كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان
الدين
بنية التجارة بها. فإن ملكها بإرث أو ملكها بفعله بغير نية ، ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة وعنه أن العروض تصير للتجارة بمجرد النية.
---------------------------------
التجارة كالموروث وعنه يعتبر كون العوض نقدا ذكره أبو المعالي لاعتبار النصاب بهما فيعتبر أصل وجودهما
الثاني، ونبه عليه بقوله "بنية التجارة بها" عند التملك لأن الأعمال بالنية والتجارة عمله فوجب اقتران النية به كسائر الأعمال ولأنها مخلوقة في الأصل للاستعمال فلا يصير للتجارة إلا بنيتها كعكسه وتعتبر النية في كل الحول لأنه شرط أمكن اعتباره في جميعه فوجب كالنصاب
"فإن ملكها بإرث" ولو نواها "وملكها بفعله بغير نية ثم نوى التجارة لم تصر للتجارة" اختاره الخرقي والقاضي وأكثر الأصحاب لأن ما لا يتعلق به الزكاة من أصله لا يصير محلا بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى فيها إسامتها ولأن مجرد النية لا ينقل عن الأصل إذ الأصل فيها النية
"وإن كان عنده عرض للتجارة فنواه للقنية ثم نواه للتجارة لم يصر للتجارة" هذا ظاهر المذهب وفي الشرح أنه لا يختلف المذهب فيه لأن القنية هي الأصل فيكفي في الرد إليه مجرد النية كما لو نوى بالحلي التجارة والمسافر الإقامة ولأن نية التجارة شرط للوجوب فيها وإذا نوى القنية زالت نية التجارة ففات شرط الوجوب بخلاف السائمة إذا نوى علفها فإن الشرط الإسامة دون نيتها.
"وعنه: إن العروض تصير للتجارة بمجرد النية" نقلها صالح وغيره واختارها أبو بكر وابن عقيل وجزم بها في التبصرة والروضة لعموم حديث سمرة ولأن نية القنية كافية بمجردها فكذا نية التجارة بل أولى إذ الإيجاب يغلب على الإسقاط احتياطا والفرق ظاهر فعلى الأول لا شيء فيها حتى تباع ويستقبل بثمنها حولا.
وتقوم العروض عند تمام الحول بما هو أحظ للمساكين من غير أو ورق ولا يعتبر ما اشتريت به وإن اشترى عرضا بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله.
----------------------------------------
فرع: إذا كان عنده ماشية للتجارة نصف حول فنوى بها الإسامة وقطع نية التجارة انقطع حولها واستأنف حول السائمة لأن حول التجارة انقطع بنية الاقتناء وحول السائمة لا ينبني على حول التجارة قال المؤلف والأشبه بالدليل أنها متى كانت سائمة في أول الحول وجبت الزكاة فيها عند تمامه وروي عن إسحاق
"وتقوم العروض عند" تمام "الحول بما هو أحظ للمساكين من غير أو ورق" لأن تقويمه لحظ الفقراء فيقوم بالأحظ لهم كما لو اشتراه بعرض قنية وفي البلد نقد إن تساويا في الغلة يبلغ بأحدهما نصابا بخلاف المتلفات وذكر الحلواني يقوم بنقد البلد فإن تعدد فبالأحظ فإن كان اشتراه بنقد قوم بجنس ما اشتراه به لأنه الذي وجبت الزكاة بحوله فوجب جنسه كالماشية ولأن أصله أقرب إليه وعنه لا يقوم نقد بآخر وعلى الأول إذا تساوت قيمة العروض فكل منهما خير لقيام كل منها مقام الآخر في حصول الغرض وذكر القاضي والمؤلف وصححه المجد يقوم بالأنفع للفقراء كأصل الوجوب
"ولا يعتبر ما اشتريت به" من عين أو ورق قدرا ولا جنسا روي عن عمر لأن في تقويمها بما اشتريت به إبطالا للتقويم بالأنفع فعلى هذا إذا بلغت قيمتها نصابا بالدراهم قومت به وإن كان اشتراها بالذهب وكذا عكسه.
فرع: تقوم المغنية ساذجة والخصي بصفته ولاعبرة بقنية آنية ذهب وفضة ويضم بعض العروض إلى بعض وإن اختلفت قيمة ومشترى.
"وإن اشترى" أو باع "عرضا" للتجارة "بنصاب من الأثمان أو من العروض بنى على حوله" أي حول الأول وفاقا لأن الزكاة في الموضعين يتعلق بالقيمة وهي الأثمان والأثمان يبني حول بعضها على بعض فلو قطع نية
وإن اشتراه بنصاب من السائمة لم يبن على حوله وإن ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة وإن لم يبلغ قيمتها نصاب التجارة.
---------------------------
التجارة في العروض بنى حول النقد على حولها لأن وضع التجارة للتقلب والاستبدال بثمن وعرض فلو لم يبن بطلت زكاة التجارة وإن لم يكن النقد نصابا فحوله منذ كملت من شرائه.
"وإن اشتراه" أو باعه "بنصاب من السائمة لم يبن على حوله" لاختلافهما في النصاب والواجب إلا أن يشتري نصاب سائمة للتجارة بمثله للقنية في الأصح لأن السوم سبب للزكاة قدم عليه زكاة التجارة لقوته فبزوال العارض ثبت حكم السوم لظهوره.
"وإن ملك نصابا من السائمة للتجارة فعليه زكاة التجارة" لأن وضعها على التقلب فهي تزيل سبب زكاة السوم وهو الاقتناء لطلب النماء معه واقتصر في المغني والشرح على التعليل بالأحظ فلذلك وجبت "دون" زكاة "السوم" وقيل يجب زكاة السوم لأنها أقوى للإجماع وتعلقها بالعين وقيل يعتبر الأحظ منهما للفقراء اختاره المجد.
ففي أربعين أو خمسين حقه أو جذعة أو ثنية أو إحدى وستين جذعة أو ثنية أو مائة من الغنم زكاة التجارة أحظ لزيادتها بزيادة القيمة من غير وقص وفي ست وثلاثين بنت مخاض أو بنت لبون زكاة السوم وفي إحدى وستين دون الجذعة أو خمسين بنت مخاض أو بنت لبون أو خمس وعشرين حقة أو خمس من الإبل يجب الأحظ من زكاة التجارة أو السوم وفي الروضة يزكي النصاب للعين والوقص للقيمة وهذا كله اتفق حولاهما أو لا في وجه وهو ظاهر كلام أحمد وجزم به المؤلف وقيل يقدم السابق اختاره المجد لأنه وجد سبب زكاته بلا معارض
" وإن لم يبلغ قيمتها نصاب التجارة" كمن ملك أربعين شاة قيمتها دون مائتي
فعليه زكاة السوم وإذا اشترى أرضا ونخلا للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فعليه فيهما العشر ويزكي الأصل للتجارة وقال القاضي: يزكي الجميع زكاة القيمة ولا عشر عليه،
--------------------------------
درهم "فعليه زكاة السوم" بغير خلاف لوجود سبب الزكاة فيه بلا معارض وقيل يغلب ما يغلب إذا اجتمع النصابان ولو سقطت ذكره المجد وجزم جماعة بأنه إن نقص نصاب السوم كمن ملك أربعا من الإبل قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة
فأما إن سبق جري السوم بأن كانت قيمته دون نصاب في بعض الحول فلا زكاة حتى يتم الحول من بلوغ النصاب في ظاهر كلام أحمد
قال القاضي يتأخر وجوب الزكاة حتى يتم حول التجارة لأنه أنفع للفقراء وفيه وجه تجب زكاة السوم عند تمام حولها لوجود مقتضيها إذ لا يمكن إيجاب زكاتين بكمالهما لأنه يفضي إلي إيجاب زكاتين في حول واحد بسبب واحد فلم يجز بخلاف زكاة التجارة والفطر في العبد الذي للتجارة لأنهما يجتمعان بسببين مختلفين
"وإذا اشترى أرضا أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فعليه فيهما العشر" أي في الثمر والزرع بشرطه "ويزكي الأصل" أي الأرض والنخل "للتجارة" جزم به في الوجيز لأنهما عينان تجب في أحدهما زكاة العين وهو أحظ للفقراء إذ العشر أحظ من ربعه وفي الأخرى زكاة القيمة حال الانفراد فكذا عند الاجتماع وحينئذ فمراده إذا اتفق حولاهما قاله في الشرح.
"وقال القاضي" وأصحابه "يزكي الجميع زكاة القيمة" إذا تم الحول نص عليه وقدمه في المحرر والفروع وهو المذهب لأنه مال تجارة فوجبت زكاتها كالسائمة ولا شك أن الثمر والزرع جزء الخارج منه فوجب أن يقوم مع الأصل كالسخال والربح المتجدد إذا كانت الأصول للتجارة "ولا عشر عليه" لأنه لو وجب لاجتمع في مال واحد زكاتان وفيه ضرر بالمالك وهو
إلا أن يسبق وجوب العشر حول التجارة فيخرجه وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاته فأخرجاها معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه.
----------------------------------
منفي شرعا
"إلا أن يسبق وجوب العشر حول التجارة فيخرجه" أي فيخرج العشر لوجود سببه من غير معارض وهو أحظ للفقراء وكان الأنسب للمؤلف أن يقدم ذلك على قول القاضي ولعله أراد أن يحل الخلاف فيها ثم يذكر المستثنى لأنه من المعلوم أن من أوجب من الجميع زكاة القيمة لم يوجب العشر ولم يعتبر سبق أحدهما
واعتراض ابن المنجا عليه بأنه قدم غير المذهب اعتبارا بما ذكره في المغني من إيماء أحمد إليه ليس بجيد إذ التقديم بحسب ما ظهر له من الدليل ويعضده أنه قول أكثر العلماء وقيل بزكاة العشور هنا لكثرة الواجب لعدم الوقص والخلف في اعتبار النصاب.
تنبيه: يستأنف حول التجارة على زرع وثمر من حصاد وجذاذ لأن به ينتهي وجوب العشر الذي لولاه لجريا في حول التجارة وقيل لا يستأنفه إلا بثمنهما إن بيعا كمال القنية وإن اختلف وقت الوجوب أو وجد نصاب أحدهما فكمسألة: سائمة التجارة
وإن زرع بذر تجارة في أرض قنية فهل يزكى الزرع زكاة عشر أو قيمة فيه خلاف و في بذر قنية العشر أو في أرضه للتجارة القيمة وإن كان الثمر والزرع لا زكاة فيه ضم قيمة الثمر والآخر إلى قيمة الأصل من الحول كربح ونتاج وقيل لا.
"وإذا أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في إخراج زكاة فأخرجاها معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه" لأنه انعزل من طريق الحكم بإخراج المالك زكاة نفسه وكما لو علم ثم نسي وانعزل حكما العلم
وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم أولم يعلم ويتخرج أنه لا ضمان عليه إذا لم يعلم.
---------------------------------
وعدمه سواء بدليل ما لو وكله في بيع عبد فباعه الموكل أو أعتقه.
"وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم أو لم يعلم" لأن العزل الحكمي لا يختلف بذلك كما لو مات المالك "ويتخرج أنه لا ضمان عليه إذا لم يعلم" بإخراج صاحبه بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم وقيل لا يضمن وإن قلنا ينعزل اختاره المؤلف لأنه غره وكما لو وكله في قضا دينه فقضاه المالك ثم الوكيل والفرق ظاهر لأنه يمكنه الرجوع على المالك بخلاف الفقير لأنها تنقلب تطوعا كمن دفع زكاة يعتقدها عليه فلم تكن
فأما إن كان القابض منهما الساعي ثم علم الحال فلا ضمان لإمكان الرجوع عليه والمراد مع بقائها بيد الساعي.
فرع: إذا وكله في إخراج زكاته فأخرجها الموكل ثم الوكيل فالخلاف ويقبل قوله إنه أخرجها قبل وكيله وله الصدقة قبل إخراج زكاته.
مسألة: إذا اشترى ما يصبغ به ويبقى كزعفران ونيل ونحوه فهو عرض تجارة يقومه عند حوله لاعتياضه عن صبغ قائم بالثوب ففيه معنى التجارة وكذا يجب فيما يشتريه دباغ ليدبغ به كعفص وما يدهنه به كسمن وملح وقيل لا لأنه لا يبقى له أثر كما يشتريه قصار من قلي وصابون ونحوهما ولا شيء في آلات الصباغ وأمتعة التجار وقوارير العطار إلا أن يريد بيعها مع ما فيها ولا زكاة في غير ما تقدم ولا في قيمة ما أعد للكراء من عقار وحيوان لكن من أكثر من شراء عقار فارا من الزكاة فقيل يزكي قيمته وظاهر كلام الأكثر لا.
باب زكاة الفطر
وهي واجبة
---------------------------
باب زكاة الفطرهو اسم مصدر من قولك أفطر الصائم إفطارا وأضيفت إلى الفطر لأنها تجب به فهو من إضافة الشيء إلى سببه والفطرة الخلقة لقوله تعالى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: من الآية30] وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس وبضم الفاء كلمة مولدة وقد زعم بعضهم أنه مما يلحن فيها العامة وليست كذلك لاستعمال الفقهاء لها
"وهي واجبة" قال إسحق هو كالإجماع لقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:15] الأعلى قال سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز إنها زكاة الفطر ورد بقول ابن عباس إن المراد إنها تطهر من الشرك والسورة مكية ولم يكن بها زكاة ولا عيد والمعتمد عليه ما روى ابن عمر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة متفق عليه ولفظه للبخاري ودعوى أن فرض بمعنى قدر مردود بأن كلام الراوي لا يحمل إلا على الموضوع الشرعي بدليل الأمر بها في الصحيح أيضا من حديثه ويسمى فرضا على الأصح لقول جمهور الصحابة وعنه لا وفيه رواية المضمضة
وذهب الأصم وابن علية وجماعة أنها سنة مؤكدة لما روى أحمد عن قيس بن سعد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله إسناده جيد ولا حجة لهم فيه لأنه يجب استصحاب الأمر السابق مع عدم المانع والمعارض وقد فرضها الشارع وأمر بها والظاهر أن فرضها مع رمضان من السنة الثانية من الهجرة.
على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع وإن كان مكاتبا وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه؟ على روايتين.
-------------------------------
"على كل مسلم" وهو شامل للكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد لأن لفظة كل إذا أضيفت إلى نكرة فيقتضي عموم الأفراد فعلى هذا تجب في مال اليتيم نص عليه فخرج الكافر مطلقا لأن من شرطها النية ولا تصح منه لكن يستثنى منه ما إذا هل شوال على عبد مسلم لكافر فالأظهر وجوبها على الكافر وقيل لا يجب على غير مخاطب بالصوم وعنه رواية مخرجة تجب على مرتد ولا فرق بين أهل البوادي وغيرهم
"يلزمه مؤونة نفسه" لقوله عليه السلام "أدوا الفطرة عمن تمونون" وهو دال على عدم وجوبها على من لا يمون نفسه لأنه خاطب بالوجوب غيره ولو وجب عليه لخاطبه به كسائر من تجب عليه
"إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع" لأن ذلك أهم فيجب تقديمه لقوله عليه السلام "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وظاهره أنه لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب وقاله الأكثر.
"وإن كان مكاتبا" فيجب عليه لد خوله في عموم النص ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمه فطرته كالحر لا على سيده
"وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه" عن نفسه "على روايتين" وكذا أطلقهما في الفروع وقال الترجيح مختلف إحداهما: يجب قدمه في المحرر لقوله عليه السلام "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ولأنها طهرة فهي كالطهارة بالماء.
والثانية: لا يلزمه اختارها ابن عقيل وهي ظاهر الخرقي والوجيز كالكفارة والفرق أن الكفارة لها بدل ويعتبر كون ذلك كله بعد ما يحتاجه
ويلزمه فطرة من يمونه من المسلمين فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه ثم بامرأته ثم برقيقه.
---------------------------------
لنفسه أو لمن تلزمه مؤنته من سكن وعبد ودابة وثياب بذلة وقال ابن حمدان المذهب أنه لا يعتبر وجزم المؤلف أو له كتب يحتاجها للنظر والحفظ أو للمرأة حلي للبس أو الكراء وهي تحتاجه.
"و" حيث لزمه فطرة نفسه فإنه "يلزمه فطرة من يمونه" فدخل فيه الزوجات والإماء والأقارب من المسلمين فدل أنه لا تلزمه فطرة من يمونه من الكفار لأنها طهرة للمخرج عنه وهو لا يقبلها لأنه لا يطهره إلا الإسلام
"ولو كان عبدا" نص عليه وشمل ما إذا كان لزوجته خادم فإنه يخرج عنه إن لزمته نفقة وكذا عبد عبده وهو ظاهر كلام المؤلف وصححه في الشرح والأشهر فيه أنه إن لم يملك بالتمليك أدى عنه وإن ملك فلا فطرة له لعدم ملك السيد الأعلى ومقتضى ملك العبد أنه لا يلزمه عن نفسه فغيره أولى
فأما زوجة عبده فذكر أصحابنا المتأخرون أن فطرتها عليها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة وقيل يجب على سيد العبد وهو ظاهر كلامه كالنفقة وكما لو زوج عبده بأمته وكذا لو زوج قريبه ولزمه نفقة امرأته فعليه فطرتها لكن لا يلزمه فطرة أجير وظئر استأجرهما بطعامهما نص عليه ولا من وجبت نفقته في بيت المال وفي الضيف نقل عبد الله تجب على من يجب عليه نفقته
"فإن لم يجد ما يؤدي عن جميعهم بدأ بنفسه" وهي تبنى على النفقة ونفقة نفسه مقدمة فكذا فطرته "ثم بامرأته" لوجوب نفقتها مطلقا بخلاف الإيماء وقدمت على غيرها لآكديتها ولأنها معارضة وقيل لا يلزمه فطرة زوجته الأمة فإن سلمها ليلا ففطرتها على سيدها لقوة ملك اليمين في تحملها للإجماع عليه وقيل بينهما كالنفقة.
"ثم برقيقه" لوجوب نفقتهم مع الإعسار وظاهره ولو كان مرهونا ولا
ثم بولده ثم بأمه ثم بأبيه ثم بالأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث ويستحب أن يخرج عن الجنين ولا يجب.
--------------------------------
فرق بين أن يكون للتجارة أولا وقال ابن عقيل ويحتمل تقديمهم على الزوجة لئلا تسقط بالكلية
"ثم بولده" لوجوب نفقته في الجملة وقيل مع صغره وجزم به ابن شهاب وحمل ابن المنجا كلام المؤلف عليه وليس بجيد وقيل يقدم الولد على الزوجة وقيل الصغير يقدم عليها وعلى عبد
"ثم بأمه" لتقديمها على الأب في البر "ثم بأبيه" للخبر وقيل يقدم عليها وحكاه ابن أبي موسى رواية لقوله عليه السلام "أنت ومالك لأبيك" وقيل بتساويهما وقدمهما في الفروع على الولد وليس بظاهر والذي ذكره المؤلف جزم به جماعة وقدمه آخرون وذكره في منتهى الغاية ظاهر المذهب
"ثم بالأقرب فالأقرب في الميراث" لأن الأقرب أولى من غيره فقدم كالميراث.
فرع: إذا استوى اثنان فأكثر ولم يفضل غير صاع أقرع بينهم وقيل يوزع وقيل يخير "ويستحب أن يخرج عن الجنين" في ظاهر المذهب لأن ظاهر الخبر أن الصاع مجزئ مطلقا "ولا يجب" ذكره ابن المنذر قول من يحفظ عنه من علماء الأمصار لأنها لو تعلقت به قبل ظهوره لتعلقت الزكاة بأجنة السوائم.
وعنه: يجب اختارها أبو بكر لفعل عثمان قال أحمد ما أحسبه صار ولدا ولأنه آدمي تصح الوصية له وبه ويرث فيدخل في عموم الأخبار قال في المغني والأول أصح لأنه لا تثبت له أحكام الدنيا إلا في الإرث والوصية بشرط خروجه حيا وأما أمه فإن كانت بائنا فيلزمه فطرتها إن قلنا النفقة لها وإن قلنا للحمل لم يجب على الأصح بناء على وجوبها على الجنين.
ومن تكفل بمؤنة شخص في شهر رمضان لم تلزمه فطرته عند أبي الخطاب والمنصوص أنها تلزمه وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع وعنه على كل واحد صاع وكذلك الحكم فيمن بعضه حر.
------------------------------------------
"ومن تكفل" أي تبرع "بمؤنة شخص من شهر رمضان لم تلزمه فطرته" عند أبي الخطاب وصححه في المغني والشرح وحملا كلام أحمد على الاستحباب لعدم الدليل ولأن سبب الوجوب وجوب النفقة واجبة هنا فكذا فطرته فعلى هذا فطرته على نفسه كما لو يمنه إذ الحديث محمول على من تلزمه مؤنته لا على حقيقة المؤنة بدليل وجوبها على الآبق "والمنصوص أنها تلزمه" وهو قول أكثر أصحابنا وقدمه في المحرر والفروع لقوله عليه السلام " عمن تمونون" رواه أبو بكر في الشافعي من حديث أبي هريرة والدارقطني من حديث ابن عمر وإسنادهما ضعيف ولأنه شخص منفق عليه فلزمته فطرته كعبده والمعتبر جميع الشهر بفوته لنفقة التبرع وقال ابن عقيل قياس المذهب تلزمه إذا مانه آخر ليلة من الشهر كمن ملك عبدا أو زوجة قبل الغروب فإن مانه جماعة كل الشهر أو إنسان بعضه فقال في المغني في الأولى لا أعلم فيها للأصحاب قولا وفي الشرح والفروع فيه احتمالان أحدهما: لا تجب على أحد لأن سبب الوجوب المؤنة في جميع الشهر ولم توجد والثاني: أنها تجب بالحصص كعبد مشترك.
"وإذا كان العبد بين شركاء فعليهم صاع" اختاره الأكثر وهو المذهب وآخر قولي أحمد لأن الشارع إنما أوجب عن الواحد صاعا فأجزأه لظاهر الخبر وكالنفقة وماء طهارته
"وعنه: على كل واحد صاع" قدمه الخرقي واختاره أبو بكر وجمع لأنها طهرة ككفارة القتل وكذا إذا ورثه اثنان فأكثر "وكذلك الحكم فيمن بعضه حر" لأنه يساوي العبد المشترك معنى فوجب أن يساويه حكما واختار أبو
وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها ويحتمل ألا يجب ومن كان له غائب أو آبق فعليه فطرته.
-----------------------------------
بكر يلزم السيد بقدر ملكه فيه ولا شيء على العبد.
تنبيه: لا تدخل الفطرة في المهايأة ذكره القاضي وجماعة لأنها حق الله كالصلاة والمهايأة معارضة كسب بكسب ومن عجز عما عليه لم يلزم الآخر قسطه كشريك ذمي لا يلزم المسلم قسطه فإن كان يوم العيد مؤنة العبد المعتق نصفه اعتبر أن يفضل عن قوته نصف صاع وإن كانت مؤنة سيده لزم العبد نصف صاع ولو لم يملك غيره لأن مؤنته على غيره وقيل يدخل في المهايأة بناء على وجه من كسب نادر فيها كالنفقة فلو كان يوم العبد وعجز عنها لم يلزم السيد شيء لأنه لا يلزمه نفقته كمكاتب عجز عنها.
فرع: إذا ألحقت القافة ولدا باثنين أو أكثر فالحكم في فطرته كالعبد المشترك جزم به الأصحاب وقال ابن تميم وابن حمدان يلزم كل واحد صاع وجها واحدا
"وإن عجز زوج المرأة عن فطرتها فعليها" إن كانت حرة "أو على سيدها إن كانت أمة فطرتها" لأنه كالمعدوم "ويحتمل أن لا يجب" عليهما شيء لأنها لم تجب على من وجد سبب الوجوب في حقه لعسرته فلم تجب على غيره كفطرة نفسه بخلاف النفقة لوجوبها مطلقا فعلى هذا تبقى في ذمته كالنفقة أم لا كفطرة نفسه يتوجه احتمالان وعلى الأول هل ترجع الحرة والسيد على الزوج كالنفقة أم لا كفطرة القريب فيه وجهان
"ومن كان له غائب أو آبق" أو مغصوب أو ضال "فعليه فطرته" للعموم ولوجوب نفقته بدليل رجوع من يرد الآبق بنفقته على سيده بخلاف زكاة المال وعليه لا فرق بين أن يرجو رجعته أو ييأس منها وسواء كان مطلقا أو محبوسا أو لا قاله في الشرح وعنه رواية مخرجة من زكاة المال لا
إلا أن يشك في حياته فتسقط وإن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى ولا تلزم الزوج فطرة الناشز وقال أبو الخطاب: تلزمه ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه فهل يجزئه؟ على وجهين.
---------------------------------------
يجب ولو ارتجى عود الآبق وعلى الأول لا يلزمه إخراجها حتى يعود إليه زاد بعضهم أو يعلم مكان الآبق
"إلا أن يشك في حياته فتسقط" نص عليه في رواية صالح لأنه لا يعلم بقاؤه والأصل براءة الذمة والظاهر موته وكالنفقة ولأنه لو أعتقه عن كفارته لم تجزئه وذكر ابن شهاب تلزمه لئلا تسقط بالشك والكفارة ثابتة بيقين فلا يسقط مع الشك في حياته "و" على الأول "إن علم حياته بعد ذلك أخرج لما مضى" لأنه بان له وجود سبب الوجوب في الماضي فوجب الإخراج كمال غائب بانت سلامته وقيل لا وقيل عن القريب كالنفقة
"ولا يلزم الزوج فطرة الناشز" في الصحيح من المذهب لعدم وجوب نفقتها ففطرتها عليها أو على سيدها والمراد إذا كان نشوزها في وقت وجوب الفطرة "وقال أبو الخطاب: تلزمه" لأن الزوجية ثابتة عليها فلزمه فطرتها كالمريضة وأجيب بأن المريضة لا تحتاج إلى نفقة لا لخلل في المقتضي لها وحكم كل امرأة لا نفقة لها كغير المدخول بها إذا لم تسلم إليه والصغيرة التي لا يمكن الاستمتاع بها تجب على الثاني لا الأول
"ومن لزم غيره فطرته فأخرج عن نفسه بغير إذنه" أي بغير إذن من تلزمه زاد في الانتصار ونيته "فهل يجزئه على وجهين" ظاهر المذهب الإجزاء لأنه أخرج عن نفسه فأجزأه كمن وجبت عليه
والثاني: لا لأنه أدى الواجب عن غيره بغير إذنه فلم يصح كما لو أدى عن غيره وهما ينفيان هل يكون متحملا عن الغير لكونهما طهرة له أو أصيلا لأنه المخاطب بها وفيه وجهان فلو لم يخرج مع قدرته لم يلزم الغير شيء وله
ولا يمنع الدين وجوب الفطرة، إلا أن يكون مطالبا به وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر
----------------------------------
مطالبته بالإخراج جزم به الأصحاب كنفقته لكن لو أخرج العبد بلا إذن سيده لم يجزئه وقيل: إن ملكه سيده مالا وقلنا يملكه ففطرته عليه مما في يده فعلى هذا يخرج العبد عن عبده منه وظاهر ما سبق أنه إذا أخرج بإذنه أنه يجزئه فلو أخرج عمن لا تلزمه فطرته بإذنه أجزأ وإلا فلا قال الآجري هذا قول فقهاء المسلمين.
مسألة: من لزمه فطرة حر أو عبد أخرجها مكانهما كمال مزكّى في غير بلد مالكه ونص على أنه يخرجها مكانه كفطرة نفسه.
فرع: من أنفق عليه من بيت المال لم يلزمه فطرته لأن ذلك ليس بإنفاق وإنما هو إيصال المال من حقه قاله القاضي أو لأنه لا مالك له معين كعبيد الغنيمة قبل الغنيمة والفيء ونحو ذلك
"ولا يمنع الدين وجوب الفطرة" لتأكدها بدليل وجوبها على الفقير وشمولها لكل مسلم قدر على إخراجها فجرى مجرى النفقة بخلاف زكاة المال فإنها تجب بالملك والدين يؤثر فيه والفطرة تجب على البدن وهو غير مؤثر فيه "إلا أن يكون مطالبا به" فيمنع في ظاهر المذهب نص عليه واختاره الأكثر لوجوب أدائه عند المطالبة وتأكده بكونه حق آدمي لا يسقط بالإعسار أشبه من لا فضل عنده وعنه يمنع مطلقا وقاله أبو الخطاب كزكاة المال وقال ابن عقيل عكسه لتأكدها كالنفقة والخراج
"وتجب بغروب الشمس من ليلة الفطر" لقول ابن عباس فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين رواه أبو داود والحاكم وقال على شرط البخاري فأضاف الصدقة إلى الفطر فكانت واجبة به لأن الإضافة تقتضي الاختصاص والسببية وأول فطر يقع
فمن أسلم بعد ذلك أو ملك عبدا أو زوجة أو ولد له ولد لم تلزمه فطرته وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين.
-------------------------------------
من جميع رمضان بمغيب الشمس من ليلة الفطر
"فمن أسلم بعد ذلك" أي بعد الغروب "أو ملك عبدا وزوجة أو ولد له ولد لم يلزمه فطرته" نقله الجماعة لعدم وجود سبب الوجوب
وعنه: يمتد وقت الوجوب إلى طلوع الفجر الثاني من يوم الفطر
وعنه: يجب بطلوع الفجر منه وعنه :ويمتد إلى أن يصلى العيد
"وإن وجد ذلك قبل الغروب وجبت" لوجود السبب فالاعتبار بحال الوجوب فلو كان معسرا وقت الوجوب ثم أيسر فلا فطرة على الأصح وعكسه لا يسقط وكذا لو مات قبل الغروب فلا فطرة ولو كان بعده لم يسقط وذكره المجد إجماعا في عتق عبد والفطرة في عبد موهوب وموصى به على المالك وقت الوجوب وكذا المبيع في مدة الخيار وفي ملك عبد دون نفعه أوجه ثالثها أنها في كسبه بالنفقة
"ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين" نص عليه لقول ابن عمر كانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين رواه البخاري والظاهر بقاؤها أو بقاء بعضها إليه وإنما لم تجز بأكثر لفوات الإغناء المأمور به في قوله "أغنوهم عن الطلب هذا اليوم" رواه الدارقطني من رواية أبي معشر وفيه كلام من حديث ابن عمر بخلاف زكاة المال ولأن الفطر سببها أو أقوى جزئي سببها لمنع التقديم على النصاب قال في الفروع والأولى الاقتصار على الأمر بالإخراج في الوقت الخاص خرج منه التقديم باليومين لفعلهم وإلا فالمعروف منع التقديم على السبب الواحد وجوازه على أحد السببين
وعنه: يجوز تقديمها بثلاثة جزم في المستوعب بأيام وقيل بخمسة عشر حولا للأكثر كالكل وقيل بشهر لا أكثر لأن سببها الصوم والفطر
والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة وتجوز في سائر اليوم فإن أخرجها عنه أثم وعليه القضاء.
فصل:
والواجب في الفطرة صاع من البر أو الشعير أو دقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ومن الأقط في إحدى الروايتين.
---------------------------------------
منه كزكاة المال
"والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة" أو قدرها لأنه عليه السلام أمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة من حديث ابن عمر وقال جمع الأفضل أن يخرجها إذا خرج إلى المصلى وفي الكراهة بعده وجهان وقيل تحرم بعد الصلاة فعليه تكون قضاء جزم به ابن الجوزي واستدل الأصحاب بحديث ابن عباس السابق وتمامه فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات
"وتجوز في سائر اليوم" لحصول الإغناء بها فيه إلا أنه ترك الأفضل "فإن أخرها عنه أثم" لتأخيره الواجب عن وقته ولمخالفة الأثر "وعليه القضاء" لأنها عبادة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة وعنه لا يأثم نقل الأثرم أرجو أن لا بأس وقيل له في رواية الكحال وإن أخرها قال إذا أعدها لقوم.
فصل:
"والواجب في الفطرة صاع" بصاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل القامة وحكمته كفاية الصاع للفقير في أيام العيد "من البر أو الشعير" إجماعا "أو دقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب" إجماعا "ومن الأقط" وهي شيء يعمل من اللبن المخيض وقيل من الإبل فقط "في إحدى الروايتين" هذا المذهب جزم به أكثر الأصحاب.
---------------------------------------------
لما روى أبو سعيد الخدري قال كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من أقط متفق عليه
وصريحه إجزاء الدقيق وهو الطحين والسويق وهو قمح أو شعير يقلى ثم يطحن نص عليه واحتج بزيادة انفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد أو صاعا من دقيق قيل لابن عيينة إن أحدا لا يذكره فيه قال بل هو فيه رواه الدارقطني
قال المجد بل أولى بالإجزاء لأنه كفى مؤنته كتمر نزع حبه ويعتبر صاعه بوزن حبه نص عليه ليفرق الأجزاء بالطحن وظاهره يجزئ بلا محل وفيه وجه كما لا يكمل تمر بنواه المنزوع.
وعنه لا يجزئ فيهما اختاره صاحب الإرشاد والمحرر في السويق لأن الزيادة أنكرت على سفيان فتركها وفي كلام المؤلف نظر لأنه لو قد ذكر التمر والزبيب ثم ذكرهما والأقط لرجع الخلاف إلى ذلك
والثانية لا يجزئ الأقط اختاره أبو بكر لأنه جنس لا تجب فيه الزكاة فلا يجزئ إخراجه كاللحم وعنه لا يجزئ إلا لمن هو قوته اختاره الخرقي وظاهره يجزئ وإن وجد غيره وخصصه الخرقي بأهل البادية نظرا إلى الغالب
فعلى الأول" هو أصل بنفسه وهو طريق الأكثر
وفي اللبن غير المخيض والجبن أوجه ثالثها يجزئ اللبن فقط ورابعها يجزئان مع عدم الأقط ويحتمل أنه يجزئ الجبن لا اللبن وحده لأنه بلغ حالة الادخار وظاهره أنه لا يجزئ نصف صاع من بر نص عليه لحديث أبي هريرة أو صاع من قمح وهو من رواية سفيان بن حسين عن الزهري وليس بالقوي واختار الشيخ تقي الدين الإجزاء وأنه قياس المذهب في الكفارة ويقتضيها نقل الأثرم وفيه شيء لأن في رواية الأثرم صاع من
ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد وعند أبي بكر: يخرج ما يقوم مقام المنصوص ولا يخرج حبا معيبا ولا خبزا.
-----------------------------------------------
كل شيء ولأحمد وغيره من حديث الحسن عن ابن عباس نصف صاع من بر وفيه مقال لأن الحسن لم يسمع منه قاله ابن المديني وابن معين
"ولا يجزئ غير ذلك" أي: الأصناف المذكورة مع قدرته على تحصيلها كالدبس والمصل وقيل يجزئ كل مكيل مطعوم واختار الشيخ تقي الدين يجزئ قوت بلده مثل الأرز ونحوه وأنه قول أكثر العلماء لقوله تعالى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: من الآية89] وجزم به ابن رزين
"إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد" كلحم ولبن وقيل لا يعدل عنهما لأن المقصود من المنصوص عليها الاقتيات وحصول الغنى عن الطلب وهو حاصل بذلك
"وعند أبي بكر" وهو أشبه بكلام أحمد وظاهر الخرقي وقدمه الشيخان في الكافي والمحرر وجزم به في الوجيز "يخرج" صاع "مما يقوم مقام المنصوص" من كل حبة كذرة ودخن أو ثمر يقتات كتين يابس ونحوه ولأنها أشبه بالمنصوص عليها فكانت أولى زاد بعضهم بالبلد غالبا وقيل يجزئ ما يقوم مقامها وإن لم يكن مكيلا
"ولا يخرج حبا معيبا" كمسوس ومبلول لقوله تعالى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: من الآية267] ولأن السوس يأكل جوفه والبلل ينفخه والمخرج بصاع منه ليس هو الواجب شرعا
وإن خالط الجيد ما يجزئ فإن كثر لم يجزئه وإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعا لأنه ليس عيبا لقلة مشقة تنقيته قال أحب تنقية الطعام وحكاه عن ابن سيرين ليكون أكمل "ولا خبزا" لأنه خرج عن الكيل والادخار وفيه شبه بإخراج القيمة وقال
ويجزئ إخراج صاع من أجناس وأفضل المخرج التمر ثم ما هو أنفع للفقراء بعده. ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد والواحد ما يلزم الجماعة.
---------------------------------------------
ابن عقيل يجزئ
"ويجزئ إخراج صاع من أجناس" نص عليه لأن كلا منها يجوز منفردا وكذا مع غيره لتفاوت مقصودها أو اتحاده وقاسه في المغني والشرح على فطرة عبد مشترك إذا أخرج كل واحد من جنس وفي الفروع يتوجه تخريج في الكفارة لا تجزئ لظاهر الأخبار إلا أن يقول بالقيمة.
"وأفضل المخرج التمر" مطلقا نص عليه لفعل ابن عمر رواه البخاري وقال له أبو مجلز إن الله قد أوسع والبر أفضل فقال إن أصحابي سلكوا طريقا فأنا أحب أن أسلكه رواه أحمد واحتج به ولأنه قوت وحلاوة وأقرب تناولا وأقل كلفة ولا عبرة بموزونه بل يحتاط في الثقيل ليسقط الفرض
"ثم ما هو أنفع للفقراء بعده" إذ القصد الاقتيات وحصول الإغناء به عن الطلب لكن جزم في المغني والشرح والوجيز أن الأفضل بعد التمر البر فيحتمل أن يكون مرادا هنا لأن الاعتماد في تفضيل التمر إتباع الصحابة وسلوك طريقتهم ولهذا قال أبو مجلز والبر أفضل وأقره عليه لأنه أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير
وقيل: الزبيب جزم به أبو الخطاب وعزاه ابن المنجا للأصحاب لمشاركته له في القوت والحلاوة وفي المحرر أفضلها التمر ثم الزبيب ثم البر ثم الشعير ثم الأقط وعنه الأقط أفضل لأهل البادية إن كان قوتهم وقيل ما كان أغلا قيمة وأكثر نفعا
"ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد" لا نعلم فيه خلافا إذا أعطى من كل صنف ثلاثة لأنه دفع الصدقة إلى مستحقها "والواحد ما يلزم الجماعة" نص عليه لأنها صدقة لغير معين فجاز صرفها إلى واحد كالزكاة والأفضل ألا
-----------------------------------------------
ينقص الواحد عن مدبر أو نصف صاع من غيره
وعنه: الأفضل تفرقة الصاع جزم به جماعة للخروج من الخلاف
وعنه: الأفضل أن لا ينقص الواحد عن صاع للمشقة ويصرف في أصناف الزكاة لا في غيرهم وفي الفنون عن بعض أصحابنا تدفع إلى من لا يجد ما يلزمه وقال الشيخ تقي الدين لا تدفع إلا لمن يستحق الكفارة وهو من يأخذ لحاجته لا في المؤلفة والرقاب وغير ذلك
فرع: إذا دفعها إلى مستحقها فردها إليه عن نفسه أو جمعت عند الإمام فقسمها على أهل السهمان فعاد إلى إنسان ذلك جاز أشبه ما لو عادت إليه بميراث
وقال أبو بكر مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها لأنها طهرة فلم يجز له أخذها لسواها لحديث عمر رضي الله عنه.
باب إخراج الزكاة
لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه
-----------------------------------------------
باب إخراج الزكاة"لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه" أي مع القدرة نص عليه لقوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: من الآية141] والمراد الزكاة والأمر المطلق للفور بدليل أن المدخر مستحق العقاب ولو جاز التأخير لكان إما إلى غاية وهو مناف للوجوب وإما إلى غيرها ولا دليل عليه بل ربما يفضي إلى سقوطها إما بموته أو تلف المال ليتضرر الفقير فيختل المقصود من شرعها ولأنها للفور بطلب الساعي فكدين بطلب الله تعالى كعين مغصوبة
وفي المغني والشرح لو لم يكن الأمر للفور لقلنا به هنا ولأنها عبادة
إلا لضرر مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه ونحو ذلك فإن جحد وجوبها جهلا عرف ذلك فإن أصر كفر وأخذت منه واستتيب ثلاثا.
----------------------------------------------
تكرر فلم يجز تأخيرها إلى دخول وقت مثلها كالصلاة.
وقيل: لا يلزمه على الفور لإطلاق الأمر كالكفارة وعلى الأول تضمن إذا تلف المال أو بعضه لتعديه وظاهره أنه إذا لم يمكنه الإخراج كمن منع من التصرف من ماله أو لم يجد المستحق أو كان ماله غائبا ونحوه فيجوز له التأخير وكلامه مشعر بجواز تأخيرها عن غير وقت وجوبها وهو كذلك بلا نزاع
"إلا لضرر" فيجوز له تأخيرها نص عليه "مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه" إذا أخرجها هو بنفسه "ونحو ذلك" كما إذا خاف على نفسه أو ماله لما في ذلك من الضرر وإذا جاز تأخير دين الآدمي فهي أولى ويجوز تأخيرها لحاجة المالك إليها نص عليه ولمن حاجته أشد نقله يعقوب وقيدها جماعة بزمن يسير للحاجة وإلا لم يجز ترك واجب لمندوب وظاهر كلام جماعة المنع وكذا يجوز تأخيرها لقريب في الأشهر وجار ولم يذكره الأكثر
وعنه: له أن يعطى قريبه كل شهر شيئا وحمله أبو بكر على تعجيلها قال المجد هو خلاف الظاهر وينبغي أن يقيد الكل ما لم يشتد ضرر الحاضر.
فرع: يجوز للإمام والساعي تأخيرها عند ربها لعذر قحط ونحوه احتج أحمد بفعل عمر.
"فإن جحد وجوبها جهلا" به ومثله يجهله لقريب العهد بالإسلام والناشئ ببادية بعيدة يخفى عليه "عرف ذلك" أي عرف وجوبها ليرجع عن الخطأ ولم يحكم بكفره لأنه معذور "فإن أصر" أو كان عالما به "كفر" إجماعا لأنه مكذب لله ولرسوله وظاهره ولو أخرجها "وأخذت منه" لوجوبها قبل كفره فلم تسقط به كالدين
قال في الفروع إن كان وجبت ولا تحتاج إليه لأنها مفروضة فيه "واستتيب ثلاثا" كالمرتد
فإن لم يتب قتل ومن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر فإن غيب ماله أو كتمه أو قاتل دونها وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة وقال أبو بكر: يأخذها وشطر ماله.
---------------------------------------------
"فإن لم يتب قتل" لقوله عليه السلام "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة" وقال أبو بكر لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة متفق عليهما
"ومن منعها بخلا بها" أو تهاونا "أخذت منه" قهرا كدين الآدمي وكما يؤخذ منه العشر ولأن للإمام طلبه به فهو كالخراج بخلاف الاستنابة في الحج والتكفير بالمال وظاهره أنه لا يحبس حتى يؤدي لعدم النية في العبادة من الممتنع "وعزر" لتركه الواجب عليه ولأنها معصية لا حد فيها ولا كفارة والمراد إذا كان عالما بتحريم ذلك وقيل إن كان ماله باطنا عزره إمام أو محتسب
وذكر القاضي وابن عقيل إن فعله لفسق الإمام لكونه لا يضعها موضعها لم يعزره وجزم به جماعة.
"فإن غيب ماله أو كتمه" أي غله "أو قاتل دونها وأمكن أخذها" فإن كان في قبضة الإمام "أخذت" الزكاة "من غير زيادة" عليها وهو قول أكثر العلماء لأن الصديق مع الصحابة لما منعته العرب الزكاة لم ينقل أنه أخذ منهم زكاة عليها ولأنه لا يزاد على أخذ الحقوق من الظالم وكسائر الحقوق
وعنه: تؤخذ منه ومثلها ذكرها ابن عقيل وقاله في زاد المسافر تغليظا عليه.
"وقال أبو بكر يأخذها وشطر ماله" أي مع نظير ماله الزكوي وهذا رواية وقدمها الحلواني لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا "في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من
فإن لم يمكن أخذها استتيب ثلاثا فإن تاب وأخرج وإلا قتل وأخذ من تركته وقال بعض أصحابنا: إن قاتل عليها كفر.
-----------------------------------------------
عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء" رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال شطر ماله وهو ثابت إلى بهز وقد وثقه الأكثر
وجوابه: بأنه كان في بدء الإسلام حيث كانت العقوبات في المال ثم نسخ لأن ظاهره إيجاب بنت لبون من كل أربعين مطلقا والمستقر عليه في النصب والأسنان حديث الصديق وفيه ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه قال في الشرح وانعقد الإجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال وليس كذلك
"فإن لم يمكن أخذها" بالتعذيب أو غيره "استتيب ثلاثا" لأنها من مباني الإسلام فيستتاب تاركها كالصلاة "فإن تاب وأخرج وإلا قتل" إذا لم يتب لاتفاق الصحابة على قتال مانعها "وأخذت من تركته" من غير زيادة لأن القتل لا يسقط دين الآدمي فكذا الزكاة
وإذا قتل فيكون حدا على الأصح لظاهر الكتاب والسنة 0 ولأنه لا تسبى لهم ذرية لأن الجناية من غيرهم
وظاهره: أنه لا يكفر بمقاتلة الإمام له في ظاهر المذهب لأن الصحابة لم يعتقدوا كفرهم حين امتنعوا.
"وقال بعض أصحابنا إن قاتل عليها كفر" لقوله تعالى {فَإِنْ تَابُوا} [التوبة: من الآية5] ولأن أبا بكر لما قاتلهم قالوا نؤديها قال لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره فدل على كفرهم
قال ابن مسعود وما تارك الزكاة بمسلم وجوابه بأنه يحتمل أنهم جحدوا وجوبها ويحتمل غير ذلك فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر بدليل العصاة من هذه الأمة وقال القاضي الصحيح
وإن ادعى ما يمنع الوجوب من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله عنه في بعض الحول – قبل قوله بغير يمين نص عليه. والصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما.
----------------------------------------
من المذهب أنه لا يكفر بترك شيء من العبادات سوى الصلاة لتعذر النيابة فيها والمقصود الأعظم من الزكاة دفع حاجة الفقير وهو حاصل بأدائها مع القتال
"وإن" طولب بالزكاة فادعى أداءها أو "ادعى ما يمنع الوجوب من نقصان الحول أو النصاب أو انتقاله عنه في بعض الحول" بأن قال بعته ثم اشتريته "قبل قوله" لأن الأصل براءة ذمته "بغير يمين نص عليه" وظاهره لا يشرع نقل حنبل لا نسأل المتصدق عن شيء ولا نبحث إنما نأخذ ما أصابه مجتمعا ولأنها عبادة مؤتمن عليها فلا يستحلف كالصلاة والكفارة بخلاف الوصية للفقراء بمال وقال ابن حامد يستحلف في ذلك كله وفي الفروع يتوجه احتمال إن اتهم وفي الأحكام السلطانية إن رأى العامل أن يستحلفه فعل وإن نكل لم يقض عليه بنكوله وقيل بلى وكذا الحكم إن مر بعاشر وادعى أنه عشره آخر.
فرع: إذا أقر بقدر زكاته ولم يذكر قدر ماله صدق ويجري الخلاف السابق في اليمين "والصبي والمجنون" تجب الزكاة في مال كل منهما إذا كان حرا مسلما تام الملك وقوم لما روى الدارقطني مرفوعا "من ولي مال يتيم فليتجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" وروي موقوفا على عمر فدل على وجوبها لأن الولي ليس له أن يتبرع بمال اليتيم ولأن من وجب العشر من رزعه وجب ربع العشر في رزقه كالبالغ العاقل والصلاة والصوم مختصة بالبدن فإن نية الصبي ضعيفة والمجنون لا تتحقق منه نيتها بخلاف الزكاة فإنها تتعلق بالمال لنفقة الزوجات والأقارب وأرش الجنايات.
فعلى هذا "يخرج عنهما وليهما" من مالهما لأنه حق واجب عليهما ,
ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه وله دفعها إلى الساعي وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر.
---------------------------------------------
فوجب على الولي أداؤه عنهما كنفقة قريبه وتعتبر النية منه في الإخراج كرب المال "ويستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه" إن كان أمينا وهو أفضل من دفعها إلى الإمام نص عليه لقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: من الآية271] وكالدين ولأن القابض من سيد قبض ما يستحقه وليكون على ثقة من إيصالها إلى مستحقها وظاهره لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة وقيل يجب دفع زكاة المال الظاهر إلى الإمام
"وله دفعها إلى الساعي" لما روى سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت لي مال وأريد إخراج زكاته فما تأمرني فقال ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد فقالوا مثل ذلك رواه سعيد ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم وظهر أن له دفعها إلى الإمام ولو كان فاسقا قال أحمد الصحابة يأمرون بدفعها وقد علموا فيما ينفقونها وفي الأحكام السلطانية يحرم إن وضعها في غير أهلها ويجب كتمها إذن وبالجملة فيجزئ مطلقا لما روى أحمد عن أنس مرفوعا "إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدلها"
وللإمام طلبها من الأموال مطلقا إذا وضعها في أهلها وقيل يجب دفعها إذن وقيل لا يجب دفع الباطنة ذكره بعضهم وجها واحدا وعلى الأول ولو من بلد غلب عليه الخوارج فلم يؤد أهله الزكاة ثم غلب عليهم الإمام لأنهم وقت الوجوب ليسوا تحت حمايته.
"وعنه يستحب أن يدفع إليه العشر" لاختلافهم فيه فذهب قوم إلى أنه
ويتولى تفريق الباقي وعند أبي الخطاب: دفعها إلى الإمام العادل أفضل. ولا يجوز إخراجها إلا بنية.
-------------------------------------------------
يتولاه الإمام أو نائبه وعنه يدفع إلى السلطان صدقة الفطر وعنه دفع الظاهر أفضل
"ويتولى" المالك "تفريق الباقي" كالمواشي ونحوهما فيضعها موضعها "وعند أبي الخطاب دفعها إلى الإمام العادل أفضل" واختاره ابن أبي موسى للخروج من الخلاف وزوال التهمة.
تنبيه: للإمام طلب نذر وكفارة في وجه نص عليه في كفارة الظهار وما أخذه البغاة والخوارج من الزكاة فإنها تجزئ عن مالكها وحمله القاضي على أنهم خرجوا بتأويل وفي موضع آخر أنهم إذا نصبوا إماما وفي الأحكام السلطانية لا يجزئ الدفع إليهم اختيارا وعنه الوقف فيما أخذه الخوارج من الزكاة
"ولا يجوز" أي لا يجزئ "إخراجها إلا بنية" لقوله "إنما الأعمال بالنية" ولأنها عبادة فافتقرت إليها كالصلاة ومصرف المال إلى الفقير له جهات فلا يتعين إلا بتعيين فينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال أو الفطر
فلو نوى صدقة مطلقة لم يجزئه ولو تصدق بجميع ماله كصدقته بغير النصاب من جنسه ولا تعتبر نية الفرض ولا المال المزكى عنه.
وفي تعليق القاضي وجه تعتبر نية التعيين إذا اختلف المال كشاة عن خمس من الإبل وأجزأ عن أربعين من الغنم فعلى الأول إن نوى زكاة ماله الغائب فإن كان تالفا فعن الحاضر أجزأ عنه إن كان الغائب تالفا بخلاف الصلاة لاعتبار التعيين فيها وإن أدى قدر زكاة أحدهما جعله لأيهما شاء لتعيينه ابتداء وإن لم يعينه أجزأ عن أحدهما ولو نوى عن الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلى غيره كعتق في كفارة معينة فلم تكن وإن نوى عن الغائب إن كان سالما أو نوى وإلا فنفل أجزأ لأنه حكم الإطلاق فلم
إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا وقال أبو الخطاب: لا تجزئه أيضا من غير نية. فإن دفعها إلى وكيله اعتبرت النية في الموكل.
----------------------------------------------
يضر التقييد وقال أبو بكر لا يجزئه لأنه لم يخلص النية للفرض والأولى مقارنتها للدفع وله تقديمها بزمن يسير كالصلاة وفي الروضة تعتبر عند الدفع ولو حركها لم تكف النية
"إلا أن يأخذها الإمام منه قهرا" قاله الخرقي وجزم به في الوجيز فإنها تجزئ بغير نية رب المال في الظاهر بلا تردد بمعنى أنه لا يؤمر بأدائها ثانيا وظاهره أنها تجزئ في الباطن وهو أحد الوجوه لأن له ولاية على الممتنع فقامت نيته مقام نية المالك كولي الصبي ونحوه والثاني، وقاله القاضي أنها تجزئ إذا أخذها طوعا أو كرها لأن أخذه كالقسمة بين الشركاء.
"وقال أبو الخطاب" وابن عقيل وهو ظاهر المحرر واختاره حفيده "لا تجزئه أيضا من غير نية" لأن الإمام إما وكيله أو وكيل الفقراء أو وكيلهما فتعتبر نية رب المال وكالصلاة فعلى هذا يقع نفلا من الطائع ويطالب بها ويجزئ للمكره ظاهرا لا باطنا كالمصلي مكرها. وأجيب بأنه دال على المال ولا يصح إلحاق الزكاة بالقسمة لأنها ليست عبادة ولا تعتبر لها نية بخلاف الزكاة وقال القاضي في موضع لا يحتاج الإمام إذنه منه ولا من رب المال فرع: لو غاب المالك أو تعذر إذنه لحبس ونحوه فأخذ الساعي من ماله أجزأ مطلقا لأنه له ولاية أخذها إذن ونية المالك متعذرة بما تعذر عليه كصرف الولي زكاة موليه "فإن دفعها إلى وكيله" المسلم الثقة نص عليه وقال القاضي يجوز أن يكون كافرا على خلاف فيه كما لو استناب ذميا في ذبح أضحية وجزم في منتهى الغاية بجوازه كالمسلم وفي مميز وجهان ومقتضاه صحة التوكيل في إخراجها اتفاقا "اعتبرت النية في الموكل" لأنها
دون نية الوكيل ويستحب أن يقول عند دفعها: اللهم اجعلها مغنما، ولا تجعلها مغرما. ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورا.
--------------------------------------------
واجبة عليه فاعتبرت من جهته وظاهره الإجزاء ولو تطاول زمن الإخراج اختاره أبو الخطاب "دون نية الوكيل" كما لو تقارب الدفع وقيده القاضي وابن عقيل وصاحب الشرح والوجيز بالزمن اليسير فعلى هذا لو تطاول فلا بد من نية الوكيل أيضا لئلا يخلو الأداء إلى المستحق عن نية مقارنة مقاربة ويستثنى منه ما لو دفعها إلى الإمام ناويا ولم ينو الإمام حال الدفع جاز وإن طال الزمن لأنه وكيل الفقراء وظاهره أنه إذا نوى الوكيل أنه لا يجزئ لأنه نيته لم يؤذن له فيها فتقع نفلا ولو أجازها وكذا من أخرج من ماله زكاة عن حي بلا إذنه لم يجزئه ولو أجازها لأنها ملك المتصدق فوقعت عنه
"ويستحب أن يقول عند دفعها اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" لخبر أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" رواه ابن ماجه من رواية البختري بن عبيد وهو ضعيف ومعناه الدعاء كأنه قال اللهم اجعلها مثمرة لا منقصة له لأن التثمير كالغنيمة والتنقيص كالغرامة ويحمد الله على توفيقه لأدائها.
"ويقول الآخذ: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا" لأنه مأمور به في قوله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: من الآية103] أي ادع لهم قال عبد الله بن أبي أوفى كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال "اللهم صل على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته فقال "اللهم صل على آل أبي أوفى" متفق عليه وهو محمول على الندب ولهذا لم يأمر سعاته بالدعاء وذهبت الظاهرية إلى وجوبه لأن "على" للإيجاب
ويستحب إظهارها في الأصح وقيل إن منعها أهل بلدة استحب وإلا
ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة. فإن فعل ، فهل تجزئه ؟ على روايتين. إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه ، فيفرقها في أقرب البلاد إليه.
---------------------------------------.
فلا. فإن علمه أهلا لها كره إعلامه بها نص عليه وفي الروضة لا بد من إعلامه وإن علمه أهلا ويعلم من عادته لا يأخذ زكاة وإن أعطاه ولم يعلمه لم يجزئه في قياس المذهب.
"ولا يجوز نقلها إلى بلد تقصر إليه الصلاة" نص عليه وجزم به الأكثر لقوله عليه السلام لمعاذ حين بعثه إلى اليمن "أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم" متفق عليه وقال سعيد حدثنا سفيان عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال كان في كتاب معاذ "من أخرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره ترد إلى مخلافه" وذكر القاضي في تعليقه وابن البنا يكره وعنه يجوز نقلها إلى الثغر وعنه وغيره والأول المذهب وعليه لا فرق بين أن يكون لرحم وشدة حاجة أولا.
والساعي وغيره سواء نص على ذلك وعلم منه أنه يجوز نقل الكفارة والنذر والوصية المطلقة في الأصح ونقلها إلى قصر نص عليه لأنه في حكم بلد واحد بدليل أحكام رخص السفر.
"فإن فعل فهل يجزئه على روايتين" إحداهما لا يجزئ اختاره الخرقي وابن حامد والقاضي وجماعة كصرفها في غير الأصناف والثانية واختارها أبو الخطاب والمؤلف وصاحب الوجيز الإجزاء للعمومات ولأنه دفع الحق إلى مستحقه فبرئ كالدين "إلا أن يكون في بلد لا فقراء فيه" بالكلية أو كانوا وفضل عنهم لأن معاذا بعث إلى عمر صدقة من اليمن فأنكر عمر ذلك وقال لم أبعثك جابيا ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها في فقرائهم فقال معاذ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد من يأخذه مني رواه أبو عبيد فينقلها نص عليه ومؤنة نقلها على المالك كالكيل ونحوه "فيفرقها في أقرب البلاد إليه" لأنهم أولى وحكم أهل البادية كذلك ولو عبر بموضع لكان أشمل ويستثنى من الأول ما لو كان نصاب من السائمة
وإذا كان في بلد وماله في آخر ، أخرج زكاة المال في بلده ، وفطرته في البلد الذي هو فيه. وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم الإبل في أفخاذها والغنم في آذانها ، فإن كانت زكاة كتب " لله " أو " زكاة " ، وإن كانت جزية كتب: " صغار " أو : " جزية ".
---------------------------------------
متفرقا في بلدين فإنه يجوز أن يخرج في أحدهما لئلا يفضي إلى التشقيص في ظاهر كلام أحمد والثاني يلزمه في كل بلد بقدر ما فيه من المال لئلا ينقلها.
"وإذا كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في بلده" أي بلد المال نص عليه لئلا ينقل الصدقة عنه ولأن المال سبب الزكاة فوجب إخراجها حيث وجد السبب وإن كان متفرقا زكى كل مال حيث هو.
فرع: السفار بالمال يزكي من موضع أكثر إقامة المال فيه نقله الأكثر لتعلق الأطماع به غالبا ونقل محمد بن الحكم تفرقته في البلدان التي كان بها في الحول وقال القاضي يفرق زكاته حيث حال حوله لئلا يفضي إلى تأخير.
"و" إخراج "فطرته في البلد الذي هو فيه" لأنه سببها فوجب إخراجها حيث وجد السبب "وإذا حصل عند الإمام ماشية استحب له وسم الإبل" والبقر "في أفخاذها والغنم في آذانها" لما روى أنس قال غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه فوافيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة متفق عليه ولأحمد وابن ماجه وهو يسم غنما في آذانها وإسناده صحيح ولأن الحاجة تدعو إليه ليتميز عن الضوال ولترد إلى مواضعها إذا شردت وخص الموضعان لخفة الشعر فيهما ولقلة ألم الوسم ويتوجه يحرم في الوجه
"فإن كانت زكاة كتب "لله" أو "زكاة" وإن كانت جزية كتب "صغار" "أو جزية" لأنه أقل ما يتميز به وذكر أبو المعالي أن الوسم بحناء أو قير أفضل وفيه شيء.
تنبيه: إذا أخرج زكاته فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه عوضها كما قبل
فصل:
ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب ، ولا يجوز قبل ذلك ، وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان.
--------------------------------
العزل لعدم تعيينها لأنه يجوز العود فيها إلى غيرها ولم يملكها المستحق كمال معزول لو قارب الدين بخلاف الأمانة والتالف إن كان من مال الزكاة سقط قدر زكاته إن قلنا بالسقوط بالتلف وفي سقوطها عن الباقي إن نقص عن نصاب الخلاف ويشترط لملك الفقير لها وإجزائها قبضه ولا يصح تصرفه قبله نص عليه ولو قال الفقير اشتر لي بها ثوبا ولم يقبضه لم يجز ولو اشتراه كان له ولو تلف فمن ضمانه.
فصل:
"ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب" جزم به الأصحاب لما روى علي بن أبي طالب أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك رواه أحمد وأبو داود وقد تكلم في إسناده وذكر أبو داود أنه روي عن الحسن بن مسلم مرسلا وأنه أصح ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ونقل جماعة لا بأس به قال الأثرم هو مثل الكفارة قبل الحنث فيصير من تقديم الحكم بعد وجود سببه وقبل وجود شرطه وفي كلام القاضي والمجد أنهما سببان فقدم على أحدهما وفي كلام المؤلف شرطان وظاهر كلامهم أن ترك التعجيل أفضل وفي الفروع ويتوجه احتمال تعتبر المصلحة ولا خلاف عندنا أنه يجوز تقديمها بعام واحد ويستثنى منه ولي رب المال فإنه ليس له تعجيلها في وجه.
"ولا يجوز قبل ذلك" أي قبل كمال النصاب بغير خلاف نعلمه قاله في المغني لأنه سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف "وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان" أطلقهما تبعا لأبي الخطاب إحداهما لا يجوز جزم به في الوجيز لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول ,
وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده ، أجزأ عن النصاب دون الزيادة.
------------------------------------
فاقتصر عليه والثانية يجوز قدمه في الفروع لأن في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أما العباس فهي علي ومثلها معها" متفق عليه وكتقديم الكفارة قبل الحنث بأعوام لكن قيدها ابن الزاغوني والمجد بعامين ونص أحمد ويرد عليه نقل الأولى لا يجوز لثلاثة أعوام فأكثر قال ابن عقيل لا تختلف الرواية فيه اقتصارا على ما ورد وعنه يجوز لما سبق.
وإذا قلنا تعجل لعامين فعجل عن أربعين شاة شاتين في غيرها جاز وفيهما لا يجوز عنهما وينقطع الحول وإن عجل واحدة منها وأخرى من غيرها جاز جزم به في منتهى الغاية وقال المؤلف يجزئ واحدة عن الحول الأول.
"وإن" ملك نصابا ثم "عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب" لما تقدم "دون الزيادة" نص عليه لأنه عجل زكاة ما ليس في ملكه فلم يوجد السبب كما في النصاب الأول وعنه يجزئ عنها لوجود سبب الزكاة في الجملة وفي الفروع يتوجه منها احتمال تخريج يضمه إلى الأصل من حول الوجوب فكذا من التعجيل واختار في الانتصار يجزئ عن المستفاد من النصاب فقط وقيل به إن لم يبلغ المستفاد نصابا لأنه يتبعه في الوجوب والحول كموجود وإذا بلغه استقل بالوجوب في الجملة لو لم يوجد الأصل.
ولو عجل عن خمس عشرة وعن نتاجها بنت مخاض فنتجت مثلها فالأشهر لا تجزئه وتلزمه بنت مخاض وهل له أن يرتجع العجلة على وجهين فإن جاز فأخذها ثم دفعها إلى الفقير جاز وإن اعتد بها قبل أخذها فلا لأنها على ملك الغير.
ولو عجل مسنة عن ثلاثين بقرة ونتاجها فالأشهر لا تجزئه عن الجميع بل عن ثلاثين وليس له ارتجاعها ويخرج للعشر ربع مسنة وعلى قول ابن حامد يخير بين ذلك وبين ارتجاع المسنة ويخرجها أو غيرها عن الجميع ولو عجل عن
وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم ، لم تجزئه. وإن عجل زكاة النصاب وتم الحول ، وهو ناقص قدر ما عجله ، جاز. وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة ، لزمه شاة ثالثة.
--------------------------------------
أربعين شاة شاة ثم أبدلها مثلها أو نتجت أربعين سخلة ثم ماتت الإناث أجزأ العجل عن البدل وعن السخال لأنها تجزئ مع بنات الأمات عن الكل فعن أحدهما أولى وذكر أبو الفرج وجها لا تجزئ لأن التعجيل كان لغيرها.
"وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم تجزئه" لأنه تقديم لها قبل وجود سببها وظاهره أنه إذا عجلها بعد الطلوع أنها تجزئ واختاره أبو الخطاب وقدمه في الفروع لأن وجود ذلك كالنصاب والإدراك كالحول وحكم الزرع كذلك.
وقيل يجوز بعد ملك الشجر ووضع البذر في الأرض لأنه لم يبق للوجوب إلا مضي الوقت عادة كالنصاب الحولي
واختار في الانتصار ومنتهى الغاية أنه لا يجوز حتى يشتد الحب ويبدو صلاح الثمرة لأنه السبب.
"وإن عجل زكاة النصاب وتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز" لأن ما عجله حكمه حكم الوجود في ملكه حقيقة أو تقديرا ولهذا يتم به النصاب ويجزئه عن ماله.
وقال أبو حكيم لا يجزئه ويكون نفلا ويكون كتالف فعلى الأول لو ملك مائة وعشرين شاة ثم نتجت قبل الحول واحدة لزمه شاة أخرى وعلى الثاني لا.
وظاهره: أنه إذا نقص أكثر مما عجله أنه يخرج بذلك عن كونه سببا للزكاة فإذا زاد بعد ذلك إما بنتاج أو شراء ما يتم به النصاب استؤنف الحول من حين كمل النصاب ولم يجزئه ما عجله ذكره في الشرح.
"وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمه شاة ثالثة" لما
وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى أجزأت عنه. وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب ، لم تجزئه. وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول ، لم يرجع على المسكين.
-------------------------------
ذكر من أن المعجل حكمه كالموجود فيكون ملكه مائتين وواحدة وفرض ذلك ثلاث شياه فإذا أدى اثنتين بقي عليه واحدة فلو نتج المال ما يغير الفرض كتبيع عن ثلاثين بقرة فنتجت عشرا فقيل لا يجزئه المعجل لشيء ليتبين أن الواجب غيره وهل له ارتجاعه فيه وجهان وقيل يجزئه عما جعله عنه ويلزمه للنتاج ربع مسنة لئلا يمتنع المالك من التعجيل غالبا.
"وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات" قابضها "أو ارتد أو استغنى" من غيرها قبل الحول "أجزأت عنه" في الأصح كما لو استغنى منها أو عدمت عند الحول لأنه يعتبر وقت القبض ولئلا يمتنع التعجيل وفهم منه أنه إذا بقي على صفة الاستحقاق عند تمام الحول الإجزاء من باب أولى
"وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزئه" لأنه لم يدفعها إلى مستحقها أشبه ما لو لم يفتقر "وإن عجلها ثم هلك المال" أي النصاب أو بعضه أو مات المالك أو ارتد "قبل الحول" فقد بان أن المخرج ليس بزكاة لانقطاع الوجوب بذلك فإذا أراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز وذكر القاضي وجها يجوز بناء على ما لو عجل عن عامين والفرق أن التعجيل وجد من نفسه مع حول ملكه وهنا أخرجها غيره عن نفسه بلا ولاية ولا نيابة فلم يجز
"ولم يرجع على المسكين" في رواية ذكرها أبو الحسين واختارها أبو بكر وغيره قال القاضي وهي المذهب وجزم بها في الوجيز لأنها وقعت إلى مستحقها فلم يملك استرجاعها لوقوعها نفلا بدليل ملك الفقير لها وظاهره لا فرق بين إعلام الآخذ أنها معجلة أولا والثانية: يملك الرجوع فيه اختارها ابن حامد وابن شهاب وأبو الخطاب ,
وقال ابن حامد : إن كان الدافع الساعي ، أو أعلمه أنها زكاة معجلة ، رجع عليه
---------------------------------
كما لو عجل الأجرة ثم تلف المأجور وكعتقه عن كفارة لم تجب فلم تجب كما لو كانت بيد الساعي عند التلف
وبنى جماعة عليها إن كان الدافع ولي رب المال رجع مطلقا وإن كان رب المال ودفع إلى الساعي مطلقا رجع فيها ما لم يدفعها إلى الفقير وإن كان دفعها إليه فهو كما لو دفعها إليه رب المال
"وقال ابن حامد إن كان الدافع الساعي" رجع مطلقا لقوله "أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه" لأنه دفعها عما يستحقه القابض من الحال الثاني وإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كما لو كفر عن القتل بعد الجرح فاندمل ولم يمت المجروح فيحتمل أن الضمير عائد إلى رب المال وهي الذي في الشرح فيصير التقدير لو أعلم رب المال الساعي بالتعجيل ودفع إلى الفقير رجع عليه أعلم الساعي أولا وجزم به جماعة عن ابن حامد ويحتمل أن يعود الضمير إلى الدافع فعلى هذا تقديره إذا أعلم الدافع الفقير بأنها معجلة رجع عليه وإلا فلا وهذا قول في المذهب ومتى كان رب المال صادقا فله الرجوع باطنا أعلمه بالتعجيل أولا لا ظاهرا مع الإطلاق لأنه خلاف الظاهر.
وعلى القول بالرجوع إن كانت العين باقية أخذها بزيادتها المتصلة فقط وقيل يرجع بالمنفصل:ة كرجوع بائع المفلس المسترد عين ماله بها وإن كانت ناقصة ضمن نقصها في الأصح كجملتها وإن تلفت ضمن مثلها أو قيمتها يوم التعجيل والمراد ما قاله المجد يوم التلف على صفتها يوم التعجيل.
فرع: إذا اختلفا في ذكر التعجيل صدق الآخذ عملا بالأصل ويحلف في الأصح ولو مات وادعى علم وارثه ففي يمينه على نفي العلم الخلاف.
باب ذكر أهل الزكاة
وهم ثمانية أصناف : الفقراء ، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم. الثاني: المساكين وهم الذين يجدون معظم الكفاية.
------------------------------------
باب ذكر أهل الزكاةوأهلها هم الذين جعلهم الشرع محلا لدفعها إليهم
"وهم ثمانية أصناف" الذين سماهم الله تعالى في قوله {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ} [التوبة: من الآية60] قال أحمد إنما هي لمن سمى الله قال الأصحاب "إِنَّمَا" تفيد الحصر أي تثبت المذكور وتنفي ما عداه لقوله تعالى {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ} [النساء: من الآية171] قال في منتهى الغاية وكذلك تعريف الصدقات بالألف واللام فلو صار صرف شيء منها الثمانية لكان لهم بعضها لا كلها وهذا إجماع
"الفقراء" بدأ بهم اتباعا للنص ولشدة حاجتهم وهم غير المساكين لأنهما إذا اجتمعا افترقا وبالعكس "وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم" فالفقير الذي لا يجد شيئا أصلا أو لا يجد نصف كفايته كدرهمين من عشرة ومثله الخرقي وتبعه في الشرح بالزمن والأعمى لأنهما غالبا لا قدرة لهما على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم أو لا قدرة لهما على شيء بالكلية لقوله تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية273]
"الثاني المساكين وهم الذين يجدون معظم الكفاية" أو نصفها لقوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: من الآية79] فسماهم مساكين ولهم سفينة وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم المسكنة واستعاذ من الفقر فقال "اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين" رواه الترمذي ولا يجوز أن يسأل شدة الحاجة ويستعيذ من حالة
ومن ملك من غير الأثمان مالا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته وإن كان من الأثمان فكذلك في إحدى الروايتين.
-------------------------------------------
أصلح منها فدل على أن المسكين أحسن حالا من الفقير لكونه يجد ما ذكرنا وعنه أنه فقير والأول مسكين وأن المسكين أشد حاجة من الفقير وقاله الفراء وابن قتيبة وثعلب من أصحابنا لقوله تعالى {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد:16] وهو المطروح على التراب لشدة حاجته.
وأجيب بأنه عن الفقير بالمسكين مطلقا وأن هذا النعت لا يستحقه بإطلاق اسم المسكنة "ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته" لقوله عليه السلام في حديث قبيصة "فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش" رواه مسلم والسداد الكفاية.
ولا فرق في ذلك بين ما لا تجب الزكاة فيه كالعقار ونحوه.
قال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان له عقار يستغله أو ضيعة يستغلها عشرة آلاف أو أكثر لا تقيمه يعني لا تكفيه يأخذ من الزكاة وهو فقير يعطى من الصدقة قال نعم وبين ما تجب فيه كالمواشي والحبوب.
نقل الميموني عن أحمد فقلت الرجل تكون عنده الإبل والغنم تجب فيه الزكاة وهو فقير يعطى من الصدقة قال نعم ولأنه يملك ما لا يغنيه ولا يقدر على كسب ما يكفيه فجاز له الأخذ منها كغيره ويأخذ تمام كفايته سنة وعنه يأخذ نماءها دائما بمتجر وآلة صنعة ولا يأخذ ما يصير به غنيا وظاهره أنه إذا كان يقوم بكفايته كمن له مكسب أو أجرة عقار أو غيره فإنه غني ويمنع من أخذها.
"وإن كان من الأثمان" وهو لا يقوم بكفايته قال في الوجيز وكفاية عياله "فكذلك في إحدى الروايتين" نقله مهنا وهو المذهب لأنه عليه السلام جعل عدم الكفاية غاية حل المسألة: ولم يوجد.
والأخرى: إذا ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني الثالث: العاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون ويشترط كون العامل أمينا مسلما من غير ذوي القربى.
-------------------------------------------------
"والأخرى: إذا ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني" نقلها واختارها الأكثر لما روى عبد الله بن مسعود مرفوعا: "من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو كدوشا في وجهه" قالوا يا رسول الله وما غناه؟ قال: "خمسون درهما أو حسابها من الذهب" .رواه الخمسة.
وأجيب: بضعف الخبر فإنه يرويه حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عنه وشعبة لا يروي عن حكيم مع أنه قد ضعفه جماعة ولو سلم فهو محمول على المسألة: فتحرم المسألة: ولا يحرم الأخذ قاله في المغني والشرح وحمله المجد على أنه عليه السلام قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين ولذلك جاء التقدير عنه بأربعين وبخمس أواق وهي مائتان ويعتبر الذهب بقيمة الوقت لأن الشرع لم يحده وظاهره أنه ليس المانع من أخذها ملكه نصابا أو قيمته فاضلا عما يحتاجه فقط أو ملكه كفايته.
فرع: عياله مثله فيأخذ لكل واحد منهم خمسين أو قدر كفايته على الخلاف
"الثالث: العاملون عليها" للنص "وهم الجباة لها والحافظون" كالكاتب والقائم ونحوهما لدخولهم في مسمى العامل"ويشترط كون العامل" مكلفا "أمينا" وفي الفروع ومرادهم بها العدالة وفيه نظر "مسلما" في رواية وهي المذهب لقوله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: من الآية118] ولأنها ولاية ولاشتراط الأمانة أشبه الشهادة وهي تفتقر إلى العلم بالنصب ومقادير الزكاة وقبول قولهم من المأخوذ منه والكافر ليس أهلا لذلك قال عمر لا تأمنوهم وقد خونهم الله ويجوز أن يكون حاملها وراعيها ونحوهما كافرا من غير ذوي القربي هذا وجه وفي ابن المنجا أنه
ولا يشترط حريته وفقره وقال القاضي لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى وإن انتقلت الزكاة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال.
-----------------------------------
المذهب وجزم به في الوجيز لأن الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة سألا النبي صلى الله عليه وسلم العمالة على الصدقات فقال "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" وهو نص في التحريم فلا يجوز مخالفته إلا أن يدفع إليه أجرته من غير الزكاة قاله في المغني والشرح
"ولا يشترط حريته" لأنه يحصل منه المقصود كالحر وفيه وجه يشترط لكماله وقيل يشترط في عمالة تفويض لا تنفيذ "وفقره" إجماعا لأنه عليه السلام أرسل عمر عاملا وكان غنيا ولأن ما يأخذه أجرة.
"وقال القاضي لا يشترط إسلامه" في رواية واختارها الأكثر لأنه يأخذه بحق جبايته ولهذا قال ابن عقيل وأبو يعلى الصغير يصح أن يوكله الوصي في مال اليتيم بيعا وابتياعا وليس بظاهر وفي الأحكام السلطانية يجوز أن يكون كافرا في زكاة خاصة عرف قدرها.
"ولا كونه من غير ذوي القربى" في أشهر الوجهين قال المجد هو ظاهر المذهب كقرابة رب المال من والد وولد وكجباية الخراج والحديث محمول على التنزيه قال ابن منجا وفيه نظر وقيل إن منعوا الخمس.
وظاهره: انه لا يشترط ذكوريته قال في الفروع وهذا متوجه وفيه نظر من جهة أنه لم يرد ما يدل عليه ومن تعليلهم بالولاية ولا فقهه واشترط في الأحكام السلطانية إن كان من عمال التفويض وإن كان منفذا فلا لأن الإمام عين له ما يأخذه وأطلق جماعة أنه لا يشترط إذا كتب له ما يأخذه كسعاة النبي صلى الله عليه وسلم.
"وإن تلفت الزكاة في يده من غير تفريط" فلا ضمان عليه لأنه أمين "أعطي أجرته من بيت المال" لأنه من مصالح المسلمين وهذا منها وقيل لا يعطى
الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه
-------------------------------------
شيئا قال ابن تميم واختاره صاحب المحرر وظاهره أنها إذا لم تتلف أعطي أجرته منها وإن جاوز الثمن لأن ما يأخذه العامل أجرة في المنصوص وعنه له الثمن مما يجتنيه قال المجد فعليها إن جاوزت أجرته الثمن أعطيه من المصالح ويقدم بأجرته على غيره وله الأخذ وإن تطوع بعمله للخبر والأصح أنه إذا جعل له جعل على عمل لم يستحق شيئا قبل تعميله وإن عقد له إجارة وعين له أجرة مما يأخذه فلا شيء له عند تلف ما أخذه وإن لم يعين أو بعثه الإمام ولم يسم له شيئا أعطي من بيت المال.
تنبيه: إذا ادعى المالك دفعها إلى العامل فأنكر صدق المالك بلا يمين وصله العامل وبرئ ويقبل قول العامل في الدفع إلى الفقير وكذا إقراره بقبضها ولو عزل ولا يلزمه رفع نجاسة ما تولاه إذا طلب منه جزم به ابن تميم وقيل بلى وقيل مع تهمته وتقبل شهادة أرباب الأموال عليه في موضعها لا في أحدها منهم وإن شهد به بعضهم لبعض قبل التخاصم قبل غرم العامل وإلا فلا وإن شهد أهل السهمان عليه أوله لم يقبل وإن عمل إمام أو نائبه عليها لم يستحق منها شيئا.
"الرابع المؤلفة قلوبهم" للنص والمذهب بقاء حكمهم لأنه عليه السلام أعطى المؤلفة من المسلمين والمشركين "وهو السادة" الرؤساء "المطاعون في عشائرهم" ولا يقبل قوله "إنه مطاع" إلا ببينة وهم ضربان: كفار ومسلمون والكفار على ضربين: أحدهما: "ممن يرجى إسلامه" فيعطى منها لتقوى بنيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فيسلم لأنه عليه السلام أعطى صفوان بن أمية يوم فتح مكة الأمان واستنظر أربعة أشهر لينظر في أمره وخرج معه إلى حنين فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم العطايا قال صفوان مالي فأشار إلى واد فيه إبل محملة فقال هذا لك فقال صفوان هذا عطاء من لا يخشى الفقر وأجيب بأنه كان من مال الفيء لا الزكاة
أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين وعنه أن حكمهم انقطع.
-------------------------------------
الثاني: من يرجى بعطيته كف شره وشر غيره فقال : "أو يخشى شره" لما روى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وإن منعهم ذموا وعابوا والمسلمون على أربعة أضرب.
1- "أو يرجى بعطيته قوة إيمانه" ومناصحته في الجهاد لأنه عليه السلام لما بعث إليه علي بذهيبة في تربتها وقسمها بين أربعة نفر الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وعلقمة بن علاثة ثم أحد بني كلاب وزيد الخير الطائي ثم أحد بني نبهان قال فغضبت قريش وقالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إنما فعلت ذلك لأتالفهم" متفق عليه من حديث أبي سعيد ويقبل قوله في ضعف إسلامه بلا بينة.
2- "أو إسلام نظيره" أي أنهم سادات من المسلمين لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا المسلمين رغب نظراؤهم في الإسلام لأن أبا بكر أعطى عدي ابن حاتم والزبرقان بن بدر مع إسلامهما وحسن نياتهما.
3- "أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها" إلا أن يخاف.
4- "أو الدفع عن المسلمين" كمن هو في طرف بلاد الإسلام إذا أعطوا دفعوا عمن يليهم من المسلمين.
فهؤلاء يعطون من الزكاة لدخولهم في مسمى المؤلفة "وعنه: أن حكمهم انقطع" نقلها حنبل عنه لأن الصحابة لم يعطوا شيئا من ذلك ولأن الله تعالى قد أظهر الإسلام وأعلا كلمة الإيمان فلم يحتج إليهم والحكم يزول بزوال علته وعنه ينقطع مع كفرهم لقول عمر وقد جاءه مشرك يلتمس منه مالا فلم يعطه وقال من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر أي يستمر على كفره وعليهما يرد سهمهم على بقية الأصناف أو يصرف في مصالح المسلمين نص عليه وظاهر كلام جماعة يرد على بقية الأصناف فقط.
الخامس: الرقاب وهم المكاتبون ويجوز أن يفدي بها أسيرا مسلما نص عليه وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها على روايتين.
---------------------------------
"الخامس: الرقاب" للنص "وهم المكاتبون" واحده مكاتب ولا يختلف المذهب أنهم من الرقاب بدليل قوله اعتقت رقابي فإنه يشملهم وفي قوله تعالى {فَكَاتِبُوهُمْ} الآية إشعار به ولأنه يملك المال على سيده ويصرف إليه أرش جنايته فكان له الأخذ منها إن لم يجد وفاء كالغريم فإن عتق بأداء أو إبراء فما فضل معه فهل هو له كما لو فضل معه شيء من صدقة التطوع أو للمعطي فيه وجهان ويعطى قبل حلولها لئلا يؤدي إلى فسخها ولو مع القوة والكسب نص عليه وقيل إذا حل نجم قال جماعة وكذا من علق عتقه لمجيء المال ويستثنى منه المكاتب كتابة فاسدة والكافر لأنه ليس من مصرف الزكاة.
فرع: لا يدفع إلى المكاتب بحكم الفقر شيء لأنه عبد.
"ويجوز أن يفدي بها أسيرا مسلما نص عليه" اختاره جماعة لأنه فك رقبة من الأسر أشبه المكاتب والحاجة داعية إليه لأنه يخاف عليه القتل أو الردة لحبسه في أيدي العدو فهو أشد من حبس القن في الرق وعنه لا واحد وهو قول أكثر العلماء وقال أبو المعالي وكذا لو دفع إلى فقير مسلم غرمه السلطان مالا ليدفع جوره
"وهل يجوز أن يشتري منها رقبة يعتقها على روايتين" إحداهما يجوز جزم به في الوجيز وغيره لظاهر الآية فإن الرقبة إذا أطلقت تنصرف إليه فجاز صرفها فيه كالمكاتب وشرطها أن يكون ممن لا يعتق عليه بالملك وكلامه مشعر بذلك.
والثانية: لا يجوز قال في رواية أبي طالب كنت أقول يعتق من زكاة ماله ولكن أهابه لأنه نجز الولاء ولأن ظاهر الآية ينتفي الدفع إلى الرقاب لقوله
السادس: الغارمون وهم المدينون وهم ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح.
--------------------------------
تعالى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} المراد بها الدفع إلى الغزاة والدفع إلى العبد لا يلزم منه فك الرقبة
وبالغ ابن عقيل فادعى أن أحمد رجع عن الأولى لظاهر هذه الرواية وليس هو كذلك بل على سبيل الورع لأن ما رجع من الولاء رد في مثله فلا ينتفع إذا بإعتاقه من الزكاة.
وعنه: الرقاب عبيد يشترون من الزكاة ويعتقون خاصة وعنه لا يعتق منها رقبة كاملة بل يعين في ثمنها فإن جاز فأعتق عبده أو مكاتبه عن زكاته ففي الجواز وجهان ولو علق العتق بشرط ثم نواه من الزكاة عند الشرط لم تجزئه.
فرع: يجوز الدفع إلى سيد المكاتب بلا إذنه قال الأصحاب وهو الأولى كما يجوز ذلك للإمام فإن رق لعجزه أخذت من سيده ولو تلفت الزكاة بيد المكاتب أجزأت ولم يغرمها عتق أورد رقيقا.
"السادس: الغارمون" للنص "وهم المدينون" كذا فسره الجوهري "وهو ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين" لقوله تعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [لأنفال: من الآية1] أي وصلكم والبين الوصل والمعنى كونوا مجتمعين على أمر أبرم والمراد أن تقع بينهم عداوة وضغائن يتلف بها نفس أو مال فيتحمل إنسان حمالة بفتح الحاء لإطفاء الفتنة وسكون النار التي كانت بينهم ثم يخرج في القبائل فيسأل حتى يؤديها فورد الشرع بإباحة المسألة: فيها وجعل لهم نصيبا من الصدقة وحديث قبيصة شاهد بذلك وظاهره أن الغارم يأخذ وإن لم يحل دينه وإن كانوا كفارا وفي العمدة وابن تميم والرعاية الكبرى من المسلمين "وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح" كمن استدان في نفقة نفسه وعياله
السابع: في سبيل الله ، وهم الغزاة.
--------------------------------------
أو كسوتهم وقيده بالمباح ليخرج ما استدان وصرفه في معصية كشرب الخمر والزنا ودخل فيه ما إذا اشترى نفسه من الكفار فيعطى قدره مع فقره وظاهره ولو كان في ذوي القربى وذكر المؤلف احتمالا بالمنع وكما لا يدفع إلى الغارم الكافر ذكره في الشرح وكذا لا يقضى منها دين ميت غرمه لمصلحة نفسه أو غيره لعدم أهلية لقبولها كما لو كفنه منها وحكى الشيخ تقي الدين رواية بالجواز لأن الغارم لا يشترط تمليكه لأنه تعالى قال {وَالْغَارِمِينَ} ولم يقل للغارمين وفيه نظر ومن تحمل بسبب إتلاف مال أو نهب أحد من الزكاة وكذا إن ضمن عن غيره مالا وهما معسران جاز الدفع إلى كل منهما.
مسائل
منها: إذا اجتمع الغرم والفقر أعطي بهما فإن أعطى للفقر فله صرفه في الدين وإن أعطي للغرم لم يصرفه في غيره قاله بعضهم.
ومنها: إذا دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير فعنه يصح كدفعها للفقير وعنه لا لأن الدين على الغارم فلا يصح قضاؤه إلا بتوكيله ذكره في المغني والشرح وهذا خلاف المذهب فإن كان الإمام دافعها لم يفتقر إلى وكالة لولايته عليه في إيفائه ولهذا يجبره عليه إذا امتنع.
ومنها: إذا أبرأ رب المال غريمه من دينه بنية الزكاة لم تسقط نص عليه سواء كان المخرج عينا أو دينا ويتوجه تخريج لقول الحسن وعطاء في أنها تسقط بناء على أنه هل هو تمليك أم لا وقيل تجزئه من زكاة دينه لأنها مواساة ولا يكفي الحوالة بها جزم به ابن تميم بناء على أن الحوالة وفاء وذكر المؤلف أنها بمنزلة القبض وإلا كان بيع دين بدين.
"السابع: في سبيل الله" للنص "وهم الغزاة" لأن السبيل عند الإطلاق هو الغزو لقوله تعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: من الآية190]
الذين ى ديوان لهم ولا يعطى منها في الحج وعنه يعطى الفقير ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه.
------------------------------------
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} [الصف: من الآية4] إلى غير ذلك من النصوص ولا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم بشرط أن يكونوا متطوعة وهذا مراده بقوله "الذين لا ديوان لهم" أي لا حق لهم في الديوان لأن من له رزق راتب يكفيه فهو مستغن به فيدفع إليهم كفاية غزوهم وعودهم ولا يجوز أن يشتري من الزكاة فرسا يصير حبيسا في الجهاد ولا دارا وضيعة للرباط أو يقفها على الغزاة ولا غزوه على فرس أخرجه من زكاته نص عليه لا إذا اشترى الإمام بزكاة رجل فرسا فله دفعها إليه يغزو عليها كما له أن يرد عليه زكاته لفقره.
"ولا يعطى منها في الحج" في رواية اختارها في المغني وصححها في الشرح وقاله أكثر العلماء لأن سبيل الله حيث أطلق ينصرف إلى الجهاد غالبا والزكاة لا تصرف إلا لمحتاج إليها كالفقير أو من يحتاجه المسلمون كالعامل والحج لا نفع فيه للمسلمين ولا حاجة بهم إليه والفقير لا فرض في ذمته فيسقطه وإن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة أو صرفها في مصالح المسلمين أولى
"وعنه: يعطى الفقير" فهو من السبيل نص عليه وهو المذهب روي عن ابن عباس وابن عمر لما روى أبو داود أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "اركبيها فإن الحج في سبيل الله"
ويشترط له الفقر ومعناه أن يكون ليس له ما يحج به سواها وقيل لا وهو ظاهر الوجيز فيجوز للغني كوصيته بثلثه في السبيل ذكره أبو المعالي.
"قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه" جزم به غير واحد لأنه يحتاج إلى إسقاط الفرض والتطوع له عنه مندوحة ولكن ذكر القاضي جوازه في النفل كالفرض وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصححه بعضهم لأن كلا في
الثامن : ابن السبيل ، وهو المسافر المنقطع به دون المنشئ للسفر من بلده فيعطى قدر ما يصل به بلده.
-------------------------------
سبيل الله والفقير لا فرض عليه فهو منه كالتطوع فعلى هذا يدفع إليه ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه وعلم منه أنه لا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها.
فرع: العمرة في ذلك كالحج نقل جعفر العمرة في سبيل الله.
الثامن ابن السبيل للنص والسبيل الطريق وسمي المسافر ابنا له لملازمته كما يقال ولد الليل إذا كان يكثر الخروج فيه.
"وهو المسافر" سفرا مباحا وفي سفر النزهة خلاف وعلله جماعة بأنه ليس بمعصية فدل على أنه يعطى في سفر مكروه قال في الفروع هو نظير إباحة الرخص فيه لا سفر معصية وقيل يشترط أن يكون سفر طاعة جزم به في الرعاية الصغرى وهو بعيد.
"المنقطع به" أي ليس له ما يرجع به إلى بلده "دون المنشئ للسفر من بلده" لأن الاسم لا يتناوله حقيقة وإنما يصير ابن سبيل في ثاني الحال فلا يكون مرادا وعنه بلى لأنه يريد السفر لغير معصية أشبه الأول ويصدق في إرادة السفر بلا يمين
"فيعطى" هذا تفريع على ما ذكره "قدر ما يصل به إلى بلده" لأن المجوز لأحدهما هو التوصل إلى بلده فلم يجز أن يدفع إليه أكثر من ذلك كالفقير وظاهره أنه يعطى ولو كان ذا يسار في بلده فإن كان يريد غير بلده فظاهره أنه لا يعطى وذكره المجد ظاهر رواية صالح وغيره وظاهر كلام أبي الخطاب لأن الشرع جوز الدفع إليه للرجوع إلى بلده لأنه أمر مهم لا غناء له عنه فلا يجوز إلحاق غيره به وعنه واختاره الأصحاب يدفع إليه ما يكفيه لمنتهى قصده وعوده إلى بلده لأن فيه إعانة على بلوغ الغرض الصحيح وظاهر كلام الأصحاب أنه يعطى ولو وجد من يقرضه ذكره
ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه والعامل قدر أجرته والمؤلف ما يحصل به التأليف والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما والغازي ما يحتاج إليه لغزوه وإن كثر ولا يزاد أحد منهم على ذلك ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم ولا يعطى أحد منهم مع الغنى إلا أربعة العامل والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين والغازي.
---------------------------------------
صاحب الشرح خلافا للمجد.
"ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه" أي كل واحد منهما لأن الدفع للحاجة فتقدر بقدرها وهو مبني على ما سبق وشرط الخرقي أن يكون المدفوع إليه إلى الغنى لأن الغنى لو سبق الدفع لم يجز فكذا إذا قارب كالجمع بين الأختين.
"والعامل قدر أجرته" لأن الذي يأخذه بسبب العمل يوجب أن يكون بمقداره "والمؤلف ما يحصل به التأليف" لأنه المقصود "والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما" لأن حاجتهما إنما تندفع بذلك "والغازي ما يحتاج إليه لغزوه" من سلاح وفرس إن كان فارسا وحمولته وجميع ما يحتاجه له ولغزوه وإن كثر لأنه إنما يحصل بذلك ونبه عليه المؤلف لئلا يتوهم أنه لا يجوز أن يكون قدر نصاب لأن سبب الدفع الحاجة "ولا يزاد أحد منهم على ذلك" لأن الدفع للحاجة فيتقيد بها.
"ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم" لأن الحاجة داعية إلى ذلك كالأخذ لنفسه "ولا يعطى أحد منهم مع الغنى" لقوله عليه السلام "لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي" رواه أبو داود والترمذي من حديث عمرو بن العاص.
فائد: المرة القوة والشدة والسوي المستوي الخلق التام الأعضاء
"إلا أربعة: العامل" بغير خلاف نعلمه "والمؤلف" لأن إعطاءهم لمعنى يعم نفعه كالغازي "والغارم لإصلاح ذات البين" ما لم يكن دفعها من ماله "والغازي" لما روى أبو سعيد مرفوعا "لا تحل الصدقة لغني إلا لغاز في
وإن فضل مع الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى.
------------------------------------
سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم" رواه أبو داود ولأنه يقال جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما بقية الأصناف ولم يشرط فيهم الفقر ندل على جواز الأخذ مع فلهذا عدا ابن عقيل في الغارم والمذهب ما ذكره المؤلف وظاهره أن الباقين يشترط فيهم الحاجة وابن السبيل وإن كان له مال في بلده فهو الآن كالمعدوم
"وإن فضل مع الغارم والمكاتب" حتى لو سقط ما عليهما ببراءة أو غيرها "والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده" لان السبب زال فيجب رد العامل لزوال الحاجة فهؤلاء أخذهم مراعى وعلم منه أنهم إذا لم يصرفوه في والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى أو ادعى أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل حاجتهم أنه يسترجع منهم بكليته لبطلان وجود الاستحقاق وإن تلف في أيديهم بغير تفريط فلا رجوع عليهم وعنه لا يسترد منهم وتبقى لهم كسائر أموالهم لاستحقاقهم وقت الأخذ فملكوها كالبواقي قال في المحرر إلا في عجز المكاتب فإنها تكون لسيده انتهى وسيأتي.
"والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا" لأنهم ملكوها ملكا مستقرا والفرق أن هؤلاء حصل المقصود يأخذهم وهو غنى الفقير والمسكين مثلا بخلاف ما سبق
"وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا" أي فلا يرد ما فضل لأنه إذا عجز ورد في الرق فما في يده لسيده نص عليه لأنه مستحق ثم أخذها فلم يجب ردها كما لو استغنى الفقير وعنه يرده في المكاتبين وقيل للمعطي قال أبو بكر والقاضي ولو كان دفعها إلى سيده استرجعه المعطي وقيل لا كما لو قبضها منه ثم أعتقه.
"وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى" لم يقبل إلا ببينة لقوله عليه السلام في
أو ادعى أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينة وإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله وإن رآه جلدا وذكر أن لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
----------------------------------------
خبر قبيصة قال "لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة: حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش" رواه مسلم ولأن الأصل بقاء الغنى ونص أحمد أنه لا يقبل فيه إلا ثلاثة وجزم به في الوجيز وقال جماعة يقبل اثنان لدين الآدمي وأجاب المؤلف وغيره عن خبر قبيصة أنه في حل المسألة فيقتصر عليه
" أو ادعى إنسان أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينة" لأن الأصل عدم ما يدعيه وبراءة الذمة وفي قوله إنه ابن سبيل وجه يقبل قوله
"وإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين" أصحهما يقبل لأن الحق في العبد للسيد فإذا أقر بانتقال حقه عنه قبل والغريم في معناه والثاني لا يقبل إلا ببينة لجواز تواطئهما على أخذ المال وقدم في الفروع في المكاتب أنه لا يقبل إلا ببينة وهو غريب
"وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله" لأن الأصل استصحاب الحال السابقة والظاهر صدقه ولو كان متجملا ذكره في الشرح ويخبره بأنها زكاة.
"وإن رآه جلدا" أي شديدا قويا "وذكر أن لا كسب له أعطاه من غير يمين" وفاقا لأنه عليه السلام لن يحلف على ذلك "بعد أن يخبره" على سبيل الإيجاب "أنه لاحظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب" لما روى عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه شيئا فصعد فيهما النظر فرآهما جلدين فقال "إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي
وإن ادعى أن له عيالا قبل وأعطي ويحتمل أن لا يقبل إلا بينة إلا ببينة العيال ومن غرم أو سافر في معصية لم يدفع إليه فإن تاب فعلى وجهين ويستحب صرفها في الأصناف كلها
---------------
مكتسب" رواه أبو داود لكن إذا تفرغ للعلم وتعذر الجمع لا إن تفرغ للعبادة فإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ولم يبين له قاله أحمد.
فرع: إذا سأله من ظاهره الفقر أن يعطيه شيئا فأعطاه قيل يقبل قول الدافع في كونها فرضا لسؤاله بقدر العشرة دراهم وقيل لا يقبل لقوله شيئا أني فقير قاله أو المعالي
"وإن ادعى أن له عيالا قلد وأعطي" قاله الأكثر لأن الظاهر صدقه ويسن إقامة البينة لاسيما على الغريب وكما يقلد في حاجة نفسه ويحتمل أن لا يقبل إلا بينة وقاله ابن عقيل لأن الأصل عدم العيال بخلاف ما إذا ادعى أنه لا كسب له لموافقته الأصل
"ومن غرم" أي في معصية كشراء خمر ونحوه "أو سافر في معصية" كقطع طريق ل"م يدفع إليه" أي قبل التوبة لأنه إعانة على المعصية
"فإن تاب فعلى وجهين" أصحهما: أنه يدفع إليه لأن تفريغ الذمة من الدين واجب والإعانة عليه قربة أشبه ما لو تلف ماله في المعصية حتى افتقر فإنه يصرف إليه من سهم الفقراء بشرطه وعود ابن السبيل إلى بلده ليس بمعصية بل ربما كان إقلاعا عنها كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه.
والثاني: لا لكونه استدامة للمعصية فلم تدفع إليه كما لو لم يتب ولأنه متهم في إظهار التوبة لأجل قضاء دينه ثم يعود وكذا لو سافر في مكروه أو نزهة.
"ويستحب صرفها في الأصناف كلها" أي الثمانية لكل صنف منها إن وجد حيث وجب الإخراج أو فيمن أمكن منهم لأن في ذلك خروجا من الخلاف وتحصيلا للإجزاء يقينا.
وإن اقتصر على إنسان واحد أجزأه وعنه لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدا
-----------------------------------------
"وإن اقتصر على إنسان واحد" من الأصناف "أجزأه" في قول جماهير العلماء ونص عليه واختاره الأصحاب لقوله تعالى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: من الآية271] ولحديث معاذ وقوله لقبيصة "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها" وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر ولو وجب الاستيعاب لم يجز صرفها إلى واحد ولأنه لا يجب إذا فرقها الساعي فكذا المالك ولما فيه من الكسر وهو منفي شرعا والآية إنما سيقت لبيان من تصرف إليه لا لتعميمهم وكالوصية لجماعة لا يمكن حصرهم وشرطه إذا لم يوصله إلى الغنى ذكره الخرقي فظاهره لا بد أن ينقص منه ونص أحمد وأكثر الأصحاب على خلافه لكن لا يزيد عليه ونص المؤلف على جواز الدفع إلى واحد دليل على جوازه إلى الصنف من باب أولى.
"وعنه: يجب الاستيعاب" اختاره أبو بكر وأبو الخطاب لأن الله تعالى أضافها إليهم بلام التمليك وشرك بينهم فلم يجز الاقتصار على بعضهم إلا لضرورة كأهل الخمس وعليها لا يجب التسوية بين الأصناف كالصنف الواحد وكالوصية للفقراء بخلاف المعين فعلى هذه "لا يجزئه أقل من ثلاثة من كل صنف" لأنهم أقل الجمع فعلى هذا إن دفع إلى اثنين ضمن نصيب الثالث وهل يضمنه بالثلث لأنه القدر المستحق أو بأقل جزء منه لأنه المجزئ فيه وجهان كالأضحية إذا أكلها وعنه يجزئ واحد اختاره في الانتصار وصاحب المحرر لأنه لما تعذر الاستغراق حمل على الجنس كقوله لا تزوجت النساء.
"إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدا" وفاقا مع أنه ذكر بلفظ الجمع لأن ما يأخذه أجرة ويسقط سهمه إن فرقها رب المال بنفسه فتبقى سبعة.
فرع: من كان فيه سببان أخذ بهما على الروايتين كالميراث ولا يجوز أن
ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه.
----------------------------------------
يعطى بأحدهما لا بعينه لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وإن أعطى بهما وعين لكل سبب قدر وإلا كان بينهما نصفين وتظهر فائدته لو وجد ما يوجد الرد
"ويستحب" للمالك "صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم" لقوله عليه السلام "صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة" رواه الترمذي والنسائي ولأنه لا يرثه بفرض أو تعصيب ولا تلزمه نفقته
وإذا أحضر رب المال إلى العامل من أهله من لا تلزمه نفقته ليدفع إليهم زكاته دفعها قبل خلطها بغيرها وبعده هم كغيرهم ولا يخرجهم منها لأن فيها ما هم به أخص ذكره القاضي.
"ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم" لأنها مراعاة ويقدم الأقرب والأحوج فإن كان الأجنبي أحوج أعطى الكل ولم يحاب بها قريبه والجار أولى من غيره والقريب أولى منه نص عليه والعالم والدين يقدمان على ضدهما
"ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه" نص عليه لأنه معه كالأجنبي من حرمان أكثر ما بينهما ولأن الدفع تمليك وهو من أهله فإذا رده إلى سيده بحكم الوفاء جاز كوفاء الغريم وقيده في الوجيز وغيره بأن لا يكون حيلة
ونقل حنبل عن أحمد أنه قال قال سفيان لا تعط مكاتبا لك من الزكاة وأنا أرى مثله واختاره القاضي قال المجد وهو أقيس لأن تعلق حقه بماله أشد من تعلق حق الوالد بمال الولد.
"وإلى غريمه" لأنه من جملة الغارمين وسواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع إليه ليقضي به دين المقرض نص على ذلك وقال إن كان حيلة فلا يعجبني ونقل عنه ابن القاسم إن أراد الحيلة لم يصح ولا يجوز وبه جزم في الوجيز وذكر القاضي وغيره أن المراد بالحيلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من ذمته فلا يجزئه لأن من شرطها تمليكا صحيحا وهو منتف
فصل:
ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد ولا فقير لها زوج غني
---------------------------------------------
مع الشرط.
وفي المغني والشرح أنه حصل من كلام أحمد إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة حق الله فلا يجوز صرفها إلى نفعه.
فصل:
"ولا يجوز دفعها إلى كافر" إجماعا وحديث معاذ نص فيه ولأنها مواساة تجب على المسلم فلم تجب للكافر كالنفقة ويستثنى منه إذا كان مؤلفا أو عاملا على رواية زاد في المستوعب أو غارما لذات البين أو غازيا "ولا عبد" أي كامل الرق لأن نفقته واجبة على سيده فهو غني بغناه وما يدفع إليه لا يملكه وإنما يملكه سيده فكأنه دفع إليه ويستثنى منه ما إذا كان عاملا وظاهره لا يدفع إليه وإن كان سيده فقيرا.
وذكر القاضي في تعليقه في العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما يجوز
وما قبضه من الصدقات فنصفه يلاقي نصفه المكاتب وما يلاقي نصف السيد الآخر إن كان فقيرا جاز في حصته وإن كان غنيا لم يجز قال المجد ومثله إذا كاتب بعض عبده وكلامه شامل للمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة فإن كان بعضه حرا أخذ بقدره بنسبته من خمسين أو من كفايته على الخلاف
"ولا فقيرة لها زوج غني" لغناها بذمتها عليه وكوالد صغير فقير أبوه موسر بل أولى للمعاوضة وثبوتها في الذمة وكما لا يجوز دفعها إلى غني بنفقة لازمة اختاره الأكثر وأطلق قي الترغيب وجهين وجوزه في الكافي لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف الزوجة ويستثنى منه ما إذا تعذرت النفقة منه لغيبة أو
ولا إلى الوالدين وإن علوا ولا إلى الولد وإن سفل ولا إلى الزوجة ولا لبني هاشم ولا مواليهم.
-----------------------------------------
امتناع فإنه يجوز لها الأخذ نص عليه كمن غصب ماله أو تعطلت منفعة عقاره
"ولا إلى الوالدين وإن علوا ولا إلى الولد وإن سفل" لاتصال منافع الملك بينهما عادة فيكون صارفا لنفسه بدليل عدم قبول شهادة أحدهما للآخر وظاهره لا فرق بين الوارث وغيره حتى ولد البنت نص عليه وعلل في الشرح ما يقتضي اقتصاره بوجوب النفقة وأطلق في الواضح في جد وابن ابن محجوبين وجهين وظاهره أنه لا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه أو كتابة نص عليه وقيل يجوز اختاره الشيخ تقي الدين وذكر جده في ابن سبيل كذلك وسبق كونه عاملا
ولا إلى الزوجة إجماعا لأنها مستغنية بنفقتها عليه فلم يجز كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها وظاهره ولو كانت ناشزة ذكره في الانتصار والرعاية وقيل بل مطلقا
"ولا لبني هاشم" نص عليه كالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله "إنا لا تحل لنا الصدقة" رواه أحمد ومسلم وله أيضا مرفوعا "إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس" وسواء أعطوا من خمس الخمس أو لا لعموم النصوص ولأن منعهم لشرفهم وهو باق وقيل يجوز إن منعوا الخمس اختاره القاضي يعقوب والآجري والشيخ تقي الدين لأنه محل حاجة وضرورة ويستثنى منه ما لم يكونوا غزاة أو مؤلفة أو غارمين لذات البين وسبق كونه عاملا.
أصل: بنو هاشم من كان من سلالته ذكره القاضي وأصحابه وجزم في الرعاية بقول بعضهم هم آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب.
"ولا مواليهم" جمع مولى وهو من أعتقه هاشمي نص عليه لحديث أبي
ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ووصايا الفقراء والنذر وفي الكفارة وجهان.
---------------------------------------------
رافع مرفوعا "إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من أنفسهم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ولأنه بمنزلة النسب في الإرث والعقل والنفقة فغلب الحظر وأومأ أحمد في رواية يعقوب إلى الجواز وحكاه في الشرح عن أكثر العلماء لأنهم ليسوا من آل محمد وكموالي مواليهم.
فرع: لا تحرم الزكاة على أزواجه عليه السلام في ظاهر كلام أحمد والأصحاب كمواليهن للأخبار وفي المغني والشرح أن خالد بن سعيد بن العاص أرسل إلى عائشة بسفرة من الصدقة فردتها وقالت إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة رواه الخلال فهذا يدل على تحريمها عليهن ولم يذكرا ما يخالفه مع أنهم لم يذكروا هذا في الوصية والوقف وهذا يدل على أنهن من أهل بيته في تحريم الزكاة وذكر الشيخ تقي الدين أنه يحرم عليهن الصدقة وأنهن من أهل بيته في أصح الروايتين ورده الجد رحمه الله.
"ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع" نص عليه وجزم به الأكثر لقوله عليه السلام "كل معروف صدقة" ولأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ويقول إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ولا خلاف في جواز اصطناع المعروف إليهم والمراد به الاستحباب إجماعا فلا وجه لقول ابن حمدان قلت يستحب وإنما عبروا بالجواز لأنه أصل لما اختلف في تحريمه ونقل الميموني عنه لا لعموم ما سبق وأجيب بأن المراد به الصدقة المفروضة لأن الطلب كان لها فاللام فيه للعهد.
"ووصايا الفقراء" نص عليه "والنذر" لأنه لا يقع عليهما اسم الزكاة والطهرة والوجوب في الآدمي أشبه الهبة ويؤخذ من نقل الميموني المنع وجزم في الروضة بتحريم النفل على بني هاشم ومواليهم "وفي الكفارة" وجهان المذهب أنه لا يجوز لوجوبها بالشروع كالزكاة والثاني بلى لأنها ليست أوساخ الناس أشبهت صدقة التطوع.
وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين.
------------------------------------
تنبيه: كل من حرم دفع الزكاة إليه جاز دفع التطوع له وله أخذها حتى كافر وغني نص عليه وأما النبي صلى الله عليه وسلم فيحرم عليه وإن لم يحرم التطوع على بني هاشم وإن حرم عليهم فهو أولى لأن اجتنابها كان من دلائل النبوة فلم يكن لبخل به ونقل جماعة لا تحرم عليه واختاره القاضي كاصطناع أنواع المعروف إليه عليه السلام.
"وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب على روايتين" وفيه مسائل.
الأولى: ظاهر المذهب وقدمه في الفروع أنه يجوز دفعها إلى غير عمودي نسبه ممن يرثه بفرض أو تعصيب كالأخت أو الأخ لقوله عليه السلام "والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة" فلم يفرق بين الوارث وغيره ولأنه مقبول الشهادة له كالأجنبي وكما لو تعذرت النفقة وحكم الإرث بالولاء كذلك وإذا قبل زكاة دفعها إليه قريبه ولا نفقة وإن لم يقبل وطالب بنفقته الواجبة أجبر ولا يجزئه في هذه الحال جعلها زكاة والثانية المنع اختارها الخرقي وصاحب التلخيص والقاضي وذكر أنها الأشهر لغناه بوجوب النفقة ولأن نفعها يعود إلى الدافع لكونه يسقط النفقة عنه كعبده وظاهره أن القريب إذا لم تلزمه نفقته أنه يجوز دفعها إليه بلا ريب لأنه لا ميراث بينهما أشبه الأجنبي فلو ورث أحدهما الآخر كعمة وابن أخيها وعتيق ومعتقه وأخوين لأحدهما ابن فالوارث منهما تلزمه النفقة على الأصح وفي دفع الزكاة إليه الخلاف وعكسه الآخر
فأما ذوو الأرحام فالأصح أنه يدفع إليهم وإن ورثوا لضعف قرابتهم وفي الإرث بالرد الخلاف وعلى المنع يعطى قريبه لعمالة وتأليف وغزو وغرم لذات البين وظاهر ما سبق لو تبرع بنفقة قريب أو يتيم وضمه إلى عياله جاز الدفع إليه واختاره الأكثر لوجود المقتضي.
--------------------------------------
ونقل جماعة واختاره في التنبيه: والإرشاد لا روي عن ابن عباس ولأنه يذم على تركه فيكون قد وقى بها ماله وعرضه ولهذا لو دفع إليه شيئا في غير مؤنته التي عوده إياها تبرعا جاز نص عليه.
الثانية: يجوز دفع الزكاة إلى الزوج في رواية اختارها القاضي وأصحابه والمؤلف وجزم بها في الوجيز لحديث زينب امرأة ابن مسعود لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري فقال "لك أجران" رواه البخاري
والثانية: واختارها الخرقي وأبو بكر والمجد وحكاه عن أبي الخطاب لا يجوز قياسا لأحد الزوجين على الآخر ولأن النفع يعود إليها لتمكنها من أخذ نفقة الموسرين منه أو من أصل النفقة مع العجز الكلي وحديث زينب تأوله أحمد في رواية ابن مسيس على غير الزكاة وجوابه بأن الاعتبار بعموم اللفظ ولم يستثن جماعة شيئا وقيل يجوز في الزوجين كغرم لنفسه وكتابة لأنه لا يدفع عنه نفقة واجب كعمودي نسبه.
الثالثة: يجوز دفعها إلى بني المطلب في رواية اختارها الخرقي والشيخان وغيرهم لعموم آية الصدقات خرج منه بنو هاشم بالنص فيبقى ما عداهم على الأصل ولأن بني المطلب في درجة بني أمية وهو لا يحرم الزكاة عليهم فكذا هم وأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إليه بنو هاشم ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه مجرد القرابة بل بالنصرة أو بهما جميعا بدليل منع بني عبد شمس ونوفل من خمس الخمس مع مساواتهم لهم في القرابة والثانية نقلها عبد الله واختارها القاضي وأصحابه وجزم بها في الوجيز وصححها ابن المنجا المنع لما روى جبير بن مطعم مرفوعا قال "بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد" رواه البخاري ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا كبني هاشم وظاهره ولو منعوا من الخمس ولا يبعد أن يتأتى الخلاف هنا بل هو أولى بالجواز ولم يتعرض المؤلف
وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزئه إلا لغني إذا ظنه فقيرا في إحدى الروايتين.
----------------------------------------------
لمواليهم قال القاضي لا تعرف فيه رواية ولا يمتنع أن حكمهم كموالي بني هاشم وهو ظاهر الخبر والقياس وجزم في الوجيز بالمنع وسئل في رواية الميموني عن مولى قريش يأخذ الصدقة قال ما يعجبني قيل له فإن كان مولى مولى قال هذا أبعد فيحتمل التحريم.
"وإن دفعها إلى من لا يستحقها" كبني هاشم والعبيد "وهو لا يعلم" أي جاهلا بحاله "ثم علم-لم يجزئه" رواية واحدة قاله في الشرح وفي الفروع في الأشهر لأنه ليس بمستحق ولا يخفى حاله غالبا فلم يعذر يجهالته كدين الآدمي وجزم به بعضهم في الكفر لتقصيره لظهوره غالبا فعلى ذلك يسترد بزيادته مطلقا ذكره أبو المعالي وشمل ما لو كان المدفوع إليه قريبا قاله أصحابنا وأطلق فيها في الرعاية وفي مسألة: الغني روايتين ونص أحمد يجزئه اختاره المجد لخروجها عن ملكه بخلاف ما إذا صرفها وكيل المالك إليه وهو فقير فلم يعلما لا تجزئ لعدم خروجها عن ملكه.
"إلا لغني إذا ظنه فقيرا" فإنه يجزئه "في إحدى الروايتين" اختاره أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز للمشقة لخفاء ذلك عادة فلا يملكها الآخذ والثانية واختارها الآجري والمجد وغيرهما لا يجرئه كما لو بان كافرا ولحق الآدمي فيرجع على الغني بها أو بقيمتها إن تلف يوم تلفها إذا علم أنها زكاة رواية واحدة ومن ملك الرجوع فمات قام وارثه مقامه وظاهر ما سبق أنه إذا دفع صدقة التطوع إلى فقير فبان غنيا أنه يجزئه قاله ابن شهاب لأن المقصود في الزكاة إبراء الذمة ولم تحصل فملك الرجوع وفي التطوع الثواب ولم يفت.
فرع: إذا دفع الإمام أو الساعي الزكاة إلى من ظنه أهلا فبان غيره فروايات ثالثها لا يضمن إذا بان غنيا ويضمن غيره قال في الفروع وهو أشهر.
فصل:
وصدقة التطوع مستحبة وهي أفضل في شهر رمضان وأوقات الحاجة.
-------------------------------------------------
وجزم المجد لا يضمن مع الغنى وفي غيره روايتان.
تنبيه: يشترط تمليك المعطى لكن للإمام قضاء دين مديون حي والذكر والأنثى فيها سواء والصغير كالكبير وعنه إن أكل الطعام وإلا لم يجز فعلى المذهب يصرف ذلك في أجرة رضاعه وكسوته وما لا بد منه ويقبل ويقبض له من يلي ماله وكذا الهبة والكفارة
قال ابن منصور قلت لأحمد قال سفيان لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي أو قاض قال أحمد جيد وذكر المؤلف احتمالا أنه يصح قبض من يليه من أم أو قريب وغيرهما عند عدم الولي لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية وقد نص عليه في رواية جماعة.
فصل:
"وصدقة التطوع مستحبة" في كل وقت إجماعا لأنه تعالى أمر بها وحث عليها ورغب فيها فقال {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة: من الآية245] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إليه إلا طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل" متفق عليه من حديث أبي هريرة وأفضلها أن تكون سرا بطيب نفس في الصحة للأخبار "وهي أفضل في شهر رمضان" لحديث أنس مرفوعا أي الصدقة أفضل قال "صدقة رمضان" رواه الترمذي وغربه ولمضاعفة الحسنات وفيه إعانة على أداء الصوم المفروض وكذا كل زمان أو مكان فاضل كالعشر والحرمين
"وأوقات الحاجة" لقوله تعالى {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} الآية ,
والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه وإن تصدق بما من تلزمه مؤنته أثم.
-----------------------------------------------
وروى أبو سعيد مرفوعا قال "من أطعم مؤمنا جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة" ويبدأ بمن هو أشد حاجة "والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة" لقوله عليه السلام "الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" رواه أحمد والترمذي وحسنه من حديث سلمان لاسيما مع عداوته لقوله "أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" رواه أحمد والجار مثله وهي عليهم أفضل من العتق نقله حرب والعتق أفضل من الصدقة على الأجانب إلا زمن الغلاء والحاجة نقله بكر بن محمد واختلف هل حج التطوع أفضل من الصدقة مع الحاجة أم معها على القريب أم على القريب مطلقا فيه روايات أربع وذكر الشيخ تقي الدين أن الحج أفضل وأنه مذهب أحمد.
"وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه" لقوله تعالى {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: من الآية219] قال المفسرون هو الفاضل عن حاجته وحاجة عياله ولأن النفس تطيب به ولقوله عليه السلام "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" رواه البخاري من حديث أبي هريرة وأطلق المؤلف الكفاية تبعا لغيره والمراد دائما كما ذكره في الشرح وغيره بمتجر أو غلة ملك أو وقف أو صنعة وذكر بعضهم أنه لا يكفي في الأخيرين.
"وإن تصدق بما ينقص مؤنته من تلزمه مؤنته أثم" لقوله عليه السلام "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول" رواه أحمد وأبو داود ولمسلم معناه من حديث عبد الله بن عمرو وإثمه لتركه الواجب قال الأصحاب وكذا إن أضر بنفسه أو بغريمه أو بكفالته وظاهر كلام جماعة إن لم يضر فالأصل الاستحباب وجزم في الرعاية وغيرها أنه يكره التصدق قبل الوفاء والإنفاق
ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة: فله ذلك وإن لم يثق من نفسه لم يجز له ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة.
-------------------------------------------------
الواجب.
"ومن أراد الصدقة بماله كله" وكان منفردا "وهو يعلم من نفسه حسن التوكل" وهو عبارة عن الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس "والصبر عن المسألة فله ذلك" وحكاه عياض عن جمهور العلماء وأئمة الأمصار لقوله تعالى
{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: من الآية9] وجاء أبو بكر بجميع ما عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك" فقال الله ورسوله فكان هذا فضيلة في حق الصديق لقوة يقينه وكمال إيمانه وهذا يقتضي الاستحباب وعن عمر رد جميع صدقته ومذهب أهل الشام ينفذ في الثلث وعن مكحول في النصف
"وإن لم يثق من نفسه لم يجز له" ذكره أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لما روى جابر مرفوعا قال "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" رواه أبو داود فيمنع من ذلك ويحجر عليه وفي المغني والشرح أنه يكره فإن كان له عائلة ولهم كفاية أو يكفيهم بكسبه جاز لقصة الصديق
"ويكره لمن لا صبر له على الضيق" ولا عادة له به "أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة" نص عليه لأن التقتير والتضييق مع القدرة شح وبخل نهى الله عنه وتعوذ النبي صلى الله عليه وسلم منه وفيه سوء الظن بالله تعالى وظهر مما سبق أن الفقير لا يقترض ولا يتصدق لكن نص أحمد في فقير لقريبه وليمة يستقرض ويهدي له وهو محمول إذا ظن وفاء.
مسألة: يحرم المن بالصدقة وغيرها وهو كبيرة نص أحمد فيها ويبطل الثواب بذلك وللأصحاب فيه خلاف وفي بطلان طاعة بمعصية واختار الشيخ
-------------------------------------------------
تقي الدين الإحباط لمعنى الموازنة وانه قول أكثر السلف وإذا أخرج شيئا يتصدق به أو وكل في ذلك ثم بدا له استحب أن يمضيه ولا يجب وعنه أنه حبيس وقد صح عن عمرو بن العاص أنه كان إذا أخرج طعاما لسائل فلم يجده عزله حتى يجيء آخر وقاله الحسن ومن سأل فأعطى فسخطه لم يعط لغيره في ظاهر كلام العلماء.
كتاب الصوم
باب الصيام
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصوميجب صوم شهر رمضان برؤية الهلال
-------------------------------------------------
كتاب الصيام
هو والصوم مصدرا صام وفي اللغة عبارة عن الإمساك ومنه {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً} [مريم: من الآية26] وقول الشاعر
خيل صيام وخيل غير صائمه. تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما.
لإمساكها عن الصهيل في موضعه ويقال صامت الريح إذا أمسكت عن الهبوب.
وفي الشرع إمساك جميع النهار عن المفطرات من إنسان مخصوص مع النية.
"يجب صوم شهر رمضان" لقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: من الآية183] إلى قوله {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: من الآية185] وقوله عليه السلام "بني الإسلام على خمس" فذكر منها "صوم رمضان" والإجماع منعقد على وجوبه.
وفرض في السنة الثانية من الهجرة فصام عليه السلام تسعا والمستحب قول شهر رمضان كما صرح به تبعا للنص ولا يكره بإسقاط شهر في قول أكثر العلماء وذكر المؤلف أنه يكره إلا مع قرنه الشهر وذكر الشيخ تقي الدين وجها يكره وفي المنتخب لا يجوز لخبر وقد ضعف وقال ابن الجوزي هو موضوع.
فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا وإن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب.
-------------------------------------
وسمي رمضان لحر جوف الصائم فيه ورمضه والرمضاء شدة الحر
وقيل: لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة فوافق شدة الحر.
وقيل: لأنه يحرق الذنوب
وقيل: موضوع لغير معنى كبقية الشهور
وقيل: فيها معان أيضا.
"برؤية الهلال" لقوله عليه السلام "صوموا لرؤيته"
"فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا" بغير خلاف وصلوا التراويح كما لو رأوه ويستحب تراءي الهلال احتياطا للصوم وحذارا من الاختلاف وقد روت عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره ثم يصوم لرؤية رمضان رواه الدارقطني بإسناد صحيح.
"وإن حال دون منظره" أي مطلعه "غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب" اختاره الخرقي وأكثر شيوخ أصحابنا ونصوص أحمد عليه وهو مذهب عمر وابنه وعمرو بن العاص وأبي هريرة وأنس ومعاوية وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر وقاله جمع من التابعين لما روى ابن عمر مرفوعا قال " إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له" متفق عليه
ومعنى "فاقدروا له" أي ضيقوا لقوله تعالى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: من الآية7] أي ضيق وهو أن يجعل شعبان تسعا وعشرين يوما ويجوز أن يكون معناه اقدروا زمانا يطلع في مثله الهلال وهذا الزمان يصح وجوده فيه أو
وعنه لا يجب
-------------------------------------------------
يكون معناه فاعلموا من طريق الحكم أنه تحت الغيم لقوله تعالى {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: من الآية57] الحجر أي علمناها مع أن بعض المحققين قالوا إن الشهر أصله تسع وعشرون.
يؤيده ما رواه أحمد عن إسماعيل عن أيوب عن نافع قال كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يوما بعث من ينظر له فإن رآه فذاك وإن لم يره ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما.
ولا شك أنه راوي الخبر وأعلم بمعناه فيتعين المصير إليه كما رجع إليه في تفسير خيار المتبايعين يؤكده قول علي وأبي هريرة وعائشة لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ولأنه يحتاط له ويجب بخبر الواحد فعلى هذا يصومه حكما ظنيا بوجوبه احتياطا ويجزئه إذا بان منه.
قيل للقاضي لا يصح إلا بنية ومع الشك فيها لا يجزم بها فقال لا يمنع التردد فيها للحاجة كالأسير وصلاة من خمس.
وفي الانتصار يجزئه إن لم يعتبر نية التعيين وإلا فلا وظاهره أنها لا تصلي التراويح ليلتئذ واختاره التميميون اقتصارا على النص واختار جماعة عكسه قال المجد هو أشبه بكلام أحمد القيام قبل الصيام وعنه ينويه حكما جازما بوجوبه
وقاله بعض أصحابنا وجزم به في الوجيز فعليه يصلي التراويح إذن ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ووقوع المعلقات وانقضاء العدة وغير ذلك وذكر القاضي احتمالا يثبت كما يثبت الصوم وتوابعه من النية وتعيينها ووجوب الكفارة بالوطء فيه ونحو ذلك.
"وعنه لا يجب" صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان اختاره في التبصرة والشيخ في تقي الدين وقال هو مذهب أحمد المنصوص الصريح
وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا.
-------------------------------------------
عنه وقاله أكثر العلماء لما روى أبو هريرة مرفوعا "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما" متفق عليه ولفظه العالمين ولأنه يوم شك وهو منهي عن صومه والأصل بقاء الشهر فلا ينتقل عنه بالشك وأجيب بأن خبر أبي هريرة يرويه محمد بن زياد وقد خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة "فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين" وروايته أولى لإمامته واشتهار ثقته وعدالته وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة وموافقته لرأي أبي هريرة.
وقال الاسماعيلي ذكر شعبان فيه من تفسير ابن ابي اياس وليس هو بيوم شك كما يأتي "وعنه الناس تبع للإمام فإن صام صاموا" وإن فطر أفطروا وجوبا وهو قول الحسن وابن سيرين لقوله عليه السلام "الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون" رواه الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي هريرة فمعناه أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس واجب.
وقال أحمد: السلطان في هذا أحوط وأنظر للمسلمين وأشد تفقدا ويد الله على الجماعة فيتحرى في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها واختاره بمن لا يكتفي به وغير ذلك من القرائن.
وقال ابن عقيل يعمل بعادة غالبة لمضي شهرين كاملين والثالث ناقص وهو معنى التقدير وعنه صومه منهي عنه اختاره أبو القاسم بن مندة وأبو الخطاب وابن عقيل لأنه يوم شك وفيه نظر.
فقيل يكره وقيل يحرم وإذا لم يجب صومه وجب أداء الشهادة بالرؤية وإن لم يسأل عنها.
فرع: إذا نواه احتياطا بلا مستند شرعي فبان منه لم يجزئه في رواية وعنه بلى وعنه يجزئه ولو اعتبرت نية التعيين ولا يحكم بطلوع الهلال بنجوم أو نجاسة ولو الغرماء إصابتهما.
وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة وإن رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم.
---------------------------
"وإذا رئى الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المقبلة" هذا هو المشهور وقاله أكثر العلماء لما روى أبو وائل قال جاءنا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا أو يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية رواه الدارقطني.
فعلى هذا لا يجب به صوم ولا يباح به فطر ورؤيته نهارا ممكنة لعارض يعرض في الجو يقل به ضوء الشمس أو يكون قوي النظر وعنه بعد الزوال للمقبلة وقبله للماضية اختاره أبو بكر والقاضي وقدمه في المحرر للقرب من كل واحدة منهما.
وعنه: بعد الزوال آخر الشهر للمقبلة احتياطا وعنه آخر الشهر للمقبلة مطلقا.
فائد: يقال من الصباح إلى الزوال رأيت الليلة وبعده يقال رأيت البارحة قاله ثعلب هذا باعتبار الحقيقة ومنع ذلك مطلقا لا وجه له.
"وإن رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم" للعموم ولأن الشهر في الحقيقة ما بين الهلالين وقد ثبت أن هذا اليوم منه في جميع الأحكام فكذا الصوم وظاهره لا فرق بين قرب المكان أو بعده وأنه يجب ولو اختلفت المطالع نص عليه.
وذكر الشيخ تقي الدين أنها تختلف باتفاق أهل المعرفة لكن قال أحمد الزوال في الدنيا واحد واختار في الرعاية البعد مسافة قصر ولا يلزم الصوم.
وعن كريب قال قدمت الشام واستهل علي هلال رمضان وأنا بالشام فرأيناه ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس فأخبرته فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى يكمل ثلاثين أو نراه فقلت ألا يكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول
ويقبل في هلال رمضان قول عدل.
----------------------------
الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم فدل على أنهم لا يفطرون بقول كريب وخبره ونحن نقول به وإنما محل الخلاف وجوب قضاء اليوم الأول وليس هو في الحديث والفطر إنما هو إذا صيم بشهادته ليكون فطرهم مبنيا على صومهم بشهادته وهنا ليس كذلك.
فعلى المذهب واختاره في الرعاية لو سافر من بلد الرؤية ليلة الجمعة إلى بلد الرؤية ليلة السبت فبعد وتم شهره ولم يروا الهلال صام معهم وعلى المذهب يفطر خفية قاله المجد وإن شهد به وقبل قوله أفطروا معه على المذهب وإن سافر إلى بلد الرؤية ليلة الجمعة من بلد الرؤية ليلة السبت وبعد أفطر معهم وقضى يوما على المذهب ولم يفطر على الثاني.
"ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد" نص عليه وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء لأنه عليه السلام صوم الناس بقول ابن عمر رواه أبو داود والحاكم وقال على شرط مسلم ولقبوله خبر الأعرابي به رواه أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس.
ولأنه خبر ديني وهو أحوط ولا تهمة فيه بخلاف آخر الشهر ولاختلاف حال الرائي والمرئي ولهذا لو حكم حاكم بشهادة واحد وجب العمل بها وظاهره لا فرق بين الغيم والصحو ولا بين المصر وخارجه
وقال أبو بكر إن جاء من خارج المصر أو رآه فيه لا في جماعة قبل واحد وشذ في الرعاية فقال وقيل يقبل قول واحد حتى مع غيم أو قتر وعنه يعتبر عدلان كبقية الشهور.
فعلى المذهب هو خبر فتقبل المرأة والعبد ولا يختص بحاكم فيلزمه الصوم من سمعه من عدل زاد بعضهم ولو رد الحاكم قوله.
ولا يعتبر لفظ الشهادة وقيل بلى فتنعكس الأحكام وفي المستور والمميز الخلاف وفي المستوعب لا يقبل صبي وإذا ثبت بقول الواحد ثبتت بقية.
ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا.
---------------------------------
الأحكام.
"ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان" حكاه الترمذي إجماعا أي رجلان لقول ابن عمر وابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين ولأنه ليس بمال ولا يقصد به المال ولا احتياط فيه أشبه الحدود وعنه يقبل فيه واحد كأبي ثور وكأوله.
وقيدها في الرعاية بوضع ليس فيه غيره وظاهره لا يقبل رجل وامرأتان ولا النساء المفردات لأنه مما يطلع عليه الرجال ولا يعتبر التواتر في العيدين مع الغيم.
"وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا" وجها واحدا قاله في الشرح لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" رواه النسائي.
وقيل لا مع صحو اختاره أبو محمد الجوزي لأن عدم الهلال يقين فيقدم على الظن وهي الشهادة.
"وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين" وقيل هما روايتان إحداهما لا يفطر قدمه في المحرر لأنه فطر لم يجز أن يستند إلى واحد كما لو شهد بشوال
والثاني وجزم به في الوجيز أنهم يفطرون لثبوته تبعا كالنسب لا يثبت بشهادة النساء ويثبت بها الولادة وقيل لا فطر مع الغيم
"وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا" وجها واحدا قاله في الشرح لأن الصوم إنما كان احتياطا فمع موافقته للأصل- وهو بقاء رمضان- أولى.
ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر.
-----------------------------
وقيل بلى قال في الرعاية إن صاموا جزما مع الغيم أفطروا وإلا فلا فعلى الأول إن غم هلال شعبان ورمضان فقد يصوم اثنين وثلاثين يوما حيث نقصنا رجبا وشعبان وكانا كاملين وكذا الزيادة إن غم هلال رمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان وكانا ناقصين ونقل النووي عن العلماء أنه لا يقع النقص متواليا في أكثر من أربعة أشهر.
فرع: إذا صاموا ثمانية وعشرين يوما ثم رأوا هلال شوال قضوا يوما فقط نقله حنبل واحتج بقول علي ولبعد الغلط بيومين قال في الفروع ويتوجه تخريج.
"ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته" لمانع "لزمه الصوم" وحكمه للعموم وكعلم فاسق بنجاسة ماء أو دين على موروثه ولأنه يتيقن أنه من رمضان فلزمه صومه كما تلزم الأحكام التي هي من خصائص الرمضانية بخلاف غيره من الناس.
ونقل حنبل: لا يلزمه الصوم واختاره الشيخ تقي الدين وروي عن الحسن وابن سيرين لأنه محكوم أنه من شعبان أشبه التاسع والعشرين وكذا قال لا يلزمه شيء من أحكامه وعلى الأول هل يفطر يوم الثلاثين من صيام الناس فيه وجهان ويتوجه عليهما وقوع طلاقه وحل دينه المعلقين بت
"وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر" نقله الجماعة للخبر السابق وقاله عمر وعائشة ولاحتمال خطئه وتهمته فوجب الاحتياط وكما لا يعرف ولا يضحي وحده قاله الشيخ تقي الدين قال والنزاع مبني على أصل وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في السماء وإن لم يشتهر ولم يظهر أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد
وقال أبو حكيم: يتخرج أن يفطر اختاره أبو بكر قال ابن عقيل يجب أن
وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو بعده أجزأه وإن وافق قبله لم يجزئه.
------------------------------
يفطر سرا لأنه يتيقنه يوم العيد.
تنبيه: إذا رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم أو شهد أفردهما لجهله بحالهما لم يجز لأحدهما ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس المذهب لأن ردهما ليس بحكم وإنما هو توقف لعدم علمه وفي المغني والشرح الجواز لقوله "فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا" رواه النسائي.
"وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير" والمطمور ومن بمغارة ونحوهم "تحرى" وهو أن يجتهد في معرفة شهر رمضان لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد فلزمه كاستقبال القبلة "وصام فإن وافق الشهر أو بعده أجزأه" كالصلاة وكما لو لم ينكشف له الحال لتأدية فرضه بالاجتهاد ولا يضر التردد في النية لمكان الضرورة فلو وافق رمضان السنة القابلة فقال المجد قياس المذهب لا يجزئه عن واحد منهما إن اعتبرنا نية التعيين وإلا وقع عن الثاني وقضى الأول. ويعتبر أن يكون ما صامه بقدر أيام شهره الذي فاته سواء وافق ما بين الهلالين أو لا ذكره في المغنى والشرح وظاهر الخرقي أنه متى وافق شهرا بعده أجزأه وإن كان ناقصا ورمضان تاما قاله القاضي وصاحب التلخيص وأورده المجد مذهبا كالنذر وفرق في الشرح بأن النذر مطلق فيحمل على ما تناوله الاسم والقضاء يجب أن يكون بعذر المتروك.
"وإن وافق قبله لم يجزئه" نص عليه لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم يجزئه كالصلاة فلو وافق بعضه رمضان فما وافقه أو بعده أجزأه دون ما قبله ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية ثم علم صام ثلاثة أشهر شهرا بعد شهر كالصلاة إذا فاتته نقله مهنا وإن ظن أن الشهر لم يدخل فصام لم يجزئه.
ولا يجب الصوم إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم ولا يجب على كافر ولا مجنون ولا صبي لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك والقضاء
-----------------------
"ولا يجب الصوم إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم" إجماعا "ولا يجب على كافر" مطلقا لأنه عبادة محضة تفتقر إلى النية فكان من شرطها الإسلام كالصلاة "ولا مجنون ولا صبي" لعدم تكليفهما ورفع القلم عنهما "لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده" كذا قاله الأكثر أي يجب على الولي ذلك ذكره جماعة.
عنه: يجب عليه إذا أطاقه اختاره أبو بكر وابن أبي موسى وقاله عطاء والأوزاعي والمراد به المميز وحد ابن أبي موسى طاقته بصيام ثلاثة أيام متوالية ضرر لقوله عليه السلام "إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام رمضان" رواه ابن جريج عن محمد بن عبد الرحمن ولأنها عبادة بدنية أشبهت الصلاة
وعنه: يلزم من بلغ عشر سنين وأطاقه قال الخرقي يؤخذ به إذن والمذهب الأول قال القاضي هو عندي رواية واحدة وحمل ما روي عن أحمد على الاستحباب وكالحج وحديثهم مرسل ويحمل على الندب وسماه واجبا تأكيدا وفيه جمع بين الأدلة وأما كون القدرة من شروطه فلأن العاجز عن الشيء لا يكلف به للنص.
"وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك" لتعذر إمساك الجميع فوجب أن يأتوا بما يقدرون عليه وكما لو تعمدوا الأكل في يوم آخر منه "والقضاء" فلثبوته من رمضان ولم يأتوا فيه بصوم صحيح فلزمهم قضاؤه للنص وذكر أبو الخطاب رواية لا يلزم الإمساك كالمسافر إذا قدم وغلط المؤلف بأقلها وخرج في المغني على قول عطاء من ظن أن
وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك وعنه لا يلزمهم شيء وإن بلغ الصبي صائما ولا قضاء عليه عند القاضي وعند أبي الخطاب عليه القضاء.
----------------------------------
الفجر لم يطلع وقد طلع وقال الشيخ تقي الدين يمسك ولا يقضي وكما لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب.
"وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك" أي إذا صار في أثناء يوم منه أهلا للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه في ظاهر المذهب وجزم به في الوجيز لأمره عليه السلام بإمساك يوم عاشوراء ولحرمة الوقت ولقيام البينة فيه بالرؤية ولإدراكه جزءا من وقته كالصلاة.
"وعنه: لا يلزمهم شيء" أي لا إمساك لقول ابن مسعود من أكل أول النهار فليأكل آخره ولأنه أبيح لهم فطر أوله ظاهرا وباطنا فكان لهم الاستدامة كما لو دام العذر ولا قضاء لعدم إدراكهم من الوقت ما يسع العبادة أشبه ما لو زال عذرهم بعد خروج الوقت.
وإن قلنا يجب على الصبي عصى بالفطر وأمسك وقضى كالبالغ وعلم أنهم يستقبلون من الشهر ما عدا اليوم وأنه لا يلزمهم قضاء ما مضى "وإن بلغ الصبي" بالسن أو الاحتلام "صائما" بأن نواه من الليل "أتم" صومه بغير خلاف "ولا قضاء عليه عند القاضي" لأنه نواه من الليل فأجزأه كالبالغ ولا يمتنع أن يكون أوله نفلا وباقيه فرضا كنذره إتمام النفل "وعند أبي الخطاب" وهو ظاهر الوجيز "عليه القضاء" أي قضاء ذلك اليوم لقيام البينة يوم الثلاثين وهو في نفل معتاد وكبلوغه في صلاة أو حج ولأن ما مضى منه نفل فلم يجز عن الفرض كما لو نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم والناذر صائم فإنه يلزمه القضاء والخلاف مبني على وجوب القضاء عليه إذا بلغ مفطرا وأما إذا لم يجب فلا قضاء هنا وجها واحدا.
وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر مفطرا فعليهم القضاء وفي الإمساك روايتان ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا.
-------------------------------
"وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر" أو أقام "مفطرا فعليهم القضاء" إجماعا وكمريض إذا صح في أثناء النهار مفطرا "وفي الإمساك روايتان" كذا أطلقهما جماعة والأصح لزومه وكمقيم تعمد الفطر سافر أو حاضت المرأة أو لا نقله ابن القاسم وحنبل ويعايا بها.
والثانية: لا إمساك عليهم لقول ابن مسعود لأن كل من ذكر يباح له الأكل أول النهار ظاهرا وباطنا ويتوجه لا إمساك مع حيض ومع السفر الخلاف وإذا لم يجب الإمساك فقدم مسافر مفطرا فوجد امرأته طهرت من حيضها له أن يطأها ولو علم مسافر أنه يقدم غدا لزمه الصوم كمن نذر صوم يوم يقدم فلان وعلم قدومه في غد بخلاف الصبي يعلم أنه يبلغ في غد لأنه غير مكلف.
مسألة: إذا برئ مريض أو قدم مسافر أو أقام صائما لزمه الإتمام وأجزأ كمقيم صائم مرض ثم لم يفطر حتى عوفي ولو وطئا فيه كفرا نص عليه كمقيم وطئ ثم سافر ذكره في الفروع.
"ومن عجز عن الصوم لكبر" وهو الهم والهمة "أو مرض لا يرجى برؤه أفطر" أي له ذلك إجماعا "وأطعم عن كل يوم مسكينا" لقول ابن عباس في قوله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم يطعمان مكان كل يوم مسكينا رواه البخاري ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يدركه رواه أحمد والمراد بالإطعام ما يجزئ في الكفارة فلو كان الكبير مسافرا ومريضا فأفطر فلا فدية عليه ذكره في الخلاف ولا قضاء للعجز عنه ويعايا بها وإن أطعم ثم قدر على القضاء فكمعضوب حج عنه ثم عوفي ذكره.
والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر وإن صاما أجزأهما ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره.
---------------------------------
المجد وظاهره أنه لا يجب القضاء بل يتعين الإطعام.
"والمريض إذا خاف الضرر والمسافر" وهو من له القصر "استحب لهما الفطر" لقوله تعالى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فأفطر وقد روى الترمذي مرفوعا "إن الله وضع عن المسافر الصوم" وقال حديث حسن ولأن فيه قبول الرخصة مع التلبس بالأخف لقوله عليه السلام "ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما" ويشترط له أن يخاف زيادة المرض أو بطء برئه فإن لم يتضرر به لم يفطر.
وجزم به في الرعاية في وجع رأس وحمى ثم قال إلا أن ينضر قيل لأحمد متى يفطر المريض قال إذا لم يستطع قيل مثل الحمى قال وأي مرض أشد من الحمى.
فلو خاف تلفا بصومه كره وجزم جماعة بأنه يحرم ولم يذكروا خلافا في الإجزاء "وإن صاما أجزأهما" نقله الجماعة ونقل حنبل في المسافر لا يعجبني واحتج بقوله عليه السلام "ليس من البر الصوم في السفر" وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة والسنة الصحيحة ترد هذا القول وحملها على رواية الجماعة أولى من عدم الإجزاء وظاهره أنه يجزئ من غير كراهة.
وقد سأله إسحاق بن إبراهيم عن الصوم فيه لمن قوي فقال لا يصوم وحكاه المجد عن الأصحاب قال وعندي لا يكره لمن قوي واختاره الآجري وليس الصوم فيه أفضل وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها تبرأ بها الذمة ورد بصوم المريض.
"ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره" من قضاء وفدية وغيرهما لأن الفطر أبيح تخفيفا ورخصة فإذا لم يرده لزمه الإتيان بالأصل كالجمعة وكالمقيم
ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر وعنه لا يجوز
----------------------------------
الصحيح ولأنه لو قبل صوما من المعذور لقبله من غيره كسائر الزمان المتضيق للعبادة فلو نوى صوما غير رمضان فهل يقع باطلا أم يقع ما نواه هي مسألة تعيين النية.
تنبيه: إذا خاف من به شبق تشقق أنثييه أو به مرض ينتفع فيه بوطء ساغ له الوطء وقضى بلا كفارة نقله الشالنجي إن لم تندفع شهوته بغيره وإلا لم يجز وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم يجز وإلا جاز للضرورة فوطء صائمة أولى من حائض وقيل يتخير وإن تعذر قضاؤه لدوام شبقه فككبير عجز عنه.
"ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر" لفطره عليه السلام كما روي في الأخبار الصحيحة وظاهره ولو بالجماع لأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو وذكر جماعة أنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعده وعنه لا يجوز بالجماع لأنه لا يقوى على السفر فعليها إن جامع كفر والمذهب لا.
قال في الفروع وهو أظهر "وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر" لظاهر الآية والأخبار الصريحة منها ما روى عبيد بن جبير قال ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط في شهر رمضان ثم قرب غداءه فقال اقترب قلت الست ترى البيوت قال أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل رواه أبو داود.
ولأن السفر يبيح الفطر فأباحه في أثناء النهار كالمرض الطارئ ولو بفعله والصلاة لا يشق إتمامها وهي آكد لأنها متى وجب إتمامها لم يقصر بحال وترك الفطر أفضل سواء سافر طوعا أو كرها ذكره جماعة فيعايا بها
وليس له الفطر قبل خروجه لأنه ليس مسافرا.
"وعنه: لا لايباح" وقاله أكثر العلماء لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر
والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا لكل يوم مسكينا.
------------------------
والحضر فإذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة وعنه لا يجوز بجماع لآكديته فعلى المنع يكفر من وطئ وجعلها بعضهم كمن نوى الصوم في سفره ثم جامع.
"والحامل والمرضع إذا خافتا" الضرر "على أنفسهما" كره لهما الصوم ويجزئ فإن "أفطرتا وقضتا" بغير خلاف نعلمه كالمريض إذا خاف على نفسه ولقدرتهما عليه بخلاف الكبير قال أحمد: أقول بقول أبي هريرة لا بقول ابن عمر وابن عباس في منع القضاء وظاهره أنه لا إطعام معه لأنه فطر أبيح لعذر فلم يجب به كفارة كالمريض.
وذكر بعضهم رواية "وإن خافتا على ولديهما أفطرتا" لأن خوفهما خوف على آدمي أشبه خوفهما على أنفسهما "وقضتا" لعموم قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وكسائر المرضى "وأطعمتا لكل يوم مسكينا" ما يجزئ في الكفارة لظاهر قوله {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} الآية وهو قول ابن عمر وابن عباس ولا يعرف لهم مخالف.
ولأنه إفطار بسبب نفس عاجزة عن الصوم من طريق الخلقة كالشيخ الهم ويلحق بهذا الظئر التي ترضع ولد غيرها ذكره الأصحاب لأن السبب المبيح يستوي فيه كالسفر لحاجته وحاجة غيره وفي الرعاية قول لا تفطر الظئر إذا خافت على رضيعها والإطعام على الأم جزم به في الوجيز لأنه تبع لها ولهذا وجب كفارة واحدة ويحتمل أنه بينها وبين من تلزمه نفقته من قريب أو من ماله لأن الإرفاق لهما والمذهب أن الإطعام على من يمونه ويصرف إلى مسكين واحد جملة واحدة وظاهره أنه على الفور لوجوبه وهو أقيس وذكر المجد أنه إن أتى به مع القضاء جاز لأنه كالتكملة له.
ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه وإن أفاق جزءا منه صح صومه وإن نام جميع النهار صح صومه ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون.
-----------------------------
تنبيه: لا يسقط الإطعام بالعجز ذكره في المستوعب وهو ظاهر كلام أحمد اختاره المجد كالدين وذكر ابن عقيل والمؤلف أنه يسقط وذكر القاضي وجماعة أنها تسقط في الحامل والمرضع ككفارة الوطء بل أولى للعذر هنا ولا يسقط عن الكبير والمأيوس لأنها بدل عن نفس الصوم الواجب الذي لا يسقط بالعجز فكذا بدله وكذا إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره غير كفارة الجماع.
"ومن نوى قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه" لأن الصوم عبارة عن الإمساك مع النية فلم يوجد الإمساك المضاف إليه دل عليه قوله "إنه ترك طعامه وشرابه من أجلي" فلم تعتبر النية منفردة عنه "وإن أفاق" أي المغمى عليه "جزءا منه صح صومه" لقصده الإمساك في جزء من النهار فأجزأ كما لو نام بقية يومه وظاهره أنه لا يتعين جزء للإدراك ولا يفسد قليل الإغماء الصوم والجنون كالإغماء وقيل يفسد الصوم بقليله كالحيض بل أولى لعدم تكليفه.
وأجيب بأنه زوال عقل من بعض اليوم فلم يمنع صحته كالإغماء ويفارق الحيض فإنه لا يمنع الوجوب وإنما يمنع صحته ويحرم فعله.
"وإن نام جميع النهار صح صومه" لأنه معتاد ولا يزيل الإحساس بالكلية وخالف فيه الاصطخري وهو شاذ.
"ويلزم المغمى عليه" إذا لم يصح صومه "القضاء" في الأصح لأنه مرض وهو مغط على العقل غير رافع للتكليف ولا تطول مدته ولا تثبت الولاية على صاحبه ويدخل على الأنبياء عليهم السلام وعنه لا يقضي كالجنون "دون المجنون" فلا يلزمه قضاء لعدم تكليفه سواء فات.
فصل
ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل.
-------------------------
بالجنون الشهر أو بعضه.
وعنه يقضي لأنه معنى يزيل العقل فلم يمنع وجوب الصوم كالإغماء وعنه إن أفاق في الشهر قضى ما مضى وإن أفاق بعده فلا كما لو جن في أثنائه وكما لو أفاق في جزء من اليوم لكن إذا جن في صوم قضاء وكفارة فإنه يقضيه بالوجوب السابق.
فصل:
"ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل" لما روى ابن عمر عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" رواه الخمسة قال الترمذي والخطابي رفعه عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه وعمرو من الثقات ووافقه على رفعه ابن جريج عن الزهري رواه النسائي ولم يثبت أحمد رفعه وصحح الترمذي أنه موقوف على ابن عمر.
وعن عائشة مرفوعا "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" رواه الدارقطني وفي لفظ للزهري "من م يبيت الصيام من الليل فلا صيام له" لا يقال قد ورد في صوم عاشوراء بنية من النهار لأن وجوبه كان نهارا لمن صام تطوعا ثم نذره على أن جماعة ذكروا أنه ليس بواجب ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة.
وظاهره: أنه في أي وقت من الليل نوى أجزأه لإطلاق الخبر وسواء وجد بعدها ما يبطل الصوم كالجماع والأكل أو لا نص عليه فلو بطلت فات محلها وقال ابن حامد تبطل إذا أتى بالمنافي كما لو فسخ النية أو نسيها أو أغمى عليه حتى طلع الفجر وإن نوت الحائض صوم الغد وقد عرفت الطهر
معينا وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان ولا يحتاج إلى نية الفرضية.
--------------------------
ليلا فوجهان.
وظاهره أنه لا يصح في نهار يوم كصوم غد وكنيته من الليل صوم بعد غد وعنه يصح ما لم يفسخها وحملها القاضي على أنه استصحبها إلى الليل وهو ظاهر ويعتبر لكل يوم نية مفردة لأنها عبادات بدليل أنه لا يفسد يوم بفساد آخر وكالقضاء.
وعنه: بجزئ في أول رمضان نية واحدة لكله نصرها أبو يعلى الصغير وعلى قياسه النذر المعين ونحوه فلو أفطر يوما بعذر أو غيره لم يصح صيام الباقي بتلك النية جزم به في المستوعب وغيره وقيل يصح مع بقاء التتابع قدمه في الرعاية.
"معينا" أي لا بد أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته نص عليه واختاره الأصحاب لقوله "إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى" وكالقضاء والكفارة ولأن التعيين مقصود في نفسه فلو خطر بقلبه ليلا أنه صائم غدا فقد برئ قال بعض أصحابنا الأكل والشرب بنية الصوم عندنا نية قال الشيخ تقي الدين هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم بدليل ليلة العيد من غيرها.
"وعنه: لا يجب تعيين النية لرمضان" لأن التعيين يراد للتمييز وهذا الزمان يتعين وكالحج فعليها يصح بنية مطلقة لتعذر صرفه رمضان واختار حفيده يصح مطلقا مع الجهل فإن كان عالما فلا كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التبرع ثم تبين أنه كان حقه فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان.
"ولا يحتاج" مع التعيين "إلى نية الفرضية" لأن الواجب لا يكون إلا فرضا فأجزأ التعيين عنه.
وقال ابن حامد يجب ذلك ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزئه ومن نوى الإفطار أفطر.
----------------------------
"وقال ابن حامد يجب ذلك" كالصلاة "ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي" أي الذي فرضه الله علي "وإلا فهو العربي لم يجزئه" على المشهور في المذهب لأنه لم يعين الصوم من رمضان جزما وعلى الثانية يجزئه.
ونقل صالح أنه يصح بالنية المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو لوجوب صومه فلو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه وإلا فهو عن واجب عينه بنيته لم يجزئه عن ذلك الواجب وفي إجزائه عن رمضان الروايتان إذا بان منه وإن قال وإلا فأنا مفطر لم يصح وإن نوى الرمضانية بلا مستند شرعي فعلى الخلاف إذا بان منه وإن كان عن مستند شرعي أجزأه كالمجتهد في الوقت.
فرع: إذا قال أنا صائم غدا إن شاء الله تعالى فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد فسدت نيته وإلا لم تفسد ذكره في التعليق و الفنون لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره كما لا يفسد الإيمان به غير متردد في الحال وطرده القاضي في سائر العبادات بأنها لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها.
"ومن نوى الإفطار أفطر" نص عليه وفي الشرح هو ظاهر المذهب لأنه عبادة من شرطه النية ففسد بنية الخروج كالصلاة ولأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة لكن لما شق اعتبار حقيقتها اعتبر بناء حكمها وهو أن لا ينوي قطعها فإذا نواه زالت حقيقة وحكما.
وقال ابن حامد لا تبطل كالحج مع بطلان الصلاة عنده وأجيب بأن الحج يصح بنية مطلقة -ومبهمة وقوله أفطر أي صار كمن لم ينو لا كمن أكل فلو كان في نفل يقطعه ثم نواه جاز نص عليه.
ويصح صوم النفل بنية من النهار وقبل الزوال وبعده وقال القاضي: لا يجزئ بعد الزوال.
---------------------------------------
وكذا لو كان في نذر أو كفارة أو قضاء فقطع بنيته ثم نوى نفلا جاز ولو قلت نية نذر وقضاء إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاة إلى نفلها وعلى المذهب لو تردد في الفطر أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى أو إن وجدت طعاما أكلت وإلا أتممت فكالخلاف في الصلاة.
"ويصح صوم النفل بنية من النهار وقبل الزوال وبعده" نص عليه واختاره أكثر الأصحاب منهم القاضي في أكثر تصانيفه لما روت عائشة قالت دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال "هل عندكم شيء" قلنا لا قال "فإني إذا صائم" رواه مسلم.
ويدل عليه حديث عاشوراء ولأن الصلاة خفف نفلها عن فرضها فكذا الصوم ولما فيه من تكثيره لكونه يعن له من النهار فعفي عنه.
"وقال القاضي" في ابن عقيل "لا يجزئ بعد الزوال" لأن فعله عليه السلام إنما هو في الغداء وهو قبل الزوال ولأن النية لم تصحب العبادة في معظمها أشبه ما لو نوى مع الغروب وأجيب بأنه نوى في جزء منه يصح كأوله وجميع الليل وقت لنية الفرض فكذا النهار. وشرطه أن لا يكون فعل ما يفطره قبل النية فإن فعل فلا يجزئه الصوم بغير خلاف نعلمه قاله في الشرح وخالف فيه أبو زيد الشافعي ويحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية في الأظهر وفي المجرد والهداية من أول النهار وقاله حماد وإسحاق إن نواه قبل الزوال فعلى الأول تطوع حائض طهرت وكافر أسلم في يوم ولم يأكلا يصوم بقية اليوم.
وعلى الثاني: لا لامتناع تبعيض صوم اليوم قال في الفروع ويتوجه يحتمل أن لا يصح عليهما لأنه لا يصح منهما صوم.
باب مايفسد الصوم
باب ما يفسد الصوم
ويوجب الكفارة
ومن أكل أوشرب أو استعط أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه أو اكتحل بما يصل إلى حلقه.
----------------------------------
باب ما يفسد الصوم
المفسد للصوم كل ما ينافيه من أكل أو شرب ونحوهما "ويوجب الكفارة ومن أكل أوشرب" فقد أفطر لقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الآية فأباحهما إلى غاية وهي تبين الفجر ثم أمر بالإمساك عنهما إلى الليل لأن حكم ما بعد الغاية يخالف ما قبلها وقول النبي صلى الله عليه وسلم "كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك طعامه وشرابه من أجلي" متفق عليه وظاهره لا فرق بين مغذ وغيره ولا بين القليل والكثير
"أو استعط" في أنفه بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه قال في الكافي أو خياشيمه لنهيه عليه السلام الصائم عن المبالغة في الاستنشاق
"أو احتقن" في دبره لأنه يصل إلى الجوف ولأن غير المعتاد كالمعتاد في الواصل ولأنه أبلغ وأولى من الاستعاط.
"أو داوي الجائفة بما يصل إلى جوفه" لأنه أوصل إلى جوفه شيئا باختياره أشبه ما لو أكل "أو اكتحل" بكحل أو صبر أو ذرور أو إثمد مطيب "بما يصل إلى حلقه" نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال "ليتقه الصائم" رواه أبو داود والبخاري في تاريخه من حديث عبد الرحمن بن النعمان بن سعيد ابن هوذة عن أبيه عن جده.
قال ابن معين حديث منكر وعبد الرحمن ضعيف وقال أبو حاتم:
أو داوى المأمومة أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان أو استقاء.
-----------------------------
صدوق ووثقه ابن حبان واختار الشيخ تقي الدين لا يفطر لأنها ليست منفذا فلم يفطر به كما لو دهن رأسه وأجيب بأن العين منفذ لكنه ليس بمعتاد وكالواصل من الأنف
"أو داوى المأمومة أو قطر في أذنه ما يصل إلى دماغه" لأن الدماغ أحد الجوفين فالواصل إليه يغذيه فأفسد الصوم كالآخر.
"أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان" وهو من عطف العام على الخاص وهو شامل إذا طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بشيء في جوفه فغاب هو أو بعضه فيه أو ابتلع خيطا ويعتبر العلم بالواصل وجزم في منتهى الغاية بأنه يكفي الظن واختار الشيخ تقي الدين لا يفطر بمداواة جائفة ومأمومة ولا بحقنة.
"أو استقاء" أي استدعى القيء فقاء لخبر أبي هريرة المرفوع "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض" روا ه الخمسة وقال الترمذي حسن غريب ورواه الدارقطني وقال إسناده كلهم ثقات وظاهره لا فرق بين القليل والكثير.
قال المؤلف هو ظاهر المذهب وذكر المجد أنه أصح الروايات كسائر المفطرات وعنه يفطر بملء الفم اختاره ابن عقيل ويقدر بما لا يمكنه الكلام معه وعنه أو نصفه كنقض الوضوء وعنه إن فحش وقاله القاضي وذكر ابن هبيرة أنه الأشهر.
وبالغ ابن عقيل فقال إذا قاء بنظره إلى ما يقيئه فإنه يفطر كالنظر والفكر وفيه احتمال لا يفطر مطلقا وذكره البخاري عن أبي هريرة ويروى عن ابن مسعود وابن عباس وخبر أبي هريرة السابق ضعفه أحمد والبخاري.
أو استمنى أو قبل أو لمس فأمنى أو مذى أو كرر النظر فأنزل
---------------------------------------
"أو استمنى" أي استدعى خروج المني لأنه إذا فسد بالقبلة المقترنة بالإنزال فلأن يفسد به بطريق أولى لكن لو استمنى بيده ولم ينزل فقد أتى محرما ولا يفسد به فأما إن أنزل لغير شهوة فلا كالبول.
"أو قبل أو لمس فأمنى" لما روى أبو داود عن عمر أنه قال هششت فقبلت وأنا صائم فقلت يا رسول الله إني فعلت أمرا عظيما فقبلت وأنا صائم قال "أرأيت لو تمضمضت من إناء وأنت صائم" قلت لا بأس به قال "فمه" فشبه القبلة بالمضمضة من حيث إنها من مقدمات الفطر فإن المضمضة إذا كان معها نزول أفطر وإلا فلا ذكره في المغني والشرح وفيه نظر لأن غايته أنما قد تكون وسيلة وذريعة إلى الجماع وفيه احتمال لا يفطر وقاله داود وضعف الخبر السابق وقال هو ريح.
"أو مذى" نص عليه لأنه إنزال بمباشرة أشبه المني واختار الآجري وأبو محمد تقي الدين لا يفطر قال في الفروع وهو أظهر عملا بالأصل وقياسه على المني لا يصح لظهور الفرق. وقيل يبطل بالمباشرة دون الفرج فقط وإن استمنى فأمنى أو مذى فكذلك على الخلاف وقوله فأمنى أو مذى راجع إلى الاستمناء وما بعده وعلم منه أنه لا فطر بدون الإنزال لقول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم وكان أملككم لإربه رواه البخاري روي بتحريك الراء وسكونها ومعناه حاجة النفس ووطرها وقيل بالتسكين العضو وبالتحريك الحاجة.
"أو كرر النظر فأنزل" أي منيا لأنه إنزال بفعل يلتذ به ويمكن التحرز منه أشبه الإنزال باللمس وقال الآجري لا يفطر كالإنزال بالفكر فلو أنزل مذيا لم يفطر على المذهب لأنه لا نص فيه والقياس لا يصح وقيل يفطر به.
قال في الفروع وهو أقيس على المذهب كاللمس وكلام المؤلف
أو حجم أو احتجم.
---------------------------------------
يحتمله كالخرقي لأنه خارج بسبب الشهوة كالمني ولأن الضعيف إذا تكرر قوي كتكرار الضرب بصغير في القود لكن في الكافي وسواء في هذا كله إنزال المني أو المذي إلا في تكرار النظر فلا يفطر إلا بإنزال المني.
وظاهره لا فطر بعدم الإنزال بغير خلاف و لا إذا لم يكرر النظر لعدم إمكان التحرز منه وقيل يفطر ونص أحمد أنه يفطر بالمني لا المذي ويلحق به ما ذكره في الإرشاد احتمالا فيمن هاجت شهوته فأمنى أو مذى أنه يفطر.
فرع: يفطر بالموت فيطعم من تركته في نذر وكفارة وبالردة لأن الصوم عبادة محضة فنافاها الكفر كالصلاة.
"أو حجم أو احتجم" نص عليه وقاله الأصحاب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد والترمذي من حديث رافع بن خديج ورواه أحمد أيضا من حديث ثوبان وشداد بن أوس وعائشة وأسامة بن زيد وأبى هريرة ومعقل بن سنان وهو لأبي داوود من حديث ثوبان.
ولابن ماجه من حديث شداد وأبي هريرة وهذا يزيد على رتبة المستفيض قال ابن خزيمة ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال أحمد فيه غير حديث ثابت وأصحها حديث رافع
وقال ابن المديني أصح شيء في هذا الباب حديث ثوبان وشداد وصححهما أحمد والبخاري وعنه إن علما النهي وقد كان جماعة من الصحابة يحتجمون ليلا ورخص فيها أبو سعيد الخدري وابن مسعود وقاله أكثر العلماء لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم رواه البخاري.
ولأنه دم خارج من البدن أشبه الفصد وجوابه أن أحمد ضعف رواية ابن عباس من رواية الأثرم لأن الأنصاري ذهبت كتبه في فتنة فكان يحدث من
عامدا ذاكرا لصومه فسد صومه وإن كان مكرها أوناسيا لم يفسد.
----------------------------------
كتب غلامه أبي حكيم ثم لو صح فيجوز أن يكون صومه تطوعا ويحتمل أن يكون لعذر ويعضده ما روى أبو بكر بإسناده عن ابن عباس قال "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم من شيء كان وجده" فهذه تسقط الاستدلال.
ولو سلم التساوي فأحاديثنا أكثر واعتضدت بعمل الصحابة ولو سلم فحديثهم فعل وتلك قول وهو مقدم لعدم عموم الفعل واحتمال أنه خاص به ونسخ حديثهم أولى لأنه موافق لحكم الأصل فنسخه يلزم منه مخالفة الأصل مرة واحدة بخلاف نسخ حديثنا لأنه يلزم مخالفة الأصل مرتين.
وذكر الخرقي احتجم ولم يذكر حجم والمذهب التسوية للخبر ولعل مراده أنه يفطر الحاجم إن مص القارورة.
والحجم في الساق كالحجم في القفا نص عليه وظاهر كلام أحمد ومعظم الأصحاب لا فطر إن لم يظهر دم واختار ابن عقيل وجمع أنه يفطر.
ولو جرح نفسه لا للتداوي بدل الحجامة لم يفطر وظاهره لا يفطر بالفصد لأن القياس لا يقتضيه والثاني بلى وصححه الشيخ تقي الدين فعلى هذا في الشرط احتمالان ولا فطر بغير ذلك.
واختار الشيخ تقي الدين أنه يفطر إذا أخرج دمه برعاف وغيره وقاله الأوزاعي في الرعاف.
"عامدا" أي قاصدا للفعل لأن من لم يقصد فهو غافل غير مكلف وإلا يلزم تكليف ما لا يطاق "ذاكرا" أي غير ناس "لصومه فسد صومه" في الصور السابقة كلها ويجب القضاء إن كان واجبا "وإن كان مكرها أو ناسيا لم يفسد" صومه وأجزأه لقوله عليه السلام "عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولحديث أبي هريرة مرفوعا "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب ,
وإن طار إلى حلقه ذباب أوغبار أو قطر في إحليله أو فكر فأنزل
--------------------------------------
فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" متفق عليه وللدار قطني معناه وزاد "ولا قضاء" وللحاكم وقال على شرط مسلم "من أكل في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة" .
وظاهره: أنه لا فرق بين الوعيد والإلجاء نص عليه كالناسي بل أولى بدليل الإتلاف ويدخل فيه النائم إذا فعل به شيء بل هو كالناسي لعدم قصده.
وقال ابن عقيل يحتمل عندي أنه يفطر بالوعيد لأنه فعل دفعا للضرر عن نفسه فيه كالمريض ولو أوجر المغمى عليه معالجة لم يفطر وقيل بلى لرضاه ظاهرا فكأنه قصده وكالجاهل بالتحريم نص عليه في الحجامة وكالجهل بالوقت والنسيان يكثر.
وفي الهداية والتبصرة لا فطر لعدم تعمده المفسد كالناسي وجمع بينهما في الكافي بعدم التأثيم.
فرع: من أراد الفطر فيه بأكل أو شرب وهو ناس أو جاهل فهل يجب إعلامه فيه وجهان قال في الفروع ويتوجه ثالث إعلام جاهل لا ناس وفيه شيء.
"وإن طار إلى حلقه ذباب" لم يفطر خلافا للحسن بن صالح "أو غبار" من طريق أو دقيق أو دخان فكالنائم وقيل في حق الماشي وقيل في حق النخال والوقاد "أو قطر في إحليله" هنا نص عليه لعدم المنفذ وإنما يخرج البول رشحا لمداواة جرح عميق لم ينفذ إلى الجوف وقيل بينهما منفذ كمن وضع في فيه ما لم يتحقق نزوله في حلقه.
وقيل يفطر إن وصل مثانة وهي العضو الذي يجتمع فيه البول
"أو فكر" فأنزل لقوله عليه السلام "عفي لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به" ولأنه لا نص فيه ولا إجماع.
أوذرعه القيء أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه أو اغتسل.
-------------------------------------
وقياسه على تكرار النظر لا يصح لأنه دونه في استدعاء الشهوة وإفضائه إلى الإنزال وسواء أنزل منيا أو مذيا واختار أبو حفص العكبري وابن عقيل أنه يفسد لأن الفكرة تستحضر فيدخل تحت الاختيار أما لو خطر بقلبه صورة في مباشرته نهارا لم يفطر وظاهره ولو وطئ قرب الفجر ويشبهه من اكتحل إذن.
"أو ذرعه القيء" للخبر ولخروجه بغير اختيار أشبه المكره ولو عاد إلى جوفه بغير اختياره ولو أعاد عمدا ولم يملأ الفم أو قاء ما لا يفطر به ثم أعاده أفطر كتلفه بعد انفصاله عن الفم.
"أو أصبح وفي فيه طعام فلفظه" أي رماه لعدم إمكان التحرز منه ولا يخلو منه صائم غالبا فإن شق رميه فبلعه مع ريقه بغير قصد أو جرى ريقه ببقية طعام تعذر رميه أو بلع ريقه عادة لم يفطر وإن أمكنه لفظه بأن تميز عن ريقه فبلعه عمدا أفطر ولو دون الحمصة.
"أو اغتسل" لأنه عليه السلام كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم متفق عليه من حديث عائشة وأم سلمة ولأن الله أباح الجماع وغيره إلى طلوع الفجر فيلزم جواز الإصباح جنبا احتج به ربيعة والشافعي لكن يسن له أن يغتسل قبل الفجر وعليه يحمل نهيه عليه السلام أو أنه منسوخ ولهذا لما أخبر بقول عائشة وأم سلمة فقال هما أعلم بذلك إنما حدثنيه الفضل بن عباس متفق عليه.
قال سعيد بن المسيب رجع أبو هريرة عن فتياه.
فإن أخره يوما صح وأثم والحائض كالجنب إذا انقطع دمها ليلا ونوته ونقل صالح في الحائض تؤخره بعد الفجر قال تقضي وهو قريب من قول عروة وطاووس في الجنب
فائد: لا يكره للصائم أن يغتسل قال المجد لأن فيه إزالة الضجر من
أو تمضمض أو استنشق فدخل الماء حلقه لم يفسد صومه وإن زاد على الثلاث أو بالغ فيهما فعلى وجهين ومن أكل شاكا في طلوع الفجر فلا قضاء عليه وإن أكل شاكا في غروب الشمس فعليه القضاء
---------------------------------
العبادة كالجلوس في الظل البارد وغوصه في الماء كصبه عليه ونقل حنبل لا بأس به إذا لم يخف أن يدخل الماء حلقه أو مسامعه.
"أو تمضمض أو استنشق" في الوضوء ف"دخل الماء حلقه" لأنه واصل بغير قصد أشبه الذباب فإن كان لنجاسة فكالوضوء "لم يفسد صومه" لما ذكرنا "وإن زاد على الثلاث" في أحدهما "أوبالغ فيهما" فدخل الماء حلقه "فعلى وجهين" كذا في الكافي والمحرر والفروع أحدهما: لا يفطر جزم به في الوجيز لأنه واصل بغير اختياره.
والثاني: بلى لأنه فعل مكروها تعرض به إلى إيصال الماء إلى حلقه أشبه الإنزال بالمباشرة واختار المجد يبطل بالمبالغة للنهي الخاص وعدم ندرة الوصول فيها بخلاف المجاوزة وأنه ظاهر كلام أحمد في المجاوزة يعجبني أن يعيد فإن تمضمض أو استنشق عبثا أو لحر أو عطش كره نص عليه.
وفي الفطر به الخلاف في الزائد على الثلاث وكذا إن غاص في الماء من غير غسل مشروع أو إسراف أو كان عابثا حكمه حكم الداخل من الحلق من المبالغة والمجاوزة وقال المجد إن فعله لغرض صحيح فكالمضمضة المشروعة وإن كان عبثا فكالمجاوزة.
"ومن أكل شاكا في طلوع الفجر" ولم يتبين له الحال "فلا قضاء عليه" لظاهر الآية ولأن الأصل بقاء الليل فيكون زمان الشك منه وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر نص عليه فلو أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلا ولم يجدد نية صومه الواجب قضى جزم به بعضهم
"وإن أكل شاكا في غروب الشمس" ودام شكه أو أكل فظن بقاء النهار "فعليه القضاء" لأن الأصل بقاء النهار فإن بان ليلا لم يقض وكذا إن أكل
وإن أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا فعليه القضاء.
فصل:
وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبرا فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا
---------------------------------
فظن الغروب ثم شك بعد الأكل ولم يتبين لأنه لم يوجد يقين أزال الظن الذي بني عليه كالصلاة.
"وإن أكل معتقدا" أو ظانا "أنه ليل فبان نهارا" في أوله أو آخره كمن يعتقد أن الشمس غابت ولم تغب أو أن الفجر لم يطلع وقد طلع "فعليه القضاء" وفاقا لأن الله تعالى أمر بإتمام الصوم ولم يتمه وقالت أسماء أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس قيل لهشام بن عروة وهو راوي الحديث أمروا بالقضاء قال لا بد من قضاء رواه أحمد والبخاري ولأنه جهل وقت الصوم كالجهل بأول رمضان وعنه لا قضاء على من جامع جاهلا بالوقت واختاره الشيخ تقي الدين وقال هو قياس أصول أحمد وغيره فيتوجه هنا مثله.
فرع: إذا أكل ناسيا وظن أنه قد أفطر فأكل عمدا فيتوجه أنها مسألة: الجاهل بالحكم فيه الخلاف السابق فلو جامع بعده نسيانا واعتقد الفطر به فكالناسي والمخطئ إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر في الأشهر.
فصل:
"وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبرا فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا" وفيه أمور.
الأولى: أن الجماع في نهار رمضان بلا عذر مفسد له لقوله تعالى {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} الآية فدلت أن الصيام المأمور بإتمامه ترك الوطء والأكل فإذا وجد فيه الجماع لم يتم فيكون باطلا.
وعنه لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان.
---------------------------------
والمكره كالمختار في ظاهر المذهب.
وشرطه أن يكون بذكر أصلي في فرج أصلي قبلا كان أو دبرا من ذكر أو أنثى حر أو ميت أنزل أو لا لأنه في مظنة الإنزال أو لأنه باطن كالدبر فلو أولج خنثى مشكل ذكره في قبل خنثى مشكل أو قبل امرأة أو أولج رجل ذكره في قبل خنثى مشكل لم يفسد صوم واحد منهما إلا أن ينزل كالغسل وكذا إذا أنزل مجبوب أو امرأتان بمساحقة
الثانية: أنه يجب عليه القضاء عن كل يوم مثله في قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام للمجامع "وصم يوما مكانه" رواه أبو داود والأثرم وكما لو أفسده بالأكل.
الثالثة: عليه الكفارة لحديث الأعرابي وقال النخعي وغيره لا كفارة عليه لأنها عبادة لا تجب الكفارة بإفساد قضائها فلم تجب بإفساد أدائها كالصلاة.
وجوابه بأن الأداء يتعلق بزمن مخصوص يتعين به والقضاء محله الذمة والصلاة لا يدخل في جبرانها المال بخلافه هنا.
الرابعة: الساهي كالعامد في وجوب ذلك نقله الجماعة وهو اختيار أكثر الأصحاب لأنه عليه السلام لم يستفصل الأعرابي بين أن يكون ساهيا أو عامدا ولو اختلف الحكم لاستفصله وبذلك استدل أحمد ولأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز والسؤال معاد في الجواب كأنه قال إذا واقعت في صوم رمضان فكفر ولأنه عبادة يحرم الوطء فيها فاستوى عمده وسهوه كالحج.
"وعنه: لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان" اختاره ابن بطه للخبر في العفو عن ذلك ولأن الكفارة لرفع الإثم وهي منحطة عنهما وعنه ولا يقضي اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين وحكاه في شرح مسلم
ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه؟ على روايتين.
---------------------------
قول جمهور العلماء كالأكل.
تنبيه: إذا جامع يعتقده ليلا فبان نهارا فجزم الأكثر بوجوب القضاء وعنه عكسه اختاره الشيخ تقي الدين ويأتي رواية ابن القاسم واختار الأصحاب أنه يكفر قال المجد وأنه قياس من أوجبها على الناسي وأولى.
والثانية: لا يكفر وقالها أكثر العلماء وعليها إن علم في الجماع أنه نهار ودام عالما بالتحريم لزمته الكفارة فلو جامع ليلا وطلع عليه الفجر وهو مجامع واستدام فعليه القضاء والكفارة وإن نزع في الحال مع أول طلوعه وكذلك اختاره ابن حامد والقاضي لأن النزع جماع يلتذ به كالجماع واختار أبو حفص عكسه.
وقال ابن أبي موسى يقضي قولا واحدا وفي الكفارة خلاف.
"ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر" كالإكراه والنسيان لأنها معذورة ولعموم ما سبق وذكر القاضي وغيره أنها إذا جامعت ناسية أن حكمها حكم الرجل وعنه أنها تكفر وخرجها القاضي من الحج.
وعنه: يرجع بها على الزوج لأنه الملجئ لها إلى ذلك وعلم منه أنه يفسد صومها ويجب عليها القضاء قال في الشرح بغير خلاف نعلمه من المذهب لأنه نوع من المفطرات فاستوى فيه الرجل والمرأة كالأكل نص عليه في المكرهة.
وعنه: لا وقيل يفسد إن فعلت إلا المقهورة والنائمة وأفسد ابن أبي موسى صوم غير النائمة لحصول مقصود الوطء لها قال في الفروع ويتخرج أن لا يفسد صومها مع النسيان وإن فسد صومه وكذا الجاهلة ونحوها.
"وهل يلزمها مع عدمه على روايتين" كذا في المحرر إحداهما: يلزمها الكفارة اختارها أبو بكر وقدمها في الفروع وهي أصح لأنها هتكت صوم رمضان بالجماع فلزمتها الكفارة كالرجل والثانية: لا وجزم بها في الوجيز ,
وعنه كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا كفارة وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان وإن جامع دون الفرج فأنزل.
---------------------------
لأن الشارع لم يأمرها بها وكفطرها بتغييب بعض الحشفة بعد سبق جماعها المعتبر.
وأجيب بأن في لفظ الدارقطني "هلكت وأهلكت" فيدل على أنها كانت مكرهة وبأن ذلك البعض ليس له حكم الباطن والخوف وعنه كفارة واحدة خرجها أبو الخطاب من الحج وضعفه جماعة بأن الأصل عدم التداخل فلو كانت من أهل العتق وهو من أهل الإطعام وقلنا بالتحمل خير بينهما وقيل يطعم عن نفسه ويبقى العتق في ذمته حتى يقدر عليه فيعتق عنها.
فرع: إذا أكرهها على الوطء فيه دفعته بالأسهل فالأسهل ولو أفضى إلى نفسه كالمار بين يدي المصلي ذكره ابن عقيل.
"وعنه: كل أمر غلب عليه الصائم" كما لو غصبها نفسها فجامعها أو انتشر ذكره وهو نائم فاستدخلته "فليس عليه قضاء ولا كفارة" نقلها ابن القاسم عنه لأنه لم يوجد منه فعل فلم يجبا كما لو صب في حلقه ماء أو طار إلى حلقه ذباب.
"و" قال المؤلف والأصحاب "هذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان" قال ابن عقيل في مفرداته الصحيح في الأكل و الوطء إذا غلب عليهما لا يفسدان فأنا أخرج من الوطء رواية من الأكل وعكسه.
"وقيل: يقضي من فعل لا من فعل به من نائم وغيره وقيل لا قضاء مع النوم فقط لعدم حصول مقصوده.
"وإن جامع دون الفرج" كمن وطئ امرأته في فخذها أو صرتها عامدا وقيل أو ناسيا اختاره الأكثر "فأنزل" وفي الفروع فأمنى وهى أولى فسد صومه لأنه إذا فسد باللمس مع الإنزال ففي المجامعة بطريق الأولى ,
أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر وفي الكفارة وجهان وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل تلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين.
-----------------------------
وظاهره أنه إذا لم ينزل لا يفسد كاللمس "أو وطئ بهيمة في الفرج أفطر" لأنه وطئ في فرج أشبه وطء الآدمية في فرجها ولم يقيده بالإنزال لإقامة المظنة مقام الحقيقة.
"وفي الكفارة وجهان" ذكرهما أبو الخطاب في وطء البهيمة بناء على الحد وقال ابن شهاب لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة.
أحدهما: يجب اختاره الخرقي وأبو بكر والأكثر كالوطء في الفرج والفرق واضح والناسي كالعامد صرح به جماعة وفي المغني والشرح والروضة عامدا وظاهره لا فرق بين الميتة والحية في الأشهر.
والثاني: لا كفارة عليه اختاره صاحب النصيحة والمغني والشرح والفروع لأنه فطر بغير جماع تام أشبه القبلة.
"وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة" لأنه أفطر يوما من رمضان بجماع فلزمته كما لو قبلت شهادته.
"وإن جامع في ويومين و لم يكفر فهل تلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين".
أحدهما: تجزئه واحدة وهو ظاهر الخرقي واختاره أبو بكر وابن أبي موسى كما لو كانا في يوم واحد كالحدود.
والثاني: تعدد الكفارة بتعدد الأيام اختاره الأكثر وهو المذهب وحكاه ابن عبد البر عن أحمد لأن كل يوم عبادة وكيومين من رمضانين وكالحجتين وظاهره أنه إذا كفر عن الأول كفر عن الثاني وذكره ابن عبد البر إجماعا قال المجد فعلى قولنا بالتداخل لو كفر بالعتق في اليوم الأول عنه ثم في اليوم الثاني
وإن جامع ثم كفر ثم جامع فعليه كفارة ثانية نص عليه وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع.
------------------------------
عنه ثم استحقت الرقبة الأولى لم يلزمه بدلها وأجزأته الثانية عنهما.
ولو استحقت الثانية وحدها لزمه بدلها ولو استحقتا جميعا أجزأه بدلها رقبة واحدة لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجب الأول ونية التعيين لا تعتبر فتلغو وتصير كنية مطلقة هذا قياس مذهبنا.
"وإن جامع ثم كفر ثم جامع" في يومه "فعليه كفارة ثانية نص عليه" في رواية حنبل والميموني لأنه وطء محرم وقد تكرر فتكرر هي كالحج بخلاف الوطء ليلا فإنه مباح لا يقال الوطء الأول تضمن هتك الصوم وهو مؤثر في الإيجاب فلا يصح القياس لأنه ملغى بمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فاستدام فإنها تلزمه مع عدم الهتك له وذكر الحلواني رواية لا كفارة.
وخرجه ابن عقيل من أن الشهر عبادة واحدة وعلم منه أنه إذا لم يكفر عن الأول فإنه تكفيه واحدة بغير خلاف قاله في المغني والشرح وفي الفروع على الأصح فعلى الأول تعدد الواجب وتداخل موجبه ذكره صاحب الفصول وغيره وعلى الثاني لم يجب بغير الوطء الأول شيء.
"وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع" أي كذا حكم كل مفطر يلزمه الإمساك كمن لم يعلم برؤية الهلال إلا بعد طلوع الفجر أو نسي النية أو أكل عامدا ثم جامع فتجب عليه الكفارة لهتكه حرمة الزمن به ولأنها تجب على المستديم للوطء ولا صوم هناك فكذا هنا. فمراده بالتشبيه وجوب الكفارة لا التكرار لكن نص أحمد في مسافر قدم مفطرا ثم جامع لا كفارة عليه وحمله القاضي وأبو الخطاب على رواية لا يلزمه الإمساك وحمله المجد على ظاهره وهو وجه لضعف هذا الإمساك لأنه سنة عند أكثر العلماء وفي تعليق القاضي وجه فيمن ترك النية وجامع لا
ولو جامع وهو صحيح ثم مرض أو جن أو سافر لم تسقط عنه وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع لا كفارة عليه وعنه عليه الكفارة ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان
---------------------------------
كفارة عليه وإن أكل ناسيا واعتقد الفطر به ثم جامع فكالناسي والمخطئ إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر في الأشهر.
"ولو جامع وهو صحيح ثم مرض أو جن أو سافر لم تسقط عنه" نص عليه فيما إذا مرض لأمره عليه السلام الأعرابي بالكفارة ولم يسأله ولأنه أفسد صوما واجبا من رمضان بجماع تام فاستقرت عليه الكفارة كما لو لم يطرأ العذر.
لا يقال تبينا أن الصوم غير مستحق عند الجماع لأن الصادق لو أخبره أنه سيمرض أو يموت لم يجز الفطر والصوم لا تتحرى صحته بل لزومه كصائم صح أو أقام وحكم المرأة كذلك إذا حاضت أو نفست وفي الانتصار وجه يسقط بهما لمنعهما الصحة ومثلهما موت وكذا جنون إن منع طريانه الصحة.
"وإن نوى الصوم في سفره" فله الفطر بما شاء لفطره عليه السلام في الأخبار الصحيحة ولأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو "ثم جامع لا كفارة عليه" اختاره القاضي وأكثر أصحابه والمؤلف لأنه صوم لا يلزم المضي فيه فلم يجب كالتطوع لكن ذكر المؤلف وغيره أنه يفطر بنيته الفطر فيقع الجماع بعده.
"وعنه: عليه الكفارة" جزم بها بعضهم لأنه أفطر بجماع فلزمته كالحاظر وعنه لا يجوز له الفطر بالجماع لأنه لا يقوى على السفر وفي الكفارة روايتان لكن له الجماع بعد فطره بغيره كفطره بسبب مباح ونقل مهنا في المريض يفطر بأكل فقلت يجامع قال لا أدري. "ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان" لأنه لم يرد به نص ,
والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
---------------------------
وغيره لا يساويه وحكى في الرعاية قولا في قضائه إذا أفسده لأنها عبادة تجب الكفارة في أدائها فوجبت في قضائها كالحج وجوابه بأنه جامع في غير رمضان فلم يلزمه كالكفارة والقضاء يفارق الأداء لأنه متعين بزمان محترم فالجماع فيه هتك له.
وقيل: تجب الكفارة على من أكل أو شرب عمدا كالجماع وعنه في المحتجم إذا كان عالما بالنهي عليه الكفارة وهل هي كفارة الوطء أو مرضع فيه روايتان.
وفي القبلة وتكرار النظر إذا أنزل رواية أنها تجب الكفارة واختارها القاضي في تعليقه وحكم الاستمناء كالقبلة قاله في التلخيص واللمس كالوطء دون الفرج.
"والكفارة عتق رقبة" ويأتي سلامتها وكونها مؤمنة.
"فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا" هذا هو المذهب لما روى أبو هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هلكت يا رسول الله قال "ما أهلكك" قال وقعت على امرأتي في رمضان قال "هل تجد ما تعتق رقبة؟" قال لا قال "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال لا قال "فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟" قال لا ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال "تصدق بهذا" فقال على أفقر منا فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه فقال "اذهب فأطعمه أهلك" متفق عليه ولفظه لمسلم.
وهو ظاهر في الترتيب ولم يأمره بالانتقال إلا عند العجز وككفارة الظهار لكن لا يحرم هنا الوطء قبل التكفير ولا في ليالي صوم الكفارة ,
فإن لم يجد سقطت عنه وعنه لا تسقط وعنه : أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأ
--------------------------------
ذكره في الرعاية والتلخيص ككفارة القتل وحرمه ابن الحنبلي عقوبة.
وإن قدر على العتق وهو في الصيام لم يلزمه الانتقال عنه نص عليه "فإن لم يجد" شيئا "سقطت" الكفارة "عنه" نص عليه وقاله الأوزاعي لأنه عليه السلام لم يأمر الأعرابي بها أخيرا ولم يذكر له بقاءها في ذمته كصدقة الفطر زاد بعضهم "بالمال".
وقيل والصوم "وعنه: لا تسقط" وهو قول النووي والزهري لأنه عليه السلام أمر بها الأعرابي لما جاء العرق بعد ما أخبره بعسرته ولأنها واجبة فلم تسقط بالعجز عنها كسائر الكفارات قال في الفروع ولعل هذه الرواية أظهر قال بعضهم فلو كفر عنه غيره بإذنه وقيل أو دونها فله أخذها على الأصح وأطلق ابن أبي موسى هل يجوز له أكلها أم كان خاصا بالأعرابي على روايتين.
ويتوجه أنه عليه السلام رخص للأعرابي لحاجته ولم تكن كفارة وظاهره أن كفارة الظهار واليمين وكفارات الحج لا تسقط بالعجز عنها نص عليه لعموم الأدلة ولأنه القياس خولف في رمضان للأخبار وعنه تسقط كرمضان.
"وعنه: أن الكفارة على التخيير" بين العتق والصيام والإطعام "فبأيها كفر أجزأه" لما في الصحيحين من رواية مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر يوما من رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفر بعتق رقبة أو بصوم شهرين أو يطعم ستين مسكينا.
وفيهما من حديث ابن جريح عن الزهري نحوه وتابعهما أكثر من عشرة وفطره كان بجماع ولأنها تجب بالمخالفة فكانت على التخيير ككفارة اليمين والأولى أصح فرواه معمر ويونس والأوزاعي والليث وموسى بن عقبة
--------------------------------
وغيرهم قريب من ثلاثين رجلا رووه عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "هل تجد رقبة تعتقها؟" قال لا قال "هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟" قال لا قال "فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟" قال لا.
ذكر سائره وهذا لفظ الترتيب فالأخذ به أولى لأنها زيادة واحتمال الغلط منهما أكثر من احتماله في سائر أصحابه مع أن حديثنا لفظه عليه السلام وحديثهم لفظ الراوي فلعله توهم أن لا فرق بين اللفظين فرواه ب "أو".
باب مايكره للصائم فعله وما يحتسب
باب ما يكره للصائم فعله وما يستحب
وحكم القضاء
يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه وأن يبلع النخامة وهل يفطر بهما على روايتين.
--------------------------------
باب ما يكره للصائم فعله وما يستحب
وحكم القضاء
"يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه" لأنه اختلف في الفطر به وأقل أحواله أن يكون مكروها وظاهره ولو قصدا وبأنه إذا ابتلعه من غير جمع أنه لا يكره بغير خلاف لأنه لا يمكن التحرز منه كغبار الطريق
"و" يكره "أن يبلع النخامة" إذا حصلت في فيه للاختلاف في الفطر بها "وهل يفطر بهما؟" أي بكل من الريق المجموع و النخامة على روايتين لأنه غير واصل من خارج أشبه إذا لم يجمعه والثاني يفطر لأنه يمكن التحرز منه كغبار الدقيق فعليها يحرم فعله كما لو خرج إلى بين أصابعه أو شفتيه وفي منتهى الغاية ظاهر شفتيه ثم عاد فابتلعه فإنه يفطر كبلع ريق غيره.
لا يقال روى أبو داوود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها لضعف إسناده بل قال أبو داوود ليس بصحيح ويجوز أن
ويكره ذوق الطعام وإن وجد طعمه في حلقه أفطر ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء
----------------------------------
يكون مصه في غير حالة الصوم ولو سلم فيحمل على عدم ابتلاع ما عليه فلو أخرج من فيه حصاة أو درهما أو خيطا ثم أعاده فإن كثر ما عليه أفطر وإلا فلا في الأصح لعدم تحقق انفصاله ودخوله إلى حلقه كالمضمضة.
ولو أخرج لسانه ثم أعاده لم يفطر لان الريق لم ينفصل: عن محله واختار ابن عقيل خلافه "وأما النخامة" فكثير من أصحابنا أطلق الخلاف والمذهب أنه يفطر بها سواء كانت من جوفه أو صدره أو دماغه إذا وصلت إلى فيه وصرح في الفروع بالفطر بالتي من جوفه لأنها من غير الفم كالقيء والثانية لا يفطر نقلها المروذي لاعتيادها في الفم كالريق وعليهما ينبني التحريم.
فرع: إذا تجنس فمه بدم أو قيء ونحوه فبلعه أفطر نص عليه وإن قل لإمكان التحرز منه ولأن الفم في حكم الظاهر يقتضي حصر الفطر بكل واصل إليه لكن عفي عن الريق للمشقة وإن بصقه وبقي فمه نجسا فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من النجس أفطر به وإلا فلا.
"ويكره ذوق الطعام" لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه فيفطره وظاهره لا فرق بين أن يكون لحاجة أو غيرها قال أحمد أحب أن يجتنب ذوق الطعام فإن فعل فلا بأس والمنصوص عنه أنه لا بأس به لحاجة أو مصلحة وحكاه هو والبخاري عن ابن عباس
"إن وجد طعمه في حلقه أفطر" لأن وجود طعمه في حلقه دليل على وصول شيء من أجزائه وعلى المنصوص عليه أن يستقصي بالبصق ثم إن وجد طعمه في حلقه لم يفطر كالمضمضة وإلا فيفطر لتفريطه.
"ويكره مضغ العلك" القوي الذي كلما مضغته صلب وقوي الذي لا يتحلل منه أجزاء نص عليه لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش قال في الفروع ويتوجه احتمال لأنه روي عن عائشة وعطاء وكوضع الحصاة
ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء إلا أن لا يبلع ريقه ومتى وجد طعمه في حلقه أفطر وتكره القبلة إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته على إحدى الروايتين.
------------------------------
في فيه وهو أظهر
قال أحمد من وضع في فيه درهما أو دينارا لابأس به ما لم يجد طعمه في حلقه وإلا فلا يعجبني وقال عبد الله سألت أبي عن الصائم يفتل الخيط يعجبني أن يبزق.
"ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء" مطلقا إجماعا لأنه يكون قاصدا لإيصال شيء من خارج إلى جوفه مع الصوم وهو حرام "إلا أن لا يبلع ريقه" ذكره في المغني والشرح وهو ظاهر الوجيز لأن المحرم إدخال ذلك إلى جوفه ولم يوجد "ومتى وجد طعمه في حلقه أفطر" لأنه أوصله إلى جوفه أشبه ما لو تعمد أكله وهذا وجه.
والثاني: لا يفطر لأنه لم ينزل منه شيء ومجرد الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن قدمه بحنظل بخلاف الكحل فإن أجزاءه تصل إلى الحلق وقيل في تحريم ما لا يتحلل غالبا وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه وجهان وقيل يكره بلا حاجة.
"وتكره القبلة" لمن تحرك شهوته فقط لقول عائشة كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه متفق عليه ولفظه لمسلم وإذا منع الوطء منع دواعيه كالإحرام وعنه يحرم جزم به في المستوعب وغيره كما لو ظن الإنزال معها لفرط شهوته ذكره المجد بغير خلاف واقتصر عليه في الشرح أيضا فإن خرج منه شيء فقد سبق وإن لم يخرج منه شيء لم يفسد صومه إجماعا.
"إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته" كالشيخ الكبير فإنه لا يكره "على إحدى الروايتين" لأنها مباشرة لغير شهوة أشبهت لمس اليد لحاجة.
ويجب عليه اجتناب الكذب والغيبة والشتم.
----------------------------
والثانية: تكره لاحتمال حدوث الشهوة وكالإحرام وألحق في الكافي بالقبلة اللمس وتكرار النظر لأنهما في معناها وظاهره إن لمسها لغير شهوة لا يكره وفاقا كما إذا لمس يدها ليعرف موضعها ونحوه وكحالة الإحرام أشبه لمس ثوبها.
فرع: يكره أن يدع بقية طعام بين أسنانه وشم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسك وكافور ودهن ونحوه وقاله في المستوعب وغيره.
"يجب عليه اجتناب الكذب" وهو الإخبار بما لا يطابق المخبر عنه بخلاف الصدق "والغيبة" وهو ذكر الإنسان بما يكره بهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رواه مسلم "والشتم" وهو السب وما في معنى ذلك من النميمة والفحش إجماعا وفي رمضان ومكان فاضل آكد لقوله عليه السلام "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" رواه البخاري من حديث أبي هريرة ومعناه الزجر والتحذير. وظاهره: أنه لا يفطر بذلك.
قال أحمد: لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم.
وذكره المؤلف إجماعا وذكر الشيخ تقي الدين وجها يفطر بغيبة ونميمة ونحوهما قال في الفروع فيتوجه منه احتمال يفطر بكل محرم.
وقال أنس إذا اغتاب الصائم أفطر.
وعن إبراهيم قال كانوا يقولون الكذب يفطر الصائم.
وعن الأوزاعي أن من شاتم فسد صومه لظاهر النهي.
وذكر بعض أصحابنا رواية يفطر بسماع الغيبة وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة ومراد المؤلف بالاجتناب عما يحرم من ذلك فإنهم نصوا على إباحة
فإن شتم استحب أن يقول إني صائم.
فصل:
ويستحب تعجيل الإفطار.
--------------------------------
الكذب لغرض صحيح شرعي في مواضع وعلى إباحة الغيبة كالتظلم والاستفتاء والاستعانة على تغيير منكر والتحذير والتعريف والجرح.
وبالجملة فينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ولا يماري به لأنهم كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا ولا نعمل عملا يجرح به صومه قاله أحمد.
ويسن له تلاوة القرآن وكان مالك يترك أصحاب الحديث في شهر رمضان ويقبل على تلاوة القرآن.
وكان الشافعي يقرأ ستين ختمة.
والذكر قال إبراهيم تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة فيما سواه والصدقة للأخبار الواردة فيها.
"فإن شتم استحب أن يقول إني صائم" لما في الصحيح "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" متفق عليه من حديث أبي هريرة.
وظاهره: أنه يجهر بذلك واختاره الشيخ تقي الدين لأن القول المطلق باللسان وفي الرعاية يقوله مع نفسه ولا يطلع الناس عليه للرياء واختاره المجد إن كان في غير رمضان وإلا جهر به للأمن من الرياء وفيه زجر عن مشاتمته لأجل حرمة الوقت.
فصل:
"ويستحب تعجيل الإفطار" لما روى سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
وتأخير السحور.
--------------------------------
"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه والمراد إذا تحقق غروب الشمس إجماعا والمذهب أن له الفطر بغلبة الظن لأنهم أفطروا في عهده عليه السلام ثم طلعت الشمس. ولأن ما عليه أمارة يدخله الاجتهاد ويقبل فيه قول واحد كالقبلة خلافا لصاحب التلخيص فلم يجوزه إلا باليقين بخلاف أوله وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر حكما وإن لم يطعم وفي الخبر ما يدل على أنه يفطر شرعا فلا يثاب على الوصال ويحتمل أنه يجوز له الفطر وهو قبل الصلاة أفضل لفعله عليه السلام.
"وتأخير السحور" ما لم يخش طلوع الفجر الثاني قاله الأصحاب لأخبار منها:.
ما روى زيد بن ثابت قال تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت كم كان بينهما قال قدر خمسين آية متفق عليه.
ولأنه أقوى على الصوم والتحفظ من الخطأ والخروج من الخلاف وظاهره أنه يستحب ولو شك في الفجر ونقله أبو داوود عن الإمام أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه وجزم به ابن الجوزي يؤيده ما قال الآجري لو قال لعالمين ارقبا الفجر فقال أحدهما طلع وقال الآخر لا أكل حتى يتفقا وقاله جمع من الصحابة وغيرهم.
وتحصل الفضيلة بأكل أو شرب لحديث أبي سعيد "ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء" رواه أحمد وفيه ضعف وكمال فضيلته بالأكل لقوله عليه السلام "بيننا وبينهم أكلة السحر" رواه مسلم من حديث عمرو بن العاص.
وظاهر ما سبق: أنه لا يجب إمساك جزء من الليل من أوله وآخره وهو ظاهر كلام جماعة وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين وقطع آخرون بوجوبه لأنه
وأن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء وأن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم.
---------------------------------
مما لا يتم الواجب إلا به.
ولا يستحب تأخير الجماع وفاقا لأنه لا يتقوى به بل يكره مع الشك بخلاف الأكل والشرب نص على ذلك.
فائد: السحور بفتح السين ما يؤكل في السحر وبالضم اسم الفعل على الأشهر وقيل بالفتح والمراد في كلامه الفعل فيكون بالضم على الأصح.
"و" يستحب "أن يفطر على تمر فإن لم يجد فعلى الماء" لما روى سلمان بن عامر مرفوعا "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور" رواه أبو داوود والترمذي.
والمذهب أنه يقدم عليهما الرطب لحديث أنس المرفوع رواه الترمذي وقال حسن غريب واعتذر عنه ابن المنجا فقال إن الرطب لا يوجد في بلاد الشام.
وفي الوجيز أنه مخير بينها من غير تقديم لبعضها على بعض.
"وأن يقول عند فطره اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم" اقتصر عليه جماعة رواه الدار قطني من حديث أنس وابن عباس وفيهما تقبل منا وذكره أبو الخطاب وهو أولى.
وذكر بعضهم قول ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" رواه أبو داوود والدار قطني وحسن إسناده والحاكم وقال على شرط البخاري والعمل بهذا الخبر أولى ويدعو بما أحب لما روى أبو هريرة "ثلاثة لا ترد دعوتهم الإمام العادل ,
ويستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب
--------------------------
والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم" رواه الترمذي وحسنه وابن ماجه.
وله من حديث عبد الله بن عمر "وللصائم عند فطره دعوة ما ترد" .
"ويستحب التتابع في قضاء رمضان" وفاقا لأن القضاء يحكي الأداء وفيه خروج من الخلاف وأنجز لبراءة الذمة وظاهره لا فرق بين أن يكون أفطر بسبب محرم أو لا ويجب العزم على الفعل في قول الجمهور وفي الفروع يتوجه الخلاف كالصلاة.
"ولا يجب" في قول الأكثر قال البخاري قال ابن عباس لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} .
وعن ابن عمر مرفوعا "قضاء رمضان إن شاء فرق وإن شاء تابع" رواه الدار قطني وقال لم يسنده غير سفيان بن بشر قال المجد لا نعلم أحدا طعن فيه والزيادة من الثقة مقبولة ولأنه لا يتعلق بزمان معين فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق.
ويستثنى منه ما إذا لم يبق من شعبان إلا بقدره فيتعين ويقضي من فاته رمضان تاما أو ناقصا لعذر أو غيره عدد أيامه مطلقا في اختيار الأكثر كأعداد الصلوات.
وقال القاضي إن قضى شهرا هلاليا أجزأه مطلقا وإلا تمم ثلاثين يوما وهو ظاهر كلام أحمد ورده في المغني بأن القضاء يجب أن يكون بعدة ما فاته كالمريض والمسافر فعلى الأول من صام من أول شهر كامل أومن أثناء شهر تسعة وعشرين يوما وكان رمضان الفائت ناقصا أجزأه اعتبارا بعدد الأيام وعلى الثاني يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال أو العدد ثلاثين.
فصل:
ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر لغير عذر فإن فعل فعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم وإن أخره لعذر فلا شيء عليه.
------------------------------
فصل:
"ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر لغير عذر" نص عليه واحتج بقول عائشة كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه وكما لا يؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية فلا يجوز التطوع قبله ولا يصح وعنه بلى إن اتسع الوقت.
"فإن فعل" أي أخره بلا عذر حرم عليه لأن مقتضاه وجوب القضاء على الفور كالصلاة خولف في المعذور فيبقى ما عداه على الأصل.
وحينئذ "فعليه القضاء وإطعام مسكين" ما يجزئ في الكفارة "لكل يوم" رواه سعيد بإسناد جيد عن ابن عباس والدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة ورواه مرفوعا بإسناد ضعيف قال في الفروع ويتوجه احتمال لا يلزمه إطعام لظاهر قوله تعالى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} وكتأخير أداء رمضان عن وقته عمدا.
وذكر الطحاوي عن ابن عمر بإسناد فيه ضعف أنه يطعم بلا قضاء
وعلى الأول يجوز قبل القضاء ومعه وبعده لقول ابن عباس وقال المجد الأفضل عندنا تقديمه مسارعة إلى الخير وتخلصا من آفات التأخير وإذا تكرر رمضان لا يلزمه أكثر من فدية واحدة لأن كثرة التأخير لا يزاد بها الواجب كما لو أخر الحج الواجب سنين لم يكن عليه أكثر من فعله.
"وإن أخره" أي القضاء "لعذر" من مرض أو سفر أو عجز عنه "فلا شيء عليه" نص عليه وهو فول أكثر العلماء لأنه حق لله تعالى وجب
وإن مات وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين.
------------------------------
بالشرع فسقط بموت من يجب عليه قبل إمكان فعله إلى غير بدل كالحج.
وفي التلخيص رواية يطعم عنه كالشيخ الكبير وقاله طاووس وقتادة.
والفرق أنه يجوز ابتداء الوجوب عليه بخلاف الميت وقال في الانتصار يحتمل أن يجب الصوم عنه أو التكفير كمن نذر صوما.
"وإن مات" أبي إذا أخر القضاء لعذر ثم مات كمن أخر القضاء لعذر وهو حي أنه لا يجب عليه شيء لكن الميت يسقط عنه القضاء والكفارة والحي تسقط عنه الكفارة دون القضاء لإمكانه.
فلو دام عذره بين الرمضانين فلم يقض ثم زال صام الشهر الذي أدركه ثم قضى ما فاته من غير إطعام نص عليه.
"وإن أخره لغير عذر فمات قبل أن أدركه رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين" قاله أكثرهم رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعا بإسناد ضعيف والصحيح وقفه عليه.
وسئلت عائشة عن القضاء فقالت لا بل يطعم رواه سعيد بإسناد جيد ولأنه لا يدخله النيابة في الحياة فكذا بعد الموت كالصلاة.
"وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر" فأكثر "فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين" أحدهما: وهو المذهب نص عليه في رواية أبي داوود وجزم به في الوجيز أنه يطعم عنه بكل يوم مسكين لأنه بإخراج كفارة واحدة زال تفريطه بالتأخير أشبه ما لو مات من غير تفريط.
والثاني - وهو لأبي الخطاب- يطعم عنه لكل يوم فقيران لاجتماع التأخير والموت بعد التفريط.
ومن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور فعله عنه وليه.
-----------------------------
تنبيه: الإطعام من رأس المال أوصى به أولا وفي القضاء عن كل يوم يوم.
وقال الشيخ تقي الدين لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة وليس في الأدلة ما يخالفه وفيه نظر.
وإذا مات وعليه صوم شهر كفارة أطعم عنه وكذا لو مات وعليه صوم المتعة نص عليه لأن هذا الصوم وجب بأصل الشرع كقضاء رمضان فلو صام عن كفارة ميت لم يجزئه وإن أوصى به نص عليه.
وإن كان موته بعد قدرته عليه وقلنا الاعتبار بحالة الوجوب أطعم عنه ثلاثة مساكين لكل يوم مسكين ذكره القاضي.
"ومن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور" هو راجع إلى الكل ولو قال بنذر ك الوجيز لكان أظهر "فعله عنه وليه" وفيه أمور:.
الأولى: صوم النذر عن الميت هو كقضاء رمضان لما في الصحيحين أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها قال "نعم"
ولأن النيابة تدخل في العبادة بحسب خفتها وهو أخف حكما من الواجب بأصل الشرع لإيجابه من نفسه.
ويفعله الولي نص عليه وعليه الأصحاب فإن صام غيره جاز مطلقا جزم به الأكثر لأنه تبرع وقد شبهه عليه السلام بالدين وظاهر نصه في رواية حرب أنه لا يصح إلا بإذنه لأنه خلاف القياس فيقتصر على النص.
وإن صام عنه جماعة في يوم فنقل أبو طالب يصوم واحد فمنع الاشتراك كالحجة المنذورة وعن الحسن وطاووس جوازه وهو أظهر وكما لو أوصى بثلاث حجج جاز صرفها إلى ثلاثة في عام يحجون عنه وجزم ابن عقيل بمنعه لأن
----------------------------
نائبه مثله وظاهر كلامهم أنه يستحب للولي فعله لتفريغ ذمته.
وليس بواجب كالدين لا يلزمه إذا لم يخلف تركة ويفعله أقرب الناس إليه كابنه فإن خلف تركة فإن شاء صام وإن شاء دفع إلى من يصوم عنه عن كل يوم مسكينا.
وذكر المؤلف أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت بخلاف رمضان ولا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام وهذا كله فيمن أمكنه صوم نذره فلم يصمه فلو أمكنه صوم بعضه قضى عنه ما أمكنه صومه فقط ذكره القاضي وغيره لأن رمضان يعتبر فيه إمكان الأداء والنذر يحمل على أصله في الفرض.
الثانية: إذا مات وعليه حج منذور فعل عنه نص عليه لما روى ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال "نعم حجي عنها" رواه البخاري ولأنه منذور فكان للولي فعله كالصوم.
وعليه: لا يعتبر تمكنه منه قبل موته لظاهر الخبر وكنذر الصدقة والعتق وقيل يعتبر كحجة الإسلام وهل لغيره فعله بإذنه أو مطلقا على الخلاف.
فرع: العمرة في ذلك كالحج.
الثالثة: إذا مات وعليه اعتكاف منذور فعل عنه نقله الجماعة لقول سعد ابن عبادة إن أمي ماتت وعليها نذر لم تقضه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اقضه عنها" رواه أبو داوود وغيره بإسناد صحيح من حديث ابن عباس ومعناه متفق عليه وروي عن عائشة وابن عمر وابن عباس ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة وكالصوم.
وقيل: لا تصح فيهما ذكره في الرعاية فيخرج عنه كفارة يمين ويحتمل أن يطعم عنه لكل يوم مسكين ولو لم يوص به ولا يكون من ثلثه.
وإن مات وعليه صلاة منذورة فعلى روايتين.
-------------------------------
وعلى الأول إن لم يمكنه فعله حتى مات فالخلاف كالصوم قيل يقضي وقيل لا.
"وإن مات وعليه صلاة منذورة فعلى روايتين" كذا في المحرر و المستوعب إحداهما: ونقلها الجماعة وصححها ابن المنجا وقدمها في الفروع أنها لا تفعل عنه لأنها عبادة بدنية محضة لا يخلفها مال ولا تجب بإفساده.
والثانية: نقلها حرب واختارها الأكثر وصححها القاضي وجزم بها في الوجيز أنها تفعل عنه كالصوم وعلى هذا تصح وصيته بها وحيث جاز فعل الصوم فلا كفارة مع فعله لظاهر النصوص وإلا أخرج عنه كفارة يمين لترك النذر
قال المجد إن كان قد فرط وإلا ففيها الروايتان فيمن نذر صوم شهر بعينه فلم يصمه لأن فوات أيام الحياة فيما إذا أطلق كفوات الوقت المعين إذا عين فلو نذر الطواف فقال في الفروع ظاهر كلامهم أنه كالصلاة وظاهره أن صلاة الفرض لا تفعل وذكره القاضي عياض إجماعا أنه لا يصلى عنه فائتة.
باب صوم التطوع
وأفضله صيام داوود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما.
-------------------------------
باب صوم التطوعوفيه فضل عظيم وفي الحديث الصحيح "كل من عمل ابن ادم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فيقول الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وهذه الإضافة للتشريف والتعظيم.
"وأفضله صيام داوود كان يصوم يوما ويفطر يوما" لأمره عليه السلام
ويستحب صيام أيام البيض وصوم الاثنين والخميس ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر.
----------------------------
عبد الله بن عمرو قال "هو أفضل الصيام" قال فإني أطيق أفضل من ذلك فقال "لا أفضل من ذلك" متفق عليه وشرطه أن لا يضعف البدن حتى يعجز عما هو أفضل من القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده اللازمة فإن أضعف عن شيء من ذلك كان تركه أفضل ولهذا أشار الصادق في حق داوود عليهما السلام "ولا يفر إذا لاقى" فمن حق النفس اللطف بها حتى توصل صاحبها إلى المنزل.
"ويستحب صيام" ثلاثة أيام من كل شهر بغير خلاف نعلمه والأفضل أن يجعلها "أيام البيض" نص عليه لما روى أبو ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" رواه الترمذي وحسنه سميت بيضا لابيضاض ليلها كله بالقمر وقيل لأن الله تعالى تاب على آدم وبيض فيها صحيفته وحكى الماوردي الثاني عشر بدل الخامس عشر.
وقيل: هي أول الشهر وعاشره و عشرونه ولم يتعرض أصحابنا باستحباب السود وهي الثامن والعشرون وتالياه وصرح الماوردي باستحبابه.
"وصوم الاثنين والخميس" نص عليه لما روى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "هما يومان تعرض الأعمال فيهما على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" رواه أحمد والنسائي وسميا به لأن الأول ثاني الأسبوع والآخر خامسه.
"ومن صام رمضان واتبعه بست من شوال" كذا في النسخ بغير تاء والمراد الأيام لأن العرب تغلب في التاريخ الليالي على الأيام كان "كصيام الدهر" كذا أخرجه مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري مرفوعا من رواية سعد بن سعيد ضعفه أحمد وقواه آخرون.
وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة
--------------------------
وقال ابن عيينة وإليه مال أحمد إنه موقوف ورواه أحمد من حديث جابر مرفوعا وكذا من حديث ثوبان وفيه "ستة أيام بعد الفطر" ولا شك أن الفضل حصل به بخلاف يوم الشك لا يقال لا دلالة في الخبر على فضيلتها لكونه شبه صيامها بصيام الدهر وهو مكروه لأنه إنما كره صومه لما فيه من الضعف والتشبه بالتبتل ولولا ذلك لكان من أعظم الطاعات لاستغراقه الزمن بالعبادة.
والمراد بالخبر التشبيه في حصول العبادة به على وجه لا مشقة فيه كما في أيام البيض وتحصل فضيلتها بالتتابع والتفرق عند أحمد وظاهر الخرقي وغيره استحباب تتابعهما وبعضهم استحبها عقب العيد واستحبها جماعة وهو أظهر قال في الفروع ولعله مراد أحمد والأصحاب لما فيه من المسارعة إلى الخير.
وروى الطبراني من حديث أبي هريرة مرفوعا "من صام ستة أيام بعد الفطر متتابعة فكأنما صام السنة" وفي الفروع احتمال أن الفضيلة تحصل بصومها في غير شوال وذكره القرطبي قال لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم فيه لاعتياده وفيه نظر.
وظاهره: أنه لا يستحب صيامها إلا لمن صام رمضان وقاله أحمد والأصحاب لكن ذكر في الفروع أن فضيلتها تحصل لمن صامها وقضاء رمضان وقد أفطر لعذر ولعله مراد الأصحاب وفيه شيء.
"وصيام يوم عاشوراء" بالمد في الأشهر وهو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية قاله ابن دريد وهو اليوم العاشر من المحرم في قول أكثر العلماء ورواه الترمذي مرفوعا وصححه وقال ابن عباس هو التاسع.
"كفارة سنة" ماضية للخبر ويستحب معه صوم التاسع لما روى الخلال بإسناد جيد عن ابن عباس مرفوعا "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع
ويوم عرفة كفارة سنتين ولا يستحب لمن كان بعرفة.
---------------------------
والعاشر" واحتج به أحمد وقال إن اشتبه عليه أول الشهر صام ثلاثة أيام ليتيقن صومهما. وظاهره: أنه لا يكره إفراد العاشر بالصوم وهو المذهب وقال الشيخ تقي الدين مقتضى كلام أحمد الكراهة وهي قول ابن عباس ولم يجب صومه في وقول أصحابنا وعنه وجب ثم نسخ اختاره الشيخ تقي الدين ومال إليه المؤلف وقاله الأصوليون.
فائد: ينبغي فيه التوسعة على العيال سأل ابن منصور أحمد عنه قال نعم رواه سفيان بن عيينة عن جعفر الأحمر عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر وكان من أفضل زمانه أنه بلغه أن من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته قال ابن عيينة قد جربنا منذ خمسين سنة أو ستين فما رأينا إلا خيرا.
"ويوم عرفة" وهو التاسع من ذي الحجة سمي به للوقوف بعرفة وتعارفهم فيها وقيل لأن جبريل عرف إبراهيم الحج وقيل للرؤيا التي رآها وقيل لتعارف آدم وحواء بها.
"كفارة سنتين" لما روى أبو قتادة مرفوعا قال "صيام عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" وقال في صيام عاشوراء "إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه مسلم ولعل مضاعفة التكفير على عاشوراء لأن نبينا عليه السلام أعطيه.
والمراد به تكفير الصغائر حكاه في شرح مسلم عن العلماء فإن لم يكن له صغائر رجي التخفيف من الكبائر فإن لم يكن رفعت له درجات.
"ولا يستحب" صومه "لمن كان بعرفة" لما روت أم الفضل أنها أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه متفق عليه وأخبر ابن عمر
ويستحب صوم عشر ذي الحجة
وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ويكره إفراد رجب بالصوم.
-----------------------------
أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر ثم عمر ثم عثمان فلم يصمه أحد منهم ولأنه يضعف عن الدعاء فكان تركه أفضل.
وقيل: لأنهم أضياف الله وزواره وكرهه جماعة للنهي عنه في حديث أبي هريرة رواه أحمد وابن ماجه واختار الآجري أنه يستحب إلا أن يضعفه عن الدعاء وحكاه الخطابي عن إمامنا نحوه.
قال المجد: وهذا المتمتع والقارن إذا عدما الهدي وسيأتي.
"ويستحب صوم عشر ذي الحجة" لما روى ابن عباس مرفوعا قال "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه" لأيام العشرة قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال "ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" رواه البخاري والمراد به تسعة وإطلاق العشر عليها تغليبا وآكده التاسع ثم الثامن ووهم بعضهم فعكس وظاهر المحرر أنهما سواء.
"وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم من حديث أبي هريرة وأضافه إلى الله تعالى تفخيما وتعظيما ك {نَاقَة اللَّه} ولم يكثر عليه السلام الصوم فيه إما لعذر أو لم يعلم فضله إلا أخيرا.
والمراد أفضل شهر تطوع به كاملا بعد رمضان شهر الله المحرم لأن بعض التطوع قد يكون أفضل من أيامه كعرفة وعشر ذي الحجة فالتطوع المطلق أفضله المحرم كما أن أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل وآكده عاشوراء ثم تاسوعاء ثم العشر الأول وهو أفضل الأشهر قاله الحسن ورجحه بعض الفقهاء.
"ويكره إفراد رجب بالصوم" لما روى ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيامه وفيه داوود بن عطاء وقد ضعفه أحمد وغيره ولأن فيه
وإفراد يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الشك
------------------------------
إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه ولهذا صح عن عمر أنه كان يضرب فيه ويقول كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية فلو أفطر منه أو صام معه غيره زالت الكراهة
وظاهره: أنه لا يكره إفراد شهر غيره اتفاقا لأنه عليه السلام كان يصوم شعبان ورمضان والمراد أحيانا ولم يداوم كاملا على غير رمضان فدل أنه لا يستحب صوم رجب وشعبان في قول الأكثر واستحبه في الإرشاد.
"وإفراد يوم الجمعة" نص عليه لحديث أبي هريرة "لا تصوموا يوم الجمعة وإلا وقبله يوم وبعده يوم" متفق عليه ولمسلم "لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"
قال الداوودي لم يبلغ مالكا الحديث ويحمل ما روي من صومه والترغيب فيه على صومه مع غيره فلا تعارض.
"ويوم السبت" ذكره أصحابنا لحديث عبد الله ابن بشر عن أخته الصماء "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم" رواه أحمد حدثنا أبو عاصم حدثنا ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله فذكره وإسناده جيد والحاكم وقال على شرط البخاري ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم.
واختار الشيخ تقي الدين وهو ظاهر كلام الآجري أنه لا يكره وهو قول أكثر العلماء وحملوا الحديث على الشذوذ أو أنه منسوخ.
"ويوم الشك" لقول عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه أبو داوود و الترمذي وصححه وهو للبخاري تعليقا وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يكن في السماء علة ولم يتراء الناس الهلال
وقال القاضي و الأكثر أو شهد به من ردت شهادته قال أو كان في
ويوم النيروز والمهرجان إلا أن يوافق عادة ولا يجوز صوم يومي العيدين عن فرض ولا تطوع
---------------------
السماء علة وقلنا لا يجب صومه وقيل يحرم صومه ولا يصح اختاره ابن البنا وأبو الخطاب والمجد وغيرهم للنهي وحكى الخطابي عن أحمد لا يكره حملا للنهي على صومه من رمضان ولا يكره مع عادة أوصلته بما قبل النصف وفاقا وبعده الخلاف السابق.
ولا عن واجب لجواز النفل المعتاد فيه همام كغيره وعنه يكره صومه قضاء جزم به جماعة فيتوجه طرده في كل واجب للشك في براءة الذمة.
"و"يكره "يوم النيروز والمهرجان" هما عيدان للكفار قال الزمخشري النيروز اليوم الرابع من شهر الربيع والمهرجان اليوم التاسع عشر من الخريف لما فيه من موافقة الكفار من تعظيمهما واختار المجد عدمها لأنهم لا يعظمونه بالصوم كالأحد وعلى الأول يكره صوم كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم ذكره الشيخان.
"إلا أن يوافق عادة" هو راجع إلى صوم يوم الجمعة لأن العادة لها أثر في ذلك لقوله عليه السلام "لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه" متفق عليه.
مسألة: يكره الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين أو الأيام في قول أكثر العلماء إلا من النبي صلى الله عليه وسلم فمباح له ولا يكره إلى السحر نص عليه وتركه أولى.
"ولا يجوز صوم يومي العيدين" إجماعا للنهي المتفق عليه من حديث عمر وأبي هريرة "عن فرض ولا تطوع" لما ذكرنا لأنه ظاهر في التحريم وعنه يصح مع التحريم لأنه إنما نهى عنه لأنهم أضياف الله وقد دعاهم فالصوم ترك إجابة الداعي ومثله لا يمنع الصحة بخلاف النفل لأن الغرض به الثواب فنافته المعصية .
وإن قصد صيامهما كان عاصيا ولم يجزئه عن فرض ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا وفي وصومها عن فرض روايتان.
--------------------------
ولهذا لم يصح النفل في غصب وفي الواضح رواية يصح عن نذره المعين والأول أصح لما روى مسلم من حديث أبي سعيد "لا يصلح الصيام في يومين" .
"وإن قصد صيامهما كان عاصيا" لأنه تعمد فعل الحرام وظاهره أنه لا يعصي حيث فقد القصد لأنه لم يتعمد المخالفة فلم يوصف به "ولم يجزئه عن فرض" لأن النهي يقتضي الفساد وهو لا يجامع إلا الإجزاء وحكم التطوع كذلك.
"ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا" لما روى مسلم عن نبيشة الهذلي مرفوعا "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" ولأحمد النهي عن صومها من حديث أبي هريرة وسعد بإسنادين ضعيفين.
ومن صامها أو رخص فيه فلم يبلغه النهي قال المجد أو تأوله على إفرادها كيوم الشك. "وفي وصومها عن فرض روايتان" إحداهما لا يصح اختارها الخرقي وابن أبي موسى والقاضي وجزم بها في الوجيز للعموم.
والثانية: يصح قدمها في المحرر لقول ابن عمر وعائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري والباقي في معناه فيلحق به.
وأجاب القاضي: بأنه خاص مختلف فيه والأول عام متفق عليه فيقدم على المختلف فيه وعنه يجوز صومها عن دم المتعة خاصة ذكرها الترمذي وهو ظاهر كلام ابن عقيل والعمدة واختاره المجد.
تنبيه: لا يجوز ولا يصح نفل الصوم ممن عليه فرضه لما روى أحمد من
ومن دخل في صوم أو صلاة تطوعا استحب له إتمامه ولم يجب وإن أفسده فلا قضاء عليه.
-----------------------------
رواية ابن لهيعة من حديث أبي هريرة "من صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يصمه لم يتقبل منه حتى يصومه" ولأنه عبادة جاز تأخيرها تخفيفا فإذا لم يؤده لزمه الأصل وكالحج. وعنه: يجوز للعموم وكذا يخرج في التطوع بالصلاة ممن عليه القضاء اختار جماعة منهم الشيخان أنه لا يصح لوجوبها على الفور والمذهب أنه يبدأ بفرض الصوم قبل نذر لا يخاف فوته.
وعنه: بالنذر ويحمل على أنه كان معينا بوقت يخاف فوته فعلى الأول لا يكره قضاء رمضان في عشر ذي الحجة بل يستحب إذا لم يكن قضاه قبله وعلى الجواز يكره في رواية روي عن علي ولا يصح لينال فضيلتهما ولا يكره في أخرى روي عن عمر للآية وكعشر المحرم.
"ومن دخل في صوم أو صلاة تطوعا استحب له إتمامه" لأن به تكمل العبادة وذلك مطلوب "ولم يجب" لقول عائشة يا رسول الله أهدي لنا حيس فقال "أرينيه فلقد أصبحت صائما" فأكل رواه مسلم والخمسة وزاد النسائي بإسناد جيد "إنما مثل صوم التطوع مثل الرجل يخرج من ماله الصدقة فإن شاء أمضاها وإن شاء حبسها" ولقوله عليه السلام "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر" رواه أحمد وصححه من حديث أم هانيء وضعفه البخاري.
وغيره من التطوعات كهو وكالوضوء "وإن أفسده فلا قضاء عليه" لأن القضاء يتبع المقضي عنه فإذا لم يكن واجبا لم يكن قضاء واجبا بل يستحب
وقوله "تطوعا" يحترز به عما إذا دخل في واجب كقضاء رمضان والمكتوبة في أول وقتها وكنذر معين أو مطلق أو كفارة.
إن قلنا: يجوز تأخيرهما فإنه يحرم خروجه منه بلا عذر ولأن الخروج من
-------------------------------
عهدة الواجب متعين ودخلت التوسعة في وقته رفقا ومظنة للحاجة فإذا شرع تعينت المصلحة في إتمامها
وعنه يجب إتمام الصوم فإن أفسده وجب القضاء ذكره ابن البنا والمؤلف في الكافي لقوله تعالى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} ولقوله عليه السلام لعائشة وحفصة وقد أفطرتا "لا عليكما صوما يوما مكانه" رواه أبو داوود وكالحج.
وأجيب بأنهم ضعفوه ثم هو للاستحباب لقوله "لا عليكما" وبأن نفل الحج كفرضه في الكفارة وتقرير المهر بالخلوة معه بخلاف الصوم.
ونقل حنبل إن أوجبه على نفسه فأفطر بلا عذر أعاد قال القاضي أي نذره وخالفه ابن عقيل وعلى المذهب لا يكره خروجه منه لعذر وإلا كره في الأصح.
وهل يفطر لضيفه يتوجه كصائم دعي.
وعنه: تلزم الصلاة بخلاف الصوم ومال إليه أبو إسحاق الجوزجاني لأنها ذات إحرام وإحلال كالحج وإذا شرع فيها قائما لم يلزمه إتمامها قائما بغير خلاف في المذهب واقتصر المؤلف على ذكرهما كأكثر الأصحاب.
وقيل الاعتكاف كالصوم على الخلاف يعني إذا دخل فيه وقد نواه مدة لزمته ويقضيها ذكره ابن عبد البر إجماعا لا بالنية وإن لم يدخل خلافا لبعض العلماء.
وفي الكافي سائر التطوعات من الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم وذكر القاضي أن الطواف كالصلاة إلا ما خصه الدليل قال عبد الرزاق رأيت سفيان إذا كثر عليه أصحاب الحديث تركهم ودخل في الطواف فطاف شوطا أو شوطين ثم يخرج ويدعهم علم منه أنه لا يلزم الصدقة والقراءة والأذكار بالشروع وفاقا وأما الحج والعمرة فيلزم إتمامهما ,
وتطلب ليلة القدر
------------------------------
لانعقاد الإحرام لازما فإن أفسدهما أو فسدا لزمه القضاء
وعنه لا يلزم القضاء حكاها في الهداية والانتصار وقال المجد لا أحسبها إلا سهوا.
فرع: إذا قطع الصوم ونحوه فهل انعقد الجزء المؤدى وحصل به قربة أم لا وعلى الأول هل يبطل حكما أو لا يبطل اختلف كلام أبي الخطاب وقطع جماعة ببطلانه وعدم الصحة وفي كلام الشيخ تقي الدين أن الإبطال في الآية هو بطلان الثواب قال ولا نسلم بطلان جميعه بل قد يثاب على ما فعله فلا يكون مبطلا لعمله.
"وتطلب ليلة القدر" لشرفها وعظمها وبركتها وسورتها مكية نقله الماوردي عن الأكثرين وقيل مدنية نقله الثعالبي عن الأكثرين وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة.
قال المفسرون في قوله تعالى {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي قيامها والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" زاد أحمد "وما تأخر" وسميت به لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة لقوله تعالى {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وما روى عن عكرمة أنها ليلة النصف من شعبان ضعيف وقال ابن عباس يقضي الله الأقضية ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر وقيل سميت به لعظم قدرها عند الله وقيل لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها.
وقيل لأن للطاعات فيها قدرا عظيما وهي أفضل الليالي ذكرها الخطابي إجماعا وذكر ابن عقيل رواية أن ليلة الجمعة أفضل لأنها تكرر وبأنها تابعة لما هو أفضل واختاره جماعة وقال الحسن التميمي ليلة القدر التي أنزل فيها
في العشر الأخير من رمضان وليالي الوتر آكدها وأرجاها ليلة سبع وعشرين
------------------------------------
القران أفضل من ليلة الجمعة فأما أمثالها من ليالي القدر فليلة الجمعة أفضل
وظاهره: أنها باقية وأنها لم ترفع للأخبار في طلبها وقيامها خلافا لبعضهم في رفعها.
"في العشر الأخير من رمضان" عند أحمد وأكثر العلماء لقوله عليه الصلاة والسلام "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" متفق عليه من حديث عائشة وفي المغني والكافي تطلب في جميع رمضان.
وقال ابن مسعود هي في كل السنة.
"وليالي الوتر آكدها" لقوله عليه الصلاة السلام "اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين" .
وروى سالم عن أبيه مرفوعا "أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها" متفق عليه واختار المجد كل العشر سواء وللعلماء فيها أقوال كثيرة والمذهب أنها لا تختص بل ليالي الوتر أبلغ من ليالي الشفع. وقال الشيخ تقي الدين الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى وثلاث إلى أخره ويكون باعتبار الباقي فإذا كان تاما كان ذلك ليالي الإشفاع فليلة الثانية تاسعة تبقى وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى وإن كان ناقصا كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي.
"وأرجأها ليلة سبع وعشرين" نص عليه وهو قول أبي بن كعب وكان يحلف على ذلك ولا يستثني وابن عباس وزر بن حبيش.
قال أبي بن كعب والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان وأنها ليلة سبع وعشرين ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا رواه الترمذي وصححه.
ويدعو فيها بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو قال "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
----------------------------------
وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة القدر ليلة سبع وعشرين" رواه أبو داود ويرجحه قول ابن عباس سورة القدر ثلاثون كلمة السابعة والعشرون منها هي.
وقد استنبط بعض المتأخرين بأن الله تعالى كرر ليلة القدر في سورتها ثلاث مرات وحروفها تسع والناشيء من ضرب أحدهما في الآخر سبع وعشرون.
وحكي عن مالك والشافعي وأحمد أنها تنتقل في العشر الأخير وظاهر ما نقله حنبل أنها ليلة متعينة فعلى هذا لو قال أنت طالق ليلة القدر قبل مضي ليلة العشر وقع في الليلة الأخيرة ومع مضي ليلة منه تقع في السنة الثانية ليلة قوله فيها.
وحكم العتق واليمين كالطلاق ذكره المجد تخريجا.
ومن نذر قيام ليلة القدر قام العشر ونذره في أثنائه كطلاق ذكره القاضي.
فائد: الحكمة في إخفائها ليجتهدوا في طلبها ويجدوا في العبادة طمعا في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة واسمه الأعظم من أسمائه ورضاه في الحسنات إلى غير ذلك "ويدعو فيها" فإن الدعاء مستجاب فيها قاله في المستوعب وغيره "بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت يا رسول الله إن وافقتها فيم أدعو قال "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي معناه وصححه.
ومعنى العفو الترك ويكون بمعنى الستر والتغطية فمعنى اللهم إنك عفو
--------------------------------
تحب العفو فاعف عني أي اترك مؤاخذتي بجرمي واستر على ذنبي وأذهب عني عذابك واصرف عني عقابك.
وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا "سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة" فالشر الماضي يزول بالعفو والحاضر بالعافية والمستقبل بالمعافاة لتضمنها دوام العافية.
تم بحمد الله تعالى الجزء الثاني من المبدع ويليه الجزء الثالث.
وأوله
كتاب الاعتكاف
المجلد الثالث
كتاب الاعتكاف
كتاب الإعتكاف
كتاب الاعتكاف
هو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى وهو سنة إلا أن ينذره فيجب
-----------------------------------
كتاب الاعتكاف
"هو" لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه خيرا كان أو شرا ومنه قوله تعالى: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] يقال عكف يعكف بضم الكاف وكسرها وقرئ يهما.
وشرعا: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة من مسلم عاقل ولو مميزا طاهر مما يوجب غسلا ولو ساعة فلا يصح من كافر ومجنون وطفل كالصلاة بغير خلاف نعلمه.
ولا يبطل بالإغماء جزم به في "الرعاية" ولا شك أنه قربة وطاعة لقوله تعالى :{طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ} [البقرة: 125] ولما روى ابن عباس مرفوعا قال في المعتكف: "وهو يعكف الذنوب ويجري له من الحسنات كعامل الحسنات كلها" رواه ابن ماجه وفيه فرقد السبخي قال أبو داود سألت أحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئا قال: لا إلا أن شيئا ضعيفا
"وهو سنة" كل وقت إجماعا لمداومته عليه السلام فعله وإنما لم يجب لأنه لم يأمر به أصحابه بل في الصحيحين: "من أحب أن يعتكف فليعتكف" وآكده في رمضان والعشر الأخيرة آكد لطلب ليلة القدر إلا أن ينذره فيجب الوفاء به إجماعا لقوله عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه" رواه البخاري ولمسلم من حديث ابن عمر أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام قال: "فأوف بنذرك" وللبخاري "فاعتكف ليلة" وظاهر الأمر للوجوب.
فإن علقه بشرط فله شرط نحو لله علي أن أعتكف شهر رمضان إن
ويصح بغير صوم وعنه لا يصح فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا في بعض يوم.
ـــــــ
كنت مقيما أو معافي فصادفه مريضا أو مسافرا فلا شيء عليه.
وهل يلزم بالشروع أو بالنية؟ وقاله مالك مع الدخول فيه فإن قطعه فعليه قضاؤه وقال ابن عبد البر لا يختلف في ذلك الفقهاء ورده في "المغني" و"الشرح" بأنه لا يعرف هذا القول عن أحد سواه ولم يقع الإجماع على لزوم نافلة بالشروع فيها سوى الحج والعمرة.
ولا يصح إلا بالنية ويجب تعيين المندوب بالنية ليتميز فإن نوى الخروج منه فقيل يبطل لأنه يخرج منه بالفساد وقيل لا لتعلقه بمكان كالحج.
ويصح بغير صوم في ظاهر المذهب لحديث عمر ولأنه عبادة تصح في الليل فلم يشترط له الصوم كالصلاة
فعلى هذا فله ما يسمى به معتكفا لابثا فظاهره ولو للحظة وجزم جماعة بأن أقله ساعة ولا يكفي عبوره ويصح الاعتكاف في أيام النهي التي لا يصح صومها ولو صام ثم أفطر عمدا لم يبطل اعتكافه
وعنه لا يصح بغير صوم في قول ابن عمر وابن عباس لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا بصوم" ولأنه لبث في مسجد فلم يكن بمجرده قربه كالوقوف بعرفة.
وأجيب عنه: بأنه موقوف عليها ومن رفعه فقد وهم ثم لو صح فيحمل على نفي الكمال جمعا بين الأدلة ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع وقياسهم يرد عليهم بأنه لبث في مكان مخصوص فلم يشترط له الصوم كالوقوف.
"فعلى هذا لا يصح في ليلة مفردة ولا في بعض يوم" لعدم وجود الصوم المشترط وظاهره لا فرق بين أن يصوم اليوم الذي اعتكف بعضه أم لا.
وقطع المجد وغيره بصحته لوجود اللبث بشرطه وأطلق في "منتهى الغاية"
ولا يجوز الاعتكاف من المرأة بغير إذن زوجها، ولا من العبد بغير إذن سيده، فإن شرعا فيه بغير إذن فلهما تحليلهما.
ـــــــ
و "الفروع" الخلاف والمذهب البطلان نظرا إلى أن الصوم لم يقصد له ولا يصح في أيام النهي التي لا يصح صومها واعتكافها نذرا أو نفلا كصومها نذرا أو نفلا.
فإذا كان الاعتكاف متتابعا فأتى في أثنائه يوم عيد فإن قلنا بجواز اعتكافه فالأولى أن يثبت مكانه ويجوز خروجه إلى العيد ولا يفسد اعتكافه وإن قلنا لا يجوز خرج إلى المصلى إن شاء وإلى أهله وعليه حرمة العكوف ثم يعود قبل غروب الشمس في يومه لتمام أيامه قاله المجد.
تنبيه: لا يشترط أن يصوم للاعتكاف ما لم ينذر له الصوم لظاهر الآية والخبر وكما يصح أن يعتكف في رمضان تطوعا أو ينذر عنه به وإذا قال لله علي أن أعتكف صائما أو بصوم لزماه معا فلو فرقهما أو اعتكف وصام فرض رمضان و نحوه لم يجزئه لأن الصوم صفة مقصودة فيه كالتتابع.
وقيل يلزمه الجميع لا الجمع فله فعل كل منهما منفردا وإن نذر أن يصوم معتكفا فالخلاف كما لو نذر أن يعتكف مصليا ولا يلزمه أن يصلي جميع الزمان وإن نذر أن يصلي صلاة ويقرأ فيها سورة بعينها لزمه الجمع فلو قرأها خارج الصلاة لم يجزئه ذكره في "الانتصار".
"ولا يجوز الاعتكاف من المرأة بغير إذن زوجها" وفاقا "ولا من العبد بغير إذن سيده" لتفويت منافعها المملوكة لغيرهما "فإن شرعا فيه بغير إذن" وإن كان فرضا قاله في "الشرح" وغيره "فلهما تحليلهما" لحديث أبي هريرة: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه" رواه الخمسة وحسنه الترمذي ولأنه شروع غير جائز متضمن لفوات حقهما فملكا تحليلهما منه ليعود حقهما إلي ما كان.
وخرج في "منتهى الغاية" لا يمنعان من المنذور كرواية في المرأة في صوم
وإن كان بإذن فلهما تحليلهما، إن كان تطوعا، وإلا فلا، وللمكاتب أن يعتكف ويحج بغير إذن.
ـــــــ
وحج منذورين وفي ثالث منعهما وتحليلهما من نذر مطلق فقط لأنه على التراخي كوجه لأصحابنا في صوم وحج منذورين وفي رابع منعهما وتحليلهما إلا من منذور معين قبل النكاح والملك كوجه لأصحابنا في سقوط نفقتها.
قال في الفروع ويتوجه إن لزم بالشروع فيه كالمنذور فعلى الأول إن لم يحللاها صح وأجزأ وجزم في المستوعب واختاره ابن البنا يقع باطلا كصلاة في مغصوب ونص عليه في العبد.
"وإن كان بإذن فلهما تحليلهما إن كان تطوعا" لأنه عليه السلام أذن لعائشة وحفصة وزينب ثم منعهن بعد أن دخلن فيه ولأن حقهما واجب والتطوع لا يلزم بالشروع ولهما المنع ابتداء فكذا دواما كالعارية بخلاف الحج " وإلا فلا" أي إذا كان منذورا لم يكن لهما تحليلهما منه لأنه يتعين بالشروع فيه ويجب إتمامه كالحج.
وظاهره لا فرق أن يكون متعينا أو مطلقا واختار المجد في النذر المطلق الذي يجوز تفريقه كنذر عشرة أيام متفرقة أو متتابعة إذا اختار فعله متتابعا وأذن لهما في ذلك يجوز تحليلهما منه عند منتهى كل يوم لجواز الخروج منه كالتطوع وظاهر كلامهم المنع كغيره
فرع: الإذن في عقد النذر إذن في فعله إن نذر زمنا معينا بالإذن وإلا فلا لأن زمن الشروع لم يقتضه الإذن السابق وقدم المؤلف منع تحليلهما أيضا كالإذن في الشروع.
"وللمكاتب أن يعتكف ويحج بغير إذن" نص عليه لأن السيد لا يستحق منافعه ولا يملك إجباره على الكسب فهو مالك لمنافعه كحر مدين بخلاف أم الولد والمدبر وظاهره لا فرق فيه بين الواجب وغيره وسواء حل نجم أو لا وقال جماعة ما لم يحل نجم ونقل الميموني له الحج من المال الذي جمعه ما لم يأت نجمه وحمله القاضي وغيره على إذنه له ومقتضاه أنه لا يجوز بإذنه
ومن بعضه حر إن كان بينهما مهايأة، فله أن يعتكف ويحج في نوبته وإلا فلا. ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه، إلا المرأة ؛ لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها.
ـــــــ
نص عليه والمراد ما لم يحل نجم وعنه المنع مطلقا.
"ومن بعضه حر إن كان بينهما مهايأة" وهو أن يتفق هو ومالك بعضه أن يكون له مدة ولمالك بعضه أخرى "فله أن يعتكف ويحج في نوبته" لأن مملوكة لسيده بل هي كالحر "وإلا فلا" أي لسيده منعه إذا لم يكن بينهما مهايأة لأن له ملكا في منافعه في جميع الأوقات فتجويزه يتضمن إبطال حق غيره وليس بجائز.
"ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد" لا نعلم فيه خلافا لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فلو صح في غيرها لم يختص بتحريم المباشرة إذ في الاعتكاف مطلقا ولأنه كان عليه السلام يدخل رأسه إلى عائشة وهو معتكف فترجله متفق عليه وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة.
"يجمع فيه" أي تقام فيه صلاة الجماعة ولو من معتكفين حذارا إما من ترك الجماعة الواجبة أو تكرر الخروج المنافي له مع إمكان التحرز منه فإذا قيل بأنها سنة فلا ويستثنى منه المعذور والصبي ومن هو في قرية لا يصلي فيها غيره ومن اعتكافه في مدة غير وقت الصلاة ويحتمل أن لا يسقط عن المعذور لأنه من أهل الجماعة وقد التزمه.
"إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد" للآية والجماعة لا تلزمها وفي الانتصار في مسجد تقام فيه الجماعة وهي ظاهر رواية ابن منصور والخرقي لما روى حرب بإسناد جيد عن ابن عباس أنه سئل عن امرأة جعلت عليها أن تعتكف في مسجد بيتها فقال بدعة وأبغض الأعمال إلى الله البدع فلا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة
"إلا مسجد بيتها" وهو ما اتخذته لصلاتها ولو جاز لفعلته أمهات المؤمنين ولو
والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله، ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد، فله فعله في غيره.
ـــــــ
مرة تبيينا للجواز وهذا ليس بمسجد حقيقة ولا حكما وظاهر "المحرر" صحته فيه قال وإنما كره في مسجد الجماعة حيث لم يحتفظ بخباء نقل أبو داود يعتكفن في المساجد ويضربن لهن فيها الخيم. قلت ولا بأس أن يستتر الرجل كهي ذكره في "المغني" و"الشرح" لأنه أخفي لعمله ونقل ابن إبراهيم لا إلا لبرد شديد.
مسألة: رحبة المسجد ليست منه في رواية وهي ظاهر "الخرقي" وعنه بلى جزم به جماعة منهم القاضي كظهره وجمع بينهما في موضع فقال إن كان عليها حائط وباب فهي منه وإلا فلا ومنارته إن كانت فيه أو بابها فيه فهي منه بدليل منع الجنب وإن كانت خارجة عنه قال بعضهم وهي قريبة فخرج للأذان بطل اعتكافه واختار ابن البنا والمجد خلافه.
"والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله" لئلا يحتاج إلى الخروج إليها فيترك الاعتكاف ومع إمكان التحرز منه ولا يلزم ذلك وقاله أكثر العلماء ولأنه خرج لما لا بد منه فكأنه استثنى الجمعة بلفظه ولا يتكرر بخلاف الجماعة وفي "الانتصار" وجه يلزم فإن اعتكف في غيره بطل بخروجه إليها لأنه أمكنه التحرز منه لكن إن عين بنذره المسجد الجامع تعين موضع الجمعة فلو اعتكف فيما تقام فيه الجمعة فقط لم يصح إن وجبت الجماعة وظاهره أن الجمعة إذا لم يتخلل اعتكافه لم يكن الجامع أفضل من غيره لأنه لا يحتاج إلى الخروج ولو اعتكف من لا تلزمه الجمعة في مسجد لا يصلى فيه بطل خروجه إليها إلا أن يشترطه كعيادة المريض.
"ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعله في غيره" لأن الله تعالى لم يعين لعبادته موضعا فلم يتعين بالنذر ويبطل ببقاع الحج وفيه نظر ولو تعين احتاج إلى شد رحل ذكره الأصحاب ولعل مرادهم إلا مسجد قباء.
إلا المساجد الثلاثة. وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد المدينة.
ـــــــ
لأنه عليه السلام كان يأتيه كل سبت راكبا أو ماشيا ويصلي فيه ركعتين وكان ابن عمر يفعله متفق عليه .
فإن لم يحتج إلى شد رحال فظاهر "الانتصار" و"المغني" و"الشرح" يلزم وذكر أبو الحسين احتمالا في تعيين المسجد العتيق للصلاة لأنه أفضل.
قال المجد ونذر الاعتكاف مثله فعلى المذهب يعتكف في غير المسجد الذي عينه وظاهره لا كفارة وجزم به في "الشرح" وظاهر كلام جماعة يصلي في غير مسجد وإن أراد الذهاب إلى ما عينه واحتاج إلى شد رحل فجزم بعضهم بإباحته واختاره المؤلف في القصر ومنع منه ابن عقيل والشيخ تقي الدين وخيره القاضي وغيره وأما ما لم يحتج إلى شد رحل فالمذهب يخير وفي "الواضح" الأفضل الوفاء قال في "الفروع" وهذا أظهر.
"إلا المساجد الثلاثة" فإنها تتعين لفضل العبادة فيها على غيرها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي" هذا متفق عليه. ولمسلم في رواية: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد". "وأفضل ها المسجد الحرام" لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" رواه ابن ماجه من رواية أبي الخطاب الدمشقي وهو مجهول وفي رواية لأحمد: "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة".
"ثم مسجد المدينة" لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" متفق عليه وقال عمر بن الخطاب وجمع المدينة أفضل فدل أن مسجدها أفضل وقال في رواية ابن أشهب إن معنى الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة فيه بدون الألف وجوابه رواية أحمد
ثم الأقصى، فإذا نذره في الأفضل، لم يجزئه في غيره. وإن نذره في غيره، فله فعله فيه وإن نذر اعتكاف شهر بعينه، لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته.
ـــــــ
السابقة ويستثنى منه موضع قبره عليه الصلاة والسلام فإنه أفضل بقاع الأرض "ثم الأقصى" لما روى أبو الدرداء مرفوعا قال: "صلاة في المسجد الأقصى بخمسمئة صلاة". وفي حديث أبي المهاجر نحوه.
"فإذا نذره في الأفضل" كالمسجد الحرام "لم يجزئه" في "غيره" لأنه أفضل ها احتج به الإمام والأصحاب "وإن نذره في غيره، فله فعله فيه" أي إذا نذره في مسجد الرسول أو الأقصى فله فعله في المسجد الحرام ل أفضل يته وإن نذره في مسجد الرسول لم يجزئه غيره إلا المسجد الحرام وإذا عين الأقصى أجزأه المسجدان فقط نص عليه ل أفضل يتهما عليه ويستثنى منه ما إذا نذر الاعتكاف في هذه المساجد فدخل فيه ثم انهدم معتكفه والعياذ بالله تعالى ولم يمكنه المقام فيه أتمه في غيره لزوما ولم يبطل اعتكافه ذكره في "الشرح".
"وإن نذر اعتكاف شهر بعينه" تعين عليه و"لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته" أي قبل غروب الشمس نص عليه إذ الشهر يدخل بدخول الليلة بدليل ترتب الأحكام المعلقة به من حلول الدين ووقوع الطلاق والعتاق المعلقين به وما لا يتم الواجب إلا به واجب.
وعنه يدخل قبل فجرها الثاني روي عن الليث واستدل له بقول عائشة كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه متفق عليه ولأن الصوم شرط فيه فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه وليس بظاهر لأنه عليه السلام لم يدخل إلا بعد الصبح وهم يوجبون الدخول قبل ذلك مع أن اعتكافه كان تطوعا والتطوع متى شاء شرع على أن ابن عبد البر قال لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث وفيه نظر لأنه قول الأوزاعي والليث وإسحاق ورواية عن أحمد فيما إذا أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعا فإنه يدخل بعد
إلى انقضائه. وإن نذر شهرا مطلقا، لزمه شهر متتابع. وإن نذر أياما معدودة، فله تفريقها، إلا عند القاضي.
ـــــــ
صلاة الفجر أول يوم منه وحمل على الجواز وقال القاضي يحتمل أنه كان يفعل يوم العشرين ليستظهر ببياض يوم زيادة.
والمنصوص أنه يدخل قبل ليلته الأولى إلى "انقضائه" لدخوله في مسمى نذره وفيه إشارة أنه لا يلزمه سوى الشهر وإن كان ناقصا لأن ذلك مقتضى نذره لكن إذا اعتكف رمضان أو العشر الأخير استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ويخرج منه إلى المصلى نص عليه ليصل طاعة بطاعة.
"وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع" نص عليه وذكره القاضي وجها واحدا لأنه معنى يصح ليلا ونهارا فإذا أطلقه لزمه التتابع وكقوله لا كلمت زيدا شهرا وكمدة العدة والإيلاء وصرح به في الكفارة تأكيدا وعنه لا اختارها الآجري وصححها ابن شهاب وغيره لصحة إطلاقه على ذلك ولهذا لا يصح تقييده بالتتابع بخلاف اليمين ويدخل معتكفه قبل الغروب من أول ليلة منه على الأصح ولا يخرج إلا بعد غروب الشمس آخر أيامه ويكفيه شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثين يوما بلياليهن وثلاثين ليلة فإن ابتدأه في أثناء النهار تممه إلى مثل تلك الساعة في اليوم الحادي والثلاثين وكذلك إن ابتدأه في أثناء الليل تممه إلى ما ذكرنا إن لم يعتبر الصوم وإن اعتبر فثلاثين ليلة صحاحا بأيامها الكاملة.
"ومن نذر أياما معدودة" كقوله لله علي أن أعتكف عشرين يوما "فله تفريقها" ولم يلزمه التتابع إلا أن ينويه لأن الأيام المطلقة تؤخذ بدون التتابع فلم يلزمه كنذر صومها واحتجاج ابن عباس في قضاء رمضان ب الآية يدل عليه "إلا عند القاضي" فيلزمه التتابع كلفظ الشهر فعلى هذا تلزمه الليالي الداخلة في الأيام المنذورة وعلى الأول لا إلا أن ينوي التتابع أو يشرطه وقيل يلزمه إلا في ثلاثين يوما للقرينة لأن العبادة فيه لفظ الشهر وهو ظاهر.
وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة، لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار.
فصل:
ولا يجوز للمعتكف الخروج إلا لما لا بد منه كحاجة الإنسان,
ـــــــ
"وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة" بشرطه أو نيته "لزمه ما يتخللها من ليل" إذا نذر الأيام "أو نهار" إذا نذر الليالي نص عليه لأن اليوم اسم لبياض النهار. والليلة اسم لسواد الليل والتثنية والجمع تكرار الواحد وإنما يدخل ما تخلله للزوم التتابع ضمنا وخرج ابن عقيل لا يلزمه واختاره أبو حكيم لعدم تناول اللفظ له وفي ثالث لا يلزمه الليل فإن نذر اعتكاف يومين لزمه يومان وليلة بينهما.
تنبيه إذا نذر اعتكاف يوم معينا أو مطلقا دخل معتكفه قبل فجره الثاني وخرج بعد غروب شمسه لأنه اسم لليوم ولا تلزمه الليلة التي قبله لأنها ليست من اليوم وإذا نذر ليلة لزمته فقط فيدخل قبل الغروب ويخرج بعد فجرها الثاني وإن اعتبرنا الصوم لم يلزمه شيء وإذا نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه بساعات من أيام لأنه يفهم منه التتابع أشبه ما لو قيده به وإذا قال في وسط النهار لله علي أن أعتكف يوما من وقتي تعين منه إلى مثله وفي دخول الليل الخلاف وإذا نذر شهرا متفرقا فله تتابعه قال المجد لأنه أفضل كاعتكافه في المسجد الحرام إذا نذر غيره وإذا نذر اعتكاف يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم يلزمه شيء وإن قدم في بعض النهار لزمه اعتكاف الباقي ولم يلزمه قضاء ما مضى منه.
فصل
"ولا يجوز للمعتكف الخروج" فيما إذا عين مدة أو شرط التتابع في عدد "إلا لما لا بد منه" لما روت عائشة أنها قالت السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد منه رواه أبو داود "كحاجة الإنسان" كالبول والغائط إجماعا وسنده قول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفق عليه.
والطهارة والجمعة
ـــــــ
ولو بطل بالخروج إليهما لم يصح لأحد اعتكاف وكنى بها عنهما لأن كل إنسان يحتاج إلى فعلهما ويلحق بهما قيء بغتة وغسل متنجس يحتاجه وله المشي على عادته وقصد منزله إن لم يجد مكانا يليق به من غير ضرر عليه فيه ولا منه كسقاية لا يحتشم مثله منها ولا نقص عليه قالوا ولا مخالفة لعادته وفيه نظر قاله في الفروع ويلزمه قصد أقرب منزليه لدفع حاجته وإن بذل له صديقه أو غيره منزله القريب لقضاء حاجته لم يلزمه للمشقة بترك المروءة والاحتشام فلو بال في المسجد حرم لقوله عليه السلام "إن المساجد لم تبن لهذا" وفيه احتمال لفعل أبي وائل ويحتمل أن يجوز لكبر ومرض وكذا يخرج لفصد وحجامة وفيهما احتمال يجوز في إناء كالمستحاضه والفرق أن لا يمكنها التحرز إلا بترك الاعتكاف وقيل الجواز لضرورة فإن بال خارجا وجسده فيه لا ذكر كره وعنه يحرم.
تنبيه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به في معنى ما سبق نص عليه ولا يجوز خروجه لهما في بيته في ظاهر كلامه واختاره الشيخان لعدم الحاجة لإباحته ولا نقص فيه وذكر القاضي أنه يتوجه الجواز واختاره أبو حكيم لما فيه ترك المروءة ويستحيي أن يأكل وحده ويريد أن يخفي جنس قوته وجوز ابن حامد اليسير كلقمة ولقمتين لا كل أكله وله غسل يده في إناء من وسخ وزفر ونحوهما.
والطهارة كغسل جنابة ووضوء لحدث نص عليه وقدما على الاعتكاف لأن الجنب يحرم عليه اللبث فيه والمحدث لا تصح صلاته بدون وضوء فإن قلنا لا يكره وضوؤه فيه فعله بلا ضرر وكذا غسل كم إن وجب وإلا لم يجز كتجديد الوضوء
"والجمعة" لأنه خروج لواجب فلم يبطل اعتكافه كالمعتدة وله التبكير إليها نص عليه وفي "منتهى الغاية" احتمال فهو أفضل وهو ظاهر كلام أبي
والنفير المتعين والشهادة الواجبة والخوف من فتنة أو مرض والحيض والنفاس.
ـــــــ
الخطاب وله إطالة المقام بعدها ولا يكره لصلاحية الموضع له ويستحب عكسه في ظاهر كلام أحمد ونقل أبو داود التبكير أرجو وأنه يرجع بعدها عادته ولا يلزمه سلوك الطريق الأقرب وظاهر ما سبق كقضاء الحاجة قال بعض أصحابنا الأفضل خروجه لذلك وعوده في أقصر طريق لاسيما في النذور والأفضل سلوك الأبعد إن خرج لجمعة وعيادة وغيرها.
"والنفير المتعين" لأنه واجب كالجمعة وكذا إن تعين خروجه لإطفاء حريق أو إنقاذ غريق ونحوه
"والشهادة الواجبة" لظاهر الآيات وظاهره ولو لم يتعين عليه التحمل واختار بن حمدان إن تعين عليه تحملها وأداؤها خرج لها وإلا فلا وإذا لم يتعين عليه أداؤها لم يجز الخروج.
"والخوف" على نفسه أو حرمته أو ماله "من فتنة" لأنه عذر من ترك الواجب بأصل الشرع كالجمعة فها هنا أولى
"أو مرض" يتعذر معه المقام فيه كالقيام المتدارك أو لا يمكنه إلا بمشقة شديدة بأن يحتاج إلى خدمة وفراش وإن كان خفيفا كالصداع ووجع الضرس لم يجز إلا أن يباح به الفطر فيفطر فإنه يخرج إن قيل باشتراط الصوم وإلا فلا
"والحيض والنفاس" لأن اللبث معهما في المسجد حرام فإن لم يكن له رحبة رجعت إلى بيتها فإذا طهرت عادت إلى المسجد وإن كان له رحبة يمكنها ضرب خباء فيها بلا ضرر فعلت ذلك استحبابا في قول الأكثر فيشترط الأمن على نفسها ولهذا قيل مع سلامة الزمان فإذا طهرت دخلته فأتت بما بقي منه واختار ابن حمدان يسن جلوسها في الرحبة غير المحوطة وإن خافت تلويثه فأين شاءت
وعدة الوفاة ونحوه، ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترطه، فيجوز.
ـــــــ
وعدة الوفاة في منزلها لوجوبها شرعا كالجمعة وهو حق لله ولآدمي لا يستدرك إذا ترك بخلاف الاعتكاف ولا يبطل به.
"ونحوه" كما إذا تعينت عليه صلاة جنازة خارجة ودفن ميت ونحوه وكذا لو أكرهه سلطان أو غيره على الخروج فهو باق على اعتكافه كمن خاف من سلطان أن يأخذه ظلما وإن أخرجه لاستيفاء حق عليه فإن أمكنه الخروج منه بلا عذر بطل وإلا فلا لأنه خروج لواجب وإن خرج ناسيا لم يبطل كالصوم وفي "الخلاف" و"الفصول" تبطل لمنافاته الاعتكاف كالجماع.
فرع: إذا زال العذر رجع وقت إمكانه فإن أخره بطل ما مضى ولا يبطل بخروجه تحت سقف خلافا لقوم
"ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة"، نص عليه واختاره الأصحاب لقول عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرج للسؤال عن المريض رواه أبو داود وفي معناهما كل قربة لا تتعين كتحمل الشهادة وأدائها ولأنه خروج منه بد فلم يجز ترك فريضة لفضيلة.
"إلا أن يشترطه فيجوز" نص عليه وهو قول جماعه من الصحابة ومن بعدهم ولأن الاشتراط يصيره كالمستثني وذكر الترمذي وابن المنذر عن أحمد المنع لما سبق ولا فرق في الاشتراط بين ما كان قربة كزيارة أهله وعالم وبين ما كان مباحا ويحتاجه كالعشاء في بيته والمبيت فيه جزم به في "المغني" و"الشرح" وهو رواية لأنه يجب بعقده كالوقف ولتأكد الحاجة إليهما وامتناع النيابة فيهما.
وعنه المنع جزم به القاضي وابن عقيل واختاره المجد لمنافاته الاعتكاف بخلاف القربة فإن شرط الخروج للبيع والشراء والتكسب بالصنعة لم يجز.
وعنه: له ذلك من غير شرط، وله السؤال عن المريض في طريقه ما لم يعرج والدخول إلى مسجد آخر يتم اعتكافه فيه. فإن خرج لما لا بد له خروجا معتادا كحاجة الإنسان والطهارة فلا شيء فيه، وإن خرج لغير المعتاد
ـــــــ
فلو قال متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه ك الإحرام وجعل المجد فائدة الشرط هنا سقوط القضاء في المدة المعينة
"وعنه له ذلك من غير شرط" نقلها عنه الأثرم ومحمد بن الحكم لما روى أحمد عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن علي قال المعتكف يعود المريض ويشهد الجنازة والجمعة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم وقول ابن المنجا إنه ليس بثابت فيه نظر فإن إسناده صحيح قال أحمد عاصم عندي حجة وهو محمول على التطوع جمعا بينهما وهذا الخلاف فيه إذا كان واجبا فأما إن كان تطوعا فله تركه رأسا لكن الأفضل مقامه على اعتكافه لفعله عليه السلام.
"وله السؤال عن المريض في طريقه مالم يعرج"، لقول عائشة قالت كنت أدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة متفق عليه وليس له الوقوف لأن فيه تركا للاعتكاف "و"له "الدخول إلى مسجد آخر يتم اعتكافه فيه"، لأنه محل للاعتكاف والمكان لا يتعين بالنذر والتعيين فمع عدمه أولى ومحله إذا كان أقرب إلى مكان حاجته من الأول فإن كان أبعد أو خرج إليه ابتداء بلا عذر بطل لتركه لبثا مستحقا
"فإن خرج لما لا بد منه خروجا معتادا كحاجة الإنسان والطهارة" عن حدث و الطعام والشراب والجمعة وكذا للحيض وللنفاس "فلا شيء فيه" أي لا قضاء لأن الخروج له كالمستثنى لكونه معتادا ولا كفارة إذ لو وجب فيه شيء لامتنع معظم الناس منه بل هو باق على اعتكافه ولم تنقض به مدته
"وإن خرج لغير المعتاد" كالنفير المتعين التعين والشهادة الواجبة ونحوهما فله
في المتتابع وتطاول, خير بين استئنافه وإتمامه مع كفارة يمين. وإن فعله في متعين قضى وفي الكفارة وجهان.
ـــــــ
أحوال أحدها الخروج "في" الاعتكاف المنذور "المتتابع" غير المعين كعشرة أيام متتابعة "وتطاول" أي زمنه "خير" إذا زال عذره "بين استئنافه" ولا كفارة عليه لأنه أتى بالمنذور على وجهه فلم يلزمه كما لو نذر صوم شهر غير معين فشرع ثم أفطر لعذر "وإتمامه" أي يبني ويقضي "مع كفارة يمين" لأنها تجبر ما حصل من فوات التتابع.
وقد نبه الخرقي على هذا في النذر وذكر أبو الخطاب رواية أنه إذا ترك الصيام المنذور لعذر أنه لا كفارة كما لو أفطر في رمضان لعذر واختار في المجرد أن كل خروج لواجب كشهادة وجهاد متعينين لا كفارة فيه فمقتضاه أن ما كان مباحا كخوف من فتنة ونحوه أنها تجب لأنه خرج لحاجة نفسه خروجا غير معتاد.
وفي "المغني" تجب الكفارة إلا لعذر حيض أو نفاس لأنه معتاد كحاجة الإنسان وضعفهما المجد بأنا سوينا قي نذر الصوم بين الأعذار وبأن زمن الحيض يجب قضاؤه لا زمن حاجة الإنسان وفيه نظر وظاهر "المغني": لا يقضي وهو أظهر وظاهره أنه إذا لم يتطاول أنه باق على اعتكافه وأنه لا يقضي صرح به في "المغني" و"الشرح" كحاجة الإنسان وظاهر "الخرقي" وغيره أنه يقضي واختاره المجد كما لو طالت والفرق ظاهر.
وقد أشار إلى الحال الثاني بقوله: "وإن فعله في متعين" كشهر رمضان ونحوه "قضى" ما ترك ليأتي بالواجب "وفي الكفارة وجهان" أحدهما يكفر ونص عليها أحمد في الخروج لفتنه وذكره الخرقي فيها والخروج لنفير وعدة لتركه المنذور في وقته إذا النذر كاليمين والثاني لا كفارة عليه وهو رواية وظاهر "الوجيز" لأنه خروج لا يبطل الاعتكاف أشبه الخروج
وإن خرج لما له منه بد في المتتابع، لزمه استئنافه. وإن فعله في متعين فعليه كفارة، وفي الاستئناف وجهان. وإن وطئ المعتكف في الفرج فسد اعتكافه.
ـــــــ
لحاجة الإنسان وكرمضان والفرق أن فطره لا كفارة فيه لعذر أو غيره
الحالة الثالثة إذا نذر أياما مطلقة فإن قلنا يجب التتابع على قول القاضي فكالأولى وإن قلنا لا يجب وهو المذهب تمم ما بقي منها ولا شيء عليه لإتيانه بالمنذور على وجهه لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ليكون متتابعا وقال المجد: قياس المذهب يخير بين ذلك وبين البناء على بعض اليوم ويكفر وهو ظاهر.
"وإن خرج لما له منه بد في المتتابع" المنذور "لزمه استئنافه" لأنه لا يمكنه فعل المنذور على وجهه إلا به أشبه حالة الابتداء وظاهره أنه يبطل بالخروج وإن قل كالجماع فإن كان مختارا عامدا فلا إشكال وإن كان مكرها أو ناسيا فقد سبق فلو أخرج بعض جسده لم يبطل وإن كان عمدا في المنصوص لحديث عائشة المتفق عليه.
فرع إذا خرج في متتابع متعين كنذره شعبان متتابعا استأنف كالقسم قبله ويكفر "وإن فعله في متعين" ولم يقيده بالتتابع كنذره اعتكاف رجب لزمته "الكفارة" رواية واحدة لتركه المنذور في وقته المعين بلا عذر. "وفي الاستئناف وجهان" أحدهما يلزمه ذكر المجد أنه أصح في المذهب وأنه قياس قول الخرقي لتضمن نذره التتابع ولأنه أولى من المدة المطلقة والثاني يبنى لأن التتابع هنا حصل ضرورة التعين فسقط بفواته كقضاء رمضان وأصلها من نذر صوم شهر بعينه فأفطر في بعضه.
فرع إذا نذر اعتكاف أيام متتابعة بصوم فأفطر يوما أفسد تتابعه ولزمه الاستئناف لتركه الإتيان بما نذره على صفته ذكره في "الشرح".
"وإن وطئ المعتكف في الفرج" فهو حرام للنص "فسد اعتكافه" لقول ابن
ولا كفارة عليه إلا لترك نذره، فقال أبو بكر: عليه كفارة يمين. وقال القاضي: عليه كفارة ظهار. وإن باشر دون الفرج فأنزل، فسد اعتكافه، وإلا فلا.
ـــــــ
عباس إذا جاء المعتكف بطل اعتكافه رواه حرب بإسناد صحيح وكالحج والصوم وإطلاق المؤلف يشمل العمد وغيره صحيح لأن ما حرم استوى عمده وسهوه وكالحج وخرج المجد في الصوم عدم البطلان مع عدم النسيان وقال الصحيح عندي أنه يبني
"ولا كفارة عليه" لأجل الوطء في ظاهر المذهب إذ الوجوب من الشرع ولم يرد وكالصلاة. والثانية واختارها القاضي والشريف و أبو الخطاب في خلافيهما وجوب الكفارة كرمضان وكالحج والفرق ظاهر "إلا لترك نذره" كذا خص القاضي وجماعة الوجوب وفي "الفصول" يجب في التطوع في أصح الروايتين وبعدها المجد واختلفوا في موجبها "فقال أبو بكر" والشريف أبو جعفر "عليه كفارة يمين" لأنها كفارة نذر وهي كفارة يمين ولكونه أفسد المنذور بالوطء قاله الشيخان وغيرهما "وقال القاضي" في "الخلاف" وهو ظاهر كلام أحمد "عليه كفارة ظهار" لأنها كفارة وطء أشبه المظاهر وذكر بعضهم أن هذا الخلاف في نذر وقيل معين فلهذا تجب فيه الكفارتان كما لو نذر أن يحج في عام بعينه فأحرم ثم أفسد حجه بالوطء يلزمه كفارة للوطء وكفارة يمين للنذر
"وإن باشر دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه" على المذهب المجزوم به عند الأكثر وفيه احتمال لابن عبدوس "وإلا فلا" كالصوم فإذا فسد خرج في الكفارة الخلاف ذكره ابن عقيل وقال المجد يتخرج وجه ثالث تجب بالإنزال عن وطء لا عن لمس وقبلة والناسي كالعامد في إطلاق أصحابنا واختار المجد لا يبطل كالصوم ولا تحرم المباشرة في غير الفرج بلا شهوة كتغسيل رأسه وذكر القاضي احتمالا تحرم كشهوة في المنصوص
مسألة يسن أن يصان المسجد عن الجماع فيه أو فوقه ذكره في "الرعاية".
ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب واجتناب مالا يعنيه ولا يستحب له إقراء القرآن والعلم والمناظرة فيه إلا عند أبي الخطاب إذا قصد به الطاعة.
ـــــــ
وقال ابن تميم يكره الجماع فوقه والتمسح بحائطه والبول عليه نص عليه وفي "الفروع" وجزم به في "عيون المسائل" أنه يحرم، وهو ظاهر.
فرع إذا سكر في اعتكافه فسد ولو سكر ليلا لخروجه عن كونه من أهل المسجد كالحيض ولا يبنى معذور وإن ارتد فيه فسد كالصوم
"ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب" كالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى "واجتناب مالا يعنيه" من الجدال والمراء وكثرة الكلام والسباب والفحش لقوله عليه السلام "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"، ولأنه مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى.
وليس الصمت من شريعة الإسلام وظاهر الأخبار تحريمه جزم به في "الكافي"، وقال ابن عقيل يكره الصمت إلى الليل فإن نذره لم يف به.
ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلا من الكلام ذكره الأكثر لأنه استعمال له في غير ما هو له كتوسد المصحف وجزم به في "التلخيص" و"الرعاية" بالكراهة وذكر الشيخ تقي الدين إن قال عند ما أهمه: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، فحسن.
"ولا يستحب له إقراء القرآن والعلم والمناظرة فيه" نص عليه لفعله عليه السلام فإنه كان يحتجب فيه واعتكف في قبة وكالطواف قال أبو بكر لا يقرأ ولا يكتب الحديث ولا يجالس العلماء "إلا عند أبي الخطاب" واختاره المجد فإنه يستحب "إذا قصد به الطاعة" لا المباهاة لظاهر الأدلة وكالصلاة والذكر ولأن الطواف لا يتسع لمقصود الإقراء بخلاف الاعتكاف فعلى الأول فعل ذلك أفضل من الاعتكاف جزم به في "الوجيز" و"الفروع" لتعدي نفعه.
ـــــــ
قال المجد ويتخرج في كراهة القضاء وجهان بناء على الإقراء فإنه في معناه
مسائل:
الأولى: لا بأس أن تزوره زوجته في المسجد وتتحدث معه وتصلح شأنه مالم يلتذ بشيء منها ويتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر ولا بأس أن يأمر بما يريد خفيفا بحيث لا يشغله نص عليه.
الثانية: لا بأس أن يتزوج ويشهد النكاح لنفسه ولغيره ويصلح بين القوم ويعود المريض ويصلي على الجنازة ويهنئ ويعزي ويؤذن ويقيم كل ذلك في المسجد ويستحب له ترك لبس رفيع الثياب وأن لا ينام إلا عن غلبة ولو مع قرب الماء وأن ينام متربعا مستندا ولا يكره شيء من ذلك خلافا لابن الجوزي في رفيع الثياب ولا بأس بأخذ شعره وأظفاره في قياس المذهب وترجيل شعره وكره ابن عقيل ذلك في المسجد صيانة له وذكر غيره يسن ويكره له أن يتطيب ونقل ابن تميم عكسه كالتنظيف قال في "الفروع" وهو أظهر.
الثالثة: ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة وغيرها أن ينوي الاعتكاف مدة مقامه فيه لا سيما إذا كان صائما ذكره ابن الجوزي في "المنهاج"، ومعناه في "الغنية" خلافا للشيخ تقي الدين.
تنبيه لا يجوز البيع والشراء في المسجد للمعتكف وغيره نص عليه في رواية حنبل وجزم به الأكثر وفي "الفصول" و"المستوعب" يكره فإن حرم ففي صحته وجهان ويكره إحضار السلعة فيه على القول بالثاني ويكره للمعتكف فيه اليسير كالكثير لكن نقل حنبل أنه يجوز له بيع وشراء ما لا بد له منه طعام وغيره فأما التجارة والأخذ والعطاء، فلا.
ولا يجوز أن يتكسب بالصنعة فيه كالخياطة ونحوها والقليل والكثير والمحتاج وغيره سواء قاله القاضي وغيره ونقل حرب التوقف في اشتراطه فقيل له يشترط أن يخيط قال لا ادري وفي "الروضة" لا يجوز له
ـــــــ
فعل غيرما هو فيه من العبادة فإن احتاج للبسه خياطة لا للتكسب فقال ابن البنا لا يجوز واختار في "المغني" و"منتهي الغاية" يجوز وهو ظاهر "الخرقي"، كلف عمامته والتنظيف ولا يعمل الصنعة للتكسب ولا بالبيع لأنه إنما ينافي حرمة المسجد بدليل إباحته في ممره.
كتاب المناسك
كتاب المناسك
كتاب المناسكيجب الحج والعمرة
ـــــــ
كتاب المناسك:
واحدها منسك بفتح السين وكسرها فبالفتح مصدر وبالكسر اسم لموضع العبادة وهي في الأصل من النسيكة وهي الذبيحة المتقرب بها ثم اتسع فيه فصار اسما للعبادة والطاعة ومنه قيل للعابد ناسك وقد غلب إطلاقها على أفعال الحج لكثرة أنواعها وأخر الحج عن الصلاة والزكاة والصوم لأن الصلاة عماد الدين لشدة الحاجة إليها لتكررها كل يوم خمس مرات ثم الزكاة لكونها قرينة لها في أكثر المواضع ولشمولها المكلف وغيره ثم الصوم لتكرره كل سنة لكن البخاري قدم رواية الحج على الصوم للتغليظات الواردة فيه نحو: { وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] ونحو: "فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا"، ولعدم سقوطه بالبدل، بل يجب الإتيان به إما بنفسه وإما بغيره، بخلاف الصوم
"يجب الحج والعمرة" الحج: بفتح الحاء لا بكسرها في الأشهر وعكسه شهر الحجة وهو لغة القصد إلى من نعظمه وشرعا: قصد مكة للنسك والعمرة لغة الزيارة يقال اعتمره إذا زاره في العمر مرة واحدة وشرعا زيارة البيت على وجه مخصوص والإجماع على وجوبه وسنده: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 79]، والسنة مستفيضة بذلك وما ذكره من وجوب العمرة هو نص أحمد وقول جمهور الأصحاب واحتج أحمد وغيره بقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وظاهره: لا فرق بين المكي وغيره لقول عائشة يا رسول الله هل على النساء من جهاد قال: "نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة" رواه أحمد وابن ماجه ورواته ثقات. وعن أبي رزين العقيلى أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال: "حج عن أبيك واعتمر" رواه الخمسة، وصححه
في العمر مرة واحدة بخمسة شروط: الإسلام و العقل فلا يجب على كافر ولا مجنون، ولا يصح منهما.
ـــــــ
الترمذي ولأنها تشتمل على إحرام وطواف وسعي فكانت واجبة كالحج.
وعنه هي سنة اختاره الشيخ تقي الدين لأن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: زعم رسولك أن علينا الصلاة والزكاة والصوم والحج فقال: "صدق" رواه مسلم فلم يذكر العمرة وأجيب بأن اسم الحج يتناولها وفي ثالثة تجب على غير المكي وهي المنصورة في "المغني" إذ ركن العمرة ومعظمها هو الطواف. قال أحمد كان ابن عباس يرى العمرة واجبة ويقول يا أهل مكة ليس عليكم عمره إنما عمرتكم الطواف بالبيت وهو من رواية إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف.
"في العمر مرة واحدة" لما روى أبو هريرة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس، إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا" فقال رجل: أكل عام فسكت حتى قالها ثلاثا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم" رواه مسلم، ولأنها عبادة مؤقته بالعمر، أشبه الصلاة في وقتها وهو فرض كفاية كل عام.
"بخمسة شروط: الإسلام والعقل" هما شرطان للصحة والوجوب "فلا يجب على كافر" أصلي لأنه ممنوع من دخول الحرم وهو مناف له "ولا مجنون" للخبر ولعدم صحته وقصد الفعل شرط "ولا يصح منهما" لأن كلا من الحج والعمرة عبادة من شرطها النية وهي لا تصح منهما لكن الكافر يعاقب عليه وعلى سائر فروع الإسلام كالتوحيد إجماعا وعنه لا وهو الأشهر للحنفية وعنه يعاقب على النواهي فقط والمرتد مثله وهل يلزمه الحج باستطاعته في ردته إذا أسلم بناء على أنه التزم حكم الإسلام أولايلزمه كالأصلي؟ فيه روايتان.
فلو حج ثم ارتد ثم أسلم وهو مستطيع فهل يلزمه حج ثان فيه روايتان.
والبلوغ والحرية، فلا يجب على صبي ولا عبد، ولا يصح منهما، ولا يجزئهما إلا أن يبلغ ويعتق في الحج قبل الخروج من عرفة، وفي العمرة قبل طوافها فيجزئهما.
ـــــــ
ويبطل إحرامه ويخرج منه بردته فيه كالصوم ولا تبطل الاستطاعة بالجنون ولا فرق بين أن يعقده بنفسه أو يعقده له وليه وقيل يصح في الثانية اختاره أبو بكر. ويبطل الإحرام بالجنون لأنه لم يبق من أهل العبادة وقيل لا كالموت فيصير كالمغمى عليه والمعروف لا يبطل به كالسكر.
"والبلوغ والحرية" هما شرطان للوجوب والإجزاء "فلا يجب على صبي" للخبر ولأنه غير مكلف "ولا عبد" لأن مدتهما تطول فلم يجبا عليه لما فيه من إ بطال حق السيد كالجهاد وفيه نظر لأن القصد منه الشهادة "ويصح منهما" لما روى ابن عباس أن امرأة رفعت إليه صبيا فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر" رواه مسلم والعبد من أهل العبادة فصحا منه كالحر
"ولا يجزئهما" عن حجة الإسلام بعد زوال المانع وعليهما الحج والعمرة بعد البلوغ والعتق لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى" رواه الشافعي والبيهقي. قال بعض الحفاظ لم يرفعه إلا يزيد بن زريع عن شعبة وهو ثقة ولأنهما فعلا ذلك قبل الوجوب عليهما فلم يجزئهما إذا صارا من أهله كالصبي يصلي ثم يبلغ في الوقت وهذا قول عامة العلماء إلا شذوذا بل حكاه ابن عبد البر إجماعا.
تنبيه: المكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه كالقن
"إلا أن يبلغ" الصبي "ويعتق" العبد "في الحج قبل الخروج من عرفة وفي العمرة قبل طوافها فيجزئهما" لأنهما أتيا بالنسك حال الكمال فأجزأهما كما لو وجد قبل الإحرام واستدل أحمد بأن ابن عباس قال إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجته وإن أعتق بجمع لم يجزئ عنه لكن لو زال المانع
ويحرم الصبي المميز بإذن وليه، وغير المميز يحرم عنه وليه,
ـــــــ
بعد الخروج من عرفة والوقت باق ولو أقل جزء عاد فوقف بها أجزأه نص عليه وكما أحرم إذن قال المؤلف وغيره إنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين إذن وما قبله تطوع لا ينقلب فرضا وقال المجد وآخرون ينعقد إحرامه موقوفا فإذا تغير حاله تتبين فريضته كزكاة معجلة وعنه لا يجزئه وقاله ابن المنذر وظاهر كلامه لا فرق في وجود ذلك قبل السعي أو بعده وقلنا بعدم ركنيته أو سعى وقلنا بركنيته ثم زال العذر وهو أحد الوجهين لحصول الركن الأعظم وهو الوقوف وتبعية غيره له.
والثاني لا يجزئه اختاره ابن عقيل والمجد وفي المجرد هو قياس المذهب لوقوع الركن في غير وقت الوجوب أشبه ما لو كبر للإحرام ثم بلغ. فعلى هذا لا يجزئه وإن أعاد السعي ذكره المجد لأنه لا تشرع مجاوزة عدده ولا تكراره واستدامة الوقوف مشروع ولا قدر له محدود وما ذكرناه هو جار في طواف العمرة وظاهره أنه إذا زال المانع في أثناء طوافها لا يجزئه ولا أثر لإعادته وحيث قيل بالإجزاء فلا دم لنقصهما في ابتداء الإحرام كاستمراره.
تنبيه: إذا زال المانع قبل الوقوف أو في وقته وأمكن الإتيان لزمه الحج على الفور ولا يجوز تأخيره مع الإمكان كالبالغ الحر.
"ويحرم الصبي المميز" بنفسه "بإذن وليه" فلو أحرم بغير إذنه لم يصح لأنه يؤدي إلى لزوم مال فلم ينعقد بنفسه كالبيع وقيل يصح اختاره المجد كصوم وصلاة. فعلى هذا يحلله منه إن رآه ضررا في الأصح كعبد والولي من يلي ماله وظاهر رواية حنبل يصح من الأم أيضا اختاره جماعة وفي عصبته كالعم وابنه وجهان وظاهره أن الولي لا يحرم عن المميز لعدم الدليل.
"وغير المميز يحرم عنه وليه" أي يعقد له الإحرام ويقع لازما وحكمه كالمكلف نص عليه لما روى جابر قال حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء
ويفعل عنه ما يعجز عنه من عمله.
ـــــــ
والصبيان فأحرمنا عن الصبيان رواه سعيد ولأنه يصح وضوؤه كالبالغ بخلاف المجنون فصح عقده له كالنكاح."ويفعل عنه ما يعجز عنه من عمله" لما روى جابر قال لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم رواه أحمد وابن ماجه وروي عن ابن عمر في الرمي وعن أبي بكر أنه طاف بابن الزبير في خرقة رواهما الأثرم فدل أن ما أمكن الصبي فعله من وقوف ومبيت لزمه لأن النيابة إنما تجوز مع العجز وذلك منتف ولكن لا يجوز أن يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه كالنيابة في الحج فإن قلنا بالإجزاء هناك فكذا هنا وإلا وقع الرمي عن نفسه إن كان محرما بفرضه وإن كان حلالا لم يعتد به وإن قلنا يقع الإحرام باطلا هناك فكذا الرمي هنا.
وإن أمكن الصبي أن يناول النائب الحصا ناوله وإلا استحب أن توضع الحصاة في كفه ثم تؤخذ منه ويرمى عنه فلو جعل كف الصبي كالآلة ورمى بها عنه فحسن.
ثم إن عجز عن الطواف طيف به محمولا أو راكبا وتعتبر النية من الطائف به وكونه ممن يصح أن يعقد له الإحرام فإن نواه عن نفسه وعن الصبي وقع عن الصبي كالكبير يطاف به محمولا لعذر ولا فرق في حامله أن يكون حلالا أو حراما أسقط فرض نفسه أو لا لوجود الطواف من الصبي فهو كمحمول مريض.
تنبيه: يجتنب في حجه ما يجتنبه الكبير من المخطورات والوجوب متعلق بالولي لأن الصغير لا يخاطب بخطاب تكليفي وعن عائشة أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم وقال عطاء يفعل به كما يفعل الكبير ويشهد المناسك كلها إلا أنه لا يصلى عنه فإن وطئ فيه فسد حجه ولزمه المضي فيه وعليه قضاؤه ولا يصح إلا بعد البلوغ نص عليه كالمجنون إذا احتلم وقيل يصح قبل بلوغه كالبالغ وقيل لا قضاء عليه لاستلزامه وجوب عبادة بدنية على غير المكلف وعلى الأول إذا قضى بدأ بحجة
ونفقة الحج وكفاراته في مال الولي. وعنه: في مال الصبي. وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده، ولا للمرأة الإحرام نفلا إلا بإذن زوجها. فإن فعلا
ـــــــ
الإسلام فإن أحرم به قبلها انصرف إليها وهل يجزئه عن القضاء ينظر فإن كان أدرك في الفاسدة جزءا من الوقوف بعد بلوغه أجزأ عنهما جمعيا وإلا فلا.
"ونفقة الحج وكفاراته في مال الولي" هذا هو المذهب عند الجمهور لأنه السبب فيه وكما لو أتلف مال غيره بأمره قاله ابن عقيل "وعنه: في مال الصبي" اختاره جماعة لأنه من مصلحته ليألف الحج ويتمرن عليه وكأجرة الطبيب وحامله لشهود الجمعة وغيرها ومحل الخلاف يختص بما زاد على نفقة الحضر في قول الأكثر خلافا للقاضي فإنه أوجبها على الصغير مطلقا واختار في موضع آخر الأول زاد المجد وماله كثير يحتمل ذلك فأما سفره معه لخدمة أو تجارة أو إلى مكة لغرض صحيح فهي على الصبي رواية واحدة وقدم في الفروع أن النفقة على الولي وفي الكفارة روايتان والمؤلف سوى بينهما كغيره ويختص الخلاف ما فعله الصبي ويلزم البالغ كفارته مع خطأ ونسيان قال المجد أو فعله الولي لمصلحته كتغطية رأسه لبرد أو تطبيبه لمرض وإن فعله به الولي لا لعذر فالفدية عليه وما لا يلزم البالغ كفارته مع خطأ ونسيان لا يلزم الصبي لأن عمده خطأ فإذا وجبت على الولي ودخل فيها الصوم صام عنه لوجوبها عليه ابتداء كصومها عن نفسه.
"وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده" لما فيه من تفويت حقه الواجب عليه "ولا للمرأة الإحرام نفلا إلا بإذن زوجها" لتفويت حقه وقيده بالنفل منها دون العبد لأنه لا يجب عليه حج بحال بخلافها قال ابن المنجا وفيه نظر فإنهم صرحوا بأن العبد لو نذره لزمه بغير خلاف نعلمه لأنه مكلف وصح نذره كالحر لكن لسيده منعه إذا لم يكن نذره بإذنه في رواية وفي أخرى لا لوجوبه عليه كالصلاة وقيل إن كان على الفور لم يمنعه.
"فإن فعلا" انعقد إحرامهما لأنه عبادة بدنية فصحت بغير إذن كالصوم.
فلهما تحليلهما، ويكونان كالمحصر. وإن أحرما بإذنه لم يجز تحليلهما.
ـــــــ
وقال ابن عقيل يتخرج بطلان إحرامه لغصبه نفسه فيكون قد حج في بدن غصب فهو آكد من الحج بمال غصب قال في "الفروع" وهذا متوجه ليس بينهما فرق مؤثر فيكون هو المذهب وصرح به جماعة في الاعتكاف.
"فلهما تحليلهما" في ظاهر المذهب لأن حقهما لازم فملكا إخراجهما منه كالاعتكاف وفي "المغني" و"الشرح": في العبد كالصوم المضر ببدنه ولا يفوت به حق. والثانية ونقلها واختارها الأكثر أنه ليس لهما تحليلهما وعلى الأول لو حللها فلم تقبل أثمت وله مباشرتها.
"ويكونان كالمحصر" لأنهما في معناه "وإن أحرما بإذنه لم يجز تحليلهما" لأنه قد لزم بالشروع وكنكاح وإعارة كرهن وعنه له تحليل العبد لأنه ملكه منافع نفسه فملك الرجوع فيها كالمعير وله الرجوع قبل إحرام وكذا لو أحرما بنذر أذن فيه لهما أو لم يأذن فيه للمرأة وإن علم العبد برجوع سيده عن إذنه فكما لو لم يأذن وإلا فالخلاف في عزل الوكيل قبل علمه وإن باعه فمشتريه كبائعه في تحليله وله الفسخ إن لم يعلم إلا أن يملك بائعه تحليله فيحلله.
تنبيه: إذا أفسد العبد حجه بالوطء لزمه المضي فيه كالحر وعليه القضاء ويصح في رقه للزومه له كالنذر بخلاف حجة الإسلام وليس لسيده منعه منه إن كان شروعه فيما أفسده بإذنه لأن إذنه فيه إذن في موجبه ومن موجبه قضاء ما أفسده على الفور وإن لم يكن بإذنه ففي منعه من القضاء وجهان كالنذر وفي لزوم القضاء لفوات أو إحصار الخلاف كالحر وإن عتق قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك لزمه أن يبدأ بحجة الإسلام فإن خالف فكالحر فإن عتق في الحجة الفاسدة في حال يدرك به حجة الفرض مضى فيها وأجزأه عن الفرض والقضاء خلافا لابن عقيل ويلزمه حكم حياته كحر معسر وإن تحلل بحصر أو حلله سيده لم يتحلل قبل الصوم وليس لسيده منعه منه نص عليه وإن مات العبد ولم يصم فلسيده أن يطعم عنه ذكره في "الفصول". وحكم الصبي
وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض، ولا تحليلها إن أحرمت به.
ـــــــ
في القضاء لفوات أو إحصار وصحته منه وهو في القضاء بعد بلوغه إجزاؤه عنه وعن حجة الإسلام كالعبد.
"وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض" إذا كملت الشروط "ولا تحليلها إن أحرمت به"، لأنه واجب بأصل الشرع أشبه الصوم والصلاة أول الوقت وظاهره ولو أحرمت قبل الميقات ونفقتها عليه قدر نفقة الحضر ويستحب لها أن تستأذنه نص عليه فإن كان غائبا كتبت إليه فإن أذن وإلا حجت بمحرم وعنه له تحليلها فيتوجه منه منعها وظاهره أن له منعها من الخروج إلا حجة الإسلام و الإحرام إن لم تكمل الشروط وصرح به الأصحاب لكن لو أحرمت إذن بلا إذنه لم يملك تحليلها في الأصح كالمريض.
مسألة إذا أحرمت بواجب فحلف زوجها بالطلاق الثلاث لا تحجج العام فليس لها أن تحل لأن الطلاق مباح فليس لها ترك الفريضة لأجله ونقل مهنا أنه سئل عن هذه المسألة فقال عطاء الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر.
فصل: لا يجوز لوالد منع ولده من حج واجب ولا تحليله إن أحرم به وليس للولد طاعته في تركه فإن كان تطوعا فله منعه كالجهاد فإن أحرم بغير إذنه لم يملك تحليله لوجوبه بشروعه فيه فصار كالواجب ابتداء وكذا ليس لولي سفيه منعه من حج الفرض ولا تحليله منه ويدفع نفقته إلى سفيه ينفق عليه من طريقه فإن أحرم بنفل وزادت نفقته على نفقة الحضر ولم يكتسبها فالأصح له منعه وتحليله بصوم وإلا فلا فإن منعه وأحرم فهو كمن ضاعت نفقته.
فرع حكم العمرة الواجبة كالحج المفروض في قول الأكثر وهل يلحق المنذور به فلا يملك منعها أو لا كالتطوع فيه روايتان حكاهما أبو الحسين وقيل يفرق بين المعين وغيره.
فصل
الشرط الخامس: الاستطاعة وهو أن يملك زادا وراحلة
ـــــــ
فصل
"الشرط الخامس الاستطاعة" لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [ آل عمران: 97] ولأن الخطاب إنما هو للمستطيع لأن "من" بدل من "الناس" فتقديره ولله على المستطيع لانتفاء تكليف مالا يطاق شرعا وعقلا.
"وهو أن يملك زادا وراحلة" نص عليه لما روى ابن عمر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما يوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة" رواه الترمذي وقال العمل عليه عند أهل العلم.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن السبيل؟ فقال: "الزاد والراحلة" وكذا رواه جابر وعبد الله بن عمر وعائشة عنه رواه الدارقطني.
ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فكان ذلك شرطا كالجهاد وليس هو شرطا في الصحة والإجزاء فإن خلقا من الصحابة حجوا ولا شيء لهم ولم يؤمر أحد منهم بالإعادة ولأن الاستطاعة إنما شرطت للوصول فإذا وصل وفعل أجزأه كالمريض وظاهره أنه إذا لم يستطع وأمكنه المشي والتكسب بالصنعة أنه لا يلزمه واعتبر ابن الجوزي الزاد والراحلة لمن يحتاجهما وفي "الرعاية": وقيل من قدر أن يمشي عن مكة مسافة القصر لزمه الحج والعمرة لأنه مستطيع فإن كان عادته السؤال والعادة إعطاؤه فللمالكية قولان وعندنا يكره لمن حرفته السؤال قال أحمد فيمن يدخل البادية بلا زاد ولا راحلة لا أحب له ذلك يتوكل على أزواد الناس ويعتبر الزاد مطلقا إن احتاج إليه وكونه ملكه فلو وجده في المنازل لم يلزمه حمله وإلا لزمه سواء وجده بثمن مثله أو بزيادة كماء الوضوء والقدرة على وعاء الزاد لأنه لا بد منه.
صالحة لمثله بآلتها الصالحة لمثله أو ما يقدر به على تحصيل ذلك، فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وقضاء دينه ومؤنته ومؤنة عياله
ـــــــ
وأما الراحلة فلا تشترط إلا مع البعد وهو من بينه وبين مكة مسافة القصر فقط إلا مع عجز كشيخ كبير لا يمكنه المشي.
"صالحة لمثله بآلتها الصالحة لمثله" عادة لأنه يتعلق به أمر شرعي فاعتبر فيه الصلاحية كالنفقة والسكنى في حق الزوجة فيعتبر في الزاد أن يكون من الخاص إن كان من أولاد التجار والأمراء أو من الخاصة إن لم يكن كذلك.و في الراحلة وآلتها أن يكون الجمل جيدا بمحارة إن كان كالأول وإلا فلا تشترط المحارة إذا أمكنه الركوب على القتب ولا كون الجمل جيدا قاله ابن المنجا وفيه شيء فإن ظاهر كلامهم في الزاد يلزمه مطلقا لظاهر الدليل ولئلا يفضي إلى ترك الحج بخلاف الراحلة فإن لم يقدر على خدمة نفسه اعتبر من يخدمه لأنه من سبيله ذكره في "المغني" و"الشرح" فظاهره لو أمكنه لزمه عملا بالظاهر وكلام غيرهما يقتضي أنه كالراحلة لعدم الفرق.
"أو" يملك "ما يقدر به على تحصيل ذلك" أي الزاد والراحلة لأن ملك الثمن كملك المثمن بدليل أن القدرة على ما تحصل به الرقبة في الكفارة كملكها
ويعتبر الزاد والراحلة لذهابه وعوده "فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم" لأنهما من الحوائج الأصلية لأن المفلس يقوم بهما على غرمائه فهنا أولى ويشتريهما بنقد بيده فإن فضل منه ما يحج به لزمه فإن كان المسكن واسعا يفضل عن حاجته وأمكنه بيعه وشراء ما يكفيه ويفضل ما يحج به لزمه. قال في "الفروع": ويتوجه مثله في الخادم والكتب التي يحتاجها كهما فإن استغنى بإحدى نسختي كتاب باع الأخرى. "وقضاء دينه" لأن ذمته مشغولة به وهو محتاج إلى براءتها وظاهره لا فرق بين أن يكون حالا أو مؤجلا لله تعالى أو لآدمي. "ومؤنته" لقوله: "ابدأ بنفسك" "ومؤنة عياله" الذين تلزمه مؤنتهم لأن ذلك مقدم على الدين فلأن يقدم على الحج بطريق الأولى ولتأكد حقهم بدليل قوله عليه السلام: "كفي بالمرء إثما أن
على الدوام. ولا يصير مستطيعا ببذل غيره بحال. فمن كملت له هذه الشروط وجب عليه الحج على الفور.
ـــــــ
يضيع من يقوت رواه أبو داود. "على الدوام" وهو معنى ما في "المحرر": وكفاية دائمة له ولأهله فظاهره أنه قصد النفقة عليه وعلى عياله إلى أن يعود ويبقى له إذا رجع ما يقوم بكفايته وكفاية عائلته على الدوام من عقار أو بضاعة أو صناعة جزم به في "الهداية" و"منتهى الغاية"، وقدمه في "الفروع"، لتضرره بذلك وكالمفلس وفي "الكافي" و"الروضة": إلى أن يعود وقدمه في "الرعاية"، فيتوجه أن المفلس مثله وأولى. ولم يتعرض في "الشرح" إلى هذا وهو غريب منه.
فرع إذا خاف العنت قدم النكاح عليه لوجوبه إذن ولحاجته إليه وقيل يقدم الحج كما لو لم يخفه ولأنه أهم الواجبين ويمكن تحصيل مصالحه بعد إحراز الحج.
"ولا يصير مستطيعا ببذل غيره بحال" لما سبق في الاستطاعة وكالبذل في الزكاة ولا يلزمه قبول ما بذل له سواء كان الزاد والراحلة أو المال لما فيه من المنة كبذل الرقبة في الكفارة قال في "الفروع": لا يملك ولا يجب بخلاف الحج ولا فرق في الباذل أن يكون أجنبيا أو قريبا حتى الابن.
"فمن كملت له هذه الشروط، وجب عليه الحج" ولم يجز له تأخيره ويأتي به "على الفور" نص عليه لحديث ابن عباس تعجلوا إلى الحج يعني الفريضة وحديث الفضل من أراد الحج فليتعجل رواهما أحمد وعن علي مرفوعا: "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلي بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا" رواه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من هذا الوجه وفي إسناده مقال ولأنه أحد أركان الإسلام فكان واجبا على الفور كالصيام إذ لو مات مات عاصيا وهو الأصح للشافعية وقيل لا وقيل لا في الشاب وكذا الخلاف لهم في صحيح لم يحج حتى زمن وذكر ابن أبي موسى وجها وذكره ابن حامد رواية أنه يجب موسعا وله تأخيره زاد