كتاب : التقرير والتحبير
المؤلف : ابن أمير الحاج ، محمد بن محمد

لَمْ يُفِدْ ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ وَضْعِهِ وَحَاصِلُهُ لُزُومُ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَوْ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَكِلَاهُمَا نَقْصٌ يَمْتَنِعُ اشْتِمَالُ الْكَلَامِ الْبَلِيغِ عَلَيْهِ ، وَلَا سِيَّمَا قُرْآنًا وَسُنَّةً ( تَشْكِيكًا بَعْدَ التَّحَقُّقِ ) فَلَا يُسْمَعُ ( مَعَ أَنَّهُ ) أَيْ قَوْلَ النَّافِي هَذَا ( بَاطِلٌ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِاشْتِمَالِ الْإِبْهَامِ ثُمَّ التَّفْسِيرِ عَلَى زِيَادَةِ بَلَاغَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي فَنِّهَا .
وَأَمَّا الثَّانِي ( فَإِنَّ إفَادَتَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ حِينَئِذٍ فَائِدَةٌ إجْمَالِيَّةٌ ( كَالْمُطْلَقِ وَفِي الشَّرْعِيَّاتِ ) لَهُ فَائِدَتَانِ أُخْرَيَانِ ( الْعَزْمُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الِامْتِثَالِ لِلْمُرَادِ مِنْهُ ( إذَا بَيَّنَ ) الْمُرَادَ مِنْهُ ( وَالِاجْتِهَادُ فِي اسْتِعْلَامِهِ ) أَيْ الْمُرَادِ مِنْهُ ( فَيَنَالُ ثَوَابَهُ ) أَيْ ثَوَابَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَانْتَفَى نَفْيُ فَائِدَتِهِ ( وَاسْتُدِلَّ ) لِلْمُخْتَارِ بِدَلِيلٍ مُزَيَّفٍ ، وَهُوَ ( لَوْ لَمْ يَقَعْ ) الْمُشْتَرَكُ اللَّفْظِيُّ ( كَانَ الْمَوْجُودُ ) أَيْ لَفْظُهُ ( فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ ) مُشْتَرَكًا ( مَعْنَوِيًّا لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَوْجُودَ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ ( حَقِيقَةٌ اتِّفَاقًا وَهُوَ ) أَيْ : وَكَوْنُهُ مَعْنَوِيًّا فِيهِمَا ( مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَوْجُودَ اسْمٌ ( لِذَاتٍ لَهُ وُجُودٌ وَهُوَ ) أَيْ الْوُجُودُ ( فِي الْقَدِيمِ يُبَايِنُ الْمُمْكِنَ ) وَالْأَوْلَى بَيَانُهُ أَيْ الْوُجُودِ فِي الْمُمْكِنِ لِكَوْنِهِ فِي الْقَدِيمِ وَاجِبًا وَفِي الْمُمْكِنِ حَادِثًا فَلَا اتِّحَادَ ( فَلَا اشْتِرَاكَ ) مَعْنَوِيًّا لَهُ فِيهِمَا ( وَلَيْسَ بِشَيْءٍ ) مُثْبِتٍ لِلْمَطْلُوبِ ( لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْخُصُوصِيَّاتِ وَبِوَصْفِ الْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ لَا يَمْنَعُ الِانْدِرَاجَ تَحْتَ مَفْهُومٍ عَامٍّ ) كَالْوُجُودِ ( تَخْتَلِفُ أَفْرَادُهُ ) فِيهِ شِدَّةً وَضَعْفًا كَمَا تَقَدَّمَ ( فَيَكُونُ ) الْوُجُودُ مُشْتَرَكًا ( مَعْنَوِيًّا ) عَلَى سَبِيلِ التَّشْكِيكِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْوَاجِبِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْمُمْكِنِ .
( وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا ) لِلْمُخْتَارِ بِدَلِيلٍ

مُزَيَّفٍ ، وَهُوَ أَنَّهُ ( لَوْ لَمْ يُوضَعْ ) الْمُشْتَرَكُ ( خَلَتْ أَكْثَرُ الْمُسَمَّيَاتِ ) عَنْ الْأَسْمَاءِ ( لِعَدَمِ تَنَاهِيهَا ) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ لِكَوْنِهَا مَا بَيْنَ مَوْجُودٍ مُجَرَّدٍ وَمَادِّيٍّ وَمَعْدُومٍ مُمْكِنٍ وَمُمْتَنِعٍ ، أَوْ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْأَعْدَادَ ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ ؛ إذْ مَا مِنْ عَدَدٍ إلَّا وَفَوْقَهُ عَدَدٌ ( دُونَ الْأَلْفَاظِ ) فَإِنَّهَا مُتَنَاهِيَةٌ ( لِتَرَكُّبِهَا ) أَيْ الْأَلْفَاظِ ( مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ ) لِأَنَّ حُرُوفَ لُغَةِ الْعَرَبِ بَلْ أَيِّ لُغَةٍ فُرِضَتْ مُتَنَاهِيَةً قَطْعًا ثُمَّ بَعْضُهَا يُضَمُّ فِي الْوَضْعِ إلَى وَاحِدٍ مِنْ بَاقِيهَا وَإِلَى اثْنَيْنِ إلَى سَبْعَةٍ وَلَا تَرْتَقِي عَنْ السِّبَاعِيِّ ، وَتَقَالِيبُ الْحُرُوفِ الْمَضْمُومَةِ بَعْضُهَا مُهْمَلٌ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَرَّاتُ الضَّمِّ مُتَنَاهِيَةً فَإِذَا وُضِعَ كُلُّ لَفْظٍ مِنْ الْأَلْفَاظِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ الْمَوْضُوعُ لَهُ مُتَنَاهِيًا لِمُسَاوَاتِهِ الْمُتَنَاهِيَ الَّذِي هُوَ الْأَلْفَاظُ وَخَلَتْ الْمَعَانِي الْبَاقِيَةُ عَنْ أَلْفَاظٍ تَدُلُّ عَلَيْهَا ( لَكِنَّهَا ) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ ( لَمْ تَخْلُ ) عَنْ الْأَسْمَاءِ فَلَزِمَ اشْتِرَاكُ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ فِي اللَّفْظِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلُ ( أَضْعَفُ ) مِمَّا قَبْلَهُ ( لِمَنْعِ عَدَمِ تَنَاهِي الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ ) وَهِيَ الَّتِي حَقِيقَتُهَا مُخْتَلِفَةٌ ، وَلَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْحَرَكَةِ وَالْبَيَاضِ ( وَالْمُتَضَادَّةِ ) وَهِيَ الْأُمُورُ الْوُجُودِيَّةُ الَّتِي يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُهَا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ فَإِنَّ كِلْتَيْهِمَا مُتَنَاهِيَةٌ ( وَتَحَقُّقِهِ ) أَيْ عَدَمِ التَّنَاهِي ( فِي الْمُتَمَاثِلَةِ ) وَهِيَ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقَائِقِ كَأَفْرَادِ الْأَنْوَاعِ الْحَقِيقِيَّةِ ( وَلَا يَلْزَمُ لِتَعْرِيفِهَا ) أَيْ الْمُتَمَاثِلَةِ ( الْوَضْعُ لَهَا ) أَيْ لِلْمُتَمَاثِلَةِ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِحَسَبِ خُصُوصِيَّاتِهَا الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ ( بَلْ الْقَطْعُ ) حَاصِلٌ (

بِنَفْيِهِ ) أَيْ الْوَضْعِ لَهَا بِحَسَبِ الْخُصُوصِيَّاتِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي اتَّفَقَتْ هِيَ فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْمَعَانِي الْمَعَانِي الْكُلِّيَّةُ مِنْ الْمُتَخَالِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ فَغَيْرُ تَنَاهِيهَا مَمْنُوعٌ ؛ لِأَنَّ حُصُولَ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْوُجُودِ مُحَالٌ ، وَأَمَّا الْأَعْدَادُ فَالدَّاخِلُ مِنْهَا فِي الْوُجُودِ مُتَنَاهٍ عَلَى أَنَّ أُصُولَهَا وَهِيَ الْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئُونَ وَالْأُلُوفُ مُتَنَاهِيَةٌ ، وَالْوَضْعُ لِلْمُفْرَدَاتِ لَا لِلْمُرَكَّبَاتِ ثُمَّ إنَّ الِاشْتِرَاكَ إنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ الْمُتَخَالِفَةِ وَالْمُتَضَادَّةِ ، وَسَادِسُ الْأَقْوَالِ فِيهِ وَهُوَ مَنْعُهُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ كَمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مَمْنُوعٌ بِمَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ وَسَابِعُهَا وَهُوَ مَنْعُهُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الرَّازِيّ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَسْتَفِيدُ السَّامِعُ بِإِطْلَاقِهِ شَيْئًا فَيَصِيرُ عَبَثًا مُنِعَ بِأَنَّهُ قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُمَا فَيَسْتَحْضِرُهُمَا بِسَمَاعِهِ ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ الْمُرَادِ مِنْهُمَا ، وَإِنْ أُرِيدَ بِالْمَعَانِي الْمَعَانِيَ الْجُزْئِيَّةُ الَّتِي يَصِحُّ بِهَا التَّمَاثُلُ فَغَيْرُ تَنَاهِيهَا مُسَلَّمٌ وَبُطْلَانُ التَّالِي مَمْنُوعٌ فَإِنَّ تَفْهِيمَهَا يَحْصُلُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهَا بِاسْمِ جِنْسِهَا مُطْلَقًا أَوْ مَعَ الْقَرِينَةِ وَلَا اشْتِرَاكَ فِيهَا ( وَإِنْ سَلِمَ ) الْوَضْعُ لِلْمُتَمَاثِلَةِ ( فَالْوَضْعُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ ) مِنْهَا لَا غَيْرَ ( وَهُوَ ) أَيْ وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ ( مُتَنَاهٍ وَلَوْ سَلِمَ ) أَنَّهُ لَهَا كُلِّهَا ( فَخُلُوُّهَا ) أَيْ الْمُسَمَّيَاتِ عَنْ الْأَسْمَاءِ ( عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ) أَيْ وُجُودِ الْمُشْتَرَكِ وَعَدَمِهِ ( مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ ) لِلْمُجَوِّزِينَ وَالْمَانِعِينَ ( إذْ لَا نِسْبَةَ لِلْمُتَنَاهِي ) وَهُوَ الْأَلْفَاظُ ( بِغَيْرِ الْمُتَنَاهَى ) وَهُوَ الْمَعَانِي أَيْ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ فِي الْقِلَّةِ مِنْهُ فَمَا هُوَ جَوَابُ

الْمُجَوِّزِينَ فَهُوَ جَوَابُ الْمَانِعِينَ ( وَلَوْ سَلِمَ ) الْخُلُوُّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُودِ الْمُشْتَرَكِ خَاصَّةً ( فَبُطْلَانُ الْخُلُوِّ مَمْنُوعٌ وَلَا تَنْتَفِي الْإِفَادَةُ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ ) لَفْظٌ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَانِي لَمْ يُوضَعْ لَهَا أَلْفَاظٌ دَالَّةٌ عَلَيْهَا كَأَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَالطُّعُومِ فَتُفَادُ بِأَلْفَاظٍ مَجَازِيَّةٍ وَبِالْإِضَافَةِ وَبِالْوَصْفِ فَيُقَالُ : رَائِحَةُ كَذَا وَطَعْمُ كَذَا وَرَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَطَعْمٌ طَيِّبٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَأَمَّا تَجْوِيزُ عَدَمِ تَنَاهِي الْمُرَكَّبِ مِنْ الْمُتَنَاهِي ) أَيْ مَنْعُ تَنَاهِي الْأَلْفَاظِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْحُرُوفِ الْمُتَنَاهِيَةِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ لُزُومُ خُلُوِّ الْمُسَمَّيَاتِ عَنْ الْأَسْمَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُشْتَرَكِ ( إذَا لَمْ يَكُنْ ) التَّرْكِيبُ ( بِالتَّكْرَارِ وَالْإِضَافَاتِ كَتَرْكِيبِ الْأَعْدَادِ فَبَاطِلٌ بِأَيِّ اعْتِبَارٍ فُرِضَ ) هَذَا التَّجْوِيزُ ( وَلَوْ ) فُرِضَ ( مَعَ الْإِهْمَالِ ) فِي بَعْضِ تَقَالِيبِ تَرْكِيبِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ ( إذْ الْإِخْرَاجُ ) لِلصَّوْتِ عَلَى وَجْهٍ يُحَصِّلُ الْحُرُوفَ الَّتِي هِيَ مَادَّةُ الْأَلْفَاظِ يَكُونُ ( بِضَغْطٍ ) أَيْ بِزَحْمَةٍ وَشِدَّةٍ لِلصَّوْتِ ( فِي مَحَالَّ ) مِنْ الصَّدْرِ وَالْحَلْقِ وَغَيْرِهِمَا ( مُتَنَاهِيَةٍ عَلَى أَنْحَاءَ ) أَيْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ لَهُ ( مُتَنَاهِيَةٍ ) فَكَيْفَ لَا تَكُونُ الْأَلْفَاظُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْهَا مُتَنَاهِيَةً وَهِيَ هِيَ ( وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ ) الْمُتَنَاهِي ( لِلْكَثْرَةِ الزَّائِدَةِ ) فِيهِ مِنْ التَّرْكِيبِ بِغَيْرِ الْمُتَنَاهِي

( التَّقْسِيمُ الثَّانِي بِاعْتِبَارِ الْمَوْضُوعِ لَهُ ) اتِّحَادًا وَتَعَدُّدًا ( يُخْرِجُ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ ) كَمَا يَظْهَرُ ( وَتَتَدَاخَلُ ) أَقْسَامُ التَّقْسِيمَيْنِ ( فَالْمُشْتَرَكُ عَامٌّ وَخَاصٌّ وَالْمُنْفَرِدُ كَذَلِكَ ) أَيْ عَامٌّ وَخَاصٌّ بِاعْتِبَارَيْنِ ( وَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِ الْجَمْعِ ) الْمُنَكَّرِ ( عَنْهُمَا ) أَيْ عَنْ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ ( عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ ) أَيْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ وَعَدَمِهِ كَمَا فَعَلَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ بَلْ هُوَ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعَامِّ مُنْدَرِجٌ فِي الْعَامِّ كَمَا قَالَ هُوَ وَعَلَى تَقْدِيرِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ مُنْدَرِجٌ فِي الْخَاصِّ ( لِأَنَّ رِجَالًا فِي الْجَمْعِ مُطْلَقٌ كَرَجُلٍ فِي الْوُحْدَانِ ) لِأَنَّ رِجَالًا مَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَيَصْدُقُ عَلَى كُلِّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا يَصْدُقُ رَجُلٌ عَلَى كُلٍّ رَجُلٍ رَجُلٍ عَلَى الْبَدَلِ فَكَانَ رِجَالٌ مُطْلَقًا كَمَا أَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ ، وَالْمُطْلَقُ مُنْدَرِجٌ فِي الْخَاصِّ اتِّفَاقًا ( وَالِاخْتِلَافُ بِالْعَدَدِ ) كَمَا فِي رِجَالٍ ( وَعَدَمِهِ ) أَيْ الْعَدَدِ كَمَا فِي رَجُلٍ ( لَا أَثَرَ لَهُ ) فِي إيجَابِ الِاخْتِلَافِ بِالْإِطْلَاقِ وَعَدَمِهِ ( فَالْمُفْرَدُ عَامٌّ ، وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَفْهُومٍ ) فَيُغْنِي ذِكْرُ الِاسْتِغْرَاقِ لِمُقَابَلَتِهِ الْبَدَلِيَّةَ عُرْفًا عَنْ أَنْ يَقُولَ ضَرْبَةً ( وَيَدْخُلُ الْمُشْتَرَكُ ) فِي الْعَامِّ ( لَوْ عَمَّ أَفْرَادَ مَفْهُومٍ أَوْ ) عَمَّ ( فِي ) أَفْرَادِ ( الْمَفَاهِيمِ عَلَى ) قَوْلِ ( مَنْ يُعَمِّمُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ فِيهَا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَإِنَّهُ إذَا عَمَّ فِي الْمَفْهُومَيْنِ عَمَّ فِي أَفْرَادِهِمَا ضَرُورَةً إذْ الْمُرَادُ بِلَا شَكٍّ حِينَئِذٍ جَمِيعُ أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَمَّ فِي أَفْرَادِ مَفْهُومٍ فَمَفْهُومٍ مِنْ اسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَفْهُومٍ مُطْلَقٍ يَصْدُقُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا مَفْهُومٌ وَاحِدٌ أَوْ مَفْهُومٌ مَعَهُ مَفْهُومٌ آخَرُ (

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُمُومَ بِاعْتِبَارِ ) اسْتِغْرَاقِ ( أَفْرَادِ مَفْهُومٍ ) فَإِنْ لَمْ يُرَدْ بِهِ فِي مَحَلِّ الِاسْتِعْمَالِ سِوَى مَفْهُومٍ وَاحِدٍ كَانَ عَامًّا بِاعْتِبَارِهِ إنْ دَخَلَهُ مُوجِبُ الْعُمُومِ كَاللَّامِ مَثَلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَفْهُومَانِ أَوْ الْمَفَاهِيمُ ، وَدَخَلَهُ الْمُوجِبُ عَمَّ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَفْرَادِ الْمَفَاهِيمِ كُلِّهَا وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ فِي قَوْلِك الْعَيْنُ شَيْءٌ يُحِبُّ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا عَلَى مَنْ شَرَطَ الِاسْتِغْرَاقَ فِي الْعَامِّ ( وَمَنْ لَمْ يَشْرِطْ الِاسْتِغْرَاقَ ) فِيهِ ( كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ ) فَتَعْرِيفُهُ عِنْدَهُ ( مَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ ) وَهَذَا مُخْتَصَرُ تَعْرِيفِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مُرَادًا بِمَا عِنْدَهُمَا لَفْظٌ ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ لَا غَيْرَ عِنْدَهُمَا وَمِنْ ثَمَّةَ ذَكَرَاهُ بَدَلَ مَا وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا مِمَّنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي أَيْضًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجَصَّاصِ وَمُوَافِقِيهِ شَيْءٌ ثُمَّ خَرَجَ بِمَا يَنْتَظِمُ جَمْعًا أَيْ يَشْمَلُ أَفْرَادَ الْخَاصِّ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَالْمُشْتَرَكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَعَانِيَهُ بَلْ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْهَا عَلَى السَّوَاءِ .
وَاشْتِرَاطُ الِاسْتِغْرَاقِ وَبِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا مُسَمَّيَاتٌ بَلْ لِكُلِّ اسْمِ عَدَدٍ مُسَمًّى خَاصٌّ لَوْ نَقَصَ مِنْهُ وَاحِدٌ أَوْ زِيدَ عَلَيْهِ تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّ لَهُ مُسَمَّيَاتٍ كَثِيرَةً لَا يَتَبَدَّلُ فِيهِ الِاسْمُ ، وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمُسَمَّى بِالنَّقْصِ وَالزِّيَادَةِ ، وَكَوْنُ الْعُمُومِ فِي الْمَعَانِي إذَا كَانَ الْمُعَرِّفُ مِنْ مَانِعِيهِ فِيهَا وَلَمْ يُصَدِّرْهُ بِلَفْظٍ وَلَا بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا أَمَّا إذَا صَدَّرَهُ بِلَفْظٍ أَوْ بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا فَيَكُونُ فَائِدَتُهُ الْأَوَّلَ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُعَرِّفُ مِنْ مُجَوِّزِيهِ فِيهَا فَلَا

يَنْبَغِي لَهُ تَصْدِيرُهُ بِلَفْظٍ وَلَا بِمَا مُرِيدًا لَهُ خَاصَّةً بِهَا بَلْ بِمَا مَرِيدًا بِهَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ فَائِدَتُهُ الْأَوَّلَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ الْمَعَانِي ، أَوْ وَالْمَعَانِي وَمِنْ ثَمَّةَ قَالَ الْجَصَّاصُ هَكَذَا فَإِنَّهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعُمُومَ تُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي حَقِيقَةً كَالْأَلْفَاظِ فَانْتَفَى مَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَدْرُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ تَغْلِيطِهِ فِي ذِكْرِ الْمَعَانِي وَخُصُوصًا بِأَوْ وَتَأْوِيلِهِمْ لَهُ بِمَا هُوَ آبٍ لَهُ كَمَا يُعْرَفُ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ الِانْتِظَامُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَصِيَغِ الْجُمُوعِ وَبِعُمُومِ الْمَعْنَى كَالْقَوْمِ فَإِنَّهُ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى عَامٍّ وَهُوَ الْجَمَاعَةُ الْمُتَّفِقَةُ الْحَقِيقَةِ مِنْ الرِّجَالِ ، وَهَذَا فَائِدَةُ إرْدَافِهِمْ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِمْ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ أَعْلَمَ زَيْدٌ بَكْرًا عَمْرًا خَيْرَ النَّاسِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ انْتَظَمَ جَمْعًا مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ عَامًّا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ لَفْظٌ وَاحِدٌ ( وَكَذَا مَا يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ شُمُولًا ) وَهَذَا تَعْرِيفُ صَاحِبِ الْمَنَارِ فَخَرَجَ بِ أَفْرَادًا الْخَاصُّ وَبِ مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ الْمُشْتَرَكُ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا لَكِنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْحُدُودِ وَبِ " شُمُولًا " اسْمُ الْجِنْسِ كَرَجُلٍ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ أَفْرَادًا مُتَّفِقَةَ الْحُدُودِ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ( وَأَمَّا تَعْرِيفُهُ ) أَيْ الْعَامِّ ( عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِمَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقًا ضَرْبَةً ) كَمَا هُوَ تَعْرِيفُ ابْنِ الْحَاجِبِ فَمَا دَلَّ كَالْجِنْسِ وَأُورِدَ مَا بَدَلُ لَفْظٍ لِيَتَنَاوَلَ عُمُومَ الْمَعَانِي أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِضُ لَهَا حَقِيقَةً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُ فَعَلَى مُسَمَّيَاتٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ زَيْدٍ فَبِاعْتِبَارِ أَمْرٍ

اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُتَعَلِّقُ بَدَلٍ لِإِخْرَاجِ نَحْوِ عَشَرَةٍ فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى آحَادِهَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ بِمَعْنَى صِدْقِهِ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ آحَادَهَا أَجْزَاؤُهَا لَا جُزْئِيَّاتُهَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ عَشَرَةٌ ( فَمُطْلَقًا ) قَيْدٌ لِمَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ أَيْ بِلَا قَيْدٍ يُفِيدُ ذَلِكَ ( لِإِخْرَاجِ ) الْأَفْرَادِ ( الْمُشْتَرَكَةِ ) فِي الْمَفْهُومِ ( الْمَعْهُودَةِ ) كَالرِّجَالِ فِي نَحْوِ جَاءَنِي رِجَالٌ فَأَكْرَمْت الرِّجَالَ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ الْأَفْرَادَ الْمُشْتَرَكَةَ الْمَعْهُودَةَ ( مَدْلُولَةٌ ) لِلَفْظِ الْجَمْعِ لَكِنَّهَا ( مُقَيَّدَةٌ بِالْعَهْدِ ) .
فَهَذَا الْجَمْعُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مَعَ تَقَيُّدِهَا بِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ عَهْدِهِمْ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ مَعَ تَقَيُّدِهَا بِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ عَهْدِهِمْ بِخِلَافِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ مُطْلَقًا حَتَّى يَنْشَأَ مِنْهُ اسْتِغْرَاقُهُ لِجَمِيعِ الْمَرَاتِبِ حَيْثُ لَا مَانِعَ دَفْعًا لِلتَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَضَرْبَةً أَيْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِإِخْرَاجِ نَحْوِ رَجُلٍ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنْ لَا دَفْعَةً بَلْ دَفَعَاتٍ عَلَى الْبَدَلِ ( وَيَرِدُ ) عَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ ( خُرُوجُ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ ) بِقَيْدِ مُطْلَقًا فَيَبْطُلُ عَكْسُهُ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ ) أَيْ فِي عُلَمَاءِ الْبَلَدِ ( عَالِمُ الْبَلَدِ مُطْلَقًا ) أَيْ الْعَالِمُ الْمُضَافُ إلَى الْبَلَدِ ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مُطْلَقٌ ( بِخِلَافِ الرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ ) فَإِنَّ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ ( فَهُوَ الرَّجُلُ الْمَعْهُودُ ) فَلَمْ يُرَدْ بِهِمْ أَفْرَادُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَعَ خُصُوصِيَّةِ الْعَهْدِ ( وَالْحَقُّ أَنْ لَا فَرْقَ ) بَيْنَ الرِّجَالِ الْمَعْهُودِينَ وَبَيْنَ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ فِي عَدَمِ الْإِطْلَاقِ ( لِأَنَّ عَالِمَ الْبَلَدِ مَعْهُودٌ ) بِوَاسِطَةِ إضَافَتِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمَعْهُودِ ( وَكَوْنُ

الْمُرَادِ عَهْدًا اُعْتُبِرَتْ خُصُوصِيَّتُهُ ) وَهُوَ الْعَهْدُ الْكَائِنُ بِاللَّامِ فِيهِ نَفْسِهِ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي عَالِمِ الْبَلَدِ ( لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَيَرِدُ ) عُلَمَاءُ الْبَلَدِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَرِدُ ) أَيْضًا عَلَيْهِ ( الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ ) فِي الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِعَامٍّ مَعَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمُسَمَّيَاتِ أَجْزَاءٍ مُسَمَّيَاتُ الدَّالِّ عَلَى التَّنْكِيرِ حَتَّى تَكُونَ الْمُسَمَّيَاتُ فِي الْجَمْعِ الْوُحْدَانَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَيَبْطُلُ طَرْدُهُ .
( فَإِنْ أُجِيبَ بِإِرَادَةِ مُسَمَّيَاتِ الدَّالِّ ) أَيْ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِ مُسَمَّاهُ الَّذِي هُوَ اسْمٌ لِكُلٍّ مِنْهَا حَتَّى تَكُونَ الْمُسَمَّيَاتُ فِي الْجَمِيعِ الْجُمُوعَ فَيَخْرُجُ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ ( فَبَعُدَ حَمْلُهُ ) أَيْ مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ ( عَلَى أَفْرَادِ مُسَمَّاهُ لِيَصِحَّ وَلَا يُشْعِرُ بِهِ ) أَيْ بِهَذَا الْمُرَادِ ( اللَّفْظُ ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ مَا تَقَدَّمَ ( فَبِاعْتِبَارِ إلَخْ ) أَيْ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ ( مُسْتَدْرَكٍ لِخُرُوجِ الْعَدَدِ ) حِينَئِذٍ بِقَوْلِهِ : مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ آحَادَ الْعَدَدِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْعَدَدُ ( لَيْسَتْ أَفْرَادَ مُسَمَّاهُ ) أَيْ مُسَمَّى الْعَدَدِ بَلْ أَجْزَاءَ مُسَمَّاهُ ، وَإِنَّمَا أَفْرَادُ الْعَشَرَةِ مَثَلًا الْعَشَرَاتُ عَلَى الْبَدَلِ لِصِدْقِ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْآحَادِ لَا يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا عَشَرَةٌ فَهِيَ مَدْلُولَاتٌ تَضَمُّنِيَّةٌ لِعَشَرَةٍ لَا أَفْرَادَ لَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَعَمُّ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الدَّالِّ وَمِنْ أَجْزَائِهِ وَعُمُومُ جَمْعِ النَّكِرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَجْزَائِهِ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ الْمُشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْمُسَمَّيَاتُ الَّتِي هِيَ جُزْئِيَّاتٌ لَهُ وَيَصْدُقُ حَمْلُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَعُمُومُهُ

بِالنِّسْبَةِ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ يَخْرُجُ بِقَوْلِهِ : ضَرْبَةً ؛ لِأَنَّهُ بِإِطْلَاقِ وَاحِدٍ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ ( ثُمَّ أَفْرَادُ الْعَامِّ الْمُفْرَدِ الْوُحْدَانُ وَالْجَمْعِ الْمُحَلَّى الْجُمُوعُ فَإِنْ اُلْتُزِمَ كَوْنُ عُمُومِهِ ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى ( بِاعْتِبَارِهَا ) أَيْ الْجُمُوعِ ( فَقَطْ فَبَاطِلٌ لِلْإِطْبَاقِ عَلَى فَهْمِهَا ) أَيْ : الْأَفْرَادِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى ( وَإِلَّا ) فَإِنْ كَانَ عُمُومُهُ بِاعْتِبَارِهَا فَقَطْ ( فَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ حِينَئِذٍ بِهِ ) أَيْ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى ( لَا يُوجِبُهُ ) أَيْ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ ( فِي كُلِّ فَرْدٍ ) ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْأَفْرَادِ حِينَئِذٍ كُلٌّ وَتَرَتُّبُ الْحُكْمِ عَلَى الْكُلِّ لَا يُوجِبُهُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ كَمَا فِي : الْجَيْشُ يَفْتَحُ الْمَدِينَةَ ، وَالْحَبْلُ يَحْمِلُ الْجَرَّةَ لَا يَفْتَحُهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلَا يَحْمِلُهَا شَعْرَةٌ مِنْهُ لَكِنَّهُ يُوجِبُهُ لُغَةً وَشَرْعًا لِمَا ذُكِرَ وَيُذْكَرُ ( وَالْحَقُّ أَنَّ لَامَ الْجِنْسِ تَسْلُبُ الْجَمْعِيَّةَ إلَى الْجِنْسِيَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْأَحْكَامِ اللَّفْظِيَّةِ لِفَهْمِ الثُّبُوتِ ) لِلْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِالْجَمْعِ الْمُحَلَّى ( فِي الْوَاحِدِ فِي ) حَلِفِهِ ( لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ ) فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ ( وَيُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) أَيْ وَفِي قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وَ { يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ كُلَّ مُحْسِنٍ وَتَوَّابٍ وَمُتَطَهِّرٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلِامْتِنَاعِ وَصْفِهِ بِالْمُفْرَدِ فَلَا يُقَالُ : لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ الْأَسْوَدَ مَثَلًا مُحَافَظَةً عَلَى التَّشَاكُلِ اللَّفْظِيِّ وَيَكُونُ عُمُومُ هَذَا الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ الْآحَادِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مَجَازِيٍّ تَشْتَرِكُ فِيهِ مُسَمَّيَاتُهُ الَّتِي هِيَ الْجُمُوعُ وَهُوَ مَا يُسَمَّى بِجِنْسِهَا الْمُفْرَدِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْكُلِّيَّ الَّذِي تَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُسَمَّيَاتُ كَمَا يَكُونُ حَقِيقِيًّا لِلْعَامِّ يَكُونُ مَجَازِيًّا لَهُ أَيْضًا كَمَا

فِي عُمُومِ اللَّفْظِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مَجَازِيٍّ لَهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ ( ثُمَّ يُورَدُ ) عَلَى الْعَامِّ ( مُطْلَقًا ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَوْنِهِ جَمْعًا ( أَنَّ دَلَالَتَهُ ) أَيْ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ ( عَلَى الْوَاحِدِ تَضَمُّنِيَّةٌ ؛ إذْ لَيْسَ ) الْوَاحِدُ مَدْلُولًا ( مُطَابِقِيًّا وَلَا خَارِجًا لَازِمًا وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ ) أَيْ الْوَاحِدِ ( مِنْ مَا صَدَقَاتِهِ ) أَيْ الْعَامِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَامَّ ( لَيْسَ بَدَلِيًّا فَالتَّعْلِيقُ بِهِ ) أَيْ بِالْعَامِّ ( تَعْلِيقٌ بِالْكُلِّ ) أَيْ بِجَمِيعِ مَا يَصْلُحُ لَهُ ( وَلَا يَلْزَمُ ) مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْكُلِّ التَّعْلِيقُ ( فِي الْجُزْءِ ) كَمَا تَقَدَّمَ ( وَالْجَوَابُ ) سَلَّمْنَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعَامِّ الِاسْتِغْرَاقِيِّ عَلَى الْوَاحِدِ تَضَمُّنًا وَكَانَ مُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالْعَامِّ الْمَذْكُورِ تَعْلِيقُهُ بِالْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْؤُهُ لِمَا ذُكِرَ لَكِنْ أَوْجَبَ الدَّلِيلُ أَنْ يَلْزَمَ ذَلِكَ هُنَا وَهُوَ ( الْعِلْمُ بِاللُّزُومِ لُغَةً ) وَشَرْعًا ( فِي خُصُوصِ هَذَا الْجُزْءِ لِأَنَّهُ ) أَيْ هَذَا الْجُزْءَ ( جُزْئِيٌّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ جُزْئِيُّ الْمَفْهُومِ الَّذِي بِاعْتِبَارِ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ يَثْبُتُ الْعُمُومُ ) لِسَائِرِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِ وَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ ( وَقَدْ يُقَالُ الْعَامُّ مُرَكَّبٌ فَلَا يُؤْخَذُ الْجِنْسُ ) لَهُ ( الْمُفْرَدُ ) وَقَدْ أَخَذْته حَيْثُ جَعَلْته الْمُقْسَمَ لَهُ وَلِلْخَاصِّ ( وَيُجَابُ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْعَامَّ لَيْسَ الْمُرَكَّبَ بَلْ الْمُفْرَدَ ( يُشْتَرَطُ التَّرْكِيبُ فَالْعَامُّ ) فِي الرَّجُلِ ( رَجُلٌ بِشَرْطِ اللَّامِ ) كَمَا هُوَ قَوْلُ السَّكَّاكِيِّ ( أَوْ بِعِلَّتِهَا ) كَمَا هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ ( فَالْحَرْفُ ) الَّذِي هُوَ اللَّامُ ( يُفِيدُ مَعْنَاهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( فِيهِ ) أَيْ فِي الْمُفْرَدِ الَّذِي هُوَ رَجُلٌ ؛ لِأَنَّ الْحَرْفَ إنَّمَا يُفِيدُ مَعْنَاهُ فِي

غَيْرِهِ ( أَوْ الْمَقَامِ ) أَيْ وَعَلَى الثَّانِي فَالْمَقَامُ يُفِيدُ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ فِي الْمُفْرَدِ بِشَرْطِ دُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهِ ، وَأَيًّا مَا كَانَ ( فَيَصِيرُ ) الْمُفْرَدُ هُوَ ( الْمُسْتَغْرِقَ ) بَعْدَ اسْتِفَادَتِهِ الِاسْتِغْرَاقَ مِنْ الْحَرْفِ أَوْ الْمَقَامِ بِشَرْطِ دُخُولِ اللَّامِ عَلَيْهِ لَا أَنَّ الْحَرْفَ جُزْءٌ مِنْهُ ( وَفِي الْمَوْصُولِ ) أَيْ وَكَوْنُ الْمُسْتَغْرِقِ فِي الْمَوْصُولَاتِ هُوَ الْمُفْرَدَ ( أَظْهَرُ ) مِنْ كَوْنِهِ فِي الْمُحَلَّى هُوَ الْمُفْرَدَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الصِّلَةَ هِيَ الْمُفِيدَةُ لِلْمَوْصُولِ وَصْفَ الْعُمُومِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجُزْءٍ مِنْهُ ( فَيَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ بِهِ ) أَيْ بِالْمَوْصُولِ ( عَلَى الْغَزَالِيِّ فِي قَوْلِهِ ) فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ ( اللَّفْظُ الْوَاحِدُ ) الدَّالُّ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا حَيْثُ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَوْصُولَاتِ بِصِلَاتِهَا لَيْسَتْ لَفْظًا وَاحِدًا وَعَلَيْهِ مُنَاقَشَاتٌ وَمُدَافَعَاتٌ أُخْرَى تُعْرَفُ فِي شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( وَخَاصٌّ ) عَطْفٌ عَلَى عَامٍّ وَهُوَ ( مَا لَيْسَ بِعَامٍّ ) عَلَى اخْتِلَافِ الِاصْطِلَاحِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ اشْتِرَاطُ الِاسْتِغْرَاقِ فِيهِ وَعَدَمُهُ

ثُمَّ نَقُولُ : ( أَمَّا الْعَامُّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ : الْبَحْثُ الْأَوَّلُ هَلْ يُوصَفُ بِهِ ) أَيْ بِالْعُمُومِ ( الْمَعَانِي ) الْمُسْتَقِلَّةُ كَالْمُقْتَضَى وَالْمَفْهُومِ ( حَقِيقَةً كَاللَّفْظِ ) أَيْ كَمَا يُوصَفُ بِهِ اللَّفْظُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِي مَعْنَاهُ ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ كَانَ مُشْتَرَكًا لَا عَامًّا ( أَوْ ) يُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي ( مَجَازًا أَوْ ) لَا يُوصَفُ بِهِ الْمَعَانِي ( لَا ) حَقِيقَةً ( وَلَا ) مَجَازًا أَقْوَالٌ ( وَالْمُخْتَارُ : الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ اللَّفْظِيُّ ) فِيهِ عَلَى هَذَا كَمَا عَسَى أَنْ يَتَوَهَّمَهُ صَاحِبُ الْقَوْلِ الثَّانِي لِتَرَجُّحِهِ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ دَارَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ الْحَقِيقَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي اللَّفْظِ مَجَازًا فِي الْمَعْنَى ، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ ( إذْ الْعُمُومُ شُمُولُ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ فَهُوَ ) أَيْ شُمُولُ إلَخْ مُشْتَرَكٌ ( مَعْنَوِيٌّ خَيْرٌ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا فِيهِمَا وَمِنْ كَوْنِهِ مَجَازًا فِي الْمَعَانِي ( وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ مَحَلٌّ ) لِشُمُولِ إلَخْ .
( وَمَنْشَؤُهُ ) أَيْ هَذَا الْخِلَافِ ( الْخِلَافُ فِي مَعْنَاهُ ) أَيْ الْعُمُومِ ( وَهُوَ شُمُولُ الْأَمْرِ فَمَنْ اعْتَبَرَ وَحْدَتَهُ ) أَيْ الْأَمْرِ ( شَخْصِيَّةً مَنَعَ الْإِطْلَاقَ الْحَقِيقِيَّ ) عَلَى الْمَعْنَى ( إذْ لَا يَتَّصِفُ بِهِ ) أَيْ بِالْعُمُومِ حِينَئِذٍ ( إلَّا ) الْمَعْنَى ( الذِّهْنِيُّ وَلَا يَتَحَقَّقُ ) الْوُجُودُ الذِّهْنِيُّ ( عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْأُصُولِيِّينَ لِمَا سَنَذْكُرُ ( وَكَانَ ) أَيْ الْعُمُومُ فِي الْمَعْنَى ( مَجَازًا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَظْهَرْ طَرِيقُهُ ) أَيْ الْمَجَازِ ( لِلْآخَرِ ) الْقَائِلِ لَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَعْنَى لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا ( فَمَنَعَهُ ) أَيْ وَصْفَهَا بِهِ ( وَمُطْلَقًا .
وَمَنْ فَهِمَ مِنْ اللُّغَةِ أَنَّهُ ) أَيْ الْأَمْرَ الْوَاحِدَ ( أَعَمُّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الشَّخْصِيِّ ( وَمِنْ

النَّوْعِيِّ وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ أَعَمَّ مِنْهُمَا ( الْحَقُّ لِقَوْلِهِمْ مَطَرٌ عَامٌّ ) فِي الْأَعْيَانِ ( وَخِصْبٌ عَامٌّ ) فِي الْأَعْرَاضِ ( فِي النَّوْعِيِّ ) فَإِنَّ الْأَفْرَادَ وَإِنْ كَثُرَتْ تُعَدُّ وَاحِدًا بِاتِّحَادِ نَوْعِهَا وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْمَطَرِ مَثَلًا فِي مَكَان لَيْسَ إلَّا فَرْدًا مِنْ الْمَطَرِ يُبَايِنُ الْمَوْجُودَ فِي مَكَان آخَرَ بِالشَّخْصِ ، وَيُمَاثِلُهُ بِالنَّوْعِ ، وَالْكُلُّ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَطَرٌ حَقِيقَةً لِاشْتِرَاكِ لَفْظِ مَطَرٍ بَيْنَ الْكُلِّيِّ وَالْأَفْرَادِ ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَطَرٍ فِي قَوْلِنَا : مَطَرٌ عَامٌّ لَيْسَ الْمَطَرَ الْكُلِّيَّ بَلْ الدَّاخِلَ فِي الْوُجُودِ مِنْهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِالْعُمُومِ فَالْمُرَادُ بِالضَّرُورَةِ بِمَطَرٍ عَامٍّ أَفْرَادُ مَفْهُومِ مَطَرٍ وُجِدَتْ فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ كُلُّ فَرْدٍ فِي مَكَانِ كَذَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَصَوْتٌ عَامٌّ فِي الشَّخْصِيِّ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مَسْمُوعًا ) لِلسَّامِعِينَ فَإِنَّهُ أَمْرٌ وَاحِدٌ مُتَعَلِّقٌ لِلِاسْتِمَاعَاتِ ( أَجَازَهُ ) أَيْ وَصْفَ الْمَعَانِي بِهِ ( حَقِيقَةً ) نَعَمْ قِيلَ : فِي هَذَا تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ الْحَامِلَ لِلصَّوْتِ إذَا صَادَمَ الْهَوَاءَ الْمُجَاوِرَ لَهُ حَدَثَ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ الصَّوْتِ فَالْمَسْمُوعُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِمَاعُ زَيْدٍ مِثْلُ الْمَسْمُوعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ اسْتِمَاعُ عَمْرٍو لَا عَيْنُهُ ( وَكَوْنُهُ ) أَيْ الشُّمُولِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْعُمُومِ ( مُقْتَصِرًا عَلَى الذِّهْنِيِّ وَهُوَ ) أَيْ الذِّهْنِيُّ ( مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْإِطْلَاقُ ) مُطْلَقًا عَلَيْهِ ( مَمْنُوعٌ بَلْ الْمُرَادُ ) بِالشُّمُولِ ( التَّعْلِيقُ الْأَعَمُّ مِنْ الْمُطَابَقَةِ كَمَا فِي الْمَعْنَى الذِّهْنِيِّ وَالْحُلُولِ كَمَا فِي الْمَطَرِ وَالْخِصْبِ .
وَكَوْنُهُ مَسْمُوعًا كَالصَّوْتِ عَلَى أَنَّ نَفْيَ الذِّهْنِيِّ لَفْظِيٌّ كَمَا يُفِيدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ ) أَيْ النَّافِينَ لِلْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ وَهُمْ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ لَاقْتَضَى تَصَوُّرُ الشَّيْءِ حُصُولَهُ فِي الذِّهْنِ

فَيَلْزَمُ كَوْنَ الذِّهْنِ حَارًّا إذَا تَصَوَّرَ الْحَرَارَةَ ضَرُورَةُ حُصُولِهَا فِي الذِّهْنِ حِينَئِذٍ ، وَلَا مَعْنَى لِلْحَارِّ إلَّا مَا قَامَتْ بِهِ الْحَرَارَةُ وَكَذَا الْحَالُ فِي الْبُرُودَةِ وَالِاعْوِجَاجِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ إذَا تَصَوَّرَهُمَا مَعًا وَحَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالتَّضَادِّ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِنْهُمْ يُفِيدُ الْقَوْلَ بِنَفْيِ عَيْنِ الْمُتَصَوَّرِ بِمَا لَهُ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَحْكَامِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي الذِّهْنِ وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَإِنَّمَا الْحَاصِلُ فِي الذِّهْنِ مُجَرَّدُ صُورَةٍ لِلْمُتَصَوَّرِ مَوْجُودَةٍ فِيهِ بِوُجُودٍ ظِلِّيٍّ مُطَابِقَةٍ لِعَيْنِ الْمُتَصَوَّرِ الْخَارِجِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ وُجُودٌ خَارِجِيٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ أَيْضًا ، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ التَّعَقُّلَاتُ ( وَقَدْ اُسْتُبْعِدَ هَذَا الْخِلَافُ ؛ لِأَنَّ شُمُولَ بَعْضِ الْمَعَانِي لِمُتَعَدِّدٍ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ إنَّمَا هُوَ ) أَيْ الْخِلَافُ ( فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ تَخْصِيصُ الْمَعْنَى الْعَامِّ كَاللَّفْظِ وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِبْعَادُ ( اسْتِبْعَادٌ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْقَوْلُ الثَّانِي ؛ إذْ لَا مَعْنَى لِجَوَازِ التَّخْصِيصِ مَجَازًا نَعَمْ صَرَّحَ مَانِعُو تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُخَصُّ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ ) أَيْ نَفَى تَخْصِيصَهُ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَعْنَى ( لَا يُعَمُّ وَهُوَ ) أَيْ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يُعَمُّ ( يُنَافِي مَا ذَكَرَ ) الْمُسْتَبْعِدُ ( وَيَتَعَذَّرُ إرَادَةُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَعْنَى ( يُعَمُّ وَلَا يُخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ لَا يُعَمُّ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَتَأَتَّى الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْمُسْتَبْعِدِ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ لِيُرْتَكَبَ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ

( الْبَحْثُ الثَّانِي هَلْ الصِّيَغُ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَالْمَوْصُولَاتِ وَ ) الْمُفْرَدِ ( الْمُحَلَّى ) بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ ( وَ ) النَّكِرَةِ ( الْمَنْفِيَّةِ وَالْجَمْعِ ) الْمُحَلَّى ( بِاللَّامِ ) الْجِنْسِيَّةِ ( وَالْإِضَافَةِ مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ عَلَى الْخُصُوصِ أَوْ ) لِلْخُصُوصِ عَلَى الْخُصُوصِ ( مَجَازٌ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعُمُومِ ( أَوْ مُشْتَرَكَةٌ ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ( وَتَوَقَّفَ الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً كَالْقَاضِي ) أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ ( وَ ) قَالَ ( مَرَّةً بِالِاشْتِرَاكِ ) اللَّفْظِيِّ كَجَمَاعَةٍ ( وَقِيلَ ) الْعُمُومُ ( فِي الطَّلَبِ ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ( مَعَ الْوَقْفِ فِي الْأَخْبَارِ وَتَفْصِيلِ الْوَقْفِ إلَى مَعْنًى لَا نَدْرِي ) أَوُضِعَتْ لِلْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ أَمْ لَا ( وَلَا نَعْلَمُ الْوَضْعَ وَلَا نَدْرِي أَحَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ ) أَيْ لَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وُضِعَتْ لِلْعُمُومِ فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ لَا فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِيهِ لَا نَدْرِي أَنَّهَا وُضِعَتْ لَهُ فَقَطْ فَتَكُونُ مُنْفَرِدَةً أَمْ لَهُ ، وَلِلْخُصُوصِ أَيْضًا فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ الشَّارِحُونَ .
أَشَارَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ إلَى فَسَادِهِ وَحَقَّقَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ ( لَا يَصِحُّ إذْ لَا شَكَّ فِي الِاسْتِعْمَالِ ) لِهَذِهِ الصِّيَغِ كَمَا يَذْكُرُهُ ( وَبِهِ ) أَيْ وَبِالِاسْتِعْمَالِ لَهَا ( يُعْلَمُ وَضْعُهُ ) أَيْ كُلٍّ مِنْهَا فِي الْجُمْلَةِ ( فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ ) أَيْ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ هُوَ الْوَضْعُ ( النَّوْعِيُّ ) فَتَكُونُ مَجَازًا فِيهِ ( أَوْ الْحَقِيقِيُّ ) فَتَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ ( فَيَرْجِعُ ) الْأَوَّلُ ( إلَى الثَّانِي ) لِأَنَّهُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ التَّوَقُّفَ بِمَعْنَى لَا نَدْرِي أَحَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَوْ مَجَازٌ وَهَذَا هُوَ الثَّانِي وَقَدْ أَوْضَحَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الرَّدَّ بِمَا فِيهِ مَزِيدُ تَحْقِيقٍ لَهُ فَقَالَ : لِأَنَّ الثَّانِيَ إذْ كَانَ حَاصِلُهُ الْعِلْمَ بِالْوَضْعِ مَعَ

التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهَا أَيْ الصِّيَغَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ كَانَ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْمَعْلُومَ الْأَعَمَّ مِنْ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَبِالضَّرُورَةِ يَكُونُ مُقَابِلُهُ الْأَوَّلَ وَالْمُعَبِّرَ عَنْهُ فَلَا نَدْرِي هُوَ هَذَا الْوَضْعُ بِعَيْنِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِمُطْلَقِ الْوَضْعِ الْمُنْقَسِمِ إلَى وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَوَضْعِ الْمَجَازِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِاسْتِعْمَالِ الصِّيَغِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى إذْ لَوْ عُلِمَ الِاسْتِعْمَالُ قُطِعَ بِأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ فَيُقْطَعُ بِثُبُوتِ الْوَضْعِ الْأَعَمِّ مِنْ وَضْعِ الْحَقِيقَةِ وَوَضْعِ الْمَجَازِ لَهَا ، وَكَوْنُ إنْسَانٍ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ لَمْ يَسْمَعْ قَطُّ هَذِهِ الصِّيَغَ اُسْتُعْمِلَتْ لُغَةً ، وَلَا شَرْعًا فِي الْعُمُومِ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ فَلَزِمَ أَنْ لَا تَرَدُّدَ إلَّا فِي كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِيهِ أَوْ مَجَازًا فَهُوَ مَحَلُّ الْوَقْفِ وَهُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي ( وَلَا تَرَدُّدَ فِي فَهْمِهِ ) أَيْ الْعُمُومِ ( مِنْ ) اسْمِ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ .
وَمِنْ الْجَمْعِ الْمُكَسَّرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } ) كَمَا هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ } غَيْرَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ إنَّا كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ لَا نَحْنُ إلَّا أَنَّ مُفَادَهُمَا وَاحِدٌ وَمِنْ الْمُفْرَدِ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ فِي قَوْله تَعَالَى ( { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } ) وَمِنْ قَوْله تَعَالَى ( { لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ } فِي اسْمِ الْجَمْعِ الْمُضَافِ وَفَهِمَهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( الْعُلَمَاءُ قَاطِبَةً ) مِنْ اسْمِ الشَّرْطِ كَمَا ( فِي : مَنْ دَخَلَ ) دَارِي فَهُوَ حُرٌّ وَاسْمِ الِاسْتِفْهَامِ كَمَا فِي ( وَمَا صَنَعْت وَمَنْ جَاءَ ) حَيْثُ

هُمَا ( سُؤَالٌ عَنْ كُلِّ جَاءٍ وَمَصْنُوعٍ ) وَمِنْ النَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ كَمَا فِي ( وَلَا تَشْتُمْ أَحَدًا إنَّمَا هُوَ ) أَيْ التَّرَدُّدُ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( بِالْوَضْعِ ) كَقَوْلِ الْعُمُومِ ( أَوْ بِالْقَرِينَةِ كَقَوْلِ الْخُصُوصِ ) ، وَالْقَرِينَةُ ( كَالتَّرْتِيبِ ) لِلْحُكْمِ ( عَلَى ) الْوَصْفِ ( الْمُنَاسِبِ ) أَيْ الْمُشْعِرِ بِعِلِّيَّتِهِ لَهُ ( فِي نَحْوِ { السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } ( وَأَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ ) فَإِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ وَالْإِكْرَامُ مُرَتَّبٌ عَلَى وَصْفٍ مُشْعِرٍ بِعِلِّيَّتِهِ لَهُ مِنْ السَّرِقَةِ وَالْعِلْمِ ( وَمَثَّلَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْحُكْمَ ( تَمْهِيدُ قَاعِدَةٍ ) أَيْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِحُكْمٍ كُلِّيٍّ يَنْطَبِقُ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ ، وَإِنْ كَانَ جُزْئِيًّا بِاعْتِبَارِ مُتَعَلَّقِهِ الَّذِي اتَّفَقَ وُقُوعُهُ مُتَعَلَّقًا بِهِ ( كَرَجْمِ مَاعِزٍ ) أَيْ { كَرَجْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا لَمَّا أَقَرَّ بِالزِّنَا وَكَانَ مُحْصَنًا } كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ .
( إذْ عُلِمَ أَنَّهُ شَارِعٌ وَحُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ ) أَيْ وَإِذْ عُلِمَ أَنَّهُ قَالَ : حُكْمِيٌّ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِيٌّ عَلَى الْجَمَاعَةِ كَمَا هُوَ مُشْتَهِرٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ لَمْ أَرَ لَهُ سَنَدًا قَطُّ ، وَسَأَلْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ الْمِزِّيَّ وَشَيْخَنَا الذَّهَبِيَّ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ ا هـ وَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ نُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ نُبَايِعْك ، فَقَالَ : إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ } وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالطَّبَرِيِّ { : إنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ كَقَوْلِي

لِمِائَةِ امْرَأَةٍ } وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَطَبَقَاتِ ابْنِ سَعْدٍ بِاللَّفْظَيْنِ فَكَمَا أَنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ مُفِيدٌ لِلْعُمُومِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ حَالُهُ كَحَالِهِ لِكُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الْقَرِينَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخُصُوصَ فَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ مُفِيدِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ ( أَوْ ضَرُورَةً مِنْ نَفْيِ النَّكِرَةِ ) أَيْ أَوْ كَكَوْنِ الْعُمُومِ ثَبَتَ ضَرُورَةً كَمَا فِي نَفْيِ النَّكِرَةِ فَإِنَّهَا حَيْثُ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِفَرْدٍ مُبْهَمٍ كَانَ انْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ .
فَكَانَ انْتِفَاءُ جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ضَرُورَةَ انْتِفَائِهِ كَمَا سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ لَهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ( وَأَلْزَمُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِوَضْعِهَا لِلْخُصُوصِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهَا الْعُمُومُ بِالْقَرَائِنِ ( أَنْ لَا يُحْكَمَ بِوَضْعِيٍّ لِلَفْظٍ ) عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ؛ إذْ يَتَأَتَّى فِيهِ تَجْوِيزُ كَوْنِهِ فُهِمَ مِنْهُ بِالْقَرَائِنِ لَا بِالْوَضْعِ فَيَنْسَدُّ بَابُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِكَذَا وَهُوَ مَفْتُوحٌ ( إذْ لَمْ يُنْقَلْ قَطُّ عَنْ الْوَاضِعِ ) التَّنْصِيصُ عَلَى الْوَضْعِ حَتَّى يَمْتَنِعَ أَنْ يَطْرُقَهُ هَذَا التَّجْوِيزُ ( بَلْ أُخِذَ ) أَيْ حُكِمَ بِوَضْعِ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى ( مِنْ التَّبَادُرِ ) أَيْ تَبَادُرِ الْمَعْنَى ( عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ) لِلَّفْظِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَمْنَعُ التَّجْوِيزَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ تَجْوِيزٌ لَا يَمْنَعُ الظُّهُورَ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ ( وَأَيْضًا شَاعَ ) وَذَاعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ( احْتِجَاجُهُمْ ) أَيْ الْعُلَمَاءِ سَلَفًا وَخَلَفًا ( بِهِ ) أَيْ بِالْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ الْمُدَّعَى كَوْنُهَا لَهُ وَضْعًا ( كَعُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ بِ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) فَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ

تُقَاتِلُ النَّاسَ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنَى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ } فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ .
قَالَ عُمَرُ : فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ إلَّا أَنْ رَأَيْت اللَّهَ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْت أَنَّهُ الْحَقُّ فَقَدْ فَهِمَ عُمَرُ الْعُمُومَ وَاحْتَجَّ بِهِ وَقَرَّرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَدَلَ إلَى الِاحْتِجَاجِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ إلَّا بِحَقِّهَا ( وَأَبِي بَكْرٍ ) أَيْ وَكَاحْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْأَنْصَارِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } ) وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ وَتَعَقَّبَهُمْ شَيْخُنَا الْحَافِظُ بِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَإِنَّمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي قِصَّةِ السَّقِيفَةِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ إنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ هَذَا الْأَمْرَ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ نَعَمْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِسَعْدٍ يَعْنِي ابْنَ عُبَادَةَ لَقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِقُرَيْشٍ أَنْتُمْ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ .
فَلَعَلَّ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ عَزَا ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ فَذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى ا هـ .
فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : وَكَاحْتِجَاجِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ قُرَشِيًّا بِهِ ( { وَنَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ } ) أَيْ وَكَاحْتِجَاجِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّ

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُورَثُ بِهَذَا وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْمَحْفُوظَ إنَّا لَا نَحْنُ وَأَنَّهُ لَا ضَيْرَ ؛ لِأَنَّ مُفَادَهُمَا وَاحِدٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الِاحْتِجَاجَاتِ بِالْعُمُومِ مِنْ الصِّيَغِ الْمُدَّعَى كَوْنُهَا لِلْعُمُومِ وَضْعًا ، وَلَوْلَا أَنَّهَا لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ فِيهَا حُجَّةٌ فِي الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ وَلَأُنْكِرَ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ إنْ قَالَ ( عَلَى وَجْهٍ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( بِاللَّفْظِ ) لَا بِالْقَرَائِنِ فَانْتَفَى أَنْ يُقَالَ : الْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ لَا يَنْتَهِضُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ فِي الْأُصُولِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَنْتَهِضُ فِي الْفُرُوعِ ( وَاسْتُدِلَّ ) لِلْمُخْتَارِ بِمُزَيَّفٍ ، وَهُوَ ( أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( مَعْنًى كَثُرَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهُ فَكَغَيْرِهِ ) أَيْ فَوَجَبَ الْوَضْعُ لَهُ كَمَا وُضِعَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَعَانِي الْمُحْتَاجِ إلَى التَّعْبِيرِ عَنْهَا ( وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ ) وَهُوَ أَنَّ الِاحْتِيَاجَ إلَى التَّعْبِيرِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لَهُ لَفْظٌ مُنْفَرِدٌ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لِجَوَازِ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْمَجَازِ وَالْمُشْتَرَكِ فَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فِي الْعُمُومِ ( الْخُصُوصُ لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ وَلَا وَضْعَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُرَكَّبِ ( بَلْ ) الْوَضْعُ ( لِمُفْرَدَاتِهِ وَالْقَطْعُ أَنَّهَا ) أَيْ الْمُفْرَدَاتِ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ الْعُمُومِ ( فَلَا وَضْعَ لَهُ ) أَيْ لِلْعُمُومِ ( فَصَدَقَ أَنَّهَا ) أَيْ الصِّيَغَ ( لِلْخُصُوصِ بَيَانُهُ ) أَيْ : لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ ( أَنَّ مَعْنَى الشَّرْطِ وَأَخَوَيْهِ ) أَيْ النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ ( لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِأَلْفَاظٍ لِكُلٍّ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْأَلْفَاظِ ( وَضْعٌ عَلَى حِدَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ ) الْعُمُومُ ( بِالْمَجْمُوعِ ) مِنْهَا ( مَثَلًا مَعْنًى مِنْ عَاقِلٍ ) وَالْأَوْلَى عَالِمٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى الْبَارِي - تَعَالَى ( فَيُضَمُّ إلَيْهِ ) اللَّفْظُ ( الْآخَرُ بِخُصُوصٍ مِنْ النِّسْبَةِ فَيَحْصُلُ ) مِنْ الْمَجْمُوعِ ( مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَبِهِمَا الْعُمُومُ وَصَرَّحَ

فِي الْعَرَبِيَّةِ بِأَنَّ تَضَمُّنَ مَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ طَارِئٌ عَلَى مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّازِمَ ) مِنْ لَا عُمُومَ إلَّا لِمُرَكَّبٍ ( التَّوَقُّفُ عَلَى التَّرْكِيبِ ) أَيْ تَوَقُّفُ ثُبُوتِ الْعُمُومِ عَلَى تَرْكِيبِ الْمُفْرَدِ مَعَ غَيْرِهِ ( فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ ) الْمُرَكَّبَ هُوَ ( الدَّالُّ ) عَلَى الْعُمُومِ بَلْ جَازَ كَوْنُ الْمُفْرَدِ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ هُوَ الْعَامَّ وَقَبْلَ حُصُولِ الشَّرْطِ لَهُ مَعْنًى وَضْعِيٌّ إفْرَادِيٌّ غَيْرُ مَعْنَى الْعُمُومِ ( وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ ) بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّالَّ الْمُرَكَّبَ أَوْ جُزْأَهُ بِشَرْطِ التَّرْكِيبِ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ ( وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ قَوْلُ الْوَاضِعِ فِي النَّكِرَةِ ) مِنْ حَيْثُ هِيَ جَعَلْتهَا ( لِفَرْدٍ ) مُبْهَمٍ ( يَحْتَمِلُ كُلَّ فَرْدٍ ) مُعَيَّنٍ عَلَى الْبَدَلِ ( فَإِذَا عُرِفَتْ ) لِغَيْرِ عَهْدٍ ( فَلِلْكُلِّ ضَرْبَةٌ وَهُوَ ) أَيْ وَضْعُهَا هَكَذَا هُوَ ( الظَّاهِرُ لِأَنَّا نَفْهَمُهُ ) أَيْ الْعُمُومَ ( فِي أَكْرِمْ الْجَاهِلَ وَأَهِنْ الْعَالِمَ وَلَا مُنَاسَبَةَ ) بَيْنَ الْإِكْرَامِ وَالْجَهْلِ وَبَيْنَ الْإِهَانَةِ وَالْعِلْمِ فَلَمْ يَكُنْ الْعُمُومُ بِالْقَرِينَةِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثْلِهِ الْمُنَاسَبَةُ ، وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ ( فَكَانَ ) الْعُمُومُ مَعْنًى ( وَضْعِيًّا ) لِلَّفْظِ ( وَغَايَتُهُ ) أَيْ الْأَمْرِ ( أَنَّ وَضْعَهُ ) أَيْ اللَّفْظِ لِلْعُمُومِ ( وَضْعُ الْقَوَاعِدِ اللُّغَوِيَّةِ كَقَوَاعِدِ النَّسَبِ وَالتَّصْغِيرِ ، وَأَفْرَادُ مَوْضُوعِهَا ) أَيْ الْقَوَاعِدِ ( حَقَائِقُ ) فَهُوَ مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْمَجَازِ ( وَلِذَا ) أَيْ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لِلْعُمُومِ وَضْعًا نَوْعِيًّا ( وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ الْعَامِّ ( مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا ) بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْخُصُوصِ أَيْضًا حَتَّى قَالَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( وَالْوَجْهُ أَنَّ عُمُومَ غَيْرِ الْمُحَلَّى ) بِاللَّامِ الْجِنْسِيَّةِ ( وَ ) غَيْرِ ( الْمُضَافِ عَقْلِيٌّ ) لَا وَضْعِيٌّ ( لِجَزْمِ

الْعَقْلِ بِهِ ) أَيْ بِالْعُمُومِ ( عِنْدَ ضَمِّ الشَّرْطِ وَالصِّلَةِ إلَى مُسَمَّى مَنْ وَهُوَ عَاقِلٌ وَ ) مُسَمَّى ( الَّذِي وَهُوَ ذَاتٌ فَيَثْبُتُ مَا عُلِّقَ بِهِ ) أَيْ بِالْمُسَمَّى ( لِكُلِّ مُتَّصِفٍ ) بِالْمُسَمَّى ( لِوُجُودِ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ ) أَيْ لِوُجُودِ الْمَفْهُومِ الَّذِي نِيطَ بِهِ الْحُكْمُ فَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إلَى مَا وَمَا عُلِّقَ عَلَيْهِ فَاعِلُ صَدَقَ ( وَكَذَا النَّكِرَةُ الْمَنْفِيَّةُ ) عُمُومُهَا عَقْلِيٌّ ( لِأَنَّ نَفْيَ ذَاتِ مَا ) الَّذِي هُوَ مَعْنَاهَا ( لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ وُجُودِ ذَاتٍ ) كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا ( وَهَذَا ) الْعَقْلِيُّ ( وَإِنْ لَمْ يُنَافِ الْوَضْعَ ) لَهُ أَيْضًا لِإِمْكَانِ تَوَارُدِهِمَا عَلَيْهِ ( لَكِنْ يَصِيرُ ) الْوَضْعُ لَهُ ( ضَائِعًا ) لِاسْتِفَادَتِهِ بِدُونِهِ ( وَحِكْمَتُهُ ) أَيْ الْوَاضِعِ ( تُبْعِدُهُ ) أَيْ وُقُوعَهُ ( كَمَا لَوْ وَضَعَ لَفْظًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى حَيَاةِ لَافِظِهِ ) فَإِنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا بَعِيدٌ جِدًّا .
( وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَرَبِيَّةَ النَّكِرَةَ الْمَنْفِيَّةَ بِلَا ) حَالَ كَوْنِهَا ( مُرَكَّبَةً ) كَلَا رَجُلَ بِالْفَتْحِ ( نَصٌّ فِي الْعُمُومِ وَغَيْرِهَا ) أَيْ الْمُرَكَّبَةِ كَلَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ ( ظَاهِرٌ ) فِي الْعُمُومِ ( فَجَازَ ) فِي غَيْرِهَا ( بَلْ رَجُلَانِ وَامْتَنَعَ فِي الْأَوَّلِ ) أَيْ فِي كَوْنِهَا مُرَكَّبَةً بَلْ رَجُلَانِ ( وَبِعِلَّتِهِ ) أَيْ بِعِلَّةِ امْتِنَاعِ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلَ وَهِيَ النُّصُوصِيَّةُ لِلتَّرْكِيبِ لِتَضَمُّنِ مَعْنَى مِنْ الزَّائِدَةِ ( يَلْزَمُ امْتِنَاعُهُ ) أَيْ بَلْ رَجُلَانِ ( فِي لَا رِجَالَ ) لِلتَّرْكِيبِ وَالنُّصُوصِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ ( فَإِنْ قَالُوا : الْمَنْفِيُّ ) فِي لَا رِجَالَ ( الْحَقِيقَةُ بِقَيْدِ تَعَدُّدٍ ) خَارِجِيٍّ لِأَفْرَادِهَا بِخِلَافِ لَا رَجُلَ فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهِ الْحَقِيقَةُ مُطْلَقًا .
( قُلْنَا : إذَا صَحَّ ) فِي الْمُرَكَّبَةِ حَالَ كَوْنِهَا جَمْعًا تَسَلَّطَ النَّفْيُ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ الْخَارِجِيِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا فَجَازَ بَلْ رَجُلَانِ لِانْتِفَاءِ هَذَا

التَّعَدُّدِ ( فَلِمَ لَا يَصِحُّ ) تَسَلُّطُهُ عَلَيْهَا مُفْرَدَةً ( بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ ) فَيَجُوزُ بَلْ رَجُلَانِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَيْدِ ( كَجَوَازِهِ ) أَيْ : بَلْ رَجُلَانِ ( فِي الظَّاهِرِ ) أَيْ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ ، وَإِلَّا فَتَحَكُّمٌ فَإِنْ قِيلَ : الْمَانِعُ هُنَا اللُّغَةُ .
قُلْنَا مَمْنُوعٌ كَمَا قَالَ ( وَحُكْمُ الْعَرَبِ بِهِ مَمْنُوعٌ ) بَلْ هُوَ كَلَامُ الْمُوَلَّدِينَ ؛ إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الْعَرَبِ امْتِنَاعُ بَلْ رَجُلَانِ فِي لَا رَجُلٌ وَجَوَازُهُ فِي لَا رِجَالٌ ( وَالْقَاطِعُ بِنَفْيِهِ ) أَيْ الْحُكْمِ بِهِ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ مُؤَنَّثٌ ( مَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ وَقَدْ خُصَّ ) هَذَا أَيْضًا ( بِنَحْوِ { وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ) فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخَصَّ بِشَيْءٍ أَصْلًا لِتَعَلُّقِ عِلْمِهِ بِعَامَّةِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَلَا ضَرَرَ ) أَيْ وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } كَمَا رَوَاهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ( وَأَوْجَبَ كَثِيرًا مِنْ الضَّرَرِ ) بِحَقٍّ مِنْ حَدٍّ وَقِصَاصٍ وَتَعْزِيرٍ وَغَيْرِهَا لِمُرْتَكِبِ أَسْبَابِهَا ( وَتَنْتَفِي مُنَافَاتُهُ لِإِطْلَاقِ الْأُصُولِ الْعَامَّ يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ ) أَيْ وَبِهَذَا الْبَحْثِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَنْتَفِي الْمُنَافَاةُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ إطْلَاقِ الْأُصُولِيِّينَ جَوَازَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الْعَقْلُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ أَوْ السَّمْعِ الْقَطْعِيِّ نَحْوُ بِكُلٍّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّ التَّخْصِيصَ بَيَانُ أَنَّ بَعْضَ الْأَفْرَادِ لَمْ يُرَدْ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَامِّ وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ النَّفْيِ لِلْحَقِيقَةِ وَالْجِنْسِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ هَذَا الْعَامِّ كَمَا لَا يَصِحُّ بَلْ رَجُلَانِ ؛ لِأَنَّهُ شَمِلَهُ حُكْمُ النَّفْيِ لِلنُّصُوصِيَّةِ ، وَدَخَلَ مُرَادًا فَامْتَنَعَ أَنْ

يَكُونَ غَيْرَ مُرَادٍ وَحَاصِلُ بَحْثِنَا أَنْ لَا رَجُلَ بِالتَّرْكِيبِ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ لَا رَجُلٌ بِالرَّفْعِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ فِي نَفْيِ الْجِنْسِ قَيْدُ الْوَحْدَةِ فَيُقَالُ بَلْ رَجُلَانِ وَكَوْنُ الْمُرَكَّبَةِ نَصًّا لَا يَحْتَمِلُ تَخْصِيصًا كَالْمُفَسَّرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَمْنُوعٌ ، وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ فِي : لَا رَيْبَ فِيهِ قِرَاءَةُ النَّصْبِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ تُجَوِّزُهُ غَيْرُ حَسَنٍ ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعُمُومَ فِي الرَّفْعِ غَيْرُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ بَلْ تَجُوزُ إرَادَتُهُ ، وَعَدَمُهَا عَلَى السَّوَاءِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مُطْلَقًا تُفِيدُ الْعُمُومَ أَطْبَقَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ وَالْفِقْهِ عَلَيْهِ ، وَلَيْسَ أَخْذُهُمْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ اللُّغَةِ وَهُمْ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي أَخْذِ الْمَعَانِي مِنْ قَوَالِبِ الْأَلْفَاظِ ثُمَّ إنْ وَجَدْنَا الْمُتَكَلِّمَ لَمْ يُعَقِّبْ الصِّيغَةَ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ حَكَمْنَا بِإِرَادَةِ ظَاهِرِهِ مِنْ الْعُمُومِ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ ، وَإِنْ ذَكَرَ مَخْرَجًا هُوَ بَلْ رَجُلَانِ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ النَّفْيَ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ أَوْ مَخْرَجًا آخَرَ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَامِّ بَعْضَهُ نَحْوُ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } وَأَوْجَبَ الْقَتْلَ وَالضَّرْبَ فِي مَوَاضِعَ وَهُوَ ضَرَرٌ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ وَهُوَ مَعْنَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَهُوَ بَيَانُ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْعَامِّ بَعْضُهُ وَحِينَئِذٍ فَقِرَاءَةُ كُلٍّ مِنْ النَّصْبِ وَالرَّفْعِ تُوجِبُ الِاسْتِغْرَاقَ غَيْرَ أَنَّ إيجَابَ النَّصْبِ أَقْوَى عَلَى مَا يُقَالُ ( فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ بَلْ رَجُلَانِ تَخْصِيصٌ ) لِلَا رَجُلٌ الْمُرَكَّبِ ( مَعَ أَنَّ حَاصِلَهُ ) أَيْ لَا رَجُلٌ الْمُرَكَّبِ عَلَى تَقْدِيرِ تَجْوِيزِ بَلْ رَجُلَانِ مَعَهُ ( نَفْيُ الْمُقَيَّدِ بِالْوَحْدَةِ فَلَيْسَ عُمُومُهُ إلَّا فِي الْمُقَيَّدِ بِهَا ) أَيْ إلَّا فِي رَجُلٍ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَلَمْ

يَدْخُلْ رَجُلَانِ ؛ لِأَنَّهُ بِقَيْدِ التَّعَدُّدِ فَلَا يُتَصَوَّرُ إخْرَاجُهُ فَلَا يَقَعُ تَخْصِيصًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِالتَّخْصِيصِ بِالْمُتَّصِلِ ( قُلْنَا التَّخْصِيصُ بِحَسَبِ الدَّلَالَةِ ظَاهِرٌ إلَّا ) بِحَسَبِ ( الْمُرَادِ ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَخْصِيصٌ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُخَصِّصٍ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْإِرَادَةِ بِالْعَامِّ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا ( فَلَا شَكَّ عَلَى ) اصْطِلَاحِ ( الشَّافِعِيَّةِ ) عَلَى أَنَّ التَّخْصِيصَ قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّاهُ فِي أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِ ( وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَهُوَ كَالْمُتَّصِلِ ) أَيْ : فَبَلْ رَجُلَانِ كَالتَّخْصِيصِ الْمُتَّصِلِ بِاصْطِلَاحِ الشَّافِعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْآتِيَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَابِ كَذَلِكَ ، وَإِلَّا لَوْ تَرَكَ هَذَا الْقَيْدَ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ لَا كَهُوَ ( وَالتَّخْصِيصِ بِمُسْتَقِلٍّ ) أَيْ لَكِنَّ التَّخْصِيصَ اللَّفْظِيَّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ بِكَلَامٍ تَامٍّ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَخْصِيصًا عِنْدَهُمْ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِ نَعَمْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي بَحْثِ التَّخْصِيصِ أَنَّ هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَصَرَّحَ فِي الْبَدِيعِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ وَأَنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى انْقِسَامِهِ إلَى مُسْتَقِلٍّ وَغَيْرِ مُسْتَقِلٍّ فَإِذَنْ إنَّمَا لَا يَكُونُ هَذَا تَخْصِيصًا عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَعَلَّ كَوْنَهُ تَخْصِيصًا أَوْجَهُ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً ( الْخُصُوصُ مُتَيَقَّنٌ ) إرَادَتُهُ اسْتِقْلَالًا عَلَى تَقْدِيرِ الْوَضْعِ لَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْوَضْعِ لِلْعُمُومِ ، وَالْعُمُومُ مُحْتَمَلٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوَضْعُ لَهُ وَأَنْ يَكُونَ لِلْخُصُوصِ ( فَيَجِبُ ) الْخُصُوصُ ( وَيُنْفَى الْمُحْتَمَلُ ) أَيْ الْعُمُومُ ؛ لِأَنَّ الْمُتَيَقَّنَ أَوْلَى مِنْ الْمَشْكُوكِ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ ) وَهُوَ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّهَا

إنَّمَا تَثْبُتُ بِالنَّقْلِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَبِأَنَّ الْعُمُومَ أَرْجَحُ ) مِنْ الْخُصُوصِ ( لِلِاحْتِيَاطِ ) لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِ الْعُمُومِ مُرَادًا إضَاعَةَ غَيْرِهِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ بِخِلَافِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ لِدُخُولِ الْخُصُوصِ فِيهِ ، وَالْأَحْوَطُ أَوْلَى قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَفِي هَذَا ) الْجَوَابِ ( إثْبَاتُهَا ) أَيْ اللُّغَةِ ( بِالتَّرْجِيحِ ) أَيْضًا لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ عَامًّا إذَا وَقَعَ فِي الْخِطَابِ الشَّرْعِيِّ احْتِيَاطًا ، وَفِي عَدَمِهِ عَدَمُ الِاحْتِيَاطِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِمَعْنَى الْعُمُومِ وَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ لِتَرْجِيحِ إرَادَةِ مَعْنًى لِلَّفْظِ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى غَيْرِهِ ، وَهُوَ كَتَرْجِيحِ إرَادَتِهِ لِتَحَقُّقِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى إرَادَةِ غَيْرِهِ مِمَّا الِاحْتِيَاطُ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ إثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بِالِاحْتِيَاطِ ( مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَسْتَمِرُّ ) فِي الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ صُورَةٍ بَلْ فِي الْإِيجَابِ وَالتَّحْرِيمِ ؛ لِأَنَّ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْخُصُوصِ فِيهِمَا مُخَالَفَةً لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ كَأَكْرِمْ الْعُلَمَاءَ ، وَلَا تُكْرِمْ الْجُهَّالَ ؛ إذْ لَوْ حَمَلَهُمَا عَلَى الْخُصُوصِ فَتَرَكَ إكْرَامَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَإِكْرَامَ بَعْضِ الْجُهَّالِ أَثِمَ أَمَّا فِي الْإِبَاحَةِ فَلَا يَكُونُ الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ أَحْوَطَ بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْخُصُوصُ أَحْوَطَ كَمَا فِي اشْرَبْ الشَّرَابَ وَكُلْ الطَّعَامَ فَإِنَّهُ إذَا عَمِلَ بِالْعُمُومِ فِيهِمَا أَثِمَ بِتَنَاوُلِ مُحَرَّمٍ مِنْهُمَا فَلَا يَتِمُّ كِلَا الْجَوَابَيْنِ ( بَلْ الْجَوَابُ لَا احْتِمَالَ ) لِلْوَضْعِ لِلْخُصُوصِ حَقِيقَةً ( بَعْدَ مَا ذَكَرْنَا ) بَدِيًّا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً ( وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْوَضْعِ لِلْخُصُوصِ أَيْضًا بِمَا يُنْسَبُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ( مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ ) حَتَّى هَذَا أَيْضًا

كَمَا تَقَدَّمَ ( فَفَرْعُ دَعْوَانَا ) أَنَّ الْوَضْعَ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَيُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِ مَجَازًا ؛ إذْ هُوَ مُفِيدٌ أَنَّ الْعُمُومَ أَصْلٌ وَالْخُصُوصَ عَارِضٌ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَقُولُهُ ( الِاشْتِرَاكُ ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ لَهُمَا ) أَيْ لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ( وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْجَوَابُ لَوْ لَمْ يُثْبِتْ مَا ذَكَرْنَا ) مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوَضْعِ لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً وَلِلْخُصُوصِ مَجَازًا ( الْمُفَصَّلُ الْإِجْمَاعُ عَلَى عُمُومِ التَّكْلِيفِ وَهُوَ ) أَيْ عُمُومُهُ ( بِالطَّلَبِ ) مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الطَّلَبُ عَامًّا لَمْ يَكُنْ التَّكْلِيفُ عَامًّا ( قُلْنَا : وَكَذَا الْإِخْبَارُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ مِثْلُ نَحْنُ عَلَيْك ) فَإِنَّ هَذَا إخْبَارٌ بِمَا فِيهِ صِيغَةُ خُصُوصٍ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَافُ الْخِطَابِ الْمُفْرَدُ الْمَجْرُورُ ، وَذَلِكَ نَحْوُ { خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلٍّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَتَكُونُ عَامَّةً أَيْضًا ( لِتَعَلُّقِهِ ) أَيْ التَّكْلِيفِ بِهَا ( بِحَالِ الْكُلِّ ) فَإِنَّا مُكَلَّفُونَ عُمُومًا بِمَعْرِفَتِهَا أَيْضًا لِلِانْقِيَادِ إلَى الطَّاعَاتِ وَالِانْزِجَارِ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ فَلَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي التَّكْلِيفِ ( وَلَا مَعْنَى لِلتَّوَقُّفِ ) أَيْضًا فِي الْإِخْبَارِ دُونَ الطَّلَبِ ، وَلَا فِيهَا مُطْلَقًا ( بَعْدَ اسْتِدْلَالِنَا ) لِلْمُخْتَارِ بِمَا تَقَدَّمَ ؛ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ

( الْبَحْثُ الثَّالِثُ لَيْسَ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ عَامًّا خِلَافًا لِطَائِفَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ ) وَمَنْ وَافَقَهُمْ وَسَيُعَيِّنُ مِنْهُمْ فَخْرَ الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْكَشْفِ ذَكَرَ أَنَّ عَامَّةَ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ النَّكِرَةَ لَيْسَ بِعَامٍّ لِظُهُورِهِ فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ النَّكِرَةِ ، وَكَأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ : أَمَّا الْعَامُّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَهُوَ صِيغَةُ كُلِّ جَمْعٍ رَدَّ قَوْلَ الْعَامِّ ، وَاخْتَارَ أَنَّ الْكُلَّ عَامٌّ سَوَاءٌ كَانَ جَمْعَ قِلَّةٍ أَوْ كَثْرَةٍ إلَّا أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الْقِلَّةِ يَكُونُ لِلْعُمُومِ يَكُونُ الْعُمُومُ فِي مَوْضُوعِهِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ فَصَاعِدًا إلَى الْعَشَرَةِ ، وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ الْعُمُومُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى أَنْ يَشْمَلَ الْكُلَّ ؛ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعُمُومِ عِنْدَهُ الِاسْتِغْرَاقُ ( لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّ رِجَالًا لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُمْ ) أَيْ جَمَاعَاتِ الرِّجَالِ ( كَرَجُلٍ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَيْضًا عِنْدَ إطْلَاقِهِ اسْتِغْرَاقُهُ لِسَائِرِ الْوُحْدَانِ ( فَلَيْسَ ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ ( عَامًّا ) كَمَا أَنَّ رَجُلًا كَذَلِكَ .
( فَمَا قِيلَ ) فِي إثْبَاتِ عُمُومِهِ كَمَا فِي الْبَدِيعِ مَا مَعْنَاهُ ( الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ ) لِكُلِّ جَمْعٍ ( مِنْ مَرَاتِبِهِ ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ( فَيُحْمَلُ ) الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ عَلَى الْمُسْتَغْرِقَةِ ( لِلِاحْتِيَاطِ ) لِأَنَّهُ حَمْلٌ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ حِينَئِذٍ ( بَعُدَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ غَيْرَهَا ) أَيْ غَيْرَ الْمُسْتَغْرِقَةِ وَهِيَ الْأَقَلُّ ( أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ ) بِهِ وَالشَّكِّ فِي غَيْرِهِ وَالْأَخْذُ بِالْمُتَيَقَّنِ وَطَرْحُ الْمَشْكُوكِ أَوْلَى ، وَيَتَأَيَّدُ هَذَا فِي التَّكَالِيفِ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ( وَيَكُونُ الِاحْتِيَاطُ لَا يَسْتَمِرُّ ) فِي الْمُسْتَغْرِقَةِ ( بَلْ يَكُونُ ) الِاحْتِيَاطُ ( فِي عَدَمِهِ ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ كَمَا فِي

الْإِبَاحَةِ ( لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ ) أَيْ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ ( فِي أَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ ( مَفْهُومُهُ ) أَيْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرِ ( وَأَيْنَ الْحَمْلُ عَلَى بَعْضِ مَا صَدَقَاتِهِ ) الَّذِي هُوَ الْمَرْتَبَةُ الْمُسْتَغْرِقَةُ ( لِلِاحْتِيَاطِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهُوَ أَنَّ الْعُمُومَ الِاسْتِغْرَاقِيَّ مَفْهُومُهُ وَضْعًا .
( وَأَمَّا إلْزَامُ نَحْوِ رَجُلٍ ) لِمُثْبَتٍ عُمُومُهُ بِأَنْ يُقَالَ : هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْجُمُوعِ أَيَّ جَمْعٍ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَرَجُلٍ لِلْوَاحِدِ أَيَّ وَاحِدٍ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ ظَاهِرُ الْعُمُومِ كَمَا أَنَّ رَجُلًا لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي زَيْدٍ وَعَمْرٍو ( فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ ) أَيْ نَحْوَ رَجُلٍ ( لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ ) الْمَرْتَبَةُ ( الْمُسْتَغْرِقَةُ ) لِسَائِرِ الْأَفْرَادِ لِيُحْمَلَ عَلَيْهَا ( بِخِلَافِ رِجَالٍ فَإِنَّهُ لِلْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسْتَغْرِقِ وَغَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ ( قِيلَ مَبْنَى الْخِلَافِ ) فِي أَنَّهُ عَامٌّ أَوْ لَا ، وَالْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي الْعُمُومِ فَمَنْ لَا ) يَقُولُ بِاشْتِرَاطِهِ ( كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ جَعَلَهُ ) أَيْ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ ( عَامًّا ) وَمَنْ يَقُولُ بِاشْتِرَاطِهِ لَمْ يَجْعَلْهُ عَامًّا ( وَإِذَنْ ) أَيْ وَحِينَ يَكُونُ مَبْنَى ذَاكَ الْخِلَافِ هَذَا الْخِلَافَ ( لَا وَجْهَ لِمُحَاوَلَةِ اسْتِغْرَاقِهِ ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ( بِالْحَمْلِ عَلَى مَرْتَبَةِ الِاسْتِغْرَاقِ ) كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْبَدِيعِ ( بَلْ لَفْظِيٌّ ) إضْرَابٌ عَنْ هَذَا الْحَمْلِ أَيْ لَيْسَ ذَاكَ الْخِلَافُ خِلَافًا مُتَحَقِّقًا مَبْنِيًّا عَلَى خِلَافٍ آخَرَ أَصْلًا بَلْ لَيْسَ هُنَا خِلَافٌ أَصْلًا .
( فَمُرَادُ الْمُثْبِتِ ) لِلْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ عُمُومًا كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ ( مَفْهُومُ عُمُومٍ ) أَيْ لَفْظِ عُمُومٍ ( وَهُوَ ) أَيْ مَفْهُومُ لَفْظِ عُمُومٍ ( شُمُولُ ) أَمْرٍ لِأَمْرٍ ( مُتَعَدِّدٍ أَعَمَّ مِنْ

الِاسْتِغْرَاقِ ) وَنَافِي عُمُومِهِ لَا يُنَازِعُهُ فِي هَذَا ( وَمُرَادُ النَّافِي عُمُومُ الصِّيَغِ الَّتِي أَثْبَتْنَا كَوْنَهَا ) أَيْ الصِّيَغِ ( حَقِيقَةً فِيهِ ) أَيْ فِي الْعُمُومِ ( وَهُوَ الِاسْتِغْرَاقِيُّ حَتَّى قَبْلَ الْأَحْكَامِ مِنْ التَّخْصِيصِ وَالِاسْتِثْنَاءِ ) الْمُتَّصِلِ ( وَلَا نِزَاعَ فِي ) نَفْيِ ( هَذَا ) عَنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ( لِأَحَدٍ ) مِنْ مُثْبِتِ عُمُومِهِ ( وَلَا فِي عَدَمِهِ ) أَيْ عَدَمِ قَبُولِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ( فِي رِجَالٍ لَا يُقَالُ : اُقْتُلْ رِجَالًا إلَّا زَيْدًا ) عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْهُمْ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَّصِلَ ( إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءُ ( لَدَخَلَ ) فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ اسْتِثْنَائِهِ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي رِجَالٍ ( وَلَوْ قِيلَ ) اُقْتُلْ رِجَالًا ( وَلَا تَقْتُلْ زَيْدًا كَانَ ) وَلَا تَقْتُلْ زَيْدًا ( ابْتِدَاءً لَا تَخْصِيصًا ) لِرِجَالٍ لِانْتِفَاءِ عُمُومِهِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِحَيْثُ يَلْزَمُ شُمُولُهُمْ لَهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْحَاصِلُ ثُبُوتُ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عُمُومَ الصِّيَغِ اسْتِغْرَاقِيٌّ وَعَلَى أَنَّ عُمُومَ الْمُنَكَّرِ بِمَعْنَى شُمُولِ أَمْرٍ لِمُتَعَدِّدٍ فَأَيْنَ الْخِلَافُ ( وَإِذْ بَيَّنَّا أَنَّهُ ) أَيْ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ ( لِلْمُشْتَرَكِ ) بَيْنَ مَرَاتِبِ الْجَمْعِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهَا ( الْجَمْعُ مُطْلَقًا فَفِي أَقَلِّهِ ) أَيْ الْجَمْعِ مُطْلَقًا ( خِلَافٌ قِيلَ ) أَقَلُّهُ حَقِيقَةً ( ثَلَاثَةٌ مَجَازٌ لِمَا دُونَهَا ) مِنْ اثْنَيْنِ وَوَاحِدٍ ( وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ ( الْمُخْتَارُ وَقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي اثْنَيْنِ أَيْضًا وَقِيلَ ) حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ ( مَجَازٌ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الِاثْنَيْنِ ( وَقِيلَ ) حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى اثْنَيْنِ ( لَا ) حَقِيقَةً ( وَلَا ) مَجَازًا وَاعْلَمْ أَنَّ حِكَايَةَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَفِيهَا تَأَمُّلٌ فَإِنَّ كَوْنَ أَقَلِّ

الْجَمْعِ ثَلَاثَةً مَعْزُوٌّ إلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَئِمَّةُ اللُّغَةِ ، وَكَوْنُ أَقَلِّهِ اثْنَيْنِ مَعْزُوٌّ إلَى عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَالْقَاضِي وَالْأُسْتَاذِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوَّلِينَ لَا يَمْنَعُونَ إطْلَاقَهُ عَلَى اثْنَيْنِ مَجَازًا ، وَأَنَّهُمْ وَالْآخِرِينَ لَا يَمْنَعُونَ إطْلَاقَهُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا أَيْضًا مِنْ إطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ بِشَرْطِهِ ، وَيَلْزَمُ الْآخِرِينَ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا أَيْضًا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا قَوْلًا آخَرَ مُقَاسِمًا لَهُمَا ، وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الِاثْنَيْنِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَيَلْزَمُهُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ كَذَلِكَ فَبَعِيدٌ جِدًّا قَالَ السُّبْكِيُّ : وَلَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ .
ثُمَّ أَفَاضَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ وَجْهِ الْمُخْتَارِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ وَجْهَ كُلٍّ مِنْ بَاقِي الْأَقْوَالِ فَقَالَ ( لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ : لَيْسَ الْأَخَوَانِ إخْوَةً ) فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ : إنَّ الْأَخَوَيْنِ لَا يَرُدَّانِ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وَالْأَخَوَانِ لَيْسَا بِإِخْوَةٍ بِلِسَانِ قَوْمِك فَقَالَ عُثْمَانُ لَا أَسْتَطِيعُ أَرُدُّ أَمْرًا تَوَارَثَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَكَانَ قَبْلِي وَمَضَى فِي الْأَمْصَارِ فَهَذَا يَصْلُحُ فِي الْجُمْلَةِ مُتَمَسَّكًا لِنَفْيِ صِحَّةِ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا بِأَنْ يُقَالَ : لَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ جَائِزًا مَا صَحَّ سَلْبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِذَا قِيلَ ( أَيْ حَقِيقَةً لِقَوْلِ زَيْدٍ الْأَخَوَانِ إخْوَةٌ ) فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ

يَحْجُبُ الْأُمَّ عَنْ الثُّلُثِ بِالْأَخَوَيْنِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا سَعِيدٍ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ { فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } وَأَنْتَ تَحْجُبُهَا بِالْأَخَوَيْنِ فَقَالَ : إنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْأَخَوَيْنِ إخْوَةً ( أَيْ مَجَازًا جَمْعًا ) بَيْنَ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ كَانَ دَلِيلًا لِمُطْلِقِيهِ عَلَيْهِمَا مَجَازًا ثُمَّ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَتَسْلِيمُ عُثْمَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ تَمَسُّكَهُ ثُمَّ عُدُولُهُ ) أَيْ عُثْمَانَ ( إلَى الْإِجْمَاعِ دَلِيلٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ ) أَيْ نَفْيِ كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَكَوْنِهِ مَجَازًا فِيهِمَا لَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي ثَلَاثَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِمَا يُفِيدُ الْإِجْمَاعَ حَمَلُوا إخْوَةً فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَخَوَيْنِ فَكَانَ مَجَازًا فِيهِ بِالضَّرُورَةِ لِثُبُوتِ نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مَعَ وُجُودِ الِاسْتِعْمَالِ بَقِيَ كَوْنُهُ مَجَازًا فِي الْوَاحِدِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ : ( وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى مُتَبَرِّجَةٍ ) أَيْ مُظْهِرَةٍ زِينَتَهَا ( لِرَجُلٍ ) أَجْنَبِيٍّ ( أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ ) فَإِنَّ الْأَنَفَةَ وَالْحَمِيَّةَ مِنْ ذَلِكَ يَسْتَوِي فِيهَا الْجَمْعُ وَالْوَاحِدُ لَكِنَّهُ كَمَا قَالَ : ( وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ) أَيْ لَفْظَ الرِّجَالِ هُنَا ( مِنْ الْعَامِّ فِي الْخُصُوصِ لَا الْمُخْتَلِفِ مِنْ نَحْوِ رِجَالٍ الْمُنَكَّرِ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ كَوْنُ الْجَمْعِ ( مَجَازًا فِيهِ ) أَيْ فِي الْوَاحِدِ ( لِجَوَازِ أَنَّ الْمَعْنَى هُوَ ) أَيْ التَّبَرُّجُ ( عَادَتُك لَهُمْ ) أَيْ لِلرِّجَالِ ( حَتَّى تَبَرَّجْتِ لِهَذَا وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى ( مِمَّا يُرَادُ فِي مِثْلِهِ نَحْوُ ) قَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ هُوَ مَظِنَّةُ الظُّلْمِ ( أَتَظْلِمُ الْمُسْلِمِينَ ) عِنْدَ مُشَاهَدَةِ ظُلْمِهِ وَاحِدًا مِنْهُمْ ( وَالْحَقُّ جَوَازُهُ ) أَيْ إطْلَاقِ الْجَمْعِ مُرَادًا بِهِ الْوَاحِدُ ( حَيْثُ يَثْبُتُ الْمُصَحِّحُ ) لِجَوَازِهِ ( كَ رَأَيْت رِجَالًا فِي رَجُلٍ يَقُومُ مَقَامَ الْكَثِيرِ ) مِنْهُمْ قِيلَ

وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } فَإِنَّ الْمُرَادَ وَاحِدٌ وَهُوَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَوْلُهُ { بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ } فَإِنَّ الرَّسُولَ وَاحِدٌ بِدَلِيلِ { ارْجِعْ إلَيْهِمْ } ( وَحَيْثُ لَا ) يَثْبُتُ الْمُصَحِّحُ ( فَلَا ) يَجُوزُ ( وَتَبَادُرُ مَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ ) عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ( يُفِيدُ الْحَقِيقَةَ فِيهِ ) أَيْ فِيمَا فَوْقَهُمَا ؛ لِأَنَّ التَّبَادُرَ دَلِيلُ الْحَقِيقَةِ ( وَاسْتِدْلَالُ النَّافِينَ ) لِصِحَّةِ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ مُطْلَقًا ( بِعَدَمِ جَوَازِ : الرِّجَالُ الْعَاقِلَانِ وَالرَّجُلَانِ الْعَاقِلُونَ مَجَازًا ) .
وَلَوْ صَحَّ لَجَازَ نَعْتُ أَحَدِهِمَا بِمَا يُنْعَتُ بِهِ الْآخَرُ ( دُفِعَ بِمُرَاعَاتِهِمْ ) أَيْ الْعَرَبِ ( مُرَاعَاةَ الصُّورَةِ ) أَيْ صُورَةِ اللَّفْظِ بِأَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا مُثَنًّى أَوْ جَمْعًا فَلَا يُنْعَتُ الْمُثَنَّى بِصُورَةِ الْجَمْعِ ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَاهُ وَلَا الْعَكْسُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّشَاكُلِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ ؛ لِأَنَّهُمَا كَشَيْءٍ وَاحِدٍ ( وَنُقِضَ ) هَذَا الدَّفْعُ ( بِجَوَازِ ) جَاءَ ( زَيْدٌ وَعَمْرٌو الْفَاضِلَانِ وَفِي ثَلَاثَةٍ ) أَيْ وَبِجَوَازِ جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ ( الْفَاضِلُونَ ) إذَا الْمَوْصُوفُ فِي الْكُلِّ مُفْرَدَاتٌ وَمَا ثَمَّ مُثَنًّى وَلَا مَجْمُوعٌ ( وَدَفَعَهُ ) أَيْ هَذَا الْبَعْضُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( بِأَنَّ الْجَمْعَ بِحَرْفِ الْجَمْعِ ) أَيْ بِوَاوِ الْعَطْفِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ ( كَالْجَمْعِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ) فِي الْأَسْمَاءِ الْمُتَّفِقَةِ صُورَةً وَفِي الِاسْمَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَتَثْنِيَةِ الِاسْمَيْنِ الْمُتَّفِقَيْنِ صُورَةً فَيَكُونُ تَعَاطُفُ الْمُفْرَدَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْجَمْعِ وَفِي صُورَتِهِ وَتَعَاطُفُ الْمُفْرَدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ التَّثْنِيَةِ ، وَفِي صُورَتِهَا ( لَيْسَ بِشَيْءٍ ) دَافِعٍ لَهُ ( إذْ لَا يُخْرِجُهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْ الْمِثَالَيْنِ الْمَنْقُوضِ بِهِمَا ( إلَى مُطَابَقَةِ الصُّورَةِ ) اللَّفْظِيَّةِ تَثْنِيَةً وَجَمْعًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إنْ كَانَتْ شَرْطًا .
(

وَالْوَجْهُ اعْتِبَارُ الْمُطَابَقَةِ الْأَعَمِّ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَالْحُكْمِيَّةِ بِمَا قَدَّمْنَا ) مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ نَفْيَ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ مَعْنًى كَمَا هِيَ مَنْفِيَّةٌ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَحِينَئِذٍ جَازَ الْمِثَالَانِ الْأَخِيرَانِ لِوُجُودِ الْمُطَابَقَةِ الْحُكْمِيَّةِ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَةِ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ الْمُطَابَقَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُنْتَفِيَةً بَيْنَهُمَا فِيهِمَا وَلَمْ يَجُزْ الْمِثَالَانِ الْأَوَّلَانِ لِانْتِفَاءِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ فِيهِمَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَحُكْمًا ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَيْسَ فِي حُكْمِ رَجُلٍ وَرَجُلٍ لَا غَيْرُ وَلَا عَاقِلَيْنِ فِي حُكْمِ عَاقِلٍ وَعَاقِلٍ لَا غَيْرُ .
( وَلَا خِلَافَ فِي نَحْوِ ) قَوْله تَعَالَى { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } أَيْ فِي التَّعْبِيرِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ عَمَّا يَنْفَرِدُ مِنْ الشَّيْئَيْنِ إذَا أُضِيفَ إلَيْهِمَا أَوْ إلَى ضَمِيرِهِمَا فِي اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ كَالْقَلْبِ وَالرَّأْسِ وَاللِّسَانِ ( ونا ) أَيْ وَلَا فِي الضَّمِيرِ الَّذِي يُعَبِّرُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْفَصِلًا ( وَجَمْعٍ ) أَيْ وَلَا فِي لَفْظِ جَمْعٍ ( أَنَّهُ ) أَيْ هَذَا كُلَّهُ ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَلْ جَوَازُ إطْلَاقِهِ عَلَى الِاثْنَيْنِ وِفَاقٌ فَالْأَوَّلُ قَالُوا حَذَرًا مِنْ اسْتِثْقَالِ جَمْعِ التَّثْنِيَتَيْنِ وَالثَّانِي لِلِاتِّفَاقِ عَلَى كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِتَعْبِيرِ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ جَمْعًا ، وَالثَّالِثُ ؛ لِأَنَّهُ ضَمُّ شَيْءٍ إلَى شَيْءٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا فِيمَا فَوْقَهُمَا ( وَلَا ) خِلَافَ أَيْضًا فِي أَنَّ ( الْوَاوَ فِي ضَرَبُوا مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالْأَوْلَى وَلَا فِي أَنَّ ضَمَائِرَ الْغَيْبَةِ وَالْخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ مِنْهُ كَمَا فِي الْبَدِيعِ فَيَشْمَلُ نَحْوَ قَامُوا وَقُمْنَ وَقُمْتُمْ وَقُمْتُنَّ هَذَا وَفِي التَّلْوِيحِ : وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيْنَ جَمْعِ الْقِلَّةِ وَجَمْعِ الْكَثْرَةِ

فَدَلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ مُخْتَصٌّ بِالْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا ، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ لَا أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا فَوْقَ الْعَشَرَةِ ، وَهَذَا أَوْفَقُ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَإِنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَثِيرٌ مِنْ الثِّقَاتِ ا هـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا كَمَا رَأَيْت وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَيَجْمَعُ جُمُوعَ الْقِلَّةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِأَفْعُلٍ ثُمَّ أَفْعَالٍ وَأَفْعِلَةٍ وَفِعْلَةٍ يُعْرَفُ الْأَدْنَى مِنْ الْعَدَدِ وَسَالِمُ الْجَمْعِ أَيْضًا دَاخِلٌ مَعَهَا فَهَذِهِ الْخَمْسُ فَاحْفَظْهَا وَلَا تَزِدْ

( تَنْبِيهٌ لَمْ تَزِدْ الشَّافِعِيَّةُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ عَلَى إثْبَاتِهَا ، وَفَصَّلَهَا الْحَنَفِيَّةُ إلَى عَامٍّ بِصِيغَتِهِ وَمَعْنَاهُ ) بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مَجْمُوعًا وَالْمَعْنَى مُسْتَوْعَبًا ( وَهُوَ الْجَمْعُ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ ) يَعْنِي عِنْدَ شَارِطِيهِ فِي الْعُمُومِ ، وَإِلَّا فَهُوَ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَشْرُطْهُ فِيهِ مِنْهُمْ الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْكَشْفِ : اللَّامُ فِي قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ مِثْلُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ ، وَمُرَادُهُ الْجُمُوعُ الْمُنَكَّرَةُ ( وَ ) إلَى عَامٍّ ( بِمَعْنَاهُ ) فَقَطْ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ مُفْرَدًا مُسْتَوْعِبًا لِكُلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ ( وَهُوَ الْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى كَالرَّجُلِ وَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ وَالنِّسَاءِ وَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَمَنْ وَمَا وَأَيْ مُضَافَةً وَكُلٌّ وَجَمِيعٌ ) وَقَدْ قُسِّمَ هَذَا ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ مَا يَتَنَاوَلُ مَجْمُوعَ الْأَفْرَادِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِمَجْمُوعِهَا لَا بِكُلِّ فَرْدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَحَيْثُ يَثْبُتُ لِلْوَاحِدِ فَلِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمَجْمُوعِ كَالرَّهْطِ اسْمٌ لِمَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْقَوْمِ لِجَمَاعَةِ الرِّجَالِ فَاللَّفْظُ فِيهِمَا مُفْرَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُوَحَّدُ الضَّمِيرُ الْعَائِدُ إلَيْهِ وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِجَمِيعِ آحَادِهِ لَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ وَاحِدٌ حَتَّى لَوْ قَالَ الرَّهْطُ أَوْ الْقَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَهُ جَمَاعَةٌ كَانَ النَّفَلُ لِمَجْمُوعِهِمْ وَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا ( تَنْبِيهٌ ) وَالْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِهِ النِّسَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَعَدَّهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي آخَرَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَكَأَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ أَوْ جَمْعٌ فَمَنْ قَالَ : اسْمُ جَمْعٍ عَدَّهُ مِنْ الثَّانِي ، وَمَنْ قَالَ : جَمْعٌ عَدَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ ، وَالْكَثِيرُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ ، وَفِي ذِكْرِهِ

الْقَوْمَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مُوَافِقٌ لِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْمَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ قَامَ فَوُصِفَ بِهِ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الرِّجَالِ لِقِيَامِهِمْ بِأُمُورِ النِّسَاءِ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا تَأْوِيلَ مَا يُقَالُ : إنَّ قَوْمًا جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ جَمْعُ صَائِمٍ وَإِلَّا فَفَعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ قُلْت : لَكِنْ لَا خَفَاءَ فِي أَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ مَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ جَمْعُ قَائِمٍ كَصُوَّمٍ وَزُوَّرٍ فِي جَمْعِ صَائِمٍ وَزَائِرٍ ، أَوْ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ إذَا أَكَلْت طَعَامًا أَحْبَبْت نَوْمًا وَأَبْغَضْت قَوْمًا أَيْ قِيَامًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الثَّانِي مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الشُّمُولِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مُجْتَمِعًا مَعَ غَيْرِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْهُ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ دِرْهَمٌ فَلَوْ دَخَلَهُ وَاحِدٌ اسْتَحَقَّ دِرْهَمًا وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ دِرْهَمًا الثَّالِثُ مَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِكُلٍّ بِشَرْطِ الِانْفِرَادِ وَعَدَمِ التَّعَلُّقِ بِوَاحِدٍ آخَرَ مِثْلُ مَنْ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ أَوَّلًا فَلَهُ دِرْهَمٌ فَمَنْ دَخَلَهُ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا اسْتَحَقَّ الدِّرْهَمَ ، وَلَوْ دَخَلُوهُ مَعًا لَمْ يَسْتَحِقُّوا شَيْئًا وَمُتَعَاقِبِينَ اسْتَحَقَّ الْوَاحِدُ السَّابِقُ لَا غَيْرُ ( فَانْقَسَمَ الْعُمُومُ ) بِوَاسِطَةِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي صِيَغِهِ ( إلَى صِيَغِيٍّ وَمَعْنَوِيٍّ ) وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ عَامًّا بِصِيغَتِهِ فَقَطْ ؛ إذْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَعْنَى ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نُشْبِعَ الْكَلَامَ مُفَصَّلًا فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْهُ فَنَقُولُ ( أَمَّا الْجَمْعُ الْمُحَلَّى فَاسْتِغْرَاقُهُ كَالْمُفْرَدِ لِكُلِّ فَرْدٍ لِمَا تَقَدَّمَ ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ فِي تَعْرِيفِ الْعَامِّ ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَالْعَرَبِيَّةِ ، وَصَرَّحَ

بِهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ فِي التَّنْزِيلِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ( وَمَا قِيلَ ) كَمَا فِي الْمِفْتَاحِ وَتَلْخِيصِهِ وَغَيْرِهِمَا ( اسْتِغْرَاقُ الْمُفْرَدِ أَشْمَلُ ) مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ ، وَاسْتِغْرَاقُ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جَمَاعَةٍ جَمَاعَةٍ ، وَلَا يُنَافِي خُرُوجَ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ .
( فَفِي النَّفْيِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَسْلُبُهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ إلَى الْجِنْسِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فَإِنَّمَا يَتَسَلَّطُ النَّفْيُ عَلَى الْجَمْعِ ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ الْمُفْرَدِ فِي النَّفْيِ ( أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ بِلَا وَاسِطَةٍ الْجَمْعُ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالنَّفْيِ فَأَشْمَلِيَّتُهُ بِسَبَبِ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْوَاحِدِ فِي الْمُفْرَدِ ابْتِدَاءٌ ، وَفِي الْجَمْعِ بِوَاسِطَةٍ تُعَلِّقُهُ بِالْجَمْعِ فَتُعَلَّقُ بِآحَادِهِ بِحُكْمِ اللُّغَةِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِكَوْنِ اسْتِغْرَاقِهِ أَشْمَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ ( فَمَمْنُوعٌ ) كَوْنُهُ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُمَا بِقَوْلِهِ ( وَمَا تَقَدَّمَ ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ ( يَنْفِي كَوْنَهُ ) أَيْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالْمُفْرَدِ فِي الْجَمْعِ ( بِوَاسِطَةِ الْجَمْعِ وَأَشْمَلِيَّتِهِ ) أَيْ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنْ لَا رِجَالَ كَ لَا رَجُلٌ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ التَّخْصِيصِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا رَجُلٌ بَلْ رَجُلَانِ كَمَا يَصِحُّ لَا رِجَالَ بَلْ رَجُلَانِ يَنْفِي كَوْنَ اسْتِغْرَاقِ الْمُفْرَدِ ( فِي النَّفْيِ ) أَشْمَلَ مِنْ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا كَانَ مُخَيَّلًا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي لَا رِجَالَ لَا فِي لَا رَجُلٌ .
وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّهُمَا فِيهِ مُتَسَاوِيَا الْأَقْدَامِ ( وَلِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى : الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَاللُّغَةُ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ ) مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْجَمْعِ وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَجْعُولَةَ دَلِيلًا عَلَى اسْتِغْرَاقِ

الْجَمْعِ الْمُحَلَّى كَالْمُفْرَدِ يُرَادُ بِهَا اسْتِثْنَاءُ الْمُفْرَدِ ( وَعَنْهُ ) أَيْ كَوْنِ اسْتِغْرَاقِ الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِكُلِّ فَرْدٍ كَالْمُفْرَدِ ( قَالُوا ) أَيْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ قَوْله تَعَالَى ( { لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ } سَلْبُ الْعُمُومِ ) أَيْ نَفْيُ الشُّمُولِ وَرَفْعُ الْإِيجَابِ الْكُلِّيِّ وَهُوَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ؛ لِأَنَّهُ نَقِيضُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ( لَا عُمُومُ السَّلْبِ ) أَيْ شُمُولُ النَّفْيِ لِكُلِّ بَصَرٍ لِيَكُونَ سَلْبًا كُلِّيًّا ، وَهُوَ لَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ مِنْ الْأَبْصَارِ ثُمَّ فَسَّرَ شُمُولَ النَّفْيِ أَيْضًا إيضَاحًا فَقَالَ ( أَيْ لَا يُدْرِكُهُ كُلُّ بَصَرٍ ) كَمَا هُوَ مَعْنَى الِاسْتِغْرَاقِ ( وَهُوَ ) أَيْ سَلْبُ الْعُمُومِ سَلْبٌ ( جُزْئِيٌّ ) لِأَنَّ نَقِيضَ الْمُوجِبَةِ الْكُلِّيَّةِ السَّالِبَةُ الْجُزْئِيَّةُ .
( فَجَازَ لِبَعْضِهَا ) أَيْ الْأَبْصَارِ إدْرَاكُهُ لَكِنْ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْآيَةَ وَمَا قَبْلَهَا فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ { وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } فَيَكُونُ نَفْيُ إدْرَاكِ الْبَصَرِ مَدْحًا فَيَكُونُ إدْرَاكُهُ نَقْصًا وَعَدَمُ إدْرَاكِ الْبَعْضِ لَا يُزِيلُ النَّقْصَ فَيَكُونُ عُمُومُ السَّلْبِ وَصِدْقُ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ لَا يُنَافِي صِدْقَ السَّالِبَةِ الْكُلِّيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَخَصَّ مِنْ السَّالِبَةِ الْجُزْئِيَّةِ إذْ قَدْ يَصْدُقُ الْأَخَصُّ مَعَ الْأَعَمِّ ( نَعَمْ إذَا اُعْتُبِرَ الْجَمْعُ لِلْجِنْسِ ) فِي النَّفْيِ وَالْجِنْسُ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ ( كَانَ ) الْمَعْنَى ( عُمُومَ السَّلْبِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } فَإِنَّ التَّعْرِيفَ فِيهِ لِلْجِنْسِ فَيُفِيدُ سَلْبَ الْحُكْمِ عَنْ كُلِّ فَرْدٍ فَهُوَ - تَعَالَى - لَا يُحِبُّ كُلَّ كَافِرٍ ( وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ ) أَيْ كَوْنُ الْجَمْعِ لِلْجِنْسِ ( فِي الْآيَةِ ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ فِي إثْبَاتِ الرُّؤْيَةِ ( اُدُّعِيَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ أَخَصُّ مِنْ الرُّؤْيَةِ ) الْمُطْلَقَةِ بِأَنْ يُقَالَ : الْإِدْرَاكُ الرُّؤْيَةُ الْمُكَيَّفَةُ بِكَيْفِيَّةِ الْإِحَاطَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا عَنْهُ -

تَعَالَى - لِامْتِنَاعِ الْإِحَاطَةِ بِهِ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ نَفْيُ الْأَعَمِّ وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ إدْرَاكُ عَيْنِ الْمَرْئِيِّ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ .
فَلَوْ كَانَ الْإِدْرَاكُ إحَاطَةً كَانَ الرُّؤْيَةُ كَذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ وَبِالْجُمْلَةِ فِي الْآيَةِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالِاعْتِزَالِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الرُّؤْيَةِ فَلَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِهَا كَمَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّامُ الْمُعَرَّفَةُ مِنْ الْمَعَانِي الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهَا مِنْ عَهْدٍ وَجِنْسٍ وَاسْتِغْرَاقٍ فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى فَقَالَ : ( وَالتَّعْيِينُ ) أَيْ وَتَعْيِينُ كَوْنِهَا فِي الْجَمْعِ الْمُحَلَّى لِلِاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْجِنْسِ ( بِمُعَيِّنٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) مُعَيِّنٌ لِأَحَدِهِمَا ( وَلَا عَهْدٌ خَارِجِيٌّ وَأَمْكَنَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ الْجِنْسِ دُونَ الْآخَرِ ( تَعَيَّنَ ) الْمُمْكِنُ مِنْهُمَا غَيْرَ أَنَّ فِي شَرْحِ خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَا شَيْءَ بِيَدِهَا مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْجِنْسِ إلَّا عِنْدَ إمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ لَا عِنْدَ عَدَمِهِ وَلِذَا تَكُونُ لِلْجِنْسِ فِي لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ لِإِمْكَانِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْيِ دُونَ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ فَيَحْنَثُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ بِالْأَوَّلِ وَلَا يَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ فِي الثَّانِي بَلْ بِشِرَاءِ ثَلَاثَةٍ ا هـ .
فَعَلَى هَذَا لَا يَتَأَتَّى أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ، وَلَا تَكُونُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِغْرَاقُ خَاصَّةً لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ انْفِرَادِهِ لَكِنَّ هَذَا إنْ تَمَّ ، وَفِي تَمَامِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَوَابِ عَمَّا قِيلَ مِنْ تَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَةٍ لِلْحَنَفِيَّةِ بِتَعَذُّرِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي إنَّمَا الصَّدَقَاتُ وَسَيُصَرِّحُ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ فِيهَا لِلْجِنْسِ ، وَعَلَى هَذَا فَيَبَرُّ بِشِرَاءِ عَبْدٍ وَاحِدٍ فِي مَسْأَلَةِ لَأَشْتَرِيَنَّ الْعَبِيدَ ثُمَّ يَكُونُ شَرْحُ مَا فِي الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا ( وَإِنْ أَمْكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْجِنْسِ وَالِاسْتِغْرَاقِ ( قِيلَ ) وَقَائِلُهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ تَعَيَّنَ ( الْجِنْسُ لِلتَّيَقُّنِ وَقِيلَ ) ، وَقَائِلُهُ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ : تَعَيَّنَ ( الِاسْتِغْرَاقُ لِلْأَكْثَرِيَّةِ ) أَيْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا ( خُصُوصًا فِي اسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ )

وَأَعَمُّ فَائِدَةً وَأَحْوَطُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ وَالنَّدْبُ وَالْكَرَاهَةُ وَإِنْ كَانَ الْبَعْضُ أَحْوَطَ فِي الْإِبَاحَةِ ( وَقُرِّرَ ) وَالْمُقَرِّرُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى لِلْمَعْهُودِ وَالِاسْتِغْرَاقِ حَقِيقَةٌ ، وَلِلْجِنْسِ مَجَازٌ وَأَنَّهُ ) أَيْ الْجِنْسَ ( خَلَفٌ ) عَنْهُمَا ( لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِمَا ) كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ وَالْخَلَفِ مَعَ الْأَصْلِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِمَا ( لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ الْأَيَّامَ أَوْ الشُّهُورَ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ ) مِنْ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَعَلَى الْأُسْبُوعِ ) فِي الْأَيَّامِ ( وَالسَّنَةِ ) فِي الشُّهُورِ ( عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ ) فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ ( غَيْرَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْهُودِ ) فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَشَرَةُ شُهُورٍ وَقَالَا : الْأُسْبُوعُ فِي الْأَيَّامِ ، وَالسَّنَةُ فِي الشُّهُورِ وَالتَّوْجِيهُ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ حَيْثُ حَطَّ كَلَامُ شَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى تَرْجِيحِ قَوْلِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ لِإِفَادَتِهِ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى التَّوْجِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فِي ضِمْنِهِ قَالَ : نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ بِأَنَّ عَهْدَهُمَا أَعْهَدُ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدِيَّةَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَادَّةٍ خَاصَّةٍ يَعْنِي : الْجَمْعُ مُطْلَقًا عَهْدٌ لِلْعَشَرَةِ فَإِذَا عَرَضَ فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ مِنْ الْجَمْعِ كَالْأَيَّامِ عَهْدِيَّةُ عَدَدٍ غَيْرِهِ كَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى ، وَقَدْ عُهِدَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةُ ، وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَا عَشَرَ فَيَكُونُ صَرْفُ خُصُوصِ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ إلَيْهِمَا أَوْلَى بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجُمُوعِ كَالسِّنِينَ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَمْ

يُعْهَدْ فِي مَادَّتَيْهِمَا عَدَدٌ آخَرُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا اسْتَقَرَّ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ إرَادَةِ الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ السَّبْعَةَ الْمَعْهُودَةَ نَفْسُ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ إلَى آخِرِهِ .
وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ أَيَّامٍ إذَا أُطْلِقَ هَلْ عُهِدَ مِنْهُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ لِلسَّبْعَةِ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ كَثْرَةُ إطْلَاقِ أَيَّامٍ وَشُهُورٍ ، وَيُرَادُ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ الْمُسَمَّيَاتُ مُتَكَرِّرَةً وَغَيْرَ مُتَكَرِّرَةٍ وَغَيْرَ بَالِغَةٍ السَّبْعَةَ بِحَسَبِ الْمُرَادَاتِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِ انْصِرَافِ اللَّامِ إلَى الْعَهْدِ عَلَى تَقَدُّمِ الْعَهْدِ عَنْ لَفْظِ النَّكِرَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ الْمَعْنَى مَعْهُودًا بِأَيِّ طَرِيقٍ فُرِضَ ثُمَّ أُطْلِقَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ انْصَرَفَ إلَيْهِ وَقَدْ قَسَّمَ الْمُحَقِّقُونَ الْعَهْدَ إلَى ذِكْرِيٍّ وَعِلْمِيٍّ ، وَمُثِّلَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذْ هُمَا فِي الْغَارِ } فَإِنَّ ذَاتَ الْغَارِ هِيَ الْمَعْهُودُ لَا مِنْ لَفْظٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ بَلْ مِنْ وُجُودٍ فِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ جَعْلُ مَا سَمَّاهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَعَمَّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ عُهِدَ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا .
وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُنَا : الْعَامُّ يُخَصُّ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْعَادَةَ لَيْسَتْ إلَّا عَمَلًا عَهْدًا مُسْتَمِرًّا ثُمَّ يُطْلَقُ اللَّفْظُ الَّذِي يَعُمُّهَا وَغَيْرَهَا فَيُقَيَّدُ بِهَا لِعَهْدِيَّتِهَا عَمَلًا لَا لَفْظًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ( وَخَالِعْنِي عَلَى مَا فِي يَدِي مِنْ الدَّرَاهِمِ ) فَخَالَعَهَا عَلَى ذَلِكَ ( وَلَا شَيْءَ ) بِيَدِهَا ( لَزِمَهَا ثَلَاثَةٌ ) مِنْ

الدَّرَاهِمِ لِإِمْكَانِ الْعَهْدِ فِي الدَّرَاهِمِ فَإِنَّ عَلَى مَا فِي يَدِي أَفَادَ كَوْنَ الْمُسَمَّى مَظْرُوفَ يَدِهَا ، وَهُوَ عَامٌّ يَصْدُقُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا فَصَارَ بِالدَّرَاهِمِ عَهْدٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ لَفْظِ مَا وَهُوَ مُبْهَمٌ ، وَلَفْظَةُ مِنْ وَقَعَتْ بَيَانًا وَمَدْخُولُهَا ، وَهُوَ الدَّرَاهِمُ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِخُصُوصِ الْمَظْرُوفِ فَصَارَ كَلَفْظِ الذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } لِلْعَهْدِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ { مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا } وَإِنْ كَانَ يُخَالِفُهُ فِي كَوْنِ مَدْخُولِ اللَّامِ هُنَا وَقَعَ بَيَانًا لِلْمَعْهُودِ بِخِلَافِهِ فِي { وَلَيْسَ الذَّكَرُ } لِأَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ مَا فِيهِ مُتَعَيَّنٌ ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِلْبَيْعَةِ إنَّمَا هُوَ الذَّكَرُ ثُمَّ هُوَ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَيَلْزَمُ أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
( وَلَا شَكَّ أَنَّ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ الَّذِي اُسْتُدِلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ ) وَالْمُسْتَدِلُّ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( بِإِطْبَاقِ الْعَرَبِ عَلَى يَلْبَسُ الْبُرُودَ وَيَرْكَبُ الْخَيْلَ وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ ) لِلْقَطْعِ بِأَنْ لَيْسَ الْقَصْدُ إلَى خُصُوصٍ مِنْهَا ، وَلَا اسْتِغْرَاقٍ لَهَا ( هُوَ الْمُرَادُ بِالْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ ؛ إذْ هُوَ ) أَيْ الْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ ( الْإِشَارَةُ إلَى الْحَقِيقَةِ بِاعْتِبَارِهَا ) أَيْ الْحَقِيقَةِ ( بَعْضَ الْأَفْرَادِ ) حَالَ كَوْنِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ ( غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لِلْعَهْدِيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ لِجِنْسِهَا ) أَيْ لِعَهْدِ جِنْسِ حَقِيقَةِ الْأَفْرَادِ فِي الذِّهْنِ ( وَيَصْدُقُ ) الْجِنْسُ ( عَلَى الرِّجَالِ مُرَادًا بِهِ عَدَدٌ ) أَيْ بَعْضُ الْأَفْرَادِ ، فَإِذَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا لِلْجِنْسِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَاحِدٌ ( وَالتَّعْبِيرُ بِالْحِصَّةِ ) مِنْ الْحَقِيقَةِ عَنْ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ كَمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمْ ( غَيْرُ جَيِّدٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ إيهَامِ تَجَزُّئِهَا ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ وَإِنَّمَا لَهَا مَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ تُوجَدُ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ

الْكَمَالِ فَانْدَفَعَ إثْبَاتُ التَّغَايُرِ بَيْنَ تَعْرِيفَيْ الْحَقِيقَةِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ الْحُضُورُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ وَإِلَى الْحِصَّةِ مِنْهَا تَعْرِيفُ الْعَهْدِ ، وَالْمُرَادُ بِالْحِصَّةِ الْفَرْدُ مِنْهَا وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ لَا مُجَرَّدُ مَا يَكُونُ أَخَصَّ مِنْهَا ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ وَصْفٍ اعْتِبَارِيٍّ حَتَّى يُقَالَ : الْحَقِيقَةُ مَعَ قَيْدِ الْحُضُورِ حِصَّةٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَيَكُونُ مَعْهُودًا فَلَا يَحْصُلُ الِامْتِيَازُ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا يَنْدَفِعُ التَّغَايُرُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ مَعْنَى تَعْرِيفِ الْعَهْدِ الْقَصْدُ وَالْإِشَارَةُ إلَى الْحَاضِرِ فِي الذِّهْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حَاضِرٌ حُضُورًا حَقِيقِيًّا بِأَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا بِاسْمِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَ انْطَلَقَ رَجُلٌ فَالرَّجُلُ أَوْ الْمُنْطَلِقُ كَذَا أَوْ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِلَا تَجَوُّزٍ وَاعْتِبَارٍ خِطَابِيٍّ كَ أَغْلِقْ الْبَابَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ ، وَادْخُلْ السُّوقَ لِمَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ لِسُوقٍ مُعَيَّنٍ عَهِدْته أَوْ تَقْدِيرِيًّا بِأَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ الْمَعْهُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ الْخِطَابِيَّاتِ كَكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ كَجَوْهَرِيِّ الثَّمَنِ وَالْمَأْكُولَاتِ الْمُعْتَادَةِ الْغَالِبَةِ أَوْ مَحْبُوبًا أَوْ بَدِيعًا أَوْ فَظِيعًا فَيُهْتَمُّ بِشَأْنِهِ فَيُجْعَلُ كَالْحَاضِرِ .
وَإِلَى هَذَا الْقِسْمِ يَرْجِعُ تَعْرِيفُ الْحَقِيقَةِ ، وَأَمَّا أَنَّ ذَلِكَ الْحَاضِرَ هُوَ الْحَقِيقَةُ أَوْ حِصَّةٌ مِنْهَا فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَعْرِيفِ الْعَهْدِ بَلْ هُوَ اخْتِلَافٌ رَاجِعٌ إلَى مَعْرُوضِ التَّعْرِيفِ ، وَهُوَ الْحَاضِرُ لَا إلَى مَعْنَى التَّعْرِيفِ ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحُضُورِ فَلَوْ اُعْتُبِرَ خُصُوصِيَّةُ الْحَاضِرِ وَسُمِّيَ الْإِشَارَةُ إلَى حُضُورِ الْحَقِيقَةِ تَعْرِيفَ الْحَقِيقَةِ ، وَإِلَى حُضُورِ الْحِصَّةِ تَعْرِيفَ الْعَهْدِ كَانَ ذَلِكَ امْتِيَازًا بِمُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ ، وَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ تَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَامْتِيَازِهَا فِي نَفْسِهَا عَنْ

تَعْرِيفِ الْعَهْدِ فَلْيُتَأَمَّلْ ( وَعَنْهُ ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ ( لِتَعَيُّنِهِ وَجَبَ مِنْ { إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ } جَوَازُ الصَّرْفِ لِوَاحِدٍ وَتَنَصُّفُ الْمُوصَى بِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ ) فَنِصْفٌ لَهُ وَنِصْفٌ لَهُمْ ( وَأُجْمِعَ عَلَى الْحِنْثِ بِفَرْدٍ فِي الْحَلِفِ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ وَلَا يَشْتَرِي الْعَبِيدَ ) لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ حَقِيقَةٌ فِي الْوَاحِدِ بِمَنْزِلَةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْجَمْعِ حَتَّى إنَّهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الرِّجَالِ غَيْرُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ حَقِيقَةُ الْجِنْسِ مُتَحَقِّقَةً فَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِكَثْرَةِ أَفْرَادِهِ ، وَالْوَاحِدُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَعَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ ( إلَّا بِنِيَّةِ الْعُمُومِ فَلَا يَحْنَثُ أَبَدًا قَضَاءً ) وَدِيَانَةً ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَزَوُّجِ جَمِيعِ النِّسَاءِ وَعَدَمَ شِرَاءِ جَمِيعِ الْعَبِيدِ مُتَصَوَّرٌ .
( وَقِيلَ ) لَا يَحْنَثُ ( دِيَانَةً ) وَيَحْنَثُ قَضَاءً ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً فَهُوَ ( كَالْمَجَازِ لَا يُنَالُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ) فَصَارَ كَأَنَّهُ نَوَى الْمَجَازَ وَمِنْ ثَمَّةَ لَوْ نَوَى التَّخْصِيصَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ بَلْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ - تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِيمَا لَهُ لَا فِيمَا عَلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ إجْمَاعُ مَشَايِخِنَا فَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِتَزَوُّجِ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ وَشِرَاءِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ ( وَمِنْهُ ) أَيْ كَوْنِهَا لِلْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ الذِّهْنِيُّ كَمَا عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ ( لَا مِنْ الْمَاهِيَّةِ ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : ( شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَالْعَسَلَ ) وَهُوَ الْمِقْدَارُ الْمَعْلُومُ الْمُقَدَّرُ فِي الذِّهْنِ شُرْبُهُ وَأَكْلُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ ( كَ اُدْخُلْ السُّوقَ ) لِجُزْئِيٍّ مُحْضَرٍ فِي الذِّهْنِ بِاعْتِبَارِ حُضُورِهِ فِيهِ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ السُّوقُ كَمَا يُطْلَقُ الْكُلِّيُّ

الطَّبِيعِيُّ عَلَى كُلٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ عَهْدٍ بِهِ فِي الْخَارِجِ ، وَنُقِلَ فِي التَّلْوِيحِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ فِي هَذَا لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ لِكَوْنِهِ إشَارَةً إلَى مُعَيَّنٍ وَلَا مُنَافَاةَ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ هَذَا الْبَحْثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي أَحْكَامِ اللَّامِ مُمْتَزِجًا مِمَّا فِي التَّوْضِيحِ وَالتَّلْوِيحِ .
وَعِنْدَ الْمُصَنِّفِ اعْتِقَادُ ضَعْفِ بَعْضِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَنْقِيحٍ وَتَحْقِيقٍ اسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لِإِفَادَةِ هَذَا الْغَرَضِ وَبَيَانِ مَا عِنْدَهُ فِيهِ فَقَالَ : ( وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ اللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ وَالْإِشَارَةِ إلَى الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ ) حَالَ كَوْنِ الْمُرَادِ ( مُسَمًّى ) حَقِيقِيًّا لَهُ ( أَوْ لَا ) بِأَنْ يَكُونَ مَعْنًى مَجَازِيًّا لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِمِثَالِهِ فَقَالَ : ( فَالْمُعَرَّفُ فِي ) مِثْلِ رَأَيْتُ رَجُلًا يَجُرُّ ثِيَابَهُ ( فَأَكْرَمْتُ الْأَسَدَ الرَّجُلَ ) لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْأَسَدِ ( وَإِنَّمَا تَدْخُلُ ) اللَّامُ التَّعْرِيفِيَّةُ الِاسْمَ ( النَّكِرَةَ ) لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمَعْرِفَةِ مُحَالٌ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ ( وَمُسَمَّاهَا ) أَيْ النَّكِرَةِ حَالَ كَوْنِهَا ( بِلَا شَرْطِ ) كَوُقُوعِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَنَحْوِهِ ( فَرْدٍ ) مِمَّا تُطْلَقُ عَلَيْهِ ( بِلَا زِيَادَةٍ ) لِاشْتِرَاطِ كَوْنِهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ( فَعَدَمُ التَّعْيِينِ ) لِمُسَمَّاهَا ( لَيْسَ جُزْءًا لِمَعْنَاهَا ، وَلَا شَرْطًا ) لِاسْتِعْمَالِهَا فِي مِثْلِ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ( فَاسْتُعْمِلَتْ ) النَّكِرَةُ ( فِي الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ لَا السَّامِعِ حَقِيقَةً ) أَيْ اسْتِعْمَالًا حَقِيقِيًّا ( لِصِدْقِ الْمُفْرَدِ ) عَلَيْهِ كَمَا عَلَى الشَّائِعِ ( فَإِنْ نُسِبَتْ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى مُسَمَّاهَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَ جَاءَ رَجُلٌ ثُمَّ قُلْت : فَأَكْرَمْت الرَّجُلَ ( عَرَّفَتْ ) اللَّامَ ( مَعْهُودًا يُقَالُ ذِكْرِيًّا ) لِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِ ( وَخَارِجِيًّا ) أَيْضًا ( أَيْ مَا عُهِدَ مِنْ ) اللَّفْظِ ( السَّابِقِ ) .
قَالَ

الْمُصَنِّفُ : وَهُمَا اصْطِلَاحَانِ أَشْهَرُهُمَا عِنْدَ الْعَجَمِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ الثَّانِي ، وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ الْأَوَّلُ ( وَلَوْ ) عَرَّفَتْ اسْمًا ( غَيْرَ مَذْكُورٍ خُصَّ بِالْخَارِجِيِّ { إذْ هُمَا فِي الْغَارِ } ) وَتَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ مُثِّلَ بِهِ لِلْعِلْمِيِّ وَمِمَّنْ مَثَّلَ بِهِ لَهُ ابْنُ هِشَامٍ الْمِصْرِيُّ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي ذَلِكَ ( وَإِذَا دَخَلَتْ ) اللَّامُ الِاسْمَ ( الْمُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ دُونَ السَّامِعِ ( عَرَّفَتْ مَعْهُودًا ذِهْنِيًّا وَيُقَالُ : تَعْرِيفُ الْجِنْسِ أَيْضًا لِصِدْقِ الشَّائِعِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ ) مِثْلُ شَرِبْت الْمَاءَ وَأَكَلْت الْخُبْزَ وَادْخُلْ السُّوقَ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الشُّرْبَ وَالْأَكْلَ وَالدُّخُولَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِفَرْدٍ مِنْ الْمَشْرُوبِ وَالْمَأْكُولِ وَالْمَدْخُولِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَإِذَا أُرِيدَ بِهَا ) أَيْ النَّكِرَةِ ( كُلُّ الْأَفْرَادِ عَرَّفَتْ الِاسْتِغْرَاقَ أَوْ ) أُرِيدَ بِهَا ( الْحَقِيقَةُ بِلَا اعْتِبَارِ فَرْدٍ فَهِيَ لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَاهِيَّةِ ) وَالطَّبِيعَةِ ( كَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُخَالُ أَنَّ الِاسْمَ ) الْمَدْخُولَ عَلَيْهِ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ أَحَدَ هَذَيْنِ ( مَجَازٌ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ) أَيْ الِاسْمَ ( لَيْسَ ) بِمَوْضُوعٍ ( لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَا لِلْمَاهِيَّةِ وَلَا اللَّامَ ) مَوْضُوعَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( وَلَكِنَّ تَبَادُرَ الِاسْتِغْرَاقِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَهْدِ يُوجِبُ وَضْعَهُ ) أَيْ الِاسْمِ ( لَهُ ) أَيْ لِلِاسْتِغْرَاقِ ( بِشَرْطِ اللَّامِ كَمَا قَدَّمْنَا ) فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى تَعْرِيفِ الْعَامِّ ( وَأَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ الْعَهْدِ ( الْقَرِينَةُ ) عَلَى ذَلِكَ .
( وَلَوْ أَرَادَهُ ) أَيْ هَذَا ( قَائِلُ إنَّ الِاسْتِغْرَاقَ مِنْ الْمَقَامِ ) كَالسَّكَّاكِيِّ ( صَحَّ ) لِأَنَّ الِاسْمَ النَّكِرَةَ بِشَرْطِ اللَّامِ أُرِيدَ بِهِ حِينَئِذٍ الْعُمُومُ وَالْمَقَامُ كَشَفَ عَنْ إرَادَتِهِ فَصَحَّ الِاسْتِغْرَاقُ مِنْ الْمَقَامِ بِمَعْنَى

أَنَّهُ الْمُفِيدُ لِثُبُوتِهِ بِالِاسْمِ ( بِخِلَافِ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ لَمْ تَتَبَادَرْ ) إلَّا فِي الْقَضَايَا الطَّبِيعِيَّةِ وَهِيَ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي الْعُلُومِ فَلَا يَكُونُ تَبَادُرُهَا فِيهَا دَلِيلَ الْوَضْعِ لَهَا كَمَا سَيَأْتِي ( فَتَعْرِيفُهَا ) أَيْ الْمَاهِيَّةِ ( تَعْلِيقُ مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لِلَّامِ بِمَجَازِيٍّ لِلِاسْمِ ) وَهُوَ الْحَقِيقَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ ( فَاللَّامُ فِي الْكُلِّ ) مِنْ الْعَهْدِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَالْحَقِيقَةِ ( حَقِيقَةٌ لِتَحْقِيقِ مَعْنَاهَا الْإِشَارَةَ ) وَالتَّعْيِينُ لِلْمُرَادِ مِنْ اللَّفْظِ ( فِي كُلٍّ ) مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِحَسَبِهِ ( وَاخْتِلَافُهُ ) أَيْ وَتَنَوُّعُ مَعْنَاهَا هَذَا التَّنَوُّعَ الْمَذْكُورَ ( لَيْسَ إلَّا لِخُصُوصِ الْمُتَعَلَّقِ ) أَيْ مَدْخُولِهَا مِنْ كَوْنِهِ فَرْدًا غَيْرَ مُسْتَغْرَقٍ أَوْ مُسْتَغْرَقًا أَوْ الْحَقِيقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ ( فَظَهَرَ أَنَّ خُصُوصِيَّاتِ التَّعْرِيفَاتِ ) الْمَذْكُورَةَ ( تَابِعٌ لِخُصُوصِيَّاتِ الْمُرَادَاتِ بِاللَّامِ ، وَالْمُعَيِّنُ الْقَرِينَةُ ) وَأَنَّهُ غَيْرُ قَائِلٍ بِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ النَّكِرَاتِ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَقَائِقِ الْكُلِّيَّةِ بَلْ إذَا أُرِيدَ بِرَجُلٍ وَنَحْوِهِ الْحَقِيقَةُ يَكُونُ مَجَازًا وَسَيُحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ .
( فَمَا قِيلَ ) وَالْقَائِلُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( الرَّاجِحُ مُطْلَقًا الْخَارِجِيُّ ) لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ التَّعْيِينِ وَكَمَالُ التَّمْيِيزِ ( ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ لِنُدْرَةِ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ، وَالْمَعْهُودُ الذِّهْنِيُّ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ ) لِلْبَعْضِيَّةِ ، وَالِاسْتِغْرَاقُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْإِطْلَاقِ حَيْثُ لَا عَهْدَ فِي الْخَارِجِ خُصُوصًا فِي الْجَمْعِ فَإِنَّ الْجَمْعِيَّةَ قَرِينَةُ الْقَصْدِ إلَى الْأَفْرَادِ دُونَ الْحَقِيقَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ ( غَيْرُ مُحَرَّرٍ فَإِنَّ الْمُرَجِّحَ عِنْدَ إمْكَانِ كُلٍّ مِنْ اثْنَيْنِ فِي الْإِرَادَةِ الْأَكْثَرِيَّةُ اسْتِعْمَالًا أَوْ فَائِدَةً وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ نَحْوَ جَاءَنِي عَالِمٌ فَأَكْرِمْ الْعَالِمَ زِيَادَةُ الْفَائِدَةِ ) فِيهِ

إنَّمَا هِيَ ( فِي الِاسْتِغْرَاقِ حَيْثُ يُكْرَمُ الْجَائِي ضِمْنَ الْعُمُومِ ) الْكَائِنِ لِلْعَالِمِ الشَّامِلِ لِلْجَائِي وَغَيْرِهِ ( بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْخَارِجِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِإِكْرَامِ الْجَائِي فَقَطْ ) فَيَتَقَدَّمُ الِاسْتِغْرَاقُ عَلَيْهِ ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِمَزِيدِ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ ( قُدِّمَ ) الِاسْتِغْرَاقُ ( عَلَى الذِّهْنِيِّ إذَا أَمْكَنَّا وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنْ لَيْسَ تَعْرِيفُ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ مِنْ فُرُوعِ الْحَقِيقَةِ كَمَا قِيلَ وَلَا أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ إلَّا لِتَعْرِيفِ الْحَقِيقَةِ كَمَا نُسِبَ إلَى الْمُحَقِّقِينَ غَيْرَ أَنَّ حَاصِلَهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ فَذَكَرُوهَا تَسْهِيلًا ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي التَّلْوِيحِ ( بَلْ الْمُعَرَّفُ لَيْسَ إلَّا الْمُرَادَ بِالِاسْمِ وَلَيْسَتْ الْمَاهِيَّةُ مُرَادَةً دَائِمًا وَكَوْنُهَا جُزْءَ الْمُرَادِ لَا يُوجِبُ أَنَّهَا الْمُرَادُ الَّذِي هُوَ مُتَعَلَّقُ الْأَحْكَامِ فِي التَّرْكِيبِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُرَدْ جُزْءًا ) مِنْ الْمُسَمَّى حَيْثُ أُرِيدَتْ مِنْ حَيْثُ هِيَ بِهِ حَتَّى كَانَ التَّعْرِيفُ لِلْحَقِيقَةِ ( بَلْ ) إنَّمَا أُرِيدَتْ بِهِ حِينَئِذٍ ( عَلَى أَنَّهَا كُلٌّ ) أَيْ تَمَامُ مَا وُضِعَ اللَّفْظُ لَهُ ( فَإِنَّهَا إنَّمَا أُرِيدَتْ ) فِي حَالَةِ جُزْئِيَّتِهَا لِلْمُسَمَّى حَالَ كَوْنِهَا ( مُقَيَّدَةً بِمَا يَمْنَعُ الِاشْتِرَاكَ ) فِيهَا بَيْنَ مَدْخُولِهَا وَغَيْرِهِ ( وَهِيَ مَعَ الْقَيْدِ نَفْسُ الْفَرْدِ وَهُوَ ) أَيْ الْفَرْدُ ( الْمُرَادُ بِالتَّعْرِيفِ وَالِاسْمِ ، وَالْمَجْمُوعُ ) مِنْ الْمَاهِيَّةِ وَالْقَيْدِ ( غَيْرُ أَحَدِهِمَا ) فَكَانَ الْفَرْدُ غَيْرَ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ .
( هَذَا وَحِينَ صَارَ الْجَمْعُ مَعَ اللَّامِ كَالْمُفْرَدِ كَانَ تَقْسِيمُهُ ) أَيْ الْجَمْعِ ( مِثْلَهُ ) أَيْ الْمُفْرَدِ ( إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ ) أَيْ الْجَمْعِ ( مَجَازًا عَنْ الْجِنْسِ يَبْعُدُ بَلْ ) هُوَ ( حَقِيقَةٌ لِكُلٍّ ) مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْجِنْسِ ( لِلْفَهْمِ ) أَيْ فَهْمِ الْجِنْسِ مِنْهُ ( كَمَا ذَكَرْنَا فِي نَحْوِ : { الْأَئِمَّةُ مِنْ

قُرَيْشٍ } وَيَخْدُمُهُ الْعَبِيدُ وَمَا لَا يُحْصَى ) إلَّا أَنَّهُ لَوْ قِيلَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا بَيْنَهُمَا ، وَالْمَجَازُ خَيْرٌ مِنْهُ ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَهْمُ مِنْ عُرُوضِ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ مُرَادًا بِهِ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا يَعْرِضُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَجَازَاتِ الْمُتَعَارَفَةِ حَتَّى قَدَّمَهَا الْجُمْهُورُ عَلَى الْحَقَائِقِ الْمُسْتَعْمَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي لَا لِكَوْنِهِ حَقِيقَةً فِيهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ( وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَعُمُومُهَا فِي النَّفْيِ ضَرُورِيٌّ ) كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ .
( وَكَذَا ) عُمُومُهَا ضَرُورِيٌّ ( فِي الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( يَمِينًا لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى نَفْيِهِ ) أَيْ الشَّرْطِ فَإِذَا قُلْت : إنْ كَلَّمَتْ رَجُلًا فَهِيَ طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى نَفْيِ كَلَامِ كُلِّ رَجُلٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ( لَا الْمَنْفِيِّ ) عَطْفٌ عَلَى الْمُثْبَتِ أَيْ فَإِنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِ ( كَإِنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا ) فَهِيَ طَالِقٌ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْحَلِفَ فِي الشَّرْطِ الْمَنْفِيِّ ( عَلَى الْإِثْبَاتِ ) أَيْ إثْبَاتِ الشَّرْطِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْمِثَالِ ( لَأُكَلِّمَنَّ رَجُلًا ) فَلَا تَعُمُّ لِوُقُوعِهَا فِي الْإِثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةِ الْعُمُومِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ إذَا كَانَ يَمِينًا فَإِنْ كَانَ مُثْبَتًا فَالْيَمِينُ لِلْمَنْعِ ، وَالنَّكِرَةُ فِيهِ خَاصٌّ يُفِيدُ الْإِيجَابَ الْجُزْئِيَّ فَيَكُونُ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْعُمُومِ وَالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ ، وَإِنْ كَانَ مَنْفِيًّا فَالْيَمِينُ لِلْحَمْلِ ، وَالنَّكِرَةُ فِيهِ عَامٌّ يُفِيدُ السَّلْبَ الْكُلِّيَّ فَيَكُونُ فِي جَانِبِ النَّقِيضِ لِلْخُصُوصِ وَالْإِيجَابِ الْجُزْئِيِّ ( وَلَا يَبْعُدُ فِي غَيْرِ الْيَمِينِ قَصْدُ الْوَحْدَةِ ) مِنْ النَّكِرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ كَمَا ( فِي مِثْلِ إنْ جَاءَك فَأَطْعِمْهُ فَلَا تَعُمُّ ) فِيهِ ؛ إذْ جَازَ كَوْنُ رَجُلٍ فِيهِ بِقَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ وَالِانْفِرَادِ فَلَا يُطْعِمُ رَجُلَيْنِ ، وَلَا رَجُلًا بَعْدَ رَجُلٍ ( وَفِي

غَيْرِهِمَا ) أَيْ النَّفْيِ الصَّرِيحِ وَالشَّرْطِ الْمُثْبَتِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّكَ عَرَفْت أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ إلَّا عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ ( إنْ وُضِعَتْ بِصِيغَةٍ عَامَّةٍ أَيْ لَا تَخُصُّ فَرْدًا عَمَّتْ كَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خَيْرٌ ) فَإِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا الْمَعْرُوفُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ قَوْلٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْمُتَّصِفَةِ بِمَا يَخُصُّ فَرْدًا فَإِنَّهَا لَا تَعُمُّ فِيهِ نَحْوُ لَا تُجَالِسْ إلَّا رَجُلًا يَدْخُلُ دَارِهِ وَحْدَهُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ فَإِنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى فَرْدٍ وَاحِدٍ .
ثُمَّ إنَّمَا تَعُمُّ ( مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ) الْعُمُومُ فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَعُمَّ ( كَ لَقِيت رَجُلًا عَالِمًا ) لِتَعَذُّرِ لِقَائِهِ كُلَّ عَالِمٍ عَادَةً ( وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا لَهُ مُجَالَسَةُ كُلِّ عَالِمٍ جَمْعًا وَتَفْرِيقًا ) فَلَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمَيْنِ كَمَا لَا يَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ عَالِمٍ وَاحِدٍ ( وَوَاللَّهِ لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا غَيْرَ مُقَيِّدٍ ) بِصِفَةٍ عَامَّةٍ ( يَحْنَثُ بِرَجُلَيْنِ قِيلَ ) مَا مَعْنَاهُ وَالْقَائِلُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ ( الْفَرْقُ ) بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ ( أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَا يَصْدُقُ عَلَى الشَّخْصِ ) الْوَاحِدِ أَيْ بِاسْمِ شَخْصٍ نَكِرَةٍ غَيْرِ مَوْصُوفَةٍ ( لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا ) ضَرُورَةَ وَحْدَتِهِ فَيَحْنَثُ بِمُجَالَسَةِ رَجُلَيْنِ ( فَإِذَا وُصِفَ ) الِاسْمُ النَّكِرَةُ الْمُسْتَثْنَى ( بِعَامٍّ ظَهَرَ الْقَصْدُ إلَى وَحْدَةِ النَّوْعِ ) فَيُخَصُّ ذَلِكَ النَّوْعُ بِصَيْرُورَتِهِ مُسْتَثْنًى ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ : يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : صِفَةٌ عَامَّةٌ لَا يُزَاحِمُهَا صِفَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ : وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا وَاحِدًا يَمْتَنِعُ الْعُمُومُ وَأُورِدَ : الْوَحْدَةُ صِفَةٌ عَامَّةٌ أَيْضًا فَيَنْبَغِي فِيمَا لَوْ قَالَ : لَا أُكَلِّمُ إلَّا إنْسَانًا وَاحِدًا أَنْ يَحْنَثَ

بِالتَّكَلُّمِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَأُجِيبَ الْمُسْتَثْنَى وَاحِدٌ فَلَوْ لَمْ يَحْنَثْ أَصْلًا لَمَا كَانَ وَاحِدًا هَذَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَزِيَادَةٌ بِقَرِينَةِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْوَصْفِ ( مِمَّا يَصِحُّ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ بِهِ ) كَمَا فِي التَّلْوِيحِ ( نَقْصٌ ) .
قَالَ : بَلْ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُزَادَ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ كَمَا هُوَ فِيمَا لَوْ قَالَ : لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا جَاهِلًا لَهُ أَنْ يُجَالِسَ كُلَّ جَاهِلٍ مَعَ أَنَّهُ وَصْفٌ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ عِنْدَ الْعَقْلِ ا هـ ثُمَّ قَدْ قِيلَ عَلَى أَصْلِ الْفَرْقِ : إنَّهُ تَحَكُّمٌ لِخَفَاءِ الْمُلَازَمَةِ بَيْنَ كَوْنِهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ وَكَوْنِهَا لِلْوَحْدَةِ وَبَيْنَ كَوْنِهَا مَوْصُوفَةً وَكَوْنِ الِاسْتِثْنَاءِ بِصِفَةِ النَّوْعِ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ بِالْأَوَّلِ لَا أُجَالِسُ إلَّا جِنْسَ الرَّجُلِ وَبِالثَّانِي لَا أُجَالِسُ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ الْعِلْمِ ثُمَّ كَمَا قَالَ ( وَحَاصِلُهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالِهَا فِي غَيْرِ النَّفْيِ ( أَنَّهَا فِي الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ بِقَرِينَةٍ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْوَصْفِ بَلْ تَكْثُرُ وَقَدْ يَظْهَرُ عُمُومُهَا مِنْ الْمَقَامِ وَغَيْرِهِ كَ عَلِمَتْ نَفْسٌ وَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ ) كَمَا هُوَ أَثَرٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( وَأَكْرِمْ كُلَّ رَجُلٍ وَرَجُلًا لَا امْرَأَةً ، وَهِيَ ) أَيْ النَّكِرَةُ ( فِي غَيْرِ هَذِهِ ) الْمَوْضِعِ ( مُطْلَقَةٌ ) أَيْ دَالَّةٌ عَلَى فَرْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ كَ { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً } { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْوَضْعِيُّ لَهَا لَا عَامَّةٌ لِانْتِفَاءِ مُوجِبِ الْعُمُومِ .

( وَمِنْ فُرُوعِهَا ) أَيْ النَّكِرَةِ ( إعَادَتُهَا ) مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً ( وَكَذَا الْمَعْرِفَةُ ) مِنْ فُرُوعِهَا إعَادَتُهَا مَعْرِفَةً وَنَكِرَةً أَيْ إعَادَةُ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ إمَّا مَعَ كَيْفِيَّتِهِ مَعَ التَّنْكِيرِ وَالتَّعْرِيفِ أَوْ بِدُونِهَا ( وَيَلْزَمُ كَوْنُ تَعْرِيفِهَا ) أَيْ الْمَعْرِفَةِ حِينَئِذٍ ( بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ فِي إعَادَتِهَا نَكِرَةً ) وَفِي إعَادَةِ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً أَيْضًا وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِمَا إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ مِنْ التَّعْرِيفِ فِي الْمَعْرِفَةِ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَكُونَ بِإِعَادَةِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ لَتُصُوِّرَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ مَعْرِفَةً بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ حَيْثُ كَانَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَى النَّكِرَةِ مُطْلَقًا أَوْ السَّابِقُ اخْتِصَاصَهَا بِحُكْمِ مَعْرِفَةٍ كَ جَاءَنِي رَجُلٌ ، وَهُوَ حَاضِرٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ ثُمَّ الْأَقْسَامُ الْمُمْكِنَةُ أَرْبَعَةٌ إعَادَةُ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَالنَّكِرَةِ نَكِرَةً وَالْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً وَالنَّكِرَةِ مَعْرِفَةً .
( وَضَابِطُ الْأَقْسَامِ إنْ نَكَّرَ الثَّانِيَ فَغَيْرُ الْأَوَّلِ ) أَيْ فَاحْكُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إمَّا نَكِرَةٌ وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأَوَّلِ وَإِمَّا مَعْرِفَةٌ وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ، وَإِلَّا لَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَعْرِيفَهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ مَعْهُودًا سَابِقًا فِي الذِّكْرِ فِي الْأَوَّلِ وَحَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُودِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي اللَّامِ وَالْإِضَافَةِ فِي الثَّانِي ( أَوْ عَرَّفَ فَعَيْنُهُ ) أَيْ وَإِنْ عَرَّفَ الثَّانِيَ فَاحْكُمْ بِأَنَّهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إمَّا نَكِرَةٌ ، وَالنَّكِرَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً كَانَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ هَذَا عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ إذَا أُعِيدَتْ النَّكِرَةُ نَكِرَةً فَالثَّانِي مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ ،

وَإِلَّا فَعَيْنُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَسْتَغْرِقُ الْجِنْسَ ، وَالنَّكِرَةُ تَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِي الْكُلِّ قُدِّمَ أَوْ أُخِّرَ وَمَثَّلَ لِإِعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً بِقَوْلِ الْحَمَاسِيِّ صَفَحْنَا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنَا الْقَوْمُ إخْوَانُ عَسَى الْأَيَّامُ أَنْ يُرْجِعْنَ قَوْمًا كَاَلَّذِي كَانُوا مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَفِي التَّلْوِيحِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ بَلْ الْعَهْدُ هُوَ الْأَصْلُ ، وَعِنْدَ تَقَدُّمِ الْمَعْهُودِ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ النَّكِرَةُ عَيْنَهُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ كَوْنَ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ ، وَالْجُزْءُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكُلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ إعَادَةَ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً مَعَ مُغَايَرَةِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ } إلَى قَوْلِهِ { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ } وَقَالَ : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } وَقَالَ { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ا هـ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لِلْمُنَاقَشَةِ فِي بَعْضِهِ مَجَالٌ بِالنَّظَرِ إلَى مَا تَقَدَّمَ لَيْسَ مَا فِي الْكَشْفِ أَرْجَحَ مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ فِي جَامِعِ الْأَسْرَارِ الْأَوَّلُ أَوْضَحُ بِالنَّظَرِ إلَى الدَّلِيلِ ا هـ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا الْأَصْلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ الْمَوَارِدِ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ : الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَخُلُوِّ الْمَقَامِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَهُوَ أَكْثَرِيٌّ ) لِأَنَّهُ كَمَا يُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً غَيْرَ الْأُولَى ، وَالْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً عَيَّنَ الْأُولَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْآيَةِ وَيُرَجِّحُهُ ظَاهِرًا مَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثُمَّ مِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ فِي

مُسْتَدْرَكِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَاكِمِ عَنْ الْحَسَنِ مُرْسَلًا فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } قَالَ { خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مَسْرُورًا فَرِحًا وَهُوَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ { إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } } وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ ابْنِ مَرْدُوَيْهِ لَهُ مُسْنَدًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ { لَمَّا نَزَلَتْ { إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرُوا لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ } فَقَدْ تُعَادُ النَّكِرَةُ نَكِرَةً عَيْنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ } وَتُعَادُ الْمَعْرِفَةُ مَعْرِفَةً غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةَ وَكَمَا تُعَادُ النَّكِرَةُ مَعْرِفَةً عَيْنَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } فَقَدْ تُعَادُ مَعْرِفَةً غَيْرَ الْأُولَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى { زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ } وَكَمَا تُعَادُ الْمَعْرِفَةُ نَكِرَةً غَيْرَ الْأُولَى كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدًى } فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ التَّوْرَاةُ وَالصُّحُفُ الَّتِي أُوتِيَهَا وَالْمُعْجِزَاتُ وَبِالثَّانِي الْإِرْشَادُ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْإِضْلَالِ فَقَدْ تُعَادُ نَكِرَةٌ عَيْنُ الْأُولَى كَبَيْتِ الْحَمَاسَةِ فَلَا جَرَمَ إنْ قِيلَ الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ وَإِنَّمَا الْأَصْلُ قَدْ يُتْرَكُ لِتَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِهِ ، وَقَدْ تَحَقَّقَ فِي الْمَوَاضِعِ وَنَظَائِرِهَا كَمَا يُدْرَكُ بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا ، وَفِيمَا يُرْشِدُ إلَى ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ بَيَانُهُ هَذَا ثُمَّ لَعَلَّ الْأَشْبَهَ مَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ : تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ الِاسْمُ عَامًّا فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَالثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ

لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْعُمُومِ أَنْ لَا يَكُونَ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ ضَرُورَةَ اسْتِيفَاءِ عُمُومِ الْأَوَّلِ لِلْأَفْرَادِ سَوَاءٌ كَانَا مَعْرِفَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ أَمْ نَكِرَتَيْنِ عَامَّتَيْنِ كَوُقُوعِهِمَا فِي حَيِّزِ النَّفْيِ ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي عَامًّا ، وَالْأَوَّلُ خَاصًّا فَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ فِيهِ ضَرُورَةَ اسْتِغْرَاقِ الْعَامِّ لِذَلِكَ الْفَرْدِ ، وَكَذَا الْعَكْسُ وَإِنْ كَانَا خَاصَّيْنِ ، فَإِنْ كَانَا نَكِرَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إيَّاهُ لَكَانَ إعَادَةُ النَّكِرَةِ وَضْعًا لِلظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَلِأَجْلِ الِاحْتِمَالَيْنِ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فَأَعَادَ ذِكْرَ الرَّجُلِ مُنَكَّرًا كَمَا بَدَأَ بِهِ مُنَكَّرًا مَعَ تَرَدُّدِهِ فِي أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ غَيْرُهُ كَمَا وَرَدَ بِهِ مُصَرَّحًا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَيْثُ قَالَ : ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ لَا أَدْرِي أَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَا مُعَرَّفَتَيْنِ بِأَدَاةٍ عَهْدِيَّةٍ فَهُوَ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ إلَى الْمَعْهُودِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ .
( فَيَنْبَنِي عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ ( إقْرَارُهُ بِمَالٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ ) وَهُوَ كِتَابُ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ مُعَرَّبٌ ( وَمُطْلَقٍ ) عَنْهُ مَسْأَلَةٌ ( مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ) مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ ( غَيْرُ إقْرَارِهِ بِمُقَيَّدٍ ) بِالصَّكِّ فِي مَجْلِسٍ ( ثُمَّ ) إقْرَارِهِ ( فِي آخَرَ بِهِ مُنَكَّرًا وَقَلْبُهُ ) أَيْ وَغَيْرُ إقْرَارِهِ بِمَالٍ فِي مَجْلِسٍ مُنَكَّرًا ثُمَّ بِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ فَإِنَّ حُكْمَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَقْلًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَإِنَّمَا ( خُرِّجَ وُجُوبُ مَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) فِي الْأُولَى ( وَمَالٍ اتِّفَاقًا ) فِي الثَّانِيَةِ ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ الْمُخَرِّجُ لِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ ،

وَالْحُكْمُ فِي كِلْتَيْهِمَا مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ أَيْضًا مِمَّنْ عَسَاهُ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ .
ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ قَدْ لَخَّصَ شَرْحَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَقَالَ فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي هَذَا الصَّكِّ ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا كَذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ عِنْدَ شُهُودٍ آخَرِينَ كَانَ اللَّازِمُ أَلْفًا وَاحِدَةً تَخْرِيجًا عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ مَعْرِفَةً وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُطْلَقٍ عَنْ الصَّكِّ غَيْرِ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ آخَرِينَ أَوْ عِنْدَهُمَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَذَلِكَ ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ النَّكِرَةِ نَكِرَةً كَمَا لَوْ كَتَبَ صَكَّيْنِ كُلًّا بِأَلْفٍ ، وَأَشْهَدَ عَلَى كُلٍّ شَاهِدَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ لِلْعُرْفِ عَلَى تَكْرَارِ الْإِقْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ ، وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي هَذِهِ لَزِمَهُ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا فِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِجَمْعِ الْمَجْلِسِ الْمُتَفَرِّقَاتِ وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مُقَيَّدٍ بِالصَّكِّ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ فِي آخَرَ عِنْدَ آخَرَيْنِ بِأَلْفٍ مُنَكَّرٍ خُرِّجَ لُزُومُ أَلْفَيْنِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى إعَادَةِ الْمَعْرِفَةِ نَكِرَةً ، وَفِي عَكْسِهَا يَنْبَغِي وُجُوبُ أَلْفٍ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِالشَّاهِدَيْنِ فِي الصُّوَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدٍ وَأَلْفٍ عِنْدَ آخَرَ أَوْ بِأَلْفٍ عِنْدَ شَاهِدَيْنِ وَأَلْفٍ عِنْدَ الْقَاضِي لَزِمَ أَلْفٌ وَاحِدَةٌ اتِّفَاقًا انْتَهَى ؛ لِأَنَّ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ لَا يَصِيرُ الْمَالُ مُسْتَحْكَمًا فَفَائِدَةُ إعَادَتِهِ اسْتِحْكَامُهُ بِإِتْمَامِ الْحُجَّةِ وَفَائِدَةُ الْإِعَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي إسْقَاطُ مُؤْنَةِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ عَنْ الْمُدَّعِي ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِسَبَبٍ إذْ لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُخْتَلِفًا يَلْزَمُ أَلْفَانِ إجْمَاعًا ، وَلَوْ بَيَّنَ سَبَبًا مُتَّحِدًا يَلْزَمُ أَلْفٌ بِكُلِّ حَالٍ إجْمَاعًا ، وَقُيِّدَ

الِاتِّفَاقُ بِتَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَخْرِيجِ الرَّازِيِّ ، وَلَوْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بِأَلْفَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ أَوْ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ بِأَلْفٍ يَلْزَمُ الْمَالَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ عِنْدَهُمَا

( وَأَمَّا مَنْ فَعَلَى الْخُصُوصِ كَسَائِرِ الْمَوْصُولَاتِ ) فَأَفَادَ أَنَّ الْمَوْصُولَاتِ لَيْسَتْ عَامَّةً بِالْوَضْعِ بَلْ بِالْوَصْفِ الْمَعْنَوِيِّ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ الصِّلَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ الصِّلَةِ فِي حُكْمِ اسْمٍ مَوْصُوفٍ ، وَهَذَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَحَدُ الْأَقْوَالِ وَسَنَذْكُرُ بَاقِيَهَا قَرِيبًا .
( وَالنَّكِرَةِ ) أَيْ وَكَالنَّكَرَةِ فِي كَوْنِهَا مَوْضُوعَةً عَلَى الْخُصُوصِ ( وَأَخَصُّ مِنْهَا ) أَيْ النَّكِرَةِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ مَنْ ( لِعَاقِلٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عِنْدَ الْأَكْثَرِ ) وَلَوْ قِيلَ لِعَالِمٍ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لَكَانَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } فِي قَوْلٍ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْعَالِمِ مُنْفَرِدًا وَمَعَ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ وَقِيلَ : تَخْتَصُّ بِالْمُذَكَّرِ ( وَنَصْبُ الْخِلَافِ فِي الشَّرْطِيَّةِ ) خَاصَّةً كَمَا فَعَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( غَيْرُ جَيِّدٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاتِّفَاقَ فِي غَيْرِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مَوْصُولَةٌ وَاسْتِفْهَامِيَّةٌ وَمَوْصُوفَةٌ كَذَلِكَ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّةَ اُعْتُذِرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَصَّهَا تَمْثِيلًا ( وَالِاسْتِدْلَالُ ) لِلْأَكْثَرِ ثَابِتٌ ( بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِهِنَّ ) أَيْ إمَائِهِ ( فِي مَنْ دَخَلَ ) دَارِي فَهُوَ حُرٌّ ؛ إذْ لَوْلَا ظُهُورُ تَنَاوُلِهِ لَهُنَّ لَمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ ( وَالنَّكِرَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ قَدْ تَكُونُ لِغَيْرِهِ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ : إنَّ مَنْ أَخَصُّ لِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَاقِلِ عُرِفَ أَنَّ النَّكِرَةَ تَكُونُ لِلْعَاقِلِ وَغَيْرِهِ فَرُبَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ وَضْعَهَا مُطْلَقًا لِمَا يَشْمَلُهُمَا فَحَقَّقَ الْمُرَادَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ تَكُونُ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ الَّتِي تُوضَعُ كَمَا تَكُونُ كَذَلِكَ لِلْعَاقِلِ فَلَفْظُ عَاقِلٍ نَكِرَةٌ يَخُصُّ ذَا الْعَقْلِ لِلْمَادَّةِ وَمَجْنُونٌ مِثْلُهُ فِي ضِدِّهِ وَفَرَسٌ لِنَوْعٍ غَيْرِ عَاقِلٍ وَرَجُلٌ لِمَنْ بِحَيْثُ

يَعْقِلُ فَلَمْ يُوضَعْ النَّكِرَةُ لِمَا هُوَ أَعَمُّ بَلْ مِنْهَا وَمِنْهَا فَالْأَعَمُّ جُزْءٌ مِنْ مُطْلَقِ النَّكِرَةِ الَّتِي لَمْ تُوضَعْ ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْرَادِ ( وَتَسَاوِيهَا ) أَيْ النَّكِرَةِ ( الَّذِي ) وَبَقِيَّةُ الْمَوْصُولَاتِ فِي أَنَّهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَالشُّيُوعِ ( وَضْعًا وَإِنَّمَا لَزِمَهَا ) أَيْ مَنْ الْمَوْصُولَةَ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَوْصُولَاتِ ( التَّعْرِيفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَعُمُومُهَا ) أَيْ مَنْ ( بِالصِّفَةِ ) الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ مَضْمُونُ الصِّلَةِ ( وَيَلْزَمُ ) عُمُومُهَا ( فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ وَقَدْ تَخُصُّ ) حَالَ كَوْنِهَا ( مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً ) فَالْمَوْصُولَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إلَيْك } ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ هُنَا أَفْرَادٌ مَخْصُوصُونَ ذَكَرَهُمْ الْمُفَسِّرُونَ .
وَالْمَوْصُوفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ } كَمَا هُوَ احْتِمَالٌ حَكَى قَوْلًا فِيهَا هُنَا فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أُنَاسٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا ، وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا تَحْرِيرَ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ كَمَا تَخُصُّ مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً لِعَدَمِ عُمُومِ مَضْمُونِ صِلَتِهَا وَصِفَتِهَا تَخُصُّ شَرْطِيَّةً وَاسْتِفْهَامِيَّةً بِمَا يُوجِبُ تَخْصِيصَهَا وَكَمَا يَلْزَمُ عُمُومُهَا شَرْطِيَّةً وَاسْتِفْهَامِيَّةً بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ ، وَالِاسْتِفْهَامُ قَدْ يُلْزِمُ عُمُومَهَا مَوْصُولَةً وَمَوْصُوفَةً لِعُمُومِ مَضْمُونِ صِلَتِهَا وَصِفَتِهَا ثُمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا مُرَادًا بِهَا الْخُصُوصُ فِي حَالَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ تَكُونَ مَوْضُوعَةً لَهُ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ لِلْعُمُومِ ، وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْخُصُوصِ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ .
هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَإِنَّمَا الْخُصُوصُ فِيهَا احْتِمَالٌ يَثْبُتُ بِالْقَرِينَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ بَلْ ، وَعَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ حَرْفَ مَنْ بِالْفَتْحِ مُحْكَمٌ فِي التَّعْمِيمِ وَظَاهِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْمَنَارِ أَنَّهَا لِكُلٍّ

مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ( فَفِي مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ ) فَهُوَ حُرٌّ فَشَاءُوا عِتْقَهُمْ ( يُعْتَقُونَ وَكَذَا مَنْ شِئْت ) مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ فَأَعْتِقْهُ ( عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا شَاءَ عِتْقَهُمْ ( يُعْتِقُهُمْ لِأَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ ) وَمَنْ لِلْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ( وَعِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَاءَ عِتْقَهُمْ يُعْتَقُ الْكُلُّ ( إلَّا الْأَخِيرَ إنْ رَتَّبَ ) عِتْقَهُمْ ( وَإِلَّا فَمُخْتَارَ الْمَوْلَى ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْهُ بَلْ أَعْتَقَهُمْ دَفْعَةً عَتَقُوا إلَّا وَاحِدًا لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ فِي تَعْيِينِهِ ( لِأَنَّهَا ) أَيْ مِنْ ( تَبْعِيضٌ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( وَأَمْكَنَّا ) أَيْ عُمُومُ مَنْ وَتَبْعِيضُ مِنْ ( فِي الْأُولَى لِتَعَيُّنِ عِتْقِ كُلٍّ بِمَشِيئَتِهِ فَإِذَا ) شَاءَ كُلٌّ عِتْقَ نَفْسِهِ ( عَتَقَ كُلٌّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمْ ( بَعْضٌ ) مِنْ الْعُمُومِ ( وَفِي الثَّانِيَةِ ) تَعَلَّقَ عِتْقُهُمْ ( بِمَشِيئَةِ وَاحِدٍ فَلَوْ أَعْتَقَهُمْ لَا تَبْعِيضَ ) بِالْكُلِّيَّةِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَبِالْعُمُومِ يُعْتِقهُمْ إلَّا وَاحِدًا فَإِنَّ فِي إخْرَاجِ الْوَاحِدِ مِنْ وُقُوعِ الْعِتْقِ عَلَيْهِمْ عَمَلًا بِالتَّبْعِيضِ ، وَفِي نُفُوذِ الْعِتْقِ فِيمَنْ سِوَاهُ عَمَلًا بِالْعُمُومِ فَإِنَّ الْبَعْضَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ ، وَالْعُمُومُ لَا يَبْطُلُ رَأْسًا بِخُرُوجِ وَاحِدٍ مِمَّا شَمِلَهُ فَتَعَيَّنَ هَذَا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِكِلَيْهِمَا أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا وَإِهْدَارِ الْآخَرِ ثُمَّ فِي التَّلْوِيحِ مَا مَعْنَاهُ ( وَهَذَا يَتِمُّ فِي الدَّفْعِيِّ ) أَيْ هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّ دَفْعَةً ؛ لِأَنَّ مَنْ شَاءَ الْمُخَاطَبُ عِتْقَهُ لَيْسَ بَعْضَ الْعَبِيدِ بَلْ كُلَّهُمْ ( لَا فِي التَّرْتِيبِ ) لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنَّهُ شَاءَ الْمُخَاطَبُ عِتْقَهُ حَالَ كَوْنِهِ بَعْضًا مِنْ الْعَبِيدِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَشِيئَةِ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ أَمْرٌ

بَاطِنٌ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ إعْتَاقِ الْكُلِّ تَعَلُّقُ الْمَشِيئَةِ بِالْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ إخْرَاجِ الْبَعْضِ لِيَتَحَقَّقَ التَّبْعِيضُ ، قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ - غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ - : وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ ثُمَّ حَيْثُ لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ فِيمَا عَدَا وَاحِدًا وَهُوَ قَدْ أَعْتَقَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ كُلٍّ غَيْرَ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَهُوَ عَدَمُ الْعَمَلِ بِالتَّبْعِيضِ لِقِيَامِ احْتِمَالِ عَدَمِ عِتْقِ الْأَخِيرِ فَنَفَذَ فِيهِمْ الْعِتْقُ ، وَوُجِدَ فِي حَقِّ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَنْتَفِ الْمَانِعُ فِي حَقِّهِ ؛ لِأَنَّ بِعِتْقِهِ يَبْطُلُ التَّبْعِيضُ الْمُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فَلَمْ يَعْمَلْ الْمُقْتَضِي فِيهِ عَمَلَهُ فَلَمْ يَنْفُذْ فِيهِ الْعِتْقُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَهُمْ جُمْلَةً فَإِنَّهُ ، وَإِنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا الْمُقْتَضِي لَكِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا انْتِفَاءُ الْمَانِعِ بَلْ إنَّمَا وُجِدَ فِيمَا عَدَا وَاحِدًا لَا بِعَيْنِهِ فَكَانَ بَيَانُهُ إلَى الْمُفَوِّضِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِأَثَرِ هَذَا التَّفْوِيضِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِ وَصَارَ مَا دَامَ بَيَانُهُ مُمْكِنًا مِنْهُ كَالْمُجْمَلِ لَا يُدْرَكُ إلَّا بِبَيَانٍ مِنْ الْمُجْمَلِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ( وَتَوْجِيهُ قَوْلِهِ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا وَجَّهَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ذَاكِرًا أَنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ ( بِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَيَقَّنٌ ) عَلَى تَقْدِيرَيْ تَبْعِيضِهَا وَبَيَانِهَا فَيَلْزَمُ تَبْعِيضُهَا لِثُبُوتِهِ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ دُفِعَ فِي التَّلْوِيحِ بِمَا مَعْنَاهُ هَذَا ( لَا يَقْتَضِيهَا تَبْعِيضِيَّةً لِأَنَّهَا ) أَيْ التَّبْعِيضِيَّةَ ( لِلْبَعْضِ الْمُجَرَّدِ ) وَهُوَ الْبَعْضُ الَّذِي يَكُونُ تَمَامَ الْمُرَادِ لَا فِي ضِمْنِ الْكُلِّ نَحْوُ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ فَإِنَّ بَعْضَ الرَّغِيفِ هُوَ تَمَامُ الْمُرَادِ ( وَلَيْسَ ) هَذَا

الْبَعْضُ ( هُوَ الْمُتَيَقَّنَ ) مِنْ الْبَيَانِيَّةِ ( بَلْ ) الْبَعْضُ الْمُحَقَّقُ مِنْهَا ( ضِدُّهُ ) أَيْ ضِدُّ هَذَا الْبَعْضِ وَهُوَ الْكَائِنُ فِي ضِمْنِ الْكُلِّ الَّذِي هُوَ تَمَامُ الْمُرَادِ ، وَهُوَ الضَّرُورِيُّ فَلَا يَثْبُتُ التَّبْعِيضُ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ بِهَذَا وَأُجِيبَ عَنْ الدَّفْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : الْبَعْضُ مُتَيَقَّنٌ أَنَّ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِمَا صَدَقَ عَلَيْهِ الْبَعْضُ مُتَيَقَّنٌ عَلَى تَقْدِيرَيْ التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ قَوْلُهُ : فَإِرَادَةُ الْبَعْضِ مُتَيَقَّنَةٌ ، وَإِرَادَةُ الْكُلِّ مُحْتَمَلَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَخَذَ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ التَّبْعِيضِ وَالْبَيَانِ وَحَكَمَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ ، وَمُؤَدَّاهُ كَمُؤَدَّى الْعَمَلِ بِخُصُوصِيَّةِ الْبَعْضِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ثُمَّ أَشَارَ إلَى تَوْجِيهٍ آخَرَ لِقَوْلِهِ ذَكَرُوهُ مَدْفُوعٌ فَقَالَ ( وَبِأَنَّ وَصْفَ مَنْ بِمَشِيئَةِ الْمُخَاطَبِ ) فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ ( وَصْفٌ خَاصٌّ ) لِإِسْنَادِهَا إلَى خَاصٍّ فَيَبْقَى مَعْنَى الْخُصُوصِ مُعْتَبَرًا فِيهَا مَعَ صِفَةِ الْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ بَعْضًا عَامًّا ( وَعُمُومُهَا ) أَيْ الْمَشِيئَةِ إنَّمَا هُوَ ( بِالْعَامِّ ) أَيْ بِوَاسِطَةِ إسْنَادِهَا إلَى الْعَامِّ الَّذِي هُوَ مِنْ ( كَمَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي ) وَقَدْ وُصِفَتْ بِهَا مَنْ فَأَسْقَطَ الْوَصْفُ بِهَا الْخُصُوصَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعُمُومِ ( دُفِعَ بِأَنَّ حَقِيقَةَ وَصْفِهَا ) أَيْ مَنْ ( فِيهِ ) أَيْ فِي مَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ ( بِكَوْنِهَا ) أَيْ مَنْ ( مُتَعَلَّقَ مَشِيئَتِهِ ) أَيْ الْمُخَاطَبِ ( وَهُوَ ) أَيْ مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ ( عَامٌّ ) فَتَعُمُّ الْمَشِيئَةُ بِعُمُومِهِ فَإِنْ قُلْت : لَيْسَ مِنْ مُتَعَلِّقِ مَشِيئَتِهِ ، وَإِنَّمَا مُتَعَلِّقُهَا عِتْقُهُ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ قُلْت : لَمَّا كَانَ عِتْقُهُ مَصْدَرًا مُضَافًا إلَيْهَا وَهُوَ إنَّمَا كَانَ مَفْعُولًا بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا قِيلَ بِنَوْعٍ مِنْ الْمُسَامَحَةِ إنَّهَا مُتَعَلَّقُ مَشِيئَتِهِ وَلَا بِدَعَ فِي ذَلِكَ ( وَأَمَّا مَا فَلِغَيْرِ الْعَاقِلِ )

وَحْدَهُ نَحْوُ { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } ( وَلِلْمُخْتَلِطِ ) مِمَّنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمَنْ يُعْلَمُ إذَا قُصِدَ بِهِ التَّعْظِيمُ كَمَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ نَحْوُ { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } { مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْت بِيَدَيَّ } ( فَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا ) فَأَنْتِ طَالِقٌ ( لَا يَقَعُ ) الطَّلَاقُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا بِنَاءً عَلَى عُمُومِ مَا حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ أَوْ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا ؛ إذْ الْحَمْلُ اسْمٌ لِلْمَجْمُوعِ وَأُورِدَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا بِمَعْنَى شَيْءٍ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ شَيْءٌ هُوَ فِي بَطْنِك غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا فِي بَطْنِهَا غُلَامًا .
قُلْت وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ أَكْثَرُ مِنْهَا مَوْصُوفَةً فَحُمِلَتْ عَلَى الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ كَانَتَا سَوَاءً فَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ ( وَفِي طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ الثَّلَاثِ مَا شِئْت لَهَا الثَّلَاثُ عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ ( وَعِنْدَهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ( ثِنْتَانِ وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ( كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ) فِي مَنْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهَا مِنْ بَيَانِيَّةٌ عِنْدَهُمَا تَبْعِيضِيَّةٌ عِنْدَهُ ( وَقَوْلُهُ ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ ( أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ ) أَيْ الْكَلَامِ ( عَلَى الْبَيَانِ ) طَلِّقِي نَفْسَك ( مَا شِئْت مِمَّا هُوَ الثَّلَاثُ ) وَالْوَجْهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ ا هـ .
يَعْنِي : إذَا كَانَتْ مَا مَعْرِفَةً وَعَدَدًا شِئْت هُوَ الثَّلَاثُ إذَا كَانَتْ مَا نَكِرَةً مَوْصُوفَةً لِأَنَّ ضَابِطَ الْبَيَانِيَّةِ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهَا بِضَمِيرٍ مَرْفُوعٍ مُنْفَصِلٍ مَعَ مَدْخُولِهَا إذَا كَانَ

الْمُبَيَّنُ مَعْرِفَةً وَصِحَّةُ وَضْعِ الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ الْمَرْفُوعِ مَوْضِعَهَا لِتَكُونَ مَعَ مَدْخُولِهَا صِفَةً لِمَا قَبْلَهَا إذَا كَانَ الْمُبَيَّنُ نَكِرَةً حَتَّى إنَّهُ يُقَالُ فِي قَوْله تَعَالَى { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ } الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ وَفِي قَوْله تَعَالَى { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } أَسَاوِرُ هِيَ ذَهَبٌ وَحَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هَذَا فَهُوَ مُفَوِّضٌ لِلثَّلَاثِ إلَيْهَا ( وَطَلِّقِي مَا شِئْت وَافٍ بِهِ ) فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ إلَى مِنْ الثَّلَاثَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَالْبَيَانُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمُبَيَّنِ ( فَالتَّبْعِيضُ ) أَيْ فَكَوْنُ التَّبْعِيضِ مُرَادًا مِنْهُ ( مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ) عَلَيْهِ ( أَظْهَرُ ) لَا سِيَّمَا مَعَ وُجُودِ ضَابِطِ التَّبْعِيضِيَّةِ فِيهَا ، وَهُوَ صِحَّةُ وَضْعِ بَعْضٍ مَوْضِعَهَا .
( وَأَمَّا كُلٌّ فَلِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ مَا دَخَلَتْهُ كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ ) أَيْ مَدْخُولِهَا ( غَيْرُهُ ) أَيْ مَدْخُولِهَا ( فِي الْمُنَكَّرِ ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } وَالْمُثَنَّى نَحْوُ كُلُّ رَجُلَيْنِ جَمَاعَةٌ وَشَهَادَةُ كُلِّ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَالْمَجْمُوعِ نَحْوُ وَكُلُّ أُنَاسٍ سَوْفَ يَدْخُلُ بَيْنَهُمْ دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنْهَا الْأَنَامِلُ وَكُلُّ مُصِيبَاتٍ تُصِيبُ فَإِنَّهَا سِوَى فُرْقَةِ الْأَحْبَابِ هَيِّنَةُ الْخَطْبِ وَفِي الْمُعَرَّفِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } ( وَأَجْزَائِهِ ) أَيْ وَلِاسْتِعْرَاقِ أَجْزَاءِ مَا دَخَلَتْهُ ( فِي الْمُعَرَّفِ ) الْمُفْرَدِ نَحْوُ كُلُّ زَيْدٍ أَوْ الرَّجُلِ حَسَنٌ أَيْ كُلُّ أَجْزَائِهِ ( فَكَذَبَ كُلُّ الرُّمَّانِ مَأْكُولٌ ) لِأَنَّ قِشْرَهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ ( دُونَ كُلُّ رُمَّانٍ ) مَأْكُولٌ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُ مَأْكُولٌ ( وَوَجَبَ لِكُلٍّ مِنْ الدَّاخِلَيْنِ ) الْحِصْنَ ( فِي كُلُّ مَنْ دَخَلَ ) هَذَا الْحِصْنَ ( أَوَّلًا ) فَلَهُ كَذَا مَا سَمَّاهُ ( بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ أَوَّلًا ) فَلَهُ كَذَا فَدَخَلَ اثْنَانِ

فَصَاعِدًا جَمِيعًا ( لَا شَيْءَ لِأَحَدٍ لِأَنَّ عُمُومَهَا ) أَيْ مَنْ ( لَيْسَ كَجَمِيعٍ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ قَصْدًا لِيَكُونَ لَهُمْ نَفَلٌ وَاحِدٌ ( وَلَا كَكُلٍّ ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ لِيَكُونَ لِكُلٍّ نَفَلٌ ( بَلْ ضَرُورَةُ إبْهَامِهِ كَالنَّكِرَةِ فِي النَّفْيِ فَلَا شَرِكَةَ تُصَحِّحُ التَّجَوُّزَ ) بِهِ عَنْ جَمِيعٍ أَوْ كُلٍّ ، وَأُورِدَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَنْ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ إرَادَةَ أَحَدِهِمَا مِنْهُ بِالْقَرِينَةِ ، وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا سَبَقَ فِي مَقَامِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ فَيَسْتَلْزِمُ مَعْنَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعَارَ لَهُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ لُزُومٍ بِحَسَبِ الْمَقَامِ الْمُوجِبِ لِلْمُشَارَكَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا وَأُجِيبَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمُشَارَكَةِ الْمُصَحِّحَةِ لِلِاسْتِعَارَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ إلَّا لِصَارِفٍ قَوِيٍّ وَلَا صَارِفَ هُنَا لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ ( وَقِيلَ ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ ، وَالْقَائِلُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ ( الْأَوَّلُ فَرْدٌ سَابِقٌ عَلَى كُلِّ مَنْ سِوَاهُ بِلَا تَعَدُّدٍ ، وَإِضَافَةُ كُلٍّ تُوجِبُهُ ) أَيْ التَّعَدُّدَ فِيهِ ( فَجَعَلَ ) الْأَوَّلَ ( مَجَازًا عَنْ جُزْئِهِ وَهُوَ ) أَيْ جُزْؤُهُ ( السَّابِقُ فَقَطْ ) أَيْ بِلَا قَيْدِ الْفَرْدِيَّةِ عَلَى الْغَيْرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعَ مَا عَدَاهُ أَوْ بَعْضَهُ كَالْمُتَخَلِّفِ لِيُجْرَى فِيهِ التَّعَدُّدُ فَيَصِحُّ إضَافَةُ كُلٍّ الْإِفْرَادِيِّ إلَيْهِ وَيَكُونُ مَنْ فِيهِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً ( فَفِي التَّعَاقُبِ يَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّ مَنْ بَعْدَهُ مَسْبُوقٌ وَكَمَالُ السَّابِقِ بِعَدَمِهِ ) أَيْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مَسْبُوقًا بِالْغَيْرِ ( خُصُوصًا فِي مَقَامِ التَّحْرِيضِ فَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ اسْتِحْقَاقُ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِبَيْنِ إلَّا الْآخِرَ بِعُمُومِ

الْمَجَازِ ) وَهُوَ السَّابِقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ النَّفَلَ لِلْأَوَّلِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَرَضْ بِهِ لِأَنَّ قَيْدَ عَدَمِ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْغَيْرِ مُرَادٌ فَلَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً بِخِلَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِصْنَ أَوَّلًا فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فِيهِ فَتَعَيَّنَ الْحَقِيقِيُّ فَيَسْتَحِقُّ الْأَوَّلُ لَا غَيْرُ إذَا تَعَاقَبُوا وَلَا يَسْتَحِقُّ الْجَمِيعُ إنْ دَخَلُوا جَمِيعًا لِانْعِدَامِ الْأَوَّلِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمْ لِوُجُودِ الْمُزَاحِمِ لَهُ فِي ذَلِكَ ( وَأَمَّا جَمِيعٌ فَلِلْعُمُومِ عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَلِلْكُلِّ نَفَلٌ ) وَاحِدٌ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذَا دَخَلُوا جَمِيعًا وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُنَفَّلُهُ الْغَازِي أَيْ يُعْطَاهُ زَائِدًا عَلَى سَهْمِهِ ( فِي : جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ أَوَّلًا فَلَهُ كَذَا بِحَقِيقَتِهِ ) أَيْ لَفْظِ جَمِيعٍ وَهِيَ الْعُمُومُ الْإِحَاطِيُّ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ ( وَلِلْأَوَّلِ فَقَطْ فِي التَّعَاقُبِ بِدَلَالَتِهِ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ فَإِنَّ هَذَا التَّنْفِيلَ لِلتَّشْجِيعِ وَالْحَثِّ عَلَى الْمُسَارَعَةِ إلَى الدُّخُولِ أَوَّلًا فَإِذَا اسْتَحَقَّهُ السَّابِقُ بِصِفَةِ الِاجْتِمَاعِ فَلَأَنْ يَسْتَحِقَّهُ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ أَوْلَى لِأَنَّ الْجُرْأَةَ وَالْجَلَادَةَ فِيهِ أَقْوَى ( لَا بِمَجَازِهِ فِي كُلٍّ ) أَيْ لَا عَمَلًا بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ لِجَمِيعٍ .
وَهُوَ مَعْنَى كُلٍّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ الْعُمُومَ الْإِحَاطِيَّ ( وَإِلَّا ) لَوْ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ بِمَجَازِهِ ( لَزِمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي الْإِرَادَةِ لِتَعَذُّرِ عُمُومِ الْمَجَازِ هُنَا ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِجَمِيعٍ ، وَهُوَ الْإِحَاطَةُ بِقَيْدِ الِاجْتِمَاعِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمُتَعَدِّدُ كَالْوَاحِدِ حَتَّى يَجِبَ لِلْكُلِّ نَفَلٌ لَيْسَ مِنْ مَعْنَى كُلٍّ بَلْ لَوْ دَخَلَتْ الْجَمَاعَةُ مَعًا فِي كُلٍّ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ

النَّفَلُ فَلَزِمَ أَنَّهُ لَوْ تُجُوِّزَ بِهِ فِي مَعْنَى كُلٍّ لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَمَاعَةِ نَفَلٌ وَلِلْوَاحِدِ مِثْلُهُ بِعُمُومِ الْمَجَازِ بَلْ بِحَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَعًا ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ( وَأَمَّا أَيٌّ فَلِبَعْضِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ ) حَالَ كَوْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ( كُلًّا مَعْرِفَةً وَلَوْ بِاللَّامِ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُضَافُ إلَيْهِ كُلًّا مَعْرِفَةً ( فَلِجُزْأَيْهِ ) أَيْ الْمُضَافِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ كُلِّيًّا نَكِرَةً أَوْ مَعْرِفَةً لَفْظًا كَاَلَّتِي لِلْمَعْهُودِ الذِّهْنِيِّ فِي نَحْوِ اشْتَرِ اللَّحْمَ وَادْخُلْ السُّوقَ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ .
( وَبِحَسَبِ مَدْخُولِهَا يَتَعَيَّنُ وَصْفُهَا الْمَعْنَوِيُّ فَامْتَنَعَ أَيُّ الرَّجُلِ عِنْدَك لِعَدَمِ الصِّحَّةِ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجُوزُ الْإِضَافَةُ إلَى مِثْلِهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جَمْعٌ مُقَدَّرٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا مَعْنَى لِ : أَيُّ أَجْزَاءِ الرَّجُلِ عِنْدَك ( وَجَازَ ) أَيُّ الرَّجُلِ ( أَحْسَنُ ) لِصِحَّةِ : أَيُّ أَجْزَائِهِ أَحْسَنُ قَالُوا وَإِنَّمَا جَازَ أَيُّ التَّمْرِ أَكَلْت ، وَأَيُّ رَجُلٍ عِنْدَك ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ : أَيُّ آحَادِ التَّمْرِ أَكَلْت ، وَأَيُّ الرِّجَالِ عِنْدَك ( وَهِيَ فِي الشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ كَكُلٍّ فِي النَّكِرَةِ فَتَجِبُ الْمُطَابَقَةُ ) أَيْ مُطَابَقَةُ الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا إفْرَادًا وَتَثْنِيَةً وَجَمْعًا تَذْكِيرًا وَتَأْنِيثًا ( لِمَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ كَ : أَيَّ رَجُلَيْنِ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمَا ، وَأَيَّ رِجَالٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمْ ) وَأَيَّ رَجُلٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُ ، وَأَيَّ امْرَأَةٍ تُكْرِمْ أُكْرِمْهَا ، وَأَيَّ امْرَأَتَيْنِ تُكْرِمْ أُكْرِمْهُمَا ، وَأَيَّ نِسَاءٍ تُكْرِمْ أُكْرِمُهُنَّ ، وَأَيُّ رَجُلٍ قَامَ ، وَأَيُّ رَجُلَيْنِ قَامَا وَأَيُّ رِجَالٍ قَامُوا وَأَيُّ امْرَأَةٍ قَامَتْ وَأَيُّ امْرَأَتَيْنِ قَامَتَا وَأَيُّ نِسَاءٍ قُمْنَ ( وَبَعْضٍ فِي الْمَعْرِفَةِ فَيَتَّحِدُ ) الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إلَيْهَا مُثَنًّى كَانَ الْمُضَافُ إلَيْهِ أَوْ مَجْمُوعًا مُذَكَّرًا أَوْ مُؤَنَّثًا ( كَأَيِّ الرَّجُلَيْنِ ) أَوْ الْمَرْأَتَيْنِ أَوْ

الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ ( تَضْرِبْ أَضْرِبْهُ ، وَتَعُمُّ ) أَيٌّ ( بِالْوَصْفِ ) الْعَامِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ( فَيَعْتِقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا فِي : أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك ) فَهُوَ حُرٌّ ضَرَبُوهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا لِعُمُومِهَا بِعُمُومِ وَصْفِهَا الَّذِي هُوَ الضَّارِبِيَّةُ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إلَى الضَّمِيرِ الرَّاجِعِ إلَيْهَا ( وَمَنَعُوهُ ) أَيْ عِتْقَ الْكُلِّ ( فِي ) أَيُّ عَبِيدِي ( ضَرَبْته إلَّا الْأَوَّلَ ) فِي ضَرْبِهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ لَهُ ( أَوْ مَا يُعَيِّنُهُ الْمَوْلَى فِي الْمَعِيَّةِ ) لِأَنَّ نُزُولَ الْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ فَالتَّعْيِينُ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ فِي الضَّرْبِ إلَى الضَّارِبِ ( لِأَنَّ الْوَصْفَ ) الَّذِي هُوَ الضَّارِبِيَّةُ ( لِغَيْرِهَا ) أَيْ لِغَيْرِ أَيٍّ ، وَهُوَ الْمُخَاطَبُ لِإِسْنَادِ الضَّرْبِ إلَيْهِ وَهُوَ خَاصٌّ فَلَا تَعُمُّ لِعَدَمِ اتِّصَافِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ .
( وَمُنِعَ ) كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ هُنَا أَيْضًا وَالْمَانِعُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( بِأَنَّهَا ) أَيْ أَيًّا ( مَوْصُوفَةٌ بالمضروبية ، وَكَوْنُ الْمَفْعُولِيَّةِ فَضْلَةً تَثْبُتُ ضَرُورَةَ التَّحَقُّقِ ) أَيْ تَحَقُّقِ تَعَدِّي الْفِعْلِ ( لَا يُنَافِيهِ ) أَيْ الْعُمُومَ لِيُقَالَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي التَّعْمِيمِ وَكَيْفَ وَالضَّرْبُ صِفَةٌ إضَافِيَّةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْفَاعِلِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَصْفٌ لَهُ وَبِالْمَفْعُولِ وَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَصْفٌ لَهُ وَلَا امْتِنَاعَ فِي قِيَامِ الْإِضَافِيَّاتِ بِالْمُضَافَيْنِ ( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( بِكَوْنِ الثَّانِي ) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته ( لِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمْ عُرْفًا ) أَيْ لِتَخْيِيرِ الْفَاعِلِ الْمُخَاطَبِ فِي تَعْيِينِهِ ( كَ : كُلْ أَيَّ خُبْزٍ تُرِيدُ ) .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : ( وَالْوَجْهُ أَيَّ خُبْزِي لِيُطَابِقَ الْمِثَالَ ) وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ( لَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُخَاطَبِ ( أَكْلُ الْكُلِّ بَلْ تَعْيِينُ وَاحِدٍ يَخْتَارُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ )

وَهُوَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ تَخْيِيرُ الْفَاعِلِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْقَلُ فِي مُتَعَدِّدٍ وَلَا تَعَدُّدَ فِي الْمَفْعُولِ ( لَا يُدْفَعُ بِنَحْوِ : أَيَّ عَبِيدِي وَطِئَتْهُ دَابَّتُك ) أَوْ عَضَّهُ كَلْبُك كَمَا وَقَعَ فِي التَّلْوِيحِ ( لِأَنَّ مَحَلَّ الْعُرْفِ مَا يَصِحُّ فِيهِ التَّخْيِيرُ ) لِلْفَاعِلِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِ ( وَأَمَّا ادِّعَاءُ وَضْعِهَا ابْتِدَاءً لِلْعُمُومِ الِاسْتِغْرَاقِيِّ بِادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَعْتِقْ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي ضَرَبَك وَأَيُّ عَبْدٍ ) ضَرَبَك كَمَا فِي التَّلْوِيحِ يَعْنِي فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ إلَّا إعْتَاقُ وَاحِدٍ مُتَّصِفٍ بِالضَّارِبِيَّةِ لَهُ فِي الْأَوَّلِ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ ضَرَبَهُ فِي الثَّانِي ( فَمَمْنُوعٌ ) قَالَ الْمُصَنِّفُ : أَيْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا بَلْ الْعُمُومُ فِيهِمَا لِلْوَصْفِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ ا هـ .
وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَقَدْ قِيلَ : لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ لِأَجْلِ أَنَّ كَلِمَةَ أَيٍّ عَامٌّ بِحَسَبِ الْوَضْعِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ أَيٍّ مِنْ جِهَةِ تَوَغُّلِهَا فِي الْإِبْهَامِ بِحَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ مَعْنَاهَا ، وَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى الْمَعْرِفَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَارَتْ قَرِيبَةً مِنْ الْعُمُومِ حَتَّى صَارَ عُمُومُهَا عِنْدَ اتِّصَافِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ مُطَّرِدًا بِخِلَافِ سَائِرِ النَّكِرَاتِ ؛ وَلِذَا اخْتَلَفُوا فِي عُمُومِ سَائِرِ النَّكِرَاتِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ الشِّيرَازِيَّ صَرَّحَ بِأَنَّ النَّكِرَةَ الْمَوْصُوفَةَ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ لَا تَعُمُّ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : جَاءَنِي رَجُلٌ عَالِمٌ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ وَهِيَ غَيْرُ عَامَّةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا قَوْلُهُ { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } وَإِنَّمَا تَعُمُّ إذَا انْضَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ مِنْ كَوْنِ الصِّفَةِ عِلَّةً لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ { أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ } وَكَوْنُ الْمَقَامِ لِلْإِبَاحَةِ

نَحْوُ : كُلْ أَيَّ خُبْزٍ تُرِيدُ أَوْ لِلتَّحْرِيضِ نَحْوُ أَيُّ رَجُلٍ دَخَلَ هَذَا الْحِصْنَ فَلَهُ كَذَا وَقَوْلُهُ : أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ مِنْ التَّحْرِيضِ فَيَعُمُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته فَمَقَامُ الْمَنْعِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا تُطِيقُ أَنْ تَضْرِبَ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي فَإِنْ وَقَعَ ضَرْبُك عَلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي فَالضَّرَرُ عَلَيَّ لَازِمٌ بِعِتْقِ ذَلِكَ الْعَبْدِ ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَخْرَجَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَنْفِيٍّ تَكُونُ النَّكِرَةُ الْمُخْرَجَةُ عَامَّةً ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْحَظْرِ لِلْإِبَاحَةِ فَتَعُمُّ لِكَوْنِهَا فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ نَحْوُ : لَا أُكَلِّمُ إلَّا رَجُلًا كُوفِيًّا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَ جَمِيعَ رِجَالِ الْكُوفَةِ وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ مَسْأَلَةُ الْإِيلَاءِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْجَامِعِ وَهِيَ : وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُكُمَا إلَّا يَوْمًا أَقْرَبُكُمَا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا بِهَذَا الْكَلَامِ أَبَدًا ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْيَوْمَ الْمُسْتَثْنَى بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَأَوْجَبَ الْعُمُومَ فِي مَوْضِعِ الْإِبَاحَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَقْرَبَهُمَا أَبَدًا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَأْتِي بِلَا شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ ( وَرَدُّ أَخْذِ خُصُوصِهَا ) أَيْ أَيٍّ ( وَضْعًا مِنْ إفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي : أَيُّ الرِّجَالِ أَتَاكَ ، وَصِحَّةُ الْجَوَابِ ) أَيْ وَمِنْ صِحَّتِهِ ( بِالْوَاحِدِ ) مِثْلُ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو ( بِالنَّقْصِ بِمَنْ ، وَمَا ) وَغَيْرُ خَافٍ كَوْنُهُ مُتَعَلِّقًا بِ رَدُّ ( يَعْنِي لِأَنَّهُمَا اسْتِغْرَاقِيَّانِ وَضْعًا مَعَ إفْرَادِ ضَمِيرِهِمَا وَجَوَابِهِمَا ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ أَيْضًا ( مَمْنُوعٌ بَلْ وَضْعُهُمَا أَيْضًا عَلَى الْخُصُوصِ كَالنَّكِرَةِ وَعُمُومُهُمَا بِالصِّفَةِ كَمَا مَرَّ ، وَعَدَمُ عِتْقِ أَحَدٍ فِي أَيُّكُمْ حَمَلَ هَذِهِ ، وَهِيَ حِمْلٌ وَاحِدٌ فَحَمَلُوهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ ) لِعِتْقِهِ كَمَا بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( حَمْلَ وَاحِدٍ ) لَهَا بِكَمَالِهَا ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِأَنَّ الشَّرْطَ حَمْلُ الْوَاحِدِ لَهَا بِكَمَالِهَا ( عَتَقَ الْكُلُّ فِي

التَّعَاقُبِ ) لِوُجُودِهِ فِي حَمْلِ كُلٍّ ( وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَمْلُ وَاحِدٍ ) بِأَنْ كَانَ لَا يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ فَحَمَلَهَا وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ عَتَقُوا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ مِنْ الثَّانِي ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ صَيْرُورَتُهَا مَحْمُولَةً إلَى مَوْضِعِ حَاجَتِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُطْلَقِ فِعْلِ الْحَمْلِ مِنْهُمْ ، وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ ، فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ جَلَادَتِهِمْ ، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِحَمْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَمَامَهَا لَا بِمُطْلَقِ الْحَمْلِ لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنَّهُ لَوْ انْخَرَقَتْ الْعَادَةُ لَهُمْ بِأَنْ حَمَلَهَا كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى التَّعَاقُبِ أَنْ لَا يُعْتَقَ إلَّا الْأَوَّلُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِحَمْلِهِ فَيَنْتَهِي حُكْمُ التَّعْلِيقِ بِهِ حَتَّى يَصِيرَ حَمْلُ غَيْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَحَمْلِ أَجْنَبِيٍّ عَبَثًا أَوْ لِغَرَضٍ مِنْ الْأَغْرَاضِ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ عِتْقُ الْكُلِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةٌ لَيْسَ الْعَامُّ مُجْمَلًا خِلَافًا لِعَامَّةِ الْأَشَاعِرَةِ ) عَلَى مَا فِي التَّلْوِيحِ ( وَنَقْلِ بَعْضِهِمْ ) وَهُوَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( دَلِيلُهُ ) أَيْ الْإِجْمَالِ ( أَعْدَادُ الْمَجْمُوعِ مُخْتَلِفَةٌ ) فَإِنَّ جَمْعَ الْقِلَّةِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ عَدَدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ ، وَجَمْعُ الْكَثْرَةِ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ كُلُّ عَدَدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ ( فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ ) فِي الْمُرَادِ بِهِ ( إلَى مُعَيِّنٍ يُفِيدُ ) هَذَا النَّقْلُ ( أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ لَا الْعَامِّ مُطْلَقًا ) لِعَدَمِ جَرَيَانِ هَذَا فِيمَا سِوَى الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ( وَمُعَمِّمُهُ ) أَيْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ ( مِنْ الْحَنَفِيَّةِ يُصَرِّحُ بِنَفْيِهِ ) أَيْ الْإِجْمَالِ ( وَجَوَابُهُمْ ) أَيْ مُعَمِّمِيهِ مِنْهُمْ عَنْ هَذَا الدَّلِيلِ ( وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَى ) الْمَرْتَبَةِ ( الْمُسْتَغْرِقَةِ ) لِكُلِّ جَمْعٍ مِنْ مَرَاتِبِهِ ( عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ ) فِي مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ ( فَلَا إجْمَالَ وَبِالْحَمْلِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ ) وَهُوَ أَقَلُّ الْجَمْعِ لِلتَّيَقُّنِ بِهِ كَمَا هُوَ جَوَابُ غَيْرِهِمْ ( فَلَا إجْمَالَ ) أَيْضًا .
( وَقَدْ يَنْقُلُ ) دَلِيلَ الْإِجْمَالِ ( الْعَامِّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ لِلْإِطْلَاقِ ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ( وَالْأَصْلُ ) فِي الْإِطْلَاقِ ( الْحَقِيقَةُ ) فَاشْتَبَهَ الْمُرَادُ بِهِ ( فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ إلَى دَلِيلِ الْعُمُومِ ) فَيُعْمَلُ بِهِ حِينَئِذٍ أَوْ الْخُصُوصِ فَيُعْمَلُ بِهِ حِينَئِذٍ ( فَيُقَيِّدُ ) هَذَا ( أَنَّهُ ) أَيْ الْقَوْلَ بِالْإِجْمَالِ ( قَوْلُ الْقَائِلِ بِاشْتِرَاكِ الصِّيغَةِ ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاكِهَا بَيْنَهُمَا ( أَحَدُ قَوْلَيْ الْأَشْعَرِيِّ وَنِسْبَتُهُ ) أَيْ الْإِجْمَالِ ( إلَى الْأَشْعَرِيَّةِ غَيْرُ وَاقِعٍ بَلْ إلَى الْأَشْعَرِيِّ ) أَيْضًا ( لِتَوَقُّفِهِ فِي الصِّيَغِ ) الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْعُمُومِ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لَهُ خَاصَّةً ( لِلِاشْتِرَاكِ لَهُ ) أَيْ لِلْأَشْعَرِيِّ أَيْ لِقَوْلِهِ بِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ

بَيْنَهُمَا ( أَوْ لَا لَهُ ) أَيْ لِلِاشْتِرَاكِ بَلْ لِكَوْنِهِ لَا يُدْرَى كَوْنُهَا مَوْضُوعَةً لِلْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ ( فِي ) قَوْلٍ ( آخَرَ ) لِلْأَشْعَرِيِّ .
( وَإِذًا فَمَعْلُومٌ تَفَرُّعُ التَّوَقُّفِ عَلَى مَذْهَبِ الِاشْتِرَاكِ ) بَيْنَهُمَا كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَائِلُ بِهِ ( وَالْوَقْفُ ) فِي كَوْنِهَا لِلْخُصُوصِ أَوْ الْعُمُومِ ( إلَى الْمُعَيِّنِ ) لِلْمُرَادِ مِنْ خُصُوصٍ أَوْ عُمُومٍ ( وَقَدْ أُفْرِدَ الْمَبْنَى ) لِهَذَا الْخِلَافِ ، وَهُوَ أَنَّ الصِّيَغَ الْمُسْتَعْمَلَةَ لِلْعُمُومِ هَلْ هِيَ خَاصَّةٌ بِهِ أَوْ بِالْخُصُوصِ أَوْ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ( بِالْبَحْثِ ) كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَعَ إبْطَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالْوَقْفِ ( فَيُسْتَغْنَى بِهِ ) أَيْ بِإِفْرَادِ الْمَبْنَى بِالْبَحْثِ ( عَنْ هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةِ لِتَفَرُّعِهَا عَلَيْهِ ( وَتُفَارِقُ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ( مَسْأَلَةَ مَنْعِ الْعَمَلِ بِهِ ) أَيْ بِالْعَامِّ ( قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ بِأَنَّ الْبَحْثَ ) الْمُتَوَقِّفَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَعْنِي قَوْلَ الْإِجْمَالِ لِلِاشْتِرَاكِ ( يُظْهِرُ الْمُرَادَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ ) الْوَضْعِيَّةِ لِغَرَضِ الِاشْتِرَاكِ ( وَهُنَاكَ ) أَيْ وَالْبَحْثُ فِي مَسْأَلَةِ تَوَقُّفِ الْعَمَلِ بِهِ عَلَى الْعَمَلِ عَنْ الْمُخَصِّصِ يُظْهِرُ ( إرَادَةَ الْمَفْهُومِ الْمُتَّحِدِ ) فِي الْوَضْعِ وَهُوَ الْعُمُومُ أَيْ أَنَّهُ ثَابِتٌ ( لَا الْمَجَازِ ) أَيْ لَا إرَادَةَ أَنَّهُ مُخَصِّصٌ أَوْ بِالْعَكْسِ .
( وَلَوْ جَعَلْت هَذِهِ ) الْمَسْأَلَةَ ( إيَّاهَا ) أَيْ مَسْأَلَةَ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِلْعَامِّ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ ( أَشْكَلَ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهَا ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِ الْعَامِّ قَبْلَ الْعَمَلِ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي ( بِخِلَافِ هَذِهِ ) فَإِنَّهَا لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ نَقَلُوا فِيهَا الْخِلَافَ كَمَا عَلِمْت .
( فَإِنْ قِيلَ ) : الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ مُسْتَبْعَدٌ ؛ لِأَنَّ الْعَامَّ الْوَارِدَ إلَى الْمُجْتَهِدِ ( إنْ اشْتَهَرَ الْمَجَازُ أَعْنِي الْخُصُوصَ ) فِيهِ يَعْنِي كَوْنَهُ مَجَازًا فِي الْبَعْضِ

لِكَوْنِهِ مَخْصُوصًا ( فَلَا إجْمَاعَ عَلَى التَّوَقُّفِ ) بَلْ يُعْمَلُ بِالْخُصُوصِ ( وَإِلَّا فَكَذَلِكَ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ فِيهِ فَلَا إجْمَاعَ عَلَى التَّوَقُّفِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالْحَقِيقَةِ ، وَهِيَ الْعُمُومُ ( فَالْجَوَابُ قَدْ يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِ ) أَيْ الْخُصُوصِ بِاشْتِبَاهِ الْقَرَائِنِ ( وَالْمُزَاحَمَةِ ) أَيْ مُزَاحَمَةِ مَا يُوجِبُ الِاحْتِمَالَ ( فَيَلْزَمُ حُكْمُ الْمُجْمَلِ ) وَهُوَ التَّوَقُّفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِطَرِيقَةٍ ( وَهُوَ ) أَيْ التَّرَدُّدُ فِي الْخُصُوصِ ( ثَابِتٌ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ بِسَبَبِ مَا مِنْ عَامٍّ إلَّا وَقَدْ خُصَّ ) حَتَّى هَذَا ( وَجَوَابُهُ ) أَيْ الْإِجْمَالِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ دَلِيلِهِ الِاشْتِرَاكَ فِي كَوْنِهَا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ أَوْ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ ( بَطَلَ الِاشْتِرَاكُ وَالْوَقْفُ كَمَا تَقَدَّمَ ) فِي الْبَحْثِ الثَّانِي ( وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - الْمُوَفِّقُ )

( مَسْأَلَةُ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ) وَمِنْ نَاقِلِيهِ الْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ ( وَهُوَ ) أَيْ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ ( إمَّا لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ ) يُتَمَسَّكُ بِهِ ابْتِدَاءً مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخَصِّصٌ ( لِقَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ : إنَّهُ ) أَيْ قَوْلَ الصَّيْرَفِيِّ ( لَيْسَ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُقَلَاءِ بَلْ صَدَرَ عَنْ غَبَاوَةٍ وَعِنَادٍ ، وَإِمَّا لِتَأْوِيلِهِ ) أَيْ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ كَمَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الشِّيرَازِيُّ ( بِوُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَصِّصِ فَإِنْ ظَهَرَ ) الْمُخَصِّصُ ( تَغَيَّرَ ) اعْتِقَادُ الْعُمُومِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ ( اسْتَمَرَّ ) اعْتِقَادُ الْعُمُومِ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَقَدْ يُقَالُ الْفَرْقُ ) بَيْنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصِهِ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ قَبْلَهُ ( تَحَكُّمٌ ) لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ إنَّمَا هُوَ لِلْعَمَلِ فَإِيجَابُ اعْتِقَادِهِ يُوجِبُ إيجَابَ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يُفِيدُ هَذَا التَّأْوِيلُ رُجُوعَهُ إلَى الْإِجْمَاعِ ( وَكَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ ) وَهُوَ يَسْتَدِلُّ بِالْعَامِّ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمُخَصِّصُ ، وَابْنُ سُرَيْجٍ أَوْجَبَ طَلَبَهُ أَوَّلًا ( لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ التَّأْوِيلَ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ بِهَذَا ( قَوْلُ الْإِمَامِ وَمِثْلُهُ ) أَيْ الْعَامِّ فِي مَنْعِ الْعَمَلِ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ ( كُلُّ دَلِيلٍ يُمْكِنُ مُعَارَضَتُهُ ) أَيْ عَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِدَلِيلٍ مَا قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ وُجُودِ مُعَارِضٍ ( وَهَذَا لِأَنَّهُ ) أَيْ الدَّلِيلَ ( لَا يَتِمُّ دَلِيلًا ) مُوجِبًا لِلْعَمَلِ ( إلَّا بِشَرْطِ عَدَمِهِ ) أَيْ الْمُعَارِضِ ( فَيَلْزَمُ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّرْطِ ) وَهُوَ عَدَمُ الْمُعَارِضِ ( فِي الْحُكْمِ بِالْمَشْرُوطِ ) وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ ، وَهُنَا أُمُورٌ لَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِمَعْرِفَتِهَا فَلَا عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ قَالَ

الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ مَمْنُوعَةٌ فَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِالْخِلَافِ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ وَمَنْ يَطُولُ تَعْدَادُهُ ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ ا هـ وَقَدَحَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ فِيهِ أَيْضًا مَعَ مُخَالَفَةِ الصَّيْرَفِيِّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَصْرِهِ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ كَانَ قَبْلَهُ لَعَرَفَهُ فَلَمْ يُخَالِفْهُ لِأَنَّهُ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَمْ يُخَالِفْهُ مِنْ بَعْدِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْحَاكِي لَهُ لَكِنْ خَالَفَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ كَمُصَنِّفِي الْحَاصِلِ وَالتَّحْصِيلِ وَالْمِنْهَاجِ فَإِنَّهُمْ اخْتَارُوا جَوَازَ الْعَمَلِ بِهِ وَالتَّمَسُّكَ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخَصِّصٌ وَأَسْنَدُوا إيجَابَ طَلَبِهِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ ا هـ .
وَأَضَافَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيَّ وَابْنَ خَيْرَانِ وَالْقَفَّالَ الْكَبِيرَ ثُمَّ قَالَ : وَزَعَمَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرُفْقَتُهُ أَنَّ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَالَ : وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يَطْلُبُوا دَلِيلًا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْحَتْمِ وَغَيْرِهِ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ دَلِيلًا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مُوجَبِ اللَّفْظِ الْأَمْرُ الثَّانِي قَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا : وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ فِي الْحَالِ ، وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا نَقَلَهُ مَنْ ذَكَرْنَا ، وَاقْتَصَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي النَّقْلِ عَنْهُ عَلَى وُجُوبِ اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فِي الْحَالِ ا هـ فَانْتَفَى تَأْوِيلُ الْعَلَّامَةِ بِمَا عَلَيْهِ ثُمَّ إنَّ الْفَاضِلَ الْكَرْمَانِيَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الصَّيْرَفِيِّ : قُلْت وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي رِسَالَةِ الشَّافِعِيِّ ،

وَالْكَلَامُ إذَا كَانَ عَامًّا ظَاهِرًا كَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ حَتَّى يَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى ، وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيُّ : ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَذَكَرَ هَذَا بِعَيْنِهِ وَكَأَنَّ الْكَرْمَانِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ فَتَوَارَدَاهُ الْأَمْرُ الثَّالِثُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : مَثَارُ الْخِلَافِ التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ التَّخْصِيصَ مَانِعٌ أَوْ عَدَمَهُ شَرْطٌ فَالصَّيْرَفِيُّ يَقُولُ إنَّهُ مَانِعٌ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ مَا لَمْ يَنْهَضْ الْمَانِعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ عَدَمُهُ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ انْتَهَى وَالشَّأْنُ فِي التَّرْجِيحِ الْأَمْرُ الرَّابِعُ قَالَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا : وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَذَا كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ فَهِيَ طَرِيقَةُ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَيْهَا جَرَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَيْثُ قَالَ : وَهَكَذَا الْخِلَافُ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي لَفْظِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إذَا وَرَدَا مُطْلَقَيْنِ ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا وَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ ، وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَ سَمَاعِ الْعَامِّ الْبَحْثُ عَنْ الْخَاصِّ ؛ لِأَنَّ تَطَرُّقَ التَّخْصِيصِ إلَى الْعُمُومَاتِ أَكْثَرُ ، وَأَيَّدَهُ بِتَوْجِيهٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : وَمَنْ شَبَّهَ الْعَامَّ بِالْحَقِيقَةِ فَقَدْ أَتَى بِسَاقِطٍ مِنْ الْقَوْلِ الْأَمْرُ الْخَامِسُ : حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الِاتِّفَاقَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ لِتَأَكُّدِ انْتِفَاءِ احْتِمَالِ الْمُخَصِّصِ ثَمَّةَ ؛ لِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْعَامِّ إذْ ذَاكَ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فِيمَا وَرَدَ لِأَجْلِهِ مِنْ الْوَقَائِعِ وَهُوَ قَطْعِيُّ الدُّخُولِ عَنْ الْأَكْثَرِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ قَبْلَ الْعَمَلِ : ( وَالْخِلَافُ فِي قَدْرِ الْبَحْثِ ، وَالْأَكْثَرُ )

أَنَّهُ يَبْحَثُ ( إلَى أَنْ يَغْلِبَ ظَنُّ عَدَمِهِ ) أَيْ الْمُخَصِّصِ ( وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ إلَى الْقَطْعِ بِهِ ) أَيْ بِعَدَمِهِ ( لَنَا لَوْ شُرِطَ ) الْقَطْعُ بِهِ ( بَطَلَ ) الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ الْعُمُومَاتِ الْمَعْمُولِ بِهَا اتِّفَاقًا ؛ إذْ الْقَطْعُ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَالْغَايَةُ عَدَمُ الْوِجْدَانِ عِنْدَ الْبَحْثِ وَالنَّظَرِ ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ ( قَالُوا ) أَيْ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ ( إذَا كَثُرَ بَحْثُ الْمُجْتَهِدِ ) عَنْ الْمُخَصِّصِ ( وَلَمْ يَجِدْ قَضَتْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ أُجِيبَ بِالْمَنْعِ فَقَدْ يَجِدُ ) الْمُجْتَهِدُ الْمُخَصِّصَ ( بَعْدَ الْكَثْرَةِ ) أَيْ كَثْرَةِ بَحْثِهِ عَنْهُ وَحُكْمِهِ بِالْعُمُومِ ( ثُمَّ يَزِيدُ ) فِي الْبَحْثِ اسْتِظْهَارًا فِي أَمْرِهِ فَيَظْهَرُ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ ( فَيَرْجِعُ ) عَنْ الْحُكْمِ بِالْعُمُومِ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَقِفْ فِيمَا وَصَلَ النَّاظِرُ الْقَاصِرُ إلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى صَرِيحٍ لَهُمْ فِيهَا نَعَمْ أُصُولُهُمْ تُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الصَّيْرَفِيُّ وَلَا سِيَّمَا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُعْظَمُهُمْ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ مُوجِبَهُ قَطْعِيٌّ كَمُوجِبِ الْخَاصِّ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ - أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةُ صِيغَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ ) السَّالِمِ وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِهِ كَغَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ الْمُرَادَ ؛ لِأَنَّهُ اُخْتُصَّ فِي الْعُرْفِ بِهِ مِنْ إطْلَاقِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لُغَةً عَلَى نَحْوِ : قَوْمٌ قِيَامٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : الصِّيغَةُ الَّتِي يَصِحُّ إطْلَاقُهَا عَلَى الذُّكُورِ خَاصَّةً الْمَوْضُوعَةُ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لَهُمْ وَلِلْإِنَاثِ كَمَا سَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ ( وَنَحْوُ الْوَاوِ فِي فَعَلُوا ) وَيَفْعَلُونَ وَافْعَلُوا ( هَلْ يَشْمَلُ النِّسَاءَ وَضْعًا نَفَاهُ الْأَكْثَرُ إلَّا فِي تَغْلِيبٍ ) وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ( خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ ) وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ صِيغَةَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْمَوْضُوعَةَ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً كَالرِّجَالِ لَا تَتَنَاوَلُ النِّسَاءَ ، وَجَمْعُ الْمُؤَنَّثِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُذَكَّرَ كَالْإِنَاثِ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَأَنَّ الصِّيغَةَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الذُّكُورِ كَالنَّاسِ تَتَنَاوَلُهُمَا .
( لِلْأَكْثَرِ { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } ) إذْ لَوْ كَانَ مَدْلُولُ الْمُسْلِمَاتِ دَاخِلًا فِي مَدْلُولِ الْمُسْلِمِينَ لَمَا حَسُنَ هَذَا ؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارٌ بِلَا فَائِدَةٍ فَإِنْ قِيلَ : بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ وَهِيَ التَّنْصِيصُ وَالتَّأْكِيدُ ؛ كَعَطْفِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى عَلَى الصَّلَوَاتِ ، قُلْنَا : يُعَارِضُهَا فَائِدَةُ الِابْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ أَعْنِي التَّأْسِيسَ ثُمَّ تَقَدَّمَ عَلَى فَائِدَةِ التَّكْرَارِ كَمَا قَالَ : ( وَفَائِدَةُ الِابْتِدَاءِ أَوْلَى مِنْ النُّصُوصِيَّةِ بَعْدَ التَّنَاوُلِ ظَاهِرًا ) ؛ إذْ الْإِفَادَةُ خَيْرٌ مِنْ الْإِعَادَةِ ، وَلَا يُقَالُ : الْإِفَادَةُ بِطَرِيقِ النُّصُوصِيَّةِ دُونَ الظُّهُورِ تَأْسِيسٌ لَا تَأْكِيدٌ لِأَنَّا نَقُولُ : لَيْسَ هَذَا إلَّا تَقْوِيَةً لِمَدْلُولِ الْأَوَّلِ تَدْفَعُ تَوَهُّمَ التَّجَوُّزِ وَعَدَمِ الشُّمُولِ وَهُوَ مَعْنَى التَّأْكِيدِ ( وَسَبَبُهُ ) أَيْ وَلِلْأَكْثَرِ أَيْضًا سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ( وَهُوَ { قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ مَا نَرَى

اللَّهَ ذَكَرَ إلَّا الرِّجَالَ } فَأُنْزِلَتْ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أُمِّ عِمَارَةَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ) إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ وَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَهُ .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ { عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ قَالَتْ فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ ذَاتَ يَوْمٍ إلَّا وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيُّهَا النَّاسُ قَالَتْ : وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي فَلَفَفْت شَعْرِي ثُمَّ دَنَوْت مِنْ الْبَابِ فَجَعَلْت سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْته يَقُولُ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - يَقُولُ { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } } هَذِهِ الْآيَةَ بَلْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَوَّلَهُ هَكَذَا انْتَهَى وَلَا ذِكْرَ لَهُ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ عُمَارَةَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ نَعَمْ هُوَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِهَا بِلَفْظِ { أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ مَا أَرَى كُلَّ شَيْءٍ إلَّا لِلرِّجَالِ ، وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } } الْآيَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ مُرْسَلًا ، وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ يَعْنِي الرَّاوِيَ لَهُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مَرْفُوعًا وَذَكَرَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ سَأَلَتْ أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ نَحْوَ سُؤَالِ أُمِّ عُمَارَةَ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا ضَيْرَ فَإِنَّ الْحَاصِلَ أَنَّهُنَّ نَفَيْنَ ذِكْرَهُنَّ مُطْلَقًا ( فَقَرَّرَ ) النَّبِيُّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( النَّفْيَ ) وَلَوْ كُنَّ دَاخِلَاتٍ لَمْ يُصَدِّقْ نَفْيَهُنَّ وَلَمْ يُقْرِرْهُنَّ عَلَيْهِ بَلْ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ ( وَهُنَّ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ ) نَعَمْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ { دَخَلَ نِسَاءٌ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ قَدْ ذَكَرَكُنَّ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَمْ نُذْكَرْ بِشَيْءٍ أَمَا فِينَا مَا يُذْكَرُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - تَعَالَى { إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } } الْآيَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْهُ نَحْوَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَقَدَّمَ رَاجِحًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعَكِّرٌ لِلْمَطْلُوبِ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ .
( قَالُوا ) أَيْ الْحَنَابِلَةُ ( صَحَّ ) إطْلَاقَهُ ( لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ ) ك : { اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا } خِطَابًا لِآدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ ( كَمَا لِلْمُذَكَّرِ فَقَطْ ، وَالْأَصْلُ ) فِي الْإِطْلَاقِ ( الْحَقِيقَةُ أُجِيبَ يَلْزَمُ الِاشْتِرَاكُ ) اللَّفْظِيُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ( وَالْمَجَازُ خَيْرٌ ) مِنْهُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ أَنَّهُ لِلرِّجَالِ وَحْدَهُمْ حَقِيقَةً بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكُلِّ ( وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ ) ، وَهُوَ ابْنُ الْحَاجِبِ ( مَنْ يُورِدُ دَلِيلَهُمْ ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ ( هَكَذَا الْمَعْرُوفُ ) مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ ( تَغْلِيبُ الذُّكُورِ ) عَلَى الْإِنَاثِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا بِاتِّفَاقٍ ، وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِدُخُولِ النِّسَاءِ فِيهِ ( وَيُجِيبُ بِكَوْنِهِ إذًا مَجَازًا وَأَنَّهُ خَيْرٌ إلَى آخِرِهِ وَهُوَ ) أَيْ إيرَادُ دَلِيلِهِمْ هَكَذَا ( بَعِيدٌ ) مِنْهُمْ ( إذْ اعْتِرَافُهُمْ بِالتَّغْلِيبِ اعْتِرَافٌ بِالْمَجَازِ ) لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ ( وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ) مِنْ إيرَادِ دَلِيلِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، وَمِنْ إيرَادِهِ عَلَى مَا قَالَهُ هَذَا الْمُحَقِّقُ ( فَالِانْفِصَالُ ) عَنْ دَلِيلِهِمْ ( بِكَوْنِ الْمَجَازِ خَيْرًا إنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِيِّ وَيُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُمْ الْمَعْنَوِيَّ أَيْ هُوَ ) أَيْ

جَمْعُ الْمُذَكَّرِ ( لِلْأَحَدِ الدَّائِرِ فِي عُقَلَاءِ الْمُذَكَّرِينَ مُنْفَرِدِينَ أَوْ مَعَ الْإِنَاثِ فَلَا يَتِمُّ ) الِانْفِصَالُ الْمَذْكُورُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَوِيَّ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ ( وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ لِلْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ ( شُمُولُ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِالصِّيغَةِ ) لَهُنَّ أَيْضًا كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } وَقَوْلِهِ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } ( فَإِنْ قِيلَ ) شُمُولُهَا لَهُنَّ ( بِخَارِجٍ ) كَالْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ { إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ } وَالْإِجْمَاعُ ( مَنَعَ ) كَوْنَ شُمُولِهَا لَهُنَّ بِخَارِجٍ ؛ إذْ لَا مُعَيِّنَ لِذَلِكَ ( فَإِنْ اُسْتُدِلَّ بِعَدَمِ دُخُولِهِنَّ فِي الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِمَا ) كَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } ( لِعَدَمِهِ ) أَيْ دُخُولِهِنَّ فِي أَحْكَامٍ أُخَرَ حَتَّى إنَّهُ يَحْتَاجُ ثُبُوتُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَنَحْوِهَا فِي حَقِّهِنَّ إلَى دَلِيلٍ غَيْرِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ ( فَقَدْ يُقَالُ بَلْ ذَلِكَ ) أَيْ عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ ( بِخَارِجٍ ) عَنْهَا .
( وَهُوَ ) أَيْ عَدَمُ دُخُولِهِنَّ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بِخَارِجٍ ( أَوْلَى مِنْ دُخُولِهِنَّ ) فِيمَا دَخَلْنَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ ( بِهِ ) أَيْ بِخَارِجٍ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ عَدَمَ دُخُولِهِنَّ الْمَذْكُورِ ( أَقَلُّ ) مِنْ دُخُولِهِنَّ الْمَذْكُورِ ( وَإِسْنَادُ الْأَقَلِّ إلَى الْخَارِجِ أَوْلَى ) مِنْ إسْنَادِ الْأَكْثَرِ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْلِيلِ خِلَافِ الظَّاهِرِ ( خُصُوصًا بَعْدَ تَرْجِيحِ الْمَعْنَوِيِّ ) عَلَى اللَّفْظِيِّ

وَالْمَجَازِ .
ثُمَّ الْخَارِجُ الْمُخْرِجُ لَهُنَّ مِنْ الْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ وَحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ الْإِجْمَاعُ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً : مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ { عَنْ عَائِشَةَ اسْتَأْذَنْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ } وَمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ عَنْهَا { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ ( وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ كَوْنِ جَمْعِ الْوَاحِدِ الْمَعْنَوِيَّ ( إلَى الِاسْتِدْلَالِ ) لِدُخُولِهِنَّ حَقِيقَةً ( بِالْإِيصَاءِ لِنِسَاءٍ وَرِجَالٍ ) بِشَيْءٍ ( ثُمَّ قَوْلِهِ أَوْصَيْت لَهُمْ ) بِكَذَا حَيْثُ يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي لَهُمْ ثُمَّ يُدْفَعُ بِأَنَّ تَقَدُّمَ الْجَمْعَيْنِ الْخَاصَّيْنِ قَرِينَةُ إرَادَةِ الْكُلِّ مَجَازًا كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَوِيِّ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِينَ تَرَجَّحَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ ( فَقَوْلُهَا ) أَيْ أُمِّ سَلَمَةَ نَقْلًا عَنْهُنَّ بِنَاءً عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَا مَعْنَاهُ ( مَا نَرَى اللَّهَ ذَكَرَهُنَّ ) فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِنَّ مَا ذَكَرَ إلَّا الرِّجَالَ ( أَيْ ) مَا ذَكَرَهُنَّ ( بِاسْتِقْلَالٍ ) وَقَوْلُهَا نَفْسِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مَا لَنَا لَا نُذْكَرُ أَيْ مُسْتَقِلَّاتٍ ، وَقَوْلُ أُمِّ عُمَارَةَ وَمَا أَرَى النِّسَاءَ يُذْكَرْنَ بِشَيْءٍ أَيْ مُسْتَقِلَّاتٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ( وَلَا يَخْفَى عَدَمُ تَحَقُّقِ الْخِلَافِ فِي نَحْوِ : زَيْدُونَ ) لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً .
وَهَذَا مَا تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ ( إلَّا بِفَرْضِ امْرَأَةٍ مُسَمَّاةٍ

بِزَيْدٍ ) فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِهِ بِحَسَبِ الْمَادَّةِ بِالذُّكُورِ ( وَأَمَّا أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ كَ : مُسْلِمُونَ فَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ ) لِلْأَكْثَرِ ( لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ الْمُذَكَّرِ وَالْجَمْعُ لِتَضْعِيفِ الْوَاحِدِ وَهُوَ مُسْلِمٌ ) وَمُسْلِمٌ غَيْرُ مُسْلِمَةٍ ( وَلَهُمْ ) أَيْ الْحَنَابِلَةِ ( دَفْعُهُ ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ( بِأَنَّ الْجَمْعَ لِلتَّضْعِيفِ ) لِلْوَاحِدِ ( لَكِنَّ الْكَلَامَ فِي كَوْنِهِ ) أَيْ الْوَاحِدِ الْمُضَعَّفِ ( الْوَاحِدَ الْمُذَكَّرَ لَيْسَ غَيْرُ ) أَوْ وَالْمُؤَنَّثَ أَيْضًا ( وَتَسْمِيَتُهُ ) أَيْ هَذَا الْجَمْعِ ( بِجَمْعِ الْمُذَكَّرِ اصْطِلَاحٌ ) لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَا لِلْعَرَبِ فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : لَوْ كَانَ مُسْلِمُونَ جَمْعًا لِمُسْلِمَةٍ أَيْضًا لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ فِيهِ الْوَاحِدُ فَلَمْ يَكُنْ جَمْعَ تَصْحِيحٍ ثُمَّ يُقَالُ اسْتِبْعَادًا ( فَأَيْنَ تَذْهَبُ التَّاءُ فِي مُسْلِمَةٍ الَّتِي هِيَ مِنْ آحَادِهِ قِيلَ مَذْهَبُهَا فِي صَوَاحِبَ أَوْ طَلَحُونَ عَلَى رَأْيِ أَئِمَّةِ الْكُوفَةِ ) وَابْنِ كَيْسَانَ إلَّا أَنَّهُ فَتَحَ اللَّامَ فِي طَلَحُونَ قِيَاسًا عَلَى أَرَضُونَ ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْبَصْرِيُّونَ ، وَقَالُوا : إنَّمَا يُجْمَعُ عَلَى طَلْحَاتٍ كَمَا هُوَ الْمَسْمُوعُ وَالْحَرْفُ أَنَّ الْخُلُوَّ مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ الْمُغَايِرَةِ لِمَا فِي عِدَةٍ وَثُبَةٍ عَلَمَيْنِ شَرْطٌ لِهَذَا الْجَمْعِ فَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ : نَعَمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا ثُمَّ قَدْ عَرَفْت مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا ذَهَبَتْ مَذْهَبَهَا فِي طَلَحُونَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَمْعُ تَصْحِيحٍ بِخِلَافِ صَوَاحِبَ .
( وَالْوَجْهُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِتَسْمِيَةِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ مِنْ كُلِّ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ اسْتِدْلَالٌ بِإِجْمَاعِهِمْ ) عَلَى ذَلِكَ فَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ ( وَإِلَّا لَقَالُوا : جَمْعُ الْمُخْتَلِطِ ) لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَذَلِكَ ( وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْلِيبِ فِي التَّسْمِيَةِ بَلْ ) كَانَ ( يَجِبُ ) أَنْ يَقُولُوا : جَمْعُ الْمُخْتَلِطِ ( دَفْعًا لِمُوهِمٍ فَحَيْثُ

قَالُوهُ ) أَيْ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ ( كَانَ ) هَذَا الْجَمْعُ ( ظَاهِرًا فِي الْخُصُوصِ ) بِالذُّكُورِ ( وَيُدْفَعُ ) هَذَا بِأَنَّهُ ( لَمَّا لَزِمَهُ ) أَيْ لَفْظَ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ ( الذُّكُورُ حَيْثُ كَانَ ) جَمْعُ الذُّكُورِ ( لِلْأَعَمِّ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ الذُّكُورِ ( مُنْفَرِدِينَ أَوْ مُخْتَلِطِينَ كَانَ نِسْبَتُهُ ) أَيْ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ ( إلَيْهِمْ ) أَيْ الذُّكُورِ ( أَوْلَى مِنْ الْمُخْتَلِطِ ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الِاخْتِلَاطَ هَذَا الْجَمْعُ ( وَحِينَئِذٍ ) أَيْ وَحِينَ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( تَرَجَّحَ الْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ ) أَيْضًا ، وَفِي الْبَدِيعِ : وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَابِلَةُ يَدْخُلْنَ تَبَعًا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْقَوْلِ بِتَنَاوُلِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْإِنَاثَ ( فُرِّعَ أَمِّنُونِي عَلَى بَنِيَّ تَدْخُلُ بَنَاتُهُ ) ثُمَّ كَرَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ الْحَنَابِلَةِ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ الْأَكْثَرِ فَقَالَ ( وَالْأَظْهَرُ خُصُوصُهُ ) أَيْ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ بِالذُّكُورِ ( لِتَبَادُرِ خُصُوصِهِمْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ) مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ، وَالتَّبَادُرُ عِنْدَهُ بِدُونِهَا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَقِيقَةِ ( وَدُخُولُ الْبَنَاتِ ) فِي الْأَمَانِ عَلَى الْبَنِينَ ( لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْأَمَانِ حَيْثُ كَانَ مِمَّا تَصِحُّ إرَادَتُهُ ) أَيْ الْأَمَانِ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْأَمَانِ عَلَيْهِمْ تَبَعًا حَقْنًا لِلدَّمِ أَوْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ فِي الْبَنِينَ بِالْأَوْلَادِ .

( مَسْأَلَةٌ هَلْ الْمُشْتَرَكُ عَامٌّ اسْتِغْرَاقِيٌّ فِي مَفَاهِيمِهِ فَالْحُكْمُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْهَا ) أَيْ مَفَاهِيمِهِ ( لَا الْمَجْمُوعِ ) مِنْهَا مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ بِحَيْثُ لَا يُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْ مَعَانِيهِ مَنَاطُ الْحُكْمِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُلِّ الْإِفْرَادِيِّ وَالْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِفْرَادِيَّ جُزْءٌ مِنْ الْمَجْمُوعِيِّ ، وَمِنْ ثَمَّةَ يَصِحُّ : كُلُّ وَاحِدٍ يُشْبِعُهُ رَغِيفٌ بِالْمَعْنَى الْإِفْرَادِيِّ دُونَ الْمَجْمُوعِيِّ ، وَلَا يَصِحُّ : كُلُّ وَاحِدٍ يَحْمِلُ هَذَا الْحَجَرَ الْعَظِيمَ بِالْمَعْنَى الْإِفْرَادِيِّ دُونَ الْمَجْمُوعِيِّ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ حَقِيقَةً وَلَا فِي جَوَازِهِ مَجَازًا إنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ ، وَلَا فِي صِحَّةِ إرَادَةِ كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ بِأَنْ يُطْلَقَ تَارَةً وَيُرَادَ مَعْنًى مِنْ مَعَانِيهِ وَيُطْلَقَ تَارَةً وَيُرَادَ مَعْنًى غَيْرُ ذَاكَ ، وَلَا فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً وَلَا فِي صِحَّةِ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَحَدُ مَعَانِيهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَهُوَ مَا لَا يَتَجَاوَزُهَا ، وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَقَالَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ : حَقِيقَةٌ ، وَقَالَ آخَرُونَ مَجَازٌ ( فَعَنْ الشَّافِعِيِّ نَعَمْ ) أَيْ يَجُوزُ حَقِيقَةً نَقَلَهُ أَمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْآمِدِيُّ ( وَالْحَنَفِيَّةُ لَا ) يَجُوزُ حَقِيقَةً ( وَلَا مَجَازًا ) وَوَافَقَهُمْ الْبَصْرِيَّانِ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو هَاشِمٍ وَغَيْرُهُمْ ( فَقِيلَ ) : عَدَمُ الْجَوَازِ ( لُغَةً كَالْغَزَالِيِّ ) وَأَبِي الْحُسَيْنِ وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ لَا عَقْلًا ( وَقِيلَ ) : عَدَمُ الْجَوَازِ ( عَقْلًا ) وَهُوَ مُخْتَارُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( الْآمِدِيُّ يَصِحُّ مَجَازًا ) وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ فَلَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا ا هـ نَعَمْ ذَهَبَ إلَى هَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ( وَقِيلَ ) يَصِحُّ ( فِي النَّفْيِ

فَقَطْ حَقِيقَةً وَعَلَيْهِ ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ ( فَرَّعَ فِي وَصَايَا الْهِدَايَةِ ) فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرَ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ ؛ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ فَلَا تَنَافِيَ فِيهِ ( وَفِي الْمَبْسُوطِ : حَلَفَ لَا أُكَلِّمُ مَوْلَاك وَلَهُ أَعْلَوْنَ وَأَسْفَلُونَ أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ فِي النَّفْيِ يَعُمُّ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ ( وَالْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةِ ) عَلَى مَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي الْبَدِيعِ ، وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ ( يَصِحُّ حَقِيقَةً ) وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ ، وَتَكُونُ لِلْفَرِيقَيْنِ لِأَنَّ الِاسْمَ يَنْتَظِمُهُمَا وَمَا فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلسُّبْكِيِّ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ أَعْلَى وَمَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ ( فَإِنْ ) كَانَتْ صِحَّةُ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً ( لِلْعُمُومِ ) أَيْ لِعُمُومِهِ فِي مَفَاهِيمِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ ذِكْرِ الْبَدِيعِ إيَّاهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ ( فَكَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ ) بَلْ هُوَ هُوَ فَيَكُونُ الْعَامُّ عَلَى قَوْلِهِمْ قِسْمَيْنِ مُتَّفِقَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ عُمُومُ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ وَمُخْتَلِفَ الْحَقِيقَةِ ، وَهُوَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ ( أَوْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي كُلِّهَا ) أَيْ مَفَاهِيمِهِ ( وَكُلٍّ مِنْهَا ) أَيْ مَفَاهِيمِهِ أَيْ لِوَضْعِهِ لِمَجْمُوعِهَا وَلِكُلٍّ مِنْهَا أَيْضًا وَعَلَى هَذَا مَشَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ ( أَوْ لَيْسَ ) الْمُشْتَرَكُ ( كَذَلِكَ ) أَيْ مُشْتَرَكًا فِي الْكُلِّ وَكُلٍّ مِنْ الْمَفَاهِيمِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِكُلٍّ مِنْهَا لَا غَيْرُ لَا لِلْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ

مَجْمُوعٌ لِعَدَمِ النِّزَاعِ فِي عَدَمِ جَوَازِهِ حَقِيقَةً كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ ( فَمُبَايِنٌ لَهُ ) أَيْ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ هَذَا عَيْنُ الْأَوَّلِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا مُجْمَلٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَنْ وَافَقَهُ ظَاهِرٌ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ( فَلَيْسَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَخَصَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي ( كَمَا قِيلَ ) قَالَهُ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ ( وَلِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ ( حَقِيقَةٌ ) فِي كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ ( يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا ) أَيْ بِحَقِيقَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَعَانِيهِ ( إلَى الْقَرِينَةِ ) الْمُعَيِّنَةِ لَهُ لِإِجْمَالِهِ فِي مَعَانِيهِ ( وَمَذْهَبُهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( لَا يَتَوَقَّفُ ) السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ لِظُهُورِهِ فِي مَعَانِيهِ ( وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْمَجْمُوعُ ) مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ إنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ الْقَاضِي أَوْ مِنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً لَا يَتَوَقَّفُ السَّامِعُ فِي الْمُرَادِ بِهَا إلَى الْقَرِينَةِ إنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ ( لَا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ حَقِيقَةً ، وَوُجُودُ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي ( هُوَ صِحَّةُ إطْلَاقِهِ عَلَيْهِمَا لَا يُوجِبُ الْأَخَصِّيَّةَ ) لِأَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِ ( كَكُلِّ مُتَبَايِنَيْنِ تَحْتَ جِنْسٍ ) كَالْإِنْسَانِ وَالْفَرَسِ الْمُنْدَرِجَيْنِ تَحْتَ الْحَيَوَانِ ( وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُعَمَّمُ احْتِيَاطًا ) نَقَلَهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ ( وَهُوَ أَوْجَهُ النَّقْلَيْنِ عَنْهُ ) أَيْ الشَّافِعِيِّ ( لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ عُمُومَ الْمُشْتَرَكِ ( حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا ( فَظُهُورُهُ ) أَيْ عُمُومِهِ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ كُلٍّ مِنْ مَعَانِيهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ الْإِفْرَادِيِّ لَهَا ( فَرْعُ كَوْنِهِ ) أَيْ عُمُومِهِ ( حَقِيقَةً فِيهِ ) أَيْ فِي الْكُلِّ ( أَيْضًا وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُ عُمُومِهِ حَقِيقَةً فِي

الْكُلِّ ( بِوَضْعِهِ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لَهُ ) أَيْ لِلْكُلِّ ( أَيْضًا فَلَزِمَ ) كَوْنُ الْكُلِّ مَدْلُولًا لِلْمُشْتَرَكِ ( مَفْهُومًا آخَرَ ) لَهُ أَيْضًا فَإِذَا هُوَ مُجْمَلٌ إلَّا أَنَّهُ كَمَا قَالَ ( فَتَعْمِيمُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( اسْتِعْمَالٌ فِي أَحَدِ مَفَاهِيمِهِ ) وَهُوَ الْكُلُّ ( لِأَنَّ فِيهِ ) أَيْ اسْتِعْمَالِهِ فِي هَذَا ( الِاحْتِيَاطَ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ ؛ لِأَنَّ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا أَصْلًا تَعْطِيلُهُ وَفِي الْحَمْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ ( جَعَلَهُ ) أَيْ الشَّافِعِيُّ الِاحْتِيَاطَ ( كَالْقَرِينَةِ ) لِكَوْنِ الْكُلِّ هُوَ الْمُرَادُ فَقَالَ بِهِ السُّبْكِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي أَيْضًا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مُجْمَلًا أَوْ عَامًّا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ إلَّا مِنْ أَعْلَى أَوْ مِنْ أَسْفَلَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَالْوَقْفُ عَلَيْهِ قَالَ وَالِدُهُ : هَذَا إنْ جَعَلْنَاهُ مُجْمَلًا فَإِنَّ انْحِصَارَ الْأَمْرِ فِي إحْدَى الْجِهَتَيْنِ يَكُونُ قَرِينَةً ، وَأَمَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ عَامٌّ أَوْ كَالْعَامِّ فَإِذَا حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَوَالٍ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ ثُمَّ حَدَثَ آخَرُ يُشَارِكُهُمْ ا هـ .
( وَالْجَمْعُ كَالْوَاحِدِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ ) أَيْ وَجَمْعُ الْمُشْتَرَكِ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ كَالْعُيُونِ لِلْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَعَانِي الْعَيْنِ كَالْمُفْرَدِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَوَازِ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعَانِيهِ دَفْعَةً ، وَعَدَمُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ فَمَنْ أَجَازَ فِي الْمُفْرَدِ ذَلِكَ أَجَازَ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِهَا كَذَلِكَ ، وَمَنْ مَنَعَ فِي الْمُفْرَدِ ذَلِكَ مَنَعَ جَمْعَهُ بِاعْتِبَارِهَا كَذَلِكَ ، وَمَنْ فَصَلَ ثَمَّةَ فَصَلَ هُنَا ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الِاسْمِ جَمْعُ مَا اقْتَضَاهُ فَإِنْ كَانَ الِاسْمُ مُتَنَاوِلًا لِمَعَانِيهِ كَانَ الْجَمْعُ كَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُفِيدُ سِوَى أَحَدِ مَعَانِيهِ فَكَذَا جَمْعُهُ ( وَأَجَازَهُ ) أَيْ جَمْعَهُ

بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ ( آخَرُونَ مَعَ مَنْعِهِ ) أَيْ إطْلَاقِهِ عَلَى مَعَانِيهِ دَفْعَةً ( فِي الْمُفْرَدِ لِأَنَّهُ ) أَيْ الْجَمْعَ ( فِي قُوَّةِ الْمُتَعَدِّدِ بِالْعَطْفِ ) فَكَأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ كُلُّ مُفْرَدٍ فِي مَعْنًى وَقَدْ يُجَابُ بِالْمَنْعِ أَوَّلًا ، وَبِأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّهُ تَعْدِيدُ الْأَفْرَادِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ تَعْدِيدُ أَفْرَادِ نَوْعٍ وَاحِدٍ بِشَهَادَةِ الِاسْتِقْرَاءِ ثَانِيًا ، وَمِنْ هَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ جَوَازِهِ قِيَاسًا عَلَى الْعِلْمِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِلُزُومِ اللَّبْسِ عَلَى تَقْدِيرِهِ دُونَ الْعِلْمِ ، وَالتَّثْنِيَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْجَمْعِ ثُمَّ لِلنَّحْوِيَّيْنِ فِيهِمَا مَذْهَبَانِ الْجَوَازُ ، وَعَلَيْهِ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَالِكٍ وَعَلَيْهِ قَوْلُ الشَّاعِرِ عَيْنَانِ إحْدَاهُمَا عَارَتْ وَثَانِيَةٌ غَارَتْ فَدَمْعَى عَلَى الْعَيْنَيْنِ مَسْكُوبُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا الْجَارِحَةُ وَهِيَ الَّتِي عَارَتْ بِالْمُهْمَلَةِ وَعَيْنُ الْمَاءِ وَهِيَ الَّتِي غَارَتْ بِالْمُعْجَمَةِ وَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا ، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى } وَالْمَنْعُ ، قَالَ أَبُو حَيَّانَ : وَهُوَ الْمَشْهُورُ ( وَشَرْطُ تَعْمِيمِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ فِي مُفَاهَمِيهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُفْرَدًا أَوْ مُثَنًّى أَوْ مَجْمُوعًا ( إمْكَانُ الْجَمْعِ ) بَيْنَهُمَا فَلَا تُعَمَّمُ صِيغَةُ افْعَلْ عَلَى أَنَّهَا حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالتَّهْدِيدِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يَقْتَضِي الْفِعْلَ ، وَالتَّهْدِيدُ يَقْتَضِي التَّرْكَ ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَى مَنْعِهِ ) أَيْ التَّعْمِيمِ ( فِي الْمَجْمُوعِ ) مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ ، وَأَشَارَ إلَى مَا أَسْلَفْنَا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحَلِّ النِّزَاعِ بِقَوْلِهِ ( فَلَا يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ إلَّا بِهِ ) أَيْ بِالْمَجْمُوعِ عَلَى تَقْدِيرِ جَرَيَانِهِ فِيهِ ( عَلَى خِلَافِ الْعَامِّ ) فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ

فِيهِ بِكُلٍّ مِنْ أَفْرَادِهِ ( وَ ) الِاتِّفَاقُ أَيْضًا ( عَلَى مَنْعِ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي مَفْهُومَيْهِ ( حَقِيقَةً ) فِي أَحَدِهِمَا ( وَمَجَازًا ) فِي الْآخَرِ ( لَنَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا ) أَيْ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا فِي مَعْنَيَيْنِ عَلَى الْبَدَلِ ( حَتَّى تَبَادَرَ طَلَبُ الْمُعَيِّنِ ) لِأَحَدِهِمَا ( وَهُوَ ) أَيْ طَلَبُ الْمُعَيِّنِ ( مُوجِبُ الْحُكْمِ بِأَنَّ شَرْطَ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( لُغَةً كَوْنُهُ فِي أَحَدِهِمَا ) أَيْ مَعْنَيَيْهِ ( فَانْتَفَى ظُهُورُهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ مَعْنَيَيْهِ مَعًا ( وَمَنْعُ سَبْقِ ذَلِكَ ) أَيْ إرَادَةِ أَحَدِهِمَا لَا بِخُصُوصِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ ( مُكَابَرَةٌ تَضْمَحِلُّ بِالْقَرْضِ ) عَلَى أَهْلِ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ فَيُسْأَلُونَ أَيَّ شَيْءٍ يَفْهَمُونَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُ عَيْنٍ ؟ هَلْ يَفْهَمُونَ إرَادَةَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَكَذَا وَكَذَا ؟ أَوْ يَفْهَمُونَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَرَادَ أَحَدَهَا وَيَتَوَقَّفُونَ فِي تَعْيِينِهِ إلَى أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ( وَإِلْزَامُ كَوْنِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا ) لَا لَفْظِيًّا عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ التَّفْتَازَانِيِّ أَيْضًا ( مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ اللَّفْظِيَّ ( مَا ) أَيْ اللَّفْظُ الَّذِي ( تَعَدَّدَتْ أَوْضَاعُهُ لِلْمَفَاهِيمِ ) وَهَذَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَعْنَوِيِّ ( وَشَرْطُ كَوْنِ اسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( فِي الْإِثْبَاتِ فِي بَعْضِهَا ) أَيْ بِحَيْثُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْإِثْبَاتِ فِي بَعْضِ الْمَفَاهِيمِ ( كَالْمَعْنَوِيِّ لِلْأَفْرَادِ فَلَزِمَ فِيهِمَا ) أَيْ الْمَعْنَوِيِّ وَاللَّفْظِيِّ ( تَبَادُرُ الْأَحَدِ وَالتَّوَقُّفُ إلَى الْمُعَيِّنِ فَاشْتَرَكَا ) أَيْ الْمَعْنَوِيُّ وَاللَّفْظِيُّ ( فِي لَازِمٍ ) هُوَ التَّبَادُرُ وَالتَّوَقُّفُ الْمَذْكُورَانِ ( مَعَ تَبَايُنِ الْحَقِيقَتَيْنِ ) أَيْ حَقِيقَتَيْهِمَا فَلَا يُسْتَدَلُّ

بِهَذَا اللَّازِمِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَعَمَّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ بِخُصُوصِهِ ( وَأَيْضًا اتِّفَاقُ الْمَانِعِينَ لِوُجُودِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( عَلَى تَعْلِيلِهِ ) أَيْ الْمَنْعِ لِوُجُودِهِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ ( مُخِلٌّ بِالْفَهْمِ وَالْمُجِيبِينَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَالَ مِمَّا يُقْصَدُ اتِّفَاقُ الْكُلِّ عَلَى نَفْيِ ظُهُورِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( فِي الْكُلِّ ) أَيْ فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا ( وَأَيْضًا لَوْ عَمَّ ) الْمُشْتَرَكُ فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا ( كَانَ مَجَازًا ) فِي أَحَدِهِمَا ( لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا ( عَامٌّ مَخْصُوصٌ لَا يُقَالُ ذَلِكَ ) أَيْ إنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا فِي أَحَدِهِمَا إذَا عَمَّ فِيهِمَا ( لَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهُ ) أَيْ لِأَحَدِهِمَا أَيْضًا ( لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِأَحَدِهِمَا ( مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ ) لِوَضْعِهِ لِلْكُلِّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ ( فَيَلْزَمُ التَّوَقُّفُ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ ( إلَى الْقَرِينَةِ ) الْمُعَيِّنَةِ لِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا ( فَلَا يَكُونُ ) الْمُشْتَرَكُ ( ظَاهِرًا فِي الْكُلِّ ) كَمَا عَنْ الشَّافِعِيِّ ( فَلَوْ عَمَّ ) الْمُشْتَرَكُ ( فَلِغَيْرِهِ ) أَيْ فَلِغَيْرِ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِلْعُمُومِ ( كَمَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ) أَيْ عُمُومَهُ ( احْتِيَاطٌ لِلْعِلْمِ ) أَيْ لِيَقَعَ الْعِلْمُ ( بِفِعْلِ الْمُرَادِ ) أَيْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُشْتَرَكِ ( قُلْنَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْكُلِّ لِلِاحْتِيَاطِ ( إلَّا بِالْعِلْمِ بِشَرْعِ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ ) إذْ الْمَشْرُوعُ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ لَا لِلْكُلِّ ( وَهُوَ ) أَيْ شَرْعُ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ ( حَرَامٌ ، وَالتَّوَقُّفُ إلَى ظُهُورِ الْمُرَادِ الْإِجْمَالِيِّ وَاجِبٌ ) فَبَطَلَ كَوْنُهُ عَامًّا فِي مَعْنَيَيْهِ فَصَاعِدًا حَقِيقَةً ( وَأَمَّا بُطْلَانُهُ ) أَيْ عُمُومِهِ فِي مَعَانِيهِ ( مَجَازًا فَلِعَدَمِ الْعَلَاقَةِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَدِ مُعَانِيهِ الَّذِي هُوَ

الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهُ وَالْمَجَازُ لَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ عَلَاقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ ، فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ عَدَمَهَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ اسْمِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ( وَالْجُزْءُ فِي الْكُلِّ مَشْرُوطٌ بِالتَّرَكُّبِ الْحَقِيقِيِّ ، وَكَوْنُهُ إذَا انْتَفَى الْجُزْءُ انْتَفَى الِاسْمُ عَنْ الْكُلِّ عُرْفًا كَالرَّقَبَةِ عَلَى الْكُلِّ ) أَيْ كَإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ ( بِخِلَافِ الظُّفُرِ ) أَيْ إطْلَاقِهِ أَوْ الْأُصْبُعِ عَلَى الْإِنْسَانِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَفِي الْإِنْسَانُ عُرْفًا بِانْتِفَاءِ الظُّفُرِ أَوْ الْأُصْبُعِ ( وَنَحْوِ الْأَرْضِ لِمَجْمُوعِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أَيْ وَبِخِلَافِ إطْلَاقِهَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا قَائِلَ بِصِحَّتِهِ لِعَدَمِ التَّرَكُّبِ الْحَقِيقِيِّ ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ تَعْمِيمَ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ ( لَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ إطْلَاقِ الْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الْمُشْتَرَكَ ( لَمْ يُوضَعْ لِمَجْمُوعِهَا ) أَيْ الْمَفَاهِيمِ ( لِيَكُونَ كُلُّ مَفْهُومٍ جُزْءَ مَا وُضِعَ ) الْمُشْتَرَكُ ( لَهُ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِ الْمَجَازِ ) أَيْ أَنَّهُ يَعُمُّ فِي مَفَاهِيمِهِ مَجَازًا لِانْتِفَاءِ الْوَضْعِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْمَجَازِ ( وَأَمَّا صِحَّتُهُ ) أَيْ عُمُومِهِ حَقِيقَةً ( فِي النَّفْيِ ) كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ ( فَإِنَّ الْمَنْفِيَّ مَا يُسَمَّى بِاللَّفْظِ ) فَيَتَنَاوَلُ سَائِرَ مُسَمَّيَاتِهِ لَكِنَّ الْفَاضِلَ الْأَبْهَرِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ هَذَا وَمَجَازِيَّتِهِ كَمَا يُؤَوَّلُ الْعِلْمُ بِمَا يُسَمَّى بِهِ وَهُوَ الْأَشْبَهُ فِيمَا يُظْهِرُ ( الْمُصَحِّحُونَ حَقِيقِيَّةَ وَضْعِ الْكُلِّ ) مِنْ الْمَفَاهِيمِ ( فَإِذَا قُصِدَ الْكُلُّ ) أَيْ جَمِيعُهَا بِهِ ( كَانَ ) مُسْتَعْمَلًا لَهُ ( فِيمَا وُضِعَ لَهُ قُلْنَا : اسْمُ الْحَقِيقَةِ ) إنَّمَا يَثْبُتُ لِلَّفْظِ ( بِالِاسْتِعْمَالِ لَا بِالْوَضْعِ فَإِذَا شُرِطَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَدَمُ الْجَمْعِ ) بَيْنَ مَفَاهِيمِهِ فِي الْإِرَادَةِ مِنْهُ دَفْعَةً لُغَةً ( امْتَنَعَ )

اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَمِيعِ ( لُغَةً فَلَوْ اُسْتُعْمِلَ ) فِي الْجَمِيعِ ( كَانَ خَطَأً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ حَقِيقَةً ) فِيهِ وَحِينَئِذٍ ( فَيَمْتَنِعُ وُجُودُهُ ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجَمِيعِ ( فِي لِسَانِ الشَّرْعِ وَاللُّغَةِ ، وَدَلِيلُ الِاشْتِرَاطِ ) الْمَذْكُورِ ( مَا قَدَّمْنَا ) مِنْ تَبَادُرِ الْأَحَدِ مِنْ مَعَانِيهِ لَكِنْ عَلَى هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُفْرَدِ مَا سَيَأْتِي مَعَ جَوَابِهِ وَإِلَى التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ الشِّعْرِ وَالْحَدِيثِ ( قَالُوا ) أَيْ الْمُجَوِّزُونَ فِي دَفْعِ الِامْتِنَاعِ ( وَقَعَ ) اسْتِعْمَالُهُ كَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، قَالَ تَعَالَى ( { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ } الْآيَةَ وَهِيَ ) أَيْ الصَّلَاةُ ( مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ غَيْرِهِ الدُّعَاءُ فَهُوَ ) أَيْ لَفْظُ يُصَلُّونَ ( مُشْتَرَكٌ ) وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ( وَالسُّجُودُ فِي الْعُقَلَاءِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ ) عَلَى الْأَرْضِ ( وَمِنْ غَيْرِهِمْ ) هُوَ ( الْخُضُوعُ ) فَهُوَ إذًا مُشْتَرَكٌ اُسْتُعْمِلَ بِكُلٍّ مِنْ مَعْنَيَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا ( قُلْنَا : إذَا لَزِمَ كَوْنُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( حَقِيقَةً فِي مَعْنَيَيْنِ وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ ) أَيْ اللَّفْظِ ( لِمُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْمَعْنَيَيْنِ ( لَزِمَ ) كَذَلِكَ لَا مُشْتَرَكًا لَفْظِيًّا ؛ لِأَنَّ التَّوَاطُؤَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ ، وَهُنَا كَذَلِكَ ( فَالسُّجُودُ ) أَيْ مَعْنَاهُ ( الْمُشْتَرَكُ ) بَيْنَ سُجُودِ الْعُقَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ هُوَ ( الْخُضُوعُ الشَّامِلُ ) لِلِاخْتِيَارِيِّ وَالْقَهْرِيِّ ( قَوْلًا وَفِعْلًا ) وَهُوَ انْقِيَادُ الْمَخْلُوقِ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَصَرُّفِهِ فِيهِ ( فَهُوَ ) أَيْ الْخُضُوعُ ( مُتَوَاطِئٌ فَيَسْجُدُ لَهُ يَخْضَعُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ ) أَيْ الْخُضُوعُ ( لِجِنْسِيَّتِهِ يَخْتَلِفُ صُورَةً فَفِي الْعُقَلَاءِ بِالْوَضْعِ ، وَفِي غَيْرِهِمْ بِغَيْرِهِ ) أَيْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يُفِيدُ مَعْنَى الْخُضُوعِ ( فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ

بِأَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الْقَهْرِيُّ شَمِلَ الْكُلَّ فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ أَوْ الِاخْتِيَارِيُّ وَلَمْ يَتَأَتَّ فِي غَيْرِهِمْ ) أَيْ غَيْرِ الْعُقَلَاءِ ( وَكَذَا الصَّلَاةُ مَوْضُوعَةٌ لِلِاعْتِنَاءِ ) بِالْمُصَلَّى عَلَيْهِ ( بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ ) وَرَفْعِ الْقَدْرِ لَهُ ( وَيَتَحَقَّقُ ) الِاعْتِنَاءُ الْمَذْكُورُ ( مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِدُعَائِهِ لَهُ تَقْدِيمًا لِلِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ عَلَى اللَّفْظِيِّ أَوْ يَجْعَلُ ) ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ لِلَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الشَّامِلُ لِلْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ ( مَجَازًا فِيهِ ) أَيْ فِي كُلٍّ مِنْ السُّجُودِ وَالصَّلَاةِ عَلَى التَّوْزِيعِ فَالسُّجُودُ لِلْخُضُوعِ مَجَازًا وَالصَّلَاةُ لِإِظْهَارِ الِاعْتِنَاءِ مَجَازًا ( فَيَعُمُّ ) الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهِمَا وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ ( وَأَمَّا أَهْلُ التَّفْسِيرِ فَعَلَى إضْمَارِ خَبَرٍ لِلْأَوَّلِ ) فِي آيَةِ الصَّلَاةِ أَيْ إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ فَحُذِفَ يُصَلِّي لِدَلَالَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا عِنْدَك رَاضٍ وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفٌ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ كَرَّرَ اللَّفْظَ مُرَادًا بِهِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ ، وَهَذَا جَائِزٌ اتِّفَاقًا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ مَنْعِ تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ ( تَفَرَّعَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِمَوَالِيهِ وَهُمْ لَهُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ ) كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعُمَّهُمَا اللَّفْظُ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ بَقِيَ الْمُوصَى لَهُ مَجْهُولًا فَبَطَلَتْ وَقِيَاسُ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي مَسْأَلَتِهِمْ فِي الْوَقْفِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ

( مَسْأَلَةُ الْمُقْتَضَى ) بِفَتْحِ الضَّادِ ( مَا اسْتَدْعَاهُ صِدْقُ الْكَلَامِ كَرَفْعِ الْخَطَأِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ ) مَا اسْتَدْعَاهُ ( حُكْمٌ ) لِلْكَلَامِ ( لَزِمَهُ ) أَيْ الْحُكْمُ الْكَلَامَ ( شَرْعًا ) فَهَذَانِ مُقْتَضِيَانِ بِكَسْرِ الضَّادِ وَأَمَّا الْمُقْتَضَى فِيهِمَا فَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا ( فَإِنْ تَوَقَّفَا ) أَيْ الصِّدْقُ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورَانِ ( عَلَى خَاصٍّ بِعَيْنِهِ أَوْ عَامٍّ لَزِمَ ) ذَلِكَ الْخَاصُّ أَوْ الْعَامُّ ( وَمُنِعَ عُمُومُهُ ) أَيْ الْمُقْتَضَى بِالْفَتْحِ ( هُنَا ) أَيْ فِيمَا إذَا تَوَقَّفَ عَلَى عَامٍّ ( لِعَدَمِ كَوْنِهِ لَفْظًا ) كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ( لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ كَالْمَلْفُوظِ ) فِي إفَادَةِ الْمَعْنَى ( وَقَدْ تَعَيَّنَ ) الْمُقَدَّرُ بِصِفَةِ الْعُمُومِ بِالدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَهُ فَيَكُونُ عَامًّا ( وَأَيْضًا هُوَ ) أَيْ الْمُقَدَّرُ ( ضَرُورِيٌّ لِفَرْضِ التَّوَقُّفِ ) أَيْ تَوَقُّفِ الْكَلَامِ صِدْقًا أَوْ صِحَّةً شَرْعِيَّةً ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُقَدَّرِ ( وَإِلَّا ) فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَوَقِّفٍ عَلَيْهِ صِدْقًا أَوْ صِحَّةً شَرْعِيَّةً ( فَغَيْرُ الْمَفْرُوضِ وَلَوْ كَانَ ) تَوَقُّفُ الصِّدْقِ أَوْ الْحُكْمِ شَرْعًا ( عَلَى أَحَدِ أَفْرَادِهِ ) أَيْ الْعَامِّ ( لَا يُقَدَّرُ مَا يَعُمُّهَا ) أَيْ أَفْرَادَهُ ( بَلْ إنْ اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهَا وَلَا مُعَيِّنَ ) لِأَحَدِهَا ( فَمُجْمَلٌ ) أَيْ الْمُقَدَّرِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُجْمَلِ ( أَوْ لَا ) تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا ( فَالدَّائِرُ ) بَيْنَهَا أَيْ فَوَاحِدٌ مِنْهَا وَنُسِبَ إلَى الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُقَدِّرُ مَا يَعُمُّهَا ( لَنَا ) فِي أَنَّهُ لَا يُقَدِّرُ مَا يَعُمُّهَا أَنَّهُ ( إضْمَارُ الْكُلِّ بِلَا مُقْتَضٍ ) فَلَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّ مَا يُقَدَّرُ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا ( قَالُوا ) أَيْ الْمُعَمِّمُونَ : إضْمَارُ مَا يَعُمُّهَا كَرَفْعِ حُكْمِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عُمُومًا فِي أَفْرَادِهِ لِيَشْمَلَ كُلَّ حُكْمٍ لَهُمَا حَيْثُ لَمْ تَرْتَفِعْ ذَاتُهُمَا ( أَقْرَبُ ) مَجَازٍ ( إلَى الْحَقِيقَةِ ) كَرَفْعِ ذَاتِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ

مِنْ سَائِرِ الْمَجَازَاتِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ فِي رَفْعِ أَحْكَامِهَا رَفْعَهَا ، وَالْمَجَازُ الْأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ( قُلْنَا إذَا لَمْ يَنْفِهِ ) أَيْ الْمَجَازَ الْأَقْرَبَ كَنَفْيِ عُمُومِ أَحْكَامِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ ( الدَّلِيلُ ) وَلَكِنْ هُنَا نَفَاهُ ، وَهُوَ إضْمَارُ الْكُلِّ بِلَا مُقْتَضٍ ( وَكَوْنُ الْمُوجِبِ لِلْإِضْمَارِ فِي الْبَعْضِ ) مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ ( يَنْفِي الْكُلَّ لِمَا قُلْنَا ) مِنْ كَوْنِهِ بِلَا مُقْتَضٍ أَيْضًا ( فَفِي الْحَدِيثِ أُرِيدَ حُكْمُهَا ) أَيْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ ( وَمُطْلَقُهُ ) أَيْ حُكْمِهَا ( يَعُمُّ حُكْمَيْ الدَّارَيْنِ ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ( وَلَا تَلَازُمَ ) بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ ( إذْ يَنْتَفِي الْإِثْمُ ) وَهُوَ حُكْمُ الْآخِرَةِ ( وَيَلْزَمُ الضَّمَانُ ) وَهُوَ حُكْمُ الدُّنْيَا كَمَا فِي إتْلَافِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ خَطَأً ( فَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْأُخْرَوِيَّ مُرَادٌ تَوَقَّفَ ) عَنْ الْعَمَلِ بِهِ لِإِجْمَالِهِ فِيهِمَا ( وَإِذْ أُجْمِعَ ) عَلَى أَنَّ الْأُخْرَوِيَّ مُرَادٌ ( انْتَفَى الْآخَرُ ) وَهُوَ الدُّنْيَوِيُّ ( فَفَسَدَتْ الصَّلَاةُ بِنِسْيَانِ الْكَلَامِ وَخَطَئِهِ ) مُطْلَقًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَلِغَيْرِهِمْ تَفَاصِيلُ تُعْرَفُ فِي فُرُوعِهِمْ ( وَالصَّوْمُ بِالثَّانِي ) أَيْ بِالْمُفْسِدِ خَطَأً كَسَبْقِ الْمَاءِ إلَى بَطْنِهِ فِي الْمَضْمَضَةِ ( لَا الْأَوَّلُ ) أَيْ بِفِعْلِ الْمُفْسِدِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ نِسْيَانًا ( بِالنَّصِّ ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
( وَلَوْ صَحَّ قِيَاسُهُ ) أَيْ الْخَطَأِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ النِّسْيَانِ فِي عَدَمِ إفْسَادِ الصَّوْمِ بِجَامِعِ عَدَمِ الْقَصْدِ إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَصَحُّ لِلشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ، وَقَوْلُ أَحْمَدَ إذَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِمَا خِلَافًا لِأَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ بَلْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ

عَلَى مَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ( فَدَلِيلٌ آخَرُ ) لَا مِنْ حَدِيثِ { رَفْعِ الْخَطَأِ } وَإِنَّمَا قَالَ لَوْ صَحَّ لِلنَّظَرِ فِي صِحَّتِهِ فَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ الْمُؤَثِّرِ ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَحْصُلُ الْفَسَادُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مَعَ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ كَمَا فِي حَالَةِ الْخَطَأِ بِخِلَافِ حُصُولِهِ بِهِمَا مَعَ عَدَمِ التَّذَكُّرِ وَقِيَامِ مُطَالَبَةِ الطَّبْعِ بِالْمُفْطِرَاتِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذِرَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ مِثْلُهُ فِيمَا لَمْ يَكْثُرْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
( وَأَمَّا الصَّلَاةُ ) أَيْ قِيَاسُهَا ( عَلَى الصَّوْمِ ) فِي عَدَمِ الْفَسَادِ بِفِعْلِ الْمُفْسِدِ نِسْيَانًا ( فَبَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ عُذْرَهُ ) أَيْ الْمُكَلَّفِ ( وَلَا مُذَكِّرَ ) لَهُ كَمَا فِي الصَّوْمِ ( لَا يَسْتَلْزِمُهُ ) أَيْ عُذْرَهُ ( مَعَهُ ) أَيْ الْمُذَكِّرِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ ؛ لِانْتِفَاءِ التَّقْصِيرِ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي ( وَلِذَا ) أَيْ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ الْعُذْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُذَكِّرِ ثُبُوتُهُ مَعَ الْمُذَكِّرِ ( وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ نَاسِيًا ) لِوُجُودِ الْمُذَكِّرِ لَهُ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِهَيْئَةِ الْإِحْرَامِ .
( وَفِي الثَّانِي ) أَيْ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ ( لَزِمَ التَّرْكِيبَ شَرْعًا حُكْمٌ ) هُوَ ( صِحَّةُ الْعِتْقِ ) عَنْ الْآمِرِ ( وَسُقُوطُ الْكَفَّارَةِ ) عَنْهُ إنْ نَوَى عِتْقَهُ عَنْهَا فَيَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِ الْمِلْكِ لِلْآمِرِ فِي الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَهُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الْمِلْكِ بِالنَّصِّ ، وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي سَبَبًا ، وَهُوَ هُنَا الْبَيْعُ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَنِّي بِأَلْفٍ فَيَكُونُ الْبَيْعُ لَازِمًا مُتَقَدِّمًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( وَيَقْتَضِي ) هَذَا الْحُكْمُ ( سَبْقَ تَقْدِيرِ اشْتَرَيْت عَبْدَك بِأَلْفٍ فِي الْمُتَقَدِّمِ ) أَيْ فِي قَوْلِ الْآمِرِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ عَلَى هَذَا ( وَبِعْته فِي الْمُتَأَخِّرِ ) أَيْ وَتَقْدِيرُ سَبْقِ بِعْته فِي قَوْلِ الْمَأْمُورِ أَعْتِقْهُ عَنْك عَلَى هَذَا وَهَذَا

أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِمْ مَعَ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْفِيَ فِي الْمَطْلُوبِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( أَمَّا بِعَيْنِهِ فَتَوْكِيلُ الْبَائِعِ فَقَطْ لَا يُجْزِئُ ) فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ قَوْلُ الْمَأْمُورِ أَعْتِقْهُ سَبْقَ بِعْته ؛ لِأَنَّهُ شَطْرُ الْعَقْدِ فَلَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ إذَا كَانَا صَرِيحَيْنِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لَمَّا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( لَوْلَا أَنَّهُ ضِمْنِيٌّ ) إذْ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا فَلَا ضَيْرَ فِي ثُبُوتِهِ بِلَا قَبُولٍ ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَقْبَلُ السُّقُوطَ كَمَا فِي بَيْعِ التَّعَاطِي ، وَإِذَا صَحَّ بَيْعًا مُجَرَّدُ قَطْعِ ثَوْبٍ جَوَابًا لِقَوْلِ مَالِكِهِ بِعْتُكَهُ بِكَذَا فَاقْطَعْهُ فَلَا يَبْعُدُ صِحَّةُ هَذَا بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبُولِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي هَذَا الْبَيْعِ مَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ الْقَصْدِيِّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ حَتَّى صَحَّ هَذَا فِي الْآبِقِ فَيُعْتَقُ عَنْ الْآمِرِ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ بَعْضُ لَوَازِمِهِ مِنْ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِشُرُوطِ الْمُقْتَضَى ، وَهُوَ الْإِعْتَاقُ فَيُعْتَبَرُ فِي الْآمِرِ أَهْلِيَّتُهُ لِلْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ الْإِعْتَاقَ لَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ بِهِ .

وَلَا يُقَالُ يُشْكِلُ كَوْنُ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِطَلِّقِي نَفْسَك إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَاهَا الزَّوْجُ ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك طَلَاقًا وَهُوَ جِنْسٌ فَيَجُوزُ أَنْ يُعَمَّمَ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ مَعَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مُقْتَضًى ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ( وَلَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى ) بِالْفَتْحِ مَا اقْتَضَاهُ ( طَلِّقِي ) نَفْسَك مِنْ الْمَصْدَرِ ( لِأَنَّ الْجِنْسَ ) الَّذِي هُوَ طَلَاقٌ ( مَذْكُورٌ لُغَةً إذْ هُوَ ) أَيْ طَلِّقِي ( أَوْجِدِي طَلَاقًا ) ؛ لِأَنَّهُ لِطَلَبِ الطَّلَاقِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى تَصَوُّرِ وُجُودِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ الْإِيجَازُ وَالتَّطْوِيلُ ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لُغَةً لَا اقْتِضَاءً ( فَصَحَّتْ نِيَّةُ الْعُمُومِ ) فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُصَرِّحًا بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَقَلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ .
( وَنُقِضَ ) هَذَا ( بِطَالِقٍ ) فَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَتَضَمَّنُ الْمَصْدَرَ كَالْفِعْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمْ يُصَحِّحُوهُ حَتَّى لَوْ نَوَى الثَّلَاثَ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ ( وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْمَصْدَرَ ( الْمَذْكُورَ ) لُغَةً لَا اقْتِضَاءً فِي أَنْتِ طَالِقٌ ( طَلَاقٌ هُوَ وَصْفُهَا ) أَيْ الْمُطَلَّقَةِ ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بِطَالِقٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ ( وَتَعَدُّدُهُ ) أَيْ وَصْفُهَا بِهِ ( بِتَعَدُّدِ فِعْلِهِ ) يَعْنِي الْمُطَلِّقَ أَيْ ( تَطْلِيقَهُ ) ؛ لِأَنَّ وَصْفَهَا بِهِ أَثَرُ تَطْلِيقِهِ .
( وَثُبُوتُهُ ) أَيْ تَطْلِيقِهِ ( مُقْتَضَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ هُوَ الْوُقُوعُ تَصْدِيقًا لَهُ ) أَيْ ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّ اتِّصَافَ الْمَرْأَةِ بِالطَّلَاقِ يَتَوَقَّفُ شَرْعًا عَلَى تَطْلِيقِ الزَّوْجِ إيَّاهَا سَابِقًا ؛ لِيَكُونَ صَادِقًا فِي وَصْفِهِ إيَّاهَا بِهِ فَيَكُونُ ثَابِتًا اقْتِضَاءً ( فَلَا يَقْبَلُ الْعُمُومَ وَيُدْفَعُ ) هَذَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ (

بِأَنَّهُ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ ( إنْشَاءٌ شَرْعًا يَقَعُ بِهِ ) الطَّلَاقُ ( وَلَا مُقَدِّرَ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ التَّقْدِيرَ الْمَذْكُورَ ( فَرْعُ الْخَبَرِيَّةِ الْمَحْضَةِ ) الَّتِي يَثْبُتُ التَّقْدِيرُ بِاعْتِبَارِهَا ( وَلَا تَصِحُّ فِيهِ ) أَيْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ ( الْجِهَتَانِ ) الْإِنْشَائِيَّةُ وَالْخَبَرِيَّةُ مَعًا كَمَا قِيلَ إخْبَارٌ مِنْ وَجْهٍ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ ( لِتَنَافِي لَازِمَيْ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ ) أَيْ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْخَبَرِ وَعَدَمُ احْتِمَالِهِمَا الَّذِي هُوَ لَازِمُ الْإِنْشَاءِ ( وَالثَّابِتُ لَهُ ) أَيْ لِأَنْتِ طَالِقٌ إنَّمَا هُوَ ( لَازِمُ الْإِنْشَاءِ ) وَهُوَ عَدَمُ احْتِمَالِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَهُوَ إنْشَاءٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( وَقَدْ يَلْتَزِمُ ) كَوْنُهُ إنْشَاءً وَيُجَابُ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّةِ الثَّلَاثِ فِيهِ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْأَصْلِ إخْبَارًا ثُمَّ نُقِلَ إلَى الْإِنْشَاءِ الشَّرْعِيِّ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى مَا عُرِفَ أَنَّهُ نُقِلَ إلَيْهِ ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إنَّمَا نُقِلَ إلَى وُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا إلَّا بِسَمْعٍ ، وَهُوَ مُنْتَفٍ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : ( غَيْرَ أَنَّ الْمُتَحَقَّقَ تَعْيِينُهُ بِرُمَّتِهِ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ بِجُمْلَتِهِ ( إنْشَاءً لِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ فَتَعَدِّيهَا ) أَيْ الْوَاحِدَةِ إلَى مَا فَوْقَهَا يَكُونُ ( بِلَا لَفْظٍ ) مُفِيدٍ لِذَلِكَ ، وَهُوَ لَا يَقَعُ بِهَذَا ( بِخِلَافِ طَلِّقِي ) فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَى شَيْءٍ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ ( لِأَنَّهُ طَلَبٌ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فَتَصِحُّ ) نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ .
وَلَمَّا كَانَ هُنَا مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ يُشْكِلُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِنِيَّتِهَا بِطَالِقٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ بِنِيَّتِهَا بِطَالِقٍ طَلَاقًا فَإِنَّ طَلَاقًا مُنْتَصِبٌ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرُ طَالِقٍ أَشَارَ إلَى جَوَابِهِ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ : ( وَفِي الثَّلَاثِ ) أَيْ وَفِي وُقُوعِهَا بِنِيَّتِهَا ( بِطَالِقٍ طَلَاقًا رِوَايَةٌ ) عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( بِالْمَنْعِ ) أَيْ

بِمَنْعِ وُقُوعِهَا ، وَإِنَّمَا يَقَعُ بِهِ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ فَلَا إشْكَالَ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ ( وَعَلَى التَّسْلِيمِ ) لِوُقُوعِهَا بِهِ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ ( هُوَ ) أَيْ وُقُوعُهَا بِهِ ( عَلَى إرَادَةِ التَّطْلِيقِ بِطَلَاقًا مَصْدَرُ الْمَحْذُوفِ ) فَإِنَّهُ قَدْ يُرَادُ بِهِ التَّطْلِيقُ كَالسَّلَامِ وَالْبَلَاغِ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَالتَّبْلِيغِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ بِهِ الثَّلَاثُ حِينَئِذٍ مَعْمُولًا لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ طَالِقٌ ؛ لِأَنِّي طَلَّقْتُك طَلَاقًا ثَلَاثًا لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ ( وَإِنَّمَا يَتِمُّ ) الْقَوْلُ بِوُقُوعِهَا بِطَلَاقًا ( بِإِلْغَاءِ طَالِقٍ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ طَلَاقًا فِي حَقِّ الْإِيقَاعِ ( كَمَا مَعَ الْعَدَدِ ) فِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّ الْوَاقِعَ هُوَ الْعَدَدُ ( وَإِلَّا ) لَوْ لَمْ يُلْغَ فِي حَقِّهِ بَلْ ( وَقَعَ بِهِ ) أَيْ بِطَالِقٍ ( وَاحِدَةٌ لَزِمَ ثِنْتَانِ بِالْمَصْدَرِ ، وَهُوَ ) أَيْ وُقُوعُ ثِنْتَيْنِ بِالْمَصْدَرِ ( مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحُرَّةِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى التَّوَحُّدِ مُرَاعًى فِيهِ ، وَهُوَ بِالْفَرْدِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْجِنْسِيَّةِ وَالْمُثَنَّى بِمَعْزِلٍ عَنْهُمَا ، وَهَذَا يُقَوِّي رِوَايَةَ الْمَنْعِ أَيْضًا وَيَجِبُ كَوْنُ طَالِقٍ الطَّلَاقَ مِثْلَهُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا فِي الْمُنْكَرِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ) يَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ ( بِتَأْوِيلٍ وَقَعَ عَلَيْك ) التَّطْلِيقُ فَيَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ .
( وَمَا قِيلَ فَمَا يُمْنَعُ مِثْلُهُ فِي طَالِقٍ ) بِأَنْ يُرَادَ أَنْتِ ذَاتٌ وَقَعَ عَلَيْك التَّطْلِيقُ فَتَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ أَيْضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّلْوِيحِ ( وَيُجَابُ بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّصَرُّفِ فِيهِ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ ( إذَا نُقِلَ لِلْإِنْشَائِيَّةِ ) أَيْ إلَيْهَا شَرْعًا كَمَا تَقَدَّمَ ( فَكَانَ عَيْنُ اللَّفْظِ ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ ( لِعَيْنِ الْمَعْنَى الْمَعْلُومِ نَقْلُهُ إلَيْهِ ، وَهُوَ ) أَيْ الْمَعْنَى الْمَنْقُولُ إلَيْهِ هُوَ

الطَّلْقَةُ ( الْوَاحِدَةُ ) عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَدَدِ ( وَالثِّنْتَانِ وَالثَّلَاثُ مَعَ الْعَدَدِ ) بِخِلَافِ طَلَاقٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ .

( وَلَيْسَ مِنْ الْمُقْتَضَى الْمَفْعُولُ ) بِهِ الْمَطْوِيُّ ذِكْرُهُ لِفِعْلٍ مُتَعَدٍّ وَاقِعٍ بَعْدَ نَفْيٍ أَوْ شَرْطٍ كَمَا ( فِي نَحْوِ لَا آكُلُ ، وَإِنْ أَكَلْت ) فَعَبْدِي حُرٌّ ( إذْ لَا يُحْكَمُ بِكَذِبِ مُجَرَّدِ أَكَلْت ) وَلَا آكُلُ ( فَلَمْ يَتَوَقَّفْ صِدْقُهُ ) أَيْ أَكَلْت وَكَذَا لَا آكُلُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ ( وَلَا ) يُحْكَمُ ( بِعَدَمِ صِحَّةِ شَرْعِيَّةٍ ) لِأَكَلْت وَلَا لِلْآكِلِ بِدُونِ الْمَفْعُولِ بِهِ ( فَنَخُصُّهُ ) أَيْ هَذَا الْمَفْعُولَ بِهِ ( بِاسْمِ الْمَحْذُوفِ ، وَهُوَ ) أَيْ هَذَا الْمَحْذُوفُ ( وَإِنْ قَبِلَ الْعُمُومَ لَا يَقْبَلُ عُمُومُهُ التَّخْصِيصَ إذْ لَيْسَ ) هَذَا الْمَحْذُوفُ أَمْرًا ( لَفْظِيًّا وَلَا فِي حُكْمِهِ ) أَيْ اللَّفْظِيِّ لِتَنَاسِيهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا الْإِخْبَارَ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّي قَدْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِهَذَا الْغَرَضِ ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى .
( فَلَوْ نَوَى مَأْكُولًا دُونَ آخَرَ لَمْ تَصِحَّ ) نِيَّتُهُ قَضَاءً اتِّفَاقًا وَلَا ( دِيَانَةً خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ ) وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهَا الْخَصَّافُ ( وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ ( فِي بَاقِي الْمُتَعَلِّقَاتِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ) حَتَّى لَوْ نَوَى لَا يَأْكُلُ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان دُونَ آخَرَ لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ اتِّفَاقًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْفَاضِلُ الْكَرْمَانِيُّ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ عُمُومَهُمَا عَقْلِيٌّ إذْ هُمَا مَحْذُوفَانِ لَا مُقَدَّرَانِ فَلَا يَتَجَزَّآنِ وِفَاقًا ( وَالْتِزَامُ الْخِلَافِ ) فِي الْعُمُومِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي بَقِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا بِجَامِعِ الْمَفْعُولِيَّةِ كَمَا فِي أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ ( غَيْرُ صَحِيحٍ ) بَلْ قَالَ الْفَاضِلُ الْأَبْهَرِيُّ : الْتِزَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ عُمُومَ الْمَفْعُولِ فِيهِ فِي نَحْوِ لَا آكُلُ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ إذْ لَمْ

يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ فِيهِ قَدْ يَكُونُ لِلتَّعْمِيمِ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى خِلَافِهِ بَلْ حَذْفُهُ إنَّمَا يَكُونُ لِلْعِلْمِ بِهِ أَوْ لِعَدَمِ إرَادَتِهِ .
ا هـ .
لَكِنْ قَرَّرَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْتِزَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ بِمَا نَصَّهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ وَنَوَى زَمَنًا مُعَيَّنًا أَوْ مَكَانًا صَحَّتْ يَمِينُهُ هَذَا مَذْهَبُنَا ، وَدَعْوَى الْإِمَامِ الرَّازِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ مَمْنُوعَةٌ ، وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِسْنَوِيِّ وَزَادَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت زَيْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت التَّكْلِيمَ شَهْرًا أَنَّهُ يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ .
( وَالْفَرْقُ ) بَيْنَ الْمَفْعُولِ بِهِ وَظَرْفَيْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ عَلَى مَا ذَكَرُوا ( بِأَنَّ الْمَفْعُولَ فِي حُكْمِهِ ) أَيْ الْمَذْكُورِ ( إذْ لَا يُعْقَلُ ) مَعْنَى الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي ( إلَّا بِعَقْلِيَّتِهِ ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ فَجَازَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَعْضُ بِخِلَافِ الظَّرْفَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَيْسَا فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُعْقَلُ مَعَ الذُّهُولِ عَنْهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا فِي الْوَاقِعِ فَلَمْ يَكُونَا دَاخِلَيْنِ تَحْتَ الْإِرَادَةِ فَلَمْ يَقْبَلَا التَّخْصِيصَ ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى دُخُولِهِمَا تَحْتَ الْإِرَادَةِ ( مَمْنُوعٌ وَنَقْطَعُ بِتَعَقُّلِ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي مِنْ غَيْرِ إخْطَارِهِ ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ بِالْبَالِ ( فَإِنَّمَا هُوَ ) أَيْ الْمَفْعُولُ بِهِ ( لَازِمٌ لِوُجُودِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي ( لَا مَدْلُولُ اللَّفْظِ ) لِيَتَجَزَّأَ بِالْإِرَادَةِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمَذْكُورِ ( بَقِيَ أَنْ يُقَالَ لَا آكُلُ ) مَعْنَاهُ ( لَا أُوجِدُ أَكْلًا ) وَأَكْلًا عَامٌّ ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ( فَيَقْبَلُهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ ، إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُصَرِّحًا بِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَضَاءً ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ

وَقَدْ تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ : ( وَالنَّظَرُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنْ لَاحَظَ الْأَكْلَ الْجُزْئِيَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالْمَأْكُولِ الْخَاصِّ ) الَّذِي لَمْ يُرِدْهُ ( إخْرَاجًا ) لَهُ مِنْ الْأَكْلِ الْعَامِّ لَا الْمَأْكُولِ نَفْسِهِ ( صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْئِيٌّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ ( أَوْ ) لَاحَظَ ( الْمَأْكُولَ ) الْخَاصَّ إخْرَاجًا مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ ( فَلَا ) يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُتَعَلِّقَاتِ الَّتِي يُعْقَلُ الْفِعْلُ بِدُونِهَا ( غَيْرَ أَنَّا نَعْلَمُ بِالْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ ) أَيْ هَذَا الْكَلَامِ ( عَدَمَ مُلَاحَظَةِ الْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ ) الَّتِي هِيَ بَعْضُ أَفْرَادِ الْفِعْلِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ الْأَكْلُ .
( وَإِخْرَاجُهَا ) أَيْ الْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَكْلِ الْمُطْلَقِ ( بَلْ ) الْمُرَادُ إخْرَاجُ ( الْمَأْكُولِ ) الْخَاصِّ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ ( وَعَلَى مِثْلِهِ ) أَيْ مَا هُوَ مَعْلُومٌ عَادَةً ( يُبْنَى الْفِقْهُ فَوَجَبَ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ لَاحَظَ الْمَأْكُولَ الْخَاصَّ إخْرَاجًا لَهُ مِنْ الْمَأْكُولِ الْمُطْلَقِ ، وَهُوَ غَيْرُ عَامٍّ فَلَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ كَمَا تَقَدَّمَ ( بِخِلَافِ الْحَلِفِ لَا يَخْرُجُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَخْرَجًا لِلسَّفَرِ مَثَلًا ) مِنْ الْخُرُوجِ بِالنِّيَّةِ ( حَيْثُ يَصِحُّ ) إخْرَاجُهُ مِنْهُ تَخْصِيصًا ( لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ ) بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا ( وَالْعَادَةُ مُلَاحَظَتُهُ ) أَيْ النَّوْعِ مِنْهُ ( فَنِيَّةُ بَعْضِهِ ) أَيْ خُرُوجِ نَوْعٍ مِنْهُ ( نِيَّةُ نَوْعٍ ) فَصَحَّتْ ( كَأَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي الثَّلَاثَ ) حَيْثُ يَصِحُّ نِيَّتُهَا ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْبَيْنُونَةِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( مَسْأَلَةٌ ) الْمَذْكُورُ فِي عِبَارَةِ كَثِيرِ الْفِعْلِ الْمُثْبَتِ لَيْسَ بِعَامٍّ أَوْ لَا يَعُمُّ فِي أَقْسَامِهِ وَجِهَاتِهِ فَعَمَّمَ الْمُصَنِّفُ عَدَمَ الْعُمُومِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ مَا يُقَابِلُ الْقَوْلَ بَلْ الْفِعْلُ الْمُصْطَلَحُ ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْخَاصُّ الْمَعْرُوفُ فَقَالَ ( إذَا نُقِلَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيغَةٍ لَا عُمُومَ لَهَا كَصَلَّى فِي الْكَعْبَةِ ) ، وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بِلَالٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ( لَا يَعُمُّ ) فِعْلُهُ ( بِاعْتِبَارٍ ) مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ ( ؛ لِأَنَّهُ ) أَيْ نَقْلَ فِعْلِهِ بِالصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ ( إخْبَارٌ عَنْ دُخُولٍ جُزْئِيٍّ فِي الْوُجُودِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِشَخْصِيَّتِهِ ) أَيْ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بِسَبَبِ دُخُولِهِ فِي الْوُجُودِ ( وَأَمَّا نَحْوُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ ) كَمَا فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِقَائِلِهِ .
وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إمَامَةِ جِبْرِيلَ مَا لَفْظُهُ : ثُمَّ صَلَّى بِي الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ } وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ سَائِلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ فَسَاقَهُ مَا لَفْظُهُ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ } ( فَإِنَّمَا يَعُمُّ الْحُمْرَةَ وَالْبَيَاضَ عِنْدَ مَنْ يُعَمِّمُ الْمُشْتَرَكَ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ) تَعْمِيمُهُ ( تَكَرُّرَ الصَّلَاةِ بَعْدَ كُلٍّ ) مِنْ الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ ( كَمَا فِي تَعْمِيمِ الْمُشْتَرَكِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ عَلَى الِانْفِرَادِ لِخُصُوصِ الْمَادَّةِ ) هُنَا ( وَهُوَ كَوْنُ الْبَيَاضِ دَائِمًا بَعْدَ الْحُمْرَةِ فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ صَلَّى بَعْدَهُمَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَلَا

تَعُمُّ فِي الصَّلَاةِ بِطَرِيقِ التَّكْرَارِ فَلَا يَلْزَمُ جَوَازُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الْحُمْرَةِ فَقَطْ .
وَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ نَحْوِ ) مَا عَنْ أَنَسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد { وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ } أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ( مِنْ التَّكْرَارِ ) لِصَلَاتِهِ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ وَلِجَمْعِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ سَفَرًا ، وَهَذَا آيَةُ الْعُمُومِ ثُمَّ هُوَ بَيَانٌ لِمَا يُتَوَهَّمُ ( فَمِنْ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ ) لَا مِنْ الْفِعْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقِيلَ مِنْ كَانَ وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ( وَقِيلَ مِنْ الْمَجْمُوعِ مِنْهُ ) أَيْ إسْنَادِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ ( وَمِنْ قِرَانٍ كَانَ لَكِنْ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يُكْرِمُونَ الضَّيْفَ وَيَأْكُلُونَ الْحِنْطَةَ يُفِيدُ أَنَّهُ عَادَتُهُمْ ) فَيَظْهَرُ أَنَّ التَّكْرَارَ مِنْ مُجَرَّدِ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ فَلَا جُرْمَ إنْ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ : وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُفِيدَ لِلِاسْتِمْرَارِ هُوَ لَفْظُ الْمُضَارِعِ وَكَانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مُضِيِّ ذَلِكَ الْمَعْنَى ( وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِفَادَةَ ) أَيْ إفَادَةَ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ التَّكْرَارُ ( اسْتِعْمَالِيَّةٌ لَا وَضْعِيَّةٌ ) وَأَكْثَرِيَّةٌ أَيْضًا لَا كُلِّيَّةٌ فَلَا يَقْدَحُ عَدَمُ ذَلِكَ فِيمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي شَأْنِ خَرْصِ نَخْلِ خَيْبَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرُصُ النَّخْلَ } الْحَدِيثَ لِكَوْنِ خَيْبَرَ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَعَبْدُ اللَّهِ قُتِلَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَمَا أَنَّ مُجَرَّدَ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ قَدْ يُفِيدُ التَّكْرَارَ اسْتِعْمَالًا عُرْفِيًّا كَذَلِكَ مُجَرَّدُ كَانَ إذَا دَخَلَتْ عَلَى مَا لَا يُفِيدُهُ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُذَيْفَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ

يَشُوصُ فَاهُ } وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَحِينَئِذٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ ، وَإِسْنَادُ الْمُضَارِعِ إذَا اجْتَمَعَا كَانَا مُتَعَاضِدَيْنِ عَلَى إفَادَةِ التَّكْرَارِ غَالِبًا ، وَإِنَّ تَصْحِيحَ فَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ عَدَمَ دَلَالَةِ كَانَ عَلَى التَّكْرَارِ عُرْفًا كَمَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعًا مُنْتَفٍ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .

( وَمِنْهُ ) أَيْ وَمِمَّا لَا يَعُمُّ بِاعْتِبَارِ مَا ( أَنْ لَا يَعُمَّ الْأُمَّةَ ، وَلَوْ بِقَرِينَةٍ كَنَقْلِ الْفِعْلِ خَاصًّا بَعْدَ إجْمَالٍ فِي عَامٍّ بِحَيْثُ يُفْهَمُ أَنَّهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلَ ( بَيَانٌ ) لِإِجْمَالِ ذَلِكَ الْعَامِّ ( فَإِنَّ الْعُمُومَ لِلْمُجْمَلِ لَا لِنَقْلِ الْفِعْلِ ) الْخَاصِّ ، وَقَدْ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ شَرْحَ هَذَا فَقَالَ لَمَّا وَقَعَ لِلْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ أَنَّ مِثْلَ الْقَرِينَةِ بِقَوْلِهِ كَوُقُوعِهِ بَعْدَ إجْمَالٍ أَوْ إطْلَاقٍ أَوْ عُمُومٍ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْعُمُومِ وَعَدَمِهِ وَكَانَ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ يَصِيرُ عَامًّا تَبَعًا نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ وَقَصَرَ الْعُمُومَ عَلَى الْمُجْمَلِ ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ لَمَّا كَانَ بِصِيغَةٍ لَيْسَتْ عَامَّةً لَا يَصِيرُ عَامًّا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ عَدَمَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ الْمُجْمَلِ زَالَ بِالْفِعْلِ الْمُبَيَّنِ مَثَلًا إذَا قَالَ الرَّاوِي قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ بَعْدَ اقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا فَهَذِهِ حِكَايَةُ فِعْلٍ بَعْدَ عُمُومٍ فِيهِ إجْمَالٌ فِي مَحَلِّ الْقَطْعِ عَلَى قَوْلٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ هُوَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِجْمَالِ ، وَأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِمَا مِنْ الْمَنْكِبِ إلَى الْأَصَابِعِ ، وَحَاصِلُهُ بَيَانُ مَجَازٍ أَوْ قَالَ صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ، وَهُوَ إجْمَالٌ فِي عَامٍّ فَفِي هَذَا وَنَحْوِهِ لَا يُفِيدُ تَكَرُّرُ الْفِعْلِ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ أَوْقَعَ الصَّلَاةَ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ فَيَزُولُ ذَلِكَ الْإِجْمَالُ الْكَائِنُ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْعَامِّ فَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ حِينَئِذٍ أَمَّا أَنَّ الْفِعْلَ صَارَ عَامًّا فَلَا وَلَا نَقَلَهُ ( وَكَذَا نَحْوُ ) قَوْلِ الرَّاوِي صَلَّى فَقَامَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ مَعَ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي } فَإِنَّ الْعُمُومَ لِقَوْلِهِ صَلُّوا إلَخْ لَا لِصَلَّى فَقَامَ إلَخْ ( وَتَوْجِيهُ الْمُخَالِفِ ) الْقَائِلِ بِعُمُومِهِ لِلْأُمَّةِ (

بِعُمُومِ نَحْوِ سَهَا فَسَجَدَ ) أَيْ قَوْلُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ فَسَهَا فِي صَلَاتِهِ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ { وَفَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْنَا } كَمَا هُوَ لَفْظُ عَائِشَةَ بَعْدَ قَوْلِهَا { إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ } ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى كَانَ كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ عَامًّا لِلْأُمَّةِ ( مَدْفُوعٌ بِأَنَّهُ ) أَيْ الْعُمُومَ لَهُمْ ( مِنْ خَارِجٍ ) عَنْ مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْمَحْكِيِّ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ الْآمِدِيُّ وَلِعُمُومِ السُّجُودِ جَوَابٌ خَاصٌّ ، وَهُوَ إنَّمَا عَمَّ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ ، وَهُوَ السَّهْوُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَتَّبَ السُّجُودَ عَلَى السَّهْوِ بِفَاءِ التَّعْقِيبِ ، وَهُوَ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ ( وَأَمَّا حِكَايَةُ قَوْلٍ لَهُ ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يُدْرَى عُمُومُهُ بِلَفْظٍ عَامٍّ ) ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحِكَايَةٍ ( { كَقَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ } ) كَمَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ إلَى جَابِرٍ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنَّهُ شَاذُّ الْمَتْنِ ( { وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } ) كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
( وَهِيَ ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ( مَسْأَلَةٌ أُخْرَى ) ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ( فَيَجِبُ ) ( الْحَمْلُ ) لِلَّفْظِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُ ( عَلَى الْعُمُومِ ) فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ لِكُلِّ جَارٍ ، وَالنَّهْيُ عَنْ كُلِّ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ ( خِلَافًا لِلْكَثِيرِ ) ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ ( لِأَنَّهُ ) أَيْ الصَّحَابِيَّ

( عَدْلٌ عَارِفٌ بِاللُّغَةِ وَالْمَعْنَى ) عُمُومًا وَخُصُوصًا ( فَالظَّاهِرُ الْمُطَابَقَةُ ) بَيْنَ نَقْلِهِ وَمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ ذَلِكَ ( وَقَوْلُهُمْ ) أَيْ الْكَثِيرِ ( يَحْتَمِلُ غَرَرًا وَجَارًا خَاصَّيْنِ كَجَارِ شَرِيكٍ فَاجْتَهَدَ فِي الْعُمُومِ فَحَكَاهُ أَوْ أَخْطَأَ فِيمَا سَمِعَهُ احْتِمَالٌ لَا يَقْدَحُ ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ عِلْمِهِ وَعَدَالَتِهِ ، وَالظَّاهِرُ لَا يُتْرَكُ لِلِاحْتِمَالِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَرْكِ كُلِّ ظَاهِرٍ ( وَجَعْلُهُمَا ) أَيْ { قَضَى بِالشُّفْعَةِ } { وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ } ( مِنْ حِكَايَةِ فِعْلٍ ظَاهِرٍ فِي الْعُمُومِ ) كَمَا تَنَزَّلَ إلَيْهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ( مُنْتَفٍ ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالنَّهْيَ قَوْلٌ يَكُونُ مَعَهُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَضَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْقَضَاءُ وَنَهَى حِكَايَةُ قَوْلِهِ الَّذِي هُوَ النَّهْيُ .

( مَسْأَلَةٌ قِيلَ ) وَالْقَائِلُ ابْنُ الْحَاجِبِ : ( نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ فِي { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ } يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ ) لِجَمِيعِ وُجُوهِ الْمُسَاوَاةِ ( خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ ) كَذَلِكَ ( بَلْ لَا يَخْتَلِفُ فِي دَلَالَتِهِ ) أَيْ نَفْيِ الِاسْتِوَاءِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى عُمُومِهِ ( وَكَذَا نَفْيُ كُلِّ فِعْلٍ ) عَامٍّ فِي وُجُوهِهِ ( كَلَا آكُلُ ) فَإِنَّهُ عَامٌّ فِي وُجُوهِ الْأَكْلِ ( وَلَا ) يَخْتَلِفُ أَيْضًا ( فِي عَدَمِ صِحَّةِ إرَادَتِهِ ) أَيْ الْعُمُومِ فِي نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ ( لِقَوْلِهِمْ ) أَيْ الْحَاكِينَ لِعَدَمِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ( فِي جَوَابِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَصْدُقُ ) عُمُومُ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ فِي لَا يَسْتَوِي ( إذْ لَا بُدَّ ) بَيْنَ كُلِّ أَمْرَيْنِ ( مِنْ مُسَاوَاةٍ ) مِنْ وَجْهٍ وَأَقَلُّهُ الْمُسَاوَاةُ فِي سَلْبِ مَا عَدَاهُمَا عَنْهُمَا فَلَزِمَ عَدَمُ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ هَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ ( الْمُرَادُ ) مِنْ عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ ( مُسَاوَاةٌ يَصِحُّ نَفْيُهَا وَمَا سِوَاهُ ) أَيْ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَصِحُّ نَفْيُهَا بِمَعْنَى التَّسَاوِي ( مَخْصُوصٌ بِالْعَقْلِ ) ، وَهَذَا مَقُولُ قَوْلِ الْمُجِيبِينَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى دَلَالَةِ الْعُمُومِ ، وَإِنَّ هَذَا الْعُمُومَ الْمَدْلُولَ غَيْرُ مُرَادٍ عَلَى صِرَافَتِهِ ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا ( فَالِاسْتِدْلَالُ ) عَلَى عُمُومِ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ ( بِأَنَّهُ ) أَيْ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ ( نَفْيٌ عَلَى نَكِرَةٍ يَعْنِي الْمَصْدَرَ ) الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْفِعْلُ الْمَنْفِيُّ فَيَعُمُّ كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ اسْتِدْلَالٌ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ ) لِمَا سَمِعْت مِنْ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي الْعُمُومِ لَفْظًا وَلَا فِي عَدَمِ إرَادَةِ صِرَافَتِهِ ( إنَّمَا هُوَ ) أَيْ النِّزَاعُ ( فِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عُمُومِهِ ) أَيْ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ ( بَعْدَ تَخْصِيصِ الْعَقْلِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ) أَيْ تَخْصِيصِهِ ( هَلْ يَخُصُّ أَمْرَ الْآخِرَةِ فَلَا

يُعَارَضُ ) الْمُرَادُ مِنْهُ ( آيَاتِ الْقِصَاصِ الْعَامَّةِ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } الْآيَةَ ( فَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ أَوْ يَعُمُّ الدَّارَيْنِ ) الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ( فَيُعَارِضُ ) الْمُرَادُ مِنْهُ آيَاتِ الْقِصَاصِ حَتَّى يَخُصَّهَا وَحِينَئِذٍ ( فَلَا يُقْتَلُ ) الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ هَلْ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ إلَى خُصُوصِ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَوْ لَا فَتَعُمُّ الدَّارَيْنِ ؟ .
( قَالَ بِهِ ) أَيْ بِالْعُمُومِ ( الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِالْأَوَّلِ ) أَيْ بِخُصُوصِ أَمْرِ الْآخِرَةِ ( لِقَرِينَةِ تَعْقِيبِهِ بِذِكْرِ الْفَوْزِ { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ الْفَائِزُونَ } ثُمَّ فِي الْآثَارِ مَا يُؤَيِّدُهُ ) أَيْ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْهَا ( حَدِيثُ ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ ( بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ ) بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَاءٌ تَحْتَانِيَّةٌ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَيَّنَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ قَالَ ( { قَتَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْلِمًا بِمُعَاهَدٍ } الْحَدِيثَ ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَقَالَ { : أَنَا أَحَقُّ مَنْ وَفَّى بِذِمَّتِهِ } رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَأَعَلَّهُ ، وَاسْتِيفَاءُ الْكَلَامِ فِيهِ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا .
( وَنَحْوُ ) مَا رَوَى الْمَشَايِخُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا إلَخْ ) أَيْ وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَلَمْ يَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُخَرِّجُونَ ، وَإِنَّمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَدٍ فِيهِ أَبُو الْجَنُوبِ ، وَهُوَ مُضَعَّفٌ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ ذِمَّتُنَا فَدَمُهُ كَدَمِنَا وَدِيَتُهُ كَدِيَتِنَا ( فَظَهَرَ ) مِنْ

هَذَا التَّحْرِيرِ ( أَنَّ الْخِلَافَ فِي تَطْبِيقِ كُلٍّ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ عَلَى دَلِيلٍ تَفْصِيلِيٍّ ) فَهِيَ مَسْأَلَةٌ فِقْهِيَّةٌ لَا أَصْلِيَّةٌ .

( مَسْأَلَةُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى لِلرَّسُولِ بِخُصُوصِهِ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ { لَئِنْ أَشْرَكْتَ } قَدْ نُصِبَ فِيهِ خِلَافٌ ) وَمِنْ نَاصِبِيهِ ابْنُ الْحَاجِبِ ( فَالْحَنَفِيَّةُ ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَأَحْمَدُ ( يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ وَالشَّافِعِيَّةُ لَا ) يَتَنَاوَلُهُمْ ( مُسْتَدِلِّينَ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةُ ( بِالْقَطْعِ مِنْ اللُّغَةِ بِأَنَّ مَا لِلْوَاحِدِ لَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ عَمَّهُمْ كَانَ إخْرَاجُهُمْ تَخْصِيصًا ، وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلَيْسَ ) هَذَا الِاسْتِدْلَال ( فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ مُرَادَ الْحَنَفِيَّةِ ) بِعُمُومِهِ إيَّاهُمْ ( أَنَّ أَمْرَ مِثْلِهِ ) أَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مِمَّنْ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ وَالْمَتْبُوعِيَّة يَفْهَمُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ أَمْرِهِ ( أَهْلُ اللُّغَةِ شُمُولَ أَتْبَاعِهِ عُرْفًا ) لَا مَدْلُولًا وَضْعِيًّا لِذَلِكَ اللَّفْظِ ( كَمَا إذَا قِيلَ لِأَمِيرٍ ارْكَبْ لِلْمُنَاجَزَةِ ) ، وَهِيَ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ الْمُحَارَبَةُ وَبِالْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُقَاتَلَةُ ( غَيْرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا بِدَلِيلٍ ) يُفِيدُ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِهِ ( لِأَنَّهُ بُعِثَ لِيُؤْتَسَى بِهِ فَكُلُّ حُكْمٍ خُوطِبَ هُوَ بِهِ عَمَّ عُرْفًا ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمَ ( لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَعْوَانٍ كَالْمُنَاجَزَةِ ، وَإِذَا ) أَيْ ، وَإِذَا كَانَ عُمُومُهُ عُرْفًا ( يَلْتَزِمُونَ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةُ ( أَنَّ إخْرَاجَهُمْ ) أَيْ الْأُمَّةِ مِنْ خِطَابِهِ بِخُصُوصِهِ ( تَخْصِيصٌ فَإِنَّهُ ) أَيْ التَّخْصِيصَ ( كَمَا يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ لُغَةً يَرِدُ عَلَى الْعَامِّ عُرْفًا وَاسْتِدْلَالُهُمْ ) أَيْ الْحَنَفِيَّةِ لِعُمُومِ ذِكْرِ الْمَتْبُوعِ بِخُصُوصِهِ الْأَتْبَاعَ ( بِنَحْوِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } فَأَفْرَدَهُ بِالْخِطَابِ وَأَمَرَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْعُمُومِ فَدَلَّ أَنَّ مِثْلَهُ خِطَابٌ عَامٌّ لَهُ

وَلِلْأُمَّةِ ( وَبِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُمَّهُمْ لَكَانَ خَالِصَةً لَك ) بَعْدَ قَوْلِهِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك } إلَى قَوْلِهِ { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا } ( غَيْرُ مُفِيدٍ ) ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْعُمُومِ وَكَوْنَهُ خَاصًّا بِهِ ثَابِتٌ بِتَخْصِيصِهِ بِالْخِطَابِ وَالتَّالِي مُنْتَفٍ ( وَ { زَوَّجْنَاكهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ تَزْوِيجَهُ إيَّاهَا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْأُمَّةِ ، وَلَوْ كَانَ خِطَابُهُ خَاصًّا بِهِ وَلَا يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الْأُمَّةِ لَمَا حَصَلَ الْغَرَضُ ( لِبَيَانِ التَّنَاوُلِ الْعُرْفِيِّ ) لَهُمْ ( لَا اللُّغَوِيِّ ) فَاسْتِدْلَالُهُمْ مُبْتَدَأٌ ، وَهَذَا خَبَرُهُ .
وَحِينَئِذٍ ( فَأَجْوِبَتُهُمْ ) أَيْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ ( الَّتِي حَاصِلُهَا أَنَّ الْفَهْمَ ) أَيْ فَهْمَ الْأُمَّةِ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ ( بِغَيْرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ طَائِحَةٌ ) أَيْ سَاقِطَةٌ ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً فَكَوْنُ الْعُمُومِ بِخَارِجٍ لَا يَضُرُّهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك } الْآيَةَ ، فَقَالَ : ( غَيْرَ أَنَّ نَفْيَ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا ) عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ( مِمَّا يُمْنَعُ لِجَوَازِ كَوْنِهَا ) أَيْ الْفَائِدَةِ ( مَنْعَ الْإِلْحَاقِ ) أَيْ إلْحَاقِ الْأُمَّةِ بِهِ فِي ذَلِكَ قِيَاسًا كَمَا كَانَ يُلْحَقُ بِهِ لَوْ لَمْ يُرِدْ خَالِصًا ثُمَّ أَفَادَ بِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ غَيْرُ ضَائِرٍ ، فَقَالَ : ( وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى نَفْيِ الْفَائِدَةِ مُطْلَقًا ( فِي الْوَجْهِ ) أَيْ وَجْهِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمْ ( وَيَكْفِي ) فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُمْ بِهَا ( أَنَّ { خَالِصَةً لَك } ظَاهِرٌ فِي فَهْمِ الْعُمُومِ ) لَهُمْ مِنْ قَوْلِهِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَك } ( لَوْلَاهُ ) أَيْ لَفْظُ خَالِصَةً ثُمَّ لَمَّا كَانَ

اسْتِدْلَالُهُمْ بِمِثْلِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ } قَدْ دُفِعَ أَيْضًا بِأَنَّ ذِكْرَ النَّبِيِّ لِلتَّشْرِيفِ وَالْخِطَابَ بِمَا بَعْدَهُ لِلْجَمِيعِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ يَا فُلَانُ افْعَلْ أَنْتَ وَأَتْبَاعُك كَذَا إنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا يُقَالُ افْعَلْ وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْأَتْبَاعِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى دَفْعِهِ أَيْضًا ، فَقَالَ ( وَكَوْنُ إفْرَادِهِ بِالذِّكْرِ لِلتَّشْرِيفِ لَا يُنَافِي الْمَطْلُوبَ ) ، وَهُوَ عُمُومُهُمْ عُرْفًا ( فَمِنْ التَّشْرِيفِ أَنْ خَصَّهُ ) أَيْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِهِ ) أَيْ بِالْخِطَابِ ( وَالْمُرَادُ أَتْبَاعُهُ مَعَهُ ) عَلَى أَنَّ إبْطَالَ الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ لَا يُبْطِلُ الْمُدَّعَى ( وَعُرِفَ ) مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ ( أَنَّ وَضْعَهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( الْخِطَابَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ هَلْ يَعُمُّ لَيْسَ بِجَيِّدٍ ) ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَقُولُونَ خِطَابُ وَاحِدٌ مِنْ آحَادِ الْأُمَّةِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ مَنْصِبُ الِاقْتِدَاءِ يَعُمُّ سَائِرَهُمْ عُرْفًا بَلْ هَذَا مَوْضُوعُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ .

( مَسْأَلَةُ خِطَابِ الْوَاحِدِ لَا يَعُمُّ غَيْرَهُ لُغَةً وَنُقِلَ عَنْ الْحَنَابِلَةِ عُمُومُهُ ، وَمُرَادُهُمْ خِطَابُ الشَّارِعِ لِوَاحِدٍ بِحُكْمٍ يُعْلَمُ عِنْدَهُ ) أَيْ خِطَابِهِ ( تَعَلُّقُهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْحُكْمِ ( بِالْكُلِّ إلَّا بِدَلِيلٍ ) يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ قَالُوا ( كَقَوْلِهِ حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ ) وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْبَحْثِ الثَّانِي مِنْ مَبَاحِثِ الْعَامِّ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ ( وَفَهِمَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ ) أَيْ أَنَّ حُكْمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ ( حَتَّى حَكَمُوا عَلَى غَيْرِ مَاعِزٍ بِمَا حَكَمَ بِهِ ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرَّجْمِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَاعِزٍ حَتَّى قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَشِيتُ أَنْ يَطُولَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ حَتَّى يَقُولَ قَائِلٌ لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ أَلَا وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى وَقَدْ أُحْصِنَ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَيْضًا { رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَجَمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ، وَحَكَوْا عَلَى ذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِهِ ( وَلِعُمُومِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ ) { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْت إلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو دَاوُد لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْأَسْوَدِ أَيْ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقِيلَ إلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ( { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ } ) إذَا كَانَ هَذَا مُرَادَ الْحَنَابِلَةِ ( فَكَلَامُ الْخِلَافِيِّينَ فِيهَا ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( كَاَلَّتِي قَبْلَهَا ) مِنْ حَيْثُ عَدَمِ

التَّوَارُدِ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ .
وَلِلشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ السُّبْكِيّ هُنَا كَلَامٌ يَزِيدُ هَذَا الْمَقَامَ وُضُوحًا لَا بَأْسَ بِذِكْرِهِ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ التَّعْمِيمَ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ الصِّيغَةِ لُغَةً وَلَا أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَحْكُمْ بِالتَّعْمِيمِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ التَّخْصِيصُ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ التَّعْمِيمَ مُنْتَفٍ لُغَةً ثَابِتٌ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَلَا أَعْتَقِدُ أَنَّ أَحَدًا يُخَالِفُ فِي هَذَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الْخِلَافُ إلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَقْضِي بِالِاشْتِرَاكِ بِحَيْثُ يَتَبَادَرُ فَهْمُ أَهْلِ الْعُرْفِ إلَيْهَا أَوَّلًا فَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ لَا قَضَاءَ لِلْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا قَضَاءَ لِلُّغَةِ ، وَإِنَّمَا الْخَلْقُ فِي الشَّرْعِ شَرَعٌ ، وَهُمْ يَقُولُونَ الْعَادَةُ تَقْضِي بِذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ عَادَةَ أَهْلِ اللِّسَانِ يُخَاطِبُونَ الْوَاحِدَ وَيُرِيدُونَ الْجَمَاعَةَ ، وَهُوَ يُرْشِدُ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْ يَرُدُّ إلَى أَنَّهُ هَلْ صَارَ عُرْفُ الشَّرْعِ أَنَّ الْوَاحِدَ إذَا خُوطِبَ فَالْمُرَادُ الْجَمَاعَةُ فَكَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ لَا فَهُمْ يَقُولُونَ بِالْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ مِنْ الشَّرْعِ اسْتِوَاءُ النَّاسِ فِي شَرْعِهِ كَانَ خِطَابُ الْوَاحِدِ خِطَابًا مَعَ الْكُلِّ وَكَأَنَّهُ إذَا قَالَ يَا زَيْدُ قَائِلٌ يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَيَكُونُ الدَّالُّ عَلَى مَعْنَى النَّاسِ لَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّاسُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَالثَّانِي زَيْدٌ إذَا تَقَدَّمَ مِنْ اللَّافِظِ بِهِ أَنَّهُ إذَا أَنْطَقَ بِهِ أَرَادَ بِهِ النَّاسَ كُلَّهُمْ .
وَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ هُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فَمَعْنَى النَّاسِ يَدُلُّ عَلَى لَفْظِهِ لُغَةً وَشَرْعًا ، وَلَفْظُ يَا زَيْدُ شَرْعًا وَنَحْنُ نَقُولُ يَا زَيْدُ بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ سَوَاءٌ سَبَقَ قَبْلَ ذِكْرِهِ مِنْ قَائِلِهِ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ حُكْمُهُ أَمْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23