كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان
الدين
يلزم الإمام أن يأخذهم بأحكام المسلمين في ضمان النفس والمال والعرض وإقامة الحدود عليهم فيما دون ما يعتقدون حله ويلزمهم التميز عن المسلمين في شعورهم بحذف مقادم رؤوسهم وترك الفراق وكناهم فلا يتكنون بكنى المسلمين كأبي القاسم وأبي عبد الله
ـــــــ
"يلزم الإمام أن يأخذهم بأحكام المسلمين في ضمان النفس" فلو قتل أو قطع طرفا أخذ به كالمسلم "والمال" فلو أتلف مالا لغيره ضمنه "والعرض" وسيأتي لأن الإسلام نسخ كل حكم يخالفه "و" يلزمه "إقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه" كالسرقة والقذف، لما في الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل وامرأة من اليهود زنيا فرجمهما.
ولأنه محرم في دينهم وقد التزموا حكم الإسلام فثبت في حقهم كالمسلم وعنه إن شاء لم يقم حد زنى بعضهم من بعض اختاره ابن حامد ومثله قطع سرقة بعضهم من بعض.
"دون ما يعتقدون حله" كشرب الخمر وأكل الخنزير ونكاح ذوات المحارم للمجوس لأنهم يقرون عليه لأنه يقال أقرهم على ذلك بإعطاء الجزية ولأنهم يقرون على كفرهم وهو أعظم إثما من ذلك فلأن يقروا على ما ذكرنا بالطريق الأولى إلا أنهم يمنعون من إظهاره بين المسلمين لأنهم يتأذون به.
"ويلزمهم التميز عن المسلمين" في أمور منها: "في شعورهم بحذف مقادم رؤوسهم وترك الفراق" أي: يحلقون مقادم رؤوسهم ولا يفرقون شعر الرأس فرقتين كما يفعله الأشراف "وكناهم فلا يتكنون بكنى المسلمين كأبي القاسم"، فإنها كنية النبي صلى الله عليه وسلم، "وأبي عبد الله"، فإنها كنية كثير من علماء المسلمين وأئمتهم وكذا ما في معناهما كأبي بكر وأبي الحسن مما هو في الغالب في المسلمين ودل على أنهم لا يمنعون من التكني مطلقا قال أحمد لطبيب نصراني يا أبا إسحاق واحتج بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل عمر ونقل أبو طالب لا بأس به لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسقف نجران: "يا أبا الحارث أسلم تسلم" وعمر قال: يا أبا حسان. وفي "الفروع": يتوجه احتمال يجوز للمصلحة.
وركوبهم بترك الركوب على السروج وركوبهم عرضا على الأكف ولباسهم فيلبسون ثوبا يخالف ثيابهم كالعسلي والأدكن وشد الخرق في قلانسهم وعمائمهم ويؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم ويجعل في رقابهم خواتيم الرصاص أو جلجل يدخل معهم الحمام
ـــــــ
وقاله بعض العلماء ويحمل ما روي عليه.
فرع: يمنعون من اللقب كعز الدين ونحوه قاله الشيخ تقي الدين.
"وركوبهم" فلا يركبون الخيل لأنها عز وهي من آله الحرب و أفضل المراكب ولهم ركوب غيرها. "بترك الركوب على السروج" وظاهره: ولو على حمار "وركوبهم عرضا" رجلاه إلى جانب وظهره إلى آخر "على الأكف" جمع إكاف وهي البرادع لما روى الخلال أن عمر أمرهم بذلك وظاهره قربت المسافة أو بعدت "لباسهم فيلبسون ثوبا يخالف" سائر "ثيابهم كالعسلي" لليهود "والأدكن" هو لباس يضرب لونه إلى السواد كالفاختي للنصارى "وشد الخرق في قلانسهم وعمائمهم" وتكون الخرقة مخالفة لهما ليتميز مع الثوب المخالف.
"ويؤمر النصارى بشد الزنار فوق ثيابهم"، لأنهم إذا شدوه من داخل لم ير فلم يكن له فائدة لكن المرأة تشده فوق ثيابها تحت الإزار لأنه لو شد فوقه لم يثبت وغيارها في الخفين باختلاف لونهما فإن أبوا الغيار لم يجبروا ونغيره نحن.
"ويجعل في رقابهم خواتيم الرصاص أو جلجل" وهو الجرس الصغير "يدخل معهم الحمام"، ليحصل الفرق وظاهره جواز دخولها الحمام مع المسلمات وسيأتي.
واقتضى ذلك أن لهم لبس الطيالسة وهو المذهب لأنهم لا يمنعون من فاخر الثياب والتمييز حصل بالغيار والزنار وعنه المنع اختاره أبو الخطاب لأن المقصود ليس ما فيه الذلة والانكسار لا ضده.
أصل: يلزم تمييز قبورهم المسلمين تمييزا ظاهرا كالحياة و أولى ذكره الشيخ تقي
ولا يجوز تصديرهم في المجالس ولا بداءتهم بالسلام وإن سلم أحدهم قيل له وعليكم وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان
ـــــــ
الدين.
"ولا يجوز تصديرهم في المجالس" لأن فيه تعظيما لهم وفي معناه القيام لهم "ولا بداءتهم بالسلام"، لما روى أبو هريرة مرفوعا: "لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها" متفق عليه. وقد عزاه في "الشرحين" إلى الترمذي فقط وفي الحاجة احتمال ومثله كيف أنت أو كيف أصبحت أو كيف حالك نص عليه وجوزه الشيخ تقي الدين ويتوجه بالنية كما قال له إبراهيم الحربي نقول له أكرمك الله قال نعم يعني بالإسلام فإن سلم ثم علم أنه ذمي استحب قوله له رد علي سلامي.
"وإن سلم أحدهم قيل له وعليكم"، لما روى أنس مرفوعا: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم" متفق عليه ولأحمد بغير واو وهو مخير بين إثباتها وحذفها واختلف الأصحاب في الأولى.
وعند الشيخ تقي الدين ترد تحيته وأنه يجوز أهلا وسهلا فإن عطس لم يشمته وقال القاضي يكره وهو ظاهر كلام أحمد وابن عقيل فإن شمته كافر أجابه.
"وفي" جواز "تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم روايتان" كذا في "المحرر"، والأشهر وجزم به في "الوجيز"، وقدمه في "الفروع": أنه يحرم لأن ذلك يحصل الموالاة وتثبت المودة وهو منهي عنه للنص ولما فيه من التعظيم.
والثانية: الجواز لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا وعرض عليه الإسلام فأسلم فخرج وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار" رواه البخاري. ولأنه من مكارم الأخلاق.
والثالثة: يجوز لمصلحة راجحة كرجاء إسلامه اختاره الشيخ تقي الدين.
ويمنعون تعلية البنيان على المسلمين وفي مساواتهم وجهان وإن ملكوا دارا عالية من مسلم لم يجب نقضها
ـــــــ
ومعناه اختيار الآجرى وأنه قول العلماء يعاد ويعرض عليه الإسلام وعلى الجواز يدعى له بالبقاء وكثرة المال والولد زاد جماعة قاصدا كثرة الجزية لأنه لا يجوز أن يقصد تكثير أعداء المسلمين.
فائدة: كره أحمد الدعاء لكل أحد بالبقاء ونحوه لأنه شيء فرغ منه واختاره الشيخ تقي الدين ويستعمله ابن عقيل وغيره وذكره بعض أصحابنا هنا وقد صح أنه عليه السلام دعا لأنس بطول العمر وقد روى أحمد وغيره من حديث ثوبان: "لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر" إسناده ثقات.
"ويمنعون تعلية البنيان على المسلمين"، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه ولأن فيه ترفعا عليهم فمنعوا منه كالتصدير في المجالس والمنع منه إنما هو على المجاور له لأن الضرر يلحق به سواء لاصقه أو لا وظاهره ولو رضي الجار لأنه حق لله تعالى زاد ابن الزاغوني يدوم على دوام الأوقات ورضاه يسقط حق من يأتي بعده قال الشيخ تقي الدين ولو كان البناء لمسلم وذمي لأن ما لا يتم اجتناب المحرم إلا باجتنابه محرم فلو كانت داره في طرف البلد حيث لا جار أو كان لهم محلة مفردة فلا معنى للمطاولة ولا يمنع من التعلية قاله في "البلغة" وغيرها.
"وفي مساواتهم وجهان"، كذا في "المحرر" و"الفروع":
أحدهما: يجوز جزم به في "الوجيز"، لأنه لا يفضي إلى علو الكفر ولا إلى اطلاعهم إلى عوراتنا.
والثاني: المنع لأنه لا يجوز مس أو اتهم للمسلمين في اللباس فكذا في البنيان.
"وإن ملكوا دارا عالية من مسلم" بشراء أو غيره "لم يجب نقضها" لأنهم ملكوها بهذه الصفة ولم يعل شيئا وفيه وجه لقوله: "ولا يطلع عليهم في منازلهم". وظاهره أنها إذا ملكت من كافر أنه يجب نقضها لما ذكرنا فلو كان للذمي دار عالية فملك المسلم دارا إلى جانبها أو بنى المسلم إلى جنب داره دارا دونها لم
ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ولا يمنعون رم شعثها
ـــــــ
يلزمه هدمها في الأصح.
فرع: إذا انهدمت العالية لم تعد عالية جزم به في "الوجيز"، زاد في "المحرر" و"الفروع": إلا إذا قلنا تعاد البيعة لأنه ليس بإحداث والمنهدم منها ظلما كهدمه بنفسه ذكره القاضي وقيل تعاد واختاره المجد قال في "الفروع": وهو أولى فلو سقط هذا البناء الذي تجب إزالته على شيء أتلفه فيتوجه الضمان وأنه مقتضى ما ذكروه.
"ويمنعون من إحداث الكنائس" واحدها كنيسة وهى معبد النصارى "والبيع" قال الجوهري: هي للنصارى فهما حينئذ يترادفان وقيل الكنائس لليهود والبيع للنصارى فهما متباينان وهو الأصل أي يمنعون من إحداثهما في دار الإسلام إجماعا لحديث عبد الرحمن بن غنم ولقول ابن عباس أيما مصر مصرته العرب فليس لهم أن يبنوا فيه بيعة رواه أحمد واحتج به زاد في "المحرر" و"الفروع": إلا فيما شرطوه فيما فتح صلحا على أنه لنا نص عليه لأنه فعل استحقوه بالشرط فجاز لهم فعله كسائر الشروط.
وبالجملة: فأمصار المسلمين ثلاثة:
أحدها: ما مصره المسلمون كالبصرة وبغداد وواسط فلا يجوز إحداث شيء من ذلك ولو صولحوا عليه.
الثاني: ما فتحه المسلمون عنوة فكذلك لأنها صارت للمسلمين وفي وجوب هدم الموجود وجهان والمجزوم به ثم الأكثر إقرارهم عليها وهما في "الترغيب": إن لم يقر به أحد بجزية وإلا لم تلزم.
الثالث: ما فتحوه صلحا وهو نوعان أحدها أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عنها فلهم إحداث ما شاءوا والثاني أن نصالحهم على أن الدار للمسلمين فالحكم فيها على ما يقع عليه الصلح.
"ولا يمنعون رم شعثها"، لأنهم يقرون على بقائها والمنع في ذلك يفضى إلى
وفي بناء ما استهدم منها روايتان ويمنعون إظهار المنكر وضرب الناقوس والجهر بكتابهم وإن صولحوا في بلادهم على إعطاء الجزية لم يمنعوا شيئا من ذلك ويمنعون دخول الحرم
ـــــــ
خرابها بالكلية، إذ البناء لا مقام له على الدوام فجرى مجرى هدمها أشبه تطيين أسطحتها. "وفي بناء ما استهدم منها روايتان": إحداهما المنع لأنه بناء كنيسة في دار الإسلام فمنعوا منه كابتداء بنائها والثانية تجوز لأنه كرم الشعث وقدم في "المحرر" جواز رم شعثها دون بنائها وهو ظاهر "الوجيز" و"الفروع". وعنه منعهما اختاره الأكثر قاله ابن هبيرة كمنع الزيادة قال الشيخ تقي الدين ولو في الكيفية لا أعلى ولا أوسع اتفاقا وقيل إن جاز بناؤها جاز بناء بيعه منهدمة ببلد فتحناه والمذهب أن الإمام إذا فتح بلدا فيه بيعه خراب لم يجز بناؤها لأنه إحداث لها في حكم الإسلام.
"ويمنعون" وجوبا "إظهار المنكر" كالخمر والخنزير فإن فعلوا أتلفناهما نص عليه وإظهار عيد وصليب ونكاح محرم "وضرب الناقوس" ونص أحمد أنهم لا يضربون بناقوس ومراده إظهاره لأن في الشروط أن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضربا خفيا في جوف كنائسنا. "والجهر بكتابهم" أي: بالتوراة والإنجيل وظاهرة ولو في الكنائس وكذا رفع أصواتهم على موتاهم وقال الشيخ تقي الدين ومثله إظهار أكل في رمضان لما فيه من المفاسد وظهر أنه ليس لهم إظهار شيء من شعائر دينهم في دار الإسلام لا وقت الاستسقاء ولا لقاء الملوك ذلك وقاله الشيخ تقي الدين.
"وإن صولحوا في بلادهم على إعطاء" الجزية أو "الخراج لم يمنعوا شيئا من ذلك"، لأن بلدهم ليس ببلد إسلام لعدم ملك المسلمين فلا يمنعون من إظهار دينهم فيه كمنازلهم بخلاف أهل الذمة فإنهم في دار الإسلام فمنعوا منه. "ويمنعون دخول الحرم" نص عليه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] والمراد: حرم مكة بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} يريد: ضررا بتأخير الجلب عن
فإن قدم رسول لا بد له من لقاء الإمام خرج إليه ولم يأذن له فإن دخل عزر وهدد فإن مرض بالحرم أو مات أخرج وإن دفن نبش إلا أن يكون قد بلي ويمنعون من الإقامة بالحجاز كالمدينة.
ـــــــ
الحرم، دون المسجد يؤيده قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأسراء: 1] أي: من الحرم لأنه أسري به من بيت أم هانئ لا من نفس المسجد وإنما منع منه دون الحجاز لأنه أفضل أماكن العبادات للمسلمين وأعظمها لأنه محل النسك فوجب أن يمتنع منه من لا يؤمن به وظاهرة مطلقا أي سواء أذن له أو لا لإقامة أو غيرها وقيل يجوز لضرورة وقيل لهم دخوله أو ما إليه في رواية الأثرم كحرم المدينة في الأشهر قال في "الفروع": ويتوجه احتمال يمنع من المسجد الحرام لا الحرم لظاهر الآية وعلى الأول إذا أراد دخوله ليسلم فيه أو لتجارة معه لبيعها منع منه.
"فإن قدم رسول لا بد له من لقاء الإمام خرج إليه"، لأن الكافر ممنوع من دخول الحرم فتعين ذلك لأجل الاجتماع "ولم يأذن له في دخوله"، لأن الإمام ليس له أن يأذن في الممنوع منه وإن لم يكن بد من لقائه بعث إليه من يسمع كلامه، "فان دخل عزر" لهتكه الحرم بدخوله ومحله ما إذا كان عالما بالمنع فان كان جاهلا، "وهدد" وأخرج. "فان مرض بالحرم أو مات أخرج"، لأنه لم يجز إقراره في حياته ففي مرضه ومماته أولى لأن حرمة الحرم أعظم منه "وإن دفن نبش"، لأنه وسيلة إلى إخراج الميت الكافر من الحرم أشبه ما لو لم يدفن، "إلا أن يكون قد بلي"، لأنه مع ذلك يتعذر نقله لأن جيفته حصلت بأرض الحجاز فترك للمشقة ولم يستثن في "الترغيب".
فرع: إذا صالحهم الإمام بعوض على الدخول إليه لم يصح فإن استوفاه أو بعضه ملكه وقيل يرده عليهم لأن ما استوفوه لا قيمة له والعقد لم يوجب العوض لبطلانه.
"ويمنعون من الإقامة بالحجاز" قيل: هو ما بين اليمامة والعروض وبين اليمن ونجد وسمي به لأنه حجز بين تهامة ونجد "كالمدينة" وقيل: نصفها تهامي ونصفها
واليمامة وخيبر فإن دخلوا لتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر من أربعة أيام وإن مرض لم يخرج حتى يبرأ وإن مات دفن به لا يمنعون من تيماء وفيد ونحوهما وهل لهم دخول المساجد بإذن مسلم على روايتين
ـــــــ
حجازي "واليمامة" وسمي العروض وكان اسمها حجرا فسميت اليمامة باسم امرأة وقال ابن الأثير اليمامة الصقع المعروف شرقي الحجاز وهذا يقتضي أن لا يكون من الحجاز وفيه تكلف "وخيبر" شرقي المدينة لما روى أبو عبيدة بن الجراح أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أخرجوا اليهود من الحجاز" رواه أحمد قال عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلما" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح والمراد الحجاز بدليل أنه ليس أحد من الخلفاء أخرج أحدا من اليمن وتيماء قال أحمد جزيرة العرب المدينة وما والاها وكذا الينبع وفدك ومخاليفها معروف باليمن تسمى بها القرى المجتمعة كالرستاق في غيرها وقال الشيخ تقي الدين تبوك ونحوها وما دون المنحنى وهو عقبة الصوان من الشام كمعان ولهم دخوله والأصح بإذن إمام لتجارة.
"فإن دخلوا لتجارة لم يقيموا في موضع واحد أكثر من أربعة أيام" قاله القاضي لأن الزائد على الأربعة حد يتم به المسافر فصار كالمقيم والمذهب أنهم لا يقيمون فوق ثلاثة أيام لأن عمر أذن لمن دخل تاجرا إقامة ثلاثة أيام فدل على المنع في الزائد فإن كان له دين حال أجبر غريمه على وفائه فإن تعذر جازت الإقامة لذلك فإن كان مؤجلا، لم يمكن ويوكل.
"وإن مرض، لم يخرج حتى يبرأ"، لأن على المريض فهو يقيم ضرورة وان مات دفن به لأنه موضع حاجة وفيه وجه كالحرم.
"ولا يمنعون من تيماء وفيد" بفتح الفاء وياء مثناة بعدها دال وهى من بلاد طيء "ونحوهما"، لما مر أن أحدا من الخلفاء لم يخرج أحدا من ذلك.
"وهل لهم دخول المساجد" أي: مساجد الحل "بإذن مسلم؟ على روايتين":
فصل
وإن اتجر ذمي بلده ثم عاد فعليه نصف العشر
ـــــــ
إحداهما وهى المذهب المنع لأن عليا بصر بمجوسى وهو على المنبر في المسجد فنزل وضربه وأخرجه وهو قول عمر ولأن حدث الجنابة والحيض يمنع فالشرك أولى والثانية يجوز بإذن مسلم صححها في "الكافي" و"الشرح"، وجزم به في "الوجيز"، لما روى أحمد بإسناد جيد عن الحسن عن عثمان بن أبى العاص أن وفد ثقيف قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلهم المسجد قبل إسلامهم ليكون أرق لقلوبهم وكاستئجاره لبنائه ولا سيما لمصلحة وظاهر كلام القاضي يجوز ليسمعوا الذكر فترق قلوبهم ويرجى إسلامهم وقال أبو المعالي إن شرط المنع في عقد ذمتهم منعوا وإن كان جنبا فوجهان فلو قصدوها بأكل ونوم منعوا ذكره في "الأحكام السلطانية". وقد روى ما يدل على التفرقة بين الكتابي وغيره.
تذنيب: يجوز عمارة كل مسجد وكسوته وإشعاله بمال كل كافر وأن يبنيه بيده ذكره في "الرعاية" وغيرها، وهو ظاهر كلامهم في وقفه عليه ووصيته له فتكون على هذا العمارة في الآية دخوله وجلوسه فيه يدل عليه خبر أبي سعيد مرفوعا: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان"، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية [التوبة: 18] رواه أحمد وغيره وفي "الفنون": واردة على سبب وهي عمارة المسجد الحرام فظاهره المنع فيه فقط لشرفه وذكر ابن الجوزي في "تفسيره" أنه يمنع من بنائه وإصلاحه ولم يخص مسجدا بل أطلق وقاله طائفة من العلماء.
فصل
"وإن اتجر ذمي إلى غيره بلده" لبيع أو شراء "ثم عاد، فعليه" في تجارته "نصف العشر" على المذهب لما روى أنس قال أمرني عمر أن آخذ من ا لمسلم ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر رواه أحمد وروى أبو عبيد أن عمر بعث عثمان بن حنيف إلى الكوفة فجعل على أهل الذمة في أموالهم التي يختلفون فيها في كل
وإن اتجر حربي إلينا أخذ منه العشر ولا يؤخذ من أقل من عشرة دنانير
ـــــــ
عشرين درهما, درهما وهذا كان بالعراق واشتهر وعمل به ولم ينكر فكان كالإجماع وعنه يلزمهم العشر جزم به في "الواضع" وظاهره ولو كانت امرأة وهو أحد الوجهين قدمه في "المحرر"، لأنه حق واجب فاستويا فيه كالزكاة وقال القاضي لا عشر عليها لأنها محقونة الدم لها المقام في دار الإسلام بغير جزية فلم يعشر تجارتها كالمسلم إلا أن تكون تجارتها بالحجاز فتعشر كالرجل ورده المؤلف بأن هذا لا يعرف عن أحمد ولا يقتضيه مذهبه وعنه يلزم التغلبي جزم به في "الترغيب"، وتؤخد منه ضعف ما تؤخذ من أهل الذمة وقدم في "المحرر": لا شيء عليه لأن نصف العشر وجب في أموالهم بالشرط فلا تؤخذ مرة أخرى كسائر أهل الذمة وظاهره أنه لا شيء عليه في غير مال التجارة فلو مر بالعاشر منهم منتقل معه أمواله وسائمته فلا شيء عليه نص إلا أن تكون الماشية للتجارة فتؤخذ منها.
"وإن اتجر حربي إلينا أخذ منه العشر"، لأن عمر أخذ من أهل الحرب العشر واشتهر ولم ينكر وعمل به الخلفاء بعده وقيل نصفه وكذا حكم المستأمن إذا اتجر إلى بلد الإسلام. "ولا يؤخذ منه أقل من عشرة دنانير" نص عليه وهو اختيار المعظم لأنه مال يجب فيه حق بالشرع فاعتبر له النصاب كزكاة الزرع ثم بين مقداره وهو عشرة لأن ذلك مال يبلغ واجبه نصف دينار فوجب كالعشر في حق المسلم وعنه نصابه عشرون دينارا لأن الزكاة لا تجب في أقل منها فلم يجب على الذمي شيء كاليسير وقيل يؤخذ منه وإن قل ونقل صالح العشرين الذمي والعشرة للحربي لأنه:
أولا: أقل مال له نصف عشر صحيح،
وثانيا: أقل مال له عشر صحيح فوجب أن لا ينقص عنهما كالجزية وقال أبو الحسين يعتبر للذمي عشرة وللحربي خمسة.
فرع: يمنع الدين أخذه كالزكاة إن ثبت ببينة وفي تصديقه بجارية مر بها
فصل في نقض العهد
وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية أو التزام
ـــــــ
فصل في نقض العهد"وإذا امتنع الذمي من بذل الجزية" أو الصغار قاله الشيخ تقي الدين "أو التزام
كتاب البيع
كتاب البيع
كتاب البيعـــــــ
كتاب البيع
والأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] أي: في مواسم الحج. قاله ابن عباس.
ومن السنة ما رواه رفاعة أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال: "يا معشر التجار!" فرفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال: "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من بر وصدق" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والمعنى يقتضيه لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه ولا يبذله بغير عوض غالبا ففي تجويز البيع طريق إلى وصول كل واحد منهما إلى غرضه ودفع حاجته.
وهو مصدر: باع يبيع بمعنى ملك وبمعنى اشترى وكذا شرى يكون للمعنيين وقال الزجاج وغيره باع وأباع بمعنى واشتقاقه من الباع في قول الأكثر منهم صاحب "المغني" و"الشرح"، لأن كل واحد يمد باعه للأخذ والإعطاء ورد بأنه مصدر وهي غير مشتقه على الصحيح فإن أجيب بالتزام مذهب الكوفي بأنه مشتق من الفعل رد بأنه الفعل الذي منه المصدر لا فعل مصدر آخر وبأن "الباع" عينه واو بخلاف "البيع" فإن عينه ياء وشرط الاشتقاق موافقة الأصل والفرع.
ويجاب عنه بأن هذا من الاشتقاق الأكبر الذي يلحظ فيه المعنى فقط مع أن بعض المحققين لم يشترطه لقوله تعالى: {قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168] من الاشتقاق الأكبر لأن قال من "القول" والقالين من "القلى" فالحروف لم
وهو مبادلة المال بالمال لغرض التملك وله صورتان إحداهما الإيجاب والقبول فيقول البائع بعتك أو ملكتك ونحوهما ويقول المشتري ابتعت أو قبلت وما في معناهما.
ـــــــ
تتفق والمعنى لم يتحد.
ومن جهة المعنى بالبيع في الذمة لانتفاء مد الباع فيه.
"وهو" في اللغة: أخذ شيء وإعطاء شيء قاله ابن هبيرة.
وهو في الشرع: "مبادلة المال بالمال لغرض التملك" فدخل فيه المعاطاة والقرض لأنه وإن قصد فيه التملك لكن المقصود الأعظم فيه الإرفاق ويخرج منه الإجارة وليس بمانع لدخول الربا.
وقال القاضي وابن الزاغوني: هو عبارة عن الإيجاب والقبول إذا تضمن عينين للتملك وأبدل السامري عينين بمالين ليحترز عما ليس بمال وليس بجامع لخروج بيع المعاطاة منه ولا مانع لدخول الربا فيه.
والأولى فيه: تمليك عين مالية أو منفعة مباحة على التأبيد بعوض مالي غير ربا ولا قرض.
ثم لبيع العين أقسام ولصحته ثلاثة أركان العاقد وصيغة العقد والمعقود عليه.
"وله صورتان" أي ينعقد بكل منهما "إحداهما: الإيجاب" وهو الصادر من قبل البائع، "والقبول" بفتح القاف وحكى في اللباب الضم وهو الصادر من قبل المشتري "فيقول البائع: بعتك أو ملكتك ونحوهما" كوليتك أو أشركتك أو أعطيتك "ويقول المشتري: ابتعت أو قبلت وما في معناهما" كأخذته أو اشتريته أو تملكته لأن الإيجاب والقبول صريحان فيه فانعقد بهما كسائر الصرائح.
وعنه: يتعين بعت واشتريت فقط لصراحتهما كالنكاح وفهم منه
فإن تقدم القبول الإيجاب جاز في إحدى الروايتين وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه وإلا فلا والثانية المعاطاة.
ـــــــ
أن القبول يعقب الإيجاب "فإن تقدم القبول الإيجاب جاز في إحدى الروايتين" جزم به في "الوجيز" لأن المعنى حاصل به فجاز كما لو تأخر وهذا إذا وجد ما يدل على البيع فلو قال قبلت ابتداء ثم قال بعتك لم ينعقد.
والثانية: لا يصح. اختاره الأكثر لأن رتبته التأخر وكنكاح نص عليه وذكره في "المحرر" رواية واحدة وذكر ابن عقيل فيه رواية وعلى الأولى فيه تفصيل ذكره في "المغني" و"الشرح" و"الفروع" إذا تقدم بلفظ الماضي كابتعت منك فيصح على الأصح أو الطلب كبعني بكذا فيقول بعتك فالأشهر الصحة.
وعنه: لا ينعقد كما لو تقدم بلفظ الاستفهام وفاقا لأنه ليس بقبول ولا استدعاء وهذه الصورة ليست بداخلة في كلام المؤلف لأنه لا يسمى قبولا،
"وإن تراخى القبول عن الإيجاب صح ما داما في المجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه" عرفا، لأن حالة المجلس كحالة العقد بدليل أنه يكتفي بالقبض فيه لما يشترط قبضه، "وإلا فلا" يصح فيما إذا تراخى عن الإيجاب حتى انقضى المجلس لأن العقد إنما يتم بالقبول فلم يتم مع تباعده عنه كالاستثناء وكذا إذا تشاغلا بما يقطعه لأنهما صارا معرضين عن البيع أشبه ما لو صرح بالرد.
"والثانية: المعاطاة" نص عليه وجزم به أكثر الأصحاب لعموم الأدلة ولأن البيع موجود قبل الشرع وإنما علق الشرع عليه أحكاما ولم يعين له لفظا فوجب رده إلى العرف كالقبض، والحرز".
ولم يزل المسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمال إيجاب وقبول في بيعهم ولو استعمل لنقل نقلا شائعا ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لعموم البلوى به ولم يخف حكمه،
مثل أن يقول أعطني بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع خذ هذا بدرهم فيأخذه وقال القاضي لا يصح هذا إلا في الشيء اليسير
ـــــــ
"مثل أن يقول: أعطنى بهذا الدينار خبزا فيعطيه ما يرضيه أو يقول البائع خذ هذا بدرهم فيأخذه"، لأن الإيجاب والقبول إنما يرادان للدلالة على التراضي فإذا وجد ما يدل عليه من المساومة والمعاطاة قام مقامهما وأجزأ عنهما لعدم التعبد فيه.
والثانية: لا يصح لأن الرضى أمر خفي فأنيط بالصيغة وكالنكاح ولكن يستثنى منه البيع الضمين كما إذا قال أعتق عبدك على كذا.
"وقال القاضي: لا يصح هذا إلا في الشيء اليسير"، أي في المحقرات خاصة وهو رواية واختارها ابن الجوزي لأن اعتبار ذلك في اليسير يشق فيسقط دفعا للمشقة وأصل ذلك قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
هل المعتبر حقيقة الرضى فلا بد من صريح القول أو ما يدل عليه فيكتفى بما يدل على ذلك فيه قولان للعلماء.
قال في "الفروع": ومثله وضع ثمنه عادة وأخذه وظاهره ولو لم يكن المالك حاضرا.
أصل: حكم الهبة والهدية والصدقة كذلك فتجهيز بنته بجهاز إلى زوج تمليك في الأصح.
فائدة: لا بأس بذوقه حال الشراء نص عليه وقاله إبراهيم النخعي وقال سفيان العفة أحب نقل حرب لا أدري إلا أن يستأذنه
فصل
ولا يصح إلا بشروط سبعة أحدها التراضي به وهو أن يأتيا به اختيارا فإن كان أحدهما مكرها لم يصح إلا أن يكره بحق ليث يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه.
ـــــــ
فصل:
"ولا يصح إلا بشروط سبعة أحدها التراضي به" للآية ولقوله عليه السلام: "إنما البيع عن تراض" رواه ابن حبان "وهو أن يأتيا به اختيارا"، لأن حق كل واحد منهما يتعلق بماله فلم يجز إزالة ملكه عنه بغير رضاه لقوله عليه السلام: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه".
ويستثنى منه ما لم يكن بيع تلجئة وأمانة أو من هازل، "فإن كان أحدهما مكرها لم يصح"، لفوات شرطه، "إلا أن يكره بحق كالذي يكرهه الحاكم على بيع ماله لوفاء دينه" فيصح، لأنه قول حمل عليه بحق فصح منه كإسلام المرتد.
والمشتري كالبائع فإن أكره على وزن مال فباع ملكه كره الشراء وصح نص عليه لعدم الإكراه فيه، وهو بيع المضطر.
وعنه: لا يصح، لقول علي: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر" رواه أبو داود من رواية صالح بن عامر عن شيخ من تميم وهما لا يعرفان.
وفسره أحمد في رواية بأن يجيئك محتاج فتبيعه ما يساوي عشرة بعشرين.
فصل:
الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف وهو المكلف الرشيد إلا الصبي المميز والسفيه فإنه يصح تصرفهما بإذن وليهما في إحدى الروايتين ولا يصح بغير إذنه إلا في الشيء اليسير.
ـــــــ
فصل.
"الثاني: أن يكون العاقد جائز التصرف" لأن البيع يشترط له الرضى فاشترط في عاقده جواز التصرف كالإقرار "وهو المكلف الرشيد" والمراد به: البالغ العاقل الرشيد فلا يصح بيع طفل ولا مجنون ولا سكران ولا نائم ولا مبرسم ولا شراؤه لعدم المقتضي لذلك سواء أذن له وليه أم لا "إلا الصبي المميز والسفيه، فإنه يصح تصرفهما بإذن وليهما في إحدى الروايتين" هذا هو الأصح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] أي: اختبروهم وإنما يتحقق بتفويض البيع والشراء إليه فصح تصرفه بإذن وليه وإن كان محجورا عليه كالعبد والسفيه مثله ولأنه إذا صح في الصبي بما ذكرنا فالسفيه أولى بالصحة إلا في عدم وقفه وقد تضمن ذلك جواز الإذن له في التصرف لمصلحة.
والثانية: لا يصح منه حتى يبلغ لأنه غير مكلف أشبه غير المميز ولأنه مما يخفى فضبطه الشارع بحد وهو البلوغ والسفيه محجور عليه لسوء تصرفه وتبذيره فإذا أذن له وليه فقد أذن فيما لا مصلحة فيه، "ولا يصح بغير إذنه" لما ذكرنا "إلا في الشيء اليسير"، لأن الحكمة في الحجر عليهما خوف ضياع مالهما بتصرفهما وذلك مفقود في اليسير يؤيده أن أبا الدرداء اشترى من صبي عصفورا وأطلقه ذكره ابن أبي موسى.
وفي طريقة بعض أصحابنا في صحة تصرف مميز ونفوذه بلا إذن وليه وإبرائه وإعتاقه وطلاقه روايتان وفي قبولهم هبة ووصية بلا إذن أوجه ثالثها:
فصل:
الثالث: أن يكون المبيع مالا وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة فيجوز بيع البغل والحمار ودود القز وبزره والنحل منفردا.
ـــــــ
يجوز من عبد. نص عليه.
وعنه: صحة تصرف مميز ويقف على إجازة وليه نقل حنبل إن تزوج الصغير فبلغ أباه فأجازه جاز قال جماعة بعد رشده لم يجز وعنه لا يقف ذكرها الفخر.
فصل
"الثالث: أن يكون المبيع مالا"، لأنه يقابل بالمال إذ هو مبادلة المال بالمال "وهو ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة" أخرج بالأول ما لا نفع فيه كالحشرات وبالثاني ما فيه منفعة محرمة كالخمر وبالثالث ما فيه منفعة مباحة للضرورة كالكلب، ولو عبر "بغير حاجة" كـ"الوجيز" و"الفروع" لكان أولى لأن اقتناء الكلب يحتاج إليه ولا يضطر إليه قاله ابن المنجا.
وفي "الشرح": يحترز بقوله لغير ضرورة من الميتة والمحرمات التي تباح في حال المخمصة والخمر تباح لدفع لقمة غص بها، "فيجوز بيع" العقار "والبغل والحمار"، لأن الناس يتبايعون ذلك في كل عصر من غير نكير فكان كالإجماع.
قال في "الهداية": لا إن نجسا والمذهب خلافه. "ودود القز"، لأنه حيوان طاهر يجوز اقتناؤه لغرض التملك لما يخرج منه أشبه البهائم وحرمه في "الانتصار" كالحشرات، وفيه نظر. "وبزره" لأنه ينتفع به في المآل أشبه ولد الفرس وفيه وجه وجزم به في "عيون المسائل" كبيض مالا يؤكل وعلى الأول لا فرق في بيعه مفردا أو مع الدود.
"والنحل منفردا" لأنه حيوان طاهر يخرج من بطونه شراب فيه منافع للناس،
وفي كواراته ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد في إحدى الروايتين إلا الكلب اختارها الخرقي والأخرى لا يجوز اختارها أبو بكر.
ـــــــ
فجاز بيعه كبهيمة الأنعام "وفي كواراته" لإمكان مشاهدته بفتح رأسها وقال القاضي لا يجوز بيعها فيها لأن بعضها غير مرئي وهو أميرها وأنها لا تخلو من عسل يكون مبيعا وهو مجهول والأول المذهب لأن خفاء البعض لا يمنع الصحة كالصبرة وكما لو كان المبيع في وعاء لا يشاهد إلا ظاهره والعسل يدخل تبعا كأساسات الحيطان فإن لم تمكن مشاهدة النحل لكونه مستورا بالأقراص ولم يعرف لم يجز بيعه لجهالته ذكره في "المغني والشرح".
"ويجوز بيع الهر والفيل وسباع البهائم التي تصلح للصيد" كالفهد والصقر ونحوهما في "إحدى الروايتين" لما في الصحيح أن امرأة دخلت النار في هرة لها حبستها والأصل في اللام الملك ولأنه حيوان مباح نفعه واقتناؤه مطلقا أشبه البغل والباقي بالقياس عليه ولأنه لا وعيد في جنسه فجاز بيعه وعلى هذا في جواز بيع فرخه وبيضه وجهان.
قوله: يصلح للصيد يحتمل حالا أي تكون معلمة وبه صرح الخرقي فظاهره لا يصح بيعها قبل التعليم ويحتمل مآلا أي يقبله كالجحش الصغير فإن لم يقبل الفيل التعليم لم يجز كأسد وذئب ودب "إلا الكلب" لا يجوز بيعه رواية واحدة وكذا آلة لهو وخمر ولو كانا ذميين ذكره الأزجي عن الأصحاب "اختارها الخرقي" والمؤلف وجزم بها في "الوجيز" "والأخرى: لا يجوز، اختارها أبو بكر" وابن أبي موسى.
أما الهر فلما روى جابر أنه سئل عن ثمنه فقال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عنه. رواه مسلم وعنه قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن السنور رواه أبو داود ويمكن حمله المملوك منها أو على مالا نفع فيه أو على المتوحش أو كان ذلك في الابتداء لما كان محكوما بنجاستها ثم لما حكم بطهارة سؤره حل ثمنه.
قال الزركشي وكلها محامل ودعوى لا دليل عليها وأما الفيل وسباع
ويجوز بيع العبد المرتد والمريض وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة ولبن الآدميات وجهان.
ـــــــ
البهائم فلأنها نجسة كالكلب وأجيب بالفرق بأنه يجوز اقتناؤها مطلقا بخلاف الكلب فإن جوازه مختص بأحد أمور ثلاثة مع أن اقتناءه للحاجة بخلاف ما ذكر وأطلقهما في "الفروع" كـ "المحرر".
"ويجوز بيع العبد المرتد" لحصول النفع به إلى وقت قتله وربما رجع إلى الإسلام فيحصل كمال النفع ولأنه يمكنه إزالة المانع بخلاف الجاني "والمريض" بغير خلاف نعلمه قاله في "الشرح" وقيل غير مأيوس والمعتبر الأول لأن خشية الهلاك لا تمنع الصحة كالمرتد. "وفي بيع الجاني والقاتل في المحاربة ولبن الآدميات وجهان": أصحهما وهو المنصوص يجوز بيع العبد الجاني لأنه حق ثبت بغير رضى سيده فلم يمنع بيعه كالدين والثاني لا يصح لأنه تعلق برقبته حق آدمي فمنع جواز بيعه كالرهن والأول أولى لأنه حق غير مستقر في الجاني يملك أداءه من غيره فلم يمنع البيع كالزكاة وفارق الرهن من حيث إنه حق متعين فيه لا يملك سيده إبداله ثبت الحق فيه برضاه وثيقة للدين.
فعلى هذا لا فرق بين أن تكون الجناية عمدا أو خطأ على النفس أو ما دونها وظاهره أن الخلاف جار فيه ولو اشتراه المجني عليه.
الثانية: القاتل في المحاربة فإن تاب قبل القدرة عليه فهو كالحربي وإن لم يتب حتى قدر عليه وهو المراد بقولهم وفي المتحتم قتله وجهان كذا في "المحرر" و"الفروع" أحدهما وهو قول أبي الخطاب وصححه في "المغني" و"الشرح"، وجزم به في "الوجيز" أنه يجوز بيعه لأنه ينتفع به إلى حين قتله ويعتقه فيجر ولاء ولده فجاز كالمريض والثاني وهو قول القاضي لا لأنه لا نفع فيه لكونه متحتم القتل أشبه الميتات والفرق ظاهر لأنه لا ينتفع بها أصلا بخلافه لأنه يمكن زوال ما ثبت من الرجوع عن الإقرار أو الرجوع من الشهود.
وفي جواز بيع المصحف وكراهة شرائه وإبداله روايتان
ـــــــ
الثالثة ظاهر كلام الخرقي واختاره ابن حامد وصححه في "الشرح" وغيره وجزم به في "الوجيز" أنه يصح بيع لبن الآدمية المنفصل منها لأنه طاهر منتفع به كلبن الشاة ولأنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر أشبه المنافع.
والثاني لا يجوز قدمه في "المحرر" لأنه مائع خرج من آدمية كالعرق أو لأنه من الآدمي فلم يجز بيعه كسائر أجزائه وجوابه أن العرق لا نفع فيه بدليل أنه لا يباع عرق الشاة ويباع لبنها وحرم بيع العضو المقطوع لأنه لا نفع فيه وقيل يجوز من الأمة لأن بيعها جائز فكذا لبنها كسائر أجزائها دون الحرة.
لكن قال أحمد: أكره للمرأة بيع لبنها واحتج ابن شهاب وغيره بأن الصحابة قضوا فيمن غر بأمة بضمان الأولاد ولو كان للبن قيمة لذكروه.
فرع: المنذور عتقه قال ابن نصر الله نذر تبرر الأشهر لا يصح بيعه لأن عتقه وجب بالنذر فلا يجوز إبطاله ببيعه كالهدية المعينة.
"وفي جواز بيع المصحف وكراهة شرائه وإبداله روايتان" أشهرهما أنه لا يجوز بيعه.
قال أحمد: لا نعلم في بيع المصحف رخصة وجزم به في "الوجيز".
قال ابن عمر: وددت أن الأيدي تقطع في بيعها ولأن تعظيمه واجب وفي بيعه ابتذال له وترك لتعظيمه فلم يجز.
والثانية يجوز روي عن الحسن والحكم لأنه ينتفع به أشبه كتب العلم.
وفي ثالثة يكره لأن ابن عمر وابن عباس وأبا موسى كرهوا بيعه ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان كالإجماع وعلى الأول يقطع بسرقته ولا يباع في دين.
ولا يجوز بيع الحشرات
ـــــــ
ولو وصي ببيعه نص عليه ويلزم بذله لحاجة في الأشهر ويكره شراؤه وإبداله في رواية لأنه وسيلة إلى البيع المتضمن إذلال المصحف ولا يكره في أخرى قدمها في "المحرر" وجزم بها في "الوجيز" لأنه استنقاذ له كاستنقاذ الأسير المسلم وفارق البيع لأنه إخراج له عن ملكه.
وفي "النهاية": لا يصح بيع المصحف ولا شراؤه ولا إبداله لأن جميع ذلك إذلال والمصحف محترم فتنافيا وفارق الشراء هنا شراء الأسير لأن شراءه تدعو الحاجة إليه بخلاف المصحف وظهر منه أنه لا يصح بيعه لكافر لأنه إذا نهي عن المسافرة به إلى أرضهم مخافة أن تناله أيديهم فهذا أولى.
وحكم إجارته كبيعه لأنها بيع منفعته ويجوز وقفه وهبته والوصية به ذكره القاضي واحتج بنصوص أحمد وظاهره جواز بيع كتب العلم ونقل أبو طالب لا تباع.
مسائل: الأولى: يجوز نسخه بأجرة واحتج بقول ابن عباس ففيه لمحدث بلا حمل ولا مس روايتان وكذا كافر قال أبو بكر لا يختلف قول أبي عبد الله أن المصاحف تكتبها النصارى على ما روي عن ابن عباس ويأخذ الأجرة من كتبها من المسلمين. وفي "النهاية": يمنع وهو ظاهر.
الثانية: يصح شراء كتب زندقة ونحوها ليتلفها لا خمر ليريقها لأن في الكتب مالية الورق.
قال ابن عقيل: يبطل بآلة اللهو وسقط حكم مالية الخشب.
الثالثة: يجوز بيع طير لقصد صوته في قول جماعة زاد الشيخ تقي الدين إن جاز حبسه وفيه احتمالان لابن عقيل وفي "الموجز": لا تصح إجارة ما قصد صوته كديك وقمري.
"ولا يجوز بيع الحشرات" لأنه لا منفعة فيها ويستثنى منه علق لمص دم،
والميتة ولا شيء منهما ولا سباع البهائم التي لا تصلح للصيد ولا الكلب ولا السرجين النجس ولا الأدهان النجسة.
ـــــــ
وديدان لصيد سمك وما يصاد عليه كبومة شباشا في الأشهر.
"والميتة" لقول جابر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة يقول: "إن الله حرم بيع الميتة والخمر والأصنام" متفق عليه.
ويستثنى منها الحوت والجراد ولا شيء منها لأن ما لا يجوز بيع كله لا يجوز بيع بعضه كالخمر ولا سباع البهائم التي لا تصلح للصيد كالأسد والذئب لأنه لا نفع فيها كالحشرات ولا الكلب لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب متفق عليه وفي لفظ قال: "ثمن الكلب خبيث" رواه مسلم.
وقد روى البيهقي بإسناد جيد عن أبي هريرة مرفوعا: "لا يحل ثمن الكلب" ولأنه حيوان نهي عن اقتنائه في غير حال الحاجة إليه أو نجس العين كالخنزير وظاهره ولو كان معلما صرح به الخرقي وإنما نص عليه ثانيا لأن بعض العلماء أجاز بيعه ومال إليه بعض أصحابنا لأن في رواية أبي هريرة: "إلا كلب صيد"، وأجيب بضعفه، قاله البيهقي وغيره.
"ولا السرجين النجس" لأنه مجمع على نجاسته فلم يجز بيعه كالميتة وفيه تخريج من دهن نجس.
قال مهنا: سألت أحمد عن السلف في البعر والسرجين قال لا بأس وأطلق ابن رزين في بيع نجاسة قولين وظاهره أنه يجوز بيع الطاهر منها.
"ولا الأدهان النجسة" أي المتنجسة في ظاهر كلام أحمد للأمر بإراقته ولقوله عليه السلام: "إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه" ولأنها نجسة، فلم يجز بيعها كشحم الميتة وعلى قول أبي الخطاب يجوز بيع ما يطهر منها كمال كالثوب النجس وجوابه بأن القصد من الدهن غالبا هو الأكل وقد زال وتعظم المشقة بتطهيره بخلاف الثوب النجس فإنه يجوز لبسه في
وعنه: يجوز بيعها لكافر يعلم نجاستها وفي جواز الاستصباح بها روايتان ويخرج على ذلك جواز بيعها.
ـــــــ
غير الصلاة ولا تعظم المشقة بتطهيره والأولى أن فيه نهيا خاصا فهو غير مقدور على تسليمه شرعا.
"وعنه: يجوز بيعها لكافر يعلم نجاستها" لأنه يعتقد حل ذلك ويستبيح أكله قال ابن المنجا واشترط الكفر لأجل الاعتقاد المجوز والعلم بنجاستها المراد به اعتقاد الطهارة لأن نفس العلم بالنجاسة ليس شرطا في بيع الثوب النجس فكذا هنا، وفيه شيء.
وفي "المغني": يجوز أن تدفع إلى كافر في فكاك مسلم ويعلم بنجاسته لأنه ليس ببيع في الحقيقة وإنما هو استنقاذ المسلم به.
"وفي جواز الاستصباح بها روايتان"، كذا في "المحرر" و"الفروع" إحداهما: لا وجزم بها في "الوجيز" لأنه عليه السلام نهى عن قربانه فيدخل فيه الاستصباح وغيره ولأنه دهن نجس فلم يجز الاستصباح به كشحم الميتة.
والثانية: يباح روي عن ابن عمر واختاره الخرقي لأنه أمكن الانتفاع به من غير ضرر أشبه الانتفاع بالجلد اليابس فعلى هذا ينتفع به على وجه لا يمسه بيده ولعل المراد في غير المساجد لأنه يؤدي إلى تنجيسها لا نجس العين كالكلب والخنزير.
"ويخرج على ذلك جواز بيعها" كذا ذكره أبو الخطاب لأنه يصير منتفعا به كالبغل والحمار.
فرع: لا يجوز بيع سم قاتل سواء كان من الأفاعي أو النبات وقيل يقتل به مسلما.
فصل:
الرابع: أن يكون مملوكا له أو مأذونا له في بيعه فإن باع ملك غيره بغير إذنه أو اشترى بعين ماله شيئا بغير إذنه لم يصح وعنه يصح ويقف على إجازة المالك.
ـــــــ
فصل:
"الرابع: أن يكون مملوكا له" حتى الأسير ولا بد من تقييده بالتام ليخرج بيع المبيع قبل قبضه فإنه لا يصح وسيأتي.
"أو مأذونا له في بيعه" وقت إيجابه وقبوله لقوله عليه السلام لحكيم بن حزام: "لا تبع ما ليس عندك" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه فهذا يدل على اشتراط كون المبيع مملوكا لبائعه ترك العمل به في المأذون لقيامه مقام مالكه لأنه نزله منزلة نفسه والحاجة داعية إلى التوكيل لكون الموكل غائبا أو محبوسا يتعذر معه حضور المشتري معه وما أشبهه فلو لم يقم مقامه لأدى إلى الحرج والمشقة وهما منتفيان شرعا لا يقال لا تبع ما ليس عندك ليس فيه ذكر الملك لأنه ذكره جوابا حين سأله أنه يبيع الشيء ويمضي ويشتريه ويسلمه.
"فإن باع ملك غيره بغير إذنه، أو اشترى بعين ماله شيئا بغير إذنه" أو طلق زوجة غيره أو نحوه من التصرفات "لم يصح". اختاره الأكثر لعدم وجود شرطه والشيء يفوت بفوات شرطه.
"وعنه: يصح، ويقف على إجازة المالك" لما روى عروة بن الجعد أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري به شاة فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار ثم جاءه بالدينار والشاة فدعي له بالبركة في بيعه رواه أحمد والبخاري.
ولأنه عقد له مجيز في حال وقوعه فوقف على إجازته كالوصية لأجنبي
وإن اشترى له في ذمته بغير إذنه صح فإن أجازه من اشترى له ملكه وإلا لزم من اشتراه.
ـــــــ
بزيادة على الثلث واشترطت إجازة المالك دفعا للضرر اللاحق به قال بعضهم ولو لم يكن له مجيز في الحال.
وعنه: صحة تصرف غاصب والأول المذهب لأن حديث عروة محمول على أنه وكيل مطلق بدليل أنه سلم وتسلم وليس ذلك لغير المالك والوكيل المطلق باتفاق.
فرع: إذا بيع ملكه وهو ساكت فهو كما لو باعه بغير إذنه خلافا لابن أبي ليلى لأن سكوته إقرار يدل على الرضى كالبكر في النكاح وأجيب بالفرق فإن سكوتها دليل على الحياء المانع من الكلام في حقها بخلافه هنا.
"وإن اشترى له في ذمته بغير إذنه، صح" على الأصح لأنه متصرف في ذمته وهي قابلة للتصرف وظاهره سواء سماه في العقد أو لا والأشهر أنه يصح إذا لم يسمه.
"فإن أجازه من اشترى له، ملكه" لأنه اشترى لأجله ونزل المشتري نفسه منزلة الوكيل فملكه من اشترى له كما لو أذن له والأصح أنه يملكه من حين العقد وقبل الإجازة "وإلا لزم من اشتراه" أي: إذا لم يجزه لأنه لم يأذن فيه فتعين كونه للمشتري كما لو لم ينو غيره وفي "الرعاية": إن سماه فأجازه لزمه وإلا بطل ويحتمل إذن يلزم المشتري وقدمه في "التلخيص" إلغاء للإضافة.
وإن قال: بعته من زيد فقال اشتريته له بطل ويحتمل يلزم إن أجازه وإن حكم بصحته بعد إجازته صح في الحكم ذكره القاضي ويتوجه كالإجازة قاله في "الفروع".
تنبيه: لا يصح شراؤه بعين ماله ما يملكه غيره ذكره القاضي واختار المؤلف وقوفه على الإجازة.
ولا يصح بيع ما لا يملكه ليمضي ويشتريه ويسلمه ولا يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم كأرض الشام والعراق ومصر ونحوها إلا المساكن.
ـــــــ
ومثله شراؤه لنفسه بمال غيره وإن باع ما يظنه لغيره فبان وارثا أو وكيلا فروايتان وفي "المحرر" وجهان وبناهما في شرحه على عزل الوكيل قبل علمه.
"ولا يجوز" أي: لا يصح "بيع ما لا يملكه ليمضي ويشتريه ويسلمه" بغير خلاف نعلمه لحديث حكيم ولأنه غير قادر على تسليمه أشبه الطير في الهواء بل موصوف غير معين بشرط قبضه أو قبض ثمنه في مجلس العقد، كسلم.
"ولا يصح بيع ما فتح عنوة ولم يقسم كأرض الشام ومصر والعراق ونحوها" في ظاهر المذهب وهو قول عمر وعلي وابن عباس وعبد الله بن عمر.
قال الأوزاعي: لم يزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية ويكرهه علماؤهم.
قال الشعبي: اشترى عتبة بن فرقد أرضا على شاطئ الفرات ليتخذ فيها قصبا فقال له عمر ممن اشتريتها قال من أربابها فلما اجتمع المهاجرون والأنصار فقال هؤلاء أربابها قال ارددها على من اشتريتها منه وخذ مالك فقاله بمحضر سادة الصحابة وأئمتهم ولم ينكر فكان كالإجماع ولا سبيل إلى وجود إجماع أقوى منه لتعذره.
فإن قيل: قد خالفه ابن مسعود فإنه اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها قلنا: لا نسلم المخالفة واشترى بمعنى اكترى قاله أبو عبيد بدليل على أن يكفيه جزيتها ولا يكون مشتريا لها وجزيتها على غيره.
"إلا المساكن" لأن الصحابة اقتطعوا الخطط في الكوفة والبصرة في زمن عمر وبنوها مساكن وتبايعوها من غير نكير فكان كالإجماع.
وأرضا من العراق فتحت صلحا وهي الحيرة وأليس وبانقيا وأرض بني صلوبا لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين.
ـــــــ
وظاهره ولو كانت آلتها من أرض العنوة ولو كانت موجودة حال الفتح وقدم في "الفروع" أنه يجوز بيع بناء ليس منها وغرس محدث فيها.
ونقل المروذي ويعقوب المنع لأنه تبع وهو ذريعة وجوز ابن عقيل بيع الغرس وفي البناء روايتان.
"وأرضا من العراق" سمي عراقا لامتداد أرضه وخلوها من جبال مرتفعة وأو دية منخفضة قاله السامري.
"فتحت صلحا وهي الحيرة" مدينة بقرب الكوفة بكسر الحاء والنسبة إليها حيري وحاري على غير قياس قاله الجوهري.
"وأليس" بضم الهمزة وتشديد اللام بعدها ياء ساكنة وبعدها سين مهملة مدينة بالجزيرة "وبانقيا" بزيادة ألف بين الباء والنون وهي مكسورة بعدها قاف ساكنة تليها ياء مثناة من تحت ناحية بالنجف دون الكوفة قال ثعلب سميت بذلك لأن إبراهيم ولوطا نزلاها وكانت تزلزل فلم تزلزل تلك الليلة فاشتراها بغنيمات يقال لها نقيا وكان شراؤها من أهل بانقيا.
"وأرض بني صلوبا" بفتح الصاد المهملة وضم اللام بعدها واو ساكنة تليها باء موحدة فهذه الأماكن فتحت صلحا لا عنوة فجاز بيعها.
ومثل ذلك الأرض التي أسلم أهلها عليها كأرض المدينة فإنها ملك أربابها قاله في "المغني" و"الشرح".
ثم بين علة المنع فقال: "لأن عمر رضي الله عنه وقفها على المسلمين" لتكون مادة لهم لقتالهم في سبيل الله إلى يوم القيامة وشهرة ذلك تغني عن نقله ولأنها لو قسمت لكانت للذين افتتحوها ثم لورثتهم أو لمن انتقلت إليه عنهم ولم تكن مشتركة بين المسلمين ولو جاز تخصيص أحدهما لكان من افتتحها
وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كل عام ولم تقدر مدتها لعموم المصلحة فيها وتجوز إجارتها وعن أحمد أنه كره بيعها وأجاز شراءها.
ـــــــ
أحق بها.
"وأقرها في أيدي أربابها بالخراج الذي ضربه أجرة لها في كل عام" عن الأرض "ولم تقدر مدتها لعموم المصلحة فيها" هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره إن المأخوذ منهم أجرة فيجب تقدير مدتها كسائر الإجارات فأجاب بالفرق من حيث إن عموم المصلحة موجود هنا بخلاف ما إذا أجر ملكه لإنسان أو يقال إنها لا تصح مجهولة في أملاك المسلمين فأما في أملاك الكفار أو في حكم أملاكهم فجائز.
ألا ترى أن الأمير لو قال من دلنا على القلعة الفلانية فله منها جارية صح وإن كانت بجعل مجهول فإن قيل لو كانت أجرة لم تؤخذ عن النخل والكرم لعدم صحة إجارة ذلك والجواب أن المأخوذ هناك عن الأرض إلا أن الأجرة اختلفت لاختلاف المنفعة فالمنفعة بالأرض التي فيها النخل أكثر وإنما كره أحمد الدخول فيها لما شاهده في وقته لأن السلطان كان يأخذ زيادة على ما وظفه عمر ويضرب ويحبس ويصرفه إلى غير مستحقه.
وعنه: يصح بيعها ذكره الحلواني واختاره الشيخ تقي الدين وقال جوز أحمد إصداقها وقاله المجد وتأوله القاضي على نفعها.
"وتجوز إجارتها" لأنها مؤجرة في أيدي أربابها وإجارة المؤجر جائزة وعنه لا ذكرها القاضي وغيره كالبيع.
"وعن أحمد: أنه كره بيعها" للاختلاف فيه ونقل أبو داود يبيع منه ويحج قال لا أدري فدل على التوقف.
"وأجاز شراءها" لأنه في معنى الاستنقاذ وعنه لحاجته وعياله ونقل حنبل أمقت السواد والمقام فيه كالمضطر يأكل من الميتة مالا بد منه وعلى
ولا يجوز بيع رباع مكة ولا إجارتها وعنه يجوز ذلك
ـــــــ
الصحة فإنها تكون في يد المشتري على ما كانت في يد البائع يؤدي خراجها ويكون الشراء بمعنى نقل العين من يد إلى أخرى بعوض إلا ما كان قبل سنة مائة أو من إقطاع عمر رضي الله عنه.
أصل: إذا أعطى الإمام هذه الأرض أو وقفها فقيل يصح وفي "النوادر": لا واحتج بنقل حنبل مثل السواد كمن وقف أرضا على رجل أو على ولده لا يحل منها شيء إلا على ما وقف وفي "المغني" و"الشرح": إن حكم بصحة البيع حاكم صح لأنه مختلف فيه كبقية المختلفات مع أنهما ذكرا أن للإمام البيع لمصلحة لأن فعله كحكم الحاكم.
"ولا يجوز بيع رباع مكة" بكسر الراء جمع ربع وهو المنزل ودار الإقامة لقوله عليه السلام: "إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين وإنما أحلت لي ساعة من نهار" متفق عليه. وفي الصحيح: " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".
"ولا إجارتها" لما روى سعيد بن منصور عن مجاهد مرفوعا: "مكة حرام بيعها حرام إجارتها" وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: أنه قال: "مكة لا تباع رباعها، ولا تكرى بيوتها" رواه الأثرم ولأنها فتحت عنوة بدليل أنه عليه السلام أمر بقتل أربعة فقتل منهم ابن خطل ومقيس بن صبابة ولو فتحت صلحا لم يجز قتل أهلها ولم تقسم بين الغانمين فصارت وقفا على المسلم فيحرمان كبقاع المناسك.
"وعنه يجوز ذلك" اختاره المؤلف بناء على أنها فتحت صلحا لقوله عليه السلام: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن" وإذا فتحت صلحا كانت ملكا لأهلها فجاز ذلك كسائر الأملاك.
واختاره الشيخ تقي الدين في البيع واختاره صاحب "الهدي" فيه لأن عمر اشترى من صفوان بن أمية دارا بأربعة آلاف درهم واشترى معاوية من حكيم ابن
و لا يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في المعادن الجارية كالقار والملح والنفط ولا ما نبت في أرضه من الكلأ والشوك ومن أخذ منه شيئا ملكه
ـــــــ
حزام دارين بمكة إحداهما بستين ألفا والأخرى بأربعين ألفا،
وجوابه: أن ذلك كان على سبيل الاستنقاذ مع أن عمر اشترى ذلك لمصلحة وجعله سجنا يؤيده فعله ذلك في أرض السواد وعلى المنع إن سكن بأجرة معينة لا يأثم بدفعها جزم به في "المغني". وعنه بلى قال الشيخ تقي الدين هي ساقطة يحرم بذلها وروي أن سفيان سكن بعض رباع مكة وهرب ولم يعطهم أجرة فأدركوه فأخذوها منه وذكر ذلك لأحمد فتبسم فظاهره أنه أعجبه.
مسألة: الحرم كمكة نص عليه ولا خراج على مزارعها لأنه جزية الأرض.
"ولا يجوز بيع كل ماء عد" بكسر العين وتشديد الدال وهو الذي له مادة لا تنقطع "كمياه العيون ونقع البئر" على المذهب لأنه عليه السلام نهى أن يباع الماء رواه الأثرم من حديث جابر ولأن الماء لا يملك على الصحيح لقوله عليه السلام: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار" رواه أبو داود وابن ماجه.
ولأنه لو كان مملوكا لم يجز للمستأجر إتلافه إذ الإجارة لا يستحق بها إتلاف الأعيان بل مشتر أحق به من غيره لكونه في ملكه.
وعنه: يملكه ويجوز اختاره أبو بكر لأنه متولد من أرضه كالنتاج.
قوله: ونقع البئر أي الماء المنتقع فيها "ولا ما في المعادن الجارية كالملح والقار والنفط" على الأصح، لأن نفعه يعم فلم يجز بيعه كالماء "ولا ما نبت في أرضه من الكلأ والشوك" لما ذكرنا "ومن أخذ منه شيئا ملكه" نص عليه لأنه من المباح فيملكه آخذه كما لو أخذه من أرض مباحة.
إلا أنه لا يجوز دخول ملك غيره بغير إذنه وعنه يجوز بيع ذلك
فصل
الخامس أن يكون مقدورا على تسليمه فلا يجوز بيع الآبق ولا الشارد.
ـــــــ
واختار ابن عقيل عدمه وخرجه رواية من أن النهي يمنع التمليك وجوابه أن تعديه لا يمنع تملكه كما لو عشش في أرضه طائر أو دخل فيها صيد أو نضب الماء عن سمك فدخل إليه وأخذه.
"إلا أنه لا يجوز له دخول ملك غيره بغير إذنه" جزم به في "الوجيز" وغيره لأنه متصرف في ملك الغير بغير إذنه كما لو دخل لغير ذلك.
ونقل ابن منصور له الدخول لرعي كلأ وأخذه ونحوه ما لم يحط عليها بلا ضرر.
قال: لأنه ليس لأحد منعه ونقل المروذي له ذلك مطلقا وكرهه في "التعليق" و"الوسيلة" و"التبصرة".
"وعنه: يجوز بيع ذلك" لأنه خارج من ملكه فجاز بيعه كسائر الخارج منها وعلى الأول المنع منه قبل حيازته فأما بعدها فلا ريب أنه ملكه بذلك لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الماء إلا ما حمل منه رواه أبو عبيد في "الأموال" وعلى ذلك مضت العادة في الأمصار ببيع الماء في الروايا والحطب والكلأ المحازين من غير نكير وليس لأحد أن يتصرف فيه إلا بإذن مالكه.
فصل
"الخامس: أن يكون مقدورا على تسليمه" لأن مالا يقدر على تسليمه شبيه بالمعدوم والمعدوم لا يصح بيعه فكذا ما أشبهه "فلا يجوز بيع الآبق، ولا الشارد" لما روى مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا أنه نهى عن بيع الغرر،
ولا الطير في الهواء ولا السمك في الماء ولا المغصوب إلا من غاصبه أو من يقدر على أخذه.
ـــــــ
وفسره القاضي وجماعة ما تردد بين أمرين ليس أحدهما أظهر والآبق كذلك لأنه متردد بين الحصول وعدمه مع أن فيه نهيا خاصا رواه أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق .
وظاهره: لا فرق بين أن يعلم خبره أم لا.
"ولا الطير في الهواء" لأنه بيع غرر وظاهره ولو كان يألف الرجوع لأنه غير مقدور عليه فلم يجز لفوات شرطه.
وقيل يجوز واختاره في "الفنون" وأنه قول الجماعة وأنكره من لم يحقق فإن أمكن أخذه وبابه مغلق جاز ذكره في "المغني" و"الشرح" إناطة بالقدرة على التسليم وشرط القاضي مع ذلك أخذه بسهولة فإن لم يمكن إلا بتعب ومشقة لم يجز لعجزه في الحال والجهل بوقت تسليمه ويرد عليه الغائب البعيد الذي لا يمكن إحضاره إلا بمشقة فإنه يجوز ويفرق بينهما بأن البعيد تعلم الكلفة التي يحتاج إليها في إحضاره بالعادة وتأخير تسليمه مدته معلومة.
"ولا السمك في الماء" لما روى أحمد عن ابن مسعود مرفوعا: "لا تشتروا السمك في الماء، فإنه غرر" قال البيهقي فيه انقطاع والمراد به إذا كان في الآجام فلو كان في بركة معدا للصيد وعرف برؤية لصفاء الماء فيها وأمكن اصطياده صح بيعه لأنه معلوم ممكن تسليمه أشبه الموضوع في طست.
نعم إن كان في أخذه كلفة ومشقة خرج فيه الخلاف السابق مع أنه ذكر في "المغني" و"الشرح": أن البركة إذا كانت كبيرة وتطاولت المدة في أخذه أنه لا يجوز بيعه للجهل بوقت إمكان التسليم.
"ولا المغصوب" لأنه لا يقدر على تسليمه "إلا من غاصبه" لأن المانع منه معدوم هنا وعلى الأصح "أو من يقدر على أخذه" لعدم الغرر ولإمكان قبضه.
وعنه: يصح بيع آبق لقادر على تحصيله ذكره في "المغني" و"الشرح"،
فصل
السادس: أن يكون معلوما برؤية أو صفة تحصل بها معرفته.
ـــــــ
وحكاه القاضي في موضع والأشهر المنع فإن عجز عن استنقاذه فله الفسخ لأنه إنما صح لظن القدرة على التحصيل.
فصل:
"السادس: أن يكون معلوما" ثم المتعاقدين لأن جهالة المبيع غرر فيكون منهيا عنه فلا يصح لذلك.
ومعرفة المبيع تحصل "برؤية" مقارنة له أو لبعضه إن دلت على بقيته نص عليه.
فرؤية أحد وجهي ثوب خام يكفي لا منقوش ولأن الرؤية متفق عليها لأنها تحصل العلم بحقيقة المبيع ويلحق بذلك ما عرف بلمسه أو شمه أو ذوقه ذكره القاضي وغيره.
وعنه: ويعرف صفة المبيع تقريبا فلا يصح شراء غير جوهري جوهرة.
"أو صفة تحصل بها معرفته" على الأصح كالصفة التي تكفي في السلم لأنها تقوم مقام الرؤية والبيع يتميز بما يصفه العاقد والشرع قاض بالاعتماد على قوله بدليل قبول قوله إنه ملكه ولأنه مبيع معلوم للمتعاقدين مقدور على تسليمه فصح كالحاضر وظاهره أن البيع بالصفة مخصوص بما يجوز السلم فيه لا غيره صرح به في "المحرر" و"الشرح" و"الوجيز" فعلى هذا يصح بيع أعمى وشراؤه كتوكيله.
فرع: لا يصح بيع الأنموذج بأن يريه صاعا ويبيعه الصبرة على أنها من جنسه وقيل ضبط الأنموذج كذكر الصفات نقل جعفر فيمن يفتح جرابا ويقول الباقي بصفته إذا جاءه على صفته ليس له رده،
فإن اشترى ما لم يره ولم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته مالا يكفي في السلم لم يصح البيع وعنه يصح وللمشتري خيار الرؤية وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم.
ـــــــ
"فإن اشترى ما لم يره ولم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته مالا يكفي في السلم لم يصح البيع"، في قول الجمهور لعدم العلم بالمبيع.
"وعنه: يصح" اختاره الشيخ تقي الدين لعموم قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] ولأن عثمان وطلحة تبايعا داريهما بالكوفة والمدينة فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة.
وهذا اتفاق منهم على صحة العقد ولأنه عقد معاوضة يصح بغير رؤية ولا صفة كالنكاح وهذا إذا ذكر جنسه وإلا لم يصح رواية واحدة قاله القاضي وغيره وعليها "للمشتري خيار الرؤية" على الأصح لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اشترى مالم يره فهو بالخيار إذا رآه" والخيار لا يكون إلا في بيع صحيح وهو على الفور للخبر.
وقيل: يتقيد بالمجلس كخياره وللمشتري فسخ العقد قبل الرؤية وقال ابن الجوزي لا كما لو اختار إمضاء العقد والمذهب الأول لأن الخبر من رواية عمر بن إبراهيم الكردي وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه ويمكن حمله على ما إذا اشتراه بالصفة ثم وجده متغيرا ولأنه باع مالم يره ولم يوصف له فلم يصح كبيع النوى في التمر و الآية مخصوصة بما ذكرناه.
فرع: لا يبطل العقد بموت أو جنون.
"وإن ذكر له من صفته ما يكفي في السلم" صح البيع في ظاهر المذهب لما قلنا والثانية لا يصح إلا بالرؤية لأن الصفة لا تحصل العلم من كل وجه فلم يصح البيع بها كالدين لا يصح السلم فيه.
أو رآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهرا صح في أصح الروايتين ثم إن وجده لم يتغير فلا خيار له وإن وجده متغيرا فله الفسخ والقول في ذلك قول المشتري مع يمينه.
ـــــــ
"أو رآه ثم عقدا بعد ذلك بزمن لا يتغير فيه ظاهرا صح في أصح الروايتين" وهي قول الأكثر لأن المبيع معلوم عندهما أشبه ما لو شاهداه حال العقد إذ الرؤية السابقة كالمقارنة.
والثانية: لا يصح حتى يراها حالة العقد إذ الرؤية السابقة كالمقارنة والثانية لا يصح حتى يراها حالة العقد روي عن الحكم وحماد لأن ما كان شرطا اعتبر وجوده حالة العقد كالشهادة في النكاح وجوابه أنها تراد لتحمل العقد والاستيثاق عليه بدليل ما لو وقفا في بيت من الدار أو طرف الأرض المبيعة صح بلا خلاف مع عدم مشاهدة الكل.
وظاهره: أنه إذا كان الزمن يتغير فيه المبيع أنه لا يصح صرح به في "المغني" "والشرح" لأنه غير معلوم فإن كان يحتملهما وليس الظاهر تغيره صح بيعه لأن الأصل السلام "ثم إن وجده لم يتغير فلا خيار له" ولزمه البيع وقاله ابن سيرين وإسحاق لأنه تسلم المعقود عليه بصفاته فلم يكن له خيار كالسلم "وإن وجده متغيرا فله الفسخ" لأنه بمنزلة العيب وهو على التراخي إلا بما يدل على الرضى من سوم ونحوه لا بركوبه الدابة في طريق الرد.
وعنه: على الفور وإن أسقط حقه من الرد فلا أرش في الأصح "والقول في ذلك" أي: في التغير والصفة "قول المشتري مع يمينه" لأن الأصل براءة الذمة من الثمن فلا يلزمه ما لم يثبت عليه وفي "الرعاية": وفيه نظر.
وقال المجد: قد ذكر القاضي وابن عقيل و أبو الخطاب بعموم كلامه إذا اختلفا في صفة المبيع هل يتحالفان أو قول البائع فيه روايتان
تنبيه البيع بالصفة نوعان بيع عين معينة كبعتك عبدي التركي ويذكر صفاته فينفسخ العقد برده على البائع وتلفه قبل قبضه لكونه معينا وبيع موصوف غير معين كبعتك عبدا تركيا ويستقصي صفات السلم فيصح
ولا يجوز بيع الحمل في البطن واللبن في الضرع والمسك في الفأر.
ـــــــ
البيع في وجه اعتبارا بلفظه وفي آخر لا وحكاه الشيخ تقي الدين عن أحمد كالسلم الحال وفي ثالث يصح إن كان ملكه فعلى الأول حكمه حكم السلم يعتبر قبضه أو ثمنه في المجلس في وجه.
وقال القاضي: يجوز التفرق فيه قبل القبض لأنه بيع حال أشبه بيع المعين فظاهره لا يعتبر تعيين ثمنه وظاهر "المستوعب" وغيره يعتبر وهو أولى ليخرج عن بيع دين بدين.
وجوز الشيخ تقي الدين بيع الصفة والسلم حالا إن كان في ملكه.
"ولا يجوز بيع الحمل في البطن" لما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا أنه نهى عن بيع المضامين والملاقيح قال أبو عبيد المضامين ما في أصلاب الفحول والملاقيح ما في البطون وهي الأجنة ولأنه مجهول لا تعلم صفته ولا حياته فلم يصح كالمعدوم وهو غير مقدور على تسليمه بخلاف الغائب فإن بيع مع أمه دخل تبعا كأس الحائط وعلم منه أن بيع حبل الحبلة غير صحيح من باب أولى.
"واللبن في الضرع" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع لبن في ضرع رواه ابن ماجه والدارقطني ولأنه مجهول الصفة والمقدار أشبه الحمل ولأنه بيع عين لم تخلق فلم يصح كبيع ما تحمل هذه الناقة والعادة فيه تختلف وأما لبن الظئر فإنما جاز للحاجة.
وقال الشيخ تقي الدين: إن باعه لبنا موصوفا في الذمة واشترط كونه من هذه الشاة أو البقرة جاز كما لو قال أسلمت إليك في عشرة أوسق من تمر هذا الحائط.
"والمسك في الفأر" وهو الوعاء الذي يكون فيه ولأنه مجهول فلم يصح بيعه مستورا كالدر في الصدف قال في "الفروع": ويتوجه تخريج يجوز لأنه وعاء له يصونه ويحفظه واختاره في "الهدي" وعلى الأول إن فتح وشاهد ما
والنوى في التمر ولا الصوف على الظهر وعنه يجوز بشرط جزه في الحال ولا يجوز بيع الملامسة وهو أن يقول بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا أو يقول أي ثوب لمسته فهو لك بكذا ولا بيع المنابذة وهو أن يقول أي ثوب نبذته إلي فهو علي بكذا.
ـــــــ
فيه، جاز بيعه وإلا لم يصح للجهالة.
"والنوى في التمر" لعدم العلم به ومثله البيض في الدجاج قال في "الشرح" لا نعلم فيهما اختلافا للجهالة وكالفجل قبل القلع نص عليه.
"ولا الصوف على الظهر" لحديث ابن عباس السابق نهى أن يباع صوف على ظهر أو سمن في لبن ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه.
"وعنه: يجوز بشرط جزه في الحال" لأنه مشاهد يمكن تسليمه أشبه الرطبة في الأرض وفارق الأعضاء لأنه لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان فعليها لو اشتراه بشرط الجز ثم تركه حتى طال فحكم الرطبة على ما يأتي.
مسألة: لا يجوز بيع عسب الفحل للنهي عنه من حديث ابن عمر رواه البخاري وهو ضرابه وكذا إجارته ولابن عقيل احتمال بجوازها لأنها منفعة مقصودة والغالب حصول النزو فيكون مقدورا عليه ومنع أحمد أن يعطى شيئا على سبيل الهدية وحمله المؤلف على الورع وجوز دفع الأجرة دون أخذها وكذا الدفع على سبيل الهدية.
"ولا يجوز" أي: لا يصح "بيع الملامسة" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة متفق عليه "وهو أن يقول: بعتك ثوبي هذا، على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا". أو يقول أي ثوب لمسته فهو لك بكذا كذا فسره المؤلف وهو ظاهر كلام أحمد ولأن المبيع مجهول لا يعلم.
"ولا بيع المنابذة" للخبر، "وهو أن يقول: أي ثوب نبذته" أي طرحته إلي "فهو علي بكذا" لما في الصحيح عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
ولا بيع الحصاة وهو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا أو يقول بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا ولا يجوز أن يبيع عبدا من عبيد ولا شاة من قطيع ولا شجرة من بستان ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ولا هذا القطيع إلا شاة.
ـــــــ
الملامسة والمنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ كل رجل منهما ثوبه إلى الآخر ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تقليب.
فتفسير أبي سعيد للمنابذة نظرا إلى اللفظ ولذلك جعل النبذ من الطرفين وفي رواية أخرى المنابذة طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه والملامسة لمس الثوب لا ينظر إليه ولأنه مجهول لا يعلم وفي بعضها يجتمع مفسدان الجهالة والتعليق على شرط فلو قال بعتك ما قلته أو ما أنبذه إليك لم يصح لأنه غير معين ولا موصوف.
"ولا بيع الحصاة" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وهل هو في الأرض أو الثياب وقد ذكرهما المؤلف "وهو أن يقول ارم هذه الحصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا أو يقول بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة إذا رميتها بكذا" وكلاهما باطل لما فيه من الغرر والجهالة.
فرع: لا يجوز بيع المعدن وحجارته والسلف فيه نص عليه.
"ولا يجوز أن يبيع عبدا" غير معين لأنه غرر فيدخل في عموم النهي وللجهالة ولا عبدا "من عبيد" لما ذكرنا ولأنه يختلف فيفضي إلى التنازع وسواء قلوا أو كثروا وظاهر كلام الشريف وأبي الخطاب يصح إن تساوت القيمة وفي "مفردات" أبي الوفاء يصح عبد من ثلاثة بشرط الخيار.
"ولا شاة من قطيع ولا شجرة من بستان" للجهالة، "ولا هؤلاء العبيد إلا واحدا غير معين ولا هذا القطيع إلا شاة" نص عليه وهو قول أكثر العلماء،
وإن استثنى معينا من ذلك جاز وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة صح وإن باعه الصبرة إلا قفيزا أو ثمرة الشجرة إلا صاعا لم يصح وعنه يصح.
ـــــــ
لأن ذلك غرر ويفضي إلى التنازع وكما لو قال بعتك شاة من القطيع تختارها وضابطه أن كل مالا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه ويستثنى منه بيع السواقط للأثر.
"وإن استثنى معينا من ذلك" كقوله إلا هذا العبد أو إلا فلانا وهما يعرفانه "جاز"، لأنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم قال الترمذي حديث صحيح.
ولأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوما فينتفي المفسد.
"وإن باعه قفيزا من هذه الصبرة صح" وكذا في "الفروع" وزاد: إن علما زيادتها عليه وهو مراد لأنه مبيع مقدر معلوم من جملة فصح بيعها أشبه ما لو باع منها جزءا مشاعا وشرط في "المحرر" و"الوجيز" إن كانت متساوية الأجزاء يحترز به من صبرة بقال القرية فإنه لا يصح لكونها مختلفة وقيل بلى فلو تلفت الصبرة إلا قفيزا فهو المبيع ولو فرق القفزان فباعه أحدهما مبهما فاحتمالان.
فائدة: قال الأزهري الصبرة الكومة المجموعة من الطعام سميت صبرة لإفراغ بعضها على بعض ومنه قيل للسحاب فوق السحاب صبير ويقال صبرت المتاع إذا جمعته وضممت بعضه على بعض.
"وإن باعه الصبرة إلا قفيزا، أو ثمرة الشجرة إلا صاعا" أو ثمرة البستان إلا صاعا "لم يصح" في ظاهر المذهب لأن المبيع مجهول لأن ما كان معلوما بالمشاهدة يخرج عن كونه معلوما بالاستثناء ودليله الخبر.
"وعنه: يصح" لأنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة وذكره أبو الوفاء المذهب في رطل من اللحم وجزم به أبو محمد الجوزي في آصع
وإن باعه أرضا إلا جريبا أو جريبا من أرض يعلمان جربانها صح وكان مشاعا فيها وإلا لم يصح وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده و أطرافه صح.
ـــــــ
من بستان كاستثناء جزء مشاع ولو فوق ثلثها وكمبيع صبرة بألف إلا بقدر ربعه، لا ما يساويه لجهالته.
فرع إذا استثنى من الحائط شجرة معينة صح في الأصح لأنه معلوم.
"وإن باعه أرضا إلا جريبا أو" باعه "جريبا من أرض يعلمان جربانها صح" فيهما لأن الأرض إذا كانت عشرة أجربة ففي صورة الاستثناء كأنه قال بعتك تسعة أعشار هذه الأرض وهو معلوم بالمشاهدة.
وفي الثانية كأنه قال بعتك عشرها "وكان مشاعا فيها" لإشاعة الجزء المباع "وإلا" إذا لم يعلما جربان الأرض و"لم يصح" في الأصح لأن أجزاء الأرض تختلف فإذا لم تتعين لم يصح لجهالته.
وذكره بعضهم اتفاق الأئمة لأنه لا معينا ولا مشاعا وفي بيع خشبة من سقف وفص من خاتم الخلاف.
فرع حكم الثوب كالأرض فيما ذكرنا وقال القاضي إن نقصه القطع فلا لأنه غير قادر على التسليم إلا بضرر كما لو باعه نصفا معينا من الحيوان وجوابه أنه قادر على تسليمه مع الرضى بخلاف ما سبق.
مسألة: إذا قال بعتك من الأرض من هنا إلى هنا جاز لأنه معلوم فلو قال بعتك عشرة أذرع منها وعين الابتداء ولم يعين الانتهاء لم يصح نص عليه.
ومثله بعتك نصف هذه الدار التي تليني قاله المجد وإن قال بعتك نصيبي أو سهمي من هذه الدار وهما يعلمانه صح وإلا فلا.
"وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجلده و أطرافه صح" في المنصوص،
وإن استثنى حمله أو شحمه لم يصح.
ـــــــ
لأنه عليه السلام لما خرج من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة فمروا براعي غنم فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها رواه أبو الخطاب ولأن المستثنى والمستنثى منه معلومان فصح كما لو باع حائطا واستثنى منه نخلة معينة وكونه لا يجوز إفراده بالبيع لا يمنع صحة استثنائه كالثمرة قبل تأبيرها فإن امتنع المشتري من ذبحها لم يجبر ويلزمه قيمته على التقريب نص عليه ومحله إذا لم يشترط الذبح فإن اشترطه لزمه ودفع المستثنى لأنه إنما دخل على ذلك والتسليم عليه مستحق.
وللمشتري الفسخ بعيب يختص بهذا المستثنى ذكره في "الفنون" قال في "الفروع": ويتوجه لا فسخ له وإنه إن لم يذبحه للمشتري الفسخ وإلا فقيمته كما روي عن علي ولعله مرادهم.
"وإن استثنى حمله" سواء كان من أمه أو حيوان "أو شحمه لم يصح" لأن ذلك مجهول وقد نهي عن الثنيا إلا أن تعلم ولأنه لا يصح إفراده بالبيع فلم يصح استثناؤه كيدها.
ونقل ابن القاسم وسندي صحته في الحمل لما روى نافع عن ابن عمر أنه باع جارية واستثنى ما في بطنها ولأنه يصح استثناؤه في العتق فكذا هنا وجوابه بأن الصحيح من الرواية أنه أعتق جارية واستثنى حملها مع أنه لا يلزم من الصحة في العتق الصحة في البيع لأن العتق لا يمنعه الجهالة ولا العجز عن التسليم.
فرع: إذا باع أمة حاملة بحر فقال القاضي لا يصح لأنه يدخل في البيع مستثنى والمذهب صحته لأن المبيع معلوم وجهالة الحمل لا تضر لأنه قد يستثنى بالشرع مالا يصح استثناؤه باللفظ كما لو باع أمة مزوجة فإنه يصح ومنفعة البضع مستثناة بالشرع،
مسألة: يصح بيع حيوان مذبوح أو لحمه أو جلده وفي "التلخيص" لا
ويصح بيع ما مأكوله في جوفه وبيع الباقلاء والجوز واللوز في قشرته و الحب المشتد في سنبله.
فصل:
السابع: أن يكون الثمن معلوما فإن باعه السلعة برقمها أو بألف ذهبا وفضة
ـــــــ
يصح بيع لحم في جلد أو معه اكتفاء برؤية الجلد بل مع رؤوس وسموط.
قال الشيخ تقي الدين في حيوان مذبوح يجوز بيعه مع جلده كما قبل الذبح في قول جمهور العلماء وجوز بيع كل منهما منفردا.
مسألة: باع سمسما واستثنى الكسب أو الشيرج لم يصح.
"ويصح بيع ما مأكوله في جوفه" كالرمان والبيض بغير خلاف نعلمه لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ولكونه من مصلحته ويفسد بإزالته.
"وبيع الباقلاء والجوز واللوز" والفستق "في قشرته" لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحه فدل على الجواز بعد بدو الصلاح سواء كانت مستورة بغيرها أو لم تكن ولأنه لم يزل يباع في أسواق المسلمين من غير نكير فكان كالإجماع ولأنه مستور بحائل من أصل الخلقة أشبه الرمان "و" يصح بيع "الحب المشتد في سنبله" لأنه عليه السلام جعل الاشتداد غاية للبيع وما بعد الغاية يخالف ما قبلها فوجب زوال المنع.
فصل:
"السابع أن يكون الثمن معلوما" لأنه أحد العوضين فاشترط العلم به كالمبيع وكرأس مال السلم ولأن المبيع يحتمل رده بعيب ونحوه فلو لم يكن الثمن معلوما لتعذر الرجوع به "فإن باعه السلعة برقمها" هو بمعنى المرقوم أي المكتوب عليها وهما يجهلانه أو أحدهما لم يصح للجهالة. "أو بألف درهم ذهبا وفضة" لأن مقدار كل واحد من الألف مجهول أشبه ما لو
أو بما ينقطع به السعر أو بما باع به فلان أو بدينار مطلق وفي البلد نقود لم يصح فإذا كان فيه نقد واحد انصرف إليه وإن قال بعتك بعشرة صحاحا أو إحدى عشرة مكسرة أو بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة لم يصح.
ـــــــ
قال: بمائة بعضها ذهب وبناه القاضي وغيره على إسلام ثمن في جنسين وصحح ابن عقيل إقراره بذلك مناصفة قال في "الفروع" ويتوجه هنا مثله ويجاب عنه بأنه لو أقر بمائة ذهبا وفضة كان القول قوله في قدر كل منهما.
"أو بما ينقطع به السعر" أي بما يقف عليه من غير زيادة "أو بما باع به فلان" هو كناية عن اسم المحدث عنه وهذا هو الأصح فيهن وقيل يصح وصححه الشيخ تقي الدين بثمن المثل كنكاح "أو بدينار مطلق، وفي البلد نقود لم يصح" لأن الثمن غير معلوم حال العقد والعلم به شرط وهذا إذا لم يكن فيه نقد غالب فإن كان انصرف إليه وصح على الأصح.
وعنه: يصح مطلقا وله الوسط وعنه الأدنى.
"فإن كان فيه نقد واحد انصرف إليه" لأنه تعين بانفراده وعدم مشاركة غيره كالإقرار والوصية.
فرع: يصح بوزن صنجة لا يعلمان وزنها وبصبرة ثمنا في الأصح ومثله ما يسع هذا الكيل ونصه يصح بموضع فيه كيل معروف وبنفقة عبده شهرا، ذكره القاضي.
فلو فسخ العقد رجع بقيمة المبيع عند تعذر معرفة الثمن "وإن قال: بعتك بعشرة صحاحا أو إحدى عشرة مكسرة أو بعشرة نقدا أو عشرين نسيئة لم يصح" في المنصوص لما روى أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه.
وما فسره المؤلف هو قول أكثر العلماء وقد جاء مفسرا في حديث ابن مسعود ولأن الثمن غير معلوم فلم يصح كما لو قال بعتك أحد
ويحتمل أن يصح وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم صح وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح.
ـــــــ
هذين ومحله مالم يفترقا على أحدهما ذكره في "الوجيز" و"الفروع".
"ويحتمل أن يصح" هذا تخريج لأبي الخطاب من رواية إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فيلحق به البيع فيكون وجها في الصحة وتردد المؤلف فيه وفرق بأن العقد ثم يمكن صحته لكونه جعالة يحتمل فيها الجهالة وأن العمل الذي يستحق به الأجرة لا بد وأن يقع على إحدى الصفتين فتعين الأجرة المسماة عوضا له فلا يفضي إلى التنازع.
قال الزركشي: وفيهما نظر لأن العلم بالعوض في الجعالة شرط كما في الإجارة والبيع والقبول أيضا في البيع إلا على إحدى الصفتين فيعين ما سمي لها وفيه شيء إذ العلم به في الجعالة ليس شرطا مطلقا بدليل ما لو قال من دلني على قلعة كذا فله منها جارية.
"وإن باعه الصبرة كل قفيز بدرهم والقطيع كل شاة بدرهم والثوب كل ذراع بدرهم، صح" في الأصح لأن المبيع معلوم بالمشاهدة والثمن معلوم لإشارته إلى ما يعرف مبلغه بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين وهو الكيل والعدد والذرع وظاهره وإن لم يعلما قدر الصبرة والقطيع والثوب كما لو باع ما رأس ماله اثنان وسبعون مرابحة لكل ثلاثة عشر درهم فإنه لا يعلم في الحال وإنما يعرف بالحساب والثاني لا يصح للجهالة في الحال.
"وإن باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم" وكذا معطوفيه "لم يصح" في الأصح لأن "من" التبعيض، "وكل" للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما سبق لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة.
والثاني: يصح قال ابن عقيل هو الأشبه كما إذا أجره كل شهر
ـــــــ
بدرهم، وفي "عيون المسائل": إذا باعه من الصبرة كل قفيز بدرهم صح لتساوي أجزائها بخلاف من الدار كل ذراع بدرهم لاختلاف أجزائها ثم ذكر أنه إذا باعه من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح لأنه لم يبعه كلها ولا قدرا معلوما بخلاف أجرتك داري كل شهر بدرهم يصح في الشهر الأول فقط للعلم به وبقسطه من الأجرة.
مسألة: إذا قال بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم على أن أزيدك قفيزا أو أنقصكه لم يصح فإن قال على أن أزيدك قفيزا من هذه الصبرة ووصفه بصفة يعلم بها صح كأنه قال بعتك هذه الصبرة وقفيزا من الأخرى بعشرة فإن علما جملة الصبرة صح فإن قال بعتك هذه الصبرة على أن أنقصك منها قفيزا صح.
وقال أبو بكر: يصح في المسائل كلها على قياس قول أحمد ويجوز بيع الصبرة جزافا مع جهل المتبايعين بقدرها نص عليه.
ولا يشترط معرفة رؤية باطنها بخلاف الثوب وقال أبو بكر يصح بيعها إذا تساوى موضعها فإن اختلفت لم يجز إلا أن يكون يسيرا يتغابن بمثله والأكثرون لا يشترطون ذلك بل إن ظهر تحتها ربوة أو فيها حجر مما لا يتغابن بمثله في مثلها ولم يعلم به المشتري فله الخيار كما لو وجد باطنها رديئا نص عليه.
ولابن عقيل احتمال يرجع بمثل ما فات إذا أمكن فإن بان باطنها خيرا من ظاهرها فلا خيار للمشتري بخلاف البائع إذا لم يعلم وإذا علم البائع قدرها لم يجز بيعها جزافا على الأصح.
فرع: يصح بيع دهن ونحوه في ظرف معه موازنة كل رطل بكذا مع علمها بمبلغه وإلا فوجهان وصححه المجد إن علما زنة الظرف وإن باعه كل رطل بكذا على أن يزن الظرف فيحسب بوزنه على المشتري وليس مبيعا فيصح إن علما مبلغه وإلا فلا لجهالة الثمن.
وإن باعه بمائة درهم إلا دينارا لم يصح ذكره القاضي ويجيء على قول الخرقي أنه يصح
ـــــــ
وإن باعه جزافا بظرفه أو دونه صح أو باعه في ظرفه كل رطل بكذا على أن يطرح منه وزن الظرف صح بغير خلاف نعلمه.
فرع اشترى سمنا أو زيتا في ظرف فوجد فيه ربا صح في الباقي بقسطه من الثمن وله الخيار ولم يلزمه بدل الرب وألزمه شريح بقدره سمنا.
"وإن باعه بمائة درهم إلا دينارا لم يصح ذكره القاضي" ومثله بدينار إلا درهما نقله أبو طالب لأن قيمة المستثنى مجهولة ويلزم من الجهل بها الجهل بالثمن والعلم به شرط.
"ويجيء على قول الخرقي" من الإقرار إذا استثنى عينا من ورق أو بالعكس "أنه يصح" في البيع كسائر الاستثناءات الصحيحة فعلى هذا تحذف قيمة المستثنى وصححه ابن عقيل بالمستثنى منه كله فلو قال بعتك بمائة درهم إلا قفيز حنطة لم يصح وجها واحدا لأنه استثناء من غير الجنس.
واستشكل ابن المنجا تخريج صحة البيع من الإقرار قال لأن الأصحاب اختلفوا في العلة فقيل باتحاد النقدين وكونهما قيم الأشياء وأروش الجنايات وقيل لأن قيمة الذهب يعلمها كثير من الناس فإذا استثنى أحدهما من الآخر لم يؤد الجهالة غالبا وعلى كليهما لا يجيء صحة البيع لأن المفسد له الجهل في حال العقد.
ألا ترى أنه إذا باعه السلعة برقمها أنه لا يصح للجهالة حال العقد وإن علم بعده بالثمن بخلاف الإقرار فإنه يصح بالمجهول وفيه شيء.
فرع: إذا أسرا ثمنا بلا عقد ثم عقداه بآخر فالأول هو الثمن ولو عقداه سرا بثمن وعلانية بأكثر فكنكاح ذكره جماعة.
فصل:
في تفريق الصفقة
وهو أن يجمع بين ما يجوز بيعه ومالا يجوز وله ثلاث صور أحدها باع معلوما ومجهولا فلا يصح.
الثانية: باع مشاعا بينه وبين غيره كعبد مشترك بينهما أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساويين لهما فيصح في نصيبه بقسطه
ـــــــ
فصل:
في تفريق الصفقة
الصفقة: المرة من صفق له بالبيعة والبيع ضرب بيده على يده وهي عقد البيع لأن المتبايعين يفعلان ذلك ومعنى تفريقها أي تفريق ما اشتراه في عقد واحد "وهو أن يجمع بين ما يجوز بيعه وما لا يجوز وله ثلاث صور أحدها باع معلوما ومجهولا" يتعذر علمه "فلا يصح" بغير خلاف نعلمه لأن ما بعضه مجهولا يكون كله كذلك إذ الثمن ينقسم على المبيع بالقيمة والمجهول لا يمكن تقويمه فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم".
فلو قال كل منهما بكذا فوجهان بناء على أن علة المنع اتحاد الصفقة أو جهالة الثمن في الحال.
قلت: وكذا إذا باعه بمائة ورطل خمر فسد لأن الخمر لا قيمة لها في حقنا اتفاقا وما لا قيمة له لا ينقسم عليه البدل بل يبقى العقد بالمائة ويبقى الرطل شرطا فاسدا وفي الانتصار يتخرج صحة العقد فقط على رواية.
"الثانية: باع مشاعا بينه وبين غيره كعبد مشترك بينهما أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء كقفيزين متساويين لهما فيصح في نصيبه بقسطه" من الثمن
في الصحيح من المذهب وللمشتري الخيار إن لم يكن عالما.
الثالثة: باع عبده وعبد غيره بغير إذنه أو عبدا وحرا، أو خلا وخمرا ففيه روايتان أولاهما لا يصح والأخرى يصح في عبده وفي الخل
ـــــــ
لأنه لا يلزم منه جهالة في الثمن لانقسامه هنا على الأجزاء "في الصحيح من المذهب" وهو قول الأكثر لكون الثمن معلوما وبه يظهر الفرق بينها وبين الصورة الأولى.
والثانية لا تصح لأن الصفقة جمعت حراما وحلالا فغلب الحرام ولأنه إذا لم يمكن تصحيحهما في جميع العقود بطلت في الكل كالجمع بين الأختين وجوابه أن كل واحد منهما له حكم عند الانفراد فكذا عند الاجتماع وفي "الشرح": هما وجهان بناء على نص أحمد فيمن تزوج حرة وأمة في عقد واحد هل يفسد فيهما أو يصح في الحرة وليس كذلك بل هما منصوصتان عن أحمد هنا كما نقله المعظم.
"وللمشتري الخيار" بين الفسخ والإمساك "إذا لم يكن عالما" لأن الشركة عيب ولهذا تثبت الشفعة في المبيع خوفا من سوء المشاركة وفي "المغني": له الأرش إن لم يكن عالما وأمسك فيما ينقص بالتفريق وظاهره أنه إذا كان عالما لا خيار له لأن إقدامه عليه مع العلم به دليل على الرضى ولا للبائع أيضا مطلقا لأنه رضي بزوال ملكه عما يجوز بيعه بقسطه.
"الثالثة: باع عبده وعبد غيره بغير إذنه أو عبدا وحرا أو خلا وخمرا ففيه روايتان" وكذا في "الكافي" "أولاهما: لا تصح"، جزم به في "الوجيز" وصححه في "المغني" و"الشرح" لأن الصفقة جمعت حلالا وحراما فغلب ولأن الثمن مجهول لكونه إنما يعلم بالتقسيط على القيمة وهو مجهول في الحال فلم يصح كالرقم المجهول.
"والأخرى: يصح في عبده وفي الخل" في ظاهر المذهب لأن كل واحد
بقسطه وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد فهل يصح على وجهين وإن جمع بين بيع وإجارة أو بيع وصرف صح فيهما ويقسط العوض عليهما في أحد الوجهين.
ـــــــ
منهما له حكم مفرد فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما كما لو باع شقصا وسيفا "بقسطه" لأن ذلك هو الذي يقابله وقيل يصح بالثمن والأشهر الأول والخمر قيل تقدر خلا كالحر عبدا وقيل تعتبر قيمتها عند من لها قيمة عنده وعند صاحب "الترغيب" وغيره: إن علما بالخمر لم يصح وعلى الأول لمشتر الخيار.
"وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه بثمن واحد فهل يصح على وجهين" أحدهما: لا يصح جزم به في "الوجيز" لأن كل واحد منهما مبيع بقسطه من الثمن وهو مجهول بخلاف ما إذا كانا لرجل واحد فإن جملة المبيع تقابل جملة الثمن من غير تقسيط والعبد المشترك ينقسم عليه الثمن بالأجزاء فلا جهالة.
والثاني: يصح وهو المنصوص وهو المذهب وقدمه في "المحرر" و"الفروع" لأن جملة الثمن معلومة فصح كما لو كانا لواحد فعليه يقسط على قدر القيمة.
ومثله بيع عبديه لاثنين بثمن واحد لكل منهما عبدا واشتراهما منهما وفيها في "المنتخب" وجه على عددهما فيتوجه في غيرها ومثلها في الإجارة ذكره في "الفروع".
"وإن جمع" بعوض واحد "بين بيع وإجارة أو بيع وصرف صح فيهما" نص عليه وهو المذهب لأنهما عينان يجوز أخذ العوض عنهما منفردين فجاز أخذه عنهما مجتمعين كالعبدين واختلاف حكمهما لا يمنع الصحة كما لو جمع بين ما فيه شفعة وما لا شفعة فيه.
"ويقسط العوض عليهما في أحد الوجهين" لما ذكرنا والثاني لا يصح،
وإن جمع بين كتابة وبيع فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة بطل البيع وفي الكتابة وجهان.
فصل
ولا يصح البيع ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها.
ـــــــ
لأن حكمهما مختلف وليس أحدهما أولى من الآخر فيبطل فيهما فإن المبيع فيه خيار ولا يشترط فيه التقابض في المجلس ولا ينفسخ العقد بتلف البيع والصرف بخلافه فلو جمع بين بيع وخلع صح نص عليه وكذا إذا جمع بين نكاح وبيع فيصح النكاح في الأصح لأنه لا يفسد بفساد العوض وفي البيع وجهان.
"وإن جمع بين كتابة وبيع فكاتب عبده وباعه شيئا صفقة واحدة بطل البيع" في الأصح وذكره في "الشرح" وجها واحدا لأنه باع ماله لعبده القن فلم يصح كما لو باعه من غير كتابة.
"وفي الكتابة وجهان" كذا في "المحرر" و"الفروع" أحدهما: يبطل جزم به في "الوجيز" لأنه بطل في بعضه فبطل في كله كما تقدم والثاني يصح لأن البطلان وجد في البيع فاختص به وقيل نصه صحة البيع والكتابة ويقسط العوض على قيمتهما.
فصل:
"ولا يصح البيع" والشراء "ممن تلزمه الجمعة" ولو كان أحد المتعاقدين أو وجد القبول "بعد ندائها" لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9] فنهى عن البيع بعد النداء وهو ظاهر في التحريم لأنه يشغل عن الصلاة ويكون ذريعة إلى فواتها أو فوات بعضها وكلاهما محرم وحينئذ لم ينعقد لأنه عقد نهي عنه لأجل عبادة فكان غير صحيح كالنكاح المحرم والمراد به الذي بين
ويصح النكاح وسائر العقود في أصح الوجهين ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمرا.
ـــــــ
يدي المنبر لأنه كان على عهده عليه السلام فتعلق الحكم به وعنه بالأول وهو الذي زاده عثمان وهو الأول وعنه أو الوقت قدمه في "المنتخب" وفي "عيون المسائل" و"الترغيب" بالوقت.
وكلامه شامل لكل أنواعه حتى الإقالة إن قيل هي بيع وكذا الإجارة قاله ابن عقيل وإنه يعم القليل حتى شرب الماء ويستثنى منه ما إذا كان لحاجة كمضطر إلى طعام أو شراب وعريان يجد سترة وكفن ميت وتجهيزه إذا خيف عليه الفساد وشراء أبيه ليعتق عليه بشرطه ومركوب لعاجز أو ضرير لا يجد قائدا على احتمال لابن عقيل فيه.
وقوله: ممن تلزمه يحترز به عن المسافر والمقيم في قرية لا جمعة عليهم لأن غير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي وذكر ابن أبي موسى رواية بلى لعموم النهي وظاهره أنه يصح بعد نداء غيرها وهو المذهب وقيل لا كهي.
وإن تضيق وقتها فوجهان وقيل يصح في الكل لأن النهي لمعنى في غيره لا فيه ويحرم ارتكابه كمساومة ومفاداة بعد ندائها.
"ويصح النكاح وسائر العقود" كالإجارة والصلح واختيار إمضاء البيع "في أصح الوجهين"، لأن ذلك يقل وقوعه فلا تكون إباحته ذريعة إلى ما ذكر في البيع.
والثاني: لا يصح لأنه عقد معاوضة أشبه البيع والأول أولى لأن النهي مختص بالبيع وغيره لا يساويه فلم يصح الإلحاق.
"ولا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمرا" قطعا لقوله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] وهذا معونة على الإثم فيكون محرما ولا يصح لأنه عقد على عين يقصد بها المعصية أشبه إجارة
ولا بيع السلاح في الفتنة ولا لأهل الحرب ويحتمل أن يصح مع التحريم ولا يصح بيع العبد المسلم لكافر إلا أن يكون ممن يعتق عليه فيصح في إحدى الروايتين.
ـــــــ
الأمة للزنى أو للغناء والمذهب إذا علم أي تحقق وقيل أو ظن اختاره الشيخ تقي الدين وعلم منه أن بيع الخمر وشراءه باطل إجماعا ولو من وكيل لخبر ابن عباس رواه الترمذي.
"ولا بيع سلاح في الفتنة" أي بين المسلمين لأنه عليه السلام نهى عنه قاله أحمد.
قال: وقد يقتل به ولا يقتل به وإنما هو ذريعة له "ولا لأهل الحرب" أو لقطاع الطريق لما فيه من الإعانة على المعصية.
"ويحتمل أن يصح" في الجميع "مع التحريم" كما لو دلس العيب وقاسه ابن المنجا على الصلاة في الدار المغصوبة إذ قيل بصحتها.
فرع: لا يصح بيع مأكول ومشموم لمن يشرب عليهما المسكر وأقداح لمن يشرب بها وجوز وبيض لقمار وأمة وأمرد لوطء دبر أو غناء.
قال أحمد في رجل مات، وخلف جارية مغنية وصغيرا وقد احتاج إلى بيعها فقال يبيعها على أنها ساذجة ولا عبرة بنقص قيمتها.
"ولا يصح بيع العبد المسلم لكافر" نص عليه لأنه ممنوع من استدامة ملكه عليه لأن فيه صغارا فمنع ابتداؤه كالنكاح والاسترقاق وعنه يؤمر ببيعه أو كتابته فإن وكله مسلم فظاهره المنع وهو وجه والآخر يجوز لأنه واسطة وفي ثالث إن سمي الموكل في العقد صح.
وفي "الواضح": إن كفر بعتق وكل من يشتريه له ويعتقه "إلا أن يكون ممن يعتق عليه" بالشراء "فيصح في إحدى الروايتين" جزم به في "الوجيز" وغيره، لأن ملكه لا يستقر عليه ولأنه وسيلة إلى تحصيل حرية المسلم والأخرى لا يصح لأنه ثبوت ملك لكافر على مسلم فلم يصح كما لو لم يعتق عليه،
وإن أسلم عبد الذمي أجبر على إزالة ملكه عنه وليس له كتابته وقال القاضي له ذلك ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة ولا شراؤه على شراء أخيه.
ـــــــ
وأطلقهما في "المحرر" و"الفروع" وعبارته شاملة لمن علق عتقه بشرائه وفي شمولها لمن اشتراه بشرط العتق نظر.
"وإن أسلم عبد الذمي" سواء كان بيده أو بيد مشتريه فرده عليه بعيب "أجبر على إزالة ملكه عنه" ببيع، أو هبة أو عتق لقوله تعالى: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141]، ولأن في إبقائه في ملكه صغارا للمسلم.
"وليس له كتابته" على المذهب لأن الكتابة لا تزيل ملك السيد عنه بل يبقى إلى الأداء وهو غير جائز "وقال القاضي" وجزم به في "الوجيز" وصححه في "الرعاية" "له ذلك" لأنه سبب لعتقه ولأنه يزيل يده عنه أشبه إعتاقه له.
تنبيه: إذا قال لآخر اشترني من فلان فإني عبده فاشتراه فبان حرا لم يلزمه العهدة حضر البائع أو غاب كقوله اشتر منه عبده هذا ويؤدب هو وبائعه لكن ما أخذه المقر غرمه نص عليهما وسأله ابن الحكم عن رجل يقر بالعبودية حتى يباع قال يؤخذ البائع والمقر بالثمن فإن مات أحدهما أو غاب أخذ الآخر بالثمن واختاره الشيخ تقي الدين فإن كان الغار أنثى حدت ولا مهر نص عليه ويلحقه الولد قال في "الفروع": فلو أقر أنه عبده فرهنه فيتوجه كبيع.
"ولا يجوز بيع الرجل على بيع أخيه" لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه، إلا أن يأذن له" متفق عليه ولما فيه من الإضرار بالمسلم وإفساد بيعه فحرم كشتمه.
"وهو أن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة أنا أعطيك مثلها بتسعة" هذا تفسير للبيع على بيع أخيه "ولا" يجوز "شراؤه على شراء أخيه" لأنه في معنى المنهي
وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة ليفسخ البيع ويعقد معه فان فعل فهل يصح البيع على وجهين وفي البيع الحاضر للبادي روايتان.
ـــــــ
عنه وهو أيضا في معنى الخاطب والبيع يقع على الشراء ويسمى البائع والمشتري بيعين "وهو أن يقول لمن باع سلعة بتسعة عندي فيها عشرة" هذا تفسير للشراء على شراء أخيه "ليفسخ البيع، ويعقد معه" وظاهره أن ذلك قبل لزوم العقد أي في مدة الخيارين.
فإذا انبرم فلا "فإن فعل" ما نهي عنه "فهل يصح البيع" الثاني؟ "على وجهين" كذا في "المحرر" وفي "البلغة" روايتان إحداهما لا يصح وجزم به في "الوجيز" وصححه في "الفروع" لما روى سمرة مرفوعا قال: "أيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما" رواه الخمسة. وهو عام في مدة الخيار وبعده والآخر يصح لأن النهي لمعنى في غير البيع أشبه بيع النجش وإن رده أو بذل لمشتر بأكثر مما اشتراها فوجهان.
وقال الشيخ تقي الدين: للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة وأخذ الزيادة أو عوضها.
فائدة: يحرم سومه على سوم أخيه لخبر أبي هريرة مع الرضى صريحا وقيل أو ظاهرا وقيل أو تساوى الأمران وقيل لا يصح وفي "عيون المسائل": السوم كالخطبة على خطبة أخيه وكذا سوم إجارة ذكره في "الانتصار" وغيره وأما استئجاره على إجارة أخيه فكذلك قاله الشيخ تقي الدين.
"وفي بيع الحاضر" وهو المقيم في المدن والقرى "للبادي" وهو المقيم في البادية والمراد هنا من يدخل البلد من غير أهلها سواء كان بدويا أو قرويا قاله في "المغني" و"الشرح" "روايتان" كذا في "المحرر" و"البلغة" لا ريب أنه بيع منهي عنه لقوله عليه السلام: "لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" رواه مسلم وعن أنس قال: نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه
إحداهما يصح والأخرى لا يصح بشروط خمسة أن يحضر البادي لبيع سلعته بسعر يومها جاهلا بسعرها ويقصده الحاضر ويكون بالناس حاجة إليها.
ـــــــ
وأمه. متفق عليه والمعنى فيه أنه لو ترك القادم يبيع سلعته اشتراها الناس منه برخص فإذا تولى الحاضر بيعها فلا يبيعها إلا بغلاء فيحصل الضرر على أهل المدن.
"إحداهما: يصح" لأن النهي كان في أول الإسلام فوجب زواله أو لأن النهي لمعنى في غير المنهي عنه فلم يبطل به
"والأخرى: لا يصح بخمسة شروط" جزم به في "الوجيز" وعليه الأصحاب لعموم النهي ولأن ما ثبت في حق الصحابة ثبت في حقنا ما لم يقم دليل على اختصاصهم به وحينئذ فالخلاف مبني على زوال النهي أو بقائه ورده الزركشي بأنهما مستمران على القول بالبقاء.
"أن يحضر البادي" لأنه متى لم يقدم إلى موضع آخر لم يكن باديا "لبيع سلعته" لأنه إذا حضر لخزنها فقصده الحاضر وحضه على بيعها كان ذلك توسعة لا تضييقا "بسعر يومها" لأنه إذا قصد بيعها بسعر معلوم كان المنع من جهته لا من جهة الحاضر زاد بعضهم أي يقصد بيعها بسعر يومها حالا لا نسيئة "جاهلا بسعرها" لأنه إذا عرفه لم يزده الحاضر على ما عنده "ويقصده الحاضر" لأنه إذا قصده البادي لم يكن للحاضر أثر في عدم التوسعة "ويكون بالناس" وفي ابن المنجا بالمسلمين "حاجة إليها"، لم يذكر أحمد هذا الشرط لأنهم إذا لم يكونوا محتاجين لم يوجد المعنى الذي نهى الشرع لأجله.
وظاهره: أنه لا يصح ولو رضوا به وصرح به في "الفروع" في ظاهر المذهب وأبطله الخرقي بثلاثة شروط أن يكون الحاضر قصد البادي وقد جلب السلعة للبيع فيعرفه السعر وزاد القاضي الشرطين الأخيرين وتبعه جل
فإن اختل شرط من ذلك صح البيع وأما شراؤه له فيصح رواية واحدة
ـــــــ
الأصحاب.
وحكى ابن أبي موسى رواية بالبطلان وإن عرف البادي السعر وعنه أو جهله الحاضر وعنه إن قصده الحاضر أو وجه به إليه ليبيعه ونقل المروذي أخاف أن يكون منه جزم بها الخلال.
"فإن اختل شرط من ذلك" أي: من الخمسة "صح البيع" وزال النهي لأن الموقوف على شروط يزول بزوال أحدها.
فرع: إذا أشار حاضر على باد ولم يتول له بيعا لم يكره ويتوجه إن استشاره وهو جاهل بالسعر لزمه بيانه لوجوب النصح وإن لم يستشره ففي وجوب إعلامه إن اعتقد جهله به نظر بناء على أنه هل يتوقف وجوب النصح على استنصاحه ويتوجه وجوبه وكلام الأصحاب لا يخالفه ذكره في "الفروع".
"وأما شراؤه له، فيصح رواية واحدة" لأن النهي إنما ورد عن البيع لمعنى يختص به وهو الرفق بأهل الحضر وهذا غير موجود في الشراء للبادي إذ الخلق في نظر الشارع سواء ونقل ابن هانئ لا يشتري له كالبيع وكرهه طائفة من السلف منهم الليث.
مسائل
الأولى: يحرم التسعير على الناس بل يبيعون أموالهم على ما يختارون لحديث أنس ويكره الشراء به وإن هدد من خالفه حرم وبطل في الأصح ويحرم بع كالناس في الأشهر و أوجب الشيخ تقي الدين إلزامهم المعاوضة بثمن المثل وأنه لا نزاع فيه.
الثانية: يحرم الاحتكار وهو شراء الطعام محتكرا له للتجارة مع حاجة الناس إليه فيضيق عليهم نص عليه في قوت آدمي وعنه وما يأكله الناس وعنه أو يضرهم ادخاره بشرائه في ضيق قال في "المغني": من بلده
ومن باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقدا.
ـــــــ
لا جالبا والأول نقله القاضي وغيره.
ويصح شراء محتكر وفي "الترغيب" احتمال ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس فإن أبى وخيف التلف فرقه الإمام ويردون مثله وقيل قيمته وكذا سلاح لحاجة قاله الشيخ تقي الدين وقال ومن ضمن مكانا ليبيع ويشتري وحده كره الشراء منه بلا حاجة ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حق قال أحمد استغن عن الناس لم أر مثله الغني من العافية.
الثالثة لا يكره ادخار قوت أهله ودوابه نص عليه ونقل جعفر سنة أو سنتين ولا ينوي التجارة فأرجو أن لا يضيق.
"ومن باع سلعة بنسيئة" أو بثمن لم يقبضه ذكره الأكثر "لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها نقدا" وهو قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم لما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية قالت دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم على عائشة فقالت أم ولد زيد بن أرقم إني بعت غلاما من زيد بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم نقدا فقالت لها بئسما اشتريت وبئسما شريت أبلغي زيدا أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطل إلا أن يتوب رواه أحمد وسعيد.
ولا تقول مثل ذلك إلا توقيفا ولأنه ذريعة إلى الربا ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل والذرائع معتبرة في الشرع بدليل منع القاتل من الإرث ولأنه تعالى عتب على بني إسرائيل التحيل في ارتكاب ما نهوا عنه.
وظاهره: ولو بعد حل أجله نقله ابن القاسم وسندي وقيد الشراء بالنقد تبعا لأبي الخطاب فدل على أنه إذا اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز بغير خلاف نعلمه لأنه لا ربا بين الأثمان والعروض.
وظاهره: أنه لا يجوز إذا اختلف النقد صححه المؤلف لأنهما كالشيء الواحد في معنى الثمنية وقال الأصحاب يجوز وهو المذهب لأنهما
إلا أن تكون قد تغيرت صفتها وإن اشتراها أبو ه أو ابنه جاز وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة لم يجز.
ـــــــ
جنسان لا يحرم التفاضل بينهما وكذا لو اشتراها مشتريه وظاهره المنع كتوكيله وسميت عينة لأن مشتري السلعة إلى أجل يأخذ بدلها عينا أي نقدا حاضرا من فوره وروي أن التبايع بها من أشراط الساعة.
"إلا أن تكون قد تغيرت صفتها" كعبد مرض أو ثوب انقطع لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا وتوقف في رواية مثنى فيما إذا نقص من نفسه وحمله في "الخلاف" على أن نقصه أقل من النقص الذي اشتراه به فتكون علة المنع باقية وكذا يجوز بعد قبض ثمنه صرح به في "الوجيز" و"الفروع".
"وإن اشتراها أبوه أو ابنه" أو غلامه ونحوه، "جاز" لأن كل واحد منهم كالأجنبي بالنسبة إلى الشراء ما لم يكن حيلة.
فرع: إذا باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة فهي عكس العينة وهي مثلها نقله حرب إلا أن تتغير صفتها ونقل أبو داود يجوز بلا حيلة فلو احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بثمانين فلا بأس نص عليه وهي مثل التورق وعنه يكره وحرمه الشيخ تقي الدين نقل أبو داود إن كان لا يريد بيع المتاع الذي يشتري منك هو أهون فإن كان يريد بيعه فهي العينة وإن باعه منه لم يجز وهي العينة نصر عليه.
"وإن باع ما يجري فيه الربا نسيئة" كالمكيل والموزون والمطعوم "ثم اشترى منه بثمنه قبل قبضه من جنسه" كما لو باعه غرارة قمح بمائة درهم فلما حل اشترى بها غرارة قمح "أو مالا يجوز بيعه به نسيئة" كما لو اشترى بثمن القمح غرارة شعير "لم يجز" روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس لأن بيع ذلك ذريعة إلى بيع الربوي بالربوي نسيئة ويكون الثمن المعوض عنه بينهما كالمعدوم لأنه لا أثر له وعلله أحمد بأنه بيع دين
ـــــــ
بدين، وجوزه الشيخ تقي الدين لحاجة.
قال في "المغني": والذي يقوى عندي جوازه إذا لم يفعله حيلة ولا قصد ذلك في ابتداء العقد لقول علي بن الحسين وكما لو كان المبيع الأول حيوانا أو ثيابا.
وظاهره: أنه إذا اشترى من المشتري طعاما بدراهم وسلمها إليه ثم أخذها منه وفاء أولم يسلم إليه لكن قاصه جاز صرح به في "المغني". "والشرح".
مسألة: يستحب الإشهاد في قول الجمهور إذ الأمر فيه محمول عليه وقال قوم وروي عن ابن عباس هو واجب لظاهر الآية وكالنكاح وجوابه قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة: 283] قال أبو سعيد صار إلى الأمانة وفعله عليه السلام يفسره.
باب الشروط في البيع
وهي ضربان: صحيح، وهو ثلاثة أنواع: أحدها شرط مقتضى البيع كالتقابض وحلول الثمن ونحوه.
ـــــــ
باب الشروط في البيعوهي جمع شرط وفسره ابن المنجا هنا بما ليس في محله والأولى هو إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ما له فيه منفعة.
"وهي ضربان: صحيح" وهو ما يوافق مقتضى العقد وفاسد وهو ما ينافيه وقدم الكلام على الشروط الصحيحة لسلامة العقد وإن كان ذاك أقرب إلى العدم.
"وهو" أي: الصحيح "ثلاثة أنواع: أحدها شرط مقتضى البيع" أي: مطلوبه "كالتقابض وحلول الثمن" فلا يؤثر فيه لأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد فوجوده كعدمه "ونحوه" مثل أن يشترط أن يتصرف أو يسقي الثمرة إلى الجداد قاله في "البلغة".
الثاني شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله أو الرهن أو الضمين به أو صفة في المبيع نحو كون العبد كاتبا أو خصيا أو صانعا أو مسلما والأمة بكرا والدابة هملاجة والفهد صيودا فيصح فإن وفي به وإلا فلصاحبه الفسخ وإن شرطها ثيبا كافرة فبانت بكرا مسلمة فلا فسخ له.
ـــــــ
"الثاني شرط من مصلحة العقد كاشتراط صفة في الثمن كتأجيله" أو بعضه قاله أحمد ولا بد أن يكون إلى مدة معلومة كالخيار "أو الرهن، أو الضمين به" والمراد إذا كانا معينين وليس له طلبهما بعد العقد لمصلحة ويلزم بتسليم رهن المعين إن قيل بلزوم بالعقد "أو صفة في المبيع" مقصودة "نحو كون العبد كاتبا أو خصيا أو صانعا" أو فحلا قاله في "الوجيز" و"الفروع" "أو مسلما والأمة بكرا" أو حائضا نص عليه فإن لم تحض فقال ابن شهاب إن كانت صغيرة فليس بعيب لأنه يرجى زواله بخلاف الكبيرة لأنها إن لم تحض طبعا ففقده يمنع النسل وإن كان لكبر فعيب لأنه ينقص الثمن.
"والدابة هملاجة" أي: ماشية إذ الهملجة مشية معروفة وهو فارسي معرب، "والفهد صيودا" والأرض خراجها كذا ذكره القاضي "فيصح" اشتراط ذلك لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك فلو لم يصح اشتراط ذلك لفاتت الحكمة التي شرع لأجلها البيع يؤيده قوله عليه السلام: "المسلمون عند شروطهم" فعلى هذا يلزم لقوله: "فإن وفي به، وإلا فلصاحبه" وهو المشتري "الفسخ"، لأنه شرط وصفا مرغوبا فيه فصار مستحقا كما لو ظهر المبيع معيبا فإذا يرجع بالثمن وظاهره أنه لا أرش له مع الإمساك وهو ظاهر "الخرقي" والقاضي، والأكثر إلحاقا له بالتدليس.
وذكر المجد في "محرره" و"الفروع": أنه إذا أمسك فله أرش فقد الصفة إلحاقا له بالعيب وقيل مع تعذر الرد وفي "المنتخب": هل يبطل بيع ببطلان رهن فيه كجهالة الثمن أم لا كمهر في نكاح فيه احتمالان.
"وإن شرطها ثيبا كافرة فبانت بكرا مسلمة فلا فسخ له" لأنه زاده خيرا،
ويحتمل أن له الفسخ لأن له فيه قصدا و إن شرط الطائر مصوتا أو أنه يجيء من مسافة معلومة صح وقال القاضي لا يصح.
ـــــــ
كما لو شرط الغلام كاتبا فإذا هو أيضا عالم وليس المراد اجتماع الوصفين بل متى شرط أحدهما فبان بخلافه كفى "ويحتمل" هذا قول في المذهب "أن له الفسخ، لأن له فيه قصدا" صحيحا إذ المشتري قد لا يطيق وطء البكر وطالب الكافرة أكثر لصلاحيتها للمسلمين وغيرهم وليستريح من تكليفها بالعبادات.
وقال أبو بكر: إذا شرطه كافرا فلم يكن فلا فسخ كاشتراط الحمق ونحوه فلو كانت مقصودة كما لو شرط في الأمة سبطة فبانت جعدة أو جاهلة فبانت عالمة فلا خيار له لأنه زاده خيرا فدل على أنه إذا شرطها جعدة فبانت سبطة أن له الخيار وقاله في "عيون المسائل" لأنه عيب.
تنبيه: يصح شرط كون الشاة لبونا أو غزيرة اللبن لا أنها تحلب كل يوم قدرا معينا لأنه يختلف وكذا يصح شرطها حاملا لأنه يمكن الوفاء به كالصناعة وقال القاضي قياس المذهب لا يصح فلو شرطها حائلا فبانت بخلافه فسخ في الأمة لأنه عيب لا في غيرها لأنه زيادة وقيل ويفسخ في غيرها لأنه قد يريدها لسفر أو لحمل شيء لا يتمكن منه مع الحمل فلو شرط أنها لا تحمل فهو فاسد.
"وإن شرط الطائر مصوتا" أو يبيض أو الديك يوقظه للصلاة "أو أنه يجيء من مسافة معلومة" كمصر، والشام، "صح" جزم به في "الوجيز" لأن في تصويته قصدا صحيحا، وهو عادة فيه كالهملاجة.
وكذا مجيئه لنقل الأخبار وحمل الكتب "وقال القاضي: لا يصح" لأنه غير معلوم فصار كالأجل المجهول ولأنه تعذيب له أشبه ما لو شرط الكبش مناطحا وأطلق الخلاف في "الفروع" وجزم في "المحرر" بعدم الصحة في الطائر إذا شرطه مصوتا. وفي "الشرح": لا يصح اشتراط كون الديك يوقظه للصلاة لأنه لا يمكن الوفاء به.
الثالث: أن يشترط البائع نفعا معلوما في المبيع كسكنى الدار شهرا أو حملان البعير إلى موضع معلوم أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وتفصيله.
ـــــــ
فرع: لو أخبره البائع بالصفة وصدقه بلا شرط فلا خيار له ذكره أبو الخطاب في المصراة ويتوجه عكسه قاله في "الفروع".
"الثالث: أن يشترط البائع نفعا معلوما في المبيع". على الأصح ويستثنى منه الوطء فإنه لا يصح اشتراطه بلا خلاف ويأتي وطء المكاتبة.
"كسكنى الدار شهرا أو حملان البعير إلى موضع معلوم" لما روى جابر: أنه كان يسير على جمل قد أعيا فضربه النبي صلى الله عليه وسلم فسار سيرا لم يسر مثله فقال: "بعنيه" فبعته، واستثنيت حملانه إلى أهلي متفق عليه يؤيده أنه عليه السلام نهى عن الثنيا إلا أن تعلم وهذه معلومة وأكثر ما فيه بتأخر التسليم فيه مدة معلومة فصح كما لو باعه أمة مزوجة أو دارا مؤجرة ونحوهما وقيل يلزم تسليمه ثم يرده لبائعه ليستوفي المنفعة ذكره الشيخ تقي الدين واحتج في "التعليق" و"الانتصار" وغيرهما بشراء عثمان من صهيب أرضا وشرط وقفها عليه وعلى عقبه وكحبسه على ثمنه.
والثانية: لا يصح لأنه عليه السلام نهى عن بيع وشرط ولأنه شرط ينافي مقتضى العقد وهو التسليم فلم يصح كما لو شرط أن لا يسمله وجوابه بأن أحمد أنكر الخبر وقال لا نعرفه مرويا في مسند فعلى الأولى لا ينتفع بها المشتري على الأشهر وللبائع إجارة ما استثناه وإعارته كعين مؤجرة ثم إن تلفت العين بفعل المشتري أو تفريطه كما اختاره في "المغني" و"الشرح" ضمنها بأجرة مثله وقال القاضي عليه ضمانه مطلقا وأخذه من كلام أحمد إذا تلفت العين رجع البائع على المبتاع بأجره المثل ولو باعها المشتري صح كالمؤجرة ويثبت الخيار للمشتري إذا لم يكن عالما.
"أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع كحمل الحطب وتكسيره وخياطة الثوب وتفصيله" بشرط أن يكون معلوما لأن محمد بن مسلمة
وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع لم يصح فيخرج ها هنا مثله، وإن جمع بين شرطين لم يصح.
ـــــــ
اشترى من نبطي جرزة حطب وشرط عليه حملها وغايته أنه جمع بيعا وإجارة وهو صحيح والمراد أحدهما لا هما صرح به في "الوجيز" فتكون الواو بمعنى "أو".
فرع: إذا تراضيا بعوض النفع جاز في الأشهر وهو كأجير مشترك فإن مات أو تلف أو استحق فللمشتري عوض ذلك نص عليه.
"وذكر الخرقي في جز الرطبة إن شرطه على البائع لم يصح" البيع وأورده ابن أبي موسى مذهبا لأنه اشترط العمل في المبيع قبل ملكه أشبه ما لو استأجره ليخيط له ثوب زيد إذا ملكه "فيخرج هاهنا مثله" كذا خرجه أبو الخطاب وجماعة لأن الشرط هنا مثله فيعطى حكمه وكذا قاله المجد تبعا لصاحب "التلخيص" وذكراه رواية وقال القاضي لم أجد بما قال الخرقي رواية في المذهب وتردد في "المغني" في التخريج، فقال: يحتمل أن يقاس عليه ما أشبهه من اشتراط نفع البائع في المبيع ويحتمل أن يختص البطلان بما ذكره لإفضائه إلى التنازع لأن البائع يريد قطعها من أعلاها ليبقى له منها بقية والمشتري يريد استقصاءها ليزيد له ما يأخذه وهو أولى لقوله والبيع لا يبطله شرط واحد وليوافق المذهب.
"وإن جمع بين شرطين، لم يصح" على الأصح لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع" رواه أبو داود والترمذي وصححه وظاهره كما قال القاضي في "المجرد" سواء كانا صحيحين أو فاسدين زاعما أنه ظاهر كلام أحمد ومعتمدا على إطلاق الخبر وبعد في "الشرح" كلامه والأشهر عن أحمد أنه فسرهما بشرطين صحيحين ليسا من مصلحة العقد بأن يشتري حزمة حطب ويشترط على البائع حملها وتكسيرها لا ما كان من مصلحته كالرهن والضمين فإن اشتراط مثل ذلك لا يؤثر ولا ما كان من مقتضاه ولا الشرطين الفاسدين،
فصل
الضرب الثاني فاسد وهو ثلاثة أنواع أحدها أن يشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر كسلف أو بيع أو قرض أو إجارة أو صرف للثمن أو غيره فهذا يبطل البيع ويحتمل أن يبطل الشرط وحده.
ـــــــ
إذ الواحد كاف في بطلانه وهذا اختيار الشيخين وصاحب "التلخيص" و"الشرح" تبعا للقاضي في شرحه.
وفي "المغني" و"الشرح" و"الفروع" إن ما كان من مقتضى العقد فلا يؤثر فيه بلا خلاف وعنه أنه فسرهما بشرطين فاسدين وقاله بعض الأصحاب وضعفه صاحب "التلخيص" فإن الواحد مؤثر فلا حاجة إلى التعدد.
وجوابه: بأنه مختلف فيه بخلاف الشرطين.
فصل
"الضرب الثاني فاسد" يحرم اشتراطه "وهو ثلاثة أنواع أحدها: أن يشترط أحدهما على صاحبه عقدا آخر كسلف أو بيع أو قرض أو إجارة أو صرف للثمن أو غيره فهذا" الشرط "يبطل البيع" على المذهب للنهي عنه وهو يقتضي الفساد قال أحمد هذا بيعتان في بيعة وكما لو شرط أن لا يسلم إليه المبيع نقل أبو داود إذا اشتراه بكذا إلى شهر كل جمعة درهمان قال هذا بيعتان في بيعة ولأنه شرط عقدا في آخر فلم يصح كنكاح الشغار وحكمته إذا فسد الشرط وجب رد ما في مقابلته من الثمن وهو مجهول فيصير الثمن مجهولا.
"ويحتمل أن يبطل الشرط وحده" هذا رواية لأن عائشة أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترط أهلها ولاءها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق" متفق عليه. فصحح الشراء مع إبطال الشرط وأطلق في "المحرر" الروايتين.
الثاني شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده أو أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق أو إن أعتق فالولاء له أو يشرط أن يفعل ذلك فهذا باطل في نفسه وهل يبطل البيع على روايتين.
ـــــــ
"الثاني شرط ما ينافي مقتضى البيع نحو أن يشرط أن لا خسارة عليه أو متى نفق المبيع وإلا رده أو أن لا يبيع ولا يهب ولا يعتق أو إن أعتق فالولاء له أو يشرط أن يفعل ذلك فهذا" شرط "باطل في نفسه" لقوله عليه السلام: "من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" متفق عليه، ولأن إطلاق البيع يقتضي تصرف المشتري في المبيع على اختياره لأنه إنما بذل الثمن في مقابلة الملك والملك يقتضي إطلاق التصرف فالمنع منه يؤدي إلى تفويت الغرض فيكون الشرط باطلا، "وهل يبطل البيع؟ على روايتين" كذا في "المحرر" و"البلغة" أنصهما: لا يبطل وهو ظاهر واختاره في "المغني" ونصره في "الشرح"، وجزم به في "الوجيز"، وقدمه في "الفروع" لحديث بريرة.
قال ابن المنذر: هو ثابت ولا نعلم شيئا يعارضه والقول به يجب لا يقال المراد بقوله: "اشترطي لهم الولاء" أي: عليهم لأنه ثابت لها بالإعتاق فلا حاجة إلى اشتراطه ولأنهم امتنعوا من البيع إلا أن يشترط لهم الولاء فكيف يأمرها بما علم أنهم لا يقبلونه منها وصيغة الأمر هنا للتسوية نحو: { فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [الطور: 16] ولعود الشرط على غير العاقد نحو بعتك على أن لا ينتفع به فلان يعني غير المشتري ذكره ابن عقيل وغيره.
والثانية: يبطل نصره القاضي وأصحابه لما تقدم ولأنه شرط فاسد فأفسد العقد كما لو شرط عقدا آخر وكجهالة الثمن فلو أسقط الفاسد بعد العقد لم يؤثر وعلى الصحة للفائت غرضه وقيل للجاهل فساد الشرط الفسخ أو أرش نقص الثمن بإلغائه وقيل لا أرش وذكره الشيخ
إلا إذا شرط العتق ففي صحته روايتان إحداهما يصح ويجبر عليه إن أباه وعنه فيمن باع جارية وشرط على المشتري إن باعها فهو أحق بها بالثمن أن البيع جائز ومعناه والله أعلم أنه جائز مع فساد الشروط.
ـــــــ
تقي الدين ظاهر المذهب "إلا إذا شرط العتق، ففي صحته" أي صحة الشرط "روايتان" كذا في "الفروع" "إحداهما: يصح" صححه في "البلغة" وقدمه في "المحرر" "والفروع" وهي المذهب، لحديث بريرة "ويجبر عليه إن أباه" لأنه عتق مستحق لله لكونه قربة التزمه المشتري فأجبر عليه كالنذر وقيل هو حق للبائع فيفسخ فإن أمضى فلا أرش في الأصح وهل له المطالبة به وإسقاطه فيه خلاف والوجه الثاني لا يجبر لأن الشرط لا يوجب فعل المشروط كما لو شرط الرهن أو الضمين فعليه يثبت للبائع خيار الفسخ لأنه لم يف له بشرطه.
والثانية لا يصح لأنه شرط ينافي مقتضى العقد أشبه ما لو شرط أن لا يبيعه وقيل شرط الوقف كالعتق.
"وعنه فيمن باع جارية وشرط على المشتري إن باعها فهو أحق بها بالثمن أن البيع جائز ومعناه والله أعلم أنه جائز مع فساد الشروط" روى المروذي عن أحمد أنه قال هو معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا شرطان في بيع" يعني: أنه فاسد لأنه شرط أن يبيعه إياه وشرط أن يبيعه بالثمن الأول فهما شرطان في بيع ولأنه ينافي مقتضى العقد لكن نقل علي بن سعيد عنه جواز البيع والشرطين وأطلق ابن عقيل وغيره في صحة هذا الشرط ولزومه روايتين.
قال الشيخ تقي الدين: عنه نحو عشرين نصا على صحة هذا الشرط وأنه يحرم الوطء لنقص الملك وسأله أبو طالب عمن اشترى أمة بشرط أن يتسرى بها لا للخدمة قال لا بأس به وحمل القاضي قول أحمد لا يقربها على الكراهة قال ابن عقيل وعندي أنه إنما منع منه لمكان الخلاف في العقد.
وإن شرط رهنا فاسدا ونحوه فهل يبطل البيع على وجهين.
الثالث أن يشترط شرطا يعلق البيع كقوله بعتك إن جئتني بكذا أو إن رضي فلان أو يقول للمرتهن إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك فلا يصح البيع ولا الشرط في الرهن إلا بيع العربون وهو أن يشتري شيئا ويعطي البائع درهما ويقول إن أخذته وإلا فالدرهم لك فقال أحمد رضي الله عنه يصح لأن عمر فعله.
ـــــــ
"وإن شرط رهنا فاسدا" كالخمر فسد لأن الرهن وثيقة بالحق ليرجع إليه عند الاستيفاء إذا لم يمكن من غيره وهو ممنوع من بيعه فلا يمكن الاستيفاء منه "ونحوه" كخيار أو أجل مجهولين "فهل يبطل البيع؟ على وجهين" كذا في "المحرر" والمنصوص صحته كما تقدم.
"الثالث: أن يشترط شرطا يعلق البيع، كقوله: بعتك إن جئتني بكذا أو إن رضي فلان" فالمذهب أنهما لا يصحان لأن مقتضى البيع نقل الملك حال التبايع والشرط هنا يمنعه وعنه صحة عقده لما تقدم وعنه صحتهما اختاره الشيخ تقي الدين في كل العقود التي لم تخالف الشرع لأن إطلاق الاسم يتناول المنجز والمعلق والصريح والكناية كالنذر ويستثنى على الأول بعت أو قبلت إن شاء الله "أو يقول للمرتهن: إن جئتك بحقك في محله وإلا فالرهن لك فلا يصح البيع ولا الشرط في الرهن" لقوله عليه السلام: "لا يغلق الرهن من صاحبه" رواه الأثرم وفسره أحمد بذلك وحكاه ابن المنذر عن جماعة من العلماء ولأنه علقه على شرط مستقبل كالأولى وفيه الخلاف المتقدم.
"إلا بيع العربون وهو أن يشتري شيئا" بثمن معلوم "ويعطي البائع درهما" أو أكثر "ويقول: إن أخذته" احتسب به من الثمن "وإلا" أي: وإن لم آخذه "فالدرهم لك، فقال أحمد: يصح، لأن عمر فعله" لما روى نافع بن عبد الحارث أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان فإن رضي عمر وإلا له
وعند أبي الخطاب لا يصح وإن قال بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه.
ـــــــ
كذا وكذا.
فلو دفع إليه درهما قبل البيع وقال لا تبعه لغيري وإن لم اشترها منك فهو لك ثم عقد وحسب من الثمن جاز وحمل في "الشرح" فعل عمر عليه جمعا بين فعله والخبر وموافقة القياس.
"وعند أبي الخطاب لا يصح" لنهيه عليه السلام عن بيعه رواه ابن ماجة ولأنه شرط للبائع شيئا بغير عوض فلم يصح كما لو شرطه لأجنبي ولأنه بمنزلة الخيار المجهول وفي "المغني" هذا هو القياس.
مسائل
الأولى: حكم إجارته كالبيع ذكره في "الوجيز" و"الفروع".
الثانية: تعتبر مقارنة الشرط ذكره في "الانتصار" ويأتي في النكاح.
الثالثة: يصح تعليق فسخ بشرط واختار أبو الخطاب والمؤلف لا قال في "الرعاية" فيما إذا آجره كل شهر بدرهم إذا مضى شهر فقد فسختها أنه يصح كتعليق الخلع وهو فسخ على الأصح.
الرابعة: إذا صححنا العقد دون الشرط فلمن فات غرضه منهما وقيل للجاهل فساد الشرط الفسخ لأنه لم يسلم له ما عقد عليه أو أرش نقص الثمن بإلغائه كالمعيب وقيل لا أرش وذكره الشيخ تقي الدين ظاهر المذهب.
"وإن قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث" زاد في "الشرح": أو مدة معلومة، "وإلا فلا بيع بيننا فالبيع صحيح نص عليه" وهو قول عمر، واختاره جمع وخصه بالثلاث لأنه علق رفع العقد بأمر يحدث في مدة
وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ وعنه يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه.
فصل:
وإن باعه دارا على أنها عشرة أذرع فبانت أحد عشر فالبيع باطل.
ـــــــ
الخيار. فجاز كما لو شرط الخيار ولأنه نوع بيع فجاز أن يفسخ بتأخر القبض كالصرف فإذا لم ينعقد في المدة انفسخ العقد، وقيل يبطل بفواته.
"وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب" أو من عيب كذا إن كان به "لم يبرأ" في ظاهر المذهب لأنه خيار يثبت بعد العقد فلا يسقط قبله كالشفعة ذكره أبو الخطاب وجمع أو لأنه شرط يرتفق به أحد العاقدين فلا يصح شرطه كالأجل المجهول.
"وعنه: يبرأ إلا أن يكون البائع علم العيب فكتمه" ومعناه أنه يبرأ مع الجهل لا العلم به لأن عبد الله بن عمر باع عبدا من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة فأصاب به زيد عيبا فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر أتحلف أنك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه ثم باعه ابن عمر بألف درهم رواه أحمد.
وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت كالإجماع ونقل ابن هانئ إن عينه صح ومعناه نقل ابن القاسم وغيره لا يبرأ إلا أن يخبره بالعيوب كلها لأنه مرفق في البيع كالخيار وعنه يبرأ مطلقا قال في "الانتصار": وهو الأشبه بأصولنا كبراءة من مجهول وحيث قيل بفساد الشرط فالعقد صحيح على المذهب وفيه رواية فإن سمي العيب وأبرأه منه صح.
فصل:
"وإن باعه دارا" وفي "المحرر" و"الفروع" أرضا وهو أحسن أو ثوبا "على أنها عشرة أذرع فبانت أحد عشر فالبيع باطل" جزم به ابن عقيل لأنه لا يمكن
وعنه أنه صحيح والزيادة للبائع ولكل واحد منهما الفسخ و إن اتفقا على إمضائه جاز وإن بانت تسعة فالبيع باطل وعنه أنه صحيح والنقص على البائع وللمشتري الخيار بين الفسخ وأخذ المبيع بقسطه من الثمن وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز.
ـــــــ
إجبار البائع على تسليم الزيادة لأنه إنما باعه عشرة أذرع ولا المشتري على أخذ البعض لأنه إنما اشترى الكل وعليه ضرر في الشركة "وعنه: أنه صحيح" قدمه في المحرر وجزم به في "الوجيز" لأن ذلك نقص على المشتري فلم يمنع صحة البيع كالرد بالعيب وأطلقهما في "الفروع" "والزيادة للبائع" لأنه لم يبعها "ولكل واحد منهما الفسخ" دفعا لضرر المشاركة ما لم يعطه الزائد مجانا ذكره في "المغني" و"الشرح" و"الفروع" لأنه زاده خيرا وإن أبى ثبت للمشتري الخيار بين الفسخ والأخذ بجميع الثمن وقسط الزائد.
فإن رضي بالأخذ والبائع شريك له بالزائد فهل للبائع خيار الفسخ على وجهين أحدهما وهو ظاهر المتن أن له الفسخ لأن عليه ضررا في المشاركة.
والثاني: لا لأنه رضي ببيع الجميع بهذا الثمن فإذا وصل إليه مع بقاء جزء له فيه كان زيادة.
"وإن اتفقا على إمضائه جاز" لأن الحق لهما لا يعدوهما كحالة الابتداء.
"وإن بانت تسعة فالبيع باطل وعنه: أنه صحيح" وقد ذكرناه "والنقص على البائع" لأنه التزمه بالبيع ولا خيار له إذ لا ضرر عليه فيه "وللمشتري الخيار بين الفسخ" لنقصه "وأخذ المبيع بقسطه من الثمن" لأنه يقسط على كل جزء من أجزاء المبيع فإذا فات جزء استحق ما قبله من الثمن فإن أخذه بقسطه فللبائع الخيار بين الرضى والفسخ فإن بذل المشتري كل الثمن لم يملك الفسخ أشبه المبيع إذا كان معيبا فرضيه بجميع الثمن "وإن اتفقا على تعويضه عنه جاز" لأنه لا
ـــــــ
يجبر أحدهما على المعاوضة إذ المعاوضة يعتبر فيها التراضي منها.
فرع: إذا باعه صبرة على أنها خمسة أقفزة فبانت ستة رد الزائد ولا خيار للمشتري إذ لا ضرر عليه في رد الزائد وإن بانت أقل أخذها بقسطها من الثمن ولا خيار له لأن نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من المكيل وقيل بلى لنقصانها وكغيرها والله أعلم.
باب الخيار في البيع
وهو على سبعة أقسام: أحدها خيار المجلس ويثبت في البيع
ـــــــ
باب الخيار في البيعالخيار: اسم مصدر من اختار يختار اختيارا وهو طلب خير الأمرين من إمضائه أو الفسخ.
"وهو على سبعة أقسام" وسيأتي "أحدها: خيار المجلس" وهو بكسر اللام موضع الجلوس والمراد به مكان التبايع "ويثبت في البيع" في قول أكثر العلماء لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع" متفق عليه.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسنه وقد أنكر كثير من العلماء على مالك مخالفته للحديث مع روايته له عن نافع عن ابن عمر قال الشافعي لا أدري هل مالك اتهم نفسه أو نافعا وأعظم أن أقول عبد الله بن عمر انتهى.
واعتراض المالكي بعمل أهل المدينة مدفوع بمخالفة سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب فإن قيل هو خبر آحاد فيما تعم به البلوى.
والصلح بمعناه والإجارة ويثبت في الصرف والسلم
ـــــــ
فالجواب: بأنه مستفيض فإنه روي من حديث حكيم بن حزام وأبي هريرة وأبي برزة الأسلمي وجابر فإن قيل قد روي عن عمر أنه قال البيع صفقة أو خيار ولأنه عقد معاوضة فيلزم بمجرده كالنكاح وبأن المراد بالتفرق في الخبر التفرق بالأقوال لقوله تعالى: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] ولقوله عليه السلام: "ستفترق أمتي" الخبر فالجواب بأن معنى ما روي عن عمر أن البيع ينقسم إلى بيع شرط فيه الخيار وبيع لم يشرط فيه وسماه صفقة لقصر مدة الخيار مع أن الجوزجاني روى عنه الأول ولو سلم فقد خالفه جمع من الصحابة مع أنه لا تأثير له مع وجود النص.
والقياس مدفوع فإن النكاح لا يقع إلا بعد ترو ونظر ولما فيه من إذهاب حرمة المرأة وردها وإلحاقها بالسلع المبيعة وليس بين المتبايعين تفرق بقول ولا اعتقاد ولأنه تبطل فائدة الحديث ولأنه جعل لهما الخيار بعد تبايعهما وفسره ابن عمر بأنه كان يمشي خطوات ليلزم البيع وهو شامل لجميع أنواعه والهبة بعوض إذ المغلب فيها حكم البيع على الأشهر والقسمة إن قيل هي بيع ويستثنى منه الكتابة وما تولاه واحد كالأب على الأصح ولا في شراء من يعتق عليه في الأشهر كما لو باشر عتقه.
وفي طريقة بعض أصحابنا رواية لا يثبت خيار مجلس في بيع وعقد معاوضة.
"والصلح بمعناه" أي: بمعنى البيع كما إذا أقر له بدين أو عين ثم صالحه عنه بعوض لأنه بيع فيدخل في العموم.
"والإجارة" لأنها عقد معاوضة فيثبت فيها كالبيع وقيل لا تلي مدتها العقد "ويثبت في الصرف والسلم" على الأصح لأنه يشترط لصحته القبض وهو بيع في الحقيقة.
وعنه: لا يثبت فيهما ولا يثبت في سائر العقود إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما.
ـــــــ
"وعنه: لا يثبت فيهما" كخيار الشرط ولأنه يفتقر إلى القبض في الحال وذلك يقتضي عدم العلقة بينهما وهو ينافيه "ولا يثبت في سائر" أي: باقي "العقود" سواء كان لازما من الطرفين كالنكاح والخلع لأنه يقصد منه الفرقة كالطلاق وكذا القرض والوقف والضمان والهبة الخالية عن عوض لأن فاعل ذلك دخل فيه على أن الحظ لغيره أو من أحد الطرفين كالرهن لأنه لو جاز فيه لبقي الحق بلا رهن فيضر بالمرتهن أو جائزا من الطرفين كالوكالة والشركة والجعالة.
وأما المتردد بين الجواز واللزوم فقال: "إلا في المساقاة والحوالة والسبق في أحد الوجهين" إذ المساقاة والسبق إجارة في وجه والحوالة بيع والمذهب أنه لا يثبت في ذلك لأن المساقاة عقد جائز والحوالة إما إسقاط أو عقد مستقل والسبق جعالة وكذا الخلاف في المزارعة والأخذ بالشفعة.
"ولكل واحد من المتبايعين الخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما" عرفا ولو طال المجلس بنوم أو تساوقا بالمشي أو في سفينة.
ولهذا لو أقبضه في الصرف وقال أمشي معك حتى أعطيك ولم يفترقا جاز نقله حرب وهو شامل إذا حصلت الفرقة بهرب كفعل ابن عمر والأصح أنه تحرم الفرقة خشية الاستقالة لظاهر خبر عمرو بن شعيب قاله أحمد أو من غير قصد أو جهل وكذا بإكراه في وجه إذ الرضى في الفرقة غير معتبر كما لا يعتبر الرضى في الفسخ واختار القاضي و أورده صاحب "التلخيص" مذهبا: أنه لا ينقطع خيار المكره فيكون الخيار في المجلس الذي زال عنه الإكراه وقيل إن كان يقدر على كلام يقطع به خياره انقطع وإلا فلا.
وإلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما أو يسقطا الخيار بعده فيسقط في إحدى الروايتين.
ـــــــ
وخص في "المغني" "والشرح" الخلاف بما إذا أكره أحدهما فلو أكرها زال خيارهما وقال ابن عقيل يبقى خيارهما وجعل منهما ما إذا رأيا سبعا أو ظالما يؤذيهما وهو ظاهر.
ويبطل خيارهما بموت أحدهما لأنها أعظم الفرقتين لا الجنون وهو على خياره إذا أفاق وفي "الشرح": إن خرس ولم تفهم إشارته أو جن أو أغمي عليه قام وليه مقامه.
بيان: المرجع في التفرق إلى العرف لعدم بيانه في الشرع فإن كانا في فضاء واسع مشى أحدهما مستدبرا لصاحبه خطوات قطع به ابن عقيل وقدمه في "المغني" و"الشرح" وقيل: يبعد منه بحيث لا يسمع كلامه المعتاد وجزم به في "الكافي".
وإن كانا في دار واسعة فمن بيت إلى آخر أو مجلس أو صفة بحيث يعد مفارقا وفي صغيرة يصعد أحدهما السطح أو يخرج منها كسفينة صغيرة وأما الكبيرة فيصعد أحدهما أعلاها وينزل الآخر أسفلها.
فائدة: قال الأزهري سئل ثعلب عن الفرق بين التفرق والافتراق فقال أخبرني ابن الأعرابي عن المفضل قال يقال فرقت يبن الكلامين مخففا فافترقا وفرقت بين اثنين مشددا فتفرقا فجعل الافتراق في الأقوال والتفرق في الأبدان.
"وإلا أن يتبايعا على أن لا خيار بينهما أو يسقطا الخيار بعده" أي: بعد البيع "فيسقط في إحدى الروايتين" اختارها ابن أبي موسى وجزم بها في "الوجيز" وقدمها في "المحرر" و"الفروع" وصححها في المغني والشرح لقوله عليه السلام: "فإن خير أحدهما صاحبه فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع" أي لزم ولقوله عليه السلام: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون البيع عن
وإن أسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه.
فصل
الثاني: خيار الشرط وهو أن يشترطا في العقد خيار مدة معلومة فيثبت فيها وإن طالت.
ـــــــ
خيار فإن كان البيع عن خيار، فقد وجب البيع".
والثانية: لا يسقط فيهما، وهي ظاهر "الخرقي" واختيار القاضي في تعليقه وأبي الخطاب في خلافه الصغير وابن عقيل لأن أكثر الأحاديث: "البيعان بالخيار" من غير زيادة وقول الأكثر ذوي الضبط مقدم على رواية المنفرد.
وجوابه: أن الأخذ بما تضمنته الزيادة أولى "وإن أسقطه أحدهما بقي خيار صاحبه" لأنه خيار في البيع فلم يبطل حق من لم يسقطه كخيار الشرط والأصح أنه يبطل خيار القائل لظاهر الخبر.
فصل
"الثاني: خيار الشرط وهو أن يشترطا في العقد" وظاهره لو اتفقا قبله لم يلزم الوفاء به وفي "المحرر" وبعده في زمن الخيارين "خيار مدة معلومة، فيثبت فيها وإن طالت" وقاله جمع من العلماء لقوله تعالى: {آمَنُوا أَوْفُوا} [المائدة: 1] ولقوله عليه السلام: "المسلمون على شروطهم" ولأنه حق مقدر يعتمد الشرط فيرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل أو مدة ملحقة بالعقد فجاز ما اتفقا عليه كالأجل وما روي عن محمد بن يحيى بن حبان بفتح الحاء والباء الموحدة أن جده كان يغبن في البيوع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا بايعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال" رواه البخاري في "تاريخه" وأصله في الصحيحين، ولفظ البخاري: "لا خلابة" ومسلم: "لا خيانة" قيل: هو تصحيف.
ولا يجوز مجهولا في ظاهر المذهب وعنه يجوز وهما على خيارهما إلى أن يقطعاه أو تنتهي مدته ولا يثبت إلا في البيع والصلح بمعناه والإجارة في الذمة أو على مدة لا تلي العقد.
ـــــــ
وهو ينافي مقتضى العقد لأنه يمنع الملك واللزوم وإطلاق التصرف فجاز في الثلاثة للحاجة فإنه خاص بحبان لأنه كان أصابه آمة في رأسه فكسرت لسانه وكان يغبن ويرد السلع على التجار ويقول الرسول جعل لي الخيار ثلاثا وعاش إلى زمن عثمان وتقديرها بالحاجة لا يصح لأنه لا يمكن ضبط الحكم بها لخفائها.
وكلامه شامل لو كان المبيع لا يبقى إلى مضيها كطعام رطب ونحوه فإنه يباع ويحفظ ثمنه إلى المدة صرح به القاضي وهو قياس ما ذكر في الرهن وهذا ما لم يكن حيلة فإن فعله حيلة ليربح فيما أقرضه لم يجز نص عليه.
"ولا يجوز مجهولا" كقدوم زيد أو مجيء المطر أو الأبد "في ظاهر المذهب" لأنها مدة ملحقة بالعقد فلم تجز مع الجهالة مع أن شرط الأبد يقتضي المنع من التصرف فيه وهو مناف لمقتضى العقد.
"وعنه: يجوز" وقاله ابن شبرمة للخبر فعلى هذه هما على خيارهما إلى أن يقطعاه أو تنتهي مدته إن كانت معلقة بما تنتهي به.
"ولا يثبت إلا في البيع" لما مر ويستثنى منه ما يشترط فيه القبض لصحته كالصرف والسلم "والصلح بمعناه" لأنه بيع بلفظ الصلح وقسمة قاله في "الفروع" قال ابن عقيل وإن كان رد وأنه يحتمل دخوله في سلم رواية واحدة لعدم اعتبار قبضهما "والإجارة في الذمة" كقوله: استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب ونحوه فيثبت فيه خيار الشرط لأنه استدراك للغبن فوجب ثبوته كخيار المجلس "أو على مدة لا تلي العقد" كما لو أجره سنة خمس في سنة أربع فدل على أنها إذا كانت تلي العقد لا يثبت فيها خيار الشرط على
وإن شرطاه إلى الغد لم يدخل في المدة وعنه يدخل وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد ويحتمل أن يكون من حين التفرق.
ـــــــ
المذهب لأنه يفضي إلى فوات بعض المنافع المعقود عليها أو إلى استيفائها في مدة الخيار وكلاهما غير جائز.
وفيه وجه: أنه يصح ويتصرف المستأجر فإن فسخ العقد رجع بقيمة المنافع المستوفاة وظاهره أنه لا يثبت في غير ما ذكر وقال ابن حامد يثبت في ضمان وكفالة وقال ابن الجوزي ونصر بن علي صاحب "الروضة": يثبت كخيار المجلس وقال الشيخ تقي الدين يجوز في كل العقود.
"وإن شرطاه إلى الغد، لم تدخل في المدة" لأن "إلى" لانتهاء الغاية وما بعدها يخالف ما قبلها لقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وكنظائره في الطلاق، والإقرار.
"وعنه: تدخل" لأنها قد تكون بمعنى "مع" فعليها لا يسقط الخيار إلا بآخر الغد وجوابه بأن ما تقدم هو الأصل فيها وحملها على المعية إما لدليل أو لتعذر حملها على موضوعها الأصلي وإلى الظهر إلى الزوال كالغد والعشي والعشية من الزوال وذكرهما الجوهري من الغروب إلى العتمة كالعشاء وإن قوما زعموا أن العشاء من الزوال إلى طلوع الفجر والمساء والغبوق من الغروب والغدوة والغداة من الفجر إلى طلوع الشمس كالصبوح والآصال من العصر إلى الغروب.
فائدة: يقال من الفجر إلى الزوال أصبح عندك فلان ومن الزوال إلى آخر النهار أمسى عندك والصباح خلاف المساء والإصباح نقيض الإمساء.
"وإن شرطاه مدة فابتداؤها من حين العقد" على المذهب لأنها مدة ملحقة بالعقد فكان ابتداؤها من حين العقد كالأجل، "ويحتمل أن يكون من حين التفرق" وهو وجه لأن الخيار ثابت في المجلس حكما فلا معنى لإثباته
وإن شرط الخيار لغيره جاز وكان توكيلا له فيه وإن شرطا الخيار لأحدهما دون صاحبه جاز.
ـــــــ
بالشرط ولأن حالة المجلس كحالة العقد لأن لهما نية الزيادة والنقصان وصحح في "المغني" و"الشرح" الأول لأن الاشتراط سبب ثبوت الخيار فوجب أن يتعقبه حكمه كالملك في البيع مع أنها لو جعلت من التفرق لأدى إلى جهالتها وثبوت الحكم بشيئين غير ممتنع كالوطء يحرم بالصيام و الإحرام.
فرع: إذا شرطاه سنة في أثناء شهر استوفي شهر بالعدد وباقيها بالأهلة وعنه يستوفي الكل بالعدد كما يأتي فيما إذا علق بالأشهر من إجارة وعدة وصوم كفارة وإن شرطاه شهرا يوما يثبت ويوما لا فثالثها كابن عقيل يصح في اليوم الأول لإمكانه ويبطل فيما بعده لأنه إذا لزم في اليوم الثاني لم يعد إلى الجواز.
"وإن شرط الخيار لغيره" وله "جاز، وكان توكيلا له" فيه لأن تصحيح الاشتراط ممكن فوجب حمله عليه صيانة لكلام المكلف عن الإلغاء وصار بمنزلة ما لو قال أعتق عبدك عني.
وإن شرطه لزيد وأطلق فوجهان وإن قال له دوني لم يصح لأن الخيار شرع لتحصيل الحظ لكل من المتعاقدين بنظره فلا يكون لمن لا حظ له وظاهره أنه يصح واختاره في "المغني" و"الشرح" ويكون توكيلا لأنه أمكن تصحيحه فعليه لأحدهما الفسخ وقيل للموكل إن شرطه لنفسه وجعله وكيلا.
"وإن شرط الخيار لأحدهما" أي: أحد المتعاقدين "دون صاحبه جاز"، لأنه إذا جاز اشتراطه لهما فلأن يجوز لأحدهما بطريق الأولى فدل على أنه إذا شرط لأحدهما لا بعينه أنه غير جائز لجهالته كما لو اشترى أحد عبديه وكما لو جعل الخيار في إحدى السلعتين لا بعينها بخلاف ما لو اشترى شيئين وشرط الخيار في أحدهما بعينه دون الآخر فإنه يصح ويكون كل منهما مبيعا بقسطه ويظهر أثره عند الرد.
ولمن له الخيار الفسخ من غير حضور صاحبه ولا رضاه وإن مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما وينتقل الملك إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين.
ـــــــ
"ولمن له الخيار الفسخ" في قول الأكثر "من غير حضور صاحبه، ولا رضاه" لأنه عقد جعل إليه فجاز مع غيبة صاحبه وسخطه كالطلاق ونقل أبو طالب يرد الثمن اختاره الشيخ تقي الدين كالشفيع ولعله مراد من أطلق لإزالة الضرر وفي "الفروع" يتخرج من عزل الوكيل لا فسخ في غيبته حتى يبلغه في المدة "وإن مضت المدة ولم يفسخا بطل خيارهما" ولزم العقد، هذا هو الأصح لأنها مدة ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل وقال القاضي لا يلزم لأنه حق له لا عليه فلم يلزم بمرور الزمان كمضي الأجل في حق المولى وجوابه أن الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار أكثر من مدته المشترطة وهو لا يثبت إلا بالشرط إذ البيع سبب اللزوم لكن تخلف موجبه بالشرط فإذا زالت مدته لزم العقد بموجبه لخلوه عن المعارض.
قوله: ولم يفسخا ليس قيدا فيه بل لو لم يفسخ أحدهما بطل الخيار صرح به في "المغني" و"الشرح" إذ فسخ أحدهما لا يصدق عليه أنهما فسخا ولم يحترز عنه لظهور المراد.
"وينتقل الملك" مدة الخيارين "إلى المشتري بنفس العقد في أظهر الروايتين" هي المذهب لقوله عليه السلام: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" ووجه أنه جعل المال للمبتاع باشتراطه وهو عام في كل بيع فيدخل فيه بيع الخيار.
والثانية: لا ينتقل الملك إلا بانقضاء مدة الخيار لأنه عقد قاصر لا يفيد التصرف ولا يلزم أشبه الهبة قبل القبض والأولى أصح لأنه بيع صحيح فنقل الملك عقيبه كما لو لم يشترطه ولأن البيع تمليك بدليل أنه يصح بقوله ملكتك فيثبت فيه كالمطلق ودعوى القصور فيه ممنوعة،
فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار إلا بما يحصل به تجربة المبيع.
ـــــــ
وجواز فسخه لا يوجب قصوره ولا يمنع نقل الملك فيه كالمعيب وامتناع التصرف لأجل حق الغير لا يمنع ثبوت الملك كالمرهون.
فعلى هذا يعتق عليه قريبه وينفسخ نكاحه ويخرج فطرته قال أبو الخطاب وغيره ويأخذ بالشفعة ولا فرق بين أن يكون الخيار لهما أو لأحدهما صرح به في "المغني" و"الشرح".
"فما حصل من كسب أو نماء منفصل فهو له أمضيا العقد أو فسخاه" لأنه نماء ملكه الداخل في ضمانه بقوله: "الخراج بالضمان" قال الترمذي: حديث صحيح.
واحترز بالمنفصل عن النماء المتصل كالسمن ونحوه فإنه يتبع العين مع الفسخ لتعذر انفصاله قال ابن المنجا ولا بد أن يلحظ في كون النماء المنفصل للمشتري وأنه مبني على القول بأن الملك ينتقل إليه بنفس العقد لا على الرواية الثانية فإنه للبائع وفيه نظر فإنه مفرع على الصحيح.
وعنه إن فسخ أحدهما فالنماء المنفصل وعنه وكسبه للبائع كرواية الملك له.
فرع: الحمل وقت العقد مبيع وعنه نماء فترد الأم بعيب بالثمن كله ذكره في "الوسيلة" فعلى الأول هل هو كأحد عينين أو تبع للأم لا حكم له فيه روايتان.
"وليس لواحد منهما التصرف في المبيع في مدة الخيار" لأنه ليس بملك للبائع فيتصرف فيه ولا انقطعت عنه علقة فيتصرف فيه المشتري وكذا يمنع من التصرف في العوض صرح به في "الوجيز" و"الرعاية" و"الزركشي" حذارا من إبطال حق الآخر "إلا بما يحصل به تجربة المبيع" كركوب الدابة،
وإن تصرفا ببيع أو هبة ونحوهما لم ينفذ تصرفهما ويكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف المشتري إسقاطا لخياره في أحد الوجهين وفي الآخر البيع والخيار بحالهما.
ـــــــ
لينظر سيرها وحلب الشاة ليعلم قدر لبنها لأن ذلك المقصود من الخيار وهو اختبار المبيع.
"فإن تصرفا" أو أحدهما "ببيع أو هبة ونحوهما" مما ينقل الملك أو يثبت النقل في العقود كالإجارة والرهن فهو حرام "ولم ينفذ تصرفهما" كذا أطلقه جماعة لأنه تصرف لم يصادف محله لأن البائع لا يملكه والمشتري يقتضي تصرفه إلى إسقاط حق البائع من الخيار واسترجاع المبيع وقيل ينفذ تصرف البائع إذا قلنا الملك له والخيار له وفي "المغني" أولهما وعنه ينفذ تصرف المشتري كما لو كان الخيار له على الأصح وعنه موقوف.
"ويكون تصرف البائع فسخا للبيع وتصرف المشتري إسقاطا لخياره" أي: رضي به "في أحد الوجهين" جزم به في "الوجيز" لأن ذلك يحصل بالتصريح فحصل بالدلالة عليه كالمعتقة فإن خيارها يسقط بتمكينها الزوج من وطئها والمذهب أن تصرف المشتري وسومه ووطأه ولمسه بشهوة إمضاء قال أحمد وجب عليه حين عرضه.
"وفي الأخر البيع والخيار لحالهما" أي: ليس تصرف البائع فسخا للبيع نص عليه واختاره ابن أبي موسى وهو الأصح لأن الملك انتقل عنه فلم يكن تصرفه فسخا واسترجاعا كما لو وجد ماله عند مفلس وكما لو أنكر شرط الخيار قاله في "الترغيب" وغيره.
وأما المشتري فلا ينفذ تصرفه إلا بالعتق وسيأتي ولا يبطل خياره إلا بالتصريح فالتصرف غير صحيح فوجوده كعدمه وفي طريقة بعض أصحابنا له التصرف ويكون رضى بلزومه وإن سلم فلأنه منع نفسه منه قال وإذا قلنا بالملك له قلنا بانتقال الثمن إلى البائع وقاله غيره، فإن
وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين وكذلك إن قبلته الجارية ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها وإن اعتقه المشتري نفذ عتقه.
ـــــــ
تصرف مع البائع فروايتان بناء على دلالة التصرف على الرضى.
فرع: إذا تصرف أحدهما بإذن الآخر أو تصرف وكيلهما فهو نافذ في الأصح فيهما وانقطع الخيار لأنه يدل على تراضيهما بإمضاء البيع كما لو تخايرا.
"وإن استخدم المبيع لم يبطل خياره في أصح الروايتين" لأن الخدمة لا تختص الملك فلم تبطل به كالنظر وظاهره مطلقا وقيده في الوجيز بأنه إذا كان للاستعلام و أومأ إليه في "الشرح".
والثانية تبطل لأن الخدمة إحدى المنفعتين فأبطلت الخيار كالوطء أطلقهما في "المحرر" و"الفروع".
"وكذلك إن قبلته الجارية" ولم يمنعها، نص عليه لأنه لم يوجد منه ما يدل على إبطال ولأن الخيار له لا لها فلو ألزمناه بفعلها لألزمناه بغير رضاه بخلاف ما إذا قبلها فإنه يدل على الرضى.
"ويحتمل أن يبطل إن لم يمنعها" لأن سكوته استمتاع بها ودليل على رضاه أشبه المعتقة تحت عبد إذا وطئها وهي ساكتة قال ابن المنجا ولا بد أن يقيد الخلاف بالشهوة لأنه إذا كان لغير شهوة لا يبطل بغير خلاف لأن التقبيل لغير شهوة ليس باستمتاع بوجه وليس كذلك بل ما ذكره هو قول في المذهب وظاهر كلامهم خلافه.
"وإن أعتقه المشتري نفذ عتقه" على المذهب، لأنه عتق من مالك جائز التصرف تام الملك فنفذ كما لو كان بعد مدة الخيار وقوله عليه السلام: "لا عتق فيما لا يملك ابن آدم" دال على نفوذه في الملك وملك البائع الفسخ لا يمنع صحته كما لو وهب ابنه عبدا فأعتقه فإنه ينفذ مع ملك الأب استرجاعه وظاهره أن عتق البائع لا ينفذ وهو ظاهر المذهب.
وبطل خيارهما وكذلك إن تلف المبيع وعنه لا يبطل خيار البائع وله الفسخ والرجوع بالقيمة وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين وفي الآخر حكمه حكم العتق وإن وطئ المشتري الجارية
ـــــــ
"وبطل خيارهما" لأن المشتري تصرف بما يقتضي اللزوم وهو العتق وكذلك إن تلف المبيع أي بعد قبضه فهو من ضمان المشتري ويبطل خياره وهي اختيار الخرقي وأبي بكر لأن التالف لا يتأتى عليه الفسخ ولأنه خيار فسخ فبطل بتلف المبيع كالرد بالعيب إذا تلف المبيع وحينئذ يلزمه الثمن للبائع.
"وعنه: لا يبطل خيار البائع" أما في العتق فلأنه لم يوجد منه ما يدل على الرضى وتعذر الرجوع لا يمنع الفسخ لأنه قد يكون فيه مصلحة لكونه باعه بأقل من ثمن مثله فإذا فسخ ملك الرجوع في قيمته.
وأما في التلف فقيل هي أنصهما واختارها الشريف وابن عقيل وحكاه في موضع عن الأصحاب لعموم: "البيعان بالخيار" ولأنه خيار فسخ فلم يبطل بتلف المبيع كما لو اشترى ثوبا بآخر فتلف أحدهما ووجد بالآخر عيبا فإنه يرده ويرجع بقيمة ثوبه فكذا هنا قال الزركشي وكان محل التردد هل النظر إلى حال العقد أو إلى الحالة الراهنة؟ "و" عليها "له الفسخ" لأن خياره لم يبطل "والرجوع بالقيمة" لأنها بدل مالا مثل له أو بمثله إن كان مثليا.
"وحكم الوقف حكم البيع في أحد الوجهين" وهو الأصح، ومعناه: أنه لا ينفذ لأنه يتضمن إبطال حق غيره أشبه وقف المرهون "وفي الآخر حكمه حكم العتق" لأنه تصرف يبطل الشفعة فنفذ كالعتق.
وأجاب في "المغني" و"الشرح": بالفرق بأن العتق مبني على التغليب والسراية ويصح في الرهن بخلاف الوقف ولا نسلم أن الوقف يبطل الشفعة "وإن وطئ المشتري الجارية" زمن الخيارين فهو حرام سواء كان الخيار لهما أو للبائع لتعلق حق البائع بها كالمرهونة قال في "الشرح": لا نعلم فيه
فأحبلها صارت أم ولده وولده حر ثابت النسب وإن وطئها البائع فكذلك إن قلنا البيع ينفسخ بوطئه وإن قلنا لا ينفسخ فعليه المهر وولده رقيق إلا إذا قلنا الملك له ولا حد عليه على كل حال وقال أصحابنا عليه الحد إذا علم زوال ملكه وأن البيع لا ينفسخ بالوطء وهو المنصوص.
ـــــــ
خلافا ولا حد عليه لأنه يدرأ اليسرى الملك فحقيقته أولى ولا مهر لها لأنها مملوكته فإن علقت منه وهو المراد بقوله: "فأحبلها صارت أم ولده" لأنه صادف محله أشبه ما لو أحبلها بعد انقضاء مدة الخيار.
"وولده حر ثابت النسب" لأنه من مملوكته وظاهره أنه لا تلزمه قيمته لأنه حدث في ملكه فإن فسخ البائع رجع بقيمتها لأنه تعذر الفسخ فيها.
وعلى الثانية عليه المهر وقيمة الولد وإن كان عالما بالتحريم وإن ملكه غير ثابت فولده رقيق قاله في "الشرح".
"وإن وطئها البائع فكذلك إن قلنا البيع ينفسخ بوطئه" أي: فهو كالمشتري "وإن قلنا: لا ينفسخ فعليه المهر وولده رقيق" لأنه وطء في ملك الغير "إلا إذا قلنا: الملك له" على رواية فلا يترتب ما ذكره وحينئذ ولده حر ثابت النسب ولا يلزمه قيمته ولا مهر ولا تصير أم ولده لكن قال أصحابنا إن علم التحريم فولده رقيق لا يلحقه نسبه وإن لم يعلم لحقه نسبه وولده حر وعليه قيمته يوم الولادة وعليه المهر ولا تصير أم ولد له لأنه وطئها في غير ملكه ذكره في "الشرح".
"ولا حد عليه على كل حال" اختاره ابن عقيل وصححه في "المغني" ونصره في "الشرح" لأن وطأه إما أن يصادف ملكا أو شبهة فإن العلماء اختلفوا في ثبوت ملكه وإباحة وطئه.
"وقال أصحابنا" وعزاه في "الشرح" إلى بعضهم: "عليه الحد إذا علم زوال ملكه وأن البيع لا ينفسخ بالوطء وهو المنصوص" عن أحمد، لأنه لم يصادف
ومن مات منهما بطل خياره ولم يورث ويتخرج ويورث كالأجل.
فصل
الثالث: خيار الغبن ويثبت في ثلاث صور إحداها إذا تلقى الركبان.
ـــــــ
ملكا، ولا شبهة ملك.
"ومن مات منهما، بطل خياره، ولم يورث" على المذهب قاله ابن المنجا لأنه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة وظاهره مطلقا والمذهب أنه يبطل إلا أن يطالب به الميت نص عليه لأن معنى الخيار تخيره بين فسخ وإمضاء وهو صفة ذاتية كالاختيار فلم يورث كعلمه، وقدرته.
"ويتخرج" أن لا يبطل "ويورث كالأجل" حكاه في "الفروع" قولا، وفي "عيون المسائل" رواية لأنه حق فسخ فينتقل إلى الورثة كالفسخ بالتحالف وكخيار قبول الوصية له.
تنبيه: إذا علق عتق عبده ببيع فباعه ولو بشرط الخيار عتق نص عليه كالتدبير ولم ينقل الملك وتردد فيه الشيخ تقي الدين قال وعلى قياس المسألة تعليق طلاق أو عتق لسبب يزيل ملكه عن الزوجية وقيل يعتق في موضع يحكم له بالملك وهو ظاهر وقيل يعتق إلا إذا نفيا الخيار في العقد وصححنا نفيه فإنه لا يعتق.
فصل:
"الثالث: خيار الغبن" وهو بسكون الباء مصدر غبنه بفتح الباء يغبنه بكسرها إذا نقصه ويقال غبن رأيه بكسرها أي ضعف غبنا بالتحريك.
"ويثبت في ثلاث صور أحدها: إذا تلقى الركبان" جمع راكب وهو في الأصل راكب البعير ثم اتسع فيه فأطلق على كل راكب والمراد هنا القادمون
فاشترى منهم وباع لهم فلهم الخيار إذا هبطوا السوق وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة.
ـــــــ
من السفر، وإن كانوا مشاة "فاشترى منهم" اقتصر عليه في "الخرقي" و"المحرر" فيحتمل قصر الحكم عليه، والمذهب عندنا: لا فرق، كما ذكره المؤلف.
"وباع لهم، فلهم الخيار إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم غبنوا غبنا يخرج عن العادة" هذا بيع مكروه صحيح في قول الجماهير لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار" رواه مسلم.
وثبوت الخيار لا يكون إلا في صحيح والنهي لا يرجع لمعنى البيع وإنما يعود لضرب من الخديعة يمكن استدراكه بالخيار أشبه المصراة وقوة كلام كثير من الأصحاب يقتضي الحكم بقصد التلقي فلو خرج بغير قصد فوافاهم واشترى منهم لم يحرم ذلك وهو احتمال في "المغني" و"الشرح"، وقال القاضي لا فرق بين القصد وعدمه وذكره في "الفروع" المنصوص، وذكر في "التلخيص" و"الفروع" أنه لا فرق بين البائع والمشتري في ذلك ولكن النص عن أحمد إنما هو في البائع لظاهر الأخبار فعليه يثبت الخيار مع الغبن لأنه إنما ثبت لدفع الضرر عن البائع ولا ضرر مع الغبن.
وعنه: يثبت لهم الخيار مع عدمه وهو ظاهر الخبر وقدره بما يخرج عن العادة لأن الشرع لم يرد بتحديده فيرجع فيه إلى العرف كالقبض وظاهر "الخرقي": يثبت فيه وإن قل قاله في "الشرح": وفيه شيء لأن مثل ذلك يتسامح به عادة.
وقال أبو بكر وابن أبي موسى: يقدر بالثلث لأنه كثير وقيل بالسدس لأن الخيار لو ثبت بأقل من ذلك لأدى إلى بطلان كثير من العقود.
فائدة: مقتضى النهي عن تلقي الركبان إما أن يكذب في سعر البلد فيكون غارا غاشا أو يسكت فيكون مدلسا خادعا فلو صدق في السعر فهل يثبت للركبان الخيار لعموم النهي أو لا لانتفاء الخديعة فيه احتمالان.
والثانية: في النجش وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشتري فله الخيار إذا غبن والثالثة المسترسل إذا غبن الغبن المذكور.
ـــــــ
"والثانية: في النجش" وهو بيع منهي عنه ثم فسره بقوله: "وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشتري" قال ابن أبي أوفي: هو خداع حرام وظاهره يقتضي أنه لا بد من حذق الذي زاد فيها لأن تغرير المشتري لا يحصل إلا بذلك وأن يكون المشتري جاهلا فلو كان عارفا واغتر بذلك فلا خيار له لعجلته وعدم تأمله "فله الخيار" على المذهب لأن النهي يعود إلى الناجش لا إلى العاقد فلم يؤثر في البيع ولأن النهي لحق آدمي معين يمكن تداركه كبيع المدلس وتلقي الركبان وظاهره يثبت سواء كان مواطأة من البائع أو لم يكن.
وقيل: لا يثبت، إلا إذا كان مواطأة من البائع.
وعنه: يقع لازما فلا فسخ من غير رضى ذكرها في "الانتصار" ولو أخبر بأكثر من الثمن فصدقه المشتري ثم بان كاذبا ثبت الخيار وفي "الإيضاح": يبطل مع علمه "إذا غبن" كالمسألة قبلها إذ أصل النجش الاستتار والاستخراج ومنه سمي الصائد ناجشا لاستخراجه الصيد من مكانه فالزائد فيها استخرج من المستام من ثمن السلعة مالا يريد أن يخرجه.
وقيل: أصله مدح الشيء وإطراؤه فالناجش يغر المشتري بمدحه ليزيد في الثمن.
"الثالثة: المسترسل" وهو اسم فاعل من استرسل إذا اطمأن واستأنس لغة وفسره الإمام أحمد بأنه لا يحسن يماكس وذكر الشيخان والجد هو الجاهل بقيمة المبيع زاد في "المغني" و"الشرح": ولا يحسن المبايعة.
"إذا غبن الغبن المذكور" على الأصح لأنه حصل لجهله بالبيع فثبت له الخيار كما سبق وقيل يقع لازما لأن النقصان لا يمنع لزوم العقد كالغبن اليسير وظاهره أن غير المسترسل لا خيار له لأنه دخل على بصيرة بالغبن كالعالم بالعيب وكالمستعجل وفي المذهب يثبت إذا جهلها وعنه:
وعنه: أن النجش وتلقي الركبان باطلان.
ـــــــ
ولمسترسل مع البائع لم يماكسه اختاره الشيخ تقي الدين وذكره المذهب.
قال أحمد: اشتر وماكس قال: والمساومة أسهل من المرابحة لأنه أمانة ولا يأمن الهوى.
فرع: حكم الإجارة كالبيع ذكره في شرح "الهداية" عن القاضي فإن فسخ في أثنائها رجع عليه بالقسط من أجرة المثل لا من المسمى وذكر الشيخ تقي الدين أنه إذا دلس مستأجر على مؤجر وغره حتى استأجره بدون القيمة فله أجرة المثل.
قال: ويحرم تغرير مشتر بأن يسومه كثيرا ليبذل قريبه.
مسألة: خيار الغبن فيه وجهان في الفورية وعدمها هما مبنيان على الروايتين في خيار العيب وهل للإمام جعل علامة تنفي الغبن عمن يغبن كثيرا فيه احتمالان.
ومن قال عند العقد: لا خلابة فله الخيار إذا خلب وقال المؤلف لا.
"وعنه: أن النجش وتلقي الركبان باطلان" أما الأول فلما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش وعن أبي هريرة مرفوعا: " لا تناجشوا" متفق عليهما وهو خديعة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخديعة في النار" وإذا كان منهيا عنه كان باطلا تغليبا لحق الله تعالى في النهي.
وفي "المغني" "والشرح": أنه اختيار أبي بكر وصرح في "التنبيه" بأنه لا يجوز وقيل إن نجش البائع أو واطأ على ذلك بطل قدمه في المحرر وصححه ابن حمدان وخرجه صاحب "التلخيص" من قول أبي بكر في إبطال البيع بتدليس العيب ولأن البائع أحد ركني العقد فارتكابه النهي يفسد البيع بخلاف الأجنبي.
وأما ثانيا، فاختاره أبو بكر، لما روى ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان ولا يبيع حاضر لباد متفق عليه لأن النهي يدل على الفساد،
فصل:
الرابع: خيار التدليس ما يزيد به الثمن كتصرية اللبن في الضرع وتحمير وجه الجارية وتسويد شعرها وتجعيده وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها فهذا يثبت للمشتري خيار الرد.
ـــــــ
كبيع الحاضر، وجوابه بأن بيع الحاضر للبادي لا يمكن استدراكه لأن الضرر ليس عليه إنما هو على المسلمين بخلاف التلقي فإن الضرر عليهم فأمكن تداركه بثبوت الخيار لهم فلا حاجة إلى الإبطال.
فصل:
"الرابع: خيار التدليس" قال الجوهري هو كتمان العيب في السلعة عن المشتري والمراد هنا "ما يزيد به الثمن" وإن لم يكن عيبا "كتصرية اللبن في الضرع" التصرية مصدر: صري يصرى كعلي يعلى وصرى يصري كرمى يرمي وأصلها عند الفقهاء أن يجمع اللبن في الضرع اليومين والثلاثة حتى يعظم فيظن المشتري أن ذلك لكثرة اللبن وإذن هي المصراة والمحفلة.
قال البخاري: أصل التصرية حبس الماء يقال صريت الماء واختلف في معناها لغة فقال الشافعي هي أن يربط أخلاف الناقة والشاة اليومين والثلاثة فيزيده المشتري في ثمنها وقال أبو عبيد هي الناقة أو البقرة أو الشاة يصرى اللبن في ضرعها أي يجمع ويحبس.
قال: ولو كانت من الربط لقيل فيها مصرورة وإنما جاءت مصراة قال الخطابي هو حسن وقول الشافعي صحيح.
"وتحمير وجه الجارية، وتسويد شعرها وتجعيده" يقال: شعر جعد أي بين الجعودة وهو ضد السبط، "وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها فهذا يثبت للمشتري خيار الرد" أو الإمساك في قول أكثر العلماء لما روي أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين
ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعا من تمر فإن لم يجد التمر فقيمته في موضعه سواء كانت ناقة أو بقرة أو شاة.
ـــــــ
بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر" متفق عليه.
ولأنه تدليس غر المشتري فكان له الخيار كالنجش والأصح ولو حصل بغير قصد.
وظاهره: إن دلسه بما لا يختلف به الثمن كتبييض الشعر وتسبيطه وتسويد كف عبد أو ثوبه وعلف شاة لا خيار للمشتري لأنه لا ضرر عليه وقيل كالأول وظاهره أنه لا أرش مع الإمساك وهو المذهب لأن الشارع لم يجعل له فيها أرشا بل خيره بين الإمساك والرد مع صاع تمر.
وفي "التنبيه" و"المبهج" و"الترغيب" ومال إليه صاحب "الروضة": له الإمساك مع الأرش ونقله ابن هانئ وغيره كالعيب.
"ويرد مع المصراة عوض اللبن صاعا من تمر" سليم ولو زادت قيمته نص عليه وقيل أو قمح لوروده في بعض الألفاظ وهذا إن حلبها فلو علم أنها مصراة قبل الحلب ببينة أو إقرار فلا لأنه لا وجود للبدل مع وجود المبدل.
"فإن لم يجد التمر فقيمته" أي: التمر لأن من وجب عليه شيء فعجز عنه رجع إلى بدله وبدل المثل عند إعوازه هو القيمة "في موضعه" أي: موضع العقد لأنه بمنزلة عين أتلفها فتجب عليه قيمتها قاله في "المغني" و"الشرح" "سواء كانت" المصراة "ناقة أو بقرة أو شاة" لعموم قوله عليه السلام: "من اشترى مصراة فهو بالخيار" رواه البخاري.
وقال داود: لا تثبت في مصراة البقر لحديث أبي هريرة وجوابه بأن الحكم ثبت فيها بطريق التنبيه لأن لبنها أغزر وأكثر.
فرع: لو اشترى مصراتين أو أكثر في عقد فردهن رد مع كل مصراة صاعا من تمر وقاله الشافعي وقيل لا يتعدد بل في الجميع صاع.
فإن كان اللبن بحالة لم يتغير رده وأجزأه ويحتمل أن لا يجزئه إلا التمر ومتى علم التصرية فله الرد وقال القاضي ليس له ردها إلا بعد ثلاث.
ـــــــ
"فإن كان اللبن بحاله لم يتغير رده وأجزأه اختاره" القاضي وجزم به في "الوجيز" وقدمه في "الفروع" لأن التمر إنما وجب عوضا عن اللبن فإذا رد الأصل وجب أن يجزئ كسائر الأصول مع إبدالها وكما لو ردها به قبل الحلب "ويحتمل أن لا يجزئه إلا التمر" قدمه في "المحرر" لأن إطلاق الخبر يدل عليه ولأن اللبن في الضرع أحفظ له أما إذا تغير فلا يجزئه وجها واحدا لأنه نقص في يده بالحموضة فهو كما لو أتلفه وقيل يجزئه وإن تغير ولا شيء عليه نظرا إلى أن البدل إيجابه منوط بعدم المبدل والمبدل موجود وإن حصل نقص فتدليس من البائع وصرح في الكافي بأن الخلاف مع التغير.
فرع: إذا رضي بها فأمسكها ثم اطلع على عيب ردها به لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد بعيب آخر.
"ومتى علم التصرية فله الرد" وقاله أبو الخطاب لأنه علم بسبب الرد فكان له حينئذ أشبه ما لو علم بالعيب "وقال القاضي: ليس له ردها إلا بعد ثلاث" أي ثلاثة أيام وهذا ظاهر كلام أحمد وجزم به في "الوجيز" لأن اللبن يختلف باختلاف المكان وتغير العلف فإذا مضت الثلاثة بانت التصرية وثبت الخيار على الفور فعلى هذا ليس له ردها قبل مضيها ولا إمساكها بعدها.
وقيل: يخير مطلقا ما لم يرض كبقية التدليس وقدره ابن أبي موسى والمجد يروي بثلاثة أيام لرواية مسلم "من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة" أيام فعلى هذا له الخيار في الثلاثة أيام إلى انقضائها عكس ما قاله القاضي وابتداء المدة بتبين التصرية وهو ظاهر كلام ابن أبي موسى وكلامه في "الكافي" موهم أن ابتداءها على قول ابن أبي موسى من حين البيع وليس كذلك بل على قول القاضي.
وإن صار لبنها عادة لم يكن له الرد في قياس قوله وإذا اشترى أمة متزوجة فطلقها الزوج لم يملك الرد و إن كانت التصرية بهيمة الأنعام فلا رد له في أحد الوجهين وفي الآخر له الرد ولا يلزمه بدل اللبن ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان عيبها فإن فعل فالبيع صحيح وقال أبو بكر إن دلس العيب فالبيع باطل.
ـــــــ
"وإن صار لبنها عادة" أو زال العيب "لم يكن له الرد" لأن الخيار حصل لدفع الضرر بالعيب وقد زال الحكم بزوال علته "في قياس قوله" أي: قول الإمام "وإذا اشترى أمة مزوجة وطلقها الزوج لم يملك" المشتري "الرد" لما ذكرناه قال في "الفصول" لا رجعيا وإن في طلاق بائن فيه عدة احتمالين "وإن كانت التصرية بهيمة الأنعام" كالأمة والأتان "فلا رد له في أحد الوجهين" لأن ذلك لا يعتاض عنه في العادة ولا يقصد قصد لبن بهيمة الأنعام "وفي الآخر له الرد" اختاره ابن عقيل وقدمه في "المحرر" وصححه في "الفروع" لعموم ما سبق ولأن الثمن يختلف بذلك لأن لبن المرأة يراد للارتضاع ويرغب فيها ظئرا وكذلك لو اشترط كثرة لبنها ملك الفسخ إذا بانت بخلافه ولبن الأتان يراد لولدها.
"ولا يلزمه بدل اللبن" على كل حال لأنه لا يباع ولا يعتاض عنه عادة "ولا يحل للبائع تدليس سلعته ولا كتمان عيبها" ذكره الترمذي عن العلماء لقوله عليه السلام: "من غشنا فليس منا" ونهى عن التصرية، وقوله: "المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا إلا بينه" وقال: "من باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت من الله ولم تزل الملائكة تلعنه" رواهما ابن ماجه وفي "الصحيح": "فإن صدقا وبينا بورك لهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما" وذكر أبو الخطاب يكره كتمان العيب وحكاه في "التبصرة" نصا وعلى الأول "فإن فعل فالبيع صحيح" على المذهب لحديث المصراة فإنه عليه السلام صححه مع نهيه عنه.
"وقال أبو بكر: إن دلس العيب فالبيع باطل" ونقله حنبل عن الإمام لأنه
قيل له: فما تقول في التصرية فلم يذكر جوابا.
ـــــــ
منهي عنه والنهي يقتضي الفساد وكذا لو أعلمه به ولم يعلما قدر غشه ذكره الشيخ تقي الدين وأنه يجوز عقابه بإتلافه والتصدق به وقال أفتى به طائفة من أصحابنا.
"قيل له" أي لأبي بكر: "فما تقول في التصرية فلم يذكر جوابا" لأن التصرية إلزام صحيح ليس عنه جواب فدل على رجوعه قاله في "الشرح".
فائدة: لم يقل أبو حنيفة بحديث المصراة وروي عن مالك لأنه حديث مخالف لقياس الأصول المعلومة إذ الأصل أن ضمان المثليات بالمثل والمتقومات بالقيمة والتمر ليس بمثل ولا قيمة للبن وأن يكون المضمون بقدر الضمان بقيمة التالف.
وذلك يختلف وهنا قدر بالصاع مطلقا ولأن اللبن إن كان موجودا عند العقد فقد ذهب جزء المعقود عليه من أصل الخلقة وذلك مانع من الرد وإن حدث بعد الشراء فقد حدث على ملك المشتري فلا يضمنه وإن كان مختلطا فما كان موجودا عند العقد منع الرد.
وما كان حادثا لم يجب ضمانه ولأنه يلزم من القول بظاهره الجمع بين الثمن والمثمن للبائع إذا كانت قيمة الشاة صاعا من تمر.
وجواب الأول: أن الضمان لا ينحصر فيما ذكرتموه فإن الحر يضمن بالإبل وليست بمثل ولا قيمة والجنين بالغرة وعن الثاني بأن الضمان لا يتقدر بذلك كالموضحة فإن أرشها مقدر مع اختلافها بالكبر والصغر وعن الثالث أن النقص حصل لاستعلام العيب فلا يمنع وعن الرابع بأنه ورد على العادة والعادة لا تباع شاة بصاع والأولى أن التمر بدل اللبن لا الشاة فلا يلزم الجمع بين العوض والمعوض.
فصل
الخامس خيار العيب وهو النقص كالمرض وذهاب جارحة أو سن أو زيادتها ونحو ذلك وعيوب الرقيق من فعله كالزنى والسرقة والإباق والبول في الفراش إذا كان من مميز.
ـــــــ
فصل:
"الخامس: خيار العيب وهو النقص" أي ما نقص ذات المبيع أو قيمته عادة وفي "الترغيب" وغيره: نقيصة يقتضي العرف بسلامة المبيع عنها غائبا.
ثم شرع في تعداد ما ينقص الثمن وليس من فعل العبد "كالمرض" على جميع حالاته "وذهاب جارحة أو سن أو زيادتها ونحو ذلك وعيوب الرقيق من فعله كالزنا والسرقة والإباق والبول في الفراش إذا كان من مميز" وجزم به في "المحرر" "والوجيز" لأن الزنا ينقص قيمته ويقلل الرغبة فيه وقولهم وتعرضه لإقامة الحد ليس بجيد وشرب الخمر ونحوه كالزنا نص عليه.
والباقي عيوب فيمن جاوز العشر فكذا ما دونها وقدم في "الفروع" أن ذلك مختص بمن بلغ عشرا نص عليه.
وظاهره: سواء تكرر منه أو لا وصرح جماعة: لا يكون عيبا إلا إذا تكرر، وقيل بول كبير إذا تكرر، وفي "الواضح": بالغ، وعلم منه أن ذلك ليس بعيب في الصغير لأن وجودها يدل على نقصان عقله وضعف بنيته بخلاف الكبير فإنه يدل على خبث طويته والبول على داء في بطنه.
أصل: العيوب منها ما هو من أصل الخلقة ومنها ما هو من غيرها فالأول كالجنون والجذام والبرص والعمى والعور والعرج والقرع والصمم والطرش والخرس والبخر والحول والتخنث وكونه خنثى والخصي والتزويج في الأمة وتحريم عام كالمجوسية وحمل الأمة دون البهيمة وعدم ختان في كبير للخوف عليه.
فمن اشترى معيبا لم يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والإمساك مع الأرش.
ـــــــ
وفي "المغني" و"الشرح": ليس من بلد الكفر لأن العادة أنهم لا يختتنون وحمق نص عليه وهو من الكبير ارتكاب الجهل على بصيرة وفي "المغني" و"الشرح": وحمق شديد واستطالة على الناس.
وليس عجمة اللسان وفأفاء وتمتام وقرابة وارث وألثغ وعدم حيض في المنصوص فيه عيبا ومثله عقيم وفي الثيوبة ومعرفة الغناء والكفر وجهان وقيل وفسق باعتقاد أو فعل وتغفيل.
والثاني: كون الدار ينزلها الجند قاله في "الترغيب" وغيره وعبارة القاضي قد نزلها الجند قالا أو اشترى قرية وجد فيها سبعا أو حية عظيمة تنقص الثمن وظاهر كلامهم وبق غير معتاد وفزع شديد من كبير وكونه أعسر والمراد لا يعمل باليمين عملها المعتاد وإلا فزيادة خير.
وفي "المغني" و"الشرح": ليس بعيب لعمله بإحدى يديه وكان شريح يرد به قال الشيخ تقي الدين والجار السوء عيب وهو ظاهر.
"فمن اشترى معيبا لم يعلم عيبه" ثم علم "فله الخيار بين الرد" وأخذ الثمن "والإمساك مع الأرش" هذا هو المذهب المشهور مع أنه في "المغني" و"الشرح" لم يذكرا خلافا أما الرد فلا نزاع فيه إذ مطلق العقد يقتضي السلامة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى مملوكا فكتب: "هذا ما اشترى محمد بن عبد الله من العداء بن خالد اشترى منه عبدا أو أمة لا داء ولا خبثة ولا غائلة بيع المسلم المسلم".
وإذا يثبت له الخيار بظهور المبيع معيبا استداركا لما فاته وإزالة لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ناقصا عن حقه وأما الإمساك مع الأرش فلأن المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المعوض فكل جزء من العوض يقابله جزء من المعوض ومع العيب فات جزء منه فيرجع ببدله وهو الأرش وعنه لا أرش لممسك له الرد اختاره الشيخ تقي الدين حذارا من أن يلزم البائع مالم
وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن.
ـــــــ
يرض به فإنه لم يرض بإخراج ملكه إلا بهذا العوض فإلزامه بالأرش إلزام له بشيء لم يلزمه يحققه حديث المصراة.
وجوابه: أن المصراة ليس فيها عيب قاله في "المغني" و"الشرح" وإنما ملك الخيار فيها بالتدليس لا لفوات جزء فلذلك لا يستحق أرشا بخلاف المعيب فإنه يستحقه عند تعذر الرد فلم يصح الإلحاق وهل يأخذ الأرش من عين الثمن أو حيث شاء البائع فيه احتمالان وظاهره لا فرق بين العيب اليسير وغيره، وقاله في "الروضة" وغيرها.
وفي "الانتصار" و"مفردات" أبي يعلى الصغير لا فسخ بعيب يسير كصداع وحمى يسيرة وآيات في المصحف للعادة كغبن يسير ولو من ولي وكذا قاله أبو الوفاء والقاضي في "جامعه".
قال: لأنه لا يسلم عادة من ذلك كيسير التراب والعقد في البر ومحل ذلك ما لم يفض إلى الربا لشراء فضة بزنتها دراهم ونحوها معيبة أو قفيزا مما يجري فيه الربا بمثله فله الرد أو الإمساك مجانا.
وظاهره: أنه إذا كان عالما به لا خيار له بغير خلاف نعلمه لأنه دخل على بصيرة أشبه ما لو صرح به وفي "الانتصار": إذا كان عالما به ولم يرض ثبت له الخيار.
"وهو" أي: الأرش "قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن" نص عليه وذكره عن الحسن البصري فقال يرجع بقيمة المعيب من الثمن يوم اشتراه قال أحمد هذا أحسن ما سمعت فعلى هذا يقوم المبيع صحيحا ثم معيبا فيؤخذ قسط ما بينهما من الثمن كما إذا قوم صحيحا بعشرة ومعيبا بثمانية والثمن خمسة عشر مثلا فقد نقصه العيب خمسه فيرجع بخمس الثمن وهو ثلاثة لأن المبيع مضمون على المشتري بثمنه ففوات جزء منه يسقط عنه ضمان ما قابله من الثمن ولأنا لو ضمناه نقص القيمة
وما كسب فهو للمشتري وكذلك نماؤه المنفصل وعنه لا يرده إلا مع نمائه.
ـــــــ
لأفضى إلى اجتماع الثمن والمثمن للمشتري في صورة ما إذا اشترى شيئا بعشرة وقيمته عشرون فوجد به عيبا ينقصه النصف فأخذها وهذا لا سبيل إليه.
"وما كسب فهو للمشتري وكذلك نماؤه المنفصل" وحاصله أنه إذا أراد رد المعيب فلا يخلو إما أن يكون بحاله أو يزيد أو ينقص فإن كان الأول فظاهره أنه يرده ويأخذ الثمن وإن كان الثاني فهو قسمان أحدهما أن تكون الزيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة والحمل والثمرة قبل ظهورها فيردها بنمائها لأنه يتبع في العقود والفسوخ ولعدم تصور ردها بدونه وظاهره أنه لا يلزم البائع قيمتها في قول أكثر الأصحاب لئلا يلزمه معاوضة لم يلتزمها وقال ابن عقيل القياس أن للمشتري القيمة لحدوثها في ملكه وكالصداق وهو رواية وفي القياس نظر.
والثاني: أن تكون منفصلة وهي نوعان أحدهما أن يكون في غير المبيع كالكسب والأجرة وما يوهب له أو يوصى له به فهذا للمشتري في مقابلة ضمانه لأنه لو هلك كان من مال المشتري وحكاه في "المغني" و"الشرح" بغير خلاف نعلمه وفيه رواية ذكرها في "الكافي" و"الفروع".
والثاني: أن يكون من المبيع كالولد والثمرة المجذوذة واللبن المحلوب فالمذهب المعمول به أنه للمشتري أيضا ويرد الأصل بدونها لقوله: "الخراج بالضمان".
"وعنه: لا يرده إلا مع نمائه" المنفصل حكاها القاضي والشيخان جعلا للنماء كالجزء من الأصل أو نظرا إلى أن الفسخ رفع للعقد من أصله حكما ويرد عليه الكسب ونحوه وقد يفرق بينهما وناقش الشيخ تقي الدين القاضي وغيره في هذه الرواية فإنهم أخذوها من رواية ابن منصور وفي الأخذ نظر فلو حدث العقد وهي حامل فولدت عنده ثم ردها رد ولدها معها صرح به في "المغني" و"الشرح" لأنه من جملة المبيع والولادة هنا نماء متصل
ووطء الثيب لا يمنع الرد وعنه يمنع وإن وطئ البكر أو تعيبت عنده فله الأرش.
ـــــــ
بالمبيع وهذا ظاهر كلام أحمد واختاره الشيخان لأنه يحرم التفريق بينهما فمرادهم بالولد هنا ولد البهيمة لا الأمة فإن تلف الولد فهو كتعيب المبيع عنده.
وقال القاضي، والشريف وأبو الخطاب له إمساك الولد ورد الأم لأنه موضع حاجة كما لو ولدت حرا فباعها دونه وفيه نظر لأن الجمع ممكن بأخذ الأرش أو ردهما معا وأما النقص فسيأتي.
"ووطء الثيب" إذا اطلع على عيب بها "لا يمنع الرد" على الأصح لأنه لم يحصل نقص جزء ولا صفة ولم يتضمن الرضى بالعيب فلم يمنع الرد كالاستخدام وكما لو كانت مزوجة فوطئها الزوج فعلى هذا يردها مجانا ولهذا له بيعها مرابحة بلا إجبار قاله في "الانتصار".
وعنه: يرد معها مهر مثلها وقاله ابن أبي موسى روي عن عمر لأنه إذا فسخ صار واطئا في ملك الغير بناء على أن الفسخ رفع للعقد من أصله.
"وعنه: يمنع" روي عن علي وغيره لأن الوطء كالجناية لأنه لا يخلو في ملك الغير من عقوبة أو مال فوجب أن يمنع الرد كالبكر.
"وإن وطئ البكر، أو تعيبت عنده" كقطع الثوب "فله الأرش" اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وابن أبي موسى وذكر أنه الصحيح عن أحمد وقدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لأن العقد اقتضى السلامة فإذا فات منه شيء وجب الرجوع فيما قابله من الثمن فعلى هذا لا يملك الرد لأنه شرع لإزالة الضرر وفي الرد ضرر على البائع والضرر لا يزال بالضرر إذ ضرر المشتري يخير بالأرش فتعين ولأن وطأها يعيبها عرفا وينقصها حسا لكونه يذهب جزءا منها.
وعنه أنه مخير بين الأرش وبين رده وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن قال الخرقي إلا أن يكون البائع قد دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملا.
ـــــــ
"وعنه: أنه مخير بين الأرش وبين رده وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن" وهذا اختيار الخرقي والقاضي أبي الحسين والمؤلف قال في "التلخيص": وهي المشهورة وعليها الأصحاب لحديث المصراة فإنه جعل للمشتري الرد مع ذهاب جزء من المبيع وهو اللبن وجعل التمر بدلا له.
وقد روى الخلال بإسناده عن ابن سيرين أن عثمان قال في رجل اشترى ثوبا ولبسه ثم اطلع على عيب فرده وما نقص فأجاز الرد مع النقصان وعليه اعتمد أحمد ولأنه عيب حدث عند أحد المتعاقدين فلم يمنع الخيار المذكور كالعيب الحادث عند البائع قبل القبض.
وظاهره: ولو أمكن عوده وفيه رواية كزواله قبل رده وإن زال بعده ففي رجوع مشتر على بائع بما دفعه إليه احتمالان فعليها إن أمسك وأخذ أرش العيب الموجود قبل البيع فظاهر وإن رده رد أرش العيب الحادث عنده لأن التلف حصل في يده وكان ضمانه عليه كالآخر فإذا كانت بكرا قيمتها مائة وثيبا ثمانين رد معها عشرين لأنه بفسخ العقد يصير مضمونا عليه بقيمته بخلاف أرش العيب الذي يأخذه المشتري وعنه الواجب في وطء البكر المهر مع أرش البكارة.
"قال الخرقي: إلا أن يكون البائع قد دلس العيب فيلزمه رد الثمن كاملا" أي إذا دلس البائع العيب أي كتمه وأخفاه فإن المشتري يرد بلا أرش ويلزم البائع رد الثمن بكماله وهذا هو المنصوص وبالغ ابن أبي موسى فقال له الرد قولا واحدا ولا عقد عليه لأنه قد ورط المشتري وغره فصار كالغار بحرية أمة الضمان عليه ولا فرق في العيب الحادث سواء كان بفعل المشتري كوطء البكر أو أجنبي كما لو جنى عليه أو بفعل العبد كالإباق والسرقة أو بفعل الله تعالى كالمرض وسواء كان ناقصا للمبيع أو مذهبا
قال القاضي ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن البائع دلس العيب رجع بالثمن كله نص عليه في رواية حنبل ويحتمل أن يلزمه عوض العين إذا تلفت وأرش البكر إذا وطئها لقوله عليه السلام: "الخراج بالضمان" وكما يجب عوض لبن المصراة على المشتري.
ـــــــ
لجميعه، ثم أكد ذلك بقوله:
"قال القاضي: ولو تلف المبيع عنده ثم علم أن البائع دلس العيب رجع بالثمن كله نص عليه في رواية حنبل" وابن القاسم قال الإمام أحمد في رجل اشترى عبدا فأبق من يده وأقام بينة أن إباقه كان موجودا في يد البائع يرجع على البائع بجميع الثمن الذي أخذه منه لأنه غره ويتبع البائع عبده حيث كان ويحكى عن الحكم ومالك.
"ويحتمل أن يلزمه عوض العين إذا تلفت وأرش البكر إذا وطئها" حكاه المجد رواية وذكر في "المغني": أنه مذهب أكثر العلماء لقوله عليه السلام: "الخراج بالضمان" رواه الخمسة وحسنه الترمذي وصححه ابن القطان من حديث عائشة ورواه الشافعي والحاكم وقال صحيح الإسناد وفيه نظر فإنه من رواية مخلد بن خفاف ومسلم بن خالد الزنجي وقد اختلف فيهما.
"وكما يجب عوض لبن المصراة على المشتري" مع كونه قد نهي عنها وإنما أوجب على المشتري عوض اللبن لأنه مبيع تعيب في يد المشتري بعد تمام ملكه فكان من ضمانه كما لو لم يدلسه ولأن وجوب الضمان على البائع لا يثبت إلا بدليل.
قال في "المغني" و"الشرح": ولا نعلم له أصلا ولا يشبه التغرير بحرية أمة لأنه يرجع على من غره وإن لم يكن سيدها وهاهنا لو كان التدليس من وكيل البائع لم يرجع عليه بشيء.
تنبيه: قد شمل ما ذكرنا كل مبيع كان معيبا لم يعلم به ثم حدث به
وإن أعتق العبد أو تلف المبيع رجع بأرشه وكذلك إن باعه غير عالم بعيبه نص عليه، وكذلك
ـــــــ
آخر كزنى الأمة ولم يكن ذلك عرف منها وفيه احتمال ونسيان صنعة وكتابة وعنه يرده ولا شيء عليه وعلله القاضي بأنه ليس بنقص في العين ويمكن عوده بالتذكير وكذا لو كان سمينا فهزل والعيب بعد العقد قبل قبض المشتري كالعيب قبله فيما ضمانه على البائع.
وقال جماعة: لا أرش إلا أن يتلفه آدمي فيأخذه منه وإن كان من ضمان المشتري غرمه كالعيب الحادث عنده وعنه عهدة الحيوان ثلاثة أيام وعنه سنة قال في "المبهج": وبعدها قال أحمد ليس فيه حديث صحيح وقال ابن المنذر لا يثبت في العهدة حديث والحسن لم يلق عقبة وإجماع المدينة ليس بحجة.
"وإن أعتق العبد، أو تلف المبيع" ثم علم عيبه "رجع بأرشه" أي إذا ظهر المشتري على عيب في السلعة المبيعة بعد أن تلفت تلفا معنويا كالإعتاق ونحوه كالوقف والاستيلاد أو حسيا كالموت وتلف الثوب فله الأرش رواية واحدة لأنه كان يملك ذلك والأصل البقاء إذ التخيير بين شيئين يقتضي تعيين أحدهما عند تعذر الآخر.
وخرج بعض أصحابنا من خيار الشرط أن يفسخ ويرجع بالثمن ويغرم القيمة وفرق صاحب "التلخيص" بأن هذا يعتمد الرد ولا مردود ثم يعتمد الفسخ ومقتضاه أن الأرش له ولا يلزمه صرفه في الرقاب وهو الأصح إذ العتق إنما صادف الرقبة لا الجزء الفائت.
والثانية: بلى لأنه عين الرقبة لله تعالى ظانا سلامتها فاقتضى خروجه عن هذا الجزء وحملها المؤلف على الاستحباب والقاضي على ما إذا كان العتق في واجب فأما التبرع فلا أرش له قولا واحدا.
"وكذلك إن باعه غير عالم بعيبه نص عليه" لأن البائع لم يعرف ما أوجب له العقد ولم يوجد منه الرضى به ناقصا فكان له الرجوع كما لو أعتقه "وكذلك
إن وهبه وإن فعله عالما بعيبه فلا شيء له وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شيء إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش وإن باع بعضه فله أرش الباقي.
ـــــــ
إن وهبه" فله أرشه جزم به الأكثر لأنه لم يستدرك ظلامته أشبه الوقف وعنه أنها كالبيع لأنه لم ييأس من إمكان الرد لاحتمال رجوع الموهوب إليه.
وجوابه بأن إمكان الرد ليس بمانع من أخذ الأرش كما قبل الهبة
فرع: إذا زال ملكه عند غير عالم بعيبه وقلنا له الأرش قبل قوله في قيمته ذكره في "المنتخب".
"وإن فعله" في العتق ونحوه "عالما بعيبه، فلا شيء له" على الأشهر لأنه قد رضي بالمبيع ناقصا فسقط حقه من الأرش كالرد بلا نزاع وفي "المغني": قياس المذهب أن له الأرش بكل حال لأن التصرف هنا بمنزلة الإمساك مع العلم إذ الأرش عوض الجزء الفائت.
"وذكر أبو الخطاب رواية أخرى فيمن باعه ليس له شيء" أي: لا أرش له مطلقا وهذا ظاهر "الخرقي" لأن امتناع الرد كان بفعله وقد استدرك ظلامته ببيعه أشبه ما لو زال العيب "إلا أن يرد عليه المبيع فيكون له حينئذ الرد أو الأرش" لأنه إذا عاد ملكه ثبتت الخيرة كما لو لم يبعه.
فرع: لو باعه مشتر لبائعه فله رده على البائع الثاني ثم للثاني رده عليه وفائدته اختلاف الثمنين.
"وإن باع بعضه، فله أرش الباقي" في ملكه بلا نزاع لأنه باق في يده فات منه جزء اقتضى العقد سلامته فكان له عوضه ويكون بالحساب فإذا باع النصف كان له نصف الأرش أو الربع فله ثلاثة أرباعه وليس هذا خاصا بالبيع بل إذا زال ملكه عن بعضه فكذلك صرح به في "الرعاية" وإنما نص على البيع لكثرته.
وفي أرش المبيع الروايتان وقال الخرقي له رد ملكه منه بقسطه من الثمن وأرش العيب بقدر ملكه فيه وإن صبغه أو نسجه فله الأرش وعنه له الرد ويكون شريكا بصبغه ونسجه وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسورا قيمة كبيض الدجاج رجع بالثمن كله.
ـــــــ
"وفي أرش البيع الروايتان" فيما إذا باع الجميع ثم علم بالعيب ونص أحمد أنه لا شيء للبائع مع تدليسه وظاهره أنه ليس له رد الباقي وهو الأصح.
"وقال الخرقي" وهو رواية عن أحمد: "له رد ملكه منه بقسطه من الثمن" لأنه مبيع ظهر على عيبه وأمكنه الرد فملكه كما لو كان جميعه باقيا، "وأرش العيب بقدر ملكه فيه" لما ذكرناه قال القاضي سواء كان المبيع عينا واحدة أو عينين وخص في "المغني "و"الشرح" الخلاف بما إذا كان المبيع عينين ولم ينقصهما التفريق كالعبدين والثوبين فإذا نقصهما التفريق كزوجي خف أو كان عينا واحدة فيمتنع الرد دفعا لضرر البائع لنقصهما بالتفريق وفيه نظر لأن ضرره يندفع برد أرش النقص وحملا قول الخرقي على ما إذا دلس البائع العيب فإن للمشتري الرد مطلقا لأن نقص المبيع عنده لا أثر له مع التدليس كما مر.
"وإن صبغه أو نسجه، فله الأرش" لأنه أمكن استدراك ظلامته من غير ضرر على البائع فتعين لما فيه من الجمع بين الحقين وليس له الرد على المذهب لأنه شغل المبيع بملكه فلم يكن له رده لما فيه من سوء المشاركة وكما لو فصله "وعنه: له الرد ويكون" المشتري "شريكا بصبغه ونسجه" أي: يكون شريكا بقيمة الزيادة كالغاصب وبعده في "الشرح" ولا يجبر البائع على بذل عوض ذلك على الأصح ولا المشتري على قبوله في الأصح.
"وإن اشترى ما مأكوله في جوفه فكسره فوجده فاسدا فإن لم يكن له مكسورا قيمة كبيض الدجاج" والجوز، والرمان، والبطيخ "رجع بالثمن كله" في
وإن كان له مكسورا قيمة كبيض النعام وجوز الهند فله أرشه وعنه يتخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن وعنه ليس له رد ولا أرش في ذلك كله.
ـــــــ
ظاهر المذهب لأنا تبينا فساد العقد من أصله لكونه وقع على ما لا نفع فيه كبيع الحشرات فإن كان بعضه فاسدا رجع بقسطه من الثمن قاله في "الرعاية" وليس عليه رد المبيع إلى بائعه لعدم الفائدة فيه.
"وإن كان له مكسورا قيمة كبيض النعام وجوز الهند" والبطيخ الذي فيه نفع "فله أرشه" على المذهب قاله ابن المنجا وفيه نظر فإنه رواية لأنه تعذر رده بكسره فتعين الأرش.
"وعنه: يتخير بين أرشه وبين رده ورد ما نقصه وأخذ الثمن" اختاره الخرقي ورجحه جماعة لحديث المصراة فإنه جعل للمشتري الرد مع رد بدل المتلف بيده من المبيع وهو اللبن مع تدليس الباع وغرره فهنا أولى وقال القاضي إن كسره كسرا لا يمكن الاستعلام إلا به فله رده استدراكا لظلامته ولا أرش عليه لأن الكسر حصل ضرورة الاستعلام والبائع سلطه عليه وإن كسره كسرا يمكن الاستعلام بدونه فيبنى على الروايتين فيما إذا تعيب في يده هل يلزمه رد أرش الكسر المستعلم به والرد إن زاد على قدر الاستعلام فيه وجهان.
"وعنه: ليس له رد ولا أرش في ذلك كله" لأن البائع لم يوجد منه تدليس ولا تفريط لعدم معرفته بعيبه زاد في "المحرر" و"الفروع" إلا مع شرط سلامته فإنه يتعين.
تنبيه: تقدم أنه إذا اشترى ربويا بجنسه فبان معيبا فله الفسخ للضرورة دون الأرش لإفضائه إلى التفاضل وعنه له الأرش لأنه عوض الفائت قال بعضهم من غير جنسه قياسا على مد عجوة فإن حدث به عيب عند المشتري فروايتان إحداهما يرده ويرد أرش العيب الحادث عنده كما لو
ومن علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف ونحوه وعنه أنه على الفور ولا يفتقر الرد إلى رضى ولا قضاء ولا حضور صاحبه.
ـــــــ
جنى عليه في ملك صاحبه والأخرى يفسخ الحاكم البيع ويرد البائع الثمن ويطالب بقيمة الحلي مثلا لأنه لم يمكن إهمال العيب ولا أخذ الأرش.
"ومن علم العيب فأخر الرد لم يبطل خياره" لأنه خيار لدفع ضرر متحقق فلم يبطل بالتأخير الخالي عن الرضى به كخيار القصاص "إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى من التصرف ونحوه" كالوطء والسوم والاستغلال ذكره معظمهم لأن دليل الرضى منزل منزلة التصريح به لكن لو احتلب المبيع ونحوه لم يمنع الرد لأنه ملكه فله أخذه فيستثنى.
قال في "عيون المسائل" أو ركبها ليسقيها أو علفها وفي "المغني" و"الشرح": إن استخدم لا للاختبار بطل رده بالكثير وإلا فلا ومقتضاه أنه يبطل بما ذكرنا وأنه لا أرش أيضا وهو المذهب.
وعنه: له الأرش قال في "الفروع": وهو أظهر لأنه وإن دل على الرضى فمع الأرش كإمساكه اختاره الشيخ قال وهو قياس المذهب وقدمه في "المستوعب".
قال في "التنبيه": والاستخدام والركوب لا يمنع أرش العيب إذا ظهر قبل ذلك أو بعده وأحمد في رواية حنبل إنما نص أنه يمنع الرد فدل أنه لا يمنع الأرش.
"وعنه: أنه على الفور" لأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال أشبه الشفعة فعلى هذا متى علم العيب وأخر الرد مع إمكانه بطل خياره لأنه يدل على الرضى كالتصرف.
وجوابه: أن الشفعة ثبتت لدفع ضرر غير محقق بخلاف الرد بالعيب.
"ولا يفتقر الرد إلى رضى ولا قضاء ولا حضور صاحبه" لأنه رفع عقد
وإن اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه وعنه ليس له ذلك وإن اشترى واحد معيبين صفقة واحدة فليس له إلا ردهما أو إمساكهما فإن تلف أحدهما فله رد الباقي بقسطه.
ـــــــ
جعل إليه فلم يعتبر فيه ذلك كالطلاق وظاهره سواء كان قبل القبض أو بعده "وإن اشترى اثنان شيئا وشرطا الخيار أو وجداه معيبا فرضي أحدهما فللآخر الفسخ في نصيبه" في المنصوص لأن نصيبه جميع ما يملكه بالعقد فجاز له رده بالعيب تارة وبالشرط أخرى وكشراء واحد من اثنين وعلله في المغني بأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان فكأنه باع كل واحد منهما نصيبه مفردا فرد عليه أحدهما جميع ما باعه إياه فاقتضى ذلك أنها خرجت من ملك البائع مشقصة.
"وعنه: ليس له ذلك" لأنه خرج من ملك البائع دفعة واحدة فإذا رد أحدهما نصيبه رده مشتركا مشقصا فلم يكن له ذلك وكما لو تعيب عنده أو ورثاه وهذا ظاهر في المعيب واقتصر في "المحرر" عليه وأما في خيار الشرط فلا فعلى هذا له الأرش وقياس الأول للحاضر منهما نقد نصف ثمنه وقبض نصفه وإن نقد كله قبض نصفه وفي رجوعه الروايتان ذكره في "الوسيلة" وغيرها.
وعلى الأول لو قال: بعتكما، فقال أحدهما قبلت جاز.
"وإن اشترى واحد معيبين" أو طعاما في وعائين ذكره في "الترغيب" وغيره "صفقة واحدة، فليس له إلا ردهما أو إمساكهما" قاله القاضي وجزم به في "الوجيز" لأن في رد أحدهما تفريقا للصفقة على البائع مع إمكان أن لا يفرقها أشبه رد بعض المعيب الواحد فعلى هذا إذا أمسك فله الأرش وعنه له رد أحدهما بقسطه من الثمن كما لو كان أحدهما معيبا وعنه: يتعين "فإن تلف أحدهما، فله رد الباقي بقسطه" من الثمن لأنه رد للمعيب على وجه لا ضرر فيه على البائع فجاز كما لو رد الجميع.
والقول في قيمة التالف قوله مع يمينه وإن كان أحدهما معيبا فله رده بقسطه من الثمن وعنه لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما وإن كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب وزوجي خف أو من يحرم التفريق بينهما كجارية وولدها فليس له رد أحدهما وإن اختلفا بالعيب هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري ففي أيهما يقبل قوله روايتان.
ـــــــ
وفي "المغني": أن الرد هنا مبني في رد أحدهما فعلى هذا إن قلنا ليس له رد أحدهما فليس له رد الباقي إذا تلف أحدهما "والقول في قيمة التالف قوله" أي قول المشتري "مع يمينه" لأنه منكر لما يدعيه البائع من زيادة قيمته ولأنه بمنزلة الغارم.
وقيل: يقبل قول البائع "وإن كان أحدهما معيبا" وأبى أخذ الأرش "فله رده بقسطه من الثمن" جزم به في "الوجيز" لأنه رد للمبيع المعيب من غير ضرر على البائع كما سبق.
"وعنه: لا يجوز له إلا ردهما أو إمساكهما" لأن في رد المعيب وحده تبعيضا للصفقة على البائع فلم يكن له ذلك كما لو كان المبيع مما ينقص بالتفريق ولم يرجح في "الفروع" شيئا "وإن كان المبيع مما ينقصه التفريق كمصراعي باب أو زوجي خف أو ممن يحرم التفريق بينهما كجارية وولدها فليس له رد أحدهما" رواية واحدة، بل يتعين إما ردهما أو إمساكهما لما فيه من الضرر على البائع بنقص القيمة وسوء المشاركة والنهي الخاص عن التفرقة بين الوالدة وولدها وكل ذي رحم محرم كذلك.
قال في "الفروع": ومثله بيع جان له ولد صغير يباعان وقيمة الولد لمولاه.
"وإن اختلفا في العيب، هل كان عند البائع أو حدث عند المشتري" وكان محتملا لقول كل منهما كالخرق في الثوب ونحوه "ففي أيهما يقبل قوله؟ روايتان" وكذا في "الفروع" إحداهما يقبل قول المشتري مع يمينه وهي اختيار الخرقي وجزم بها في "الوجيز" لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت،
إلا أن يحتمل إلا قول أحدهما فالقول قوله بغير يمين.
ـــــــ
فكان القول قول من ينفيه كما لو اختلفا في قبض المبيع ويمينه على البت فيحلف أنه اشتراه وبه العيب أو أنه ما حدث عنده.
والثانية: يقبل قول البائع مع يمينه وهي أنصهما واختارها القاضي في الروايتين و أبو الخطاب وقدمها في "المحرر" لأن الأصل سلامة المبيع وعدم استحقاق الفسخ ويمينه على حسب جوابه فإن أجاب أن العيب لم يكن فيه حلف على ذلك وإن أجاب أنه ما يستحق على ما يدعيه من الرد حلف على ذلك والأشهر أنه يحلف على البت لأن الأيمان كلها على البت إلا على النفي في فعل الغير.
وعنه: على نفي العلم وفي "الإيضاح": يتحالفان "إلا أن يحتمل إلا قول أحدهما" كالأصبع الزائدة والجرح المندمل عقيب العقد والجرح الطري الذي لا يحتمل أن يكون قديما "فالقول قول" من يدعيه "بغير يمين" للعلم بصدقه فلا حاجة إلى استحلافه وقيل بلى لأنه محتمل.
فرع: إذا اشترى جارية على أنها بكر وأنكر المشتري بكارتها أريت الثقات ويقبل فيه قول واحدة فإن وطئها وقال ما وجدتها بكرا فوجهان مبينان على الاختلاف في العيب الحادث ذكره في "المغني" و"الشرح".
تنبيهان: الأول إذا وكل في البيع فباع الوكيل ثم ظهر المشتري على عيب بالمبيع فله رده على الموكل فإن كان العيب مما يمكن حدوثه فأقر به الوكيل وأنكر موكله فقال أبو الخطاب يقبل إقراره على موكله بالعيب لأنه أمر يستحق به الرد فقبل كخيار الشرط وصحح المؤلف أنه لا يقبل لأنه إقرار على الغير فلم يقبل كالأجنبي فعليه لو رده على الوكيل لم يملك رده على الموكل لأن رده بإقراره وهو غير مقبول على غيره فإن أنكره الوكيل وتوجهت عليه اليمين فنكل عنها فرد عليه بنكوله فهل له رده على الموكل فيه وجهان.
ومن باع عبدا تلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له وإن علم بعد البيع فله الرد أو الأرش فإن لم يعلم حتى قتل فله الأرش وإن كانت الجناية موجبة للمال والسيد معسر قدم حق المجني عليه وللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما وإن كان السيد موسرا تعلق الأرش بذمته.
ـــــــ
الثاني: إذا رد المشتري السلعة بعيب وأنكر البائع أنها سلعته قبل قوله بخلاف ما إذا ردت عليه بخيار شرط فإن القول قول المشتري نص عليهما لأنهما اتفقا على استحقاق فسخ العقد والرد بالعيب بخلافه.
مسألة: إذا خرج من يده إلى يد غيره لم يجز له أن يرده نقله مهنا.
"ومن باع عبدا تلزمه عقوبة من قصاص أو غيره يعلم المشتري ذلك فلا شيء له" لأنه رضي به معيبا أشبه سائر المعيبات "وإن علم بعد البيع فله الرد" وأخذ الثمن "أو" الإمساك مع "الأرش" لأنه عيب فملك به الخيرة كبقية العيوب "وإن لم يعلم حتى قتل فله الأرش" لأنه تعين لتعذر الرد وهو قسط ما بين كونه جانيا وغير جان فيقال ثمنه غير جان بمائة وجان بخمسين فما بينهما النصف فالأرش إذن نصف الثمن فإن قطع فهل يمنع من رده قيمته فيه روايتان.
"وإن كانت الجناية موجبة للمال" أو القصاص فعفي عنه إلى مال "والسيد" أي البائع "معسر، قدم حق المجني عليه" لأن حق الجناية سابق على حق المشتري فإذا تعذر إمضاؤهما قدم حق السابق "وللمشتري الخيار إذا لم يكن عالما" لأن تمكن المجني عليه من انتزاعه عيب فملك به الخيار كغيره فإن فسخ رجع بالثمن وإن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبة العبد وأخذ بها رجع المشتري بالثمن أيضا لأن أرش مثل ذلك جميع الثمن وإن لم تكن مستوعبة رجع بقدر أرشه وظاهره أنه إذا كان عالما بعيبه لا خيار له.
"وإن كان السيد موسرا تعلق الأرش بذمته" لأن الخيرة له بين تسليمه في
والبيع لازم
فصل.
السادس: خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة ولا بد في جمعيها من معرفة المشتري رأس المال ومعنى التولية البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتكه برأس ماله أو بما اشتريته أو برقمه.
ـــــــ
الجناية وفدائه فإذا باعه تعين عليه فداؤه لإخراج العبد عن ملكه ولأنه زال ملكه عن عين تعلق بها حق المجني عليه فلزمه الأرش كما لو قتله.
"والبيع لازم" لأنه لا ضرر على المشتري لرجوع المجني عليه على البائع.
فصل:
"السادس: خيار يثبت في التولية والشركة والمرابحة والمواضعة" هذه أنواع من البيع واختصت بهذه الأسماء كاختصاص السلم والمشتري قد يكون له غرض في الشراء على الوجه الذي أوقعه لكونه حالفا أو وصيا في الشراء على هذا الوجه "ولا بد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال" لأن معرفة الثمن متوقفة على العلم به والعلم بالثمن شرط فمتى فات لم يصح لفوات شرطه.
وخص المشتري بها لأن الظاهر أنه بخلاف البائع إذ لا فرق بينهما فمتى جهلاه أو أحدهما لم يصح فلو نسي البائع رأس ماله لم يجز بيعه مرابحة بل مساومة لأنه متى لم يكن عالما أو ظانا بذلك كان كاذبا.
"ومعنى التولية" في الأصل تقليد العمل يقال ولي فلان القضاء والعمل الفلاني ثم استعملت هنا في "البيع برأس المال فيقول وليتكه أو بعتكه برأس ماله" وفي ذلك إشارة على أن للتولية لفظين أحدهما صريح لفظها والثاني لفظ البيع لأنه صريح في معناه فإذا قال: بعتك "بما اشتريته أو برقمه" المعلوم صح أشبه ما لو عين الثمن.
والشركة: بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح بقوله أشركتك في نصفه أو ثلثه والمرابحة أن يبيعه بربح فيقول رأس مالي فيه مائة بعتكه بها وربح عشرة أو على أن أربح في كل عشرة درهما.
ـــــــ
قال أحمد: لا بأس ببيع الرقم وهو الثمن المكتوب عليه إذا كان معلوما لهما حال العقد ويستثنى منه ما لو دفع ثيابا إلى قصار وأمره برقمها فرقم ثمنها عليها لم يجز بيعها مرابحة حتى يرقمها بنفسه لأنه لا يدري ما فعل القصار.
"والشركة بيع بعضه بقسطه من الثمن ويصح بقوله أشركتك في نصفه أو ثلثه" لأنه لفظ موضوع للشركة حقيقة فصح به فلو قال بعتك نصفه بنصف رأس ماله صح لإفادته المقصود.
تنبيه: إذا اشترى شيئا فقال آخر أشركني انصرف إلى النصف لأنها تقتضي التسوية بإطلاقها وقيل لا يصح فعلى الأول إن قاله الآخر عالما بشركة الأول فله نصف نصيبه وهو الربع وإن لم يعلم فالأصح يصح فيأخذ نصيبه لأنه طلب منه نصف المبيع فأجاب إليه كالبيع.
وقيل: نصف نصيبه وهو الربع وقيل ونصف نصيب شريكه إن أجيز على رواية وعلى الأخيرين لطالب الشركة الخيار لأنه إنما طلب النصف ولم يحصل له إلا أن يقول بوقوفه على الإجازة.
وقيل: لا تصح هذه الشركة كما لو قال بعني نصف هذا العبد فقال بعتك ربعه ولو قال أشركاني فأشركاه معا ففي أخذ نصفه أو ثلثه صححه في "الشرح" احتمالان.
وإن شركه كل واحد منفردا كان له النصف ولكل منهما الربع وإن شركه أحدهما فنصف نصيبه أو ثلثه.
"والمرابحة: أن يبيعه بربح فيقول: رأس مالي مائة بعتكه بها وربح عشرة" فهو جائز بلا كراهة بغير خلاف نعلمه لأن الثمن والربح معلومان "أو على أن أربح في كل عشرة درهما" فيكره ويصح نص عليه، واحتج بكراهة ابن عمر
ـــــــ
وابن عباس.
وقال ابن المنجا لا كراهة فيه وفيه نظر وقد نقل أبو النصر هو الربا واقتصر عليه في "زاد المسافر"، ونقل أحمد بن هاشم كأنه دراهم بدراهم لا يصح وفي "الرعاية": إن جهل مشتر ثمنه عند عقد لم يصح.
وإن قال: ده يازده أو ده دوازده صح مع الكراهة قاله أحمد لأنه بيع الأعاجم ولأن الثمن قد لا يعلم في الحال وقد قال أحمد المساومة أسهل عندي من المرابحة لأن بيع المرابحة يحتاج فيه إلى الصدق واجتناب الريبة.
مسائل
إذا باعه السلعة مرابحة فأخبره أن ثمنها مائة بربح عشرة ثم علم أنه تسعون فالبيع صحيح لأن زيادة الثمن لا يمنع صحته وللمشتري الرجوع بالزيادة وهو عشرة وحظها من الربح وهو درهم فيلزمه تسعة وتسعون والمنصوص أن المشتري مخير بين أخذ المبيع برأس ماله وحصته من الربح وبين الرد لأنه لا يأمن الخيانة في هذا الثمن أيضا وربما كان حالفا أو وكيلا.
وظاهر "الخرقي"، واختاره صاحب "التلخيص": أنه لا خيار له لأنه زاده خيرا لأن من رضي بمائة وعشرة يرضى بتسعة وتسعين فلو أخبر البائع أن ثمنها أكثر وأنه غلط قبل قوله مع يمينه في قول الأكثر لأنه لما دخل معه في المرابحة فقد ائتمنه والقول قول الأمين وله تحليف بائع إنه لم يعلم أن وقت بيعها أكثر مما أخبر به فإن نكل أو أقر قضي عليه.
وعنه: لا يسمع منه إلا ببينة اختاره المؤلف وصححه في "الشرح". وعنه يقبل إن كان معروفا بالصدق لترجحه إذن وعنه لا يقبل وإن أقام بينة لتكذيبه لها ظاهرا إلا أن يصدقه المشتري.
ولا يحلف مشتر بدعوى بائع عليه علم الغلط وصحح في "المغني" و"الشرح" خلافه وبكل حال إذا صدق المشتري البائع أخذ به ولا يمين
والمواضعة: أن يقول بعتكه بها ووضيعة درهم من كل عشرة فيلزم المشتري تسعون درهما وإن قال ووضيعة درهم لكل عشرة لزمه تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
ـــــــ
عليه، فإن كذبه حلفه كغيره من الأمناء وإن باع بدون ثمنها عالما لزمه.
"والمواضعة": المتاركة في البيع وسمي بالمواضعة لأنه يكون بدون رأس المال بخلاف المرابحة ويكره فيها ما يكره فيها وهي "أن يقول" البائع: "بعتكه بها" أي: برأس ماله "ووضيعة درهم من كل عشرة" لأنه لفظ محصل لمقصود البيع بدون رأس المال وهذه الصورة مكروهة بخلاف ما إذا قال بعتك هذا به وأضع لك عشرة "فيلزم المشتري تسعون درهما" إذا كان رأس المال مائة لأنها عشر عشرات فإذا سقط من كل عشرة درهم، بقي تسعون.
وقيل: يلزمه تسعون وتسعة أعشار درهم وحكاه الأزجي رواية وقيل يلزمه كالثانية. قال في "الشرح": وهو غلط لأنه يكون حطا من كل أحد عشر وهو غير ما قاله.
"وإن قال ووضيعة درهم لكل عشرة لزمه تسعون وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم" لأنه اقتضى أن يكون الحط من غير العشرة فيكون من كل أحد عشر درهما درهم فيجب أن يسقط من تسعة وتسعين تسعة ومن درهم جزء فيبقى ما ذكر كعن كل وقال أبو ثور الحط هنا عشرة كالأولى والفرق واضح ولا تضر الجهالة الموجودة حينئذ لأنها تزول بالحساب.
"ومتى اشتراه بثمن مؤجل أو ممن لا تقبل شهادته له أو بأكثر من ثمنه حيلة أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن فللمشتري الخيار بين الإمساك والرد" وفيه مسائل:
وما يزاد في الثمن أو يحط منه في مدة الخيار.
ـــــــ
الأولى: إذا اشتراه بثمن مؤجل ولم يبينه للمشتري في تخبيره فله الخيار استدراكا لظلامته ولأن الأجل يأخذ قسطا من الثمن فيخير بين أخذه بالثمن الذي وقع عليه حالا أو يفسخ وهذا ما لم يكن من المتماثلات المساوية كبر ونحوه وعنه إن كان المبيع قائما خير بين الفسخ وأخذه بالثمن مؤجلا لأنه الثمن الذي اشترى به البائع والتأجيل صفة له وإن كان تالفا حبس الثمن بقدر الأجل وقاله شريح.
والمذهب كما قدمه في "المحرر" و"الفروع": أنه إذا بان مؤجلا أخذ به مؤجلا ولا خيار فيه نص عليه.
الثانية: إذا اشتراه ممن لا تقبل شهادته له كأحد أبويه ولم يبينه للمشتري فله الخيار لأنه متهم في حقهم لكونه يحابيهم ويسمح لهم وكما لو اشتراه من مكاتبه.
الثالثة: إذا اشتراه بأكثر من ثمنه حيلة ولم يبينه للمشتري في تخبيره فله الخيار فذلك تدليس وهو حرام كتدليس العيب وظاهره أنه إذا لم تكن حيلة أنه يجوز وصححه في "المغني" و"الشرح" لأنه أجنبي أشبه غيره وقال القاضي إذا باع غلام دكانه سلعة ثم اشتراها منه بأكثر من ذلك لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره لأنه متهم في حقه كمن لا تقبل شهادته له.
الرابعة: إذا باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره فله الخيار لأن قسمة الثمن على ذلك تخمين واحتمال الخطأ فيه كثير.
وعنه: يجوز بيع نصيبه مما اشتراه واقتسماه مرابحة مطلقا لأن ذلك ثمنه فهو صادق وعنه عكسه بل مساومة وهذا في المتقومات التي لا ينقسم عليها الثمن بالأجزاء فإن كانت من المتماثلات التي ينقسم عليها الثمن بالأجزاء كأكثر المتساويين جاز بيع بعضه مرابحة بقسطه من الثمن بغير خلاف نعلمه "وما يزاد في الثمن" أو المثمن "أو يحط منه" أي: ينقص "في مدة الخيار"
أو يؤخذ أرشا لعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال ويخبر به وإن جنى ففداه المشتري، أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه لم يلحق به.
ـــــــ
يلحق بالعقد ويخبر به في الثمن لأن ذلك من الثمن فوجب إلحاقه برأس المال والإخبار به كأصله.
ومثله خيار وأجل وقيل إن قلنا ينتقل الملك في زمن الخيارين إلى المشتري فلا خيار قاله ابن حمدان وقال لو حط الكل هل يبطل البيع أو يصح أو يكون هبة فيه أوجه.
فرع: إذا وهب مشتر لوكيل باعه فهو كالزيادة ومثله عكسه فإن تغير سعر السلعة وهي بحالها فإن غلت لم يلزمه الإخبار بذلك لأنه زيادة فيها وكذا إن رخصت نص عليه لأنه صادق بدون الإخبار وفيه احتمال فإن أخبره بدون ثمنها ولم يبين الحال لم يجز لأنه كذب.
"أو يؤخذ أرشا لعيب أو جناية عليه يلحق برأس المال يخبر به" جزم به في "الوجيز" وقاله أبو الخطاب في أرش العيب فعلى هذا يحط أرش العيب من الثمن ويخبر بالباقي.
وقال القاضي: يخبر به على وجهه وكذا أرش الجناية لأنه أخذ منهما في مقابلة جزء من البيع وأطلق الخلاف في "الفروع" فيهما وقيل لا يحط أرش الجناية.
فرع: إذا أخذ نماء أو وطئ أو استخدم لم يلزمه بيانه وعنه بلى لنقصه "وإن جنى ففداه المشتري" لم يلحق بالثمن ولا يخبر به في المرابحة بغير خلاف نعلمه لأنه لم يزد به المبيع قيمة ولا ذاتا وإنما هو مزيل لنقصه بالجناية ويلحق به الأدوية والمؤنة والكسوة وذكره في "الشرح" وجها واحدا.
"أو زيد في الثمن أو حط منه بعد لزومه" أي: لزوم العقد "لم يلحق به" أي: برأس المال على الأصح كالأجل والخيار ولأن ذلك هبة من أحدهما للآخر فلا يكون عوضا.
وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة أخبر به على وجهه فإن قال تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك على وجهين وإن عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجها واحدا وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه وإن قال اشتريته
ـــــــ
"وإن اشترى ثوبا بعشرة وقصره بعشرة أخبر به على وجهه" لأنه لو ضم ذلك إلى الثمن ثم أخبر به كان كذبا وتغريرا بالمشتري "فإن قال: تحصل علي بعشرين فهل يجوز ذلك؟ على وجهين" أصحهما أنه لا يجوز لأن فيه تلبيسا والثاني يجوز لأنه صادق ومثله أجرة متاعه وكيله ووزنه قاله في "الرعاية" و"الفروع".
قال الأزجي: وعلف الدابة وخالفه المؤلف قال أحمد إذا بين فلا بأس ولا يقومه ثم يبيعه مرابحة وبيع المساومة أسهل منه لأن عليه أن يبين.
"وإن عمل فيه بنفسه عملا يساوي عشرة لم يجز ذلك وجها واحدا" لأنه كاذب لأن عمله لم يغرم بسببه شيئا كما لو عمل له بغير أجرة وحاصله أن من أراد البيع مرابحة والسلعة بحالها أخبر بثمنها.
وإن تغيرت فعلى ضربين أحدهما أن تتغير بزيادة وهو نوعان أحدهما أن يزيد أثمانها كالسمن وتعلم صنعة أو يحدث منها نماء منفصل كالولد والثمرة فإذا باعها مرابحة أخبر بالثمن من غير زيادة لأنه الذي ابتاعها به ولو أخذ الزيادة المنفصلة كما سبق.
الثاني: أن يعمل فيها عملا كقصر الثوب ونحوه سواء قصره بنفسه أو استأجر من عمله في ظاهر كلام أحمد فإن قال تحصل علي بكذا فالخلاف.
الضرب الثاني: أن يتغير بنقص كالمرض والجناية عليه أو تلف بعضه أو استغلاله كأخذ صوفه ولبنه فإنه يخبر بالحال قولا واحدا.
"وإن اشتراه بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراه بعشرة أخبر بذلك على وجهه" لأنه أقرب إلى الحق وأبلغ في الصدق "وإن قال: اشتريته بعشرة
بعشرة جاز. وقال أصحابنا: يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة.
ـــــــ
جاز" صححه في "المغني"، ونصره في "الشرح" لأنه صادق فيما أخبر به وليس فيه تهمة أشبه ما لو لم يربح فيه "وقال أصحابنا: يحط الربح من الثمن الثاني ويخبر أنه اشتراه بخمسة" وهو قول ابن سيرين وأعجب أحمد قوله لأن الربح أحد نوعي النماء فوجب أن يخبر به في المرابحة كإنماء من نفس البيع كالثمرة ونحوها وحينئذ فيخبر أنه اشتراه بخمسة لأنه حط الربح من الثمن الثاني.
لكن قال في "الشرح": ينبغي أن يقول: يقوم علي بخمسة ولا يقول اشتريته فإنه كذب كما لو ضم إليه أجرة القصارة وظاهر كلامهم أنه إذا لم يبق شيء أخبر بالحال كمن اشتراه بعشرة ثم باعه بعشرين ثم اشتراه بعشرة وصرح به في "المحرر" و"الفروع" فإن اشتراه بخمسة عشر ثم باعه بعشرة ثم اشتراه بأي ثمن كان بينه ولم يضم خسارة إلى ثمن ثان.
مسألة: إذا اشترى نصف سلعة بعشرة واشترى آخر باقيها بعشرين ثم باعها مرابحة زاد في "الشرح": أو مواضعة أو تولية بثمن واحد فهو بينهما نصفان نص عليه وعنه: على قدر رؤوس أموالهما وصححها السامري وابن حمدان وعنه لكل واحد رأس ماله والربح نصفان فإن باعها مساومة بثمن واحد فهو بينهما نصفان بغير خلاف نعلمه.
فرع: إذا اشتراه بثمن لرغبة تخصه لزمه أن يخبر بالحال ويصير كالشراء بثمن غال لأجل الموسم الذي كان حال الشراء ذكره في "الفنون".
المجلد الرابع
تابع كتاب البيع
تابع باب الخيار في البيع
فصل
السابع: خيار يثبت لاختلاف المتبايعين وهو صور فمتى اختلفا في قدرالثمن تحالفا فيبدأ بيمين البائع
ـــــــ
فصل
"السابع: خيار يثبت لاختلاف المتبايعين" وهو صور "فمتى اختلفا في قدرالثمن" بأن قال بعتك بمائة وقال الآخر اشتريت بثمانين ولا بينة بينهما "تحالفا" نقله الجماعة لما روى ابن عباس مرفوعا قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعي عليه" متفق عليه ولفظه لمسلم وللبيهقي "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" ولأن كلا منهما مدع ومنكر صورة وكذا حكما لسماع بينة كل منهما.
قال في "عيون المسائل" لا تسمع إلا بينة المدعي باتفاقنا ويؤكد ذلك حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا"
وعنه: يقبل قول بائع مع يمينه ذكره في الترغيب المنصوص لما روى بن مسعود مرفوعا قال "إذا اختلف البائعان وليس بينهما بينة فالقول قول صاحب السلعة أو يترادان" رواه أحمد وكاختلافهما بعد قبضه وفسخ العقد بعيب أو إقالة في المنصوص وجوابه بأنه منقطع قاله الشافعي لكن قد تعددت طرقه قال ابن عبد البر هو محفوظ مشهور وقد اشتهر بالحجاز والعراق شهرة يستغني عن الإسناد وعنه: يقبل قول مشتر مع يمينه لاتفاقهما على حصول الملك له ثم البائع يدعي عليه عوضا والمشتري ينكر بعضه والقول قول المنكر ونقل أبو داوود يقبل قول البائع أو يتردان قيل فإن اقام كل منهما بينة قال كذلك "فيبدأ بيمين البائع" لأنه أقوى جنبة من المشتري لكون المبيع يرد إليه وأكثر الروايات فالقول ما قال البائع.
فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وإن تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد وإلا فلكل واحد منهما الفسخ وإن كانت السلعة تالفة رجعا إلى قيمة مثلها
ـــــــ
"فيحلف ما بعته بكذا وإنما بعته بكذا ثم يحلف المشتري ما اشتريته بكذا وإنما اشتريته بكذا" هذا هو الأشهر يذكر كل منهما نفيا وإثباتا الإثبات لدعواه والنفي لما ادعي عليه فيبدأ بالنفي لأن الأصل في اليمين أنها للنفي وعنه: يبدأ بالإثبات.
وظاهره: يكفي كل واحد يمين واحدة لأنه أقرب إلى فصل القضاء "فإن نكل أحدهما" سواء كان البائع أو المشتري "لزمه ما قال صاحبه" لقضاء عثمان على ابن عمر رواه أحمد ولأن النكول بمنزلة الإقرار وظاهره: ولو أنه بدل شقي اليمين فإنه يعد ناكلا ولا بد أن يأتي فيها بالمجموع.
"وإن تحالفا فرضي أحدهما بقول صاحبه أقر العقد" لأن الراضي إن كان البائع فلا خيار للمشتري لأنه حصل له ما ادعاه وكذا إن كان المشتري "وإلا" أي: إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر "فلكل واحد منهما الفسخ" في ظاهر كلام أحمد وهو المذهب لأنه عقد صحيح فلم ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة كما لو أقام كل منهما بينة وقيل: ينفسخ بنفس التحالف وزعم ابن الزاغوني أنه المنصوص لأن القصد من التحالف رفع العقد فاعتمد ذلك.
وقيل: إن امتنع من الأخذ بقول صاحبه انفسخ وهو ظاهر "الخرقي" وظاهره: أنه لا يفتقر إلى حكم حاكم وقيل: بلى وقطع به ابن الزاغوني لوقوع الخلاف فيه كالمرأة إذا زوجها وليان وجوابه أنه فسخ لاستدراك الظلامة أشبه رد المعيب ولا يشبه النكاح لاستقلال كل منهما بالطلاق.
"وإن كانت السلعة تالفة" تحالفا "ورجعا إلى قيمة مثلها" اختاره الخرقي وقدمه في "المحرر" وجزم به في "الوجيز" لعموم ما سبق فيغرم المشتري القيمة لتعذر رد العين وظاهره: ولو كانت مثلية وفيه شيء ويقبل قول المشتري.
فان اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري مع يمينه وعنه: لا يتحالفان إذا كانت تالفة والقول قول المشتري مع يمينه وإن ماتا فورثتهما بمنزلتهما ومتى فسخ المظلوم منهما انفسخ العقد ظاهرا وباطنا وإن فسخ الظالم لم
ـــــــ
فيها نقله محمد بن العباس وفي المغني والشرح إن قيمة السلعة إن كانت مساوية للثمن الذي ادعاه المشتري فيقبل قوله مع يمينه لعدم الفائدة في يمين البائع وفسخ البيع وإن كانت أقل فاحتمالان أحدهما كما ذكرنا والآخر يشرع التحالف لحصول الفائدة للمشتري.
"فإن اختلفا في صفتها فالقول قول المشتري مع يمينه" لأنه غارم وسواء كانت الصفة عيبا كالبرص وخرق الثوب أو لا كالسمن والكتابة وقيل: يقبل قول بائع في نفي العيب قدمه في "المحرر" وغايته تعارض أصلان فخرج قولان فإن كان البائع قبض الثمن وشارك القيمة وكانا من جنس واحد تعارضا وتساقطا وإلا سقط الأقل ومثله من الأكثر.
وظاهر كلام أبي الخطاب أن القيمة إن زادت على الثمن أن المشتري لا يلزمه الزيادة وقرره ابن المنجا على وجه وليس بظاهر.
"وعنه: لا يتحالفان إذا كانت تالفة" لمفهوم قوله عليه السلام: "والسلعة قائمة" فدل على أنه لا يشرع عند عدمها "والقول قول المشتري مع يمينه" لأنهما اتفقا على نقل السلعة إلى المشتري واختلفا في قدر زائد يدعيه البائع وينكره المشتري والقول قول المنكر والأول أولى قال الإمام أحمد لم يقل فيه "والمبيع قائم" إلا يزيد بن هارون وقد أخطأ رواه الخلق عن المسعودي بغير هذه الزيادة ولم يرجح في "الفروع" شيئا.
"وإن ماتا فورثتهما بمنزلتهما" لأنهم يقومون مقامه في أخذ ماله وإرث حقوقه فكذا فيما يلزمه وكذا إن مات أحدهما.
"ومتى فسخ المظلوم منهما" سواء كان البائع أو المشتري "انفسخ العقد ظاهرا وباطنا" لأنه معذور "وإن فسخ الظالم" أي: الكاذب عالما بكذبه "لم
ينفسخ في حقه باطنا وعليه إثم الغاصب وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه وإن اختلفا في أجل أو شرط فالقول قول من ينفيه وعنه: يتحالفان إلا أن يكون شرطا فاسداً فالقول قول من ينفيه
ـــــــ
ينفسخ في حقه باطنا" لأنه لا يحل له الفسخ فلم يثبت حكمه بالنسبة إليه لكونه لا عذر له وظاهره: أنه يثبت بالنسبة إلى صاحبه فيباح له التصرف فيما رجع إليه لأنه عاد إليه بحكم من غيرعدوان منه.
"وعليه" أي: الظالم "إثم الغاصب" لأنه غاصب قال ابن المنجا: لم أجد مما قال المؤلف نقلا صريحا يوافقه ولا دليلا يقتضيه وفيه شيء فإنه قوي من جهة النظر وهو اختياره هنا ونقل في "المغني" و"الكافي" تبعا لابي الخطاب إن كان البائع ظالما لم ينفسخ العقد باطنا لأنه يمكنه إمضاء العقد واستيفاء حقه فلا ينفسخ باطنا ولا يباح له التصرف في المبيع لأنه غاصب وإن كان المشتري ظالما انفسخ العقد مطلقا والمذهب عند الجمهور أنه ينفسخ العقد ظاهرا وباطنا لأنه فسخ لاستدراك ظلامته أشبه الرد بالعيب.
"وإن اختلفا في صفة الثمن تحالفا" أي: إذا كان في البلد نقود لأنهما اختلفا في الثمن على وجه لا يترجح أحدهما فوجب التحالف كما لو اختلفا في قدره "إلا أن يكون للبلد نقد معلوم فيرجع إليه" نص عليه لأن الظاهر وقوع العقد به فإن كان ثم نقود وأحدها غالب أخذ به في ظاهر كلامه فإن تساوت فأوسطها وعنه: الأقل وقال القاضي: يتحالفان
"وإن اختلفا في أجل أو شرط" صحيح "فالقول قول من ينفيه" جزم به في "الوجيز" لأن الأصل عدمه وكما لو اختلفا في أصل العقد ويحلف على ذلك لأن قول الآخر محتمل
"وعنه: يتحالفان" قدمه في المحرر لأنهما اختلفا في صفة العقد فوجب تحالفهما كالاختلاف في الثمن وهذا الخلاف جار في الاختلاف في الرهن والضمين وفي قدر ما وقعا به وفي قدر الأجل "إلا أن يكون شرطافاسدا" كما لو قال أحدهما وقع بخمر أو خيار مجهول "فالقول قول من ينفيه"
وإن قال بعتني هذين قال بل أحدهما فالقول قول البائع وإن قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره ولم يثبت بيع واحد منهما
ـــــــ
مع يمينه لأن الظاهر من حال المسلم أنه لا يتعاطى إلا عقدا صحيحا.
وعلم منه أنه يقبل قول مدعي الصحة دون فساده فلو قال بعتك وأنا صبي أو غير مأذون لي في التجارة وأنكره المشتري قدم قوله نص عليه وفيه وجه عكسه لأنه الأصل وفي "الانتصار" لو اختلفا في صحته وفساده قبل قول البائع مدعي فساده انتهى فإن اقام كل منهما بينة قدمت بينة المدعي وقيل: يسقطان.
"وإن قال بعتني هذين" بمائة "قال: بل أحدهما" بخمسين أو قال بعتك هذا العبد بألف قال بل هو والعبد الآخر "فالقول قول البائع" مع يمينه نص عليه لأن البائع ينكر القدر الزائد فاختصت اليمين به كما لو اختلفا في أصل العقد.
وعنه: يتحالفان صححها ابن عقيل كثمنه وقدمها في "التبصرة" وغيرها قال في "الشرح" وهو اقيس وأولى.
"وإن قال بعتني هذا قال بل هذا حلف كل واحد منهما على ما أنكره" لأن كل واحد منهما يدعي عقدا على مبيع ينكره الآخر فيحلف على ما أنكره.
"ولم يثبت بيع واحد منهما" جزم به في "الوجيز" لأن الذي ادعاه المشتري أنكره البائع وحلف عليه والقول قول المنكر مع يمينه والذي أقره البائع لا يدعيه المشتري
ونقل ابن منصور يؤخذ بقول البائع قدمه في "المحرر" ثم ما ادعاه البائع مبيعا إن كان بيد المشتري ففي "المنتخب" لا يرد إليه وفي "المغني" يرد كما لم يدعه قال ولا يطلبه إن بذل ثمنه وإلا فسخ فإن كان أمة وأنكر المشتري بيعها لم يطأها البائع هي ملك لذلك نقله جعفر قال
وإن قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع والثمن عين جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما وإن كان دينا أجبر البائع على التسليم ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضرا وإن كان غائبا بعيداأو المشتري معسراً فللبائع الفسخ،
ـــــــ
أبو بكر لا يبطل البيع بجحوده
فرع: إذا أقام كل منهما بينة بدعواه ثبت العقدان لعدم تنافيهما وإن أقام أحدهما بينة ثبت ويحلف المنكر للآخر ويبطل حكمه
"وإن قال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري لا أسلمه حتى أقبض المبيع والثمن عين" وفي "الشرح" أو عرض وفيه شيء "جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما" الواو بمعنى "ثم" وكذا ذكره في "المحرر" وغيره لأنهما استويا في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن وإذا كان كذلك وجب نصب عدل يفعل ما ذكر لأن فيه تسوية بين المتساويات فيسلم المبيع أولا ثم الثمن قدمه في "الفروع" وجزم به في "الوجيز" وقيل: يسلمهما معا ونقله ابن منصور وهو ظاهر كلامه لتساويهما قال ابن حمدان ومن أمكنه منهما التسليم الواجب عليه فأباه ضمن ما تلف به كغاصب وأيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر وأيهما يلزمه البداءة يحتمل وجهين وعنه: يجبر البائع على التسليم أولا
"وإن كان دينا" أي: وقع الثمن بثمن في الذمة "أجبر البائع على التسليم" نص عليه وأنه لا يملك حبس المبيع على قبض ثمنه حالا أو مؤجلا واختار المؤلف وقاله في "الإنتصار" خلافه لأن في تسليمه بدون ذلك ضررا عليه "ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن إن كان حاضرا معه" لأن حق المشتري تعلق بعين المبيع وحق البائع تعلق بالذمة فوجب تقديم ما تعلق بالعين كتقديم المرتهن على سائر الغرماء فإن كان عرضا بعرض لم يجب تسليم البائع بلا خلاف في المذهب "وإن كان" الثمن "غائبا بعيدا" أي: في مسافة القصرأو "المشتري معسرا" قال الشيخ تقي الدين أو مماطلا "فللبائع الفسخ"
وإن كان في البلد حجر على المشتري في ماله كله حتى يسلمه وإن كان غائبا عن البلد قريبا احتمل أن يثبت للبائع الفسخ واحتمل أن يحجر على المشتري ويثبت الخيار للخلف في الصفة أو المشتري
ـــــــ
ذكره الأكثر لأن عليه ضررا في تأخير الثمن فكان له الفسخ والرجوع في عين ماله كمفلس وكمبيع
نقل الشالنجي لا يكون مفلسا إلا أن يفلسه القاضي أو يبين أمره في الناس وفي "الانتصار" إن قارن الإفلاس العقد ولم يعلم لم يصح وإن قبضه ثم أفلس فله الفسخ نص عليه
"وإن كان في البلد" أو بينه حجر على المشتري في ماله كله" ومن جملته المبيع "حتى يسلمه" لئلا يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع وإن كان مؤجلا بقي الحجر فيه إلى أجله قاله في "الوجيز" وقال ابن حمدان ويحتمل أن يباع المبيع وقيل: وغيره من ماله في وفاء ثمنه إذا تعذر لإعسار أو بعد
"وإن كان" الثمن "غائبا عن البلد قريبا" أي: دون مسافة القصر "احتمل أن يثبت للبائع الفسخ" لأن في التأخير ضررا عليه "واحتمل أن يحجر على المشتري" حتى يسلمه لأنه في حكم الحاضر وحكاهما في "المحرر" و"الفروع" وجهين من غير ترجيح والفسخ لا يفتقر إلى حكم حاكم لأنه فسخ للبيع لتعذر ثمنه بخلاف الحجر عليه
مسألة: إذا أحضر المشتري أو وارثه أو وكيله نصف الثمن فهل يأخذ نصف المبيع أو كله أولا يقبض شيئا حتى يزن الباقي أو يفسخ البيع ويرد ما أخذه فيه أوجه وقيل: لا يستحق مطالبته بثمن ومثمن مع خيار شرط ومثله المؤجر بالنقد في الحال ذكره في "الوجيز" و"الفروع".
"ويثبت الخيار للخلف في الصفة" وفيه صورتان إحداهما: يثبت الخيار كما لو شرط كونه مسلما أو بكرا فبان بخلافه
الثانية: أن يشترط الأدنى فيظهر الأعلى كالكفر والثيوبة ونحوهما فإذا بان بخلافه فالأشهر أنه لا خيار له لأنه زاده خيرا
وتغير ما تقدمت رؤيته وقد ذكرناه
فصل
ومن اشترى مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه حتى يقبضه وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع
ـــــــ
"وتغير ما تقدمت رؤيته" أي: إذا رأى المبيع ثم عقدا عليه ثم وجده المشتري متغيرا "وقد ذكرناه" أي: الخلف في الصفة مذكور في باب الشروط في البيع وتغير الرؤية مذكور في الفصل السادس من البيع بما يغني عن إعادته
فصل
"ومن اشترى مكيلا أو موزونا" وظاهر المذهب أو معدودا وقاله الخرقي والأشهر أو مذروعا جزم به في "المحرر" أي: إذا اشتراه بما ذكر ملكه بالعقد وذكره الشيخ تقي الدين إجماعا وفي "الانتصار" رواية لا نقل ابن منصور ملك البائع فيه قائم حتى يوفيه المشتري وفي "الروضة" يلزم البيع بكيله أو وزنه
ولهذا قال لكل منهما الفسخ بغير اختيار الآخر ما لم يكيلا أو يزنا ولم يرتضه في "الفروع" ثم قال فيتجه إذن في نقل الملك روايتا الخيار "لم يجز بيعه حتى يقبضه" في ظاهر كلام أحمد لأنه عليه السلام نهى عن بيع الطعام قبل قبضه متفق عليه
وقال ابن عمر رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم متفق عليه وكان الطعام مستعملا يومئذ غالبا فيما يؤكل ويوزن والإجارة والهبة ولو بلا عوض والرهن ولو قبض ثمنه والحوالة عليه كالبيع فلو تقابضاه جزافا لعلمهما قدره صح مطلقا ويصح عتقه قولا واحدا قال أبو يعلى الصغير والوصية به والخلع عليه
"وإن تلف قبل قبضه فهو من مال البائع" وذلك على ضربين أحدهما: أن
إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد وبين إمضائه ومطالبة متلفه بمثله.
ـــــــ
يكون بأمر سماوي فهذا ينفسخ فيه العقد لأنه عليه السلام نهى عن ربح مالم يضمن والمراد به ربح ما بيع قبل القبض لأن ربح ما بيع بعده من ضمان المشتري وفاقا
الثاني: أن يكون بغيره وهو ظاهر "إلا أن يتلفه آدمي فيخير المشتري بين فسخ العقد" والرجوع بالثمن "وبين إمضائه ومطالبة متلفه ببدله" أي: بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته لأن الإتلاف كالعيب وقد حصل في موضع يلزم البائع ضمانه فكان له الخيار كالعيب في المبيع وقال المجد وجماعة الواجب القيمة فقيل مرادهم ما تقدم وأرادوا بالقيمة البدل الشرعي ونصر القاضي موفق الدين القيمة على ظاهر كلام المجد إذ هو في كلامه أظهر من كلام غيره وعلله بأن الملك هنا استقر على المالية فلذلك وجبت القيمة والمثلية لم يستقر الملك عليها فلذلك لم يجب
وشمل كلامه إتلاف البائع وقيل: ينفسخ العقد فيرجع المشتري بالثمن لاغيركما لو تلف بفعل الله تعالى: وفرق الأصحاب بينهما لأن التلف بفعل الله تعالى: لم يوجد فيه مقتضى الضمان بخلاف ما إذا أتلفه فإن إتلافه يقتضي الضمان بالمثل وحكم العقد يقتضي الضمان بالثمن فكانت الخيرة إلى المشتري في التضمين بأيهما شاء
ويستثنى من ذلك ما إذا أتلفه المشتري لأن ذلك كالقبض ويستقر عليه الثمن فلو أتلف بعضه قبل قبضه انفسخ في قدره وخير المشتري في باقيه جزم به في "المحرر" وغيره وفي "الفروع" هل يخير المشتري في باقيه أو ينفسخ فيه روأيتا تفريق الصفقة
فرع: إذا باع شاة بشعير فأكلته قبل قبضه فإن كانت في يد المشتري كما لو أتلفه وكذا إن كانت في يد البائع أو غيره وإن لم تكن في يد أحد انفسخ لأن المبيع هلك قبل القبض بأمر لا ينتسب إلى آدمي فهو كتلفه بفعل
وعنه: في الصبرة المتعينة أنه يجوز بيعها قبل قبضها فإن تلفت فهي من مال المشتري وما اسمها المكيل والموزون يجوز التصرف فيه قبل قبضه وإن تلف فهو من مال المشتري
ـــــــ
الله تعالى.
"وعنه: في الصبرة المتعينة إنه يجوز بيعها قبل قبضها وإن تلفت فهو مال المشتري" نقلها أبو الحارث والجوزجاني واختار القاضي وأصحابه وفي "المحرر" هي المشهورة لقول ابن عمر مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المشتري ولأن التعيين كالقبض قال ابن حمدان وعنه: أو مشاعا كنصفه أو ثلثه
والمذهب أنه يجوز التصرف فيه كأخذه بشفعة بخلاف ما إذا كان مبهما يتعلق به حق توفية كقفيز من صبرة ورطل من هذه الزبرة فإنه يفتقر إلى القبض على المعروف في المذهب "وما عدا المكيل والموزون" وكذا المعدود والمذروع "يجوز التصرف فيه قبل قبضه" كالعبد والدار على المذهب لقول ابن عمر كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير وبالعكس فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا بأس أن تأخذ بسعرها يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء" رواه الخمسة وهو من رواية عطاء بن السائب وسماك وفيهما كلام.
قال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر
فهذا تصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين ولأنه مبيع لا يتعلق به حق توفية فصح بيعه كالمال في يد المودع والمضارب
"وإن تلف فهو من مال المشتري" لقوله عليه السلام "الخراج بالضمان" وهذا المبيع للمشتري فضمانه عليه وهذا إذا لم يمنعه البائع نص عليه فإن منعه منه حتى تلف ضمنه ضمان غصب لا عقد وليس اللزوم من أحكام القبض على الأعرف وسواء تمكن من قبضه أولا جزم به في "المستوعب"
وقال الشيخ تقي الدين إذا تمكن من قبضه وقال ظاهر المذهب فرق بين ما
وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه كالمكيل والموزون في ذلك ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله أو وزنه
ـــــــ
تمكن من قبضه وغيره ليس هو الفرق بين المقبوض وغيره وفي كلام الشيخين ما يخالفه "وذكر أبو الخطاب فيه" أي: "الانتصار" "رواية أخرى" واختارها ابن عقيل "أنه كالمكيل والموزون في ذلك" أي: لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه وأخذها أبو الخطاب من قوله في رواية الأثرم أن الصبر لا تباع حتى تنقل
قال وهي معينة كالعبد والثوب لكن رواية مهنا في الصداق أظهر من هذا فإنه قال فيمن تزوج امرأة على غلام بعينه ففقئت عين الغلام ولم يقبضه فهو على الزوج فعلى هذا إذا تلفت قبل قبضه فهو من مال البائع
وعنه: أن ما كان مطعوما لا يجوز بيعه قبل قبضه قال ابن عبد البر هذا هو الأصح عن أحمد وفي "الكافي" إن ذلك مقتضى الدليل وعنه: إذا كان مكيلا أو موزونا وهو ظاهر كلام أبي بكر في "التنبيه"
تنبيه: المبيع بصفة أو رؤية سابقة حكم ما تعلق به حق توفية أي: أنه من ضمان بائعه حتى يقبضه المبتاع ولا يصح تصرف مشتر فيه قبل قبضه مطلقا وثمن ليس في ذمة كمثمن وما في الذمة له أخذ بدله لاستقراره وكل عوض يملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض لا يجوز التصرف فيه قبله وجوز الشيخ تقي الدين التصرف فيه لعدم قصد الربح وما لا ينفسخ بهلاكه قبل القبض يجوز التصرف فيه قبله كنكاح وخلع وعتق على مال وصلح عن دم عمد لأن المقتضي للتصرف الملك وقد وجد
وقيل: كبيع فيجب بتلفه مثله أو قيمته ولا فسخ واختار الشيخ تقي الدين لهما فسخ النكاح لفوت بعض المقصود كعيب مبيع ولو تعين ملكه في موروث أو وصية أو غنيمة لم يعتبر قبضه بغير خلاف لعدم ضمانه بعقد معاوضة كمبيع مقبوض وكوديعة ونحوها بخلاف ما قبضه شرط لصحة عقده كصرف وسلم
"ويحصل القبض فيما بيع بالكيل والوزن بكيله أو وزنه" لما روى عثمان
وفي الصبرة وفيما ينقل بالنقل،
ـــــــ
مرفوعا قال "إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل" رواه أحمد وهو للبخاري بغير إسناد وعن أبي هريرة مرفوعا قال "من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" رواه مسلم
وقبض ما يعد ويذرع بعده وذرعه نظرا للعرف وظاهره: أنه لا يشترط نقله على المذهب وشرطه حضور مستحق أو نائبه فلو اشترى منه مكيلا بعينه ودفع إليه الوعاء وقال كله فإنه يصير مقبوضا قال في "التلخيص" وفيه نظر
وتصح استنابة من عليه الحق للمستحق وقيل: لا ونصه أن طرفه كيده بدليل تنازعهما فيه وأنه يصح قبض وكيل من نفسه لنفسه وهل يكتفى بعلم كيل ذلك قبل شرائه على روايتين وخصهما في "التلخيص" بالمجلس فإن كان المبيع في المكيال ففرغه منه وكاله فهو قبض وإلا فلا ذكره جماعة
فإن أعلمه بكيله ثم باعه به لم يجز نقله الجماعة وكذا جزافا قاله المؤلف وإن قبضه جزافا لعلمه قدره جاز وفي المكيل روايتان
تنبيه: إذا قبضه مشتر فوجده زائدا ما لا يتغابن به أعلمه ونقل المروذي يرده وإن قبضه مصدقا لبائعه في كيله أو وزنه برئ عن عهدته وإن ادعى أنه أقل من حقه فوجهان وإن لم يصدقه قبل قوله في قدره
ومؤنة كيال ووزان و اسمهاد ونحوه على باذله من بائع ومشتر وفي "النهاية" أجرة نقله بعد قبض البائع له عليه ومؤنة المتعين على المشتري إن قلنا: كمقبوض وأطلقه في "المغني" و"الشرح" لأنه لا يتعلق به حق توفية نص عليه
ولا يضمن ناقد حاذق خطأ نص عليه وإتلاف مشتر ومتهب بإذنه قبض لا غصبه وغصب بائع ثمنا أو أخذه بلا إذنه ليس قبضا إلا مع المقاصة ويصح قبضه مشتر بغير رضى البائع "وفي الصبرة وفيما ينقل" كالثياب والحيوان "بالنقل" لحديث ابن عمر كنا
وفيما يتناول بالتناول وفيما اسمها ذلك بالتخلية وعنه: أن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز،
ـــــــ
نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله رواه مسلم وعلم منه أن المراد بالمكيل والموزون ما بيع بهما لا ما كان مكيلا أو موزونا في نفسه فيحمل المطلق على المقيد فإن كان حيوانا فقبضه بمشيه من مكانه
"وفيما يتناول" كالجواهر والأثمان "بالتناول" إذ العرف فيه ذلك "وفيما عدا ذلك" كالعقار والثمرة على الشجر "بالتخلية" إذ القبض مطلق في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالحرز والتفرق
قال الخرقي من غير حائل وكذا في "المغني" و"الترغيب" ومعناه أن يفتح له باب الدار أو يسلمه مفتاحها ونحوه وإن كان فيها متاع للبائع قاله الزركشي
"وعنه: إن قبض جميع الأشياء بالتخلية مع التمييز" نصره القاضي وجماعة لأنه خلا بينه وبين المبيع مع عدم المانع فكان قبضا له كالعقار
أصل: يحرم تعاطيهما بيعا فاسدا فلا يملك به لأنه نعمة ولا ينفذ تصرفه لعدم الملك وخرج أبو الخطاب فيه من طلاق في نكاح فاسد وهو كمغصوب وقال ابن عقيل وغيره كمقبوض للسوم ومنه خرج ابن الزاغوني لا يضمنه ويضمنه بعقد فاسد بقيمته
قال الشيخ تقي الدين لأنهم تراضوا بالبدل الذي هو القيمة كما تراضوا في مهر المثل وذكر أبو بكر يضمنه بالمسمى لا القيمة كالنكاح والخلع وفي "الفصول" يضمنه بالثمن والأصح بقيمته كمغصوب وفي "المغني" و"الترغيب" أو مثله يوم تلفه وفي ضمان زيادة وجهان بناء على أنها أمانة أولا وفي "المغني" و"الترغيب" إن سقط الجنين ميتا فهدر
وقال أبو الوفاء يضمنه ويضمنه ضاربه ومتى ضربه أجنبي فللبائع من الغرة قيمة الولد والبقية لورثته وسوم إجارة كبيع ذكره في "الانتصار" وولده كهؤلاء ولد جانية وضامنة
والإقالة فسخ يجوز في المبيع قبل قبضه ولا يستحق بها شفعة ولا يجوز إلا بمثل الثمن وعنه: أنها بيع فلا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين،
ـــــــ
"والإقالة" مستحبة لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا قال "من أقال مسلما أقاله الله عثرته يوم القيامة" ورواه أبو داوود وليس فيه ذكر يوم القيامة
وهي "فسخ" في الأصح إذ هي عبارة عن الرفع والإزالة يقال أقالك الله عثرتك أي: أزالها فكانت فسخا للعقد بدليل جوازها في السلم مع إجماعهم على المنع من بيعه قبل قبضه
مع أنه يأتي إذا قلنا: هي بيع "يجوز في المبيع قبل قبضه" أي: فيما يعتبر له القبض لأنه فسخ والفسخ لا يعتبر فيه القبض كالرد بالعيب "ولا يستحق بها شفعة" لأن المقتضي لها هو البيع ولم يوجد "ولا يجوز إلا بمثل الثمن" الأول قدرا ونوعا لأن العقد إذا ارتفع رجع كل منهما ما كان له ولا يحتاج إلى استبراء قبل القبض ويجوز بعد نداء الجمعة ولا يلزم إعادة كيل أو وزن وفي المغني أنه لا بد من كيل ثان إقامة للفسخ مقام البيع وفيه نظر فإنه من تمام قول أبي بكر
"وعنه: أنهابيع" فلا يثبت فيها ذلك إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين بيع اختاره أبو بكر في "التنبيه" مع أنه حكى في "المغني" و"الشرح" انه اختار الأول لأن المبيع عاد الى بائعه على الجهة التي خرج عليها فكانت بيعا كالأول "فلا يثبت فيها ذلك" أي: تنعكس الأحكام السابقة "إلا بمثل الثمن في أحد الوجهين" هذا هو المذهب عند القاضي في "الخلاف" وصححه السامري لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه واختصت بمثل الثمن كالتولية كما اختصت المرابحة بالربح ولا يمنع ذلك كونها بيعا
والثاني: لا يشترط فيها ذلك كسائر البياعات وأطلقهما في "المحرر" و"الفروع" وصحح في "الشرح" أنها لا تجوز إلا بمثل الثمن بيعا كانت أو فسخا فإن أقال بأقل أو أكثر منه لم تصح الإقالة وكان الملك للمشتري
ـــــــ
لأنه شرط التفاضل فيما يعتبر فيه التماثل فيبطل كبيع درهم بدرهمين.
فوائد
منها: أن الإقالة تصح بلفظها وبلفظ المصالحة إن قيل هي فسخ وإن قلنا: بيع فلا ذكره القاضي لأن ما يصلح للحل لا يصلح للعقد وما يصلح للعقد لا يصلح للحل وظاهر كلام جماعة انعقادها بذلك وتكون معاطاة
ومنها إن قلنا: هي فسخ لم يشترط لها شروط البيع وإن قلنا: هي بيع فلا ذكره في المغني ومنها لو قال أقلني ثم دخل الدار فأقاله على الفور صح إن قيل هي فسخ لا بيع ذكره القاضي وأبو الخطاب في تعليقهما لأن البيع يشترط له حضور المتعاقدين في المجلس وظاهر ما قدمه في "الفروع" لا يصح مطلقاوما نقله أبو الخطاب عن أحمد في صحة قبول الزوج للنكاح بعد المجلس يختلف في تأويله
ومنها النماء المنفصل إن قيل هي بيع لم يتبع بغير خلاف وإن قيل هي فسخ فقال القاضي هو للمشتري وفي المستوعب والرعاية للبائع مع ذكرهما أن نماء المعيب للمشتري وفي تعليق القاضي والمغني أنها فسخ للعقد من حينه وفي الفروع هو أظهر
ومنها لا يثبت فيها خيار المجلس إن قيل هي فسخ وإن قيل بيع فذكر في التلخيص أنه يثبت فيها كسائر البيوعات
ومنها لو حلف لا بيع فأقال انبنى على الخلاف وكذا لو علق عتقا أو طلاقا على البيع ومنها هل يصح مع تلف المبيع ففيه طريقان إحداهما: لا يصح عليهما والثاني: إن قلنا: هي فسخ صحت وإلا فلا قال القاضي هو قياس المذهب وتصح مع تلف الثمن مطلقا
باب الربا والصرف
ـــــــ
باب الربا والصرفالربا: مقصور وهو لغة الزيادة لقوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج:5] أي: علت وارتفعت ولقوله تعالى: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل92] أي: أكثر عددا.
وشرعا: زيادة في شيء مخصوص وقد انعقد الإجماعلى تحريمه وسنده قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبا} ولحديث ابي هريرة مرفوعا "اجتنبوا السبع الموبقات وذكر منها أكل الربا" متفق عليه ولحديث جابر أنه عليه السلام لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه رواه مسلم وقول ابن المنجا إنه متفق عليهما ليس بجيد
والصرف بيع أحد النقدين بالآخر قيل سمي به لصريفها وهو تصويتها في الميزان وقيل: لانصرافهما عن مقتضى البياعات في عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه
باب بيع الأصول والثمار
ـــــــ
باب بيع الأصول والثمارالأصول جمع أصل وهو ما يتفرع: عنه غيره والمراد به هنا الأرضون والأشجار والثمار جمع ثمر كجبل وجبال وواحد الثمر ثمرة وجمع الثمار ثمر ككتاب وكتب وجمع ثمر أثمار كعنق وأعناق فهو رابع جمع.
ومن باع دارا تناول البيع أرضها وبناءها وما يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم والرفوف المسمرة والأبواب المنصوبة والخوابي المدفونة والرحا المنصوبة ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز والأحجار المدفونة ولا المنفصل منها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش فأما ما كان من مصالحها كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني فعلى وجهين
ـــــــ
"ومن باع دارا تناول البيع أرضها" أي: إذا كانت الأرض يصح بيعها فإن لم يجز كسواد العراق فلا "وبناءها" لأنهما داخلان في مسمى الدار ولم يتعرض الأصحاب لذكر حريمها "و" تناول ما "يتصل بها لمصلحتها كالسلاليم" واحدها سلم بضم السين وفتح اللام المشددة وهو المرقاة والدرجة ولفظه مأخوذ من السلامة "والرفوف المسمرة" وهو شرط في السلم وحذف منه لدلالة الثاني: عليه "والأبواب المنصوبة" وحلقها "والخوابي المدفونة والرحا المنصوبة" لأنه متصل بها لمصلحتها أشبه الحيطان
وظاهره: أن الخوابي إذا لم تكن مدفونة وحجر الرحا إذا لم يكن منصوبا أنه لا يدخل فيها لأنه منفصل عنها أشبه الطعام وكذا يدخل فيها المعدن الجامد وعنه: والجاري لأنه من أجزائها فهو كأحجارها لكن لا يباع معدن ذهب بذهب ويباع بغير جنسه فإن لم يعلم به البائع فله الخيار لأنها زيادة لم يعلم بها هذا إذا ملك الأرض بإحياء أو إقطاع وإن كان ببيع فوجهان
"ولا يدخل ما هو مودع فيها من الكنز" وهو المال المدفون "والأحجار المدفونة" لأن ذلك مودع فيها كالفرش والستور "ولا المنفصل منها كالحبل والدلو والبكرة والقفل والفرش" لأن اللفظ لا يشمله ولا هو من مصلحتها أشبه المودع فيها وكذا حكم الرف الموضوع على الوتد من غير سمر ولا غرز في الحائط
"فأما ما كان من مصالحها" وهو منفصل عنها "كالمفتاح وحجر الرحا الفوقاني" إذا كان السفلاني منصوبا "فعلى وجهين" أحدهما: وهو الأشهر
وإن باع أرضا بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع وإن لم يقل بحقوقها فعلى وجهين
ـــــــ
أنه لا يدخل لأن لفظ الدار لا يتناوله ولا هو متصل لمصلحتها أشبه القفل والثاني: بلى لأنه لمصلحتها أشبه المنصوب فيها وفي الشجر والنخل المغروس فيها احتمالان
فرع: إذا كان فيها بئر أو عين مستنبطة فنفس البئر وأرض العين مملوكة لصاحب الأرض والماء غير مملوك على الأصح
"وإن باع أرضا بحقوقها دخل غراسها وبناؤها في البيع" لأنهما من حقوق الأرض ويتبعان من كل وجه لأنه يتخذ للبقاء فيها وليس لانتهائه مدة معلومة والرهن كالبيع وإن لم يقل بحقوقها فعلى وجهين أظهرهما: يدخلان لأنهما من حقوقها وما كان كذلك فيدخل فيها بالإطلاق كطرقها ومنافعها
والثاني: لا لأنهما ليسا من الأرض فلم يدخلا كالثمرة والفرق أنها تراد للنقل وليست من حقوقها بخلاف الشجر والبناء وعلى هذا للبائع تبقيته وفي الترغيب هل يتبعها في الرهن كالبيع إذا قلنا: يدخل فيه الوجهان لضعفه وكذا الوصية والوقف ونحوهما
فرع: إذا باعه قرية لم يدخل مزارعها إلا بذكرها وفي المغني والشرح أو قرينة قال في الفروع وهو أولى كالمساومة على أرضها ولا يدخل زرع ولا بذر وحكم الغرس في بنيانها حكم الغرس في الأرض على ما تقدم
مسألة: إذا باعه بستانا دخل فيه الشجر لأنه اسم للأرض والشجر والحائط بدليل أن الأرض المكشوفة لا تسمى به ويدخل فيه البناء كالشجر ذكره ابن عقيل وقيل: لا لعدم الافتقار إليه فإن باعه شجرا لم تدخل الأرض ذكره ابو إسحاق ابن شاقلا لأن الاسم لا يتناولها ولا هي تبع للمبيع فإن باعه شجرة فله تبقيتها في أرض البائع كالثمر على الشجر
وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة والبقول أو تكرر ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة من القثاء والباذنجان للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير فهو للبائع مبقى إلى الحصاد
ـــــــ
وفي الرعاية يبقى بالأجرة إذ مغرسها للبائع قال أبو الخطاب وغيره ويثبت حق الاختيار وله الدخول لمصالحها
"وإن كان فيها زرع يجز مرة بعد أخرى كالرطبة" وهي الغضة فإذا يبست فيقال لها قت قاله أبو حنيفة الدينوري
"والبقول" وهو ما يأكله الناس "أو تكررت ثمرته كالقثاء والباذنجان فالأصول للمشتري" لأن ذلك يراد للبقاء أشبه الشجر "والجزة الظاهرة واللقطة الظاهرة من القثاء والباذنجان للبائع" لأنه تؤخذ ثمرته مع بقاء أصله أشبه ثمرة الشجرة المؤبرة وسواء كان ما يبقى سنة كهندبا أو أكثر كرطبة لكن على البائع قطع ما يستحقه منه في الحال فإنه ليس له حد ينتهي إليه فيطول زمنه فيخرج غير ما كان ظاهرا "إلا أن يشترطه المبتاع" لأنه لو اشترى شجرا عليه ثمر أبر واشترطه كان له فكذا هنا
فإن كان مما يؤخذ زهره وتبقى عروقه في الأرض كالبنفسج ونحوه فهو كالرطبة وكذلك ورقه وأغصانه فأما زهرته فإن تفتحت فهي للبائع وإلا فهي للمشتري واختار ابن عقيل في هذا كله أن البائع إن قال بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل فيها وإلا فوجهان كالشجر "وإن كان فيها زرع لا يحصد إلا مرة كالبر والشعير" والجزر والفجل والفوم وأشباه ذلك "فهو للبائع" لأنه مودع في الأرض فهو كالكنزوالقماش ولا نعلم فيه خلافا "مبقى إلى الحصاد" لأن ذلك هو العرف في نقله فحمل عليه كالثمرة تباع بعد بدو صلاحها وظاهره: أنه يبقى بغير أجرة لأن المنفعة حصلت مستثناة وعليه حصاده في أول وقت أخذه حسب العادة
إلا أن يشترطه المبتاع
ـــــــ
زاد في المغني والشرح ولو كان بقاؤه أنفع له وقيل: عادته "إلا أن يشترطه المبتاع" لأنه بمنزلة الثمرة التي قد أبرت فعلى هذا هو له قصيلا كان أو حبا مستترا أو ظاهرا معلوما أو مجهولا لكونه دخل في البيع تبعا للأرض فلم يضر جهله وعدم كماله
تنبيه: حكم القصب الفارسي كذلك لأن له وقتا يقطع فيه إلا أن العروق للمشتري لأنها تترك في الأرض للبقاء فيها والقصب كالثمرة فإن لم يكن ظهر منه شيء فهو للمشتري وقصب السكر كالزرع وقيل: كالفارسي فإن حصده قبل أوان حصاده لينتفع بالأرض في غيره لم يملك ذلك لأن منفعتها حصلت مستثناة وعلى البائع تسوية الحفر لأنه استصلاح لملكه فهو كما لو باع دارا فيها دابة كبيرة لا تخرج إلا بهدم الباب فهدمه كان عليه الضمان
أصل: ما لم يدخل في البيع من زرع وحجر ونحوه يلزمه نقله وعليه تسوية الحفر وإن أبى النقل فللمشتري إجباره على تفريغ ملكه وتسويته إذا ضر عرقه وضوء كقطن وكذا إن لم يضر وينقله بحسب العادة فلا يلزمه ليلا ولا جمع الحمالين له فإن طالت مدة نقله فذكر جماعة فوق ثلاثة أيام فعيب يثبت له الخيار بين الفسخ والإمساك مع الأرش ولا أجرة مدة نقله
وقيل: مع العلم وقيل: بلى وإن لم ينضر مشتر ببقائه ففي إجباره وجهان
مسألة: إذا باع بيتا من دار وقال بحقوقه لم يصح وإن سمى الطريق وعينه صح وإلا فلا وقيل: إن أطلق الطريق ولم يعينه صح وقيل: إن كان المشتري في البيت صح وإلا فلا
فصل
ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رؤوس النخل إلى الجداد إلا أن يشترطه المبتاع
ـــــــ
فصل
"ومن باع نخلا مؤبرا وهو ما تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكا في رؤوس النخل إلى الجداد إلا أن يشترطه المبتاع" كذا ذكره اكثر الأصحاب لما روى ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع" متفق عليه
وأصل التأبير: التلقيح وهو وضع الذكر في الأنثى وليس بمراد ولهذا فسره بالتشقق إذ الحكم منوط به وإن لم يلقح لصيرورته في حكم عين أخرى وإنما نص على التأبير لملازمته التشقق غالبا
فعلى هذا إذا وقع البيع على نخل مثمر ولم يشترط الثمرة وكانت مؤبرة فهي للبائع وإن كانت غير مؤبرة فهي للمشتري وعنه: الحكم منوط بالتأبير لا بالتشقيق وهو ظاهر الخبر فبعده للبائع وقبله للمشتري ذكره ابن أبي موسى ونصره الشيخ تقي الدين وهو المختار. وعلى القول بأنها للبائع: لا يلزمه قطعها في الحال إذ التفريع جار على العرف فيترك إلى تناهي حلاوته إلا أن تجري العادة بأخذه بسرا أو يكون بسره خيرا من رطبه فإنه يجده حين استحكام حلاوة بسره ولو كان بقاؤه خيرا له كما سلف
وقيل: يلزمه قطع الثمرة لتضرر الأصل وهذا إذا لم يشرطه المبتاع فإن شرطه دخل بخلاف وقف ووصية فإن الثمرة تدخل فيهما نص عليه كفسخ بعيب ومقابلة في بيع ورجوع أب في هبة قاله في المغني ولم يتعرض المؤلف لبيان تأبير البعض والنخلة الواحدة إذا أبر بعضها فإن الجميع للبائع اتفاقا
وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح والسفرجل واللوز وما خرج من أكمامه كالورد والقطن وما قبل ذلك فهو للمشتري
ـــــــ
فرع: كل عقد معاوضة يجري مجرى البيع في أن الثمرة المؤبرة تكون لمن انتقل عنه الأصل وغير المؤبرة لمن انتقل إليه وإن انتقل بغير عوض فإنه في الفسخ يتبع الأصل سواء أبر أو لا وفي الهبة والرهن يتبع قبل التأبير دون ما بعده
فائدتان: الأولى: طلع الفحال يراد للتلقيح كطلع الإناث وقيل: للبائع سواء تشقق طلعه أم لا. الثانية: يصح شرط بائع ما لمشتر ولو قبل تأبير ولبعضه خلافا لابن القاسم المالكي. "وكذلك الشجر إذا كان فيه ثمر باد" أي: ظاهر "كالعنب والتين والتوت والرمان والجوز" لأن بدو ذلك من شجره بمنزلة ظهور الرطب من طلعه فإن اختلفا قدم قول بائع إنه بدا وظهر وفي الفروع ويتوجه وجه من واهب ادعى شرط ثواب وقال القاضي: فيما يظهر من قشرين كالجوز واللوز إن تشقق الأعلى فهو للبائع وإلا فهو للمشتري
"وما ظهر من نوره" أي: زهره على أي: لون كان "كالمشمش" بكسر الميم الأولى "والتفاح والسفرجل واللوز" والإجاص والخوخ للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري وقال القاضي: ما يتناثر نوره كتفاح وفي المغني وعنب يمتنع دخوله بتناثر نوره أي: للبائع بظهور نوره لأن الطلع إذا تشقق كان كنور الشجر والأول أولى لأن ما في الطلع هو عين الثمر بخلاف النور فإنه يتساقط والثمر غيره
"وما خرج من أكمامه" واحده كم وهو الغلاف وأكثر ما يستعمل في وعاء الطلع "كالورد والقطن" والبنفسج والياسمين أي: هو للبائع لأن خروجه من أكمامه بمنزلة ظهور الثمرة من الطلع "وما قبل ذلك فهو للمشتري" لأن ذلك يتبع
والورق للمشتري بكل حال ويحتمل في ورق التوت والمقصود أخذه أنه وإن تفتح فهو للبائع وإن كان حبا فهو للمشتري وإن ظهر بعض الثمرة فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري وقال ابن حامد الكل للبائع وإن احتاج الزرع أو الثمرة إلى سقي لم يلزم المشتري
ـــــــ
الأصل فوجب أن يكون للمشتري كالأصل والورق للمشتري بكل حال كالأغصان. "ويحتمل في ورق التوت" وهو الفرصاد قاله الأصمعي وقيل: الفرصاد اسم للثمرة والتوت اسم للشجرة "والمقصود أخذه أنه إن تفتح فهو للبائع" كالثمرة لأنه يقصد لتربية القز "وإن كان حبا" أي: لم يتفتح "فهو للمشتري" هذا في المواضع التي عادتهم أخذ الورق فإن لم يكن لهم عادة كان للمشتري كسائر الورق
"وإن ظهر بعض الثمرة" أو تشقق طلع بعض النخل "فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري" نص عليه لأن الخبر دل بمنطوقه على أن المؤبر للبائع وبمفهومه على أن ما لم يؤبر للمشتري
"وقال ابن حامد الكل للبائع" وحكاه في الانتصار رواية لأنه لو لم يجعل له لأدى إلى الإضرار بسوء المشاركة إذ الباطن يتبع الظاهر كأساسات الحيطان وكشجرة وهذا الخلاف في النوع الواحد لأن الظاهر أنه يتفاوت
ولم يفرق أبو الخطاب بين النوع والجنس فلو أبر الكل إلا نخلة فأفردها بالبيع ففي أيهما له وجهان وفي الواضح ما لم يبد من ثمره شجرة لمشتر وذكره أبو الخطاب ظاهر كلام أبي بكر كحدوث طلع بعد تأبيرها أو بعضها ذكره في المغني لأنه لا اشتباه لبعد ما بينهما وظاهر كلام غيره لا فرق
فرع: باع حائطين أبر أحدهما لم يتبعه الآخر لأن لكل حكم نفسه
"وإن احتاج الزرع" المبقى "أو الثمرة" المبقاة "إلى سقي لم يلزم المشتري" لأنه لا يلزمه تسليم ذلك إليه لكون أن البائع لم يملكها من جهته بخلاف ما لو
ولم يملك منع البائع منه
فصل
ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ولا الزرع قبل اشتداد حبه إلا بشرط القطع في الحال
ـــــــ
كانت الثمرة للمشتري على أصل البائع فإنه يلزمه السقي لأنه يلزمه تسليمها إليه "ولم يملك منع البائع منه" لأن ذلك مما يبقى فلزمه تمكينه منه كتركه على الأصول وظاهره: وإن أضر بصاحبه صرح به جماعة لأنه دخل في العقد على ذلك وظاهره: أنه إذا أراد سقيها لغير حاجة فللمشتري منعه منه لأن سقيه يتضمن التصرف في ملك غيره والأصل المنع والمذهب أن لكل واحد السقي من ماله لمصلحة فإن اختلفا في ذلك رجع إلى قول أهل الخبرة
فصل
"ولا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها" أي: بشرط التبقية إجماعا لحديث ابن عمر قال" نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها نهى البائع والمبتاع متفق عليه والنهي يقتضي الفساد
"ولا الزرع قبل اشتداد حبه" نص عليه لما روى مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة
وعن أنس مرفوعا أنه نهى عن بيع الحب حتى يشتد رواه أحمد والحاكم وقال على شرط مسلم
"إلا بشرط القطع في الحال" فيصح إجماعا لزوال معنى النهي وشرطه أن يكون منتفعا به ويستثنى منه الكمثرى وعنه: يجوز مع العزم على القطع
فرع: إذا اشترى نصف ثمرة قبل بدو صلاحها أو نصف زرع قبل اشتداده مشاعا لم يجز سواء اشتراه من واحد أو أكثر شرط القطع أو لا لأنه لا يمكنه قطعه إلا بقطع ملك غيره فلم يصح اشتراطه
ولا يجوز بيع الرطبة والبقول إلا بشرط جزه ولا القثاء ونحوه إلا لقطة لقطة إلا أن يبيع أصله
ـــــــ
"ولا يجوز بيع الرطبة" وهي نبت معروف يقيم في الأرض سنين وهي القضب أيضا وتسمى الفصفصة بفاءين مكسورتين وصادين مهملتين "والبقول" كالنعناع والهندبا لأن ما في الأرض مستور مغيب وما يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة "إلا بشرط جزه" أي: بشرط القطع في الحال لأن الظاهر منه مبيع معلوم لا جهالة فيه ولا غرر أشبه ما جاز بيعه من غيره
"ولا القثاء ونحوه" كالخيار والباذنجان "إلا لقطة لقطة" لأن الزائدة على اللقطة ثمر لم يخلق فلم يجز بيعه كما لو باعه قبل ظهوره "إلا أن يبيع أصله" لأنه إذا تبع للأصل أشبه الحمل مع أمه وأس الحائط معه والأولى: رد الاستثناء إلى الكل لأنه إذا تعقب جملا يعود إلى كلها خصوصا مع اتحاد الحكم ومطابقته
فعليه يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا بيعت مع الشجر والزرع قبل اشتداد حبه إذا بيع مع الأرض وكذا ما بعده ولا فرق بين كون الأصل صغارا أو كبارا مثمرا أو غيرمثمر لأنه أصل يتكرر فيه الثمرة أشبه الشجر وقيل: لا يصح كما لو باعها لمالك الأصل في أحد الوجهين لعموم الخبر لأنه لا متبوع فلا تابع فلو شرط القطع صح
قال في المغني والشرح: ولا يلزم الوفاء بالشرط لأن الأصل له وهذا يقتضي أن اشتراط القطع حق للآدمي وفيه نظر بل هو حق لله تعالى: والثاني: يصح وهو اختيار السامري وصاحب التلخيص فيه لأنه اجتمع الأصل والثمرة للمشتري أشبه ما لو اشتراهما معا
تنبيه: القطن ضربان أحدهما ماله أصل يبقى في الأرض أعواما فحكمه كالشجر الثاني: ما يتكرر زرعه كل عام فحكمه كالزرع فإن كان جوزه ضعيفا رطبا لم يصح بيعه إلا بشرط القطع كالزرع وإن قوي واشتد جاز بيعه بشرط التبقية وإن بيعت الأرض لم يدخل فيها إلا أن يشترطه المبتاع.
والحصاد واللقاط على المشتري فإن باعه مطلقا أو بشرط التبقية لم يصح فإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدأ صلاح الثمرة أو طالت الجزة.
ـــــــ
"والحصاد واللقاط" والجداد "على المشتري" لأن ذلك نقلها كنقل الطعام المبيع بخلاف أجرة الكيال والوزان فإنها على البائع لأنها تسليم المبيع إلى المشتري على البائع وهنا حصل التسليم بالتخلية بدون القطع بدليل جواز التصرف فيه بغير خلاف علمناه فإن شرطه على البائع صح خلافا للخرقي
قال في الروضة ليس لقوله وجه وفي الإرشاد في صحته روايتان فإن بطل ففي العقد روايتان "فإن باعه مطلقا" أي: لم أو بشرط التبقية لم يصح فإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدأ صلاح الثمرة أو طالت الجزة أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأثمرت بطل البيع يشترط تبقية ولا قطعا وقيل: إطلاقه كشرطه قدمه في التبصرة لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فحمل عليه
"أو بشرط التبقية لم يصح" إجماعا في الثانية: لما سبق من الأدلة على اشتراط بدو الصلاح في الثمر واشتداد الحب في شرط جز المبيع لقطة لقطة
"فإن اشترط القطع ثم تركه حتى بدا صلاح الثمرة" بطل العقد نص عليه في رواية حنبل وأبي طالب واختاره الأكثر لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها
واستثنى منه ما إذا اشتراه بشرط القطع وقطع فيبقى ما اسمهاه على أصل التحريم ولأن التبقية معنى حرم الشرع اشتراطه لحق الله تعالى: فأبطل العقد وجوده كتأخير قبض رأس مال السلم والصرف ولأن صحة ذلك تجعل ذريعة إلى الحرام ووسائل الحرام حرام كبيع العينة وقد عاقب الله أصحاب السبت بصنيعهم
"أو طالت الجزة" أي: إذا اشترى رطبة بشرط القطع ثم تركه حتى طالت الجزة أو زرعا أخضر ثم اشتد لأنه في معنى الثمرة قال في الشرح وهذا لم يقصد وقت الشراء تأخيره ولم يجعل شراءه بشرط القطع حيلة فإن قصده
أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأثمرت بطل البيع وعنه: لا يبطل ويشتركان في الزيادة وعنه: يتصدقان بها
ـــــــ
فالبيع باطل من أصله لأنه حيلة محرمة
"أو حدثت ثمرة أخرى فلم تتميز" وظاهره: أنها إذا تميزت أنه لا يبطل فعلى هذا لكل واحد ثمرته "أو اشترى عرية ليأكلها رطبا فأثمرت بطل البيع" لقوله عليه السلام: "يأكلها أهلها رطبا" ولأن شراءها إنما جاز للحاجة إلى أكل الرطب فإذا أثمر تبينا عدم الحاجة ولا فرق بين تركه لغناه عنها أو لا لعذر أو غيره فلو أخذ بعضا رطبا وترك باقيها حتى أثمر فهل يبطل فيما أثمر على وجهين ويخرج من ذلك ما لو أخذها رطبا فتركها عنده حتى أثمرت أو شمسها حتى صارت تمرا أنه يجوز ولأنه قد أخذها
وعنه: يفسد العقد فيه إن أخره عمدا بلا عذر وعنه: يفسد لقصد حيلة ومتى حكمنا بفساد البيع فالثمرة مع الزيادة للبائع على المشهور
"وعنه: لا يبطل" في قول أكثر الفقهاء لأنه اختلط البيع بغيره وذلك لا يقتضي البطلان أشبه ما لو اشترى حنطة فانهالت عليها أخرى وفي الشرح والفروع فيما إذا حدثت ثمرة أخرى فلم تتميزا انه لا يبطل العقد في ظاهر المذهب
ويشتركان في الزيادة لأنها حصلت في ملكهما فإن الثمرة ملك المشتري والأصل ملك البائع وهما سبب الزيادة فتقوم الثمرة وقت العقد ويوم الأخذ فالزيادة ما بين القيمتين وقال القاضي: هي للمشتري كالعبد إذا سمن وحمل كلام أحمد بالاشتراك فيها على الاستحباب
"وعنه: يتصدقان بها" على الروايتين لاشتباه الأمر فيها وجوبا وفي المغني يشبه أن يكون استحبابا فإن أبيا الصدقة بها اشتركا فيها
وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمرة جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجداد ويلزم البائع سقيه إن احتاج ذلك وإن تضرر الأصل
ـــــــ
تنبيه: إذا بطل البيع زكاه البائع وحيث صح فإن اتفقا على التبقية جاز وزكاه المشتري فإن قلنا: الزيادة بينهما فعليهما إن بلغ نصيب كل منهما نصاباً وإلا انبنى على الخلطة في غير الماشية وإن اتفقا على القطع أو طلبه البائع فسخنا البيع لأن إلزام البائع بالتبقية يضر بنخله وتمكن المشتري من القطع يضر بالفقراء ويعود ملكا للبائع ويزكيه وفي إلزام المشتري بالتبقية إن بذلها البائع وجهان وهذا إذا قلنا: الواجب فيما يقطع قبل كماله لحاجة عشره رطبا فإن قلنا: يخرج يابسا فلا يفسخ في المسألتين ذكره في منتهى الغاية
فرع: إذا اشترى خشبا بشرط القطع فتركه حتى زاد فالبيع لازم ويشتركان في الزيادة نص عليهما وقيل: هي للبائع وقيل: الكل وقيل: للمشتري وعليه الأجرة
"وإذا اشتد الحب وبدا الصلاح في الثمرة" أي: طاب أكله وظهر نضجه وفي الترغيب بظهور مبادي الحلاوة "جاز بيعه مطلقا وبشرط التبقية" لأن النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها وعن بيع الحب حتى يشتد يدل بمفهومه على جواز البيع بعد بدو الصلاح والاشتداد لأنه عليه السلام علل الأصل خوف التلف وهذا المعنى مفقود هنا "وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجداد" لأن العرف يقتضيه وعلم منه أن له تعجيل قطعه صرح به في الفروع وغيره
"ويلزم البائع سقيه إن احتاج إلى ذلك" لأنه يجب عليه تسليم ذلك كاملا ولا يحصل إلا به بخلاف ما إذا باع الأصل وعليه ثمرة للبائع فإنه لا يلزم المشتري سقيها لأن البائع لم يملكها من جهته وإنما بقي ملكه عليها "وإن تضرر الأصل" لأنه يجبر عليه لكونه دخل على ذلك وإنما نص عليه لئلا
وإن تلفت بجائحة من السماء رجع على البائع وعنه: إن أتلفت الثلث فصا اسمها ضمنه البائع وإلا فلا
ـــــــ
يتوهم سقوطه عند ذلك "وإن تلفت بجائحه من السماء رجع على البائع" الجائحة كل آفة سماوية لا صنع للآدمي فيها كالريح والحر والبرد والعطش فكل ما تهلكه من الثمر على أصوله قبل أوان جده فهو من ضمان البائع لما روى جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح
وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لوبعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق" رواهما مسلم
قال الشافعي: لم يثبت عندي ولو ثبت لم أعده ولو كنت قائلا بوضعها لوضعتها في القليل والكثير قلنا: الحديث ثابت رواه أحمد ومسلم ولأبي داود معناه ولأن التخلية في الشجر ليس بقبض تام فوجب كونه من ضمان البائع كما لو لم يقبض ولأن الثمرة على الشجر كالمنافع في الإجارة يؤخذ شيئا فشيئا ثم لو تلفت المنافع قبل استيفائها كانت من ضمان الآجر كذا هنا
ومحله ما لم يعين وقت أخذها فلو بلغت جدها فلم يجدها حتى تلفت فقال القاضي وجزم به في المحرر والوجيز والفروع لا يوضع عنه لأنه مفرط ويستثنى من ذلك ما لم يشتره مع أصله من شجر أو أرض قاله ابن حمدان والفروع أو اشتراها بشرط القطع قبل بدو صلاحها فتلفت فهي من ضمان المشتري بخلاف ما إذا تلفت قبل إمكان قطعها
ونقل حنبل ما يقتضي اختصاصها بالنخل فقال إنما الجوائح في النخل بأمر سماوي وفي نهب عسكر وإحراق لص ونحوه وجه وظاهره: لا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها إلا أن اليسير الذي لا ينضبط لا يلتفت إليه
"وعنه: إن أتلفت الثلث فصا اسمها ضمنه البائع وإلا فلا" جزم به في الروضة لأنه يأكل الطير منها وتنثر الريح فلم يكن بد من ضابط والثلث قد اعتبره الشارع في الوصية ونحوها قال الأثرم قال أحمد: إنهم يستعملون
وإن أتلفه آدمي خير المشتري بين الفسخ والإمضاء ومطالبة المتلف
ـــــــ
الثلث في سبع عشرة مسألة: ولأن الثلث في حد الكثرة وما دونه في حد القلة يدل عليه النص فعليها يعتبر ثلث الثمرة قدمه في الشرح
وقيل: ثلث القيمة وقيل: ثلث الثمن فإن تلف الثلث فما زاد رجع بقسطه وإن كان دونه لم يرجع بشيء وعلى الأولى: إن تلف بشيء خارج عن العادة وضع من الثمن بقدر الذاهب وإن تلف الكل بها بطل العقد ورجع المشتري بجميع الثمن
وإن تعيب خير بين إمضاء مع الأرش وبين رد وأخذ الثمن كاملا وماله أصل يتكرر حمله كقثاء ونحوه فكشجر وثمره كثمره فيما ذكرنا لكن لا يؤخر البائع اللقطة الظاهرة ذكره في الترغيب وغيره وقيل: لا تباع إلا لقطة لقطة كثمر لم يبد صلاحه ذكره الشيخ تقي الدين وجوزه مطلقا تبعا لما بدا كثمر
لواحق: ظاهره أنه لا يثبت في الزرع إذا تلف وفي الكافي والمحرر بلى كالثمرة وهو ظاهر مع أنه لا يباع إلا بعد تتمة صلاحه قال ابن عقيل فإذا تركه فرط يضمنه في أحد الاحتمالين وفيه نظر وفي الروضة وغيرها إن اشتراه بعد بدو صلاحه وهو اشتداد حبه فله تركه إلى حين حصاده وفي عيون المسائل إذا تلف الباقلاء والحنطة فوجهان الأقوى يرجع بذلك على البائع
فلو استأجر الأرض فزرعها فتلف فلا جائحة بغير خلاف نعلمه لأن المؤجر لم يبعه اياه ولأن منافع الأرض باقية واختار الشيخ تقي الدين ثبوتها في زرع مستأجر وحانوت نقص نفعه عن العادة وحكم به القاضي تقي الدين سليمان بن حمزة في حمام
"وإن أتلفه آدمي خير المشتري بين الفسخ" ومطالبة البائع بالثمن "والإمضاء" أي: البقاء عليه "ومطالبة المتلف" بالقيمة كالمكيل إذا أتلفه آدمي قبل القبض لأنه أمكنه الرجوع ببدله بخلاف التالف بالجائحة قال في الشرح إلا أن في
وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها وهل يكون صلاحا لجميع النوع الذي في البستان على روايتين وبدو الصلاح في ثمر النخل أن يحمر أو يصفر
ـــــــ
إحراق اللصوص ونهب العساكر والحرامية وجهين
وجزم في الروضة بأنه هنا من مال المشتري لأنه يمكنه أن يتبع الآدمي بالغرم قال ابن عقيل المسألة أخذت شبها من المتميز وغيره فعملنا بها فضمنها البائع بالجائحة والمشتري إذا أتلفها آدمي
"وصلاح بعض ثمرة الشجرة صلاح لجميعها" بغير خلاف إذ لو لم يجز لأدى بيع ما بدا صلاحه إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة "وهل يكون صلاحا لسائر النوع الذي في البستان على روايتين" أظهرهما وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع أنه يكون صلاحا لأن اعتبار الصلاح في الجميع يشق وكالشجرة الواحدة وعنه: وكذا ما قاربه
والثانية: لا يكون صلاحا كالذي في البستان الآخر وأطلق في الروضة في البستانين روايتين واختلف القائلون بالأولى: أي: في النوع كالبرني هل يكون صلاحا لسائر الجنس الذي في القراح فقال القاضي والأكثر لا يكون صلاحا
وقال أبو الخطاب: نعم لأن الجنس يضم بعضه إلى بعض في إكمال النصاب فيتبعه في جواز البيع كالنوع الواحد والأول أولى لأن النوعين قد يتباعد إدراكهما وكالجنسين ونقل حنبل في بستان بعضه بالغ وبعضه غير بالغ يباع إذا كان الأغلب عليه البلوغ فقضى القاضي وأبو حكيم والمجد الحكم على الغلبة بهذا النص وأبو الخطاب وابن أبي موسى وغيرهما سووا بين القليل والكثير
"وبدو الصلاح في ثمر النخل: أن يحمر أو يصفر" لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمرة حتى تزهو
قيل لأنس: وما زهوها قال: تحمار وتصفار وفي حديث جابر: نهى أن
وفي العنب أن يتموه وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله
فصل
ومن باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع فإن كان قصده المال اشترط علمه وسائر شروط البيع
ـــــــ
تباع حتى تشقح رواه البخاري ولأنها تصلح للأكل
"وفي العنب أن يتموه" لقول أنس: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود رواه أحمد ورواته ثقات ومعنى يتموه أن يبدو فيه الماء الحلو ويلين ويصفر لونه "وفي سائر الثمار" كالتفاح والبطيخ "أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله" واعتبره المجد في جميع الثمار لأنه عليه السلام نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب متفق عليه
وفي الوجيز كالمقنع تبعا للخرقي واختلف فيما يؤكل كبارا وصغارا كالقثاء ونحوه فالمذهب أكله عادة وقال القاضي: وابن عقيل صلاحه تناهي عظمه وقال صاحب التلخيص صلاحه التقاطه عرفا وإن طاب أكله قبل ذلك وصلاح الحب أن يشتد أو يبيض
فصل
"ومن باع عبدا له مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" لما روى ابن عمر" ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" رواه مسلم لأن العبد وماله للبائع فإذا باع العبد اختص به كما لو كان له عبدان فباع أحدهما. وظاهره: أنه لا فرق سواء قلنا: العبد يملك بالتمليك أو لا وهذه طريقة الأكثر "فإن كان قصده المال اشترط علمه" أي: العلم بالمال "وسائر شروط البيع" لأنه مبيع مقصود أشبه ما لو ضم إليه عينا أخرى
وإن لم يكن قصده المال لم يشترط وإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري
ـــــــ
"وإن لم يكن قصده المال لم يشترط" أي: لم يشترط علمه به ويصح شرطه وإن كان مجهولا نص عليه لأن المال دخل تبعا أشبه أساسات الحيطان والتمويه بالذهب في السقوف وسواء كان مثل الثمر أو دونه أو فوقه
وحكاه في المنتخب عن الأصحاب فعلم أنهم أناطوا الحكم بالقصد وعدمه قال صاحب التلخيص وهذا على القول بأن العبد يملك فإن قلنا: لا يملك فإنه يسقط حكم التبعية الرجعة كمن باع عبدا ومالا وفيه نظر لأن كلامهم مطلق وقال القاضي: في المجرد وأبو الخطاب في الانتصار إن قلنا: لا يملك فاشترطه المشتري صار ماله مبيعا معه ويشترط له ما يشترط لسائر المبيعات وإن قلنا: يملك احتملت فيه الجهالة وغيرها فيدخل تبعا كطي البئر وقطع به في المحرر وزاد إلا إذا كان قصده العبد لا المال فلا يشترط وقيل: إن المال ليس بمبيع هنا وإنما استبقاه المشتري على ملك العبد لا يزول عنه إلى البائع قال في الشرح وهو قريب من الأول وفيه نظر فرع: لو شرط مال العبد ثم رده بإقالة أو غيرها رد ماله لأنه عين مال أخذه المشتري به فيرده بالفسخ كالعبد لكن لو تلف ماله فأراد رده فهو بمنزلة العيب الحادث هل يمنع الرد وفيه روايتان فإن قلنا: به فعليه قيمة ما تلف عنده وله الفسخ بعيب ماله كهو في الأشهر
"وإن كان عليه ثياب فقال أحمد: ما كان للجمال فهو للبائع" لأنها زيادة على العادة ولا تتعلق بها حاجة العبد وإنما يلبسه اياها لينفقه بها فهي حاجة السيد ولم تجر العادة بالمسامحة بها فجرت مجرى الستور في الدار إلا أن يشترطها المبتاع
"وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري" لأن ثياب البذلة جرت العادة ببيعها
ـــــــ
معه وتتعلق بها مصلحته وحاجته إذ لا غنى له عنها فجرت مجرى مفاتيح الدار واختار في المغني أنه إذا اشترى أمة من غنيمة يتبعها ما عليها مع علمها به ونقل الجماعة خلافه
فرع: يدخل مقود دابة ونعلها ونحوهما في مطلق البيع كثياب العبد قال في الترغيب وأولى.
باب السلم
ـــــــ
باب السلمقال الأزهري: السلم والسلف واحد في قول أهل اللغة إلا أن السلف يكون قرضا لكن السلم لغة أهل الحجاز والسلف لغة أهل العراق قاله الماوردي وسمي سلما لتسليم رأس المال في المجلس وسلفا لتقديمه
وفي الشرع: هو أن يسلم عينا حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل
وفي الوجيز هو بيع معدوم خاص ليس نفعا إلى أجل بثمن مقبوض في مجلس العقد واعترض عليهما بأن قبض الثمن شرط من شروطه لا أنه داخل في حقيقته
والأولى: أنه بيع موصوف في الذمة إلى أجل والإجماع على جوازه ذكره ابن المنذر وسنده الكتاب وهو آية "الدين" قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله تعالى: في كتابه وأذن فيه ثم قرا الآية رواه سعيد والسنة فروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال: "من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه
والمعنى شاهد بذلك لأن بالناس حاجة إليه لأن أرباب الزروع والثمار يحتاجون إلى النفقة عليها لتكمل فجوز لهم السلم ليرتفقوا وليرتفق المسلم
وهو نوع من البيع يصح بألفاظه وبلفظ السلم والسلف ولا يصح إلا بشروط سبعة أحدها: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته كالمكيل والموزون والمذروع فأما المعدود والمختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها ففيه روايتان
ـــــــ
"وهو نوع من البيع" لأنه بيع إلى أجل فشمله النص "يصح بألفاظه" أي: بألفاظ البيع لأنه بيع حقيقة "وبلفظ السلم والسلف" لأنهما حقيقة فيه إذ هما للبيع الذي عجل ثمنه وأجل مثمنه "ولا يصح إلا بشروط سبعة" وجعلها في المحرر أربعة زائدا على شروط البيع فيكون أربعة عشر شرطا
لكن ذكر الحلواني من شرط صحة السلم أن يوجد الإيجاب والقبول
"أحدها: أن يكون فيما يمكن ضبط صفاته" أي: التي يختلف الثمن باختلافها اختلافا كثيرا ظاهرا لأن ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف كثيرا فيفضي إلى المنازعة والمشاقة المطلوب عدمها "كالمكيل" في الحبوب وغيرها وهو إجماع في الطعام ذكره ابن المنذر "والموزون" كالقطن والإبريسم والصوف والنحاس والطيب والعنب والأدهان والخلول "والمذروع" على المذهب كالثياب لأن بعض ذلك منصوص عليه والباقي بالقياس
وفي المستوعب أن أبا بكر حكى في التنبيه: أن لأحمد قولاً أنه لا يجوز السلم إلا في المكيل والموزون وهو ظاهر الوجيز والمذهب خلافه لتأتي الصفة عليه
وعلم منه أنه لا سلم في أرض وشجر ونخيل صرح به في الرعاية لعدم تأتي الصفة فيه
"أما المعدود والمختلف كالحيوان والفواكه والبقول والجلود والرؤوس ونحوها" كالبيض "ففيه روايتان" وكذا في المحرر المشهور في المذهب ونص عليه في رواية الأثرم أنه يجوز في الحيوان وصححه في الفروع وغيره آدميا كان أو غيره وهو قول جماعة من الصحابة وتابعيهم
ـــــــ
لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا رواه مسلم ولأنه يثبت في الذمة صداقا فيثبت في السلم كالثياب
والثانية: لا يصح السلم فيه وجزم به في الوجيز روي عن عمر أنه قال: إن من الربا أبوابا لا تخفى وإن منها السلم في السن ولأنه يختلف اختلافا مباينا ولا يمكن ضبطه ولو استقصى صفاته لتعذر تسليمه ولندرة وجوده عليها
ورد بأنه لم يثبت ولو سلم فهو محمول على أنهم يشرطون من ضراب فحل بني فلان
وهو معارض بقول علي وعلم منه جوازه في شحم ولحم نيء ولو مع عظمه إن عين موضع القطع منه وأطلق في الكافي والفروع الخلاف في البواقي
الأشهر وبه جزم في الوجيز أنه لا يجوز نقل عنه إسحاق بن إبراهيم أنه قال لا أرى السلم إلا فيما يكال أو يوزن أو يوقف عليه قال أبو الخطاب معناه يوقف عليه بحد معلوم لا يختلف كالزرع فأما الرمان والبيض فلا أرى السلم فيه ولأن الفواكه تختلف بالصغر والكبر والبقول تختلف ولا يمكن تقديرها بالحزم فتكون كالجواهر
والثانية: نقلها ابن منصور جواز السلم فيها لأن التفاوت في ذلك يسير ويمكن ضبطه بالصغر والكبر وبعضه بالوزن كالبقول وأما الجلود فلا يصح السلم فيها في الأشهر لأنه مختلف فالورك قوي والصدر ثخين رخو والبطن رقيق ضعيف والظهر أقوى فيحتاج إلى وصف كل موضع منه ولا يمكن ذرعه لاختلاف أطرافه
والثانية: يجوز نصره في الشرح لأن التفاوت في ذلك معلوم فلم يمنع الصحة كالحيوان وفي الأطراف الخلاف كالرؤوس إحداهما لا يصح لأن اللحم فيه قليل وليس بموزون عكس اللحم
وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرؤوس وما يجمع أخلاطا متميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان ولا يصح فيما لا ينضيط كالجواهر كلها والحوامل من الحيوان
ـــــــ
والثانية: يجوز لأنه لحم فيه عظم يجوز شراؤه فجاز السلم فيه كبقية اللحم وعليه لا فرق بين كونه مطبوخا أو مشويا أو غيره
"وفي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط كالقماقم" واحده قمقم بضم القافين يكون ضيق الرأس وهو ما يسخن فيه من نحاس "والأسطال" واحدها سطل وهو على هيئة التور له عروة "والضيقة الرؤوس" فيهما "وما يجمع أخلاطا" واحدها خلط بكسر الخاء "متميزة كالثياب المنسوجة من نوعين وجهان" وكذا في الفروع إحداهما لا يصح في الأولين قدمه في الشرح وجزم به في الوجيز لأن الصفة لا تأتي عليها
والثاني: بلى لأن التفاوت في ذلك يسير ويمكن ضبطها بارتفاع حائطها ودور أسفلها وسعة رأسها وعلى الأولى: يصح فيما لا يختلف كالهاون والسطل المربع لإمكان ضبطه. والأصح جواز السلم في الثياب المنسوجة من نوعين كالكتان والقطن ونحوهما لأن ضبطها ممكن وفي معناه النشاب والنبل المريشين وخفاف ورماح وقال القاضي: لا يصح كالمعاجين والفرق واضح
"ولا يصح فيما لا ينضبط كالجواهر كلها" كاللؤلؤ والياقوت والزبرجد والبلور لأنه يختلف اختلافا متباينا بالكبر والصغر وحسن التدوير وزيادة ضوئهما ولا يمكن تقديرها بثمن معين لأنه يختلف وفي العقيق وجهان
"والحوامل من الحيوان" لأن الصفة لا تأتي على ذلك والولد مجهول غير محقق وفيه وجه لأن الحمل لا حكم له مع الأم بدليل البيع ولا يصح في أمة ولدها لندرة جمعهما الصفة.