كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان
الدين
أو عطش يخافه على نفسه أو رفيقه أو بهيمته
ـــــــ
ونحوه فهنا أولى ولأن ترك القيام في الصلاة وترك الصوم في المرض لا ينحصر في خوف التلف فكذا هنا.
وعنه: لا يبيحه إلا خوف التلف كما إذا جبر زنده بعظم نجس والأول أولى لان مقتضى الآية إباحته لكل مريض ترك العمل به فيمن لا يخشى فيبقى ما عداه على مقتضاها.
"أو عطش يخافه على نفسه" حكاه ابن المنذر إجماعا وسنده ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال في الرجل يكون في السفر فتصيبه الجنابة ومعه الماء القليل يخاف أن يعطش "يتيمم ولا يغتسل" رواه الدارقطني ولأنه يخشى الضرر على نفسه أشبه المريض بل أولى.
"أو رقيقه" المحترم لأن حرمة الآدمي تقدم على الصلاة بدليل ما لو رأى حريقاعند ضيق وقتها فيتركها ويخرج لإنقاذه فلأن يقدم على الطهارة بالماء بطريق الأولى.
قال أحمد: عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا الماء لشفاههم ولا فرق بين المزامل له أو واحد من أهل الركب لأنه لا يخل بالمرافقة ودفعه إلى عطشان يخشى تلفه واجب وصرح به في المغني وغيره وقيل يستحب اختاره أبو بكر والقاضي والأصوب كما ذكره الزركشي أنهما في حبس الماء لعطش الغير المتوقع واختار الشريف وابن عقيل وجوبه.
فإن مات صاحبه ورفقته عطاش يمموه وغرموا للورثة الثمن وقت إتلافه في مكانه وظاهر ما في النهاية إن غرموه فيه فبمثله وقال أبو بكر الميت أولى به لأنه ملكه وقيل إن خافوا الموت فهم أولى وإلا فلا صححه ابن حمدان وهل يؤثر أبويه لغسل ووضوء أو تيمم فيه وجهان.
"أو بهيمته" وكذا إن كانت لغيره لأن للروح حرمة وسقيها واجب وقصة البغي مشهورة ويشترط فيها أن تكون محترمة حتى كلب صيد لا
أو خشية على نفسه أو ماله في طلبه أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل
ـــــــ
عقور وخنزير
فرع : إذا وجد العطشان ماء طاهرا ونجسا شرب الطاهر وتيمم وأراق النجس إن استغنى عنه سواء كان في الوقت أو قبله.
وذكر الأزجي: يشرب النجس لأن الطاهر مستحق للطهارة فهو كالمعدوم وجوابه أن شرب النجس حرام فإن خاف على نفسه العطش تيمم وحبس الطاهر نصره في المغني و الشرح كما لو انفرد.
وقال القاضي: يتوضأ بالطاهر ويحبس النجس لشربه وإن أمكنه أن يتوضأ به ثم يجمعه ويشربه.
قال في الفروع فإطلاق كلامهم لا يلزمه لأن النفس تعافه ويتوجه احتمال.
"أو خشية على نفسه أو ماله في طلبه" كمن بينه وبين الماء سبع أو عدو أو حريق أو يخاف إن ذهب إلى الماء شرود دابته أو سرقتها أو فوت رفقته لأن في طلبه ضررا وهو منفي شرعا وكذا إن خافت امرأة على نفسها فساقا لم يلزمها المضي نص عليه.
قال المؤلف وغيره: بل يحرم خروجها إليه ولا إعادة على المذهب وقدم في الرعاية خلافه وعنه الوقف وكذا إذا خاف غريما يطالبه ويعجز عن وفائه.
وعلى الأول لو كان خوفه جبنا لم يجز له التيمم نص عليه وفيه وجه يباح إذا اشتد خوفه ويعيد لأنه بمنزلة الخائف لسبب فإن كان خوفه لسبب ظنه فتيمم وصلى فبان خلافه ففي الإعادة وجهان أصحهما عند الشيخ تقي الدين وجماعة أنه لا يعيد لكثرة البلوى به.
"أو تعذره إلا بزيادة كثيرة على ثمن المثل" أقول متى وجد ماء بثمن مثله عادة مكانه غالبا.
أوثمن يعجز عن أدائه.
ـــــــ
وقيل: بل أجرة مثله إلى مكان بيعه وهو قادر عليه غني عنه فاضلا عن نفقة نفسه وقضاء دينه ونفقة حيوان محترم لزمه شراؤه لأنه قادر على استعماله من غير ضرر ولأنه يلزمه شراء ستر عورته للصلاة فكذا هنا فإذا كثرت الزيادة على ثمن المثل فلا يلزمه شراؤه لأنها تجعل الموجود حسا كالمعدوم شرعا وقيده في المغني بما إذا أجحفت بماله لأن عليه ضررا فلو كثرت من غير إجحاف بماله فوجهان.
وظاهره أنه إذا كانت يسيرة فإنه يلزمه شراؤه وهو كذلك على الأصح كضرر يسير في بدنه من صداع أوبرد فهنا أولى ولأن القدرة على ثمن العين كالقدرة عليها في المنع من الانتقال إلى البدل كما لو بيعت بثمن مثلها.
وعنه: لا يلزمه شراء مع زيادة مطلقا لأن عليه ضررا بالزيادة كما لو خاف لصا يأخذ من ماله ذلك.
فرع إذا بذل له بثمن في الذمة يقدر على أدائه في بلده لم يلزمه في الأصح واختاره أبو الحسن الآمدي لأن عليه ضررا في بقاء الدين في ذمته وربما تلف ماله قبل أدائه وكالهدي وقال القاضي: يلزمه كالكفارة في شراء الرقبة وأجيب بأن الفرض متعلق بالوقت بخلاف المكفر وظاهره أنه إذا لم يكن له في بلده ما يوفيه لم يلزمه شراؤه وصرح به في المغني وغيره لأن عليه ضررا.
"أو ثمن يعجز عن أدائه" لأن العجز عن الثمن يبيح الانتقال إلى البدل دليله العجز عن ثمن الرقبة في الكفارة فلو وهب له الماء لزمه قبوله في الأصح لا ثمنه في الأشهر لأن فيه منة وحبل ودلو كماء ويلزمه قبولهما عاريةً.
وإن استغنى صاحب الماء عنه ولم يبذله لم يكن له أخذه قهرا لأن له بدلا ومن ترك ما لزمه قبوله وتحصيله من ماء وغيره تيمم وصلى فإنه يعيد.
فإن كان بعض بدنه جريحا تيمم له وغسل الباقي
ـــــــ
"فإن كان بعض بدنه جريحا" وتضرر "تيمم له وغسل الباقي" يعني أن الجريح يتيمم للمحتاج ويغسل غيره ولا يعتبر الأكثر لقصة صاحب الشجة إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه ثم يمسح عليه ويغسل سائل جسده وظاهر الخبر يجمع بين المسح والتيمم ولم يذكره المؤلف وفيه روايتان إحداهما يجب الجمع لهذا الخبر والثانية لا لأنه جمع بين بدل ومبدل كالصيام والإطعام والخبر محمول على جواز المسح بعد ذلك ولذلك ذكره بـ "ثم" المقتضية للتراخي ولان المكلف له استطاعة على التطهير بالماء في بعض البدن فلزمه والتيمم لما لم يصبه والطهارة شرط للصلاة فالعجز عن بعضها لا يوجب سقوط جميعها كالستارة فعلى هذا يغسل من الصحيح ما لا ضرر في غسله فإن لم يمكنه ضبطه لزمه أن يستنيب إن قدر وإلا كفاه التيمم ثم إن أمكنه مسح الجرح بالماء لزمه مع التيمم كما سبق نص عليه وقدمه ابن تميم لأن الغسل مأمور به والمسح بعضه فوجب كمن عجز عن الركوع والسجود وقدر على الإيماء.
وعنه: لا يحتاج إلى تيمم وعنه يكفيه التيمم وحده اختاره الخرقي لأنه محل واحد فلا يجمع فيه بين المسح والتيمم كالجبيرة ومحل الخلاف ما لم يكن الجرح نجسا فإن كان نجسا فقال في التلخيص يتيمم ولا يمسح ثم إن كانت النجاسة معفوا عنها ألغيت واكتفي بنية الحدث وإلا نوى الحدث والنجاسة إن شرطت فيها.
وهل يكتفي بتيمم واحد؟ فيه وجهان فعلى الأول إن عجز عن مسحه تيمم وصلى على حسب حاله ولا إعادة وقال القاضي يمسح الجرح بالتراب وفيه نظر فإن كان على الجرح عصابة أو لصوق يضر إزالتها فحكمه ما سبق وقال الآمدي يتيمم وفي المسح معه روايتان والجنب الجريح إن شاء بدأ بالغسل أو بالتيمم وإن كان حدث الجريح أصغر
وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنباً وإن كان محدثا فهل يلزمه استعماله على وجهين ومن عدم الماء لزمه طلبه
ـــــــ
راعي الترتيب والموالاة ويعيد غسل الصحيح عند كل تيمم في وجه وفي آخر لا ترتيب ولا موالاة فعلى هذا لا يعيد الغسل إلا إذا أحدث.
"وإن وجد ماء يكفي بعض بدنه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنبا" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ولأنه قدر على بعض الشرط فلزمه كالسترة.
وظاهره أنه يجب استعمال الماء قبل التيمم وهو كذلك ليتحقق العدم الذي هو شرط التيمم وليتميز المغسول عن غيره ليعلم ما يتيمم له.
وعنه: لا يجب استعمال الماء مطلقا كالماء المستعمل فعلى هذا يتيمم وفي وجوب إراقته قبل التيمم روايتان قاله ابن الزاغوني فلو وجد الجنب ماء يكفي أعضاء الحدث زاد في الرعاية وقد دخل وقت صلاة الفرض غسلها بنية الحدثين جميعا وتيمم للباقي فتحصل له الصغرى وبعض الكبرى كما فعل عمر رضي الله عنه.
"وإن كان محدثا فهل يلزمه استعماله؟ على وجهين" أصحهما يلزمه كالجنب والثاني لا اختاره أبو بكر وهما مبنيان على وجوب الموالاة وقيل يستعمله وإن قلنا بوجوبها صححها ابن تميم واختار ابن حمدان أن الخلاف ينبني على أنه هل يصح كل عضو بنية وعلى الأول إن كان يكفي بعض عضو فوجهان.
"ومن عدم الماء لزمه طلبه" هذا هو المشهور والمختار لعامة الأصحاب لقوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43 والمائدة: 6].
ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه ولا يرد قوله تعالى {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} [لأعراف: 44] لانتفاء الطلب
في رحله وما قرب منه فإن دل عليه لزمه قصده
ـــــــ
منهم وكذا قوله عليه السلام: "من وجد لقطة" لأن الكلام في جانب النفي لا الإثبات فينتقض بقوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف: 102] لاستحالة الطلب على الله تعالى.
وجوابه أنه يقال طلب منهم الثبات على العهد ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه إلاعند عدم مبدله ولا يكون إلا بعد الطلب كالصيام مع الرقبة في الكفار ومع الهدي في الحج والقياس مع النص والميتة مع المذكي ولأنه سبب للصلاة يختص بها فلزمه الاجتهاد في طلبه عندالإعواز كالقبلة.
ثم بين صفة الطلب فقال "في رحله" أي في مسكنه وما يستصحبه من الأثاث "وما قرب منه" عرفا لأن ذلك هو الموضع الذي يطلب فيه الماء عادة وقيل قدر ميل أو فرسخ في ظاهر كلامه وقيل ما تتردد القوافل إليه للرعي والاحتطاب ورجحه جماعة وقيل مد نظره وقيل ما يدركه الغوث بشرط الأمن على نفسه وأهله وماله وعدم فوت رفقته ويطلبه في جهاته الأربع.
وقال القاضي لا يلزمه أن يمشي في طلبه ويعدل عن طريقه وإن ظنه فوق جبل علاه عن ظنه وراءه فوجهان مع الأمن وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله وإن كان له رفقة زاد في المغني و الشرح يدل عليهم طلب منهم وقال ابن حامد لا يلزمه فلو رأى خضرة أو شيئا يدل عليه قصده واستبرأه.
ومحل الطلب عند دخول الوقت فلو طلب قبله جدده بعد دخوله لأنه طلب قبل المخاطبة به كالشفيع إذا طلبها قبل البيع ويعيده في وقت كل صلاة ولا يشترط أن يتيمم عقيبه بل يجوز بعده من غير تجديد طلب.
"فإن دل" أي دله ثقة "عليه لزمه قصده" لأنه قادر على استعمالها شرط العبادة المساجد فلزمه كغيره من الشروط ما لم يخف فوت الوقت وعنه: والبعيد كذالك.
وعنه لا يجب الطلب وإن نسي الماء بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزئه
ـــــــ
"وعنه: لا يجب الطلب" اختارها أبو بكر لقوله عليه السلام: "التراب كافيك ما لم تجد الماء" ولأنه غير واجد واعتمادا على ظاهر الحال كالفقير لا يلزمه طلب الرقبة ومحل الخلاف كما ذكره ابن تميم وصاحب التخليص و الفروع إذا احتمل وجوده ولم يكن ظاهرا فإن قطع بعدمه لم يجب ومع ظن وجوده يجب حكاه الزركشي إجماعا وعنه لا يلزمه إن ظن عدمه ذكره في التبصرة
تنبيه : لو مر بماء قبل الوقت أو كان معه فأراقه قبله وعدم الماء تيمم وصلى من غير إعادة وإن كان فيه ففي الإعادة أوجه ثالثها يجب في الإراقة فقط وإن وهبه أو باعه في الوقت حرم ولم يصح في الأشهر لتعلق حق الله تعالى كالأضحية فهو عاجز عن التسليم شرعا والثاني يصح لأن توجه الفرض وتعلقه به لا يمنع صحة التصرف كتصرفه فيما وجب فيه الزكاة وتصرف المدين والفرق ظاهر ويعيد إن صلى به مع بقائه وفي التلف وجهان
"وإن نسي الماء" أو ثمنه قاله في الفروع توجيها "بموضع يمكنه استعماله وتيمم لم يجزئه" على المذهب المنصوص لأن النسيان لا يخرجه عن كونه واجدا وشرط إباحة التيمم عدم الوجدان ولأنها طهارة تجب مع الذكر فلم تسقط بالنسيان كالحدث وكما لو نسي الرقبة وكفر بالصوم وكنسيان السترة.
وعنه: يجزئه لأنه مع النسيان غير قادر أشبه العادم ومثله الجاهل به فلو ضل عن رحله الذي الماء فيه أو كان يعرف بئرا فضاعت عنه فقال ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على إزالتها ابن عقيل يحتمل أن يكون كالناسي بكذا في المغني و الشرح أنه لا إعادة لأنه ليس بواجد وغير مفرط بخلاف الناسي فإن كان مع عبده ونسيه حتى صلى سيده فقيل لا يعيد لأن التفريط من غيره وقيل كالناسي لنسيانه رقبة مع عبده لا يجزئه الصوم فلو صلى ثم وجد بقربه بئرا أو غديرا أعاد إن كان له
ويجوز التيمم لجميع الأحداث وللنجاسة على جرح يضره إزالتها
ـــــــ
علامة ظاهرة وإن كانت خفية وطلب فلا.
"ويجوز التيمم لجميع الأحداث" أما الأكبر فلقوله تعالى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43 والمائدة: 6]والملامسة الجماع وعن عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال: "ما منعك أن تصلي فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" متفق عليه والحائض إذا انقطع دمها كالجنب.
وأما الأصغر فبالإجماع وسنده {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43 والمائدة: 6] وقوله عليه السلام "الصعيد الطيب طهور المسلم" ولأنه إذا جاز للجنب جاز له من باب أولى.
"وللنجاسة على جرح يضر إزالتها" أي يجوز التيمم للنجاسة على بدنه إذا عجز عن غسلها لخوف الضرر أو عدم الماء في المنصوص لعموم حديث أبي ذر ولأنها طهارة في البدن تراد للصلاة أشبهت الحدث.
وقيل: لا يجوز التيمم لنجاسة أصلا اختاره ابن حامد وابن عقيل لأن طهارة الحدث يسري منعها كما لو اغتسل الجنب إلا ظفرا لم يجز له دخول المسجد وهو قول أكثرهم لأن الشرع إنما ورد بالتيمم للحدث وغسل النجاسة ليس في معناه لان الغسل إنما يكون في محل النجاسة دون غيره فعلى هذا يصلي على حسب حاله وفي الإعادة روايتان.
وظاهره أنه لا يتيمم لنجاسة ثوبه كالمكان صرح به جماعة لأن البدن له مدخل في التيمم لأجل الحدث فدخل فيه التيمم لأجل النجس وهو معدوم فيه وقيل يجوز إن جاز أسفل الخف وكذا لا يتيمم لنجاسة استحاضة يتعذر إزالتها ولا لنجاسة يعفى عنها.
ولا تجب نية التيمم لها كغسلها وكالاستجمار وفيه وجه يجب لأن التيمم
وإن تيمم للنجاسة لعدم الماء وصلى فلا إعادة عليه إلا عند أبي الخطاب وإن تيمم في الحضر خوفا من البرد وصلى ففي وجوب الإعادة روايتان ولو عدم الماء والتراب صلى على حسب حاله
ـــــــ
طهارة حكمية بخلاف غسل النجاسة وإن اجتمع معها حدث فهل يحتاج إلى تيممين فيه وجهان.
"وإن تيمم للنجاسة لعدم الماء وصلى فلا إعادة عليه" نص عليه واختاره الأكثر لأنه وجب عليه طهارة ناب عنها التيمم فلم تجب الإعادة كطهارة الحدث.
"إلا عند أبي الخطاب" لأنه صلى مع النجاسة أشبه ما لو تيمم.
"وإن تيمم في الحضر خوفا من البرد وصلى ففي وجوب الإعادة روايتان" إحداهما لا يجب وهو الأصح لأنه لم يأمر عمرو بن العاص بالإعادة ولو وجبت لأمره لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع.
الثانية : بلى لأنه عذر نادر فوجب معه الإعادة كنسيان الطهارة وقد تقدم ذلك.
"ولو عدم الماء والتراب" زاد بعضهم وطينا يجففه إن أمكنه والأصح في الوقت "صلى" فرضا فقط "على حسب حاله" في الصحيح من المذهب لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ولأن العجز عن الشرط لا يوجب ترك المشروط كما لو عجز عن السترة والاستقبال فعلى هذا لا يزيد في القراءة على ما يجزئ.
وفي شرح العمدة يتوجه فعل ما شاء لأن التحريم إنما يثبت مع إمكان الطهارة ولأن له أن يزيد في الصلاة على أداء الواجب في ظاهر قولهم حتى لو كان جنبا قرأ بأكثر من الفاتحة فكذا فيما يستحب خارجها وفيه نظر وجزم جده وجماعة بخلافه ولا يقرا في غيرالصلاة إذا كان جنبا.
وفي الإعادة روايتان ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد
ـــــــ
قال ابن حمدان ولا يزيد على ما يجزئ من طمأنينة ونحوها.
وإن أحدث فيها بطلت وهل تبطل بخروج الوقت وهو فيها فيه روايتان.
"وفي الإعادة روايتان" أصحهما لا يعيد لما روي عن عائشة "أنها استعارت من أسماء قلادة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا في طلبها فوجدوها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فصلوا بغير وضوء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله آية التيمم" متفق عليه ولم يأمرهم بالإعادة ولأنه أحد شروط الصلاة فسقط عند العجز كسائر شروطها والثانية بلى واختاره الأكثر لأنه فقد شرطها أشبه ما لو صلى بالنجاسة ولو بتيمم في المنصوص لأنه عذر نادر فلم تسقط به الإعادة فعليها إن قدر فيها خرج منها وإلا فكمتيمم يجد الماء وتقدم أنهما فرضه.
"ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر" أي طهور غيرمحترق له غبار يعلق باليد هذا أشهر الروايات عنه واختاره الأكثر لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] وما لا غبار له كالصخر لا يمسح بشيء منه.
وقال ابن عباس الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر ويؤكده قوله عليه السلام: "وجعل لي التراب طهورا" رواه الشافعي وأحمد من حديث علي وهو حديث حسن فخص ترابها بحكم الطهارة وذلك يقتضي نفي الحكم عما عداه.
وقول الخليل إن الصعيد وجه الأرض والزجاج مستدلا بقوله تعالى {فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً} [الكهف: 40] وقائلا بأنه لا يعلم خلافا بين أهل اللغة يعارضه قول ابن عباس مع أن قولهما بالنسبة إلى اللغة وقوله بالنسبة إلى التفسير وقد تأكد بقول صاحب الشريعة.
.
ـــــــ
وقال في الكشاف إن من لابتداء الغاية قول متعسف ولا يفهم أحد من العرب من قول القائل مسحت برأسه من الدهن ومن الماء والتراب إلا معنى التبعيض والإذعان للحق أحق من المراء
والثانية وأومأ إليها في رواية أبي داود: يجوز بالرمل والسبخة لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا" رواه مسلم من حديث حذيفة والتراب بعض أفرادها والتنصيص عليه لا يخصص
وأجيب بأن التخصيص بالمفهوم لا بذكر بعض الأفراد وحمله الخلال على عدم التراب وكان لهما غبار وشرط القاضي الغبار دون العدم
وفي ثالثة : يجوز بكل ما تصاعد على وجه الأرض من جص ونورة ونحوهما وحكاه في الفروع قولا وذلك عند العدم لا مطلقا
وفي رابعة: يجوز بالسبخة فقط إذا كان لها غبار.
قال الشيخ تقي الدين وعليه ينزل كلام أحمد.
فعلى الأول يجوز بكل تراب على أي لون كان بشرط أن يكون له غبار يعلق باليد ومن ثم لو ضرب بيده على تراب أو لبد أو شجرة أو شعير له غبار يعلق باليد جاز التيمم به نص عليه وكذا لو سحق الطين وتيمم به
ولو كان مأكولا كالطين الأرمني إلا أن يكون بعد الطبخ فلا يجزئه على المشهور لأن الطبخ أخرجه أن يقع عليه اسم التراب
وعلم منه أنه لا يصح من مقبرة تكرر نبشها وإن شك فيه فوجهان ومنع منه ابن عقيل وإن لم يتكرر والتراب المغصوب كالماء
قال الجد رحمه الله: وظاهره ولو تراب مسجد ولعله غير مراد فإنه لا يكره بتراب زمزم مع أنه مسجد.
فإن خالطه ذو غبار ولا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات
فصل
وفرائض التيمم أربعة: مسح جميع وجهه ويديه إلى كوعيه.
ـــــــ
وقالوا يكره إخراج حصى المسجد وترابه للتبرك وغيره والكراهة لا تمنع الصحة ولأنه لو تيمم بتراب غيره جاز في ظاهر كلامهم للإذن فيه عادة وعرفا كالصلاة في أرضه.
وقال عمر لا يتيمم بالثلج لكن إن لم يجد غيره وتعذر تذويبه فالمنصوص عنه أنه يمسح به أعضاء وضوئه وفي الإعادة روايتان وفي المغني لا يجزئه إلا بالجريان.
"فإن خالطه ذو غبار ولا يجوز التيمم به كالجص ونحوه فهو كالماء إذا خالطته الطاهرات" هذه طريقة عامة أصحابنا لأنه بدل فيقاس على مبدله وقيل يمنع مطلقا وقال ابن تميم وهو أقيس لأنه ربما حصل بالعضو منه شيء فمنع وصول التراب والمائع يستهلك في الماء.
تنبيه : ما يتيمم به واحد فكماء مستعمل وقيل يجوز كما تيمم منه في الأصح وأعجب أحمد حمل تراب للتيمم وقال الشيخ تقي الدين لا قال في الفروع وهو أظهر ويكره نفخ الغبار عن يديه إن قل وعنه أو كثر وعنه لا يكره مطلقا إلا أن يذهب كله بالنفخ.
فصل
"وفرائض التيمم أربعة مسح جميع وجهه ويديه إلى كوعيه" لقوله تعالى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] وفي البخاري "وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه"
والترتيب والموالاة على إحدى الروايتين ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره
ـــــــ
وذلك يقتضي وجوب استيعابهما به فالوجه يجب مسح ظاهره بمالا يشق فلا يمسح باطن الفم والأنف ولا باطن الشعر الخفيف وظاهر المستوعب استثناء باطن الفم والأنف فقط واليدين إلى الكوعين فإذا كان أقطع منه وجب مسح موضع القطع في المنصوص كما لو بقي من الكف بقية وقال القاضي لا يجب بل يستحب كما لو قطع من فوق الكوع على المنصوص
"والترتيب والموالاة" عرفا "على إحدى الروايتين" هذا ظاهر المذهب لأنهما فرض في المبدل فكذا في البدل والثانية وحكاها في الفروع قولا لا يجبان وإن وجبا في الوضوء وهو ظاهر الخرقي لظاهر الأحاديث وقيل الترتيب
قال المجد: هو قياس ولهذا يجزئه مسح باطن أصابعه مع مسح وجهه
وظاهره يشمل الطهارة الكبرى لأنها صفة واحدة بخلاف الغسل والوضوء فإن صفتيهما مختلفة وهو قول أبي الحسين والمذهب أنهما لا يجبان فيها جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وقيل بلى وقيل موالاة والتسمية هنا كالوضوء
"ويجب تعيين النية لما يتيمم له من حدث أو غيره" كنجاسة على بدنه فينوي استباحة الصلاة من الجنابة والحدث إن كانا أو أحدهما أو بعض بدنه أو كله ونحوه أو ما شرطه الطهارة كمس المصحف لأنها طهارة ضرورة فلم ترفع الحدث كطهارة المستحاضة فلم يكن بد من التعيين تقوية لضعفه
فلو نوى رفع الحدث لم يصح لأنه لو وجد الماء لزمه استعماله لرفع الحدث الذي كان قبل التيمم إجماعا ولو رفعه لاستوى الجميع في الوجدان
ونقل عنه الفضل وبكر بن محمد أنه يصلي به إلى حدثه اختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين فيرفع الحدث كطهارة الماء وفيه حديثان
فإن نوى جميعها جاز وإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر وإن نوى نفلاً أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلاً وإن نوى فرضاً فله فعله والجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت
ـــــــ
متعارضان حديث عمرو بن العاص وحديث أبي ذر وجمع بينهما بعض أصحابنا بأنه لم يمنع من إطلاق الحدث عليه لأنه بزوال البرد أو وجود الماء يظهر حكم الحدث ويبطل التيمم فالمانع لم يزل رأسا وفي الثاني حكم بأنه طهور عند عدم الماء فيستباح به ما يستباح بالماء "فإن نوى جميعها جاز" للخبر ولأن كل واحد يدخل في العموم فيكون منوي.ا
"وإن نوى أحدها لم يجزئه عن الآخر" لأنها أسباب مختلفة فلم يجزئه بعض عن آخر كالحج والعمرة.
وقيل: بلى؛ لأن طهارتهما واحدة فسقطت إحداهما بفعل الأخرى كالبول والغائط وأجاب في المغني و الشرح بأن حكمهما واحد وهو الحدث الأصغر بدليل الإجزاء به عن الآخر في الوضوء وقدم في الرعاية أنه يجزئ إن كانا غسلين فإن تيمم للأكبر دون الأصغر أبيح له ما يباح للمحدث فقط فإن أحدث لم يؤثر ذلك في تيممه وإن تيمم لهما ثم أحدث بطل تيممه للحدث فقط فلو تيممت بعد طهرها من الحيض له ثم أجنبت فله الوطء لبقاء حكمي تيمم الحيض وإن نوى نفلا لم يستبح سواه لان غيره ليس بمنوي أو أطلق النية للصلاة لم يصل إلا نفلا لأن التعيين شرط في الفرض ولم يوجد فأبيح له التنفل لأنه أقل ما يحمل عليه الإطلاق وفيه وجه يصلي به الفرض وقيل مع الإطلاق واختاره ابن حمدان واختار أنه لا يصلي به نفلا فوق ركعتين بسلام واحد بلا نية.
"وإن نوى فرضا" سواء كانت معينة أو مطلقة "فله فعله والجمع بين الصلاتين وقضاء الفوائت والتنفل إلى آخر الوقت" وهو معني كلامه في الوجيز وغيره صلى به فروضا ونوافل وفي الرعاية ونذرا هذا هوـــــــ
المعروف في المذهب مع أن القاضي لم يحك به نصا وإنما أطلق أحمد القول في رواية جماعة أنه يتيمم لكل صلاة ومعناه لوقت كل صلاة لأنها طهارة صحيحة أباحت فرضا فأباحت ما هو مثله كطهارة الماء.
وعنه لا يجمع به بين فرضين اختاره الآجري وهو قول ابن عباس وعليها له فعل غيره مما شاء ولو خرج الوقت لكن في إسناده عن ابن عباس الحسن بن عمارة وهو ضعيف مع أن حربا روى عنه أنه قال التيمم بمنزلة الوضوء يصلي به الصلوات ما لم يحدث والأصح أنه يتنفل قبل الفرض ثم يصليها وما شاء إلى آخر وقتها عن أي شيء تيمم.
وعنه: لا يتنفل إلا أن يكون نوى الفرض والنفل فإن خالف وصلى لم يفعل به الفرض بعد ذلك وضابطه أن من نوى شيئا استباحه ومثله ودونه فالنذر دون ما وجب شرعا قال الشيخ تقي الدين ظاهر كلامهم لا فرق وفرض كفاية دون فرض عين وفرض جنازة أعلى من نافلة وقيل يصليها بتيمم نافلة
ويباح الطواف بنية النافلة في الأشهر كمس المصحف قال الشيخ تقي الدين ولو كان الطواف فرضا خلافا لأبي المعالي.
ولا تباح نافلة بنية مس مصحف وطواف في الأشهر.
وإن تيمم جنب لقراءة أو مس مصحف فله اللبث في المسجد.
قال القاضي وجميع النوافل لأنها في درجة واحدة وإن تيمم لمس مصحف فله القراءة لا العكس ولا يستبيحها بنية اللبث وتباح الثلاثة بنية الطواف لا العكس وإن تيمم لمس مصحف ففي نفل طواف وجهان.
وفي المغني إن تيمم جنب لقراءة أو لبث أو مس مصحف لم يستبح غيره قال ابن تميم وفيه نظر وفي الرعاية وفيه بعد.
ويبطل التيمم بخروج الوقت ووجود الماء
ـــــــ
"ويبطل التيمم بخروج الوقت" وهو قول علي وابن عمر لأنها طهارة ضرورة فتقيدت بالوقت كطهارة المستحاضة وظاهره ولو كان في الصلاة وصرح به في المغني
وقال ابن عقيل لا تبطل وإن كان الوقت شرطا كما في الجمعة وخرجه السامري على وجود الماء فيها وفيه وجه لا تبطل حتى يدخل وقت التي تليها قاله المجد وابن تميم
وفائدته: هل يبطل التيمم بطلوع الشمس أو زوالها
وفي ثالث: تبطل بالنسبة إلى الصلاة التي دخل وقتها فيباح به غيرها فلو كان تيممه في غيروقت صلاة كالتيمم بعد طلوع الشمس بطل بزوالها ولو نوى الجمع في وقت الثانية فتيمم في وقت الأولى لها أو لفائتة لم يبطل تيممه بدخول وقت الثانية لأن وقتيهما قد صارا وقتا واحدا ودخل في كلامه ما إذا تيمم لطواف أو جنازة أو نافلة وخرج الوقت فإنه يبطل كالفريضة
وعنه إن تيمم لجنازة ثم جيء بأخرى فإن كان بينهما وقت يمكنه التيمم لم يصل عليها حتى يتيمم لها وإلا صلى
قال الشيخ تقي الدين: لأن النفل المتواصل هنا كتواصل الوقت للمكتوبة قال وعلى قياسه ما ليس له وقت محدود كمس مصحف وطواف فعلى هذا النوافل المؤقتة كالوتر والسنن الراتبة والكسوف يبطل التيمم لها بخروج وقت النافلة والنوافل المطلقة يحتمل أن يعتبر فيها تواصل الفعل كالجنازة ويحتمل أن يمتد وقتها إلى وقت النهي عن تلك النافلة
"ووجود الماء" المعجوز عنه إجماعا لحديث أبي ذر وشرطه أن يكون مقدورا على استعماله من غير ضرر كعطش ومرض وألحق به في الشرح وغيره ما إذا رأى ركبا ظن معه ماء أو خضرة ونحوه و سرابا ظنه ماء قلنا بوجوب الطلب
ومبطلات الوضوء فإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه ثم خلعه لم يبطل تيممه.
وقال أصحابنا: يبطل وإن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إعادتها
ـــــــ
وسواء تبين له خلاف ظنه أولا فإن وجده وإلا استأنف التيمم ويحتمل أن لا يبطل لأن الطهارة المتيقنة لا تزول بالشك.
"ومبطلات الوضوء" لأنه إذا بطل الأصل بطل بدله من باب أولى لكن إن كان تيممه عن حدث أصغر فهو كما ذكره وإن كان عن جنابة فيبطل بخروج الوقت والقدرة على الماء وموجبات الغسل وإن كان لحيض أو نفاس فلا يزول حكمه إلا بحدثهما أو بأحد الأمرين "فإن تيمم وعليه ما يجوز المسح عليه" كعمامة وخف ثم خلعه لم يبطل تيممه في اختيار المؤلف وصححه في الشرح وهو قول أكثر الفقهاء لأن التيمم طهارة لم يمسح فيها عليه فلا يبطل بنزعه كالملبوس على غيرطهارة بخلاف الوضوء وكما لو كان الملبوس مما لا يجوز المسح عليه فإن كان الحائل أو بعضه في محل التيمم بطل بخلعه قاله ابن حمدان.
"وقال أصحابنا: يبطل" نص عليه لأنه مبطل للوضوء فأبطل التيمم كسائر المبطلات ويجاب بان مبطل الوضوء نزع ما هو ممسوح عليه بخلافه هنا.
"وإن وجد الماء بعد الصلاة لم تجب إعادتها" لما روي عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال "خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك فقال للذي لم يعد "أصبت السنة وأجزأتك صلاتك" وقال للذي أعاد "لك الأجر مرتين" رواه النسائي وأبو داودولفظه له ورواه من طريق أخرى متصلا وقال على شرط الشيخين واحتج أحمد بأن عمر تيمم وهو يرى بيوت المدينة فصلى العصر ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة ولم يعد ولأنه أدى صلاته بطهارة صحيحة أشبه ما لو أداها بالماء وفيه نظر ,
وإن وجده فيها بطلت وعنه لا تبطل
ـــــــ
ولأنه إجماع فيما إذا وجده بعد الوقت وعنه يسن ولا يلزم إعادة صلاة جنازة وإن لزم غسله في وجه.
"وإن وجده" أي حقيقة "فيها" وفي طواف "بطلت" في ظاهر المذهب لأن حديث أبي ذر يدل بمفهومه على أنه ليس بطهورعند وجود الماء بمنطوقه على وجوب استعمال الماء عند وجوده وهو قادر على استعماله أشبه الخارج من الصلاة وكالمستحاضة إذا انقطع دمها فعليها يخرج فيتطهر والمنصوص أنه يستأنفها لأن ما مضى منها انبنى على طهارة ضعيفة كطهارة المستحاضة بخلاف من سبقه الحدث وفيه وجه يبني وقاله القاضي وغيره كمن سبقه الحدث وفيه روايتان أصحهما أنه يستقبلها فهنا أولى قاله في الشرح.
"وعنه: لا تبطل" نقلها الميموني واختارها الآجري كما لو وجد الرقبة بعد التلبس بالصيام وأجيب بأن المروذي روى عن أحمد قال كنت أقول يمضي فإذا الأحاديث أنه يخرج فدل على رجوعه وبأن الصوم هو الواجب نفسه فنظيره إذا قدر على الماء بعد تيممه ولا خلاف في بطلانه ثم الفرق بأن مدة الصيام تطول فيشق بالخروج منه لما فيه من الجمع بين الفرضين الشاقين بخلافه هنا وعليها يجب المضي فيها وهو ظاهر كلام أحمد لقوله تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].
وقيل هو أفضل وقيل خروجه أفضل وهو رأي أبي جعفر للخروج من الخلاف.
فإن عين نفلا أتمه وإلا لم يزد على أقل الصلاة ومتى فرغ منها بطل تيممه ذكره ابن عقيل وعليها: لو وجده في صلاة على ميت يمم بطلت وغسل في الأصح ويلزم من تيمم لقراءة ووطء ونحوه الترك.
فرع : لو انقلب الماء فيها وقال أبو المعالي إن علم بتلفه فيها بقي تيممه
ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن يرجو وجود الماء وإن تيمم وصلي في أول الوقت أجزأه والسنة في التيمم ان ينوي ويسمي ويضرب يديه مفرجة الأصابع
ـــــــ
وإذا لم يعلم فلما فرغ شرع في طلبه بطل تيممه
"ويستحب تأخير التيمم إلى آخر الوقت لمن" يعلم أو "يرجو وجود الماء" في قول الجمهور لأن الطهارة بالماء في نفسها فريضة والصلاة في أول الوقت فضيلة ولا شك أن انتظار الفريضة أولى وظاهره أنه إذا لم يرجه بل ظن أو علم عدمه فالتقديم أولى لئلا يترك الفضيلة المتيقنة لأمر غير مرجو وإن تردد فوجهان وقيل التقديم أفضل إلا أن يتحقق وجوده في الوقت وظاهر الخرقي و الفروع أن التأخير أفضل وهو المنصوص عن أحمد واختاره ابن عبدوس لقول علي رواه الدارقطني والبيهقي من رواية الحارث عنه وهو ضعيف ولأنه يستحب تأخير العشاء لئلا يذهب خشوعها وتأخيرها لإدراك الجماعة فتأخيرها لإدارك الطهارة أولى وللخروج من الخلاف إذ في رواية عن أحمد وقاله بعض العلماء إن التيمم لا يجوز إلا عند ضيق الوقت
"وإن تيمم وصلي في أول الوقت أجزأه" لحديث عطاء السابق ولأنه اتى بما أمر به في حال العذر أشبه من صلى عريانا أو جالسا لمرض ثم قدر على السترة وبرئ في الوقت وظاهره أنه لا إعادة وهو إجماع فيما إذا وجده بعد الوقت وكذا إن وجده فيه على المجزوم به لكن قال أحمد إذا وجد المتيمم الماء في الوقت فأحب أن يعيد وحمله القاضي على جواز الإعادة من غير فضل
"والسنة في التيمم أن ينوي" استباحة ما تيمم له "ويسمي" وكذا في الوجيز وعبر في المحرر و الفروع بـ "ثم" وهو أولى
ويضرب بيديه مفرجتي الأصابع ليدخل الغبار بينهما وينزع خاتمه وعلم منه أن الضرب ليس بشرط فيه بل القصد حصول التراب في محله فلو كان
على التراب ضربة واحدة فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه
ـــــــ
ناعما فوضع يديه عليه أجزأه ولو أبالآخر بخرقة أو بيد أو بعضها حاز ذكره جماعة وكذلك لو نوى وصمد للريح حتى عمت محل الفرض بالتراب ذكره القاضي والشريف كما لو صمد للمطر حتى جرى على أعضائه وفيه وجه لا لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به.
وفي ثالث: يجزئ إن مسح بيديه فإن لم ينو حتى حصل في المحل ثم مسح وجهه بغير ما عليه صح وإلا فلا
"على التراب" الطهور "ضربة واحدة" لا يختلف المذهب أن التيمم بضرب وبضربتين وأكثر لأن المقصود إيصال التراب إلى محل الفرض فكيفما حصل جاز كالوضوء وفي المغني لا خلاف أنه لا تسن الزيادة على ضربتين إذا حصل الاستيعاب بهما والمنصوص ضربة واحدة وهي الواجب بلا نزاع لما روى عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "في التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين " رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح.
وفي الصحيحين معناه من حديثه أيضا ولأنه حكم معلق على مطلق اليد فلم يدخل فيه الذراع لأنها في خطاب الشرع إلى الكوع بدليل السرقة والمس لا يقال هي مطلقة فيه مقيدة في الوضوء فيحمل عليه لاشتراكهما في الطهارة لأن الحمل إنما يصح إذا كان من نوع واحد كالعتق في الظهار على العتق في قتل الخطأ والتراب ليس من جنس الوضوء بالماء وهو يشرع فيه التثليث وهو مكروه فيه والوجه يغسل منه باطن الفم والأنف بخلافه هنا فلا يلحق به.
"فيمسح وجهه بباطن أصابعه وكفيه براحتيه" على سبيل الاستحباب فلو مسح وجهه بيمينه ويمينه بيساره أو عكس وخلل أصابعه فيهما صح واستيعاب الوجه والكفين بالمسح واجب سوى ما يشق وصول التراب إليه.
وقال القاضي المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين
فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى ويمرها إلى مرفقه ويدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه ويمر إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ويمسح اليسرى باليمنى كذلك
ـــــــ
"وقال القاضي" والشيرازي وابن الزاغوني وهو رواية "المسنون ضربتان يمسح بإحداهما وجهه وبالأخرى يديه إلى المرفقين" لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " في التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين" رواه الدارقطني وإسناده ثقات وروي أيضا من حديث ابن عمر
قال الشافعي في رواية الزعفراني ابن عمر تيمم ضربة للوجه وضربة إلى المرفقين وبهذا رأيت أصحابي يأخذون والأول أولى
قال الإمام أحمد: من قال ضربتين إنما هو شيء زاده يعني لا يصح وقال الخلال الأحاديث في ذلك ضعاف جدا ولم يرو منها أصحاب السنن إلا حديث ابن عمر وقال أحمد ليس بصحيح وهو عندهم حديث منكر
قال الخطابي: يرويه محمد بن ثابت وهو ضعيف
"فيضع بطون أصابع اليسرى على ظهر أصابع اليمنى ويمرها إلى مرفقه ويدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمرها عليه ويمر إبهام اليسرى على ظهر إبهام اليمنى ويمسح اليسرى باليمنى كذلك" لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن في ذلك خروجا من الخلاف إذ بعض العلماء يوجبه وظاهر كلامه في الكافي أن هذا مباح
قال في الشرح: فإن بقي في محل الفرض شيء لم يصله التراب أمر يده عليه ما لم يفصل راحته فإن فصلها وكان قد بقي عليها غبار جاز أن يمسح بها.
ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل الأصابع ومن حبس في المصر صلى بالتيمم ولا إعادة عليه ولايجوز لواجد الماء التيمم خوفاً من فوات المكتوبة ولا الجنازة وعنه يجوز للجنازة
ـــــــ
وإن لم يبق احتاج إلى ضربة أخرى فإن كان المتروك من الوجه مسحه وأعاد مسح يديه ليحصل الترتيب فإن طال الفصل بينهما وقلنا بوجوب الموالاة استأنف التيمم
"ويمسح إحدى الراحتين بالأخرى" ليمر التراب بعد الضرب ولا يجب لأن فرضهما قد سقط بإمرار كل واحدة على ظهر الكف ويخلل الأصابع قياسا على مبدله
"ومن حبس في المصر" واحد الأمصار أو قطع عدو ماء عن بلدة وعدم صلى بالتيمم لأنه عادم للماء أشبه المسافر "ولا إعادة عليه" لأنه أدى فرضه بالبدل فلم يكن عليه إعادة كالمسافر
"ولا يجوز لواجد الماء التيمم خوفا من فوات المكتوبة" نقله الجماعة لأن الله تعالى إنما أباحه عند عدم الماء وهذا واجد له كسائر الشروط وخروج وقت الاختيار لخروج الوقت قاله ابن تميم
"ولا الجنازة" هذا أظهر الروايتين كما قلناه
"وعنه يجوز للجنازة" روي عن ابن عمر وابن عباس وجمع لأنه لا يمكن استدراكها بالوضوء أشبه العادم والمراد به فوتها مع الإمام قاله القاضي وغيره
قال جماعة وإن أمكنه الصلاة على القبر لكثرة وقوعه فتعظم المشقة وظاهره أنه لا يتيمم لعيد ونحوه وهو كذلك صرح به جماعة وعنه يجوز كفوت العيد وسجود التلاوة واختاره الشيخ تقي الدين والجمعة وهو أولى من الجنازة لأنها لا تعاد وجعلها القاضي وغيره أصلا للمنع
قال ابن حامد والسجود يخرج على الجنازة قال ابن تميم وهو حسن .
وإن اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ما يكفي أحدهم لأولاهم به فهو للميت وعنه إنه للحي وأيهما يقدم فيه وجهان
ـــــــ
وعلى الأول: لو وصل مسافر إلى بئر ماء وعليه ضاق الوقت أو علم أن النوبة لا تصل إليه إلا بعده أو علمه قريبا وخاف فوت الوقت أنه كقدرته على ماء بئر بثوب يبله ثم يعصره فإنه يلزمه إن لم تنقص قيمته أكثر من ثمن الماء ولو خاف الوقت وقيل بلى فيستثنى اختار الشيخ تقي الدين فيمن يمكنه الذهاب إلى الحمام لكن لا يمكنه الخروج إلا بفوات الوقت كالمرأة معها أولادها ولا يمكنها أن تخرج حتى تغسلهم تتيمم وتصلي خارج الحمام لأن الصلاة بعد الوقت منهي عنه.
فرع: إذا تعذر عليه غسل مسنون كجمعة فهل يسن التيمم عنه على وجهين.
وذكر ابن تميم أن المنصوص: أنه يشرع في غير الإحرام وصحح في الشرح أنه لا يسن عن غسل الإحرام لأنه غير واجب فلم يستحب التيمم عند عدمه كالجمعة.
"وإن اجتمع جنب وميت ومن عليها غسل حيض فبذل ما يكفي أحدهم لأولاهم به فهو للميت" جزم به في الكافي و الوجيز وقدمه في الفروع وغيره لأن القصد من غسل الميت تنظيفه ولا يحصل بالتيمم والحي يقصد بغسله إباحة الصلاة وهو يحصل بالتراب فعلى هذا إن فضل منه شيء كان لورثته فإن لم يكن حاضرا فللحي أخذه لطهارته بثمنه في موضعه لأن في تركه إتلافه أما إذا احتاج الحي إليه لعطش فهو مقدم في الأصح.
"وعنه أنه للحي" اختارها الخلال لأنه يستفيد ما لا يستفيده الميت من القراءة ومس المصحف ونحوها.
"وأيهما يقدم؟ فيه وجهان" أحدهما: تقدم الحائض قدمه في المحرر و الفروع لأنها تقضي حق الله تعالى وحق زوجها في إباحة وطئها.
.
ـــــــ
والثاني : يقدم الجنب قدمه في الرعاية لأن غسله ثابت بصريح القرآن بخلاف غسلها
وفي ثالث : يقدم الرجل ذكره في الشرح لأنه يصلح إماما لها وهو مفضل عليها
وفي رابع: يقسم بينهما أي: إذا احتملها
وفي خامس: يقرع فإن كان على أحدهم نجاسة سواء كانت على ثوبه أو بدنه فهو أولى لأن طهارة الحدث لها بدل بخلاف النجاسة وتقدم نجاسة ثوبه على نجاسة بدنه ونجاسة بدنه على نجاسة السبيلين
وقيل: الميت أولى اختاره المجد وحفيده ويقدم جنب على محدث وقيل سواء وقيل المحدث إلا أن كفي من تطهر به منهما وإن كفاه فقط قدم وقيل الجنب فإن تطهر به غير الأولى كان مسيئا مع صحة طهارته ذكره في الشرح و الفروع لأن الآخر لم يملكه وإنما قدم لشدة حاجته وعند الشيخ تقي الدين أن هذه المسائل في الماء المشترك وهو ظاهر ما نقل عن أحمد وإن وجد الماء في مكان فهو للأحياء لأنه لا وجدان للميت .
باب إزالة النجاسة
لا يجوز إزالتها بغير الماء، وعنه: أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل كالخل ونحوه
ـــــــ
باب إزالة النجاسةكذا عبر في الوجيز والمراد به تطهير موارد الأنجاس الحكمية لا يجوز إزالتها بغير الماء هذا هو المذهب لما روت أسماء بنت أبي بكر قالت "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع قال تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي" متفق عليه
وأمر بصب ذنوب من ماء فأهريق على بول الأعرابي ولأنها طهارة مشترطة أشبهت طهارة الحدث فعلى هذا لابد من كونه طهورا فتكون اللام فيه للعهد فلا تزال بطاهر ولا غيرمباح على الأصح "وعنه أنها تزال بكل مائع طاهر مزيل كالخل" اختاره ابن عقيل والشيخ تقي الدين لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الغسل في حديث الولوغ فتقييده بالماء يفتقر إلى دليل ولأنه مائع طاهر مزيل أشبه الماء
"ونحوه" كماء الورد والشجر وقيل يزال بماء طاهر لا بخل ونحوه واختار ابن حمدان أنا إن قلنا لا ينجس كثير خل وماء ورد ونحوهما بدون تغيره بنجاسة لما فيه جازت إزالتها به وإلا فلا
وذكر جماعة أنه يجوز استعمال خل ونحوه في الإزالة تخفيفا وإن لم يطهر وظاهره أن ما لا يزيل كالمرق واللبن أنها لا تزال به وهو كذلك ولا بطعام وشراب لإفساد المال وأنه لا يعتبر لها النية
وقيل: بلى وقيل في بدن وفي الانتصار في طهارته بصوب الغمام وفعل مجنون وطفل احتمالان ولا يعقل للنجاسة معنى ذكره ابن عقيل وغيره .
ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعاً
ـــــــ
"ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير" ومتولد من أحدهما لما روى أبو هريرة مرفوعا قال: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا" متفق عليه ولمسلم: "فليرقه ثم ليغسله سبع مرات" وله أيضا " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب"
ولو كان سؤره طاهرا لم يجز إراقته ولا وجب غسله والأصل وجوبه عن نجاسة ولم يعهد التعبد إلا في غسل البدن والطهور لا يكون إلا في محل الطهارة ولأنه لو كان تعبدا لما اختص الغسل بموضع الولوغ لعموم اللفظ في الإناء كله
وعنه طهارة شعر اختاره أبوبكر والشيخ تقي الدين
وعنه طهارة سؤرهما واحتج بعضهم على طهارته بقوله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ولم يأمر بغسل أثر فمه
وجوابه أن الله تعالى أمر بأكله ورسوله عليه السلام أمر بغسله فيعمل بأمرهما وإن سلمنا أنه لا يجب غسله فلأنه يشق فعفي عنه
"سبعا" تنبيه : إذا كانت على غيرالأرض لما ذكرنا وعنه يغسل ثمانيا بتراب لما روى عبد الله بن معقل مرفوعا "فاغسلوه سبعا وعفروه الثامنة بالتراب" رواه مسلم
وحمل على أنه عد التراب ثامنة لكونه جنسا آخر
وعنه: اختصاص العدد بالولوغ وعنه لا يجب العدد الآنية وإذا ثبت هذا في الكلب فالخنزير شر منه لنص الشارع على تحريمه وحرمة اقتنائه فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه وإنما لم ينص الشارع عليه لأنهم لم يكونوا يعتادونه ولم يذكر أحمد في الخنزير عددا وعنه لا يعتبر فيهما عدد ذكره القاضي في شرح المذهب .
إحداهن بالتراب فإن جعل مكانه أشنانا أو نحوه فعلى وجهين
ـــــــ
"إحداهن بالتراب" أي: يجعله في أي غسلة شاء والأولى جعله في الأولى للخير وليأتي الماء بعده فينظفه وعنه في الأخيرة وعنه إن غسله ثمانيا وعنه سواء وظاهره يجب التراب وهو كذلك وفيه وجه في الآنية فقط وعنه يستحب مطلقا ويعتبر كونه طهورا وقيل أو طاهرا ولا يكفي ذره على المحل بل لابد من مائع يبالآخر إليه وظاهر كلام جماعة يكفي ويتبعه الماء قال في الفروع وهو أظهر
"فإن جعل مكانه أشنانا أو نحوه" كصابون ونخالة قال بعضهم أو غسله غسلة زائدة
"فعلى وجهين" أحدهما وهو المذهب يجزئه لأن نصه على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف
والثاني : لا للنص عليه فلم يقم غيره مقامه كالتيمم
وفي ثالث : إن عدمه أو انضر المغسول به أجزأه وإلا فلا
وفي رابع: يجزئ بغير الغسلة الزائدة لأن الأمر بالتراب معونة للماء في قطع النجاسة أو للتعبد ولا يحصل بالماء وحده وهو اختيار المؤلف وصححه في الشرح
تنبيه : إذا ولغ في الإناء كلاب أو أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم فهي كنجاسة واحدة وإلا فالحكم لأغلظها فلو ولغ فيه فغسل دون السبع ثم ولغ فيه مرة أخرى غسل ويغسل ما نجس ببعض الغسلات ما بقي بعد تلك الغسلة لأن المنفصل كالبلل الباقي وهو يطهر بباقي العدد كذلك هنا ثم إن كانت انفصلت عن محل غسل بالتراب غسل محلها بغير تراب وإلا غسل به
وظاهر الخرقي واختاره أبن حامد أنه يغسل سبعا بتراب لأنها نجاسة كلب ويعتبر استيعاب المحل إلا فيما يضر فيكفي مسماه في الأشهر .
وفي سائر أي باقي النجاسات ثلاث روايات إحداهن يجب غسلها سبعاً وهل يشترط التراب على وجهين والثانية ثلاثاً والثالثة تكاثر بالماء من غير عدد
ـــــــ
"وفي سائر" أي باقي "النجاسات" حتى محل الاستنجاء "ثلاث روايات إحداهن يجب غسلها سبعا" نقله واختاره الأكثر لقول ابن عمر أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعا فينصرف إلى أمره صلى الله عليه وسلم وقد أمر به في نجاسة الكلب فيلحق به سائر النجاسات لأنها في معناها والحكم لا يختص بمورد النص بدليل إلحاق البدن والثوب به والعرق والبول للريق
"وهل يشترط التراب على وجهين" كذا في المحرر أحدهما يشترط اختاره الخرقي لأنها مقيسة والفرع يأخذ حكم الأصل والثاني لا وهو اختيار المجد قصرا له على مورد النص أو لأن ذلك للزوجة في ولوغ الكلب قال في الشرح وفيه نظر لانه غير موجود في نجاسة الولوغ وقد قالوا بوجوب التراب فيه
"والثانية ثلاثا" منقية اختارها المؤلف وقدمها ابن تميم وجزم بها في الوجيز لأنه عليه السلام أمر القائم من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثا معللا بوهم النجاسة ولا يزيل وهم النجاسة إلا ما يزيل يقينها ولأنه إذا اكتفى بثلاثة أحجار في الاستجمار فالاجتزاء بثلاث غسلات أولى لأنه أبلغ وعليها إذا غسله زائدا على الثلاثة فالزائد طهور في الأصح
"والثالثة تكاثر بالماء" حتى تزول العين "من غيرعدد" اختارها في المغني والطريق الأقرب وجزم بها في الوجيز في محل الاستنجاء لقوله عليه السلام في دم الحيضة "فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء" وقال في آنية المجوس "إن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء" ولم يذكر عددا ولو كان واجبا لذكره في جواب السائل عن التطهير لأنه وقت حاجة
فعلى الأشهر يغسل محل الاستنجاء سبعا كغيره صرح به القاضي والشيرازي وابن عقيل ونص عليه أحمد في رواية صالح لكن نص في .
كالنجاسات كلها إذا كانت على الأرض
ـــــــ
رواية أبي داود واختاره في المغني أنه لا يجب فيه عدد اعتمادا على أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا من قوله ولا من فعله ويؤيده أنه لا يشترط فيه تراب وبه قطع المؤلف وابن تميم وغيرهما
وعنه: لا عدد في بدن وعنه يجب في السبيل من نجاسة ثلاثا وفي غيره سبعا
"كالنجاسات كلها" سواء كانت بولا أو خمرا أو نجاسة كلب وخنزير
"إذا كانت على الأرض" وما اتصل بها من الحيطان والأحواض فالواجب مكاثرتها بالماء لما روى أنس قال جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فقام إليه الناس ليقعوا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء" متفق عليه ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيرا للنجاسة ولأن الأرض مصاب الفضلات ومطارح الأقذار فلم يعتبر فيه عدد دفعا للحرج والمشقة والمراد بالمكاثرة صب الماء على النجاسة حتى يغمرها بحيث يذهب لونها وريحها فإن لم يذهبا لم يطهر وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة سقط كالثوب ذكره في الشرح وكذا حكمها إذا غمرت بماء المطر والسيول لأن تطهير النجاسة لا تعتبر فيه النية فاستوى ما صبه الآدمي وغيره
تذنيب : يجب الحت والقرص قال في التلخيص وغيره إن لم يتضرر المحل بهما ولا يضر بقاء لون أو ريح أو هما عجزا في الأصح ويطهر بل بقاء طعمها في الأصح وقال القاضي بقاء أثر النجاسة بعد استيفاء العدد معفو عنه ويعتبر العصر في كل غسلة مع إمكانه فيما يتشرب النجاسة أو دقه أو تثقيله وجفافه كعصره في الأصح وغمسه في ماء كثير راكد لم يطهر حتى ينفصل عنه ويعاد إليه العدد المعتبر
وقيل يكفي تحريكه وخضخضته فيه .
ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح ولا يطهر شيئ من النجاسات بالاستحالة
ـــــــ
وفي المغني و الشرح أن تمر عليه أجزاء لم تلاقه كما لو مرت عليه جريات في الماء الجاري وإن عصر ثوبا في ماء ولم يرفعه منه فغسله يبني عليها ويطهر وإذا غمس ثوبا نجسا في ماء قليل نجس الماء ولم يطهر منه شيء ولا يعتد بها غسلة وإن وضعه فيه ثم صب عليه الماء فغمره ثم آلاف مرارا متعددة طهر نص عليه لأنه وارد كصبه عليه في غير الإناء
"ولا تطهر الأرض النجسة بشمس ولا ريح" ولا جفاف لأنه عليه السلام أمر بغسل بول الأعرابي ولو كان ذلك يطهر لاكتفى به ولأن الأرض محل نجس فلم تطهر بالجفاف كالثياب, واختار المجد وغيره يطهر إذا ذهب أثر النجاسة.
و قيل: وغيرها, ونص عليه,في حق غسيل, واختاره الشيخ تقي الدين.
لا يقال: جفاف الأرض طهورها, مستدلين بحديث ابن عمر "كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون رشاً من ذلك" رواه أحمد وأبو داود بإسناد على شرط البخاري, لأنه في البخاري تعليقاً, وليس فيه بول, مع أنه يحتمل أنها كانت تبول ثم تقبل وتدبر في المسجد, فيكون إقبالها وإدبارها بعد بولها.
"ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن أكل الجلالة وألبانها" لأكلها النجاسة, ولو طهر بالاستحالة لم ينه عنه, فعلى هذا إذا وقع كلب في ملاحة فصار ملحا أو أحرق السرجين النجس فصار رمادا فهو نجس وعنه يطهر وذكرها في الشرح تخريجا قياسا على جلود الميتة إذا دبغت فحيوان متولد من نجاسة كدود الجروح والقروح وصراصير الكنيف طاهر لا مطلقا نص عليه
وذكر بعضهم روايتين في نجاسة وجه تنور سجر بنجاسة ونقل الأكثر :
إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها وإن خللت لم تطهر
ـــــــ
يغسل ونقل ابن أبي حرب لا بأس
وعليهما يخرج عمل زيت نجس صابونا وتراب جبل بروث حمار فإن لم يستحل عفي عن يسيره في رواية
وذكر الأزجي: أن نجس التنور بذلك طهر بمسحه بيابس وإن مسح برطب تعين الغسل وحمل القاضي قول أحمد يسجر التنور مرة أخرى على ذلك
فرع : القصرمل ودخان النجاسة وغبارها نجس على الأول لا الثاني وكذا ما تصاعد من بخار الماء النجس إلى الجسم الصقيل ثم عاد فقطر فإنه نجس على الأول لأنه نفس الرطوبة المتصاعدة وإنما يتصاعد في الهواء كما يتصاعد بخار الحمامات وبخار الحمامات طهور
"إلا الخمرة" هي مأخوذة من خمر إذا ستر ومنه خمار المرأة وكل شيء غطى شيئا فقد خمرة ومنه "خمروا آنيتكم" والخمر يخمر العقل أي يغطيه ويستره وهي نجسة إجماعا لكن خالف فيه الليث وربيعة وداود وحكاه القرطبي عن المزني فقالوا بطهارتها واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لوكانت طاهرة لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الانسان: من الآية21] أي طاهرا وعلله في الشرح بأنه يحرم تناولها من غير ضرر أشبه الدم
"إذا انقلبت بنفسها" فإنها تطهر في المنصوص وفي الشرح لا نعلم فيه خلافا لأن نجاستها لشدتها المسكرة وقد زالت من غير نجاسة خلفتها فوجب أن تطهر كالماء لا يقال حكم سائر النجاسات كذلك أي تطهر بالاستحالة لأن نجاستها لعينها والخمرة نجاستها لأمر زال بالانقلاب والنبيذ كذلك وخالف القاضي فيه لأن فيه ماء نجسا ودنها مثلها قاله الأصحاب
"وإن خللت لم تطهر" في ظاهر المذهب لما روى الترمذي "أن أبا طلحة سأل
وقيل تطهر, ولا تطهر الأدهان النجسة
ـــــــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: "أهرقها" قال: أفلا أخللها قال: "لا لا"
ولو جاز التخليل لم ينه عنه ولم تبح إراقته وعلى هذا يحرم تخليلها فلا تحل ففي النقل أو التفريغ من محل إلى آخر وإلقاء جامد فيه وجهان
"وقيل تطهر" وهو رواية لأن علة التحريم زالت فعلى هذا يجوز وعنه يكره وعليهما تطهر وفي المستوعب يكره وأن عليها لا تطهر على الأصح وفي إمساك خمر ليصير خلا بنفسه أوجه ثالثها يجوز في خمرة خلال وهو أظهر فيترك حينئذ فعلى هذا تصير هذه الخمرة الخمرة محرمة
وعلى المنع يطهر على الأصح وإن اتخذ عصيرا للخمر فلم يتخمر وتخلل بنفسه ففي حله الخلاف واقتضى ذلك أن الحشيشة المسكرة طاهرة وقيل نجسة وقيل إن أميعت
فائدة : الخل المباح: أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي نقله الجماعة قيل له صب عليه خل فغلا قال يهراق
تنبيه : لا يطهر إناء تشرب نجاسة بغسله نص عليه وقيل بلى إن لم يبق للنجاسة أثر وقيل بل ظاهره ومثله سكين سقيت ماء نجسا ويطهر باطن حب نقع في نجاسة بغسله نص عليه وقيل بلى كظاهره فينقع ويجفف مرارا كعجين
وقيل: كل مرة أكثر من مدة إقامته في الماء النجس
وإن طبخ لحم بماء نجس طهر ظاهره بغسله وعنه وباطنه فيغلى في ماء طهور كثير ويجفف مرارا وقيل إن تشربه اللحم لم يطهر بحال ولا يطهر جسم صقيل بمسحه على الأصح وعنه تطهر سكين من دم الذبيحة فقط
"ولا تطهر الأدهان النجسة" بغسلها في ظاهر المذهب لأنه لا يتحقق وصول
و قال أبو الخطاب يطهر منها بالغسل ما يتأتى غسله وإذا خفي موضع النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها
ـــــــ
الماء إلى جميع أجزائه ولو تحقق ذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة السمن الذي وقعت فيه الفأرة واستثنى ابن عقيل الزئبق لأنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد وبعده ابن حمدان
"وقال أبو الخطاب يطهر منهابالغسل ما يتأتى غسله" كزيت ونحوه لأن غسله ممكن لكون الماء يختلط بجميع أجزائه ويطهر به كالجامد والخبر السابق وارد في السمن وهو لا يمكن غسله لأنه يجهد
وطريق تطهيره: أن يجعل في ماء كثير ويحرك حتى يصيب جميع أجزائه ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ وإن تركه في جرة وصب عليه ماء وحركه فيه وجعل لها بزالا يخرج منه الماء جاز
فرع: إذا ماتت الفأرة ونحوها في جامد ألقيت وما حولها والباقي طاهر نص عليه لحديث أبي هريرة رواه أحمد وأبو داود والجامد ما لا تسري إليه النجاسة غالبا وقال ابن عقيل ما لو فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه
قال في الشرح والظاهر خلافه لأن سمن الحجاز لا يكاد يبلغه فإن اختلط ولم ينضبط حرم نص عليه وإن خرجت منه حية فطاهر نص عليه لانضمام دبره ولا يكره سؤره في اختيار الأكثر
"وإذا خفي موضع النجاسة" في بدن أو ثوب أو بقعة يمكن غسلها وأراد الصلاة "لزمه غسل ما تيقن به إزالتها" لأنه بالنجس فوجب عليه اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة بالغسل كما لو خفي المذكي بالميت ولأن النجاسة متيقنة فلا ينعقد إلا بيقين الطهارة فإن لم تعلم جهتها من الثوب غسله كله .
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح
ـــــــ
وإن علمها في أحد كميه غسلهما وإن رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه غسل ما يقع نظره عليه
وعنه: يكفي الظن في مذي وعند الشيخ تقي الدين وفي غيره
وظاهره أنها إذا خفيت في فضاء واسع أنه لا يلزمه غسل وهو كذلك بل يصلي حيث شاء زاد بعضهم بلا تحر
"ويجزئ في بول الغلام الذي لم يأكل الطعام النضح" ويطهر به لما روت أم قيس بنت محصن "أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجلسه في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله" متفق عليه
ومعنى النضح غمره بالماء وإن لم يزل عنه ولا يحتاج إلى مرس وعصر وهو نجس صرح به الجمهور وظاهر كلام الخرقي وأبي اسحاق بن شاقلا أنه طاهر لأنه لو كان نجسا لوجب غسله كسائر النجاسات
قلنا اكتفى فيه بالرش تيسيرا وتخفيفا
وقوله لم يأكل الطعام أي بشهوة واختيار لا عدم أكله بالكلية لأنه يسقى الأدوية والسكر ويحنك عند الولادة
فإن أكله بنفسه غسل لأن الرخصة إنما وردت فيمن لم يطعم الطعام فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل وتخصيصه الغلام بالحكم المذكور مخرج للخنثى والأنثى وقد صرح به في الوجيز
وقد روى أحمد وغيره عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية"
قال قتادة هذا إذا لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا والحكمة فيه أن بول الغلام يخرج بقوة فينتشر أو أنه يكثر حمله على الأيدي فتعظم المشقة بغسله أو أن مزاجه حار فبوله رقيق بخلاف الجارية لكن قال الشافعي لم يتبين لي فرق
وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء وجب غسله وعنه يجزئ دلكه بالأرض.
وعنه يغسل من البول والغائط. ويدلك من غيرهما.
ـــــــ
من السنة بينهما
وذكر بعضهم أن الغلام أصله من الماء والتراب والجارية من اللحم والدم وقد أفاده ابن ماجة في سننه وهو غريب.
فرع لعابهما طاهر وقيل إن نجس فم أحدهما طهر بريقه بعد ساعة وقيل لا بل يعفى عنه.
"وإذا تنجس أسفل الخف أو الحذاء" بالمشي وظاهر كلام ابن عقيل أو طرفه "وجب غسله" نقله واختاره الأكثر وكالثوب والبدن.
"وعنه يجزئ دلكه بالأرض" وتباح الصلاة فيه قدمه في الكافي وفي الشرح أنه الأولى لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئ الأذى بخفيه فطهورهما التراب" رواه أحمد وأبو داود من رواية محمد بن عجلان وهو ثقة روى له مسلم.
ولأنه عليه السلام هو وأصحابه كانوا يصلون في نعالهم والظاهر أنه لا يسلم من نجاسة يصيبها فلو لا ان دلكها يجزئ لما صحت الصلاة فيها ولأنه محل تتكرر إصابة النجاسة له فأجزأ فيه المسح كالسبيلين ويحكم بطهارة المحل به في وجه هو ظاهر كلام أحمد واختاره ابن حامد وجزم به في الوجيز وذهب أصحابنا المتأخرون إلى خلافه.
فرع حكه بخرقة أو خشبة حكم دلكه.
"وعنه يغسل من البول والغائط" لفحشها وتغليظ نجاستهما "ويدلك من غيرهما" لما ذكرنا وقاله إسحق.
ولا يشترط للدلك جفاف النجاسة لظاهر الخبر وشرطه القاضي وظاهره.
ولا يعفى عن يسير شيء من النجاسات إلا الدم
ـــــــ
أن النجاسة إذا أصابت غير أسفلهما أنه يغسل وهو كذلك نص عليه وعزاه بعضهم إلى الرجل وذيل المرأة
ونقل إسماعيل ابن سعيد يطهر بمروره على طاهر يزيلها
واختارها الشيخ تقي الدين لظاهر خبر أم سلمة رواه أحمد وغيره وفيه جهالة
"ولا يعفى عن يسير شيء من النجاسات" لقوله تعالى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] والأحاديث مستفيضة بذلك
"إلا الدم" فإنه يعفى عن يسيره في الصلاة دون المائعات والمطعومات فإن الإنسان غالبا لا يسلم منه وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ولقول عائشة ما كان لإحدانا إلا ثوب تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فمصعته بظفرها
وهذا يدل على العفو عنه لأن الريق لا يطهر ويتنجس به ظفرها وهو إخبار عن دوام الفعل ومثله لا يخفى عنه عليه السلام فلا يصدر إلا عن أمره
وعن ابن عمر أنه كان يخرج من يديه دم في الصلاة من شقاق كان بهما وعصر بثرة فخرج منها دم فمسحه ولم يغسله ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كأثر الاستجمار وقيل يختص بدم نفسه
واليسير الذي لم ينقض الوضوء والكثير ما نقض الوضوء والدم المعفو عنه ما كان من آدمي أو حيوان طاهر لا الكلب ولا الخنزير
بقي ها هنا صور منها دم ما لا نفس له سائلة كالبق والقمل والبراغيث في ظاهر المذهب وعنه نجس ويعفى عن يسيره قال في دم البراغيث إني لأفزع منه إذا كثر
قال في الشرح ليس فيه تصريح بنجاسته بل هو دليل التوقف .
وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستجاء
ـــــــ
ومنها دم السمك فإنه طاهر لأنه لو كان نجسا لتوقفت إباحته على إراقته بالذبح كحيوان البر ولأنه يستحيل ماء وقيل نجس.
ومنها دم الشهيد فإنه نجس وقيل طاهر وعليهما يستحب بقاؤه فيعايا بها ذكره ابن عقيل وقيل طاهر ما دام عليه صححه ابن تميم.
ومنها الدم الذي يبقى في اللحم وعروقه طاهر ولو غلبت حمرته في القدر لأنه لا يمكن التحرز فهو وارد على إطلاقه ويدفع بالعناية.
ومنها: العلقة التي يخلق منها الآدمي طاهر في رواية صححها ابن تميم لأنها بدء خلق آدمي وعنه نجسة صححها في المغني كسائر الدماء.
"وما تولد منه من القيح والصديد" بل العفو عنهما أولى لاختلاف العلماء في تجاستهما لذلك قال أحمد وأسهل من الدم قال في الشرح فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى عن مثله في الدم لأن هذا لا نص فيه وإنما ثبتت نجاسته لاستحالته من الدم.
وعنه طهارة قيح ومدة وصديد.
مسألتان : الأولى: ماء القروح نجس في ظاهر نقل الإمام.
وقال في شرح العمدة إن كان متغيرا فهو كالقيح وإلا فهو طاهر كالعرق.
الثانية : إذا تفرق دم مسفوح في غير الصحراء فإذا اجتمع لم يكن قدر ما يعفى عنه فكثير حكما في الأشهر وإن نفذ من جانبي جبة أو ثوب صفيق فكدم واحد في الأصح كما لو نفذ من أحدهما وإن لم كانتا ولم يتصل بالآخر فهما نجاستان إذا بلغا أو جمعا قدرا لا يعفى عنه لم يعف عنها كجانبي الثوب "وأثر الاستنجاء" أي الاستجمار فإنه يعفى عنه بعد الإنقاء واستفاء العدد
وعنه: في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني أنه كالدم وعنه في المذي أنه يجزئ فيه النضح.
ـــــــ
بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح واقتضى ذلك نجاسته وهو قول أكثر الأصحاب لأن الباقي عين النجاسة فعلى هذا عرقه نجس فينجس الماء اليسير بقعوده فيه واختار ابن حامد طهارته.
"وعنه في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش والنبيذ والمني أنه كالدم وعنه في المذي أنه يجزئ فيه النضح" نقول المذي مختلف فيه لتردده بين البول لكونه لا يخلق منه الحيوان والمني لكونه ناشئا عن الشهوة والمذهب نجاسته ويعفى عن يسيره في ردائه جزم بها في الوجيز وهو قول جماعة من التابعين وغيرهم لأنه يخرج من الشباب كثيرا فيشق التحرز منه وعنه يكتفي فيه بالنضح لحديث سهل بن حنيف قال: قلت: "يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي قال: يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والمذهب أنه لا يطهر بنضحه ولا يعفى عن يسيره لأنه عليه السلام أمر بغسل الذكر منه ولأنه نجاسة خارج من الذكر كالبول وهل يغسل ما أصابه أو جميع ذكره أو أنثييه فيه روايات.
وعنه طاهر كالمني اختاره أبو الخطاب في خلافه لأنه خارج بسبب الشهوة.
وقيل إن قلنا مخرجة مخرج المني فله حكمه واقتضى ذلك أن الودي وهو ماء أبيض يخرج عقيب البول نجس وأنه لا يعفى عنه مطلقا وصرح به الأصحاب وعنه هو كالمذي.
وأما القيء وهو طعام استحال في الجوف إلى نتن وفساد فقال أحمد هوـــــــ
عندي بمنزلة الدم وذكره القاضي وجزم به في الوجيز لأنه خارج نجس من السبيل أشبه الدم والثانية عدم العفو عنه مطلقا قدمها في الفروع وهي أشهر لأن الأصل عدم العفو عن النجاسة إلا فيما خص وقيده في الوجيز بالنجس احترازا عن قيئ المأكول.
وأما ريق البغل والحمار وعرقهما فيعفى عن يسيره إذا قيل بالنجاسة لأنه يشق التحرز منه قال في الشرح هو الظاهر عن أحمد قال الخلال وعليه مذهبه.
قال أحمد: من يسلم من هذا ممن يركب الحمير إلا أني أرجو أن يكون ما جف منه أسهل.
والثانية: لا يعفى عنه لما تقدم.
وريق سباع البهائم كالأسد ونحوه ما عدا الكلب والخنزير وريق سباع الطير كالبازي ونحوه وعرقها فيعفى عن يسيره للاختلاف في نجاستها وبول الخفاش وهو واحد الخفافيش وهو الذي يطير ليلا يعفى عن يسيره في رواية جزم بها في الوجيز لأنه يشق التحرز منه لكونه في المساجد كثيرا فلو لم يعف عنه لم يقر في المساجد ولما أمكن الصلاة في بعضها وقدم في الفروع وغيره خلافها.
ونبيذ نجس وهو المختلف فيه ويعفى عن يسيره في رواية جزم بها في الوجيز لوقوع الخلاف في نجاسته والثانية: لا يعفى عنه مطلقا قدمها في الفروع وصححها في شرح العمدة ودل أن المجمع عليه لا يعفى عن شيء منه.
قال في شرح العمدة رواية واحدة.
والمني سيأتي الكلام عليه.
مسائل ملحقة به:
ولا ينجس الآدمي بالموت
ـــــــ
منها: بول ما يؤكل لحمه إذا قيل بنجاسته فإنه يعفى عن يسيره في قول التحرز منه ولا ينجس الآدمي بالموت ومنها سؤر الجلالة إذا حبست وأكلت الطاهرات المدة المعتبرة فهو طاهر وقيل ذلك في العفو عن يسيره روايتان وكذا عرقها.
ومنها : طين الشارع فهو طاهر ما لم تعلم نجاسته وعنه نجس فيعفى عن يسيره ويسير دخان نجاسة في وجه وأطلق أبو المعالي العفو عنه ولم يقيده باليسير لأن التحرز منه لا سبيل إليه قال في الفروع هذا متوجه
"ولا ينجس الآدمي بالموت" على الأصح لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن لا ينجس" متفق عليه ولمسلم معناه من حديث حذيفة وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم ليس بنجس حيا ولا ميتا" رواه الدارقطني والحاكم وقال على شرطهما وذكره البخاري موقوفا على ابن عباس.
وعن أحمد بل ما عدا الأنبياء عليهم السلام لما روى الدارقطني أن زنجيا وقع في بئر زمزم فمات فأمر بها ابن عباس أن تنزح ولأنه ذو نفس سائلة فنجس بالموت كسائر الحيوانات وزاد أبو حنيفة ويطهر بالغسل.
قلنا لو نجس بالموت لم يطهر بالغسل كالحيوانات التي تنجس به ولانه آدمي فلم ينجس بالموت كالشهيد وعلى الأول لا ينجس ما غيره ذكره في الفصول وغيره خلافا ل المستوعب وظاهره لا فرق فيه بين المسلم والكافر لاستوائهما في الآدمية حال الحياة وفي الاستدلال نظر وقيل ينجس الكافر وشعره بموته لأن الخبر إنما ورد في المسلم ولا يقاس الكافر عليه لأنه لا يصلي عليه ولا حرمة له كالمسلم.
فرع: حكم أجزاء الآدمي وأبعاضه حكم جملته سواء انفصلت في حياته أو بعد موته.
وقال القاضي هي نجسة رواية واحدة لأنه لا حرمة لها بدليل أنه لا يصلي
وما لا نفس له سائلة كالذباب وغيره.
ـــــــ
عليها وتقضي بأن لها حرمة بدليل أن كسر عظم الميت ككسره وهو حي وكذا شعره مطلقا ويكره استعماله لحرمته وعنه يحرم وتصح الصلاة معه وعنه نجاسة شعر كل آدمي غير النبي صلى الله عليه وسلم.
"وما لا نفس له سائلة" المراد بالنفس السائلة الدم السائل لأن العرب تسمي الدم نفسا ومنه قيل للمرأة نفساء لسيلان دمها عند الولادة ويقال نفست المرأة إذا حاضت وسمي الدم نفسا لنفاسته في البدن قاله ابن أبي الفتح.
وقال الزمخشري النفس ذات الشيء وحقيقته يقال عندي كذا نفسا ثم قيل للقلب نفس لأن النفس به كقولهم المرء بأصغريه.
"كالذباب" هو هنا المعروف وهو مفرد وجمعه ذبان أذبة ولا يقال ذبابة وغيره سواء كان من حيوان البر أو البحر كالعقرب والخنفساء والعلق والسرطان ونحوها فإنها لا تنجس بالموت.
فعلى هذا لا ينجس الماء اليسير بموتها فيه في قول عامة العلماء وهو أصح الروايتين لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحية شفاء وفي الآخر" داء رواه احمد والبخاري.
والظاهر موته بالغمس لاسيما إذا كان الطعام حارا فإنه لا يكاد يعيش غالبا ولو نجس الطعام لأفسده فيكون أمرا بإفساد الطعام وهو خلاف ما قصده الشارع لأنه قصد بغمسه إزالة ضرره ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه والثانية نجس وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر لا يؤكل لا لحرمته أشبه الحمار
وفي الرعاية وعنه ينجس إن لم يؤكل فينجس به الماء القليل في الأصح إن أمكن التحرز منه غالبا وقلنا ينجس القليل بمجرد ملاقاة النجاسة دون تغيره فأما إن كان متولدا من النجاسة كدود الحش وصراصره فهو نجس حيا وميتا قال في الشرح إلا إذا قلنا إن النجاسة تطهر بالاستحالة ولا يرد هذا على المتن ؛
وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر وعنه أنه نجس ومني الآدمي طاهر وعنه أنه نجس ويجزئ فرك يابسه.
ـــــــ
لأن موته لم يؤثر فيه شيئا بل هو باق على ما كان عليه
تنبيه : ما له نفس سائلة ضربان نجس في الحياة وهو ظاهر إذ موته لا يزيده إلا خبثا وطاهر وهو ثلاثة أنواع آدمي وقد تقدم حكمه وما تباح ميتته كسمك ونحوه فلا ينجس بالموت لأنه لو نجس به لم يبح أكله وعنه نجاسة الطافي وإن مات بغير فعل آدمي وقلنا يحرم الطافي ففيه روايتان بناء على نجاسة دمه فإن لم يكن له دم لم يحرم على الأصح وما لا تباح ميتته كحيوان البر المأكول وحيوان البحر الذي يعيش فيه كالضفدع والتمساح ونحوهما فينجس بالموت وينجس الماء اليسير لملاقاته والكثير بتغيره وللوزغ نفس سائلة نص عليه كالحية لا العقرب وفي الرعاية في دود القز وبزره وجهان.
"وبول ما يؤكل لحمه وروثه ومنيه طاهر" في المنصور عند أصحابنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها والنجس لا يباح شربه ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم وأمر بالصلاة فيها وطاف على بعيره ولأنه لو كان نجسا لتنجست الحبوب التي تدوسها البقر فإنها لا تسلم من أبوالها وأرواثها وشمل كلامه بول سمك ونحوه مما لا ينجس بموته فإنه طاهر على المذهب "وعنه أنه نجس" لأنه رجيع من حيوان أشبه غيرالمأكول.
"ومني الآدمي طاهر" في ظاهر المذهب لقول عائشة "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه" متفق عليه وقال ابن عباس "امسحه عنك بإذخرة أو خرقة فإنما هو بمنزلة المخاط والبصاق" رواه سعيد حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عنه ورواه الدارقطني مرفوعا.
ولأنه لا يجب غسله إذا جف فلم يكن نجسا كالمخاط وظاهره أنه لا فرق
ـــــــ
بين ما أوجب غسلا أو لا وصرح به في الرعاية وهو بدء خلق آدمي فكان طاهرا كالطين وبهذا فارق البول.
فعلى هذا يستحب فرك يابسه لقول عائشة "كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يابسا" رواه الدارقطني ولأنه مستحيل من الدم أشبه القيح.
فعلى هذا يعفى عن يسيره وعنه كالبول لما في الصحيح عن عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه خارج معتاد من السبيل أشبه البول فعلى هذا لابد من غسله وظاهر المغني و الشرح أنه يجزئ فرك يابسه وجزم ابن عقيل أنه كالبول في مني الخصي لاختلاطه بمجرى بوله وقيل وقت جماع لأنه لا يسلم من المذي وبعده في المغني وفي المحرر على هذه الرواية أنه يجزئ فرك يابسه في الرجل وتمسك بقول أحمد لأنه ثخين فيؤثر فيه الفرك تخفيفا بخلاف مني المرأة فإنه رقيق ولا يبقى له جسم بعد جفافه فلا يفيد الفرك فيه شيئا فإن خفي موضع الفرك فيه فركه كله لكن لو أمنى وعلى فرجه نجاسة تنجس منيه لإصابته النجاسة ولم يعف عن شيء منه.
فرع : حكم بقية الخارج من بدن الآدمي كالعرق والريق والمخاط ونحوها طاهر حتى البلغم سواء كان من الرأس أو الصدر ذكره القاضي.
وقال أبو الخطاب هو نجس.
وقيل: بلغم الصدر جزم به ابن الجوزي لأنه استحال في المعدة أشبه القيئ والأول أشهر لأنه لو كان نجسا لنجس الفم ونقض الوضوء ولا نسلم أنه استحال في المعدة بل هو منعقد من الأبخرة كالمخاط وما سال من الفم وقت النوم طاهر في ظاهر كلامهم .
وفي رطوبة فرج المرأة روايتان وسباع البهائم والطير والبغل والحمار الأهلي نجسة وعنه أنها طاهرة
ـــــــ
"وفي رطوبة فرج المرأة" وهو مسلك الذكر "روايتان" إحداهما نجسة لأنها بلل في الفرج لا يخلق منها الآدمي أشبه المذي.
والثانية وهي الصحيحة وجزم بها الأكثر أنها طاهرة لأن عائشة كانت تفرك المني من ثوبه عليه السلام وإنما كان من جماع لأن الأنبياء لا يحتلمون وهو يصيب الرطوبة ولأنه لو حكمنا بنجاستها فحكمنا بنجاسة منيها لكونه يلاقي رطوبته بخروجه منه.
وقال القاضي ما أصاب منه في حال الجماع فهو نجس لأنه لا يسلم من المذي وهو ممنوع فإن الشهوة إذا اشتدت خرج المني وحده كالاحتلام.
"وسباع البهائم و"سباع "الطير والبغل" إذا كان من الحمار الأهلي والحمار الأهلي نجسة نصره في التحقيق وجزم به في الخرقي والوجيز وقدمه في المحرر و الفروع لأنه عليه السلام لما سئل عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغها وقال يوم خيبر عن الحمر "إنها رجس" متفق عليه والرجس النجس ولأنه حيوان حرم أكله لخبثه لا لحرمته ويمكن التحرز منه فكان نجساً وجميع أجزائه وفضلاته كذلك.
"وعنه أنها طاهرة" نقلها عنه إسماعيل بن سعيد واختارها الآجري وقال في المحرر ما عدا الكلب والخنزير وهو مراد لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل "أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها" رواه الشافعي والبيهقي من رواية ابن أبي حبيبة قال البخاري هو منكر الحديث وروى ابن ماجة من حديث أبي سعيد معناه وفيه قال: "لها ما أخذت في أفواهها ولنا ما غبر طهور" .
ومر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص على حوض فقال يا صاحب الحوض
وسؤر الهر والسنور وما دونهما في الخلقة طاهر
ـــــــ
ترد على حوضك السباع فقال عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا رواه مالك
ولأنه حيوان يجوز بيعه فكان طاهرا كبهيمة الأنعام وعنه طهارة البغل والحمار اختاره المؤلف لأنه عليه السلام كان يركبهما وركبا في زمنه ولأنه لا يمكن التحرز منهما لمقتنيهما فكانا طاهرين كالسنور وأما قوله "إنها رجس" أراد به التحريم كقوله في الأنصاب والأزلام إنه رجس وقيل لحمها نجس وعليها حكمها حكم الآدمي
قال في الشرح وغيره إلا في منيها فإن حكمه حكم بولها
وذكر السامري وغيره أن في طهارة منيها ولبنها وبيضها على هذه الرواية وجهين
وعن أحمد أنهما مشكوك فيهما لتردده بين أمارة تنجسه بدليل أنه يحرم أكله كالكلب وأمارة تطهيره لأنه ذو حافر يجوز بيعه أشبه الفرس فلا يجب غسل رأسه إذا وجد الماء المطلق
فعلى هذه إذا لم يجد غير سؤرهما توضأ به ثم تيمم زاد في الرعاية ينوي الحدث والنجاسة وقال ابن عقيل يتيمم ثم يصلي ثم يتوضأ ويصلي.
ويبطل التيمم بخروج الوقت دون الوضوء قال في الرعاية في الأقيس فيهما
"وسؤر" بضم السين مهموزا وهو بقية طعام الحيوان وشرابه
"الهر" ويسمى الضيون بضاد معجمة وياء ونون والسنور القط
"وما دونها في الخلقة" كابن عرس والفأرة
"طاهر" غير مكروه نص عليه في الهر وهو قول أكثر العلماء لما روى مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي قتادة "أن النبي صلى الله عليه وسلم
.
ـــــــ
قال في الهر: "إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات" شبهها بالخدم أخذا من قول الله تعالى {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] ولعدم إمكان التحرز منها كحشرات الأرض كالحية قاله القاضي فطهارتها من النص وما دونها من التعليل
قال السامري سؤر ما دون الهر طاهر في ظاهر المذهب وفيه وجه وبعد
تنبيه : إذا علمت نجاسة فم هر فأوجه ثالثها إن غاب فطاهر وإلا فلا
ورابعها: إن احتمل ولوغها في ماء كثير طهور فطاهر
قال ابن تميم قال شيخنا يعتبر مضي زمن بعد أكلها يزول فيها أثر النجاسة بريقها
قال وكذا أفواه الأطفال والبهائم إذا تنجست قال ابن تميم فيكون الريق مطهرا لها ودل أنه لا يعفى عن نجاسة بيدها أو رجلها نص عليه
ولا عن يسير نجاسة في طعام خلافا للشيخ تقي الدين وذكره قولا في المذهب لأن الله إنما حرم الدم المسفوح ولفعل الصحابة ولعموم البلوى ببعر الفأر وغيره .
باب الحيض
وهو دم طبيعة وجبلة ويمنع عشرة أشياء: فعل الصلاة ووجوبها
ـــــــ
باب الحيضوهو مصدر حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا فهي حائض وحائضة: إذا جرى دمها فأصله السيلان مأخوذ من قولهم حاض الوادي إذا سال وحاضت الشجرة إذا سال منها شبه الدم وهو الصمغ الأحمر واستحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها فهي مستحاضة وتحيضت أي قعدت أيام حيضها عن الصلاة ويسمى أيضا الطمث والعراك والضحك والإعصار
وهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الآية
والسنة قال أحمد الحيض يدور على ثلاثة أحاديث حديث فاطمة وأم حبيبة وحمنة وفي رواية وحديث أم سلمة مكان حديث أم حبيبة
"وهو دم طبيعة" سجية "وجبلة" خلقة كتبه الله تعالى على بنات آدم ترخيه الرحم إذا بلغت في أوقات معلومة يخرج من قعر الرحم وليس هو بدم فساد بل خلقه الله لحكمة غذاء الولد وتربيته وهو مخلوق من مائهما فإذا حملت انصرف ذلك بإذن الله تعالى إلى غذائه ولذلك لا تحيض الحامل فإذا وضعته قلبه الله تعالى بحكمته لبنا يتغذى به ولذلك قلما تحيض المرضع
فإذا خلت عنهما بقي الدم لا مصرف له فيستقر في مكان ثم يخرج في الغالب في كل شهر ستة أيام أو سبعة وقد يزيد على ذلك ويقل ويطول شهرها ويقصر ويمنع عشرة أشياء فعل الصلاة ووجوبها وفعل الصيام بحسب ما ركبه الله تعالى في الطباع ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الأم ثلاث مرات وببر الأب مرة واحدة
"ويمنع عشرة أشياء فعل الصلاة" فرضا كانت أو نفلا "و" يمنع "وجوبها".
وفعل الصيام
ـــــــ
قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة عنها في أيام حيضها وعلى أن قضاء ما فات منها في أيام حيضها ليس بواجب لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة" ولما روت معاذة قالت " سألت عائشة ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت أحرورية أنت فقلت لست بحرورية ولكني أسأل فقالت كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" متفق عليهما.
ومعنى قولها أحرورية الإنكار عليها أن تكون من أهل حروراء وهي مكان ينسب إليه الخوارج لأنهم يرون على الحائض قضاء الصلاة كالصوم ولفرط تعمقهم حتى مرقوا منه ولأنه يشق لتكرره وطول مدته.
فإن أحبت القضاء فظاهر نقل الأثرم المنع قال في الفروع ويتوجه احتمال يكره لكنه بدعة كما رواه الأثرم عن عكرمة ولعل المراد إلا ركعتي الطواف لأنها نسك لا آخر لوقته فيعايا بها وما اعترض به شيخنا ابن نصر الله عليه ليس بلازم وعلم منه أنه يمنع صحة الطهارة وحكاه بعضهم اتفاقا لأنه حدث يوجب الطهارة واستمراره يمنع صحتها كالبول ولا يمنع غسلها كجنابة نص عليه بل يسن وفعل الصيام لقوله عليه السلام في حديث أبي سعيد "أليس إذا حاضت لم تصم ولم تصل قلن بلى قال فذلك من نقصان دينها" رواه البخاري.
وظاهره يقتضي وجوب الصوم وهو كذلك إجماعا لأنه واجب في ذمتها وكذا كل من لزمته عبادة وجبت في ذمته كالدين المؤجل لكنه مشروط بالتمكن منها فإن مات قبل التمكن منها لم يكن عاصيا وتقضيه هي وكل معذور بالأمر السابق لا بأمر جديد على الأشهر.
وفي الرعاية يقضيه مسافر بالأمر الأول على الأصح وحائض ونفساء بأمر
وقراءة القرآن ومس المصحف وللبث في المسجد والطواف والوطء في الفرج وسنة الطلاق والإعتداد بالأشهر
ـــــــ
جديد على الأصح وفيه نظر
"وقراءة القرآن" لقوله عليه السلام: "لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن" وقد سبق ونقل الشالنجي كراهتها لها وقال الشيخ تقي الدين إذا ظنت نسيانه وجبت
"ومس المصحف" للنص "اللبث في المسجد" لقوله عليه السلام: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود وقيل لا بوضوء وقيل ويمنع دخوله وحكى رواية لخوفها تلويثه في الأشهر ونصه في رواية ابن إبراهيم تمر ولا تقعد والمذهب حيث أمنت تلويثه
"والطواف" لقوله عليه السلام لعائشة: "افعلي ما يفعل الحاج غيرأن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" متفق عليه
ولأنه صلاة وهي ممنوعة منها ومن لوازمه اللبث في المسجد وهي ممنوعة منه وعند الشيخ تقي الدين بلا عذر وعن أحمد يصح منها ويجبره بدم
"و" يمنع "الوطء في الفرج" لقوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] ولقوله عليه السلام "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" رواه مسلم ويستثنى منه من به شبق بشرطه
"وسنة الطلاق" لما روي عن ابن عمر "أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا" متفق عليه ولم يقل البخاري أو حاملا ولأنه إذا طلقها فيه كان محرما وهو طلاق بدعة لما فيه من تطويل العدة وسيأتي وهذا ما لم تسأله الطلاق بعوض أو الخلع وفيه وجه
"والاعتداد بالأشهر" لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] فأوجب العدة بالقروء وشرطه في الآية عدم الحيض,
ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به والنفاس مثله إلا في الاعتداد وإذا انقطع الدم أبيح فعل الصيام والطلاق
ـــــــ
قوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ} [الطلاق: 4] ويستثنى منه المتوفى عنها زوجها.
"ويوجب الغسل" عند انقطاعه لقوله صلى الله عليه وسلم: "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" متفق عليه.
وقد سبق في الغسل الاختلاف فيه هل يجب بالخروج أو الانقطاع والبلوغ.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه أحمد وغيره من حديث عائشة وروي أيضا مرسلا وموقوفا فأوجب عليها أن تستتر لأجل الحيض فدل على أن التكليف حصل به وظاهره أن أحكام البلوغ تثبت بابتدائه وصرح به في التلخيص و البلغة.
و يوجب "الاعتداد به" لما سبق قال في المغني و الشرح وأكثر هذه الأحكام مجمع عليها.
"والنفاس مثله" فيما يجب به ويحرم وما يسقط عنها بغير خلاف نعلمه لأنه دم حيض احتبس لأجل الولد ثم خرج فثبت حكمه لكن لو ضربت بطنها أو شربت دواء فأسقطت ونفست لم تصل.
وفي وجوب القضاء وجهان "إلا في الاعتداد" لأن انقضاء العدة بالقروء والنفاس ليس بقرء ولأن العدة تنقضي بوضع الحمل ولا يدل على البلوغ لأنه لا يتصور لحصوله بالحمل قبله ولا يحتسب عليه به في مدة الإيلاء ويقطع تتابع صوم الظهار في قول.
"وإذا انقطع الدم" انقطاعا يوجب الغسل والصلاة عليها "أبيح" لها "فعل الصيام" لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله كالجنب "و" أبيح "الطلاق" لأن تحريمه لتطويل العدة بالحيض وقد زال ذلك.
والثاني: لا يباحان لمفهوم خبر ابن عمر رواه الدارقطني والأول أصح
ولم يبح غيرهما حتى تغتسل
ـــــــ
وألحق القاضي بهما القراءة وهو رواية عن أحمد.
"ولم يبح غيرهما حتى تغتسل" في قول أكثرهم وقال ابن المنذر هو كالإجماع وحكاه إسحاق بن راهويه إجماع التابعين لأن الله تعالى شرط لحل الوطء شرطين انقطاع الدم والغسل فقال: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] أي حتى ينقطع دمهن {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي اغتسلن بالماء {فَأْتُوهُنَّ} كذا فسره ابن عباس وهي قراءة الأكثر بالتخفيف في الأولى وأهل الكوفة بتشديدها واتفق الكل على تشديد الثانية والتطهر تفعل إنما يكون فيما يتكلفه ويروم تحصيله فيقتضي اتخاذ الفعل منه لقوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وانقطاع الدم غير منسوب إليها ولا صنع لها فيه.
لا يقال ينبغي على قراءة الأكثر انه ينتهي النهي عن القربان بانقطاع الدم إذ الغاية تدخل في المغيا لكونها بحرف حتى لأنه قبل الانقطاع النهي عن القربان مطلق فلا يباح بحال وبعده يزول التحريم المطلق وتصير إباحة وطئها موقوفا على الغسل وظهر أن قراءة الأكثر أكثر فائدة.
وقيل لا يحرم وطؤها بعد الانقطاع وقاله داود وفاقا لأبي حنيفة إذا انقطع دمها لأكثره وهو عشرة أيام حل وطؤها وإلا لم يبح حتى تطهر وعلى الأول لو عدمت الماء تيممت وحل وطؤها وإن تيممت لها حل لأن ما أباح الصلاة أباح ما دونها ولو عبر بالطهر لكان أولى لشموله ما ذكرنا.
فرع إذا أراد وطأها فادعت حيضا وأمكن قبل نص عليه لأنها مؤتمنة.
قال في الفروع ويتوجه تخريج في الطلاق وأنه يحتمل أن يعمل بقرينة أو أمارة .
ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج.
ـــــــ
وقال ابن حزم اتفقوا على قبول قول المرأة تزف العروس إلى زوجها فتقول هذه زوجتك وعلى استباحة وطئها بذلك وعلى تصديقها في قولها أنا حائض وفي قولها قد طهرت.
مسألة : تغسل المسلمة الممتنعة قهرا ولا نية هنا للعذر كالممتنع من الزكاة وإذا فعلته لم تصل به على الصحيح ويغسل المجنونة وتنويه وقال ابن عقيل يحتمل أن يغسلها ليطأها وينوي غسلها تخريجا على الكافرة
"ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج" من القبلة واللمس والوطء بما دون الفرج في قول جماعة لقوله تعالى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222].
قال ابن عباس فاعتزلوا نكاح فروجهن رواه عبد بن حميد وابن جرير ولأن المحيض هو اسم لمكان الحيض في ظاهر كلام أحمد وقاله ابن عقيل كالمقيل والمبيت فيختص التحريم بمكان الحيض وهو الفرج ولهذا لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" رواه مسلم وفي لفظ الجماع رواه أحمد وغيره ولأنه وطء منع للأذى فاختص بمحله كالدبر وقيل المحيض زمن الحيض قاله في الرعاية وغيرها فالاعتزال على هذا اعتزالهن مطلقا كاعتزال المحرمة والصائمة ويحتمل اعتزال ما يراد منهن في الغالب وهو الوطء في الفرج.
قال الشيخ تقي الدين هذا هو المراد لأنه قال {هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا} فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء فدل على أن الوصف هو العلة لا سيما وهو مناسب للحكم كآية السرقة والأمر بالاعتزال في الدم للضرر والتنجيس وهو مخصوص بالفرج فيختص الحكم بمحل سببه.
وقال ابن قتيبة المحيض الحيض نفسه لقوله تعالى {قُلْ هُوَ أَذىً} [البقرة: 222] ولا شك أن الاستمتاع بما فوق السرة وتحت الركبة جائز إجماعا فكذا ما بينهما ,
فإن وطئها في الفرج فعليه نصف دينار كفارة.
ـــــــ
وعلى هذا يسن ستر فرجها عند مباشرة غيره.
وقال ابن حامد يجب وعن أحمد لا يجوز أن يستمتع بما بينهما وجزم به في النهاية لخوفه مواقعة المحظور لما روى عبد الله بن سعد أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال "لك ما فوق الإزار" رواه أبو داود.
وأجيب بأنه من رواية حزام بن حكيم وقد ضعفه ابن حزم وغيره سلمنا صحته فإنه يدل بالمفهوم والمنطوق راجح عليه وما روى البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرني أن أتزر فيباشرني وأنا حائض لأنه كان يترك بعض المباح تقذرا كتركه أكل الضب.
"فإن وطئها" من يجامع مثله ولو بلف خرقة قبل انقطاعه "في الفرج فعليه نصف دينار كفارة" كذا في المحرر وهو رواية لما روي "أن عمربن الخطاب وقع على جارية له فوجدها حائضا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال "يغفر الله لك يا أبا حفص تصدق بنصف دينار" رواه حرب.
وظاهر المذهب أن الكفارة دينار أو نصفه على وجه التخيير لما روى ابن عباس عن الني صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو نصفه" رواه أحمد والترمذي وأبو داود وقال هكذا الرواية الصحيحة وعنه نصفه وعنه نصفه في إدباره وعنه بل في أصفر.
وما ذكرناه هو المشهور لأنه معنى تجب فيه الكفارة فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره وصفاته كالإحرام لا يقال كيف يخير بين الشيء ونصفه لأنه كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر.
وظاهره لا فرق بين كونه ذهبا مضروبا أو تبرا نقله الجماعة واعتبر الشيخ تقي الدين كونه مضروبا قال في الفروع هو أظهر لأن الدينار اسم له كما في الدية وذكر في الرعاية هل الدينار هنا عشرة أو اثنا
وعنه: ليس عليه إلا التوبة.
ـــــــ
عشر؟ يحتمل وجهين ومراده إذا أخرج دراهم كم يخرج وإلا فلو أخرج ذهبا لم تعتبر قيمته بلا شك وأنه لا فرق بين الناسي والمكره والجاهل بالحيض أو التحريم أو هما للعموم وعنه لا كفارة.
قال القاضي وابن عقيل بناء على الصوم والإحرام وبان بهذا أن من كرر الوطء في حيضة أو حيضتين أنه في تكرار الكفارة كالصوم فإن وطئها طاهرا ثم حاضت فإن استدام لزمته الكفارة وإن نزع انبنى على الخلاف هل هو جماع أم لا والمنصوص أنها تلزمه الكفارة لأنه وإن كان معذورا فهي واجبة بالشرع كالصوم وأن المرأة لا كفارة عليها.
وهو وجه لأن الإيجاب بالشرع لم يرد والمنصوص أن عليها الكفارة ككفارة الوطء في الإحرام ومقتضاه أنها إذا كانت مكرهة أو غير عالمة لا شيء عليها كالصبي لعدم تكليفه وظاهر كلامه واختاره ابن حامد أنها تلزمه للعموم وهما في القيمة والكفارة للفقراء وتجزئ إلى مسكين واحد كنذر مطلق وتسقط بالعجز عنها على الأصح.
وعنه تلزمه بوطء دبر وهو غريب.
فرع: الوطء في الحيض ليس بكبيرة خلافا للشافعي وإنما شرعت الكفارة زجرا عن معاودته ولهذا أغنى وجوبها عن التعزير في وجه.
"وعنه ليس عليه إلا التوبة" قدمه ابن تميم وجزم به في الوجيز وهو قول أكثر العلماء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه ابن ماجة وضعفه البخاري ولأنه وطء نهي عنه لأجل الأذى أشبه الوطء في الدبر وكما لو وطئ بعد انقطاعه قبل غسلها في المنصوص وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن زيد بن الخطاب.
قيل لأحمد في نفسك منه شيء قال نعم قال ولو صح ذلك لكنا نرى
وأقل سن تحيض له المرأة تسع سنين, وأكثره خمسون سنة, وعنه ستون في نساء العرب
ـــــــ
عليه الكفارة
تذنيب : بدن الحائض وعرقها وسؤرها طاهر ولا يكره طبخها وعجينها وغير ذلك ولا وضع يديها على شيء من المائعات ذكره ابن جرير إجماعا.
ولعل المراد ما لم يفسد من المائعات بملاقاة بدنها وإلا توجه المنع فيها وفي المرأة الجنب قاله في الفروع "واقل سن تحيض له المرأة" تمام "تسع سنين" في المشهور من المذهب.
قال الترمذي قالت عائشة "إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة" ورواه القاضي مرفوعا من رواية ابن عمر أي حكمها حكم المرأة.
قال الشافعي رأيت جدة لها إحدى وعشرين سنة وذكر ابن عقيل أن نساء تهامة يحضن لتسع سنين وظاهره أنها إذا رأت الدم لدون تسع سنين فليس بحيض وهو كذلك بغير خلاف لأنه لم يثبت في الوجود والعادة لأنثى حيض قبل استكمالها وأنه لا فرق فيه بين البلاد الحارة والباردة وقيل لا حيض قبل تمام عشر.
وعنه اثنتا عشرة لأنه الزمان الذي يصح فيه بلوغ الغلام وهو تقريب وقيل تحديد ولانقطاعه غاية نص عليه.
"وأكثره خمسون سنة" قدمه في المستوعب و التلخيص وصححه في البلغة واختاره عامة المشايخ قاله ابن الزاغوني لقول عائشة إذا بلغت المرأة خمسين سنة خرجت من حد الحيض ذكره أحمد وقال أيضا لن ترى ولدا بعد الخمسين رواه أبو إسحاق الشالنجي وظاهره أنه لا فرق بين نساء العرب وغيرهن لاستوائهن في جميع الأحكام.
"وعنه ستون في نساء العرب" وخمسون لغيرهن وقاله أهل المدينة لأنهن
والحامل لا تحيض
ـــــــ
أقوى جبلة.
وعنه: غايته ستون سنة جزم بها في المحرر و الوجيز وقدمها ابن تميم واختارها أبو الخطاب في خلافه الصغير لأن ما قبل ذلك وجد فيه حيض بنقل نساء ثقات.
وعنه إن تكرر بعد الخمسين فهو حيض وإلا فلا صححها في الكافي لوجوده على ما نقله الزبير بن بكار.
وعنه مشكوك فيه اختارها الخرقي فتصوم وتصلي لأن وجوبها متيقن فلا يزول بالشك ولا يقربها زوجها إذا انقطع حتى تغتسل لاحتمال أن يكون حيضا والصوم تقضيه وجوبا على الأصح لأنه واجب بيقين فلا يسقط بالشك.
وقد علم أنها إذا رأت دما "بعد السنين" أنه ليس بحيض بغير خلاف في المذهب لأنه لم يوجد وهو بمنزلة الجرح قاله أحمد وهو دم فساد خلافا للشافعي فإنه لا غاية لانقطاعه.
فالجواب أنه قد وصف النساء بالإياس منه لقوله تعالى {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: 4] ولو أمكن أن يكون حيضا لم تيأس أبدا ولأنها تعتد بالأشهر.
"والحامل لا تحيض" في المنصوص وفاقا لأبي حنيفة لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس "لا توطأ حامل حتى تضع ولاغير ذات حمل حتى تحيض" رواه أحمد وأبو داود من رواية شريك القاضي فجعل الحيض علما على براءة الرحم فدل على أنه لا يجتمع معه.
وقال عليه السلام في حق ابن عمر لما طلق زوجته وهي حائض "ليطلقها طاهرا أو حاملا" فجعل الحمل علما على عدم الحيض كالطهر احتج به أحمد.
وأقل الحيض يوم وليلة, وعنه يوم
ـــــــ
وعنه بلى حكاها أبو القاسم التميمي، والبيهقي والشيخ تقي الدين واختارها قال في الفروع وهي أظهر.
وذكر عبيدة بن الطيب أنه سمع إسحاق ناظر أحمد ورجع إلى قوله هذا رواه الحاكم لأنه دم صادف عادة فكان حيضا كغيرها.
فعلى الأولى إذا رأت دما فهو دم فساد لا تترك له العبادة ولا تمنع زوجها من وطئها ويستحب أن تغتسل بعد انقطاعه نص عليه.
وفي وجوبه وجهان إلا أن تراه قبل ولادتها بيومين أو ثلاثة فهو نفاس ولا تنقص به مدته نص عليه لأنه دم خرج بسبب الولادة فكان نفاسا ولا تترك العبادة من غير علامة على قرب الوضع عملا بالأصل فإن تركتها لعلامة فتبين بعده عنها أعادت ما تركته من العبادة الواجبة لأنه تبين أنه ليس بحيض ولا نفاس.
"وأقل الحيض يوم وليلة" هذا هو المشهور واختاره عامة المشايخ لقول علي رضي الله عنه لا ثلاثة أيام خلافا لأبي حنيفة.
"وعنه يوم" اختارها أبو بكر لأن الشرع علق على الحيض أحكاما ولم يبينه فعلم أنه رده إلى العرف كالقبض والحرز وقد وجد حيض معتاد يوما ولم يوجد أقل منه.
قال عطاء رأيت من تحيض يوما رواه الدارقطني وقال الشافعي رأيت امرأة فقالت إنها لم تزل تحيض يوما لا يزيد
وقال أبو عبد الله الزبيري كان في نسائنا من تحيض يوما فمن قال به أخذ بظاهر الإطلاق يؤيده قول الأوزاعي عندنا امرأة تحيض بكرة وتطهر عشية ومن قال باليوم والليلة قال إنه المفهوم من إطلاق اليوم ومن ثم قال القاضي يمكن حمل كلام أحمد أقله يوم أي بليلته فتكون المسألة رواية واحدة .
وأكثره خمسة عشر يوما وعنه سبعة عشر وغالبه ست أو سبع وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما
ـــــــ
وهذه طريقة الخلال ولكن الأكثر على خلافها
"وأكثره خمسة عشر يوما" في ظاهر المذهب قال الخلال لا اختلاف فيه لقول عطاء رأيت من تحيض خمسة عشر يوما يؤيده ما رواه عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه عن ابن عمر مرفوعا أنه قال: "النساء ناقصات عقل ودين قيل وما نقصان دينهن قال تمكث إحداهن شطر عمرها لا تصلي" وذكر ابن المنجا أنه رواه البخاري وهو خطأ.
قال البيهقي لم أجده في شيء من كتب الحديث.
وقال ابن مندة لا يثبت بوجه من الوجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
"وعنه سبعة عشر" قال ابن المنذر بلغني أن نساء الماجشون كن يحضن سبع عشرة وحكاه ابن مهدي عن غيرهن وقيل عليهما وليلة لا عشرة بلياليها خلافا لأبي حنيفة وقال مالك لا حد لأقله فلو رأت دفعة واحدة كان حيضا وأكثره خمسة عشر يوما "وغالبه ست أو سبع" وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما وقيل خمسة عشر وغالبه ست أو سبع لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش لما سألته: "تحيضي في علم الله بستة ايام أو سبعة ثم اغتسلي وصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فإن ذلك يجزئك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء ويطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" رواه أبو داود والنسائي وأحمد والترمذي وصححاه وحسنه البخاري "وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوما" هذا هو المختار في المذهب وجزم به في الوجيز لما روى أحمد واحتج به عن علي أن امرأة جاءته وقد طلقها زوجها فزعمت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض فقال علي لشريح قل فيها فقال شريح إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ممن يرضى دينه وأمانته فشهدت بذلك وإلا فهي كاذبة فقال علي قالون أي جيد بالرومية ,
وقيل خمسة عشر, ولا حد لأكثره.
فصل
والمبتدأة
ـــــــ
وهذا لا يقوله إلا توقيفا وهو قول صحابي انتشر ولم يعلم خلافه ووجود ثلاث حيض في شهر دليل على أن الثلاثة عشر طهر صحيح يقينا.
قال أحمد: لا يختلف أن العدة يصح أن تنقضي في شهر إذا قامت به البينة وظاهره أن الطهر في أثناء الحيضة لا توقيت فيه وسيأتي.
"وقيل خمسة عشر" هذه رواية عن احمد حكاها في المحرر و الفروع وهي قول أكثر العلماء لما تقدم من قوله تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي وذكر أبو بكر أنهما مبنيان على أكثر الحيض فإن قيل خمسة عشر يوما فأقل الطهر مثله وإن قيل سبعة عشر يوما فأقله ثلاثة عشر يوما والمشهور عند الأصحاب لا بناء فأكثر الحيض خمسة عشر يوما وأقل الطهر ثلاثة عشر يوما ثم إنما يلزم ذلك أن لو كان شهر المرأة لا يزيد على ثلاثين يوما فإذا زاد تصور أن حيضها سبعة عشر وطهرها خمسة عشر وأكثر وقيل يزاد على كل عدد ليلة.
وعنه لا توقيت فيه وهو على ما تعرفه من عادتها اختاره بعض أصحابنا وعنه إلا في العدة أي إذا ادعت انقضاءها في شهر كلفت البينة وإن كان في أكثر منه صدقت.
"ولا حد لأكثره" أي الطهر لأن التحديد من الشرع ولم يرد به ولا نعلم له دليلا ولأنه قد وجد من لا تحيض أصلا لكن غالبه بقية الشهر.
فصل
"والمبتدأة" هي التي رأت دم الحيض ولم تكن حاضت في زمن يمكن أن
تجلس يوماً وليلة, ثم تغتسل و تصلي
ـــــــ
يكون حيضا وظاهره لا فرق بين الأسود والأحمر وهو الأصح وقال ابن حامد وابن عقيل لا تلتفت أول مرة إلا إلى الأسود قدمه في الرعاية فإن كان صفرة أو كدرة فظاهره أنها تجلس صرح به في المغني و الشرح وظاهر كلام الإمام خلافه.
"تجلس" أي تدع برؤيته نقله الجماعة الصلاة والصيام ونحوهما لأن دم الحيض جبلة وعادة ودم الاستحاضة لعارض من مرض ونحوه والأصل عدمه.
"يوما وليلة" نص عليه في رواية ابنيه والمروذي لأن العبادة واجبة في ذمتها بيقين وما زاد على أقل الحيض مشكوك فيه فلا نسقطها بالشك ولو لم نجلسها الأقل لأدى إلى عدم جلوسها أصلا.
وظاهره: أنه إذا كان أقل من يوم وليلة لا يلتفت إليه لأنه دم فساد إلا إذا قلنا أقله يوم.
قال القاضي وابن عقيل: إن المبتدأة لا تجلس فوق الأقل بلا خلاف وإنما موضع ذلك إذا اتصل الدم وحصلت مستحاضة في الشهر الرابع.
"ثم تغتسل" لأنه آخر حيضها حكما أشبه آخره حسا.
"وتصلي" لأن المانع منها هو الحيض وقد حكم بانقطاعه وعدم الغسل وقد وجد حقيقة ولا يحل وطؤها حتى ينقطع أو يجاوز أكثر الحيض لأن الظاهر أنه حيض وإنما أمرناها بالعبادة احتياطاً لبراءة ذمتها فتعين ترك وطئها احتياطاً وعنه يكره وقيل يباح مع خوف العنت فإن انقطع واغتسلت أبيح لأنها رأت النقاء الخالص.
وعنه يكره لاحتمال عوده كالنفساء وعنه إن أمن العنت وإن عاد بعد الانقطاع حرم الوطء إلى أكثر الحيض .
فإن انقطع دمها لأكثر فما دون اغتسلت عند انقطاعه, وتفعل ذلك ثلاثاً فإن كان في الثلاث على قدر واحد صار عادة وانتقلت إليه, وأعادت ما صامته من الفرض فيه, وعنه: أنه يصير عادة مرتين, فإن جاوز أكثر الحيض فهي مستحاضة.
ـــــــ
"فإن انقطع دمها لأكثر فما دون" هو بضم النون لقطعه عن الإضافة "اغتسلت عند انقطاعه" لاحتمال أن يكون آخر حيضها فلا تكون طاهرة بيقين إلا بالغسل "وتفعل ذلك" أي مثل جلوسها يوما وليلة وغسلها عند آخرهما وعند الانقطاع "ثلاثا" لأن العادة لا تثبت إلا بها في المشهور من المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم "دعي الصلاة أيام أقرائك" هي صيغة جمع وأقله ثلاث ولأن ما اعتبر له التكرار اعتبر فيه الثلاث كالأقراء في عدة الحرة والشهور وخيار المصراة ومهلة المرتد فعلى هذا تجلس في الشهر الرابع وقال القاضي في الثالث.
"فإن كان في" الأشهر "الثلاث على قدر" أي لمقدار "واحد صار عادة" وانتقلت إليه وأعادت ما صامته من الفرض فيه وعنه أنه يصير عادة مرتين إن كان دمها متميزا بعضه ثخين أسود منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الأسود لما ذكرناه فلو تكرر مختلفا كخمسة من الأول وسبعة في الثاني وعشرة في الثالث فالمتكرر حيض دون غيره.
"وانتقلت إليه" أي لزمها جلوسه "وأعادت ما صامته من الفرض" فيه لأنا تبينا فعله في زمن الحيض وكذا حكم غيره من اعتكاف واجب وطواف لكن إن ارتفع حيضها ولم يعد أو أيست قبل التكرار لم تقض "وعنه أنه" أي الدم "يصير عادة" بتكرره "مرتين" لأن العادة مأخوذة من المعاودة وقد عاودها في المرة الثانية فتجلس في الشهر الثالث.
وقال القاضي بل في الثاني واختاره الشيخ تقي الدين فإن كلام أحمد يقتضيه.
وعلم منه أن العادة لا تثبت بمرة قال في المغني وغيره لا يختلف المذهب فيه.
"فإن جاوز" الدم "أكثر الحيض فهي مستحاضة" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما ذلك
فإن كان دمها متميزا بعضه ثخين أسود منتن وبعضه رقيق أحمر فحيضها زمن الدم الأسود
ـــــــ
عرق وليس بالحيضة" متفق عليه ولأن الدم كله لا يصلح أن يكون حيضا.
والاستحاضة سيلان الدم في غير وقته من العرق العاذل بالذال المعجمة وقيل المهملة حكاهما ابن سيده والعاذر لغة فيه من أدنى الرحم دون قعره إذ المرأة لها فرجان داخل بمنزلة الدبر منه الحيض وخارج كالأليتين منه الاستحاضة.
وظاهره أنها لا تحتاج إلى تكرار صححه في الشرح لظاهر حديث حمنة والمنصوص أنه لا يثبت حكمها قبل تكرارها ثلاثا أو مرتين على الخلاف.
ثم هي لا تخلو من حالين إما أن يكون متميزا أو غيره فقال "فإن كان دمها متميزا بعضه ثخين أسود منتن وبعضه رقيق أحمر فيحضها زمن الدم الأسود" ما لم يزد على أكثر الحيض ولم ينقص عن أقله قال ابن تميم ولا ينقص غيره عن أقل الطهر لما روت عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال: "إنما ذلك عرق وليس بالحيضة فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي" متفق عليه.
وفي لفظ النسائي "إذا كان الحيض فإنه أسود يعرف فأمسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو دم عرق".
ولأنه خارج من الفرج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني والمذي.
وظاهره أنها إذا عرفت التمييز جلست من غير تكرار وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي واختاره ابن عقيل لأن معناه أن يتميز أحد الدمين عن الآخر في الصفة وهذا يوجد بأول مرة والتمييز يحصل بأحد أمور ثلاثة واعتبر أبو المعالي اللون فقط فالأسود أقوى ثم الأحمر ثم الأشقر وكريه.
وما عداه استحاضة
ـــــــ
الرائحة أقوى والثخين أقوى من الرقيق فإن تعارضت الصفات فذكر بعض الشافعية أنه يرجح بالكثرة فإن استوت رجح بالسبق.
"وما عداه استحاضة" فيصير حكمها حكم الطاهرات لما ذكرناه فتغتسل عندانقطاع الأول وتصوم وتتوضأ لكل صلاة كما يأتي.
تنبيه : تقدم أن دلالة التمييز لا تحتاج إلى تكرار وقال القاضي وأبو الحسن الآمدي تجلس المميزة من التمييز ما تكرر.
فعلى هذا إذا رأت في كل شهر خمسة أحمر ثم خمسة أسود ثم أحمر واتصل جلست زمان الأسود.
وهل تجلسه في الشهر الثاني أو الثالث أو الرابع يخرج على الخلاف ولا يعتبر أن لا تزيد مدة الدمين على شهر في وجه فلو رأت عشرة أسود وإن لم يكن متميزا قعدت من كل شهر غالب الحيض وعنه أقله ثم ثلاثين أحمر فحيضها زمن الأسود.
وفي آخر متى زادت مدتهما على شهر بطلت دلالة التمييز ولا يلتفت إلى الأسود فإن نقص التمييز عن الأكثر فطهرها بعده إلى الأكثر مشكوك فيه تفعل فيه كالمعتاد ولا قضاء عليها.
وهل يباح وطؤها فيه روايتان.
قال ابن تميم والصحيح أنه طهر بيقين فإن رأت ستة عشر يوما أحمر ثم باقي الشهر أسود فيحضها زمن الأسود في الأصح.
والثاني تجلس من الأحمر يوما وليلة ثم تجلس الأسود ومتى بطلت دلالة التمييز فهل تجلس ما تجلسه منه أو من أول الدم فيه وجهان وعنه لا تسقط دلالة التمييز وإن عبر الأكثر.
قال ابن تميم فعلى هذا ينبغي أن لا تجلس زيادة على الأكثر وتأولها القاضي .
وإن لم يكن متميزا قعدت من كل شهر غالب الحيض, وعنه أقله, وعنه أكثره وعنه عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها, وذكر أبو الخطاب في المبتداة أول ما ترى الدم الروايات الأربع
ـــــــ
"فإن لم يكن متميزا قعدت من كل شهر غالب الحيض" في ظاهر المذهب واختاره الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وجزم به في الوجيز لما روي أن حمنة بنت جحش قالت يا رسول الله إني أستحاض حيضة شديدة كبيرة قد منعتني الصوم والصلاة فقال : "تحيضي في علم الله ستا أوسبعا ثم اغتسلي" رواه أحمد وغيره.
وعملا بالغالب ولأنها ترد إلى غالب الحيض وقتا فكذا قدرا فعلى هذا تجتهد في الست والسبع وقيل تخير وتفارق المبتدأة في جلوسها الأول من حيث أنها أول ما ترى الدم ترجو انكشاف أمرها عن قرب ولم يتبين لها دم فاسد وإذا علم استحاضتها فقد اختلط الحيض بالفاسد يقينا وليس قرينة فلذلك ردت إلى الغالب عملا بالظاهر.
"وعنه أقله" اختارها أبو بكر وابن عقيل في التذكرة لانه اليقين وكحالة الابتداء.
"وعنه أكثره" اختاره في المغني لأنه زمان الحيض فإذا رأت الدم فيه جلسته كالمعتادة.
"وعنه عادة نسائها كأمها وأختها وعمتها وخالتها" لأن الغالب شبهها بهن وقياسا على المهر وتقدم القربى فالقربى فإن اختلفت عادتهن جلست الأقل وقيل الأكثر وقيل تتحرى فإن عدم الأقارب اعتبر الغالب.
زاد ابن حمدان من نساء بلدها "وذكر أبو الخطاب" في هدايته وتبعه في الكافي "في المبتدأة أول ما ترى الدم الروايات الأربع"
الأولى: أنها تجلس الأقل لأنه اليقين .
وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها
ـــــــ
والثانية: تجلس ستا أو سبعا لأنه الغالب.
والثالثة: تجلس عادة نسائها لأن الظاهر شبهها بهن.
والرابعة: تجلس ما تراه من الدم ما لم يجاوز أكثره قياسا على اقله.
ولما فرغ من الكلام على المستحاضة المبتدأة شرع في أقسام المستحاضة المعتادة ولها أربعة أحوال فأشار بقوله وإن استحيضت المعتادة وهي التي تعرف شهرها ووقت حيضها منه وطهرها وشهرها عبارة عن المدة التي ترى فيه حيضا وطهرا.
وأقله أربعة عشر يوما على المذهب وغالبه الشهر المعروف رجعت إلى عادتها إلى القسم الأول وهي ما إذا كانت ذاكرة لعادتها وهي غير متميزة أو يكون الدم الذي يصلح للحيض ينقص عن أقله أو يزيد على أكثره فهذه تجلس قدر عادتها ثم تغتسل بعدها وتتوضأ لوقت كل صلاة وتصلي لقول النبي صلى الله عليه وسلم "دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي" متفق عليه واعلم أن العادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياما.
وإن كانت متساوية كسبعة في كل شهر فإذا استحيضت جلستها فقط.
والمختلفة قسمان: إما أن تكون على ترتيب مثل أن ترى في شهر ثلاثة وفي الثاني أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى مثل ذلك فهذه إذا استحيضت في شهر فعرفت توبته عملت عليه وإن نسيت نوبته جلست الأول وهو ثلاثة ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر وإن علمت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة لأنها اليقين ثم تجلس في الشهرين الأخيرين ثلاثة ثلاثة وفي الرابع ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا.
ويكفيها غسل واحد عند انقضاء المدة التي جلستها كالناسية وصحح في.
وعنه: يقدم التمييز وهو اختيار الخرقي
ـــــــ
المغني و الشرح أنه يجب عليها الغسل أيضا عند مضي أكثر عادتها
وإما أن يكون على غير ترتيب مثل أن تحيض في شهر ثلاثة وفي الثاني خمسة وفي الثالث أربعة فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف فهو كالأول وإن لم يمكن ضبطه جلست الأقل من كل شهر واغتسلت عقيبة وذكر ابن عقيل أنها تجلس أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد وبعده المؤلف رحمه الله إذ فيه أمرها بترك الصلاة وإسقاطها عنها مع يقين الوجوب بخلاف الناسية فإنا لا نعلم عليها صلاة واجبة يقينا والأصل بقاء الحيض .
ثم أشار إلى الثاني وهو إذا اجتمعت العادة والتمييز بقوله "وإن كانت" أي تقدم العادة عليه في ظاهر كلام أحمد وأكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز لما روت أم حبيبة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الدم فقال لها "امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي" رواه مسلم وهو عام في كل مستحاضة ولأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها بخلاف اللون فإنه إذا زاد على أكثر الحيض فإنه تبطل دلالته .
"وعنه يقدم التمييز" على العادة بشرطه "وهو اختيار الخرقي" وقدمه في الرعاية لقوله عليه السلام لفاطمة "فإنه أسود يعرف فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة" ولأن صفة الدم أمارة قائمة به والعادة بخلافه ولأنه خارج يوجب الغسل فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني وغيره وظاهره لا فرق بين أن يكون أكثر من العادة أو أقل ويصلح أن يكون حيضا فلو اتفقت العادة والتمييز عمل بهما .
ويتفرع على الخلاف مسائل:
منها: إذا كان حيضها خمسة أيام في كل شهر فاستحيضت وصارت ترى ثلاثة أيام دما اسود في أول كل شهر فمن قدم العادة قال: تجلس
وإن نسيت العادة عملت بالتمييز فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض
ـــــــ
الخمسةكما كانت قبل الاستحاضة ومن قدم التمييز قال تجلس الثلاثة التي فيها الأسود في الشهر الثاني
ومنها: إذا كان حيضها سبعا من أول كل شهر فاستحيضت وصارت ترى سبعة أسود ثم يصير أحمر ويتصل فالأسود حيض عليهما لموافقته العادة والتمييز وإن رأت مكان الأسود أحمر ثم صار أسود وعبر سقط حكم الأسود لعبوره أكثر الحيض وحيضها الأحمر لموافقته العادة.
وإن رأت مكان العادة أحمر ثم رأت خمسة أسود ثم صار أحمر واتصل فمن قدم العادة أجلسها أيامها ومن قدم التمييز جعل الأسود وحده حيضا.
"وإن نسيت العادة" هذا هو القسم الثالث من أقسام المستحاضة وهي التي لها تمييز وعادة وقد أنسيتها "عملت بالتمييز" بشرطه لما سبق من حديث فاطمة وظاهره لا فرق بين أن يكون المتميز متفقا مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ثم يصير أحمر ويعبر أكثر الحيض أو مختلفا مثل أن ترى في الأول خمسة أسود وفي الثاني أربعة وفي الثالث ثلاثة أو بالزيادة فيهما فالأسود حيض على كل حال وظاهره لا يعتبر فيه تكرار وهو كذلك على المذهب وذكر في الرعاية فيها الروايات الأربع.
"فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض" هذا هو القسم الرابع من أقسام المستحاضة وهي الناسية للعادةولا تمييز لها ولها ثلاثة أحوال.
أحدها : أن تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه تسمى المتحيرة لأنها قد تحيرت في حيضها وحكمها أن تجلس غالب الحيض في ظاهر المذهب اختاره الخرقي وجزم به في الوجيزوقدمه غير واحد لحديث حمنة بنت جحش ولأنه لم يستفصلها هل هي مبتدأة أو ناسية ولو افترق الحال لسألها وكونها ناسية أكثر فإن حمنة امرأة كبيرة قاله أحمد .
وعنه أقله وقيل فيها الروايات الأربع وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها
ـــــــ
ولم يسالها عن تمييزها ولا عادتها فلم يبق إلا أن تكون ناسية فعلى هذا إن كانت تعرف شهرها جلست ذلك منه لأنه عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها إلا أنه متى كان شهرها أقل من عشرين يوما لم تجلس منه أكثر من الفاضل عن ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر لئلا وعنه أقله وقيل فيها الروايات الأربع وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين ينقص الطهر عن أمله وإن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد للخبر ولأنه غالب عادات النساء.
فالظاهر أنه حيضها وتجتهد في الست والسبع فما غلب على ظنها جلسته صححه في المغني وغيره وذكر القاضي في موضع أنها تخير بينهما كالوطء فيه يتخير في التكفير بين دينار ونصفه لأن أو للتخيير.
وأجيب عنه بأنها قد تكون للاجتهاد لقوله تعالى {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4] و "إما" ك "أو" ولم يعرض لوقت إجلاسها وفيه وجهان والأشهر أنه من أول كل شهر.
"وعنه أقله" لأنه اليقين وما زاد مشكوك فيه فلا تدع العبادة لأجله وجعله في الكافي مخرجا وليس كذلك بل هو منصوص عليه.
"وقيل فيها الروايات الأربع" لو اقتصر في حكاية هذا القول على الروايتين الأخريتين لكان أولى ولهذا قال القاضي يتخرج فيها الروايتان الأخريتان كالمبتدأة لأن بنسيان العادة صارت عادمة لها فهي كمن عدمت العادة وهي تجلس عادة نسائها والأكثر والمشهور انتفاؤهما وظاهره أن استحاضتها لا تحتاج إلى تكرار وهو الأصح وحكى القاضي وجها أنها لا تجلس شيئا بل تغتسل لكل صلاة وتصلي وتصوم ويمنع الزوج من وطئها وتقضي الصوم الواجب.
"وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها" هذا هو الحال الثاني من أحوال الناسية وهي تنقسم إلى قسمين أحدهما أن تعلم العدد ولا تعلم الوقت
جلستها من أول كل شهر هلالي في أحد الوجهين وفي الآخر تجلسها بالتحري
ـــــــ
أصلا مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام مثلا من النصف الأول "جلستها من أول كل شهر" هلالي "في أحد الوجهين" اختاره الأكثر وجزم به في الوجيز ولم يفرقوا
لأنه عليه السلام جعل حيض حمنة من أول الشهر والصلاة في بقيته وفي الآخر تجلسها بالتحري وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز ولأن دم الحيض جبلة والاستحاضة عارضة فإذا رأته وجب تغليب دم الحيض وقيل تجلس في تمييز لا يعتد به إن كان لأنه أشبه بدم الحيض وهو ظاهر كلام ابن تميم
وفي الآخر تجلسها بالتحري" قيل هو الصواب وفيه نظر لأنه عليه السلام ردها إلى الاجتهاد في العدد فكذا في الوقت ولأنه لا أثر للهلال في أمر الحيض بوجه
وذكر المجد وغيره إن ذكرت أول الدم كمعتادة انقطع حيضها أشهرا ثم جاء الدم خامس يوم من الشهر مثلا واستمر وقد أنسيت العادة فالوجهان الأخيران
والثالث: تجلس مجيء الدم من خامس كل شهر وهو ظاهر كلام أحمد لأنه عليه السلام أمر حمنة ابتداء بجلوس ست أو بسع ثم تصوم وتصلي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين
وقال "فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن" وليس حيض النساء ثم رؤوس الأهلة غالبا ومتى تعذر التحري بأن يتساوى عندها الحال ولم تظن شيئا أو تعذر الأولية عملت بالآخر
وقال ابن حامد والقاضي إذا علمت قدر عادتها وجهلت موضعها بأن قالت حيضتي أحد أعشار الشهر فإنها لا تترك الصوم ولا الصلاة وعليها أن تغتسل كلما مضى قدر عادتها ويمنع وطؤها وتقضي من الصوم الواجب
وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول جلستها فيه إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين.
ـــــــ
بقدرها وكذا الطواف وعنه لا تجلس شيئا.
"وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز" يعني أن فيهما الوجهين اللذين ذكرهما من لا عادة لها ولا تمييز تشارك من نسيت موضع حيضها في تعذر الجلوس في زمن محقق فوجب أن يثبت لها حكمها لأن الاشتراك يوجب المساواة.
وفيها وجه آخر والمذهب كما جزم به في الوجيز أنها تجلس في أول الشهر.
"وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول" هذا هو القسم الثاني وهي أن تعلم أنها كانت تحيض أياما معلومة من العشر الأول "جلستها" أي الأيام "فيه" أي من ذلك الوقت دون غيره لأن ما عداه طهر بيقين إما من أوله وصححه جمع "أو بالتحري على اختلاف الوجهين" المتقدم ذكرهما فيمن نسيت موضع حيضها.
ثم أعلم أنه لا يخلو عدد أيامها إما ان يكون زائدا على نصف ذلك الوقت أو يكون نصف المدة فأقل أما الأول فإنك تضم الزائد إلى مثله مما قبله فهو حيض بيقين فإذا قالت حيضتي سبعة ايام من العشر الأول فقد زادت يومين على نصف الوقت فتضمها إلى مثلها فيصير لها أربعة أيام حيضا بيقين وهي من أول الرابع إلى آخر السابع ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أول العشر أو بالتحري فيكون ذلك حيضا مشكوكا فيه وحكمه كالمتيقن في ترك العبادات ويبقى لها ثلاثة أيام طهرا مشكوكا فيه حكمه كالمتيقن في وجوب العبادات وسائر الشهر.
طهر وأما الثاني فليس لها حيض بيقين لأنها متى كانت تحيض خمسة أيام,
وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين.
ـــــــ
احتمل أن يكون الخمسة الأولى وأن تكون الثانية وأن يكون بعضها من الأولى وباقيها من الثانية فحينئذ تجلسها على الخلاف.
ولا يعتبر التكرار في الناسية صرح به في المغني و الشرح لأنها عرفت استحاضتها في الشهر الأول فلا معنى للتكرار.
"وإن علمت موضع حيضها ونسيت عدده" هذا هو الحال الثالث من أحوال الناسية وهي الناسية لعددها دون وقتها "جلست فيه" أي في ذلك الموضع دون غيره كمن تعلم أن حيضها في العشر الأول فهي في قدر ما تجلسه كالمتحيرة فإنها تجلس "غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين" المنصوصتين والأكثر وعادة نسائها على المخرجتين والصحيح أنها تجلس الغالب من العشر وهل هو من أوله أوبالتحري على الخلاف فإذا علمت ابتداءه بأن قالت حيضي كان من أول يوم من الشهر فذلك اليوم حيض يقينا.
فإن قلنا برواية الأقل لم يزد عليه.
وإن قلنا بالغالب جلست تمامه من النصف الأول فيكون حيضا مشكوكا فيه وبقية النصف طهر مشكوك فيه.
وقال القاضي في شرحه تغتسل عقيب اليوم ثم تغتسل لكل صلاة إلى الخامس عشر ولا يأتيها زوجها ثم تتوضأ لكل صلاة إلى آخر الشهر وإن علمت آخره بأن قالت كان آخر حيضتي مع آخر الشهر ولا أعلم أوله فاليوم الأخير حيض بيقين ويكتفي به على الأقل وعلى الغالب تضيف إليه من النصف الأخير تمام ست أو سبع فيكون حيضا مشكوكا فيه وبقية النصف طهرا مشكوكا فيه.
وقال القاضي من أول النصف الثاني إلى التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه ,
وإن تغيرت العادة بزيادة أو تقدم أو تأخر أو انتقال فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة.
ـــــــ
تصوم وتصلي وتقضي الصوم وتتوضأ لكل صلاة غسل ولا يقربها زوجها وإن جهلت طرفي حيضها بأن قالت كنت أول يوم من الشهر حائضا لا أعلم هل هو طرف الحيضة أو وسطها ولا أعلم هل هو كلها أو بعضها فاليوم الأول حيض يقينا والسادس عشر طهر يقينا وبقية النصف مشكوك فيه فعلى الأقل تجلسه فقط وعلى الغالب تضيف إليه تمام ست أو سبع إن قلنا تجلس من أول الشهر أو بالتحري.
مسألة: إذا ذكرت الناسية عادتها ردت إليها والمعتادة كما تقدم من علمت أيام حيضها وطهرها فإن جهلتهما أو الطهر وحده ردت إلى الشهر الهلالي عملا بالغالب ولان تركها لعارض النسيان وقد زال وإن تبين أنها تركت الصلاة عادتها لزمها إعادتها وقضاء ما فعلته من الصوم الواجب ونحوه في عادتها.
"وإن تغيرت العادة بزيادة" مثل أن يكون حيضها خمسة من كل شهر فتصير ستة ونحوها "أو تقدم" مثل أن يكون عادتها من أول الشهر ستة فتصير يومين من الشهر السابق وأربعة من الثاني وهو الذي تحيض فيه "أو تأخر" مثل أن يكون حيضها خمسة من أول الشهر فتصير خمسة في ثانية "أو انتقال" مثل أن يكون حيضها الخمسة الأول فتصير الخمسة الثانية لكن لم يذكره في المحرر و الوجيز ولا الفروع لأنه في معنى ما تقدم.
"فالمذهب أنها لا تلتفت إلى ما خرج عن العادة" نص عليه لقوله عليه السلام: " اجلسي قدر ما كانت تحبسك حيضتك" رواه مسلم ولأن لها عادة فترد إليها كالمستحاضة وتصوم وتصلي في الخارج عن العادة ولا يأتيها زوجها لاحتمال أن يكون حيضا فيجب ترك وطئها احتياطا كما وجبت العبادة احتياطا لكنها تغتسل عقيب العادة وعند انقضاء الدم لاحتمال
حتى يتكرر ثلاثا أو مرتين على اختلاف الروايتين وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار
ـــــــ
أن يكون حيضا كما قلناه في المبتدأة.
وعنه لا يجب الغسل عقيب الخارج عن العادة.
وفي الرعاية لا يجب الغسل وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت على الأصح لما زاد عن العادة إن اعتبر تكراره ولم يعبر أكثر الحيض وفي كراهة الوطء فيه وجهان وعلى ما ذكره إن ارتفع حيضها ولم يعد أو يئست قبل التكرار لم تقض حتى يتكرر ثلاثا جزم به في الوجيز وهو الأشهر فعلى هذا تجلس في الشهر الرابع أو مرتين فتنتقل من الشهر الثالث.
وقيل الثاني "على اختلاف الروايتين" نقلهما عنه الفضل بن زياد.
فعليها: إذا تكرر صار عادة وأعادت ما فعلته من الصيام والطواف الواجب لكن قال ابن تميم في وجوب إعادته قبل التكرار وجهان.
وعن أحمد الزائد لا يحتاج إلى تكرار وحده وظاهره أن العادة لا تثبت بمرة زاد في الرعاية على الأصح وقيل إلا في التمييز.
"وعندي أنها تصير إليه من غير تكرار" قال ابن تميم وهو أشبه وحكاه في الرعاية قولا وفي المستوعب رواية وفاقا للشافعي لأن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الصفرة والكدرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء رواه مالك.
ومعناه: لا تعجلن بالغسل ومعنى القصة أن تدخل القطنة في فرجها فتخرج بيضاء نقية.
وقال أحمد هو ماء أبيض يتبع الحيضة.
ولم يقيده بالعادة فالظاهر أنهن كن يعددن ما يرينه من الدم حيضا افتقاد عادة والظاهر أنهن جرين على العرف في اعتقاد ذلك حيضا ولم
وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت وصامت لقول ابن فإن عاودها الدم في العادة فهل تلتفت إليه على روايتين
ـــــــ
يرد من الشرع تغييره وذلك أننا أجلسنا المبتدأة سبق عادة ورجعنا في أكثر أحكام الحيض إلى العرف "وإن طهرت في أثناء عادتها اغتسلت وصلت" وصامت لقول ابن عباس أما ما رأت الطهر ساعة فلتغتسل.
وظاهره أنه لا فرق بين قليل الطهر وكثيره ونقله في الشرح عن الأصحاب لكن أقل الطهر في خلال الحيض ساعة فلو كان النقاء أقل منها فقال في الكافي و الشرح الظاهر أنه ليس بطهر.
وعن أحمد أقله يوم وصححه المؤلف وابن تميم وابن حمدان لأن الدم يجري تارة وينقطع أخرى وفي إيجاب الغسل على من تطهر ساعة حرج فيكون منفيا.
قال في الشرح وغيره فعلى هذا لا يكون أقل من يوم طهر إلا أن ترى ما يدل عليه مثل أن يكون انقطاعه في آخر عادتها أو ترى القصة البيضاء وأن الله تعالى وصف الحيض بكونه أذى فإذا ذهب الأذى وجب زوال الحيض وظاهره إباحة وطئها.
وعنه يكره وخرجه القاضي وابن عقيل على الخلاف في المبتدأة وأنه لا قضاء عليها فيما فعلته فيه من صوم واجب ونحوه إذا عاودها في العادة على الأصح.
"فإن عاودها الدم في العادة" ولم يجاوزها "فهل تلتفت إليه على روايتين".
أصحهما: أنها تلتفت إليه بمعنى أنها تجلسه لأنه صادف زمن العادة أشبه ما لو استمر.
والثانية : لا تلتفت إليه حتى يكرر اختاره ابن أبي موسى وهو ظاهر
والصفرة والكدرة في أيام الحيض من الحيض.
ـــــــ
الخرقي.
وقال أبو بكر هو الغالب في الرواية عن أبي عبد الله لأنه عاد بعد طهر صحيح أشبه ما لو عاد بعد العادة فعليها حكمه حكم ما لو عاد بعدها.
وعنه مشكوك فيه كدم نفساء عاد فعلى الأولى إذا عاد في العادة وغيرها ولم يجاوز أكثر الحيض فأوجه أحدها الجميع حيض والثاني ليس بحيض حتى يتكرر والثالث ما في العادة حيض وما زاد ليس بحيض حتى يتكرر فإن جاوز أكثره فمستحاضة لأن بعضه ليس بحيض فيكون كله استحاضة لاتصاله به وانفصاله عن الحيض.
ولم يتعرض المؤلف لعوده بعد العادة وهو ينقسم إلى قسمين تارة يتعذر كونه حيضا وهو إذا عبر أكثره وليس بينه وبين الدم الأول أقل الطهر فيكون استحاضة ولو تكرر وتارة يمكن كونه حيضا وذلك في حالين أحدهما أن يكون بضمه إلى الدم الأول لا يكون بين طرفيها أكثر من خمسة عشر يوما فإذا تكرر جعلناهما حيضة واحدة يلفق أحدهما إلى الآخر ويكون الطهر الذي بينهما طهرا في خلال الحيضة كما لو كانت عادتها عشرة أيام من أول الشهر فرأت منها خمسة دما وطهرت خمسة ثم رأت خمسة دما فلو رأت الثاني ستة أو أكثر امتنع ذلك لما ذكرناه .
والثاني أن يكون بينهما أقل الطهر وكل من الدمين يصلح حيضا بمفرده كيوم وليلة فصاعدا فهذا إذا تكرر يكون الدمان حيضتين وإن نقص أحدهما عن أقل الحيض فهو دم فساد.
"والصفرة والكدرة" وهي شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة "في أيام الحيض" أي زمن العادة "من الحيض" لدخولهما في عموم النص ولقول عائشة.
وظاهره أنه إذا رأته بعد العادة والطهر أنها لا تلتفت إليه نص عليه لقول أم عطية كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا رواه أبو داود ,
ومن كانت ترى يوما دما ويوما طهرا فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا والباقي طهرا إلا أن يجاوزا أكثر الحيض فتكون مستحاضة.
ـــــــ
والبخاري ولم يذكر بعد الطهر وعنه بلى إن تكرر لقول أسماء واختاره جماعة وشرط آخرون اتصالها بالعادة.
ثم شرع في بيان التلفيق فقال "ومن كانت ترى يوما دما ويوما طهرا" وكذا في المحرر و الوجيز وذكر في الشرح لا فرق بين كون زمن الدم مثل زمن الطهر أو أكثر أو أقل فلو رأت نصف يوم دما ونصفه طهرا أو ساعة وساعة فقال الأصحاب هو كالأيام في الضم إذا بلغ المجتمع أقل الحيض ولهذا في الفروع ومن رأت دما متفرقا يبلغ مجموعه أقل الحيض.
"فإنها تضم الدم إلى الدم فيكون حيضا" فتجلسه لأنه أمكن جعل كل واحد من الدم حيضة ضرورة أن أقل الطهر بينهما ثلاثة عشر وخمسة عشر يوما فتعين الضم لأنه دم في زمن يصلح كونه حيضا أشبه ما لو لم يفصل بينهما طهر.
"والباقي" أي النقاء "طهرا" لما تقدم من أن الطهر في أثناء الحيضة صحيح فتغتسل في زمانه وتصلي لأنه طهر حقيقة فيكون حكما وشرطه أن لا يجاوز مجموعهما أكثر الحيض وعنه أيام الدم والنقاء حيض.
وفيه وجه لا تجلس ما ينقص عن الأقل إلا أن يتقدم ما يبلغ الأقل متصلا ومتى انقطع قبل بلوغ الأقل ففي وجوب الغسل إذن وجهان.
"إلا أن يجاوزا" أي يعبرا "أكثر الحيض" مثل أن ترى يوما دما ويوما طهرا إلى ثمانية عشر فتكون مستحاضة لقول علي رضي الله عنه.
وقال القاضي فيمن لا عادة لها طهرها في السادس عشر يمنع كونها مستحاضة في زمن الأكثر فتجلس ما تراه من الدم فيه إذا تكرر والأول أصح.
فعلى هذا إن كانت معتادة بغير تمييز جلست ما تراه في زمن عادتها في الأصح والثاني تجلس قدر العادة أو ما أمكن منها في زمن الأكثر.
فصل
والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه وتتوضأ لوقت كل صلاة
ـــــــ
قال ابن تميم والوجهان فرع على قولنا الطهر في العادة لا يمنع ما بعدها أن يكون حيضا.
فإن قلنا يمنع لم تجلس غير الدم الأول فإن نقص عن أقله فقال في المغني يضم إليه ما بعده ما يبلغ به الأقل ومنع منه آخرون وانه لا حيض لها قال ابن تميم وهو أظهر.
وإن كانت عادتها بتلفيق جلست على حسبها وإن لم تكن لها عادة ولها تمييز صحيح جلست زمنه فإن لم يكونا فإن قلنا تجلس الغالب فهل تلفق ذلك من أكثر الحيض أو تجلس أيام الدم من الست أو السبع وإن قلنا تجلس الأقل جلسته من أول يوم.
فصل
والمستحاضة هي التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ولا نفاسا حكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها لأنها معتادة أشبهت سلس البول "تغسل فرجها" لإزالة ما عليه من الدم "وتعصبه" بما يمنع الدم على حسب الإمكان من حشو بقطن أو شد بخرقة طاهرة مشقوقة الطرفين لقول حمنة "أنعت لك الكرسف يعني القطن تحتشين به المكان قالت إنه أكثر قال فتلجمي" وظاهره ولو كانت صائمة لكن يتوجه أن يقصر على التعصيب فقط.
والأصح أنه لا يلزمها غسل الدم وإعادة شده لكل صلاة فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريط في الشد أعادت الوضوء لأنه حدث أمكن التحرز منه وإن خرج بغير تفريط فلا شيء عليها.
"وتتوضأ لوقت كل صلاة" لقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة "توضئي لكل صلاة
وتصلي ما شاءت من الصلوات.
ـــــــ
حتى يجيء ذلك الوقت" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وفي لفظ قال لها: "توضئي لوقت كل صلاة" قال الترمذي حديث حسن صحيح.
لا يقال فيه وفي غالب الروايات وتوضئي لكل صلاة لأنه مقيد فيجب حمله على المقيد به ولانها طهارة عن عذر وضرورة فتقيدت بالوقت كالتيمم وظاهره يجب ولو لم يخرج شيء وهوظاهر كلام جماعة لكن قال في الشرح و الفروع إنه لا يجب إذا لم يخرج شيء نص عليه فيمن به سلس البول وعليه إذا توضأت قبل الوقت بطل بدخوله كالتيمم لأنه لا حاجة إليه إذن واقتضى ذلك صحة طهارتها بعد دخول الوقت فتنوي استباحة الصلاة لا رفع الحدث فإن نوته فقال في التلخيص لا أعلم لأصحابنا فيه قولا وقياس المذهب أنه لا يكفي ولا تعيين النية للفرض في ظاهر كلامهم.
"وتصلي" بوضوئها "ما شاءت من الصلوات" إذا كانت أو قضاء أو جمعا أو نذرا ما لم يخرج الوقت كما يجمع بين فرض ونوافل اتفاقا لأنها متطهرة أشبهت المتيمم وعنه يبطل بدخوله وهو اختيار المجد وعنه لا يجمع به بين فرضين أطلقها جماعة وقيدها في المحرر بوضوء للأمربه لكل صلاة.
قال القاضي في الخلاف تجمع كمال لا تختلف الرواية فيه وفي الجامع الكبير تجمع وقت الثانية وتصلي عقيب طهرها وظاهره أن لها التأخير فإن أخرت لحاجة وقيل لمصلحة وفي الرعاية أو تنفل جاز فإن كان لغير ذلك صلت به في وجه وصححه ابن تميم كالمتيمم وفي آخر لا لأنه إنما أبيح لها الصلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث للضرورة ولا ضرورة هنا.
ومحل هذا ما إذا كان دمها مستمرا وفلو كان لها عادة بانقطاعه زمنا يتسع للفعل تعين فيه فإن توضأت زمن انقطاعه ثم عاد بطل ولو عرض هذا وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج خوف ألعنت على روايتين الانقطاع لمن عادتها الاتصال ففي بقاء طهارتها وجهان وعنه لا عبرة.
وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج خوف العنت على روايتين
ـــــــ
بانقطاع الدم مع بقاء الاستحاضة بحال لعدم ورود الشرع به للمشقة قال في الشرح وهو أولى وصححه ابن تميم.
"وكذلك من به سلس البول والمذي والريح والجريح الذي لا يرقأ دمه والرعاف الدائم" يعني أن حكم هؤلاء حكم المستحاضة لتساويهم معنى وهو عدم التحرز من ذلك فوجب المساواة حكما.
قال إسحاق بن راهويه كان يزيد ابن ثابت سلس البول وكان يداويه ما استطاع فإذا غلبه صلى ولا يبالي ما أصاب ثوبه.
ولم ير أحمد حشو الذكر في ظاهر ما نقله عبد الله وأنه لو احتشى فصلى ثم أخرجه فوجد بللا فلا بأس ما لم يظهر خارجا.
ونقل الميموني فيمن به رعاف دائم إنه يحتشي ونقل ابن هاني خلافه فإن كان مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا يمكن شده أو من به باسور أو ناصور ولا يمكن عصبه صلى على حسب حاله لفعل عمر رواه أحمد فإن قدر على حبسه حال القيام وحده ركع وسجد وأجزأته صلاته نص عليه كالمكان النجس.
وقال أبو المعالي يومئ لأن فوات الشرط لا بدل له قال ولو امتنعت القراءة أو لحقه السلس إن صلى قائما صلى قاعدا.
قال ولو كان قام وقعد لم يحبسه ولو استلقى حبسه صلى قائما وقاعدا لأن المستلقي لا نظير له اختيارا.
"وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج خوف العنت على روايتين"
إحداهما: يحرم إلا لخوف العنت واحد وذكر في الكافي
فصل
وأكثر النفاس أربعون يوما
ـــــــ
و الفروع أنه قول الأصحاب.
قيل وبعدم الطول لنكاح حرة أو ثمن أمة ذكره في الرعاية لقول عائشة المستحاضة لا يغشاها زوجها ولأن بها أذى فحرم وطؤها كالحائض فإن وطئ أثم ولا كفارة عليه في الأشهر.
والثانية: يباح مطلقا وهو قول أكثر العلماء لأن حمنة كانت تستحاض وكان زوجها طلحة بن عبيد الله يجامعها وأم حبيبة تستحاض وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يغشاها رواهما أبو داود.
وللعموم في حل وطء الزوجة وقد قيل وطء الحائض يتعدى إلى الولد فيكون مجذوما وعنه يكره وظاهره ذا خاف العنت أو خافته هي وطلبته منه أبيح له لأن حكمه أخف من حكم الحيض ومدته تطول.
فائدة : لا بأس بشرب دواء مباح لقطع الحيض إذا أمن ضرره نص عليه واعتبر القاضي إذن الزوج كالعزل وشربه يجوز لإلقاء نطفة ذكره في الوجيز ويجوز لحصول الحيض إلا قرب رمضان لتفطر ذكره أبو يعلى الصغير.
فصل
"وأكثر النفاس" أربعون يوما وهو دم يرخيه الرحم للولادة وبعدها إلى مدة معلومة وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله وأصله لغة من التنفيس وهو الخروج من الجوف أو نفس الله كربته أي فرجها.
"أربعون يوما" هذا هو المذهب والمختار للأصحاب لما روت مسة الأزدية عن أم سلمة قالت "كانت النفساء تجلس على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال لا
ولا حد لأقله أي وقت رأت الطهر فهي طاهر
ـــــــ
نعرفه إلا من حديث مسة وإسناده إليها حسن
وقال الخطابي أثنى البخاري على هذا الحديث ومعناه كانت تؤمر أن تجلس وإلا كان الخبر كذبا مع أنه إجماع سابق أو كالإجماع وقد حكاه إمامنا عن عمر وعلي وابن عباس وانس وعثمان بن أبي العاص وعائذ بن عمرو وأم سلمة ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم ومن ثم قال الطحاوي لم يقل بالستين أحد من الصحابة وإنما قاله من بعدهم.
وقال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس.
وقال إسحاق هو السنة المجمع عليها وعنه أكثره ستون اتباعا للوجود وأول مدته من الوضع لا أن تراه قبل ذلك بيومين أو ثلاثة فإنه نفاس ولا يحسب من المدة وإن خرج بعضه فالدم قبل انفصاله نفاس ولا يحسب من المدة على الأصح.
ويثبت حكمه بوضع شيء فيه خلق الإنسان على الأشهر فعلى المذهب إن جاوز الدم الأكثر وصادف عادة حيضها ولم يجاوز أكثره فحيض وإلا فاستحاضة إن لم يتكرر ولا يدخل حيض واستحاضة في مدة نفاس.
"ولا حد لأقله" لأنه لم يرد في الشرع تحديده فيرجع فيه إلى الوجود وقد وجد قليلا عقب سببه فكان نفاسا كالكثير وعنه أقله يوم وقال أبو الخطاب قطرة وقدم في التلخيص لحظة.
"أي وقت رأت الطهر فهي طاهر" لانقطاع دم النفاس كما لو انقطع دم الحائض في عادتها يؤيده ما روت أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: كم تجلس المرأة إذا ولدت قال أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك".
قال الترمذي أجمع أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك .
تغتسل وتصلي ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ثم عاد فيها فهو نفاس
ـــــــ
وحكى البخاري في تاريخه أن امرأة ولدت بمكة فلم تر دما فلقيت عائشة فقالت أنت امرأة طهرك الله انتهى فعلى هذا لو ولدت وعنه أنه مشكوك فيه ترد دما فهي طاهرة لا نفاس لها صرح به في المغني وغيره لأن النفاس هو الدم ولم يوجد.
"تغتسل وتصلي" لقول علي لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلا أن تصلي ولأنه حكم بانقضاء نفاسها وذلك معلق على مطلق الطهر لكن قال في الشرح إذا كان أقل من ساعة ينبغي أن لا تلتفت إليه وإن كان أكثر من ذلك فظاهره أنها تغتسل وتصلي.
"ويستحب أن لا يقربها في الفرج" بعد طهرها وتطهرها "حتى تتم الأربعين" قال أحمد ما ينبغي أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء فيكون واطئا في نفاس وفي كراهته روايتان أصحهما الكراهة لما روى ابن شاهين من حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النفساء: "لا يأتيها زوجها إلا بعد الأربعين".
قال ابن شهاب العكبري واحتج أحمد بأنه إجماع الصحابة.
وعنه لا لأنه حكم بطهارتها وظهر أنه لا يحرم وهو الصحيح لأن المانع منه الدم ولا دم وعنه يحرم ذكرها في المجرد لظاهر قول الصحابة وقيل مع عدم العنت.
وفرق القاضي بينه وبين دم المبتدأة إذا انقطع بان تحريم النفاس آكد لأن أكثره أكثر من أكثر الحيض فجاز أن يلحقه التغليظ في الامتناع من الوطء وفيه نظر وظاهره أنه يقربها الفرج وهو كذلك كالحائض.
"وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين" فالنقاء طهر على الأصح "ثم عاد فيها فهو" أي العائد "نفاس" قدمه في الكافي و المحرر وابن تميم وجزم به في.
وعنه: أنه مشكوك فيه تصوم وتصلي وتقضي الصوم المفروض وإن ولدت توأمين فأول النفاس من الأول وآخره منه.
ـــــــ
الوجيز لأنه في مدته أشبه الأول
"وعنه أنه مشكوك فيه" قال في المغني هي المشهورة نقلها عنه الأثرم وقدمها في الفروع وذكر أنه نقلها واختارها الأكثر كما لو لم تره ثم رأته في المدة في الأصح "تصوم وتصلي" أي تتعبد لأنها واجبة في ذمتها بيقين وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه وفي غسلها لكل صلاة روايتان.
"وتقضي الصوم المفروض" ونحوه احتياطا ولوجوبه يقينا لا يقال إنها لا تقضي الصوم قياسا على الناسية إذا صامت في الدم الزائد على الست والسبع لأن غالب حيض النساء كذلك وما زاد عليه نادر والغالب من النفاس وما نقص نادر والحيض يتكرر فيشق القضاء بخلاف النفاس.
وعنه تقضي الصوم مع عوده بخلاف الطواف اختاره الخلال وظاهره أنه لا يأتيها زوجها فيه.
وصرح به في المغني وغيره وقال ابن تميم وغيره وعلى الأولى في وجوب قضاء ما صامته فيه أو طافته أو سعته أو اعتكفت الطهر بينهما من واجب روايتان.
فرع حكم النفاس كالحيض وفي وطئها ما في وطء حائض نقله حرب وقاله جمع وقيل تقرأ ونقل ابن ثواب تقرأ إذا انقطع الدم اختاره الخلال.
"وإن ولدت توأمين" أي ولدين في بطن واحد "فأول النفاس من الأول وآخره منه" أي من الأول في ظاهر المذهب لأنه دم خرج عقيب الولادة فكان نفاسا كحمل واحد ووضعه.
فعلى هذا متى انقضت الأربعون من حين وضع الأول فلا نفاس للثاني نص عليه.
وعنه أنه من الأخير والأول أصح
ـــــــ
وقيل تبدؤه بنفاس اختاره أبو المعالي والأزجي وقال لا يختلف المذهب فيه وعنه أوله وآخره من الثاني حسب ذكرها أبو الخطاب وأبو الحسين لأن مدة النفاس متعلق بالولادة فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثاني كمدةالعدة فعلى هذا ما تراه قبل وضع الثاني لا يكون نفاسا ذكره في الشرح.
وقال غيره ما تراه قبله بيومين أو ثلاثة فهو نفاس وما زاد ففساد.
"وعنه أنه من الأخير" يعني أن أوله من الأول وآخره من الأخير ذكره الشريف والقاضي وأبو الخطاب في رؤوس المسائل لأن الثاني ولد فلا تنقضي مدة النفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد.
فعلى هذا متى زادت المدة على الأربعين من الأول فهما نفاسان قدمه في الرعاية واختاره في التلخيص وعنه واحد.
وذكر القاضي أنه منهما رواية واحدة وإنما الروايتان في وقت الابتداء هل هو عقيب انفصال الأول أو الثاني قال في المغني وهذا ظاهره إنكار لرواية من روى أن آخره من الأول.
"والأول أصح" قاله الأصحاب لأن الولد الثاني تبع للأول فلم يعتبر في آخر النفاس كأوله.
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة
كتاب الصلاةوهي واجبة
__________
كتاب الصلاة
وهي في اللغة: الدعاء لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103] أي ادع لهم وإنما عدي بـ "على" لتضمنه معنى الإنزال ءأي أنزل رحمتك عليهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل" وقال الشاعر:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
وفي الشرع: عبارة عن أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسلم فلا يرد عليه صلاة الأخرس لأن الأقوال فيها مقدرة والمقدر كالوجود وسميت صلاة لاشتمالها على الدعاء وقيل لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلي في السابق من الخيل.
واشتقاقها من الصلوين وأحدهما صلى كعصا وهما عرقان من جانب الذنب وقيل عظمان ينحنيان في الركوع والسجود وقال ابن فارس من صليت العود إذا لينته لأن المصلي يلين ويخشع ورده النووي بأن لام الكلمة في الصلاة واو وفي صليت ياء.
وجوابه أن الواو وقعت رابعة فقلبت ياء ولعله ظن أن مراده صليت المخفف فتقول صليت اللحم صليا إذا شويته وإنما أراد ابن فارس المضعف وقال ابن الأعرابي صليت العصى تصلية أدرته على النار لتقومه.
"وهي واجبة" بالكتاب لقوله تعالى {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
على كل مسلم، بالغ، عاقل، إلا الحائض والنفساء وتجب على النائم ومن زال عقله بسكر
ـــــــ
كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: 103] {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [البينة: 5]
بالسنة منها قوله عليه السلام "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" متفق عليه من حديث ابن عمر.
وبالإجماع لأنهم أجمعوا على وجوب الخمس في اليوم والليلة قال نافع ابن الأزرق لابن عباس هل تجد الصلوات الخمس في القرآن قال نعم ثم قرأ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18,17].
وفرضت ليلة الإسراء وهو بعد مبعثه بخمس سنين، وقيل قبل الهجرة بسنة، وقيل بعد مبعثه بخمسة عشر شهرا.
"على كل مسلم، بالغ، عاقل" أي مكلف بغير خلاف إلا الحائض والنفساء فلا تجب عليهما لما مر "وتجب على النائم" أي يجب عليه قضاؤها إذا استيقظ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب قضاؤها كالمجنون ويلحق به الساهي والجاهل فلو تركها الجاهل قبل بلوغ الشرع بوجوبها لزمه قضاؤها وقيل لا ذكره القاضي واختاره الشيخ تقي الدين بناء على أن الشرائع لا تلزم إلا بعد العلم وأجرى ذلك الشيخ تقي الدين في كل من ترك واجبا قبل بلوغ الشرع من تيمم وزكاة ونحوهما.
"و" تجب على "من زال عقله بسكر" لان سكره معصية فلا يناسب إسقاط
أو إغماء أو بشرب دواء ولا تجب على كافر
ـــــــ
الواجب عنه ولأنه إذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى.
وقيل يسقط إذا كان مكرها.
"أو إغماء" لما روي أن عمارا غشي عليه ثلاثا ثم أفاق فقال هل صليت قالوا ما صليت منذ ثلاث ثم توضأ وصلى تلك الثلاث.
وعن عمران بن حصين وسمرة بن جندب نحوه ولم يعرف لهم مخالف فكان كالإجماع ولأنه لا تطول مدته غالبا ولا تثبت عليه الولاية ويجوز على الأنبياء ولأنه لا يسقط الصوم فكذا الصلاة كالنائم وقيل تسقط عنه ولا يقضيها روي عن ابن عمر وطاووس وغيرهما.
"أو بشرب دواء" وظاهره لا فرق بين أن يكون مباحا أو محرما وقيل إن كان مباحا فلا كالحيوان وفي المغني و الشرح إن طال زواله بشرب المباح لم يجب القضاء كالجنون وإن لم يطل وجب كالإغماء فرع: ما فيه السموم من الأدوية إذا كان الغالب فيه السلامة وفي المغني و الشرح ويرجى نفعه أبيح شربه في الأصح لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية والثاني يحرم لأن فيه تعريضا للهلاك أشبه ما لو لم يرد به التداوي وكما لو كان الغالب منه الهلاك فإن قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه وإن قلنا بإباحته فهو كالمباحات.
"ولا تجب على كافر" أصلي حكاه السامري وغيره رواية واحدة لأنها لو وجبت عليه حال كفره لوجب عليه قضاؤها ولأن وجوب الأداء يقتضي وجوب القضاء واللازم منتف.
وعنه بلى وصححها في الرعاية ولا يجب عليه القضاء إذا أسلم إجماعا لأنه اسلم خلق كثير في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده فلم يؤمر أحد بقضاء لما فيه من التنفير عن الإسلام وفي خطابه الفروع خلاف وأما المرتد
ولا مجنون ولا تصح منهما وإذا صلى الكافر حكم بإسلامه.
ـــــــ
فسيأتي.
ولا مجنون لقول النبي صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يعقل وعن الصبي حتى يحتلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه من حديث عائشة.
ولأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل ونقل حنبل يعيد إذا أفاق ذكره أبو بكر.
فعلى الأولى يستثنى ما لو طرأ الجنون على الردة فإنه يجب عليه قضاء أيام الجنون الواقعة في الردة لان إسقاط القضاء عن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهلها وقيل لا يجب كالحيض.
"ولا تصح منهما" لان من شرط صحتها النية وهي لا تصح من كافر ولا تقع من مجنون.
مسألة لا تجب على الأبله الذي لا يعقل ذكره السامري كالمجنون وفي الرعاية يقضي مع قوله في الصوم الأبله كالمجنون.
يقال رجل أبله بين البلاهة وهو الذي غلبت عليه سلامة الصدر وفي الحديث "أكثر أهل الجنة البله" يعني البله في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها وهم أكياس في أمر الآخرة وتباله أرى من نفسه ذلك وليس به.
"وإذا صلى الكافر" على اختلاف أنواعه "حكم بإسلامه" نص عليه لقوله عليه السلام "من صل صلاتنا واستقبل قبلتنا فله ما لنا وعليه ما علينا" لكن في البخاري من حديث أنس موقوفا في قوله حين سأله ميمون بن سياه فقال "من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم" وروى أبو داود من حديث أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهيت عن قتل
ولا تجب على صبي وعنه تجب على من بلغ عشرا ويؤمر بها لسبع ويضرب على تركها لعشر
ـــــــ
المصلين" وظاهره أن العصمة تثبت بالصلاة وهي لا تكون بدون الإسلام ولأنها عبادة تختص شرعنا أشبهت الأذان ولا يعتد به ويحكم بكفر من سجد لصنم فكذا عكسه.
وفائدته لو مات عقيبه ورثه المسلمون ودفن في مقابرهم ولو أراد البقاء على الكفر فهو مرتد فلو ادعى أنه كان متلاعبا أو مستهزئا لم يقبل منه ذكره في عيون المسائل و منتهى الغاية وغيرهما كالشهادتين.
ولا فرق بين أن تكون صلاته في دار الإسلام أو الحرب جماعة أو فرادى وذكر أبو محمد التميمي أنه محكوم بإسلامه إن صلى جماعة وفي صحة صلاته في الظاهر وجهان فإن صحت لم تصح إمامته في المنصوص وفي حجه وصومه قاصدا رمضان وزكاته ماله وقيل وبقية الشرائع والأقوال المختصة بنا كجنازة وسجدة تلاوة وجهان
"ولا تجب على صبي" في ظاهر المذهب للخبر ولأنها عبادة بدنية فلم يلزمه كالحج والطفل لا يعقل والمدة التي يكمل فيها عقله وبنيته تخفى وتختلف فنصب الشارع عليه علامة ظاهرة وهي البلوغ فعلى هذا تصح من المميز وهو من له سبع سنين وثواب فعله له.
ويشترط لصحتها ما يشترط لصحة صلاة البالغ إلا في السترة ذكره في الشرح وهو شامل لغة للصبية كما ذكره ابن حزم.
"وعنه تجب على من بلغ عشرا" لضربه عليها وعنه تجب على المراهق اختاره أبو الحسن التميمي وعليهما يلزمه إتمامها وإلا فالخلاف في النقل.
"و" على الأولى "يؤمر بها لسبع ويضرب على تركها لعشر" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم بالمضاجع" رواه أحمد,
فإن بلغ في أثنائها أو بعدها في وقتها لزم إعادتها ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إلا لمن نوى الجمع
ـــــــ
وأبو داود من رواية سوار بن داود وقد وثقه ابن معين وغيره.
والمراد بهما استكمالهما والأمر والتأديب في حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ويعتادها فلا يتركها ثم البلوغ فيلزم الولي أمره بها وتعليمه إياها والطهارة نص عليه.
وقوله يؤمر بها أي من جهة الولي لا من جهة الشارع فإن النص يتضمن أمر الشارع للولي وهو مأمور بأمره فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الصبي ثم على من تلزمه نفقته.
"فإن بلغ في أثنائها" كمن تمت مدة بلوغه وهو فيها وسمي بلوغا لبلوغه حد التكليف "أو بعدها في وقتها لزمه إعادتها" لأنها نافلة في حقه فلم يجزئه كما لو نواها نفلا وكما يلزمه إعادة الحج إلا على رواية الوجوب ذكره في التلخيص و البلغة.
وقدم جماعة وجوب الإعادة مطلقا وظاهره أنه لا يلزمه إعادة الطهارة لأن ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع أو لمشتغل بشرطها القصد غيرها قال في الفروع وكذا إسلام لأن أصل الدين لا يصح نفلا فإذا وجد فعلى وجه الوجوب ولأنه يصح بفعل غيره وهو الأب "ولا يجوز لمن وجبت عليه الصلاة تأخيرها" أو بعضها "عن وقتها" أي وقت الجواز مع القدرة والذكر إجماعا لما روى أبو قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن نؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى" رواه مسلم.
ولأنه يجب إيقاعها في الوقت فإذا خرج ولم يأت بها كان تاركا للواجب مخالفا للأمر وهو عاص مستحق العقاب ولأنه لو عذر بالتأخير لفاتت فائدة التأقيت .
أو لمشتغل بشرطها ومن جحد وجوبها كفر
ـــــــ
واستثنى من ذلك صورتين الأولى إلا لمن ينوي الجمع لعذر فإنه يجوز له التأخير لأنه عليه السلام كان يؤخر الأولى في الجمع ويصليها في وقت الثانية وسيأتي ولأن وقتيهما يصير وقتا واحدا لهما ومقتضاه لا يحتاج إلى استثنائه.
وجوابه أن كل صلاة لها وقت معلوم فيتبادر الذهن إليه فيتعين إخراجه والثانية "أو لمشتغل بشرطها" كذا في الوجيز و الحاوي واقتصر الأكثر على الأول لأن الصلاة لا تصح بدونه إذا قدر عليه وشرطه أن يكون مقدورا عليه قاله في الشرح وقيده في الفروع بالقريب.
لكن قال الشيخ تقي الدين ليس مذهبا لأحمد وأصحابه وإن الوقت يقدم واختار تقديم الشرط إن انتبه قبل طلوعها.
ومن صحت صلاته مع الكراهة كالحاقن لا يجوز أن يشتغل بالطهارة إن خرج الوقت ومن أبيح له التأخير فمات قبل الفعل لم يأثم في الأصح ويسقط إذن بموته قال القاضي لأنه لا يدخلها النيابة فلا فائدة في بقائها في ذمته بخلاف الزكاة والحج.
ومقتضاه أن له التأخير عن أول وقتها بشرط العزم على فعلها ما لم يظن مانعا منها كموت وقتل وحيض وكذا من أعير سترة أول الوقت ومتوضئ عدم الماء في السفر وطهارته لا تبقى إلى آخر الوقت ولا يرجو وجوده ومستحاضة لها عادة بانقطاع دمها في وقت يتسع لفعلها فيتعين الفعل في أول الوقت ويأثم من عزم على الترك إجماعا ومتى فعلت في وقتها فهي أداء.
"ومن جحد وجوبها كفر" إذا كان ممن لا يجهله كالناشئ بين المسلمين في الأمصار زاد ابن تميم وإن فعلها لأنه لا يجحدها إلا تكذيبا لله ورسوله وإجماع الأمة جهر مرتدا بغير خلاف نعلمه وإن ادعى الجهل كحديث الإسلام والناشئ ببادية عرف وجوبها ولم يحكم بكفره لأنه معذور.
فإن تركها تهاونا لا جحودا دعي إلى فعلها فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله وعنه لا يقتل حتى يترك ثلاثا ويضيق وقت الرابعة
ـــــــ
فإن قال أنسيتها قيل له صل الآن وإن قال أعجز عنها لعذر أعلم أنه يجب عليه أن يصلي على حسب حاله
"فإن تركها تهاونا" وكسلاً "لا جحودا دعي إلى فعلها" لاحتمال انه تركها لعذر يعتد سقوطه بمثله كالمرض ونحوه والداعي له الإمام ومن في حكمه ويهدده فيقول له إن صليت وإلا قتلناك وذلك في وقت كل صلاة
"فإن أبى حتى تضايق وقت التي بعدها وجب قتله" نص عليه واختاره الأكثر لقوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} إلى قوله {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5] متى ترك الصلاة لم يأت بشرط التخلية فيبقى على إباحة القتل.
ولقوله عليه السلام "من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله" رواه أحمد بإسناده عن مكحول وهو مرسل جيد.
ولأنها من أركان الإسلام لا تدخلها النيابة فقتل تاركها كالشهادتين ومراده حتى تضايق وقت الثانية عنها صرح به في الوجيز وقيل عنهما قاله في الرعاية.
وعنه يجب قتله بدخول وقت الثانية وإن لم يضق قدمه ابن تميم واختاره المجد.
قال في الفروع وهي أظهر لمفهوم النهي عن قتل المصلين.
قال ابن حمدان إن وجب القضاء على الفور واختاره أبو إسحاق ابن شاقلا إلا الأولى من المجموعتين لأن وقتهما مع العذر واحد وحسنه في المغني وظاهره أنه إذا لم يدع إليها لم يكفر ولم يقتل بحال.
"وعنه لا يقتل حتى يترك ثلاثا" أي ثلاث صلوات "ويضيق وقت الرابعة"
ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا فإن تاب قبل منه وإلا قتل بالسيف وهل يقتل حدا أو لكفره؟ على روايتين
ـــــــ
قدمه في التلخيص لأنه قد يترك الثلاث لشبهة فإذا ترك الرابعة انتفت الشبهة فيقتل والأصح حتى يضيق وقت الرابعة عنها وقيل بل عنهن وفي المبهج و الواضح و تبصرة الحلواني رواية ثلاثة أيام قتل وجوبا بضرب عنقه.
"ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا" أي ثلاثة أيام وجوبا في الأشهر ويضيق عليه لأنه يقتل لترك واجب فتقدمته الاستتابة كالمرتد وذكر القاضي أنه يضرب وينبغي الإشاعة عنه بتركها حتى يصلي ولا ينبغي السلام عليه ولا إجابة دعوته قاله الشيخ تقي الدين.
"فإن تاب قبل منه" كغيره ويصير مسلما بالصلاة نقل صالح توبته أن يصلي وصوبه الشيخ تقي الدين لأن كفره بالامتناع كإبليس وتارك الصلاة وصحتها قبل الشهادتين كمرتد وظاهره أنه متى راجع الإسلام لم يقض مدة امتناعه كغيره من المرتدين لعموم الأدلة وقدم في الفروع وهو ظاهر كلام جماعة منهم خلافه.
"وإلا قتل بالسيف" يضرب به عنقه لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة" رواه مسلم أي الهيئة من القتل.
"وهل يقتل حدا أو لكفره؟ على روايتين" أشهرهما انه يقتل كفرا وهي ظاهر المذهب واختارها الأكثر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بين الرجل والكفر ترك الصلاة" رواه مسلم.
وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تركها فقد كفر" رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وروى عبادة مرفوعا "من ترك الصلاة متعمدا فقد خرج من الملة" رواه الطبراني بإسناد جيد.ـــــــ
وقال عمر لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة.
ولأنه يدخل بفعلها في الإيمان فيخرج بتركها منه كالشهادتين فعليها حكمه حكم الكفار من أنه لا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين وذكر القاضي يدفن منفردا وذكر الآجري من قتل مرتدا ترك بمكانه ولا يدفن ولا كرامة وتبين منه زوجته قبل الدخول وكذا بعده إن لم يتب ويصلي في الأشهر.
والثانية: ويقتل حدا قدمها في المحرر وابن تميم واختارها ابن بطة وذكر أنها المذهب قال في المغني وهي أصوب القولين وجزم بها في الوجيز للعمومات منها قوله عليه السلام: "أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه" رواه البخاري.
وقال: " إني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة فهي إن شاء الله تعالى نائلة من مات لا يشرك بالله شيئا" رواه مسلم.
وحديث عبادة رواه أحمد وغيره وصححه ابن حبان وابن عبد البر ولأنها عبادة تحكم بإسلام الكافر فلم يكفر بتركها كالزكاة والحج وهو إجماع حكاه في الشرح وفيه نظر.
وأجيب عما تقدم على كفر النعمة أو على معنى قارب الكفر فعليها حكمه كأهل الكبائر فتنعكس الأحكام السابقة لأنه مسلم.
قال بعضهم وإذا دفن مع المسلمين طمس قبره حتى ينسى وحكى النووي في شرح البخاري عن بعضهم أنه لا يرفع قبره ولا يدفن في مقابر المسلمين تحقيرا له وزجرا لأمثاله وهو غريب.
فرع: الجمعة كغيرها وقيل إن اعتقد وجوبها وصلى ظهرا أربعا وقلنا هي ظهر مقصورة لم يكفر.
تنبيه : إذا ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه كالطهارة فكتركها وكذا
.
ـــــــ
مختلفا فيه يعتقد وجوبه ذكره ابن عقيل وخالف فيه المؤلف وأنه لا يكفر بترك غيرها من زكاة وصوم وحج يحرم تأخيره تهاونا وكسلا اختاره الأكثر وذكر ابن شهاب أنه ظاهر المذهب ويقتل على الأصح وسيأتي .
باب الأذان
ـــــــ
باب الأذانالأذان هو في اللغة الإعلام لقوله تعالى {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [التوبة: 3] أي إعلام وقوله { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27] أي أعلمهم يقال أذن بالشيء يؤذن أذانا وتأذينا وأذينا على وزن رغيف إذا أعلم به وهو اسم وضع موضع المصدر وأصله من الأذن وهو الاستماع كأنه يلقي في آذان الناس ما يعلمهم به
وفي الشرع : الإعلام بدخول وقت الصلاة أو قربه بذكر مخصوص
والإقامة هي في الأصل مصدر أقام وحقيقته إقامة القاعد وفي الشرع الإعلام بالقيام إليها بذكر مخصوص كأن المؤذن أقام القاعدين وأزالهم عن قعودهم
إعلام الأذان فيه فضل عظيم لقوله عليه السلام: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" رواه مسلم من حديث معاوية ولقوله: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين" رواه أحمد وغيره ولقوله: "من أذن سبع سنين محتسبا كتب الله له براءة من النار" رواه ابن ماجة من حديث ابن عباس وهو أفضل من الإمامة في الأصح ومن الإقامة في قول الأكثر وعنه فضلها لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه
وأجيب عنه بان عدم مواظبته عليه إما خوف تغيير صيغته أو توهم سامع أن ثم غيره موصوفا بذلك أو لضيق الوقت عنه واقتصر عليه في المغني وهما مشروعان و الشرح وقيل إنما تركه لأنه لو أذن لزم إجابته ولم يكن لأحد التخلف عن دعوته مع أنه ورد "أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة واحدة على راحلته في مطر وبلة" خرجه الترمذي وغيره.
وله الجمع بينهما وذكر أبو المعالي أنه أفضل .
وهما مشروعان
ـــــــ
"وهما مشروعان" بالكتاب لقوله تعالى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 58] وبالسنة وهي كثيرة منها حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال "لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب الناس به لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت بلى قال فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله اكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله اشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله
قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال "إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك" فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" رواه أحمد وأبو داود ولفظه له وابن ماجة والترمذي بعضه وصححه
ومدار هذا الحديث عندهم على ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث فقال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه فذكره وقال الترمذي سألت البخاري عن هذا فقال هو عندي حديث صحيح .
للصلوات الخمس دون غيرها للرجال دون النساء, وهما فرض على الكفاية
ـــــــ
"للصلوات الخمس" وفي الفروع والجمعة ولا يحتاج إليه لدخولها في الخمس دون غيرها من فائتة ومنذورة وقيل بلى والفرق ظاهر بين المفروضات وغيرها لأن المقصود منه الإعلام بوقت الصلاة على الأعيان وهذا لا يوجد في غيرها وكذا عيد وكسوف واستسقاء بل ينادي لذلك وألحق القاضي بذلك التراويح والمنصوص أنه لا ينادي لها كالجنازة على المعروف.
فرع : يسن أذان في أذن مولود حين يولد وفي الرعاية وغيرها ويقيم في اليسرى.
"للرجال" بشرط الإسلام والعقل وأما العدالة فسيأتي دون النساء لما روي عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس على النساء أذان ولا إقامة" رواه النجاد.
وروي عن عمر وأنس ولا نعلم عن غيرهم خلافه لأن الأذان يشرع له رفع الصوت ولا يشرع لها وكذا الإقامة لأن من لا يشرع له الأذان لا تشرع له الإقامة كالمسبوق وعنه يسن لهن لفعل عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم رواه ابن المنذر وعنه مع خفض الصوت والخنثى كامرأة.
"وهما فرض على الكفاية" على المذهب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" متفق عليه.
والأمر يقتضي الوجوب وعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان" رواه أحمد والطبراني.
ولأنهما من شعائر الإسلام الظاهرة فكان واجبا كالجهاد فعلى هذا تجب على جماعة الرجال.
إن اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإمام
ـــــــ
وعنه : على كل رجل عاقل يريد الصلاة وحده قدمه في الرعاية حضرا.
وعنه : وسفرا وهو أظهر لأنه عليه السلام كان يؤذن له ويقام فيهما وحكى القاضي عن أبي بكر أنهما فرض كفاية على أهل المصر سنتان على المسافرين اختاره المجد وكثير من أصحابنا وهو مفهوم كلام أحمد على ما ذكره ابن هبيرة.
وقال السامري الصحيح أنه لا فرق بين المصر والقرى ولا بين الحاضرين والمسافرين والواحد والجماعة سواء قلنا هما واجبان أو مسنونان.
وعنه : هما سنة وهو ظاهر الخرقي لأنه دعاء إلى الصلاة أشبه قوله الصلاة جامعة.
وفي الروضة هو فرض وهي سنة.
فعلى المذهب وقيل وعلى أنهما سنة "إن اتفق أهل بلد على تركهما قاتلهم الإمام" لأنهما من أعلام الدين الظاهرة فقوتلوا على الترك كصلاة العيد.
والمراد بالإمام الخليفة ومن جرى مجراه كنائبه.
ومقتضاه أنه إذا قام بهما من يحصل به الإعلام غالبا أجزأ عن الكل ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين وإن كان واحدا نص عليه وأطلقه جماعة وقيده بعضهم بالبلد الصغير أو المحلة الكبيرة إذا كان يسمعهم جميعهم لأن الغرض إسماعهم.
وفي المستوعب متى أذن واحد سقط عمن صلى معه مطلقا خاصة وقيل يستحب اثنان.
قال في الفروع ويتوجه احتمال في الفجر فقط كبلال وابن أم مكتوم ولا تستحب الزيادة عليهما وقال القاضي: على أربعة لفعل عثمان إلا من حاجة والأولى أن يؤذن واحد.
ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين فإن لم يوجد متطوع رزق الإمام من بيت المال من يقوم بهما
ـــــــ
بعد واحد ويقيم من أذن أولا وإن لم يحصل الإعلام بواحد زيد بقدر الحاجة كل واحد في جانب أو دفعة واحدة بمكان واحد ويقيم أحدهم والمراد بلا حاجة فإن تشاحوا أقرع وعلم منه أن الصلاة تصح بدونهما لأن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسود بلا أذان ولا إقامة واحتج به أحمد لكن يكره ذكره الخرقي وغيره
وذكر جماعة إلا بمسجد قد صلي فيه ونصه أو اقتصر مسافر ومنفرد على الإقامة وهما أفضل لكل مصل إلا لكل واحد ممن في المسجد فلا يشرع بل حصل لهم الفضيلة كقراءة الإمام للمأموم
وهل صلاة من أذن لصلاته بنفسه أفضل لأنه وجد منه فضل يختص الصلاة أم يحتمل أنها وصلاة من أذن له سواء لحصول سنة الأذان ذكر القاضي أن أحمد توقف نقله الأثرم
"ولا يجوز أخذ الأجرة عليهما في أظهر الروايتين" لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص: "واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وقال العمل على هذا عند أهل العلم
وقال وكرهوا أن يأخذ على أذانه أجرا ولأنه يقع قربة لفاعله أشبه الإمامة
والثانية يجوز لأن فعله معلوم يجوز أخذ الرزق عليه فجاز أخذ الأجرة كسائر الأعمال والأولى أصح وخطأ ابن حامد من أجازه لأنه قياس مع وجود النص والإقامة كالأذان معنى وحكما
"فإن لم يوجد متطوع رزق الإمام من بيت المال من يقوم بهما" لا نعلم خلافا في جواز أخذ الرزق عليه قاله في المغني و الشرح لأن بالمسلمين حاجة إليه ونقل عنه المنع لكن قال في الرعاية هو ضعيف وعلى ما
وينبغي أن يكون المؤذن صيتا أمينا عالما بالأوقات فإن تشاح فيه اثنان قدم أفضلهما في ذلك
ـــــــ
ذكره يرزقه الإمام من الفيء لأنه المعد للمصالح فهو كأرزاق القضاة والغزاة وروى ابن المنذر عن الشافعي أنه من خمس الخمس سهم النبي صلى الله عليه وسلم وظاهره أنه إذا وجد متطوع به لم يعط غيره منه لعدم الحاجة إليه.
"وينبغي" أي ويستحب "أن يكون المؤذن صيتا" أي رفيع الصوت لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد "قم مع بلال فألقه عليه فإنه اندى صوتا منك" واختار أبا محذور للأذان لكونه صيتا ولأنه أبلغ في الإعلام زاد في المغني وغيره وأن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه.
"أمينا" أي عدلا لما روى أبو محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أمناء الناس على صلاتهم وسحورهم المؤذنون" رواه البيهقي وفيه يحيى بن عبد الحميد وفيه كلام ولأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة وغيرها ولا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك ولأنه يؤذن على موضع عال ولا يؤمن منه النظر إلى العورات
"عالما بالأوقات" ليتحراها فيؤذن في أولها وإذا لم يكن عالما بها لا يؤمن منه الخطأ واشترطه أبو المعالي كالذكورية والعقل والإسلام.
ويستحب أن يكون بصيرا قاله في المغني و الشرح لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط وكره ابن مسعود وابن الزبير أذانه وكره ابن عباس إقامته.
قال ابن تميم فإن كان له من يعرفه الوقت لم يكره نص عليه لفعل ابن أم مكتوم وتستحب حريته حكاه ابن هبيرة اتفاقا وظاهر كلام جماعة لا فرق.
قال أبو المعالي ويستأذن سيده.
"فإن تشاح" تفاعل من الشح وهو النحل مع حرص"فيه اثنان" لا يريدان أن يفوتهما "قدم أفضلهما في ذلك" أي في الخصال المذكورة لأنه عليه السلام قدم
ثم أفضلهما في دينه وعقله ثم من يختاره الجيران فإذا استويا أقرع بينهما
ـــــــ
بلالاً على عبد الله لكونه أندى صوتا منه وقسنا بقية الخصال عليه
فإن استووا فيها فقال "ثم أفضلهما في دينه وعقله" لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليؤذن لكم خياركم وليؤمكم قراؤكم" رواه أبو داود وغيره.
ولأنه إذا قدم بالأفضلية في الصوت ففي الأفضلية في ذلك بطريق الأولى ولان مراعاتهما أولى من مراعاة الصوت لأن الضرر بفقدهما أشد.
"ثم من يختاره الجيران" كذا في الفروع و الشرح لأن الأذان لإعلامهم فكان لرضاهم أثر في التقديم ولأنهم أعلم بمن يبلغهم صوته ومن هو أعف من النظر وحكم أكثرهم كالكل وذكر في الكافي هذا رواية.
"فإن استويا أقرع بينهما" لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" متفق عليه.
وتشاح الناس في الأذان يوم القادسية فأقرع بينهم سعد لأنها تزيل الايهام ويجعل من خرجت له كالمستحق المتعين.
وعنه تقدم القرعة على من يختاره الجيران نقله الجماعة وقدمها في الكافي و التلخيص و البلغة وقيل يقدم الأدين الأفضل فيه ثم القرعة جزم به في الوجيز .
وذكر القاضي والسامري وصاحب التلخيص أنهما مع الاستواء يقدم من له مزية في عمارة المسجد أو التقدم بالأذان فيه.
وفي الرعاية يقدم من له التقديم ثم الأعقل ثم الأدين ثم الأفضل فيه ثم الأخبر بالوقت ثم الأعمر للمسجد المراعي له ثم الأقدم تأذينا فيه وقيل أو أبوه ثم من قرع مع التساوي وعنه بل من رضيه الجيران.
والأذان: خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة كلمة فإن رجع في الأذان او ثني الإقامة فلا بأس
ـــــــ
"والأذان" المختار "خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه والإقامة إحدى عشرة كلمة" هذا هو المشهور لحديث عبدالله بن زيد وكان بلال يؤذن كذلك ويقيم حضرا وسفرا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن مات وعليه عمل أهل المدينة.
قال أحمد هو آخر الأمرين وكان بالمدينة قيل له إن أبا محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة فقال أليس قد رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأقر بلالا على أذان عبد الله ويعضده حديث أنس قال "أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" متفق عليه زاد البخاري إلا الإقامة وحديث ابن عمر قال إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وصححه.
فائدة : قوله الله أكبر أي من كل شيء أو أكبر من أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله أو هو بمعنى كبير وقوله أشهد أي أعلم وقوله حي على الصلاة أي أقبلوا إليها وقيل أسرعوا والفلاح الفوز والبقاء لأن المصلي يدخل الجنة إن شاء الله فيبقى فيها ويخلد وقيل هو الرشد والخير وطالبهما مفلح لأنه يصير إلى الفلاح ومعناه هلموا إلى سبب ذلك وختم بلا إله إلا الله ليختم بالتوحيد وباسم الله تعالى كما بدأ به وشرعت المرة إشارة إلى وحدانية المعبود سبحانه.
"فإن رجع في الأذان او ثني الإقامة فلا بأس" أي هو جائز نص عليه في رواية حنبل فقال أذان أبي محذورة أعجب إلي وعليه عمل أهل مكة إلى اليوم وهو يرجع فيعيد الشهادتين بعد ذكرهما خفضا بصوت أرفع من الصوت الأول.
عن أبي محذورة "أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة" رواه أحمد ,
ويقول في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين
ـــــــ
وأبو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان.
والحكمة: أن يأتي بهما بتدبر وإخلاص لكونهما المنجيتين من الكفر المدخلتين في الإسلام وسمي بذلك لأنه رجع إلى الرفع بعد أن تركه أو إلى الشهادتين بعد ذكرهما والمراد بالخفض أن يسمع من بقربه أو أهل المسجد إن كان واقفا والمسجد متوسط الخط والترجيع اسم للمجموع من السر والعلانية.
وعنه لا يعتبر الترجيع فيه وأجاب في الشرح أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر أبا محذورة بذكر الشهادتين سرا ليحصل الإخلاص بهما فإنه في الإسرار أبلغ وخص أبا محذورة بذلك لأنه لم يكن مقرا بهما حينئذ فإن في الخبر أنه كان مستهزئا يحكي أذان مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم فسمعه فدعاه فأمره بالأذان وقصد نطقه بهما ليسلم بذلك وهذا لا يوجد في غيره بدليل أنه لم يأمر به بلالا ولا غيره ممن هو ثابت الإسلام ويعضده أن خبر أبي محذورة متروك بالإجماع لعدم عمل الشافعي به في الإقامة وأبي حنيفة في الأذان.
وعنه: هما سواء وقاله إسحاق لصحة الرواية بهما وأما تثنية الإقامة فهي كالأذان لأن في حديث عبد الله بن زيد أنه أقام مثل أذانه رواه أبو داود ولا تكره تثنيتها.
"ويقول في أذان الصبح" بعد الحيعلتين "الصلاة خير من النوم" مرتين لقوله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي محذورة "فإذا كان أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم مرتين" رواه أحمد وأبو داود وفي رواية "أن بلالا جاء ذات يوم فأراد أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له إنه نائم قال فصرخ بأعلى صوته الصلاة خير من النوم مرتين".
قال ابن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر وقيل يجب وجزم به في الروضة ويسمى هذا التثويب ويستحب لأنه من ثاب بالمثلثة إذا.
ويستحب أن يترسل في الأذان ويحدر في الإقامة وأن يؤذن قائما
ـــــــ
رجع لأن المؤذن دعا إلى الصلاة بالحيعلتين ثم عاد إليها.
وقيل سمي به لما فيه من الدعاء وظاهره أنه يقوله ولو أذن قبل الفجر وأنه يكره في غير أذان الفجر وبين الأذان والإقامة لقول بلال "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أثوب في الفجر ونهاني أن أثوب في العشاء" رواه أحمد وغيره واختصت بذلك لأنه وقت ينام الناس فيه غالبا فشرع ذلك للحاجة.
"ويستحب أن يترسل" أي يتمهل ويتأنى من قولهم جاء فلان على رسله "في الأذان ويحدر" أي يسرع الإقامة لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "يا بلال إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر" رواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم صاحب السقاء وهو إسناد مجهول ورواه الحاكم في مستدركه وعن عمر معناه رواه أبو عبيد ولأنه إعلام الغائبين فالتثبت فيه أبلغ والإقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة إليه فيها.
ويسن أذانه أول الوقت وأن يقف على كل جملة قال جماعة هما مجزومان وحكي عن أهل اللغة قال إبراهيم النخعي شيئان مجزومان كانوا لا يعربونهما الأذان والإقامة.
"وأن يؤذن قائما" لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "قم فأذن" وكان مؤذنوه عليه السلام يؤذنون قياما.
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أنه من السنة لأنه أبلغ في الإسماع.
وظاهره أنه إذا أذن قاعدا أنه يصح لكن مع الكراهة صرح به في الشرح وغيره كالخطبة قاعدا.
وعنه لا يعجبني وبعده ابن حامد.
فإن كان لعذر جاز ولم يذكروا الاضطجاع ويتوجه الجواز لكن يكره
متطهراً على مو ضع عالٍٍٍٍٍِِ
ـــــــ
لمخالفة السنة والماشي كالراكب وظاهره الكراهة وهو رواية عنه وعنه لا وعنه يكره حضرا وقال ابن حامد إن أذن قاعدا أو مشى فيه كثيرا بطل وهو رواية في الثانية.
وأما الإقامة فتكره ماشيا أو راكبا نص عليه وعنه لا وقال في الرعاية يباحان للمسافر حال مشيه وركوبه في رواية.
"متطهرا" من الحدثين الأصغر والأكبر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤذن إلا متوضئ" رواه الترمذي والبيهقي مرفوعا من حديث أبي هريرة وموقوفا هو أصح وحكم الإقامة كذلك فإن أذن أو أقام محدثا فظاهر كلام جماعة وصرح به في الشرح أنه يصح مع الكراهة وقدم ابن تميم والجد عدمها نص عليه وهو المذهب كقراءة القرآن وفي الرعاية وهو ظاهر كلام ابن تميم أنها تكره الإقامة قولا واحداً للفصل بينهما وبين الصلاة فإن كان جنبا فإنه يصح على الأصح مع الكراهة لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر.
والثانية لا اختاره الخرقي وقدمه السامري لأنه ذكر مشروع للصلاة أشبه القراءة.
وعلى الصحة إن أذن في مسجد مع جواز لبثه فيه صح فهو كالأذان في مكان غصب.
وفيه روايتان أصحهما الصحة لعدم اشتراط البقعة له لكن مع الإثم قاله ابن تميم وعدمها وهو اختيار ابن عقيل ومقتضى قول ابن عبدوس فإنه قطع باشتراط الطهارة له وفي الرعاية يسن أن يؤذن متطهرا من نجاسة بدنه وثوبه وربما يحتمله كلام المؤلف.
"على موضع عال" أي: مرتفع كالمنارة ونحوها لحديث رواه أبو داود ولأنه أبلغ في الإعلام فلو خالف صح وكره كالخطبة.
مستقبل القبلة فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا ولم يستدر
ـــــــ
"مستقبل القبلة" لما روى أبو داود مرسلا أن الذي رآه عبد الله بن زيد استقبل وأذن وحكى ابن المنذر الإجماع على أنه من السنة ولأنها أشرف الجهات فلو خالف فكالذي قبله.
"فإذا بلغ الحيعلة" وهي كلمة مولدة ليست من كلام العرب كما يقال بسمل وسبحل وهيلل ونحوها "التفت" برأسه وعنقه وصدره وظاهر المحرر أنه لا يلتفت بصدره.
"يمينا وشمالا" فيكون يمينا حي على الصلاة ثم يعيده يسارا ثم كذلك حي على الفلاح وقيل يقول يمينا حي على الصلاة ثم يسارا حي على الفلاح ثم كذلك ثانية وهو أخذها والأولى أن يقول يمينا حي على الصلاة مرتين ويسارا حي على الفلاح مرتين.
"ولم يستدر" أي لا يزيل قدميه قدمه جماعة وهو ظاهر الخرقي وجزم به في الوجيز لما روى أبو جحيفة قال "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم فخرج وتوضأ فأذن بلال فجعلت أتتبع فاه هاهنا وها هنا يقول يمينا وشمالا حي على الصلاة حي على الفلاح" متفق عليه ورواه أبو داود وفيه فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر.
وظاهره لا فرق فيه بين المنارة وغيرها وهو المشهور وكأنه لم يعجبه الدوران في المنارة وكما لو كان على وجه الأرض.
وعنه يزيل قدميه في المنارة ونحوها نصره في الخلاف واختاره المجد وجزم به في الروضة لأنه لا يحصل المقصود بدون ذلك زاد ويجعل اصبعيه في أذنيه ويتولاهما معا أبو المعالي مع كبر البلد للحاجة وظاهره أنه لا يلتفت في الإقامة وهو وجه قاله أبو المعالي وجزم به الآجري وغيره .
ويجعل أصبعيه في أذنيه ويتولاهما معاً
ـــــــ
والثاني يلتفت فيها في الحيعلة ويرفع صوته مقدار طاقته ولا يجهد نفسه لئلا ينضر ما لم يؤذن لنفسه أو لجماعة حاضرين وتكره الزيادة وعنه التوسط أفضل.
"ويجعل أصبعيه" أي سبابتيه "في أذنيه" هذا هو المذهب قال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم لما روى أبو جحيفة أن بلالا وضع أصبعيه في أذنيه رواه أحمد والترمذي وصححه.
وأمر عليه السلام بلالا بذلك وقال: "إنه أرفع لصوتك" رواه ابن ماجة وعنه يضم أصابعه إلى راحتيه ويجعلهما على أذنيه وهو اختيار ابن عبدوس وابن البنا وصاحب البلغة رواه أحمد عن أبي محذورة وعن ابن عمر أنه أمر مؤذنا بذلك رواه أبو حفص.
وعنه يبسط أصابعه مضمومة على أذنيه جزم به في التلخيص زاد السامري عليها دون الإبهام والراحة وقدمه في الرعاية قال في الشرح والأول أصح لصحة الخبر وشهرته وعمل أهل العلم به ليجتمع الصوت ويستدل الأصم على كونه أذانا وأيهما فعل فحسن ويرفع وجهه إلى السماء فيه كله نص عليه في رواية حنبل لأنه حقيقة التوحيد وفي المستوعب عند كلمة الإخلاص وقيل والشهادتين قاله في الرعاية.
"ويتولاهما معا" لما في حديث زياد بن الحارث الصدائي حين أذن قال فأراد بلال أن يقيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يقيم أخو صداء فإن من اذن فهو يقيم" رواه أحمد وأبو داود وقال الترمذي إنما نعرفه من حديث الإفريقي وهو ضعيف عند أهل الحديث ولأنهما ذكران يتقدمان الصلاة فسن أن يتولاهما واحد كالخطبتين.
وعنه لا فرق بينه وبين غيره ذكره أبو الحسين لقوله عليه السلام لعبد الله بن زيد "ألقه على بلال فألقاه عليه فأذن ثم قال له أقم أنت" رواه أبو داود,
ويقيم في موضع أذانه إلاأن يشق عليه ولا يصح الأذان إلا مرتبا متواليا فإن نكسه أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به
ـــــــ
ولأنه يحصل المقصود منه أشبه ما لو تولاهما واحد وهو محمول على الجواز والأول على الاستحباب ولو سبق المؤذن بالأذان فأراد المؤذن أن يقيم فقال أحمد لو أعاد الأذان كما صنع أبو محذورة فإن أقام من غير إعادة فلا بأس.
"ويقيم في موضع أذانه" لقول بلال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقني بآمين" لأنه لو كان يقيم في المسجد لما خاف أن يسبقه بها كذا استنبطه الإمام أحمد ولقول ابن عمر كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة ولأنه أبلغ في الإعلام كالخطبة الثانية.
"إلا أن يشق عليه" مثل أن يؤذن في منارة أو مكان بعيد من المسجد فإنه يقيم في غير موضع أذانه لئلا تفوته بعض الصلاة لإمكان صلاته لكن لا يقيم إلا بإذن الإمام لفعل بلال.
"ولا يصح الأذان إلا مرتبا" لأنه ذكر متعبد به فلا يجوز الإخلال بنظمه كأركان الصلاة.
"متواليا" عرفا لأنه لا يحصل المقصود منه وهو الإعلام بدخول الوقت بغير موالاة وشرع في الأصل كذلك بدليل أنه عليه السلام علمه أبا محذورة مرتبا متواليا.
"فإن نكسه" لم يصح لما ذكرنا "أو فرق بينه بسكوت طويل أو كلام كثير أو محرم لم يعتد به" إذا طال التفريق بين جملة إما بالسكوت الطويل أو الكلام المباح الكثير بطل لإخلاله بالموالاة المشترطة ومثله نوم كثير أو إغماء أو جنون وظاهره أن السكوت والكلام المباح اليسير لا يبطلانه بل هو جائز لأن سليمان بن صرد وله البغوي كان ولا يجوز إلا بعد دخول الوقت يأمر غلامه بالحاجة في أذانه وكرد السلام ولكن يكره ذلك إذا كان لغير حاجة فإن كان التفريق بالمحرم كالسب والقذف لم يعتد به لأنه فعل يخرجه عن أهلية الأذان كالردة ,
ولا يجوز إلا بعد دخول الوقت، إلا الفجر
ـــــــ
وظاهره وإن كان يسيرا وجزم به في المحرر و الوجيز وعلله المجد بأنه قد يظن سامعه متلاعبا أشبه المستهزئ وعلله المؤلف بأنه محرم فيه زاد بعضهم كالردة فدل أن كل محرم سواء.
والثاني يعتد به لانه لم يخل بالمقصود أشبه المباح وظاهره أنه إذا ارتد بعد فراغه أنه لا يبطل وهو الصحيح بخلاف الطهارة فإن حكمها باق وقال القاضي يبطل قياسا عليها وحكم الإقامة كذلك.
قال أبو داود قلت لأحمد الرجل يتكلم في أذانه قال نعم قلت له يتكلم في الإقامة قال لا ولأنه يستحب حدرها ويعتبر معهما النية واتحاد المؤذن فلو أتى واحد ببعضه وآخر ببقيته لم تصح كالصلاة مسألة لا تعتبر موالاة بين الإقامة والصلاة إذا أقام عند إرادة الدخول في الصلاة ويجوز الكلام بينهما وكذا بعد الإقامة قبل الدخول فيها روي عن عمر رضي الله عنه.
"ولا يجوز" أي لايصح "إلا بعد دخول الوقت" لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم" متفق عليه.
ولأنه شرع للإمام بدخول الوقت وهو حث على الصلاة فلم يصح في وقت لا تصح فيه كالإقامة وفي الرعاية رواية بالكراهة وفيه نظر للإجماع على خلافها والمستحب أن يكون في أول الوقت لفعل بلال رواه ابن ماجة وظاهره أنه يجوز مطلقا ما دام الوقت باقيا والمنع منه فيما بعده ويتوجه بسقوط مشروعيته بفعل الصلاة.
"إلا الفجر" فإنه يجوز قبل الوقت نص عليه وصححه جماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" متفق عليه زاد البخاري وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له أصبحت
فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل
ـــــــ
أصبحت
ولأن وقتها يدخل على الناس وفيهم الجنب والنائم فاستحب تقديم أذانه حتى يتهيؤوا لها فيدركوا فضيلة أول الوقت.
وذكر في المغني و الشرح أنه لا يجوز أن يتقدم على الوقت كثيرا لما في الصحيح من حديث عائشة قال القاسم ولم يكن بين أذانهما إلا أن ينزل ذا ويرقى ذا.
قال البيهقي مجموع ما روي في تقديم الأذان قبل الفجر إنما هو بزمن يسير واما ما يفعل في زماننا من الأذان للفجر من الثلث الأخير فخلاف السنة إن سلم جوازه وفيه نظر.
وعنه لا يصح قبل الوقت لها كغيرها.
ثم نبه على وقت الجواز فقال "فإنه يؤذن لها بعد نصف الليل" كذا في المحرر و الوجيز لأن معظمه قد ذهب وقرب الأذان وبذلك يخرج وقت العشاء المختار ويدخل وقت الدفع من مزدلفة ورمي جمرة العقبة روي الأثرم قال كان مؤذن دمشق يؤذن لصلاة الصبح في السحر بمقدار ما يسير الراكب ستة أميال فلا ينكره مكحول وقيده في الكافي و الشرح بأن يجعله في وقت واحد في الليالي كلها فلا يتقدم ولا يتأخر لئلا يغر الناس وظاهره الاعتداد به وأنه لا فرق فيه بين رمضان وغيره وصححه في الشرح في حق من عرف له عادة بالأذان فيه واختاره جماعة وعليه العمل لكن نص أحمد وجزم به في الوجيز أنه يكره قبل الفجر فيه لئلا يغر الناس فيتركوا سحورهم.
ويستحب لمن أذن قبله أن يكون معه من يؤذن في الوقت للخبر واشترطه طائفة من علماء الحديث وألحق الشيرازي الجمعة به فأجازه قبل الوقت ليدركها من بعد منزله واستثنى ابن عبدوس مع الفجر الصلاة المجموعة وفيه
ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم ومن جمع بين صلاتين أو قضاء فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها
ـــــــ
نظر لأن وقتهما كالواحدة.
"ويستحب أن يجلس بعد أذان المغرب جلسة خفيفة ثم يقيم" كذا في الوجيز لما روى تمام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة" وقيده في المحرر وغيره بقدر ركعتين قال بعضهم خفيفتين وقيل والوضوء وقد روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: "اجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يخلو الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته" رواه أبو داود والترمذي وقيل بقدر الوضوء والسعي وفي التبصرة بقدر حاجته ووضوئه زاد الحلواني وصلاة ركعتين وهذا كله إذا سن تعجيلها ولأن الأذان شرع للإعلام فيسن تأخير الإقامة للإدراك كما يستحب تأخيرها في غيرها وكذا كل صلاة فيسن تقديمها لعموم النص وظاهره أنه لا تستحب الركعتان قبلها في الظاهر عنه ولا يكره فعلهما قبلها في المنصوص.
وعنه يسن للحديث الصحيح وعنه بين كل أذانين صلاة قاله ابن هبيرة في غير المغرب.
"ومن جمع بين صلاتين" سواء كان جمع تقديم أو تأخير "أو قضاء فوائت أذن وأقام للأولى ثم أقام لكل صلاة بعدها" جزم به أكثر الأصحاب لما وهل يجزئ أذان المميز للبالغين على روايتين روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة بأذان وإقامتين رواه مسلم وقدم في الرعاية أنه يؤذن لكل واحدة منهما ويقيم قال في الشرح وهو مخالف للسنة الصحيحة وعنه إن جمع بينهما بإقامة فلا باس وهو الذي في الشرح وخصه بما إذا كان الجمع في وقت الثانية لأن الأولى مفعولة في غير وقتها فهي كالفائتة والثانية مسبوقة بصلاة فلم يشرع لها كالثانية من الفوائت بخلاف جمع التقديم لأن الأولى مفعولة في وقتها أشبه ما لم يجم.ع
وهل يجزئ أذان المميز للبالغين؟ على روايتين
ـــــــ
وأما قضاء الفوائت فلما روى أبو عبيدة عن أبيه عبد لله بن مسعود "أن المشركين يوم الخندق شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء" رواه النسائي والترمذي ولفظه له وقال ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه.
وقيده في الشرح بما إذا كان في الجماعة فإن كان وحده كان استحباب ذلك في حقه أدنى لأن الأذان والإقامة للإعلام ولا حاجة إليه هنا وعنه لا بأس بالاكتفاء لهن بإقامة واحدة إذا أذن وعنه يقيم في غيرأذان.
وكذا لو قضاها متفرقات من غير موالاة فأما إذا كانت واحدة فيؤذن لها ويقيم وصرح في الكافي أنه يسن الأذان للفائتة ثم إن خاف من رفع صوته به أسر وإلا جهر فلو ترك الأذان لها فلا بأس.
"وهل يجزئ أذان المميز" وهو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الأفهام كذا قيل والصواب ضبطه به.
"للبالغين على روايتين" أولاهما الصحة نصره القاضي وغيره وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز مع الكراهة لما روى ابن المنذر بإسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال كان عمومتي يأمرونني أن أأذن لهم وأنا غلام لم أحتلم وأنس شاهد ذلك ولم ينكره.
وهذا مما يظهر ولا يخفى فكان كالإجماع ولأنه ذكر تصح صلاته فصح أذانه كالبالغ.
والثانية لا يصح قدمها في الفروع واختارها جماعة لأنه لا يقبل خبره فلم يحصل الإعلام بأذانه أو بأنه فرض كفاية وفعله نفل وهو أولى
وهل يعتد بأذان الفاسق والأذان الملحن؟ على وجهين.
ـــــــ
قال الشيخ تقي الدين يتخرج فيه روايتان كشهادته وولايته.
وظاهره أن المراهق يصح أذانه وهو كذلك نقله حنبل.
"وهل يعتد بأذان الفاسق" أي العاصي لأن الفسق لغة العصيان والترك لأمر الله والخروج عن طريق الحق وشرعا من فعل كبيرة أو أكثر من الصغائر والكبيرة ما فيها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة نص عليه "والأذان الملحن" الذي فيه تطريب يقال لحن في قراءته إذا طرب بها وغرد.
على وجهين وكذا في المحرر أحدهما لا يصح أذان الفاسق صححه في التلخيص و الرعاية وقدمه السامري لأنه لا يقبل خبره ولأنه عليه السلام وصفه بالأمانة والفاسق غير أمين وكمرأة وخنثى والثاني صحته كالإقامة لأنه مشروع لصلاته وهو من أهل العبادة وجزم به في الوجيز مع الكراهة فإن كان مستور الحال فيصح بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح ويصح في الأصح أذان الملحن والملحنون مع بقاء المعنى مع الكراهة قال القاضي كقراءة الألحان قال أحمد كل شيء محدث أكرهه مثل التطريب ولأنه يحصل به المقصود.
والثاني لا يصح لما روى الدارقطني عن ابن عباس قال "كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال عليه السلام: " إن الأذان سهل سمح فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن" وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
فلو أحال أحدهما معنى كما لو نصب لام رسول لأنه أخرجه عن كونه خبرا أو مد لفظة أكبر لأنه يجعل فيها ألفا فيصير جمع كبر وهو الطبل أو أسقط الهاء من اسم الله والصلاة بطل.
وتكره لثغة فاحشة وإلا فلا بأس لأنه روي أن بلالا كان يجعل الشين سينا وفيه شيء والفصيح أحسن وأكمل.
ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله
ـــــــ
"ويستحب لمن سمع المؤذن أن يقول كما يقول إلا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله" كذا في المحرر و الوجيز نص عليه ولا نعلم خلافا في استحبابه لما روى عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله كبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله فقال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة" رواه مسلم قال الأثرم هذا من الأحاديث الجياد ولأنه خطاب فإعادته عبث بل سبيله الطاعة وسؤال الحول والقوة وتكون الإجابة عقيب كل كلمة أي لا تقارن ولا تتأخر وقيل يوافقه في الحيعلة مع قول ذلك ليجمع بينهما.
وقال الخرقي وغيره يقول كما يقول لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول" متفق عليه.
قال الزركشي وهو المذهب وفيه نظر ولا فرق بين المؤذن والسامع نص عليهما ولا الجنب والحائض للخبر وظاهره ولو في طواف وقراءة لأن ذلك يفوت بخلافهما ويستثنى منه المصلي ولو نفلا وتبطل بالحيعلة.
قال أبو المعالي إن لم يعلم أنها دعاء إلى الصلاة فروايتا ساه ولكن يجيبه إذا فرغ قاله في الكافي وكذا المتخلي قاله أبو المعالي ومقتضى كلامه أن المؤذن لا يجيب نفسه وهو ظاهر كلام جماعة وصرح آخرون باستحبابه كالسامع وأن يقولا ذلك خفية نص عليه.
قال في الفروع ويتوجه احتمال تجب إجابته للأمر وظاهر كلامهم: أنه.
العلي العظيم ويقول بعد فراغه اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد
ـــــــ
يجيب ثانيا وثالثا حيث سن واختاره الشيخ تقي الدين لكن لو سمع المؤذن وأجابه وصلى في جماعة لا يجيب الثاني لأنه غير مدعو بهذا الأذان.
زاد المؤلف "العلي العظيم" وتتبعت ذلك فوجدته في المسند من حديث أبي رافع "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول حتى إذا بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ورواه الطبراني في معجمه الكبير وإسناده فيه لين ويقول في التثويب صدقت وبررت وفي الإقامة عند لفظها أقامها الله وأدامها زاد في المستوعب و التلخيص ما دامت السموات والأرض ويقول ذلك خفية.
فائدة: معنى لا حول ولا قوة إلا بالله إظهار الفقر وطلب المعونة منه في كل الأمور وهو حقيقة العبودية وقال أبو الهيثم أصل لا حول ولا قوة من حال الشيء إذا تحرك يقول لا حركة ولا استطاعة إلا بالله وقال ابن مسعود معناه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعته إلا بمعونته قال الخطابي هذا أحسن ما جاء فيه ويقال لا حيل لغة حكاه الجوهري وعبر عنها الأزهري بالحوقلة وتبعه في الوجيز على أخذ الحاء من حول والقاف من قوة واللام من اسم الله تعالى.
"ويقول بعد فراغه" كل من المؤذن وسامعه "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد لما" روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة" رواه البخاري ورواه النسائي وأبو حاتم ,
ـــــــ
والبيهقي وابعثه المقام المحمود معرفين كما ذكره المؤلف ولم يثبت فيه الدرجة الرفيعة وروى البيهقي في سننه في آخره إنك لا تخلف الميعاد وظاهره أنه لا يستحب غير ذلك وفي الرعاية أنه يرفع بصره إلى السماء ويدعو بما ورد
فقال أحمد إذا سألتم الله حاجة فقولوا في عافية
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لما روى عبد الله بن عمرو مرفوعا "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" رواه مسلم ولم يذكر السلام معه فظاهره أنه لا يكره بدونه وقد ذكر النووي أنه يكره للنص
تذنيب : اللهم أصله يا الله والميم بدل من يا قاله الخليل وسيبويه وقال الفراء أصله يا الله أمنا بخير فحذف حرف النداء ولا يجوز الجمع بينهما إلا في الضرورة والدعوة بفتح الدال هي دعوة الأذان سميت تامة لكمالها وعظم موقعها وسلامتها من نقص يتطرق إليها وقال الخطابي وصفها بالتمام لأنها ذكر الله يدعى بها إلى طاعته وهذه الأمور التي تستحق صفة الكمال والتمام وما سواها من أمور الدنيا فإنه معرض للنقص والفساد.
وكان الإمام أحمد يستدل بهذا على أن القرآن غير مخلوق قال لأنه ما من مخلوق إلا وفيه نقص والصلاة القائمة التي ستقوم بصلاتها ويفعل بصلاتها والوسيلة منزلة عند الملك وهي منزلة في الجنة والمقام المحمود الشفاعة العظمى في موقف القيامة لأنه يحمده فيها الأولون والآخرون والحكمة في سؤال ذلك مع كونه واجب الوقوع بوعد الله تعالى إظهار كرامته وعظيم منزلته وقد وقع منكراً في الصحيح تأدبا مع القرآن فيكون قوله الذي وعدته منصوبا على البدلية أو على إضمار فعل أو مرفوعا على أنه خبر لمتبدأ محذوف .ـــــــ
مسائل:
الأولى: إذا دخل المسجد لم يركع حتى يفرغ نص عليه ليجمع بين الفضيلتين وعنه لا بأس قال في الفروع ولعل المراد غير أذان الجمعة لأن سماع الخطبة أهم واختاره صاحب النظم ولا يقوم القاعد حتى يفرغ أو يقرب فراغه نص على معنى ذلك لأن الشيطان ينفر حين يسمع النداء
الثانية : يعمل بالأذان في دارنا وكذا دار حرب إن علم إسلامه
الثالثة : لا يؤذن غير الراتب إلا بإذنه إلا أن يخاف فوات الوقت فيؤذن غيره
الرابعة : يستحب الدعاء بين الأذان والإقامة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة " رواه أحمد والترمذي وحسنه وعند الإقامة فعله أحمد ورفع يديه وعن ابن عمر مرفوعا "تفتح أبواب السماء لقراءة القرآن وللقاء الزحف ولنزول القطر ولدعوة المظلوم وللأذان" رواه الحاكم بإسناد ضعيف
باب شروط الصلاة
وهي ما يجب لها قبلها وهي ست: أولها: دخول الوقت
ـــــــ
باب شروط الصلاةالشروط : جمع شرط كفلوس جمع فلس والشرائط جمع شريطة قاله الجوهري والأشراط واحد شرط بفتح الشين والراء وسمي شرطا لأنه علامة على المشروط ومنه قوله تعالى {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد: 18]
وفي الاصطلاح هو ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم كالإحصان مع الرجم فالشرط ما لا يوجد المشروط مع عدمه ولا يلزم أن يوجد عند وجوده وهو عقلي كالحياة للعلم ولغوي كإن دخلت الدار فأنت طالق وشرعي كالطهارة للصلاة
وقال بعضهم هو ما يتوقف عليه صحة الشيء إن لم يكن عذر ولا يكون منه
"وهي ما يجب لها قبلها" أي يتقدم على الصلاة ويسبقها ويجب استمرارها فيها وبهذا المعنى فارقت الأركان
"وهي ست" كذا بخط المؤلف بغير هاء وقياسه ستة بالهاء لأن واحدها شرط وهو مذكر يلزم الهاء في جمعه لقوله تعالى {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7] فكأنه قال شرائط الصلاة وهي ست كما ذكره في الهداية والعمدة
"أولها دخول الوقت" لقوله تعالى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الاسراء: 78] قال ابن عباس دلوكها إذا فاء الفيء ويقال هو غروبها وقيل طلوعها وهو غريب قال عمر الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به وحديث جبريل حين أم النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس ثم قال "يا
والثاني الطهارة من الحدث والصلوات المفروضة خمس الظهر
ـــــــ
محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك" فالوقت سبب وجوب الصلاة لأنها تضاف إليه وهي تدل على السببية وتتكرر بتكرره وهو سبب نفس الوجوب إذ سبب وجوب الأداء الخطاب
"والثاني الطهارة من الحدث" لقوله صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول" رواه مسلم من حديث ابن عمر
"والصلوات المفروضات خمس" في اليوم والليلة وأجمع المسلمون على ذلك وأن غيرها لا يجب إلا لعارض كالنذر وأما الوتر فسيأتي والأصل فيه أحاديث منها ما في الصحيحين عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "فرض الله على أمتي ليلة الإسراء خمسين صلاة فلم أزل أراجعه واسأله التخفيف حتى جعلها خمسا في كل يوم وليلة وقال هي خمس وهي خمسون في أم الكتاب" وكان قيام الليل واجبا فنسخ في حق الأمة وكذا في حقه عليه السلام على الأصح
قال القفال في محاسن الشريعة في الأربع لطيفة حسن معها عدم الزيادة في الفرض عليها وهي أنك إذا ذكرت آحادها فقلت واحد واثنان وثلاثة وأربعة جمعت كل الأعداد وجدتها عشرة ولا شيء من الأعداد يخرج أصله عن عشرة وأراد بالمفروضات العينية ولهذا لم يذكر صلاة الجنازة لكونها فرضا على الكفاية نعم ترد عليه الجمعة فإنها من المفروضات العينية ولم يدخل في كلامه
"الظهر" واشتقاقها من الظهور إذ هي ظاهرة في وسط النهار والظهر لغة الوقت بعد الزوال وشرعا اسم للصلاة من باب تسمية الشيء باسم وقته فقولنا صلاة الظهر أي صلاة هذا الوقت وبدأ بها المؤلف تبعا للخرقي ,
و هي الأولى ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس
ـــــــ
ومعظم الأصحاب لبداءة جبريل بها لما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم وبدأ ابن أبي موسى والشيرازي وأبو الخطاب بالفجر لبداءته عليه السلام بها السائل ولأنها أول اليوم ويعضده أن إيجابها كان ليلا وأول صلاة تحضر بعد ذلك هي الفجر فلم لا بدأ بها جبريل
وجوابه أنه يحتمل أنه وجد تصريح بأن أول وجوب الخمس من الظهر ويحتمل أن الإتيان بها متوقف على بيانها لأن الصلوات مجملة ولم تبين إلا عند الظهر والحكمة أنه بدأ بها إشارة منه إلى أن هذا الدين ظهر أمره وسطع نوره من غير خفاء ولأنه لو بدأ بالفجر لختم بالعشاء في ثلث الليل وهو وقت خفاء فلذلك ختم بالفجر لأنه وقت ظهور لكن فيه ضعف إشارة إلى أن هذا الدين في آخر الأمر يضعف
"وهي الأولى" قال عياض هو اسمها المعروف لأنها أول صلاة صلاها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم عليهما السلام معلما له في اليومين وتسمى أيضا الهجير لفعلها في وقت الهاجرة
"ووقتها من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس" أجمع العلماء على أن أول وقت الظهر إذا زالت الشمس لحديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال قم فصله فصل الظهر حين زالت الشمس ثم جاءه من الغد للظهر فقال قم فصله فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ثم قال ما بين هذين وقت" إسناده ثقات رواه أحمد والترمذي وقال البخاري هو أصح شيء في المواقيت وصححه ابن خزيمة والترمذي وحسنه من حديث ابن عباس نحوه وفيه فصلى الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وهو بشين معجمة مكسورة وراء مهملة وبالكاف وهو أحد سيور النعل .
إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس
ـــــــ
ثم اعلم أن الشمس إذا طلعت رفع لكل شاخص ظل طويل في جانب المغرب ثم ما دامت الشمس ترتفع فالظل ينقص فإذا انتهت الشمس إلى وسط السماء وهي حالة الاستواء انتهى نقصانه فإذا زاد الظل أدنى زيادة فهو الزوال فهو إذا ميلها عن وسط السماء.
ويختلف فيء الزوال فيطول في الشتاء ويقصر في الصيف لكن لا يقصر ظله وقت الزوال في بعض بلاد خراسان لمسير الشمس ناحية عنها ذكره ابن حمدان.
وذكر السامري وغيره أن ما كان من البلاد تحت وسط الفلك مثل مكة وصنعاء في يوم واحد وهو أطول أيام السنة لا ظل ولا فيء كوقت الزوال بل يعرف الزوال هناك بأن يظهر للشخص فيء من نحو المشرق للعلم بكونها قد أخذت مغربة ويختلف باختلاف الشهر والبلد فأقل ما تزول في إقليم الشام والعراق على ما نقله أبو العباس الشيحي على قدم وثلث في نصف حزيران ويتزايد إلى أن يبلغ عشرة أقدام وسدس في نصف كانون الأول وهو أكثر ما تزول عليه الشمس فإذا أردت معرفة ذلك فقف على مستو من الأرض وعلم الموضع الذي انتهى إليه ظلك ثم ضع قدمك اليمنى بين يدي قدمك اليسرى وألصق عقبك بإبهامك فإذا بلغت مساحة هذا القدر بعد انتهاء النقص فهو وقت زوال الشمس وتجب به الظهر.
وعلم منه أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا نص عليه في رواية أبي طالب وشرط ابن بطة وابن أبي موسى مضي زمن يتسع لأدائها حذارا من تكليف ما لا يطاق وجوابه أنه لا يكلف بالفعل قبل الإمكان حتى يلزم تكليف ما لا يطاق وإنما يثبت في ذمته بفعله إذا قدر كالمغمى عليه.
وأما آخره فقال "إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد الذي زالت عليه الشمس" وهو المراد بقولهم سوى الزوال نص عليه لما سبق وصلاها عليه السلام في حديث أبي موسى حين سأله السائل حين زالت الشمس ثم
والأفضل تعجيلها إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة
ـــــــ
أخرها في اليوم الثاني حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس وقال: "الوقت فيما بين هذين" رواه مسلم وعن عبد الله ابن عمرو مرفوعا "وقت صلاة الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم تحضر العصر" رواه مسلم
قال الأثرم قيل لأبي عبد الله متى يكون الظل مثله قال إذا زالت الشمس فكان الظل بعد الزوال مثله ومعرفة ذلك أن يضبط ما زالت عليه الشمس ثم ينظر الزيادة عليه فإن بلغت قدر الشخص فقد انتهى وقت الظهر وطول الإنسان ستة أقدام وثلثان بقدمه تقريبا
وعنه آخره أول وقت العصر فبينهما وقت مشترك قدر أربع ركعات قال أحمد الزوال في الدنيا واحد وأنكر على المنجمين أنه يتغير في البلدان ومثله لا يقول ذلك إلا عن توقيف
"والأفضل تعجيلها" لما روى أبو برزة قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس"
وقال جابر "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة" متفق عليهما
وقالت عائشة "ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر ولا من عمر" حديث حسن
قال في التلخيص ويحصل بأن يشتغل بأسباب الصلاة من حين دخول الوقت وهو ظاهر الفروع فإنه لا يعد حينئذ متوانيا ولا مقصرا وذكر الأزجي قولا يتطهر قبله
"إلا في شدة الحر والغيم لمن يصلي جماعة" كذا في المحرر و الوجيز أما في الحر فيستحب تأخيرها مطلقا إلى أن ينكسر وحكاه الترمذي عن ابن المبارك وأحمد وإسحاق وقال هو أشبه بالاتباع وصححه في الشرح واقتصر عليه في الكافي وقاله القاضي في الجامع والخرقي وابن أبي موسى وغيرهم لما روى أبو هريرة مرفوعا "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن
ثم العصر وهي الوسطى
ـــــــ
شدة الحر من فيح جهنم" متفق عليه وفي لفظ أبردوا بالظهر وفيح جهنم هو غليانها وانتشار لهيبها ووهجها
وصريحه أنه مختص بمن يصلي في جماعة وهو قول أبي الخطاب وطائفة تعليلا بالمشقة واعتبر القاضي في المجرد مع الخروج إلى الجماعة كونه في البلاد الحارة ومساجد الجماعات
فأما تأخير ما في الغيم فيستحب لكل من يصلي جماعة كما ذكره القاضي والسامري ونص عليه في رواية المروذي لما روى ابن منصور عن إبراهيم قال "كانوا يؤخرون الظهر ويعجلون العصر في اليوم المتغيم" ولأنه وقت يخاف منه العوارض من المطر ونحوه فيشق الخروج لكل صلاة منهما فاستحب تأخير الأولى من المجموعتين ليقرب من الثانية لكي يخرج لهما خروجا واحدا طلبا للأسهل المطلوب شرعا وعنه لا تؤخر بل تعجل مع الغيم وهو ظاهر الخرقي و الكافي و التلخيص إذ مطلوبية التأخير في عامة الأحاديث إنما وردت في الحر وفيه وجه يستحب التأخير لكل مصل وظاهر كلام أبي الخطاب ويؤخر الظهر لا المغرب وأما الجمعة فيسن تقديمها مطلقا قال سهل ابن سعد ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة وقال سلمة بن الأكوع "كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنتتبع الفيء" متفق عليهما
وتأخيرها لمن لم تجب عليه الجمعة إلى بعد صلاتها ولمن يرمي الجمرات حتى يرميها أفضل
"ثم العصر" وهو العشي قال الجوهري والعصران الغداة والعشي ومنه سميت صلاة العصر وذكر الأزهري مثله تقول فلان يأتي فلانا العصرين والبردين إذا كان يأتيه طرفي النهار فكأنها سميت باسم وقتها
"وهي الوسطى" مؤنث الأوسط وهو والوسط الخيار وفي صفة النبي
ووقتها من خروج وقت الظهر إلى اصفرار الشمس وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه،
ـــــــ
صلى الله عليه وسلم "أنه من أوسط قومه" أي من خيارهم وليست بمعنى متوسطة لكون الظهر هي الأولى بل بمعنى الفضلى.
وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس" . ولمسلم " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" وقاله أكثر العلماء من الصحابة وغيرهم وصححه النووي قال الماوردي هذا مذهب الشافعي قال وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر وقيل هي الصبح وقيل الظهر وقيل المغرب لأنها وتر النهار ولا تقصر وقيل هي العشاء وقيل إحدى الخمس مبهمة وقيل جميعها وقيل الجمعة
ووقتها من خروج وقت الظهر وهو إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال ومقتضاه أن بخروج وقت الظهر يدخل وقت العصر من غير فاصل بين الوقتين هذا هو المعروف في المذهب لحديث جابر أن جبريل صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم العصر حين صار ظل كل شيء مثله في اليوم الأول وظاهر الخرقي و التلخيص أن بينهما وقتا فاصلا فلا تجب إلا بعد الزيادة
وآخر وقتها المختار "إلى اصفرار الشمس" في رواية نقلها الأثرم وغيره وصححها في الشرح وابن تميم وجزم بها في الوجيز
قال في الفروع وهي أظهر لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وقت العصر ما لم تصفر الشمس" رواه مسلم
"وعنه إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه" سوى ظل الزوال إن كان وهي اختيار الخرقي وأبي بكر والقاضي وكثير من أصحابه وقدمها في المحرر و الفروع لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه وقال الوقت فيما بين هذين وفي التلخيص أن ما بينهما
ثم يذهب وقت االاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى غروب الشمس, وتعجيلها أفضل بكل حال
ـــــــ
وقت جواز ثم هو وقت ضرورة إلى غروبها.
وفي الكافي أنه إذا خرج وقت الاختيار بقي وقت الجواز إلى الغروب قال ابن تميم وظاهر الروضة أن وقت العصر يخرج بالكلية بخروج وقت الاختيار.
"ثم يذهب وقت الاختيار" وهو الذي يجوز تأخير الصلاة إلى آخره من غير عذر وجزم في المحرر و الشرح أنه لا يحل تأخيرها عن وقت الاختيار إلا لعذر وظاهر كلام غيرهما الكراهة.
"ويبقى وقت الضرورة" وهو الذي تقع الصلاة فيه أداء ويأثم فاعلها بالتأخير إليه لغير عذر.
"إلى غروب الشمس" لأن مقتضى الأحاديث ذهاب الوقت بعد ما ذكر فيها ترك العمل به في الإدراك قبل غيبوبة الشمس فيبقى ما عداه على مقتضاه.
وظاهره أن وقت العصر يبقى إلى الغروب في حق المعذور وغيره هذا هو المعروف في المذهب وعليه أكثر العلماء لقوله عليه السلام: "من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها" متفق عليه وحينئذ لا فرق بين المعذور وغيره إلا في الإثم وعدمه فالمعذور له التأخير وغيره ليس له ذلك ويأثم به وظاهر الخرقي وابن أبي موسى أن الإدراك مختص بمن له ضرورة كحائض طهرت وصبي بلغ ومجنون أفاق ونائم استيقظ وذمي أسلم وألحق ابن عبدوس به الخباز والطباخ والطبيب إذا خشوا تلف ذلك وعلى هذا من لا عذر له لا يدركها بذلك بل تفوت بفوات وقتها المختار وتقع منه بعد ذلك قضاء وقاله بعض العلماء وهو أحد احتمالي ابن عبدوس ووجهه الزركشي.
"وتعجيلها" في أول الوقت "أفضل بكل حال" وهو قول أكثر العلماء لما روى
ثم المغرب وهي الوتر, ووقتها من مغيب الشمس
ـــــــ
أبو برزة الأسلمي قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية".
وعن رافع بن خديج قال "كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم ننحر الجزور ثم يقسم لحمها عشرة أجزاء ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس" متفق عليهما .
والأحاديث الثابتة تدل على هذا فمنها ما روى الترمذي مرفوعا أنه قال "الوقت الأول من الصلاة رضوان الله والوقت الآخر عفو الله" وعنه مع غيم نقله صالح قاله القاضي ولفظ روايته يؤخر العصر أحب إلي آخر وقت العصر عندي ما لم تصفر الشمس فظاهره مطلقا.
تنبيه: قد استفيد من كلامهم أن من الصلوات ما له إلا وقت واحد كالظهر والمغرب والفجر على المختار وماله ثلاثة كالعصر والعشاء وقت فضيلة وجواز وضرورة وفي كلام بعضهم أن لها وقت فضيلة ووقت اختيار على الخلاف ووقت جواز على قول ووقت كراهة أي تأخيرها إلى الاصفرار ووقت تحريم التأخير إليه ومعناه أن يبقى ما لا يسع الصلاة.
فائدة : يسن الجلوس بعدها إلى الغروب وبعد الفجر إلى طلوعها ولا يستحب ذلك في بقيتها نص عليه ذكره ابن تميم.
"ثم المغرب" وهو في الأصل مصدر غربت الشمس بفتح الراء وضمها غروبا ومغربا ويطلق في اللغة على وقت الغروب ومكانه فسميت هذه بذلك لفعلها في هذا الوقت.
"وهي الوتر" أي وتر النهار وليس مراده الوتر المشهور بل أنها وتر لكونها ثلاث ركعات.
"ووقتها من مغيب الشمس" إجماعا للأحاديث المستفيضة بذلك وغيبوبة الشمس سقوط قرصها.
إلى مغيب الشفق الأحمر
ـــــــ
وحكى الماوردي أنه لا بد من غيبوبة الضوء المستعلي عليها.
قلت: ويعرف الغروب في العمران بزوال الشعاع من رؤوس الجبال وإقبال الظلام من المشرق.
ويمتد وقتها "إلى مغيب الشفق الأحمر" قال النووي وهذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز غيره لأنه عليه السلام صلى المغرب حين غابت الشمس ثم صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وعن عبد الله بن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وقت المغرب ما لم يغب الشفق" رواهما مسلم ولأن ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لابتدائها كأول وقتها.
وقال مالك والشافعي في المشهور عنهما لها وقت واحد مضيق مقدر آخره بالفراغ منها.
وقالت الشافعية هو عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن خمس ركعات.
قال بعضهم: وأكل لقم يكسر بها سورة الجوع والصحيح عندهم أنه يأكل حتى يشبع لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليومين حين غابت الشمس وأجيب بحمله على الاستحباب والاختيار وتأكيد فعلها أول الوقت وما سبق على الجواز مع أنها متضمنة لزيادة وهي متأخرة عن حديث جبريل لأنه كان أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بالمدينة فتكون ناسخة لما يخالفها على تقدير التعارض "الأحمر" كذا ذكره معظم الأصحاب.
قال النووي وهو قول جمهور الفقهاء وأهل اللغة لما روى ابن عمر مرفوعا قال "الشفق الحمرة" رواه الدارقطني.
والصحيح وقفه ولأن الشمس أول ما تغرب يعقبها شعاع فإذا بعدت عن
وتعجيلها أفضل إلا ليلة جمع لمن قصدها, ثم العشاء
ـــــــ
الأفق قليلا زال الشعاع وبقيت حمرة ثم ترق الحمرة وتنقلب صفرة ثم بياضا على حسب البعد وعنه الشفق البياض روي عن أبي هريرة وأنس لأخبار لا حجة فيها إن صحت وعنه هو الحمرة في السفر وفي الحضر البياض واختاره الخرقي وعلله بأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فيظن أنها قد غابت والأول أصح لقوله تعالى {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق:16] وقد قال الخليل بن أحمد وغيره البياض لا يغيب إلا عند طلوع الفجر.
"وتعجيلها" أول وقتها "أفضل" إلا لعذر إجماعا لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا وجبت".
وعن رافع بن خديج قال "كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليهما.
"ولما فيه من الخروج من الخلاف "إلا ليلة جمع" وهي ليلة المزدلفة سميت جمعا لاجتماع الناس فيها وهي ليلة عيد الأضحى.
"لمن قصدها" أي لمحرم قصدها فيستحب له تأخيرها ليصليها مع العشاء الآخرة إجماعا لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وكلامهم يقتضي لو دفع من عرفة قبل الغروب وحصل بالمزدلفة وقت الغروب لم يؤخرها ويصليها في وقتها وظاهره تعجيلها أفضل ولو مع غيم في رواية وهو ظاهر المستوعب و الكافي و التلخيص وفي أخرى يسن تأخيرها معه وهو الذي في المحرر وقدمه في الرعاية وهل ذلك لكل مصل أو لمن يخرج إلى الجماعة فيه وجهان.
فائدة: لا يكره تسميتها بالعشاء وبالمغرب أولى.
"ثم العشاء" قال الجوهري العشي والعشية من صلاة المغرب إلى العتمة ,
ووقتها من مغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول, وعنه نصفه
ـــــــ
والعشاء بالكسر والمد مثله وهو اسم لأول الظلام سميت الصلاة بذلك لأنها تفعل فيه ويقال لها عشاء الآخرة وأنكره الأصمعي وغلطوه في إنكاره
"ووقتها من مغيب الشفق" أي المعهود وهو "الأحمر" إن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجبال أو نحوها استظهر حتى يغيب البياض فيستدل به على غيبوبة الحمرة لا لنفسه
ويمتد "إلى ثلث الليل الأول" نص عليه واختاره الأكثر لأن جبريل صلاها بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول حين غاب الشفق وفي اليوم الثاني حين كان ثلث الليل الأول ثم قال " الوقت فيما بين هذين" رواه مسلم
وعن عائشة قالت "كانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل" رواه البخاري "وعنه نصفه" أي يمتد وقت الاختيار إلى نصف الليل اختاره القاضي وابن عقيل والشيخان وقدمه ابن تميم قال في الفروع وهو أظهر لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال "ألا صلى الناس وناموا ألا إنكم في صلاة ما انتظرتموها" متفق عليه
وعن عبد الله بن عمرو مرفوعا قال "وقت العشاء إلى نصف الليل" رواه مسلم
وفي المغني و الشرح أن الأولى أنها لا تؤخر عن ثلث الليل لأنه يجمع الروايات والزيادة تعارضت فيها الأخبار وصححه الحلواني لكن يقال ثبت تأخيرها إلى نصف الليل عنه عليه السلام قولا وفعلا وهو زيادة على الثلث فيكون الأخذ به أولى وفي الوجيز يسن تأخيرها إلى ثلث الليل إن سهل وفي التلخيص وما بينهما وقت جواز .
ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده
ـــــــ
ثم يذهب وقت الاختيار على الخلاف فيه ويبقى وقت الضرورة أي الإدراك إلى طلوع الفجر الثاني لقوله عليه السلام: "ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة أن تؤخر صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى" رواه مسلم من حديث أبي قتادة ولأنه وقت للوتر وهو من توابع العشاء فاقتضى أن يكون وقتا لها لأن التابع إنما يفعل في وقت المتبوع كركعتي الفجر والحكم فيه حكم الضرورة في وقت العصر على ما ذكرناه ويحرم تأخيرها عن وقت الاختيار بلا عذر ذكره الأكثر وقدم في الرعاية وغيرها الكراهة وظاهر الروضة يخرج الوقت مطلقا بخروج وقت الاختيار ولم يذكر في الوجيز لها وقت ضرورة.
قال في الفروع ولعله اكتفى بذكره في العصر وإلا فلا وجه لذلك.
وروى سعيد عن ابن عباس أنه كان يستحب تأخيرها مطلقا.
قال النووي لم يقل أحد من الأئمة إن تأخيرها إلى بعد نصف الليل أفضل من التقديم.
"وهو البياض المعترض في المشرق ولا ظلمة بعده" هذا بيان لمعنى الفجر الثاني ويسمى المستطير لانتشاره في الأفق قال تعالى {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الدهر: 7] أي منتشرا فاشيا ظاهرا والفجر الأول الكاذب المستطيل بلا اعتراض أزرق له شعاع ثم يظلم ولدقته يسمى ذنب السرحان وهو الذئب لأن الضوء يكون في الأعلى دون الأسفل كما أن الشعر يكون على أعلى الذئب دون أسفله.
وقال محمد بن حسنويه سمعت أبا عبد الله يقول الفجر يطلع بليل ولكنه يستره أشجار جنان عدن وهذا قريب مما تقدم في زوال الشمس لابد من ظهوره لنا ولا يكفي وجوده في نفس الأمر.
وتاخيرها أفضل ما لم يشق
ـــــــ
"وتأخيرها" إلى آخر وقتها المختار بحيث يفعلها فيه "أفضل مالم يشق" في قول أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم لما روي أبو برزة قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن تؤخر العشاء التي تدعونها العتمة" متفق عليه.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه" رواه أحمد والترمذي وصححه.
ومحله ما لم تؤخر المغرب لغيم أو جمع وظاهره أنه إذا شق على المأمومين والأصح أو على بعضهم فإنه يكره ونص عليه في رواية الأثرم لأنه عليه السلام كان يأمر بالتخفيف رفقا بهم وظاهره أنها تؤخر ولو مع غيم.
وعنه يستحب تعجيلها معه وهل ذلك لكل مصل أو لمن يخرج إلى الجماعة فيه وجهان ذكرهما ابن تميم.
نعم ويلتحق بما ذكره عادم الماء العالم أو الراجي وجوده في آخر الوقت أن التأخير أفضل وكذا تأخيرها لمصلي كسوف إن أمن فوتها ولو أمره والده بتأخيرها ليصلي معه آخر نص عليه ويقدم في الكل إذا ظن مانعا منها.
فائدة : لا يكره تسميتها بالعتمة في الأصح وهي في اللغة شدة الظلمة والأفضل أن تسمى العشاء.
فرع : يكره النوم قبلها لحديث أبي برزة الأسلمي متفق عليه وعنه بلا موقظ لأنه عليه السلام رخص لعلي رواه أحمد والحديث بعدها في الجملة إلا لشغل وشيء يسير والأصح وأهل وعيال.
وسبب الكراهة أن نومه يتأخر فيخاف منه تفويت الصبح عن وقتها أو عن أوله أو يفوته قيام الليل ممن يعتاده وعلله القرطبي بأن الله جعل الليل سكنا وهذا يخرجه عن ذلك ويستثنى منه ما إذا كان في خير كقراءة حديث ومذاكرة فقه وحكايات الصالحين وإيناس الضيف لأنه خير ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة.
ثم الفجر ووقتها من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس وتعجيلها أفضل
ـــــــ
"ثم الفجر" سمي به لانفجار الصبح وهو ضوء النهار إذا انشق عنه الليل وقال الجوهري هو آخر الليل كالشفق في أوله وقد أفجرنا كما تقول قد أصبحنا من الصبح وهو مثلث الصاد حكاه ابن مالك وهو ما جمع بياضا وحمرة والعرب تقول وجه صبيح لما فيه من بياض وحمرة ولا يكره تسميتها بصلاة الغداة في الأصح وهي من صلاة النهار نص عليه
"و" أول "وقتها من طلوع الفجر الثاني" إجماعا ويسمى الصادق لأنه صدقك عن الصبح
ويمتد وقتها المختار "إلى طلوع الشمس" لما روى عبد الله ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وقت الفجر ما لم تطلع الشمس" رواه مسلم
وقال القاضي وابن عقيل يذهب وقت الاختيار بالإسفار ويبقى وقت الإدراك إلى طلوع الشمس قدمه في الرعاية
فعلى هذا يكره التأخير بعد الإسفار بلا عذر وقيل يحرم
قال ابن البنا وبطلوع الشمس وغروبها يعتبر في كل بلد بحسبه
فائدة: وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول من الصيف والعشاء على العكس
قال الشيخ تقي الدين ومن زعم أن وقت العشاء بقدر حصة الفجر في الشتاء وفي الصيف فقد غلط غلطا بينا باتفاق الناس
"وتعجيلها" أول الوقت إذا تيقنه أو غلب على ظنه "أفضل" قدمه في الكافي و المستوعب و الرعاية ونصره المؤلف وجزم به في الوجيز
قال في الفروع وهي أظهر لما روت عائشة قالت "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن
وعنه إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار
ـــــــ
حين يقضين الصلاة ما يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه
وعن أبي مسعود الأنصاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم غلس بالصبح ثم أسفر ثم لم يعد إلى الإسفار حتى مات" رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه قال الحازمي إسناده ثقات والزيادة من الثقة مقبولة.
قال ابن عبد البر "صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون" ومحال أن يتركوا الأفضل وهم النهاية في إتيان الفضائل.
"وعنه إن أسفر المأمومون فالأفضل الإسفار" وهو الذي في التحقيق وجزم به الشريف وأبو الحسين وأبو الخطاب في رؤوس المسائل.
قال الحلواني العمل عليها وصححها ابن عقيل.
قال القاضي نقلها عبد الله والحسن بن ثواب لفعله عليه السلام في العشاء فينبغي أن يكون في الفجر مثله
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن فقال "يا معاذ إذا كان الشتاء فغلس بالفجر وإذا كان الصيف فأسفر فإن الليل قصير والناس ينامون" رواه أبو سعيد الأموي في مغازيه والبغوي في شرح السنة.
وظاهره اعتبار حال المأمومين كلهم والمذهب كما صرح به الشيرازي والجد أو أكثرهم ولعله مراد من أطلق.
وعنه الإسفار أفضل مطلقا لما روى الطحاوي عن محمد بن خزيمة عن القعنبي عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن إبراهيم قال "ما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على شيء ما اجتمعوا على التنوير"
وعن علي وابن مسعود أنهما كانا يسفران بها رواه سعيد.
وعن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان ويستثنى من ذلك الحاج
ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها ومن شك في دخول الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله
ـــــــ
بمزدلفة لكن حكى الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق أن معنى الإسفار أن يضيء الفجر فلا يشك فيه
قال الجوهري أسفر الصبح أي أضاء يقال أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته وأظهرته.
"ومن أدرك تكبيرة الإحرام من صلاة في وقتها فقد أدركها" جزم به في التلخيص وقدمه في الرعاية و الفروع واختاره أبو الخطاب لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها" رواه مسلم وللبخاري فليتم صلاته وكإدراك الجمعة والمسافر صلاة المقيم وذكر القاضي أنه يدركها بإدراك أي جزء كان.
قال وهو ظاهر كلام الإمام وظاهره لا فرق بين أن يكون أخرها لعذر كحائض تطهر ومجنون يفيق أو لغيره.
ومحله الجمعة كما قيده في الوجيز وغيره وهو الأصح فيها.
وعنه لا يدرك بدون ركعة اختارها الخرقي وصححها الحلواني لتخصيص الشارع الإدراك بالركعة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وكالجمعة ومقتضاه أن الصلاة كلها أداء إذا وقع بعضها خارج الوقت في ظاهر المذهب ولو صلى دون ركعة ولهذا ينويه وقطع به أبو المعالي في المعذور اعتبارا بالتحريمة وقيل ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين قبل قوله وإن كان عن ظن لم يقبله قضاء اعتبارا بالسلام فإنه وقت سقوط الفرض وقيل الخارج عن الوقت ولا تبطل بخروج وقتها وهو فيها خلافا لأبي حنيفة في الفجر لوجوبها كاملة فلا تؤدى ناقصة ومثله عصر أمسه تغرب وهو فيها.
"ومن شك في" دخول "الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله" لأن
فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين قبل قوله, وإن كان على ظن لم يقبله
ـــــــ
الأصل عدم دخوله فلو صلى مع الشك لم يصح وإن أصاب كما لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد وقال ابن حمدان من أحرم بفرض مع ما ينافيه لا مع ما ينافي الصلاة عمدا أو جهلا أو سهوا فسد فرضه ونفله يحتمل وجهين فلو غلب على ظنه دخوله كمن له صنعة جرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة أو قارئ جرت عادته بقراءة شيء فقرأه جازت صلاته جزم به جماعة لأنه أمر اجتهادي فاكتفى فيه بغلبة الظن كغيره ولأن الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظن ولا يعيد بحال صرح به في المحرر إلا أن يتيقن أن صلاته قبل الوقت وأما إذا تيقن كالعالم بالمواقيت ودقائق الساعات وسير الكواكب إذا لم يكن في السماء علة ولا مانع فمن باب أولى.
وقيل إن قدر على اليقين لم يعمل بالظن وهوظاهر ما قدمه ابن تميم "فإن أخبره بذلك" أي بدخول الوقت "مخبر" ثقة "عن يقين" علم بأن قال رأيت الفجر طالعا والشفق غاربا "قبل قوله" لأن خبره مع الثقة يفيد وجوب العمل به ولأنه خبر ديني أشبه الرواية وظاهره ولو أمكنه اليقين.
"وإن كان عن ظن لم يقبله" لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه وتحصيل مثل ظنه أشبه حال اشتباه القبلة زاد ابن تميم وغيره إلا أن يتعذر عليه الاجتهاد فيعمل بقوله والأعمى والمطمور القادران على التوصل بالاستدلال كالبصير القادر لاستوائهما في إمكان التقدير بمرور الزمان فإن كان الأعمى عاجزا عن معرفته بنفسه قلد بصيرا عالما به فإن عدم من يقلده فاجتهد وصلى أعاد إن أخطأ وإلا فلا ذكره السامري وغيره وسيأتي والأصح أنه يعيد مطلقا.
تذنيب : إذا سمع أذان ثقة عارف بالوقت فله تقليده لأن الظاهر أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت فجرى مجرى خبره ولأنه مؤتمن لكن قال ابن عقيل وأبو المعالي وابن تميم لا يعمل به في دار الحرب حتى يعلم إسلامه ,
ومن اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت أو ما ببعده أجزأه, وإن وافق قبله لم يجزئه, ومن أدرك من الوقت قدر تكبيرة ثم
ـــــــ
وفي كتاب أبي المعالي و الرعاية لا أذان في غيم لأنه عن اجتهاد ويجتهد هو فدل أنه لو عرف أنه يعرف الوقت بالساعات أو تقليد عارف عمل به جزم به المجد وقال الشيخ تقي الدين قال بعض أصحابنا لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت وهو خلاف مذهب أحمد وسائر العلماء المعتبرين.
قلت من الأمارات صياح الديك المجرب وكثرة المؤذنين.
"ومتى اجتهد" قال الجوهري الاجتهاد بذل الوسع في المجهود وفي الروضة الاجتهاد التام أن يبذل الوسع في الطلب إلى أن يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب "وصلى فبان أنه وافق الوقت" أجزأه لأن الصلاة وقعت الموقع لكونه أدى ما خوطب به وفرض عليه "أو ما بعده أجزأه" لأن الصلاة تقع بعد الوقت قضاء وهو مسقط للفرض ومجزئ عنه "وإن وافق قبله لم يجزئه" لأنه أداها قبل وقت الوجوب وتكون نفلا صرح به في الوجيز و الرعاية وكذا إذا ظن أن عليه فائتة فأحرم بها فبان أنها ليست عليه وقيل تبطل.
وذكر ابن تميم وغيره أنه إذا أخبره ثقة عن علم أنه صلى قبل الوقت أعاد وإلا فلا.
ولا بد من الفرق فيما إذا اجتهد في القبلة وصلى فلا إعادة عليه وإن أخطأ بخلاف الاجتهاد في الوقت والفرق بينهما أن المجتهد في القبلة أدى الصلاة بعد وجوبها عليه وفي الوقت أداها قبل وجوبها ثم تجدد سبب الوجوب وأيضا فإن تحصيل اليقين في الوقت ممكن بخلاف القبلة ذكره ابن المنجا وفي الآخر نظر.
"ومن أدرك من الوقت" وهو مكلف "قدر تكبيرة" أي تكبيرة الإحرام ولكن أطلقه أحمد والأصحاب فلهذا قيل يجزئ "ثم" طرأ ما يسقط ,
جن أو حاضت المرأة لزمهم القضاء وإن بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس بقدر تكبيرة لزمهم الصبح وإن كان قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر.
ـــــــ
الفرض عنه كما إذا "جن أو حاضت المرأة لزمهم القضاء" ذكره الأكثر وجزم به في الوجيز لأنها وجبت بدخول الوقت والأصل عدم سقوطها وكآخر الوقت وكالتي أمكن أداؤها.
وظاهر كلامهم أن المسألة مصورة بدخول الوقت ولكن إدراك جزء من الوسط كذلك.
وعنه إنه لا قضاء عليه إلا أن يدرك منه ما يتمكن من فعلها اختاره ابن أبي موسى وابن بطة كما لو طرأ العذر قبل دخول الوقت واختار الشيخ تقي الدين أن يضيق الوقت وفي وجوب الثانية من صلاتي الجمع بوجوب الأولى روايتان إحداهما يجب ويلزمه قضاؤها كما لو أدرك جزء من وقت العصر والثانية لا وهي الأصح لأنه لم يدرك شيئا من وقتها ولا وقت تبعها أشبه من لم يدرك شيئا بخلاف الثانية فإنها تفعل تبعا للأولى فمدرك وقتها مدرك لجزءمن وقت تبع الأولى.
"وإن" طرأ تكليف بأن "بلغ صبي أو أسلم كافر أو أفاق مجنون أو طهرت حائض قبل طلوع الشمس" ولو "بقدر تكبيرة" وهو الأصح وقيل يجزئ كبعض تكبيرة وفي الفروع وظاهر ما ذكره أبو المعالي حكاية القول بإمكان الأداء وقد يؤخذ منه حكاية القول بركعة فتكون فائدة المسألة وهو متجه "لزمهم الصبح" أي صلاة الصبح لما تقدم من قوله "من أدرك سجدة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها" فقوله سجدة أي مقدار سجدة "وإن كان ذلك قبل غروب الشمس لزمهم الظهر والعصر" لما روى سعيد والأثرم عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف أنهما قالا إذا طهرت الحائض قبل مغيب الشمس صلت الظهر والعصر وإذا رأت الطهر قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب والعشاء ورواه الخلال والبيهقي عن عبد الرحمن وفي
وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء ومن فاتته صلوات لزمه قضاؤها على الفور مرتبا
ـــــــ
الإسناد ضعف ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف قال أحمد عامة التابعين يقولون به إلا الحسن وحده قال لا تجب إلا الصلاة التي طهرت فيها لأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها كما يلزمه فرض الثانية ولأن ما دون الركعة تجب به الثانية فوجبت به الأولى كالركعة وظاهره ولو لم يتسع لفعلها وقدر ما تجب به الثانية ولا يعتبر زمن يتسع للطهارة نص عليه "وإن كان قبل طلوع الفجر لزمهم المغرب والعشاء" لما ذكرناه وعلل أبو الخطاب ذلك بأن من لزمه عصر يومه لزمه ظهر يومه كالمغمى عليه إذا أفاق قبل الغروب ومن فاتته صلوات بعذر أو غيره لزمه قضاؤها وفاقا وقال بعض الظاهرية المعذور لا يقضي واختاره الشيخ تقي الدين وحكاه ابن كج عن ابن بنت الشافعي وحكمته التغليط عليه.
"على الفور" في المنصوص إن لم يتضرر في بدنه أو معيشة يحتاجها نص عليه لما روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه ولفظه للبخاري.
وفي رواية "من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها" رواه الدارقطني بإسناد فيه ضعف.
فأمر بالصلاة عند الذكر والأمر للوجوب وإنما تحول عليه السلام بأصحابه لما ناموا وقال " إن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان" لأنه سنة كفعل سنة قبل الفرض وقيل لا يجب القضاء على الفور وعلى الأول يجوز التأخير لفرض صحيح كانتظار رفقة أو جماعة للصلاة.
"مرتبا" على الأصح لما روى جابر عن عمر بن الخطاب "أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة العصر يوم الخندق فصلاها بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب" متفق عليه .
قلت: أو كثرت
ـــــــ
وعن ابن عمر مرفوعا " من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام" رواه أبو بكر وأبو يعلى الموصلي بإسناد حسن ولأنها صلوات مؤقتات فوجب الترتيب فيها كالمجموعتين ولأن القضاء يحكي الأداء فظاهره يختص بحالة العذر.
وجوابه أنه إذا وجبت الفورية والترتيب على المعذور فغيره أولى وإنما قيده بالنسيان لأنه قد خرج على سبب وعنه لا يجب الترتيب قاله في المبهج لأن كل واحدة عبادة مستقلة والأداء إنما كان واجبا في الأول لضرورة الوقت كالصوم وأسقط القاضي في موضع الفورية والترتيب فيما زاد على خمس وعلى الأول الترتيب شرط لصحتها فلو أخل به لم يصح كالركوع والسجود.
قال في الفروع ويتوجه احتمال يجب الترتيب ولا يعتبر للصحة.
مسألة: يستحب أن يصلي الفائتة جماعة ومن شك فيما عليه من الصلاة فإن شك في زمن الوجوب قضى ما يعلم وجوبه وإن شك في الصلاة بعد الوجوب قضي ما يعلم به براءة ذمته نص عليه.
"قلت" الفوائت "أو كثرت" لأن الترتيب واجب فلم يسقط بالكثرة كما لو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها لكن إذا قلت الفوائت قضاها بسننها وإن كثرت فالأولى الاقتصار على الفرض لفعله عليه السلام يوم الخندق واستثنى أحمد سنة الفجر وقال لا يهملها وقال في الوتر إن شاء قضاه وإن شاء فلا ونقل مهنا يقضي سنة الفجر لا الوتر لأنه دونها وأطلق القاضي وغيره يقضي السنن والوتر كما يقضي غيره من الرواتب نص عليه ولا يصح نفل مطلق على الأصح لتحريمه كأوقات النهي وكذا يتخرج في النفل المبتدأ بعد الإقامة أو عند ضيق وقت المؤداة مع علمه بذلك وتحريمه.
فائدة : قال الشيخ تقي الدين إن عجز فمات بعد التوبة غفر له قال:
فإن خشي فوات الحاضرة
ـــــــ
ولا تسقط بحج ولا تضعيف صلاة في المساجد الثلاثة ولاغير ذلك
"فإن خشي فوات الحاضرة" سقط وجوب الترتيب في الصحيح المشهور في المذهب لئلا تصيرا فائتتين وفعل الحاضرة آكد بدليل أنه يقتل بتركها بخلاف الفائتة ولأن ترك الترتيب أيسر من ترك الوقت وعنه لا يسقط اختاره الخلال لأنه ترتيب فلم يسقط بضيق الوقت كترتيب الركوع والسجود ونقل ابن منصور إذاكثرت الفوائت بحيث لا يتسع لها وقت الحاضرة صلى الحاضرة في أول وقتها وهي اختيار أبي حفص وصححه في المغني لأنه إذا لم يكن بد من الإخلال بالترتيب ففعلها في أول الوقت لتحصل فضيلة الوقت والجماعة أولى ولأن فيه مشقة فإنه يتعذر معرفة آخر الوقت في حق أكثر الناس
فعلى الأول المراد بفوات الحاضرة ضيق وقتها حتى لا يتسع لفعلهما جميعا
وقيل: ما لا يتسع لفعل الفائتة وإدراك الحاضرة
وهل خروج وقت الاختيار كخروج الوقت؟ فيه وجهان
ولا يشتغل عن الحاضرة بالقضاء فإن خالف وقضى صح نص عليه لا نافلة في الأصح وظاهره لا فرق بين الحاضرة أن تكون جمعة أو غيرها فإن خوف فوت الجمعة كضيق الوقت في سقوط الترتيب نص عليه فيصلي الجمعة قبل القضاء وعنه لا يسقط قال جماعة لكن عليه فعل الجمعة في الأصح ثم يقضيها ظهرا فإن كان الذي عليه الفائتة الإمام في الجمعة وصلاها مع ذكره فإن سقط الترتيب لضيق الوقت صحت الجمعة وقضى ما عليه وإن قلنا لا يسقط أعاد الجمعة إن كان الوقت باقيا فإن ذكر الفائتة قبل إحرامه بالجمعة استناب فيها وقضى الفائتة فإن أدرك الجمعة مع نائبه وإلا صلى ظهرا وإن لم يفعل وصلى بهم فعلى الخلاف
وقيل: يلزمه أن يقضي ثم يأتي بما يدرك به الجمعة وهو أشبه.
أو نسي الترتيب سقط وجوبه
ـــــــ
أو نسي الترتيب بين فوائت حال قضائها أو بين حاضرة وفائتة حتى فرغ منها.
"سقط وجوبه" وليس عليه إعادة نص عليه في رواية الجماعة لقوله عليه السلام "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان" ولأن المنسية ليس عليها أمارة فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام.
وعنه لا تسقط مع النسيان كالمجموعتين.
وجوابه أنه لا يتحقق فيهما إذ لابد من نية الجمع وهو متعذر مع النسيان.
وظاهره لا فرق بين أن يكون ذكر الفائتة ثم نسيها أو لم يسبق لها ذكر وأنه لا يسقط الترتيب بخشية فوات الجماعة في الحاضرة على الأصح ولا بالجهل بوجوبه في الأصح لأنه نادر ولأنه اعتقد بجهله خلاف الأصل وهو الترتيب فلم يعذر فلو صلى الظهر ثم الفجر جاهلا ثم صلى العصر في وقتها صحت عصره لاعتقاده لا صلاة عليه كمن صلاها ثم تيقن أنه صلى الظهر بلا وضوء أعاد الظهر وإن نسي ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابقة فعنه يبدأ بالظهر ثم بالعصر اعتبارا بالترتيب الشرعي وعنه يتحرى فإن استويا فعنه بما شاء وعنه يصلي ظهرين بينهما عصرا وبالعكس لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين قال في المغني وهو القياس.
فرع: إذا ذكر فائتة في حاضرة أتمها غيرالإمام وعنه نفلا وقيل فرضا وعنه تبطل وإن نسي صلاة من خمس يجهل عينها صلى خمسا نص عليه بنية الفرض وعنه فجرا ثم مغربا ثم رباعية وإن ترك عشر سجدات من صلاة شهرا قضى صلاة عشرة أيام لجواز تركه كل يوم سجدة ذكره أبو المعالي.
باب ستر العورة
وهو الشرط الثالث: وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب
ـــــــ
باب ستر العورةالعورة في اللغة النقصان والشيء المستقبح ومنه كلمة عوراء أي قبيحة فهي سوءة الإنسان وكل ما يستحيى منه وسميت عورة لقبح ظهورها ثم إنها تطلق على ما يجب سترها في الصلاة وهو المراد هنا وعلى ما يحرم النظر إليه وسيأتي في النكاح.
"وهو الشرط الثالث" في قول أكثر العلماء.
قال ابن عبد البر أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به أو صلى عريانا لقوله تعالى {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [لأعراف: 31] لأنها وإن كانت نزلت بسبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولقوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث عائشة ورواه الحاكم وقال على شرط مسلم والمراد بالحائض البالغ ولأنه عليه السلام نهى عن الطواف بالبيت عريانا فالصلاة أولى لأنها أعلى وآكد منه.
والأحسن في الاستدلال أن يقال انعقد الإجماع على الأمر به في الصلاة والأمر بالشيء نهي عن ضده فيكون منهيا عن الصلاة مع كشف العورة والنهي في العبادات يدل على الفساد وهذا محله عند القدرة فإن عجز عنه وجب أن يصلي عريانا.
"وسترها" لا من أسفل والأظهر بلى إن تيسر النظر "عن النظر بما لا يصف البشرة" أي السواد والبياض "واجب" لأن الستر إنما يحصل بذلك فدل
وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة
ـــــــ
على أنه إذا وصف بياض الجلد أو حمرته فليس بساتر وإذا ستر اللون ووصف الخلقة أي حجم العضو صحت الصلاة فيه لأن البشرة مستورة وهذا لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقا ويكفي نبات ونحوه وقيل لا يكفي حشيش مع وجود ثوب ويكفي متصل به كيده ولحيته على الأصح وفي لزوم طين وماء كدر لعدم وجهان لا بارية وحصير ونحوهما مما يضر ولا حفيرة واختار ابن عقيل يجب الطين لا الماء ويكون من فوق.
وظاهره أنه يجب سترها في غيرالصلاة بين الناس وفي الرعاية يجب سترها مطلقا حتى خلوة عن نظر نفسه لأنه يحرم كشفها خلوة بلا حاجة فيحرم نظرها لأنه استدامة لكشفها المحرم.
قال في الفروع ولم أجد تصريحا بخلاف هذا لا أنه يحرم نظر عورته حيث جاز كشفها فإنه لا يحرم هو ولا لمسها اتفاقا وقد قال أبو المعالي إذا وجب سترها في الصلاة عن نفسه وعن الأجانب فهل يجب عن نفسه إذا خلا فيه وجهان أحدهما يجب الستر عن الملائكة والجن والثاني يجوز.
وقوله واجب مطلقا إلا لضرورة كتداو ونحوه أو لأحد الزوجين ولأمته المباحة أو هي لسيدها.
"وعورة الرجل والأمة ما بين السرة والركبة" نص أحمد أن عورة الرجل ما ذكره لما روي عن علي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت" رواته ثقات رواه ابن ماجة وأبو داود وقال هذا الحديث فيه نكارة قال ابن المنجا رواه أحمد وفيه نظر وعن جرهد الأسلمي قال "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشفت فخذي فقال: "غط فخذك فإن الفخذ عورة" رواه مالك وأحمد وغيرهما وفي إسناده اضطراب.
و عنه أنها الفرجان
ـــــــ
ولا فرق بين الحر والعبد وكذا من بلغ عشرا في الأصح وأما الأمة فذكر معظم الأصحاب وهو المذهب أن عورتها كالرجل لما روى عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال: "إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته فإن ما تحت السرة إلى ركبته عورة" رواه أحمد وأبو داود يريد به الأمة فإن الأجير والعبد لا يختلف حاله بالتزويج وعدمه وكان عمر ينهى الإماء عن التقنع وقال إنما القناع للحرائر واشتهر ذلك ولم ينكر فكان كالإجماع.
وظاهره أن الركبة والسرة ليستا من العورة وهو الأصح وعنه والركبة لخبر ضعيف وعنه وهما ذكره ابن عقيل.
"وعنه أنها الفرجان" نقلها عنه مهنا واختاره المجد وغيره في الرجل قال في الفروع وهذا أظهر لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم" متفق عليه ولمسلم "فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل أبو بكر وعمر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو كاشف فخذيه لم يغطهما" رواه أحمد من حديث عائشة ولأنه ليس بمخرج فلم يكن عورة كالساق وسمى الشارع الفخذ عورة لتأكد الاستحباب.
قال البخاري ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم " الفخذ عورة" وقال أنس "حسر النبي صلى الله عليه وسلم الإزار عن فخذه" وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط.
وقال الطحاوي وقد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار متواترة فيها أن الفخذ عورة ولم يضادها أثر صحيح.
وظاهر هذه الرواية مشاركة الأمة للرجل فيها.
قال ابن المنجا لم أجد في كتب الأصحاب تصريحا بأن عورة الأمة الفرجان
والحرة البالغة كلها عورة إلا الوجه, وفي الكفين روايتان
ـــــــ
في رواية وفيه نظر فإن أئمة من الأثبات قد نقلوها منهم أبو الخطاب والشيرازي.
وعنه ما لا يظهر غالبا اختارها أبو الحسين والمجد وقدمها في الكافي وجزم بها في الوجيز لأنه لا يظهر غالبا أشبه ما تحت السرة.
وقيل البرزة كالرجل دون الخفرة وقيل ما عدا رأسها عورة وهو ظاهر الخرقي وعلى الأول يسن ستر رأسها في الصلاة.
فرع إذا أعتقت وهي في الصلاة مكشوفة الرأس ووجدت سترة كالعريان يجدها فإن لم تعلم بالعتق أو علمت به ولم تعلم بوجوب الستر فصلاتها باطلة لأن شرط الصلاة لا يعذر فيها بالجهل وإن لم تجد سترة أتمت صلاتها ولا إعادة.
"والحرة" البالغة "كلها عورة" حتى ظفرها نص عليه ذكر ابن هبيرة أنه المشهور وقال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المرأة عورة" رواه الترمذي وقال حسن صحيح وعن أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم " أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها" رواه أبو داود وصحح عبد الحق وغيره أنه موقوف على أم سلمة وكرأسها وساقها فإنها بالإجماع.
"إلا الوجه" لا خلاف في المذهب أنه يجوز للمرأة الحرة كشف وجهها في الصلاة ذكره في المغني وغيره وقد أطلق أحمد القول عورة وهو محمول على ما عدا الوجه أوعلى غيرالصلاة وذكر ابن تميم رواية أنه عورة وذكر القاضي عكسها إجماعا.
"وفي الكفين" ظهرا وبطنا إلى الكوعين "روايتان" الأولى وهي المذهب سبق
وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة وعنه: كالحرة
ـــــــ
حكمها والثانية أنهما ليسا من العورة كالوجه واختاره المجد وجزم به في العمدة و الوجيز لقوله تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال ابن عباس وعائشة "وجهها وكفيها" رواه البيهقي وفيه ضعف
ولأنه يحرم سترهما في الإحرام كما يحرم ستر الوجه ويظهران غالبا وتدعو الحاجة إلى كشفهما للبيع وغيره كالوجه.
وقال الشيخ تقي الدين والقدمين أيضا هذا كله في الحرة البالغة أما غيرالبالغة كالمراهقة والمميزة فكالأمة وظاهر إطلاق المؤلف يخالفه.
"وأم الولد والمعتق بعضها كالأمة" قدمه في الكافي و الفروع لأن الرق باق فيهما والمقتضي للستر بالإجماع هو الحرية الكاملة ولم توجد فتبقى على الأصل وكونهما لا ينقل الملك فيهما لا يخرجهما عن حكم الإماء كالموقوفة وانعقاد سبب الحرية في أم الولد لا يؤثر كالمكاتبة لكن يستحب لهما ستر الرأس لما فيهما من شبه الأحرار وللخروج من الخلاف والأخذ بالاحتياط.
"وعنه كالحرة" قدمه ابن تميم لأن أم الولد لا تباع ولا ينقل الملك فيها والمعتق بعضها فيها حرية تقتضي الستر فوجب كالحرة وقدم في المحرر أن أم الولد كالأمة وصحح في المعتق بعضها أنها كالحرة وجزم به في الوجيز لأن فيها حرية يغلب حكمها احتياطا للعبادة كما وجب على الخنثى المشكل ستر فرجيه احتياطا وقدم في التلخيص أن أم الولد كحرة وفي المعتق بعضها روايتان.
فرع المكاتبة والمدبرة والمعلق عتقها بصفة كالقن لأنه يجوز بيعهن وعتقهن كالقن وعنه كحرة وعنه المدبرة كأم الولد.
تنبيه : لم يتعرض المؤلف لعورة الخنثى المشكل والمذهب أنه كرجل لأن الأصل عدم وجوب الستر فلا نوجبه بالشك ويحب ستر فرجيه وإن قلنا العورة الفرجان فقط لأن أحدهما فرج حقيقي ولا يتحقق ستره إلا بسترهما وعنه كامرأة ذكره القاضي وقدمه السامري قال ابن
ويستحب للرجل أن يصلي في ثوبين فإن اقتصر على ستر العورةأجزأإذا كان على عاتقه شيئ من اللباس،
ـــــــ
حمدان وهو أولى لأنه يحتمل أن يكون امرأة فوجب ذلك احتياطا.
"ويستحب للرجل" حرا كان أو عبدا "أن يصلي في ثوبين" ذكره بعضهم إجماعا.
قال ابن تميم وغيره مع ستر رأسه بعمامة لما روى أبو هريرة "أن سائلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد فقال أولكلكم ثوبان" متفق عليه زاد البخاري ثم سأل رجل عمر فقال إذا وسع الله عليكم فأوسعوا.
وقال إبراهيم كانوا يستحبون إذا وسع الله عليهم أن لا يصلي أحدهم في أقل من ثوبين.
قال القاضي وهو في الإمام آكد ونقله أبو طالب لأنه بين يدي المأمومين وتتعلق صلاتهم بصلاته وصرح ابن تميم أنه لا يكره أن يصلي في ثوب واحد إذا ستر عورته وعاتقيه.
قال في الشرح فإن لم يكن إلا ثوب واحد فالقميص أولى لأنه أبلغ ثم الرداء ثم المئزر والسراويل.
"فإن اقتصر على ستر" هو بفتح السين مصدر ستر وبكسرها ما يستر به "العورة أجزأه إذا كان على عاتقه" شيء من اللباس وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض العورة أجزأه إذا كان على عاتقه هو موضع الرداء من المنكب شيء من اللباس يجب ستر عاتقه نص عليه مع القدرة ذكره الجماعة لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء" رواه البخاري ومسلم وقال "على عاتقيه" ولأحمد اللفظان وظاهره لا فرق بين الفرض والنفل وهو ظاهر الخرقي لقول إبراهيم كانوا يكرهون إعراء المناكب في الصلاة رواه سعيد ولأن ما اشترط للفرض اشترط للنفل كالطهارة.
وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض، ويستحب للمرأة أن تصلي في درع ، وخمار ، وملحفة
ـــــــ
وعنه: سنة لأنه ليس بعورة أشبه بقية البدن وعلى الأول يجزئه ستر أحد عاتقيه نص عليه وهو قول الأكثر.
وعنه: يجب سترهما ذكره السامري وصاحب التلخيص واقتصر ابن هبيرة في حكايته عن أحمد.
وفي وجه: يجزئه ستر عاتقيه أو أحدهما قدمه في الرعاية.
وفي آخر: يجزئه وضع خيط ونحوه لأن هذا شيء فيتناوله الخبر وفي آخر يجزئه ما يسمى لباسا وإن قل دون حبل ونحوه وهذا ظاهر الخرقي وقدمه في الكافي .
ومتى قلنا بوجوبه فهو شرط لصحة الصلاة في ظاهر المذهب.
قال القاضي وعليه أصحابنا لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه.
وعنه ليس بشرط ذكره القاضي وابن عقيل وحملها المؤلف على أنه لا يجب ستر المنكبين جميعا لا أنها تنفي الشرطية.
"وقال القاضي يجزئه ستر العورة في النفل دون الفرض" يعني إذا اقتصر على ستر العورة دون المنكبين أجزأه في صلاة النفل دون الفرض نص عليه في رواية حنبل ذكره السامري وغيره وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية لأن مبناه على التخفيف ولذلك يسامح فيه بترك القيام والاستقبال في حال سيره مع القدرة فسومح فيه بهذا القدر "ويستحب للمرأة" الحرة "أن تصلي في درع" قيل اسم لقميصها وقال الإمام أحمد هو شبه القميص لكنه سابغ يغطي قدميها وخمار هو ما تغطي به رأسها "وملحفة" هو شيء تلتحف به من فوق الدرع روي استحباب ذلك عن عمر وابنه وعائشة.
روى محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سليمان التيمي عن محمد بن
فإن اقتصرت على ستر عورتها أجزأها وإذا انكشف من العورة يسير لا يفحش في النظر لم تبطل صلاته وإن فحش بطلت
ـــــــ
سيرين عن أبي هريرة عن عمر بن الخطاب قال تصلي المرأة في درع وخمار وإزار وحكمته المبالغة في سترها ولا تبين عجيزتها
"فإن اقتصرت على ستر عورتها أجزأها" لماروى عن أم سلمة وميمونة "أنهما كانتا تصليان في درع وخمار ليس عليهما إزار" رواه مالك
قال أحمد اتفق عامتهم على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر ولأنها سترت ما يجب عليها ستره أشبهت الرجل ويكره أن تصلي في نقاب وبرقع نص على ذلك ولا تضم ثيابها زاد السامري في حال قيامها
"وإذا انكشف من العورة يسير لا يفحش في النظر" عرفا "لم تبطل صلاته" نص عليه واختاره السامري وقدمه في التلخيص و المحرر لما روي أن عمرو بن سلمة كان يؤم قومه قال عمرو وكانت علي بردة إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي ألا تغطوا عنا أست قارئكم رواه البخاري ولأن ثياب الفقراء لا تخلو من خرق وثياب الأغنياء من فتق والاحتراز من ذلك يشق فعفي عنه كيسير الدم
وعنه تبطل مطلقا اختاره الآجري لأنه حكم معلق بالعورة فاستوى قليله وكثيره كالنظر ولو عبر بقوله يسير وهو ما لا يفحش كأبي الخطاب والمجد لكان أولى
"وإن فحش بطلت" لأن التحرز منه ممكن من غير مشقة أشبه سائر العورة وحكى ابن المنذر الإجماع على أن المرأة الحرة إذا صلت وجميع رأسها مكشوف أن عليها الإعادة والأصل وجوب ستر جميعها فعفي عنه في اليسير غير الفاحش للنص وللمشقة فيبقى ما عداه على مقتضى الأصل وظاهره لا فرق بين الرجل والمرأة ولا بين الفرجين وغيرهما
قال في الشرح وغيره إلا أن العورة المغلظة يفحش منها ما لا يفحش من
ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته
ـــــــ
غيرها فاعتبر الفحش كل عضو بحسبه وهو معنى ما ذكره ابن عقيل أنه يعفى عن يسير المخففة دون المغلظة وظاهره ولو قصر زمنه وكشف كثير في زمن يسير ككشف يسير سهوا في زمن طويل قال في الرعاية إن فحش أو طال زمنه وإلا فروايتان.
تنبيه : إذا انكشفت عورته سهوا وقال ابن تميم أو عمدا فسترها في الحال عفي عنه ولم تبطل صلاته لأنه يسير في زمن يسير.
وعنه لا كما لو طال زمنه.
وقال التميمي إن بدت عورته وقتا واستترت آخر لم يعد للخبر فلم يشترط اليسير.
قال في المغني ولا بد من اشتراطه لأنه يفحش وإذا أطارت الريح سترته واحتاج عملا كثيرا في أخذها فوجهان
"ومن صلى في ثوب حرير أو مغصوب لم تصح صلاته" هذا هو المشهور عن أحمد في الثوب المغصوب لما روى أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا بقية عن عثمان بن زفر عن هاشم الأوقص عن نافع عن ابن عمر أنه قال "من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفيه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة مادام عليه ثم أدخل أصبعيه في أذنيه وقال صمتا إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله".
قال البخاري هاشم غيرثقة وبقية مدلس ولأن قيامه وقعوده ولبثه فيه محرم منهي عنه فلم يقع عبادة كالصلاة في زمن الحيض وكالنجس وحكم الجزء المشاع أو المعين كذلك ذكره ابن عقيل وهذا إذا كان ذاكرا عالما وظاهره يعم الرجل والمرأة وهو كذلك في المغصوب.
وأما الحرير فتصح صلاة المرأة فيه لإباحته لها وكذا الرجل في حالة العذر,
وعنه تصح مع التحريم ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه
ـــــــ
ولو عبر بمن صلى في ثوب محرم عليه كما في الوجيز لاستقام وظاهره ولا فرق بين الفرض والنفل لأن ما كان شرطا في الفرض فهو شرط للنفل وقيده في الشرح بما إذا كان هو الساتر لها واختاره ابن الجوزي.
وعنه إن علم النهي لم يصح وإلا صحت.
"وعنه تصح مع التحريم" اختاره الخلال وصاحب الفنون لأن النهي لا يعود إلى الصلاة وكعمامة مغصوبة وخاتم ذهب وخف وتكة في الأصح وقيل بل مع الكراهة وهو ظاهر المستوعب وعنه الوقف في التكة وعنه يقف على إجازة المالك وعنه إن كان شعارا لم يصح جزم به في الوجيز وقال أبو بكر إن صلى في خاتم حديد أو صفر أعاد وعلى الأول لو جهل أو نسي كونه غصبا أو حريرا أو حبس بغصب حتى صلى فيه صحت على الأصح.
تنبيه إذا لم يجد غير سترة حرير صلى فيها ولا إعادة.
وقيل روايتان ويصلي عريانا مع مغصوب فلو صلى فيه أو غصب ستارة الكعبة وصلى لم تصح على الأشهر.
والحرير أولى من النجس قاله ابن حمدان ولا يصح نفل آبق ذكره ابن عقيل.
فرع: لم يتعرض المؤلف للخنثى المشكل في الحرير والأشهر أنه في الصلاة وعنه وغيرها كرجل قاله القاضي
"ومن لم يجد إلا ثوبا نجسا صلى فيه" لأن ستر العورة آكد من إزالة النجاسة لتعلق حق الآدمي به في ستر عورته ووجوبه في الصلاة وغيرها فكان تقديمه أولى لكونه متفقا على اشتراطه فلو صلى عريانا مع وجوده أعاد قولا واحدا.
وعنه: لا يصلي فيه حتى يضيق الوقت.
وعلى الأول لو كان نجس العين كجلد ميتة صلى عريانا من غير إعادة.
وأعاد على المنصوص ويتخرج أن لا يعيد بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإنه قال لا إعادة عليه ومن لم يجد إلا مايستر عورته سترها
ـــــــ
ذكره بعضهم فلو كان معه ثوبان نجسان صلى في أقلهما وأخفهما نجاسة.
"وأعاد" ما صلى فيه "على المنصوص" وهو المذهب لأنه أخل بشرط الصلاة مع القدرة عليه أشبه ما لو صلى محدثا ويستثنى منه ما إذا عجز عن إزالتها فإنه يصلي ولا يعيد لأنه شرط عجز عنه فسقط كالسترة ذكره في الكافي.
"ويتخرج أن لا يعيد" هذا رواية عن أحمد واختاره المؤلف وجزم به في التبصرة لأن الشرع منعه نزعه أشبه إذا لم يمكنه وكالعجز عن السترة "بناء على من صلى في موضع نجس لا يمكنه الخروج منه فإنه قال لا إعادة عليه" لأنه عاجز عن الشرط فلم يلزمه كمن عدم الماء فخرج جماعة فيه رواية من الإعادة في الثوب وخرجوا في الثوب من المكان ولم يخرج آخرون وهو أظهر لظهور الفرق لأن من لم يجد إلا ثوبا نجسا له حالتان يمكنه الصلاة معها مع الخلل لأنه إذا صلى عريانا لم يحمل النجاسة فقد فاته السترة وحدها وإذا صلى في الثوب النجس فقد فاتته طهارة الثوب وحده فاختيار إحدى الحالتين على الأخرى يوجب الإعادة استدراكا للخلل الحاصل بترك الشرط الذي كان مقدورا عليه من وجه بخلاف المحبوس في المكان النجس فإنه ليس له إلا حالة واحدة وهي الصلاة فالشرط ليس بمقدور عليه من كل وجه وخرج في التعليق رواية عدم الإعادة في الثوب من عدم الطهورين.
تنبيه : لم يتعرض المؤلف لكيفية الصلاة في الموضع النجس والمنصوص أنه يجلس على قدميه ويومئ بالركوع والسجود قدمه السامري وغيره وعنه يومئ غاية ما يمكنه وعنه يسجد بالأرض ومحله ما إذا كانت النجاسة يابسة أما إذا كانت رطبة فإنه يومئ وجها واحدا قاله ابن تميم.
"ومن لم يجد إلا ما يستر عورته سترها" وترك ستر منكبيه وصلى قائما
فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين فإن لم يكفها جميعاً ستر أيهما شاء والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه وقيل القبل أولى،
ـــــــ
اختاره المؤلف وصححه في الشرح وجزم به في الوجيز لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان الثوب واسعا فخالف بين طرفيه وإن كان ضيقا فاشدده على حقوك" رواه أبو داود ولأن القيام متفق على وجوبه فلا يترك لأمر مختلف فيه وكما لو لم يكف وقال القاضي يستر منكبيه ويصلي جالسا لأن الجلوس بدل عن ستر العورة لكونه يستر معظمها والمغلظ منها وستر المنكب لا بد له فكان مراعاته أولى وبعد ابن تميم ذلك وحمله ابن عقيل على سترة تتسع إن تركها على كتفيه وسدلها من ورائه تستر دبره وقدم في الفروع أنه إذا وجد ما يستر منكبيه وعجزه فقط ستر ذلك وصلى جالسا نص عليه وهو المذهب لأن ستر المنكبين الحديث فيه أصح.
"فإن لم يكف جميعها ستر الفرجين" لأنهما أفحش وهما عورة بلا خلاف لأن غيرهما كالحريم والتابع لهما وعبر بعضهم عنهما بالسوأتين لقوله تعالى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] سميا بذلك لأن كشفهما يسوء صاحبه.
"فإن لم يكفهما جميعا ستر أيهما شاء" لاستوائهما "والأولى ستر الدبر على ظاهر كلامه" قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنه أفحش وينفرج في الركوع والسجود "وقيل القبل أولى" لأن به يستقبل القبلة والدبر يستتر بالأليتين وقال ابن حمدان يعتبر أكثرهما سترا وفي المذهب هل القبل أولى أم الدبر فيه روايتان وهذا تفريع على ما ذكره أنه يستر قائما.
وعلى الثاني فلا وظاهره لا فرق بين أن يكون رجلا أو امرأة أو خنثى ويتوجه أنه يستر آلة الرجل إن كان هناك امرأة وآلتها إن كان هناك رجل.
وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إن كانت عارية فإن عدم بكل حال صلى جالسا يومئ إيماء وإن صلى قائما جاز
ـــــــ
"وإن بذلت له سترة لزمه قبولها إن كانت عارية" هذا هو الصحيح لأن المنة لا تكثر فيها أشبه بذل الحبل والدلو لاستقاء الماء وقيل لا يلزمه كالهبة في الأصح
والثاني يلزمه قبولها هبة وذكره المؤلف احتمالا لأن العار في كشف عورته أكثر من الضرر فيما يلحقه من المنة وفهم منه أنه لا يلزمه طلبها عارية ويلزمه تحصيلها بقيمة المثل والزيادة كماء الوضوء "فإن عدم بكل حال صلى" ولا تسقط عنه بغير خلاف نعلمه كما لو عجز عن استقبال القبلة "جالسا" ندباً ولا يتربع بل ينضم نقله الأثرم والميموني وقدم في الرعاية أنه يتربع نص عليه في رواية محمد بن حبيب وقيل وجوبا
"يومئ إيماء" أي بالركوع والسجود قدمه في المحرر وغيره وجزم به أبو الحسين وأبو الخطاب وصاحب الوجيز لما روي عن ابن عمر أن قوما انكسرت بهم مركبهم فخرجوا عراة قال يصلون جلوسا يومئون إيماء برؤوسهم ولم ينقل خلافه ويومئ بالسجود أكثر من الركوع
"وإن صلى قائما" وسجد بالأرض "جاز" لقوله عليه السلام "صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا" وظاهره أن صلاة الجالس بالإيماء أولى من صلاته قائما لأن الجلوس فيه ستر العورة وهو قائم مقام القيام ولو صلى قائما لسقط الستر لان غير بدل لأن الستر آكد من القيام لأنه يجب في الصلاة وغيرها ولا يسقط مع القدرة بحال والقيام يسقط في النافلة ولأن القيام سقط عنهم لحفظ العورة وهي في حال السجود أفحش فكان سقوطه أولى
لا يقال الستر كله لا يحصل وإنما يحصل بعضه فلا يفي ذلك بترك ثلاثة أركان القيام والركوع والسجود لأن العورة إن كانت الفرجين فقد حصل
وعنه أنه يصلي قائما ويسجد بالأرض وإن وجد السترة قريبة منه في أثناء الصلاة ستر وبنى وإن كانت بعيدة ستر وابتدأ وتصلي العراة جماعة
ـــــــ
سترهما وإلا حصل ستر أغلظها وأفحشها.
وعنه يصلي جالسا ويسجد بالأرض لأن السجود آكد من القيام لكونه مقصودا في نفسه ولا يسقط فيما يسقط فيه القيام وهو النفل.
"وعنه" يلزمه "أنه يصلي قائما ويسجد بالأرض" اختاره الآجري وغيره وقدمه ابن الجوزي لأن المحافظة على ثلاثة أركان أولى من المحافظة على بعض شرط.
وعنه إن قام وأومأ بالسجود صح.
وقيل تقعد الجماعة ولا يقومون ويسجدون بالأرض.
وظاهره أنه لا إعادة عليه وصرح به جماعة وألحقه الدينوري في وجوب الإعادة بفاقد الطهورين وفي الرعاية أنه يعيد على الأقيس.
فرع إذا نسي السترة وصلى عريانا أعاد لتفريطه كالماء.
"وإن وجد" العريان "السترة قريبة منه" عرفا لأنه لا تقدير فيه "في أثناء الصلاة" وأمكنه من غيرزمن طويل ولا عمل كثير ستر وبنى على ما مضى من صلاته كأهل قباء لما علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتموا صلاتهم "وإن كانت بعيدة ستر وابتدأ" لأنه لا يمكن فعلها إلا بما ينافيها من العمل الكثير أو بدون شرطها بخلاف التي قبلها وقيل يبني مطلقا وقيل يبتدئ مطلقا وقيل إن انتظر من يناوله لها لم تبطل لأنه انتظار واحد كانتظار المسبوق.
"وتصلي العراة جماعة" وجوبا لا فرادى لقول ابن عمر السابق ولأنهم قدروا على الجماعة من غير عذر أشبه المسبوقين ولا تسقط الجماعة لفوات السنة في الموقف كما لو كانوا في ضيق لا يمكن تقديم أحدهم .
وإمامهم في وسطهم وإن كانوا رجالا ونساء صلى كل نوع لأنفسهم وإن كانوا في ضيق صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال
ـــــــ
وإذا شرعت الجماعة حال الخوف مع تعذر الاقتداء بالإمام في بعض الصلاة والحاجة إلى مفارقته وفعل ما يبطل الصلاة في غير تلك الحال فأولى أن يشرع هنا.
وقال ابن عقيل جلوسا وجوبا وإن في منفرد روايتين قال والصحيح أنه كالجماعة ويقومون صفا واحدا.
"وإمامهم في وسطهم" لأنه أستر لهم فإن تقدمهم لم يصح في الأصح وإن كانوا في ظلمة صلوا جماعة وتقدمهم إمامهم وإن لم يسعهم صف واحد وقفوا صفوفا وغضوا أبصارهم.
قال في الشرح وإن صلى كل صف جماعة فهو أحسن وقال ابن تميم وغيره فإن كانوا نوعا واحدا والموضع ضيق صلوا جماعة واحدة وإن كثرت الصفوف.
"وإن كانوا رجالا ونساء صلى كل نوع لأنفسهم" لأنها إن وقفت خلفه شاهدت العورة ومعه خلاف سنة الموقف وربما أفضى إلى الفتنة.
"وإن كانوا في ضيق" بفتح الضاد مخففا من ضيق ويجوز فيه الكسر على حذف مضاف تقديره ذي ضيق "صلى الرجال واستدبرهم النساء ثم صلى النساء واستدبرهن الرجال" لما في ذلك من تحصيل الجماعة مع عدم رؤية الرجال والنساء وبالعكس.
تنبيه : إذا صلى عريانا وأعار سترته لم يصح ويستحب أن يعير إذا صلى بها ويصلي واحد بعد آخر وهل يلزمهم انتظارها ولو خرج الوقت أم لا كالقدرة على القيام بعده فيه وجهان.
فإن أستووا ولم يكن الثوب لواحد أقرع والأصح يقدم إمام مع ضيق
ويكره في الصلاة السدل وهو أن يطرح على كتفيه ثوبا ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى ويكره اشتمال الصماء وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره
ـــــــ
الوقت وتقدم المرأة عليه لأن عورتها أفحش ولا يأتم مستتربعار ويصلي بها عار ثم يكفن ميت وقيل يقدم هو وقيل الحي قاله ابن حمدان وهو بعيد
"ويكره في الصلاة السدل" كذا ذكره جمع لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن السدل في الصلاة" رواه أبو داود بإسناد حسن
وروى سعيد عن إبراهيم قال "كانوا يكرهون السدل في الصلاة"
وعنه : إن لم يكن تحته ثوب وعنه أو إزار فعلى هذا لا إعادة قاله أبو بكر اتفاقا إن لم تبد عورته وعنه بلى وحكى الترمذي عن أحمد لا يكره قال ابن المنذر لا أعلم فيه حديثا يثبت
"وهو" إرخاء الثوب لغة قاله الجوهري واصطلاحا أن يطرح على كتفيه ثوبا ولا يرد أحد "طرفيه على الكتف الأخرى" قدمه السامري وصاحب التلخيص و الفروع وجزم به في الشرح زاد ولا يضم طرفه بيديه وهو رواية
وظاهره أنه إذا رد أحد طرفيه على الكتف الأخرى لا يكره لزوال معنى السدل ونقل صالح طرحه على أحدهما ولم يرد أحد طرفيه على الآخر وقال ابن عقيل هو إسبال الثوب على الأرض وقيل وضع وسط الرداء على رأسه وإرساله من ورائه على ظهره وهي لبسة اليهود وقال القاضي هو وضع الرداء على عنقه ولم يرده على كتفيه
ويكره اشتمال الصماء قدمه جماعة وجزم به في الوجيز لما روى أبو هريرة وأبو سعيد "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصماء" رواه البخاري وهو أن يضطبع بثوب ليس عليه غيره ومعنى الاضطباع أن يجعل وسط
وعنه أنه يكره وإن كان عليه غيره ويكره تغطية الوجه والتلثم على الفم والأنف
ـــــــ
الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر وجاء ذلك مفسرا في حديث أبي سعيد من رواية إسحاق عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عنه مرفوعا نهى عن لبستين وهما اشتمال الصماء وهو أن يضع ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب والاحتباء وهو أن يحتبي به ليس على فرجه منه شيء
وقال السامري هو أن يلتحف بثوب يرد طرفيه إلى أحد جانبيه ولا يبقى ليديه موضع تخرج منه وهو المعروف عند العرب والأول قول الفقهاء وهم أعلم بالتأويل وظاهره أنه إذا كان عليه ثوب لم يكره لأنها لبسة المحرم وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأن صلاته صحيحة إلا أن تبدو عورته صرح به في المحرر وغيره وعنه يعيد وفيه وجه يكره فوق الإزار لا القميص وعلى الأول الكراهة قيل لكشف كتفه الأيمن وقيل لظهور عورته فعلى هذا ينبغي أن يكون محرما لإفضائه إليه ذكره في الشرح
"وعنه يكره" مطلقا "وإن كان عليه غيره" لعموم النهي
فرع إذا احتبى وعليه ثوب يستر عورته جاز وإلا حرم وعنه يكره مطلقا وعنه المنع قاله ابن تميم "ويكره تغطية الوجه" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يغطي الرجل فاه" رواه أبو داود بإسناد حسن ففيه تنبيه على كراهة تغطية الوجه لاشتماله على تغطية الفم ولأن الصلاة لها تحليل وتحريم فشرع لها كشف الوجه كالإحرام
"والتلثم على الفم والأنف" روي ذلك عن ابن عمر ولقوله عليه السلام "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم" متفق عليه
وعنه : لا يكره في التلثم على الأنف روايتان وسهل أحمد في تغطية اللحية وقال لا بأس بتغطية الوجه لحر أو برد .
وكف الكم وشد الوسط بما يشبه شد الزنار وإسبال شيء من ثيابه خيلاء
ـــــــ
وكف الكم لقوله عليه السلام: "ولا أكف شعرا ولا ثوبا" متفق عليه زاد في الرعاية وتشميره وفي الوجيز وإرساله ويستثنى على كلامه بلا سبب
"و" يكره "شد الوسط" بفتح السين "بما يشبه شد الزنار" لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن التشبه بأهل الكتاب" رواه أبو داود
وعنه يكره لبس المنطقة ونقل حرب يكره شد وسطه على القميص لأنه من زي اليهود ولا بأس به على القباء قال القاضي لأنه من عادة المسلمين وعنه لا يكره
قال أحمد أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يصلين أحدكم إلا وهو محتزم" زاد ابن تميم إلا أن يشده لعمل الدنيا فيكره وظاهره أنه إذا شده بمئزر أو حبل أنه لا بأس به وقاله أحمد وذكره في الكافي وقدم ابن تميم أنه يستحب نص عليه وقد فعله ابن عمر ويستثنى منه المرأة فإنه يكره لها شد وسطها مطلقا
"و" يكره "إسبال شيء من ثيابه" كالقميص والإزار والسراويل خيلاء ذكره في الكافي وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية في غير حرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أسبل إزاره في صلاته خيلاء فليس من الله في حل ولا حرام" رواه أبو داود من حديث ابن مسعود
والمذهب كما ذكره في المستوعب و الشرح وصححه في الفروع أنه حرام وهو ظاهر كلام أحمد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه" متفق عليه
والمراد في غير حرب بلا حاجة نحو كونه حمش الساقين ولم يرد التدليس على النساء ويكره فوق نصف ساقيه نص عليه
فصل
ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد الوجهين،
ـــــــ
وعلى الأصح تحت كعبه بلا حاجة وعنه ما تحتهما فهو في النار.
ويجوز للمرأة زيادة إلى ذراع وقال جماعة ذيل نساء المدن في البيت كرجل ويسن تطويل كم الرجل إلى رؤوس أصابعه أو أكثر يسيرا وتوسيعها قصدا وقصر كمها واختلف في سعته.
فصل
"ولا يجوز لبس ما فيه صورة حيوان في أحد الوجهين" اختاره أبو الخطاب وجزم به السامري وصاحب التلخيص لما روى أبو طلحة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة" متفق عليه والمراد به كلب منهي عن اقتنائه وقال أحمد في رواية صالح الصورة لا ينبغي لبسها وكتعليقه وستر الجدر به وفاقا وظاهره عام في الكل.
والثاني يكره ولا يحرم قاله ابن عقيل وقدمه ابن تميم لقوله عليه السلام في آخر الخبر " إلا رقما في ثوب" وكافتراشه وجعله مخدا لأنه عليه السلام اتكأ على مخدة فيها صورة رواه أحمد.
وعلم مما سبق أنه يحرم تصوير الحيوان وحكاه بعضهم وفاقا لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" رواه البخاري.
فلو أزيل منها ما لا تبقى الحياة معه لم يكره في المنصوص ومثله شجر ونحوه.
وكره الآجري الصلاة على ما فيه صورة وكذا في الفصول ولو على ما يداس لقوله عليه السلام " لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ,
ولا يجوز للرجل لبس ثياب الحرير ولا ما غالبه الحرير ولا افتراشه إلا من ضرورة
ـــــــ
ولا جنب" إسناده حسن
"ولا يجوز للرجل" ولا الخنثى ولو كافرا "لبس ثياب الحرير" في الصلاة وغيرها في غير حال العذر حكاه ابن المنذر إجماعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" متفق عليه من حديث عمر رضي الله عنه
حتى تكة وشرابه نص عليه والمراد شرابه مفردة كشرابة البريد لا تبعا فإنها كزر وعلل القاضي والآمدي إباحة كيس المصحف لأنه يسير فعلى هذا يستثنى
"ولا ما غالبه الحرير" لأن الغالب له حكم الكل فحرم لعموم الخبر والقليل مستهلك فيه أشبه الضبة من الفضة
وقال ابن عبد البر مذهب ابن عباس وجمع أن المحرم الحرير الصافي الذي لا يخالطه غيره وسيأتي وظاهر كلام أحمد أن الاعتبار بالظهور وجزم به في الوجيز وقيل بالوزن قدمه في الرعاية
"ولا افتراشه" لماروى حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يلبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه" رواه البخاري
قال أحمد في رواية صالح وجعفرافتراش الحرير كلبسه وكذا الاستناد إليه
ثم استثنى من ذلك بقوله "إلا من ضرورة" لأنها تبيح المحرم بدليل أكل الميتة وظاهره إباحته للنساء مطلقا لما روى أبو موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها " رواه جماعة منهم الترمذي وصححه وأغرب ابن عقيل في فنونه فجوز لهن لبسه دون الاستناد والافتراش .
فإن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين ويحرم لبس المنسوج بالذهب والمموه به
ـــــــ
فرع: يحرم تعليقه وستر الجدر به غيرالكعبة المشرفة وفاقا وحرم الأكثر استعماله مطلقا فدل أن في شخانة وخيمة وبقجة وكمران ونحوه الخلاف.
"فإن استوى هو وما نسج معه فعلى وجهين" كذا في الفروع وغيره أحدهما يباح جزم به في الوجيز لقول ابن عباس إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم "عن الثوب المصمت من قز أما السدى أو العلم فلا يرى به بأسا" رواه أحمد وأبو داود بإسناد حسن ولأن الحرير ليس أغلب أشبه الأقل.
والثاني يحرم قال ابن عقيل هو الأشبه لعموم الخبر ولأن النصف كثير لأنه لا يطلق على ما نسج معه من الكتان والقطن كتان ولا قطن وقيل يكره ولا يحرم كما لو شك في كثرة الحرير أو مساواته غيره مع إباحة النصف.
تنبيه : أباح أحمد لبس الخز وهو ما سدي بإبريسم وألحم بوبر أو صوف للخبر ولفعل الصحابة وجعله ابن عقيل كغيره في الثياب المنسوجة من الحرير وغيره وفرق بينهما أحمد بأن هذا لبسه الصحابة وبأنه لا سرف ولا خيلاء وعلم منه إباحة الصوف وكذا الكتان إجماعا والنهي عنه من حديث جابر لا أصل له ونقل عبد الله عن أبيه يكره للرجال ولعله محمول على حالة لم ينبه عليها عبد الله مع أنه لبسه الصحابة وغيرهم وكالقطن.
"ويحرم" على ذكر بلا حاجة "لبس المنسوج بالذهب والمموه به" أي المطلي وكذا عبر في الوجيز ولا فرق في الذهب بين خالصه ومشوبه والمنفرد والخليط بخلاف الحرير لما تقدم في خبر أبي موسى وظاهره أن المنسوج والمموه بالفضة ليس كذلك والأشهر أنه كالذهب قدمه ابن تميم وفي الفروع وقال في الرعاية وقيل أو فضة وقيل يكره إلا في مغفر
فإن استحال لونه فعلى وجهين وإن لبس الحرير لمرض أو حكة أو في الحرب
ـــــــ
وجوشن وخوذة أو في سلاحه لضرورة.
"فإن استحال لونه" ولم يحصل منه شيء وقيل مطلقا فعلى وجهين أحدهما يحرم للخبر والثاني يباح وهو ظاهر الوجيز وصححه في الفروع لزوال علة التحريم من السرف والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وقيل يكره وقيد ابن تميم إن كان بعد استحالته لا يحصل منه شيء فهو مباح وجها واحدا وقيل المنسوج بذهب كحرير.
"فرع" ما حرم استعماله حرم تملكه وتمليكه كذلك وعمل خياطته لمن حرم عليه نصا.
"وإن لبس الحرير لمرض أو حكة" بكسر الحاء وهو الجرب أو من أجل القمل جاز في ظاهر المذهب قاله في الشرح وصححه في الفروع لأن أنسا روى "أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل فرخص لهما في قميص الحرير فرأيته عليهما في غزاة" رواه البخاري وفيه وفي مسلم عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهما في قميص الحرير في سفر من حكة كانت بهما" وما ثبت في حق صحابي ثبت في حق غيره ما لم يقم دليل على اختصاصه به وقسنا على المنصوص مما ينفع فيه لبس الحرير ووهم في الشرح فأورد الرخصة في القمل فقط وعنه لا يباح لعموم الخبر والرخصة يحتمل أن تكون خاصة بهما وعلى الأول لا بد وأن يؤثر في زوالها.
"أو في الحرب" المباح لغير حاجة روايتان إحداهما الإباحة وهي ظاهر كلام الإمام في رواية الأثرم وهو قول عطاء وعروة وكان له يلمق من ديباج بطانته من سندس محشو قزا يلبسه في الحرب ولأن المنع من لبسه لما فيه من الخيلاء وذلك غير مذموم في الحرب ومحله عند مفاجأة العدو وقيل عند القتال وقيل في دار الحرب وعنه مع نكاية العدو