كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان
الدين
.
ـــــــ
داعية إلى ذلك وهي أحق بالسهر والصيانة لأنها مخدرة بخلاف أمها فإن تخرجت وعرفت وعقلت فلا يخاف عليها
فرع : لم أقف في الخنثى المشكل بعد البلوغ على نقل والذي ينبغي أن يكون كالبنت البكر حتى يجيء في جواز استقلاله وانفراده عن أبويه الخلاف والله أعلم.
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات
كتاب الجناياتالقتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطأ
ـــــــ
كتاب الجنايات
وهي جمع جناية وجمعت وإن كانت مصدرا لتنوعها إلى عمد وخطأ والمراد بها جنايات الجراحة ونحوها وهي كل فعل عدوان على نفس أو مال لكنها في العرف مخصوصة بما يحصل فيه التعدي على الأبدان بما يوجب قصاصا أو نحوه وسموا الجناية على الأموال غصبا ونهبا وسرقة وإتلافا وأجمع العلماء على تحريم القتل بغير حق وسنده قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151] وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه من حديث ابن مسعود
فإذا فعل ثم تاب قبلت عند الأكثر للآية والخبر المتفق عليه وكالكافر وعنه لا تقبل ذكرها أبو الخطاب في "انتصاره" وهي قول ابن عباس لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] الآية وحملت على من قتله مستحلا ولم يتب أو على أن هذا جزاؤه إن جازاه الله تعالى "القتل على أربعة أضرب عمد وشبه عمد وخطأ وما أجري مجرى الخطإ" كذا ذكره المؤلف تبعا لأبي الخطاب
وجزم به في "الوجيز" ووجهه أنه إذا قصد قتله بما يصلح غالبا عرفا فهو عمد
فالعمد أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما وهو تسعة أقسام أحدها أن يجرحه بماله مور في البدن من حديد أو غيره مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة فيموت إلا أن يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوهما في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان وإن بقي من ذلك ضمنا.
ـــــــ
وإن كان بما لا يصلح للقتل غالبا فهو شبه عمد وإن لم يقصد القتل فهو خطأ وما ألحق به كالقتل بالسبب وكالنائم ينقلب على إنسان لكن الأولى أن الحكم الشرعي لا يزيد على ثلاثة عمد وشبه عمد وخطأ صرح به الخرقي والمؤلف في "الكافي" والمجد في "محرره" والجد في "فروعه" لأن ما أجري مجرى الخطإ خطأ لأن فاعله لم يقصده إذ هو من فعل من لا يصح قصده "فالعمد" يختص القود به "أن يقتله بما يغلب على الظن موته به عالما بكونه آدميا معصوما" هذا بيان للعمد الموجب للقصاص شرعا فالأول احتراز من شبه العمد والثاني احتراز من الخطإ والثالث وهو "معصوما" احتراز من الحربي ونحوه لأنه غير معصوم "وهو تسعة أقسام" وسيأتي بيانها "أحدها أن يجرحه بماله مور" أي نفوذ "في البدن من حديد أو غيره" كرصاص وذهب وفضة فهذا كله إذا جرحه جرحا كبيرا فمات فهو عمد بغير خلاف نعلمه ولو طالت علته منه "مثل أن يجرحه بسكين أو يغرزه بمسلة فيموت" فهذا عمد محض ثم أشار إلى محل الخلاف فقال "إلا أن يغرزه بإبرة أو شوكة ونحوهما" كشرطة الحجام "في غير مقتل فيموت في الحال ففي كونه عمدا وجهان" وجملته أنه إذا جرحه جرحا صغيرا في غير مقتل فمات في الحال فقال ابن حامد لا قود فيه لأن الظاهر أنه لم يمت منه كالعصي والثاني وهو الأشهر فيه القصاص وهو ظاهر "الخرقي" لأن المحدد لا يعتبر فيه غلبة الظن في حصول القتل به بدليل ما لو قطع شحمة أذنه أو أنملته ولأنه لما لم يمكن إدارة الحكم وضبطه بغلبة الظن وجب ربطه بكونه محددا ولأن في البدن مقاتل خفية وهذا له سراية ومور أشبه الجرح الكبير "وإن بقي من ذلك ضمنا" أي متألما وهو بفتح الضاد وكسر الميم وقال الجوهري هو الذي به الزمانة في
حتى مات أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض وإن قطع سلعة من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود وإن قطعها حاكم من صغير أو وليه فمات فلا قود والثاني أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط.
ـــــــ
جسده وقيل هو الذي لزمته علة "حتى مات" فاتفقوا على أن فيه القود قاله في "الشرح" و"الترغيب" لأن الظاهر أنه مات منه وقيل لا يجب به القصاص لأنه لما احتمل حصول الموت بغيره ظاهرا كان شبهة في درء القصاص "أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين" والعين والخاصرة والصدغ وأصل الأذن "فهو عمد محض" لأن الإصابة بذلك في مقتل كالإصابة بالسكين في غير مقتل وكذا إن بالغ في إدخال الإبرة ونحوها في البدن لأنه يشتد ألمه ويؤدي إلى القتل كالكبير "وإن قطع سلعة" خطرة أو بطها "من أجنبي بغير إذنه فمات فعليه القود" لأنه متعد بفعله أشبه ما لو قتله "وإن قطعها حاكم من صغير" أو مجنون "أو وليه فمات فلا قود" جزم به في "الوجيز" لأنه فعله لمصلحته أشبه ما لو ختنه ولو عبر بقوله إن قطعها من صغير ونحوه وليه لكان أولى لشموله الحاكم وغيره "الثاني أن يضربه بمثقل كبير فوق عمود الفسطاط" وهو بيت من شعر وعموده الخشبة التي يقوم عليها قال القاضي وهو ما فيه دقة ورشاقة وحاصله أنه إذا قتله بمثقل يغلب على الظن حصول الزهوق به عند استعماله فهو عمد موجب للقصاص وهو قول النخعي والزهري وابن سيرين والأكثر ل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ولما روى أنس أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها بحجر فقتله النبي صلى الله عليه وسلم بين حجرين
ولما روى أبو هريرة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يؤدى وإما أن يقاد" متفق عليهما ولأن المثقل يقتل غالبا فوجب القصاص به كالمحدد ومقتضاه أنه إذا ضربه بمثل عمود الفسطاط أنه لا يجب القود نص عليه لأنه عليه السلام لما سئل عن المرأة التي ضربت جارتها بعمود الفسطاط فقتلتها وجنينها فقضا في الجنين بغرة وقضى بالدية على عاقلتها ولا
أو بما يغلب على الظن أنه يموت به كاللت والكوذين والسندان أو حجر كبير أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق أو يعيد الضرب بصغير أو يضربه به في مقتل أو في حال ضعف قوة من مرض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه الثالث ألقاه في زبية أسد أو أنهشه كلبا أو سبعا أو حيّة أو ألسعه عقربا من القواتل ونحو ذلك فقتله.
ـــــــ
شك أن العاقلة لا تحمل ما يوجب القصاص.
ونقل ابن مشيش عنه أنه يجب ولعله ضربه بالعمود الذي يتخذه الترك لخيمتهم فإنه يقتل غالبا "أو بما يغلب على الظن أنه يموت به كاللت" وهو بضم اللام نوع من آلة السلاح معروف في زماننا وهو لفظ مولد ليس من كلام العرب "والكوذين" وهو لفظ مولد أيضا وهو عبارة عن الخشبة الثقيلة التي يدق بها الدقاق الثياب "والسندان" الظاهر أنه مولد وهو عبارة عن الآلة المعروفة من الحديد الثقيلة يعمل عليها الحداد صناعته "أو حجر كبير" لاشتراك الكل في كونه يقتل غالبا ولأن القصاص هنا لكونه مثقلا فلا أثر للفرق "أو يلقي عليه حائطا أو سقفا أو يلقيه من شاهق" لاشتراك الكل في القتل "أو يعيد الضرب بصغير" كالعصي والحجر الصغير لأن الإعادة تقوم مقام المثقل الكبير كذا نقله أبو طالب "أو يضربه به" مرة "في مقتل" لأن القتل حصل به وفيهما وجه في "الواضح.
وفي الأولى في "الانتصار" هو ظاهر كلامه "أو في حال ضعف قوة من مريض أو صغر أو كبر أو حر أو برد ونحوه" لأنه قتله بما يقتل غالبا أشبه المثقل الكبير ومثله لو قتله بلكمة ذكره ابن عقيل وفي "الرعاية" يعلمه وقيل أو يجهله فإن قال لم أقصد قتله لم يصدق "الثالث ألقاه في زبية أسد" الزبية بوزن غرفة وهي الرابية التي لا يعلوها الماء "أو أنهشه" بالمعجمة والمهملة سواء وقيل بالمهملة الأخذ بأطراف الأسنان وبالمعجمة بالأضراس "كلبا أو سبعا أو حية أو ألسعه عقربا من القواتل ونحو ذلك فقتله" نقول إذا جمع بينه وبين سبع أو نمر في مكان ضيق كزبية ونحوها فقتله فهو عمد فيه القود لأنه إذا تعمد الإلقاء فقد تعمد قتله بما يقتل غالبا وإن فعل به فعلا لو فعله الآدمي لم يكن عمدا لم يجب القود لأن
الرابع: ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها
ـــــــ
السبع صار آلة للآدمي فكان فعله كفعله فإن ألقاه مكتوفا في فضاء فقتله فعليه القود وكذا إن جمع بينه وبين حية في مكان ضيق فنهشته وقتلته.
وقال القاضي لا يجب الضمان في الصورتين لأن الأسد والحية يهربان من الآدمي وجوابه أن هذا يقتل غالبا فكان عمدا محضا والأسد يأخذ الآدمي المطلق فكيف يهرب من مكتوف والحية إنما تهرب في مكان واسع
وذكر القاضي فيمن ألقي مكتوفا في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته أن في وجوب القصاص روايتين وهذا تناقض فإنه نفى الضمان بالكلية في صورة كان القتل فيها أغلب وأوجب القصاص في صورة كان فيها أندر والأصح أنه لا قصاص هنا ويجب الضمان لأنه فعل فعلا تلف به وهو لا يقتل مثله غالبا وقوله من القواتل يحترز به عن حية الماء وثعبان الحجاز أو سبع صغير فقيل هو شبه عمد كالسوط وكما لو كتفه وطرحه في أرض مسبعة فقتله سبع أو نهشته حية فمات وقيل عمد.
فرع : قال ابن حمدان إذا أغرى كلبه على رجل فقتله لم يضمن بخلاف ما لو عقره أو خرق ثوبه "الرابع ألقاه في ماء يغرقه أو نار لا يمكنه التخلص منها" فمات به لأن الموت حصل بعد فعل يغلب على الظن إسناد القتل إليه فوجب كونه عمدا وظاهره أنه إذا ألقاه في ماء يسير فلبث فيه اختيارا حتى مات فهدر وإن تركه في نار يمكنه التخلص منها فلم يخرج حتى مات فلا قود ولا يضمن في وجه لأنه مهلك لنفسه بإقامته كماء يسير في الأصح لكن يضمن ما أصابت النار منه ويضمنه في آخر لأنه جان بالإلقاء المفضي إلى الهلاك لأن يسير النار مهلك بخلاف يسير الماء وقيل إن قدر أن ينجو منهما فلم يفعل حتى مات وجبت الدية.
مسألة : إذا حفر في بيته بئرا وستره ليقع فيه أحد فوقع فمات وقد دخل بإذنه فهو عمد وقيل لا كما لو دخل بلا إذنه أو كانت مكشوفة بحيث يراها
الخامس: خنقه بحبل أو غيره أو سد أنفه و فمه أو عصر خصيتيه حتى مات السادس حبسه ومنعه الطعام والشراب حتى مات جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا السابع سقاه سما لا يعلم به أو خلطه بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات
ـــــــ
الداخل ويقبل قول المالك في عدم الإذن "الخامس خنقه بحبل أو غيره" وهو نوعان أحدهما أن يخنقه في حبل في عنقه ثم يعلقه في خشبة أو نحوها فيموت فهو عمد سواء مات في الحال أو بقي زمنا لأن هذا جرت به عادة اللصوص والمفسدين
الثاني أن يخنقه وهو على الأرض أو سد أنفه و فمه حتى مات أي فعل ذلك في مدة يموت في مثلها غالبا فهو عمد وهو قول عمر بن عبد العزيز والنخعي وإن كان في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد خطإ ذكره في المغني والشرح وظاهره أنه يعتبر سدهما جميعا لأن الحياة في الغالب لا تفوت إلا بسدهما
نقل أبو داود إذا غمه حتى يقتله قتل به "أو عصر خصيتيه حتى مات" أي عصرهما عصرا يقتله غالبا فمات أو بقي سالما من ذلك كله مدة يموت فيها غالبا فالقود وإن صح ثم مات لم يضمنه لأنه لم يقتله أشبه ما لو برئ الجرح ثم مات "السادس حبسه ومنعه الطعام والشراب" ويتعذر عليه الطلب "حتى مات جوعا وعطشا في مدة يموت في مثلها غالبا" لأن الله تعالى أجرى العادة بالموت عنده فإذا تعمده الإنسان فقد تعمد القتل وقوله في مدة يموت في مثلها غالبا لأن الناس يختلفون في ذلك لأن الزمان إذا كان شديد الحرارة وكان الشخص جائعا مات في الزمان القليل وإن كان شبعان والزمن معتدل أو بارد لم يمت إلا في الزمن الطويل و مقتضاه أنه إذا كان في مدة لا يموت في مثلها غالبا فهو عمد الخطإ وإن شككنا فيها لم يجب القود أو ترك الأكل والشرب مع القدرة فمات فهدر "السابع سقاه سمعا لا يعلم به" فمات فعليه القود لأنه فعل فعلا يقتل مثله غالبا فكان عمدا كما لو ضربه بمحدد "أو خلطه سما" "بطعام فأطعمه أو خلطه بطعامه فأكله وهو لا يعلم به فمات" لما روى أنس أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة
فإن علم أكله به وهو بالغ عاقل أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه فإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين ويقبل في الآخر ويكون شبه عمد الثامن أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا التاسع أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو ردة أو زنى فيقتل بذلك ثم يرجعا.
ـــــــ
فأكل منها النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت فأمر بقتلها رواه أبو داود وأطلق ابن رزين فيما إذا ألقمه سما أو خلطه به قولين "فإن علم أكله به وهو بالغ عاقل" فلا ضمان عليه أشبه ما لو قدم إليه سكينا فقتل بها نفسه وعلم منه أنه يشترط لنفي الضمان أمران البلوغ والعقل لأن الصبي والمجنون لا عبرة بفعلهما ويشترط له أيضا شرط آخر لم يذكره المؤلف وهو العلم بكون السم قاتلا لأن من جهل ذلك لا يصح أن يقال علم بكونه قاتلا ذكره ابن المنجا إذ هو شيء يضاد القوة الحيوانية "أو خلطه بطعام نفسه فأكله إنسان بغير إذنه فلا ضمان عليه" لأنه لم يقتله وإنما الداخل قتل نفسه أشبه ما لو حفر في داره بئرا ليقع فيها اللص إذا دخل يسرق منها وكذا لو دخل بإذنه فأكل الطعام المسموم بلا إذنه "فإن ادعى القاتل بالسم أنني لم أعلم أنه سم قاتل لم يقبل قوله في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن السم يقتل غالبا أشبه ما لو جرحه وقال لا أعلم أنه يموت به "ويقبل في الآخر" وقيل ويجهله مثله لأنه يجوز أن يخفي عليه أنه قاتل وهذا شبهة تسقط القود "ويكون شبه عمد" لأنه من حيث أنه قصد فعل الشيء الداعي إلى القتل بشبه العمد كما لو كان لا يقتل مثله غالبا "الثامن أن يقتله بسحر يقتل مثله غالبا" إذا كان الساحر يعلم ذلك أشبه المحدد وكذا إذا بقي مدة يموت في مثلها غالبا ومقتضاه أنه إذا كان مما لا يقتل غالبا أنه خطأ العمد وعلى الأول لو ادعى الجهل بكونه يقتل ومثله يجهله أو كان غير قاتل أو ادعى قاتل المريض الجهل بمرضه في وجه فشبه عمد "التاسع أن يشهدا على رجل بقتل عمد أو ردة أو زنى" كذا في "المحرر" وعبارة "الوجيز" و"الفروع" ولو شهدت بينة بما يوجب قتله وهي أحسن "فيقتل بذلك ثم يرجعا" أو يرجع واحد من ستة ذكره في
ويقولا عمدنا قتله أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول الولي ذلك فهذا كله عمد محض موجب للقصاص إذا كملت شروطه.
ـــــــ
"الروضة" "ويقولا عمدنا قتله" وفي "الكافي" وعلمنا أنه يقتل وفي "المغني" لم يجز جهلهما به وفي "الترغيب" وفي "الرعاية" وكذبتهما قرينة فعليهما القود لما روى القاسم بن عبد الرحمن أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه أنه سرق فقطعه ثم رجعا عن شهادتهما فقال علي لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما ولأنهما توصلا إلى قتله بسبب يقتل غالبا أشبه المكره "أو يقول الحاكم علمت كذبهما وعمدت قتله أو يقول الولي ذلك" لزم القود لأنهما في معنى الشهود فكان الحاصل بسببهما عمدا كالقتل الحاصل بسبب الشاهدين فلو أقر الشاهدان والحاكم والولي جميعا بذلك فعلى الولي القصاص لأنه باشر القتل عمدا وعدوانا وقال في "الشرح" ينبغي ألا يجب على غيره شيء لأنهم متسببون والمباشرة تبطل حكم التسبب كالدافع مع الحافر وفي "الترغيب" وجه هما كممسك مع مباشر وإن لم يقر الولي فالقصاص على الشهود والحاكم لأنهم متسببون وحاصله أنه يختص بالمباشر العالم ثم وليا ثم البينة والحاكم وقيل ثم حاكما لأن سببه أخص من البينة فإن حكمه واسطة بين شهادتهم وقتله فلو باشر القتل وكيل الولي وأقر بالعلم وتعمد القتل ظلما فهو القاتل وإلا فالحكم يتعلق بالولي وقيل في قتل حاكم وجهان كمزك فإن المزكي لا يقتل عند القاضي لأنه غير ملجئ ويقتل عند أبي الخطاب وغيره وإذا صار الأمر إلى الدية على البينة والحاكم فقيل على عددهم وقيل نصفين ولو رجع الولي والبينة ضمنه الولي
فرع : إذا قال بعضهم عمدت قتله وبعضهم أخطأت فلا قود على المتعمد على الأصح وعليه بحصته من الدية المغلظة و المخطئ من المخففة ولو قال كل واحد تعمدت وأخطأ شريكي فوجهان في القود ولو قال كل واحد عمدنا والآخر أخطأنا لزم المقر بالعمد القود والآخر نصف الدية "فهذا" كله أي الأقسام التسعة وشبهه "عمد محض" أي لا شبهة فيه "موجب للقصاص" بغير خلاف نعلمه "إذا كملت
فصل
وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير أو يلكزه أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا أو يصيح بصبي أو معتوه وهما على لسطح فيسقطان.
ـــــــ
شروطه أي بالشروط السابقة.
فصل
"وشبه العمد أن يقصد الجناية بما لا يقتل غالبا" هذا بيان لشبه العمد سمي بذلك لأنه قصد الفعل وأخطأ في القتل وسمي خطأ العمد وعمد الخطإ لاجتماعهما فيه فقوله يقصد الجناية يحترز به عن الخطإ وبما لا يقتل غالبا يحترز به عن العمد المحض زاد في "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" ولم يجرحه بها وقال جماعة ولم يقصد قتله "فيقتل إما لقصد العدوان عليه أو لقصد التأديب له فيسرف فيه" فهذا لا قود فيه في قول الأكثر لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه رواه أحمد وأبو داود وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا إلا أن في قتل الخطإ شبه العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها رواه أبو داود وابن ماجة ولهم من حديث ابن عمر مثله ورواهما النسائي والدارقطني مسندا ومرسلا سماه "خطأ العمد" وأوجب فيه الدية لا القصاص وهذا قسم ثبت بالسنة والقسمان الآخران ثبتا بالكتاب "نحو أن يضربه بسوط أو عصا أو حجر صغير" لأن العادة لم تجر بقتله بذلك "أو يلكزه" اللكز الضرب بجميع الكف أي موضع من جسده وقال في "النهاية" هو الضرب بالكف في الصدر "أو يلقيه في ماء قليل أو يسحره بما لا يقتل غالبا" والمرجع في ذلك إلى أهل العلم به لأن ما يقتل غالبا هو عمد "أو يصيح بصبي أو معتوه" وفي "الواضح" أو امرأة وقيل أو مكلف "وهما على سطح فيسقطان" لأن الصياح في العادة لا يقتل غالبا فإذا
أو يغتفل عاقلا فيصيح به فيسقط أو نحو ذلك
فصل
والخطأ على ضربين: أحدهما: أن يرمي الصيد أو يفعل ما له فعله فيقتل إنسانا فعليه الكفارة والدية على العاقلة.
ـــــــ
تعقبه الموت كان شبه عمد "أو يغتفل عاقلا فيصيح به فيسقط أو نحو ذلك" كذهاب عقله فالدية على العاقلة لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن دية جنينها عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه فأوجب ديتها على العاقلة وهي لا تحمل العمد نقل الفضل في رجل بيده سكين فصاح به رجل فرمى بها فعقرت رجلا هل على من صاح به شيء؟
قال هذا أخشى عليه قد صاح به.
فرع إذا أمسك الحية كمدعي المشيخة فقتلته فقاتل نفسه وإن قيل أنه ظن أنها لا تقتل فشبه عمد بمنزلة من أكل حتى بشم فإنه لم يقصد قتل نفسه وإمساك الحيات جناية وهو محرم ذكره الشيخ تقي الدين.
فصل
"والخطأ على ضربين أحدهما أن يرمي الصيد أو يفعل ماله فعله فيقتل إنسانا فعليه الكفارة و الدية على العاقلة" قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن القتل الخطأ أن يرمي شيئا فيصيب غيره لا أعلمهم يختلفون وتجب الكفارة على القاتل ل قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فالدية على العاقلة لأنها إذا وجبت الدية عليها في شبه العمد فلأن تجب في الخطأ بطريق الأولى ولأن الخطأ يكثر فلو وجبت الدية على القاتل لأجحف به فناسب تعليقها بالعاقلة لتحصيل مجموع الأمرين من إيفاء المجني عليه حقه مع عدم الإجحاف بالجاني
الثاني أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيا ويكون مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة و في وجوب الدية على العاقلة روايتان و الذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب سكينا أو حجرا فيؤول إلى إتلاف إنسان و عمد الصبي و المجنون فهذا كله لا قصاص فيه و الدية على العاقلة
ـــــــ
مسألة: من قال كنت يوم قتله صغيرا أو مجنونا وأمكن صدق بيمينه "الثاني أن يقتل في دار الحرب من يظنه حربيا ويكون مسلما أو يرمي إلى صف الكفار فيصيب مسلما أو يتترس الكفار بمسلم ويخاف على المسلمين إن لم يرمهم فيرميهم فيقتل المسلم فهذا فيه الكفارة" روي عن ابن عباس وقاله عطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم ل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] "و في وجوب الدية على العاقلة روايتان" إحداهما تجب ل قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النساء: 92] الآية وللخبر السابق ولأنه قتل مسلما خطأ فوجبت كما لو كان في دار الإسلام والثانية لا تجب وهي ظاهر المذهب ل قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: 92] الآية فلم يذكر دية في هذا القسم وذكرها في الذي قبله وبعده وهذا ظاهر في أنها غير واجبة وبها يخص عموم ما ذكر وعنه تجب في الأخيرة وفي "عيون المسائل" عكسها لأنه فعل الواجب هنا "والذي أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا أو ينصب سكينا أو حجرا" تعديا ولم يقصد جناية "فيؤول إلى إتلاف إنسان" لأنه يشارك الخطأ في الإتلاف وإنما لم يجعل خطأ لعدم القصد في الجملة وقال بعض أصحابنا الأقسام ثلاثة فيكون ما ذكر خطأ وصرح به في "الفروع" قال في "المحرر" والقتل بالسبب ملحق بالخطأ إذا لم يقصد به الجناية فإن قصدها فشبه عمد وقد يقوى فيلحق بالعمد كما ذكرنا في الإكراه والشهادة "وعمد الصبي والمجنون فهذا كله لا قصاص فيه" لأنه إذا لم يجب بالخطأ فهذا أولى "والدية على العاقلة" لأنها
وعليه الكفارة في ماله.
فصل
وتقتل الجماعة بالواحد وعنه لا يقتلون والمذهب الأول.
------------------------
تحمل دية الخطأ فما أجري مجراه كذلك وعليه الكفارة في ماله لأن الأمر في الخطإ كذلك في الذي أجري مجراه.
فصل
"وتقتل الجماعة بالواحد" على الأشهر لما روى ابن عمر أن غلاما قتل غيلة فقال عمر لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم رواه البخاري وهذا إذا كان فعل كل واحد منهم صالحا للقتل به وإلا فلا ما لم يتواطؤوا على ذلك "وعنه لا يقتلون" نقلها حنبل روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير ل قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] يدل على أنه لا يوجد أكثر من نفس واحدة بنفس واحدة ولأن كل واحد من الجماعة مكافئ للمقتول فلا يؤخذ أبدال بمبدل واحد كما لا تؤخذ ديات بمقتول واحد ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد فالتفاوت في العدد أولى و عليها تلزمهم دية واحدة.
قال ابن المنذر لا حجة مع من أوجب قتل الجماعة بواحد وعلى الأولى تلزمهم دية واحدة نص عليه وهو أشهر كخطأ و نقل ابن ماهان تلزمهم ديات كما لو انفرد كل واحد منهم ونقل ابن منصور والفضل أن قتله ثلاثة فله قتل أحدهم والعفو عن آخر وأخذ الدية كاملة من أحدهم و"المذهب الأول" لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179] لأنه إذا علم أنه متى قتل قتل به انكف عنه فلو لم يشرع القصاص في الجماعة بالواحد لبطلت الحكمة في مشروعية القصاص ولإجماع الصحابة فروى سعيد عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وعن علي وابن عباس معناه ولم نعرف لهم في عصرهم مخالفا فكان
وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة فهما سواء في القصاص والدية وإن قطع أحدهما من الكوع ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع
ـــــــ
كالإجماع ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت على الجماعة كحد القذف والفرق بين قتل الجماعة والدية أن الدم لا يتبعض بخلاف الدية وهذا إذا قلنا أن موجب العمد أحد شيئين القصاص أو الدية فمتى عفا عن القود تعينت الدية وإن قلنا موجبة القود فقط فللأولياء أن يعفو عن القليل والكثير من غير تقدير "وإن جرحه أحدهما جرحا والآخر مائة" جرح أو أوضحه أحدهما أو شجه الآخر أمة أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة "فهما سواء في القصاص والدية" لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفى باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء الحكم ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت به دون المائة.
فرع : إذا اشترك ثلاثة فقطع أحدهم يده والآخر رجله والثالث أوضحه فمات فللولي قتل جميعهم والعفو عنهم إلى الدية ويأخذ من كل واحد ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وأن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثي الدية ويقتل الثالث "وإن قطع أحدهما من الكوع ثم قطعه الآخر من المرفق فهما قاتلان" أي فهما سواء في القصاص أو الدية إذا قطع الثاني قبل بروء جراحة الأول على المذهب لأنهما قطعان فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص كما لو كانا في يدين وقيل القاتل هو الثاني فيقاد الأول لأن قطع الثاني قطع سراية قطعه ومات بعد زوال جنايته وعلى الأول إن سقط القود بعفو غرما ديته نصفين وإن اندمل الجرحان فعلى من قطع من الكوع القود وعلى الآخر حكومة وعنه ثلث دية اليد ولو قتلوه بأفعال لا يصلح واحد لقتله نحو أن يضربه كل منهم سوطا في حاله أو متواليا فلا قود وفيه عن تواطئ وجهان قاله في "الترغيب" "وإن فعل أحدهما فعلا لا تبقى الحياة معه كقطع
حشوته أو مريئه أو ودجيه ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول ويعزر الثاني وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني وعلى الأول ضمان ما أتلف بالقصاص أو الدية وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني.
ـــــــ
حشوته" بضم الحاء وكسرها أمعاؤه "أو مريئه" بالهمز وهو مجرى الطعام والشراب في الحلق "أو ودجيه" بفتح الواو وكسرها والودجان هما عرقان في العنق "ثم ضرب عنقه آخر فالقاتل هو الأول" لأن الحياة لا تبقى مع جنايته "ويعزر الثاني" كما لو جنى على ميت فلهذا لا يضمنه ودل على أن هذا التصرف فيه كميت لو كان عبدا فلا يصح بيعه كذا جعلوا الضابط من يعيش مثله ومن لا يعيش وكذا علل الخرقي المسألتين مع أنه قال في الذي لا يعيش خرق بطنه وأخرج حشوته فقطعها فأبانها منه وهذا يقتضي أنه لو لم يبنها لم يكن حكمه كذلك مع أنه بقطعها لا يعيش فاعتبر كونه لا يعيش في موضع خاص فتعميم الأصحاب فيه نظر "وإن شق الأول بطنه أو قطع يده ثم ضرب الثاني عنقه فالقاتل هو الثاني" لأنه هو المفوت للنفس جزما فعلى هذا عليه القصاص في النفس والدية إن عفا عنه لأنه لم يخرج بجرح الأول من حكم الحياة "وعلى الأول ضمان ما أتلف" لأنه حصل بجنايته "بالقصاص أو الدية" لأن الحياة تارة تكون موجبة للقصاص كقطع اليد عمدا وتارة لا تكون كذلك كقطعها خطأ لكن جرح الأول إن كان موجبا للقصاص خير بين قطع طرفه والعفو عن ديته والعفو مطلقا وإن كان لا يوجب قودا كالجائفة فعليه الأرش وإنما جعلنا عليه القصاص لأن الثاني بفعله قطع سراية الأول وإن كان جرح الأول يفضي إلى الموت لا محالة إلا أنه لا يخرج به من حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة فالقاتل هو الثاني لأن عمر لما جرح وسقي لبنا فخرج من جوفه فعلم أنه ميت وعهد إلى الناس وجعل الخلافة في أهل الشورى فقبل الصحابة عهده وعملوا به "وإن رماه من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقده فالقاتل هو الثاني" لأنه فوت حياته قبل المصير إلى حال ييأس فيها من حياته أشبه ما لو رماه بسهم فبادره آخر فقطع عنقه قبل وصول
وإن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين ، وإن أكره إنسانا على القتل فقتل فالقصاص عليهما . وإن أمر من لا يميز أو مجنونا أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم فقتل فالقصاص على الآمر .
ـــــــ
السهم إليه ولأن الرمي سبب والقتل مباشرة "وإن رماه في لجة فتلقاه حوت فابتلعه فالقود على الرامي في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" وهو المذهب لأنه تسبب إلى قتله ولم توجد مباشرة فصلح إسناد القتل إليه فوجب أن يعمل السبب عمله وبه فارق ما تقدم.
والثاني لا قود عليه لأنه متسبب والإتلاف حصل بالمباشرة وهو يوجب قطع التسبب وكما لو منعه موج أو غيره أو كان الماء غير معروف والأول أصح لأن قطع التسبب لا يكون إلا بشرط صلاحية إسناد التلف إلى المباشرة وهو مفقود هنا وعلى هذا لا فرق بين أن يلتقمه قبل أن يمس الماء أو بعده قبل الغرق أو بعده وقيل إن التقمه بعد حصوله فيه قبل غرقه وقيل شبه عمد ومع قلة فإن علم بالحوت فالقود وإلا دية "وإن أكره إنسانا" مكلفا "على القتل" أي على قتل مكافئه "فقتل فالقصاص" أو الدية قاله في "المحرر" و"الوجيز" "عليهما" لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبا أشبه ما لو أنهشه حية والمكره قتله ظلما لاستبقاء نفسه كما لو قتله في المجاعة ليأكله فعلى هذا إن صار الأمر إلى الدية فهي عليهما كالشريكين وفي "الموجز" إذا قلنا تقتل الجماعة بالواحد وخصه بعضهم بمكره ويتوجه عكسه لا يقال المكره ملجأ لأنه غير صحيح لأنه متمكن من الامتناع ولهذا يأثم بالقتل وقوله عليه السلام "عفي لأمتي عما استكرهوا عليه" محمول على غير القتل "وإن أمر من لا يميز أو مجنونا" أو أعجميا لا يعلم خطر القتل وفي "الرعاية" و"الفروع" أو كبيرا يجهل تحريمه "أو عبده الذي لا يعلم أن القتل محرم" كمن نشأ في غير بلاد الإسلام "فقتل فالقصاص على الآمر" لأن القاتل هنا كالآلة أشبه ما لو أنهشه حية ونقل مهنا إذا أمر صبيا أن يضرب رجلا فضربه فقتله فعلى الآمر ولا شيء عليه بدفع سكين إليه ولم يأمره وفي
وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك ، فالقصاص على القاتل وإن لم يعلم فعلى الآمر .
ـــــــ
"الانتصار" إن أمر صبيا وجب على آمره وشريكه في رواية وإن سلم لا يلزمهما فلعجزه غالبا وظاهره أنه إذا أقام في بلاد الإسلام بين أهله فلا يخفى عليه تحريم القتل ولا يعذر فيه إذا كان عالما وحينئذ يقتل العبد ويؤدب سيده الآمر نص عليه وعنه يقتل الآمر ويحبس العبد حتى يموت كممسكه وعلم أنه إذا أمره بزنى أو سرقة فعلى المباشر "وإن أمر كبيرا عاقلا عالما بتحريم القتل فقتل فالقصاص على القاتل" بغير خلاف نعلمه لأنه مقتول ظلما فوجب عليه القصاص كما لو لم يؤمر وقال ابن المنجا المراد بالكبير هنا من يميز وليس بكبير فلا قود عليه ولا على الآمر لأنه غير مكلف ولأن تمييزه يمنع كونه كالآلة وليس بظاهر.
فرع : إذا قال لغيره اقتلني أو اجرحني ففعل غير مكره وهما مكلفان فهدر نص عليه وعنه تلزم الدية وعنه عليه دية نفسه إرثا ويحتمل القود ولو قال ذلك عبد لمن يقتل به فقتله ضمنه لسيده بمال فقط نص عليه ولو قال اقتلني وإلا قتلتك فخلاف كإذنه وفي "الانتصار" لا إثم ولا كفارة وفي "الرعاية" اقتل نفسك وإلا قتلتك إكراه كاحتمال في اقتل زيدا أو عمرا "وإن أمر السلطان بقتل إنسان بغير حق من يعلم ذلك فالقصاص على القاتل" لأنه غير معذور في فعله لقوله عليه السلام "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ولأن غير السلطان لو أمره بذلك كان القصاص على المباشر علم أو لم يعلم ويحتمل إن خاف السلطان قتل كما لو أكره "وإن لم يعلم فعلى الآمر" لأن المأمور معذور لوجوب طاعة الإمام في غير المعصية والظاهر من حاله أنه لا يأمر إلا بالحق.
فرع : إذا أكره السلطان على قتل أحد بغير حق فالقود أو الدية عليهما فإن كان الإمام يعتقد جواز القتل دون المأمور كمسلم قتل ذمي فقال القاضي الضمان
إنسانا لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين والأخرى : يقتل أيضا وإن كتف إنسانا وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك
ـــــــ
عليه دون الإمام لأنه قتل من لا يحل له قتله قال في "المغني" ينبغي أن يفرق بين المجتهد والمقلد فإن كان مجتهدا فهو كقول القاضي وإن كان مقلدا فلا ضمان عليه لأن له تقليد الإمام فيما رآه وإن كان الإمام يعتقد تحريمه والمأمور يعتقد حله فالضمان على الآمر كما لو أمر السيد عبده الذي لا يعتقد تحريم القتل به "وإن أمسك إنسانا لآخر ليقتله فقتله قتل القاتل" بغير خلاف نعلمه لأنه قتل من يكافئه عمدا بغير حق "وحبس الممسك حتى يموت في إحدى الروايتين" نصره في "الشرح" وقدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لما روى ابن عمر مرفوعا قال "إذا أمسك الرجل وقتله الآخر قتل القاتل ويحبس الذي أمسك " رواه الدارقطني وروى الشافعي نحوه من قضاء علي رضي الله عنه ولأنه حبسه إلى الموت فيحبس الآخر عن الطعام والشراب حتى يموت "والأخرى يقتل أيضا" اختارها أبو محمد الجوزي وقدمها في "الرعاية" وادعاه سليمان بن موسى إجماعا لأن قتله حصل بفعلهما كما لو جرحاه لكن إن لم يعلم الممسك أنه يقتله أنه لا شيء عليه وكذا الخلاف لو فتح واحد فمه وسقاه آخر سما قاتلا فمات وجزم في "الوجيز" بقتله ومثله لو أمسكه ليقطع طرفه ذكره في "الانتصار" أو تبع رجلا ليقتله فهرب فأدركه آخر فقطع رجله ثم أدركه الثاني فقتله فإن كان الأول حبسه بالقطع ليقتله الثاني فعليه القود في القطع وحكمه في النفس حكم الممسك فإن لم يقصد حبسه فعليه القطع دون القتل كالذي أمسك غير عالم "وإن كتف إنسانا وطرحه في أرض مسبعة أو ذات حيات فقتلته فحكمه حكم الممسك" ذكره القاضي قال المؤلف والصحيح أنه لا قصاص فيه لأنه لا يقتل غالبا وتجب فيه الدية لأنه فعل به فعلا متعمدا لا يقتل غالبا فهو شبه عمد.
فرع : إذا أمسك زيد عبدا فقتله آخر ضمنه زيد ورجع على عاقلته وله تضمين أيهما شاء وإن أمسكه لغير قتله لم يضمنه الممسك بحال قاله في
فصل
اشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب و أجنبي في قتل الولد و الحر و العبد في قتل العبد و الخاطئ و العامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان أظهرهما و جوبه على شريك الأب والعبد و سقوطه عن شريك الخاطئ
------------------------
"الرعاية" ومن تعرض لقتل زيد ولم يدفعه عن نفسه وسكت فقتله ضمنه إن قلنا الدية إرث وإن قلنا له فوجهان.
فصل
"إن أشترك في القتل اثنان لا يجب القصاص على أحدهما كالأب وأجنبي في قتل الولد والحر والعبد في قتل العبد والخاطئ والعامد ففي وجوب القصاص على الشريك روايتان" إحداهما لا قصاص عليه لأنه تركب من موجب وغير موجب فلم يجب القصاص لكون القتل لم يتمحض موجبا.
والثانية يجب على الشريك قدمها في الرعاية واختارها أبو محمد الجوزي لأن سقوطه عن شريكه لمعنى مختص به فلم ينفذ إلى غيره.
وكما لو أكره أبا على قتل ابنه "أظهرهما وجوبه على شريك الأب والعبد" لأن قتلهما محض عمد عدوان و لأنه شارك في القتل العمد العدوان فيقتل به كشريك الأجنبي وفعل الأب يقتضي الإيجاب لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم إثما ولذلك خصه الله بالنهي وإنما امتنع الوجوب في حق الأب لمعنى مختص بالمحل لا لقصور في السبب الموجب وكذلك كل شريكين امتنع القود في حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور في السبب كمسلم وذمي في قتل ذمي "وسقوطه عن شريك الخاطئ" في قوله أكثر العلماء لأنه لم يتمحض عمدا فلم يجب به قود كشبه العمد وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ وكذا الخلاف لو اشترك مكلف وغير مكلف والأصح في "المذهب" أنه لا قصاص على البالغ وهو قول الحسن والأوزاعي لأنه شارك من لا إثم عليه في
وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم أو فعل ذلك وليه أو الإمام ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان.
ـــــــ
فعله كشريك خاطئ "وفي شريك السبع وشريك نفسه وجهان" وصورته أن يجرحه أسد أو نمر أو يجرحه إنسان ثم يجرح نفسه متعمدا وهما في شريك الولي المقتص وشريك القاطع حدا وشريك دفع الصائل أحدهما لا قصاص فيه لأنه شارك من لا يجب عليه القصاص كشريك الخاطئ بل أولى.
والثاني عليه القصاص واختاره أبو بكر وجزم به في "الوجيز" وهو المنصوص لأنه قتل عمد متمحض ووجب القصاص على الشريك كشريك الأب فأما إن جرح نفسه خطأ فلا قصاص على شريكه في الأصح وإذا قلنا لا قود عليه أو عدل إلى طلب المال منه لزمه نصف الدية وقيل يلزمه كمالها في شريك السبع خاصة وقيل يلزمه كما لها في شريكه المقتص ودية شريك مخطئ في ماله لا على عاقلته على الأصح قاله القاضي "ولو جرحه إنسان عمدا فداوى جرحه بسم أو خاطه في اللحم" الحي "أو فعل ذلك وليه أو الإمام" فمات "ففي وجوب القصاص على الجارح وجهان" أحدهما لا قصاص عليه وهو أشهر لأن المداوي قصد مداواة النفس فكان فعله عمدا خطأ كشريك الخاطئ.
والثاني بلى لأنه شريك في القتل لكن إن كان سم ساعة يقتل في الحال فقد قتل نفسه وقطع سراية الجرح وجرى مجرى من ذبح نفسه بعد أن جرح وينظر في الجرح فإن مكان موجبا للقصاص فلوليه استيفاؤه وإلا أخذ الأرش وإن كان السم لا يقتل غالبا ففعل الرجل في نفسه عمد الخطإ وشريكه كشريك الخاطئ وإن خاطه غيره بغير إذنه كرها فهما قاتلان عليهما القود.
باب شروط القصاص
و هي أربعة أحدها أن يكون الجاني مكلفا فأما الصبي و المجنون فلا قصاص عليهما و في السكران و شبهه روايتان أصحهما و جوبه عليه
فصل
الثاني أن يكون المقتول معصوما
ـــــــ
باب شروط القصاص"وهي أربعه" وسيذكرها المؤلف طأحدهما أن يكون الجاني مكلفا" لأن القصاص عقوبة وغير المكلف ليس محلا لها "فأما الصبي والمجنون فلا قصاص عليهما" بغير خلاف لأن التكليف من شروطه وهو معدوم وكذا إذا كان زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمغمى عليه لأنه لا قصد لهم صحيح فلو قال القاتل كنت يوم القتل صغيرا أو مجنونا صدق مع الإمكان بيمينه وإن قال أنا الآن صغير فلا قود ولا يمين "وفي السكران وشبهه" كمن زال عقله بسبب غير معذور فيه كمن يشرب الأدوية المخبثة "روايتان" وذكر أبو الخطاب أن ذلك مبني على طلاقه وفيه روايتان فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان أحدهما لا يجب عليه لأنه زائل العقل أشبه المجنون ولأنه غير مكلف أشبه الصبي "أصحهما وجوبه عليه" نصره في "المغني" و"الشرح" وجزم به القاضي وصاحب "الوجيز" لأن الصحابة أوجبوا عليه حد القذف وإذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمي أولى ولأنه يفضي إلى أن يصير عصيانه سببا لإسقاط العقوبة عنه و الطلاق قول يمكن إلغاؤه بخلاف القتل.
فصل
"الثاني أن يكون المقتول معصوما" أي معصوم الدم لأن القصاص إنما شرع حفظا للدماء المعصومة وزجرا عن إتلاف البنية المطلوب بقاؤها وذلك معدوم في
فلا يجب القصاص بقتل حربي ولا مرتد ولا زان محصن ، وإن كان القاتل ذميا . ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي ، فأسلم ثم مات ، أو رمى حربيا ، فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه ، وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به ، فلا قصاص ، وفي الدية وجهان .
ـــــــ
غير المعصوم "فلا يجب القصاص بقتل حربي" لا نعلم فيه خلافا ولا تجب بقتله دية ولا كفارة لأنه مباح الدم على الإطلاق كالخنزير ولأن الله تعالى أمر بقتله فقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } [التوبة:5] وسواء كان القاتل مسلما أو ذميا ولا مرتد لأنه مباح الدم أشبه الحربي "ولا زان محصن" أي لا يجب بقتله قصاص ولا دية ولا كفارة كالمرتد وحكي بعضهم وجها أن على عاقلته القود لأن قتله إلى الإمام كمن عليه القصاص إذا قتله غير مستحق وجوابه بأنه مباح الدم متحتم قتله فلم يضمن كالحربي وظاهره ولو قبل ثبوته عند حاكم قال في "الرعاية" و"الفروع" والمراد قبل التوبة فهدر وإن بعدها إن قبلت ظاهرا فكإسلام طارئ فدل أن طرف محصن كمرتد لاسيما وقولهم عضو من نفس وجب قتلها ولكن يعزر للافتئات على ولي الأمر كمن قتل حربيا "وإن كان القاتل ذميا" فيه.
تنبيه : على مساواة الذمي للمسلم في ذلك لأن القتل منهما صادف محله ويحتمل في قتل الذمي بالزاني المحصن قاله في "الترغيب" لأن الحد لنا والإمام نائب قال في "الروضة" إن أسرع ولي قتيل أو أجنبي فقتل قاطع طريق قبل وصوله الإمام فلا قود لأنه انهدر دمه وظاهره ولا دية وليس كذلك "ولو قطع مسلم أو ذمي يد مرتد أو حربي فأسلم ثم مات أو رمى حربيا فأسلم قبل أن يقع به السهم فلا شيء عليه" لأنه لم يجن على معصوم ولأنه رمى من هو مأمور برميه فلم يضمن لأن الاعتبار في التضمين بحال ابتداء الحياة لأنها موجبة وحالها لم يكن كل من الحربي والمرتد أهلا لأن يضمن فلم يكن على الجاني شيء لفوات الأهلية المشترطة لوجوب الضمان وظاهره أنه لا قصاص و لا دية عليه وجعله في "الترغيب" كمن أسلم قبل الإصابة "وإن رمى مرتدا فأسلم قبل وقوع السهم به فلا قصاص" لأنه رمى من ليس بمعصوم أشبه الحربي "وفي الدية وجهان" أحدهما لا تجب وهو الأشهر كردة مسلم وكالحربي.
وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين وفي الآخر يجب القصاص في الطرف أو نصف الدية وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في النفس
ـــــــ
والثاني تجب لأن الرمي هنا محرم لما فيه من الافتئات على الإمام وكتلفه ببئر حفرت وقيل كمرتد لتفريطه إذ قتله ليس إليه والعمل على الأول قاله الحلواني
فائدة : قال في "الرعاية" وإن رمى مرتدا أو حربيا فأصابه بعد إسلامه فمات فهدر كما لو بان أن الحربي كان قد أسلم قبل الرمي وكتم إسلامه وقيل تجب الدية وقيل للمرتد فقط وهي دية حر مسلم مخففة على عاقلته وقيل يقتل به "وإن قطع يد مسلم فارتد ومات فلا شيء على القاطع في أحد الوجهين" هذا هو الأصح لأنها نفس مرتد غير معصوم بدليل ما لو قطع طرف ذمي فصار حربيا ثم مات من جراحه وأما اليد فالصحيح أنه لا قود فيها أصلهما هل يفعل به كفعله أم في النفس فقط وهل يستوفيه الإمام أم قريبه فيه وجهان أصلهما هل ماله فيء أم لورثته والوجه الثاني يجب كما لو قطع طرفه ثم جاء آخر فقتله وجوابه بأنه قطع صار قتلا لم يجب به القتل فلم يجب به القطع كما لو قطع من غير مفصل وظاهره أنه لا تجب دية الطرف في وجه لأنه قتل لغير معصوم وتجب في آخر لأن سقوط حكم سراية الجرح لا يسقط ضمانه كما لو قطع طرف رجل ثم قتله آخر فعلى هذا يجب ضمانه فلو قطع يديه ورجليه ثم ارتد ومات ففيه ديتان لأن الردة قطعت حكم السراية وعلى الأول يجب عليه الأقل من دية النفس أو الطرف يستوفيه الإمام "وفي الآخر يجب القصاص في الطرف" لأن المجني عليه حال القطع كان مكافئا والقتل بسبب القطع غير موجب للقصاص هنا فوجب القطع لانتفاء إفضائه إلى القصاص في النفس "أو نصف الدية" لما سبق وقيل لا قود ولا دية في عمد ذلك ولا خطئه لأن الجرح صار بالسراية نفسا فيدخل القطع فيه تبعا ولو قتله في تلك الحال لم يضمنه فكذا إذا مات بالسراية "وإن عاد إلى الإسلام ثم مات وجب القصاص في
في ظاهر كلامه وقال القاضي إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية لا قصاص فيه.
فصل
الثالث:أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني.
ـــــــ
النفس" مع العمد أو الدية مع الخطأ "في ظاهر كلامه" ونص عليه في رواية محمد بن الحكم لأنه مسلم حال الجناية والموت فوجب القصاص بقتله كما لو لم يرتد وأما الدية فتجب كاملة وقيل نصفها لأنها من جرح مضمون وسراية غير مضمونة كما لو جرحه إنسان وجرح نفسه ومات منهما "وقال القاضي" يتوجه عندي واختاره في "التبصرة" "إن كان زمن الردة مما تسري فيه الجناية فلا قصاص فيه" كما لو عفى بعض المستحقين ولهذا لو وجدت الردة في أحد الطرفين لم يجب القصاص ويجب نصف الدية وقيل كلها وهل تجب في الطرف الذي قطع في إسلامه فيه وجهان
تنبيه : إذا رمى مسلما فلم يقع به السهم حتى ارتد فلا ضمان عليه وفي دية الجرح روايتان إحداهما حال الإصابة والثانية حال السراية وهل الاعتبار في القتل بحال الرامي أو بحال الإصابة فيه.
وجهان؟ قال في "الرعاية" والأولى أن كل جناية تهدر ابتداء تهدر دواما وإن تغير الحال بعد وما ضمن ابتداء ضمن دواما ويعتبر المقدار بالآخرة فلو تبدل حال الرامي والمرمي بين الإصابة والرمي فلا قود حتى يكمل حالها في الطرفين وفي تحمل العقل يعتبر الطرفان والواسطة وإذا كان الدم في الطرفين اعتبر الضمان بالآخرة وإن كان مضمونا حين الرمي دون الإصابة فهدر وإن انعكس ضمن حال الإصابة.
فصل
"الثالث أن يكون المجني عليه مكافئا للجاني" لأن المجني عليه إذا لم يكن
وهو أن يساويه في الدين والحرية والرق فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله ويقتل الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر في الصحيح عنه.
ـــــــ
مكافئا للجاني فيكون آخذه آخذا به لأكثر من الحق "وهو أن يساويه في الدين" لقوله عليه السلام: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ولا يقتل مؤمن بكافر" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وفي لفظ "ولا يقتل مسلم بكافر" وعن علي قال من السنة ألا يقتل مؤمن مسلم بكافر رواه أحمد ولأن الكافر منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن لا يقال الآيات والأخبار الدالة على قتل المسلم بمثله شاملة لقتل المسلم بالكافر لأنه يجب تخصيصها بما ذكر وقد روى السلماني أقاد مسلما بذمي قتل قال أحمد ليس له إسناد وقال أيضا هو مرسل وقال الدارقطني السلماني ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل "والحرية والرق" لقول علي وابن عباس لا يقتل حر بعبد رواه الدارقطني ولأنهما شخصان لا يجري بينهما القصاص في الأطراف السليمة فلم يجب في النفس كالأبوة ولأنه منقوص بالرق فلم يقتل به الحر لرجحانه عليه بوصف الحرية "فيقتل كل واحد من المسلم الحر أو العبد والذمي الحر أو العبد بمثله" لحصول المكافأة بينهما ويقتل الذمي بمثله اتفقت أديانهم أو اختلفت نص عليه في النصراني يقتل بالمجوسي وذمي بمستأمن وعكسه والعبد المسلم بمثله في قول أكثرهم ل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية وكتفاوت الفضائل كالعلم والشرف لا مكاتب بعبده ويقتل بعبده ذي الرحم المحرم في الأشهر فإن قتل رقيق مسلم رقيقا مسلما لذمي ففي جواز القود وجهان وإن تساوت القيمة وإن قتل عبد ذمي عبدا مسلما قتل به ويقتل قن بمكاتب في الأصح فإن كانا لسيد فلا قود في وجه ويقتل كل منهما بالمدبر وأم الولد وبالعكس
فرع: إذا قتل من بعضه حر مثله أو أكثر منه حرية قتل به في الأصح ولا يقتل بعبد ولا يقتل به حر "ويقتل الذكر بالأنثى" بغير خلاف ل قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة:45] ولأنه عليه السلام قتل يهوديا رض رأس جارية بين حجرين ولأنهما شخصان يحد كل واحد منهما
وعنه يعطى الذكر نصف الدية إذا قتل بالأنثى وعنه لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما ولا عمل عليه ويقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر والمرتد بالذمي وإن عاد إلى الإسلام نص عليه ولا يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد.
ـــــــ
بقذف الآخر فقتل به كالرجل بالرجل "والأنثى بالذكر في الصحيح عنه" في قول عامتهم لأنها دونه "وعنه يعطى الذكر نصف الدية إذا قتل بالأنثى" لما روى سعيد ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عن علي قال يقتل الرجل بالمرأة ويعطى أولياؤه نصف الدية ولأن ديتها نصف ديته فوجب أن يعطى ذلك ليحصل التساوي "وعنه لا يقتل العبد بالعبد إلا أن تستوي قيمتهما" لأنه بدل مال فيعتبر فيه التساوي كالقيمة "ولا عمل عليه" والصحيح الأول للنص ولأنه قصاص فلا يعتبر فيه التساوي في القيمة كالأحرار ولم يتعرض المؤلف للخنثى وحاصله أنه يقتل كل واحد من الذكر والأنثى بالخنثى ويقتل بهما لأنه إما رجل أو امرأة "ويقتل الكافر بالمسلم" لأنه عليه السلام قتل يهوديا بجارية ولأنه إذا قتل بمثله فمن فوقه أولى "والعبد بالحر" لأنه أكمل منه أشبه قتل الكافر بالمسلم "والمرتد بالذمي" لأن المرتد كافر فيقتل بالذمي كالأصلي لأن المرتد أسوأ حالا من الذمي لأنه مهدر الدم بخلاف الذمي فعلى هذا لا فرق بين أن يبقى على ردته أو يعود إلى الإسلام ونبه عليه بقوله "وإن عاد إلى الإسلام نص عليه" لأن الاعتبار في القصاص بحال الجناية وحالة المرتد والذمي سواء بالنسبة إلى نفس الكفر "ولا يقتل مسلم بكافر" مطلقا في قول أكثر العلماء منهم عمر وعثمان وعلي وزيد لقوله عليه السلام: "لا يقتل مسلم بكافر" رواه البخاري وظاهره ولو ارتد ولأنه منقوص بالكفر فلا يقتل به المسلم كالمستأمن وقيل يقتل به للعمومات وإن الخبر في الحربي كما يقطع بسرقة ماله وفي كلام بعضهم غير حكم النفس بدليل القطع بسرقة مال زان محصن و قاتل في محاربة ولا يقتل قاتلهما والفرق أن ما لهما باق على العصمة كمال غيرهما وعصمة دمهما زالت وعجب أحمد من قوله الشعبي والنخعي أنه يقتل المسلم بالمجوسي واستشنعه لأنه ليس بمحقون الدم "ولا حر بعبد" لقوله تعالى
إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به ولو جرح مسلم ذميا أو جرح حر عبدا ثم أسلم المجروح وعتق ومات فلا قود وعليه دية حر مسلم في قول ابن حامد وفي قول أبي بكر:
ـــــــ
{الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة:178] فدل على أنه لا يقتل به الحر ولما روى أحمد عن علي أنه قال من السنة أنه لا يقتل حر بعبد وعن ابن عباس مرفوعا مثله رواه الدارقطني ولأنه لا يقطع طرفه بطرفه مع التساوي في السلامة فلا يقتل به كالأب مع ابنه ويتوجه عكسه وهو قول ابن المسيب والنخعي ولأنه آدمي معصوم أشبه الحر وجوابه أنه منقوص بالرق فلم يقتل به الحر كالمكاتب إذا ملك ما يؤدي "إلا أن يقتله وهو مثله أو يجرحه ثم يسلم القاتل أو الجارح أو يعتق ويموت المجروح فإنه يقتل به" نص عليه وحاصله أن الاعتبار في التكافؤ بحالة الوجوب كالحد فعلى هذا إذا قتل ذمي ذميا أو جرحه ثم أسلم الجارح ومات المجروح أو قتل عبد عبدا أو جرحه ثم عتق القاتل أو الجارح ومات المجروح وجب القصاص لأنهما متكافئان حال الجناية ولأن القصاص قد وجب فلا يسقط بما طرأ كما لو جن ذكره الأصحاب وقيل لا يقتل به وقاله الأوزاعي كما لو كان مؤمنا حال قتله والأول أقيس لا يقال لم اعتبرت المكافأة عند ذلك لأن القصاص عقوبة فكان الاعتبار فيها بحال الوجوب دون الاستيفاء "و لو جرح مسلم ذميا أو جرح حر عبدا ثم أسلم المجروح وعتق و مات فلا قود لأن المكافأة معدومة حالة الجناية "و عليه دية حر مسلم في قول ابن حامد" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن الاعتبار في الأرش بحال استقرار الجناية بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه فسرى إلى نفسه ففيه دية واحدة اعتبارا بحال استقرار الجناية ولو اعتبر حال الجناية وجبت ديتان وللسيد أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف دية حر والباقي لورثته وقيل الدية لسيده لوجوبها عليه قبل العتق وما زاد منها على أرش الجناية إرث "وفي قول أبي بكر" والقاضي
عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود وعليه دية حر مسلم إذا مات من الرمية ذكره الخرقي وقال أبو بكر: عليه القصاص.
ـــــــ
وأصحابه وابن حامد فيما حكاه ابن عقيل عنه في التذكرة وهو ظاهر كلام أحمد "عليه في الذمي دية ذمي وفي العبد قيمته لسيده" ودية مسلم لوارث مسلم لأن حكم القصاص معتبر بحال الجناية فكذا إذا أسلم أو عتق نقل حنبل يأخذ قيمته وقت جنايته وكذا ديته نقله حرب إلا أن يجاوز أرش الجناية فالزيادة للورثة وإن وجب في هذه الجناية قود فطلبه للورثة على هذه وعلى الأخرى للسيد.
فرع قتل أو جرح ذمي ذميا أو عبد عبدا ثم أسلم أو عتق مطلقا قتل به في المنصوص كجنونه في الأصح وعدم قتل من أسلم ظاهر.
نقل بكر كإسلام حربي قاتل وكذا إن جرح مرتد ذميا ثم أسلم وليست التوبة بعد الجرح أو بعد الرمي قبل الإصابة مانعة من القود في ظاهر كلامهم وجزم به شيخنا كما بعد الزهوق ذكره في "الفروع" "وإن رمى مسلم ذميا عبدا فلم يقع به السهم حتى عتق وأسلم فلا قود" لعدم المكافأة "وعليه دية حر مسلم" للورثة ولاشيء للسيد "إذا مات من الرمية ذكره الخرقي" لا نزاع في وجوب دية حر مسلم إذا مات من الرمية لأن الإتلاف حصل لنفس حر مسلم فتعين ألا قود قاله الخرقي والقاضي وابن حامد إذ الرمي جزء من الجناية ولا ريب في انتفاء المكافأة حال الرمي وإذا عدمت المكافأة في بعض الجناية عدمت في كلها إذ الكل ينتفي بانتفاء بعضه وكما لو رمى مرتدا فأسلم.
"وقال أبو بكر وجزم به في "الوجيز" وهو ظاهر كلام أحمد "عليه القصاص" لأنه قتل مكافئا له عمدا عدوانا فوجب القود كما لو كان حرا مسلما حال الرمي ولأن الاعتبار بالإصابة بدليل ما لو رمى فلم يصبه حتى ارتد وكقتله من علمه أو ظنه ذميا أو عبدا فكان قد أسلم أو عتق أو قاتل أبيه فلم يكن في الأصح وفي "الروضة" إذا رمى مسلم ذميا هل تلزمه دية مسلم أودية كافر فيه
ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص وإن كان يعرفه مرتدا فكذلك قاله أبو بكر قال ويحتمل ألا يلزمه إلا الدية.
ـــــــ
روايتان اعتبارا بحال الإصابة أو الرمية ثم بني مسألة: العبد على الروايتين في ضمانه بدية أو قيمة ثم بنى عليهما من رمى مرتدا أو حربيا فأسلم قبل وقوعه هل يلزمه دية مسلم أو هدر.
فرع إذا رمى كافرا فأصابه السهم بعد أن أسلم كانت ديته لورثته المسلمين وفي "الشرح" وجوب المال معتبر بحال الإصابة لأنه بدل عن المحل فيعتبر عن المحل الذي فات بها فيجب بقدره وقد فات بها نفس مسلم حر والقصاص جزاء الفعل فيعتبر الفعل فيه والإصابة معا لأنها طرفاه فلذلك لم يجب القصاص في قتله قال في "الرعاية" في الأصح "ولو قتل من يعرفه ذميا عبدا فبان أنه قد أسلم وعتق فعليه القصاص" جزم به الشيخان وصاحب "الوجيز" لأنه قتل من يكافئه بغير حق أشبه ما لو علم حاله "وإن كان يعرفه مرتدا" فبان أنه قد أسلم "فكذلك قاله أبو بكر" لأنه قتل مكافئا عدوانا عمدا والظاهر أنه لا يخلى في دار الإسلام إلا بعد إسلامه بخلاف من في دار الحرب "قال ويحتمل ألا يلزمه" القصاص لأنه لم يقصد قتل معصوم فلم يلزمه قصاص كما لو قتل في دار الحرب من يعتقده حربيا بعد أن أسلم ولا يلزمه "إلا الدية" لأن الارتداد سلطه عليه ووجبت الدية لئلا يفوت القصاص إلى بدل.
تنبيه : يقتل المكلف بطفل ومجنون والعالم والشريف بضدهما والصحيح بالمريض ولو قارب الموت والسمين بالهزيل وكذا فيما دون النفس.
مسألة: إذا قتل حر مسلم في دار الحرب من علمه أو ظنه حربيا فبان أنه قد أسلم فهدر فلو دخلها مسلم بأمان فقتل بها حربيا قد أسلم وكتم إيمانه ففي وجوب الدية روايتان وكذلك الحكم لو قتل هذا المستأمن بدار الحرب مسلما قد دخلها بأمان ولم يعلم إسلامه فعلى الأول يجب على المسلم المستأمن دية ذمي
فصل
الرابع ألا يكون أبا للمقتول فلا يقتل والد بولده وإن سفل و الأب و الأم في ذلك سواء
ـــــــ
فصل
"الرابع ألا يكون أبا للمقتول" لأنه لو لم يكن من شروطه لقتل به واللازم منتف "فلا يقتل الوالد بولده" نص عليه لما روى ابن عباس مرفوعا لا يقتل والد بولده رواه ابن ماجه والترمذي من رواية إسماعيل بن مسلم المكي ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه من رواية حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمر قال ابن عبد البر هو حديث مشهور عن أهل العلم بالحجاز والعراق يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد حتى يكون الإسناد في مثله مع شهرته تكلفا وقال عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" فمقتضى هذه الإضافة تمليكه إياه.
فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت الإضافة شبهة في إسقاط القصاص وظاهره ولو اختلفا دينا وحرية لأنه كان سببا في إيجاده فلا يكون سببا في إعدامه إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنى فإنه يقتل به قال في "عيون المسائل" ولا يلزم الزاهد العابد فإن معه من الدين والشفقة ما يردعه عن القتل لأن رادعه حكمي وهو ضعيف ورادع الأب طبعي وهو أقوى بدليل أنه لا يمكنه إزالته "وإن سفل" أي لا يقتل والد بولده وإن نزل لأن الجد وإن علا والد فيدخل في الحديث ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب و البعيد كالمحرمية والمعتق عليه إذا ملكه فوجب تساويهما في الحكم "و الأب و الأم في ذلك سواء" لأنها أحد الوالدين فيشملها الخبر ولأنها أولى بالبر منه فعلى هذا الجدة وإن علت من قبل الأب والأم كالأم ولو قال وأم كأب في ذلك لكان أولى.
وعنه تقتل أم به نقلها مهنا في أم الولد قتلت سيدها عمدا تقتل قال من يقتلها قال ولدها وكالأخ وعنه يقتل أب به وقاله ابن عبد الحكم وابن المنذر
ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص.
ـــــــ
للعمومات وكالأجنبيين وقال مالك إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به وإن أضجعه وذبحه قتل به وجوابه أن الأب يفارق سائر الناس فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص والأب بخلافه وقيل يقتل أبو أم بولد بنته وعكسه وفي "الروضة" لا تقتل أم والأصح وجدة وفي "الانتصار" ولا يجوز للابن قتل أبيه بردة وكفر بدار حرب ولا رجمه بزنى ولو قضي عليه برجم وعنه لا قود بقتل في دار حرب فتجب دية إلا لغير مهاجر.
تذنيب: ادعى اثنان نسب لقيط ثم قتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قود فإن رجع أحدهما عن الدعوى أو ألحقته القافة بغيرها انقطع نسبه منه وعليه القود وإن رجعا عنه لم يقبل منهما لأن النسب حق للولد فإن بلغ انتسب إلى أحدهما وقلنا يصح انتسابه فهل يقتل الآخر به فيه وجهان.
وإن اشترك اثنان في وطء امرأة فأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل لحوقه بأحدهما فلا قود ولو أنكر أحدهما النسب لم يقتل به لبقاء فراشه مع إنكاره "ويقتل الولد بكل واحد منهما في أظهر الروايتين" هذا هو الصحيح في الآية والأخبار وموافقة القياس والثاني لا يقتل به لأنه ممن لا تقبل شهادته لحق النسب فلا يقتل به كالأب مع ابنه وجوابه بأن قياسه على الأب ممتنع لتأكد حرمته ولأنه إذا قتل بالأجنبي فبأبيه أولى ولأنه يحد بقذفه فيقتل به كالأجنبي لا يقال قد روى سراقة مرفوعا أنه قال "لا يقاد الأب من ابنه ولا الابن من أبيه" وروي عنه أنه كان يقيد الابن من أبيه لأنهما خبران لا يعرفان ولا يوجدان في الكتب المشهورة وإن كان لهما أصل فهما متعارضان فيتعين سقوطهما و العمل بالنصوص الواضحة غيرهما "ومتى ورث ولده القصاص أو شيئا منه" سقط القصاص لأنه لو لم يسقط لوجب للولد على الوالد وهو ممنوع لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب بالجناية على غيره بطريق الأولى "أو ورث القاتل شيئا من دمه سقط القصاص" لأنه لو لم يسقط
فلو قتل امرأته وله منها ولد ، أو قتل أخاها ، فورثته ، ثم ماتت فورثها أو ولده سقط عنه القصاص . ولو قتل أباه أو أخاه ، فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول ؛ لأنه ورث بعض دم نفسه . ولو قتل أحد الابنين أباه ، والآخر أمه ، وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك ، وله أن يقتص من أخيه ، ويرثه .
ـــــــ
لوجب القصاص له على نفسه وهو ممنوع "فلو قتل امرأته وله منها ولد فلا قود لأنه لو وجب لوجب لولده عليه وإذا لم يجب للولد بالجناية عليه فغيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى أو كان للمقتول من يشاركه في الميراث لأنه لو ثبت القود لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض كما لو عفا أحد الشريكين "أو قتل أخاها فورثته ثم ماتت فورثها أو ولده سقط عنه القصاص" لأنها ترث النصف إن كان الأخ لأبويها أو أبيها والسدس إن كان لأمها إذا كان معها من يرث بقية المال والجميع إن لم يكن معها أحد وهو ظاهر كلام المؤلف فلما ماتت ورث شيئا من الدم أو ورث ولده ذلك وهو مقتضى سقوط القصاص سواء كان لها ولد من غيره أو لا لأنه لا يتبعض.
وعنه لا يسقط بإرث الولد اختاره بعضهم فإن لم يكن للمقتول ولد منها وجب القصاص في قول أكثرهم لأنهما شخصان متكافئان يحد كل منهما بقذف الآخر فيقتل به كالأجنبيين "ولو قتل أباه أو أخاه فورثه أخواه ثم قتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عن الأول لأنه ورث بعض دم نفسه" لأن أخويه يستحقان دم أبيهما فإذا قتل أحدهما صاحبه ورث القاتل الأول ما كان يستحقه المقتول لأنه أخوه فعلى هذا يستحق نصف دمه لأن دم الأب بين الأخوين نصفان ضرورة أن القاتل لا يرث وإن قتل الثاني الأول ثم الثالث الرابع قتل الثالث دون الثاني لإرثه نصف دمه عن الرابع وعليه نصف دية الأول للثالث "ولو قتل أحد الابنين أباه والآخر أمه وهي زوجة الأب سقط القصاص عن الأول كذلك" وهو قاتل الأب لأنه ورث بعض دم نفسه وذلك ثمن دم الأب "وله أن يقتص من أخيه ويرثه" إذا قتل أكبر الأخوين لأبوين أباهما وأصغرهما أمهما مع
وإن قتل من لا يعرف ، وادعى كفره أو رقه ، أو ضرب ملفوفا فقده ، وادعى أنه كان ميتا ، وأنكر وليه ، أو قتل رجلا في داره ، وادعى أنه دخل يكابره على أهله أو ماله ، فقتله دفعا عن نفسه ، وأنكر وليه ، أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه وجب القصاص ، والقول قول المنكر .
ـــــــ
الزوجية فلا قود على الأكبر لما ذكرنا لإرثه ثمن دمه عن أمه وعليه سبعة أثمان دية أبيه للأصغر وله قتله و إرثه في الأصح لأن القتل بحق لا يمنع الميراث وإن كانت بائنا أو قتلاها معا مطلقا فلكل واحد قتل أخيه فإن تنازعا في السبق بالاستيفاء قدم من قرع ويحتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول و اختاره ابن حمدان "وإن قتل من لا يعرف وادعى كفره أو رقه" لم يقبل لأنه محكوم بإسلامه بالدار ولهذا يحكم بإسلام اللقيط ولأن الأصل الحرية والرق طارئ "أو ضرب ملفوفا فقده وادعى أنه كان ميتا وأنكر وليه" لم يقبل قوله لأن الأصل الحياة كما لو قطع طرفه وادعى أنه كان مثله لأن الأصل السلامة وذكر في "الواضح" عن أبي بكر لا يضمنه وأطلق ابن عقيل في موته وجهين وسأل القاضي أفلا يعتبر بالدم وعدمه قال لا لم يعتبره الفقهاء قال في "الفروع" ويتوجه يعتبر "أو قتل رجلا في داره وادعي أنه دخل يكابره على أهله أو ماله فقتله دفعا عن نفسه وأنكر وليه" وجب القصاص بغير خلاف نعلمه لأن الأصل عدم ما يدعيه سواء وجد في دار القاتل أو غيرها معه سلاح أو لا لما روي عن علي أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلا آخر فقتله فقال أن لم يأت بأربع فليعط برمته رواه سعيد ورجاله ثقات قال في "الفروع" و يتوجه عدمه في معروف بالفساد وظاهره أن الولي إذا اعترف بذلك فلا قصاص ولا دية لقول عمر رواه سعيد وهو منقطع وروي عن الزبير نحوه ولأن الخصم اعترف بما يبيح قتله فسقط حقه كما لو أقر بقتله قصاصا "أو تجارح اثنان وادعى كل واحد أنه جرحه دفعا عن نفسه" وأنكره الآخر "وجب القصاص" لأن سبب القصاص قد وجد وهو الجرح والأصل عدم ما يدعيه الآخر "والقول قول المنكر" وفي "المذهب" و"الكافي" تجب الدية ونقل أبو الصقر و حنبل في قوم اجتمعوا في دار فجرح وقتل بعضهم
.
ـــــــ
بعضا وجهل الحال أن على عاقلة المجروحين دية القتلى يسقط منها أرش الجراح قضى به علي رضي الله عنه رواه أحمد وهل على من ليس به جرح من دية القتلى شيء فيه وجهان قاله ابن حامد.
فرع : ادعى زنى محصن بشاهدين نقله ابن منصور ونقل أبو طالب.
بأربعة قبل وإلا ففيه باطنا وجهان وقيل وظاهرا لكن كلام أحمد وغيره لا فرق بين كونه محصنا أولا روي عن عمر وعلي وصرح به الشيخ تقي الدين لأنه ليس بحد وإنما هو عقوبة على فعله وإلا لاعتبرت شروط الحد وقال الشافعي له قتله فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان الزاني محصنا وللمالكية قولان في اعتبار إحصانه.
باب استيفاء القصاص
ويشترط له ثلاثة شروط : أحدها : أن يكون منة يستحقه مكلفا ، فإن كان صبيا أو مجنونا ، لم يجز استيفاؤه . ويحبس القاتل حتى يبلغ الصبي و يعقل المجنون .
ـــــــ
باب استيفاء القصاصوهو فعل مجني عليه أو وليه بجان مثل ما فعل أو شبهه "ويشترط له ثلاثة شروط أحدها أن يكون من يستحقه مكلفا" لأن غير المكلف ليس أهلا للاستيفاء لعدم تكليفه بدليل أنه لا يصح إقراره ولا تصرفه لأن غير المكلف إما صبي أو مجنون وكلاهما لا يؤمن منه الحيف على الجاني ولا يقوم وليه مقامه لأن القصاص شرع للتشفي فلم يقم غيره مقامه "فإن كان صبيا أو مجنونا لم يجز استيفاؤه" لما ذكرنا والقود ليس لأبيه ولا لغيره استيفاؤه وعنه بلى حكاها أبو الخطاب وقالها الأكثر لأن القصاص أحد بدلي النفس فكان للأب استيفاؤه كالدية وكذلك الحكم في الوصي والحاكم في الطرف دون النفس والأول هو ظاهر المذهب لأنه لا يملك إيقاع الطلاق بزوجته فلم يملك استيفاء القصاص كالوصي ولأن القصد التشفي وترك الغيظ و لا يحصل ذلك باستيفاء الأب بخلاف الدية فإن الغرض يحصل باستيفائه ولأن الدية إنما يحصل استيفاؤها إذا تعينت والقصاص لا يتعين فعلى هذا "يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويعقل المجنون" ويقدم الغائب لأن فيه حظا للقاتل بتأخير قتله وحظا للمستحق بإيصاله إلى حقه ولأنه يستحق إتلاف نفسه ومنفعته فإذا تعذر استيفاء النفس لعارض بقي إتلاف المنفعة سالما عن المعارض وقد حبس معاوية هدبة بن خشرم في قود حتى يبلغ ابن القتيل فلم ينكر ذلك وبذل الحسن والحسين وسعيد بن العاص لابن القتيل سبع ديات فلم يقبلها لا يقال يجب أن يخلى سبيله كالمعسر لما في تخليته من تضييع الحق لأنه لا يؤمن هربه والفرق بينهما من وجوه أحدهما أن قضاء الدين لا يجب مع الإعسار فلا يحبس بما لا يجب والقصاص واجب
إلا أن يكون لهما أب ، فهل له استيفاؤه لهما ؟ على روايتين ، فإن كانا محتاجين إلى النفقة ، فهل لوليهما العفو على الدية؟ يحتمل وجهين . وإن قتلا قاتل أبيهما ، أو قطعا قاطعهما قهرا ، احتمل أن يسقط حقهما ، واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني ، وتجب دية الجاني على عاقلتهما .
ـــــــ
وإنما تعذر لمانع
الثاني أن المعسر لو حبس تعذر عليه الكسب لقضاء الدين
الثالث أنه قد استحق قتله وفيه تفويت نفسه ونفعه فإذا تعذر تفويت النفس لمانع جاز تفويت نفعه لإمكانه ولو كان القود لحي في طرفه لم يتعرض لمن هو عليه فإن أقام كفيلا بنفسه ليخلي سبيله لم يجز لأن الكفالة لا تصح في القصاص كالحد "إلا أن يكون لهما أب فهل له استيفاؤه لهما على روايتين" الأصح أنه ليس له ذلك لأن مقصود شرعية القصاص مفقود في الأب وكوصي وحاكم والثانية بلى لأن له ولاية كاملة بدليل أنه يملك أن يبيع من نفسه لنفسه بخلاف غيره "فإن كانا محتاجين إلى النفقة فهل لوليهما العفو على الدية يحتمل وجهين" حكاهما في "الفروع" روايتان أحدهما يجوز صححه القاضي و المؤلف و قدمه في "الرعاية" و الثاني المنع لأنه لا يملك إسقاط قصاصه و نفقته في بيت المال و كما لو كانا موسرين و الأول أصح لأن وجوب نفقته في بيت المال لا يغنيه إذا لم يحصل و لا يجوز عفوه مجانا و لولي الفقير المجنون العفو على مال لأنه ليس له حالة معتادة ينتظر فيها إفاقته ورجوع عقله بخلاف الصبي وهذا هو المنصوص وجزم به في "الوجيز" وعنه لأب وعنه ووصي وحاكم استيفاؤه لهما في نفس أو دونهما فيعفو إلى الدية نص عليه "وإن قتلا قاتل أبيهما أو قطعا قاطعهما قهرا احتمل أن يسقط حقهما" هذا وجه قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأنه أتلف غير حقه فسقط الحق أشبه ما لو كانت لهما وديعة عند شخص فأخذاها منه قهرا وكما لو اقتصا ممن لا تحمل العاقلة ديته "واحتمل أن تجب لهما دية أبيهما في مال الجاني وتجب دية الجاني على عاقلتهما" جزم به في "الترغيب" و"عيون المسائل" لأنه ليس من أهل الاستيفاء
وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة ، سقط حقهما وجها واحدا.
فصل
الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه و ليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض فإن فعل فلا قصاص عليه و عليه لشركائه حقهم من الدية.
ـــــــ
فلا يكون مستوفيا لحقه فتجب لهما دية أبيهما في مال الجاني لأن عمد الصبي والمجنون خطأ وعلى عاقلتهما دية القاتل كما لو أتلف أجنبيا بخلاف الوديعة فإنها لو تلفت بغير تعد برئ منها المودع ولو هلك الجاني من غير فعل لم يبرأ من الجناية فلو مات قبل تكليفه فحقه من القود إرث وقيل يسقط إلى الدية كما لو مات المستحق الغائب وجهل عفوه قاله في "الرعاية" "وإن اقتصا ممن لا تحمل ديته العاقلة" كالعبد "سقط حقهما وجها واحدا" لأنه لا يمكن إيجاب ديته على العاقلة فلم يكن إلا سقوطه.
فصل
"الثاني اتفاق جميع الأولياء على استيفائه" لأن الاستيفاء حق مشترك لا يمكن تنقيصه فلم يجز لأحد التصرف فيه بغير إذن شريكه لأنه لا ولاية عليه أشبه الدين "وليس لبعضهم استيفاؤه دون بعض" لأن اتفاق الكل شرط ولم يوجد "فإن فعل" من منعناه منه غير زوج "فلا قصاص عليه" لأنه قتل نفسا يستحق بعضها فلم يجب قتله بها لأن النفس لا تؤخذ ببعض نفس ولأنه مشارك في استحقاق القتل فلم يجب عليه قود كما لو كان مشاركا في ملك الجارية ووطئها ويفارق إذا قتل الجماعة واحدا فإنا لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس وإنما يجعل كل واحد منهم قاتلا لجميعها ولو سلم فمن شرطه المشاركة "وعليه لشركائه حقهم من الدية" أي للذي لم يقتل قسطه من الدية لأنه حقه من القود سقط بغير اختياره أشبه ما لو مات القاتل أو عفا بعض الأولياء وهل يجب ذلك على قاتل الجاني أو في تركة الجاني فيه وجهان
ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين ، وفي الآخر : لهم ذلك في تركة الجاني ، ويرجع ورثة الجاني على قاتله ، وإن عفا بعضهم ، سقط القصاص ، وإن كان العافي زوجا أو زوجة .
ـــــــ
وأشار إليهما بقوله "ويسقط عن الجاني في أحد الوجهين" لأن المقتص قد وجب عليه فيجب على قاتل الجاني لأنه أتلف محل حقه فكان له الرجوع عليه بعوض نصيبه كما لو كانت له وديعة فأتلفها "وفي الآخر لهم ذلك" أي حقهم من الدية "في تركة الجاني و يرجع ورثة الجاني على قاتله" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" أي يجب في تركة الجاني كما لو أتلفه أجنبي أو عفا شريكه عن القصاص أي ويأخذ وارثه من المقتص الزائد عن حقه لأنه أتلف ذلك بغير حق وقولنا أتلف محل حقه يبطل بما إذا أتلف مستأجره أو غريمه ويفارق الوديعة فإنها مملوكة لهما فوجب عوض ملكه والجاني ليس بمملوك المجني عليه إنما عليه حق وهذا أقيس وقال الحلواني والأول أولى فلو قتلت امرأة رجلا له ابنان فقتلها أحدهما فللآخر نصف دية أبيه في تركة المرأة التي قتلته ويرجع ورثتها على قاتلها بنصف ديتها وعلى الأول يرجع الابن الذي لم يقتل على أخيه بنصف دية المرأة لأنه لم يفوت على أخيه إلا نصف دية المرأة و لا يمكن أن يرجع على ورثة المرأة بشيء لأن أخاه الذي قتلها أتلف جميع الحق قال في "الشرح" وهذا يدل على ضعف هذا الوجه وفي الواضح احتمال يسقط حقهم على رواية وجوب القود عينا وقال ابن حمدان إن قلنا يجب القود عينا غرم الدية قاتل الجاني وإن قلنا يجب أحد أمرين أخذت من تركة الجاني "وإن عفا بعضهم سقط القصاص" لأن القتل عبارة عن زهوق الروح بآلة صالحة له وذلك لا يتبعض "وإن كان العافي زوجا أو زوجة" إشارة منه إلى أنهما من مستحقي الدم كبقية ذوي الفروض وهو قول أكثرهم وقال الحسن وقتادة ليس للنساء عفو وعن أحمد هو موروث للعصبات خاصة ذكرها ابن البنا واختاره الشيخ تقي الدين لأنه ثبت لدفع العار فاختص به العصبة كولاية النكاح وفيه وجه أنه يختص بذوي الأنساب فقط وقال قوم لا يسقط بعفو بعض الشركاء لأن الحق غير العافي لم يرض بإسقاطه والأول هو المشهور لما روى
وللباقين حقهم من الدية على الجاني ، فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به ، فعليهم القود ، وإلا فلا قود عليهم ، وعليهم ديته ، وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا .
ـــــــ
أحمد وأبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها وإن قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها ولحديث عائشة وقول عمر رواه سعيد وأبو داود وعموم قوله عليه السلام "فأهله بين خيرتين" وهو عام في جميع أهله و المرأة منهم وكسائر حقوقه وذا سقط بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض كالطلاق و العتاق والمرأة مستحقة فسقط بإسقاطها كالرجل وزوال الزوجية لا يمنع استحقاق القود كما لم يمنع استحقاق الدية وكذا لو شهد أحدهم ولو مع فسقة بعفو بعضهم "وللباقين حقهم من الدية على الجاني" سواء عفا مطلقا أو إلى الدية لا نعلم فيه خلافا لأن حقه من القصاص سقط بغير رضاه فثبت له البدل كما لو ورث القاتل بعض دمه أو مات وفي "التبصرة" إن عفا أحدهم فللبقية الدية وهل يلزمهم حقهم من الدية فيه روايتان "فإن قتله الباقون عالمين بالعفو وسقوط القصاص به فعليهم القود" لأنه قتل عمد عدوان أشبه ما لو قتلوه ابتداء سواء حكم به حاكم أو لا "و إلا فلا قود عليهم" أي إذا قتله غير عالم بالعفو أو غير عالم بأن العفو مسقط للقود لم يجب قود لأن ذلك شبهة قد درأت القود كالوكيل إذا قتله بعد العفو وقبل العلم ولا فرق بين أن يكون الحاكم قد حكم بالعفو أولا لأن الشبهة موجودة مع انتفاء العلم معدومة عند وجوده "وعليهم ديته" في كل موضع لا قود فيه لأن القتل قد تعذر والدية بدله وهي متعينة عند تعذره أما العفو عن القصاص فإنه يسقط عنه منها ما قابل حقه على القاتل قصاصا ويجب عليه الباقي فإن كان الولي عفا إلى غير مال فالواجب لورثة القاتل وعليهم نصيب العافي من الدية وقيل حق العافي من الدية على القاتل وفيه نظر لأن الحق لم يبق متعلقا بعينه وإنما الدية واجبة في ذمته كما لو قتل غريمه "وسواء كان الجميع حاضرين أو بعضهم غائبا" لاستوائهما معنى
فإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا ، فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى بصيرا مكلفين في المشهور عنه . وعنه : له ذلك . وكل من ورث المال ورث القصاص ، على قدر ميراثه من المال ، حتى الزوجين وذوي الأرحام . ومن لا وارث له وليه الإمام ، إن شاء اقتص.
ـــــــ
فكذا يجب أن يكون حكما فإن كان القاتل هو العافي فعليه القود في قول الجمهور.
ولو ادعى نسيانه أو جوازه "فإن كان بعضهم صغيرا أو مجنونا أو غائبا فليس للبالغ العاقل الاستيفاء حتى يصيرا مكلفين" ويقدم الغائب "في المشهور" وهو الأصح نصره في "المغني" و"الشرح" لأنه حق مشترك بينهما أشبه ما لو كانا بالغين عاقلين وكدية وكعبد مشترك بخلاف محاربة لتحتمه وحد قذف لوجوبه لكل واحد كاملا "وعنه له ذلك" وقاله الأوزاعي والليث لأن الحسن بن علي قتل ابن ملجم قصاصا وفي الورثة صغار فلم ينكر ذلك أحد فإن ماتا أو أحدهما فوارثهما كهما وعند ابن أبي موسى تتعين الدية والأول المذهب لأنه قصاص غير متحتم فلم يجز لأحدهما استيفاؤه استقلالا كما لو كان لحاضر وغائب قال الأصحاب وإنما قتل الحسن بن ملجم حدا لكفره لأن من اعتقد إباحة ما حرم الله كافر وقيل لسعيه في الأرض بالفساد ولذلك لم ينتظر الحسن غائبا من الورثة فيكون كقاطع الطريق وقتله متحتم وهو إلى الإمام والحسن هو الإمام ولأن استيفاء الإمام بحكم الولاية لا بحكم الأدب "وكل من ورث المال ورث القصاص على قدر ميراثه من المال حتى الزوجين وذوي الأرحام" لأنه حق يستحقه الوارث من جهة موروثه أشبه المال وعنه يختص العصبة وهل يستحقه ابتداء أم ينتقل عن مورثه فيه روايتان.
فائدة: الأحسن أن يكون الزوجان مرفوعا بالألف عطفا على كل من ورث ووجد بخط المؤلف مجرورا و تكون حتى حرف جر بمعنى انتهاء الغاية أي وكل من ورث المال ورث القصاص ينتهي ذلك إلى الزوجين وذوي الأرحام "ومن لا وارث له وليه الإمام" لأنه ولي من لا ولي له "إن شاء اقتص" وفي
وإن شاء عفا .
فصل
الثالث أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل حتى تضع الولد و تسقيه اللبأ.
ـــــــ
"الانتصار" و"عيون المسائل" منع وتسليم لأن بنا حاجة إلى عصمة الدماء فلو لم يقتل لقتل كل من لا وارث له قالا ولا رواية فيه وفي الواضح وغيره وجهان كوالد "وإن شاء عفا" لأنه يفعل ما يرى فيه المصلحة للمسلمين من القصاص أو العفو على مال وهو الدية لا أقل ولا مجانا ذكره في "المحرر" و"الوجيز" فلو عفا إلى غير مال لم يملكه وإن كان هو ظاهر المتن لأن ذلك للمسلمين ولاحظ لهم فيه ذكره في "المغني" و"الشرح" وقيل له أن يعفو مجانا لقصة عثمان وهو ظاهر هنا لكن الأول أولى.
فصل
"الثالث أن يؤمن في الاستيفاء التعدي إلى غير القاتل" لقوله تعالى: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورا} [الاسراء:33] والقتل المفضي إلى التعدي فيه إسراف وفي "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" الجاني وهو أحسن "فلو وجب القصاص على حامل أو حملت بعد وجوبه لم تقتل" وحبست فإذا ولدت جلدت وأقيد منها في الطرف "حتى تضع الولد وتسقيه اللبأ" بغير خلاف نعلمه لما روى ابن ماجة بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال ثنا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قتلت المرأة عمدا فلا تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملا وحتى تكفل ولدها، وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل" ولدها ولأنه يخاف على ولدها وقتله حرام والولد يتضرر بترك اللبأ ضررا كثيرا وقال في "الكافي" لا يعيش إلا به "ثم إن وجدت من ترضعه"
ثم إن وجدت من ترضعه وإلا تركت حتى تفطمه . ولا يقتص منها في الطرف حال حملها . وحكم الحد في ذلك حكم القصاص . فإن ادعت الحمل ، احتمل أن يقبل منها ،فتحبس حتى يتبين أمرها ، واحتمل ألا يقبل إلا ببينة .
ـــــــ
قتلت لأن تأخير قتلها إنما كان للخوف على ولدها وقد زال ذلك وفي "الترغيب" يلزم برضاعه بأجرة "وإلا" أي إذا لم يوجد من يرضعه "تركت حتى تفطمه" لحولين للخبر والمعنى إلا أن يكون فيما دون النفس والغالب عدم ضرر الاستيفاء منها ولأن القتل إذا أخر من أجل سقط الحمل فلأن يؤخر من أجل حفظ الولد بطريق الأولى وظاهره أنه إذا أمكن سقيه لبن شاة فإنها تترك وصرح في "المغني" و "الشرح" بأنها تقتل لأن له ما يقوم به وظاهره أنها لا تؤخر لمرض وحر وبرد و قيل بلى كمن خيف تلفها لحديث علي رواه مسلم "ولا يقتص منها في الطرف حال حملها" لأن القصاص في الطرف لا يؤمن معه التعدي إلى تلف الولد أشبه الاقتصاص في النفس بل يقاد منها فيه بمجرد الوضع صرح به في "الفروع" وغيره وفي "المغني" وسقي اللبأ وهو ظاهر وفي "المستوعب" وغيره ويفرغ نفاسها وفي "البلغة" هي فيه كمريض "وحكم الحد في ذلك حكم القصاص" لأنه في معناه وللخبر السابق و استحب القاضي تأخير الرجم مع وجود مرضعة لترضعه بنفسها وقيل يجب نقل الجماعة تترك حتى تفطمه ولا تحبس لحد قاله في "الترغيب" و "الرعاية" بل القود ولو مع غيبة ولي مقتول لا في مال غائب فإن ادعت الحمل احتمل أن يقبل منها فتحبس حتى يتبين أمرها جزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن للحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها دون غيرها فوجب أن يحتاط له كالحيض وعليه في "الترغيب" لا قود من منكوحة مخالطة لزوجها وهو ممنوع من وطئها لأجل الظهار ففيه احتمالان واحتمل ألا يقبل إلا بينة ولو امرأة ذكر في الفروع وفي "المحرر" و"الشرح" أنها تري أهل الخبرة فإن شهدن بحملها أخرت وإن شهدن ببراءتها لم تؤخر لأن الحق حال عليها فلا تؤخر بمجرد دعواها فإن أشكل على القوابل أو لم يوجد من يعرف ذلك أخرت حتى
وإن اقتص من حامل ، وجب ضمان جنينها على قاتلها . وقال أبو الخطاب : يجب على السلطان الذي مكنه من ذلك .
ـــــــ
يتبين أمرها لأنه إذا أسقطنا القصاص من خوف الزيادة فتأخير أولى "وإن اقتص من حامل" حرم و أخطأ السلطان الذي مكنه من الاستيفاء و عليهما الإثم إن كانا عالمين أو كان منهما تفريط وإلا فالإثم على العالم والمفرط و "وجب ضمان جنينها على قاتلها" لأنه المباشر فلو انفصل ميتا أو حيا لوقت لا يعيش في مثله ففيه غرة وإن انفصل حيا لوقت يعيش مثله فيه ثم مات من الجناية ففيه الدية وينظر فإن كان الإمام والولي عالمين بالحمل وتحريم الاستيفاء أو جاهلين بالأمرين أو بأحدهما أو كان الولي عالما بذلك دون الممكن له من الاستيفاء فالضمان عليه وحده لأنه مباشر والحاكم الذي مكنه صاحب سبب وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده كالسيد إذا أمر عبده الأعجمي الذي لا يعرف تحريم القتل به وإن كانا عالمين ضمن الحاكم فقط وإن كانا جاهلين فقيل الضمان على الحاكم وقيل على الولي ذكره في "المغني" و"الشرح" وقيل يضمنه السلطان إلا أن يعلم المقتص وحده بالحمل فيضمن "وقال أبو الخطاب يجب على السلطان الذي مكنه من ذلك" لأنه مكنه من الإتلاف فاختص الضمان به كما لو أمر عبده الجاهل بتحريم القتل به فعلى هذا هل الغرة في بيت المال أو ماله فيه روايتان
فرع : قال في "الرعاية" فإن قتلها فتلف جنينها ضمن السلطان الممكن منها بغرة وعنه في بيت المال فإن رمته حيا فمات بذلك وجبت ديته أو قيمته إن كان قيميا من بيت المال وعنه من عاقلته وقيل يضمنه قاتلها وقيل أن علم وحده بالحمل.
فصل
ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان و عليه تفقد الآلة التي يستوفي بها القصاص فإن كانت كآلة منعه الاستيفاء بها و ينظر في الولي فإن كل يحسن الاستيفاء و يقدر عليه أمكنه منه و إلا أمره بالتوكيل
--------------------------
فصل
"ولا يستوفي القصاص إلا بحضرة السلطان" أو نائبه لأنه يفتقر إلى اجتهاده ولا يؤمن فيه الحيف مع قصد التشفي فلو خالف وقع الموقع لأنه استوفى حقه وفي "المغني" و"الشرح" يعزره لافتئاته على السلطان وفي "عيون المسائل" لا يعزره لأنه حق له كالمال ويحتمل جوازه بغير حضرته إذا كان القصاص في النفس لأنه عليه السلام أتاه رجل يقود آخر فقال إن هذا قتل أخي فاعترف بقتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاقتله" رواه مسلم ولأن اشتراط حضوره لا يثبت إلا بدليل ولم يوجد ويستحب حضور شاهدين لئلا ينكر المقتص الاستيفاء "وعليه تفقد الآلة التي يستوفي بها القصاص" لأن منها ما لا يجوز الاستيفاء به "فإن كانت كآلة" أو مسمومة "منعه الاستيفاء بها" لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" رواه مسلم من حديث شداد ولئلا يعذب المقتول ولأن المسمومة تفسد البدن وربما منعت غسله وإن عجل فاستوفى بذلك عزر لفعله ما لا يجوز "وينظر في الولي فإن كان يحسن الاستيفاء ويقدر عليه" بالقوة والمعرفة "أمكنه منه" لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الاسراء: 33] وللخبر وكسائر حقوقه ولأن المقصود التشفي وتمكينه منه أبلغ في ذلك فإن ادعى المعرفة بالاستيفاء فأمكنه السلطان منه بضرب عنقه فأبانه فقد استوفى حقه وإن أصاب غيره وأقر بتعمد ذلك عزر فإن قال أخطأت وكانت الضربة في موضع قريب من العنق قبل قوله مع يمينه ثم إن أراد العود فقيل لا يمكن لأنه ظهر منه أنه لا يحسن وقيل بلى واختاره القاضي لأن الظاهر أنه يحترز عن مثل ذلك ثانيا "وإلا أمره بالتوكيل" لأنه عاجز عن
فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم بالقرعة .
ـــــــ
استيفائه فيوكل فيه من يحسنه لأنه قائم مقامه "فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الجاني" كالحد ولأنها أجرة لإيفاء ما عليه من الحق فكانت لازمة له كأجرة الكيال وقال أبو بكر تكون من الفيء فإن لم تكن فمن الجاني وذكر المؤلف في "الكافي" أن بدل العوض من بيت المال فإن لم تكن فمن الجاني والذي ذكره أبو بكر والقاضي في خلافيهما أن الأجرة على الجاني.
قال في "الشرح" وذهب بعض أصحابنا أنه يرزق من بيت المال رجل يستوفي الحدود والقصاص لأن هذا من المصالح العامة فإن لم يحصل فعلى الجاني لأن الحق عليه فيلزمه أجرة الاستيفاء كأجرة الوزان ويتوجه لو قال أنا أقتص من نفسي ولا أؤدي أجرة هل يقبل منه أم لا وقيل على المقتص لأنه وكيله فكانت الأجرة على موكله كسائر المواضع والذي على الجاني التمكين دون الفعل ولو كانت عليه أجرة الوكيل للزمه أجرة الولي إذا استوفى بنفسه "والولي مخير بين الاستيفاء بنفسه إن كان يحسن وبين التوكيل" هذا المذهب لأن التوكيل حق له فكان الخيرة فيه كسائر حقوقه "وقيل ليس له أن يستوفي في الطرف بنفسه بحال" قدمه في "الكافي" لأنه لا يؤمن أن يجنى عليه بما لا يمكن تلافيه وقيل يمنع منه فيهما كجهله واختاره ابن عقيل والأول أولى قال القاضي ظاهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص فيمكن منه كالقصاص في النفس "وإن تشاح أولياء المقتول في الاستيفاء قدم أحدهم" لأنه لا يجوز اجتماعهم على القتل لما فيه من تعذيب الجاني وتعدد أفعالهم ولا مزية لأحدهم فوجب التقديم "بالقرعة" كما لو تشاحوا في تزويج موليتهم فمن خرجت له القرعة استأذن شركاءه في الاستيفاء ولا يجوز بغير إذنهم لأن الحق لهم.
فإن لم يتفقوا على توكيل أحد لم يستوف حتى يوكلوا وقال ابن أبي موسى إذا تشاحوا أمر الإمام من شاء باستيفائه.
تنبيه : إذا اقتص جان من نفسه برضى ولي جاز قدمه في "المحرر" و"الرعاية"
فصل
ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف في إحدى الروايتين . والأخرى: يفعل به كما فعل.
ـــــــ
وجزم به في "الوجيز" وفي "المغني" و"الشرح" خلافه وأطلقهما في "الفروع" وصحح في "الترغيب" لا يقع قودا وفي البلغة يقع قال في "الرعاية" ولو أقام حد زنى أو قذف على نفسه بإذن لم يسقط بخلاف قطع سرقة وله أن يختن نفسه إن قوي عليه وأحسنه نص عليه لأنه يسير لا قطع في سرقة لفوات الردع وقال القاضي على أنه لا يمتنع القطع بنفسه وإن منعناه فلأنه ربما اضطربت يده فجنى على نفسه ولم يعتبر على جوازه إذنا
قال في "الفروع" ويتوجه اعتباره وهل يقع الموقع يتوجه على الوجهين في القود ويتوجه احتمال في حد زنى وقذف وشرب كحد سرقة وبينهما فرق لحصول المقصود في القطع في السرقة وهو قطع العضو الواجب قطعه وعدم حصول الردع والزجر بجلده نفسه.
فصل
"ولا يستوفى القصاص في النفس إلا بالسيف" في العنق وإن كان القتل بغيره "في إحدى الروايتين" قدمها في "المحرر" و"الفروع" وجزم بها في "الوجيز" واختارها الأصحاب لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا قود إلا بالسيف" رواه ابن ماجة والدارقطني والبيهقي من غير طريق وقال أحمد ليس إسناده بجيد ولأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل الطرف في حكم الجملة كالدية ونهى عن المثلة ولأن فيه زيادة تعذيب وكما لو قتله بسيف قال في "الانتصار" وغيره في قود وحق الله لا يجوز في النفس إلا بسيف لأنه أوحى لا بسكين ولا في طرف إلا بها لئلا يحيف وإن الرجم بحجر لا يجوز بسيف "والأخرى يفعل به كما فعل" وقتله بسيف وقاله الأكثر واختاره الشيخ تقي الدين لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } [النحل: 126] ولقوله تعالى:
فلو قطع يده ثم قتله ، فعل به ذلك . وإن قتله بحجر أو غرقه أو غير ذلك فعل به مثل ذلك ، وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات ، فعل به كفعله ، فإن مات وإلا ضربت عنقه ، وقال القاضي : يقتل ولا يزاد على ذلك رواية واحدة .
------------------------
{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [البقرة: 194] ولأنه عليه السلام رض رأس يهودي الخبر ولقوله عليه السلام "من حرق حرقناه ومن غرق غرقناه" رواه البيهقي من حديث البراء بن عازب وفي إسناده مقال ولأن القصاص موضوع على المماثلة ولفظه مشعر به فيجب أن يستوفي منه ما فعل كما لو ضرب العنق آخر غيره وعليها إن مات وإلا ضربت عنقه وفي "الانتصار" احتمال أو الدية بغير رضاه "فلو قطع يده ثم قتله فعل به ذلك" لما عرفت "وإن قتله بحجر أو غرقه أو غير ذلك" من أنواع القتل غير ما استثني "فعل به مثل ذلك" لما ذكرنا واختاره أبو محمد الجوزي وعنه يفعل به كفعله إن كان فعله موجبا وعنه أو موجبا لقود طرفه لو انفرد فعلى المذهب لو فعل لم يضمن وأنه لو قطع طرفه ثم قتله قبل البرء ففي دخول قود طرفه في قود نفسه لدخوله في الدية روايتان.
قال في "الترغيب" فائدته لو عفا عن النفس سقط القود في الطرف لأن قطع السراية كاندماله ومتى فعل به الولي كما فعل لم يضمنه بشيء وإن حرمناه وإن زاد أو تعدى بقطع طرفه فلا قود ويضمنه بديته عفا عنه أو لا وقيل إن لم يسر القطع "وإن قطع يده من مفصل أو غيره أو أوضحه فمات فعل به كفعله" للكتاب والسنة واعتبار المماثلة "فإن مات وإلا ضربت عنقه" لأن ذلك مستحق لكونه ترتب على فعله القتل فإذا لم يحصل بمثل ما فعل تعين ضرب العنق لكونه وسيلة إلى استيفاء القتل المستحق عليه "وقال القاضي يقتل" لأن القصاص أحد بدلي النفس فدخل بالقطع وغيره في القتل كالدية "ولا يزاد على ذلك رواية واحدة" أي لا يقتص منه في الطرف رواية واحدة لإفضائه إلى الزيادة قال المؤلف والصحيح تخريجه على الروايتين وليس هذا بزيادة لأن فوات النفس
وإن قتله بمحرم في نفسه ، كتجريع الخمر واللواط ونحوه ، قتل بالسيف رواية واحدة ، ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة ، ولا قطع شيء من أطرافه . فإن فعل ، فلا قصاص فيه ، وتجب فيه ديته ، سواء عفا عنه أو قتله .
ـــــــ
بسراية فعله وهو كفعله أشبه ما لو قطعه ثم قتله "وإن قتله بمحرم في نفسه كتجريع الخمر واللواط ونحوه" كالسحر لم يقتله بمثله وفاقا "قتله بالسيف رواية واحدة" لأن هذا محرم لعينه فوجب العدول عنه إلى القتل بالسيف لأن قتله بمثل فعله غير ممكن وإن حرقه فقال بعض أصحابنا لا يحرق للنهي عنه وقال القاضي الصحيح أن فيه روايتين كالتغريق والثانية يحرق وقاله مسروق وقتادة وحملوا النهي على غير القصاص "ولا تجوز الزيادة على ما أتى به رواية واحدة" لأن الزيادة على فعله تعد عليه فلم يجز كما لو لم يكن قاتلا "ولا قطع شيء من أطرافه" لأن ذلك زيادة على ما أتى به "فإن فعل فلا قصاص فيه" لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهة وهي هنا متحققة لأنه مستحق لإتلاف الطرف ضمنا لاستحقاقه إتلاف الجملة "وتجب فيه" أي في الزائد "ديته" لأن ذلك حصل بالتعدي أشبه ما لو لم يكن المقطوع مكافئا "سواء عفا عنه أو قتله" لأن استحقاق إتلاف الطرف موجود في حالتي العفو والقتل.
لواحق: إذا كان الجاني قطع يده فقطع المستوفي رجله فقيل كقطع يده لاستوائهما وقيل دية رجله لأن الجاني لم يقطعها وإن استحق قطع إصبع فقطع ثنتين فحكمه حكم القطع ابتداء وإن ظن ولي دم أنه اقتص في النفس فلم يكن وداواه أهله حتى برئ فإن شاء الولي دفع إليه دية فعله وقتله وإلا تركه هذا رأي عمر وعلي ويعلى بن أمية ذكره أحمد.
وإذا اقتص بآلة كالة أو مسمومة فسرى فقال القاضي عليه نصف الدية لأنه تلف بفعل جائز ومحرم كما لو جرحه في ردته وإسلامه فمات منهما ويحتمل يلزمه ضمان السراية كلها لأن هذا الفعل كله محرم
فصل
وإن قتل واحد جماعة فرضوا بقتله قتل لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول وللباقين دية قتيلهم
ـــــــ
فصل
"وإن قتل" أو قطع "واحد جماعة" في وقت أو أكثر لم تتداخل حقوقهم لأنها حقوق مقصودة لآدميين فلم تتداخل كالديون لكن إن رضي الكل بقتله جاز وقد أشار إليه بقوله "فرضوا بقتله قتل لهم" لأن الحق لهم كما لو قتل عبد عبيدا خطأ فرضوا بأخذه لأنهم رضوا ببعض حقهم كما لو رضي صاحب اليد الصحيحة بالشلاء "ولا شيء لهم سواه" أي سوى القتل لأنهم رضوا بقتله فلم يكن لهم سواه وإن طلب أحدهم القصاص والباقون الدية فلهم ذلك "وإن تشاحوا فيمن يقتله منهم على الكمال أقيد للأول" وذكره في "الفروع" قولا لأن حقه أسبق ولأن المحل صار مستحقا له بالقتل فعلى هذا إذا كان الولي غائبا أو صغيرا انتظر لأن الحق له وقيل يقاد لمن بعده وقال ابن حمدان مع السبق يقاد بالسابق ومع المعية هل يقاد بواحد بقرعة أو بالكل أو يرجع كل واحد ببقية حقه فيه أوجه
وقدم في "المحرر" أنه يقدم أحدهم بالقرعة وحكاهما في "الفروع" من غير ترجيح "وللباقين دية قتيلهم" لأن القتل إذا فات تعينت الدية كما لو بادر بعضهم فاقتص بجنايته وفي "الانتصار" إذا طلبوا القود فقد رضي كل واحد بجزء منه وإنه قول أحمد قال ويتوجه أن يجبر له باقي حقه بالدية ويتخرج يقتل بهم فقط على رواية يجب بقتل العمد القود.
فرع : إذا بادر أحدهم فاقتص بجنايته فلمن بقي الدية على جان وفي كتاب الآمدي ويرجع ورثته على المقتص وقدم في "التبصرة" وابن رزين على قاتله وكما لو قتل مرتدا كان مستوفيا لقتل الردة وإن أساء في الافتئات على الإمام "فإن
فإن رضي الأول بالدية أعطيها وقتل للثاني وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه ثم قتل لولي المقتول وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل.
ـــــــ
رضي الأول بالدية أعطيها" لأنه رضي بدون حقه "وقتل للثاني" لأن الأول إنما قدم عليه لسبقه وقد سقط حقه لرضاه بالدية "وإن قتل وقطع طرفا قطع طرفه" أولا لأنه لو بدأ بالقتل لفات القطع وفيه تفويت لحق المقطوع فوجب تقديم القطع لما فيه من الجمع بين حقي القطع والقتل "ثم قتل لولي المقتول" لأنه لا معارض له تقدم القتل أو تأخر لأنهما جنايتان على رجلين فلم يتداخلا كقطع يد رجلين ولأنه أمكن الجمع بين الحقين فلم يجز إسقاط أحدهما "وإن قطع أيدي جماعة فحكمه حكم القتل" لأن القطع كالقتل فعلى هذا إن رضي الجماعة بقطع يده قطعت لهم ولا شيء لهم سواه وإن تشاحوا فعلى الخلاف وإن رضي الأول بالدية أعطيها وقطع للباقين.
مسألة: إذا قطع يد رجل ثم قتل آخر ثم سرى القطع إلى النفس ومات وتشاحا قتل بالذي قتله لسبقه وتأخر السراية وأما القطع فإن قلنا أنه يستوفي منه بمثل ما فعل قطع له أولا ثم قتل الذي قتله ويجب للأول نصف الدية وإن قلنا لا يستوفي القطع وجبت له الدية كاملة ولم يقطع طرفه وقيل يجب القطع بكل حال وإن قطع يد واحد وأصبع آخر قدم رب اليد إن كان أولا وللآخر دية أصبعه ومع أوليته تقطع أصبعه ثم يقتص رب اليد بلا أرش وفيه وجه وهذا بخلاف النفس فإنها لا تنقص فتكون الطرف بدليل أخذ صحيح الأطراف بمقطوعها.
باب العفو في القصاص
باب العفو عن القصاص
ـــــــ
باب العفو اعن القصاص
أجمعوا على جواز العفو عن القصاص وهو أفضل وسنده قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] والعفو المحو والتجاوز والهاء في "له" "وأخيه" لـ "من" وهو القاتل
و الواجب بقتل العمد أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب و الخيرة فيه إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شيء
ـــــــ
ويكون القتيل أو الولي على هذا أخا للقاتل من حيث الدين والصحبة وإن لم يكن بينهما نسب ونكر "شيئا" للإيذان بأنه إذا عفا له عن بعض الدم أو عفا بعض الورثة سقط القصاص ووجبت الدية فيكون العفو على هذا بمعنى الإسقاط "ذلك" أي المذكور من العفو وأخذ الدية {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ } [البقرة:178] لأن القصاص كان حتما على اليهود وحرم عليهم العفو والدية وكانت الدية حتما على النصارى وحرم عليهم القصاص فخيرت هذه الأمة بين القصاص وأخذ الدية والعفو وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع إليه أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو رواه الخمسة إلا الترمذي من حديث أنس والقياس يقتضيه لأن القصاص حق له فجاز تركه كسائر الحقوق "والواجب بقتل العمد أحد شيئين القصاص أو الدية في ظاهر المذهب" هذا قول الجماعة ل قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] أوجب الإتباع بمجرد العفو ولو وجب بالعمد القصاص عينا لم تجب الدية عند العفو المطلق "والخيرة فيه إلى الولي إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا إلى غير شيء" وإن شاء قتل البعض إذا كان القاتلون جماعة ولا يسقط القصاص عن البعض بالعفو عن البعض فمتى اختار الأولياء الدية من القاتل أو من بعض القتلة كان لهم ذلك من غير رضى الجاني لقول ابن عباس كان في بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فأنزل الله تعالى هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178] الآية رواه البخاري وعن أبي هريرة مرفوعا "من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدي وإما أن يقتل" متفق عليه
وعن أبي شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة من رواية سفيان بن أبي العوجاء وفيه ضعف ولأن له أن يختار
والعفو أفضل فإن اختار القصاص فله العفو على الدية ولم يملك طلبه و عنه أن الواجب القصاص عينا
ـــــــ
أيهما شاء فكان الواجب أحدهما كالهدي والطعام في جزاء الصيد "والعفو" مجانا "أفضل" ل قوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } [المائدة: 45] ولقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى:40] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر به ثم لا عقوبة على جان لأنه إنما عليه حق واحد وقد سقط كعفو عن دية قاتل خطأ ذكره المؤلف وغيره قال الشيخ تقي الدين العدل نوعان أحدهما هو الغاية وهو العدل بين الناس والثاني ما يكون الإحسان أفضل منه وهو عدل الإنسان بينه وبين خصمه من الدم والمال والعرض فإن استيفاء حقه عدل والعفو إحسان والإحسان هنا أفضل لكن هذا الإحسان لا يكون إحسانا إلا بعد العدل وهو ألا يحصل بالعفو ضرر فإذا حصل منه ضرر كان ظلما من العافي إما لنفسه وإما لغيره فلا يشرع ومحله ما لم يكن كمجنون أو صغير فإنه لا يصح العفو إلى غير مال لأنه لا يملك إسقاط حقه.
فرع : يصح بلفظ الصدقة والإسقاط كالعفو لأنه إسقاط للحق بكل لفظ يؤدي معناه "فإن اختار القصاص فله العفو على الدية" لما فيه من المصلحة له وللجاني أما أولا فلما في العفو عن القصاص من الفضيلة وأما ثانيا فلما فيه من سقوط القصاص عنه وله الصلح على أكثر من الدية في الأصح وخرج ابن عقيل في غير الصلح لا يجب شيء كطلاق من أسلم وتحته فوق أربع قيل له في "الانتصار" لو كان المال بدل النفس في العمد لم يجز الصلح على أكثر من الدية فقال كذا نقول على رواية يجب أحد شيئين اختاره بعض المتأخرين "وإن اختار الدية" تعينت "سقط القصاص" لأن من وجب له أحد شيئين يتعين حقه باختيار أحدهما قال أحمد إذا أخذ الدية فقط عفا عن الدم "ولم يملك طلبه" لأن القصاص إذا سقط لا يعود فلو قتله بعد أخذ الدية قتل به وعنه أن الواجب القصاص عينا ل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] والمكتوب لا يتخير فيه ولقوله عليه السلام من قتل عمدا فهو قود ولأنه بدل متلف فكان معينا كسائر المتلفات وجوابه بأن قوله فهو قود المراد به
وله العفو إلى الدية وإن سخط الجاني فإن عفا مطلقا و قلنا الواجب أحد شيئين فله الدية وإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء له ،وإن مات القاتل وجبت الدية في تركته.
ـــــــ
وجوب القود وهو محل وفاق والفرق بينه وبين المتلفات متحقق لأن بدلها يختلف بالقصد وعدمه بخلاف القتل "وله العفو إلى الدية وإن سخط الجاني" لأن الدية أقل منه فكان له أن ينتقل إليها لأنها أقل من حقه وعنه موجبه القود عينا مع التخيير بينه وبين الدية وعنه موجبه القود عينا وليس له العفو على الدية بدون رضى الجاني فيكون قوده بحاله وله الصلح بأكثر "فإن عفا مطلقا وقلنا الواجب أحد شيئين فله الدية" على الأولى خاصة لأن الواجب أحدهما فإذا ترك أحدهما تعين الآخر وإن هلك الجاني تعينت في ماله كتعذره في طرفه وقيل تسقط بموته وعنه ينتقل الحق إذا قتل إلى القاتل الثاني فيخير أولياء القتيل الأول بين قتله والعفو واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يصح العفو في قتل الغيلة لتعذر الاحتراز كالقتل مكابرة وذكر القاضي وجها في قاتل الأئمة يقتل حدا لأن فساده عام أعظم من محارب "وإن قلنا الواجب القصاص عينا فلا شيء له" لأن الدية غير واجبة فإذا سقط الدم لم يبق له شيء وإن اختار القود تعين قال القاضي وله الرجوع إلى المال لأن الدية أدنى ولهذا قلنا له المطالبة بها وإن كان القود واجبا عينا وقيل ليس له ذلك لأنه تركها كما لو عفا عنها "وإن مات القاتل" أو قتل "وجبت الدية في تركته" لأنه تعذر استيفاء القود من غير إسقاط فوجبت الدية في تركته كقتل غير المكافئ وقيل إن قلنا الواجب أحد شيئين فكذلك وإن قلنا الواجب القود فوجهان.
فرع : إذا جنى عبد على حر بما يوجب قودا فاشتراه بأرشها المقدر بذهب أو فضة صح وسقط القود لأن شراءه بالأرش اختيار للمال وإن قدر بإبل فلا لأن صفتها مجهولة.
أصل: يصح عفو السفيه والمفلس عن القود لأنه ليس بمال فإن عفا إلى مال ثبت وإن كان إلى غير مال وقلنا الواجب أحد شيئين ثبت المال لأنه واجب
وإذا قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت جنايته إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية وإن عفا على غير مال فلا شي له على ظاهر كلامه و يحتمل أن له تمام الدية وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها و عن سرايتها قال بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون
ـــــــ
وليس لهما إسقاطه وإن قلنا الواجب القود عينا صح عفوهما لأنه لم يجب إلا القود وقد أسقطاه ذكره في "الكافي" ولو رمى من له قتله قودا ثم عفا عنه فأصابه السهم فهدر قاله في "الرعاية" "وإذا قطع إصبعا عمدا فعفا عنه ثم سرت جنايته إلى الكف أو النفس وكان العفو على مال فله تمام الدية" أي دية ما سرت إليه "وإن عفا على غير مال فلا شي له على ظاهر كلامه" نقول إذا جنى جناية توجب قودا فيما دون النفس كالإصبع فعفى عنها ثم سرت إلى النفس فلا قود فيها وقاله الأكثر لأن القود لا يتبعض وقد سقط في البعض فسقط في الكل وإن كانت لا توجب قودا كالجائفة وجب القود في النفس لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر عفوه فإن كان عفوه على مال فله الدية كاملة في الموضعين لأن كل موضع تعذر فيه القصاص تعينت الدية وإن عفا على غير مال فلا شيء له لأن العفو حصل عن الإصبع فوجب أن يحصل عن الذي سرى إليه "ويحتمل أن له تمام الدية" وصححه بعضهم لأن المجني عليه إنما عفا عن دية الإصبع فوجب أن يثبت له تمام الدية ضرورة كونه غير معفو عنه.
فرع : إذا عفا عن دية الجرح صح عفوه لأن ديته تجب بالجناية فعلى هذا تجب دية النفس لا دية الجرح وقال القاضي ظاهر كلامه أنه لا يجب شي لأن القطع غير مضمون فكذا سرايته والأول أولى لأن القطع موجب وإنما سقط الوجوب بالعفو فيختص السقوط بمحل العفو "وإن عفا مطلقا انبنى على الروايتين في موجب العمد" فإن قلنا الواجب أحد شيئين فهو كما لو عفا على مال وإن قلنا الواجب القصاص عمدا فهو كما لو عفا على غير مال "وإن قال الجاني عفوت مطلقا أو عفوت عنها وعن سرايتها قال بل عفوت إلى مال أو عفوت عنها دون سرايتها فالقول قوله مع يمينه" لأن الأصل معه وفي
سرايتها فالقول قوله مع يمينه وإن قتل الجاني العافي فلوليه القصاص أو الدية كاملة و قال القاضي له القصاص أو تمام الدية و إذا و كل رجلا في القصاص ثم عفا ولم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه و هل يضمن العافي يحتمل وجهين
ـــــــ
"الرعاية" إذا قال لم أعف عن السراية ولا الدية بل عليها قبل قوله مع يمينه ولو دية كفه وقيل دون إصبع وقيل تهدر كفه بعفوه وإن سرت إلى نفسه "وإن قتل الجاني العافي" قبل البرء "فلوليه القصاص" في النفس لأن قتله انفرد عن قطعه أشبه ما لو كان القاطع غيره "أو الدية كاملة" قاله أبو الخطاب وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن القتل منفرد عن القطع فلم يدخل حكم أحدهما في الآخر ولأن القتل موجب له فأوجب الآية كاملة كما لو لم يتقدمه عفو "وقال القاضي له القصاص أو تمام الدية" لأن القتل إذا تعقب الجناية قبل الاندمال صار بمنزلة سرايته ولو سرى لم يجب إلا تمام الدية فكذا فيما هو بمنزلته وهذا إن نقص مال العفو عنها وإلا فلا شيء له سواه ذكره في المحرر "وإذا وكل رجلا في القصاص" صح نص عليه فلو وكله ثم غاب وعفا الموكل عن القصاص واستوفى الوكيل فإن كان عفوه بعد القتل لم يصح لأن حقه قد استوفي وإن كان قبله وقد علم الوكيل به فقد قتله ظلما فعليه القود كما لو قتله ابتداء وإن كان قبل العلم بعفو الموكل وهو المراد بقوله "ثم عفا و لم يعلم الوكيل حتى اقتص فلا شيء عليه" قاله أبو بكر و جزم به في "الوجيز" لأنه لا تفريط منه كما لو عفا بعد ما رماه "و هل يضمن العافي" و هو الموكل "يحتمل وجهين" أحدهما: لا ضمان عليه جزم به في "الوجيز" و قدمه في "الرعاية" و "الفروع" لأن عفوه لم يصح لأنه عفا في حال لا يمكنه تلافي ما وكل فيه كالعفو بعد رمي الحربة إلى الجاني و لأن العفو إحسان فلا يقتضي وجوب الضمان.
والثاني : بلى لأنه حصل بأمره على وجه لا ذنب للمباشر فيه كما لو أمر عبده الأعجمي بقتل معصوم و قيل للمستحق تضمين من شاء منهما و القرار على
و يتخرج أن يضمن الوكيل و يرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره والآخر لا يرجع به و يكون الواجب حالا في ماله و قال أبو الخطاب يكون على عاقلته وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح
ـــــــ
العافي و قال جماعة يخرج في صحة العفو وجهان بناء على الروايتين في الوكيل هل ينعزل بعزل الموكل قبل علمه فعلى الأول لا ضمان على أحد لأنه قتل من يجب قتله بأمر يستحقه وعلى الثاني وهو صحة العفو لا قصاص فيه لأن الوكيل قتل من يعتقد إباحة قتله كالحربي ولكن تجب الدية عليه وقد نبه على ذلك بقوله "ويتخرج أن يضمن الوكيل" لأنه قتل معصوما "ويرجع به على الموكل في أحد الوجهين لأنه غره" أشبه المغرور بحرية أمة وتزويج معيبة "والآخر لا يرجع به" اختاره القاضي لأنه محسن بالعفو بخلاف الغار بالحرية وذلك لا يقتضي الرجوع عليه "ويكون الواجب حالا في ماله" أي الوكيل لأنه متعمد للقتل وإنما سقط القود عنه لمعنى آخر فهو كقتل الأب "وقال أبو الخطاب يكون على عاقلته" وهو ظاهر "الخرقي" واختاره المؤلف قال الحلواني وهو الأظهر لأنه ليس بعمد محض ولهذا لم يجب به قود فيكون عمد الخطأ أشبه من رمى صيدا فبان آدميا فعلى قول القاضي إن كان الموكل عفا إلى الدية فله الدية في تركة الجاني ولورثة الجاني مطالبة الوكيل بديته وليس للموكل مطالبة الوكيل بشيء وإن كان عفوه بعد القتل لم يصح وإن علم الوكيل بالعفو فعليه القود.
فائدة : إذا استحق قتله وقطعه فعفا عن أحدهما بقي الآخر وقال ابن حمدان إن عفا عن القتل لم يكن له القطع وإن عفا عنه فله القتل في الأصح ولو تصالحا عن القود بمائتي بعير وقلنا يجب القود أو دية بطل وإلا فلا "وإن عفا عن قاتله بعد الجرح صح" لأنه أسقط حقه بعد انعقاد سببه فسقط كما لو أسقط الشفعة بعد البيع وكعفو وارثه بعد موته وسواء كان عمدا أو خطأ أو كان العفو بلفظه أو الوصية لأن الحق له فصح عفوه عنه كماله وعنه في القود إن كان الجرح لا قود فيه لو برئ وعنه لا يصح عن الدية وفي
وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهي وصية لقاتل هل تصح على روايتين إحداهما تصح وتعتبر من الثلث ويحتمل ألا يصح عفوه عن المال ولا وصية به لقاتل ولا غيره إذا قلنا إنها تحدث على ملك الورثة وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرشها برقبته لم يصح
ـــــــ
"الترغيب" وجه يصح بلفظ الوصية وفيه تخريج في السراية في النفس روايات الصحة وعدمها وثالثها يجب النصف بناء على أن صحة العفو ليس بوصية ويبقى ما قابل السراية لا يصح الإبراء منه واختار ابن أبي موسى صحته في العمد وفي الخطأ من ثلاثة فعلى الأول إن قال عفوت عن الجناية وما يحدث منها فلا قصاص في سرايتها ولا دية لأنه إسقاط للحق بعد انعقاد سببه وعنه إن مات من سرايتها لم يصح العفو لأنها وصية لقاتل ولا يعتبر خروج ذلك من الثلث نص عليه لأن الواجب القود عينا أو أحد شيئين فما تعين إسقاط أحدهما وعنه يصح ويعتبر من الثلث كبقية ماله "وإن أبرأه من الدية أو وصى له بها فهي وصية لقاتل هل تصح على روايتين إحداهما تصح" لأنها بدل عنه "وتعتبر من الثلث" كبقية ماله "ويحتمل" هذا وجه "ألا يصح عفوه عن المال به ولا وصية به لقاتل ولا غيره إذا قلنا إنها تحدث على ملك الورثة" لأنه يكون مال غيره فلم يكن له التصرف فيه كسائر أموال الورثة وفي "الفروع" وغيره من صح عفوه مجانا فإن أوجب الجرح مالا عينا فكوصية وإلا فمن رأس المال لا من ثلثه على الأصح لأن الدية لم تتعين.
مسألة : إذا صولح عن الجراحة بمال أو قال في العمد عفوت عن قودها على ديتها أو لم يقل على ديتها وقلنا له ديتها ضمنت سرايتها بقسطها من الدية رواية واحدة ولو قال عفوت عن قود هذه الشجة وهي مما لا قود فيه ككسر العظام فعفوه باطل ولوليه مع سرايتها القود أو الدية "وإن أبرأ القاتل من الدية الواجبة على عاقلته أو العبد من جنايته التي يتعلق أرشها برقبته لم يصح" لأنه أبرأه من حق على غيره لأن الدية الواجبة على العاقلة غير واجبة على
وإن أبرأ العاقلة والسيد صح وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه وليس ذلك للسيد إلا أن يموت العبد.
ـــــــ
القاتل والجناية المتعلق أرشها برقبة العبد غير واجبة عليه بل متعلقة بملك السيد "وإن أبرأ العاقلة والسيد صح" لأنه أبرأهما من حق عليهما كالدين الواجب عليهما وفي "الرعاية" وجه وفي "الفروع" وغيره يصح إبراء عاقلة إن وجبت الدية للمقتول كإبراء سيد لعفوه عنها ولم يسم المبرئ.
تنبيه : إذا قال المجروح لمن عليه قود في نفس أو طرف أو جرح أبرأتك وحللتك من دمي أو قتلي أو وهبتك ذلك ونحوه معلقا بموته صح فلو برئ بقي حقه بخلاف عفوت عنك ولو قال لمن عليه قود عفوت عن جنايتك أو عنك برئ من قود ودية نص عليه "وإن وجب لعبد قصاص أو تعزير قذف فله طلبه والعفو عنه" لأنه مختص به والقصد منه التشفي "وليس ذلك للسيد" لأنه ليس يحق له "إلا أن يموت العبد" فينتقل إليه وحينئذ فله طلبه وإسقاطه كالوارث.
فرع : إذا عفا من حجر عليه لسفه أو فلس أو مرض عن قود مجانا أو عفا الوارث لذلك مع دين مستغرق ففي بقاء ديته وجهان ولا يصح عفوهم عن الدية في الأصح ويصح عفو المريض بعد البرء في قدر ثلاثة والوارث في الزائد عن قدر الدين وقيل للمفلس القود والعفو مجانا نص عليه وقيل المبذر كالصبي.
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس
كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها
ـــــــ
باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس"كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها" لأن من أقيد به في النفس
ومن لا فلا ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض وهو نوعان أحدهما في الأطراف لما ذكرنا فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة واليد باليد والرجل بالرجل ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف والمرفق
ـــــــ
إنما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود فوجب أن يقاد به فيما دونها فعلى هذا لو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده لأنه يقاد به في النفس "ومن لا فلا" أي من لا يقاد بغيره في النفس فلا يقاد به فيما دونها فلو قطع مسلم يد كافر لم تقطع يده لأنه لا يقاد به في النفس وعنه لا قود بين العبيد في الأطراف لأنها أموال وعنه في النفس والطرف حتى تستوي القيمة ذكره في "الانتصار" والمذهب ما ذكره المؤلف لأن ما دون النفس كالنفس في وجوب القود فكان كالنفس فيما نذكره وهو قول الأكثر "ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس وهو العمد المحض" لقوله تعالى: {والْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] وحديث أنس في قضية الربيع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كتاب الله القصاص" متفق عليه وأجمعوا على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص فكان كالنفس في وجوبه وظاهره أنه لا يحب في الخطإ وهو كذلك إجماعا لا في شبه العمد وقاله السامري وصححه في "المغني" و"الشرح" وعنه يجب فيه اختارها ابن أبي موسى وأبو بكر لعموم الآية ولأن العضو يتلف بأيسر مما تتلف به النفس وجوابه بأن الآية مخصوصة بالخطإ فكذا هذا "وهو نوعان أحدهما في الأطراف" لما ذكرنا "فتؤخذ العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن للنص والخبر والجفن بالجفن" لأنه في معنى المنصوص عليه فوجب أن يلحق به ويؤخذ جفن كل واحد من البصير والضرير بالآخر.
فائدة : الجفن بفتح الجيم وحكى ابن سيدة كسرها "والشفة بالشفة" وهو ما جاوز الذقن والخدين علوا وسفلا "واليد باليد والرجل بالرجل" لما ذكرنا وظاهره لا فرق بين أن يقوى بطشها أو يضعف "ويؤخذ كل واحد من الأصابع والكف
والذكر والأنثيين بمثله ، وهل يجري في الإلية والشفر ؟ على وجهين .
فصل
ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط : أحدها : الأمن من الحيف ، بأن يكون القطع من مفصل ، أو له حد ينتهي إليه ، كمارن الأنف ، وهو ما لان منه ، فإن قطع القصبة أو قطع من نصف الساعد أو الساق ، فلا قصاص في أحد الوجهين .
ـــــــ
والمرفق والذكر والأنثيين بمثله" لأن المماثلة موجودة والقصاص ممكن فوجب كالعين بمثلها "وهل يجري في الإلية والشفر على وجهين" كذا في "المحرر" و"الفروع" أحدهما يجب جزم به في "الوجيز" لظاهر الآية لأن الإلية متصلة باللحم والشفر لحم لا مفصل له.
والثاني لا قود فيهما قدمه في الرعاية كلحم الفخذ.
فائدة : الشفر بضم الشين أحد شفري المرأة فأما شفر العين فهو منبت الهدب وقد حكي فيه الفتح.
فصل
"ويشترط للقصاص في الطرف ثلاثة شروط أحدها الأمن من الحيف" إذ هو جور وظلم وإذا لم يمكن القصاص إلا به لم يجب فعله "بأن يكون القطع من مفصل" لأن المماثلة في غير ذلك غير ممكنة ولا يؤمن أن يستوفي أكثر من الحق "أو له حد ينتهي إليه كمارن الأنف وهو ما لان منه" دون القصبة لأن ذلك حد ينتهي إليه فهو كاليد ويؤخذ البعض بالبعض فيقدر ما قطعه بالأجزاء كالنصف والثلث ولا يؤخذ بالمساحة لأنه يفضي إلى أخذ جميع أنف الجاني لصغره ببعض أنف المجني عليه لكبره وكذا في الأذن واللسان والشفة وقيل لا يؤخذ بعض اللسان ببعض "فإن قطع القصبة" أي قصبة أنفه "أو قطع من نصف الساعد أو الساق فلا قصاص في أحد الوجهين" وهو المنصوص عن أحمد وفي
وفي الأخر : يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب ، وهل يجب له أرش الباقي ؟ على وجهين . ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة.
ـــــــ
الخبر أن رجلا ضرب آخر على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال إني أريد القصاص قال "خذ الدية بارك الله لك فيها" رواه ابن ماجة ولأن القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه الحيف فلو قطع يده من الكوع ثم تآكلت إلى نصف الذراع فلا قود اعتبارا بالاستقرار قاله القاضي قال في "المحرر" وعندي يقتص هاهنا من الكوع "وفي الآخر يقتص من حد المارن ومن الكوع والكعب" لأنه دون حقه لعجزه عن استيفاء حقه أشبه ما لو شجه هاشمة واستوفى موضحة وكذا الخلاف فيما لو قطع من عضد أو ورك "وهل يجب له أرش الباقي؟" عليهما ولو خطأ "على وجهين" كذا أطلقهما في "الفروع" أحدهما ليس له ذلك جزم به في "الوجيز" لأنه يجمع في عضو واحد بين قصاص ودية
والثاني بلى لأنه حق له تعذر استيفاؤه فوجب أرشه كغيره "ويقتص من المنكب إذا لم يخف جائفة" لأنه مفصل يؤمن فيه الحيف فوجب كالقطع من الكوع ويرجع في الخوف في هذا إلى أهل الخبرة فإن خيف فله أن يقتص من مرفقه ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف أو من مأمومة أو جائفة أو نصف ذراع ونحوه أجزأ وإن اختار الدية فله دية اليد وحكومة لما زاد فإن قطع من نصف الذراع ففي جواز قطع الأصابع وجهان فإن قطع منها لم يكن له حكومة في الكف لأنه أمكنه أخذه قصاصا كما لو كانت الجناية من الكوع وإن قطعت من العضد لم يملك قطعها من كوع لأنه أمكنه استيفاء الذراع قصاصا كما لو قطع من المرفق وفي "الشرح" وجهان.
مسألة: إذا قطع بعض أذنه فالتصق فله أرش الجرح ولا قود فيه وإن شقها فألصقها صاحبها فالتصقت فكذلك وإن قطعها فأبانها فألصقها صاحبها فالتصقت فله القود في قول القاضي لأنه وجب بالإبانة وقال أبو بكر لا قود فيها لأنها لم تبق على الدوام أشبه الشق وعلى هذا له أرش الجرح فإن سقطت
وإذا أوضح إنسانا فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه ، فإنه يوضحه ، فإن ذهب ذلك وإلا استعمل فيه ما يذهبه من غير أن يجني على حدقتيه أو أذنه أو أنفه ، فإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الأعضاء ، سقط .
فصل
الثاني : المماثلة في الموضع والاسم ، فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلى من الشفتين والأجفان بمثلها .
ـــــــ
بعد ذلك قريبا أو بعيدا رد الأرش وملك القود أو الدية إن اختارها على القولين "وإذا أوضح إنسانا" أو شجه دون موضحة أو لطمه "فذهب ضوء عينه أو سمعه أو شمه فإنه يوضحه" أي فعل به كما فعل لأنه يمكن القود منه من غير حيف لأن له حدا ينتهي إليه "فإن ذهب ذلك وإلا استعمل فيه ما يذهبه" أي ما يذهب ضوء عينه إلى آخره "من غير أن يجني على حدقته أو أذنه أو أنفه" لأنه يستوفي حقه من غير زيادة فيطرح في العين كافورا أو يقرب منه مرآة أو يحمي له حديدة أو مرآة ثم يقطر عليها ماء ثم يقطر منه في العين ليذهب بصرها و لا يقتص منه مثل شجته بغير خلاف علمناه و لا يقتص منه باللطمة لأن المماثلة فيها غير ممكنة و يعالجه بما يذهب بصره من غير أن يقلع عينه و قال القاضي له أن يلطمه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه و إلا أذهبه بما ذكر و لا يصح لأن اللطمة لا يقتص منها منفردة فكذا إذا سرت إلى العين كالشجة دون الموضحة ولا قود إلا أن تكون اللطمة تذهب بالبصر غالبا قاله القاضي وقال أبو بكر يجب القود بكل حال "فإن لم يمكن إلا بالجناية على هذه الأعضاء سقط" القود لتعذر المماثلة ولأن توهم الزيادة تسقط القود فحقيقته أولى وتتعين الدية.
فصل
"الثاني المماثلة في الموضع والاسم" قياسا على النفس "فتؤخذ كل واحدة من اليمنى واليسرى والعليا والسفلي من الشفتين والأجفان بمثلها" في قول أكثر أهل العلم لأن القصاص يعتمد المماثلة ولأنها جوارح مختلفة المنافع والأماكن
والإصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم ولو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته وبين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه ولا تؤخذ أصلية بزائدة ولا زائدة بأصلية وإن تراضيا عليه لم يجز فإن فعلا أو قطعها تعديا .
ـــــــ
فلم يأخذ بعضها ببعض كالعين بالأنف وكذا كل ما انقسم إلى يمين ويسار وأعلا وأسفل "والإصبع والسن والأنملة بمثلها في الموضع والاسم" لأن الشرط المماثلة فتؤخذ الإبهام والسبابة والوسطى بمثلها وكذا البنصر والخنصر والثنية والضاحك والناب والأنملة العليا من الإصبع بمثله لأن المماثلة موجودة في ذلك كله "ولو قطع أنملة رجل العليا وقطع الوسطى من تلك الإصبع من آخر لم يكن له عليا فصاحب الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته و بين أن يصبر حتى يقطع العليا ثم يقتص من الوسطى" لأنه لا يمكن القصاص في الحال لما فيه من الحيف و أخذ الزيادة على الواجب و لا سبيل إلى تأخير حقه حتى يمكن من القصاص لما فيه من الضرر فوجب الخيرة بين الأمرين فإن قطع من ثالث السفلي فللأول أن يقتص من العليا ثم للثاني أن يقتص من الوسطى ثم للثالث أن يقتص من السفلي سواء جاءوا جميعا أو واحدا بعد و احد "ولا يؤخذ شيء من ذلك بما يخالفه" لأن المماثلة شرط و لم توجد فلا تؤخذ يمين بيسار و لا عكسه و لا العليا من الشفتين و الأجفان بالأسفل و لا عكسه و لا الإبهام بالسبابة و لا الوسطى و الخنصر و البنصر بغيرها و على هذا فقس "و لا تؤخذ أصلية بزائدة" لأن الزائدة دونها "ولا زائدة بأصلية" لأنها لا تماثلها و يؤخذ زائد بمثله موضعا و خلقة و لو تفاوتا قدرا "وإن تراضيا عليه لم يجز" لأن ما لا يجوز أخذه قصاصا لا يجوز بتراضيهما لأن الدماء لا تستباح بالإباحة "فإن فعلا" ذلك بلا تعد مثل أن يأخذ باختيار الجاني فيجرئ و يسقط القود لأن القود سقط في الأولى بإسقاط صاحبها و في الثانية بإذن صاحبها في قطعها و ديتهما متساوية قاله أبو بكر "أو قطعها تعديا" لأنهما متساويان في الدية و الألم و الاسم فتساقطا و لأن إيجاب القود يفضي إلى قطع يد كل منهما و إذهاب منفعة الجنس و كل من القطعين
أو قال أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال و سقط القصاص وقال ابن حامد إن أخرجها عمدا لم يجز ويستوفي من يمينه بعد اندمال اليسار وإن أخرجها دهشة أو ظنا أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها.
ـــــــ
مضمونة سرايته لأنه عدوان و قال ابن حامد إن كان أخذها عدوانا فلكل منهما القود على صاحبه وإن كان بتراضيهما فلا قود في الثانية لرضى صاحبها ببدلها و في و جوبه في الأول وجهان أحدهما لا يسقط لأنه رضي بتركه بعوض لم يثبت له كما لو باعه سلعة بخمر و قبضه إياه فعلى هذا له القود بعد اندمال الأخرى و للجاني دية يده "أو قال أخرج يمينك فأخرج يساره فقطعها أجزأت على كل حال و سقط القصاص" سواء قطعها عالما بها أو جاهلا و كما لو قطع يسار السارق بدل يمينه "وقال ابن حامد إن أخرجها عمدا لم يجز" لأنه تعمد ترك الواجب عليه من القطع فلم يعذر في استيفاء الواجب عليه و لا يصح القياس على السارق لوجوه لأن الحد مبنى على الإسقاط و يساره تقطع إذا عدمت يمينه و لو سقطت يده بآكلة أو قصاص سقط القطع بخلاف القصاص فإنه لا يسقط "ويستوفي من يمينه" لأن قطع اليسار كلا قطع فيوجب ذلك قطع اليمين ضرورة استيفاء الواجب عليه و ذلك مشروط "بعد اندمال اليسار" لأنه لو قطعها قبل ذلك أدى إلى هلاكه و هو منفي شرعا بخلاف ما إذا قطع يمين رجل و يسار آخر فإنه لا يؤخر أحدهما إلى اندمال الآخر لأن القطعين مستحقان قصاصا فلهذا جمع بينهما و في هذه أحدهما غير مستحق.
تتمة: فإن أخرجها عمدا عالما أنها يساره و أنها لا تجزئ فهدر و يفارق هذا ما إذا قطع يد إنسان و هو ساكت لأنه لم يوجد منه البدل فإن سرى قطع يساره إلى نفسه فهدر و تجب في تركته دية اليمين لتعذر الاستيفاء "وإن أخرجها دهشة أو ظنا أنها تجزئ فعلى القاطع ديتها" إن علم أنها يسار و أنها لا تجرئ و يعزر وعليه الضمان بالدية لأنه لو كان عالما بها كانت مضمونة عليه و ما و جب ضمانه في العمد و جب في الخطإ كإتلاف المال و القصاص باق في
وإن كان من عليه القصاص مجنونا فعلى القاطع القصاص أن كان عالما بها و أنها لا تجزئ وإن جهل أحدهما فعلية الدية وإن كان المقتص مجنونا و الآخر عاقلا ذهبت هدرا.
فصل
الثالث استواؤهما في الصحة والكمال فلا تؤخذ صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصة
ـــــــ
اليمين و لا يقتص حتى تندمل اليسار فإن عفا و جب بدلها و يتقاصان وإن سرت اليسار إلى نفسه فلورثة الجاني نصف الدية لأن اليسار مضمونة و تساقطا به ويقبل قول الجاني في العلم و عدم إباحتها لأنه أعلم بنيته "وإن كان من عليه القصاص مجنونا" مثل أن يجن بعد وجوب القصاص عليه "فعلى القاطع القصاص إن كان عالما بها و أنها لا تجزئ" لأنه قطعها متعديا "وإن جهل أحدهما فعليه الدية" لأن بذل المجنون ليس بشبهة "وإن كان المقتص مجنونا و الآخر عاقلا ذهبت هدرا" لأنه لا يصح منه الاستيفاء ولا يجوز البذل له ولا ضمان عليه لأنه أتلفها ببذل صاحبها لكن إن كان المقطوع اليمنى فقد تعذر استيفاء القود فيها لتلفها فيكون للمجنون ديتها وإن وثب المجنون فقطع يمينه قهرا سقط حقه كما لو اقتص ممن لا تحمله العاقلة وقيل لا تسقط قال في الرعاية وهو أظهر ودية يده على الجاني وعلى عاقلته دية الجاني.
فصل
"الثالث استواؤهما في الصحة والكمال" لأن القصاص يعتمد المماثلة "فلا تؤخذ صحيحة بشلاء" بغير خلاف نعلمه إلا ما حكي عن داود لاشتراكهما في الاسم كالآدميين وجوابه أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفع وإذا لم يؤخذ القود في العينين لأجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلأن لا يوجب ذلك فيما لا نص فيه أولى "ولا كالة الأصابع بناقصة" لأنها جناية زائدة
ولا عين صحيحة بقائمة ولا لسان ناطق بأخرس ولا ذكر فحل بذكر خصي ولا عنين ويحتمل أن يؤخذ بهما إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ.
ـــــــ
على ما جنى عليه فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أقل من ذلك لم يجز القصاص لأنها فوق حقه و هل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه فيه وجهان وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها إصبع شلاء و باقيها صحاح لم يجر أخذ الصحيحة بها و في القود من الأصابع الصحاح وجهان فإن قلنا له القود فله الحكومة في الشلاء وأرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحيحة في قصاصها أو تجب فيه حكومة على وجهين فإن كانت الزائدة من أصابع الجاني زائدة في الخلقة لم يمنع القود عند ابن حامد لأنها عيب ونقص في المعنى كالسلعة واختار القاضي إنها تمنع كالأصلية ولا تؤخذ ذات أظفار بما لا أظفار لها "ولا عين صحيحة" بقائمة وهي صحيحة في موضعها وإنما ذهب نورها وأبصارها لانتفاء استوائهما في الصحة وتؤخذ القائمة بالصحيحة لأنها دون حقه ولا أرش له معها لأن التفاوت في الصفة "و لا لسان ناطق بأخرس" لأنه ليس بمماثل له و لأنه يأخذ أكثر من حقه أشبهت اليد الصحيحة بالشلاء "و لا ذكر فحل بذكر خصي و لا عنين" على "المذهب" لأنه لا منفعة فيهما لأن الخصي لا يولد له و لا ينزل و لا يكاد العنين أن يقدر على الوطء فهما كالأشل "و يحتمل أن يؤخذ بهما" هذا رواية عن أحمد و اختارها أبو بكر و أبو الخطاب لأنهما عضوان ينقبضان و ينبسطان فيؤخذ بهما كذكر الفحل و عنه يؤخذ بذكر العنين لا الخصي اختارها لأبن حامد لتحقق نقصه و الإياس من برئه بخلاف العنين فإن العنة علة في الظهر كأذن الأصم و مارن الأحشم.
وقال القاضي لا يؤخذ بخصي و في أخذه بعنين وجهان أحدهما يؤخذ به الصحيح لأنه غير مأيوس من زوال عنته و لذلك يؤجل سنة و صحح في "المغني" و "الشرح" الأول لأنه إذا تردد الحال بين كونه مساويا لآخر و عدمه لم يجب قصاص لأن الأصل عدمه "إلا مارن الأشم الصحيح يؤخذ بمارن الأحشم" و هو الذي لا يجد رائحة شيء و هذا استثناء من استوائهما في الصحة
بمارن الأخشم وبالمخروم والمستحشف وأذن السميع بإذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين ويؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح وبمثله إذا أمن من قطع الشلاء التلف ولا يجب مع القصاص أرش في أحد الوجهين.
ـــــــ
و الكمال و ليس هو عائدا إلى الاحتمال وإن قرب منه إذ الاستثناء من الإثبات نفي فقوله يؤخذ بهما إثبات و المستثنى نفى فيكون المعنى استواؤهما شرط إلا في أشياء لأن عدم الشم علة في الدماغ و نفس الأنف صحيح فوجب أخذ الأخشم به لأنه مثله و إذا كان كذلك فلا يحتاج إلى الاستثناء قيل هو بالنظر إلى فوات الشم غيره.
والثاني لا يؤخذ به لأن منفعة الشم قد زالت فهو بالنسبة إلى الاسم كاليد الصحيحة مع الشلاء و يؤخذ الصحيح "بالمخروم" و هو المقطوع و تر أنفه و "المستحشف" و هو الرديء لأن ذلك مرض و لأنه يقوم مقام الصحيح.
والثاني لا يؤخذ بذلك لأنه معيب ذكره في الكافي و اقتصر عليه في الشرح "و أذن السميع بإذن الأصم الشلاء في أحد الوجهين" و كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع" أحدهما و جزم به في "الوجيز" و هو ظاهر نقل المؤلف يؤخذ به لأن العضو صحيح و مقصوده الجمال لا السمع وذهاب السمع لنقص في الرأس لأنه محله و ليس بنقص في الأذن و الثاني لا يؤخذ به لأنه عضو ذهب نفعه فهو كاليد الشلاء و تؤخذ الأذن الصحيحة بالمثقوبة "و يؤخذ المعيب من ذلك كله بالصحيح" لأنه رضي بدون حقه كما لو رضي المسلم بالقود من الذمي و الحر من العبد "و بمثله" لأن المانع من القصاص عدم الاستواء و هو منتف هنا بشرط و هو "إذا أمن من قطع الشلاء التلف" و حاصله أن القاطع إذا كان أشل و المقطوعة سالمة فإن شاء المجني عليه أخذ الدية فله ذلك بغير خلاف نعلمه لعجزه عن استيفاء حقه على الكمال وإن اختار القصاص سئل أهل الخبرة فإن قالوا أنه إذا قطع لم تفسد العروق و لم يدخل الهواء أجيب إلى ذلك وإن قالوا يدخل الهواء في البدن فيفسده سقط القصاص "و لا يجب له مع القصاص أرش في أحد الوجهين" قدمه في "المحرر" و "الفروع" و جزم به في "الوجيز" لأن
و في الآخر له دية الأصابع الناقصة و لا شيء له من أجل الشلل و اختار أبو الخطاب أن له أرشه وإن اختلفا في شلل العضو وصحته فأيهما يقبل قوله فيه وجهان
ـــــــ
الشلاء كالصحيحة في الخلقة و إنما نقصت في الصفة و لأن الفعل الواحد لا يوجب مالا و قودا "و في الآخر له دية الأصابع الناقصة" قاله القاضي و شيخه "و لا شيء له من أجل الشلل" لأن الجمال ينقص بنقصان الأصابع بخلاف الشلاء فإنها كاملة الصورة و عليه مبنى القصاص لأن المماثلة في المعاني لا تعتبر لأنه كان يفضي إلى سقوط القصاص "و اختار أبو الخطاب أن له أرشه" لأن له دية و أرش الشلل على قياس قوله في عين الأعور إذا قلعت و إنما كان كذلك تكميلا لحقه لأنه استوفى بالقصاص بعض حقه فيأخذ دية باقيه كما لو قطع الأقطع يد الصحيح فإنه يأخذ دية اليد لفوات حقه منها و هذا أشبه بكلام أحمد و قيل الشلل موت و ذكر في "الفنون" أنه سمعه من جماعة من البله المدعيين للفقه قال وهو بعيد و إلا لأنتن و استحال كالحيوان و في "الواضح" إن ثبت فلا قود في ميت "وإن اختلفا في شلل العضو و صحته فأيهما يقبل قوله فيه وجهان" أي إذا ادعى الجاني نقص العضو بشلل أو غيره فأنكره و لى الجناية قبل قوله نص عليه و اختاره الخلال و جزم به في "الوجيز" لأن الظاهر السلامة.
والثاني و اختاره أبن حامد يقبل قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته من دية عضو سالم ولأنه لو كان سالما لم يخف لأنه يظهر فيراه الناس و اختار في الترغيب عكسه في أعضاء باطنة لتعذر البينة و قبل قول الولي إن اتفقا على سابقة السلامة و إلا فقول الجاني.
مسألة : إذا قطع ذكر خنثى مشكل و أنثييه و شفره فلا قود له حتى يتبين لأنا لا نعلم أن المقطوع فرج أصلي وإن طلب الدية و كان يرجى انكشاف حاله أعطي اليقين و هو دية شفري امرأة و حكومة في الذكر و الأنثيين وإن كان مأيوسا من انكشاف حاله أعطي نصف دية ذلك كله و حكومة في نصفه الباقي
فصل
وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو شفته أو حشفته أو أذنه أخذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث والربع وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثله إذا أمن قلعها
ـــــــ
و على قول ابن حامد لا حكومة فيه لأنه نقص.
فصل
"وإن قطع بعض لسانه أو مارنه أو حشفته أو أذنه أحذ مثله يقدر بالأجزاء كالنصف و الثلث و الربع" للنص و قال أبو الخطاب و صححه في المحرر لا يؤخذ بعض اللسان ببعض و المذهب عند المؤلف و صاحب "الوجيز" بلى كالأذن و لأنه يؤخذ جميعه بجمعيه فأخذ بعضه ببعض كالأنف و يقدر بالأجزاء كالنصف ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضي إلى أحد جميع عضو الجاني ببعض عضو المجني عليه "وإن كسر بعض سنه برد من سن الجاني مثلها" لحديث الربيع و يقدر بما ذكرنا و يتعين القود بالمبرد لتؤمن الزيادة لأنه لو أخذ بالكسر لأدى إلى الصداع أو القلع أو الكسر من غير موضع القصاص.
وشرط "إذا أمن قلعها" أي لا يقتص حتى يقول أهل الخبرة أنه يؤمن انقلاعها لأن توهم الزيادة يمنع القود كما لو قطعت يده من غير مفصل لا يقال قد أجزتم القصاص في الأطراف مع توهم سرايتها إلى النفس فلم منعتم منه لتوهم السراية إلى بعض العضو لأن توهم السراية إلى النفس لا سبيل إلى التحرز منه فلو اعتبر سقط القصاص في الطرف فسقط اعتباره و أما السراية إلى بعض العضو فتارة نقول يمنع القصاص إذا احتمل الزيادة في الفعل لا في السراية كما إذا استوفي من بعض الذراع فإنه يحتمل أن يفعل أ كثر مما فعل به فلو قلع سنا زائدة و كان للجاني مثلها في موضعها فللمجني عليه القود أو حكومة في سنه وإن لم يكن له مثلها في محلها فليس له إلا الحكومة وإن كانت إحداهما أكبر من الأخرى فالأشهر أنه يؤخذ به لأنهما سنان متساويان في الموضع
ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة فإن مات قبل الإياس من عودها فعليه ديتها و لا قصاص فيها وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني ثم إن عادت سن الجاني رد ما أخذ وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها.
ـــــــ
كالأصليتين و لعموم النص "ولا يقتص من السن حتى ييأس من عودها" و هي سن من قد ثغر أي سقطت رواضعه ثم نبتت لأن سن من لم يثغر تعود عادة فلم تضمن كالشعر فإن عاد بدل السن على صفتها في موضعها فلا شيء على الجاني "فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة" أي إذا مضى زمان عودها و لم تعد سئل أهل الخبرة فإن قالوا قد يئس من عودها خير المجني عليه بين القصاص و بين دية السن "فإن مات" المجني عليه "قبل الإياس من عودها فعليه ديتها" لأن القلع موجود و العود مشكوك فيه و قيل لا يجب شيء كحلق شعره و موته قبل نباته "و لا قصاص فيها" لأن الاستحقاق غير متحقق فيكون ذلك شبهة في درء القود "وإن اقتص من سن فعادت غرم سن الجاني" لأنه لم يجب القصاص ويضمنها بالدية فقط لأنه لم يقصد التعدي "ثم إن عادت سن الجاني رد ما أخذ" و لم تقلع في وجه لئلا يأخذ سنين بسن و قيل تقلع وإن برئت لأنه أعدم سنه بالقلع فكان له إعدام سنه به و في المذهب فيمن قلع سن كبير ثم نبتت لم يرد ما أخذ ذكره أبو بكر "وإن عادت سن المجني عليه قصيرة أو معيبة فعلى الجاني أرش نقصها" بالحساب ففي نصفها نصف ديتها وإن عادت و الدم يسيل منها أو مائلة عن محلها ففيها حكومة وإن قلع سن كبير فله القود في الحال لأن الظاهر عدم عودها وإن قلع سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجني عليه فقلعها الجاني ثانية فلا شيء عليه لأن سن المجني عليه لما عادت و جب للجاني عليه دية سنه فلما قلعها و جب على الجاني ديتها للمجني عليه فقد و جب لكل منهما دية سن فيتقاصان.
مسألة : تؤخذ المكسورة بالصحيحة و هل له أرش الباقي فيه وجهان
فصل
النوع الثاني: الجروح فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة فله أن يقتص موضحة ولا شيء له على قول أبي بكر و قال ابن حامد له ما بين دية موضحة ودية
ـــــــ
فصل
"النوع الثاني الجروح" للآية و الخبر "فيجب القصاص في كل جرح ينتهي إلى عظم كالموضحة" لأنه يمكن استفاؤه من غير حيف و لا زيادة لانتهائه إلى عظم أشبه قطع الكف من الكوع ولا نعلم فيه خلافا ولأن الله نص على القصاص فلو لم يجب في كل جرح ينتهي إلى عظم لسقط حكم الآية "وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم" في قول أكثر العلماء وكالموضحة ولا يستوفي ذلك إلا من له علم وخبرة كالجرائحي ونحوه فإن لم يكن للولي علم بذلك أمره بالاستتابة وإن كان له علم به فظهر كلام أحمد أنه يمكن منه لأنه أحد نوعي القصاص كالنفس "ولا يجب في غير ذلك من الشجاج والجروح كما دون الموضحة أو أعظم منها" لأنها جراحة لا تنتهي إلى عظم و لا تؤمن فيها الزيادة أشبه الجائفة وكسر العظام "إلا أن يكون أعظم من الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة" لأنه ليس له حد ينتهي إليه ولا يمكن الاستيفاء من غير حيف وذلك شرط في وجوب القصاص "فله أن يقتص موضحة" بغير خلاف بين أصحابنا لأنه يقتصر على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فإنه إنما وضع السكين في موضع وضعها الجاني لأن سكين الجاني وصلت العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد فإنه لم يضع سكينه في الكوع "ولا شيء له على قول أبى بكر" لأنه جرح واحد فلم يجمع فيه بين قصاص وأرش كالشلاء بالصحيحة "وقال ابن حامد" وقدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" "له ما بين دية
موضحة ودية تلك الشجة فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا ويعتبر قدر الجرح بالمساحة فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه وفي الأرش للزائد وجهان.
ـــــــ
موضحة ودية تلك الشجة" لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش كما لو تعذر في جميعها وفارق الشلاء بالصحيحة فإن الزيادة ثم من حيث المعنى وليست متميزة بخلاف مسألتنا "فيأخذ في الهاشمة خمسا من الإبل وفي المنقلة عشرا" لأن التفاوت في الأولى خمس وفي الثانية عشر وفي المأمومة ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير لأن الواجب فيها ثلث الدية فإذا ذهب منها دية موضحة بقي ذلك "ويعتبر قدر الجرح بالمساحة" دون كثافة اللحم ليعلم حتى يقتص من الجاني مثله "فلو أوضح إنسانا في بعض رأسه مقدار ذلك البعض جميع رأس الشاج وزيادة كان له أن يوضحه في جميع رأسه" وحاصله أنه يجب في الموضحة قدرها طولا وعرضا لأن القصاص المماثلة و لا يراعى العمق لأن حده العظم ولو روعي لتعذر الاستيفاء لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته فإذا كانت في الرأس حلق موضعها من رأس الجاني وعلم القدر المستحق بسواد أو غيره ثم اقتص فإن كانت في مقدم الرأس أو مؤخره أو وسطه فأمكن أن يستوفي قدرها من موضعها لم يجز من غيره وإن زاد قدرها على موضعها من رأس الجاني استوفى بقدرها وإن جاوز الموضع الذي شجه في مثله لأن الجميع رأس وإن زاد قدرها على رأس الجاني كله لم يجز أن ينزله إلى الوجه والقفا لأنه قصاص في غير العضو المجروح فيقتص من رأس الجاني كله "وفي الأرش للزائد وجهان" أحدهما لا أرش له فيما بقي وقاله أبو بكر وهو الأشهر لئلا يجمع في عضو واحد قصاص ودية والثاني وهو قول ابن حامد له أرش موضحة ما بقي وهو تفاوت ما بين جنايته والموضحة كما سبق وإن كانت بقدر ثلثها فله أرش ثلث موضحة وإن زادت على هذا أو نقصت فبالحساب من أرش الموضحة ولا يجب له أرش الموضحة كاملة.
فصل
وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين.
ـــــــ
تنبيه : إذا أوضح كل الرأس ورأس الجاني أكبر فللمجني عليه قدر شجته من أي جانب شاء لأن الجميع محل الجناية وله أن يستوفي بعض حقه من مقدم الرأس وبعضه من مؤخره إلا أن يكون في ذلك زيادة ضرر أو شين فيمتنع لذلك لأنه لم يجاوز موضع الجناية ولا قدرها وقيل بالمنع لأنه يأخذ موضحتين بموضحة قدمه في "الشرح" وإن أوضحه موضحتين قدرهما جميع رأس الجاني فللمجني عليه الخيار بين أن يوضحه في جميع رأسه موضحة واحدة وبين أن يوضحه موضحتين يقتصر فيهما عن قدر الواجب ولا أرش له في الباقي وجها واحدا لأنه ترك الاستيفاء مع إمكانه ويقبل قول المقتص مع يمينه في أنه أخطأ في الزيادة فإن قال هذه الزيادة حصلت باضطرابه فأنكره الجاني فوجهان.
فصل
"وإن اشترك جماعة في قطع طرف أو جرح" موجب للقصاص "وتساوت أفعالهم مثل أن يضعوا الحديدة على يده ويتحاملوا عليها جميعا حتى تبين" أو يدفعوا حائطا ونحوه على شخص قاله في "الوجيز" "فعلى جميعهم القصاص في إحدى الروايتين" اختارها الخرقي وقدمها في "الكافي" و"الرعاية و"الفروع" وجزم بها في "الوجيز" لقول علي للشاهدين لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما فأخبر أن القصاص على كل منهما لو تعمد ولأنه أحد نوعي القصاص فيؤخذ الجماعة بالواحد كالنفس وفي "الانتصار" لو حلف كل منهما لا يقطع يدا حنث بذلك والثانية لا قود عليهم لأن الأطراف يعتبر التساوي فيها فإنه لا تؤخذ
فإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إنسان من جانب فلا قصاص رواية واحدة وسراية الجناية مضمونة بالقصاص أو الدية فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك وإن شلّ ففيه ديته دون القصاص.
ـــــــ
صحيحة بشلاء ولا كاملة الأصابع بناقصتها ولا تساوي بين الطرف والأطراف ولا يعتبر التساوي في النفس وكما لو تميزت أفعالهم وفي "الرعاية" بعد ذكر الخلاف وعلى كل واحد دية الطرف والجرح كما لو قطع كل إنسان من جانب أو في وقت قال ابن حمدان ويحتمل أن يشتركوا في ديته "فإن تفرقت أفعالهم أو قطع كل إنسان من جانب فلا قصاص رواية واحدة" لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك في قطع جميعها "وسراية الجناية مضمونة" بغير خلاف لأنها اثر الجناية والجناية مضمونة فكذا أثرها "بالقصاص أو الدية" وهو مبني على أن موجب العمد أحد أمرين ثم إن سرت إلى النفس وما لا تمكن مباشرته بالإتلاف مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينه وجب القود فيه ولا خلاف في ذلك في النفس وفي ضوء العين خلاف.
وإن سرت إلى ما تمكن مباشرته بالإتلاف ونبه عليه بقوله "فلو قطع إصبعا فتآكلت أخرى إلى جانبها وسقطت من مفصل أو تآكلت اليد وسقطت من الكوع وجب القصاص في ذلك" في قول إمامنا لأن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية كالنفس وقال أكثر الفقهاء لا قود في الثانية وتجب ديتها لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية كما لو رمى سهما إلى شخص فمرق منه إلى آخر وجوابه ما سبق وبأنه أحد نوعي القصاص وفارق ما ذكروه لأن ذلك فعل وليس بسراية ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص "وإن شل" بفتح الشين وقيل بضمها "ففيه ديته دون القصاص" إذا شل وجب القود في الأولى والأرش في الثانية لأن الشلل حصل بالسراية وحكمها حكم المباشرة ولأنها جناية موجبة للرقود كما لو لم تسر وكما لو قطع يد حبلى فسرى إلى جنينها
وسراية القود غير مضمونة فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه.
ـــــــ
وقال ابن أبي موسى لا قود بنقصه بعد برئه ويجب الأرش في ماله فلا تحمله العاقلة لأنه جناية عمد وإذا قطع له إصبعا فشلت أصابعه الباقية وكفه وجب له نصف الدية وإن اقتص من الإصبع فله في الباقية أربعون من الإبل ويتبعها ما حاذى الكف وهو أربعة أخماس فيدخل أرشه فيها ويبقى خمس منها للكف وفيه وجهان "وسراية القود غير مضمونة" في قول الجمهور لما روى سعيد أن عمر وعلي بن أبي طالب قالا من مات من حد أو قصاص لا دية له الحق قتله ولأنه قطع مستحق مقدر فلا تضمن سرايته كقطع السارق ولا فرق بين سرايته إلى النفس أو إلى ما دونها "فلو قطع اليد قصاصا فسرى إلى النفس فلا شيء على القاطع" لأنه مستحق له بخلاف قسم الخطأ واحتج الأصحاب بمسألة اقتلني أو اجرحني مع تحريم الإذن والقطع فهنا أولى ويستثنى من ذلك ما إذا استوفاه قهرا مع الخوف منها كحر أو برد أو كلول آلة أو مسمومة فإنه يضمن بقية الدية وقال القاضي يضمن نصفها وقال ابن عقيل من له قود في نفس أو طرف فقطع طرفه فسرى إلى أوصال من عليه الدية فدفعه دفعا جائرا فقتله هل يكون مستوفيا لحقه كما يجزئ إطعام مضطر من كفارة قد وجب عليه بذله له وكذا من دخل مسجدا فصلى قضاء ونوى كفاء عن تحية المسجد فيه احتمالان "ولا يقتص من الطرف إلا بعد برئه" في قول الأكثر وهو الأصح لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال: "حتى تبرأ" ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه يا رسول الله عرجت فقال: "قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك" ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ رواه أحمد والدارقطني ولأن الجرح لا يدرى أيؤدي إلى القتل أم لا فيجب أن ينتظر ليعلم حكمه وفي ثانية وحكاها في "الشرح" تخريجا يجب قبل البرء بناء على قولنا أنه إذا سرى إلى النفس يفعل به كما فعل لأن القصاص في الطرف لا يسقط بالسراية فوجب أن يملكه في الحال كما لو برئ لكن الأولى تركه
فإن اقتص فبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه فإن سرى إلى نفسه كان هدرا وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا.
ـــــــ
قاله في "المحرر" وفي "الروضة" لو قطع كل منهما يدا فله أخذ دية كل منهما في الحال قبل الاندمال وبعده لا القود قبله "فإن اقتص قبل ذلك بطل حقه من سراية جرحه" لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس لك شيء إنك عجلت" رواه سعيد مرسلا ولأنه استعجل حقه فبطل حقه كقتل موروثه "فإن سرى إلى نفسه كان هدرا" أي سراية الجرح إلى نفس المجني عليه هدر إذا اقتص من الجاني قبل برء جرحه لأن حقه بطل باستعجاله ومع بطلانه يتعين كون السراية إلى نفسه هدرا "وإن سرى القصاص إلى نفس الجاني كان هدرا أيضا" قال أحمد قد دخله العفو بالقصاص واحتج الأصحاب بخبر رواه الدار قطني ولأن سراية القود غير مضمونة
فرع إذا اقتص بعد الاندمال ثم انتقض جرح الجناية فسرى إلى النفس وجب القود به لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص فإن اختار الدية فله دية إلا دية الطرف المأخوذ في القصاص فإن كان دية الطرف كدية النفس فليس له العفو على مال كذلك فإن كان الجاني ذميا فقطع أنف مسلم فاقتص منه بعد البرء ثم سرى إلى نفس المسلم فلوليه قتل الذمي وهل له أن يعفو على نصف دية المسلم فيه وجهان.
أحدهما له ذلك لأن دية اليهودي نصف دية المسلم فيبقى له النصف.
والثاني ليس له ذلك لأنه استوفى بدل أنفه أشبه ما لو كان الجاني مسلما.
كتاب الديات
كتاب الديات
كتاب الدّيات
كل من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته فإن كان عمدا محضا فهي في مال الجاني حالة.
ـــــــ
كتاب الدّيات
الديات: واحدتها دية مخففة وأصلها ودي والهاء بدل من الواو كالعدة من الوعد والزنة من الوزن يقال وديت القتيل أديه دية إذا أعطيت ديته وايتديت أخذت الدية وهي في الأصل مصدر سمي به المال المؤديى إلى المجني عليه أو أوليائه كالخلق بمعنى المخلوق وهي ثابتة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] وفي الخبر "في النفس مائة من الإبل" "كل من أتلف إنسانا أو جزءا منه بمباشرة أو سبب فعليه ديته" لقوله تعالى: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً} [النساء: 93] الآية وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى أهل اليمن كتابا في الفرائض والسنن والديات " في النفس مائة من الإبل" رواه مالك والنسائي من حديث عمرو بن حزم قال ابن عبد البر هو كتاب مشهور عند أهل السير ومعروف عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد أشبه المتواتر وسواء كان مسلما أو ذميا مستأمنا أو مهادنا فقوله أو جزءا منه هذه الزيادة انفرد بها المؤلف عن "المحرر" و"الوجيز" و"الفروع" لأن ما ضمنت جملته ضمنت أجزاؤه وقوله بمباشرة لأنه أتلفه بها فوجبت ديته كالنفس إذا أتلفت بها وقوله أو سبب لأنه مؤد إلى تلفه أشبه المباشرة "فإن كان عمدا محصنا فهي في مال الجاني" بالإجماع لأن بدل المتلف يجب على المتلف وأرش الجناية على الجاني ولأن العامد لا عذر له فلا يستحق التخفيف ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطإ "حالة" لأن ما وجب بالعمد المحض كان حالا كأرش أطراف العبد ودية شبه العامد ودية شبه العمد القاتل فيها معذور لكونه لم يقصد القتل "وإن كان شبه عمد" فعلى عاقلته في ظاهر المذهب لما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما
وإن كان شبه عمد أو خطأ أو ما أجري مجراه ، فعلى عاقلته ، ولو ألقى على إنسان أفعى ، أو ألقاه عليها فقتلته ، أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به ، بصيرا كان أو ضريرا ، أو حفر بئرا في فنائه .
ـــــــ
في بطنها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها متفق عليه ولأن نوع قتل لا يوجب قصاصا فأوجب الدية على العاقلة كالخطأ فعلى هذا تجب مؤجلة بغير خلاف نعلمه وروي عن عمر وعلي ولا مخالف لهما في عصرهما ولأن الدية تخالف سائر المتلفات لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة فاقتضت الحكمة تخفيفها عنهم وقال جماعة هي على القاتل في ماله اختاره أبو بكر لأن شبه العمد كالعمد "أو خطأ أو ما أجري مجراه فعلى عاقلته" لا نعلم فيه خلافا حكاه ابن المنذر إذ الحكمة فيه أن جنايات الخطإ تكثر ودية الآدمي كثيرة فإيجابها على الجاني في ماله تجحف به فاقتضت الحكمة إيجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والإعانة له تخفيفا لأنه معذور في فعله فعلى هذا لا يلزم القاتل شيئا من دية الخطإ لا أنه واحد من العاقلة وما أجري مجرى الخطأ يعطى حكمه كالخطأ "ولو ألقى على إنسان أفعى" وهو حية معروفة والأكثر على صرفها كعصا وقيل بالمنع لوزن الفعل وشبهها بالمشتق وهو تصور أذاها "أو ألقاه عليها فقتلته" فعليه ضمانه لأنه تلف بعدوانه أشبه ما لو جنى عليه ولأنه تلف بالسبب فوجب الضمان كالمباشرة وفي "الرعاية" وغيرها أنه شبه عمد "أو طلب إنسانا بسيف مجرد فهرب منه فوقع في شيء تلف به بصيرا كان أو ضريرا" عاقلا كان أو مجنونا سواء سقط من شاهق أو انخرق به سقف أو خر في بئر لأنه هلك بسبب عدوانه فضمنه كما لو نصب له سكينا قال في "الترغيب" وعندي ما لم يتعمد إلقاء نفسه مع القطع بتلفه لأنه كمباشر قال في "الفروع" ويتوجه أنه مراد غيره فلو طلبه بشيء يخوفه كاللت فهو كما لو طلبه بسيف مشهور فلو شهر سيفا في وجهه أو دلاه من شاهق فمات من روعته أو ذهب عقله فعليه ديته "أو حفر بئرا في فنائه" حيث يحرم فتلف به إنسان فعليه ديته روي عن علي وقضى به شريح لأنه
أو وضع حجرا ، أو صب ماء في طريق ، أو بالت فيها دابته ويده عليها ، أو رمى قشر بطيخ فيها ، فتلف به إنسان ، وجبت عليه الدية ، وإن حفر بئرا ، ووضع آخر حجرا ، فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر .
ـــــــ
تلف بعدوانه أشبه ما لو تلف بجنايته وكذا لو حفرها في مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه فإنه يضمن الجميع لتعديه بالحفر وظاهره أنه لا يضمن إذا حفرها في ملكه لأنه لا يعد متعديا "أو وضع حجرا أو صب ماء في طريق" ضمنه لأنه هلك بسببه "أو بالت فيها دابته ويده عليها" فزلق به حيوان فمات به فعلى صاحب الدابة الضمان إذا كان راكبا أو قائدا أو سائقا كما لو جنت بيدها أو فمها قاله الأصحاب وفي "الشرح" قياس المذهب أنه لا يضمن ما تلف بذلك وكما لو سلم على غيره أو أمسك يده حتى مات لعدم تأثيره ولأنه لا يمكن التحرز منه كما لو أتلفت برجلها ويفارق ما إذا أتلفت بيدها أو فمها لأنه يمكنه حفظها "أو رمى قشر بطيخ فيها فتلف به إنسان وجبت عليه الدية" لأن التلف منسوب إلى فاعله فوجبت عليه الدية كالمتسبب إلى القتل بغير ذلك وفي "المحرر" و"الرعاية" و"الوجيز" إذا قصده فهو شبه عمد وإلا فهو خطأ "وإن حفر بئرا ووضع آخر حجرا فعثر به إنسان فوقع في البئر فالضمان على واضع الحجر" في رواية وهي الأشهر لأنه كالدافع لأنه لم يقصد القتل عادة لمعين بخلاف مكره واقتضى ذلك أنه لا ضمان على الحافر لأن المباشر قطع بسببه وعنه عليهما الضمان لأنه اجتمع سببان مختلفان فيخرج منه ضمان المتسبب اختاره ابن عقيل وغيره وجعله أبو بكر كقاتل وممسك وإن تعدى أحدهما اختص به الضمان وإن وضع حجرا ثم حفر آخر عنده بئرا أو نصب سكينا فعثر بالحجر فسقط عليها فهلك احتمل أن يضمن الحافر وناصب السكين لأن فعلهما متأخر عن فعله واحتمل أن يكون الضمان على واضع الحجر
تنبيه : إذا أعمق بئرا قصيرا ضمن هو وحافر ما تلف بها نص عليه وإن دعا
وإن غصب صغيرا ، فنهشته حية أو أصابته صاعقة ، ففيه الدية ، وإن مات بمرض ، فعلى وجهين . وإن اصطدم نفسان فماتا ، فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر .
ـــــــ
من يحفر له بداره بئرا أو معدن فمات بهدم لم يلقه أحد فهدر نقله حرب وإن حفر ببيته بئرا أو ستره ليقع فيها أحد فمن دخل بإذنه فالقود في الأصح وإلا فلا كمكشوفة بحيث يراها ويقبل قوله في عدم إذنه في الأشهر ولو وضع فيها آخر سكينا قوقع في البئر عليها فمات فقال ابن حامد وجزم به السامري الضمان على الحافر ونص أحمد أن الضمان عليهما فيخرج من هذا أن يجب الضمان على جميع المتسببين "وإن غصب صغيرا فنهشته حية أو أصابته صاعقة" قال الجوهري هي نار تنزل من السماء في رعد شديد "ففيه الدية" لأنه تلف في يده العادية و قال ابن عقيل لا يضمن إذا لم تعرف الأرض بذلك "وإن مات بمرض" أو فجأة "فعلى وجهين" و في "الفروع" روايتان إحداهما يضمن نصره أبو الخطاب و جزم به في "الوجيز" و نقله ابن منصور كالعبد الصغير.
والثاني لا و نقله أبو الصقر لأنه حر لا تثبت اليد عليه في الغصب أشبه الكبير وإن قربه من هدف فأصابه سهم ضمنه المقرب وإن أرسله في حاجة فأتلف مالا أو نفسا فهو كجناية الخطإ من مرسله و مقتضاه أنه إذا قيد حرا مكلفا و غله فتلف بصاعقة أو حية و جبت الدية في الأشهر وإن جنى عليه أحد ضمنه مرسله قال ابن حمدان إن تعذر تضمين الجاني "وإن اصطدم نفسان" راجلان وراكبان أو ماش وراكب قال في "الروضة" بصيران أو ضريران أو إحداهما "فماتا فعلى عاقلة كل و احد منهما دية الآخر" روي عن على لأن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه و ذلك قتل خطأ فكانت دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر و قيل بل نصفها و جزم في "الترغيب" و قدمه في "الرعاية" إن غلبت الدابة راكبها بلا تفريط فلا ضمان وعلى كل منهما كفارة في تركته و قيل بل كفارتان في الخطإ و شبهه بشبه العمد و خرج أن على عاقلة كل قتيل نصف الدية لورثته و على عاقلة الآخر النصف لهم
وإن كانا راكبين فماتت الدابتان ، فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر . وإن كان أحدهما يسير والآخر واقفا ، فعلى السائر ضمان الواقف ودابته ، إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا ، فلا ضمان فيه ، وعليه ضمان ما تلف به . وإن أركب صبيين ولا ولاية له عليهما ، فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما.
ـــــــ
و في "الكافي" و"الفروع" إن تصادما عمدا و ذلك مما يقتل غالبا فهدر وإلا شبه عمد "وإن كانا راكبين فماتت الدابتان فعلى كل واحد منهما قيمة دابة الآخر" في تركته نص عليه لأن كلا منهما تلف بصدمة الآخر و قيل نصفها "وإن كان أحدهما يسير و الآخر واقفا فعلى السائر ضمان الواقف" والقاعد "ودابته" لأنهما تلفا بصدمة السائر من غير تعد في الوقوف و ضمان النفس على العاقلة لأنه قتل خطأ و ضمان المال على المتلف لأن العاقلة لا تحمله صرح به في "النهاية" و على هذا يحمل كلام المؤلف هذا إذا و قف أو قعد في طريق و اسع و ما تلف للسائر فهدر نص عليه "إلا أن يكون في طريق ضيق قاعدا أو واقفا فلا ضمان فيه" لأن السائر لم يتعد عليه بل الواقف و القاعد هو المتعدي و محله ما لم يكن الطريق مملوكا له فإن كان مملوكا له لم يكن متعديا بوقوفه بل السائر هو المتعدي بسلوكه ملك غيره بغير إذنه "و عليه ضمان ما تلف به" من السائر و ماله لأنه تعدى بالوقوف فيه أشبه واضع الحجر و فيه وجه لا ضمان.
فرع: إذا اصطدم عبدان ماشيان فماتا فهدر وإن مات أحدهما فقيمته في رقبة الآخر كسائر جنايته وإن كانا حرا و عبدا وماتا ضمنت قيمة العبد في تركة الحر ووجبت دية الحر كاملة في تلك القيمة و لو تجاذب حران حبلا و نحوه فانقطع و سقطا و ماتا فكمتصادمين مطلقا لكن نصف دية المنكب مغلظة و المستلقي مخففة "وإن أركب صبيين" و عبارة غيره صغيرين "لا ولاية له عليهما" أي ليس و ليهما "فاصطدما فماتا فعلى عاقلته ديتهما" لأنه تعدى بركوبهما و تصادمهما إثر ركوبهما وفعلهما غير معتبر فوجب إضافة القتل
وإن رمى ثلاثة بمنجنيق ، فقتل الحجر إنسانا ، فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته ، وإن قتل أحدهم ، ففيه ثلاثة أوجه : أحدها : يلغى فعل نفسه وعلى عاقلة صاحبيه ثلثا الدية .
ـــــــ
إلى من أركبهما و هو خطأ تحمله عاقلته و كذا قاله في "الترغيب" و الأشهر أنه يضمن ذلك في ماله و في "الوجيز" عليه ما تلف بصدمتهما إن كان مالا و إلا فعلى عاقلته و ظاهره أنه إذا كان له ولاية عليهما أنه لا ضمان عليه و لا على عاقلته لأنه إركاب مأذون فيه فلم يترتب عليه ما يترتب على المتعدي و قيده في "الفروع" بما إذا كان فيه مصلحة و هو ظاهر قال ابن عقيل و يثبتان بأنفسهما و في "الترغيب" إن صلحا للركوب و أركبهما ما يصلح لركوب مثلهما و إلا ضمن وإن ركباه بأنفسهما فكبالغين مخطئين قال في "الرعاية" وكذا المجنون وإن كانا عبدين ضمنهما من أركبهما.
فرع: يضمن كبير صدم صغيرا وإن مات الكبير ضمنه الذي أركب الصغير نقل حرب إن حمل رجل صبيا على دابة فسقط ضمن إلا أن يأمر أهله بحمله "وإن رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر إنسانا" رابعا "فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته" إن لم يقصدوه كذا ذكره معظم الأصحاب لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد و لا قود لعدم إمكان القصد غالبا و في "الفصول" احتمال كرمية عن قوس و مقلاع و حجر عن يد و نقل المروذي تجب الدية في بيت المال فإن تعذر فعلى عواقلهم و هو قتل خطأ "وإن قتل أحدهم" فعلى كل واحد كفارة كما لو شارك في قتل غيره "ففيه ثلاثة أوجه أحدها يلغي فعل نفسه" قياسا على المتصادمين "و على عاقلة صاحبيه ثلثا الدية" كما لو مات من جراحتهم وجراحة نفسه و كما لو شارك في قتل بهيمة و لأنه شارك في القتل فلم تكمل الدية على شركته كما لو قتلوا واحدا من غيرهم اقتصر عليه في "المجرد" و هو أحسن و أصلح في النظر قاله المؤلف وروي عن على في مسألة: القارضة والقارصة و الواقصة قال الشعبي و ذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فركبت إحداهن على عنق الأخرى و قرصت الثالثة المركوبة فقمصت فسقطت الراكبة فوقصت عنقها
والثاني : عليهما كمال الدية ، والثالث : على عاقلته ثلث الدية لورثته ، وثلثاها على عاقلة الآخرين ، وإن كانوا أكثر من ثلاثة ، فالدية حالة في أموالهم . وإذا جنى إنسان على نفسه أو طرفه ، خطأ ، فلا دية له.
ـــــــ
فماتت فرفع ذلك إلى على فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن و ألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة لأنها أعانت على قتل نفسها و هذه شبيهة بمسألتنا "و الثاني عليهم كمال الدية" قال أبو الخطاب هذا قياس المذهب و قدمه في "الرعاية" و "الفروع" و جزم به في "الوجيز" كالمتصادمين "و الثالث على عاقلته ثلث الدية لورثته و ثلثاها على عاقلة الآخرين" لأن كل و احد منهم شارك في قتل نفس معصومة مؤمنة خطأ فلزمه ديتها كالأجانب و هذا ينبني على أن جناية المرء على نفسه أو أهله خطأ يتحمل عقلها العاقلة "وإن كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة في أموالهم" أي إذا كانوا أربعة فقتلوا أحدهم أو غيرهم فالدية عليهم كالخمسة في الأصح لأن العاقلة لا تحمل ما دون الثلث لأن المقتول يلغي فعل نفسه و يكون هدرا لأنه لا يجب عليه لنفسه شيء و يكون باقي الدية في أموالهم حالة لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله العاقلة و هذا دون الثلث و لكن هذا على الثاني و الثالث ظاهر و على الأول فلا لأن الرمي لو كان من أربعة و جعل فعل المقتول الدية على الثلاثة الباقية أثلاثا عنه على عواقلهم لاتحاد فعلهم و الأصح الأول لأن حمل العاقلة إنما شرع للتخفيف عن الجاني فيما يشق و يكثر وما دون الثلث يسير و فعل كل واحد غير فعل الآخر و إنما موجب الجميع و احد أشبه ما لو جرحه كل واحد جرحا فماتت النفس بجميعها و إذا ثبت هذا فالضمان يتعلق بمن مد الحبل و رمى الحجر دون من و ضعه في الكفة اعتبارا بالمباشر كمن و ضع سهما في قوس أو قربه و رمى به صاحبه.
وقال القاضي و ابن عقيل يتوجه روايتا ممسك "وإذا جنى إنسان على نفسه أو طرفه خطأ فلا دية له" بل هو هدر كالعمد وهذا هو الأصح قال السامري وهو الأقيس لحديث عامر بن الأكوع حين رجع سيفه عليه يوم خيبر فمات ولو
وعنه : على عاقلته ديته ، لورثته ودية طرفه لنفسه . وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر ، فمات الأول من سقطته ، فعلى عاقلته ديته . وإن سقط ثالث فمات الثاني به ، فعلى عاقلته ديته .
ـــــــ
وجبت عليه لبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنقل ظاهرا "وعنه على عاقلته ديته لورثته ودية طرفه لنفسه" اختارها الخرقي وأبو بكر والقاضي وذكر أنها اظهر عنه لقول عمر ولم يعرف به مخالف في آلاف و لأنه قتل خطأ فكانت ديته على عاقلته كما لو قتل غيره فعليها إن كانت الجناية قتلا نظرت فإن كانت العاقلة غير الورثة و جبت دية النفس عليهم لورثه الجاني وإن كانوا هم الورثة فلا شيء عليهم لأنه لا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن كانت الجناية على غير النفس ووجبت دية ذلك على العاقلة للجاني وإن كان بعضهم وارثا سقط عن الورثة ما يقابل ميراثه ولا يحمله دون الثلث في الأصح قاله في "الترغيب" و نقل حرب من قتل نفسه لا يودى من بيت المال و الأول أصح في القياس و يفارق ما إذا كانت الجناية على غيره فإنه لو لم تحمله العاقلة لأجحف به وجوب الدية لكثرتها
فرع : إذا كانت الجناية على نفسه شبه عمد فوجهان "وإن نزل رجل بئرا فخر عليه آخر فمات الأول من سقطته فعلى عاقلته ديته" أي لأن الأول مات من سقطته فيكون هو قاتله فوجبت الدية على عاقلته كما لو باشره بالقتل خطأ وإن كان رمى بنفسه عليه عمدا و هو مما يقتل غالبا فعليه القصاص و إلا فهو شبه عمد "وإن سقط ثالث فمات الثاني به فعلى عاقلته ديته" لأنه تلف من سقطته فإن مات الثاني بوقوعه على الأول فدم الثاني هدر لأنه مات بفعله و قد روى على بن رباح اللخمي أن رجلا كان يقود أعمى فوقعا في بئر وقع الأعمى فوق البصير فقتلة فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فكان الأعمى ينشد في الموسم في خلافة عمر:
يا أيها الناس رأيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معا كلاهما تكسرا
رواه الدارقطني و قاله الزبير و شريح و النخعي قال في المغنى: لو قال
وإن مات الأول من سقطتهما ، ففديته على عاقلتهما . وإن كان الأول جذب الثاني ، وجذب الثاني الثالث ، فلا شيء على الثالث، وديته على الثاني في أحد الوجهين . وفي الثاني : على الأول والثاني نصفين ، ودية الثاني على الأول . وإن كان الأول هلك من وقعة الثالث ، احتمل أن يكون ضمانه على الثاني .
ـــــــ
قائل ليس على الأعمى ضمان البصير لأنه الذي قاده إلى المكان الذي وقعا فيه و كان سبب و قوعه عليه ولذلك لو فعله قصدا لم يضمنه بغير خلاف و كان عليه ضمان الأعمى إلا أن يكون مجمعا عليه "وإن مات الأول من سقطتهما فديته على عاقلتهما" لأنه مات بوقوعهما عليه و دية الثاني على الثالث لأنه انفرد بالوقوع عليه فانفرد بديته "وإن كان الأول جذب الثاني و جذب الثاني الثالث" فلا شيء على الثالث لأنه لا فعل له "و ديته على الثاني في إحدى الوجهين قدمه" في "المحرر" و "الرعاية" و جزم به في "الوجيز" لأنه هو جذبه و باشره بذلك و المباشرة تقطع حكم المتسبب كالحافر مع الدافع و في الوجه الثاني على الأول و الثاني نصفين لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث فصار مشاركا للثاني في إتلافه و قيل بل عليهما ثلثاها و بقيتها تقابل جذبته فتسقط أو تجب على عاقلته و قيل دمه كله هدر اختاره في "المحرر" و دية الثاني على الأول لأنه هلك بجذبته و قدم في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" أنها على الأول و الثالث لمشاركته إياه و قيل بل عليهما ثلثاها و الباقي يقابل نفسه وفيه الوجهان قال المجد وعندي لا شيء منها على الأول بل على الثالث كلها أو نصفها و الباقي يقابل فعل نفسه و قال بعض أصحابنا يجب على الأول نصف ديته و يهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه و يتخرج وجه و هو وجوب نصف ديته إلى عاقلته لورثته كما إذا رمى ثلاثة بمنجنيق فقتل الحجر أحدهم وإن كان الثالث جذب رابعا فديته على الثالث فقط و قيل على الثلاثة.
فرع : إذا لم يسقط بعضهم على بعض بل ماتوا بسقوطهم و في "المغني" أو وقع و شك في تأثيره أو قتلهم في الحفرة أسد و لم يتجاذبوا فدماؤهم مهدرة "وإن كان الأول هلك من وقعة الثالث احتمل أن يكون ضمانه على الثاني" لأن
واحتمل أن يكون نصفها على الثاني ، وفي نصفها الآخر وجهان . وإن خر رجل في زبية أسد ، فجذب آخر ، وجذب الثاني ثالثا ، وجذب الثالث رابعا ، فتلهم الأسد فالقياس : أن دم الأول هدر ، وعلى عاقلته دية الثاني ، وعلى عاقلة الثاني دية الثالث ، وعلى عاقلة الثالث دية الرابع . وفي وجه آخر : أن دية الثالث على عاقلة ألأول والثاني نصفين ، ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا . وروي عن علي أنه قضى للأول بربع الدية ، وللثاني بثلثها ، وللثالث بنصفها ، وللرابع بكمالها ؛ على من حضرهم ، ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز قضاءه.
ـــــــ
هلاكه حصل بجذبه و جذب الثاني وفعله كالمتصادمين فتعين إضافة التلف إلى الثاني "و احتمل أن يكون نصفها على الثاني" لأن الهلاك حصل بفعله و فعل غيره "و في نصفها الآخر وجهان" لأنه متسبب على جناية نفسه و في جناية الإنسان على نفسه الروايتان "وإن خر رجل في زبية أسد فجذب آخر و جذب الثاني ثالثا و جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فالقياس أن دم الأول هدر" ذكره في "المحرر" و جزم به في "الوجيز" و "الفروع" لأنه لا صنع لأحد في إلقائه و على عاقلته دية الثاني لأنه تسبب في قتله "و على عاقلة الثاني دية الثالث" لما ذكرنا "و على عاقلة الثالث دية الرابع" كذلك ولاشيء على الرابع لأنه لم يفعل شيئا "وفيه وجه آخر أن دية الثالث على عاقلة الأول والثاني نصفين" لأن جذب الأول للثاني سبب في جذب الثالث كما لو قتلاه خطأ "ودية الرابع على عاقلة الثلاثة أثلاثا" لأن جذب الثلاثة سبب إتلافه وكذا لو تدافع وتزاحم عند الحفرة جماعة فسقط منهم أربعة متجاذبين وتسمي هذه المسألة مسألة: الزبية "وروي عن علي أنه قضى للأول بربع الدية وللثاني بثلثها وللثالث بنصفها وللرابع بكمالها على من حضرهم" روى حنش الصنعاني أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد فاجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى فيها بما ذكر وقال فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر "ثم رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز قضاءه" رواه سعيد بن منصور ثنا أبو
فذهب إليه أحمد توقيفا ، ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه ، وليس به مثل ضرورته ، فمنعه حتى مات ، ضمنه ؛ نص عليه .
ـــــــ
عوانة وأبو الأحوس عن سماك بن حرب عن حنش نحو هذا المعني ورواه أحمد أيضا "فذهب إليه أحمد توقيفا" وفي رواية لأحمد وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا أي عواقلهم وهو ظاهر في الثلث والنصف وأما الربع فلا يتوجه حمل العاقلة لها لكن ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث لا يثبته أهل النقل وأنه ضعيف والقياس ما قلناه فلا ينتقل عنه إلى مالا يدرى ثبوته ولا معناه قاله في "المغني" و "الشرح".
تنبيه : نقل جماعة أن ستة تعاطوا في الفوات فمات واحد فرفع إلى علي فشهد رجلان على ثلاثة وثلاثة على اثنين فقضى بخمس الدية على الثلاثة وثلاثة أخماس الدية على الاثنين ذكره الخلال وصاحبه وذكر ابن عقيل إن نام على سطحه فهوى سقفه من تحته على قوم لزمه المكث كما قاله المحققون فيمن ألقي في مركبه نار ولا يضمن ما تلف بسقوطه لأنه ملجأ لم يتسبب وإن تلف شيء بدوام مكثه أو بانتقاله ضمنه واختار في التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها كمتوسط المكان المغصوب ومتوسط الجرحى تصح توبته مع العزم والندم وأنه ليس عاصيا بخروجه من الغصب "ومن اضطر إلى طعام إنسان أو شرابه وليس به مثل ضرورته فمنعه حتى مات ضمنه نص عليه" لما روي أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر رضي الله عنه الدية حكاه أحمد في رواية ابن منصور وقال أقول به قال القاضي وأبو الخطاب في رؤوس مسائله ولم يعرف له مخالف ولأنه تسبب إلى هلاكه بمنعه ما يستحقه فضمنه كما لو منعه طعامه حتى هلك وكأخذه ذلك لغيره وهو عاجز فيتلف أو دابته وظاهر كلام أحمد أن الدية تجب على مانع الطعام لأنه تعمد الفعل الذي يقتل مثله غالبا وقال القاضي هو على عاقلته لأنه قتل لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد وشرطه الطلب من مالكه صرح به في "الفروع" وغيره فعلى هذا إن لم يطلبه فلا ضمان عليه لأنه لم
وخرج عليه أبو الخطاب كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة ، فلم يفعل . وليس ذلك مثله ، ومن أفزع إنسانا فأحدث بغائط ، فعليه ثلث ديته ، وعنه : لا شيء عليه .
ـــــــ
يتسبب إلى هلاكه وظاهره أنه إذا كان به مثل ضرورته فطلب منه فمنعه فمات لم يضمنه لأنه لا يجب عليه بذل طعامه في هذا الحال ومثل الأول لو أخذ منه ترسا يدفع به عن نفسه ضربا ذكره في "الانتصار" "وخرج عليه أبو الخطاب" وحكاه في المستوعب عن الأصحاب "كل من أمكنه إنجاء إنسان من مهلكة فلم يفعل" حتى هلك أنه يلزمه ديته لاشتراكهما في القدرة على سلامته وخلاصه من الموت قال في "الفروع" وخرج الأصحاب ضمانه على المسألة الأولى فدل أنه مع الطلب وفرق المؤلف فقال "وليس ذلك مثله" لأنه هنا لم يتسبب إلى هلاكه فلم يضمنه بخلاف التي قبلها فلا يصح القياس فدل أن كلامهم عنده ولو لم يطلبه فإن كان مرادهم فالفرق ظاهر نقل محمد بن يحيى فيمن مات فرسه في غزاة لم يلزم من معه فضل حمله نقل أبو طالب يذكر الناس فإن حملوه وإلا مضى معهم "ومن أفزع إنسانا" أو ضربه "فأحدث بغائط فعليه ثلث ديته" قضى بذلك عثمان قال أحمد لا أعلم شيئا يدفعه وهو قول إسحاق لأنه فعل تعدى فيه اقتضى خروج الحدث فتعلق به الضمان كما لو استكره امرأة فأفضاها فاستطلق الحدث قال ابن عقيل إنما ذهب إلى قضية عثمان بذلك ولم يخالفه أحد فدل على التوقيف لأنه لا يقتضيه القياس وظاهره أنه إذا أحدث بغير الغائط لا شيء فيه والمذهب أن البول كذلك وصرح بهما وزاد القاضي والريح وفرق في "الشرح" بين الريح وغيره فإنهما أفحش منه "وعنه لا شيء عليه" جزم به في "الوجيز" وغيره وهو قول أكثر العلماء لأن الدية تجب لإزالة منفعة أو عضو أو آلة جمال وليس هنا شيء من ذلك قال في "الشرح" وهذا هو القياس والمراد ما لم يدم قال ابن عقيل وغيره إن دام فثلث دية.
فرع: إذا وطئ أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة أو امرأته ومثلها توطأ لممثله فأفضاها بين مخرج البول والمني أو بين السبيلين فهدر لعدم تصور الزيادة
فصل
ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف فأفضى إلى تلفه لم يضمنه ويتخرج وجوب الضمان على ما قاله فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت جنينها أو ماتت فعلى عاقلته الدية.
ـــــــ
وهو حق له أي له طلبه عند الحاكم بخلاف أجير مشترك.
فصل
"ومن أدب ولده أو امرأته في النشوز أو المعلم صبيه أو السلطان رعيته ولم يسرف" أي فوق الضرب المعتاد "فأفضى إلى تلفه لم يضمنه" لأنه أدب مأذون فيه شرعا فلم يضمن ما تلف به كالحد فعلى هذا إن أسرف أو زاد على المقصود أو ضرب من لا عقل له من صبي وغيره ضمن "ويتخرج وجوب الضمان" وهو قول في "المذهب" قال ابن حمدان ولا يسقط بإذن أبيه وهل يسقط بإذن سيده على وجهين وقيل إن أدب ولده فقلع عينه ففي ضمانها وجهان "على ما قاله" أي الإمام أحمد "فيما إذا أرسل السلطان إلى امرأة ليحضرها فأجهضت" وقال أهل اللغة أجهضت الناقة ألقت ولدها قبل تمامه ثم استعمل الإجهاض في غير الناقة "جنينها أو ماتت ففي عاقلته الدية" أما ضمان الجنين فلما روي أن عمر بعث إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها فقالت ياويلها ما لها ولعمر فبينا هي في الطريق إذ فزعت فضربها الطلق فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر الصحابة فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال ما تقول يا أبا الحسن فقال إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك إن ديته عليك لأنك أفزعتها فألقته فقال عمر أقسمت عليك ألا تبرح حتى تقسمها على قومك وأما المرأة فلأنها نفس هلكت بإرسال السلطان إليها فضمنها كجنينها أو نفس هلكت بسببه فوجب أن
وإن سلم ولده إلى السابح ليعلمه فغرق لم يضمنه ويحتمل أن تضمنه العاقلة
ـــــــ
تضمن كما لو ضربها فماتت وقيل هدر لأنه ليس بسبب عادة وجوابه بأنه سبب عادي بخلاف الضربة والضربتين فإنه ليس سببا للهلاك في العادة.
تنبيه : إذا أدب حاملا فأسقطت جنينا ضمن وكذا إن شربت الحامل دواء لمرض فأسقطته فأما أن طلب السلطان امرأة لكشف حق لله من حد أو تعزير أو استعدى عليها رجل بالشرطة في دعوى له فأسقطت ضمنه السلطان في الأولى والمستعدي في الثانية نص عليهما كقطع لم يأذن سيد فيها وإن ماتت فزعا فوجهان وفي "المغني" و"الشرح" إن استعدى إنسان على امرأة فألقت جنينها أو ماتت فزعا فعلى عاقلة المستعدي الضمان إن كان ظالما لها وإن كانت هي الظالمة فأحضرها عند الحاكم فينبغي ألا يضمنها وإن زنى بامرأة مكرهة فأحبلها وماتت من الولادة ضمنها لأنها تلفت بسبب تعديه.
فائدة : قال في "الفنون" إن شمت حامل ريح طبيخ فاضطرب جنينها فماتت أو مات فقال حنبلي وشافعيان إن لم يعلموا بها فلا إثم ولا ضمان وإن علموا وكان عادة مستمرة الرائحة تقتل احتمل الضمان أو الإضرار واحتمل لا لعدم تضرر بعض النساء وكريح الدخان يتضرر بها صاحب السعال وضيق نفس قال في "الفروع" والفرق واضح "وإن سلم ولده إلى السابح" الحاذق "ليعلمه فغرق فلم يضمنه" في الأصح قال القاضي هو قياس المذهب لأنه فعل ما جرت العادة به لمصلحته كضرب المعلم الصبي الضرب المعتاد وكذا لو سلم بالغ عاقل نفسه "ويحتمل أن تضمنه العاقلة" قدمه في "الشرح" وغيره لأنه سلمه إليه ليحتاط في حفظه فإذا غرق فقد نسب إلى التفريط في حفظه.
فرع : إذا قال له سبح عبدي هذا فسبحه ثم رقاه ثم عاد وحده يسبح فغرق فهدر وإن استؤجر ليسبحه ويعلمه ومثله لا يغرق غالبا وإن استؤجر لحفظه ضمنه إن غفل عنه أولم يشد ما يسبحه عليه شدا جيدا أو جعله في ماء كثير جار أو واقف لا يحمله أو عميق معروف بالغرق قاله في "الرعاية"
وإن أمر عاقلا ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه على الوجهين وإن وضع جرة على سطحه فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه.
ـــــــ
"وإن أمر عاقلا ينزل بئرا أو يصعد شجرة فهلك بذلك لم يضمنه" لأنه لم يجن ولم يتعد أشبه ما لو أذن له ولم يأمره وكاستئجاره قبضه الأجرة أولا "إلا أن يكون الآمر السلطان فهل يضمنه على الوجهين" أحدهما لا ضمان جزم به في "الوجيز" وهو ظاهر ما قدموه كغيره والثاني يضمنه واختاره القاضي في المجرد وهو من خطإ الإمام ولأنه يخاف منه إذا خالفه وهو مأمور بطاعته وظاهره أنه إذا كان المأمور صغيرا لا يميز قال في "المغني" و"الشرح" وذكر الأكثر منهم صاحب "الترغيب" و"الرعاية" غير مكلف ضمنه لأنه تسبب إلى إتلافه قال في "الفروع" ولعل مراد الشيخ ما جرى به عرف وعادة كالقرابة وصحبة وتعليم ونحوه فهذا متجه وإلا ضمنه وقد كان ابن عباس يلعب فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاوية رواه مسلم قال في شرحه لا يقال هذا تصرف في منفعة الصبي لأنه قدر يسير ورد الشرع بالمسامحة به للحاجة واطرد به العرف وعمل المسلمين "وإن وضع جرة على سطحه" أو حائط وعبارة "الفروع" وإن وضع شيئا على علو فهي أجود وفيه شيء "فرمتها الريح على إنسان فتلف لم يضمنه" على المذهب لأن ذلك بغير فعله ووضعه لذلك كان في ملكه وقيل يضمن إذا وضعها متطرفة جزم به في "الوجيز" لأنه تسبب إلى إلقائها وتعدى بوضعها أشبه ما لو بنى حائطا مائلا ولو تدحرج فدفعه عن نفسه لم يضمن ذكره في "الانتصار" وفي "الترغيب" وجهان وإنهما في بهيمة حالت بين مضطر وطعامه لا تندفع إلا بقتلها مع أنه يجوز.
مسألة : من نزل بئرا في محل عدوانا أو سقط فيه فسقط فوقه آخر فماتا ضمنهما عاقلة الحافر وقيل بل هو وقيل على عاقلة الثاني نصف دية الأول ويرجع به على عاقلة الحافر والله أعلم.
باب مقادير ديات النفس
دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال أو اثنا عشر ألف درهم فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزمه قبوله وفي الحلل روايتان إحداهما ليست أصلا في الدية وفي الأخرى أنها أصل
ـــــــ
باب مقادير ديات النفسالمقادير واحدها مقدار و هو مبلغ الشيء و قدره
"دية الحر المسلم مائة من الإبل أو مائتا بقرة أو ألفا شاة أو ألف مثقال" ذهبا "أو اثنا عشر ألف درهم" قال القاضي لا يختلف المذهب أن أصول الدية الإبل و البقر والغنم والذهب و الورق و هو قول الفقهاء السبعة وغيرهم لما في كتاب عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن "وإن في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل ألف الورق ألف دينار" رواه النسائي و عن عكرمة عن بن عباس أن رجلا قتل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ديته اثني عشر ألفا رواه أبو داود والترمذي وروي عن عكرمة مرسلا وهو أصح وأشهر وعن عطاء عن جابر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل و على أهل البقر مائتي بقرة و على أهل الشاة ألفي شاة رواه أبو داود و عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة رواه أحمد و أبو داود و النسائي "فهذه الخمس أصول في الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزم قبوله" بغير خلاف سواء كان من أهل ذلك النوع أولم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه كخصال الكفارة "و في الحلل روايتان إحداهما ليست أصلا في الدية" وهو ظاهر كلام الأصحاب و جزم به في "الوجيز" للأخبار و لأنها تختلف ولا تنضبط "و في الأخرى أنها أصل" نصرها القاضي و أصحابه و قدمها في "الرعاية" و صححها
وقدرها مائتا حلة من حلل اليمن كل حلة بردان و عنه أن الإبل هي الأصل خاصة وهذه إبدال عنها فإن قدر على الإبل و إلا انتقل إليها فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد و جبت أرباعا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقه و خمس و عشرون جذعة و عنه أنها ثلاثون حقه و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة في بطونها أولادها
ـــــــ
السامري لحديث عمر وعلى أهل الحلل مائتا حلة رواه أبو داود فعلى هذه تكون الأصول ستة "و قدرها مائتا حلة من حلل اليمن" لأنها تنسب إليه "كل حلة بردان" لأن ذلك هو المتعارف إزار ورداء و في "المذهب" جديدان من جنس قال الخطابي الحلة ثوبان إزار ورداء و لا تسمى حلة حتى تكون جديدة تحل عن طيها ولم يقل من جنس "وعنه أن الإبل هي الأصل خاصة" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتيل السوط و العصا مائة من الإبل و لأنه فرق بين دية العمد و الخطإ فغلظ بعضها و خفف بعضها و لا يتحقق هذا في غير الإبل "و"على "هذه" بقية ما ذكر "إبدال عنها" أشبه المتيمم إذا عدم الماء لأن ذلك أقل ما تحمل الأحاديث عليه فعلى من عليه الدية تسليمها إلى مستحقها سليمة من العيوب ومن أراد العدول عنها إلى غيرها فللآخر منعه لأن الحق متعين فيها فاستحقت كالمثل في المثليات المتلفة فإن تعذرت قال جماعة أو زاد ثمنها انتقل إلى الباقي "فإن قدر على الإبل" لزمه إخراجها لأن الحق متعين فيها "و إلا انتقل إليها" و هذه الرواية اقتصر عليها الخرقي وهي أصح من حيث الدليل "فإن كان القتل عمدا أو شبه عمد و جبت أرباعا خمس و عشرون بنت مخاض و خمس و عشرون بنت لبون و خمس و عشرون حقه و خمس و عشرون جذعة" قدمه في "المحرر" و "الفروع" و جزم به في الوجيز و ذكره الخرقي و هو قول أكثر العلماء رواه سعيد عن أبي عوانة عن منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود ورواه الزهري عن السائب بن يزيد مرفوعا ولأنه حق يتعلق بجنس الحيوان فلا يعتبر فيه الحمل كالزكاة والأضحية "و عنه أنها ثلاثون حقه و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة" نصره في "الانتصار" في بطونها أولادها لما روي عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:
وهل يعتبر كونها ثنايا على وجهين وإن كانت خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف
ـــــــ
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل متعمدا رفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية و هي ثلاثون حقة و ثلاثون جذعة و أربعون خلفة و ما صولحوا عليه فهو لهم" رواه الترمذي و قال حسن غريب ورواه سعيد عن هشيم أنا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن زيد بن ثابت ورواه أيضا عن هشيم أنا المغيرة عن الشعبي عن أبي موسى الأشعري و المغيرة ابن شعبة أنها كذلك ورواه مالك عن عمر و في حديث عبد الله بن عمر مرفوعا "منها أربعون خلفة في بطونها أولادها" رواه أحمد و أبو داود و يتوجه تخريج من حمل العاقلة كخطأ و في "الروضة" رواية العمد أثلاثا و شبهه أرباعا "وهل يعتبر" في الخلفات "كونها ثنايا على وجهين" كذا في "المحرر" أحدهما لا يعتبر ذكره القاضي و هو الأشهر لأنه عليه السلام أطلق الخلفات ولم يقيدها فاعتبار السن تقييد لا يصار إليه إلا بدليل و الثاني يعتبر لقوله في الحديث "من ثنية إلى بازل عامها" رواه أحمد و أبو داود و لأن سائر الأنواع مقدرة بالسن فكذا الخلفات و قيل إنما يجزئ منها ما بين ثنية و هي ما لها خمس سنين و بازل عام و هو ماله سبع سنين و قلما تحمل الأثنية لاحقة لو أحضرها خلفة فأسقطت قبل وضعها فعليها بدلها فإن اختلفا في حملها رجع إلى أهل الخبرة فإن تسلمها الولي بقولهم ثم قال لم تكن حاملا قبل قول الجاني "وإن كانت خطأ وجبت أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة" لا يختلف المذهب في ذلك وقاله جمهور العلماء لما روى الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبير عن ابن مالك الطائي عن ابن مسعود مرفوعا كذلك رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وقال في إسناده عن الحجاج ثنا زيد بن جبير والترمذي وقال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ورواه الدارقطني وقال هذا حديث غير ثابت "ويؤخذ من البقر النصف مسنات والنصف أتبعة" لأن ذلك هو العدل لأنه لو
أتبعة وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك إذا كان سليما من العيوب وقال أبو الخطاب يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية الأثمان والأول أولى.
ـــــــ
أخذ الكل مسنات لكان فيه إجحاف على الجاني وبالعكس فيه تحامل على المجني عليه وفي الخطإ يؤخذ معهما سن ثالث من أسنان الزكاة على وجه التخفيف وسن خامس لا يؤخذ في الزكاة وهو ابن مخاض ويجب أن يكون ذكرا من أسنان الزكاة المذكورة كما جعل ابن مخاض عوض بنت مخاض "وفي الغنم النصف ثنايا والنصف أجذعة" لما ذكرنا ولأن دية الإبل من الأسنان المقدرة في الزكاة فكذلك البقر والغنم قال في "الفروع" ويتوجه ألا يكونا مناصفة "ولا تعتبر القيمة في شيء من ذلك إذا كان سليما من العيوب" المذهب أنه لا تعتبر قيمة الإبل بل متى وجدت على الصفة المشروطة وجب أخذها سواء قلت قيمتها أو كثرت نصره في "المغني" و"الشرح" وقدمه معظم الأصحاب لأنه عليه السلام أطلقها فتقييدها بالقيمة يخالف ظاهر الخبر ولأنه خالف بين أسنان دية العمد والخطأ تخفيفا كدية الخطأ عن دية العمد واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما وإزالة التخفيف المشروع وفي "الرعاية" لا يجزئ مريض ولا عجيف ولا معيب ولا دون دية الأثمان على الأصح فيها من إبل وبقر وغنم وحلل "وقال أبو الخطاب يعتبر أن تكون قيمة كل بعير مائة وعشرين درهما" ذكره بعض أصحابنا مذهب أحمد لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب بألف مثقال وعلى أهل الورق باثني عشر ألف درهم رواه سعيد ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عنه ولأنها أبدال محل واحد فوجب أن تستوي قيمتها كالمثلي والقيمي من المتلفات "فظاهر هذا أنه يعتبر في الأصول كلها أن تبلغ دية الأثمان" واختاره القاضي وأصحابه لأنه إذا اعتبرت القيمة في الإبل وهي أصل رواية واحدة فكذلك تعتبر القيمة في غيرها "والأول أولى" لأن تقويم عمر لأجل أخذ الدراهم عوضا عن الإبل وذلك لا نزاع فيه لأن الإبل كانت تؤخذ على عهده
ويؤخذ في الحلل المتعارف فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل واحدة ستين درهما
فصل
ودية المرأة نصف دية الرجل وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية
ـــــــ
عليه السلام وقيمتها ثمانية آلاف ثم قومها عمر لغلائها باثني عشر ألفا وهو يدل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك فكانت تؤخذ على عهده عليه السلام وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين وإذا لم تعتبر القيمة في الإبل فلا تعتبر فيما سواها قياسا عليها ولا يعتبر فيها أن تكون من جنس إبله وقال القاضي الواجب عليه أن تكون من جنس إبله سواء كان القاتل أو العاقلة فإن لم تكن له إبل فمن غالب إبل بلده فإن لم يكن فيها إبل وجب من غالب إبل أقرب بالبلاد إليه فإن كانت إبله عجافا أو مراضا كلف تحصيل صحاح من جنس ما عنده لأنها بدل متلف فلا يؤخذ فيها معيب كقيمة المتلف والبقر والغنم كذلك "ويؤخذ في الحلل المتعارف" لأن ما لم يكن له حد في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز "فإن تنازعا فيها جعلت قيمة كل حلة ستين درهما" لأن الأصل تساوي الإبدال ولتبلغ قيمة الجميع اثني عشر ألف درهم.
فرع : تغلظ دية طرف كقتل ولا تغلظ في غير إبل.
فصل
"ودية المرأة نصف دية الرجل" إجماعا حكاه ابن المنذر وابن عبد البر لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كتابه "دية المرأة نصف دية الرجل" لكن حكي عن ابن علية والأصم أن ديتها كدية الرجل لقوله عليه السلام "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" وهو قول شاذ يخالف إجماع الصحابة مع أنهما في كتاب واحد فيكون الأول مفسرا ومخصصا له "وتساوي جراحها جراحه إلى ثلث الدية" لما
فإذا زادت صارت على النصف ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى وكذلك أرش جراحه.
ـــــــ
روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى تبلغ الثلث من ديتها" رواه النسائي والدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج "فإذا زادت صارت على النصف" وهو قول عمر ورواه سعيد ثنا هشيم أنا الشيباني وابن أبى ليلى و زكريا عن الشعبي عن زيد لما روى ربيعة قلت لسعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت ففي إصبعين قال عشرون قلت في ثلاث أصابع قال ثلاثون قلت ففي أربع أصابع قال عشرون قلت لما عظمت مصيبتها قل عقلها قال هكذا السنة يا ابن أخي رواه مالك عن ربيعة وعن أحمد أنها على النصف فيما قل أو كثر رواه سعيد عن علي كالزائد فلو بلغ جراحها الثلث ففيه روايتاه إحداهما وهي الأظهر قاله ابن هبيرة وقدمها السامري أنهما يستويان فيه لأنه لم يغير حد القلة ولهذا صحت الوصية به والثانية وقدمها في "الرعاية" وصححها في "المغني" و"الشرح" يختلفان فيه لقوله "حتى يبلغ الثلث" "وحتى" للغاية فيجب أن يكون مخالفا لما قبلها والثلث في حد الكثير لقوله "والثلث كثير" ولأن العاقلة تحمله فدل على أنه يخالف ما دونه فأما دية نساء سائر الأديان فتساوي دياتهن ديات رجالهن إلى الثلث ويحتمل أن تساوي المرأة الرجل إلى ثلث دية الرجل المسلم لأنه القدر الكثير الذي ثبت له التنصيف في الأصل وهو دية المسلمين "ودية الخنثى المشكل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى" لأن ميراثه كذلك فكذا ديته لا يقال الواجب دية أنثى لتيقنها لأنه يحتمل الذكورية والأنوثية احتمالا واحدا فيجب التوسط بينهما والعمل بكلا الاحتمالين "وكذلك أرش جراحه" لأن الجراح كالتابع للقتل فإذا كان في القتل نصف دية ذكر ونصف دية أنثى فلأن يجب أرش الجراح كذلك بطريق الأولى لكن إن كان دون الثلث فيستوي الذكر والخنثى لأن أدنى حالاته أن يكون امرأة وهي تساويه وفيما زاد ثلاثة أرباع جرح ذكر.
فصل
ودية الكتابي نصف دية المسلم وعنه ثلث دية وكذلك جراحهم ونساؤهم على النصف من دياتهم ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم.
ـــــــ
فصل
"ودية الكتابي نصف دية المسلم" في ظاهر المذهب وقدمه ونصره الأكثر لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "دية الكتابي نصف دية المسلم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه "وعنه ثلث ديته" اختارها أبو محمد الجوزي لما روى عبادة بن الصامت مرفوعا قال "دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف" ورواه الشافعي بإسناد جيد عن عمر والأول أصح وقد رجع أحمد عن الثانية وحديث عبادة لم يذكره أصحاب الحديث فالظاهر أنه ليس بصحيح وحديث عمر إنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف درهم فأوجب فيها نصفها "وكذلك جراحهم" من دياتهم كجراح المسلمين من دياتهم وهو الثلث أو النصف على الخلاف "ونساؤهم على النصف من دياتهم" بغير خلاف نعلمه قاله ابن المنذر كنساء المسلمين.
"ودية المجوسي والوثني ثمانمائة درهم" أما الأول فهو قول عمر وعثمان وابن مسعود والأكثر لما روى عقبة بن عامر مرفوعا قال "دية المجوسي ثمانمائة درهم" رواه ابن عدي وطعن فيه بعضهم مع قوله عليه السلام "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" فوجب أن تكون ديته كدية الكتابي لكنه محمول على أخذ الجزية وحقن الدم لا في كل شيء بدليل أن ذبائحهم ونساءهم لا تحل لنا.
وأما الثاني فلأنه كافر لا تحل ذبيحته أشبه المجوسي وكذا كل من لا يجوز قتله كالذمي والمستأمن والمعاهد ونساؤهم على النصف من دياتهم وجراح كل أحد معتبر من ديته كالمسلم
فرع : عبدة الأوثان وسائر من لا كتاب له لا ذمة لهم وإنما تحقن دماؤهم
ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه وعند أبي الخطاب أن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه.
فصل
ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت وعنه لا يبلغ بها دية الحر.
ـــــــ
بالأمان فإذا قتل من له أمان منهم فديته دية مجوسي لأنها أقل الديات فلا تنقص عنها.
"ومن لم تبلغه الدعوة فلا ضمان فيه" لأنه لا عهد له ولا أمان أشبه الحربي لكن لا يجوز قتله حتى يدعى ,وعند أبي الخطاب إن كان ذا دين ففيه دية أهل دينه" لأنه محقون الدم أشبه من له أمان وقال أبو الفرج كدية مسلم لأنه ليس له من يتبعه والأول أولى فإن هذا ينتقض بصبيان أهل الحرب ومجانينهم لأنه كافر لا عهد له فإن كان له عهد ففيه دية أهل دينه فإن لم يعرف دينه فدية مجوسي لأنه اليقين والزيادة مشكوك فيها.
مسألة: نساء أهل الحرب وذريتهم وراهب يتبعون أهل الدار أو الآباء.
فصل
"ودية العبد والأمة قيمتهما بالغة ما بلغت" أي يضمن الرقيق في العمد والخطأ بقيمته من نقد البلد وإن كثرت في المشهور عنه وهو قول سعيد والحسن وعمر بن عبد العزيز لأنه مال متقوم فيضمن بكمال قيمته بالغة ما بلغت كالفرس ويخالف الحر فإنه يضمن بما قدره الشارع فلم يتجاوزه ولأنه ليس بضمان مال بدليل أنه لم يختلف باختلاف صفاته وهذا ضمان مال يزيد بزيادة الملكية وينقص بنقصانها فاختلفا وحكم المدبر وأم الولد والمكاتب والمعلق عتقه بصفة كذلك قال الخطابي أجمع الفقهاء على أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم إلا النخعي فإنه قال يودى بقدر ما أدى من كتابته دية حر وما بقي دية عبد "وعنه لا يبلغ بها دية الحر" لأن الحر أشرف منه ولأنه تعالى لما أوجب
وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر ما نقصه وإن كان مقدرا في الحر فهو مقدر من العبد من قيمته ففي يده نصف قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال ومن نصفه حر
ـــــــ
في الحر دية لا تزيد وهو أشرف لخلوه من نقص الرق كان تنبيها على أن العبد المنقوص لا يزاد عليها "وفي جراحه إن لم يكن مقدرا من الحر" كالعصعص وخرزة الصلب ما نقصه بعد البرء بغير خلاف نعلمه لأن حق المجني عليه ينجبر فلا تجب الزيادة وإن كان مقدرا في الحر كاليد والرجل والموضحة "فهو مقدر من العبد من قيمته" قدمها في "المستوعب" و"الكافي" وروي عن علي قال أحمد هذا قول سعيد بن المسيب لأن قيمته كدية الحر.
"ففي يده نصف قيمته" لأن الواجب فيها من الحر نصف الدية "وفي موضحته نصف عشر قيمته" لأن الواجب فيها من الحر خمس من الإبل "نقصته الجناية أقل من ذلك أو أكثر" لأنه ساوى الحر في ضمان الجناية بالقصاص والكفارة فساواه في اعتبار ما دون النفس ببدل النفس كالرجل والمرأة "وعنه أنه يضمن بما نقص اختاره الخلال" قدمها في "الرعاية" وجزم بها في "الوجيز".
قال أحمد: إنما يأخذ قيمة ما نقص منه على قول ابن عباس لأن ضمانه ضمان الأموال فيجب فيه ما نقص كالبهائم وذكر في "المغني" و"الشرح" أن هذه الرواية أقيس وأولى لأن القياس على الحر غير صحيح لعدم المساواة بينهما فعلى الأولى إن بلغت الجناية ثلث قيمتها احتمل أن ترد إلى النصف فيكون في ثلاثة أصابع ثلاثة أعشار قيمتها وفي أربعة أصابع خمسها كالحرة فإذا بلغت الثلث ردت إلى النصف واحتمل ألا ترد لأن ذلك في الحرة على خلاف الأصل لكون الأصل زيادة الأرش بزيادة الجناية وأن كل ما زاد نقصها وضررها زاد في ضمانها فإذا خولف في الحرة بقينا في الأمة على وفق الأصل "ومن نصفه حر" فلا قود عليه لأنه ناقص بالرق أشبه ما لو كان كله رقيقا وإن كان قاتله عبدا أقيد منه لأنه أكمل من الجاني وإن كان القاتل نصفه حر أوجب القود لتساويهما
ففيه نصف دية حر ونصف قيمته وهكذا في جراحه وإن قطع خصيتي عبد أو أنفه أن أذنيه لزمته قيمته للسيد ولم يزل ملكه عنه وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر وقيمته مقطوع الذكر وملك سيده باق عليه
ـــــــ
وإن كانت الحرية في القاتل أكثر لم يجب القود لعدم التساوي "ففيه نصف دية حر ونصف قيمته" أي إذا قتله حر عمدا ضمن نصف دية حر ونصف قيمته وإن قتله خطأ فعليه نصف قيمته وعلى عاقلته نصف ديته لأنها دية حر في الخطأ "وهكذا في جراحه" أي إذا كان قدر الدية من أرشها بلغ ثلث الدية مثل أن يقطع كلاهما أو يديه فإن قطع إحدى يديه فالجميع على الجاني لأن نصف دية اليد ربع ديته فلا تحملها العاقلة لنقصها عن الثلث ذكره في "الشرح" "وإن قطع خصيتي عبد أو أنفه أو أذنيه لزمته قيمته" أي قيمة العبد لأن القيمة بدل عن الدية "للسيد" لأنها بدل عن الأعضاء المملوكة للسيد "ولم يزل ملكه عنه" لأنه لم يوجد سبب يقتضي الزوال فوجب بقاؤه على ملكه عملا باستصحاب الحال لأن قطع يد العبد منزل منزلة تلف بعض ماله "وإن قطع ذكره ثم خصاه لزمته قيمته لقطع الذكر" لأن الواجب في ذلك من الحر دية كاملة وقيمته مقطوع الذكر لأن الواجب في قطع الخصيتين من الحر بعد الذكر دية كاملة لا يقال القيمة هنا نقصت لأن المؤلف قيدها بقطع الذكر بخلاف الحر فإنهما سواء لأن القيمة في مقابله لكنها تزيد وتنقص بخلاف الدية.
"وملك سيده باق عليه" لما مر، وفي ذلك اختلاف يلزمه ما نقص من قيمته، وفي سمعه وبصره أو أنفه وأذنيه قيمتاه مع بقاء ملك السيد، قال ابن حمدان: فإن أذهب إحداهما أولا غرم قيمته كاملا، ثم قيمته ناقصا.
فرع : إذا جرح اثنان في وقتين عبدا أو حيوانا ولم يوجباه ثم سرى الجرحان فقال القاضي يلزم كل واحد منهما ما نقصه بجرحه من قيمته ويتساويان في بقيتها قال المجد وعندي يلزم الثاني نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول ويلزم الأول تتمة قيمته سلفا
فصل
ودية الجنين الحر المسلم إذا سقط ميتا غرة عبد أو أمة
ـــــــ
فصل
"ودية الجنين" وهو اسم للولد في البطن مأخوذ من الإجنان وهو الستر لأنه أجنه بطن أمه أي ستره ل قوله تعالى: {وإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [لنجم:32] "الحر المسلم إذا سقط" فلو ظهر بعضه ولم يخرج باقيه ففيه الغرة كما لو سقط جميعه "ميتا" في قول أكثر العلماء لما روي أن عمر استشار الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة قال لتأتيني بمن شهد معك فشهد له محمد بن مسلمة متفق عليه ولما روى أبو هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة وقضى أن دية المرأة على عاقلتها" رواه البخاري ومسلم وزاد وورثها ولدها ومن معهم فقام حمل بن النابغة الهذلي فقال يا رسول الله كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما هو من إخوان الكهان" من أجل سجعه الذي سجع فإذا ألقته ميتا فقد تحقق أنه من الضربة فوجب ضمانه سواء ألقته في حياتها أو بعد موتها لأنه تلف بالجناية عليه أشبه ما لو سقط في حياتها وظاهره بجناية عمدا أو خطأ "غرة عبد أو أمة" الأحسن تنوين "غرة" و"عبد" بدل منه وتجوز الإضافة على تأويل إضافة الجنس إلى النوع وسميا بذلك لأنهما من أنفس الأموال والأصل في الغرة الخيار وأصلها البياض في وجه الفرس وقال أبو عمرو بن العلاء الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء قلت وليس البياض شرطا عند الفقهاء وإنما تجب إذا سقط من الضربة ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضربة أو تبقى متألمة منها إلى أن يسقط أو يكون منها كشرب دواء ونحوه فلو قتل حاملا ولم يسقط جنينها فلا لأنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه فلا يجب الضمان بالشك
قيمتها خمس من الإبل موروثه عنه كأنه سقط حيا ذكرا كان أو انثى ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب
ـــــــ
والغرة هي عبد أو أمة في قول الأكثر وما روي عن عروة ومجاهد وطاووس.
أو فرس فجوابه أنه وهم انفرد به عيسى بن موسى عن الرواة وهو متروك في النقل وجعل ابن سيرين مكان الفرس مائة شاة لما روى أبو داود أنه عليه السلام جعل في ولدها مائة شاة وظاهره أنه لا تجب في مضغة فثلثي غرة فإن ألقت مضغة فشهد ثقات من النساء القوابل أن فيه صورة خفية ففيه غرة وإن شهدن أنه مبتدأ خلق آدمي ولو بقي تصور فوجهان أصحهما لا شيء فيه كالعلقة والثاني وقدمه في "الرعاية" فيه غرة أشبه ما لو تصور فلو ألقت رأسين فغرة لأنه يجوز أن يكون من جنين وأكثر فلم تجب بالشك "قيمتها خمس من الإبل" وذلك نصف عشر الدية روي عن عمر وزيد وهو قول الجماعة لأن ذلك أقل ما قدره الشرع في الجناية وهو أرش الموضحة فرددناه إليه لا يقال قد وجب في الأنملة ثلاثة أبعرة وثلث وهو دون ذلك لأن الشارع أوجبها في أرش الموضحة والسن وأما الأنملة فيجب فيها ما ذكر بالحساب من دية الأصبع.
فرع : إذا اختلف قيمة الإبل ونصف عشر الدية من غيرها فظاهر الخرقي أنها تقوم بالإبل لأنها الأصل وقال غيره تقوم بالذهب أو الورق فتجعل قيمتها خمسين دينارا أو ستمائة درهم ويتفرع عليهما إذا لم يجد غيره وذكر في "الكافي" وإن أعوزت وجبت قيمتها من أحد الأصول في الدية "موروثة عنه كأنه سقط حيا" لأنها دية له وبدل عنه فورثها ورثته كما لو قتل بعد الولادة وقال الليث هي لأمه وجوابه أنها دية آدمي حر فوجب أن تكون موروثة عنه كما لو ولدته حيا ثم مات "ذكرا كان" الولد "أو أنثى" لأنه عليه السلام قضى في الجنين بغرة وهو يطلق على الذكر والأنثى ولأن المرأة تساوي الذكر فيما دون الثلث "ولا يقبل في الغرة خنثى ولا معيب" يرد به في البيع ولا خصي ولا هرمة وإن كثرت قيمته لأنه حيوان يجب بالشرع فلم يقبل فيه
ولا من له دون سبع سنين وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو أنثى وإن ضرب بطن أمة فعتقت ثم أسقطت الجنين ففيه غرة
ـــــــ
ذلك بخلاف الكفارة فإن الغرة بدل فاعتبرت فيها السلامة كإبل الصدقة وهي خيار.
"ولا من له دون سبع سنين" في الأشهر فإنه محتاج إلى من يكفله وليس من الخيار وقيل أو أقل لإطلاق الخبر و ظاهره أن من جاوز السبع أنه مقبول و هو كذلك و قال ابن حمدان الغرة من له سبع سنين إلى عشر و ظاهر "الخرقي" أن سنها غير مقدر و بالجملة البالغ أكمل من الصغير و أقدر على التصرف و أنفع في الخدمة "وإن كان الجنين مملوكا ففيه عشر قيمة أمه" هذا هو المذهب لأنه جنين آدمية فوجب فيه عشر دية أمه كجنين الحرة ولأنه جزء منها فقدر بدله من قيمتها كسائر أعضائها ونقل حرب الواجب فيه نصف عشر قيمة أمه ولا يحمل عليه الواجب هنا لأن الرقيق الواجب قيمته بخلاف الحر وتعتبر القيمة نقدا يوم الجناية كموضحتها إذا ساوتها حرية ورقا وإلا فبالحساب إلا أن يكون دين أبيه أو هو أغلى منها دية فيجب عشر ديتها لو كانت على ذلك الدين "ذكرا كان أو أنثى" لأن حكمه كذلك إذا كان حرا فكذا إذا كان رقيقا ونص المؤلف على ذلك إشارة منه إلى خلاف أبي حنيفة فإنه قال يجب فيه نصف عشر قيمته إن كان ذكرا أو عشر قيمته إن كان أنثى لأنه متلف فاعتباره بنفسه أولى من اعتباره بأمه وجوابه أنه جنين خالف سائر المتلفات في عدم اعتبار قيمة جميعه فوجب اعتباره بأمه ولأنه مات من الجناية في بطن أمه فلم يختلف ضمانه بهما كجنين الحرة.
فرع : جنين المعتق بعضها يجب بالحساب فإذا كان نصفها حرا فنصفه حر فيه نصف غرة لورثته وفي النصف الباقي نصف عشر قيمة أمه لسيده.
"وإن ضرب بطن أمة فعتقت" أو أعتق جنينها قبل الجناية أو بعدها "ثم أسقطت الجنين ففيه غرة" قدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لأنه سقط حرا والعبرة بحال السقوط لأن قبل ذلك لا يحكم فيه بشيء وعنه بضمان جنين مملوك نقلها حرب وابن منصور وعنه إن سبق العتق الجناية ضمن بالغرة
وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه عشر دية أمه وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر إن كان حرا أو قيمته إن كان عبدا إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا وإلا فحكمه حكم الميت.
ـــــــ
وإلا فبضمان الرقيق ونقل حرب التوقف وحكى في "الفروع" الخلاف ولم يرجح شيئا فإن ألقته حيا فالدية كاملة مع سبق العتق الجناية وإلا ففيه الروايتان في الرقيق يجرح ثم يعتق "وإن كان الجنين محكوما بكفره ففيه" غرة قيمتها "عشر دية أمه لأن جنين الحرة بعشر دية أمه فكذا جنين الكافرة وإن كان أحد أبويه كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر أكثرهما" أي أكثر الأمرين من عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه لأن ذلك ضمان متلف فغلب فيه الأكثر تغليظا على الجاني ولأنه لو اجتمع في المتلف ما يجب ضمانه وعكسه غلب الوجوب كالمحرم إذا قتل متولدا بين وحشي وأهلي والحاصل أنها تؤخذ غرة قيمتها عشر الدية ولا فرق فيها بين الذكر والأنثى لأن السنة لم تفرق بينهما فلو كان بين كتابيين فأسلم أحدهما بعد الضرب قبل الوضع ففيه غرة في ظاهر كلامه وقاله ابن حامد والقاضي اعتبارا بحال استقرار الجناية وقال أبو بكر وأبو الخطاب فيه عشر دية كتابية اعتبارا بحال الجناية "وإن سقط الجنين حيا ثم مات ففيه دية حر" إن كان حرا لأنه حر مات بجناية أشبه ما لو باشره بالقتل وقد حكاه ابن المنذر إجماعا وعن أحمد لا يثبت هذا الحكم إلا إذا استهل روي عن عمر وابن عباس والحسن بن علي والأول نصره في "المغني" و"الشرح" لأن الارتضاع ونحوه أدل على الحياة من الاستهلال فأما بمجرد الحركة فلا "أو قيمته إن كان عبدا" لأن القيمة في العبد بمنزلة الدية في الحر "إذا كان سقوطه لوقت يعيش في مثله" لأنه إذا لم يكن كذلك لا يعلم فيه حياة يجوز بقاؤها فلم تجب فيه دية ولا قيمة كما لو سقط ميتا "وهو أن تضعه لستة أشهر فصاعدا" لأن من ولد قبل ذلك لم تجر العادة ببقائه وفيه شيء فإن من ولد لثمانية أشهر لم يعش إلا ما كان من مريم وابنها عليهما السلام "وإلا فحكمه حكم الميت" قال في "الروضة" وغيرها كحياة مذبوح فإنه لا حكم لها وحينئذ تجب فيه غرة لأنه
وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان.
فصل
ذكر أصحابنا أن القتل تغلظ ديته بالحرم، والإحرام، والأشهر الحرم والرّحم المحرم.
ـــــــ
لم تعلم حياته "وإن اختلفا في حياته ولا بينة ففي أيهما يقدم قوله وجهان" كذا أطلقهما في "المحرر" و"الفروع" أحدهما وقدمه في "الرعاية" وجزم به في "الوجيز" يقدم قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته والثاني يقدم قول الولي لأن الأصل حياته كحياته في بطن أمه والأصل بقاؤه ومقتضاه أنه إذا كان ثم بينة عمل بها لأنها تظهر الحق وتثبته.
أصل: الغرة والدية يرثهما من يرثه كأنه سقط حيا ولا يرث قاتل ولا رقيق فترث عصبة سيد قاتل جنين أمته وفي "الروضة" هنا إن شرط زوج الأمة حرية الولد كان حرا وإلا عبدا وعلى المذهب لو شربت الحامل دواء فألقت جنينا ميتا فعليها غرة هو لورثتها دونها لأنها قاتلة وعليها عتق رقبة.
فرع: يجب في جنين دابة ما نقص نص عليه وهو قول عامة العلماء وقال أبو بكر كجنين أمة أي عشر قيمة أمه وجوابه أن البهيمة إنما يجب بالجناية عليها قدر نقصها فكذا في جنينها.
فصل
"ذكر أصحابنا أن القتل" إذا كان خطأ وقال القاضي قياس المذهب أو عمدا جزم به جماعة قال في "الانتصار" كما يجب بوطء صائمة محرمة كفارتان ثم قال تغلظ إذا كان موجبه الدية وفي "المفردات" تغلظ عندنا في الجميع ثم دية الخطأ لا تغليظ فيها وفي "المغني" و"الترغيب" وطرف "تغلظ ديته بالحرم والإحرام والأشهر الحرم" نقله فيها الجماعة "والرحم المحرم" اختاره أبو بكر والقاضي وأصحابه ولم يقيده في "التبصرة" "والطريق الأقرب" وغيرهما
فيزداد لكل واحد ثلث الدية فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث وظاهر كلام الخرقي أنها لا تغلظ بذلك وهو ظاهر الآية.
ـــــــ
الرحم بالمحرم كالعتق وظاهر كلام أحمد أنها لا تغلظ بالرحم وقدمه في "المحرر".
"فيزاد لكل واحد ثلث الدية" لما روي أن امرأة وطئت في طواف فقضى عثمان فيها بستة آلاف وألفين تغليظا للحرم وعن ابن عمر أنه قال من قتل في الحرم أو ذا رحم أو في الشهر الحرام فعليه دية وثلث وعن ابن عباس أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام وفي البلد الحرام فقال ديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام أربعة آلاف وللبلد الحرام أربعة آلاف وهو قول التابعين القائلين بالتغليظ واحتجوا بقول ابن عمر "فإذا اجتمعت الحرمات الأربع وجب ديتان وثلث" لأن القتل يجب به دية وقد تكرر التغليظ أربع مرات فكان كذلك.
فائدة : قال بعض أصحابنا حرم المدينة كمكة وفي "الترغيب" يخرج روايتان وقيل التغليظ بدية عمد وقيل بديتين وفي "المبهج" إن لم يقتل بأبويه ففي لزومه ديتان أم دية وثلث روايتان.
"وظاهر كلام الخرقي" واختاره المؤلف ونصره في "الشرح" وذكره ابن رزين الأظهر وهو قول الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز "أنها لا تغلظ بذلك" كجنين وعبد "وهو ظاهر الآية" وهو قوله تعالى: {ومَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء:92] وهذا يقتضي أن تكون الدية واحدة في كل مكان وعلى كل حال "والأخبار" منها قوله عليه السلام "في النفس المؤمنة مائة من الإبل وعلى أهل الذهب ألف مثقال" وروى الجوزجاني عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع الفقهاء فكان مما أحيا من تلك السنن أي أنه لا تغليظ قال ابن المنذر ليس بثابت ما روي عن الصحابة في هذا ولو صح ففعل عمر في حديث قتادة أولى فيقدم على من خالفه وهو أصح في الرواية مع موافقة الكتاب والسنة والقياس
والأخبار وإن قتل مسلم كافرا عمدا أضعف الدية لإزالة القود كما حكم عثمان رضي الله عنه.
فصل
وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية.
ـــــــ
"وإن قتل مسلم" وقدم في "الانتصار" أو كافر وجعله ظاهر كلامه "كافرا" سواء كان كتابيا أو غيره حيث حقن دمه "عمدا أضعفت الدية" نص عليه "لإزالة القود" لأن المسلم لا يقتل بكافر و لأن القود شرع زجرا عن تعاطيه.
"كما حكم عثمان رضي الله عنه" رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رجلا قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يقتله وغلظ الدية ألف دينار فذهب إليه أحمد وله نظائر منها الأعور إذا قلع عين صحيح تجب دية كاملة حيث لا قصاص ومنها أن سارق الثمر يلزمه مثلا قيمته حيث لا قطع ومذهب الجماهير من العلماء أن دية الذمي في العمد والخطأ واحد للعموم وكما لو قتل حر عبدا عمدا لأنه بدل متلف فلم تتضاعف كسائر الأموال وعلى الأول يودى المجوسي بألف وستمائة والكتابي بثلثي دية المسلم إن قلنا ديته ثلثها نص عليه ونقل ابن هانئ أنها تغلظ بثلث.
فصل
"وإن جنى العبد خطأ فسيده بالخيار بين فدائه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته أو تسليمه ليباع في الجناية" إذا جنى رقيق خطأ أو عمدا لا قود فيه أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا وجب اعتبار جنايته لأن جناية الصغير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه فالعبد أولى ولا يمكن تعليقها بذمته لأنه يفضي إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعليقها برقبة العبد كالقصاص والمذهب أن سيده بالخيار بين فدائه لأنه إذا فدى عبده بقيمته فقد أدى عوض المحل الذي تعلقت به الجناية أو بيعه في
وعنه إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك على روايتين وإن جنى عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد؟ على روايتين.
ـــــــ
الجناية لأنه دفع المحل الذي تعلقت به الجناية والمذهب أنه يلزمه في الفداء الأقل من قيمته أو أرش جنايته لأنه إذا فداه بقيمته أدى قدر الواجب لأن حق المجني عليه لا يتعلق بغير رقبة الجاني وإذا فداه بأرش جنايته فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك مطالبته بأكثر منها وعليه لو أعتقه بعد علمه بالجناية لزمه جميع أرشها بخلاف ما إذا لم يعلم نقله ابن منصور وعنه يفديه أو يسلمه فيها وعنه يخير بينهن وعنه فيما فيه القود خاصة يلزمه فداؤه بجميع قيمته.
"وعنه إن أبى تسليمه فعليه فداؤه بأرش الجناية كله" لأنه إذا عرض للبيع ربما رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فوت على المجني عليه ذلك "وإن سلمه فأبى ولي الجناية قبوله وقال بعه أنت فهل يلزمه ذلك على روايتين" أظهرهما لا يلزمه قاله ابن هبيرة وقاله أكثر العلماء لأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد سلمها ويبيعه الحاكم بغير إذن وله التصرف فيه بعتق وغيره وقيل بإذن والثانية يلزمه صححها في "الرعاية" لأن الجناية تقتضي وجوب أرشها وأرشها هو قيمة العبد.
فرع: إذا مات العبد الجاني أو هرب قبل مطالبة سيده بتسليمه أو بعده ولم يمنع منه فلا شيء عليه فلو جنى ففداه ثم جنى فحكمها كالأولى ولا يرجع الثاني على الأول بشيء ومحله ما لم يكن بإذن سيده أو أمره فإن كان فضمانها عليه بالغة ما بلغت رواية واحدة "وإن جنى عمدا فعفا الولي عن القصاص على رقبته فهل يملكه بغير رضى السيد على روايتين" أظهرهما عنه لا يملكه لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجناية الموجبة للمال والثانية يملكه قدمها في "الرعاية" لأنه مملوك استحق إتلافه.
وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص فإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه على وجهين وإن جرح حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا يفديه بقيمته
ـــــــ
فاستحق إبقاءه على ملكه كعبده الجاني عليه فعلى هذه إن عفا عنه على رقبته وقيمته فوق الأرش وقلنا يجب أحد شيئين تعين الأرش ولو قال عفوت عنه وهو حر عتق ولا دية وإن قلنا لا يملك فلا قود ولا دية وهو ملك سيده وذكر ابن عقيل و"الوسيلة" رواية يملكه بجناية عمد وله قتله ورقه وعتقه وينبني عليه لو وطئ الأمة ونقل مهنا لا شيء عليه وهي له وولدها "وإن جنى على اثنين خطأ اشتركا فيه بالحصص" نص عليه سواء جنى عليهم في وقت أو أوقات لأنهم تساووا في سبب تعلق به الحق فتساووا في الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الأول أولى لأن حقه أسبق وقال ابن حمدان يقاد بالكل اكتفاء كما لو جنى عليهم معا ويحتمل أن يقاد بالأول أو يؤخذ حقه بالقرعة مطلقا ويدخل بالقتل حق من بقي لفوت محله إن علق بالعين "فإن عفا أحدهما أو مات المجني عليه فعفا بعض ورثته فهل يتعلق حق الباقين بجميع العبد أو بحصتهم منه على وجهين" أحدهما يتعلق بجميع العبد قدمه في "المحرر" و"الرعاية" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأن سبب استحقاقه موجود وإنما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر وقد زال المزاحم أشبه ما لو جنى على إنسان ففداه سيده ثم جنى على آخر والثاني يتعلق بحصتهم منه لا غير لأن كل واحد تعلق بقسط من رقبته فلا يتعلق بزيادة عليه كما لو لم يوجد عفو أصلا.
فرع: قتل عبدان عبدا عمدا فقتل الولي أحدهما وعفا عن الآخر تعلق برقبته نصف الدية وبناه السامري على قتل الجماعة بالواحد.
"وإن جرح حرا فعفا عنه ثم مات من الجراحة ولا مال له وقيمة العبد عشر ديته فاختار السيد فداءه وقلنا: يفديه بقيمته -
صح العفو في ثلثه وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه لأن العفو صح في شيء من قيمته وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين أجبر وقابل يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس.
ـــــــ
صح العفو في ثلثه" لأنه ثلث ما فات عنه ويبقى الثلثان للورثة "وإن قلنا يفديه بالدية صح العفو في خمسة أسداسه وللورثة سدسه لأن العفو صح في شيء من قيمته" فسقط "وله بزيادة الفداء تسعة أشياء بقي للورثة ألف إلا عشرة أشياء تعدل شيئين أجبر وقابل" تصير ألف تعدل اثني عشر شيئا فالشيء إذا يعدل نصف سدس الدية "يخرج الشيء نصف سدس الدية وللورثة شيئان فتعدل السدس" لأن الشيء إذا عدل نصف سدس كان الشيء يعدل السدس ضرورة فعلى هذا لو كان قيمة العبد ثلث الدية صح العفو على القول بأن الفداء يكون بالدية في ثلاثة أخماسه ولو كان قيمة العبد الربع صح في ثلثه ولو كانت قيمته الخمس صح في خمسة أسباعه وطريق الباب في هذه المسائل أن تزيد قيمة العبد على نصف دية المجني عليه وتنسب قيمة العبد مما بلغا فما كان فهو الذي يفديه به سيده.
تنبيه : إذا قتل عبد عبدين لآخر فله قتله والعفو عنه فإن قتله سقط حقه وإن عفا على مال تعلقت قيمة العبدين برقبته وإن كانا لاثنين فكذلك إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما فإن عفا قتل للثاني وإن قتلهما معا أقرع بين العبدين فمن وقعت له القرعة اقتص وسقط حق الآخر فإن عفا عن القصاص وعلى سيد الأول مال تعلق برقبة العبد وللثاني القصاص فإن قتله سقط حق الأول من القيمة وإن عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين لا يقال حق الأول أسبق فيقدم لأنه لا يراعى بدليل ما لو أتلفت أموال لجماعة على الترتيب ولو قتل عبد عبدا لاثنين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص
باب ديات الأعضاء ومنافعها
ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية وهو الذكر والأنف واللسان الناطق ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء
ـــــــ
باب ديات الأعضاء ومنافعهاالمنافع واحده منفعة وهي اسم مصدر من نفعني كذا نفعا وهي نوعان أحدهما الشجاج وهي في الرأس والوجه والثاني في سائر البدن وهو قسمان أحدهما قطع عضو والآخر قطع لحم وذلك كله مضمون من الآدمي ويضاف إليه تفويت المنفعة كالسمع والبصر ونحوهما "ومن أتلف ما في الإنسان منه شيء واحد ففيه الدية" أي دية نفسه نص عليه وهو الذكر إجماعا لما روى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وفي الذكر الدية وفي الأنف إذا أوعب جدعا الدية وفي اللسان الدية" رواه أحمد والنسائي ولفظه له وقال روى يونس هذا الحديث عن الزهري مرسلا وظاهره ولو من صغير نص عليه وشيخ فان ذكره جماعة وقيد ابن حزم الإجماع بأن ينتشر وهذا إذا أبقى الأنثيين سالمتين.
أصل: وفي حشفة الذكر الدية بغير خلاف نعلمه لأن منفعته تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع فلو قطعها وبعض القصبة لم يجب أكثر من دية كما لو قطع الأصابع وبعض الكف.
"والأنف" وظاهره ولو مع عوجه وصرح به في "الترغيب" وتجب إذا قطع مع مارنه وهو ما لان منه "واللسان الناطق" السليم إذا استوعب كله محطا من المسلم الحر إجماعا ذكره ابن حزم وذكر المؤلف أنهم أجمعوا على وجوب الدية فيه لأنه أعظم الأعضاء نفعا وأتمها جمالا وإن قطع لسان كبير وادعى أنه كان أخرس فكما إذا اختلفا في شلل العضو.
"ولسان الصبي الذي يحركه بالبكاء" لأن في إتلافه إذهاب منفعة الجنس
وما فيه منه شيئان ففيهما لدية وفي أحدهما نصفها كالعينين والأذنين والشفتين واللحيين وثديي المرأة وثندوتي الرجل واليدين والرجلين والإليتين
ـــــــ
وإتلافها كإذهاب النفس في الكل وظاهره ولو لم يبلغ حد النطق فلو بلغه ولم يتكلم لم تجب فيه الدية كلسان الأخرس وإن كبر فنطق ببعض الحروف وجب فيه بقدر ما ذهب من الحروف لأنا تبينا أنه كان ناطقا "وما فيه منه شيئان ففيهما لدية وفي أحدهما نصفها" نص عليه "كالعينين" إذا أذهبهما من المسلم خطأ لحديث عمرو بن حزم ويستوي فيه الصغيرتان والصحيحتان وضدهما فإن كان فيها بياض ينقص البصر نقص من الدية بقدره وإلا فلا وعنه تجب دية كاملة جزم به "في الترغيب" كحولاء وعمشاء مع رد المبيع بهما "والأذنين" وفاقا قضى به عمر وعلي وما روي أن أبا بكر قضى في الأذن بخمسة عشر بعيرا رواه سعيد فمنقطع وذكر ابن المنذر أنه لا يثبت "وفي الوسيلة" وإشرافهما وهو جلد بين العذار والبياض الذي حولهما نص عليه "وفي الواضح" وأصداف الأذنين "والشفتين" أي إذا استوعبتا من المسلم خطأ إجماعا وفي أحدهما نصفها "واللحيين" وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان لأن فيهما نفعا وجمالا وليس في البدن مثلهما "وثديي المرأة" أي فيهما الدية وفي أحدهما نصفها بالإجماع وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما نص عليه لأنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه كحشفة الذكر وإن حصل مع قطعهما جائفة وجب فيهما ثلث الدية مع ديتهما وإن ضربهما فأشلهما فالدية "وثندوتي الرجل" نص عليه وهي مغرز الثدي والواحدة ثندوة بفتح الثاء بلا همزة وبضمها مع الهمز وقال الجوهري الثدي للمرأة والرجل وهو أصح في اللغة ومنهم من أنكره ولأنه يحصل بهما الجمال وليس في البدن غيرهما من جنسهما.
"واليدين" أي فيهما الدية وفي أحدهما نصفها للأخبار حتى يد مرتعش ويد أعسم وهو عوج في الرسغ "والرجلين" لما ذكرنا حتى قدم أعرج وقال أبو بكر حكومة "والإليتين" وهما ما علا وأشرف على الظهر وعن استواء الفخذين وإن لم يصل إلى العظم الدية ذكره جماعه و نقل ابن منصور فيهما الدية إذا
و الأنثيين و إسكتي المرأة وعنه في الشفة السفلى ثلثا الدية و في العليا ثلثها وفي المنخرين ثلثا الدية و في الحاجز ثلثها و عنه في المنخرين الدية و في الحاجز حكومة وفي الأجفان الأربعة الدية وفي كل واحد ربعها وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع
ـــــــ
قطعتا حتى إلى العظم "و الأنثيين" ففيهما الدية لخبر عمرو بن حزم و في أحدهما نصفها في قول أكثرهم.
فرع : إذا رض أنثييه أو أشلهما كملت ديتهما كما لو أشل يديه أو ذكره وإن قطع إحداهما فذهب النسل لم يجب أكثر من نصف الدية "و إسكتي المرأة" بكسر الهمزة و فتحها و هما شفراها و قال أهل اللغة الشفران حاشيتا الإسكتين و فيهما الدية لأن فيهما منفعة و جمالا و ليس في البدن غيرهما من جنسهما وإن أشلهما ففيهما الدية كما لو جنى على شفته فأشلها ولا فرق بين الرتقاء وغيرها و في عانة الرجل و المرأة حكومة "وعنه في الشفة السفلي ثلثا الدية و في العليا ثلثها" روي عن زيد لأن نفع السفلى أعظم لأنها هي التي تدور و تتحرك و تحفظ الريق و الطعام و الأول أصح و قول زيد معارض بقول أبي بكر و علي "وفي المنخرين ثلثا الدية و في الحاجز ثلثها" على المذهب لأن المارن يشمل ثلاثة أشياء منخران و حاجز فوجب توزيع الدية على عددها كسائر ما فيه عدد من الأصابع و الأجفان "و عنه في المنخرين الدية و في الحاجز حكومة" حكاها أبو الخطاب لأن المنخرين ليس في البدن لهما ثالث و لأنه بقطعهما يذهب الجمال كله و المنفعة أشبه قطع اليدين و الأول أظهر و قدمه الأكثر فلو قطع أحد المنخرين و نصف الحاجز و جب نصف الدية وإن شق الحاجز بينهما ففيه حكومة وإن بقي منفرجا فالحكومة فيه أكثر.
"وفي الأجفان الأربعة الدية و في كل و احد ربعها" و عليه الأئمة لأنها أعضاء فيها جمال ظاهر ونفع كامل فإنها تكن العين و تحفظها من الحر و البرد و لولاها لقبح منظرها و يجب في أشفار عين الأعمى وهي الأجفان لأن ذهاب البصر عيب غير الأجفان "وفي أصابع اليدين الدية" إذا كانت سليمة "و في أصابع
الرجلين الدية وفي كل إصبع عشرها وفي كل أنملة ثلث إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها وفي الظفر خمس دية الإصبع وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد ثغر والأضراس الأنياب كالأسنان ويحتمل أن تجب في جميعها دية واحدة.
ـــــــ
الرجلين الدية" لما روى الترمذي و صححه عن ابن عباس مرفوعا "دية أصابع اليدين و الرجلين عشر من الإبل لكل إصبع" و في البخاري عنه مرفوعا قال "هذه و هذه سواء" يعني الخنصر الإبهام.
"وفي كل إصبع عشرها" و فيه خلاف شاذ "و في كل أنملة ثلث عقلها" لأن دية الأصبع تقسم عليها كما قسمت دية اليد على الأصابع بالسوية "إلا الإبهام فإنها مفصلان ففي كل مفصل نصف عقلها" أي نصف عشر الدية.
"و في الظفر خمس دية الإصبع" نص عليه لقول زيد ورواه ابن عباس و معناه إذا قلعه ولم يعد و في "الرعاية" و كذا إن اسود و دام و التقديرات يرجع فيها إلى التوقيف فإن لم يكن فيها توقيف فالقياس أن فيه حكومة كسائر الجراح التي ليس فيها مقدر و في "الكافي" أن ما لا توقيف فيه من سائر الجراح تجب فيه الحكومة "و في كل سن" قلع بسنخها أو الظاهر فقط "خمس من الإبل" روي عن عمر و ابن عباس و لخبر عمرو بن حزم وابن عمرو بن شعيب و هي اثنا عشر سنا و أربع ثنايا وأربع رباعيات و أربعة أنياب قاله ابن حزم و غيره و فوق ضاحكان و ناجذان و ست طواحين و أسفل مثلها فعلى هذا يجب في جميعها مائة و ستون بعيرا لأنها اثنان و ثلاثون فإن كانت إحدى ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها ذكره في "الشرح" و غيره وشرطه "إذا قلعت ممن قد ثغر" بضم الثاء أي إذا سقطت رواضعه يقال ثغر و أثغر يحترز بذلك من الصغير الذي لم يثغر فإنه لا يجب بقلعها شيء في الحال بغير خلاف نعلمه لأن العادة عود سنه فينتظر فإن مضت مدة ييأس من عودها و جبت ديتها قال أحمد يتوقف سنة لأنه غالب في نباتها "والأضراس و الأنياب كالأسنان" و هو قول ابن عباس و معاوية و الأكثر لما روى أبو داود عن ابن عباس مرفوعا قال "الأسنان سواء
و تجب دية اليد و الرجل في قطعهما من الكوع و الكعب فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه و قال القاضي في الزائد حكومة
ـــــــ
الثنية و الضرس سواء و هذا نص و لأن كل دية و جبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع و الأجفان و عنه إن لم يكن ثغر فحكومة أختاره القاضي وقال إذا سقطت أخواتها و لم تعد أخذت ديتها لأن الغالب أنها لا تعود بعد ذلك "ويحتمل أن تجب في جميعها دية واحدة" هذا رواية حكاه في "المغني" و "الفروع" لأن في كل ضرس بعيرين لقول سعيد بن المسيب رواه مالك و عن عطاء نحوه و الإجماع أن في كل سن خمسا لأنها منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منفعة الجنس.
وفي "المحرر" وقيل إن قلع الكل أو فوق العشرين دفعة لم يجب سوى الدية و قال أبو محمد الجوزي إن قلع أسنانه دفعة واحدة فالدية.
فرع : إذا قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض و كانت منافعها أو بعضها باقية و جبت ديتها وإن ذهبت منافعها فهي كيد شلاء وإن قلع سنا فيها داء أو آكلة فإن لم يذهب شي من أجزائها ففيها دية سن صحيح وإن ذهب سقط من ديتها بقدر الذاهب ووجب الباقي.
"و تجب دية اليد و الرجل في قطعهما من الكوع و الكعب" لأن اليد في الشرع محمولة على ذلك بدليل قطع السارق و المسح في التيمم و الكعب بمنزلة الكوع بدليل ما لو سرق ثانيا قطعت رجله من كعبها "فإن قطعهما من فوق ذلك لم يزد على الدية في ظاهر كلامه" و نص عليه في رواية أبي طالب و قاله قتادة و عطاء و هو المنصور عند معظم أصحابنا لأن اليد اسم للجميع للمنكب لأنه لما نزلت آية التيمم مسح الصحابة إلى المناكب لا يقال يجب أن لا يجب بقطعهما من فوق الكوع و الكعب الدية لأنه لا يلزم من وجوب الدية في شيء عدم و جوبها فيما دونه بدليل أن الدية تجب في اليدين من الكوع و تجب في قطع الأصابع دون الكف "و قال القاضي في الزائد حكومة" لأن المنفعة المقصودة.
وفي مارن الأنف وحشفة الذكر وحلمتي الثديين وكسر ظاهر السن دية العضو كاملة ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعا دية وحكومة في القصبة
ـــــــ
في اليد من البطش و الأخذ و الدفع بالكف و ما زاد تابع له و الدية تجب في قطعها من الكوع و الكعب فيجب في الزائد حكومة و لأن اسم اليد و الرجل إلى الكوع و الكعب و على الأول لو قطع من الكوع قطعها من فوق ذلك ففيه حكومة لأنها و جبت عليه الدية بالقطع الأول كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف.
فرع: إذا كان له كفان على ذراع أو يد و ذراعان على عضد و إحداهما باطشة دون الأخرى أو إحداهما أكثر بطشا أو في سمت الذراع و الأخرى منحرفة أو تامة و الأخرى ناقصة فالأولى هي الأصلية ففيها ديتها والقصاص بقطعها عمدا و في الأخرى حكومة لأنها زائدة سواء قطعها منفردة أو مع الأصلية و قال ابن حامد لا شيء فيها لأنها عيب فلو استويا وكانتا غير باطشتين ففيهما ثلث دية اليد أو حكومة وإن كانتا باطشتين ففيهما دية اليد و هل تجب الحكومة فيه وجهان "وفي مارن الأنف" وهو ما لان منه "وحشفة الذكر و حلمتي الثديين و كسر ظاهر السن دية العضو كاملة" لأن قطع المارن يذهب الجمال أشبه الأنف كله وحشفة الذكر لأن منفعته كمنفعة اليد بالأصابع وحلمتي الثديين لأنه ذهب من الثديين ما تذهب المنفعة بذهابه فوجب دية كاملة وفي كسر ظاهر السن ديته وهو ما ظهر من اللثة لأن ذلك هو المسمى سنا فيدخل في عموم النص وما في اللثة يسمى سنخا فإذا كسر السن ثم قلع هو أو غيره السنخ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة والدية في قدر الظاهر عادة وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر بأخواتها فإن لم يكن ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة قبل قول الجاني "ويحتمل أن يلزم من استوعب الأنف جدعا دية وحكومة في القصبة" لما روى طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الأنف إذا أوعب جدعا الدية" رواه الشافعي والحكومة في القصبة لما مر في قطع اليد من فوق الكوع فإن قطع الأنف وما تحته من اللحم ففي اللحم حكومة لأنه ليس من
وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا بالحساب من ديته تقدر بالأجزاء وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول ديته وعنه في تسويد السن ثلث ديتها وقال أبو بكر فيها حكومة.
ـــــــ
الأنف أشبه ما لو قطع الذكر واللحم الذي تحته "وفي قطع بعض المارن والأذن والحلمة واللسان والشفة والحشفة والأنملة والسن وشق الحشفة طولا بالحساب من ديته تقدر بالأجزاء" كالثلث والربع ثم يؤخذ مثله من الدية لأن ما وجبت الدية في جميعه وجبت في بعضه وكما تقسط دية اليد على الأصابع وفي "الترغيب" رواية تجب ثلث دية كشحمة أذن وفي "الواضح" فيما بقي من أذن بلا نفع الدية وإلا حكومة.
"وفي شلل العضو أو إذهاب نفعه والجناية على الشفتين بحيث لا ينطبقان على الأسنان" الدية لأنه عطل نفعهما أشبه ما لو أمسك يده أو لسانه أو شفته وسائر الأعضاء إلا الأذن والأنف قال في "المغني" و"الشرح" وكذا إذا استرخيا فصارا لا ينفصلان عن الأسنان لأنه عطل جمالها وفي "التبصرة" و"الترغيب" في التقلص حكومة "وتسويد السن والظفر بحيث لا يزول" عنه "ديته" روي عن زيد بن ثابت وقاله ابن سيرين وابن المسيب والحسن وهو ظاهر "الخرقي" "وعنه في تسويد السن ثلث ديتها" وهو قول بعض الصحابة لأن التقدير لا يثبت إلا بالتوقيف وكتسويد أنفه مع بقاء نفعه قاله في "الواضح" "وقال أبو بكر فيها حكومة" وهو رواية عن أحمد لأنه لم يذهبها بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو احمرت أو اصفرت أو كلت وعنه إن ذهبت منفعتها من المضغ عليها ففيها ديتها وإلا فحكومة قاله القاضي والأول أصح لأنه قول زيد ولم يعرف له مخالف من الصحابة فكان كالإجماع ولأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها كما لو قطع أذن الأصم
فرع: إذا جنى على سنه فاخصرت فعنه كتسويدها جزم به في
وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والإصبع الزائدتين حكومة وعنه ثلث ديته وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته.
ـــــــ
"المنتحب" وعنه حكومة قال في الفروع وهي أشهر وذكرهما في "الشرح" احتمالين "وفي العضو الأشل من اليد والرجل والذكر والثدي ولسان الأخرس والعين القائمة" في موضعها صحيحة غير أنه أذهب نظرها "وشحمة الأذن وذكر الخصي والعنين والسن السوداء والثدي دون حلمته والذكر دون حشفته وقصبة الأنف واليد والأصبع الزائدتين حكومة" قدمه في "المحرر" و"الفروع" وجزم به في "الوجيز" لأنه لا يمكن إيجاب دية كاملة لكونها قد ذهبت منفعتها ولا مقدر فيها فتجب الحكومة "وعنه ثلث ديته" لما روى النسائي ورجاله ثقات عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين العوراء السادة لمكانها بثلث الدية وفي اليد الشلاء إذا قطعت بثلث ديتها وفي السن السوداء إذا قلعت بثلث ديتها وعن عمر معنى ذلك رواه سعيد وحكم الرجل الشلاء كاليد الشلاء رجحه المؤلف وقال قولهم لا يمكن إيجاب مقدر ممنوع فإنا قد ذكرنا التقدير وبيناه فأما اليد والرجل والإصبع والسن الزوائد ففيها حكومة ولا يصح قياس هذا على العضو الذي ذهبت منفعته وبقي جماله لأن هذه الزوائد لا جمال فيها إنما هي شين في الخلقة وعيب يرد به المبيع وتنقص به القيمة وقيل لا يجب فيها شيء قال القاضي هو في معنى اليد الشلاء فيتخرج على الروايتين وكذا كل عضو ذهبت منفعته وبقيت صورته والكف الذي لا أصابع عليه وساق لا قدم فيه وذراع لا كف عليه وذكر لا حشفة له "وعنه في ذكر الخصي والعنين كمال ديته" ذهب الأكثر إلى وجوب الدية في ذكر العنين لخبر عمرو بن حزم "وفي الذكر دية" ولأنه غير مأيوس من جماعه وهو عضو سليم في نفسه أشبه ذكر الشيخ وعنه لا تكمل ديته لأن منفعة الإنزال والإحبال بالجماع وقد عدم ذلك منه في حال الكمال
فلو قطع الذكر والأنثيين معا أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين وفي الذكر روايتان إحداهما دية والأخرى حكومة أو ثلث ديته وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة .
ـــــــ
أشبه الأشل وبهذا فارق ذكر الشيخ وأما ذكر الخصي فعنه دية كاملة لظاهر الخبر ولأن منفعته وهي الجماع باقية فيه وعنه لا لأن المقصود منه تحصيل النسل ولا يوجد ذلك منه فلم تكمل ديته وعنه تكميلها لذكر العنين دون الخصي وخرج منه في "الانتصار" في لسان أخرس وقدم في "الروضة" في ذكر الخصي إن لم يجامع بمثله فثلث ديته وإلا دية قال في عين قائمة نصف دية.
فرع : إذا نبتت أسنان صبي سوداء ثم ثغر ثم عادت سوداء فديتها تامة كمن خلق أسود الوجه والجسم جميعا وإن نبتت أولا بيضاء ثم ثغر ثم عادت سوداء فإن قال أهل الخبرة ليس السوداء لمرض ولا علة ففيها كمال ديتها وإلا فثلث دية أو حكومة "فلو قطع الذكر والأنثيين معا" أي دفعة واحدة "أو الذكر ثم الأنثيين لزمه ديتان" لأن كل واحد منهما لو انفرد لوجب في قطعه الدية فكذا "لو اجتمع ولو قطع الأنثيين ثم قطع الذكر وجبت دية الأنثيين" لأن قطعهما لم يصادف ما يوجب نقصهما عن ديتهما "وفي الذكر روايتان" كذا في "المحرر" "إحداهما دية" لقوله عليه السلام "وفي الذكر الدية" "والأخرى" وهي أشهر "حكومة أو ثلث ديته" لأنه ذكر خصي.
فرع : إذا قطع نصف الذكر طولا فقال أصحابنا يجب نصف الدية ونصر في "المغني" و"الشرح" أن تجب الدية كاملة لأنه ذهب منفعة الجماع به أشبه ما لو أشله وإن قطع منه قطعة فما دون الحشفة وخرج البول على عادته وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية وإن خرج من موضع القطع وجب الأكثر من الدية أو الحكومة.
"وإن أشل الأنف أو الأذن أو عوجهما ففيه حكومة" لأن نفع الأنف والأذن
وفي قطع الأشل منهما كمال ديته وتجب الدية في أنف الأخشم والمخروم وأذني الأصم وإن قطع أنفه فذهب شمه أو أذنيه فذهب سمعه وجبت ديتان وسائر الأعضاء إذا أذهبها بمنافعها لم تجب إلا دية واحدة
ـــــــ
باق مع الشلل بخلاف اليد فإن نفعها قد زال وإنما قلنا ببقاء نفع الأذن كونها تجمع الصوت وتمنع دخول الهواء في الصماخ وهذا باق مع الشلل وكذلك الأنف فنفعه جمع الرائحة ومنع وصول شيء إلى دماغه قال المؤلف أو تغيير لونهما وقيل الدية كشلل يد ومثانة ونحوهما.
"وفي قطع الأشل منهما كمال ديته" لأنه قطع أذنا فيها جمالها ونفعها كالصحيحة وكما لو قطع عينا عمشاء أو حولاء.
فرع : إذا قطع الأنف إلا جلدة بقي معلقا بها فلم يلتحم واحتيج إلى قطع الجلدة ففيه ديته وإن رده فالتحم فحكومة وإن أبانه فرده فالتحم فقال أبو بكر فيه حكومة وقال القاضي فيه ديته كما لو لم يلتحم.
"وتجب الدية في أنف الأخشم" لأنه لا عيب فيه وإنما العيب في غيره "والمخروم" لأن أنفه كامل غير أنه معيب كالعضو المريض "وأذني الأصم" لأن الصمم نقص في غير الأذن وفي "الرعاية" و"المحرر" إذا قلنا يؤخذ به السالم من ذلك في العمد وإلا ففيه حكومة "وإن قطع أنفه فذهب شمه" لزمه ديتان لأن الشم من غير الأنف فلا تدخل دية أحدهما في الآخر أو أذنيه فذهب سمعه وجبت ديتان" لأن السمع من غير الأذن فهو كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين فلو ذهب شم أحدهما فنصف الدية وفي بعضه حكومة.
"وسائر الأعضاء" كالعينين ونحوهما إذا أذهبها بمنافعها لم تجب إلا دية واحدة لأن نفعها فيها وهو تابع لها يذهب بذهابه فوجبت دية العضو دون المنفعة كما لو قتله لم تجب ديته
فصل في دية المنافع
وفي كل حاسة دية كاملة وهي السمع والبصر والشم والذوق وكذلك تجب في الكلام
ـــــــ
فصل في دية المنافعلما تمم الكلام على ديات الأعضاء كالعينين ونحوهما شرع يتكلم في دية المنافع وهي السمع والبصر ونحوهما
"وفي كل حاسة دية كاملة" كذا عبارة الأصحاب يقال حس وأحس أي علم وأيقن وبألف أفصح وبها جاء القرآن وإنما يصح قولهم الحاسة والحواس الخمس على اللغة القليلة والأشهر في حس بلا ألف بمعنى قتل وقال الجوهري الحواس المشاعر الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس "وهي السمع" بغير خلاف وسنده قوله عليه السلام "وفي السمع الدية" وروي أن عمر قضى في رجل رمى آخر بحجر في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه ونكاحه بأربع ديات والرجل حي رواه أبو المهلب ولأنها حاسة تختص بنفع فكان فيها الدية كالبصر فإن ذهب من أحدهما فقط وجب نصفها كالبصر "والبصر" من العينين المبصرتين من المسلم دية كاملة إجماعا "والشم" لأن ذلك في كتاب عمرو بن حزم قال القاضي ولأنه حاسة تختص بمنفعة كسائر الحواس.
"والذوق" ذكره أبو الخطاب والمعظم لأن الذوق حاسة أشبه الشم وقياس المذهب أنه لا دية فيه وإنما تجب الحكومة صححه المؤلف لأن لسان الأخرس لا دية فيه إجماعا على أنها لا تكمل في ذهاب الذوق بمفرده لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمنفعته لا تكمل في منفعته كسائر الأعضاء قال في "الشرح" ولا تفريع على هذا القول "وكذلك تجب في الكلام" لأن كل ما تعلقت الدية
والعقل والمشي والأكل والنكاح وتجب في الحدب والصعر وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب وفي تسويد الوجه إذا لم يزل.
ـــــــ
بإتلافه تعلقت بإتلاف منفعته كاليد "والعقل" بالإجماع وسنده ما في كتاب عمرو بن حزم لأنه أكثر المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا فإنه يتميز به عن البهيمة ويعرف به صحة حقائق المعلومات ويهتدي به إلى المصالح ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان أولى من بقية الحواس.
فرع : إذا نقص نقصا معلوما وجب بقدره وإن لم يعرف قدره فحكومة وإن كانت الجناية المذهبة للعقل ولها أرش كالموضحة وجبت الدية وأرش الجرح ولا تدخل أرش الجناية المذهبة له في ديته نص عليه كما لو أوضحه فذهب بصره وقيل بلى ويدخل الأقل في الأكثر.
"والمشي" لأن منفعته مقصودة أشبه الكلام "والأكل" لأنه نفع مقصود كالشم "والنكاح" أي إذا كسر صلبه فذهب نكاحه ففيه الدية وروي عن علي لأنه مقصود أشبه ذهاب المشي.
"وتجب في الحدب" بفتح الحاء والدال مصدر حدب بكسر الدال إذا صار أحدب لأن بذلك تذهب المنفعة والجمال لأن انتصاب القامة من الكمال والجمال وبه يشرف الآدمي على سائر الحيوانات وهذا الذي ذكره المؤلف في الكلام وما بعده هو رواية عن أحمد واختاره المجد وجزم به في "الوجيز" وخالف فيه القاضي وغيره وهو ظاهر المذهب قاله ابن الجوزي "والصعر" وهو أن يضربه فيصير الوجه في جانب" نص عليه وأصل الصعر داء يأخذ البعير في عنقه فيلتوي منه عنقه قال الله تعالى: {ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] أي لا تعرض عنهم بوجهك تكبرا وهو قول زيد رواه مكحول ولم نعرف له مخالفا فكان كالإجماع ولأنه أذهب الجمال والمنفعة فوجب فيه ديته كسائر المنافع وقال في "المغني" و"الشرح" و"الترغيب" أولا يبلع ريقه ففيه الدية لأنه تفويت منفعة ليس لها مثل في البدن "وفي تسويد الوجه إذا لم يزل" لأنه فوت
وإذا لم يستمسك الغائط أو البول ففي كل واحد من ذلك دية كاملة وفي نقص شيء من ذلك إن علم بقدره مثل نقص العقل بأن يجن يوما ويفيق يوما أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية وعشرين حرفا
ـــــــ
الجمال على الكمال فضمنه بديته كما لو قطع أذني الأصم وظاهره أنه إذا صفر وجهه أو حمره تجب حكومة لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفي "المبهج" و"الترغيب" إذا أزال لونه إلى غيره ففيه الدية "وإذا لم يستمسك الغائط أو البول" بأن ضرب بطنه فلم يستمسك الغائط أو المثانة فلم يستمسك البول "ففي كل واحد من ذلك دية كاملة" بغير خلاف نعلمه إلا أن أبا موسى ذكر في المثانة رواية ثلث الدية كإفضاء المرأة و الصحيح الأول لأن كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كثيرة ليس في البدن مثلها فإن نفع المثانة حبس البول و حبس البطن الغائط منفعة مثلها و الضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر فإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة و جب ديتان.
فرع : إذا جنى عليه فذهب عقله و سمعه و بصره و لسانه و جب أربع ديات لقضاء عمر ذكره أحمد في رواية و لده عبد الله كما لو جنى عليه جنايات فأذهبها و يجب مع ذلك أرش الجراح فإن من مات من الجناية لم تجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع تدخل في دية النفس كديات الأعضاء.
"و في نقص شيء من ذلك إن علم بقدره" لأن ما و جب في جميع الشيء و جب في بعضه بقدر كإتلاف المال "مثل نقص العقل بأن يجن يوما و يفيق يوما أو ذهاب بصر إحدى العينين أو سمع إحدى الأذنين" لما ذكرناه و هو أن ما و جبت فيه الدية وجب بعضها كالأصابع و اليدين.
مسألة : قال في "الترغيب" و غيره و منفعة الصوت و منفعة البطش فلكل و احد الدية و في "الفنون" لو سقاه ذرق حمام فذهب صوته لزمه حكومة.
"وفي بعض الكلام بالحساب يقسم على ثمانية و عشرين حرفا" سوى "لا" فإن مخرجها مخرج اللام و الألف فمنها من الحروف نقص من الدبة بقدره لأن الكلام
ويحتمل أن يقسم على الحروف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء والفاء والميم وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا أو نقص سمعه أو بصره أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة أو نقص مشيه أو انحنى قليلا أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة ونحو ذلك ففيه حكومة.
ـــــــ
يتم بجميعها فالذاهب يجب أن يكون عوضه من الدية كقدره من الكلام ففي الحرف الواحد ربع سبع الدية و في الحرفين نصف سبعها و لا فرق بين ما خف على اللسان أو ثقل لأن كل ما وجب فيه المقدر لم يختلف لاختلاف قدره كالأصابع "و يحتمل أن يقسم على الحرف التي للسان فيها عمل دون الشفوية كالباء و الفاء و الميم" و الواو دون حرف الحلق الستة و هي الهمزة و الهاء والخاء و العين و الغين فهذه عشرة بقي ثمانية عشر فاللسان تقسم ديته عليها لأن الدية تجب بقطع اللسان و ذهاب هذه الحروف و حدها مع بقائه فإذا و جبت الدية فيها بمفردها و جبت في بعضها بقسطه منها وفي "الكافي" أن اللسان لا عمل له فيها والأول أولى لأن هذه الحروف ينطق بها اللسان أيضا بدليل أن الأخرس لا ينطق بشيء منها "وإن لم يعلم قدره مثل أن صار مدهوشا" يفزع مما لا يفزع منه و يستوحش إذا خلا "أو نقص سمعه أو بصره" و ذكر جماعة في نقص بصر نزنه بالمسافة فلو نظر الشخص على مائتي ذراع فنظره على مائة فنصف الدية و في الوسيلة لو لطمه فذهب بعض بصره فالدية في ظاهر كلامه.
"أو شمه أو حصل في كلامه تمتمة أو عجلة" أو صار ألثغ "أو نقص مشيه أو انحنى قليلا أو تقلست شفته بعض التقلس أو تحركت سنه أو ذهب اللبن من ثدي المرأة و نحو ذلك ففيه حكومة" لما حصل من النقص و الشين ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية.
وقيل إن ذهب اللبن فالدية وإن جنى عليه جان آخر فأذهب كلامه فالدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها.
وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية وعلى الثاني نصفها ويحتمل أن يجب عليه نصف الدية وحكومة لربع اللسان.
ـــــــ
فرع إذا أذهب كلام الألثغ فإن كان مأيوسا من ذهاب لثغته ففيه بقسط ما ذهب من الحروف وغير المأيوس كصغير فيه الدية وكذا كبير إذا أمكن إزالة لثغته بالتعليم.
أصل إذا نقص ذوقه نقصا غير مقدر بأن يحسن المذاق الخمس وهي الحلاوة و الحموضة والمرارة والملوحة والعذوبة إلا أنه لا يدركه على الكمال ففيه حكومة كنقص بصره نقصا لا يتقدر وإن لم يدرك أحدها وأدرك الباقي ففيه خمس الدية وفي اثنين خمساها وفي ثلاثة ثلاثة أخماسها وإن لم يدرك واحدة فعليه الدية إن قلنا بوجوبها فيه وإلا فحكومة.
"وإن قطع بعض اللسان فذهب بعض الكلام اعتبر أكثرهما" أي تجب دية الأكثر فإن استويا مثل أن يقطع ربع لسانه فيذهب ربع كلامه وجب ربع الدية بقدر الذاهب منهما كما لو قلع إحدى عينيه فذهب بصرها "فلو ذهب ربع اللسان ونصف الكلام أو ربع الكلام ونصف اللسان وجب نصف الدية" لأن كل واحد منهما مضمون بالدية منفردا فإذا انفرد نصفه بالذهاب وجب النصف لأنه لو ذهب نصف اللسان فقط وجب نصف الدية وكذا عكسه.
"فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع آخر بقيته فعلى الأول نصف الدية" لأنه أذهب بجنايته نصف الكلام "وعلى الثاني نصفها" وهو قول القاضي وقدمه في الفروع لأن السالم نصف اللسان وباقيه أشل بدليل ذهاب نصف الكلام "ويحتمل أن يجب عليه" أي على الثاني "نصف الدية وحكومة لربع اللسان" هذا وجه وجزم به في "الكافي" و"المستوعب" وقدمه في "الرعاية"
وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه ، لم تجب إلا دية . وإن ذهبا مع بقاء اللسان ، ففيه ديتان .
ـــــــ
قال في "الفروع" وهو الأشهر لأنه لو كان جميعه أشل كان فيه حكومة فكذا في بعضه وقيل عليه ثلاثة أرباع الدية كما لو قطعه أولا وجزم به في "الوجيز" ولا يصح القول بأن بعضه أشل لأن العضو شيء كان فيه منفعة فلم يكن بعضه أشل كضعف بصر العين وبطش اليد فلو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه فعليه نصف الدية فإن قطع آخر بقيته فعليه ثلاثة أرباع الدية اقتصر عليه في "الكافي" و"الشرح" لأنه ذهب بثلاثة أرباع الكلام فلو ذهب ثلاثة أرباع كلام من غير قطع وجب ثلاثة أرباع الدية فمن قطع نصفه أولى وقيل النصف فقط.
فرع : إذا جنى على لسانه فاقتص منه مثل جنايته فذهب من كلام الجاني مثل جنايته وذهب من كلام الجاني كذلك أو أكثر لم يجب شيء لأنه استوفى حقه وسراية القود غير مضمونة وإن ذهب أقل فللمقتص دية ما بقي لأنه لم يستوف بدله ولو كان اللسان ذا طرفين فقطع أحدهما ولم يذهب من الكلام شيء وكانا متساويين في الخلقة فهما كلسان مشقوق فيهما الدية وفي أحدهما نصفها وإن كان أحدهما تام الخلقة والآخر ناقص فالتام فيه الدية والناقص زائد فيه حكومة "وإن قطع لسانه فذهب نطقه وذوقه" أو كان أخرس قاله في "الوجيز" و"الفروع" وسبقها إلى ذلك "المحرر" "لم تجب إلا دية" واحدة لأنهما ذهبا تبعا فوجب ديته دون ديتهما كما لو قتل إنسانا فلو عاد أو أحدهما لم تجب لأنه لم يذهب ولو ذهب لم يعد وإن كان قبضها ردها وإن قطع لسانه ثم عاد فلا شيء عليه قاله أبو بكر وقيل حكومة وفي "المستوعب" يجب أرش القطع فإن قطعه قاطع فالقصاص أو الدية بخلاف ما لو أوضحه فاندملت ثم أوضحه آخر فلا قصاص ولا دية بل تجب حكومة لأن الجلد لا يعود بخلاف اللسان فإن نقص صورة أو معنى وجب أرشه "وإن ذهبا مع بقاء اللسان ففيه ديتان" على الأصح كما لو ذهبت منافع الإنسان مع بقائه فعلى هذا في كل منفعة دية وعنه تجب دية واحدة.
وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ، ففيه ديتان . ويحتمل أن تجب دية واحدة ، وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه ، فالقول قول المجني عليه . وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة وقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته، وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالرائحة المنتنة وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه
ـــــــ
فرع إذا قطع نصف لسانه فذهب كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية لأن الكلام الذي كان باللسان قد ذهب ولم يعد إلى اللسان وإنما عاد إلى محل آخر.
"وإن كسر صلبه فذهب مشيه ونكاحه ففيه ديتان" على المذهب لأن في كل منهما دية منفردا فكذا إذا اجتمعا وكذهاب شم أو سمع بقطع أنفه أو أذنه "ويحتمل أن تجب دية واحدة" هذا رواية لأنهما منفعة عضو كبقية الأعضاء الذاهبة بنفعها فلو ضعف المشي والجماع أو نقص فحكومة.
فرع : إذا كسر صلبه فجبر وعاد إلى حالة فحكومة للكسر وإن احدودب فحكومة لهما وإن ذهب ماؤه أو إحباله فالدية ذكره في "الرعاية" وكذا في "الروضة" إن ذهب نسله فالدية وفي "المغني" في ذهاب مائه احتمالان.
"وإن اختلفا في نقص بصره أو سمعه فالقول قول المجني عليه" مع يمينه أنه لا يعرف إلا من جهته ولا سبيل إلى إقامة البينة عليه كقبول قول المرأة في الحيض وتجب بقدر نقصه وقيل حكومة كما لو جهل قدر نقصه فإن قال أهل الخبرة أنه يرجى عوده إلى مدة انتظر إليها "وإن اختلفا في ذهاب بصره أري أهل الخبرة به" بأن يمتحن في ذلك "وقرب الشيء إلى عينه في وقت غفلته" لأن ذلك يمكن معرفته منهم فيما يخبرون به كالبينة "وإن اختلفا في ذهاب سمعه أو شمه أو ذوقه صيح به في أوقات غفلته وتتبع بالرائحة المنتنة وأطعم الأشياء المرة فإن فزع مما يدنو من بصره أو انزعج للصوت أو عبس للرائحة أو الطعم المر سقطت دعواه" لأن ذلك دليل على كذبه وقيل يقبل قول
وإلا فالقول قوله مع يمينه.
فصل
ولا تجب دية الجرح حتى يندمل ولا دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها ولو قلع سن كبير أو ظفره ثم نبتت أو رده فالتحم
ـــــــ
الجاني لأن الظاهر معه ويحلف لئلا يكون ما ظهر من أمارات ذلك اتفاقا "وإلا فالقول قوله" أي قول المجني عليه لأن الظاهر معه "مع يمينه" لئلا يكون ذلك بمجرد تحفظه ومتى حكم له بالدية ثم انزعج عند صوت أو غطى أنفه عند رائحة منتنة فطولب بالدية فادعى أنه فعل ذلك اتفاقا قبل قوله لأنه محتمل فلا ينقض الحكم بالاحتمال وإن تكرر ذلك من حيث يعلم صحة سمعه وشمه رد ما أخذ لأنا تبينا كذبه فإن ادعى الجاني أنه ولد أبكم ولا بينة تكذبه قبل قوله مع يمينه وقيل ترد كما لو ولد ناطقا ثم خرس.
فصل
"ولا تجب دية الجرح حتى يندمل" لأنه لا يدري أقتل هو أم ليس بقتل فينتظر ليعلم حكمه وما الواجب فيه ولهذا لا يجوز الاستيفاء في العمد قبل الاندمال فكذا في الخطأ "ولا" تجب "دية سن ولا ظفر ولا منفعة حتى ييأس من عودها" لأنه مما يحتمل العود فلا يجب شيء مع الاحتمال كالشعر وإنما يعرف ذلك بقول عدلين من أهل الخبرة أنها لا فإذا أبدا لكن إن مات قبله وجبت "ولو قلع سن كبير أو ظفر ثم نبتت أورده فالتحم" لم تجب دية نص عليه في السن في رواية جعفر بن محمد و هو قول أبي بكر و الظفر في معناه و قال القاضي تجب ديتها و على الأول فيها حكومة إن نقصت أو ضعفت وإن قلعها بعد ذلك وجبت ديتها و على الثاني نبني حكمها على وجوب قلعها فإذا قبل به فلا شيء على قالعها وإن قلنا بعدمه فاحتمالان فإن جعل مكانها سنا أخرى أو عظما فنبت و جبت ديتها وجها واحدا كما لو لم يجعل مكانها شيئا وإن قلعت الثانية
أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ، ثم عاد سقطت ديته . وإن كان قد أخذها ردها ، وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فعليه أرش نقصه ، وإن قلع سن صغير ويئس من عودها وجبت ديتها ، وقال القاضي : فيها حكومة ، وعنه : في قلع الظفر إذا نبت على صفته ففيه خمسة دنانير ، وإن نبت أسود ففيه عشرة ، وإن مات المجني عليه وادعى الجاني عود ما أذهبه ، فأنكره الولي ، فالقول قول الولي ، وإن جنى على سنه اثنان واختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل واحد منهما.
ـــــــ
فحكومة في الأشهر "أو ذهب سمعه أو بصره أو شمه أو ذوقه أو عقله ثم عاد سقطت ديته" لزوال سببها "وإن كان قد أخذها ردها" لأنه تبينا أنه أخذها بغير حق "وإن عاد ناقصا أو عادت السن أو الظفر قصيرا أو متغيرا فعليه أرش نقصه" خاصة نص عليه لأنه نقص حصل بجنايته كما لو نقصه مع بقائه "وإن قلع سن صغير ويئس من عودها" و حد الإياس سنة نص عليه لأنه هو الغالب في نباتها و قال القاضي إذا سقطت أخواتها ولم تنبت "و جبت ديتها" لأنه أذهبها بجنايته إذهابا مستمرا كسن الكبير "و قال القاضي فيها حكومة" لأن العادة عودها فلم تكمل ديتها كالشعر والصحيح الأول لأن الشعر لو لم يعد وجب ديته مع أن العادة عوده "وعنه في قلع الظفر إذا نبت على صفته ففيه خمسه دنانير وإن نبت أسود ففيه عشرة" إذ التقديرات بابها التوقيف و لا نعلم فيه توقيفا و القياس أنه لا شيء فيه إذا عاد على صفته وإن نبت متغيرا ففيه حكومة لأن القياس يقتضيها في كل الجروح خولف ذلك فيما ورد الشرع بتقديره فيبقى ما عداه على مقتضى القياس "وإن مات المجني عليه و ادعى الجاني عود ما أذهبه" في نقص سمعه و بصره "فأنكره الولي فالقول قول الولي" لأن الأصل عدم العود "وإن جنى على سنه اثنان و اختلفا فالقول قول المجني عليه في قدر ما أتلف كل و احد منهما" لأن ذلك لا يعرف إلا من جهته أشبه ما لو ادعى نقص سمعه.
فصل
وفي كل واحد من الشعور الأربعة الدية وهي شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين وفي كل حاجب نصفها وفي كل هدب ربعها وفي بعض ذلك بقسطه من الدية وإنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود فإن عاد سقطت الدية وإذا أبقى من لحيته مالا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه واحتمل أن يلزمه كمال الدية.
ـــــــ
فصل
"و في كل و احد من الشعور الأربعة الدية و هي شعر الرأس و اللحية و الحاجبين وأهداب العينين" نص عليه وري عن علي و زيد أنهما قالا في الشعر الدية رواه سعيد بإسنادين ضعيفين و عنه فيه حكومة كالشارب و قاله أكثرهم لأنه إتلاف جمال من غير منفعة كاليد الشلاء والعين القائمة و جوابه أنه أذهب الجمال على الكمال فوجب فيه دية كأذن الأصم و أنف الأخشم و الحاجب يرد العرق عن العين و يفرقه و هدب العين يرد عنها ويصونها فجرى مجرى أجفانها واليد الشلاء ليس جمالها كاملا و ظاهره لا فرق فيها بين كونها كثيفة أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير لأن سائر ما فيه الدية من الأعضاء لا يفرق الحال فيه بذلك ذكره في "الشرح".
"و في كل حاجب نصفها" كاليدين "وفي كل هدب ربعها" كالأجفان ونقل حنبل كل شيء من الإنسان فيه أربعه ففي كل واحد ربع الدية و طرده القاضي في جلدة وجه "و في بعض ذلك بقسطه من الدية" يقدر بالمساحة كالأذنين و مارن الأنف و ذكر أبو الخطاب احتمالا تجب حكومة "و إنما تجب ديته إذا أزاله على وجه لا يعود" لأن احتمال العود يمنع من الوجوب كالسن الصغير "فإن عاد" بصفته "سقطت الدية" نص عليه كالسن "و إذا أبقى من لحيته" أو من غيرها من الشعور "ما لا جمال فيه احتمل أن يلزمه بقسطه" جزم به في "الوجيز" كما لو أبقى من أذنه يسيرا "واحتمل أن يلزمه كمال الدية" قدمه في "الرعاية" و "الفروع" لأنه
وإن قلع الجفن بهدبه ، لم تجب إلا دية الجفن ، وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان ، فعليه ديتهما ودية الأسنان . وإن قطع كفا بأصابعه ، لم تجب إلا دية الأصابع . وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع ، دخل ما حاذى الأصابع في ديتها ، وعليه أرش باقي الكف .
ـــــــ
أذهب المقصود أشبه ما لو أذهب ضوء العين و لأن جنايته ربما أحوجت إلى ذهاب الباقي لزيادة في القبح على ذهاب الكل فتكون جنايته سببا لذهاب الكل و قيل تجب حكومة لأنه لا مقدر فيها و علم منه أنه لا قصاص في شيء من الشعور لأن إتلافها إنما يكون بالجناية على محلها وهو غير معلوم المقدار و لا يمكن المساواة فيها فلا تجب "وإن قلع الجفن بهدبه لم تجب إلا دية الجفن" لأن الشعور تزول تبعا كالأصابع إذا قطع الكف وهي عليه "وإن قلع اللحيين بما عليهما من الأسنان فعليه ديتهما ودية الأسنان" أي عليه دية الكل ولم تدخل دية الأسنان في اللحيين كما تدخل دية الأصابع في اليد لوجوه: أولها: أن الأسنان ليست متصلة باللحيين وإنما هي مفردة فيها بخلاف الأصابع.
ثانيها أن أحدهما ينفرد باسمه عن الآخر بخلاف الأصابع.
ثالثها أن اللحيين يوجدان منفردين عن الأسنان لوجودهما قبل وجود الأسنان ويبقيان بعد قلعها بخلاف الكف مع الأصابع.
"وإن قطع كفا بأصابعه لم تجب إلا دية الأصابع" لدخول الجميع في مسمى اليد وكما لو قطع ذكرا بحشفته لم تجب دية الحشفة لدخولها في مسمى الذكر وظاهره يقتضي سقوط ما يجب في مقابلة الكف وهو غير مراد والأولى أن نقول لم تجب إلا دية اليد "وإن قطع كفا عليه بعض الأصابع دخل ما حاذى الأصابع في ديتها" لأن حصول الكل في اليد يقتضي دخول البعض "وعليه أرش باقي الكف" لأن الأصابع لو كانت سالمة كلها لدخل أرش الكف كله في دية الأصابع وكذا ما حاذى الأصابع السالمة يدخل في ديتها وما حاذى المقطوعات ليس بداخل في ديته فوجب أرشه كما لو كانت الأصابع كلها مقطوعة وذكر ابن أبي موسى يلزمه دية اليد كاملة ينقص منها دية الأصابع المعدومة
وإن قطع أنملة بظفرها فليس عليه إلا ديتها
فصل
وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه ، وإن قلع الأعور عين الصحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا ، فعليه دية كاملة ، ولا قصاص .
ـــــــ
"وإن قطع أنملة بظهرها فليس عليه إلا ديتها" كما لو قطع كفا بأصابعه
فرع : إذا قطع كفا بلا أصابع وذراعا بلا كف فثلث ديته قال أحمد كعين قائمة وعنه حكومة ذكرهما في "المنتخب" وغيره وكذا العضد ومفصل الرجل
فصل
"وفي عين الأعور دية كاملة نص عليه" وهو قول الزهري والليث وجماعة وقيل فيها نصف الدية وقاله الأكثر لقوله عليه السلام "وفي العين خمسون من الإبل وفي العينين الدية" يقتضي أنه لا يجب فيها أكثر من ذلك لأن ما ضمن بنصف الدية مع نظيره ضمن مع ذهابه كالأذن وجوابه أن عمر وعثمان وعليا وابن عمر قضوا في عين الأعور بالدية ولم يعلم لهم مخالف في الصحابة روى ذلك أحمد و أخذ به ذكره بن الزاغوني و لأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين من رؤية الأشياء البعيدة و إدراك الأشياء اللطيفة و يجوز أن يكون قاضيا ويجزئ في الكفارة و ككمال قيمه صيد الحرم الأعور لا يقال ينبغي أن لا يجب في ذهاب أحد العينين نصف الدية لعدم نقصانه لأنه لا يلزم من و جوب شيء في دية العينين نقص دية الباقي بدليل ما لو عليهما فعمشا فإنه يجب أرش النقص و لا تنقص ديتها بذلك فإن قلعها صحيح عمدا فله قلع نظيرتها منه وأخذ نصف الدية في المنصوص و قيل لا شيء له مع القلع و في "الروضة" إن قلعها خطأ فنصف الدية "وإن قلع الأعور عين صحيح مماثلة لعينه الصحيحة عمدا فعليه دية كاملة و لا قصاص" قاله ابن المسيب و عطاء نقل مهنا عمر و عثمان و علي قالوا الأعور إذا
ويحتمل أن تقلع عينه ويعطى نصف الدية وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية وفي يد الأقطع نصف الدية وكذلك في رجله.
ـــــــ
فقئت عينه له دية كاملة و لا يقتص منه إذا فقأ عين صحيح ولا أعلم أحدا قال بخلافة إلا إبراهيم و لأنه منعناه من إتلاف ضوء يضمن بدية كاملة و كما لو قلع عيني سليم ثم عمى و لأنه منع القصاص مع وجود سببه فأضعفت الدية كقاتل الذمي عمدا "و يحتمل أن تقلع عينه" لأثر في ذلك و كقتل الرجل بامرأة "و" الأشهر "يعطي نصف الدية" لما روي أن عليا قضى في رجل قتل امرأته يقتل بها و يعطى نصف الدية و خرجه في "التعليق" و "الانتصار" من قتل رجل بامرأة "وإن قلعها خطأ فعليه نصف الدية" لأن الأصل يجب في إحداهما نصف الدية ترك العمل به فيما تقدم لقضاء الصحابة فيبقى ما عداه على مقتضى الدليل كما لو قلع الأعور عينا لا تماثل عينه الصحيحة.
"وإن قلع عيني صحيح عمدا خير بين قلع عينه ولا شيء له غيرها وبين الدية" هذا هو المجزوم به لأن هذا مبني على قضاء الصحابة لأنه أذهب بصره كله فلم يكن له أكثر من إذهاب بصره وإن عين الأعور تقوم مقام العينين وذهب جماعة من العلماء إلى أن له القصاص ونصف الدية وذكر القاضي قياس المذهب وجوب ديتين إحداهما في العين التي استحق بها قلع عين الأعور والأخرى في الأخرى عين الأعور وجوابه قوله عليه السلام و "في العينين الدية" كما لو كان القالع صحيحا و ظاهره أنه إذا فعل ذلك خطأ فليس عليه إلا الدية كما لو قلعهما صحيح العينين.
"وفي يد الأقطع نصف الدية و كذلك في رجله" إذا أزيلت عمدا لأن فيهما دية واحدة ففي كل واحد منهما نصفها كما لو قلع أذن من له أذن واحدة لأن هذا أحد العضوين اللذين تحصل يهما منفعة الجنس لا يقوم مقام العضوين و كسائر الأعضاء و علم منه أنه إذا أختار القود فله ذلك لأنه عضو أمكن القود في مثله فكان الواجب فيه القصاص .
وعنه: فيها دية كاملة.
ـــــــ
"وعنه: فيها دية كاملة" قياسا على عين الأعور و عنه إن ذهبت الأولى هدرا ففي الثانية دية كاملة و إلا فنصفها لأنه عطل منافعه من العضوين جملة أشبه ما لو قلع عين أعور وفي "الروضة" إن ذهبت بحد فنصف الدية وإن كانت ذهبت بجهاد فروايتان و الأولى أصح لأنه لا يصح القياس على عين الأعور لأنه يحصل بها ما يحصل بالعينين ولم يختلفا في الحقيقة و الأحكام إلا اختلافا يسيرا بخلاف أقطع اليد والرجل و لأن التقدير لا يصار إليه إلابتوقيف ولم يوجد هنا فلو قطع يد صحيح قطعت يده.
انتهى بحمد الله تعالى المجلد الثامن ويليه بعونه تعالى المجلد التاسع
المجلد التاسع
تابع لكتاب الديات
باب الشجاج وكسر العظام
باب الشجاج وكسر العظام
الشجة: اسم لجرح الرأس والوجه خاصة وهي عشر خمس لا مقدر فيها أولها الحارصة التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولاتدميه ثم البازلة التي يسيل منها الدم ثم الباضعة التي تبضع اللحم ثم المتلاحمة التي أخذت في اللحم ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب
__________
باب الشجاج وكسر العظام
"الشجة": واحدة الشجاج قاله الجوهري وهي: "اسم لجرح الرأس والوجه خاصة" وقد يستعمل في غير ذلك من الأعضاء قاله ابن أبي الفتح
"وهي عشر خمس لا مقدر فيها" لأن التقدير من الشرع ولم يرد فيها
"أولها الحارصة" بالحاء والصاد المهملتين "التي تحرص الجلد أي تشقه قليلا ولا تدميه" ومنه حرص القصار الثوب إذا شقه قليلا وهي القاشرة والمقشرة قال ابن هبيرة تبعا للقاضي وتسمى الملطا "ثم البازلة" وهي "التي يسيل منها الدم" وتسمى الدامية والدامعة لقلة سيلان دمها تشبيها له بخروج الدمع من العين وقدم في الرعاية أن البازلة ما سلا دمها لأنها تنضح اللحم وتقطع فيه عروقا وقيل هي التي تدمي ولا تشق اللحم "ثم الباضعة" وقدمها السامري وابن هبيرة على البازلة وهي التي تبضع اللحم أي تشق اللحم بعد الجلد وقيل ولم يسل دمها ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم أي دخلت فيه دخولا كثيرا تزيد على الباضعة "ثم السمحاق التي بينها وبين العظم قشرة رقيقة" فوق العظم تسمى تلك القشرة سمحاقا فسميت الجراح الواصلة إليها بها ويسميها أهل المدينة الملطا والملطاة "فهذه الخمس فيها حكومة في ظاهر المذهب" وهي قول أكثر الفقهاء وذكر ابن هبيرة أنها المنصورة عند الأصحاب لأنها جراحات لم يرد فيها توقيت من الشرع أشبه جراحات البدن وكالحارصة وذكر القاضي أنه متى أمكن اعتبار هذه الجراحات من
وعنه: في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة
فصل
وخمس فيها مقدر أولها: الموضحة التي توضح العظم أي تبرزه وفيها خمسة أبعرة
__________
الموضحة مثل أن يكون في رأس المجني عليه موضحة إلى جانبها قدرت هذه الجراحات منها فإن كانت تقدر النصف وجب نصف أرش الموضحة إلا أن تزيد الحكومة على قدر ذلك لأن هذا اللحم فيه مقدر فكان في بعضه بقدره من ديته كالمارن والحشفة ورده المؤلف وقال لا نعلمه مذهبا لأحمد ولا يقتضيه مذهبه ولا يصح لأن هذه جراحة تجب فيها الحكومة لجراحة البدن ولا يصح قياس هذا على ما ذكروه فإنه لا تجب فيه الحكومة ولا نعلم لما ذكروه نظيرا "وعنه في البازلة بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاثة وفي السمحاق أربعة" رواه سعيد عن زيد وهذه نقلها أبو طالب عنه وقال أنا أذهب إلى قول زيد واختاره أبو بكر في التنبيه وقد اعتمد أصحابنا على قول زيد في تقدير أرش الهاشمة بعشر من الإبل ولم يعتمدوا عليه هنا
فصل
"وخمس فيها مقدر" من الشرع فوجب المصير إليه "أولها الموضحة" والجمع المواضح "التي توضح العظم أي تبرزه" ولو بقدر إبرة ذكره ابن القاسم والقاضي والوضح البياض يعني أنها أبدت وضح العظم أي بياضه "وفيها خمسة أبعرة" أي أجمعوا على أن أرشها مقدر قاله ابن المنذر وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم "وفي الموضحة خمس من الإبل" رواه الشافعي والنسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال "وفي المواضح خمس من الإبل" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والعمل على هذا عند أهل العلم وقال
وعنه: في موضحة الوجه عشرة والأول المذهب فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة فإن خرق ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا موضحة واحدة وإن خرقه المجني عليه أو أجنبي فهي ثلاثة مواضح
__________
غيره إسناده ثقات
وقد تقدم موضحة المرأة والعبد وظاهره أن موضحة الرأس والوجه سواء وهو كذلك في ظاهر المذهب للعموم ويشمل الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستترة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع "وعنه: في موضحة الوجه عشرة" من الإبل وهي قول سعيد بن المسيب لأنها شينها أكثر وموضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة "والأول المذهب" لأنه قول أبي بكر وعمر ولأن موضحة الوجه موضحة فكان أرشها خمسة أبعرة كغيرها وكثرة الستر لا عبرة به بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة وعلم مما سبق أنه لا شيء مقدر في موضحة غير الوجه والرأس وهو قول الأكثر لأن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الموضحة في الوجه والرأس سواء لأن الشين فيهما أكثر وأخطر فلا يلحق بهما غيرهما
"فإن عمت الرأس ونزلت إلى الوجه فهل هي موضحة أو موضحتان على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر أحدهما واحدة قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في الرأس ونزل إلى القفا وأطلق في المغني والكافي إذا كان بعضها في الرأس وبعضها في الوجه وإن لم تعم الرأس فيها الوجهان وهو الذي يقتضيه الدليل "وإن أوضحه موضحتين بينهما حاجز فعليه عشرة" من إبل لأنهما موضحتان "فإن خرق ما بينهما" صارا موضحة واحدة كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما "أو ذهب بالسراية" قبل الاندمال "صارا موضحة واحدة" لأن سراية الجناية لها حكم أصل الجناية بدليل ما لو أتلف ما بينهما بنفسه
"وإن خرقه المجني عليه" أي المجروح "أو أجنبي فهي ثلاث مواضح" لأنه