ ) هَذَا مِنْهُمْ ( مِنْ حَمْلِ الْمُطْلَقِ ) عَلَى الْمُقَيَّدِ

( مَسْأَلَةٌ خَبَرُ الْوَاحِدِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى أَيْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكُلُّ حَاجَةً مُتَأَكِّدَةً مَعَ كَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ وُجُوبٌ دُونَ اشْتِهَارٍ أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ ) لَهُ أَيْ مُقَابَلَتِهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ ثُمَّ حَيْثُ كَانَ هَذَا ( عِنْدَ عَامَّةِ الْحَنَفِيَّةِ ) فَلَا يَظْهَرُ لِتَنْصِيصِهِ عَلَى الْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ ( مِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ ) بَعْدَ شُمُولِهِمْ إيَّاهُ فَائِدَةٌ بَلْ الَّذِي فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الِاقْتِصَارُ عَلَى الِاشْتِهَارِ وَنِسْبَةُ هَذَا إلَى الْكَرْخِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِلَى الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ وَقَدْ كَانَتْ النُّسْخَةُ عَلَى هَذَا أَوَّلًا فَغُيِّرَتْ إلَى هَذَا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ الْآنَ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ كُلِّيًّا بَيْنَ الِاشْتِهَارِ وَبَيْنَ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ إذْ قَدْ يُوجَدُ اشْتِهَارٌ لِلشَّيْءِ بِلَا تَلَقِّي جَمِيعِ الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَقَدْ يَتَلَقَّى الْأُمَّةُ الشَّيْءَ بِالْقَبُولِ بِلَا رِوَايَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ ثُمَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا بَأْسَ بِهَا لَكِنْ الشَّأْنُ فِي كَوْنِهَا مَنْقُولَةً عَنْهُمْ ( كَخَبَرِ مَسِّ الذَّكَرِ ) أَيْ { مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ } الَّذِي رَوَتْهُ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا الْخَاصُّ وَالْعَامُّ وَهَذَا السَّبَبُ كَثِيرُ التَّكَرُّرِ وَخَبَرُهُ هَذَا لَمْ يَشْتَهِرْ وَلَمْ يَتَلَقَّهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ بَلْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إنَّ بُسْرَةَ انْفَرَدَتْ بِرِوَايَتِهِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّهَا بِتَعْلِيمِ هَذَا الْحُكْمِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَمْ يُعَلِّمْ سَائِرَ الصَّحَابَةِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ شِبْهُ الْمُحَالِ انْتَهَى .
فَإِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ طَرِيقُ غَيْرِهَا مِنْ تَضْعِيفٍ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ

قَبُولُهُمْ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِغَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي الْإِنَاءِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْوُضُوءِ مِنْهُ ، وَخَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفِيدَ لِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَالْجَوَابُ لَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَلَيْسَ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَرَفْعُهُمَا مِنْهُ ) أَيْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَفَيْنَاهُ ( إذْ لَا وُجُوبَ ) لَهُمَا أَيْ فَإِنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وُجُوبًا بَلْ أَثْبَتْنَا بِهِ اسْتِنَانَ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ قَبُولُنَا إيَّاهُ فِيهِ ( كَالتَّسْمِيَةِ فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ ) فَإِنَّا قَبِلْنَا خَبَرَهَا فِيهَا وَكَأَنَّهُ يَعْنِي مَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً } أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِأَنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِهِ وُجُوبَهَا بَلْ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ اسْتِنَانُهَا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا أَيْضًا ( وَالْأَكْثَرُ ) مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ ( يَقْبَلُ ) خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى إذَا صَحَّ إسْنَادُهُ ( دُونَهُمَا ) أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ اشْتِهَارِهِ وَلَا تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ ( لَنَا أَنَّ الْعَادَةَ قَاضِيَةٌ بِتَنْقِيبِ الْمُتَدَيِّنِينَ ) أَيْ بَحْثِهِمْ ( عَنْ أَحْكَامِ مَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ ) أَيْ مَا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ إلَيْهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَاشْتِدَادُ الْحَاجَةِ بِالْوُجُوبِ ( وَبِإِلْقَائِهِ ) أَيْ مَا اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ( إلَى الْكَثِيرِ ) مِنْهُمْ ( دُونَ تَخْصِيصِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ إلْقَاءَهُ إلَى الْكَثِيرِ ( شُهْرَةُ الرِّوَايَةِ وَالْقَبُولُ وَعَدَمُ الْخِلَافِ ) فِيهِ ( إذَا رَوَى فَعَدَمُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الشُّهْرَةِ وَالْقَبُولِ ( دَلِيلُ الْخَطَأِ )

أَيْ خَطَأٍ نَاقِلِهِ ( أَوْ النَّسْخِ ) وَالْوَجْهُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ دُونَ اشْتِهَارِ أَوْ تَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ وَثَانِيًا مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ فَأَمَّا مَا اُشْتُهِرَ أَوْ تُلُقِّيَ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ شُهْرَةُ الرِّوَايَةِ أَوْ الْقَبُولُ فَعَدَمُهُمَا دَلِيلُ الْخَطَأِ أَوْ النَّسْخِ ( فَلَا يُقْبَلُ ) ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى عَطْفِ عَدَمِ الْخِلَافِ عَلَى الْقَبُولِ تَفْسِيرًا لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْقَبُولَ أَخَصُّ مِنْ عَدَمِ الْخِلَافِ إذْ قَدْ لَا يُخَالِفُ الشَّيْءَ وَلَا يُقْبَلُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْلِيمُهُ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ لَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَمِنْ تَرْكِ رِدِّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَاسْتَدَلَّ ) لِلْمُخْتَارِ بِمُزَيَّفٍ وَهُوَ ( الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِنَقْلِهِ ) أَيْ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى نَقْلًا ( مُتَوَاتِرًا ) لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ كَذَلِكَ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَاتَرْ عُلِمَ كَذِبُهُ ( وَرُدَّ ) هَذَا ( بِالْمَنْعِ ) أَيْ مَنْعِ قَضَاءِ الْعَادَةِ بِتَوَاتُرِهِ ( إذْ اللَّازِمُ ) لِكَوْنِهِ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى إنَّمَا هُوَ ( عِلْمُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ لِلْكَثِيرِ ( لَا رِوَايَتُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ لَهُمْ ( إلَّا عِنْدَ الِاسْتِفْسَارِ ) عَنْهُ ( أَوْ يُكْتَفَى بِرِوَايَةِ الْبَعْضِ مَعَ تَقْرِيرِ الْآخَرِينَ قَالُوا ) أَيْ الْأَكْثَرُونَ ( قَبِلَتْهُ ) أَيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( الْأُمَّةُ فِي تَفَاصِيلِ الصَّلَاةِ وَقَبِلْتُمُوهُ فِي مُقَدِّمَاتِهَا كَالْفَصْدِ ) أَيْ الْوُضُوءِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ ( وَالْقَهْقَهَةِ ) أَيْ وَالْوُضُوءِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ بِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ حَمْلِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ } ( وَقُبِلَ فِيهِ ) أَيْ فِي حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( الْقِيَاسُ

) أَيْ الْعَمَلُ بِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقِيَاسُ ( دُونَهُ ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَا سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ التَّالِيَةِ لِمَا بَعْدَ هَذِهِ فَخَبَرُ الْوَاحِدِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ ( قُلْنَا التَّفَاصِيلُ إنْ كَانَتْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ وَالتَّسْمِيَةَ وَالْجَهْرَ بِهَا وَنَحْوَهُ مِنْ السُّنَنِ ) كَوَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَإِخْفَاءِ التَّأْمِينِ ( فَلَيْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ ) فَإِنَّا لَمْ نُثْبِتْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وُجُوبَهَا وَلَيْسَ النِّزَاعُ إلَّا فِي إثْبَاتِ الْوُجُوبِ بِهِ إذْ اشْتِدَادُ الْحَاجَةِ مَعَ الْوُجُوبِ ( أَوْ ) كَانَتْ ( الْأَرْكَانَ الْإِجْمَاعِيَّةَ ) مِنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( فَبِقَاطِعٍ ) أَيْ فَإِنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ( أَوْ ) كَانَتْ الْأَرْكَانَ ( الْخِلَافِيَّةَ كَخَبَرِ الْفَاتِحَةِ ) أَيْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } ( فَأَمَّا اُشْتُهِرَ أَوْ تُلُقِّيَ ) بِالْقَبُولِ ( فَقُلْنَا بِمُقْتَضَاهُ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ ) كَانَتْ ( لَيْسَ ) كُلٌّ مِنْهَا ( مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( إذْ هُوَ ) أَيْ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( فِعْلٌ ) يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ فَيَحْتَاجُ الْكُلُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَاجَةً شَدِيدَةً كَالْبَوْلِ وَالصَّلَاةِ ( أَوْ حَالٌ يَكْثُرُ تَكَرُّرُهُ لِلْكُلِّ ) حَالَ كَوْنِهِ ( سَبَبًا لِلْوُجُوبِ ) عَلَيْهِمْ أَيْضًا فَيَحْتَاجُ الْكُلُّ إلَى مَعْرِفَتِهِ حَاجَةً شَدِيدَةً سَوَاءٌ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ أَوْ غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَيْهِ كَالْحَدَثِ عَنْ الْمَسِّ فَإِنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْمَسُّ يَكْثُرُ بِخِلَافِهِ عَنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يَكْثُرُ لِعَدَمِ كَثْرَةِ سَبَبِهِ ( فَيُعْلَمُ ) الْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ ( لِقَضَاءِ الْعَادَةِ بِالِاسْتِعْلَامِ أَوْ بِلُزُومِ كَثْرَتِهِ ) أَيْ كَثْرَةِ إعْلَامِ الْمُكَلَّفِينَ بِهِ ( لِلشَّرْعِ قَطْعًا ) بِأَنْ يُلْقِيَهُ إلَى

كَثِيرٍ تَشْهِيرًا لَهُ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( كَمُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ ) فِي الصَّلَاةِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ ( ظَهَرَ أَنْ لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( نَحْوُ الْفَصْدِ ) فَإِنَّهُ لَا يَكْثُرُ لِلْمُتَوَضِّئِينَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ نَحْوِهِ لَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُ عِنْدَنَا بِمُجَرَّدِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَكَيْفَ وَقَدْ ضُعِّفَ بِبَعْضِ مَنْ فِي سَنَدِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ ( وَالْقَهْقَهَةِ ) فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَكْثُرُ ( فَلَا يُتَّجَهُ إيجَابُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( السُّورَةَ ) أَيْ قِرَاءَتَهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ ( مَعَ الْخِلَافِ ) فِي قَبُولِ حَدِيثِهَا وَعَدَمِ اشْتِهَارِهِ بَلْ وَفِي صِحَّتِهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَهُوَ مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ } فِي فَرِيضَةٍ وَغَيْرِهَا ( وَلُزُومُ ) الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى ( الْقِيَاسِ ) فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِلْحَنَفِيَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقُبِلَ فِيهِ الْقِيَاسُ دُونَهُ ( مُتَوَقِّفٌ عَلَى لُزُومِ الْقَطْعِ بِحُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ ) الْبَلْوَى ( وَلَا نَقُولُ بِهِ ) أَيْ بِالْقَطْعِ بِهِ ( بَلْ الظَّنُّ وَعَدَمُ قَبُولِ مَا لَمْ يُشْتَهَرْ ) مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ( أَوْ ) لَمْ ( يَقْبَلُوهُ ) مِنْهَا إنَّمَا هُوَ ( لِانْتِفَائِهِ ) أَيْ الظَّنِّ ( بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ وَالْقِيَاسُ يُوجِبُ الظَّنَّ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الظَّنَّ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَتَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ إلَّا إذَا اُشْتُهِرَ أَوْ قَبِلُوهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُشْتَهَرْ فَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ خَطَؤُهُ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَ ، هَذَا ( وَيُمْكِنُ مَنْعُ ثُبُوتِهِ ) أَيْ حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( بِالْقِيَاسِ لِاقْتِضَاءِ الدَّلِيلِ ) وَهُوَ

قَضَاءُ الْعَادَةِ بِالِاسْتِعْلَامِ أَوْ كَثْرَةِ إعْلَامِ الشَّارِعِ بِهِ ( سَبْقَ مَعْرِفَتِهِ ) أَيْ حُكْمِ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى لِلنَّاسِ ( عَلَى تَصْوِيرِ الْمُجْتَهِدِ إيَّاهُ ) أَيْ الْقِيَاسِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ بِمَعْرِفَةِ النَّاسِ لَهُ قَبْلَ الْقِيَاسِ

( مَسْأَلَةٌ إذَا انْفَرَدَ ) مُخْبِرٌ ( بِمَا شَارَكَهُ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ خَلْقٌ ) كَثِيرٌ ( مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ) دِينِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( يُقْطَعُ بِكَذِبِهِ خِلَافًا لِلشِّيعَةِ ، لَنَا الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِهِ ) أَيْ بِكَذِبِهِ لِأَنَّ طِبَاعَ الْخَلْقِ مَجْبُولَةٌ عَلَى نَقْلِهِ وَالْعَادَةُ تُحِيلُ كِتْمَانَهُ وَخُصُوصًا إنْ تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ مَصَالِحُ الْعِبَادِ أَوْ صَلَاحُ الْبِلَادِ ( قَالُوا ) أَيْ الشِّيعَةُ ( الْحَوَامِلُ ) الْمُقَدَّرَةُ ( عَلَى التَّرْكِ ) لِنَقْلِهِ ( كَثِيرَةٌ ) مِنْ مَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ فِي أَمْرِ الْوِلَايَةِ وَإِصْلَاحِ الْمَعِيشَةِ أَوْ خَوْفٍ وَرَهْبَةٍ مِنْ عَدُوٍّ غَالِبٍ أَوْ مَلِكٍ قَاهِرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَلَا طَرِيقَ إلَى عِلْمِ عَدَمِهَا ) أَيْ الْحَوَامِلِ عَلَى التَّرْكِ لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَبْطِهَا ( وَمَعَ احْتِمَالِهَا ) أَيْ الْحَوَامِلِ السُّكُوتُ ( لَيْسَ السُّكُوتُ ) مِنْ الْمُشَارِكِينَ لَهُ ( قَاطِعًا فِي كَذِبِهِ ) لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ حِينَئِذٍ ( وَلِذَا ) أَيْ جَوَازُ انْفِرَادِ الْبَعْضِ مَعَ كِتْمَانِ الْبَاقِينَ فِيمَا هَذَا شَأْنُهُ لِحَامِلٍ عَلَيْهِ ( لَمْ يَنْقُلْ النَّصَارَى كَلَامَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَهْدِ ) مَعَ أَنَّهُ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْجَبْ حَادِثٍ فِي الْعَالَمِ وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ الدَّاعِيَةُ عَلَى إشَاعَتِهِ إذْ لَيْسَ يَظْهَرُ لِلْكِتْمَانِ سَبَبٌ سِوَى ذَلِكَ ( وَنُقِلَ اشْتِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَسْبِيحُ الْحَصَى وَالطَّعَامِ وَحُنَيْنُ الْجِذْعِ وَسَعْيُ الشَّجَرَةِ وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ وَالْغَزَالَةِ ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( آحَادًا ) مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ( أُجِيبَ بِإِحَالَةِ الْعَادَةِ وَشُمُولِ حَامِلٍ ) عَلَى الْكِتْمَانِ ( لِلْكُلِّ ) كَمَا تُحِيلُ اتِّفَاقُهُمْ فِي دَاعٍ لَا كْلِ طَعَامٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ( وَالظَّاهِرُ عَدَمُ حُضُورِ عِيسَى ) وَقْتَ كَلَامِهِ فِي الْمَهْدِ ( إلَّا الْآحَادَ ) مِنْ الْأَهْلِ الَّذِينَ أَتَتْ بِهِ تَحْمِلُهُ إلَيْهِمْ ( وَإِلَّا )

لَوْ حَضَرَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ ( وَجَبَ الْقَطْعُ بِتَوَاتُرِهِ وَإِنْ انْقَطَعَ ) التَّوَاتُرُ ( لِحَامِلِ الْمُبَدِّلِينَ عَلَى إخْفَاءِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ ) وَقْتَئِذٍ وَهُوَ قَوْلُهُ { إنِّي عَبْدُ اللَّهِ } وَالْحَامِلُ عَلَى إخْفَائِهِمْ إيَّاهُ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُ إلَهٌ وَأَنَّهُ ابْنٌ فَإِنَّ كَلَامَهُ هَذَا الَّذِي بَدَأَ بِهِ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ اعْتِرَافُهُ بِالْعَبْدِيَّةِ لِلَّهِ وَهُوَ مُسَجَّلٌ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمْ ( وَهُوَ ) أَيْ حُضُورُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ إيَّاهُ مَعَ عَدَمِ نَقْلِهِ مُتَوَاتِرًا ( إنْ جَازَ ) عَقْلًا ( فَخِلَافُ الظَّاهِرِ ) الْمَقْطُوعِ بِهِ عَادَةً فَلَا يَقْدَحُ فِي الْقَطْعِ الْعَادِيِّ ( وَمَا ذُكِرَ ) مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ الْمَذْكُورَةِ ( حَضَرَهُ الْآحَادُ وَلَازِمُهُ ) أَيْ حُضُورَهُمْ إيَّاهُ ( الشُّهْرَةُ ) فَإِنَّ التَّوَاتُرَ يَمْتَنِعُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الطَّبَقَةَ الْأُولَى آحَادٌ فَبَقِيَ أَنْ يَتَوَاتَرَ فِي حَالِ الْبَقَاءِ وَهُوَ الشُّهْرَةُ ( وَقَدْ تَحَقَّقَتْ ) فِي ذَلِكَ فَأُخِذَ كَوْنُهَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ مُقْتَضَاهُ ( عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ ) فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( وَتَخَلَّفَ ) تَوَاتُرُهُ ( فَلِاكْتِفَاءِ الْبَعْضِ ) مِنْ النَّاقِلِينَ لِذَلِكَ ( بِأَعْظَمِهَا ) أَيْ الْمُعْجِزَاتِ ( الْقُرْآنِ ) فَإِنَّهُ الْمُعْجِزَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ الْبَاقِيَةُ فِي مُسْتَقْبَلِ الْأَزْمِنَةِ الدَّائِرَةِ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي غَالِبِ الْأَمْكِنَةِ هَذَا وَقَدْ يُقَالُ كُلٌّ مِنْ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَحُنَيْنِ الْجِذْعِ مُتَوَاتِرٌ أَمَّا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى { اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ } الْآيَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَذَكَرَ الِانْشِقَاقَ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُفَّارَ أَعْرَضُوا عَنْ آيَتِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهَا سِحْرٌ قَالَ وَأَجْمَع الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ السِّيَرِ عَلَى وُقُوعِهِ وَرَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعَمٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَبَيَّنَ شَيْخُنَا

الْحَافِظُ مُخْرِجِي أَحَادِيثِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَّا حَدِيثَ عَلِيٍّ قَالَ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ رَوَاهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأَمَّا حُنَيْنُ الْجِذْعِ فَإِنَّ طُرُقَهُ كَثِيرَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَمْرُهُ ظَاهِرٌ نَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ وَإِيرَادُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ كَالتَّكَلُّفِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ يَعْنِي لِشِدَّةِ شُهْرَتِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي وَأَبِي سَعِيدٍ وَبُرَيْدَةَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَبَيَّنَ مُخْرِجِي أَحَادِيثِهِمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ السُّبْكِيُّ الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي الْجَوَابِ الْتِزَامُ أَنَّ الِانْشِقَاقَ وَالْحَنِينَ مُتَوَاتِرَانِ ا هـ ثُمَّ { تَسْبِيحُ الْحَصَى بِيَدِهِ } أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ { وَتَسْبِيحُ الطَّعَامِ وَهُمْ يَأْكُلُونَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ وَسَعْيُ الشَّجَرَةِ إلَيْهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا وَتَسْلِيمُ الْحَجَرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَرَرْنَا بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ نَمُرَّ بِجَبَلٍ وَلَا شَجَرٍ إلَّا قَالَ السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ } وَأَمَّا تَسْلِيمُ الْغَزَالَةِ فَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ فَمُشْتَهِرٌ فِي الْأَلْسِنَةِ وَفِي الْمَدَائِحِ النَّبَوِيَّةِ وَلَمْ أَقِفْ لِخُصُوصِ السَّلَامِ عَلَى سَنَدٍ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْكَلَامُ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ بِسَنَدِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ

وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا تَعَارَضَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ بِحَيْثُ لَا جَمْعَ ) بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ ( قُدِّمَ الْخَبَرُ مُطْلَقًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ ) مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ( وَقِيلَ ) قُدِّمَ ( الْقِيَاسُ ) وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى أَرْبَعَ أَحَادِيثَ فَقَدَّمَهَا عَلَى الْقِيَاسِ حَدِيثَ غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثَ الْعَرَايَا وَحَدِيثَ الْقُرْعَةِ ( وَأَبُو الْحُسَيْنِ ) قَالَ قُدِّمَ الْقِيَاسُ ( إنْ كَانَ ثُبُوتُ الْعِلَّةِ بِقَاطِعٍ ) لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ كَالنَّصِّ عَلَى حُكْمِهَا فَحِينَئِذٍ الْقِيَاسُ قَطْعِيٌّ وَالْخَبَرُ ظَنِّيٌّ وَالْقَطْعِيُّ مُقَدَّمٌ قَطْعًا ( فَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ ) بِشَيْءٍ ( سِوَى بِالْأَصْلِ ) أَيْ بِحُكْمِهِ ( وَجَبَ الِاجْتِهَادُ فِي التَّرْجِيحِ ) فَيُقَدَّمُ مَا يَتَرَجَّحُ إذْ فِيهِ تَعَارُضُ ظَنَّيْنِ : النَّصُّ الدَّالُّ عَلَى الْعِلَّةِ ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا بِظَنِّيٍّ وَمَا إذَا كَانَتْ مُسْتَنْبَطَةً ( وَإِلَّا ) إنْ انْتَفَى كِلَا هَذَيْنِ ( فَالْخَبَرُ ) مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الظَّنِّ وَتَرَجَّحَ الْخَبَرُ عَلَى النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِدُونِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ النَّصِّ الدَّالِّ عَلَى الْعِلَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةِ الْعِلَّةِ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِظَنِّيٍّ أَوْ مُسْتَنْبَطَةً وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ هَذَا وَلَفْظُهُ فِي الْمُعْتَمَدِ الْعِلَّةُ إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً بِقَطْعِيٍّ فَالْقِيَاسُ أَوْ بِظَنِّيٍّ وَلَمْ يَكُنْ حُكْمُهَا فِي الْأَصْلِ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ فَالْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا بِمَقْطُوعٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْأُصُولِيُّونَ ذَكَرُوا الْخِلَافَ فِيهِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَجَّحَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالِاجْتِهَادِ عِنْدَ قُوَّةِ الظَّنِّ قَالَ السُّبْكِيُّ

وَأَنْتَ تَرَاهُ كَيْفَ لَمْ يَجْعَلْ اخْتِيَارَهُ مَذْهَبًا مُسْتَقِلًّا بِرَأْسِهِ بَلْ أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَيَنْجَرُّ اخْتِيَارُهُ إلَى اتِّبَاعِ أَقْوَى الظَّنَّيْنِ وَهَذَا أَيْضًا لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّ أَقْوَى الظَّنَّيْنِ مَا هُوَ فَمَنْ رَجَّحَ الْخَبَرَ قَالَ الظَّنُّ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ أَقْوَى وَبِالْعَكْسِ ، ثُمَّ تَخْصِيصُ أَبِي الْحُسَيْنِ الْخِلَافَ بِالْمَحَلِّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِيهِ مُتَقَدِّمٌ قَالَ السُّبْكِيُّ وَإِنْ فَرَضَ أَبُو الْحُسَيْنِ صُورَةً يَكُونُ الْقَطْعُ مَوْجُودًا فِيهَا فَهَذَا مَا لَا يُنَازَعُ إذْ الْقَاطِعُ مُرَجَّحٌ عَلَى الظَّنِّ وَكَذَا أَرْجَحُ الظَّنَّيْنِ فَلَيْسَ فِي تَفْصِيلِهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ كَبِيرُ أَمْرٍ ( وَالْمُخْتَارُ ) عِنْدَ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ ( إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ ) ثَابِتَةً ( بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ ثُبُوتًا ) إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ ( أَوْ دَلَالَةٍ ) لَوْ اسْتَوَيَا ثُبُوتًا ( وَقُطِعَ بِهَا ) أَيْ الْعِلَّةِ ( فِي الْفَرْعِ قُدِّمَ الْقِيَاسُ ) لَكِنْ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ اقْتَصَرَا عَلَى تَقْيِيدِ رُجْحَانِ النَّصِّ عَلَى الْخَبَرِ بِكَوْنِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ فِي الدَّلَالَةِ إذْ الْمُعْتَبَرُ ذَلِكَ لَا رُجْحَانُهُ بِحَسْبِ الْإِسْنَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُتَوَاتِرًا لِجَوَازِ ثُبُوتِهَا بِخَبَرٍ وَاحِدٍ رَاجِحٍ عَلَى ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي الدَّلَالَةِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَلِيَّةِ بِرَاجِحٍ وَالْقَطْعِ بِوُجُودِهَا أَنْ يَكُونَ ظَنُّ الْحُكْمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهَا فِي الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَكُمْ لَا يَلْزَمُهَا الِاطِّرَادُ بَلْ رُبَّمَا تَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْهَا لِمَانِعٍ فَلِمَ قُلْتُمْ إنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْ الْفَرْعِ لِمَانِعِ الْخَبَرِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ عَامَّةً تَشْمَلُ فُرُوعًا كَثِيرَةً وَالْخَبَرُ يَخْتَصُّ بِهَذَا الْفَرْعِ الْمُتَنَازَعِ

فِيهِ فَهَذَا مَا لَا يُعْتَقَدُ أَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ الْخَبَرِ فِيهِ أَضْعَفُ مِنْ الْقِيَاسِ أَبَدًا ا هـ قُلْت وَهَذَا ذُهُولٌ عَنْ مَوْضُوعِ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ مَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ بَعْدَ سَوْقِ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْبَحْثُ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَإِنْ ظُنَّتْ ) الْعِلَّةُ فِي الْفَرْعِ ( فَالْوَقْفُ ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْوَقْفُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ تَسَاوِي الْأَقْدَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ وُجُودُهَا ظَنِّيًّا وَالظَّنَّانِ مُتَسَاوِيَانِ وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ فَإِنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّ ظَنَّ الْخَبَرِ أَرْجَحُ ( وَإِلَّا تَكُنْ ) الْعِلَّةُ ثَابِتَةً ( بِرَاجِحٍ ) بِأَنْ تَكُونَ مُسْتَنْبَطَةً أَوْ ثَابِتَةً بِنَصٍّ مَرْجُوحٍ عَنْ الْخَبَرِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ ( فَالْخَبَرُ ) مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ وَعَكْسِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبَانَ إنْ كَانَ الرَّاوِي ضَابِطًا غَيْرَ مُتَسَاهِلٍ فِيمَا يَرْوِيه قُدِّمَ خَبَرُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِلَّا فَهُوَ مَوْضُوعُ اجْتِهَادٍ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الرَّاوِي مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ قُدِّمَ خَبَرُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَشْهُورِينَ بِالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ دُونَ الْفِقْهِ وَالِاجْتِهَادِ فَالْأَصْلُ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ فَلَا يُتْرَكُ مَا لَمْ تُوجِبْ الضَّرُورَةُ تَرْكَهُ وَهِيَ ضَرُورَةُ انْسِدَادِ بَابِ الرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ مُطْلَقًا ( لِلْأَكْثَرِ تَرْكُ عُمَرَ الْقِيَاسَ فِي الْجَنِينِ وَهُوَ ) أَيْ الْقِيَاسُ ( عَدَمُ الْوُجُوبِ ) لِشَيْءٍ عَلَى الضَّارِبِ لِبَطْنِ امْرَأَةٍ فِيهِ جَنِينٌ فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا ( بِخَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ ) وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ ( وَقَالَ لَوْلَا هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِرَأْيِنَا ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ عَنْهُ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْت عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ فِي الْأُمِّ فَقَالَ عُمَرُ إنْ كِدْنَا أَنْ

نَقْضِيَ فِي هَذَا بِرَأْيِنَا وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد فَقَالَ عُمَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَوْ لَمْ أَسْمَعْ بِهَذَا لَقَضَيْنَا بِغَيْرِ هَذَا ( فَأَفَادَ ) عُمَرُ ( أَنَّ تَرْكَهُ ) الرَّأْيَ إنَّمَا هُوَ ( لِلْخَبَرِ وَفِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ ) الْقِيَاسُ أَيْضًا ( وَهُوَ تَفَاوُتُهَا ) أَيْ الدِّيَةِ فِيهَا ( لِتَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا وَخُصُوصُهُ ) أَيْ تَفَاوُتِ مَنَافِعِهَا ( أَمْرٌ آخَرُ وَكَانَ رَأْيَهُ فِي الْخِنْصَرِ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالصَّادِ .
وَقَالَ الْفَارِسِيُّ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ فَتْحُ الصَّادِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْقَامُوسِ ( سِتٌّ ) مِنْ الْإِبِلِ ( وَاَلَّتِي تَلِيهَا ) وَهِيَ الْبِنْصِرُ ( تِسْعٌ ) مِنْ الْإِبِلِ ( وَكُلٌّ مِنْ الْآخَرَيْنِ ) كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الظَّاهِرُ الْأُخْرَيَانِ وَهُمَا الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةُ ( عَشْرٌ ) مِنْ الْإِبِلِ كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ كَانَ يَرَى فِي السَّبَّابَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَفِي الْوُسْطَى عَشْرًا وَفِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَقَدَّمْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيِّ قَضَاءَهُ فِي الْإِبْهَامِ بِذَلِكَ أَيْضًا ( لِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { فِي كُلِّ إصْبَعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ } كَمَا أَسْلَفْنَاهُ ثَمَّةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالنَّسَائِيِّ ( وَفِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَهُوَ ) الْقِيَاسُ ( عَدَمُهُ ) أَيْ مِيرَاثُهَا مِنْهُ ( إذْ لَمْ يَمْلِكْهَا ) الزَّوْجُ ( حَيًّا بَلْ ) إنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَرَثَةُ ( جَبْرًا لِمُصِيبَةِ الْقَرَابَةِ وَيُمْكِنُ حَذْفُ الْأَخِيرِ ) أَيْ كَوْنُ مِلْكِهِمْ إيَّاهَا جَبْرًا لِمُصِيبَةِ الْقَرَابَةِ ( فَلَا يَكُونُ ) تَوْرِيثُهُ إيَّاهُمْ مِنْهَا دُونَ الزَّوْجَةِ ( مِنْ النِّزَاعِ ) أَيْ تَعَارُضِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَرِثَ الْجَمِيعُ ( وَلَمْ يُنْكِرْهُ ) أَيْ تَرْكَ عُمَرَ الْقِيَاسَ لِلْخَبَرِ ( أَحَدٌ فَكَانَ ) تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْقِيَاسِ ( إجْمَاعًا وَعُورِضَ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ ) مَرْفُوعًا {

تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَلَوْ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ } إذْ قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الدُّهْنِ ؟ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَمِيمِ ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا ابْنَ أَخِي إذَا سَمِعْت حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( وَبِمُخَالَفَتِهِ هُوَ ) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ ( وَعَائِشَةَ خَبَرَهُ ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ ( فِي الْمُسْتَيْقِظِ ) وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } ( وَقَالَا ) أَيْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ ( كَيْفَ نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ ) وَهُوَ حَجَرٌ مَنْقُورٌ مُسْتَطِيلٌ عَظِيمٌ كَالْحَوْضِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى تَحْرِيكِهِ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ أَيْ إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ وَلَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الْيَدُ فَكَيْفَ نَتَوَضَّأُ مِنْهُ ( وَلَمْ يُنْكِرْ ) إنْكَارَهُمَا ( فَكَانَ ) الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْخَبَرِ لَهُ ( إجْمَاعًا قُلْنَا ذَلِكَ ) أَيْ الْمُخَالَفَةَ الْمَذْكُورَةَ ( لِلِاسْتِبْعَادِ لِخُصُوصِهِ ) أَيْ الْمَرْوِيِّ ( لِظُهُورِ خِلَافِهِ ) أَيْ الْمَرْوِيِّ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِتَأْدِيَتِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ الْمُصَحَّحُ مُبْطَلًا وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَدَائِهِ إلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ عَلَى أَنَّ مَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ لَا وُجُودَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالَ هَذَا لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ قَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ فَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ النَّوْمِ فَلْيُفْرِغْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ وَضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَقَالَ لَهُ قَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ كَيْفَ نَصْنَعُ بِمِهْرَاسِكُمْ فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ نَعُوذُ

بِاَللَّهِ مِنْ شِرْكٍ } وَقَيْنٌ الْأَشْجَعِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي هَذَا وَتَعَقَّبَهُ أَبُو نُعَيْمٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى صُحْبَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بَلْ وَلَا عَلَى إدْرَاكِهِ وَكَلَامُهُ هَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِثْلُهُ فَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُونَ مَاذَا يَصْنَعُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِالْمِهْرَاسِ ( وَلَيْسَ ) الْخِلَافُ لِلِاسْتِبْعَادِ الْمَذْكُورِ ( مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) أَيْ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( لَا ) أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ ( لِتَرْكِهِ ) خَبَرَ الْوَاحِدِ ( بِالْقِيَاسِ ) عَلَى أَنَّهُ لَا قِيَاسَ يُنَافِي وُجُوبَ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الْإِدْخَالِ فِي الْإِنَاءِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِي غَسْلَ الْيَدِ مِنْ الْمِهْرَاسِ ( وَلَهُمْ ) أَيْ الْأَكْثَرِ ( تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُعَاذًا حِينَ أَخَّرَ الْقِيَاسُ ) كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَيْسَتْ لُغَوِيَّةً مَبْدَئِيَّةً : الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ ( وَأَيْضًا لَوْ قُدِّمَ الْقِيَاسُ لَقُدِّمَ الْأَضْعَفُ وَبُطْلَانُهُ إجْمَاعٌ أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِتَعَدُّدِ احْتِمَالَاتِ الْخَطَأِ بِتَعَدُّدِ الِاجْتِهَادِ ) وَضَعْفُ الظَّنِّ بِتَعَدُّدِ الِاحْتِمَالَاتِ ( وَمَحَالُّهُ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ ( فِيهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ ( أَكْثَرُ ) مِنْ مَحَالِّهِ فِي الْخَبَرِ ( فَالظَّنُّ ) فِي الْقِيَاسِ حِينَئِذٍ ( أَضْعَفُ ) مِنْهُ فِي الْخَبَرِ إذْ مَحَالُّ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِيَاسِ سِتَّةٌ ( حُكْمُ الْأَصْلِ ) أَيْ ثُبُوتُهُ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( مُعَلَّلًا ) بِعِلَّةٍ مَا لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ التَّعَبُّدِيَّةِ ( وَتَعْيِينُ الْوَصْفِ ) الَّذِي بِهِ التَّعْلِيلُ ( لِلْعِلِّيَّةِ وَوُجُودُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْوَصْفِ ( فِي الْفَرْعِ وَنَفْيُ الْمُعَارِضِ ) لِلْوَصْفِ مِنْ انْتِفَاءِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ ( وَفِي الْخَبَرِ ) مَحَلُّ

الِاجْتِهَادِ فِيهِ أَمْرَانِ ( فِي الْعَدَالَةِ ) لِلرَّاوِي ( وَالدَّلَالَةِ ) لِلْخَبَرِ عَلَى الْحُكْمِ ( وَأَمَّا ) أَنَّ هَذَا مُعَارِضٌ بِأَنَّ الْخَبَرَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ ( احْتِمَالُ كُفْرِ الرَّاوِي وَكَذِبِهِ وَخَطَئِهِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْهَا ( وَاحْتِمَالُ الْمَتْنِ الْمَجَازَ ) وَمَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ وَالتَّخْصِيصِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَضْعَفُ مِمَّا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَقْوَى فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ( فَمِنْ الْبُعْدِ ) بِمَحَلٍّ ( لَا يُحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ فِي نَفْيِهِ وَلَوْ ) اُحْتِيجَ فِي نَفْيِ الْكُفْرِ وَأَخَوَيْهِ إلَى اجْتِهَادٍ ( فَلَا ) يُحْتَاجُ إلَيْهِ ( عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ يَنْتَظِمُهُ ) أَيْ نَفْيُ ذَلِكَ ( الْعَدَالَةَ ) أَيْ الِاجْتِهَادَ فِيهَا فَإِذَا أَدَّى إلَيْهَا حَصَلَ نَفْيُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ احْتِمَالَ الْخَطَأِ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ لِيَجْتَهِدَ فِيهِ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ ) أَيْ حُكْمَ الْأَصْلِ ( مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمُتَنَاظِرَيْنِ ( فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ وَكَذَا نَفْيُ كَوْنِهِ ) أَيْ حُكْمِ الْأَصْلِ ( فَرْعًا ) لِغَيْرِهِ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا ( فَهِيَ ) أَيْ مَحَالُّ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِيَاسِ ( أَرْبَعَةٌ لِسُقُوطِهِ ) أَيْ الِاجْتِهَادِ ( فِي مُعَارِضِ الْأَصْلِ ) وَهُوَ أَحَدُ الْمَحَالِّ لَهُ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ ضَمِنَ سُقُوطَ الِاجْتِهَادِ فِي نَفْسِ الْأَصْلِ ( وَلَوْ سُلِّمَ ) أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ ( فَإِثْبَاتُهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الْقِيَاسِ ) أَيْ شَرْطًا لَازِمًا فِيهِ بَلْ اللَّازِمُ فِي الْقِيَاسِ ثُبُوتُهُ فَإِنَّ حَاصِلَ الْأَصْلِ أَنَّهُ حُكْمٌ دَلَّ عَلَيْهِ سَمْعِيٌّ وَالْمُجْتَهِدُونَ بِصَدَدِ أَنْ يَأْخُذُوا الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ السَّمْعِيَّةِ لِلْعَمَلِ بِهَا فَحِينَ اُجْتُهِدَ فِي السَّمْعِيِّ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى الْقِيَاسِ وَضْعًا بَلْ وُضِعَ لِاجْتِهَادِهِ لِيَعْمَلَ

بِعَيْنِ ذَلِكَ الْحُكْمِ سَوَاءٌ قِيسَ عَلَيْهِ أَوْ لَا غَيْرَ أَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ بَعْدَ مَا ثَبَتَ لِغَرَضِ الْعَمَلِ بِعَيْنِهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ عَمَلًا آخَرَ يَسْتَعْلِمُ بِهِ أَنَّ مَحَلًّا آخَرَ هَلْ فِيهِ ذَلِكَ الْحُكْمُ أَوْ لَا فَهَذَا الْعَمَلُ هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ فِيهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ السَّابِقِ وَإِنَّمَا حَاجَتُهُ الْآنَ إلَيْهِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَفْرُوغٌ مِنْهُ لَا إلَى إثْبَاتِهِ وَهَذَا عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ فِعْلُ الْمُجْتَهِدِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ الْمُسَاوَاةُ فَذَلِكَ الْعَمَلُ اجْتِهَادٌ لِيَحْصُلَ الْقِيَاسُ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ ( وَإِنَّ الِاجْتِهَادَ ) أَيْ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ( فِي الْعَدَالَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ظَنَّ الضَّبْطِ فَهُوَ ) أَيْ الضَّبْطُ ( مَحَلٌّ ثَالِثٌ فِي الْخَبَرِ وَفِي الدَّلَالَةِ إنْ أَفْضَى ) الِاجْتِهَادُ ( إلَى ظَنِّ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمَدْلُولِ ( حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا لَا يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ النَّاسِخِ ) إذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا ( فَرَابِعٌ ) أَيْ فَمَدْلُولُ الْخَبَرِ مَحَلٌّ رَابِعٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ ( وَلَا ) يُوجِبُ ظَنَّ عَدَمِ ( الْمُعَارِضِ ) لَهُ ( فَخَامِسٌ ) أَيْ فَهُوَ مَحَلٌّ خَامِسٌ لِلِاجْتِهَادِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَارِضٍ ( وَيَنْدَرِجُ بَحْثُهُ ) أَيْ الْمُجْتَهِدِ ( عَنْ الْمُخَصَّصِ ) إذَا كَانَ الْمَدْلُولُ عَامًّا فِي بَحْثِهِ عَنْ نَفْيِ الْمُعَارِضِ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ صُورَةَ فِي بَعْضِ الْأَفْرَادِ ( وَفِي الْأَقْيِسَةِ الْمَنْصُوصَةِ الْعِلَّةِ بِغَيْرِ رَاجِحٍ إنْ زَادَ ) الْقِيَاسُ مِنْهَا عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ ( مَحَلَّانِ ) الدَّلَالَةُ وَالْعَدَالَةُ ( سَقَطَ ) مِنْ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فِيهِ ( مَحَلَّانِ ) كَوْنُهُ مُعَلَّلًا وَتَعْيِينُ الْعِلَّةِ فَإِنْ قِيلَ بَلْ عَلَى بَحْثِكُمْ خَمْسَةٌ قُلْنَا لَمَّا فُرِضَ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ تَبَيَّنَ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا يَتَعَدَّى النَّاظِرُ إلَى غَيْرِهِمَا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ إذْ كَانَ بِرَدِّهِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ ( فَقُصِرَ ) الْقِيَاسُ عَنْ الْخَبَرِ فِي عَدَدِ مَحَالِّ الِاجْتِهَادِ فَكَانَ الظَّنُّ الَّذِي فِيهِ أَقْوَى

مِمَّا فِي الْخَبَرِ ثُمَّ هَذَا نَظَرٌ فِي هَذَا الدَّلِيلِ الْخَاصِّ فَلَا يَقْدَحُ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَفِيمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ ( كِفَايَةٌ ) عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ ( وَاسْتَدَلَّ ) لِلْأَكْثَرِ أَيْضًا ( بِثُبُوتِ أَصْلِ الْقِيَاسِ بِالْخَبَرِ ) كَخَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ ( فَلَا يُقَدَّمُ ) الْقِيَاسُ ( عَلَى أَصْلِهِ ) أَيْ الْخَبَرِ ( وَقَدْ يُمْنَعُ الْأَمْرَانِ ) أَيْ إثْبَاتُهُ بِالْخَبَرِ لِمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ تَكْلِيفِ الْمُجْتَهِدِ بِطَلَبِ الْمَنَاطِ فِي أَوَاخِرِ مَبَاحِثِ الْقِيَاسِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْخَبَرِ لِأَنَّهُ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ ( وَبِأَنَّهُ قَطْعِيٌّ ) أَيْ وَاسْتَدَلَّ لِلْأَكْثَرِ أَيْضًا بِأَنَّ الْخَبَرَ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ ( وَلَوْلَا الطَّرِيقُ ) الْمُوصِلَةُ لَهُ إلَيْنَا لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّيْءِ مِنْ قَائِلِهِ مِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ بِهِ ( بِخِلَافِ الْقِيَاسِ ) فَإِنَّهُ ظَنِّيٌّ ( وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاصِلُ الْآنَ وَهُوَ ) أَيْ الْحَاصِلُ الْآنَ مِنْهُ ( مَظْنُونٌ ) ثُمَّ مَضَى ( هَذَا وَأَمَّا تَقْدِيمُ مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ ) الَّذِي عِلَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِنَصٍّ رَاجِحٍ عَلَى الْخَبَرِ وَقَطَعَ بِهَا فِي الْفَرْعِ عَلَى الْخَبَرِ ( فَلِرُجُوعِهِ ) أَيْ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ الَّذِي هَذَا شَأْنُهُ ( إلَى الْعَمَلِ بِرَاجِحٍ مِنْ الْخَبَرَيْنِ تَعَارَضَا إذْ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ نَصٌّ عَلَى الْحُكْمِ فِي مَحَلِّهَا ) وَهُوَ الْفَرْعُ ( وَقَدْ قَطَعَ بِهَا ) أَيْ بِالْعِلَّةِ ( فِيهِ ) أَيْ مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْفَرْعُ ( وَالتَّوَقُّفُ ) فِيمَا أَوْجَبْنَاهُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ بِنَصٍّ رَاجِحٍ وَوُجُودُهَا فِي الْفَرْعِ ظَنِّيًّا ( لِتَعَارُضِ التَّرْجِيحَيْنِ خَبَرَ الْعِلَّةِ بِالْفَرْضِ ) فَإِنَّ الْفَرْضَ رُجْحَانُهُ ( وَالْآخَرُ ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْآخَرُ ( بِقِلَّةِ الْمُقَدِّمَاتِ ) لِعَدَمِ انْضِمَامِ الْقِيَاسِ إلَيْهِ ( وَعَلِمْت مَا فِيهِ ) فَإِنَّهُ ظَهَرَ بِالْبَحْثِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَقَلُّ مَحَالَّ لِلِاجْتِهَادِ مِنْ الْخَبَرِ ( هَذَا إذَا تَسَاوَيَا ) أَيْ الْقِيَاسُ

وَالْخَبَرُ الْمُتَعَارِضَانِ بِحَيْثُ لَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ( فَإِنْ كَانَا ) أَيْ الْخَبَرُ وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورَانِ ( عَامًّا ) أَحَدُهُمَا ( وَخَاصًّا ) الْآخَرُ ( فَعَلَى الْخِلَافِ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ ) أَيْ بِالْقِيَاسِ ( كَيْفَ اتَّفَقَ ) أَيْ سَوَاءٌ خُصَّ بِغَيْرِهِ أَوْ لَا ( وَعَدَمُهُ ) أَيْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ فِي مَسْأَلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهِيَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالْقِيَاسِ فَعَلَى الشَّافِعِيَّةِ يَخُصُّ الْخَاصُّ مُطْلَقًا وَيَجْرِي فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ اعْتِبَارُهُ بَيْنَ خَبَرِ الْعِلَّةِ وَالْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لِمُقْتَضَى الْعِلَّةِ وَتَخْرُجُ الْمَسْأَلَةُ عَنْ كَوْنِهَا مِمَّا قُدِّمَ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ قُدِّمَ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَإِنْ كَانَ الْعَامُّ هُوَ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْمُعَارِضَ لِخَبَرِ الْعِلَّةِ يَكُونُ الْعَمَلُ فِيمَا سِوَى مَحَلِّ الْقِيَاسِ الَّذِي بِهِ وَقَعَ التَّخْصِيصُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي الَّذِي أَخْرَجَهُ نَصُّ الْعِلَّةِ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ خَبَرَ الْعِلَّةِ فَعَلَى الْقَلْبِ أَيْ يَكُونُ الْعَمَلُ بِمَا بِهِ التَّخْصِيصُ وَهُوَ الْمُخْرَجُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي غَيْرِهِ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْحَنَفِيَّةِ يَتَعَارَضَانِ وَيُرَجَّحُ فَيَكُونُ إمَّا عَمَلًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الْكُلِّ وَأُهْدِرَ خَبَرُ الْعِلَّةِ أَوْ بِخَبَرِ الْعِلَّةِ فِي الْكُلِّ وَأُهْدِرَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالثَّانِي اعْتِبَارُهُ بَيْنَ الْقِيَاسِ وَالْخَبَرِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَيَخُصُّ الْقِيَاسُ عُمُومَ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِأَنْ يُعْمَلَ بِهِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَبِالْقَلْبِ هَذَا وَفِي الْبَدِيعِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَ الْخَبَرُ أَعَمَّ مِنْ الْقِيَاسِ خَصَّهُ الْقِيَاسُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ الْقِيَاسِ وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ أَخَصَّ مِنْ الْقِيَاسِ فَعَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِ بُطْلَانِهَا بِهِ يُعْمَلُ بِالْخَبَرِ فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَبِالْقِيَاسِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ أَوْلَى مِنْ

تَرْكِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى بُطْلَانِ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ هُمَا مُتَعَارِضَانِ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ وَهُوَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ ) أَيْ الصَّادِرَةِ بِمُقْتَضَى طَبِيعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالنَّوْمِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ( الْإِبَاحَةُ لَنَا وَلَهُ وَفِيمَا ثَبَتَ خُصُوصُهُ ) أَيْ كَوْنِهِ مِنْ خَصَائِصِهِ كَإِبَاحَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ فِي النِّكَاحِ وَإِبَاحَةِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ ( اخْتِصَاصُهُ ) بِهِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ ( وَفِيمَا ظَهَرَ بَيَانًا بِقَوْلِهِ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } ( { وَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ } ( فِي أَثْنَاءِ حَجِّهِ ) أَيْ وَهُوَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } ( أَوْ ) بَيَانًا بِفِعْلٍ صَالِحٍ لِلْبَيَانِ ( بِقَرِينَةِ حَالٍ كَصُدُورِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( عِنْدَ الْحَاجَةِ ) إلَى بَيَانِ لَفْظٍ مُجْمَلٍ ( بَعْدَ تَقَدُّمِ إجْمَالٍ ) لَهُ حَالَ كَوْنِ الْفِعْلِ ( صَالِحًا لِبَيَانِهِ ) يَكُونُ بَيَانًا لَا مَحَالَةَ وَإِلَّا لَزِمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَكَأَنَّهُ حَذَفَهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ بَيَانًا ( كَالْقَطْعِ مِنْ الْكُوعِ وَالتَّيَمُّمِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِآيَتَيْهِمَا ) أَيْ السَّرِقَةِ وَالتَّيَمُّمِ إذْ قَدْ تَقَدَّمَ لِلْمُصَنِّفِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي تُذَيِّلُ بَحْثَ الْمُجْمَلِ أَنَّ الْإِجْمَالَ فِي آيَةِ الْقَطْعِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحَلِّ وَأَمَّا أَنَّهُ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ فِي الْيَدِ فَتَقَدَّمَ نَفْيُهُ ثَمَّةَ فَحِينَئِذٍ التَّمْثِيلُ بِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ الشِّرْذِمَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا مُجْمَلَةٌ أَوْ يُرَادُ بِكَوْنِهِ بَيَانًا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ أَوْ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ مُطْلَقٍ ثُمَّ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَدِيٍّ هُوَ

ابْنُ عَدِيٍّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ مِنْ الْمَفْصِلِ } وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ إنَّمَا يَكُونُ قَطْعُهَا مِنْ الْكُوعِ بَيَانًا بِفِعْلِهِ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ بَاشَرَ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ كَمَا فِيمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ { كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ نَائِمًا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثِيَابُهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَأَتَى سَارِقٌ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّ السَّارِقُ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْمَفْصِلِ } فَيَكُونُ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ لَا بِالْفِعْلِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ فِعْلُ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِهِ لِمَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ { نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْأَرْضِ لِوَجْهِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ بِهَا عَلَى يَدَيْهِ إلَى الْمَرْفِقَيْنِ } وَفِي إسْنَادِهِ الْمُثَنَّى بْنُ صَبَّاحٍ ضَعِيفٌ لَكِنْ تَابَعَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَفِي كَوْنِ هَذَا مُبِينًا لِآيَةِ التَّيَمُّمِ كَلَامٌ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ بِهِ أَلْيَقُ ( بِخِلَافِهِمَا ) أَيْ الْمَرْفِقَيْنِ ( فِي الْغَسْلِ ) فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ غَسْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُمَا كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَيْسَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } ( لِذِكْرِ الْغَايَةِ وَعَدَمِ إجْمَالِ أَدَاتِهَا ) أَيْ الْغَايَةِ بِخِلَافِ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِيهَا ( وَمَا لَمْ

يَظْهَرْ فِيهِ ذَلِكَ ) أَيْ الْبَيَانُ وَالْخُصُوصِيَّةُ ( وَعُرِفَ صِفَتُهُ ) فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مِنْ وُجُوبٍ وَنَحْوِهِ ) مِنْ نَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ ( فَالْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْجَصَّاصُ أُمَّتُهُ مِثْلُهُ ) فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ لَهُ نُدِبَ أَوْ أُبِيحَ لَهُمْ ( وَقِيلَ ) أَيْ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَلَّادٍ أُمَّتُهُ مِثْلُهُ ( فِي الْعِبَادَات ) فَقَطْ ( وَالْكَرْخِيُّ ) وَالدَّقَّاقُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ ( يَخُصُّهُ ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِعْلَ بِصِفَتِهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( إلَى ) قِيَامِ ( دَلِيلِ الْعُمُومِ ) لَهُمْ أَيْضًا ( وَقِيلَ ) هُوَ ( كَمَا لَوْ جَهِلَ ) أَيْ لَمْ يَعْلَمْ وَصْفَهُ ( وَلَيْسَ ) هَذَا الْقَوْلُ ( مُحَرَّرًا إلَّا أَنْ يَعْرِفَ قَوْلَهُ ) أَيْ هَذَا الْقَائِلُ ( فِي الْمَجْهُولِ ) وَصْفَهُ ( وَلَمْ يَدْرِ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قَوْلَهُ فِيهِ فَفِي الْحَوَالَةِ عَلَيْهِ جَهَالَةٌ ( أَوْ يُرِيدُ مَنْ قَالَ فِي الْمَجْهُولِ ) مَا قَالَ ( فَلَهُ فِي الْمَعْلُومِ مِثْلُهُ فَبَاطِلٌ فَمَنْ سَيَعْلَمُ قَائِلًا بِالْإِبَاحَةِ فِي الْمَجْهُولِ قَوْلُهُمْ فِي الْمَعْلُومِ شُمُولُ صِفَتِهِ ) لَهُمْ أَيْضًا فَقَوْلُهُ فَمَنْ سَيَعْلَمُ مُبْتَدَأٌ وَقَائِلًا حَالٌ مِنْهُ وَقَوْلُهُمْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَشُمُولُ صِفَتِهِ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ وَقَدْ أَجْرَى الْمُصَنِّفُ الِاسْتِعْمَالَيْنِ الْإِفْرَادَ وَالْجَمْعَ فِي مَنْ فَالْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ قَائِلًا وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ قَوْلُهُمْ ( لَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَرْجِعُونَ إلَى فِعْلِهِ احْتِجَاجًا وَاقْتِدَاءً كَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ { فَقَالَ عُمَرُ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُك مَا قَبَّلْتُك } ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ( وَلَمْ يُنْكِرْ ) عَلَى عُمَرَ ذَلِكَ ( وَتَقْبِيلِ الزَّوْجَةِ صَائِمًا ) كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ( وَكَثِيرٌ ) وَلَا سِيَّمَا فِي أَبْوَابِ الْعِبَادَاتِ كَمَا يُحِيطُ بِهِ مُسْتَقْرَؤُهُ مِنْ دَوَاوِينِ

السُّنَّةِ ( وَأَيْضًا { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } وَالتَّأَسِّي فِعْلُ مِثْلِهِ ) أَيْ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ ( عَلَى وَجْهِهِ لِأَجْلِهِ ) فَاحْتَرَزَ بِمِثْلِ فِعْلِهِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ بِأَنْ تَخْتَلِفَ صُورَةُ الْفِعْلِ كَالْقِيَامِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُعُودِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَأَسِّيًا وَبِعَلَى وَجْهِهِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي الصِّفَةِ وَالْغَرَضِ وَالنِّيَّةِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ وَاجِبًا عَلَى قَصْدِ الْوُجُوبِ لَا يَكُونُ مُتَأَسِّيًا بِمَنْ فَعَلَهُ عَلَى قَصْدِ النَّدْبِ وَإِنْ تَوَافَقَا فِي الصُّورَةِ وَبِقَوْلِهِ لِأَجْلِهِ عَمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ اتَّفَقَ فِعْلُ جَمَاعَةٍ فِي الصُّورَةِ وَالصِّفَةِ وَالْقَصْدِ وَلَمْ يَكُنْ فِعْلُ أَحَدِهِمْ لِأَجْلِ فِعْلِ الْآخَرِ كَاتِّفَاقِ جَمَاعَةٍ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ لَا يُقَالُ تَأَسَّى الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ وَلَا يُخِلُّ بِالتَّأَسِّي مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْقُيُودِ اخْتِلَافُ الْفِعْلَيْنِ زَمَانًا وَمَكَانًا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اخْتِصَاصِ الْفِعْلِ بِالْمَكَانِ كَاخْتِصَاصِ الْحَجِّ بِعَرَفَاتٍ أَوْ بِالزَّمَانِ كَاخْتِصَاصِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِهِ وَلَا كَوْنُ فِعْلِ الْغَيْرِ مُتَكَرِّرًا أَوْ لَا وَمِثْلُ التَّأَسِّي فِي الْفِعْلِ التَّأَسِّي فِي التَّرْكِ وَهُوَ تَرْكُ الشَّخْصِ فِعْلًا مِثْلَ مَا تَرَكَهُ الْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ لِأَجْلِهِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ قَوْله تَعَالَى { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ قَوْله تَعَالَى { قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ } فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ لِلْغَيْرِ فِعْلُ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ وَإِلَّا فَفِعْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ مُنَازَعَةٌ لَا مُتَابَعَةٌ ( وَأَمَّا ) قَوْله تَعَالَى { فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } ( فَبِدَلَالَةِ الْمَفْهُومِ

الْمُخَالِفِ ) يَدُلُّ ( عَلَى اتِّحَادِ حُكْمِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِهِمْ ) أَيْ مَعَ حُكْمِ الْأُمَّةِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَّلَ تَزْوِيجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ الْكَائِنِ فِي تَحْرِيمِ زَوْجَاتِ الْأَدْعِيَاءِ وَمَفْهُومُهُ لَوْ لَمْ يُزَوِّجْهُ ثَبَتَ الْحَرَجُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ وَثُبُوتُ الْحَرَجِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا اتَّحَدَ حُكْمُهُمْ بِحُكْمِهِ وَلَمْ يَتَّحِدَ ( وَمَا جَهِلَ وَصْفَهُ ) بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى الْأُمَّةِ مَذَاهِبُ ( فَأَبُو الْيُسْرِ ) قَالَ ( إنْ ) كَانَ ( مُعَامَلَةً فَالْإِبَاحَةُ إجْمَاعٌ وَالْخِلَافُ ) إنَّمَا هُوَ ( فِي الْقُرْبِ فَمَالِكٌ شُمُولَ الْوُجُوبِ ) لَهُ وَلَنَا ( كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْكَشْفِ ( مُتَعَرِّضًا لِلْفِعْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِ الْكَرْخِيِّ مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ لِلتَّيَقُّنِ ) أَيْ تَيَقُّنِهَا فِي الْفِعْلِ فَوَجَبَ إثْبَاتُهَا دُونَ غَيْرِهَا إلَّا بِدَلِيلٍ ( وَلَيْسَ لَنَا اتِّبَاعُهُ ) إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا سَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ ( وَقَوْلُ الْجَصَّاصِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ ) وَمُتَابِعِيهِمْ ( الْإِبَاحَةُ فِي حَقِّهِ وَلَنَا اتِّبَاعُهُ ) مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْخُصُوصِ ( وَالْقَوْلَانِ ) أَيْ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَقَوْلُ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ ( يُعَكِّرَانِ نَقْلَ أَبِي الْيُسْرِ ) الْإِجْمَاعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقُرْبِ وَغَيْرِهَا فَيَتَنَاوَلُ الْمُعَامَلَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُدْفَعَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ مَا لَيْسَ بِمُعَامَلَةٍ بِقَرِينَةِ جَعْلِهِ قَسِيمًا لَهَا ( وَخَصَّ الْمُحَقِّقُونَ الْخِلَافَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأُمَّةِ فَالْوُجُوبُ ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ خَيْرَانِ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى مَالِكٍ وَالْكَرْخِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ

الشَّافِعِيِّ وَالْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا ( وَالنَّدْبُ ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ وَفِي الْمَحْصُولِ إلَى الشَّافِعِيِّ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ و الْمُعْتَزِلَةِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَالْقَفَّالُ ( وَمَا ذَكَرْنَا ) أَيْ الْإِبَاحَةَ وَهُوَ مَعْزُوٌّ فِي الْمَحْصُولِ إلَى مَالِكٍ ( وَالْوَقْفُ ) وَهُوَ مَعْزُوٌّ فِي الْمَحْصُولِ إلَى الصَّيْرَفِيِّ وَأَكْثَرِ الْمُعْتَزِلَةِ وَفِي الْقَوَاطِعِ إلَى أَكْثَرِ الْأَشْعَرِيَّةِ وَالدَّقَّاقِ وَابْنِ كَجٍّ وَفِي غَيْرِهِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ ( وَمُخْتَارُ الْآمِدِيِّ ) وَابْنِ الْحَاجِبِ ( إنْ ظَهَرَ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَالنَّدْبُ وَإِلَّا فَالْإِبَاحَةُ وَيَجِبُ ) أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ ( قَيْدًا لِقَوْلِ الْإِبَاحَةِ لِلْأُمَّةِ ) وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْبِ عَمَلُهُ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ نَدْبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِ الْإِبَاحَةِ بِالتَّيَقُّنِ ( الْوُجُوبُ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } ) أَيْ افْعَلُوهُ فَفِعْلُهُ مِمَّا أَتَى بِهِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ ( أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا أَمَرَكُمْ ) بِهِ قَوْلًا ( بِقَرِينَةِ مُقَابِلِهِ وَمَا نَهَاكُمْ ) لِيَتَجَاوَبَ طَرَفَا النَّظْمِ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْفَصَاحَةِ الْوَاجِبِ رِعَايَتُهَا فِي الْقُرْآنِ ( قَالُوا ) ثَانِيًا قَالَ تَعَالَى ( { فَاتَّبِعُوهُ } ) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ ( قُلْنَا هُوَ ) أَيْ الِاتِّبَاعُ ( فِي الْفِعْلِ فَرْعُ الْعِلْمِ بِصِفَتِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ فِي حَقِّ الْمُتَّبِعِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الِاتِّبَاعَ فِي الْفِعْلِ ( فِعْلُهُ عَلَى وَجْهِ فِعْلِهِ ) الْمُتَّبَعِ ( وَالْكَلَامُ فِي مَجْهُولِهَا ) أَيْ الصِّفَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّبَاعُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَقَدْ مَنَعَ اعْتِبَارَ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي الِاتِّبَاعِ فِيهِ ) أَيْ الْفِعْلِ بِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاتِّبَاعَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِلْمِ

بِصِفَةِ الْفِعْلِ بَلْ يَجِبُ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صِفَتَهُ فِي حَقِّ الْمُتَّبِعِ وَرَشَّحَ الْمُصَنِّفُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( وَفِي عِبَارَةِ الْإِبَاحَةِ وَلَنَا اتِّبَاعُهُ ) أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَتْ صِفَةُ الْفِعْلِ أَوْ لَا فَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ ( بَلْ الْجَوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ وَهُوَ فَاتَّبِعُوهُ عَامٌّ ( مَخْصُوصٌ إذْ لَا يَجِبُ قِيَامٌ وَقُعُودٌ وَتَكْرِيرُ عِمَامَةٍ وَمَا لَا يُحْصَى ) مِنْ الْأَفْعَالِ أَيْ الِاتِّبَاعِ فِيهَا ( وَلَا مُخَصِّصَ مُعَيِّنَ فَأَخَصَّ الْخُصُوصَ ) أَيْ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الدَّلِيلِ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ ( مِنْ مَعْلُومِ صِفَةِ الْوُجُوبِ ) أَيْ مَا كَانَ مِنْ الْأَفْعَالِ مَعْلُومًا صِفَتُهُ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ( قَالُوا ) ثَالِثًا ( لَقَدْ كَانَ إلَى آخِرِهَا ) قَضِيَّةً ( شَرْطِيَّةً مَضْمُونُهَا لُزُومُ التَّأَسِّي لِلْإِيمَانِ ) إذْ مَعْنَاهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ فَلَهُ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ( وَلَازِمُهَا عَكْسُ نَقِيضِهَا عَدَمُ الْإِيمَانِ لِعَدَمِ التَّأَسِّي وَعَدَمُهُ ) أَيْ الْإِيمَانِ ( حَرَامٌ فَكَذَا ) مَلْزُومُهُ الَّذِي هُوَ ( عَدَمُ التَّأَسِّي فَنَقِيضُهُ ) وَهُوَ الْإِيمَانُ ( وَاجِبٌ ) فَكَذَا لَازِمُهُ الَّذِي هُوَ التَّأَسِّي وَإِلَّا ارْتَفَعَ اللُّزُومُ ( وَالْجَوَابُ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ مَا قَبْلَهُ ( لِأَنَّ التَّأَسِّي كَالِاتِّبَاعِ ) وَهُوَ الْفِعْلُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ لِأَجْلِهِ فَيَتَوَقَّفُ إثْبَاتُ الْوُجُوبِ عَلَيْنَا عَلَى الْعِلْمِ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَفْرُوضِ ( وَفِيهِ ) مِنْ الْبَحْثِ ( مِثْلُ مَا قَبْلَهُ ) وَهُوَ مَنْعُ اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِصِفَةِ الْفِعْلِ فِي الِائْتِسَاءِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ الْجَوَابِ يُؤْخَذُ أَيْضًا ( الْجَوَابُ الْمُخْتَارُ ) وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ وَهُوَ التَّأَسِّي فِيمَا عُلِمَ وُجُوبُهُ ( قَالُوا ) رَابِعًا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إذَا خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَخَلَعُوا أَيْ أَصْحَابُهُ نِعَالَهُمْ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ أَلْقَيْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاك أَلْقَيْت

فَأَلْقَيْنَا قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا أَذًى } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ ( فَأَقَرَّهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ ) بِفِعْلِهِ ( وَبَيَّنَ سَبَبَ اخْتِصَاصِهِ بِهِ ) أَيْ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ وَهُوَ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ( إذْ ذَاكَ ) وَلَوْلَا وُجُوبُ الِاتِّبَاعِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ ( قُلْنَا دَلِيلُهُمْ ) عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ( لَا فِعْلُهُ أَوْ فَهْمُهُمْ الْقُرْبَةَ ) مِنْ الْخَلْعِ وَإِلَّا لَحَرُمَ أَوْ كُرِهَ ( أَوْ مَنْدُوبًا ) لَا وَاجِبًا ( قَالُوا ) خَامِسًا ( أَمَرَهُمْ ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ ( بِالْفَسْخِ ) أَيْ فَسْخِ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ( فَتَوَقَّفُوا ) عَنْ الْفَسْخِ ( لِعَدَمِ فَسْخِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ ) أَيْ تَوَقُّفَهُمْ لِعَدَمِ فَسْخِهِ ( وَبَيَّنَ مَانِعًا ) مِنْ الْفَسْخِ ( يَخُصُّهُ وَهُوَ ) أَيْ الْمَانِعُ ( سَوْقُ الْهَدْيِ كَذَا ذَكَرَ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ وَأَنَّ النَّاسَ اسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت } فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَمَنْ نَظَرَ السُّنَنَ فَعَلِمَ أَنَّهُ غَضِبَ مِنْ تَوَقُّفِهِمْ ) فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مَضَيْنَ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْت مَنْ أَغْضَبك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَشْعَرْت أَنِّي أَمَرْت النَّاسَ بِأَمْرٍ فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى

أَحِلَّ كَمَا أَحَلُّوا } ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ ( لَمْ يَلْزَمْ ) مِنْهُ أَنَّهُ غَضَب لِتَوَقُّفِهِمْ ( لِعَدَمِ الْفِعْلِ ) مِنْهُ ( بَلْ ) إنَّمَا غَضِبَ ( لِكَوْنِهِ ) أَيْ تَوَقُّفِهِمْ ( بَعْدَ الْأَمْرِ ثُمَّ بَيَّنَ مَانِعَهُ ) مِنْ الْفِعْلِ فَلَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُمْ لَمْ يُنْكِرْهُ ( وَأَحْسَنُ الْمَخَارِجِ لَهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( ظَنُّهُ ) أَيْ الْأَمْرِ بِالْفَسْخِ ( أَمْرَ إبَاحَةٍ رُخْصَةٌ تَرْفِيهًا ) لَهُمْ ( وَأَظْهَرُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ هَذَا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى مَا فِيهِ ( أَمْرُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ ( بِالْحَلْقِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ ثُمَّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ مُخَفَّفَةٌ وَمُثَقَّلَةٌ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى التَّثْقِيلِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ جِهَةِ جُدَّةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرَةُ أَمْيَالٍ ( فَلَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى حَلَقَ فَازْدَحَمُوا ) كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اُخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَك وَتَدْعُوَ حَالِقَك فَيَحْلِقَكَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضَهُمْ غَمًّا } ا هـ إذْ هَذَا أَظْهَرُ فِي إفَادَةِ أَنَّ تَوَقُّفَهُمْ كَانَ لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَمَّا فَعَلَ فَعَلُوا ( وَلَا يَتِمُّ الْجَوَابُ ) عَنْ هَذَا الْخَامِسِ ( بِأَنَّ الْفَهْمَ ) لِوُجُوبِ

الْمُتَابَعَةِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ فِعْلِهِ فَقَطْ بَلْ ( مِنْ ) قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( خُذُوا عَنِّي ) مَنَاسِكَكُمْ وَهُوَ لَمْ يَحِلَّ فَلَمْ يَحِلُّوا كَمَا أَجَابُوا بِهِ ( لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالَهُ بَعْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ ) أَيْ حِينَ أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ وَحَلْقِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّهُ قَالَهُ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَطْعًا وَأَمَّا أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِالْفَسْخِ فَلِأَنَّ أَمْرَهُمْ بِهِ كَانَ فِي أَوَائِلِ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ ( بَلْ ) الْجَوَابُ ( مَا ذَكَرْنَا ) وَهُوَ ظَنُّهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ أَمْرُ إبَاحَةٍ فَلَمْ يَفْعَلُوا أَخْذًا بِالْأَحْمَزِ ( أَوْ بِحَلْقِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عُرِفَ حَتْمُهُ ) أَيْ أَنَّهُ أَمْرُ إيجَابٍ هَذَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ عَقِبَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَوْلَا أَنِّي سُقْت الْهَدْيَ لَأَحْلَلْت أَلَا فَخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ } فَلَعَلَّهُ قَالَهُ مِرَارًا وَعَلَى هَذَا فَيَتِمُّ ذَلِكَ الْجَوَابُ أَيْضًا ( قَالُوا ) سَادِسًا ( اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ ) لِقَدْرِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ ( ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ ) أَيْ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِ كَمَا يُفِيدُهُ ظَاهِرُ حَدِيثٍ لِأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ لَكِنْ لَا ( لِرِوَايَةِ عَائِشَةَ فِعْلُهُ ) بَلْ لِقَوْلِهَا { إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ } وَإِنْ كَانَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْهَا بِغَيْرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَعْدَ هَذَا اللَّفْظِ { فَعَلْته أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْنَا } ( أُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ قَوْلًا { إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ } رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ وَهْبٍ ( وَإِنَّمَا يُفِيدُ ) هَذَا الْجَوَابَ ( إذَا رَوَتْهُ ) أَيْ عَائِشَةُ هَذَا أَوْ مَعْنَاهُ ( لَهُمْ ) أَيْ لِلصَّحَابَةِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ( أَوْ هُوَ ) أَيْ

الْفِعْلُ الَّذِي رَوَتْهُ عَائِشَةُ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ( بَيَانُ ) قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَيْ فَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِعْلُهُ بَلْ إلَى أَمْرِهِ تَعَالَى بِالِاطِّهَارِ لِلْجُنُبِ وَبِالْفِعْلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَثْبُتُ بِهِ كَمَا تَثْبُتُ بِالْإِنْزَالِ فَثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الْكِتَابِ وَهُوَ إيجَابُ الْغُسْلِ فَإِذَنْ لَيْسَ هُوَ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ قِسْمِ الْأَفْعَالِ الْبَيَانِيَّةِ ( أَوْ تَنَاوُلِهِ ) أَيْ وُجُوبِ الْغُسْلِ مِنْ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } ( إذْ هُوَ ) أَيْ الْغُسْلُ ( شَرْطُهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ وَهُوَ إنَّمَا صَلَّى بَعْدَ الِالْتِقَاءِ بِالْغُسْلِ ( أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ مِنْهَا ) أَيْ عَائِشَةَ حَيْثُ حَكَتْ فِعْلَهُ وَالِاغْتِسَالَ مِنْهُ ( إذْ كَانَ خِلَافُهُمْ فِيهِ ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ أَيْ أَوْ لِفَهْمِ الْوُجُوبِ مِنْ حِكَايَتِهَا بِقَرِينَةٍ وَهِيَ سُؤَالُهُمْ لَهَا بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَوْلَا إشْعَارُ الْجَوَابِ بِهِ لَمَا تَطَابَقَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِمَّا عُلِمَ صِفَتُهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ ( قَالُوا ) سَابِعًا الْوُجُوبُ ( أَحْوَطُ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَمْنِ مِنْ الْإِثْمِ قَطْعًا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الِاحْتِيَاطَ ( فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ ) عَلَى الْأُمَّةِ ( وَفِعْلُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَحْتَمِلُهُ ) أَيْ التَّحْرِيمَ عَلَى الْأُمَّةِ ( وَرُدَّ ) هَذَا ( بِوُجُوبِ صَوْمِ ) يَوْمِ ( الثَّلَاثِينَ ) مِنْ رَمَضَانَ ( إذَا غُمَّ الْهِلَالُ ) لِشَوَّالٍ بِالِاحْتِيَاطِ وَإِنْ احْتَمَلَ كَوْنُهُ حَرَامًا لِكَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ ( بَلْ الْجَوَابُ ) عَنْ أَصْلِ الدَّلِيلِ ( أَنَّهُ ) أَيْ الِاحْتِيَاطَ إنَّمَا شُرِعَ ( فِيمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ كَصَلَاةٍ نُسِيَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخُمُسُ احْتِيَاطًا ( أَوْ

كَانَ ) ثُبُوتُ الْوُجُوبِ ( الْأَصْلَ كَصَوْمِ ) يَوْمِ ( الثَّلَاثِينَ ) مِنْ رَمَضَانَ إذْ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ ( النَّدْبُ الْوُجُوبُ يَسْتَلْزِمُ التَّبْلِيغَ ) دَفْعًا لِلتَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّبْلِيغُ ( مُنْتَفٍ بِالْفَرْضِ ) إذْ الْكَلَامُ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ ( وَأُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تَنْفِي الْمُبَاحَ ) لِأَنَّهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَلَا مَدْحَ عَلَى الْمُبَاحِ ( فَتَعَيَّنَ النَّدْبُ أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ ) الشَّرْعِيَّةَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إبَاحَةً ( تَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ التَّبْلِيغَ فَإِنَّ وُجُوبَ التَّبْلِيغِ يَعُمُّهَا ( فَلَوْ انْتَفَى ) التَّبْلِيغُ ( انْتَفَى النَّدْبُ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ حُسْنُ الِائْتِسَاءِ وَيَصْدُقُ ) حُسْنُهُ ( مَعَ الْمُبَاحِ ) لِأَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ ( قَالُوا ) أَيْ النَّادِبُونَ ثَانِيًا ( هُوَ ) أَيْ النَّدْبُ ( الْغَالِبُ مِنْ أَفْعَالِهِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ الْإِبَاحَةُ هُوَ ) أَيْ الْمُبَاحُ ( الْمُتَيَقَّنُ ) لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ وَالْوُجُوبِ ( فَيَنْتَفِي الزَّائِدُ ) عَلَيْهَا ( لِنَفْيِ الدَّلِيلِ ) لَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا ( وَجْهُ ) قَوْلِ ( الْآمِدِيِّ إذَا لَمْ تَظْهَرْ الْقُرْبَةُ ) أَيْ قَصْدُهَا فِيهِ ( وَإِلَّا ) إذَا ظَهَرَ قَصْدُهَا فِيهِ ( فَالنَّدْبُ ) لِظُهُورِ الرُّجْحَانِ فِيهِ ( وَيَجِبُ كَوْنُهُ ) أَيْ الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ ( كَذَا ) أَيْ نَدْبًا عِنْدَ ظُهُورِ قَصْدِ الْقُرْبَةِ ( لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ ( بِمِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا التَّوْجِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّدْبُ ( أَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَعَهَا ) أَيْ الْقُرْبَةِ ( إلَّا أَنْ لَا يُتْرَكَ ) ذَلِكَ الْفِعْلُ ( مَرَّةً عَلَى أُصُولِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( فَالْوُجُوبُ ) يَكُونُ حُكْمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ حِينَئِذٍ ( وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ عَدَمِ ظُهُورِ الْقَرِينَةِ ) لِلْقُرْبَةِ ( الْمُتَيَقَّنِ الْإِبَاحَةِ وَعِنْدَ ظُهُورِهَا ) أَيْ الْقَرِينَةِ لِلْقُرْبَةِ ( وُجِدَ دَلِيلُ الزِّيَادَةِ ) عَلَى الْإِبَاحَةِ ( وَالنَّدْبُ مُتَيَقَّنٌ فَيَنْتَفِي الزَّائِدُ

) وَهُوَ الْوُجُوبُ ( وَعَدَمُ التَّرْكِ مَرَّةً دَلِيلُ حَامِلِ الْوُجُوبِ الْكَرْخِيُّ جَازَتْ الْخُصُوصِيَّةُ ) أَيْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّهِ كَمَا جَازَ مُشَارَكَةُ الْأُمَّةِ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِالْبَعْضِ وَمُشَارَكَةُ الْأُمَّةِ لَهُ فِي الْبَعْضِ ( فَاحْتَمَلَ فِعْلُهُ التَّحْرِيمَ ) عَلَى الْأُمَّةِ كَمَا احْتَمَلَ الْإِطْلَاقَ لَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ ( فَيَمْنَعُ ) فِعْلُهُ لَهُمْ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ يُرَجِّحُ أَحَدَ هَذَيْنِ الْجَائِزَيْنِ ( الْجَوَابُ أَنَّ وَضْعَ مَقَامِ النُّبُوَّةِ لِلِاقْتِدَاءِ قَالَ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ { إنِّي جَاعِلُك لِلنَّاسِ إمَامًا } فَثَبَتَ ) جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ فِيهِ ( مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خُصُوصٌ ) لَهُ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْخُصُوصُ ( نَادِرٌ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالُهُ ) جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ ( الْوَاقِفِ صِفَتُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( غَيْرُ مَعْلُومَةٍ ) بِالْفَرْضِ ( وَالْمُتَابَعَةُ ) إنَّمَا تَكُونُ ( بِعِلْمِهَا ) أَيْ صِفَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ( فَالْحُكْمُ بِأَنَّ الْمَجْهُولَ كَذَا ) أَيْ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ أَوْ مُبَاحٌ ( بِعَيْنِهِ فِي حَقِّهِ كَالْكَرْخِيِّ وَمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَنَاقِلِ الْوُجُوبِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ) مِنْ وُجُوبِهِ وَهُوَ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } ثُمَّ قَوْلُهُ فَالْحُكْمُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ يَجِبُ التَّوَقُّفُ عَنْهُ وَنَصَّ عَلَى إطْلَاقِهِمْ ) أَيْ الْوَاقِفِيَّةِ ( الْفِعْلَ ) لِلْأُمَّةِ وَالنَّاصُّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِي التَّلْوِيحِ ( وَلَا يُنَافِي ) إطْلَاقُهُمْ الْفِعْلَ لِلْأُمَّةِ ( الْوَقْفَ ) فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَقِّنَا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ مُجَرَّدَ الْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ وَإِنَّمَا هُوَ ( جُزْءُ الْحُكْمِ ) الَّذِي هُوَ الْإِبَاحَةُ إذْ تَمَامُهَا إطْلَاقُ الْفِعْلِ وَإِطْلَاقُ التَّرْكِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِ التَّرْكِ لِجَوَازِ كَوْنِ الثَّابِتِ مَعَ إطْلَاقِ الْفِعْلِ حُرْمَتَهُ أَوْ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا فَإِثْبَاتُ

شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُمَا فِي التَّرْكِ تَحَكُّمٌ ( فَلَمْ يُحْكَمْ فِي حَقِّهِ وَلَا حَقِّ الْأُمَّةِ بِحُكْمٍ وَهُوَ ) أَيْ إطْلَاقُهُمْ الْفِعْلَ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا ( مُقْتَضَى الدَّلِيلِ لِمَنْعِ شَرْطِ الْعِلْمِ ) بِحَالِ الْفِعْلِ ( فِي الْمُتَابَعَةِ ) فِي جَانِبِ الْفِعْلِ ( وَالتَّحَكُّمُ ) أَيْ وَمَنْعُ التَّحَكُّمِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ ( وَيَجِبُ حَمْلُ الْإِبَاحَةِ عَلَيْهِ ) أَيْ إطْلَاقِ الْفِعْلِ ( لَا ) عَلَى الْمَعْنَى ( الْمُصْطَلَحِ ) لَهَا وَهُوَ جَوَازُ الْفِعْلِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ ( لِانْتِفَاءِ التَّيَقُّنِ فِيهِ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ هَذَا بِعَيْنِهِ ( النَّدْبُ ) أَيْ جَازَ فِيهِ فَهُوَ ( فِي الْقُرْبَةِ عَلَى مُجَرَّدِ تَرْجِيحِ الْفِعْلِ لِنَفْيِ التَّحَكُّمِ ) فَإِنَّ الْقُرْبَةَ لَيْسَ مُقْتَضَاهَا إلَّا أَنْ يُرَجَّحَ الْفِعْلُ عَلَى التَّرْكِ وَذَلِكَ يُصَدَّقُ مَعَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ الْمُصْطَلَحِ فَإِثْبَاتُ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فِي التَّرْكِ تَحَكُّمٌ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ الْوَقْفُ مَا ذَكَرْنَا انْتَفَى دَفَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِنَا الْمُنْصَبِّ لِلِاقْتِدَاءِ إلَخْ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَمْنَعُ الِاتِّبَاعَ مُطْلَقًا بَلْ يُجِيزُ الْفِعْلَ وَحِينَئِذٍ ( فَدَلِيلُهُمْ ) أَيْ الْوَاقِفِيَّةِ ( مِنْ غَيْرِهِمْ ) جَارٍ ( عَلَى لِسَانِهِمْ ) لَا لَهُمْ ( وَإِنَّمَا ) الْمُنَاسِبُ لَهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ يُقَالَ ( هُوَ ) أَيْ دَلِيلُهُمْ ( احْتِمَالَاتٌ مُتَسَاوِيَةٌ فَلَا يَتَحَكَّمُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَمُجَرَّدُ إطْلَاقِ الْفِعْلِ ثَابِتٌ بِمَا ذَكَرْنَا ) فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ إذَا عَلِمَ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِفِعْلٍ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلَ ( فَسَكَتَ ) عَنْ إنْكَارِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( قَادِرًا عَلَى إنْكَارِهِ فَإِنْ ) كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ ( مُعْتَقَدَ كَافِرٍ ) أَيْ مِمَّا عُلِمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْكِرٌ لَهُ وَتَرَكَ إنْكَارَهُ فِي الْحَالِ لِعِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْكَافِرَ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ فِي الْحَالِ ( فَلَا أَثَرَ لِسُكُوتِهِ ) وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْجَوَازِ اتِّفَاقًا ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقَدَ كَافِرٍ ( فَإِنْ سَبَقَ تَحْرِيمُهُ بِعَامٍّ فَنَسْخٌ ) لِتَحْرِيمِهِ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( أَوْ تَخْصِيصٌ ) لَهُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ( عَلَى الْخِلَافِ ) بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ نَسْخٌ أَوْ تَخْصِيصٌ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَسْبِقْ تَحْرِيمُهُ ( فَدَلِيلُ الْجَوَازِ ) لَهُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلُ الْجَوَازِ لَهُ ( كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ) وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْبَيَانِ ( فَإِنْ اسْتَبْشَرَ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْفِعْلِ ( فَأَوْضَحَ ) فِي أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَازِ ( إلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ اسْتِبْشَارَهُ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( لِأَمْرٍ آخَرَ لَا بِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( قَدْ يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ ) أَيْ فِي الِاسْتِبْشَارِ ( فِي الْمَوَارِدِ وَمِنْهُ ) أَيْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مِنْ الْمَوَارِدِ ( إظْهَارُ الْبِشْرِ ) أَيْ إظْهَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّرُورَ ( عِنْدَ قَوْلِ ) مُجَزِّزٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَزَايَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ الْأُولَى مُشَدَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ ( الْمُدْلِجِيِّ ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَنِي مُدْلِجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ لَهُ صُحْبَةٌ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَنَّهُ شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ لَمَّا { دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أُسَامَةُ بْنُ

زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ لَهُ أَقْدَامُ زَيْدٍ وَأُسَامَةَ إنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ } كَمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ .
قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ أُسَامَةُ مِثْلَ اللَّيْلِ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ أَحْمَرَ أَشْقَرَ ( فَاعْتَبَرَهُ ) أَيْ بِشْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُدْلِجِيِّ ( فَأَثْبَتَ ) الشَّافِعِيُّ ( النَّسَبَ بِالْقِيَافَةِ وَنَفَاهُ ) أَيْ ثُبُوتَهَا بِهِ ( الْحَنَفِيَّةُ وَصَرَفُوا الْبِشْرَ إلَى مَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ ) أَيْ الْبِشْرِ ( مِنْ تَرْكِهِمْ الطَّعْنَ فِي نَسَبِهِ وَإِلْزَامِهِمْ بِخَطَئِهِمْ فِيهِ ) أَيْ الطَّعْنِ فِيهِ ( عَلَى اعْتِقَادِهِمْ ) حَقِّيَّةَ الْقِيَافَةِ ( وَدُفِعَ ) هَذَا ( بِأَنَّ تَرْكَ إنْكَارِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الطَّرِيقَ ) الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ ( ظَاهِرٌ فِي حَقِّيَّتِهَا ) أَيْ الْقِيَافَةِ وَإِلَّا لَعَدَّهُ مِنْ الزَّجْرِ وَالتَّحْمِيرِ ( فَلَا يَجُوزُ ) تَرْكُ إنْكَارِهِ ( إلَّا مَعَهُ ) أَيْ كَوْنِهَا حَقًّا ( وَإِلَّا لَذَكَرَهُ ) أَيْ إنْكَارَهَا ( وَلَا يَنْفِي ) ذِكْرُهُ الْإِنْكَارَ ( الْمَقْصُودَ مِنْ رُجُوعِهِمْ ) أَيْ الطَّاعِنِينَ ( وَالْجَوَابُ أَنَّ انْحِصَارَ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِي الْفِرَاشِ كَانَ ظَاهِرًا عِنْدَ أَهْلِ الشَّرْعِ وَالطَّعْنُ لَيْسَ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْعِ ( بَلْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ ) أَيْ الْمُنَافِقُونَ ( يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَ قَوْلِهِمْ ) أَنْفُسِهِمْ ( لِقَوْلِهِ ) أَيْ الْمُدْلِجِيِّ ( فَالسُّرُورُ لِذَلِكَ ) أَيْ لِبُطْلَانِ قَوْلِهِمْ ( وَتَرْكُ إنْكَارِ السَّبَبِ ) الَّذِي هُوَ الْقِيَافَةُ لَا يَضُرُّ ( لِأَنَّهُ كَتَرْكِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ ( عَلَى تَرَدُّدِ كَافِرٍ إلَى كَنِيسَةٍ فَلَا يَكُونُ ) سُكُوتُهُ عَنْ إنْكَارِهَا ( تَقْرِيرًا )

( مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبِّدٌ ) أَيْ مُكَلَّفٌ ( قِيلَ ) بِشَرْعِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الشَّرَائِعِ حَكَاهُ ابْنُ بَرْهَانٍ وَقِيلَ ( بِشَرْعِ نُوحٍ ) عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ الرُّسُلِ الْمُشَرِّعِينَ قُلْت وَفِيهِ نَظَرٌ فَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرِهِ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ مِائَةُ أَلْفٍ وَعِشْرُونَ أَلْفًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كَانَ أَوَّلَهُمْ قَالَ آدَم قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ قَالَ نَعَمْ } ( وَقِيلَ ) بِشَرْعِ ( إبْرَاهِيمَ ) عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْمِلَّةِ الْكُبْرَى ( وَقِيلَ ) بِشَرْعِ ( مُوسَى ) عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ الَّذِي نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ أَكْثَرُ أَحْكَامِهِ إذْ عِيسَى مُوَافِقٌ لَهُ فِي بَعْضِهَا ( وَقِيلَ ) بِشَرْعِ ( عِيسَى ) عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُنْسَخْ إلَى حِينِ بَعْثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ ( وَالْمُخْتَارُ ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ ( بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ إذْ ذَاكَ ) أَيْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِطَرِيقِهِ فَإِنَّهُ عُسْرٌ إذْ ذَاكَ لِأَنَّهُ بِعَدَالَةِ النَّقَلَةِ فِي غَيْرِ التَّوَاتُرِ فَإِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ يُفِيدُ الثُّبُوتُ أَنَّهُ شَرْعُ نَبِيٍّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا بَعْدَهُ غَيْرَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ إلَّا بِمَا لَا مَرَدَّ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ( إلَّا أَنْ يُثْبِتَا ) أَيْ الشَّرْعَانِ أَمْرَيْنِ ( مُتَضَادَّيْنِ فَبِالْأَخِيرِ ) أَيْ فَالْحُكْمُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَا ثَبَتَ بِالشَّرْعِ الْمُتَأَخِّرِ لِلْعِلْمِ بِثُبُوتِ نَسْخِهِ ( فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ) الشَّرْعَ ( الْأَخِيرَ لِعَدَمِ مَعْلُومِيَّةِ طَرِيقِهِ ) أَيْ الْأَخِيرِ ( فِيمَا رَكَنَ إلَيْهِ ) أَيْ فَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِمَا

اطْمَأَنَّ قَلْبُهُ إلَيْهِ ( مِنْهُمَا لِأَنَّهُمَا كَقِيَاسَيْنِ لِعَدَمِ مَا بَعْدَهُمَا وَنَفَاهُ ) أَيْ تَعَبُّدَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ ( الْمَالِكِيَّةُ ) قَالَ الْقَاضِي وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْمُتَكَلِّمِينَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمَنَعَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ عَقْلًا وَقَالَ أَهْلُ الْحَقِّ يَجُوزُ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ وَعَلَيْهِ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْآمِدِيُّ وَتَوَقَّفَ الْغَزَالِيُّ ) وَنَسَبَ السُّبْكِيُّ التَّوَقُّفَ إلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ ( لَنَا لَمْ يَنْقَطِعْ التَّكْلِيفُ مِنْ بَعْثَةِ آدَمَ عُمُومًا كَآدَمَ وَنُوحٍ وَخُصُوصًا ) كَشُعَيْبٍ إلَى أَهْلِ مَدْيَنَ وَأَصْحَابِ الْأَيْكَةِ ( وَلَمْ يَتْرُكُوا ) أَيْ النَّاسَ ( سُدًى ) أَيْ مُهْمَلِينَ غَيْرَ مَأْمُورِينَ وَلَا مَنْهِيِّينَ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ ( قَطُّ فَلَزِمَ ) التَّعَبُّدُ ( كُلَّ مَنْ تَأَهَّلَ ) مِنْ الْعِبَادِ ( وَبَلَغَهُ ) ذَلِكَ الْمُتَعَبَّدُ بِهِ ( وَهَذَا ) الدَّلِيلُ ( يُوجِبُهُ ) أَيْ التَّعَبُّدَ ( فِي غَيْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ) أَيْضًا ( وَهُوَ كَذَلِكَ وَتَخْصِيصُهُ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اتِّفَاقِيٌّ وَاسْتَدَلَّ ) لِلْمُخْتَارِ ( بِتَضَافُرِ رِوَايَاتِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ ) أَيْ تَعَاوُنِهَا وَاجْتِمَاعِهَا وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالظَّاءِ وَهَذَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ شَيْءٌ مَخْصُوصٌ وَذَلِكَ ( لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ أَنَّهُ ) أَيْ فِعْلَهَا ( لِقَصْدِ الطَّاعَةِ وَهِيَ ) أَيْ الطَّاعَةُ ( مُوَافِقَةٌ الْأَمْرَ ) فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ ( وَالْجَوَابُ أَنَّ الضَّرُورِيَّ قَصْدُ الْقُرْبَةِ وَهِيَ ) أَيْ الْقُرْبَةُ ( أَعَمُّ مِنْ مُوَافَقَةِ الْأَمْرِ وَالتَّنَفُّلِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ ) الْقُرْبَةَ ( مُعَيَّنًا ) مِنْهُمَا ( ظَاهِرًا فَضْلًا عَنْ ضَرُورِيَّتِهِ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِعُمُومِ كُلِّ شَرِيعَةٍ ) جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ فَيَتَنَاوَلُهُ أَيْضًا ( وَمُنِعَ ) عُمُومُ كُلِّ شَرِيعَةٍ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ وَكَيْفَ لَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ

عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَى النَّاسِ عَامَّةً } قَالَ ( النَّافِي لَوْ كَانَ ) مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ ( قَضَتْ الْعَادَةُ بِمُخَالَطَتِهِ أَهْلَهَا وَوَجَبَتْ ) مُخَالَطَتُهُ لَهُمْ لِأَخْذِ الشَّرْعِ مِنْهُمْ ( وَلَمْ يَفْعَلْ ) إذْ لَوْ فَعَلَ لَنُقِلَ لِتَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ ( أُجِيبَ الْمُلْزِمُ ) لِلتَّعَبُّدِ بِمَا عَلِمَ أَنَّهُ شَرْعٌ ( إذْ ذَاكَ ) أَيْ قَبْلَ الْبَعْثَةِ ( التَّوَاتُرُ ) لِأَنَّهُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ ( وَلَا حَاجَةَ مَعَهُ ) أَيْ التَّوَاتُرِ ( إلَيْهَا ) أَيْ مُخَالَطَتِهِ لَهُمْ ( لَا ) أَنَّ الْمُلْزِمَ لَهُ ( الْآحَادُ لِأَنَّهَا ) أَيْ الْآحَادَ ( مِنْهُمْ ) أَيْ أَهْلِ الشَّرْعِ ( لَا تُفِيدُ ظَنًّا ) لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ هَذَا وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِالْفُرُوعِ إذْ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُكَلَّفُونَ بِقَوَاعِد الْعَقَائِدِ وَلِذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَوْتَاهُمْ فِي النَّارِ يُعَذَّبُونَ فِيهَا عَلَى كُفْرِهِمْ وَلَوْلَا التَّكْلِيفُ مَا عُذِّبُوا فَعُمُومُ إطْلَاقِ الْعُلَمَاءِ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ .
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهَا ثَمَرَةٌ فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ بَلْ تَجْرِي مَجْرَى التَّوَارِيخِ الْمَنْقُولَةِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ

( وَأَمَّا ) أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَا قَبْلَهُ ( بَعْدَ الْبَعْثِ فَمَا ثَبَتَ ) أَنَّهُ شَرْعٌ لِمَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ ( شَرْعٌ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ ) عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ وَعَنْ الْأَكْثَرِينَ الْمَنْعُ فَالْمُعْتَزِلَةُ مُسْتَحِيلٌ عَقْلًا وَغَيْرُهُمْ شَرْعًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ ( لَنَا مَا اخْتَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ ) السَّابِقِ ( فَيَثْبُتُ ) ذَلِكَ شَرْعًا لَهُ ( حَتَّى يَظْهَرَ النَّاسِخُ وَالْإِجْمَاعُ ) ثَابِتٌ ( عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ } ) أَيْ أَوْجَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ( { فِيهَا } ) أَيْ التَّوْرَاةِ { أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي شَرْعِنَا وَلَوْلَا أَنَّا مُتَعَبِّدُونَ بِهِ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال بِوُجُوبِهِ فِي دِينِ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ فِي دِينِنَا ( وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ وَتَلَا { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } } ) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَقْرَبُ لَفْظٍ إلَيْهِ وَقَفْت عَلَيْهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ { إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ { أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } } ( وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ ( مَقُولَةٌ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ) فَاسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَذَكُّرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتِلَاوَتِهَا فَائِدَةٌ ثُمَّ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ مُتَعَبِّدِينَ بِمَا كَانَ مُوسَى مُتَعَبِّدًا بِهِ فِي دِينِهِ لَمَا صَحَّ الِاسْتِدْلَال ( قَالُوا ) أَيْ النَّافُونَ أَوَّلًا ( لَمْ يَذْكُرْ ) شَرْعَ مَنْ قَبْلِنَا ( فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ ) السَّابِقِ ( وَصَوَّبَهُ ) أَيْ مَا فِي حَدِيثِهِ مِنْ الْقَضَاءِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا لَنَا لَذَكَرَهُ أَوْ لَمْ

يُصَوِّبْهُ ( أُجِيبَ بِأَنَّهُ ) إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ ( إمَّا لِأَنَّ الْكِتَابَ يَتَضَمَّنُهُ ) نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ } فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الَّتِي كُلِّفُوا بِهَا ( أَوْ لِقِلَّتِهِ ) أَيْ قِلَّةِ وُقُوعِهِ ( جَمْعًا لِلْأَدِلَّةِ ) دَلِيلُنَا الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهِ وَأُمَّتِهِ مُتَعَبِّدِينَ بِهِ وَدَلِيلُكُمْ الدَّالُّ عَلَى نَفْيِهِ ( قَالُوا ) ثَانِيًا ( الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَنَا نَاسِخَةٌ ) لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ ( قُلْنَا ) لَكِنْ ( لِمَا خَالَفَهَا لَا مُطْلَقًا لِلْقَطْعِ بِعَدَمِهِ ) أَيْ النَّسْخِ ( فِي الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَغَيْرِهِمَا ) كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الزِّنَا ( قَالُوا ) ثَالِثًا ( لَوْ كَانَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَبِّدًا بِهِ ( وَجَبَتْ خِلْطَتُهُ ) لِأَهْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ ( أُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ ) أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْمُلْزِمَ لِلتَّعَبُّدِ بِمَا عُلِمَ أَنَّهُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَهُ هُوَ التَّوَاتُرُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا عُلِمَ وَصَحَّ أَنَّهُ مِنْ شَرِيعَةِ مَنْ تَقَدَّمَ وَالْآحَادُ لَا تُفِيدُهُ وَالتَّوَاتُرُ لَا يَحْتَاجُهُ هَذَا ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوهُ ) أَيْ كَوْنَ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا لَنَا ( بِمَا إذَا قَصَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) ذَلِكَ ( وَلَمْ يُنْكِرْهُ فَجَعَلَ ) هَذَا مِنْهُمْ قَوْلًا ( ثَالِثًا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( وَالْحَقُّ أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا التَّقْيِيدَ ( وَصَلَ بَيَانَ طَرِيقِ ثُبُوتِهِ ) أَيْ شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا شَرْعًا وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ بِهَذَا الْمَذْهَبِ ( لَا يَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافٌ إذْ لَا يُسْتَفَادُ ) شَرْعُهُمْ ( عَنْهُمْ آحَادًا وَلَمْ يُعْلَمْ مُتَوَاتِرٌ ) مِنْهُ ( لَمْ يُنْسَخْ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ ) شَرْعًا لَهُمْ أَوَّلًا لِيَثْبُتَ لَهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِنَا لَهُ ثَانِيًا ( فَكَانَ ) ثُبُوتُهُ ( بِذَلِكَ ) أَيْ بِقَصِّ اللَّهِ أَوْ رَسُولِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَقُّبٍ بِإِنْكَارٍ بَلْ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا حِينَئِذٍ ضَرُورِيٌّ ( وَبَيَانُ رَدِّهِ إلَى الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ ) قِسْمًا ( خَامِسًا مِنْ

الِاسْتِدْلَالِ كَمَا سَيَأْتِي ) هَذَا وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ بِفَتْحِ الْبَاءِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ صَدْرَ الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَ الْقَرَافِيُّ عَلَى هَذَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْأُصُولُ وَمَا بَعْدَ النُّبُوَّةِ أَمَّا قَبْلَهَا إذَا أُرِيدَ بِهِ الْفُرُوعُ فَالصَّوَابُ كَسْرُ الْبَاءِ وَيُعْرَفُ تَوْجِيهُهُ فِي شَرْحِ تَنْقِيحِ الْمَحْصُولِ لَهُ وَدَفْعِهِ مِمَّا سَلَفَ هُنَا فَلْيُرَاجَعْ ذَاكَ وَيُتَأَمَّلْ مَا هُنَا

( مَسْأَلَةٌ تَخْصِيصُ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ كَالْكِتَابِ ) أَيْ كَتَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالْكِتَابِ ( عَلَى الْخِلَافِ ) فِي الْجَوَازِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَشُذُوذٍ ثُمَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ فِي الْمُخَصَّصِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَوْصُولًا بِالْعَامِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ فَأَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ يَشْتَرِطُ وَبَعْضُهُمْ كَالشَّافِعِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ ( قَالُوا ) أَيْ الْجُمْهُورُ ( خَصَّ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ } لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ نَحْوُهُ ( بِ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ } ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَهُوَ ) أَيْ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي ( تَامٌّ عَلَى ) قَوْلِ ( الشَّافِعِيَّةِ ) وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَشْرِطُوا الْمُقَارَنَةَ وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ تَقْدِيمَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا ( لَا ) عَلَى قَوْلِ ( أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذْ لَمْ تَثْبُتْ مُقَارَنَتُهُ ) أَيْ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ ( وَلَا تَأْخِيرُهُ لِيُخَصَّ ) عَلَى تَقْدِيرِ مُقَارَنَتِهِ ( وَيُنْسَخَ ) عَلَى تَقْدِيرِ تَأْخِيرِهِ ( فَتَعَارَضَا ) أَيْ الْحَدِيثَانِ فِي الْإِيجَابِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَقَدَّمَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الثَّانِيَ بِمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ فَإِنَّ وَجْهَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَصْلِ الْمَذْهَبِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ ( وَقَدَّمَ ) أَبُو حَنِيفَةَ ( الْعَامَّ ) أَيْ الْأَوَّلَ ( احْتِيَاطًا ) لِتَقَدُّمِ الْمُوجِبِ عَلَى الْمُبِيحِ وَحَمَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَرْوِيَّهُمَا عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِالْأَوْسَاقِ وَقِيمَةُ الْوَسْقِ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ يُنْبِئُ عَنْهَا بَلْ نَقَلَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي مَبْسُوطِ أَحْمَدَ الطَّوَاوِيسِيِّ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا

الْأَصْلَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ عَمِلَ بِالْعَامِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ فَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ } وَعُمَرُ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَأَجْلَاهُمْ }

( مَسْأَلَةٌ أَلْحَقَ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْبَرْدَعِيُّ و فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعُهُ ) وَالسَّرَخْسِيُّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ ( قَوْلَ الصَّحَابِيِّ ) الْمُجْتَهِدِ ( فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ بِالسُّنَّةِ ) لِغَيْرِ الصَّحَابِيِّ ( لَا لِمِثْلِهِ ) أَيْ صَحَابِيٍّ آخَرَ ( فَيَجِبُ ) عَلَى غَيْرِ الصَّحَابِيِّ ( تَقْلِيدُهُ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ( وَنَفَاهُ ) أَيْ إلْحَاقَ قَوْلِهِ بِالسُّنَّةِ ( الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ ) مِنْ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ ( كَالشَّافِعِيِّ ) فِي الْجَدِيدِ ( وَلَا خِلَافَ فِيمَا لَا يَجْرِي فِيهِ ) أَيْ قَوْلِهِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ ( بَيْنَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْفُوعِ لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ بِالرَّأْيِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الْجَدِيدِ عَلَى مَا حَكَاهُ السُّبْكِيُّ عَنْ وَالِدِهِ ( وَتَحْرِيرُهُ ) أَيْ مَحَلِّ النِّزَاعِ ( قَوْلُهُ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ ( فِيمَا ) يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لَكِنْ ( لَا يَلْزَمُهُ الشُّهْرَةُ ) بَيْنَ الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ ( مِمَّا لَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ ) فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثُمَّ ظَهَرَ نَقْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي التَّابِعِينَ ( وَمَا يَلْزَمُهُ ) الشُّهْرَةُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَاشْتُهِرَ بَيْنَ الْخَوَاصِّ وَلَمْ يَظْهَرْ خِلَافٌ مِنْ غَيْرِهِ ( فَهُوَ إجْمَاعٌ كَالسُّكُوتِيِّ حُكْمًا لِشُهْرَتِهِ ) أَيْ بِسَبَبِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا ( وَفِي اخْتِلَافِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ ( التَّرْجِيحِ ) بِزِيَادَةِ قُوَّةٍ لِأَحَدِ الْأَقَاوِيلِ إنْ أَمْكَنَ ( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) التَّرْجِيحُ ( عُمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ) بَعْدَ أَنْ يَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ هُوَ الصَّوَابُ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ يَعْمَلَ بِأَحَدِهِمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ بِلَا دَلِيلٍ ( لَا يُطْلَبُ تَارِيخٌ ) بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ لِيَجْعَلَ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ كَمَا

يَفْعَلُ فِي النَّصَّيْنِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اخْتَلَفُوا وَلَمْ يَتَحَاجُّوا بِالسَّمَاعِ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالُهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ لَا سَمَاعٍ فَكَانَا ( كَالْقِيَاسَيْنِ ) تَعَارَضَا ( بِلَا تَرْجِيحٍ ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ حَيْثُ يَكُونُ هَذَا حُكْمَهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُو أَقْوَالَهُمْ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ بِالرَّأْيِ قَوْلًا خَارِجًا عَنْهَا ( وَاخْتَلَفَ عَمَلُ أَئِمَّتِهِمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ تَقْلِيدُهُ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ عَنْهُمْ مَذْهَبٌ فِيهَا وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا عَنْهُمْ رِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ ( فَلَمْ يَشْرِطَا ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ( إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْمُشَاهَدِ ) أَيْ تَسْمِيَةَ مِقْدَارِهِ إذَا كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ ( قِيَاسًا ) عَلَى الْإِعْلَامِ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ التَّسْمِيَةِ وَالْإِعْلَامُ بِالتَّسْمِيَةِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا بِالْإِشَارَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ بِهِ ( وَشَرَطَهُ ) أَيْ أَبُو حَنِيفَةَ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ الْمُشَاهَدِ فِي صِحَّتِهِ ( وَقَالَ بَلَغَنَا ) ذَلِكَ ( عَنْ ابْنِ عُمَرَ ) كَذَا فِي الْكَشْفِ وَفِي غَيْرِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ ( وَضَمَّنَا ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ( الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ) وَهُوَ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى عَمَلِهِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ الْعَيْنَ الَّتِي هِيَ الْعَمَلُ إذَا هَلَكَتْ ( فِيمَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ بِخِلَافِ ) مَا إذَا هَلَكَتْ بِالسَّبَبِ ( الْغَالِبِ ) وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ الْغَالِبَيْنِ وَالْغَارَةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا ضَمَّنَّاهُ فِي الْأَوَّلِ ( بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّائِغَ وَيَقُولُ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ ( وَنَفَاهُ ) أَيْ أَبُو

حَنِيفَةَ تَضْمِينَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ ( بِقِيَاسِ أَنَّهُ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ ) وَالْأَجِيرُ الْوَاحِدُ وَهُوَ مَنْ يَعْقِدُ عَلَى مَنَافِعِهِ لِأَنَّ الضَّمَانَ نَوْعَانِ ضَمَانُ جَبْرٍ وَهُوَ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَضَمَانُ الشَّرْطِ وَهُوَ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ كِلَاهُمَا لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ الْمَالِكِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ جِنَايَةً فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً كَالْوَدِيعَةِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ قُلْت وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ خِلَافُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِسَنَدِهِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُضَمِّنُ الْقَصَّارَ وَلَا الصَّائِغَ وَلَا الْحَائِكَ وَرَفَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا ضَمَانَ عَلَى قَصَّارٍ وَلَا صَبَّاغٍ وَلَا وَشَّاءٍ } فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ الضَّمَانُ كَانَ مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ شُرَيْحًا لَمْ يُضَمِّنْ أَجِيرًا قَطُّ قِيلَ وَكَانَ حُكْمُ شُرَيْحٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ ( وَاتُّفِقَ فِيمَا لَا يُدْرِكُ رَأْيًا كَتَقْدِيرِ أَقَلِّ الْحَيْضِ ) بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ( بِمَا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَنَسٍ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَذَا فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا يُفِيدُ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَمَّا عَنْ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهَا الْكَرْخِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ قُلْت وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ بِالْمَرْفُوعِ فِي ذَلِكَ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَابْنِ عَدِيٍّ مِنْ

حَدِيثِ أَنَسٍ وَمُعَاذٍ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَإِنْ كَانَ فِي طُرُقِهَا ضَعْفٌ فَإِنَّ تَعَدُّدَهَا يَرْفَعُهَا إلَى دَرَجَةِ الْحُسْنِ وَهُوَ صَنِيعُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ ثُمَّ فِي حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَاللَّيْلَتَانِ اللَّتَانِ تَتَخَلَّلَانِهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ ( وَفَسَادُ بَيْعِ مَا اشْتَرَى قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ ) لِأُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لَمَّا قَالَتْ لَهَا إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ غُلَامًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا أَبْلِغِي زَيْدًا أَنْ قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ تَتُوبَ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَ مَا شَرَيْت رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ( لِمَا تَقَدَّمَ ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ رَأْيًا ( لِأَنَّ الْأَجْزِيَةَ ) عَلَى الْأَعْمَالِ إنَّمَا تُعْلَمُ ( بِالسَّمْعِ ) فَيَكُونُ لِهَذَا حُكْمُ الرَّفْعِ ( لِلنَّافِي ) إلْحَاقُ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ بِالسُّنَّةِ ( يَمْتَنِعُ تَقْلِيدُ ) الصَّحَابِيِّ ( الْمُجْتَهِدِ ) غَيْرَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الصَّحَابِيُّ ( كَغَيْرِهِ ) مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي احْتِمَالِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأَ لِانْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ فَيَمْتَنِعُ تَقْلِيدُهُ ( الْمُوجِبُ ) لِتَقْلِيدِهِ ( مَنْعُ ) الْمُقَدِّمَةِ ( الثَّانِيَةِ ) وَهِيَ كَوْنُ الصَّحَابِيِّ الْمُجْتَهِدِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي احْتِمَالِ اجْتِهَادِهِ الْخَطَأَ ( بَلْ يَقْوَى فِيهِ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ ( احْتِمَالُ السَّمَاعِ ) وَالظَّاهِرُ الْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ إفْتَاؤُهُ بِالْخَبَرِ لَا بِالرَّأْيِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الْقُرَنَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ عَادَتِهِمْ سُكُوتُهُمْ عَنْ الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْفَتْوَى إذَا كَانَ عِنْدَهُمْ خَبَرٌ يُوَافِقُ فَتْوَاهُمْ لِأَنَّ

الْوَاجِبَ عِنْدَ السُّؤَالِ بَيَانُ الْحُكْمِ لَا غَيْرُ ( وَلَوْ انْتَفَى ) السَّمَاعُ ( فَإِصَابَتُهُ ) الْحَقَّ ( أَقْرَبُ ) مِنْ غَيْرِهِ ( لِبَرَكَةِ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَتِهِمْ الْأَحْوَالَ الْمُسْتَنْزِلَةَ لِلنُّصُوصِ وَالْمَحَالَّ الَّتِي لَا تَتَغَيَّرُ ) الْأَحْكَامُ ( بِاعْتِبَارِهَا ) وَلَهُمْ زِيَادَةُ جِدٍّ وَحِرْصٍ فِي بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِمَا هُوَ سَبَبُ قِوَامِ الدِّينِ وَالِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِ الْأَحَادِيثِ وَضَبْطِهَا وَالتَّأَمُّلِ فِيمَا لَا نَصَّ عِنْدَهُمْ فِيهِ ( بِخِلَافِ غَيْرِهِ ) أَيْ الصَّحَابِيِّ قُلْت وَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَمْنَعَ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى أَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَتَرْكُ رَأْيِهِ لِقَوْلِهِ وَإِنْ شَاءَ أَمْضَى اجْتِهَادَ نَفْسِهِ ا هـ وَالْمَسْأَلَةُ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْمَقَالَةِ الثَّانِيَةِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا ثَمَّةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( فَصَارَ ) قَوْلُ الصَّحَابِيِّ ( كَالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَقَدْ يُفِيدُهُ عُمُومُ ) قَوْله تَعَالَى { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } مَدَحَ الصَّحَابَةَ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ التَّابِعُونَ الْمَدْحَ عَلَى اتِّبَاعِهِمْ بِإِحْسَانٍ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِهِمْ لَا إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا بِاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ فِي قَوْلٍ وُجِدَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ فَأَمَّا الَّذِي فِيهِ اخْتِلَافٌ فَلَا يَكُونُ مَوْضِعَ اسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ بِاتِّبَاعِ الْبَعْضِ يَسْتَحِقُّ الذَّمَّ بِتَرْكِ اتِّبَاعِ الْبَعْضِ فَوَقَعَ التَّعَارُضُ فَكَانَ النَّصُّ دَلِيلًا عَلَى وُجُوبِ تَقْلِيدِهِمْ إذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ ( وَالظَّاهِرُ ) مِنْ الْمَذْهَبِ ( فِي )

التَّابِعِيِّ ( الْمُجْتَهِدِ فِي عَصْرِهِمْ ) أَيْ الصَّحَابَةِ ( كَابْنِ الْمُسَيِّبِ ) وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ ( الْمَنْعُ ) مِنْ تَقْلِيدِهِ ( لِفَوْتِ الْمَنَاطِ الْمُسَاوِي ) لِلْمَنَاطِ فِي وُجُوبِ التَّقْلِيدِ لِلصَّحَابِيِّ وَهُوَ بَرَكَةُ الصُّحْبَةِ وَمُشَاهَدَةُ الْأُمُورِ الْمُثِيرَةِ لِلنُّصُوصِ وَالْمُفِيدَةِ لِإِطْلَاقِهَا حَتَّى ذَكَرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اجْتَمَعَتْ الصَّحَابَةُ سَلَّمْنَا لَهُمْ وَإِذَا جَاءَ التَّابِعُونَ زَاحَمْنَاهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَا أُقَلِّدُهُمْ هُمْ رِجَالٌ اجْتَهَدُوا وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ ( وَفِي النَّوَادِرِ نَعَمْ كَالصَّحَابِيِّ ) وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ ( وَالِاسْتِدْلَالُ ) لِذَلِكَ ( بِأَنَّهُمْ ) أَيْ الصَّحَابَةَ ( لَمَّا سَوَّغُوا لَهُ ) أَيْ لِلتَّابِعِيِّ الِاجْتِهَادَ وَزَاحَمَهُمْ فِي الْفَتْوَى ( صَارَ مِثْلَهُمْ ) فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ كَمَا فِي الصَّحَابِيِّ ( مَمْنُوعُ الْمُلَازَمَةِ لِأَنَّ التَّسْوِيغَ ) لِاجْتِهَادِهِ ( لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ ) أَيْ لِحُصُولِهَا لَهُ ( لَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْمَنَاطَ ) لِوُجُوبِ التَّقْلِيدِ ( فَبِرَدِّ شُرَيْحٍ الْحَسَنَ عَلَى عَلِيٍّ ) أَيْ فَالِاسْتِدْلَالُ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ مِنْ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَحَاكَمَ إلَى شُرَيْحٍ فَخَالَفَ عَلِيًّا فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْحَسَنِ لَهُ لِلْقَرَابَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ عَلِيٌّ ( يَقْبَلُ الِابْنَ ) أَيْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبِيهِ ( وَمُخَالَفَةِ مَسْرُوقٍ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي إيجَابِ مِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ فِي النَّذْرِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ إلَى شَاةٍ ) قَالُوا وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى قَوْلِ مَسْرُوقٍ بَعْدَ ثُبُوتِ كُلٍّ مِنْهُمَا ( لَا يُفِيدُ ) الْمَطْلُوبَ لِأَنَّ خِلَافَهُمَا وَتَقْرِيرَهُمَا لِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الِارْتِفَاعَ إلَى رُتْبَةِ الصَّحَابِيِّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ يَخُصُّهُ ( وَجَعَلَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْخِلَافَ ) فِي قَوْلِ التَّابِعِيِّ ( لَيْسَ إلَّا فِي أَنَّهُ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَلَا يَنْعَقِدُ )

إجْمَاعُهُمْ ( دُونَهُ أَوْ لَا ) يُعْتَدُّ بِهِ فِي إجْمَاعِهِمْ ( فَعِنْدَنَا نَعَمْ ) يُعْتَدُّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ وَقَالَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ قَوْلَ التَّابِعِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى وَجْهٍ يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ

وُجِدَ فِي نُسْخَةِ الْأَصْلِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ نُسْخَةِ الْمُؤَلِّفِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ شَارِحُ هَذَا الْكِتَابِ مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِطُولِ حَيَاتِهِ وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَجُودِهِ وَامْتِنَانِهِ خَتْمَ تَبْيِيضِ هَذَا السِّفْرِ الثَّانِي مِنْ التَّقْرِيرِ وَالتَّحْبِيرِ شَرْحَ كِتَابِ التَّحْرِيرِ عَلَى يَدَيْ مُؤَلِّفِهِ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ إلَى اللَّهِ ذِي الْفَضْلِ الْعَمِيمِ وَالْوَعْدِ الْوَفِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَهِرِ بِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ الْحَنَفِيِّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ بِالْمَدْرَسَةِ الْحَلَاوِيَّةِ النُّورِيَّةِ بِحَلَبِ الْمَحْرُوسَةِ لَا زَالَتْ رِبَاعُهَا بِالْبَرَكَاتِ وَالْفَضَائِلِ مَأْنُوسَهْ وَرَايَاتُ الْأَعْدَاءِ عَنْهَا مَنْكُوسَهْ أَصِيلَ يَوْمِ الْأَحَدِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ هِجْرَةً نَبَوِيَّةً عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، وَتَسْهِيلُ السَّبِيلِ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ فِي خَيْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَافِيَةٍ وَنِعَمٍ مِنْهُ ضَافِيَةٍ وَافِيَةٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْضَاهُ رَبُّنَا جَلَّ جَلَالُهُ وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا إنَّهُ سُبْحَانَهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرَمِ الْعَمِيمِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

( فَصْلٌ فِي التَّعَارُضِ ) وَأَشَارَ إلَى وَجْهِ ذِكْرِهِ بَعْدَ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِهِ ( وَغَالِبُهُ فِي الْآحَادِ ) وَ ( هُوَ ) أَيْ التَّعَارُضُ لُغَةً ( التَّمَانُعُ ) عَلَى سَبِيلِ التَّقَابُلِ تَقُولُ : عَرَضَ لِي كَذَا إذَا اسْتَقْبَلَكَ مَا يَمْنَعُك مِمَّا قَصَدْته ، وَمِنْهُ سُمِّيَ السَّحَابُ عَارِضًا ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ شُعَاعَ الشَّمْسِ وَحَرَارَتَهَا مِنْ الِاتِّصَالِ بِالْأَرْضِ ( وَفِي الِاصْطِلَاحِ اقْتِضَاءُ كُلٍّ مِنْ دَلِيلَيْنِ عَدَمُ مُقْتَضَى الْآخَرِ ) وَفِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( فَعَلَى مَا قِيلَ ) وَالْقَائِلُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَأَتْبَاعِهِ ( لَا يَتَحَقَّقُ ) التَّعَارُضُ ( إلَّا مَعَ الْوَحَدَاتِ ) الثَّمَانِ وَحِدَةُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْإِضَافَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْفِعْلِ وَالشَّرْطِ وَقِيلَ التِّسْعُ وَالتَّاسِعَةُ وَحِدَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا عُرِفَ فِي الْمَنْطِقِ وَرُدَّتْ إلَى الْإِضَافَةِ وَالْجَمِيعُ إلَى وَحْدَتَيْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَبِهِ وَإِلَى وَحْدَةِ النِّسْبَةِ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْمَنْطِقِ أَيْضًا فَالتَّعَارُضُ ( لَا يَتَحَقَّقُ فِي ) الْأَحْكَامِ ( الشَّرْعِيَّةِ لِلتَّنَاقُضِ ) حِينَئِذٍ وَالشَّارِعُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ لِكَوْنِهِ أَمَارَةَ الْعَجْزِ ( وَمَتَى تَعَارَضَا ) أَيْ الدَّلِيلَانِ ( فَيُرَجَّحُ ) أَحَدُهُمَا إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ لَهُ ( أَوْ يُجْمَعُ ) بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُحْمَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَحْمَلٍ بِطَرِيقَةٍ يَتَحَقَّقُ ( مَعْنَاهُ ) أَيْ التَّعَارُضِ ( ظَاهِرًا ) أَيْ يَكُونُ التَّعَارُضُ الْمَذْكُورُ ظَاهِرَ اقْتِضَاءِ الدَّلِيلَيْنِ ( لِجَهْلِنَا ) بِالْمُتَقَدِّمِ مِنْهُمَا ( لَا ) حَقِيقَتِهِ ( فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْبَدِيعِ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ هَذَا هُوَ ( الْحَقُّ ) فَيُفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ( فَلَا تُعْتَبَرُ ) الْوَحَدَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْمُبَوَّبَ لَهُ صُورَةُ الْمُعَارَضَةِ لَا حَقِيقَتُهَا لِاسْتِحَالَتِهَا عَلَى الشَّارِعِ فَلَا مَعْنَى

لِتَقْيِيدِهَا بِتَحَقُّقِ الْوَحَدَاتِ ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ الْمُعَارَضَةُ الْمُمْتَنِعَةُ وَالْكَلَامُ فِي إعْطَاءِ أَحْكَامِ الْمُعَارَضَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الشَّرْعِ وَهِيَ مَا تَكُونُ صُورَةً فَقَطْ مَعَ الْحُكْمِ بِانْتِفَائِهَا حَقِيقَةً .

وَقَوْلُهُ أَيْضًا ( وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا ) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ ( قُوَّةً ) لَا كَمَا قِيلَ يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ الْأَضْعَفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَقْوَى فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا تَمَاثُلَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى التَّعَارُضِ حَقِيقَةً .

وَقَوْلُهُ أَيْضًا ( وَيَثْبُتُ ) التَّعَارُضُ ( فِي ) دَلِيلَيْنِ ( قَطْعِيَّيْنِ وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ التَّعَارُضُ فِي قَطْعِيَّيْنِ ( مَحْمَلَانِ ) لَهُمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ ( أَوْ نَسْخُ أَحَدِهِمَا ) بِمُعَارَضَةِ الْآخَرِ إنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ ( فَمَنَعَهُ ) أَيْ التَّعَارُضُ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْقَطْعِيَّيْنِ ( وَإِجَازَتُهُ فِي الظَّنَّيْنِ ) كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَعَلَّلَهُ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ لَا يُعْمَلُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ فِي طَرَفِ النَّفْيِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهُوَ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ ( تَحَكُّمٌ ) لِجَرَيَانِ هَذَا التَّعْلِيلِ بِعَيْنِهِ فِي الظَّنِّيَّيْنِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي صُورَةِ التَّعَارُضِ لَا فِي تَحَقُّقِهِ فِي الْوَاقِعِ وَهِيَ كَمَا تُوجَدُ فِي الظَّنِّيَّيْنِ تُوجَدُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ وَفِي الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ ( وَالرُّجْحَانُ ) لِأَحَدِ الْمُتَعَارِضَيْنِ الْقَطْعِيَّيْنِ أَوْ الظَّنِّيَّيْنِ إنَّمَا هُوَ ( بِتَابِعٍ ) أَيْ بِوَصْفٍ تَابِعٍ لِذَلِكَ الرَّاجِحِ كَمَا فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَدْلٌ فَقِيهٌ مَعَ خَبَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَدْلٌ غَيْرُ فَقِيهٍ ( مَعَ التَّمَاثُلِ ) أَيْ تَسَاوِيهِمَا فِي الْقَطْعِ وَالظَّنِّ لَا بِمَا هُوَ غَيْرُ تَابِعٍ ( وَمِنْهُ ) أَيْ التَّمَاثُلُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ فِي الثُّبُوتِ السُّنَّةُ ( الْمَشْهُورَةُ مَعَ الْكِتَابِ حُكْمًا ) أَيْ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ تَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَتَخْصِيصِ عُمُومِهِ وَجَوَازِ نَسْخِهِ بِهَا وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْجَصَّاصِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُمَاثِلُهُ مِنْ حَيْثُ إكْفَارِ جَاحِدِهِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا سَلَفَ فِي مَوْضِعِهِ ( فَلَا يُقَالُ النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَى الْقِيَاسِ ) ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ النَّصِّ عَلَى الْقِيَاسِ بِوَصْفٍ غَيْرِ تَابِعٍ فَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا أَوَّلًا ( بِخِلَافِ عَارِضِهِ ) أَيْ الْقِيَاسِ النَّصِّ ( فَقَدَّمَ ) النَّصَّ

عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ صُورَةُ التَّعَارُضِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَحَقُّقُ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( إذْ حُكْمُهُ ) أَيْ التَّعَارُضِ صُورَةً ( النَّسْخُ إنْ عُلِمَ الْمُتَأَخِّرُ ) فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَأَخِّرُ ( فَ ) الْحُكْمُ ( التَّرْجِيحُ ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِطَرِيقِهِ إنْ أَمْكَنَ ( ثُمَّ الْجَمْعُ ) بَيْنَهُمَا إنْ أَمْكَنَ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ؛ لِأَنَّ إعْمَالَ كِلَيْهِمَا فِي الْجُمْلَةِ حِينَئِذٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ كِلَيْهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُتَقَدِّمُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا وَلَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( تُرِكَا ) أَيْ الْمُتَعَارِضَانِ ( إلَى مَا دُونَهُمَا ) مِنْ الْأَدِلَّةِ ( عَلَى التَّرْتِيبِ إنْ كَانَ ) أَيْ وُجِدَ مَا دُونَهُمَا بِأَنْ كَانَ التَّعَارُضُ بَيْنَ آيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا يُتْرَكَانِ إلَى السُّنَّةِ إنْ كَانَتْ وَلَمْ تَكُنْ مُتَعَارِضَةً فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ وُجِدَتْ لَكِنْ مُتَعَارِضَةً فَفَخْرُ الْإِسْلَامِ تَرَكَهَا إلَى الْقِيَاسِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُفْصِحْ بِمَا يُصَارُ إلَيْهِ أَوَّلًا مِنْهُمَا وَلَفْظُ السَّرَخْسِيِّ يُصَارُ إلَى مَا بَعْدَ السُّنَّةِ فِيمَا يَكُونُ حُجَّةً فِي حُكْمِ الْحَادِثَةِ وَذَلِكَ الْحُكْمُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ أَوْ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ فَقِيلَ فِي الْأَوَّلِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ وَفِي الثَّانِي إشَارَةٌ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْعِنَايَةِ وَفِي التَّقْوِيمِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ السُّنَّتَيْنِ فَالْمَيْلُ إلَى قَوْلِ الصَّحَابِيِّ ثُمَّ إلَى الرَّاوِي انْتَهَى .
وَعَلَيْهِ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا سَتَرَى ثُمَّ ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِيمَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ أَمَّا فِيمَا لَا يُدْرَكُ ، فَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ اتِّفَاقًا ثُمَّ إنَّمَا يَتَسَاقَطُ الْمُتَعَارِضَانِ حَيْثُ لَا تَرْجِيحَ وَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ إلَى مَا دُونَهُمَا حَيْثُ وُجِدَ

لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِمَا لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا وَبِأَحَدِهِمَا عَيْنًا لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ ثُمَّ لَا ضَرُورَةَ فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا أَيْضًا لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مَا دُونَهُمَا فَلَا يَقَعُ الْعَمَلُ بِمَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ ثُمَّ إنَّمَا يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا دُونَهُمَا حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ الْتَحَقَتْ بِمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ فِيهَا ائْتَزَرْتُ الدَّلِيلَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ يُتَعَرَّفُ بِهِ حُكْمُ الْحَادِثَةِ .

( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يُوجَدْ دُونَ الْمُتَعَارِضَيْنِ دَلِيلٌ آخَرُ يُعْمَلُ بِهِ أَوْ وُجِدَ التَّعَارُضُ فِي الْجَمِيعِ ( قُرِّرَتْ الْأُصُولُ ) أَيْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَارَضِينَ ( أَمَّا ) فِي التَّعَارُضِ ( فِي الْقِيَاسَيْنِ ) إذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى الْعَمَلِ ( فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ قَلْبُهُ ) أَيْ أَدَّى تَحَرِّي الْمُجْتَهِدِ إلَيْهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عَلَيْهِ ( إنْ ) طَلَبَ التَّرْجِيحَ وَظَهَرَ لَهُ أَنْ ( لَا تَرْجِيحَ ) وَلَا يَسْقُطَانِ لِأَدَاءِ تَسَاقُطِهِمَا إلَى الْعَمَلِ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَعْدَ الْقِيَاسِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ الَّذِي هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَالْعَمَلُ بِلَا دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَاطِلٌ وَكُلٌّ مِنْ الْقِيَاسَيْنِ حُجَّةٌ فِي الْعَمَلِ بِهِ لِوَضْعِ الشَّارِعِ إيَّاهُ لِلْعَمَلِ بِهِ لَا فِي إصَابَةِ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ فَمِنْ حَيْثُ الْأَوَّلُ وَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْخِيَارُ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ كَمَا فِي الْكَفَّارَاتِ وَمِنْ حَيْثُ الثَّانِي وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَا كَمَا فِي النَّصَّيْنِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا خَطَأٌ وَهُوَ لَا يَدْرِي فَوَجَبَ الْعَمَلُ مِنْ وَجْهٍ وَسَقَطَ مِنْ وَجْهٍ فَقُلْنَا يُحَكِّمُ رَأْيَهُ وَيَعْمَلُ بِشَهَادَةِ قَلْبِهِ ؛ لِأَنَّ لِقَلْبِ الْمُؤْمِنَ نُورًا يُدْرِكُ بِهِ مَا هُوَ بَاطِنٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ إذَا عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا بِالتَّحَرِّي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْآخَرِ لِصَيْرُورَةِ الَّذِي عَمِلَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَالْآخَرِ خَطَأً فِي الظَّاهِرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ فَوْقَ التَّحَرِّي كَأَنْ يَتَبَيَّنَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ لِظُهُورِ خَطَئِهِ حِينَئِذٍ حَيْثُ اجْتَهَدَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ تَقَعْ حَاجَةٌ إلَى الْعَمَلِ يُتَوَقَّفُ فِيهِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ وَلِهَذَا صَارَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ

قَوْلَانِ وَأَقْوَالٌ وَأَمَّا الرِّوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّمَا كَانَتَا فِي وَقْتَيْنِ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى لَا ، وَلَكِنْ لَمْ تُعْرَفْ الْأَخِيرَةُ مِنْهُمَا وَدُفِعَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسَيْنِ جَمِيعًا بِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ كَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَمَلِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ( وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّينَ بَعْدَ السُّنَّةِ قَبْلَ الْقِيَاسِ كَالْقِيَاسَيْنِ فَلَا يُصَارُ عَنْهُمَا إلَى الْقِيَاسِ ) أَيْ قَوْلُهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ الرَّأْيُ أَوْ لَا فَفِيمَا يُمْكِنُ حَمْلُ تَعَارُضِهِمَا أَنْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِطَرِيقَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُرَجِّحٌ عَمِلَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَلَا يُصَارُ إلَى الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ حِينَئِذٍ عَنْ رَأْيٍ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَتَحَاجُّوا بِالسَّمْعِ ظَهَرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا عَنْ اخْتِلَافِ رَأْيٍ وَلَا رَأْيَ فِي الشَّرْعِ إلَّا الْقِيَاسُ فَصَارَ قَوْلَاهُمَا كَقِيَاسَيْنِ تَعَارَضَا وَلَا مُرَجِّحَ وَفِي ذَلِكَ يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قِيلَ جَازَ أَنَّا لَوْ صِرْنَا إلَى الْقِيَاسِ ظَهَرَ لَنَا قِيَاسٌ آخَرُ غَيْرُهُمَا قُلْنَا قَدَّمْنَا أَنَّ اجْتِهَادَ الصَّحَابِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ فَهُوَ كَالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُرَجِّحِ فَالْقِيَاسُ الثَّالِثُ مَحْكُومٌ بِمَرْجُوحِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَاسَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوْلَاهُمَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ أَصْلًا وَأَيْضًا يَكُونُ الْحَاصِلُ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قَوْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ ثَالِثٍ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَصِيرِ إلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَلَا مُرَجِّحَ غَيْرَ وَاقِعٍ بَلْ الْوَاقِعُ الْإِطْلَاقَاتُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يُصَارُ فِي مُعَارَضَتِهِمَا إلَى الْقِيَاسِ بَلْ يَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
( وَالْجَمْعُ فِي الْعَامَيْنِ بِحَمْلِ كُلٍّ عَلَى بَعْضٍ ) كَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ لَا تَقْتُلُوا

الْمُشْرِكِينَ وَلَا مُرَجِّحَ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْحَرْبِيِّينَ وَالثَّانِي عَلَى الذِّمِّيِّينَ ( أَوْ ) عَلَى ( الْقَيْدِ ) أَيْ عَلَى قَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْآخَرِ كَإِذَا لَمْ يَكُونُوا ذِمَّةً فِي الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانُوا ذِمَّةً فِي الثَّانِي ( وَكَذَا ) الْجَمْعُ ( فِي الْخَاصِّينَ ) يُحْمَلُ كُلٌّ عَلَى قَيْدٍ غَيْرِ قَيْدِ الْآخَرِ ( أَوْ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمَجَازِ ) وَالْآخَرُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ( وَفِي الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَلَا مُرَجِّحَ لِلْعَامِّ ) عَلَى الْخَاصِّ مَوْجُودٌ ( كَإِخْرَاجٍ مِنْ تَحْرِيمٍ ، وَلَا الْخَاصِّ ) أَيْ وَلَا مُرَجِّحَ لَهُ عَلَى الْعَامِّ مَوْجُودٌ ( كَمِنْ إبَاحَةٍ ) أَيْ إخْرَاجٍ مِنْهَا ( فَبِالْخَاصِّ ) أَيْ فَالْعَمَلُ بِهِ ( فِي مَحَلِّهِ ) أَيْ الْخَاصِّ نَفْسِهِ ( وَالْعَامِّ ) أَيْ وَالْعَمَلُ بِهِ ( فِيمَا سِوَاهُ ) أَيْ سِوَى مَحَلِّ الْخَاصِّ ( فَيَتَّحِدُ الْحَاصِلُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ( وَمِنْ تَخْصِيصِ الْعَامِّ بِهِ ) أَيْ بِالْخَاصِّ ( مَعَ اخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَعَلَى الْحَنَفِيَّةِ حَمْلٌ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ إذَا تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ وَمَعْرِفَةُ التَّأَخُّرِ لِيَنْسَخَ الْآخَرُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا لَوْ وُجِدَ مُرَجِّحٌ لِلْعَامِّ فَقَطْ قُدِّمَ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ لِلْخَاصِّ فَقَدْ قُدِّمَ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ مِنْ الْعَامِّ ( وَقَدْ يُخَالُ ) أَيْ يُظَنُّ ( تَقَدُّمَ الْجَمْعِ ) بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ عَلَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ( لِقَوْلِهِمْ الْإِعْمَالُ أَوْلَى مِنْ الْإِهْمَالِ وَهُوَ ) أَيْ الْإِعْمَالُ ( فِي الْجَمْعِ ) بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ كَمَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ لَا فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْآخَرِ ( لَكِنَّ الِاسْتِقْرَاءَ خِلَافُهُ ) أَيْ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ اطِّرَادِ تَقَدُّمِ الْجَمْعِ عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا فَقَدْ ( قَدَّمَ عَامِّ { اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ } ( عَلَى ) خَاصِّ ( شُرْبِ الْعُرَنِيِّينَ أَبْوَالَ الْإِبِلِ ) الْمُفْصِحِ بِهِ حَدِيثُهُمْ

وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثَيْنِ فِي آخِرِ الْبَحْثِ الرَّابِعِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ ( لِمُرَجِّحِ التَّحْرِيمِ ) لِشُرْبِ أَبْوَالٍ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( مَعَ إمْكَانِ حَمْلِهِ ) أَيْ عَامِّ { اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ } ( عَلَى ) مَا ( سِوَى ) بَوْلِ ( مَا يُؤْكَلُ ) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُبِيحُهُ مُطْلَقًا كَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَوْ لِلتَّدَاوِي فَقَطْ كَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( وَعَامٍّ مَا سَقَتْ ) أَيْ { فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ } ( عَلَى خَاصِّ الْأَوْسُقِ ) أَيْ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ } وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الْحَدِيثَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ تَخْصِيصِ السُّنَّةِ بِالسُّنَّةِ ( لِمُرَجِّحِ الْوُجُوبِ ) لِلْعُشْرِ فِي كُلِّ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ أَوْ سُقِيَ سَيْحًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ ( مَعَ إمْكَانِ نَحْوِهِ ) أَيْ حَمْلِ مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ عَلَى مَا كَانَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُمَا ( وَكَيْفَ ) يُقَدِّمُ الْجَمْعَ مُطْلَقًا عَلَى اعْتِبَارِ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا ( وَفِي تَقْدِيمِهِ ) أَيْ الْجَمْعِ مُطْلَقًا عَلَيْهِ ( مُخَالَفَةُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُقُولُ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَرْجُوحِ عَلَى الرَّاجِحِ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْمُخَالَفَةِ لَا لِمَا أَطْبَقَ وَإِلَّا لَكَانَ الْوَجْهُ الْقَلْبُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ هُوَ الْأَوْلَى ( وَتَأْوِيلُ ) أَخْبَارِ ( الْآحَادِ ) الْمُعَارِضَةِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ ( عِنْدَ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ ) عَلَيْهَا ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ ظَاهِرًا ( بَلْ اسْتِحْسَانٌ حُكْمًا لِلتَّقْدِيمِ ) لِلْكِتَابِ عَلَيْهَا ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( تَقْدِيمُ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ تَعَارُضًا فِيمَا وَرَاءَ الْأَرْبَعِ ) مِنْ النِّسَاءِ بِمِلْكِ النِّكَاحِ لِلْأَحْرَارِ ( أَيْ ) قَوْله تَعَالَى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي حِلِّ الْأَكْثَرِ مِنْ الْأَرْبَعِ ( وَمَثْنَى إلَخْ ) أَيْ قَوْله تَعَالَى { فَانْكِحُوا مَا

طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى قَصْرِ الْحِلِّ عَلَى الْأَرْبَعِ ( فَيُرَجَّحُ النَّصُّ ) عَلَى الظَّاهِرِ ( وَيُحْمَلُ الظَّاهِرُ عَلَيْهِ ) أَيْ النَّصِّ ( اتِّفَاقٌ مِنْهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ نَفْيِ الْجَمْعِ بَعْدَ التَّرْجِيحِ وَعَلَى تَأْوِيلِ الْمَرْجُوحِ بَعْدَ تَقْدِيمِ الرَّاجِحِ بِحَمْلِهِ عَلَى مَعْنَى الرَّاجِحِ وَلَيْسَ هَذَا جَمْعًا فَإِنَّ الْجَمْعَ أَنْ يُحْمَلَ كُلٌّ عَلَى بَعْضٍ ، وَفِيهِ عَدَمُ إعْمَالِ الرَّاجِحِ فِي جَمِيعِ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ بَلْ أَعْمَلَ الرَّاجِحَ وَهُوَ النَّصُّ فِي كُلِّ مَعْنَاهُ وَهُوَ قَصْرُ الْحِلِّ عَلَى الْأَرْبَعِ ثُمَّ حَمَلَ الْمَرْجُوحَ وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى هَذَا بِعَيْنِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَوْ خَالَفُوا ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الْأَصْلَ ( كَغَيْرِهِمْ ) وَجَعَلُوا الْجَمْعَ قَبْلَ التَّرْجِيحِ حَتَّى يُصَارَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا رَاجِحٌ أَوْ عُرِفَ تَأَخُّرَهُ ( مَنَعْنَاهُ ) ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُصُولَ لَيْسَتْ إلَّا مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْعُقُولِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُبْدِيَ وَجْهًا عَقْلِيًّا وَيَعْمَلَ بِهِ وَيَدْفَعَ غَيْرَهُ إنْ أَمْكَنَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُمْ الْإِعْمَالُ أَوْلَى إلَخْ إنْ أُرِيدَ مَعَ الْمَرْجُوحِيَّةِ مَنَعْنَاهُ ؛ لِأَنَّهُ نَقْضُ الْأُصُولِ وَمُكَابَرَةُ الْعُقُولِ وَإِنْ أُرِيدَ عِنْدَ عَدِّهِمْ الرُّجْحَانَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَصِيرِ إلَى مَا دُونَهُمَا فَنَعَمْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا وَاَلَّذِي فِي الْمِيزَانِ الْمُخَلِّصُ مِنْ التَّعَارُضِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا يَرْجِعُ إلَى الرُّكْنِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مُمَاثَلَةٌ كَنَصِّ الْكِتَابِ وَخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مَعَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ أَوْ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ الْقِيَاسِ ؛ لِأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّةَ نَصٌّ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَة وَالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِهِ ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ مِنْ الْآحَادِ أَوْ لِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ رُجْحَانٌ عَلَى الْآخَرِ وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ

التَّرْجِيحِ ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمُتَيَقَّنِ بِخِلَافِهِ ، وَلَا عِبْرَةَ لِلْمُرَجَّحِ بِمُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ وَلَكِنْ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بَيْنَ خَبَرَيْ الْوَاحِدِ وَبَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الظَّنَّ أَوْ عِلْمَ غَالِبِ الرَّأْيِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ التَّزَايُدَ مِنْ حَيْثُ الْقُوَّةُ بِوُجُوهِ التَّرْجِيحِ فَأَمَّا بَيْنَ النَّصَّيْنِ كِتَابًا وَسُنَّةً مُتَوَاتِرَةً فِي حَقِّ الثُّبُوتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرْجِيحُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِثُبُوتِهَا قَطْعِيٌّ .
وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ لَا يَحْتَمِلُ التَّزَايُدَ فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهُ مِنْ حَيْثُ الْجَلَاءُ وَالظُّهُورُ ، إلَّا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي مُوجِبَيْهِمَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْكَمًا وَالْآخَرُ فِيهِ احْتِمَالٌ فَالْمُحْكَمُ أَوْلَى وَثَانِيهِمَا مَا يَرْجِعُ إلَى الشَّرْطِ بِأَنْ لَا يَثْبُتَ التَّنَافِي بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ وَيُتَصَوَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَالْحَالِّ وَالْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَاخْتِلَافِ الزَّمَانِ حَقِيقَةً أَوْ دَلَالَةً وَبَيَانُهُ أَنَّ النَّصَّيْنِ إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا خَاصًّا وَالْآخَرُ عَامًّا فَأَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ فَفِي الْخَاصَّيْنِ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى قَيْدٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مَجَازٍ مَا أَمْكَنَ وَفِي الْعَامَّيْنِ مِنْ وَجْهٍ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهٍ يَتَحَقَّقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَفِي الْعَامَّيْنِ لَفْظًا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى بَعْضٍ وَالْآخَرُ عَلَى بَعْضٍ آخَرَ أَوْ عَلَى الْقَيْدِ وَالْإِطْلَاقِ ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ بِأَنْ كَانَ الْمُكَلَّفُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ أَوْ مِنْ الِاعْتِقَادِ لَا غَيْرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِالطَّرِيقَيْنِ بِالتَّنَاسُخِ وَالتَّخْصِيصِ وَالتَّقْيِيدِ وَالْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ فِي الْعَامَّيْنِ وَالْخَاصَّيْنِ فَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ

الْعَمَلُ بِطَرِيقِ التَّخْصِيصِ ، وَالْبَيَانِ أَوْلَى وَالْمُعْتَزِلَةُ بِالتَّنَاسُخِ أَوْلَى وَمَشَايِخُنَا وَاخْتِيَارُ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ يَنْظُرُ إلَى عَمَلِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى التَّنَاسُخِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى التَّخْصِيصِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عَمَلُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ اسْتَوَى عَمَلُهُمْ فِيهِ بِأَنْ عَمِلَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْبَعْضُ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ فَيَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ فَيَعْمَلُ بِالْوَجْهِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا خَاصًّا وَالْآخَرُ عَامًّا فَإِنْ عُرِفَ تَارِيخُهُمَا وَبَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصِحُّ فِيهِ التَّنَاسُخُ فَإِنْ كَانَ الْخَاصُّ سَابِقًا وَالْعَامُّ مُتَأَخِّرًا نُسِخَ الْخَاصُّ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَامُّ سَابِقًا وَالْخَاصُّ مُتَأَخِّرًا نُسِخَ الْعَامُّ بِقَدْرِ الْخَاصِّ وَيَبْقَى الْبَاقِي وَإِنْ وَرَدَا مَعًا وَكَانَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ النَّسْخُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْعَامِّ مَا وَرَاءَ الْمَخْصُوصِ وَهَذَا قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ دِيَارِنَا وَقَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ فِي الْفَصْلَيْنِ حَتَّى إنَّ الْخَاصَّ السَّابِقَ يَكُونُ مُبَيِّنًا لِلْعَامِّ اللَّاحِقِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْعَامِّ مَا وَرَاءَ قَدْرِ الْمَخْصُوصِ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ .
وَعَلَى قَوْلِ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ الْجَوَابُ فِيهِ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ فَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ يَصْلُحُ فِيهِ التَّنَاسُخُ قَالُوا يُتَوَقَّفُ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ وَيُعْمَلُ بِالنَّصِّ الْعَامِّ بِعُمُومِهِ وَلَا يُبْنَى عَلَى الْخَاصِّ ، وَتَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ .

( وَمِنْهُ ) أَيْ التَّعَارُضِ صُورَةً فِي الْكِتَابِ وَالتَّعَارُضُ ( مَا ) أَيْ الَّذِي ( بَيْنَ قِرَاءَتَيْ آيَةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْجَرِّ ) لِابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَمْزَةَ ( وَالنَّصْبِ ) لِلْبَاقِينَ ( فِي أَرْجُلِكُمْ ) مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ } ( الْمُقْتَضِيَتَيْنِ مَسْحَهُمَا ) أَيْ الرِّجْلَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِرَاءَةِ الْجَرِّ ( وَغَسْلَهُمَا ) كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قِرَاءَةِ النَّصْبِ ( فَيُتَخَلَّصُ ) مِنْ هَذَا التَّعَارُضِ ( بِأَنَّهُ تُجُوِّزَ بِمَسْحِهِمَا ) الْمُفَادُ بِ وَامْسَحُوا الْمُقَدَّرِ الدَّالِ عَلَيْهِ الْوَاوُ ( عَنْ الْغَسْلِ ) مُشَاكَلَةً كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ قَالُوا اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَك طَبْخَهُ قُلْت اُطْبُخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصًا فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ ( وَالْعَطْفُ فِيهِمَا ) أَيْ الْقِرَاءَتَيْنِ ( عَلَى رُءُوسِكُمْ ) وَلَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّحْذِيرُ مِنْ الْإِسْرَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذْ غَسْلُهُمَا مَظِنَّةٌ لَهُ لِكَوْنِهِ يُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهِمَا فَعُطِفَتْ عَلَى الْمَمْسُوحِ لَا لِتُمْسَحَ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الِاقْتِصَادِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ وَإِنَّمَا قُلْنَا تُجُوِّزَ بِمَسْحِهِمَا عَنْ غَسْلِهِمَا ( لِتَوَاتُرِ الْغَسْلِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لَهُمَا إذْ قَدْ ( أَطْبَقَ مَنْ حَكَى وُضُوءَهُ ) مِنْ الصَّحَابَةِ ( وَيَقْرُبُونَ مِنْ ثَلَاثِينَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى غَسْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجْلَيْهِ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ .
وَقَدْ أَسْعَفَ الْمُصَنِّفُ بِذِكْرِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنْهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَلِيٌّ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَعَائِشَةُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُغِيرَةُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ رَوَاهُ السِّتَّةُ وَأَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو بَكْرٍ رَوَاهُ

الْبَزَّارُ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَنَفِيلُ بْنُ مَالِكٍ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَنَسٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو كَاهِلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِي كَرِبَ وَكَعْبُ بْنُ عَمْرو الْيَامِيُّ وَالرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَمِمَّنْ حَكَاهُ أَيْضًا زِيَادَةً عَلَى هَؤُلَاءِ عُمَرُ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمُعَاوِيَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو رَافِعٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَتَمِيمُ بْنُ غَزِيَّةُ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأُمُّ سَلَمَةَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَمَّارٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَبَلَغَتْ الْجُمْلَةُ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ ، وَبَابُ الزِّيَادَةِ مَفْتُوحٌ لِلْمُسْتَقْرِئِ .
ثُمَّ الْمُرَادُ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِي يَمْنَعُ الْعَقْلُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى نَقْلِ غَسْلِهِمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اتِّفَاقُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ هُمْ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ التَّابِعِينَ عَلَى نَقْلِ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا حَتَّى إلَيْنَا وَلَيْسَ مَعْنَى التَّوَاتُرِ إلَّا هَذَا ( وَتَوَارُثِهِ ) أَيْ وَلِتَوَارُثِ غَسْلِهِمَا ( مِنْ الصَّحَابَةِ ) أَيْ لِأَخْذِنَا غَسْلَهُمَا عَمَّنْ يَلِينَا وَهُمْ ذَلِكَ عَمَّنْ يَلِيهِمْ وَهَكَذَا إلَى الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَخَذُوهُ بِالضَّرُورَةِ عَنْ صَاحِبِ الْوَحْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُنْقَلَ فِيهِ نَصٌّ مُعَيَّنٌ .
ثُمَّ النَّسْخُ فِي الْمَسْحِ الْمُقَدَّرِ لَهُمَا فِي الْآيَةِ مُنْتَفٍ اتِّفَاقًا فَتَعَيَّنَ تَجَوُّزُهُ فِيهِمَا عَنْ الْغَسْلِ لِإِمْكَانِهِ وَإِلْجَاءِ الدَّلِيلِ إلَيْهِ ( وَانْفِصَالُ ابْنِ الْحَاجِبِ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ ) أَيْ عَنْ جَرِّ الْأَرْجُلِ بِالْمُجَاوَرَةِ لِقَوْلِهِ { بِرُءُوسِكُمْ }

( إذْ لَيْسَ ) الْجَرُّ بِهَا ( فَصِيحًا ) أَيْ قَالَ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ ( بِتَقَارُبِ الْفِعْلَيْنِ ) أَيْ امْسَحُوا وَاغْسِلُوا ( وَفِي مِثْلِهِ ) أَيْ تَقَارُبِ الْفِعْلَيْنِ ( تَحْذِفُ الْعَرَبُ ) الْفِعْلَ ( الثَّانِيَ وَتَعْطِفُ مُتَعَلِّقَهُ عَلَى مُتَعَلِّقِ ) الْفِعْلِ ( الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ ) أَيْ مُتَعَلِّقَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ ( مُتَعَلِّقُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ الثَّانِي كَقَوْلِهِمْ مُتَقَلِّدٌ سَيْفًا وَرُمْحًا وَعَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا إذْ الْأَصْلُ وَمُعْتَقِلًا رُمْحًا وَسَقَيْتُهَا مَاءً بَارِدًا فَحُذِفَا وَعُطِفَ مُتَعَلِّقُهُمَا عَلَى مُتَعَلِّقِ مَا قَبْلَهُمَا ، وَالْآيَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْ امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ فَحُذِفَ اغْسِلُوا وَعُطِفَ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ أَرْجُلَكُمْ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رُءُوسَكُمْ فَبَعُدَ الْإِغْضَاءُ عَنْ الْمُنَاقَشَةِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ وَلَا فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ بِوُقُوعِهِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } { وَحُورٍ عِينٍ } فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَفِي أَنَّهُ لَا حَذْفَ فِي النَّظِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَلْ ضَمَّنَ مُتَقَلِّدًا مَعْنَى حَامِلًا وَعَلَفْتهَا مَعْنَى أَنَلْتُهَا وَالْتَزَمَ عَلَى هَذَا صِحَّةَ عَلَفْتهَا مَاءً بَارِدًا وَتِبْنًا لَمَّا أُلْزِمَ بِهِ لِقَوْلِ طَرَفَةَ لَهَا سَبَبٌ تَرْعَى بِهِ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ ( غَلَطٌ ) مِنْهُ وَهُوَ خَبَرُ انْفِصَالٍ ( إذَا لَا يُفِيدُ ) هَذَا مِنْهُ مَا قَصَدَهُ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي الْقُرْآنِ ( إلَّا فِي اتِّحَادِ إعْرَابِهِمَا ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ إعْرَابُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَ فِي عَلَفْتُهَا وَسَقَيْتُهَا ( وَلَيْسَتْ الْآيَةُ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا اتَّحَدَ فِيهِ إعْرَابُ الْمُتَعَلِّقَيْنِ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بَلْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَا ذَكَرَ تَكُونُ الْأَرْجُلُ مَنْصُوبَةً ؛ لِأَنَّهَا مَعْمُولُ اغْسِلُوا لِمَحْذُوفٍ فَحِينَ تُرِكَ إلَى الْجَرِّ الَّذِي هُوَ الْمُشَاكِلُ لِإِعْرَابِ

الرُّءُوسِ ( فَلَا يَخْرُجُ ) جَرُّهَا ( عَنْ الْجِوَارِ ) بِجَرِّ رُءُوسِكُمْ فَمَا هَرَبَ مِنْهُ وَقَعَ فِيهِ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ وَمَا فِي التَّلْوِيحِ عِلَاوَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَوَّلًا ( فِي الْغُسْلِ الْمَسْحُ ) وَزِيَادَةٌ ( إذَا لَا إسَالَةَ ) وَهِيَ مَعْنَى الْغُسْلِ ( بِلَا إصَابَةٍ ) وَهِيَ مَعْنَى الْمَسْحِ ( فَيَنْتَظِمُهُ ) أَيْ الْغَسْلُ الْمَسْحَ ( غَلَطٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ ) ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنْتَظِمُهُ وَإِنَّمَا يَنْتَظِمُ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُطْلَقُ الْإِصَابَةِ وَهِيَ إنَّمَا تُسَمَّى مَسْحًا إذَا لَمْ يَحْصُلْ سَيَلَانٌ ( وَلَوْ جُعِلَ ) الْغَسْلُ ( فِيهِمَا ) أَيْ الرِّجْلَيْنِ بِالْعَطْفِ ( عَلَى وُجُوهِكُمْ ) فِي الْقِرَاءَتَيْنِ وَقَدْ كَانَ حَقُّهُ النَّصْبَ كَمَا هُوَ إحْدَاهُمَا لِكَوْنِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ ( وَالْجَرُّ ) لِأَرْجُلِكُمْ ( لِلْجِوَارِ ) لِرُءُوسِكُمْ ( عُورِضَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْجَرُّ ( فِيهِمَا ) بِالْعَطْفِ ( عَلَى رُءُوسِكُمْ وَالنَّصْبُ ) بِالْعَطْفِ ( عَلَى الْمَحَلِّ ) أَيْ مَحَلِّ رُءُوسِكُمْ كَمَا هُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ النُّحَاةِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ النَّصْبُ ( وَيَتَرَجَّحُ ) هَذَا ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَطْفَ عَلَى الْمَحَلِّ ( قِيَاسٌ ) مُطَّرِدٌ يَظْهَرُ فِي الْفَصِيحِ وَإِعْرَابٌ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَطْفِ عَلَى الْأَقْرَبِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الْفَصْلِ بِالْأَجْنَبِيِّ ( لَا الْجِوَارِ ) فَإِنَّهُ فِي الْعَطْفِ شَاذٌّ إذْ الْحَمْلُ عَلَى الشَّائِعِ الْمُطَّرِدِ حَيْثُ أَمْكَنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّاذِّ ( وَ ) مِنْهُ مَا بَيْنَ ( قِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ فِي يَطَّهَّرْنَ ) لِحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ وَعَاصِمٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } ( الْمَانِعَةِ ) مِنْ قُرْبَانِهِنَّ ( إلَى الْغُسْلِ وَالتَّخْفِيفُ ) فِيهِ لِلْبَاقِينَ الْمَانِعَةِ مِنْ قُرْبَانِهِنَّ ( إلَى الطُّهْرِ ) أَيْ الِانْقِطَاعِ ( فَيَحِلُّ ) قُرْبَانُهُنَّ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الِاغْتِسَالِ ( بِالْحِلِّ الَّذِي انْتَهَى .
مَا عَرَضَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ

فَتُحْمَلُ تِلْكَ ) أَيْ فَيُتَخَلَّصُ مِنْ هَذَا التَّعَارُضِ بِحَمْلِ قِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ ( عَلَى مَا دُونَ الْأَكْثَرِ ) مِنْ مُدَّةِ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ الْعَادَةُ لَهَا لِيَتَأَكَّدَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ لِتَوَهُّمِ مُعَاوَدَةِ الدَّمِ فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ تَارَةً وَيَدِرُّ أُخْرَى وَالْوَقْتُ صَالِحٌ لَهُ ( وَهَذِهِ ) أَيْ قِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ ؛ لِأَنَّهُ انْقِطَاعٌ بِيَقِينٍ ، وَحُرْمَةُ الْقُرْبَانِ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْحَيْضِ فَلَا يَجُوزُ تَرَاخِيهَا إلَى الِاغْتِسَالِ لِأَدَائِهَا إلَى جَعْلِ الطُّهْرِ حَيْضًا وَإِبْطَالِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ وَمَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ حَقِّ الْقُرْبَانِ بِدُونِ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا وَهُوَ الْأَذَى وَالْكُلُّ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا يَتِمُّ هَذَا التَّخَلُّصُ أَنْ لَوْ قُرِئَ فَإِذَا طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا قُرِئَ { فَإِذَا تَطَّهَّرْنَ } بِالتَّشْدِيدِ لِيَكُونَ التَّخْفِيفُ مُوَافِقًا لِلتَّخْفِيفِ ، وَالتَّشْدِيدُ مُوَافِقًا لِلتَّشْدِيدِ وَلَمْ يُقْرَأْ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ الْجَمْعُ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالِاغْتِسَالِ بِالْقِرَاءَتَيْنِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ اللَّازِمِ الْمَمْنُوعِ فَيُحْمَلُ { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ } فِي { حَتَّى يَطْهُرْنَ } بِالتَّخْفِيفِ عَلَى طَهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا ( وَتَطَهَّرْنَ بِمَعْنَى طَهُرْنَ ) غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فَإِنَّ تَفَعَّلَ تَجِيءُ بِمَعْنَى فَعَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ عَلَى صُنْعٍ ( كَ تَكَبَّرَ ) وَتَعَظَّمَ ( فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى ) إذْ لَا يُرَادُ بِهِ صِفَةٌ تَكُونُ بِإِحْدَاثِ الْفِعْلِ ( وَتَبَيَّنَ ) بِمَعْنَى بَانَ وَظَهَرَ ( مُحَافَظَةً عَلَى حَقِيقَةِ يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ ) وَأُورِدَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّعْمِيمُ الْمُشْتَرَكُ إنْ كَانَ يَطْهُرْنَ حَقِيقَةً فِي الِانْقِطَاعِ كَمَا فِي الِاغْتِسَالِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنْ كَانَ مَجَازًا فِي الِانْقِطَاعِ وَدُفِعَ بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ

إرَادَةَ الِانْقِطَاعِ حَالَ اخْتِبَارِ التَّخْفِيفِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى غَيْرُهُ وَإِرَادَةُ الِاغْتِسَالِ حَالَ اخْتِيَارِ التَّشْدِيدِ هُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى غَيْرُهُ وَالْحَالَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ إذْ لَا يُقْرَأُ بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا جَمْعَ بَيْنَهُمَا إذْ مِنْ شَرْطِهِ اتِّحَادُ الْحَالَةِ وَلَمْ تُوجَدْ ( وَكِلَاهُمَا ) أَيْ الْمَحْمِلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ ( خِلَافُ الظَّاهِرِ ) كَمَا رَأَيْتَ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ حَمْلَ قِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ عَلَى مُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَكْثَرِ ( أَقْرَبُ ) مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الِاغْتِسَالِ ( إذْ لَا يُوجِبُ ) حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ ( تَأَخُّرَ حَقِّ الزَّوْجِ ) فِي الْوَطْءِ ( بَعْدَ الِانْقِطَاعِ بِارْتِفَاعِ الْعَارِضِ الْمَانِعِ ) مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْحَيْضُ ( مَعَ قِيَامِ الْمُبِيحِ ) وَهُوَ الْحِلُّ الْأَصْلِيُّ الثَّابِتُ قَبْلَ عُرُوضِ هَذَا الْمُحَرِّمِ بِخِلَافِ حَمْلِهِمَا عَلَى الِاغْتِسَالِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ذَلِكَ ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ ذَاكَ الْحَمْلَ مُتَعَيِّنٌ أَحَقُّ مِنْ أَنَّهُ أَقْرَبُ ثُمَّ هَذَا جَمْعٌ مِنْ قِبَلِ الْحَالِ كَمَا سَيُفْصِحُ بِهِ الْمُصَنِّفُ .

( وَ ) مِنْهُ ( بَيْنَ آيَتَيْ اللَّغْوِ ) فِي الْيَمِينِ وَهِيَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَحْمَدَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ يُظَنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ كُلُّ يَمِينٍ صَدَرَتْ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ فِي الْمَاضِي وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ ( تُقَيِّدُ إحْدَاهُمَا ) أَيْ { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } ( الْمُؤَاخَذَةَ بِالْغَمُوسِ ) وَهِيَ الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ أَوْ حَالٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ بِهِ ( لِأَنَّهَا مَكْسُوبَةٌ ) أَيْ مَقْصُودَةٌ بِالْقَلْبِ ( وَالْأُخْرَى ) أَيْ { لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ } ( عَدَمَهُ ) أَيْ أَنْ لَا يَأْخُذُ بِالْغَمُوسِ ( إذْ لَيْسَتْ ) الْغَمُوسُ ( مَعْقُودَةً ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَوْلٌ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ قُوبِلَتْ بِاللَّغْوِ فَيَكُونُ اللَّغْوُ الْخَالِيَةُ عَنْ الْفَائِدَةِ وَاللَّغْوُ بِهَذَا الْمَعْنَى ثَابِتٌ قَالَ تَعَالَى { لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا } { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا } ( فَدَخَلَتْ ) الْغَمُوسُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ( فِي اللَّغْوِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ الَّتِي تُقْصَدُ الْيَمِينُ لَهَا ) شَرْعًا وَهِيَ تَحْقِيقُ الْعَمْدِ وَالصِّدْقِ فِي الْغَمُوسِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهَا ( وَخَرَجَتْ ) الْغَمُوسُ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ اللَّغْوِ ( فِي ) الْآيَةِ ( الْأُخْرَى ) وَدَخَلَتْ فِي الْمَكْسُوبَةِ ( بِشُمُولِ الْكَسْبِ إيَّاهَا ) أَيْ الْغَمُوسِ فَيَكُونُ مُؤَاخَذًا بِهَا ( وَأَفَادَتْ ) هَذِهِ الْآيَةُ الْأُخْرَى ( ضِدِّيَّةَ ) حُكْمِ ( اللَّغْوِ ) وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ ( لِلْكَسْبِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّغْوِ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ ( فَهُوَ ) أَيْ اللَّغْوُ هُنَا ( السَّهْوُ ) فَتَعَارَضَتَا فِي الْغَمُوسِ حِينَئِذٍ ( وَالتَّخَلُّصُ ) مِنْ هَذَا التَّعَارُضِ ( عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجَمْعِ ) بَيْنَهُمَا ( بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ ) الثَّابِتَةِ لِلْغَمُوسِ ( فِي ) الْآيَةِ (

الْأُولَى ) الْمُؤَاخَذَةُ ( الْأُخْرَوِيَّةُ ) وَهِيَ الْعِقَابُ ( وَفِي الثَّانِيَةِ ) أَيْ وَالْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ الْمَنْفِيَّةِ عَنْ الْغَمُوسِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْمُؤَاخَذَةُ ( الدُّنْيَوِيَّةُ بِالْكَفَّارَةِ ) فَتَغَايَرَتْ الْمُؤَاخَذَتَانِ فَلَا تَعَارُضَ ( أَوْ ) الْمُرَادُ بِاللَّغْوِ فِي الْآيَتَيْنِ الْخَالِي عَنْ الْقَصْدِ وَبِالْمُؤَاخَذَةِ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْآيَتَيْنِ الْمُؤَاخَذَةُ ( الْأُخْرَوِيَّةُ ) وَالْغَمُوسُ فِي الْمَكْسُوبَةِ لَا فِي الْمَعْقُودَةِ فَالْآيَةُ الْأُولَى أَوْجَبَتْ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى الْغَمُوسِ ( وَ ) الْآيَةُ ( الثَّانِيَةُ سَاكِتَةٌ عَنْ الْغَمُوسِ وَهِيَ ) أَيْ الْغَمُوسُ ( ثَالِثَةٌ ) وَعَلَى هَذَا مَشَى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فَإِنْ قِيلَ قَوْله تَعَالَى { فَكَفَّارَتُهُ } تَفْسِيرٌ لِلْمُؤَاخَذَةِ وَالْمُؤَاخَذَةُ الَّتِي هِيَ الْكَفَّارَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْمُخْتَصَّةُ بِالْآخِرَةِ إنَّمَا هِيَ الْمُؤَاخَذَةُ الَّتِي هِيَ الْعِقَابُ وَجَزَاءُ الْإِثْمِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ بَلْ هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى طَرِيقِ دَفْعِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ ( أَيْ يُؤَاخِذُكُمْ فِي الْآخِرَةِ بِمَا عَقَّدْتُمْ ) أَيْ إذَا جَعَلَ الْإِثْمَ بِالْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ ( فَطَرِيقُ دَفْعِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَى الْمَعْقُودَةِ الْحَانِثَةِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ ( وَسَتْرِهِ إطْعَامُ ) عَشَرَةِ مَسَاكِينَ إلَخْ ، وَكَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْحِنْثُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَوَجْهُ الْمُؤَاخَذَةِ فِي هَذِهِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ عَلَى الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لَمَّا حَرَّمَ تَعَالَى الْخَمْرَ فَحَلَفَ لَيَشْرَبَنَّهَا فَقَدْ بَالَغَ فِي الْمُكَابَرَةِ عَلَى قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى سَلِمَ مِنْ إثْمِ ارْتِكَابَ النَّهْيِ بَقِيَ عَلَيْهِ إقْدَامُهُ عَلَى الْيَمِينِ عَلَى فِعْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ فَدَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُ كَرَمًا وَفَضْلًا بِالْكَفَّارَةِ فَصَارَ الْحَاصِلُ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُؤَاخَذَةَ عَلَى الْغَمُوسِ وَالْمُنْعَقِدَةِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ دَفَعَ الْمُؤَاخَذَةَ عَنْ الْمُنْعَقِدَةِ بِشَرْعِ

الْكَفَّارَةِ فَبَقِيَتْ الْغَمُوسُ مَسْكُوتًا عَنْهَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ تُشْرَعْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا دَافِعَةً سَاتِرَةً ( وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ ) أَيْ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ فِي الْأُولَى الْأُخْرَوِيَّةُ وَفِي الثَّانِيَةِ الدُّنْيَوِيَّةُ فَلَا تَكُونُ الْغَمُوسُ وَاسِطَةً بَيْنَ اللَّغْوِ وَالْمُنْعَقِدَةِ ( بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ : لَا يُؤَاخِذُ بِكَذَا لَكِنْ ) يُؤَاخِذُ ( بِكَذَا عَدَمُ الْوَاسِطَةِ ) أَيْ كَوْنُ الثَّانِي مُقَابِلًا لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ فَلَوْ كَانَتْ الْمُؤَاخَذَةُ فِيهِمَا الْمُؤَاخَذَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ لَزِمَ كَوْنُ الْمُؤَاخَذِ بِهِ فِي الْآيَتَيْنِ وَاحِدًا قُلْت وَهَذَا ظَاهِرُ الْوُرُودِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُؤَاخَذَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ ، أَمَّا لَوْ أُرِيدَ الْمُؤَاخَذَةُ مُطْلَقًا عُقُوبَةً كَانَتْ أَوْ كَفَّارَةً فَلَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ دُخُولُ الْغَمُوسِ فِي اللَّغْوِ ؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ نَطَقَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِهَا وَالْيَمِينُ اللَّغْوُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلَا فِي الْمَعْقُودَةِ ؛ لِأَنَّهَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لِمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي بِجَوْدَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَمْسٌ لَيْسَ لَهُنَّ كَفَّارَةٌ وَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالًا بِغَيْرِ حَقٍّ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَكُلُّ مَنْ قَالَ : لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْيَمِينِ الصَّابِرَةِ أَيْ الْمَصْبُورَةِ عَلَى مَالٍ كَذِبًا وَبَيْنَ غَيْرِهَا وَهِيَ الْمُفْضِي بِهَا ؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا أَيْ مَحْبُوسٌ ( وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ) الْمُرَادُ بِالْمُؤَاخَذَةِ ( فِيهَا ) أَيْ الْآيَتَيْنِ الْمُؤَاخَذَةُ ( الدُّنْيَوِيَّةُ وَهِيَ ) أَيْ الْغَمُوسُ عِنْدَهُ ( دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْقُودَةِ ) بِنَاءً عَلَى حَمْلِ الْعَقْدِ عَلَى الْقَلْبِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ عَقَدْت عَنْ قَلْبِي بِأَنْ يَكْتُمَ الْهَوَى ( كَمَا ) هِيَ دَاخِلَةٌ ( فِي الْمَكْسُوبَةِ فَلَا تَعَارُضَ ، وَدَفْعُهُ ) أَيْ دُخُولُهَا

فِي الْمَعْقُودَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ ( بِأَنَّ حَقِيقَةَ الْعَقْدِ بِغَيْرِ الْقَلْبِ ) أَيْ بِأَنَّ فِيهِ عُدُولًا عَنْ الْحَقِيقَةِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ رَبْطُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ ، وَذَلِكَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ الْمُصْطَلَحِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ رَبْطِ أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ بِالْآخَرِ وَارْتِبَاطِ الْكَلَامِ بِمَحَلِّ الْحُكْمِ إنْ كَانَ الْكَلَامُ وَاحِدًا ، وَعَزْمُ الْقَلْبِ لَا يَرْتَبِطُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ حُكْمًا فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مَجَازٌ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْعَقْدِ فَلَا تَكُونُ الْغَمُوسُ مَعْقُودَةً حَقِيقَةً بَلْ مَجَازًا ثُمَّ دَفْعُهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( قَدْ يُمْنَعُ ) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَقْدُ ( أَعَمُّ ) مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَعْيَانِ أَوْ الْمَعَانِي ( يُسْنَدُ إلَى الْأَعْيَانِ فَيُرَادُ ) بِهِ ( الرَّبْطُ ) لِبَعْضِهَا بِبَعْضٍ ( وَإِلَى الْقَلْبِ فَعَزْمُهُ ) أَيْ فَيُرَادُ بِهِ عَزْمُ الْقَلْبِ ( وَكَثُرَ ) إطْلَاقُ عَزْمِ الْقَلْبِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ( فِي اللُّغَةِ ) وَفِي التَّلْوِيحِ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْقَلْبِ وَاعْتِقَادَهُ بِمَعْنَى رَبْطِهِ وَجَعْلِهِ ثَابِتًا عَلَيْهِ أَشْهَرُ فِي اللُّغَةِ مِنْ الْعَقْدِ الْمُصْطَلَحِ فِي الْفِقْهِ فَإِنَّهُ مِنْ مُخْتَرَعَاتِ الْفُقَهَاءِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَقْدَ بِمَعْنَى الرَّبْطِ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِي قَوْلٍ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِارْتِبَاطٍ بَيْنَهُمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيفَاءِ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِمَا لَهُ حُكْمٌ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِهِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ( بَلْ ) الْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ ( الظَّاهِرُ ) أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَاخَذَةِ ( فِي ) الْآيَةِ ( الْأُولَى ) الْمُؤَاخَذَةُ ( الْأُخْرَوِيَّةُ لِلْإِضَافَةِ إلَى كَسْبِ الْقَلْبِ ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ فِي

الْمُؤَاخَذَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْغَمُوسَ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تُنَاسِبُ الْكَفَّارَةَ الدَّائِرَةَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ فَانْدَفَعَ رَدُّ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ لَا سِيَّمَا الْحُقُوقُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ ؛ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَالْأُخْرَوِيَّةُ هِيَ الْكَامِلَةُ ؛ لِأَنَّ الْآخِرَةَ خُلِقَتْ لِلْجَزَاءِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } فَتُجَازَى فِيهِ عَلَى وِفَاقِ عَمَلِهَا بِخِلَافِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا دَارُ ابْتِلَاءٍ قَدْ يُؤَاخَذُ فِيهَا الْمُطِيعُ بِجِنَايَةٍ تَطْهِيرًا وَقَدْ يُنَعَّمُ الْعَاصِي بِهَا اسْتِدْرَاجًا عَلَى أَنَّ الْمُؤَاخَذَاتِ فِي الدُّنْيَا شُرِعَتْ بِأَسْبَابٍ فِيهَا نَوْعُ ضَرَرٍ لِتَكُونَ زَوَاجِرَ فِيهَا إصْلَاحُنَا فَلَا تَتَمَحَّضُ مُؤَاخَذَةٌ لِحَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا تَتَمَحَّضُ فِي الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ الثَّابِتُ فِي أَحَدِ النَّصَّيْنِ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْآخِرَةِ فَبَطَلَ التَّدَافُعُ ( وَهَذَا ) الْجَمْعُ بَيْنَ مَضْمُونِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ( جَمْعٌ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ ) بِاخْتِلَافِهِ فِيهِمَا .

( وَمِنْهُ ) أَيْ الْجَمْعِ مِنْ قِبَلِ الْحُكْمِ ( تَوْزِيعُهُ ) أَيْ الْحُكْمِ بِأَنْ يُجْعَلَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْحُكْمِ ثَابِتًا بِأَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ وَبَعْضُهَا مَنْفِيًّا بِالْآخَرِ ( كَقِسْمَةِ الْمُدَّعِي بَيْنَ الْمُثْبِتَيْنِ ) أَيْ مُدَّعِي كُلٍّ مِنْهُمَا إيَّاهُ كُلًّا بِحُجَّتِهِ ( وَمَا قِيلَ ) أَيْ قِيلَ هَذَا الْجَمْعُ فِي قِرَاءَتَيْ التَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ فِي { حَتَّى يَطْهُرْنَ } هُوَ ( مِنْ قِبَلِ الْحَالِ ) فَإِنَّهُ قَدْ حَمَلَ إحْدَاهُمَا عَلَى حَالَةٍ وَالْأُخْرَى عَلَى حَالَةٍ كَمَا رَأَيْتَ وَعَبَّرَ عَنْهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بِالْمَحَلِّ ( وَيَكُونُ ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ صَرِيحًا بِنَقْلِ التَّأَخُّرِ ) لِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } وَقَوْلُهُ { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذْرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } فَإِنَّ بَيْنَهُمَا تَعَارُضًا فِي حَقِّ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَجَمَعَ الْجُمْهُورُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ { وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ } الْآيَةَ ( بَعْدَ { وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ } ) الْآيَةَ كَمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَحْثِ الْخَامِسِ فِي التَّخْصِيصِ ( أَوْ ) يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الزَّمَانِ ( حُكْمًا كَالْمُحَرِّمِ ) أَيْ كَتَقْدِيمِهِ ( عَلَى الْمُبِيحِ ) إذَا عَارَضَهُ ( اعْتِبَارًا لَهُ ) أَيْ لِلْمُحَرِّمِ ( مُتَأَخِّرًا ) عَنْ الْمُبِيحِ ( كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ النَّسْخُ ) عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُبِيحِ ( بِنَاءً عَلَى أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ ) فَإِنَّ الْمُحَرِّمَ حِينَئِذٍ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُحَرِّمِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ كَوْنِ الْمُحَرِّمِ مُتَأَخِّرًا مَعَ الْقَوْلِ بِأَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ النَّسْخُ ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ وَارِدٌ لِإِبْقَائِهَا حِينَئِذٍ وَالْمُحَرِّمُ نَاسِخٌ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَتَقَدَّمَ مَا فِي أَصَالَةِ الْإِبَاحَةِ فِي

الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ التَّنَزُّلِ فِي فَصْلِ الْحَاكِمِ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّحْرِيرِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ تَقْدِيمَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ ( الِاحْتِيَاطُ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ حُكْمٍ وَهُوَ نَيْلُ الثَّوَابِ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ يَنْعَدِمُ فِي الْمُبِيحِ ، وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ أَبَانَ وَأَبِي هَاشِمٍ أَنَّهُمَا يُطْرَحَانِ وَيَرْجِعُ الْمُجْتَهِدُ إلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَدِلَّةِ كَالْغَرْقَى إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ مِنْ أَمْثَلِهِ هَذَا مَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الضَّبِّ وَإِبَاحَتِهِ إذْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ } وَرَوَى أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ { كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ فَأَصَبْنَا مِنْهَا فَذَبَحْنَا فَبَيْنَمَا الْقُدُورُ تَغْلِي بِهَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ هِيَ فَأَكْفِئُوهَا فَأَكْفَأْنَاهَا وَإِنَّا لَجِيَاعٌ } وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ خَالِدٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدِّمَ إلَيْهِ ضَبٌّ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَيْهِ فَقِيلَ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقَالَ خَالِدٌ أُحَرِّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ .
قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ فَلَمْ يَنْهَنِي } فَتَعَارَضَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَجَعَلْنَا الْمُحَرِّمَ آخِرًا لِمَا قُلْنَا مِنْ تَقْلِيلِ مَعْنَى النَّسْخِ لَهُ كَالطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مَحْجُوجٌ

بِهَذَا ( وَلَا يُقَدَّمُ الْإِثْبَاتُ ) لِأَمْرٍ عَارِضٍ ( عَلَى النَّفْيِ ) لَهُ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ ( إلَّا إنْ كَانَ ) النَّفْيُ لَا يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ بَلْ كَانَ ( بِالْأَصْلِ ) أَيْ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّ الْإِثْبَاتَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ .
( كَحُرِّيَّةِ ) مُغِيثٍ ( زَوْجِ بَرِيرَةَ ؛ لِأَنَّ عَبْدِيَّتَهُ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَالْإِخْبَارُ بِهَا ) أَيْ بِعَبْدِيَّتِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَهَا وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا } ( بِالْأَصْلِ ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَتَغَيَّرْ فَهَذَا نَفْيٌ لَا يُدْرَكُ عِيَانًا بَلْ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ ثُبُوتِهَا وَالْإِخْبَارُ بِحُرِّيَّتِهِ كَمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا حِينَ أُعْتِقَتْ إثْبَاتًا لِأَمْرٍ عَارِضٍ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهُ أَوَّلًا مِنْ الرَّقَبَةِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى زِيَادَةِ عِلْمٍ لَيْسَتْ فِي النَّفْيِ الْمَذْكُورِ فَلَا جَرَمَ أَنْ ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْعِتْقِ لَهَا عَبْدًا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ حُرًّا خِلَافًا لَهُمْ فِيمَا إذَا كَانَ حُرًّا ( فَإِنْ ) كَانَ النَّفْيُ ( مِنْ جِنْسِ مَا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ عَارَضَهُ ) أَيْ الْإِثْبَاتُ لِتَسَاوِيهِمَا ( وَطَلَبَ التَّرْجِيحَ ) لِأَحَدِهِمَا بِوَجْهٍ آخَرَ ( كَالْإِحْرَامِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ) أَيْ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } زَادَ الْبُخَارِيُّ { وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرَفٍ } وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ { تَزَوَّجَ نَبِيُّ اللَّهِ مَيْمُونَةَ وَهُمَا مُحْرِمَانِ } فَإِنَّهُ ( نَفْيٌ لِأَمْرٍ ) عَارِضٍ وَهُوَ الْإِحْرَامُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْحِلُّ ( يَدُلُّ عَلَيْهِ هَيْئَةٌ مَحْسُوسَةٌ ) مِنْ التَّجَرُّدِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ ( فَسَاوَى رِوَايَةَ ) مُسْلِمٍ وَابْنِ مَاجَهْ { عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ } وَزَادَ فِيهِ أَبُو يَعْلَى { بَعْدَ أَنْ رَجَعْنَا مِنْ مَكَّةَ } رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ { عَنْ أَبِي رَافِعٍ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا } .
( وَرُجِّحَ نَفْيُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى ) إثْبَاتِ ( ابْنِ الْأَصَمِّ وَأَبِي رَافِعٍ ) بِقُوَّةِ السَّنَدِ وَخُصُوصًا بِالنِّسْبَةِ إلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فَقَدْ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ حَمَّادٍ عَنْ مَطَرٍ يَعْنِي عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ سُلَيْمَانَ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَمَاتَ أَبُو رَافِعٍ قَبْلَ عُثْمَانَ بِسَنَتَيْنِ وَكَانَ قَتْلُ عُثْمَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَلَّامِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مَطَرٍ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ خَالَفَ فِي إسْنَادِهِ فَقَالَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَهَمَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } انْتَهَى .
وَمَطَرٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بَلْ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ عِنْدَهُمْ وَبِضَبْطِ الرُّوَاةِ وَفِقْهِهِمْ وَخُصُوصًا ابْنُ عَبَّاسٍ إذْ نَاهِيكَ بِهِ فَقَاهَةً وَضَبْطًا وَاتِّفَاقًا وَلِذَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لِلزُّهْرِيِّ وَمَا يَدْرِي ابْنُ الْأَصَمِّ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى سَاقَهُ أَتَجْعَلُهُ مِثْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ أَهْلُ عِلْمٍ وَثَبْتٌ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ

فُقَهَاءُ وَاَلَّذِينَ نَقَلُوا عَنْهُمْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِرِوَايَاتِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
( هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحِلِّ اللَّاحِقِ ) لِلْإِحْرَامِ ( وَأَمَّا عَلَى إرَادَةِ ) الْحِلِّ ( السَّابِقِ ) عَلَى الْإِحْرَامِ ( كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ) أَيْ مَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ { بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ } وَفِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ ( فَابْنُ عَبَّاسٍ مُثْبِتٌ وَيَزِيدُ ) بْنُ الْأَصَمِّ ( نَافٍ فَيَتَرَجَّحُ ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ( بِذَاتِ الْمَتْنِ ) لِتَرْجِيحِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي ( وَلَوْ عَارَضَهُ ) أَيْ نَفْيٌ يُرِيدَ إثْبَاتَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِكَوْنِ نَفْيِ يَزِيدَ مِمَّا يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْحِلِّ تُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ أَيْضًا وَهُوَ هَيْئَةُ الْحَلَالِ ( فِيمَا قُلْنَا ) أَيْ فَالتَّرْجِيحُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُلْنَا مِنْ قُوَّةِ السَّنَدِ وَفِقْهِ الرَّاوِي وَمَزِيدِ ضَبْطِهِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِ عَقْدِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ حَالَةَ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ ( وَعُرِفَ ) مِنْ هَذَا ( أَنَّ النَّافِيَ رَاوِي الْأَصْلِ ) أَيْ الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ لِلْمَرْوِيِّ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُثْبِتِ كَمَا أَنَّ الْمُثْبِتَ هُوَ الرَّاوِي الْحَالَةَ الْعَارِضَةَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْأَصْلِيَّةِ ( فَإِنْ أَمْكَنَا ) أَيْ كَوْنُ النَّفْيِ بِنَاءً عَلَى الدَّلِيلِ وَكَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ ( كَحِلِّ الطَّعَامِ وَطَهَارَةِ الْمَاءِ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( نَفْيٌ يُعْرَفُ بِالدَّلِيلِ ) بِأَنْ ذَبَحَ شَاةً وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَغَسَلَ إنَاءً بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ بِمَاءٍ جَارٍ لَيْسَ بِهِ أَثَرُ

نَجَاسَةٍ وَمَلَأَهُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَصْلًا وَلَمْ يُشَاهِدْ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ فِيهِ ( وَالْأَصْلِ ) بِأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَذْبُوحَةِ الْحِلُّ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُبُوتَ حُرْمَةٍ فِيهَا وَفِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ فِيهِ ( فَلَا يُعَارِضُ ) الْإِخْبَارُ بِهِمَا ( مَا ) أَيْ الْإِخْبَارُ ( بِحُرْمَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَيَعْمَلُ بِهِمَا ) أَيْ بِالْحِلِّ فِي الطَّعَامِ وَالطَّهَارَةِ فِي الْمَاءِ ( إنْ تَعَذَّرَ السُّؤَالُ ) لِلْمُخْبِرِ عَنْ مُسْتَنَدِهِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ دَلِيلًا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا فَيُرَجِّحُ الْخَبَرَ النَّافِي بِهِ ( وَإِلَّا ) إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ السُّؤَالُ لِلْخَبَرِ عَنْ مُسْتَنَدِهِ ( سُئِلَ ) الْمُخْبِرُ ( عَنْ مَبْنَاهُ ) أَيْ مَبْنَى خَبَرِهِ ( فَعُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ ) فَإِنْ تَمَسَّكَ الْمُخْبِرُ بِظَاهِرِ الْحَالِ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّاةِ الْحِلُّ وَفِي الْمَاءِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُنَافِيهِمَا فَخَبَرُ الْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ دَلِيلٍ فَلَا يُعَارِضُ الْخَبَرَ الْمُثْبِتَ وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ فَيَقَعُ التَّعَارُضُ ثُمَّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ لِمَا ذَكَرْنَا ( وَمِثْلُ الْحَنَفِيَّةِ تَقْرِيرُ الْأُصُولِ ) لِمُتَعَلِّقِ الْمُتَعَارِضَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَا دَلِيلٌ يُصَارُ إلَيْهِ ( بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ) أَيْ الْبَقِيَّةِ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ فِي الْإِنَاءِ ( تَعَارَضَ فِي حِلِّ لَحْمِهِ وَحُرْمَتِهِ الْمُسْتَلْزِمَتَيْنِ لِطَهَارَتِهِ ) أَيْ سُؤْرِهِ ( وَنَجَاسَتِهِ الْآثَارُ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ } وَالنَّهْيُ عَنْهَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَحُرْمَةُ الشَّيْءِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِلْغِذَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْكَرَامَةِ آيَةُ النَّجَاسَةِ وَلَحْمُهَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَيَكُونُ نَجِسًا وَإِذَا كَانَ نَجِسًا كَانَ لُعَابُهُ نَجِسًا ؛ لِأَنَّهُ يُجْلَبُ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ يُخَالِطُ الْمَاءَ

فَيَكُونُ نَجِسًا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد { عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شَيْءٌ أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا شَيْءٌ مِنْ حُمُرٍ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنَا السَّنَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا أُطْعِمُ أَهْلِي إلَّا سِمَانُ حُمُرٍ وَإِنَّكَ حَرَّمْت لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ حُمُرِك فَإِنَّمَا حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ } وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا وَإِذَا كَانَتْ حَلَالًا كَانَتْ طَاهِرَةً وَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً كَانَ سُؤْرُهَا طَاهِرًا لِأَنَّ اللُّعَابَ الْمُخْتَلِطَ بِهِ طَاهِرٌ .
( فَقُرِّرَ حَدِيثُ الْمُتَوَضِّئِ بِهِ ) أَيْ بِسُوَرِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوُجُودِ ( وَطَهَارَتِهِ ) أَيْ السُّؤْرِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلُ مُخَالَطَةِ اللُّعَابِ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ تَقْرِيرَ الْأُصُولِ ( حُكْمُ عَدَمِ التَّرْجِيحِ لَكِنْ رُجِّحَتْ الْحُرْمَةُ ) عَلَى الْإِبَاحَةِ إذَا تَعَارَضَتَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَجَّحَ هُنَا أَيْضًا الْحُرْمَةُ الْمُوجِبَةُ لِلنَّجَاسَةِ وَكَيْفَ لَا وَحَدِيثُ التَّحْرِيمِ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ، وَالْمَتْنُ لَا اضْطِرَابَ فِيهِ وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ ثُمَّ الْمِزِّيُّ ثُمَّ الذَّهَبِيُّ فَلَمْ يُوجَدْ رُكْنُ الْمُعَارَضَةِ عَلَى أَنَّ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا نَظَرًا فَإِنَّ الْقِصَّةَ تُشِيرُ إلَى اضْطِرَارِهِمْ وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَأَيْضًا هُوَ مُصَرَّحٌ بِتَأَخُّرِهِ عَنْ حَدِيثِ التَّحْرِيمِ فَلَوْ صَحَّ مُفِيدُ الْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا لَكَانَ نَاسِخًا لِلتَّحْرِيمِ مُوجِبًا لِلطَّهَارَةِ ( وَالْأَقْرَبُ ) فِي تَقْرِيرِ الْأُصُولِ فِي هَذَا الْمِثَالِ لِوُجُودِ التَّعَارُضِ الْمُلْجِئِ إلَى ذَلِكَ ( تَعَارَضَتْ

الْحُرْمَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلنَّجَاسَةِ وَالضَّرُورَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلطَّهَارَةِ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ وَيَشْرَبُ فِي الْأَوَانِي الْمُسْتَعْمَلَةِ وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ ( وَلَمْ تَتَرَجَّحْ ) الطَّهَارَةُ ( لِلتَّرَدُّدِ فِيهَا ) أَيْ الضَّرُورَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلنَّجَاسَةِ ( إذَا لَيْسَ كَالْهِرَّةِ ) فِي الْمُخَالَطَةِ حَتَّى تَسْقُطَ نَجَاسَتُهُ كَمَا سَقَطَتْ نَجَاسَةُ سُؤْرِ الْهِرَّةِ ؛ لِأَنَّ الْهِرَّةَ تَلِجُ الْمَضَايِقَ دُونَهُ ( وَلَا الْكَلْبِ ) فِي الْمُجَانَبَةِ الْغَالِبَةِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ نَجَاسَتُهُ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ فِي الْكَلْبِ دُونَهُ ( وَلَا النَّجَاسَةِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حُكْمِ الضَّرُورَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنَّهُ خِلَافُ النَّظَرِ فَتَسَاقَطَتَا وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ فَالْمَاءُ كَانَ طَاهِرًا فَلَا يَتَنَجَّسُ بِمَا لَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهُ وَالسُّؤْرُ بِمُقْتَضَى حُرْمَةِ اللَّحْمِ نَجِسٌ فَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ وَلَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَعَلَى هَذَا مَشَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ .
تَتْمِيمٌ ثُمَّ إذَا كَانَ الْكِتَابُ لِبَيَانِ اصْطِلَاحَيْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ اصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ اصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ تَكْمِيلًا وَحَاصِلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْقُوَّةِ بِأَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ وَفِي الْعُمُومِ بِأَنْ يَصْدُقَ كُلٌّ عَلَى مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْآخَرُ وَهَذَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : الْأَوَّلُ أَنْ يَعْلَمَ تَأَخُّرَ وُرُودِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ عَنْ الْآخَرِ فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ لِلْمُتَقَدِّمِ إذَا كَانَ مَدْلُولُهُ قَابِلًا لِلنَّسْخِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ آيَتَيْنِ أَوْ خَبَرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا آيَةً وَالْآخَرُ خَبَرًا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ النَّسْخَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قَابِلٍ لِلنَّسْخِ تَسَاقَطَا ،

وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزْ النَّسْخَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَمْنَعُ وُرُودَ هَذَا الْقِسْمِ وَالْخَاصَّانِ حُكْمُهُمَا هَذَا الْحُكْمُ ، الثَّانِي أَنْ يُجْهَلَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ تَسَاقَطَا لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَنْسُوخُ احْتِمَالًا عَلَى السَّوَاءِ وَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ تَعَيَّنَ التَّرْجِيحُ فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى فَإِنْ تَسَاوَيَا تَخَيَّرَ الْمُجْتَهِدُ ، الثَّالِثُ أَنْ تُعْلَمَ مُقَارَنَتُهُمَا فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ وَأَمْكَنَ التَّخْيِيرُ فِيهِمَا تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ ، وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَى الْحُكْمِ كَكَوْنِ أَحَدِهِمَا حَاظِرًا أَوْ مُثْبِتًا حُكْمًا شَرْعِيًّا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي طَرْحَ الْمَعْلُومِ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ، وَإِنْ كَانَا مَظْنُونَيْنِ تَعَيَّنَ التَّرْجِيحُ فَيُعْمَلُ بِالْأَقْوَى فَإِنْ تَسَاوَيَا قُوَّةً فَالتَّخْيِيرُ ، ثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ وَالْعُمُومِ مَعًا .
وَهَذَا لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَيْضًا : الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا فَيَتَرَجَّحُ الْقَطْعِيُّ وَيُعْمَلُ بِهِ إنْ كَانَا عَامَّيْنِ أَوْ خَاصَّيْنِ أَوْ الْقَطْعِيُّ خَاصًّا وَالظَّنِّيُّ عَامًّا فَإِنْ كَانَ الْقَطْعِيُّ عَامًّا وَالظَّنِّيُّ خَاصًّا يُرَجَّحُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ وَيُعْمَلُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ عَلِمَ تَأَخُّرَهُ عَنْ الْعَامِّ أَمْ لَا ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَظْنُونَ يُخَصِّصُ الْمَعْلُومَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعْمَالًا لِلدَّلِيلَيْنِ أَمَّا الْخَاصُّ فَفِي جَمِيعِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْعَامُّ فَمِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْأَفْرَادُ الَّتِي لَمْ تُخَصَّصْ ، وَمَنْعُ التَّخْصِيصِ يَقْضِي إلَى إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْخَاصُّ وَإِعْمَالُ الدَّلِيلَيْنِ وَلَوْ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ نَعَمْ

إنْ عَمِلْنَا بِالْعَامِّ الْمَقْطُوعِ بِهِ ثُمَّ وَرَدَ الْخَاصُّ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا نَأْخُذُ بِهِ إذَا كَانَ مَظْنُونًا ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَسْخٌ لَا تَخْصِيصٌ وَنَسْخُ الْمَقْطُوعِ بِالْمَظْنُونِ لَا يَجُوزُ ، الثَّانِي أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ لَا فِي الْعُمُومِ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عُمِلَ بِالْأَخَصِّ سَوَاءٌ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ ظَنِّيَّيْنِ عُلِمَ تَقَدُّمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَمْ لَمْ يُعْلَمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ يُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَا قَطْعِيَّيْنِ أَوْ ظَنِّيَّيْنِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ بَلْ يُرَجَّحُ بِكَوْنِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا حَظْرًا أَوْ شَرْعِيًّا أَوْ مُثْبِتًا وَالْآخَرِ إبَاحَةً أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ نَافِيًا وَنَحْوُ ذَلِكَ ، وَفِي الظَّنِّيَّيْنِ يُرَجَّحُ بِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ ، الثَّالِثُ أَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا تَسَاوٍ لَا فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَلَا فِي الْقُوَّةِ فَإِنْ كَانَا عَامَّيْنِ وَأَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مُطْلَقًا عُمِلَ بِالْقَطْعِيِّ إلَّا إذَا كَانَ الْقَطْعِيُّ هُوَ الْأَعَمَّ فَإِنَّهُ يُخَصُّ بِالظَّنِّيِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ صِيرَ إلَى التَّرْجِيحِ فَيُرَجَّحُ الظَّنُّ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ الْحُكْمُ مِنْ كَوْنِهِ حَظْرًا أَوْ مُثْبِتًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ سَوَاءٌ عُلِمَ تَأَخُّرَ الْقَطْعِيِّ عَنْ الظَّنِّيِّ أَمْ تَقَدَّمَهُ أَمْ جُهِلَ الْحَالُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ فَالْعَمَلُ بِالْقَطْعِيِّ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ لَا شَكَّ فِي جَرْيِ التَّعَارُضِ بَيْنَ قَوْلَيْنِ وَنَفْيِهِ ) أَيْ وَلَا فِي نَفْيِ جَرْيِهِ ( بَيْنَ فِعْلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ ) لِجَوَازِ كَوْنِ الْفِعْلِ الْمُضَادِّ لِغَيْرِهِ وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ مُبَاحًا فِي وَقْتٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي وَقْتٍ آخَرَ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ وَإِبْطَالٍ لِذَلِكَ الْحُكْمِ إذْ لَا عُمُومَ لِلْفِعْلَيْنِ وَلَا لِأَحَدِهِمَا ( كَصَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرٍ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ كَانَ الصَّوْمُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَالْفِطْرُ فِي سَبْتٍ آخَرَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا نَصٌّ مِنْ قَوْلِ عَضُدِ الدِّينِ وَفِطْرٌ فِي يَوْمٍ آخَرَ ثُمَّ قَالَ اسْتِثْنَاءً مِنْ نَفْيِهِ ( إلَّا إنْ دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ( عَلَيْهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ أَوْ عَلَى نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ ( وَسَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ ) أَيْ وَدَلَّ مَعَ ذَلِكَ عَلَى سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ لِذَلِكَ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ بِأَنْ دَلَّ أَنَّ يَوْمَ السَّبْتِ جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَثْبُتُ التَّعَارُضُ بِوَاسِطَةِ هَذِهِ الدَّلَالَةِ فَيَكُونُ فِطْرُهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الْآخَرِ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلَالَةِ دَلِيلُ رَفْعِ مَا وَجَبَ مِنْ صَوْمِ كُلِّ سَبَبٍ ( وَتَقَدَّمَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ مِثْلُهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا عُرِفَتْ فِيهِ صِفَةُ الْفِعْلِ وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ دَلَّ هُنَا عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِ ، وَتَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَحِينَئِذٍ ( فَالنَّافِي ) وَهُوَ فِطْرُهُ ( نَاسِخٌ عَنْ الْكُلِّ ) ؛ لِأَنَّ فِطْرَهُ الْمُتَأَخِّرَ مُثْبِتٌ بِحُكْمِ تِلْكَ الدَّلَالَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْأُمَّةِ الْفِطْرَ كَمَا أَنَّ صَوْمَهُ كَانَ مُثْبِتًا ذَلِكَ فَلِهَذَا يَلْزَمُ أَنَّ فِطْرَهُ الْمُتَأَخِّرَ نَاسِخٌ عَنْهُ وَعَنْ الْأُمَّةِ الصِّفَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مِنْهُ .
( وَعَنْ الْكَرْخِيِّ وَطَائِفَةٍ ) أَنَّ فِعْلَهُ الثَّانِيَ يُنْسَخُ ( عَنْهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَقَطْ ) بِنَاءً عَلَى

أَنَّ قَوْلَهُ لَا يُوجِبُ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ شَيْئًا بِدَلِيلِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ، وَدَلِيلُ التَّكَرُّرِ يَخُصُّهُ ( وَأَمَّا ) التَّعَارُضُ ( بَيْنَ فِعْلٍ ) لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( عُرِفَتْ صِفَتُهُ ) مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ مَثَلًا ( فِي حَقِّهِ وَقَوْلٍ ) يَنْفِي ذَلِكَ كَأَنْ يَصُومَ يَوْمَ السَّبْتِ ثُمَّ يَقُولَ صَوْمُهُ حَرَامٌ ( فَعَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ أُمَّتَهُ مِثْلُهُ وُجُوبًا أَوْ غَيْرَهُ ) لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَى سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ لِوُجُوبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَنَحْوِهِ أَوْ لَا ( فَمَعَ دَلِيلِ سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ ، وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ ) كَقَوْلِهِ صَوْمُ يَوْمِ السَّبْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ ( نُسِخَ عَنْهُ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا ) أَيْ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ الْآخَرُ ( وَلَا مُعَارَضَةَ فِيهِمْ ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ ( فَيَسْتَمِرُّ مَا فِيهِمْ ) أَيْ عَلَيْهِمْ مَا كَانَ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ مِنْ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ فِي حَقِّهِ إذْ النَّاسِخُ لَمْ يَتَعَرَّضْ سِوَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ ( قِيلَ يُؤْخَذُ بِالْفِعْلِ فَيَثْبُتُ ) الْفِعْلُ ( عَلَى صِفَتِهِ عَلَى الْكُلِّ ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ أَيْ يَسْتَمِرُّ مَا كَانَ وَعَلَيْهِمْ ( وَقِيلَ ) يُؤْخَذُ ( بِالْقَوْلِ فَيَخُصُّهُ النَّسْخُ وَيَثْبُتُ مَا فِيهِمْ ) أَيْ يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِمْ مُقْتَضَى الْفِعْلِ مِنْ الِاتِّبَاعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي عُرِفَ عَلَيْهِ ( وَقِيلَ يُتَوَقَّفُ ) فِي حَقِّهِ ( وَهُوَ الْمُخْتَارُ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ ) أَيْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ إذْ جَوَازُ تَقَدُّمِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَتَأَخُّرِهِ ثَابِتٌ فَالتَّعْيِينُ تَحَكُّمٌ ( فِي حَقِّهِ وَثَبَتَ ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلُ ( مَا فِيهِمْ ) أَيْ عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى صِفَتِهِ لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ فِي حَقِّهِمْ ( وَإِنْ ) كَانَ الْقَوْلُ ( خَاصًّا بِهِمْ ) أَيْ الْأُمَّةِ بِأَنْ صَامَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَالَ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ صَوْمُهُ ( فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ فَمَا كَانَ لَهُ ) أَيْ ثَابِتًا فِي حَقِّهِ مِنْ

وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ مُتَكَرِّرَيْنِ أَوْ إبَاحَةٍ فَهُوَ ثَابِتٌ عَلَيْهِ ( كَمَا كَانَ وَفِيهِمْ ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ ( الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ وَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ مِنْهُمَا فَأَقْوَالٌ أَحَدُهُمَا يُؤْخَذُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ ثَانِيهَا يُؤْخَذُ بِالْوَقْفِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ ( فَثَالِثُهَا ) وَهُوَ ( الْمُخْتَارُ ) يُؤْخَذُ ( بِالْقَوْلِ ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ ( لِوَضْعِهِ ) أَيْ الْقَوْلِ ( لِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ ) الْقَائِمَةِ بِنَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ ( وَأَدِلِّيَّتِهِ ) أَيْ ؛ لِأَنَّهُ أَدَلُّ مِنْ الْفِعْلِ عَلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ ( وَأَعَمِّيَّتِهِ ) أَيْ وَلِأَنَّهُ أَعَمُّ دَلَالَةً أَيْ فَأَفْرَادُ مَدْلُولَاتِهِ أَكْثَرُ لِذَا يُدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَعْقُولِ وَالْمَحْسُوسِ ( بِخِلَافِ الْفِعْلِ ) فَإِنَّ لَهُ مَحَامِلَ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ فَيَقَعُ الْخَطَأُ فِيهِ كَثِيرًا وَيُخْتَصَرُ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَحْسُوسِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ وَالْمَعْقُولَ لَا يُمْكِنُ مُشَاهَدَتُهُمَا بَلْ الْفِعْلُ ( إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى إطْلَاقِهِ ) نَفْسِهِ ( لِلْفَاعِلِ ) لَا عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ نَدْبِهِ أَوْ إبَاحَتِهِ ( فَإِنْ دَلَّ عَلَى الِاقْتِدَاءِ ) أَيْ عَلَى اقْتِدَاءِ غَيْرِ الْفَاعِلِ بِهِ ( فَبِذَلِكَ ) الدَّالِّ لَا بِالْفِعْلِ ( وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْفِعْلِ بَعْدَ دَلَالَتِهِ عَلَى مُجَرَّدِ إطْلَاقِهِ لِلْفَاعِلِ ( احْتِمَالَاتُ ) الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْهُمَا بِالْفِعْلِ بَلْ ( إنْ تَعَيَّنَ بَعْضُهَا فَبِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْفِعْلِ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الْفِعْلِ ( قَدْ يَقَعُ بَيَانًا لِلْقَوْلِ ) أَيْ لِصُورَةِ مَدْلُولِ الْقَوْلِ إنَّمَا هُوَ ( عِنْدَ إجْمَالِهِ ) أَيْ الْقَوْلِ فِيهَا كَفِعْلِ الصَّلَاةِ ( وَكَلَامُنَا ) فِي التَّرْجِيحِ ( مَعَ عَدَمِهِ ) أَيْ الْإِجْمَالِ ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ خَاصًّا بِهِ حَيْثُ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ وَبَيْنَ مَا هُنَا

حَيْثُ اُخْتِيرَ الْوَقْفُ عِنْدَ جَهْلِ الْمُتَأَخِّرِ ( أَنَّا هُنَا ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ خَاصًّا بِنَا ( مُتَعَبِّدُونَ بِالِاسْتِعْلَامِ لِتَعَبُّدِنَا بِالْعَمَلِ ) الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ ( لَا هُنَاكَ ) فَإِنَّا لَسْنَا هُنَاكَ مَأْمُورِينَ بِاسْتِعْلَامِ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَهْلِنَا بِالْمُتَأَخِّرِ ( إذْ لَمْ تُؤْمَرْ بِهِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَدْرَى بِهِ ) أَيْ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ ( أَوْ ) كَانَ الْقَوْلُ ( شَامِلًا ) لَهُ وَلَهُمْ بِأَنْ فَعَلَ الصَّوْمَ ثُمَّ قَالَ حُرِّمَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ ( فَالْمُتَأَخِّرُ نَاسِخٌ عَنْ الْكُلِّ ) أَيْ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ فَيَثْبُتُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْكُلِّ ( وَفِي الْجَهْلِ ) بِالْمُتَأَخِّرِ قُدِّمَ ( بِالْقَوْلِ ) فَيَحْرُمُ الصَّوْمُ عَلَى الْكُلِّ ( لِوُجُوبِ الِاسْتِعْلَامِ فِي حَقِّنَا ) فَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْهُ ( وَبِاتِّفَاقِ الْحَالِ بِعِلْمِ حَالِهِ مُقْتَضًى لِلشُّمُولِ ) أَيْ ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ بَحْثِنَا الْعِلْمُ بِحَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ لَا بِالْقَصْدِ بِالْبَحْثِ إلَى اسْتِعْلَامِهِ فِي حَقِّهِ ( لَكِنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ ) عَلَيْهِ ( لِمَا ذَكَرْنَا ) مِنْ أَنَّا لَسْنَا مَأْمُورِينَ بِاسْتِعْلَامِ حَالِهِ فِي جَهْلِنَا بِالْمُتَأَخِّرِ بَلْ هُوَ أَدْرَى بِالْمُتَأَخِّرِ الَّذِي يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ ثُمَّ شَرَعَ فِي قَسِيمِ قَوْلِهِ فَمَعَ دَلِيلِ سَبَبِيَّةِ مُتَكَرِّرٍ فَقَالَ ( وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ دَلِيلِ التَّكْرَارِ ) أَيْ إذَا كَانَ الْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا دَلِيلَ عَلَى تَكَرُّرِهِ وَعُلِمَتْ صِفَتُهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَلَا يَخْلُو الْقَوْلُ : إمَّا أَنْ يَكُونَ خَاصًّا بِهِ أَوْ بِالْأُمَّةِ أَوْ شَامِلًا لَهُ وَلَهُمْ فَأَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ( وَالْقَوْلُ الْخَاصُّ بِهِ مَعْلُومُ التَّأَخُّرِ ) بِأَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا ثُمَّ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ لَا يَحِلُّ لِي فِعْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ مُعَارَضَتِهِ

لِلْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ مَنْدُوبًا ( فَقَدْ أَخَذَتْ صِفَةُ الْفِعْلِ مُقْتَضَاهَا مِنْهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْوَاحِدِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ مَرَّةً وَقَدْ فَعَلَهُ مَرَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَالْقَوْلُ شَرْعِيَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ فِي حَقِّهِ لَا نَاسِخٌ ) لِلْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَقَدْ فَعَلَهُ فَتَمَّ أَمْرُهُ ( وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ ) أَيْ الْأُمَّةِ الْفِعْلُ ( مَرَّةً بِصِفَتِهِ ) عَلَيْهِمْ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ ( إذْ لَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِمْ ) لِفَرْضِ أَنَّ الْقَوْلَ خَاصٌّ بِهِ ( وَلَا سَبَبَ تَكْرَارٍ أَوْ ) عُلِمَ ( الْمُتَقَدِّمُ ) لِلْقَوْلِ كَأَنْ يَقُولَ لَا يَحِلُّ لِي كَذَا ثُمَّ يَفْعَلُهُ ( نَسَخَ عَنْهُ الْفِعْلُ مُقْتَضَى الْقَوْلِ أَيْ دَلَّ ) الْفِعْلُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ نَسْخِ الْقَوْلُ ( وَيَثْبُتُ ) الْفِعْلُ ( عَلَى الْأُمَّةِ عَلَى صِفَتِهِ مَرَّةً ) بِذَلِكَ الْفِعْلِ النَّاسِخِ ( لِفَرْضِ الِاتِّبَاعِ فِيمَا عُلِمَ وَعَدَمِ التَّكْرَارِ وَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ ( فَالثَّلَاثَةُ ) الْأَقْوَالُ فِيهِ تَقْدِيمُ الْفِعْلِ فَيَثْبُتُ الْفِعْلُ فِي حَقِّهِمْ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ فَيَحْرُمُ وَالْوَقْفُ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمٌ ( قِيلَ وَالْمُخْتَارُ الْوَقْفُ وَنَظَرَ فِيهِ ) وَالنَّاظِرُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ ( بِأَنْ لَا تَعَارُضَ مَعَ تَأَخُّرِ الْقَوْلِ ) الْخَاصِّ بِهِ ( فَيُؤْخَذُ بِهِ ) أَيْ بِالْقَوْلِ حُكْمًا بِأَنَّ الْفِعْلَ مُتَقَدِّمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أُخِذَ بِالْفِعْلِ نُسِخَ مُوجَبُ الْقَوْلِ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ ( تَرْجِيحًا لِرَفْعِ مُسْتَلْزِمِ النَّسْخِ وَعُلِمَتْ اسْتِوَاءُ حَالَتَيْ الْأُمَّةِ فِيهِمَا ) أَيْ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ وَتَأَخُّرِهِ ( مِنْ ثُبُوتِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ ( مَرَّةً مِنْهُمْ ) أَيْ عَلَيْهِمْ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّوَقُّفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى دَفْعِ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ عَلَى الْوَقْفِ يَعْنِي أَنَّهُ عَلِمَ حَالَ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَحَلِّ الْجَهْلِ مِنْ تَقَدُّمِ الْقَوْلِ

وَتَأَخُّرِهِ فَلَمْ يَبْقَ التَّرَدُّدُ إلَّا فِي حَالَةٍ فَإِنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِمَا وَتَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ اخْتِيَارُ الْوَقْفِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِاسْتِعْلَامِ الثَّابِتِ لَهُ ( وَإِنْ ) كَانَ الْقَوْلُ ( خَاصًّا بِهِمْ ) بِأَنْ فَعَلَ وَقَالَ لَا يَحِلُّ لِلنَّاسِ هَذَا ( فَلَا تَعَارُضَ فِي حَقِّهِ ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْقَوْلِ بِهِ عُلِمَ تَقَدُّمُهُ أَوْ لَا ( وَفِيهِمْ ) أَيْ فِي الْأُمَّةِ ( الْمُتَأَخِّرُ ) مِنْ الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ ( نَاسِخٌ لِلْمَرَّةِ ) فَإِنَّ الْفِعْلَ بِلَا تَكْرَارٍ يُوجِبُ الْمَرَّةَ فَيَنْسَخُهَا كَمَا لَوْ قَالَ : صُومُوا يَوْمَ سَبْتٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ مَرَّةً فَإِذَا أَفْطَرَ - وَالْأُمَّةُ مِثْلُهُ - أَوْ قَالَ لَا تَصُومُوا فِيهِ نَسَخَ عَنْهُمْ الصَّوْمَ فِيهِ ( وَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ ( فَالثَّلَاثَةُ ) الْأَقْوَالِ فِيهِ الْوَقْفُ وَتَقْدِيمُ الْفِعْلِ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ ( وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ وَإِنْ ) كَانَ ( شَامِلًا ) لَهُ وَلَهُمْ ( فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِيهِ وَفِيهِمْ فِي عِلْمِ الْمُتَأَخِّرِ ) مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فَفِي حَقِّهِ إنْ تَقَدَّمَ الْفِعْلُ فَلَا يُعَارَضُ لِعَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِعْلِ وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فَالْفِعْلُ نَاسِخٌ لَهُ وَفِي حَقِّ الْمُتَأَخِّرِ نَاسِخٌ ( وَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ فِي حَقِّهِ وَحَقِّنَا ( فَالثَّلَاثَةُ ) الْأَقْوَالِ الْوَقْفُ وَتَقْدِيمُ الْفِعْلِ وَتَقْدِيمُ الْقَوْلِ ( وَالْمُخْتَارُ الْقَوْلُ فَيُنْسَخُ عَنْهُمْ الْمَرَّةَ لَكِنْ لَوْ قُدِّمَ الْفِعْلُ وَجَبَتْ ) الْمَرَّةُ ( فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ ) أَيْ وَفِي وُجُوبِهِ مَرَّةً ( ثُمَّ تَقُولُ فِي الْوَجْهِ الَّذِي قُدِّمَ بِهِ الْقَوْلُ ) عَلَى الْفِعْلِ وَالْوَقْفِ ( حَيْثُ قُدِّمَ ) عَلَيْهِمَا مِنْ أَنَّهُ وَضَعَ الْقَوْلَ لِبَيَانِ الْمُرَادَاتِ إلَى آخِرِ مَا سَلَفَ ( نَظَرٌ وَإِنَّمَا يُفِيدُ ) الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ ( تَقْدِيمَهُ ) أَيْ الْقَوْلِ ( وَلَوْ كَانَ ) التَّقْدِيمُ ( بِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ مُلَاحَظَةِ ذَاتِ الْفِعْلِ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْقَوْلِ ( لَكِنَّ النَّظَرَ بَيْنَ فِعْلٍ دَلَّ عَلَى خُصُوصِ حُكْمِهِ وَعَلَى ثُبُوتِهِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَفِي

الْحَقِيقَةِ النَّظَرُ ) إنَّمَا هُوَ ( فِي تَقْدِيمِ الْقَوْلِ عَلَى مَجْمُوعِ أَدِلَّةٍ مِنْهَا قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَالْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَدُلُّ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَجْمُوعِ فَإِنَّمَا عَارَضَهُ مَا دَلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَيْهِ ) أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعِ ( فَاسْتَوَيَا ) أَيْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ ( وَالْأَدِلِّيَّةُ وَنَحْوُهُ ) مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَعَمِّيَّةِ وَغَيْرِهَا ( طَرْدًا وَحِينَئِذٍ ) لَا أَثَرَ لَهَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ ( فَالْوَجْهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ ) التَّعَارُضِ ( مُلَاحَظَةُ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ يَقَعُ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ ) تَقْدِيمِ ( الْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ ) الَّذِي فِيهِ الِاحْتِيَاطُ ( كَفِعْلٍ عُرِفَتْ صِفَتُهُ وُجُوبٌ أَوْ نَدْبٌ أَوْ حُكِمَ فِيهِ بِذَلِكَ ) أَيْ بِالْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ إذَا كَانَ التَّارِيخُ مَجْهُولًا ( يُقَدَّمُ ) الْفِعْلُ الْمَذْكُورُ ( عَلَى الْقَوْلِ الْمُبِيحِ وَقَلْبَهُ الْقَوْلَ ) فَيُقَدَّمُ الْقَوْلُ الْمُبِيحُ عَلَى فِعْلٍ عُرِفَتْ صِفَتُهُ مِنْ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ أَوْ حُكِمَ فِيهِ بِذَلِكَ ( وَكَذَا الْقَوْلُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُحَرَّمًا مَعَ الْفِعْلِ مُطْلَقًا ) يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ مُطْلَقًا ( وَقَوْلُ كَرَاهَةٍ مَعَ فِعْلِ إبَاحَةٍ ) يُقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي ( وَقِسْ ) عَلَى هَذِهِ أَمْثَالَهَا ( فَأَمَّا إذَا لَمْ تُعْرَفْ صِفَةُ الْفِعْلِ فَعَلَى الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ ( وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ كَذَلِكَ ) أَيْ لَهُ وَلَهُمْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالنَّدْبِ فِيمَا لَمْ يُعْرَفْ صِفَةُ فِعْلِهِ وَالْآخَرِينَ الْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ فِيهِ ( وَعَلَى خُصُوصِ هَذِهِ ) الْأَحْكَامِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ ( بِالْأُمَّةِ الْمُتَأَخِّرِ ) مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ ( نَاسِخٌ عَنْهُمْ فِعْلًا ) كَانَ ( أَوْ قَوْلًا شَامِلًا ) لَهُ وَلَهُمْ ( أَوْ خَاصًّا بِهِمْ فَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ ( فَالْمُخْتَارُ مَا فِيهِ الِاحْتِيَاطُ كَمَا ذَكَرْنَا وَعَلَى الْوَقْفِ فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ ( سِوَى إطْلَاقِ الْفِعْلِ إنْ تَأَخَّرَ الْقَوْلُ النَّافِي لَهُ ) أَيْ

إطْلَاقِ الْفِعْلِ حَالَ كَوْنِهِ ( خَاصًّا بِهِ ) بِأَنْ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَالَ : لَا يَحِلُّ لِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( مَنَعَهُ ) أَيْ نَسَخَ الْقَوْلُ إطْلَاقَ الْفِعْلِ ( فِي حَقِّهِ دُونَهُمْ ) فَيَسْتَمِرُّ لَهُمْ مُوجَبُ الْفِعْلِ وَهُوَ حِلَّةٌ لَهُمْ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ ( أَوْ ) حَالَ كَوْنِهِ خَاصًّا ( بِهِمْ ) كَأَنْ قَالَ : لَا يَحِلُّ لِأُمَّتِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ( فَفِي حَقِّهِمْ ) أَيْ نَسَخَ الْقَوْلُ إطْلَاقَ الْفِعْلِ فِي حَقِّهِمْ وَحَكَمْنَا بِالْإِطْلَاقِ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا زَادَ عَلَيْهِ ( أَوْ ) حَالَ كَوْنِهِ ( شَامِلًا ) لَهُ وَلَهُمْ ( نَفْيُ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا ) أَيْ نَسْخُ الْحِلِّ الَّذِي كَانَ مُقْتَضَى الْفِعْلِ عَنْ الْكُلِّ وَزَالَ الْوَقْفُ مُطْلَقًا ( فَلَوْ كَانَ ) الْقَوْلُ الْمُتَأَخِّرُ ( مُوجِبًا أَوْ نَادِبًا قَرَّرَهُ ) أَيْ الْفِعْلَ ( عَلَى مُقْتَضَاهُ ) أَيْ الْقَوْلِ مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ ( وَإِنْ ) كَانَ الْمُتَأَخِّرُ ( الْفِعْلَ وَالْقَوْلُ خَاصٌّ بِهِ ) كَأَنْ يَقُولَ أَوَّلًا لَا يَحِلُّ لِي صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَصُومُ ( فَالْوَقْفُ فِيمَا سِوَى مُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ الْكُلِّ ) أَيْ ثَبَتَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِ وَحَقِّهِمْ بِمُقْتَضَى الْفِعْلِ الْمُتَأَخِّرِ مَعَ الْوَقْفِ عَمَّا سِوَى فِي حَقِّ الْكُلِّ ( أَوْ ) كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا ( بِهِمْ ) كَأَنْ يَقُولَ : لَا يَحِلُّ لِلْأُمَّةِ صَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِصَوْمِهِ ( أَوْ شَامِلًا ) لَهُ وَلَهُمْ كَلَا يَحِلُّ لِي وَلَكُمْ ثُمَّ صَامَهُ ( مُنِعُوا ) أَيْ مُنِعَ الْحِلُّ فِي حَقِّهِمْ ( دُونَهُ ) فَيَحِلُّ لَهُ ( وَإِنْ جُهِلَ ) الْمُتَأَخِّرُ ( فَفِي الْأَوَّلِ ) أَيْ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِ ( الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُتَأَخِّرُ الْقَوْلَ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَوْ الْفِعْلَ حَلَّ لَهُ وَلَسْنَا مَأْمُورِينَ بِالْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ فَنَقِفُ عَنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ( وَالْحِلُّ لَهُمْ ) أَيْ فَيُحْكَمُ بِالْحِلِّ فِي حَقِّهِمْ ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ لَهُمْ تَقَدَّمَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ ( وَفِي الثَّانِي )

أَيْ إذَا كَانَ الْقَوْلُ خَاصًّا بِهِمْ ( مُنِعُوا ) لِثُبُوتِهِ لَهُمْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ أَوْ تَأَخَّرَ وَجَهْلُ الْمُتَأَخِّرِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ الْوَاقِعِ أَحَدَهُمَا ( وَحَلَّ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يُوجِبُهُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ الْقَوْلُ ( وَفِي الثَّالِثِ ) أَيْ إذَا كَانَ شَامِلًا لَهُ وَلَهُمْ ( الْوَقْفُ فِي حَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْقَوْلُ الشَّامِلُ مُتَأَخِّرًا عَنْ فِعْلِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَوْ مُتَقَدِّمًا حَلَّ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْكُمَ فِي حَقِّهِ بِشَيْءٍ فَيَجِبُ فِيهِ الْوَقْفُ ( وَمُنِعُوا ) ؛ لِأَنَّهُمْ فِي التَّأَخُّرِ وَالتَّقَدُّمِ كَذَلِكَ .

ثُمَّ لَمَّا كَانَ مِمَّا يَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ التَّعَارُضِ التَّرْجِيحُ أَعْقَبَهُ بِفَصْلٍ فِيهِ فَقَالَ ( فَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ ) أَيْ بَعْضُهُمْ ( التَّرْجِيحَ اقْتِرَانَ الْأَمَارَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا ) وَعَلَى هَذَا مَشَى ابْنُ الْحَاجِبِ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ( وَإِنْ كَانَ ) هُوَ ( الرُّجْحَانَ وَسَبَبَ التَّرْجِيحِ ) ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ جَعْلُ أَحَدِ جَانِبَيْ الْمُتَعَامِلَيْنِ رَاجِحًا بِإِظْهَارِ فَضْلٍ فِيهِ لَا تَقُومُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ كَتَرْجِيحِ إحْدَى كِفَّتَيْ الْمِيزَانِ عَلَى الْأُخْرَى بِنَحْوِ شَعِيرَةٍ وَذَلِكَ الْفَضْلُ هُوَ الرُّجْحَانُ وَالسَّبَبُ الدَّاعِي إلَى جَعْلِهِ زَائِدًا عَلَى مُعَامَلَةٍ ( فَالتَّرْجِيحُ ) أَيْ فَهُوَ التَّرْجِيحُ ( اصْطِلَاحًا ) لِمُعَرِّفِي التَّرْجِيحِ بِهِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ فِيهِ وَمَجَازٌ لُغَوِيٌّ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ ( وَالْأَمَارَةُ ) أَيْ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لَا الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَلَا مَا هُوَ أَعَمَّ مِنْهُمَا ( لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ مَعَ قَطْعٍ ) كَمَا سَلَفَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ ( وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ ) فِي أَوَّلِ فَصْلِ التَّعَارُضِ بَلْ التَّحْقِيقُ جَرَيَانُهُ فِي الْقَطْعِيَّيْنِ أَيْضًا كَمَا فِي الظَّنِّيَّيْنِ وَإِنَّ تَخْصِيصَ الظَّنِّيَّيْنِ بِهِ دُونَ الْقَطْعِيَّيْنِ تَحَكُّمٌ ثُمَّ قِيلَ : يَتَسَاقَطُ الدَّلِيلَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عَلِيٍّ وَابْنُهُ : يَلْزَمُ التَّخْيِيرُ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَمَارَةِ الَّتِي ظَهَرَ رُجْحَانُهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا ) أَيْ الْأَمَارَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا تَقْوَى بِهِ عَلَى مُعَارِضِهَا ( لِلْقَطْعِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِهِ ) أَيْ بِتَقْدِيمِهَا كَمَا يُفِيدُهُ تَتَبُّعُ الْوَقَائِعِ الْكَثِيرَةِ لَهُمْ وَمِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُهُمْ خَبَرَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي { الْغُسْلِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ } عَلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ } كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ سِيَاقُ خَبَرِهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِكَوْنِ الْحَالِ فِي مِثْلِهِ عَلَى أَزْوَاجِهِ أَبْيَنَ وَأَكْشَفَ .
( وَأُورِدَ ) عَلَى الْأَكْثَرِينَ ( شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ مَعَ ) شَهَادَةِ ( اثْنَيْنِ ) إذَا تَعَارَضَتَا فَإِنَّ الظَّنَّ بِالْأَرْبَعَةِ أَقْوَى مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ وَلَا تُقَدَّمُ شَهَادَةُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ ( فَالْتُزِمَ ) تَقْدِيمُ شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ ( وَالْحَقُّ الْفَرْقُ ) بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّلِيلِ إذْ كَمْ مِنْ وَجْهٍ تُرَجَّحُ بِهِ الْأَدِلَّةُ وَلَا تُرَجَّحُ بِهِ الشَّهَادَاتُ ، وَوُجِّهَ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي الشَّرْعِ مَقْدُورَةٌ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ فَكَفَّيْنَا الِاجْتِهَادَ فِيهَا بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ ( وَلِلْحَنَفِيَّةِ ) فِي تَعْرِيفِ التَّرْجِيحِ بِنَاءً ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ التَّرْجِيحَ ( فِعْلُ إظْهَارِ الزِّيَادَةِ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ ) فَخَرَجَ النَّصُّ مَعَ الْقِيَاسِ الْمُعَارِضِ لَهُ صُورَةً فَلَا يُقَالُ : النَّصُّ رَاجِحٌ عَلَيْهِ وَلَا الْعَمَلُ بِالنَّصِّ تَرْجِيحٌ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي هِيَ الِاتِّحَادُ فِي النَّوْعِ وَقَدْ عَرَفْت فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِمَا لَا يَسْتَقِلُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّعَارُضِ ، وَالرُّجْحَانُ تَابِعٌ مَعَ التَّمَاثُلِ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهَا أَيْضًا الْآنَ وَعَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ أَيْضًا مَا فِي مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ وَغَيْرِهِ تَقْوِيَةُ إحْدَى الْإِمَارَتَيْنِ لِيُعْمَلَ بِهَا ( وَعَلَى مِثْلِ مَا قَبْلَهُ ) أَيْ وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّرْجِيحِ الرُّجْحَانُ قَوْلُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ ( فَضْلٌ إلَخْ ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَصْفًا فَلَا حَاجَةَ إلَى نِسْبَةِ قَائِلِهِ إلَى الْمُسَاهَلَةِ كَمَا ذَكَرَ الشَّارِحُونَ إذْ لَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحِ .
( وَأَفَادَ ) تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ ( نَفْيَ التَّرْجِيحِ بِمَا يَصْلُحُ دَلِيلًا ) فِي نَفْسِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الدَّلِيلِ الْمُوَافِقِ فَلَا يُقَالُ لِمَا تَعَارَضَ فِيهِ حَدِيثَانِ أَوْ

قِيَاسَانِ إذَا وُجِدَ دَلِيلٌ آخَرُ مُوَافِقٌ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مُقْتَضَاهُ دُونَ الْآخَرِ إنَّ الْمُوَافِقُ لِمُوَافِقِهِ رَاجِحٌ عَلَى مُعَارِضَهُ ثُمَّ إذَا كَانَ مَعْنَى التَّرْجِيحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا ( فَبَطَلَ ) التَّرْجِيحُ لِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ ( بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ ) لَهُ عَلَى الْآخَرِ ( عِنْدَهُمْ ) لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ بِثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ بِهِ فَلَا يَنْضَمُّ إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَّحِدُ بِهِ لِيُفِيدَ تَقْوِيَتَهُ ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَتَقَوَّى بِصِفَةٍ تُوجَدُ فِي ذَاتِهِ لَا بِانْضِمَامِ مِثْلِهِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْمَحْسُوسَاتِ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ هَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَخِلَافَهُ عَنْ الْأَكْثَرِ وَالْوَجْهَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ آخِرَ هَذَا الْفَصْلِ .

ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا أَنَّ النَّصَّيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا بِالْقِيَاسِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَتَرْجِيحُ مَا ) أَيْ نَصٍّ ( يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا ) أَيْ نَصٍّ ( يُخَالِفُهُ ) أَيْ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ ( لَيْسَ بِهِ ) أَيْ بِالتَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ ( عِنْدَ قَابِلِهِ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَنْ يَقْبَلُ التَّرْجِيحَ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ وَيَرَاهُ مَذْهَبًا ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقِيَاسَ الْمُوَافِقَ لِلنَّصِّ ( غَيْرُ مُعْتَبَرٍ هُنَاكَ ) أَيْ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ ( فَلَيْسَ ) الْقِيَاسُ ثَمَّةَ ( دَلِيلًا وَالِاسْتِقْلَالُ فَرْعُهُ ) أَيْ كَوْنُهُ دَلِيلًا بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصْفِ لِذَلِكَ النَّصِّ فَتَرْجِيحُهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ( وَصَحَّ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ ( نَفْيُهُ ) أَيْ تَرْجِيحُ مَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا يُخَالِفُهُ بِهِ وَذُكِرَ فِي الْكَشْفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْقِيَاسَ ( دَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ مُسْتَقِلٌّ ) وَلِذَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ( لَكِنْ عَدَمُ شَرْطِ اعْتِبَارِهِ ) هُنَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ مَا بِهِ التَّرْجِيحَ أَنَّ الْأَحَقَّ أَنَّهُ يَتَرَجَّحُ بِهِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ وَجْهَهُ وَالْجَوَابَ عَنْ وَجْهِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَالْقِيَاسُ عَلَى مِثْلِهِ ) أَيْ وَتَرْجِيحُ الْقِيَاسِ عَلَى قِيَاسٍ مِثْلِهِ مُعَارِضٍ لَهُ ( بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ ) كَمَا سَيَأْتِي تَمْثِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ التَّرْجِيحِ بِكَثْرَةِ الْأَدِلَّةِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْأُصُولَ ( لَا تُوجِبُ حُكْمَ الْفَرْعِ ) بَلْ تُوجِبُ زِيَادَةَ تَأْكِيدٍ وَلُزُومٍ لِلْحُكْمِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ لِيُحْدِثَ فِيهِ قُوَّةً مُرَجِّحَةً ( وَهُوَ ) أَيْ وُجُوبُ حُكْمِ الْفَرْعِ بِالْقِيَاسِ هُوَ ( الْمَطْلُوبُ ) مِنْ

الْقِيَاسِ ( فَيُعْتَبَرُ فِيهِ ) أَيْ الْفَرْعِ ( التَّعَارُضُ ) بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ ثُمَّ يُرَجَّحُ الْقِيَاسُ الَّذِي لَهُ أُصُولٌ يُؤْخَذُ فِيهَا جِنْسُ الْوَصْفِ أَوْ نَوْعُهُ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ ( فَهُوَ ) أَيْ التَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الْأُصُولِ تَرْجِيحٌ ( بِقُوَّةِ الْأَثَرِ ) وَهُوَ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي تَرْجِيحِ الْأَقْيِسَةِ كَمَا سَيُعْلَمُ .

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا بِهِ التَّرْجِيحُ فِي الْمَتْنِ فَقَالَ ( فَفِي الْمَتْنِ ) أَيْ مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَنَحْوِهَا يَكُونُ ( بِقُوَّةِ الدَّلَالَةِ كَالْمُحْكَمِ فِي عُرْفِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُفَسَّرُ عِنْدَهُمْ ( عَلَى النَّصِّ ) كَذَلِكَ ( وَهُوَ ) أَيْ النَّصُّ كَذَلِكَ ( عَلَى الظَّاهِرِ ) كَذَلِكَ وَالْكُلُّ ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْمَبَادِئِ اللُّغَوِيَّةِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِتَرْجِيحِ الْأَقْوَى دَلَالَةً ( لَزِمَ نَفْيُ التَّشْبِيهِ ) عَنْ الْبَارِي جَلَّ وَعَزَّ ( فِي { عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } وَنَحْوِهِ مِمَّا ظَاهِرُهُ يُوهِمُ الْمَكَانَ ( بِ ) قَوْله تَعَالَى ( { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } ) ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي نَفْيَ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَيْءٍ مَا وَالْمَكَانُ وَالْمُتَمَكِّنُ فِيهِ يَتَمَاثَلَانِ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ إذْ حَقِيقَةُ الْمَكَانِ قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الْمُتَمَكِّنُ لَا مَا فُصِلَ عَنْهُ وَقُدِّمَ الْعَمَلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَا تَحْمِلُ تَأْوِيلًا ( وَيُضْبَطُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاصْطِلَاحَيْنِ ) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَلْقَابِ أَفْرَادِ تَقْسِيمَاتِ الدَّلَالَةِ لِلْمُفْرَدِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي الْمَبَادِئ اللُّغَوِيَّةِ ( يَجْمَعُ ) أَيْ يَحْكُمُ بِوُجُودِ بَعْضِ الْأَقْسَامِ عَلَى الِاصْطِلَاحَيْنِ جَمِيعًا فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ ( وَيُفَرِّقُ ) أَيْ وَيَحْكُمُ بِوُجُودِ بَعْضِهَا عَلَى أَحَدِ الِاصْطِلَاحَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَيَنْشَأُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ تَرْجِيحُ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِحَسْبِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي قُوَّةِ الدَّلَالَةِ ( وَالْخَفِيُّ ) تَرْجِيحٌ ( عَلَى الْمُشْكِلِ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِمَا عُرِفَ ثَمَّةَ مِنْ أَنَّ الْخَفَاءَ فِي الْمُشْكِلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْخَفِيِّ ( وَأَمَّا الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُتَشَابِهِ ) بِاصْطِلَاحِ الْحَنَفِيَّةِ ( فَلَا يُتَصَوَّرُ ) تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( وَلَوْ ) قَصَدَ

إلَيْهِ ( بَعْدَ الْبَيَانِ ) لِلْمُجْمَلِ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ تَرْجِيحَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( بَعْدَ فَهْمِ مَعْنَاهُمَا ) ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ وَالْمُتَشَابِهُ انْقَطَعَ رَجَاءُ مَعْرِفَتِهِ فِي الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ ( وَالْحَقِيقَةُ ) تُرَجَّحُ ( عَلَى الْمَجَازِ الْمُسَاوِي ) فِي الِاسْتِعْمَالِ لَهَا ( شُهْرَةً ) وَ ( اتِّفَاقًا ) لِتَرَجُّحِهَا عَلَيْهِ بِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ ( وَفِي ) تَرْجِيحِ الْمَجَازِ ( الزَّائِدِ ) فِي الِاسْتِعْمَالِ مِنْ حَيْثُ الشُّهْرَةُ عَلَيْهَا ( خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ ) فَقَالَ يُرَجَّحُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الصَّاحِبَانِ يُرَجَّحُ عَلَيْهَا وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ .

( وَالصَّرِيحُ عَلَى الْكِنَايَةِ وَالْعِبَارَةُ عَلَى الْإِشَارَةِ ) ( وَهِيَ ) أَيْ الْإِشَارَةُ ( عَلَى الدَّلَالَةِ مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ ) وَمِثْلُ هَذِهِ مَذْكُورٌ فِي الشُّرُوحِ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهَا ( وَهِيَ ) أَيْ الدَّلَالَةُ ( عَلَى الْمُقْتَضَى وَلَمْ يُوجَدَ لَهُ ) أَيْ لِتَرْجِيحِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ( مِثَالٌ فِي الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ يَتَحَقَّقُ ) لَهُ مِثَالٌ فِيهَا وَهُوَ مَا ( إذَا بَاعَهُ ) أَيْ عَبْدًا ( بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ ) الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ( أَعْتِقْهُ عَنِّي بِمِائَةٍ ) فَفَعَلَ إذْ ( دَلَالَةُ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ) السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَلِيهَا فَصْلُ التَّعَارُضِ ( تَنْفِي صِحَّتَهُ ) أَيْ بَيْعِ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ الثَّابِتِ لِلْبَائِعِ اقْتِضَاءً لِشِرَائِهِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ ( وَاقْتِضَاءُ الصُّورَةِ ) أَيْ قَوْلُ غَيْرِ مَالِكِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي بِمِائَةٍ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ ( يُوجِبُهَا ) أَيْ صِحَّةَ الْبَيْعِ الْمُقْتَضَى ( وَلَيْسَ ) هَذَا مِثَالًا لِتَرْجِيحِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُقْتَضَى ( إذْ لَيْسَا ) أَيْ بَيْعُ زَيْدٍ وَاقْتِضَاءُ الصُّورَةِ صِحَّةَ الْبَيْعِ ( دَلِيلَيْنِ ) سَمْعِيَّيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَأَيْنَ تَعَارُضُ الدَّلِيلَيْنِ الَّذِي التَّرْجِيحُ فَرْعُهُ ؟ ، ( وَلِأَنَّ حَدِيثَ زَيْدٍ إنَّمَا نُسِبَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى زَيْدٍ ( لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ فِي زَمَنِ عَائِشَةَ الرَّادَّةِ عَلَيْهِ ) بِهِ ( فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ ) أَيْ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِي وَاقِعَةِ زَيْدٍ لِغَيْرِ زَيْدٍ إذَا وَقَعَ مِنْهُ مِثْلُ مَا وَقَعَ مِنْ زَيْدٍ ( مِثْلَهُ ) أَيْ مِثْلَ زَيْدٍ ( دَلَالَةً إذْ هُوَ ) أَيْ الْحَدِيثُ الْمَرْدُودُ بِهِ عَلَى زَيْدٍ ( { نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ شِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ } فَيَثْبُتُ ) هَذَا النَّهْيُ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ زَيْدٍ ( عِبَارَةً كَمَا ) يَثْبُتُ ( فِيهِ ) أَيْ فِي زَيْدٍ عِبَارَةً أَيْضًا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ وَاقِعَتَهُ مَثَارُ رِوَايَةِ عَائِشَةَ الْحَدِيثَ

وَهُوَ مُنْطَبِقٌ عَلَى وَاقِعَةِ زَيْدٍ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا وُجِدَ فِيهِ مِثْلُ هَذَا الصَّنِيعِ كَهَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ارْتِكَابِ تَصْحِيحِ كَلَامِ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ بِجَعْلِهَا صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الِاقْتِضَاءِ ( وَكَيْفَ ) يَكُونُ هَذَا مِنْ تَعَارُضِ الدَّلَالَةِ وَالْمُقْتَضَى ( وَلَا أَوْلَوِيَّةَ ) لِهَذِهِ الصُّورَةِ بِالْحُكْمِ الْمَذْكُورِ لِبَيْعِ زَيْدٍ عَلَى اشْتِرَاطِ أَوْلَوِيَّةِ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ فِي الدَّلَالَةِ ( وَلَا لُزُومَ فَهْمِ الْمَنَاطِ ) لِلْحُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْكُوتِ ( فِي مَحَلِّ الْعِبَارَةِ ) وَلَا دَلَالَةَ بِدُونِهِ ( وَالْمُقْتَضَى ) بِفَتْحِ الضَّادِ ( لِلصِّدْقِ ) أَيْ ضَرُورَةَ صِدْقِ الْكَلَامِ يُرَجَّحُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُقْتَضَى ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الصِّدْقِ وَهُوَ وُقُوعُهُ شَرْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ أَهَمُّ مِنْ وُقُوعِهِ شَرْعِيًّا .

( وَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ عَلَى ) مَفْهُومِ ( الْمُخَالَفَةِ ) ( عِنْدَ قَابِلِهِ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِيمَا تَقَدَّمَ آنِفًا أَيْ مَنْ يَقْبَلُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ أَقْوَى وَمِنْ ثَمَّةَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ وَأُلْحِقَ بِالْقَطْعِيَّاتِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فَانْتَفَى قَوْلُ الْآمِدِيِّ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ فَائِدَةَ التَّأْسِيسِ وَفَائِدَةَ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ التَّأْكِيدُ وَالتَّأْسِيسُ أَصْلٌ وَالتَّأْكِيدُ فَرْعٌ وَالثَّانِي أَنَّ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَقْدِيرِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَبَيَانِ فِعْلِ وُجُودِهِ فِي فِعْلِ الْمَسْكُوتِ وَإِنَّ اقْتِضَاءَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ أَشَدُّ وَأَمَّا مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النُّطْقِ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَحَقِّقٍ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ أَوْلَى بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُعَارِضٌ فِي مَحَلِّ السُّكُوتِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرَاتٍ أَرْبَعٍ أَوْلَى مِمَّا لَا يَتِمُّ إلَّا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فَهُوَ مُهْدَرُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ ( وَالْأَقَلُّ احْتِمَالًا ) عَلَى الْأَكْثَرِ احْتِمَالًا ( كَالْمُشْتَرَكِ لِاثْنَيْنِ عَلَى مَا ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( لِأَكْثَرَ ) لِبُعْدِ الْأَوَّلِ عَنْ الِاضْطِرَابِ وَقُرْبِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَقْصُودِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي .

( وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ ) إلَى الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ إلَيْهَا ( وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ ) يُرَجَّحُ الْمَجَازُ عَلَى مَجَازٍ آخَرَ ( بِأَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ ) أَيْ الْعَلَاقَةِ إلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ ( كَالسَّبَبِ الْأَقْرَبِ ) فِي الْمُسَبَّبِ ( عَلَى ) السَّبَبِ ( الْأَبْعَدِ ) مِنْهُ فِي الْمُسَبَّبِ ( وَقُرْبِهِ ) أَيْ وَبِقُرْبِ الْمُصَحِّحِ إلَى الْحَقِيقَةِ فِي ذَلِكَ الْمَجَازِ ( دُونَ ) الْمُصَحِّحِ ( الْآخَرِ ) فِي الْمَجَازِ الْآخَرِ ( كَالسَّبَبِ ) أَيْ كَإِطْلَاقِ اسْمِ السَّبَبِ ( عَلَى الْمُسَبَّبِ عَلَى عَكْسِهِ ) أَيْ إطْلَاقِ اسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَلَمَّا عَلَّلُوا هَذَا بِأَنَّ السَّبَبَ مُسْتَلْزِمٌ لِمُسَبَّبِهِ وَلَا عَكْسَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسَبَّبَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبَبًا مُعَيَّنًا لِجَوَازِ ثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ بِخِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ يَسْتَلْزِمُ الْمُسَبَّبَ الْمُعَيَّنَ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَيَنْبَغِي تَعَارُضُهُمَا ) أَيْ مَا سُمِّيَ بِاسْمِ سَبَبِهِ وَمَا سُمِّيَ بِاسْمِ مُسَبَّبِهِ ( فِي ) السَّبَبِ ( الْمُتَّحِدِ ) لِمُسَبَّبٍ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ بِعَيْنِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِغَيْرِ هَذَا ( وَمَا ) أَيْ الْمَجَازُ الَّذِي ( جَامِعُهُ ) أَيْ عَلَاقَتُهُ ( أَشْهُرُ ) يَتَرَجَّحُ عَلَى مَجَازٍ لَيْسَتْ عَلَاقَتُهُ كَذَلِكَ ( وَ ) الْمَجَازُ ( الْأَشْهَرُ ) اسْتِعْمَالًا ( مُطْلَقًا ) أَيْ فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الشَّرْعِ أَوْ فِي الْعُرْفِ عَلَى غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْحَقِيقَةِ .

( وَالْمَفْهُومُ وَالِاحْتِمَالُ الشَّرْعِيَّانِ ) يَتَرَجَّحَانِ عَلَى الْمَفْهُومِ وَالِاحْتِمَالِ اللَّذَيْنِ لَيْسَا بِشَرْعِيَّيْنِ ( بِخِلَافِ ) اللَّفْظِ ( الْمُسْتَعْمَلِ ) لِلشَّارِعِ ( فِي ) مَعْنَاهُ ( اللُّغَوِيِّ مَعَهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ لَهُ ( فِي ) الْمَعْنَى ( الشَّرْعِيِّ ) فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ عَلَى الشَّرْعِيِّ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا مُمْكِنَيْنِ فِي إطْلَاقٍ ( وَفِيهِ ) أَيْ هَذَا ( نَظَرٌ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيهِ وَاسْتِعْمَالَهُ لَهُ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ يُوجِبُ نَقْلَهُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهِ فَتَقْدِيمُ اللُّغَوِيِّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ تَقْدِيمٌ لِلْمَجَازِ عِنْدَهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنْهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلَا يَعْرَى عَنْ بَحْثٍ إذْ لَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يُقَالَ لِمَ لَا يَكُونُ اسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً كَمَا هُوَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْلِ وَفِي الْمَعْنَى الَّذِي لَيْسَ بِلُغَوِيٍّ مَجَازٌ شَرْعِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَحِينَئِذٍ فَتَقْدِيمُ اللُّغَوِيِّ عَلَيْهِ تَقْدِيمٌ لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ حَيْثُ لَا صَارِفَ عَنْهَا إلَيْهِ وَهُوَ الْجَادَّةُ وَأَيْضًا هُوَ عَمَلٌ بِمَا هُوَ مِنْ لِسَانِ الشَّرْعِ مَعَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِمَا هُوَ مِنْ لِسَانِهِ مَعَ التَّغْيِيرِ ( كَأَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ وَقُرْبِهِ وَأَشْهَرِيَّتِهِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ فِي تَرْجِيحِ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ نَظَرًا ( بَلْ وَأَقْرَبِيَّةُ نَفْسِ الْمَجَازِيِّ ) أَيْ بَلْ فِي تَرْجِيحِ هَذَا عَلَى مَجَازٍ لَيْسَ كَذَلِكَ نَظَرٌ أَيْضًا كَمَا سَيُعْلَمُ ( وَأَوْلَوِيَّةُ ) الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْيِ ( الصِّحَّةِ ) لِلذَّاتِ ( فِي { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } وَتَقَدَّمَ مَخْرَجُ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي بِذَيْلِ الْمُجْمَلِ عَلَى

الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ فِيهِ ( لِذَلِكَ ) أَيْ لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ الْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الذَّاتِ وَأَوْلَوِيَّةُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ( مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ النَّفْيَ عَلَى النِّسْبَةِ لَا ) عَلَى ( طَرَفِهَا ) الْأَوَّلِ ( وَ ) طَرَفُهَا ( الثَّانِي مَحْذُوفٌ فَمَا قُدِّرَ ) أَيْ فَهُوَ مَا قُدِّرَ خَبَرًا لِلظَّرْفِ الْأَوَّلِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( كَانَ كُلُّ الْأَلْفَاظ ) الْمَلْفُوظِ مِنْهَا وَالْمُقَدَّرِ فِي التَّرْكِيبِ الْمَذْكُورِ ( حَقَائِقَ ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مَعَانِيهَا الْوَضْعِيَّةِ ( غَيْرَ أَنَّ خُصُوصَهُ ) أَيْ الْمُقَدَّرَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ ( بِالدَّلِيلِ ) الْمُعَيِّنِ لَهُ كَمَا فِي { لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ } فَإِنَّ قِيَامَ الدَّلِيلِ عَلَى الصِّحَّةِ أَوْجَبَ كَوْنَ الْمُرَادِ كَوْنًا خَاصًّا وَهُوَ كَامِلَةٌ ( وَوَجْهُهُ ) أَيْ النَّظَرِ فِي تَقْدِيمِ مَا اشْتَمَلَ عَلَى أَقْرَبِيَّةِ الْمُصَحِّحِ إلَخْ ( أَنَّ الرُّجْحَانَ ) إنَّمَا هُوَ ( بِمَا يَزِيدُ قُوَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى الْمُرَادِ أَوْ ) بِمَا يَزِيدُ قُوَّةَ دَلَالَةٍ عَلَى ( الثُّبُوتِ ) وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لَيْسَ فِيهَا ذَلِكَ ( وَالْحَقِيقِيُّ لَمْ يُرَدْ ) أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لَمْ يُرَدْ مِنْ إطْلَاقِ اللَّفْظِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي لَيْسَ بِمُرَادٍ مِنْ اللَّفْظِ ( كَغَيْرِهِ ) مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ مِنْهُ ( وَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ فِي كُلٍّ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ تَعَيُّنَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِلَّفْظِ فِي كُلِّ اسْتِعْمَالٍ لَهُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ ( بِالدَّلِيلِ ) الْمُعَيِّنِ لَهُ ( فَاسْتَوَيَا ) أَيْ الْمَجَازِيَّانِ ( فِيهِ ) أَيْ فِي اللَّفْظِ ، وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إذَا ذُكِرَ لَفْظٌ وَصُرِفَ الدَّلِيلُ عَنْ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إلَى مَا يُصَحَّحُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ فِيهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ بِالدَّلِيلِ خُصُوصُ الْمُرَادِ بِهِ فَإِذَا لَزِمَ لَفْظٌ مِثْلُهُ آخَرُ فِيمَا يُضَادُّ الْأَوَّلَ كَانَ حَاصِلُهُ إفَادَةَ الدَّلِيلِ ثُبُوتَ إفَادَةِ ضِدَّيْنِ

بِلَفْظَيْنِ فَكَوْنُ أَحَدِ الْمُفَادَيْنِ مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بُعْدٌ وَقُرْبٌ فِي ذَاتِهِ أَوْ مُصَحِّحِهِ أَوْ شُهْرَةِ مُصَحِّحِهِ لَا أَثَرَ لَهُ إذْ بَعْدَ الْعِلْمِ يَكُونُ الْحَقِيقِيُّ لَمْ يُرَدْ صَارَ كَغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْمَعَانِي الَّتِي لَمْ تُرَدْ فَقُرْبُ الْمُرَادِ مِنْهُ وَبُعْدُهُ كَقُرْبِهِ مِنْ بَعْضِ الْمَعَانِي الْمُغَايِرَةِ لَهُ الَّتِي لَمْ تُرَدْ ، وَبُعْدُهُ مِنْ بَعْضٍ آخَرَ لَا يَزِيدُ بِالْقُرْبِ إلَيْهِ قُوَّةَ دَلَالَتِهِ عَلَى خُصُوصِ ذَلِكَ مَعْنَى الْمُرَادِ وَلَا بِالْبُعْدِ مِنْهُ تَضْعُفُ دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ ؟ وَلَا تَثْبُتُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْجَبَ تَعَيُّنَ إرَادَتِهِ بِعَيْنِهِ فَصَارَ كُلٌّ كَأَنَّهُ الْآخَرُ هَذَا ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ فَلَا بُدَّ فِي تَعَيُّنِ إرَادَتِهِ بِاللَّفْظِ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَكَمَا قَامَ الدَّلِيلُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الْقَرِيبَ مِنْ حَقِيقَتِهِ مُرَادٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ قَامَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ الْبَعِيدَ مِنْ حَقِيقَتِهِ مُرَادٌ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَلَا مُقْتَضَى لِضَعْفِ دَلَالَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى مُرَادِهِ دُونَ الْآخَرِ ( نَعَمْ لَوْ اُحْتُمِلَتْ دَلَالَتُهُ دُونَ الْآخَرِ ) أَيْ لَوْ أَنَّ الْقَرِينَةَ الْمُوجِبَةَ لِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا فِي إيجَابِهَا لَهُ تَرَدُّدٌ وَاحْتِمَالٌ كَانَ ضَعْفُ الدَّلَالَةِ لِذَلِكَ إذَا كَانَتْ قَرِينَةُ الْآخَرِ فِي مُرَادِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَيُقَدَّمُ مَا لَيْسَ فِي دَلَالَتِهِ ضَعْفٌ عَلَى مَا فِيهَا ضَعْفٌ ( وَذَلِكَ ) أَيْ تَقْدِيمُ الَّذِي لَيْسَ فِي دَلَالَتِهِ احْتِمَالٌ عَلَى مَا فِي دَلَالَتِهِ احْتِمَالٌ ( شَيْءٌ آخَرُ ) غَيْرُ نَفْسِ الْقُرْبِ مِنْ الْحَقِيقِيِّ الْغَيْرِ الْمُرَادِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ فَهُوَ تَرْجِيحٌ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ الِاحْتِمَالِ فِي إرَادَةِ ذَلِكَ وَعَدَمِهِ فِي إرَادَةِ الْآخَرِ فَيَرْجِعُ إلَى مَا فِيهِ احْتِمَالٌ مَعَ مَا لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ وَتَرْجِيحُ مَا لَيْسَ فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ ( وَمَا أُكِّدَتْ دَلَالَتُهُ ) بِأَنْ

تَعَدَّدَتْ جِهَاتُهَا أَوْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً تَرَجَّحَ عَلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ .

( وَالْمُطَابَقَةُ ) تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ ؛ لِأَنَّهَا أَضْبَطُ ( وَالنَّكِرَةُ فِي ) سِيَاقِ ( الشَّرْطِ ) تَتَرَجَّحُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى النَّكِرَةِ ( فِي ) سِيَاقِ ( النَّفْيِ وَغَيْرِهَا ) أَيْ عَلَى غَيْرِ النَّكِرَةِ كَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى وَالْمُضَافِ ( لِقُوَّةِ دَلَالَتِهَا ) أَيْ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ ( بِإِفَادَةِ التَّعْلِيلِ ) عَلَيْهَا إذَا كَانَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَعَلَى غَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَالْعِلَّةِ وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّلِ أَوْلَى ( وَالتَّقْيِيدُ ) لِلنَّكِرَةِ ( بِغَيْرِ الْمُرَكَّبَةِ ) أَيْ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْفَتْحِ لِكَوْنِ " لَا " فِيهَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ لِكَوْنِهَا نَصًّا فِي الِاسْتِغْرَاقِ لَا يَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ كَمَا ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ ( تَقَدَّمَ ) .
الْبَحْثُ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ ( مَا يَنْفِيهِ ) فَيَسْتَوِي الْحَالُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُرَكَّبَةً أَوْ لَا .

( وَكَذَا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى وَالْمَوْصُولُ ) يَتَرَجَّحُ كُلٌّ مِنْهُمَا ( عَلَى ) اسْمِ الْجِنْسِ ( الْمُعَرَّفِ ) بِاللَّامِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعْهُودِ فَتَصِيرُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْعُمُومِ ضَعِيفَةً عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ كَمَا تُفِيدُهُ النَّكِرَةُ فِي الشَّرْطِ وَلِهَذَا قَالَ ، وَكَذَا ( وَالْعَامُّ ) يَتَرَجَّحُ ( عَلَى الْخَاصِّ فِي الِاحْتِيَاطِ ) أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَامُّ مُحَرِّمًا وَالْخَاصُّ مُبِيحًا ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصْلَحَةِ وَدَرْءِ الْمَفْسَدَةِ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يَكُنْ الِاحْتِيَاطُ فِي الْعَمَلِ بِالْعَامِّ ( جُمِعَ ) بَيْنَهُمَا بِالْعَمَلِ بِالْخَاصِّ فِي مَحَلِّهِ وَبِالْعَامِّ فِيمَا سِوَاهُ ( كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي فَصْلِ التَّعَارُضِ ( وَالشَّافِعِيَّةُ ) يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمْ ( الْخَاصُّ دَائِمًا ) عَلَى الْعَامِّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ لِلْعَامِّ بِخِلَافِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ فَإِنَّهُ مُبْطِلٌ لِلْخَاصِّ وَلِأَنَّهُ أَقْوَى دَلَالَةً عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ دَلَالَةِ الْعَامِّ عَلَيْهِ لِإِجْمَالِ تَخْصِيصِهِ مِنْهُ إذْ أَكْثَرُ الْعُمُومَاتِ مُخَصَّصَةٌ وَأَكْثَرُ الظَّوَاهِرِ الْخَاصَّةِ مُقَرَّرَةٌ عَلَى حَالِهَا غَيْرُ مُؤَوَّلَةٍ .

( وَمَا ) أَيْ الْعَامُّ الَّذِي ( لَزِمَهُ تَخْصِيصٌ ) يَتَرَجَّحُ ( عَلَى خَاصٍّ مَلْزُومِ التَّأْوِيلِ ) ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِ الْخَاصِّ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا ( وَالتَّحْرِيمُ ) يَتَرَجَّحُ ( عَلَى غَيْرِهِ ) مِنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ( فِي الْمَشْهُورِ احْتِيَاطًا ) ظَنًّا مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ فِي ارْتِكَابِهِ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ حَرَامٍ لَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوَاجِبِ فَإِنَّ فِي تَرْكِهِ ضَرَرًا كَمَا سَنَذْكُرُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ التَّحْرِيمَ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ وَالنَّدْبَ وَالْوُجُوبَ وَالْإِبَاحَةَ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ ، وَاعْتِنَاءُ الشَّرْعِ بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ آكَدُ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ دَفْعُ كُلِّ مَفْسَدَةٍ وَلَا يَجِبُ جَلْبُ كُلِّ مَصْلَحَةٍ وَالْكَرَاهَةُ وَإِنْ كَانَتْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ إلَّا أَنَّ فِي الْعَمَلِ بِهَا تَجْوِيزًا لِلْفِعْلِ وَفِيهِ إبْطَالُ الْمُحَرَّمِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ فَكَانَ التَّحْرِيمُ أَوْلَى ، هَذَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَتْبَاعُهُ كَالْبَيْضَاوِيِّ تَسَاوِي الْمُحَرِّمِ وَالْمُوجِبِ فَيَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْمُوجِبِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَرِّمُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمُبِيحِ ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوِي لِلْمُقَدَّمِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ ثُمَّ فِي شَرْحِ الْإِسْنَوِيِّ وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ هُنَا جَوَازُ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ لِيَدْخُلَ فِيهِ الْمَكْرُوهُ وَالْمَنْدُوبُ وَالْمُبَاحُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ ، وَعَلَّلَ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ تَقْدِيمَ الْمُحَرِّمِ عَلَى الْمُبِيحِ بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْأَخْذَ بِالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ إنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ ارْتِكَابُهُ ضَرَرًا وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَلَا ضَرَرَ فِي تَرْكِهِ وَلَا بَأْسَ بِهَذَا وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ { مَا اجْتَمَعَ الْحَرَامُ وَالْحَلَالُ إلَّا وَغَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } لَكِنَّ هَذَا مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ مَرْفُوعًا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى .
نَعَمْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا ، وَالشَّعْبِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ لَهُ مُعَارِضٌ فَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ { لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ } وَفِي سَنَدِهِ إِسْحَاقُ الْفَرْوِيُّ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ .
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَوَهَّاهُ أَبُو دَاوُد جِدًّا .
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَا يُتْرَكُ وَقَالَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ شَيْخُنَا وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ مَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَلَكِنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَرُبَّمَا لُقِّنَ وَكُتُبُهُ صَحِيحَةٌ ثُمَّ عَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ مَشَى الْمُصَنِّفُ كَمَا هُوَ آتٍ وَقَالَ أَيْضًا ( وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ ) أَيْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( كَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّفَ عَلَى أُمَّتِهِ ) وَإِذَا هُنَا لِلْمَاضِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا } لِثُبُوتِهِ وَعَدَمِ خَفَائِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَمِنْ ثَمَّةَ جَزَمَ بِهِ فِي آخِرِ مَسْأَلَةٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَكِنْ بِلَفْظِ عَنْهُمْ وَفِي لَفْظٍ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا { مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا وَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا } .
وَفِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ فِيهِمَا أَيْضًا { فَمَرَرْت بِمُوسَى فَقَالَ بِمَ أُمِرْتَ ؟ قُلْت : أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ إنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنِّي - وَاَللَّهِ - قَدْ جَرَّبْتُ

النَّاسَ وَعَالَجْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ فَارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِك فَرَجَعْتُ } الْحَدِيثَ وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَرِيضَ وَذَا الْحَاجَةِ } وَفِيهِمَا أَيْضًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ وَصَلَّى فِيهَا لَيَالِيَ حَتَّى اجْتَمَعَ إلَيْهِ نَاسٌ ثُمَّ فَقَدُوا صَوْتَهُ لَيْلَةً وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا زَالَ بِكُمْ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ صَنِيعِكُمْ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، وَإِذًا ، قَدْ ثَبَتَ ثُبُوتًا مُسْتَفِيضًا شَائِعًا لَا مَرَدَّ لَهُ حُبُّهُ التَّخْفِيفَ عَنْ أُمَّتِهِ .
( اتَّجَهَ قَلْبُهُ ) أَيْ تَرْجِيحُ غَيْرِ التَّحْرِيمِ لَكِنْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ غَيْرَ التَّحْرِيمِ يَشْمَلُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ غَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا إنْ تَمَّ فِي الْإِبَاحَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكِرْهَةِ لَا يَتِمُّ فِي الْوُجُوبِ إذْ لَيْسَ فِي تَرْجِيحِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ تَخْفِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرِّمَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى الْفِعْلِ ، وَالْمُوجِبَ يَتَضَمَّنُ اسْتِحْقَاقَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ فَتَعَذَّرَ الِاحْتِيَاطُ فَلَا جَرَمَ إنْ جَزَمَ بِالتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَقَالَ لَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَمَشَى عَلَيْهِ مَنْ قَدَّمْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْحَاجِبِ وَإِنْ ذَكَرَ تَرْجِيحَ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ قَوْلًا فَقَدْ قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْآمِدِيَّ قَالَ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ الْإِبَاحَةِ وَحَاصِلُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ عَضُدُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ إرَادَةِ الْمُكَلَّفِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ لَكَانَ أَيْضًا الْوَاضِحُ وَهُوَ الْجَوَازُ الْأَصْلِيُّ وَتَعَقَّبَهُ

الْأَبْهَرِيُّ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَصَوُّرَ الْمُكَلَّفِ وَاعْتِقَادَهُ أَنَّ فِي الْفِعْلِ مَصْلَحَةً رُبَّمَا لَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَيَكُونُ خَطَأً وَلَمَّا كَانَتْ شَرْعِيَّةُ الْأَحْكَامِ تَابِعَةً لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَكَانَ الْحَظْرُ بِنَاءً عَلَى مَصْلَحَةٍ فِي التَّرْكِ أَوْ مَفْسَدَةٍ فِي الْفِعْلِ كَانَ أَوْلَى ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْدِيمِ الْإِبَاحَةِ أَيْ الْعَمَلِ بِهَا كَثْرَةُ التَّغْيِير مِنْ ارْتِفَاعِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِالْحَظْرِ ثُمَّ ارْتِفَاعُ الْحَظْرِ بِالْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِخِلَافِهِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِالْحَظْرِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا انْتَهَى .
وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا فِيهَا فَقَدْ اخْتَارَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي الْمُلَخَّصِ تَرْجِيحَ الْمُقْتَضِي لِلْإِبَاحَةِ عَلَى الْمُقْتَضِي لِلْحَظْرِ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ أَبَانَ وَأَبُو هَاشِمٍ يَتَسَاوَيَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ شَرْعِيَّانِ صَدَقَ الرَّاوِي فِيهِمَا عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَهُ التَّاجِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي جَعْفَرٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ مَعْبَدٍ مَوْلَاةُ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَتْ : إنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ الْمُحَرِّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ كَالْمُسْتَحِلِّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ } وَقَالَ سُلَيْمٌ إنْ كَانَ لِلشَّيْءِ أَصْلُ إبَاحَةٍ أَوْ حَظْرٍ وَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْآخَرَ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ كَانَ النَّاقِلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ أَوْلَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَظْرٍ وَلَا إبَاحَةٍ فَوَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا الْحَظْرُ أَوْلَى لِلِاحْتِيَاطِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُبَاحِ كَتَحْلِيلِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ هَذَا وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّشْدِيدِ ، وَعَلَيْهِ مَشَى الْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاصِلِ

وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أَظْهَرُ تَأَخُّرًا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُغْلِظُ أَوَّلًا زَجْرًا لَهُمْ عَنْ الْعَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ مَالَ إلَى التَّخْفِيفِ وَذَهَبَ الْآمِدِيُّ إلَى تَقْدِيمِ الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّغْلِيظِ عَلَى الْمُتَضَمِّنِ لِلتَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ يَرْأَفُ بِالنَّاسِ وَيَأْخُذُهُمْ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَتَعَبَّدُ بِالتَّغْلِيظِ فَاحْتِمَالُ تَأْخِيرِ التَّشْدِيدِ أَظْهَرُ قُلْت وَفِي كِلَا التَّعْلِيلَيْنِ نَظَرٌ ، فَإِنَّ كُلَّ الْمَشْرُوعَاتِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا شَأْنَهَا بَلْ فِيهَا وَفِيهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِلْمُسْتَقْرِئِ لَهَا وَلَا سِيَّمَا فِي بَابِ النَّسْخِ ثُمَّ لَعَلَّ الْأَخَفَّ أَوْلَى لِمَا أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ مَعَ مَا عِلْمٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مِنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْيُسْرَ بِنَا وَنَفْيَ الْحَرَجِ فِي الدِّينِ عَنَّا وَبِنَصِّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ وَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُعَارَضٍ بِمَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ الْأَثْقَلِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ أَكْثَرُ عَلَى مَا فِي إطْلَاقِ هَذَا أَيْضًا مِنْ نَظَرٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( وَالْوُجُوبُ ) يُرَجَّحُ ( عَلَى مَا سِوَى التَّحْرِيمِ ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ لِلِاحْتِيَاطِ ( وَالْكَرَاهَةُ ) تُرَجَّحُ ( عَلَى النَّدْبِ ) ؛ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ ( وَالْكُلُّ ) مِنْ الْكَرَاهَةِ وَالتَّحْرِيمِ وَالْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ يُرَجَّحُ ( عَلَى الْإِبَاحَةِ ) لِلِاحْتِيَاطِ ( فَتَقْدِيمُ الْأَمْرِ ) عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ ( وَالنَّهْيُ ) عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا أَوْ النَّهْيُ عَلَى الْأَمْرِ كَمَا أَطْلَقَهُ كَثِيرٌ ( لَيْسَ لِذَاتَيْهِمَا ) كَمَا يُوهِمُهُ إطْلَاقُ بَعْضِهِمْ وَإِلَّا لَمَا كَانَ الْوُجُوبُ مُقَدَّمًا عَلَى الْمَكْرُوهِ فَإِنَّ الْوُجُوبَ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهُ الْأَمْرُ وَالْكَرَاهَةُ قَدْ يَكُونُ مُفِيدُهَا النَّهْيُ بَلْ تَقْدِيمُ الْأَمْرِ عَلَى مَا سِوَى النَّهْيِ لِلِاحْتِيَاطِ وَتَقْدِيمُ النَّهْيِ عَلَى مَا سِوَاهُ مُطْلَقًا إمَّا لِلِاحْتِيَاطِ أَوْ لِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّهْيِ لِذَلِكَ ( وَالْخَاصُّ مِنْ وَجْهٍ ) يُرَجَّحُ ( عَلَى الْعَامِّ مُطْلَقًا ) ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ تَخْصِيصِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْخَاصِّ مِنْ وَجْهٍ إذْ لَا يَدْخُلُهُ التَّخْصِيصُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ ( وَ ) الْعَامُّ ( الَّذِي لَمْ يَخُصَّ ) عَلَى الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ دُخُولَ التَّخْصِيصِ يُضْعِفُ اللَّفْظَ وَالرَّازِيُّ بِأَنَّ الَّذِي قَدْ دَخَلَهُ قَدْ أُزِيلَ عَنْ تَمَامِ مُسَمَّاهُ .
وَالْحَقِيقَةُ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَجَازِ وَعَضُدُ الدِّينِ بِتَطَرُّقِ الضَّعْفِ إلَيْهِ بِالْخِلَافِ فِي حُجَّتِهِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنِيرِ وَالصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ وَالسُّبْكِيُّ عَكْسَهُ ؛ لِأَنَّ مَا خُصَّ مِنْ الْعَامِّ هُوَ الْغَالِبُ وَالْغَالِبُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَخْصُوصَ قَلَّتْ أَفْرَادُهُ حَتَّى قَارَبَ النَّصَّ إذْ كُلُّ عَامٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَصًّا فِي أَقَلِّ مُتَنَاوَلَاتِهِ فَإِذَا قَرُبَ مِنْ الْأَقَلِّ بِالتَّخْصِيصِ فَقَدْ قَرُبَ مِنْ التَّنْصِيصِ فَكَانَ أَوْلَى وَذَهَبَ ابْنُ كَجٍّ إلَى اسْتِوَائِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَةَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ كَهِيَ مِنْ اللَّفْظِ الْآخَرِ قَالَ وَقَدْ

أَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إذَا اُسْتُثْنِيَ بَعْضُهُ صَحَّ التَّعَلُّقُ بِهِ ( وَذَكَرَ مِنْ الْأَدِلَّةِ ) لِلْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ لِمَا بَيَّنَ دَلِيلَيْنِ مِنْهَا تَعَارُضٌ ، وَالْحَالُ أَنَّ ( مَا ) أَيْ الَّذِي ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الدَّلِيلَيْنِ مِنْ النَّسَبِ عُمُومٌ ( مِنْ وَجْهٍ ، مِثْلُ { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْفَاتِحَةِ } ) وَلَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ { بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } فَإِنْ هَذَا ( عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ خَاصٌّ فِي الْمَقْرُوءِ { وَمَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } ) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَنِيعٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَإِنَّ هَذَا ( خَاصٌّ بِالْمُقْتَدِي عَامٌّ فِي الْمَقْرُوءِ فَإِنْ خَصَّ عُمُومَ الْمُصَلِّينَ بِالْمُقْتَدِي عَنْ وُجُوبِهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقْتَدِي ( وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ خُصُوصَ الْمَقْرُوءِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ عُمُومَ الْمَقْرُوءِ الْمَنْفِيِّ عَنْ الْمُقْتَدِي فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ فَيَتَدَافَعَانِ ) أَيْ الدَّلِيلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمُقْتَدِي حِينَئِذٍ لِإِيجَابِ الْأَوَّلِ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي نَفْيَ قِرَاءَتِهَا عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ( فَالْوَجْهُ ) وَالْأَوْجَهُ ( فِي هَذَا ) الْمِثَالِ ( أَنْ لَا تَعَارُضَ ) بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي ( إذْ لَمْ يَنْفِ ) الدَّلِيلُ الثَّانِي ( قِرَاءَتَهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ ( عَلَى الْمُقْتَدِينَ بَلْ أَثْبَتَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ جُعِلَتْ شَرْعًا قِرَاءَةً لَهُ ) أَيْ الْمُقْتَدِي ( بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( فِي الْأَوْقَاتِ ) الثَّلَاثَةِ : وَقْتُ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَوَقْتُ اسْتِوَائِهَا حَتَّى تَزُولَ وَوَقْتُ مَيْلِهَا إلَى الْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ ( مَعَ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } أَخْرَجَهُ بِمَعْنَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَعْثِهِ مُتَعَبَّدٌ

فَإِنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فِي الْفَرْضِ الْفَائِتِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ قَالَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ يُحْمَلُ عُمُومُ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سِوَى النَّوْمِ فَهُوَ اسْتِرْوَاحٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا فِيهِ خُصُوصٌ وَعُمُومٌ فَإِنْ خَصَّ عُمُومَ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ بِخُصُوصِ الْفَائِتَةِ فِي حَدِيثِ التَّذَكُّرِ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ عُمُومَ الْأَوْقَاتِ فِيهِ بِخُصُوصِ الثَّلَاثَةِ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فَيَتَدَافَعَانِ فِي الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَحَدِيثُ النَّهْيِ يَقْتَضِي مَنْعَهُ ، وَحَدِيثُ التَّذَكُّرِ يَقْتَضِي حِلَّهُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ خَارِجٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ ) كَشَرْحِ مِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ لِلْإِسْنَوِيِّ ( يُطْلَبُ التَّرْجِيحُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي هَذَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ ( مِنْ خَارِجٍ ، وَكَذَا يَجِبُ لِلْحَنَفِيَّةِ ) طَلَبُ التَّرْجِيحِ فِيهِمَا مِنْ خَارِجٍ ؛ لِأَنَّ كُلًّا أَخَذَ مُقْتَضَى خُصُوصِهِ فِي عُمُومِ الْآخَرِ ثُمَّ وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَمْكَنَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِهِمَا وَقَدْ أَمْكَنَ هُنَا فِي مَنْعِ الْقَضَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَالْمُحَرِّمُ مُرَجَّحٌ ) عَلَى غَيْرِهِ إذْ حَدِيثُ النَّهْيِ مُحَرِّمٌ وَحَدِيثُ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ } مُطْلَقٌ لَا يُحَرِّمُ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ ( وَمَا جَرَى بِحَضْرَتِهِ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَسَكَتَ ) عَنْهُ يَتَرَجَّحُ ( عَلَى مَا بَلَغَهُ ) فَسَكَتَ عَنْهُ ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ ) أَيْ مَا بَلَغَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ ( بِمَا إذَا أَظْهَرَ عَدَمَ ثُبُوتِهِ ) أَيْ ثُبُوتِ وُقُوعِ هَذَا الَّذِي بَلَغَهُ ( لَدَيْهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ مِنْ وَحْيٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِلَّا فَحَيْثُ ظَهَرَ ثُبُوتُ وُقُوعِ ذَلِكَ لَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

لَا يَظْهَرُ رُجْحَانٌ ؛ لِمَا بِحَضْرَتِهِ عَلَيْهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ إذْ كَمَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ جَائِزٍ شَرْعًا وَاقِعٌ بِحَضْرَتِهِ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ جَائِزٍ شَرْعًا عَلِمَ وُقُوعُهُ بِغَيْبَتِهِ شَرْعًا وَهَذَا التَّوْجِيهُ مِمَّا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - ( وَمَا بِصِيغَتِهِ ) أَيْ وَالْمَرْوِيِّ بِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَرَجَّحُ ( عَلَى الْمُنْفَهِمِ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الَّذِي رَوَى مَعْنَاهُ الرَّاوِي بِعِبَارَةِ نَفْسِهِ قُلْت ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالُ الْغَلَطِ بِخِلَافِ الثَّانِي ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَحْكِيَّ بِاللَّفْظِ مُجْمَعٌ عَلَى قَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَحْكِيِّ بِالْمَعْنَى ثُمَّ كَمَا قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ مَا إذَا كَانَ الْآخَرُ قَدْ فَهِمَ مَعْنًى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَوَاهُ وَمَا إذَا قَالَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا وَنَهَى عَنْ كَذَا بِدُونِ أَنْ يَرْوِيَ صِيغَةَ الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ الصَّادِرِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّ هَذَا مَا فِي الْمَحْصُولِ ، وَكَذَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ رُوِيَ بِالْمَعْنَى ( وَنَافِي مَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ وَالْخَبَرُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى نَفْيِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ ( دَاعِيَةٌ ) إلَى مَعْرِفَتِهِ لِكَوْنِهِ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ( فِي ) خَبَرِ ( الْآحَادِ ) يَتَرَجَّحُ ( عَلَى مِثْلِهِ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ كَخَبَرِ طَلْقٍ يَنْفِي وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَخَبَرِ بُسْرَةَ بِإِثْبَاتِهِ وَتَقَدَّمَ وَجْهُهُ فِي مَسْأَلَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى هَذَا عَلَى أُصُولِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَقْدِيمَ الْمُثْبِتِ ، وَفَصَّلَ هُوَ أَنَّ الثَّانِيَ إنْ نَقَلَ لَفْظًا مَعْنَاهُ النَّفْيُ كَلَا يَحِلُّ وَنَقَلَ الْآخَرِ يَحِلُّ

فَهُمَا سَوَاءٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُثْبِتٌ وَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَنَفَاهُ الْآخَرُ كَلَمْ يَفْعَلْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْهُ ، فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ وَقِيلَ : النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ سَوَاءٌ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهِمَا فِي حَالَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَيْنِ لَا يَتَعَارَضَانِ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ قَالَ التَّاجِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُنَا أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى .
وَقَالَ إلْكِيَا وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا حَاصِلُهُ : إنْ كَانَ النَّافِي اسْتَنَدَ إلَى الْعِلْمِ فَمُقَدَّمٌ عَلَى الْمُثْبِتِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ : النَّفْيُ الْمَحْصُورُ وَالْإِثْبَاتُ سِيَّانِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْمُثْبِتَ يُقَدَّمُ إلَّا فِي صُوَرٍ : إحْدَاهَا أَنْ يَنْحَصِرَ النَّفْيُ فَيُضَافَ الْفِعْلُ إلَى مَجْلِسٍ لَا تَكْرَارَ فِيهِ فَيَتَعَارَضَانِ ، الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ رَاوِي النَّفْيِ لَدَيْهِ عِنَايَةٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْإِثْبَاتِ الثَّالِثَةُ أَنْ يَسْتَنِدَ نَفْيُ النَّافِي إلَى عِلْمٍ ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورَةَ .

( وَمُثْبِتُ دَرْءِ الْحَدِّ ) أَيْ دَفْعِ إيجَابِهِ يَتَرَجَّحُ ( عَلَى مُوجِبِهِ ) أَيْ الْحَدِّ لِمَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْيُسْرِ وَعَدَمِ الْحَرَجِ الْمُوَافِقَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ } { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } وَلِمُوَافَقَةِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْمُنْتَهَى ؛ لِأَنَّ مَا يَعْرِضُ فِي الْحَدِّ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الدَّرْءِ وَذَهَبَ الْمُتَكَلِّمُونَ إلَى تَقْدِيمِ مُوجِبِ الْحَدِّ نَظَرًا إلَى أَنَّ فَائِدَةَ الْعَمَلِ بِالْمُوجِبِ التَّأْسِيسُ وَبِالدَّرْءِ التَّأْكِيدُ ، وَالتَّأْسِيسُ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّأْكِيدِ قُلْت وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ نَافِيَ الْحَدِّ مُقَدَّمٌ عَلَى مُوجِبِهِ فَيَصِيرُ هَذَا صُورَةً رَابِعَةً لِلصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ آنِفًا مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي وَقِيلَ : هُمَا سَوَاءٌ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ثُبُوتِ شَرْعِيَّتِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ وَالْحَدُّ إنَّمَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إذَا كَانَتْ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ أَوْ لِلِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِهِ كَأَنْ يُبِيحَهُ قَوْمٌ وَيَحْظُرَهُ آخَرُونَ كَالْوَطْءِ بِلَا شُهُودٍ وَلَا يُقَالُ : الْخِلَافُ لَفْظِيٌّ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ التَّسَاوِي يَئُولُ إلَى تَقْدِيمِ النَّافِي فَإِنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَرْجِعُ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ حُكِمَ بِهِ ، وَإِلَّا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْأَصْلِ فَيَلْزَمُ نَفْيُ الْحَدِّ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ مَعْنَوِيٌّ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَنْفِي الْحَدَّ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْآخَرَ يَنْفِيهِ اسْتِصْحَابًا بِالْأَصْلِ .

( وَمُوجِبُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ) يَتَرَجَّحُ عَلَى نَافِيهِمَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الزَّوْجَةِ وَالرَّقِيقِ وَالْإِرْثِ وَنَافِيهِمَا مُبِيحٌ وَالْحَظْرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ ( وَيَنْدَرِجُ ) مُوجِبُهُمَا ( فِي الْمُحَرَّمِ وَقِيلَ : بِالْعَكْسِ ) أَيْ يَتَرَجَّحُ نَافِيهِمَا عَلَى مُوجِبِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَمِينِ الْمُتَرَجِّحِ عَلَى النَّافِي لَهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْآمِدِيُّ بَحْثًا وَفِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى .

( وَالْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ ) يَتَرَجَّحُ ( عَلَى الْوَضْعِيِّ ) ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفِيَّ مُحَصِّلٌ لِلثَّوَابِ ، وَمَقْصُودُ الشَّارِعِ بِالذَّاتِ ، وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْوَضْعِيِّ ( وَقِيلَ بِعَكْسِهِ ) أَيْ يَتَرَجَّحُ الْوَضْعِيُّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ السُّبْكِيُّ أَنَّهُ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَضْعِيَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْمُخَاطَبِ وَفَهْمِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفِعْلِ بِخِلَافِ التَّكْلِيفِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ ( وَمَا يُوَافِقُ الْقِيَاسَ ) مِنْ النُّصُوصِ عَلَى نَصٍّ لَمْ يُوَافِقْهُ ( فِي الْأَحَقِّ ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْقِيَاسِ دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَدَمُ شَرْطِ اعْتِبَارِهِ مَعَ النَّصِّ كَمَا هُوَ وَجْهُ الْمَانِعِ لَا يَمْنَعُ جَعْلَهُ وَصْفًا مُقَوِّيًا بِالْمُوَافَقَةِ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّرْجِيحِ إلَّا هَذَا .

( وَمَا لَمْ يُنْكِرْ الْأَصْلُ ) رِوَايَةَ الْفَرْعِ فِيهِ يَتَرَجَّحُ عَلَى مَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ رِوَايَةَ الْفَرْعِ فِيهِ لِمَرْجُوحِيَّةِ الثَّانِي قَالَ السُّبْكِيُّ وَهَذَا فِيمَا إذَا أَنْكَرَ الْأَصْلُ وَصَمَّمَ عَلَى إنْكَارِهِ مِثْلَ إنْكَارِ أُمِّ مَعْبَدٍ مَا حَدَّثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ { كَانَ يَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ } أَمَّا إذَا لَمْ يُصَمِّمْ وَحَمَلَ شَكَّهُ فِي نَفْسِهِ عَلَى النِّسْيَانِ فَلَا تَظْهَرُ مَرْجُوحِيَّتُهُ وَقَدْ كَانُوا يُحَدِّثُونَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُمْ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي كَمَا فَعَلَ سَهْلٌ فِي حَدِيثِ الْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَسَبَقَهُ أَنَسٌ فَقَالَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُجْعَلَ فَصُّ الْخَاتَمِ مِنْ غَيْرِهِ } انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ تَصْمِيمَ الْأَصْلِ عَلَى الْإِنْكَارِ مُسْقِطٌ لِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ أَصْلًا فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إذَا كَانَ مَعَ غَيْرِهِ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَمِّمْ وَقَبِلْنَا ذَلِكَ الْمَرْوِيَّ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا لَيْسَ كَذَلِكَ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23