كتاب : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح
المؤلف : أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

المسائل بعض أهل الكتاب وكما لو سأل في زماننا بعض الناس لبعض المسلمين عن تلك المسائل أو غيرها من أنباء الغيب التي لا يعلمها إلا نبي فإن ذلك لا يدل على نبوته لأنه قد تعلم ذلك من الأنبياء
فدل على أن مرادهم بقولهم لا يعلمها إلا نبي أي لا يعلمها ابتداء بدون تعليم من بشر إلا نبي ويدل على أن المشركين وأهل الكتاب كانوا جميعا متفقين على أنه لم يتعلم من بشر مع انتشار أخباره ومع اطلاع قومه على أسراره ومع ظهور ذلك لو وجد ومع أنهم لو جوزوا تجويزا أن يكون قد تعلمها من بشر في الباطن لم يجز أن يستدل بها على نبوته فدل على أنهم كانوا قاطعين بأنه لم يتعلم ذلك من بشر لا في الباطن ولا في الظاهر وهذا طريق بين يدل على أنه لم يتعلم ذلك من بشر سوى الطرق المذكورة هنا

فصل
ولما كان محمد رسولا إلى جميع الثقلين جنهم وإنسهم عربهم وعجمهم وهو خاتم الأنبياء لا نبي بعده كان من نعمة الله على عباده ومن تمام حجته على خلقه أن تكون آيات نبوته وبراهين رسالته معلومة لكل الخلق الذين بعث إليهم وقد يكون عند هؤلاء من الآيات والبراهين على نبوته ما ليس عند هؤلاء
وكان يظهر لكل قوم من الآيات النفسية والأفقية ما يبين به أن القرآن حق كما قال تعالى
قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
أخبر سبحانه أنه سيري عباده الآيات في أنفسهم وفي الآفاق حتى يتبين لهم أن القرآن حق فإن الضمير عائد إليه إذ هو

الذي تقدم ذكره كما قال
قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد
والضمير في كان عائد إلى معلوم
يقول أرأيتم إن كان القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد فإنه على هذا التقدير يكون الكافر في شقاق بعيد قد شاق الله ورسوله ولا أحد أضل ممن هو في مثل هذا الشقاق حيث كان في شق والله ورسوله في شق كما قال تعالى
سورة البقرة الآيتان 136 137

بين أن من تولى عن ذلك لم يكن متبعا للحق قاصدا له فإن هذا الذي قلتموه لا يتولى عنه من أهل الكتاب من قصده الحق وإنما يتولى عنه من قصده المشاقة والمعاداة لهوى نفسه وهذا يكفيك الله أمره
والقرآن إن كان من عند الله ثم كفر به من كفر فلا أحد أضل ممن هو في مثل حاله إذ هو في شقاق بعيد وإن قدر أنه لم يعلم أنه حق فهو ضال والشقاق قد يكون مع العناد وقد يكون مع الجهل فإن الآيات إذا ظهرت فأعرض عن النظر الموجب للعلم كان مشاقا ولهذا قال عقب ذلك
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
فأخبر أنه سيري عباده من الآيات الأفقية والنفسية ما يبين أنه حق ثم قال
أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد
فإن شهادته وحده كافية بدون ما ينتظر من الآيات كما قال تعالى
قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب
وشهادته للقرآن ولمحمد تكون بأقواله التي أنزلها قبل ذلك على أنبيائه كما قال تعالى عن أهل الكتاب

ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله
وتكون بأفعاله وهو ما يحدثه من الآيات والبراهين الدالة صدق رسله فإنه صدقهم بها فيما أخبروا به عنه وشهد لهم بأنهم صادقون
والقرآن نفسه هو قول الله وفيه شهادة الله بما أخبر به الرسول وإنزاله على محمد وإتيان محمد به هو آية وبرهان وذلك من فعل الله إذ كان البشر لا يقدرون على مثله لا يقدر عليه أحد من الأنبياء ولا الأولياء ولا السحرة ولا غيرهم كما قال تعالى
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
ومحمد أخبر بهذا في أول أمره إذ كانت هذه الآية في سورة سبحان وهي مكية

صدرها بذكر الإسراء الذي كان بمكة باتفاق الناس وقد أخبر خبرا وأكده بالقسم عن جميع الثقلين إنسهم وجنهم أنهم إذا اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله بل يعجزون عن ذلك وهذا فيه آيات لنبوته
منها إقدامه على هذا الخبر العظيم عن جميع الإنس والجن إلى يوم القيامة بأنهم لايفعلون هذا بل يعجزون عنه هذا لا يقدم عليه من يطلب الناس أن يصدقوه إلا وهو واثق بأن الأمر كذلك إذ لو كان عنده شك في ذلك لجاز أن يظهر كذبه في هذا الخبر فيفسد عليه ما قصده وهذا لا يقدم عليه عاقل مع اتفاق الأمم المؤمن بمحمد والكافر به على كمال عقله ومعرفته وخبرته إذ ساس العالم سياسة لم يسسهم أحد بمثلها
ثم جعله هذا في القرآن المتلو المحفوظ إلى يوم القيامة الذي يقرأ به في الصلوات ويسمعه العام والخاص والولي والعدو دليل على كمال ثقته بصدق هذا الخبر وإلا لو كان شاكا في ذلك لخاف أن يظهر كذبه عند خلق كثير بل عند أكثر من اتبعه ومن عاداه وهذا

لا يفعله من يقصد أن يصدقه الناس فمن يقصد أن يصدقه الناس لا يقول مثل هذا ويظهره هذا الإظهار ويشيعه هذه الإشاعة ويخلده هذا التخليد إلا وهو جازم عند نفسه بصدقه
ولا يتصور أن بشرا يجزم بهذا الخبر إلا أن يعلم أن هذا مما يعجز عنه الخلق إذ علم العالم بعجز جميع الإنس والجن إلى يوم القيامة هو من أعظم دلائل كونه معجزا وكونه آية على نبوته فهذا من دلائل نبوته في أول الأمر عند من سمع هذا الكلام وعلم أنه من القرآن الذي أمر ببلاغه إلى جميع الخلق وهو وحده كاف في العلم بأن القرآن معجز
دع ما سوى ذلك من الدلائل الكثيرة على أنه معجز مثل عجز جميع الأمم عن معارضته مع كمال الرغبة والحرص على معارضته وعدم الفعل مع كمال الداعي يستلزم عدم القدرة فلما كان دواعي العرب وغيرهم على المعارضة تامة علم عجز جميع الأمم عند معارضته وهذا برهان ثان يعلم به صدق هذا الخبر وصدق هذا الخبر آية لنبوته غير العلم بأن القرآن معجز فإن ذلك آية مستقلة لنبوته وهي آية ظاهرة باقية إلى آخر الدهر معلومة لكل أحد وهي من أعظم الآيات
فإن كونه معجزا يعلم بأدلة متعددة والإعجاز فيه وجوه

متعددة فتنوعت دلائل إعجازه وتنوعت وجوه إعجازه وكل وجه من الوجوه هو دال على إعجازه وهذه جمل لبسطها تفصيل طويل ولهذا قال تعالى
وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرىلقوم يؤمنون
فهو كاف في الدعوة والبيان وهو كاف في الحجة والبرهان

فصل
والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد كثيرة متنوعة وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء ويسميها من يسميها من النظار معجزات وتسمى دلائل النبوة وأعلام النبوة
وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة وإنما فيه لفظ الآية والبينة والبرهان كما قال تعالى في قصة موسى
فذانك برهان من ربك
في العصا واليد وقال الله تعالى في حق محمد
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا

وقد قال في مطالبة أهل الدعاوى الكاذبة بالبرهان
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
وقال تعالى
أمن يبدؤ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين
وقال
ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون
وقال تعالى
ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون

وأما لفظ الآيات فكثير في القرآن كقوله تعالى
وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته
وقوله تعالى
ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات
وقال تعالى
وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء
آية أخرى وقول فرعون له
فأت به إن كنت من الصادقين

وقال قوم صالح له
فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم
وقال
هذه ناقة الله لكم آية
وقال المسيح
قد جئتكم بآية من ربكم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين
وقال في حق محمد
وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون

اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر
وقال
ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين
وقال تعالى
وقالوا لولا أنزل عليه آية من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون
وقال
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
وقال تعالى

قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار
وقال تعالى
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي
وقال تعالى
قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون
وقال لما ذكر قصص الأنبياء في سورة الشعراء قال في آخر كل قصة
إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم
وقال
لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين
إلى أن قال في آخرها
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون

إلى قوله
وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون
وقال تعالى
وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين
وقال
وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين
وأما لفظ المعجز فإنما يدل على أنه أعجز غيره كما قال تعالى
وما هم بمعجزين
وقال
وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء

ومن لا يثبت فعلا إلا لله يقول المعجز هو الله وإنما سمي غيره معجزا مجازا وهذا اللفظ لا يدل على كون ذلك آية ودليلا إلا إذا فسر المراد به وذكر شرائطه ولهذا كان كثير من أهل الكلام لا يسمي معجزا إلا ما كان للأنبياء فقط وما كان للأولياء إن أثبت لهم خرق عادة سماها كرامة
والسلف كأحمد وغيره كانوا يسمون هذا وهذا معجزا ويقولون لخوارق الأولياء إنها معجزات إذا لم يكن في اللفظ مايقتضي اختصاص الأنبياء بذلك بخلاف ما كان آية وبرهانا على نبوة النبي فإن هذا يجب اختصاصه
وقد يسمون الكرامات آيات لكونها تدل على نبوة من اتبعه الولي فإن الدليل مستلزم للمدلول يمتنع ثبوته بدون ثبوت المدلول فكذلك ما كان آية وبرهانا وهو الدليل والعلم على نبوة النبي يمتنع أن يكون لغير النبي وبسط هذا له موضع آخر
والمقصود هنا أن دلائل نبوة محمد كثيرة متنوعة كما قد تكلمنا على ذلك في غير هذا الكتاب وبينا أن

من يخصص دلائل النبوة بنوع فقد غلط بل هي أنواع كثيرة لكن الآيات نوعان
ومنها ما مضى وصار معلوما بالخبر كمعجزات موسى وعيسى
ومنها ما هو باق إلى اليوم كالقرآن الذي هو من أعلام نبوة محمد وكالعلم والإيمان الذي في أتباعه فإنه من أعلام نبوته وكشريعته التي أتى بها فإنها أيضا من أعلام نبوته وكالآيات التي يظهرها الله وقتا بعد وقت من كرامات الصالحين من أمته ووقوع ما أخبر بوقوعه كقوله لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك وقوله لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى وقد خرجت هذه النار سنة خمسين وستين وستماية وشاهد الناس أعناق الإبل ببصرى

وظهر دينه وملته بالحجة والبرهان واليد والسنان ومثل المثلات والعقوبات التي تحيق بأعدائه وغير ذلك وكنعته الموجود في كتب الأنبياء قبله وغير ذلك

فصل
والقرآن كلام الله وفيه الدعوة والحجة فله به اختصاص على غيره كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة
والقرآن يظهر كونه آية وبرهانا له من وجوه جملة وتفصيلا أما الجملة فإنه قد علمت الخاصة والعامة من عامة الأمم علما متواترا أنه هو الذي أتى بهذا القرآن وتواترت بذلك الأخبار أعظم من تواترها بخبر كل أحد من الأنبياء والملوك والفلاسفة وغيرهم
والقرآن نفسه فيه تحدي الأمم بالمعارضة والتحدي هو أن يحدوهم أي يدعوهم فيبعثهم إلى أن يعارضوه فيقال فيه حداني على هذا الأمر أي بعثني عليه ومنه سمي حادي العيس لأنه بحداه يبعثها على السير

وقد يريد بعض الناس بالتحدي دعوى النبوة ولكنه أصله الأول قال تعالى في سورة الطور
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين
فهنا قال
فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين
في أنه تقوله فإنه إذا كان محمد قادرا على أن يتقوله كما يقدر الإنسان على أن يتكلم بما يتكلم به من نظم ونثر كان هذا ممكنا للناس الذين هم من جنسه فأمكن الناس أن يأتوا بمثله
ثم إنه تحداهم بعشر سور مثله فقال تعالى
أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين
ثم تحداهم بسورة واحدة منه فقال تعالى
وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة

مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين
فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات هم وكل من استطاعوا من دون الله ثم تحداهم بسورة واحدة هم ومن استطاعوا قال
فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو
وهذا أصل دعوته وهو الشهادة بأنه لا إله إلا الله والشهادة بأن محمدا رسول الله
وقال تعالى
فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله
كما قال
لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون
أي هو يعلم أنه منزل لا يعلم أنه مفترى كما قال
وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله

أي ما كان لأن يفتري يقول ما كان ليفعل هذا فلم ينف مجرد فعله بل نفي احتمال فعله وأخبر بأن مثل هذا لا يقع بل يمتنع وقوعه فيكون المعنى ما يمكن ولا يحتمل ولا يجوز أن يفتري هذا القرآن من دون الله فإن الذي يفتريه من دون الله مخلوق والمخلوق لا يقدر على ذلك وهذا التحدي كان بمكة فإن هذه السور مكية سورة يونس وهود والطور
ثم أعاد التحدي في المدينة بعد الهجرة فقال في البقرة وهي سورة مدنية
وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين
ثم قال
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة
فذكر أمرين
أحدهما قوله
فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار

يقول إذا لم تفعلوا فقد علمتم أنه حق فخافوا الله أن تكذبوه فيحيق بكم العذاب الذي وعد به المكذبين وهذا دعاء إلى سبيل ربه بالموعظة الحسنة بعد أن دعاهم بالحكمة وهو جدالهم بالتي هي أحسن
والثاني قوله
ولن تفعلوا
ولن لنفي المستقبل فثبت الخبر أنهم فيما يستقبل من الزمان لا يأتون بسورة من مثله كما أخبر قبل ذلك وأمره أن يقول في سورة سبحان وهي سورة مكية افتتحها بذكر الإسراء وهو كان بمكة بنص القرآن والخبر المتواتر وذكر فيها من مخاطبته للكفار بمكة ما يبين بذلك بقوله
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
فعم بالخبر جميع الخلق معجزا لهم قاطعا بأنهم إذا اجتمعوا كلهم لا يأتون بمثل هذا القرآن ولو تظاهروا وتعاونوا على ذلك وهذا التحدي والدعاء هو لجميع الخلق وهذا قد سمعه كل من سمع القرآن وعرفه الخاص والعام وعلم مع ذلك أنهم لم يعارضوه ولا أتوا بسورة مثله ومن حين بعث وإلى اليوم الأمر على ذلك مع ما علم

من أن الخلق كلهم كانوا كفارا قبل أن يبعث ولما بعث إنما تبعه قليل
وكان الكفار من أحرص الناس على إبطال قوله مجتهدين بكل طريق يمكن تارة يذهبون إلى أهل الكتاب فيسئلونهم عن أمور من الغيب حتى يسألوه عنها كما سألوه عن قصة يوسف وأهل الكهف وذي القرنين كما تقدم وتارة يجتمعون في مجمع بعد مجمع على ما يقولونه فيه وصاروا يضربون له الأمثال فيشبهونه بمن ليس مثله لمجرد شبه ما مع ظهور الفرق فتارة يقولون مجنون وتارة يقولون ساحر وتارة يقولون كاهن وتارة يقولون شاعر إلى أمثال ذلك من الأقوال التي يعلمون هم وكل عاقل سمعها أنها افتراء عليه
فإذا كان قد تحداهم بالمعارضة مرة بعد مرة وهي تبطل دعوته فمعلوم أنهم لو كانوا قادرين عليها لفعلوها فإنه مع وجود هذا الداعي التام المؤكد إذا كانت القدرة حاصلة وجب وجود المقدور ثم هكذا القول في سائر أهل الأرض
فهذا القدر يوجب علما بينا لكل أحد بعجز جميع أهل الأرض عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن بحيلة وبغير حيلة وهذا أبلغ من الآيات التي يكرر جنسها كإحياء الموتى فإن هذا لم يأت أحد

بنظيره وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلاغته فقط أو نظمه وأسلوبه فقط ولا من جهة إخباره بالغيب فقط ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط بل هو آية بينة معجزة من وجوه متعددة من جهة اللفظ ومن جهة النظم ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك
ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل ومن جهة ما أخبر به عن المعاد ومن جهة ما بين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا
وقال تعالى
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا
وقال
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون

قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون
وكل ما ذكره الناس من الوجوه في إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ولا تناقض في ذلك بل كل قوم تنبهوا لما تنبهوا له
ومن أضعف الأقوال قول من يقول من أهل الكلام إنه معجز بصرف الدواعي مع تمام الموجب لها أو بسلب القدرة التامة أو بسلبهم القدرة المعتادة في مثله سلبا عاما مثل قوله تعالى لزكريا
آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا
وهو أن الله صرف قلوب الأمم عن معارضته مع قيام المقتضي التام فإن هذا يقال على سبيل التقدير والتنزيل وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلام يقدر الناس على الإتيان بمثله فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة من أبلغ الآيات الخارقة للعادات بمنزلة من يقول إني آخذ أموال جميع أهل

هذا البلد العظيم وأضربهم جميعهم وأجوعهم وهم قادرون على أن يشكوا إلى الله أو إلى ولي الأمر وليس فيهم مع ذلك من يشتكي فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة
ولو قدر أن واحدا صنف كتابا يقدر أمثاله على تصنيف مثله أو قال شعرا يقدر أمثاله أن يقولوا مثله وتحداهم كلهم فقال عارضوني وإن لم تعارضوني فأنتم كفار مأواكم النار ودماؤكم لي حلال امتنع في العادة أن لا يعارضه أحد فإذا لم يعارضوه كان هذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة
والذي جاء بالقرآن قال للخلق كلهم أنا رسول الله إليكم جميعا ومن آمن بي دخل الجنة ومن لم يؤمن بي دخل النار وقد أبيح لي قتل رجالهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ووجب عليهم كلهم طاعتي ومن لم يطعني كان من أشقى الخلق ومن آياتي هذا القرآن فإنه لا يقدر أحد على أن يأتي بمثله وأنا أخبركم أن أحدا لا يأتي بمثله
فيقال لا يخلوا إما أن يكون الناس قادرين على المعارضة أو عاجزين
فإن كانوا قادرين ولم يعارضوه بل صرف الله دواعي قلوبهم ومنعها أن تريد معارضته مع هذا التحدي العظيم أو سلبهم القدرة التي كانت فيهم قبل تحديه فإن سلب القدرة المعتادة أن يقول رجل

معجزتي أنكم كلكم لا يقدر أحد منكم على الكلام ولا على الأكل والشرب فإن المنع من المعتاد كإحداث غير المعتاد فهذا من أبلغ الخوارق
وإن كانوا عاجزين ثبت أنه خارق للعادة فثبت كونه خارقا على تقدير النقيضين النفي والإثبات فثبت أنه من العجائب الناقضة للعادة في نفس الأمر
فهذا غاية التنزل والا فالصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك ولا يقدر محمد نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامه لكل من له أدنى تدبر كما قد أخبر الله به في قوله
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
وأيضا فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة لكنهم يحسون من أنفسهم العجز عن المعارضة ولو كانوا قادرين لعارضوه

وقد انتدب غير واحد لمعارضته لكن جاء بكلام فضح به نفسه وظهر به تحقيق ما أخبر به القرآن من عجز الخلق عن الإتيان بمثله مثل قرآن مسيلمة الكذاب كقوله يا ضفدع بنت ضفدعين نقي كم تنقين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين رأسك في الماء وذنبك في الطين
وكذلك أيضا يعرفون أنه لم يختلف حال قدرتهم قبل سماعه وبعد سماعه فلا يجدون أنفسهم عاجزين عما كانوا قادرين عليه كما وجد زكريا عجزه عن الكلام بعد قدرته عليه
وأيضا فلا نزاع بين العقلاء المؤمنين بمحمد والمكذبين له إنه كان قصده أن يصدقه الناس ولا يكذبوه وكان مع ذلك من أعقل الناس وأخبرهم وأعرفهم بما جاء به ينال مقصوده سواء قيل إنه صادق أو كاذب فإن من دعى الناس إلى مثل هذا الأمر العظيم ولم يزل حتى استجابوا له طوعا وكرها وظهرت دعوته وانتشرت ملته هذا الانتشار هو من عظماء الرجال على أي حال كان فإقدامه مع هذا القصد في أول الأمر وهو بمكة وأتباعه قليل على أن يقول خبرا يقطع به أنه لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله لا في ذلك العصر ولا في سائر الأعصار

المتأخرة لا يكون إلا مع جزمه بذلك وتيقنه له وإلا فمع الشك والظن لا يقول ذلك من يخاف أن يظهر كذبه فيفتضح فيرجع الناس عن تصديقه
وإذا كان جازما بذلك متيقنا له لم يكن ذلك إلا عن إعلام الله له بذلك وليس في العلوم المعتادة أن يعلم الإنسان أن جميع الخلق لا يقدرون أن يأتوا بمثل كلامه إلا إذا علم العالم أنه خارج عن قدرة البشر والعلم بهذا يستلزم كونه معجزا فإنا نعلم ذلك وإن لم يكن علمنا بذلك خارقا للعادة ولكن يلزم من العلم ثبوت المعلوم وإلا كان العلم جهلا فثبت أنه على كل تقدير يستلزم كونه خارقا للعادة
واما التفصيل فيقال نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيب بديع ليس من جنس أساليب الكلام المعروفة ولم يأت أحد بنظير هذا الأسلوب فإنه ليس من جنس الشعر ولا الرجز ولا الخطابة ولا الرسائل ولا نظمه نظم شيء من كلام الناس عربهم وعجمهم ونفس فصاحة القرآن وبلاغته هذا عجيب خارق للعادة ليس له نظير في كلام جميع الخلق وبسط هذا وتفصيله طويل يعرفه من له نظر وتدبر

ونفس ما اخبر به القرآن في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته أمر عجيب خارق للعادة لم يوجد مثل ذلك في كلام بشر لا نبي ولا غير نبي
وكذلك ما أخبر به عن الملائكة والعرش والكرسي والجن وخلق آدم وغير ذلك ونفس ما أمر به القرآن من الدين والشرائع كذلك ونفس ما أخبر به من الأمثال وبينه من الدلائل هو أيضا كذلك
ومن تدبر ما صنفه جميع العقلاء في العلوم الإلهية والخلقية والسياسية وجد بينه وبين ما جاء في الكتب الإلهية التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء وجد بين ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم مما بين لفظه ونظمه وبين سائر ألفاظ العرب ونظمهم
فالإعجاز في معناه أعظم وأكثر من الإعجاز في لفظه وجميع عقلاء الأمم عاجزون عن الإتيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن الإتيان بمثل لفظه وما في التوراة والإنجيل ولو قد أنه مثل القرآن لا يقدح في المقصود فإن تلك كتب الله أيضا ولا يمتنع أن يأتي نبي بنظير آية نبي كما أتى المسيح بإحياء الموتى وقد وقع إحياء الموتى على يد غيره فكيف وليس ما في التوراة والإنجيل مماثلا

لمعاني القرآن لا في الحقيقة ولا في الكيفية ولا الكمية بل يظهر التفاوت لكل من تدبر القرآن وتدبر الكتب
وهذه الأمور من ظهرت له من أهل العلم والمعرفة ظهر له إعجازه من هذا الوجه ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر الذي يظهر له ولأمثاله كعجز جميع الخلق عن الإتيان بمثله مع تحدي النبي وإخباره بعجزهم فإن هذا أمر ظاهر لكل أحد
ودلائل النبوة من جنس دلائل الربوبية فيها الظاهر البين لكل أحد كالحوادث المشهودة مثل خلق الحيوان والنبات والسحاب وإنزال المطر وغير ذلك وفيها ما يختص به من عرفه مثل دقائق التشريح ومقادير الكواكب وحركاتها وغير ذلك فإن الخلق كلهم محتاجون إلى الإقرار بالخالق والإقرار برسله وما اشتدت الحاجة إليه في الدين والدنيا فإن الله يجود به على عباده جودا عاما ميسرا
فلما كانت حاجتهم إلى النفس أكثر من حاجتهم إلى الماء وحاجتهم إلى الماء أكثر من حاجتهم إلى الأكل كان سبحانه قد جاء بالهواء جودا عاما في كل مكان وزمان لضرورة الحيوان إليه ثم

الماء دونه ولكنه يوجد أكثر مما يوجد القوت وأيسر لأن الحاجة إليه أشد
فكذلك دلائل الربوبية حاجة الخلق إليها في دينهم أشد الحاجات ثم دلائل النبوة فلهذا يسرها الله وسهلها أكثر مما لا يحتاج إليه العامة مثل تماثل الأجسام واختلافها وبقاء الأعراض أو فنائها وثبوت الجوهر الفرد أو انتفاؤه ومثل مسائل المستحاضة وفوات الحج وفساده ونحو ذلك مما يتكلم فيه بعض ا لعلماء

فصل
وسيرة الرسول وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته وأمته من آياته وعلم أمته ودينهم من آياته وكرامات صالح أمته من آياته وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد وإلى أن بعث ومن حيث بعث إلى أن مات وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله فإنه كان من أشرف أهل الأرض نسبا من صميم سلالة إبراهيم الذي جعل الله في ذريته الكتاب والنبوة والكتاب فلم يأت نبي بعد إبراهيم إلا من ذريته ونجعل له ابنين إسماعيل وإسحاق وذكر في التوراة هذا وهذا وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل ولم يكن في ولد إسماعيل من ظهرت فيما بشرت به النبوات غيره ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث فيهم رسولا منهم ثم من قريش صفوة بني إبراهيم ثم من بني هاشم صفوة قريش ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه إبراهيم ودعا الناس إلى حجه ولم يزل محجوجا من عهد إبراهيم مذكورا في كتب الأنبياء بأحسن وصف

وكان من اكمل الناس تربية ونشأة لم يزل معروفا بالصدق والبر والعدل ومكارم الأخلاق وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة وممن آمن به وممن كفر بعد النبوة لا يعرف له شيء يعاب به لا في أقواله ولا في أفعاله ولا في أخلاقه ولا جرب عليه كذبة قط ولا ظلم ولا فاحشة وكان خلقه وصورته من أكمل الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله وكان أميا من قوم أميين لا يعرف لا هو ولا هم ما يعرفه أهل الكتاب التوراة والإنجيل ولم يقرأ شيئا عن علوم الناس ولا جالس أهلها ولم يدع نبوة إلى أن أكمل الله له أربعين سنة فأتى بأمر هو أعجب الأمور وأعظمها وبكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره وأخبرنا بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله
ثم اتبعه أتباع الأنبياء وهم ضعفاء الناس وكذبه أهل الرياسة وعادوه وسعوا في هلاكه وهلاك من اتبعه بكل طريق كما كان الكفار يفعلون بالأنبياء وأتباعهم والذين اتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة

فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم ولا جهات يوليهم إياها ولا كان له سيف بل كان السيف والمال والجاه مع أعدائه وقد آذوا أتباعه بأنواع الأذى وهم صابرون محتبسون لا يرتدون عن دينهم لما خالط قلوبهم من حلاوة الإيمان والمعرفة وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فتجتمع في الموسم قبائل العرب فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة ويدعوهم إلى الله صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب وجفاء الجافي وإعراض المعرض إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود قد سمعوا أخباره منهم وعرفوه فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذي تخبرهم به اليهود وكانوا قد سمعوا من أخباره ما عرفوا به مكانته فإن أمره كان قد انتشر وظهر في بعض عشرة سنة فآمنوا به وبايعوه على هجرته وهجرة أصحابه إلى بلدهم وعلى الجهاد معه فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة وبها المهاجرون والأنصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية ولا برهبة إلا قليلا من الأنصار أسلموا في الظاهر ثم حسن إسلام بعضهم ثم أذن له في الجهاد ثم أمر به ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها من الصدق والعدل والوفاء لا يحفظ له كذبة واحدة ولا ظلم لأحد ولا غدر بأحد بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الأحوال عليه من حرب وسلم وأمن وخوف وغنى وفقر وقلة وكثرة وظهوره على العدو تارة وظهور العدو عليه تارة وهو

على ذلك لازم لأكمل الطرق وأتمها حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الأوثان ومن أخبار الكهان وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق وسفك الدماء المحرمة وقطيعة الأرحام لا يعرفون آخرة ولا معادا فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم حتى أن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا ما كان الذين صحبوا المسيح بأفضل من هؤلاء وهذه آثار علمهم وعملهم في الأرض وآثار غيرهم يعرف العقلاء فرق ما بين الأمرين
وهو مع ظهور أمره وطاعة الخلق له وتقديمهم له على الأنفس والأموال مات ولم يخلف درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا له إلا بغلته وسلاحه ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير ابتاعها لأهله وكان بيده عقار ينفق منه على أهله والباقي يصرفه في مصالح المسلمين فحكم بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته شيئا من ذلك

وهو في كل وقت يظهر على يديه من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه ويخبرهم بخبر ما كان وما يكون ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويشرع الشريعة شيئا بعد شيء حتى أكمل الله دينه الذي بعث به وجاءت شريعته أكمل شريعة لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه لم يأمر بشيء فقيل ليته لم يأمر به ولا نهى عن شيء فقيل ليته لم ينه عنه وأحل الطيبات لم يحرم شيئا منها كما حرم في شرع غيره وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحله غيره وجمع محاسن ما عليه الأمم فلا يذكر في التوراة والإنجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن ملائكته وعن اليوم الآخر إلا وقد جاء به على أكمل وجه وأخبر بأشياء ليست في الكتب
فليس في الكتب إيجاب لعدل وقضاء بفضل وندب إلى الفضائل وترغيب في الحسنات إلا وقد جاء به وبما هو أحسن منه
وإذا نظر اللبيب في العبادات التي شرعها وعبادات غيره من الأمم ظهر فضلها ورجحانها وكذلك في الحدود والأحكام وسائر الشرائع
وأمته أكمل الأمم في كل فضيلة فإذا قيس علمهم بعلم سائر الأمم ظهر فضل علمهم وإن قيس دينهم وعباداتهم وطاعتهم لله

بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا وإذا قيس سخاؤهم وبذلهم وسماحة أنفسهم بغيرهم تبين أنهم أسخى وأكرم من غيرهم وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها لم يكونوا قبله متبعين لكتاب جاء هو بتكميله كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة
فكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة وبعضها من الزبور وبعضها من النبوات وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده كالحواريين وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم حتى أدخلوا لما غيروا دين المسيح في دين المسيح أمورا من أمور الكفار المناقضة لدين المسيح
واما أمة محمد فلم يكونوا قبله يقرؤون كتابا بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والإنجيل والزبور إلا من جهته فهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الأنبياء ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله ونهاهم أن يفرقوا بين أحد من الرسل فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به
سورة البقرة الآيتان 136 و 137

وقال تعالى
سورة البقرة الآيتان 285 و 286
وامته لا يستحلون أن يأخذوا شيئا من الدين من غير ما جاء به ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان فلا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله
لكن ما قصه عليهم من أخبار الأنبياء وأممهم اعتبروا به وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه وما لم يعلموا صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه وما عرفوا أنه باطل كذبوه ومن ادخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند أو الفرس أو اليونان

أو غيرهم كان عندهم من أهل الإلحاد والابتداع وهذا هو الدين الذي كان عليه أصحاب رسول الله والتابعون وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم في الأمة لسان صدق وعليه جماعة المسلمين وعامتهم ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا عند الجماعة وهو مذهب أهل السنة والجماعة الظاهرون إلى قيام الساعة الذين قال فيم النبي لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة
وقد تنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الأصل الذي هو دين الرسل عموما ودين محمد خصوصا
ومن خالف في هذا الأصل كان عندهم ملحدا مذموما ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا قام به أكابر علمائهم وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم ودان به جمهورهم وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح ولا دين غيره من الأنبياء
والله سبحانه وتعالى أرسل رسله بالعلم النافع والعمل

الصالح فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والآخرة وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الأنبياء علما وعملا
ولما بعث الله محمدا بالهدى ودين الحق تلقى ذلك عنه المسلمون أمته
فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد أخذوه عن نبيهم مع ما يظهر لكل عاقل أن أمته اكمل الأمم في جميع الفضائل العلمية والعملية ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو من الأصل المعلم وهذا يقتضي أنه كان أكمل الناس علما ودينا وهذه الأمور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في قوله
إني رسول الله إليكم جميعا
لم يكن كاذبا مفتريا فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم إن كان صادقا أو هو من شر الناس وأخبثهم إن كان كاذبا
وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث والجهل فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين وهذا يستلزم أنه كان صادقا في قوله
إني رسول الله

لأن الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والأول يوجب أنه كان ظالما غاويا والثاني يقتضي أنه كان جاهلا ضالا وكمال علمه ينافي جهله وكمال دينه ينافي تعمد الكذب فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن متعمدا للكذب ولم يكن جاهلا يكذب بلا علم وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق ولهذا نزهه الله عن هذين الأمرين بقوله تعالى
والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
وقال تعالى عن الملك الذي جاء به
إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين
ثم قال عنه
وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين
أي بمتهم أو بخيل كالذي لا يعلم إلا بجعل أو لمن يكرمه

وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين
وقال تعالى
وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين
إلى قوله
هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون
بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه فإن الشيطان يقصد الشر وهو الكذب والفجور ولا يقصد الصدق والعدل فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه

فالرسول بريء من تنزل الشيطان عليه في العمد والخطأ بخلاف غير الرسول فإنه قد يخطىء ويكون خطؤه من الشيطان وإن كان خطؤه مغفورا له فإذا لم يعرف له خبر أخبر به كان فيه مخطئا ولا أمر أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم ولهذا قال في الآية الأخرى عن النبي
إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين

فصل
وقد نقل الناس صفاته الظاهرة الدالة على كماله ونقلوا أخلاقه من حلمه وشجاعته وكرمه وزهده وغير ذلك ونحن نذكر بعض ذلك
ففي الصحيحين عن البراء بن عازب قال كان رسول الله أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير
وعنه قال كان بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى

شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه
وفي البخاري وسئل البراء أكان وجه رسول الله مثل السيف قال لا بل مثل القمر
وفي الصحيحين من حديث كعب بن مالك قال كان النبي إذا سر استنار وجهه حتى كأنه فلقة قمر
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان رسول الله ضخم الرأس والقدمين لم أر قبله ولا بعده مثله وكان بسط الكفين ضخم اليدين

وسئل عن شعره فقال كان شعرا رجلا ليس بالجعد ولا بالسبط بين أذنيه وعاتقه
وفي الصحيحين عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله ضليع الفم أشكل العينين منهوس العقبين وفسرها سماك بن حرب فقال واسع الفم طويل شق العين قليل لحم العقب

وفي الصحيحن عن أنس قال كان رسول الله ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط
وفي الصحيحين عنه قال كان رسول الله أزهر اللون كأن عرقه اللؤلؤ إذا مشى تكفأ وما مسست ديباجة ولا حريرا ألين من كف رسول الله ولا شممت مسكا ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله

وروى الدارمي عن ابن عباس قال كان رسول الله أفلج الثنيتين إذا تكلم رئي النور يخرج من ثناياه
وروي عن ابن عمر قال ما رأيت أحدا أنجد ولا أجود ولا

أشجع ولا أضوأ من رسول الله
وعن أنس قال دخل علينا رسول الله فقال عندنا فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها فاستيقظ رسول الله فقال أم سليم ما هذا الذي تصنعين قالت هذا عرقك نجعله في طيبنا وهو أطيب من الطيب أخرجاه في الصحيحين
وروى الدارمي عن جابر قال كان رسول الله

لا يسلك طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه
وفي حديث أم معبد المشهور لما مر بها النبي في الهجرة هو وأبو بكر ومولاه ودليلهم وجاء زوجها فقال صفيه لي يا أم معبد فقالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن

وروى أبو زرعة عن محمد بن عمار بن ياسر قالت قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء صفي لنا رسول الله فقالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة
وفي الصحيحين عن أنس قال كان رسول الله أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم

رسول الله راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري في عنقه السيف وهو يقول لن تراعوا وقال وجدناه بحرا وكان الفرس قبل ذلك بطيئا فعاد لا يجارى
وفي الصحيحن عن ابن عباس قال كان رسول الله أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال كنا إذا احمر

البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذي به يعني رسول الله
وعن علي بن أبي طالب قال لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله وكان أشد الناس بأسا وما كان أحد أقرب إلى العدو منه ذكره البيهقي بإسناد صحيح
وفي الصحيحين عن أنس قال خدمت رسول الله عشر سنين والله ما قال لي أفا قط ولا قال لي

لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا
وفي رواية في الصحيحين أيضا قال خدمته في السفر والحضر والله ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا ولا لشيء لم أصنعه لم لم تصنع هذا هكذا وكان أحسن الناس خلقا وفي الصحيحين عن جابر قال ما سئل رسول الله شيئا فقال لا
وفي الصحيحين عن أنس قال ما سئل رسول الله على الإسلام شيئا إلا أعطاه قال فجاءه رجل فأعطاه

غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفاقة
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله أشد حياء من العذراء في خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو وذكر رسول الله قال لم يكن فاحشا ولا متفحشا

وروى البخاري عن أنس قال لم يكن رسول الله سبابا ولا فحاشا ولا لعانا كان يقول لأحدنا عند المعتبة ماله تربت جبيبنه
وفي صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله
وعنها قالت ما ضرب رسول الله بيده شيئا قط لا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله

وروى مسلم في صحيحه عنها وقد سئلت عن خلق رسول الله فقالت كان خلقه القرآن
وروى أبو داود الطيالسي عن شعبة حدثنا أبو إسحاق حدثنا أبو عبد الله الجدلي قال سمعت عائشة وسألها عن خلق رسول الله فقالت لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أو يغفر شك أبو داود

ورواه الحاكم في مستدركه على الصحيحين
وفي الصحيحين عن علقمة قالت سألت عائشة كيف كان عمل رسول الله وهل كان يخص شيئا من الأيام قالت لا كان عمله ديمة وأيكم يستطيع ما كان رسول الله يستطيع
وروى مسلم في صحيحه عن سعد بن هشام وقد سأل عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله

فقالت ألست تقرأ القرآن قال بلى قالت فإن خلق نبي الله القرآن
وفي صحيح الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله قال بعثت لأتمم صالح الأخلاق
وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال قام رسول الله حتى تورمت قدماه فقيل يا رسول الله أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال ما عاب رسول الله

طعاما قط إن اشتهاه أكله وإلا تركه
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وأبو الشيخ الأصبهاني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن أخاه أتى النبي فقال جيراني على ما أخذوا فأعرض عنه النبي فقال إن الناس يزعمون أنك نهيت عن الغي ثم تستخلي به فقال لأن

كنت أفعل ذلك أنه لعلي وما هو عليهم خلوا له جيرانه
وروى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أنس بن مالك قال ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لم يعلمون من كراهته لذلك رواه عن عبد الرحمن بن مهدي ثنا حماد بن سلمة عن حميد عنه
وروى عنه أبو نعيم وأبو الشيخ وغيرهما عن ابن عباس أن الله أرسل إلى نبيه ملكا من الملائكة معه جبريل فقال الملك إن الله خيره بين أن يكون عبدا وبين أن يكون ملكا

نبيا قال فالتفت رسول الله إلى جبريل كالمستشير فأشار جبريل بيده أن تواضع فقال رسول الله لا بل أكون عبدا نبيا رواه النسائي والبخاري في تاريخه
وفي صحيح مسلم عن أنس قال كان غلام يهودي يخدم النبي فمرض فأتاه النبي فقال أتشهد أن لا إله إلا الله فنظر الغلام إلى أبيه فقال له أبوه أطع أبا القاسم فأسلم فقال النبي الحمد لله الذي أنقذه بي من النار
وعن أبي حازم أن النبي كلم

رجلا فأرعد فقال له رسول الله هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد رواه ابن الجوزي من طرق بعضها متصلا عن ابن مسعود قال ابن الجوزي وروي متصل والصواب إرساله كما تقدم

وفي الصحيح عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء قالت يا رسول الله إن لي إليك حاجة قال يا أم فلان خذي في أي الطرق شئت قومي فيه حتى أقوم معك فخلا معها يناجيها حتى قضت حاجتها رواه مسلم
وعن أنس قال كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتدور به في حوائجها حتى تفرغ ثم يرجع رواه البخاري في الأدب

وروي عن ابن أبي أوفى قال كان رسول الله يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته
وعنه قال كان رسول الله يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يستنكف أن يمشي مع العبد ولا مع الأرملة حتى يفرغ من حاجتهم ورواه الدارمي والحاكم في صحيحه
وروى أبو داود الطيالسي عن أنس قال كان رسول الله يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة

المملوك ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه ليف
وروى مسلم في صحيحه عن أنس قال ما رأيت أرحم بالعيال من رسول الله
وروى البخاري عنه قال مر رسول الله على صبيان فسلم عليهم
وروى ابن عباس قال كان رسول الله يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك
وعن قدامة بن عبد الله رأيت رسول الله

على بغلة شهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك رواهما أبو الشيخ
وعن عائشة قالت ما رأيت رسول الله قط مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف في وجهه فقلت يا رسول الله الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية قال يا عائشة وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد أتى العذاب قوما وتلا قوله تعالى
فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا
أخرجاه في الصحيحين

وفي الصحيحين أيضا عن أنس قال كنت أمشي مع النبي وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذ بردائه جبذا شديدا حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك قال فالتفت إليه رسول الله فضحك ثم أمر له بعطاء
وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قام وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم

وفي رواية أخرى صحيحة كان طويل الصمت قليل الضحك وكان أصحابه ربما تناشدوا عنده الشعر والشيء من أمورهم فيضحكون ويتبسم
وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها وسألها الأسود ما كان رسول الله يصنع في أهله فقالت كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج
ومن رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة

قال سأل رجل عائشة هل كان يعمل في بيته فقالت كان يخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته
وروى الطيالسي ثنا شعبة ثنا الأعور قال سمعت أنسا يقول كان رسول الله يركب الحمار ويلبس الصوف ويجيب دعوة المملوك ولقد رأيته يوم خيبر على حمار خطامه من ليف
وروى مسلم في صحيحه عن أنس قال ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله
وروى عنه البخاري قال مر رسول الله على صبيان فسلم عليهم

وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت ما شبع رسول الله ثلاثة أيام من خبز بر تباعا حتى مضى لسبيله
وعنها قالت كنا آل محمد يمر بنا الهلال والهلال ما نوقد بنار لطعام إلا أنه التمر والماء إلا أنه حولنا أهل دور من الأنصار فيبعث أهل كل دار بفريزة شاتهم إلى رسول الله وكان النبي يشرب من ذلك اللبن أخرجاه في الصحيحين
وفي صحيح البخاري قال أنس ما رأى رسول الله رغيفا مرققا حتى لحق بالله ولا أرى شاة

سميطا بعينه قط
وفي صحيح البخاري عنه ما أكل رسول الله على خوان ولا في سكرجة ولا خبز له مرقق فقيل له على ما كانوا يأكلون قال على السفر
وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب أنه خطب وذكر ما فتح على الناس فقال لقد رأيت رسول الله يتلوى يومه من الجوع ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه

وفي صحيح البخاري عن أنس أنه مشى إلى النبي بخبز شعير وإهالة سنخة ولقد رهن درعه عند يهودي فأخذ لأهله شعيرا ولقد سمعته يقول ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب وإنهم يومئذ تسعة أبيات
وفيه عن عائشة قالت كان فراش رسول الله من أدم حشوه ليف
وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما ذكر اعتزال رسول الله نساءه قال فدخلت على رسول الله في خزانته فإذا هو مضطجع على حصير فأدنى إليه إزاره وجلس وإذا الحصير قد أثر بجنبه وقلبت عيني في بيته فلم أجد شيئا يرد البصر غير قبضة من شعير

وقبضة من قرظ نحو الصاعين وإذا أفيق ملعقة فابتدرت عيناي فقال رسول الله ما يبكيك يا ابن الخطاب فقلت يا رسول الله وما لي لا أبكي وأنت صفوة الله ورسوله وخيرته من خلقه وهذه خزانتك وهذه الأعاجم كسرى وقيصر في الثمار والأنهار فقال أو في شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا وفي رواية أو ما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى قال فالحمد لله عز و جل قال فقلت أستغفر الله
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا

وروى الطيالسي بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال اضطجع النبي على حصير فأثر الحصير بجلده فجعلت أمسحه عنه وأقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألا آذنتنا فنبسط لك شيئا يقيك منه تنام عليه فقال ما لي وللدنيا ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها
ورواه الحاكم في صحيحه عن ابن عباس أن عمر دخل على النبي وذكر نحوه

وفي الترمذي عن أنس بن مالك قال حج النبي على رحل رث وقطيفة ورواه البخاري أيضا عن أنس في كتاب الحج فقال حج أنس على رحل رث ولم يكن شحيحا وحدث أن النبي حج على رحل وكانت زاملته
وفي صحيح الحاكم عن أنس أن النبي

لبس خشنا وأكل خشنا ولبس الصوف واحتذى المخصوف قيل للحسن ما الخشن قال غليظ الشعير ما كان يسيغه إلا بجرعة ماء
انتهى المجلد الخامس
ويليه المجلد السادس
وأوله فصل في فضل أمة محمد على غيرها

فصل ومما يبين به فضل أمته على جميع الأمم وذلك مستلزم لكونه رسولا صادقا كما تقدم وهو آية وبرهان على نبوته فإن كل ملزوم فإنه دليل على لازمه إن الأمم نوعان نوع لهم كتاب منزل من عند الله كاليهود والنصارى ونوع لا كتاب لهم كالهند واليونان والترك وكالعرب قبل مبعث محمد صلى الله عليه و سلم وما من أمة إلا ولا بد لها من علم وعمل بحسبهم ويقوم به ما يقوم من مصالح دنياهم وهذا من الهداية العامة التي جعلها الله لكل إنسان بل لكل حي كما يهدي الحيوان لجلب ما ينفعه بالأكل والشرب ودفع ما يضره باللباس والكن وقد خلق الله فيه حبا لهذا وبغضا لهذا قال تعالى سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى

وقال موسى ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى وقال في أول ما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم وقال تعالى ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين ثم الأمم متفاضلون في معرفة الخالق تعالى وفي الإقرار بالمعاد بعد الموت إما للأرواح فقط وإما للأبدان فقط وإما لمجموعهما كما هو قول سلف الأمة المسلمين وأئمتهم وعامتهم أهل السنة والجماعة ومتفاضلون فيما يحمدونه ويستحسنونه من الأفعال والصفات وما يذمونه ويستقبحونه من ذلك

لكن عامة بني آدم على أن العدل خير من الظلم والصدق خير من الكذب والعلم خير من الجهل فإن المحسن إلى الناس خير من الذي لا يحسن إليهم وأما المعاد فهو إما للأرواح أو للأبدان وإن الناس بعد الموت يكونون سعداء أو أشقياء فيقر به كثير من الأمم غير أهل الكتاب وإن كان على وجه قاصر كحكماء الهند واليونان والمجوس وغيرهم وذلك أن أهل الأرض في المعاد على أربعة أقوال
أحدها وهو مذهب سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين المشهورين وغيرهم من أهل السنة والحديث من الفقهاء والصوفية والنظار وهو إثبات معاد الأواح والأبدان جميعا وأن الإنسان إذا مات كانت روحه منعمة أو معذبة ثم تعاد روحه إلى بدنه عند القيامة الكبرى ولهذا يذكر الله في كثير من السور أمر القيامتين القيامة الصغرى بالموت والقيامة الكبرى حين يقوم الناس من قبورهم وتعاد أرواحهم إلى ابدانهم كما ذكر الله القيامتين في سورة الواقعة حيث قال في أولها إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم

أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ثم ذكر سبحانه حال الأصناف الثلاثة في القيامة الكبرى وقال في آخر السورة فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم وكذلك في سورة القيامة

لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بل قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسئل أيان يوم القيامة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر فذكر القيامة الكبرى ثم قال في آخر السورة كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق ولبسط هذا موضع آخر فإن ذكر ما ينال الروح عند فراق البدن من النعيم والعذاب كثير في النصوص النبوية

وأما وصف القيامة الكبرى في الكتاب والسنة فكثير جدا لأن محمدا صلى الله عليه و سلم خاتم الأنبياء وقد بعث بين يدي الساعة فلذلك وصف القيامة بما لم يصفها به غيره كما ذكر المسيح في صفته فقال إنه يخبركم بكل ما يأتي ويعرفكم جميع ما للرب
والقول الثاني قول من يثبت معاد الأبدان فقط كما يقول ذلك كثير من المتكلمين الجهمية والمعتزلة المبتدعين من هذه الأمة وبعض المصنفين يحكي هذا القول عن جمهور متكلمي المسلمين أو جمهور المسلمين وذلك غلط فإنه لم يقل ذلك أحد من أئمة المسلمين ولا هو قول جمهور نظارهم بل هو قول طائفة من متكلميهم المبتدعة الذين ذمهم السلف والأئمة
والقول الثالث المعاد للنفس الناطقة بالموت فقط وأن الأبدان لا تعاد وهذا لم يقله أحد من أهل الملل لا المسلمين ولا اليهود ولا النصارى بل هؤلاء كلهم متفقون على إعادة الأبدان وعلى القيامة الكبرى ولكن من تفلسف من هؤلاء فوافق سلفه من الصابئة والفلاسفة المشركين على ان المعاد للروح وحده فإنه يزعم أن الأنبياء خاطبوا الجمهور بمعاد الأبدان وإن لم يكن له حقيقة وخاطبوهم بإثبات الصفات لله وليس له حقيقة وأن الأنبياء لم يظهروا الحقائق للخلق

وأنه لا يستفاد من أخبارهم معرفة شيء من صفات الله ولا معرفة شيء من أمر المعاد وحقيقة قولهم أن الأنبياء كذبوا للمصلحة وهؤلاء ملاحدة كفار عند المتبعين للأنبياء من المسلمين واليهود والنصارى وإن كان هؤلاء كثيرين موجودين فيمن يتظاهر بأنه من أهل الملل لظهور أديانهم وهو في الباطن على هذا الرأي وهؤلاء القائلون بمعاد الأرواح فقط منهم من يقول بأن الأرواح تتناسخ أما في أبدان الآدميين أو أبدان الحيوان مطلقا أو في موضع الأجسام النامية ومنهم من يقول بالتناسخ للأنفس الشقية فقط وكثير من محققيهم ينكر التناسخ
والقول الرابع إنكار المعادين جميعا كما هو قول أهل الكفر من العرب واليونان والهند والترك وغيرهم والمتفلسفة أتباع أرسطو كالفارابي وأتباعه لهم في معاد الأرواح ثلاثة أقوال قيل بالمعاد للنفس العالمة والجاهلة وقيل بالمعاد للعالمة دون الجاهلة وقيل بإنكار الاثنين والفارابي نفسه قد قال الأقوال الثلاثة وبسط الكلام على هذه الأمور له موضع آخر إذ المقصود

هنا أن كل ما عند أهل الكتاب بل وسائر أهل الأرض من علم نافع وعمل صالح فهو عند المسلمين وعند المسلمين ما ليس عند غيرهم في جميع المطالب التي تنال بها السعادة والنجاة وعقلاء جميع الأمم تأمر بالعدل ومكارم الأخلاق وتنهى عن الظلم والفواحش ولهم علوم إليهة وعبادات بحسبهم ويعظمون أهل العلم والدين منهم والهند واليونان والفرس في ذلك أكمل من كفار الترك والبربر ونحوهم مع أن هؤلاء أيضا فيهم قسط من ذلك ومعلوم عند الاعتبار أن الأمم الذين لهم كتاب كاليهود والنصارى أكمل من الأمم الذين لا كتاب لهم في الفضائل العلمية والعملية فإن ما لم يأخذه الناس عن الأنبياء يعلم بالعقل والاعتبار أو بالمنام والإلهام وأخبار الجن ونحو ذلك من طرق الأمم وكل طريق صحيح من الطرق العقلية والإلهامية وغيرها شارك

أهل الكتاب فيه من لا كتاب له ويمتاز أهل الكتاب بعلوم وأعمال أخذوها عن الأنبياء ليس في قوة من ليس بنبي ان يعلمها وهذا ظاهر في الأخلاق والسياسات المزلية فإن جنس أهل الكتاب ولو كان منسوخا مبدلا أحسن حال لا كتاب له وأما في العبادات والإيمان بالله واليوم الآخر فرجحانهم فيه ظاهر واما علوم وأعمال يكون ضررها راجحا كالسحر والطلسمات وما يتوسل به من الشرك إلى إستخدام الشياطين ونحو ذلك فهذا وإن كان غير أهل الكتاب أقوم به فإنما ذاك لاستغناء أهل الكتاب بما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة ولهذا لما ذكر الله سبحانه في قصة سليمان براءته عن

ذلك وكانت الشياطين قد كتبت كتب كفر وسحر ودفنتها تحت كرسي سليمان فلما مات أظهروا ذلك وقالوا إنما كان يسخر الجن بهذه الأسماء والعزائم فصدقهم فريقان فريق قدحوا في سليمان بل كفروه من أهل الكتاب وقال من فعل ذلك فهو كافر وفريق قالوا نحن نقتدي بسليمان ونفعل كما كان يفعل وهم أهل العزائم والطلاسم التي يستخدمون بها الجن ويقولون إن سليمان كان يستخدمهم بها حتى يقولوا إن هذه الأسماء كانت مكتوبة على تاجه وهذا صورة خاتمه وهذا كلام آصف بن برخيا إلى امثال ذلك مما يضيفونه إليه وهو كذب على سليمان وقد ذكر ذلك علماء المسلمين في تفسير قوله تعالى سورة البقرة الآيتان 101 103

فذم سبحانه من عدل عن اتباع كتاب الله ورسله واتبع ما تتلوه الشياطين على عهد سليمان وبين سبحانه أن سليمان لم يكفر ولكن الشياطين كفروا وأنهم يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل وأن الملكين هاروت وماروت ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر وأخبر سبحانه أنهم لا يضرون به احدا إلا بإذن الله

وأنهم يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ثم قال ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق أي من نصيب أي هؤلاء يعلمون أن صاحبه لا نصيب له في الآخرة وإنما يطلبون أنهم يقضون به أغراضهم الدنيوية لما لهم في ذلك من الهوى وذلك ضار لهم لا نافع كما قال في المشرك يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه قال تعالى ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون فبين سبحانه أنه بالإيمان والتقوى يحصل من ثواب الله ما هو خير لهم من هذا فإنهم إنما يطلبونه لما يرجون به من الخير لهم وهذا خير لهم وهذا كقوله إذ نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم

فإن ما تطلبه النفوس فيه لها لذة يجعل خيرا بذلك الاعتبار لكن إذا كان الألم زائدا على اللذة كان شره أعظم من خيره والشرائع جاء بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها فهي تأمر بما تترجح مصلحته وإن كان فيه مفسدة مرجوحة كالجهاد وتنهى عما ترجحت مفسدته وإن كان فيه مصلحة مرجوحة كتناول المحرمات من الخمر وغيره ولهذا أمر تعالى أن نأخذ بأحسن ما أنزل إلينا من ربنا فالأحسن إما واجب وإما مستحب قال تعالى فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها وقال واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم فأمر باتباع الأحسن والأخذ به وقال تعالى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله فاقتضى أن غيرهم لم يهده وهذا يقتضي وجوب الأخذ بالأحسن وهو مشكل وقد تكلم الناس فيه ونظيره قوله تعالى

وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم وقوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن السيئة مع قوله تعالى في موضع آخر ويدرؤون بالحسنة السيئة وقال تعالى وجادلهم بالتي هي أحسن وقال ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن وقال تعالى ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن في موضعين

وقد يقال هذا نظير قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم وقوله تعالى ءالله خير أما يشركون وقوله تعالى تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين وقوله والله خير وأبقى وقوله والآخرة خير وأبقى وقوله فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا

وقوله أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا وقوله تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا وقوله تعالى اعدلوا هو أقرب للتقوى وقوله ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم واشد تثبيتا ونظائر هذا كثيرة مما يذكر فيه أن المأمور به خير وأحسن من المنهي عنه وإن كان الأول واجبا والثاني محرما وذلك لأن المأمور به قد يشتمل على مفسدة مرجوحة والمنهي عنه يشتمل على مصلحة مرجوحة فيكون باعتبار ذلك في

هذا خير وحسن وفي هذا شر وسيىء لكن هذا خير وأحسن وإن كان واجبا فقوله تعالى واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم هو أمر بالأحسن من فعل المأمور أو ترك المحظور وهو يتناول الأمر بالواجب والمستحب فإن كلاهما أحسن من المحرم والمكروه لكن يكون الأمر أمر إيجاب وأمر استحباب كما امر بالإحسان في قوله تعالى وأحسنوا إن الله يحب المحسنين والإحسان منه واجب ومنه مستحب

فصل وإذا كان جنس أهل الكتاب أكمل في العلوم النافعة والأعمال الصالحة ممن لا كتاب له فمعلوم أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم أكمل من طائفتي أهل الكتاب اليهود والنصارى وأعدل وقد جمع لهم محاسن ما في التوراة وما في الإنجيل فليس عند أهل الكتاب فضيلة علمية وعملية إلا وأمة محمد صلى الله عليه و سلم أكمل منهم فيها فأما العلوم فهم أحذق في جميع العلوم من جميع الأمم حتى العلوم التي ليست بنبوية ولا أخروية كعلم الطب مثلا والحساب ونحو ذلك هم أحذق فيها من الأمتين ومصنفاتهم فيها أكمل من مصنفات الأمتين بل أحسن علما وبيانا لها من الأولين الذين كانت هي غاية علمهم وقد يكون الحاذق فيها من هو عند المسلمين منبوز بنفاق وإلحاد ولا قدر له عندهم لكن حصل له بما يعلمه من

المسلمين من العقل والبيان ما اعانه على الحذق في تلك العلوم فصار حثالة المسلمين أحسن معرفة وبيانا لهذه العلوم من اولئك المتقدمين وأما العلوم الإلهية والمعارف الربانية وما أخبرت به الأنبياء من الغيب كالعرش والملائكة والجن والجنة والنار وتفاصيل المعاد فكل من نظر في كلام المسلمين فيها وكلام علماء اليهود والنصارى وجد كلام المسلمين فيها اكمل وأتم ومعلوم أن علم أهل الكتاب والملل بذلك أتم من علم غيرهم وأما العبادة والزهد والأخلاق والسياسة المنزلية والمدنية فالكلام فيها مبني على أصل وهو معرفة المقصود بها وما به يحصل المقصود فنقول للناس في مقصود العبادات مذاهب منهم من يقول المقصود بها تهذيب أخلاق النفوس وتعديلها لتستعد بذلك للعلم وليست هي مقصودة في نفسها ويجعلونها من قسم الأخلاق وهذا قول متفلسفة اليونان وقول من اتبعهم من الملاحدة والإسماعيلية وغيرهم من المتفلسفة الإسلاميين

كالفارابي وابن سينا وغيرهما ومن سلك طريقهم من متكلم ومتصوف ومتفقه كما يوجد مثل ذلك في كتب أبي حامد والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وابن عربي وابن سبعين لكن أبو حامد يختلف كلامه تارة يوافقهم وتارة يخالفهم وهذا القدر فعله ابن سينا وأمثاله ممن رام الجمع بين ما جاءت به الأنبياء وبين فلسفة المشائين أرسطو وأمثاله ولهذا تكلموا في الآيات وخوارق العادات وجعلوا لها ثلاثة أسباب القوى الفلكية والقوى النفسانية والطبيعية إذ كانت هذه هي المؤثرات في هذا العالم عندهم وجعلوا ما للأنبياء وغير الأنبياء من المعجزات والكرامات وما للسحرة من العجائب هو من قوى النفس لكن الفرق بينهما أن ذلك قصده الخير هذا قصده الشر وهذا المذهب من افسد مذاهب العقلاء كما قد بسط الكلام عليه في موضع آخر فإنه مبني على إنكار الملائكة وإنكار الجن وعلى أن الله لا يعلم الجزئيات ولا يخلق بمشيئته وقدرته ولا يقدر على تغيير العالم ثم أن هؤلاء لا يقرون من المعجزات إلابما جرى على هذا

الأصل وأمكن أن يقال فيه هذا مثل نزول المطر وتسخير السباع وإمراض الغير وقتله ونحو ذلك وأما قلب العصا حية وإحياء الموتى وإخراج الناقة من الهضبة وانشقاق القمر وأمثال ذلك فلا يقرون به وقد علم بطرق متعددة ما يكون من الخوارق بسبب افعال الجن وبسبب افعال الملائكة وأحوال الجن معلومة عند عامة الأمم مسلمهم وكافرهم لا يجحد ذلك إلا من هو من أجهل الناس وكذلك من فسرها بقوى النفس وهذا غير إخبار الله عنهم فيما أنزله من الكتب وأما الملائكة فأمرهم أجل وهم رسل الله في تدبير العالم كما قال تعالى فالمدبرات أمرا وقال فالمقسمات أمرا وقد ذكر الله تعالى في كتبه من أخبارهم وأصنافهم

ما يطول وصفه وآثارهم موجودة في العالم يعرف ذلك بالاعتبار كما قد بسط في موضعه إذ المقصود هنا ذكر مذاهب الناس في العبادات وهؤلاء غاية ما عندهم في العبادات والأخلاق والحكمة العملية أنهم رأوا النفس فيها شهوة وغضب من حيث القوة العملية ولها نظر من جهة القوة العلمية فقالوا كمال الشهوة في العفة وكما الغضب في الحلم والشجاعة وكما القوة النظرية في العلم والتوسط في جميع ذلك بين الإفراط والتفريط هو العدل وما ذكروه من العمل متعلق بالندب لم يثبتوا خاصية النفس التي هي محبة الله وتوحيده بل ولا عرفوا ذلك كما لم يكن عندهم من العلم بالله إلا قليل مع كثير من الباطل كما بسط الكلام عنهم في موضعه ومحبة الله وتوحيده هو الغاية التي فيها صلاح للنفس وهو عبادة الله وحده لا شريك له فلا صلاح للنفس ولا كمال لها إلا في ذلك وبدون ذلك تكون فاسدة لا صلاح لها كما قد بسط الكلام على ذلك

في موضع آخر ولهذا كان هذا هو دين الإسلام الذي اتفقت عليه الرسل قال الله تعالى ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت وقال وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وقال ومن يتبغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وقال تعالى وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون وقال تعالى يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم

وإن هذه أمتكم امة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون وقال لما ذكر قصص الأنبياء إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون وقال تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وقال تعالى فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل

لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم كانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وقد قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فالغاية الحميدة التي بها يحصل كمال بني آدم وسعادتهم ونجاتهم عبادة الله وحده وهي حقيقة قول القائل لا إله إلا الله ولهذا بعث الله جميع الرسل وأنزل جميع الكتب ولا تصلح النفس وتزكو وتكمل إلا بهذا كما قال تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة أي لا يؤتون ما تزكو به نفوسهم من التوحيد والإيمان وكل من لم يحصل له هذا الإخلاص لم يكن من أهل النجاة والسعادة كما قال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء

في موضعين من كتابه وهذا أول الكلمات العشر التي أنزلها الله على موسى حيث قال أنا الله لا إله إلا انا آلهك الذي أخرجتك من أرض مصر من التعبد لا يكون لك إله غيري لا تتخذ صورا ولا تمثالا ما في السموات من فوق ومن في الأرض من أسفل وما في الماء من تحت الأرض لا تسجد لهن ولا تعبدهن إني إنا ربك العزيز وقد شهد المسيح عليه السلام أن هذا هو أعظم وصية في الناموس فعبادة الله وحده لا شريك له وان يكون الله احب إلى العبد من كل ما سواه هو أعظم وصية وكلمة جاء بها المرسلون كموسى والمسيح ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين وضد هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله تعالى قال تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله

وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع وبين أن النفس ليس لها نجاة ولا سعادة ولا كمال إلا بأن يكون الله معبودها ومحبوبها الذي لا أحب إليها منه ولهذا كثر في الكتب الإلهية الأمر بعبادة الله وحده ولفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال الحب فلا بد أن يكون العابد محبا للإله المعبود كمال الحب ولا بد أن يكون ذليلا له كمال الذل فمن احب شيئا ولم يذل له لم يعبده ومن خضع له ولم يحبه لم يعبده وكمال الحب والذل لا يصلح إلا لله وحده فهو الإله المستحق للعبادة التي لا يستحقها إلا هو وذلك يتضمن كمال الحب والذل والإجلال والإكرام والتوكل والعبادة فالنفوس محتاجة إلى الله من حيث هو معبودها ومنتهى مرادها وبغيتها ومن حيث هو ربها وخالقها فمن آمن بالله رب كل شيء وخالقه ولم يعبد إلا الله وحده بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه وأخشى عنده من كل ما سواه وأعظم عنده من كل ما سواه وأرجى عنده من كل ما سواه بل من سوى بين الله وبين بعض المخلوقات في الحب بحيث يحبه مثل ما يحب الله ويخشاه مثل ما يخشى الله ويرجوه مثل ما يرجو الله ويدعوه مثل ما يدعوه فهو

مشرك الشرك الذي لا يغفره الله ولو كان مع ذلك عفيفا في طعامه ونكاحه وكان حكيما شجاعا فما ذكره المتفلسفة من الحكمة العملية ليس فيها من الأعمال ما تسعد به النفوس وتنجو من العذاب كما أن ما ذكروه من الحكمة النظرية ليس فيها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فليس عندهم من العلم ما تهتدي به النفوس ولا من الأخلاق ما هو دين حق ولهذا لم يكونوا داخلين في أهل السعادة في الآخرة المذكورين في قوله تعالى إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصائبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهذه الفضائل الاربع التي ذكرها المتفلسفة لا بد منها في كمال النفس وصلاحها وتزكيتها والمتفلسفة لم يحدوا ما يحتاج إليه بحد يبين مقدار ما تحصل به

النجاة والسعادة ولكن الأنبياء بينوا ذلك وقد قال سبحانه قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون فهذه الأنواع الأربعة هي التي حرمها تحريما مطلقا لم يبح منها شيئا لأحد من الخلق ولا في حال من الاحوال بخلاف الدم والميتة ولحم الخنزير وغير ذلك فإنه يحرم في حال وياح في حال وأما الأربعة فهي محرمة مطلقا فالفواحش متعلقة بالشهوة والبغي بغير الحق يتعلق بالغضب والشرك بالله فساد أصل العدل فإن الشرك ظلم عظيم والقول على الله بلا علم فساد في العلم فقد حرم سبحانه هذه الأربعة وهي فساد الشهوة والغضب وفساد العدل والعلم وقوله وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا يتضمن تحريم أصل الظلم في حق الله وذلك يستلزم إيجاب العدل في حق الله تعالى وهو عبادته وحده لا شريك له فإن

النفس لها القوتان العلمية والعملية وعمل الإنسان عمل اختياري والعمل الاختياري إنما يكون بإرادة العبد وكل إنسان له إرادة وعمل بإرادته فإن الإنسان حساس يتحرك بالإرادة ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم أصدق الأسماء الحارث وهمام والإرادة لا بد لها من مراد وكل مراد فأما أن يراد لنفسه وأما أن يراد لغيره والمراد لغيره لا بد أن ينتهي إلى مراد لنفسه فالقوة العملية تستلزم أن يكون للإنسان مراد وذلك المراد لنفسه هو علة فاعلة للعلة الفاعلة ولهذا قيل العامة تقول

قيمة كل امرىء ما يحسنه والعارفون يقولون قيمة كل امرىء ما يطلب وفي بعض الكتب المتقدمة إني لا أنظر إلى كلام الحكيم وإنما أنظر إلى همته وهؤلاء المتفلسفة لم يذكروا هذا في كمال النفس وإنما جعلوا كمالها العملي في تعديل الشهوة والغضب بالعفة والحلم وهذا غايته ترك الإسراف في الشهوة والغضب والشهوة هي جلب ما ينفع البدن ويبقي النوع والغضب دفع ما يضر البدن ولم يتعرضوا لمراد الروح الذي يحبه لذاته مع أنهم إنما تكلموا فيما يعود إلى البدن وجعلوا ذلك إصلاحا للبدن الذي هو آلة للنفس وجعلوا كمال النفس في مجرد العلم وقد بسطنا غلطهم في هذا الأصل من وجوه في غير هذا الموضع وبينا أن النفس لها كمال في العمل والإرادة كما أن لها

كمالا في العلم وأن العلم المجرد ليس كمالا لها ولا صلاحا ولو كان كمالا لم يكن ما عندهم من العلم ما هو كمال النفس وبينا غلط الجهمية الذين قالوا الإيمان هو مجرد العلم وأن الصواب قول السلف والأئمة إن الإيمان قول وعمل أصله قول القلب وعمل القلب المتضمن علم القلب وإرادته وإذا كان لا بد للنفس من مراد محبوب لذاته لا تصلح إلا به ولا تكمل إلا به وذلك هو إلهها فليس لها إله يكون به صلاحا إلا الله ولهذا قال الله تعالى لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وليس ذلك للإنسان فقط بل للملائكة الجن فإنهم كلهم أحياء عقلاء ناطقون لهم علم وعمل اختياري ولا صلاح لهم إلا بمرادهم المحبوب لذاته وهو معبودهم ولا يجوز أن يكون معبودا محبوبا لنفسه إلا الله فلو كان في السموات والأرض إله إلاالله لفسدتا فلهذا كان دين جميع الرسل عبادة الله وحده لاشريك له

وهؤلاء المتفلسفة لا يعرفون ذلك فليس عندهم من صلاح النفس وكمالها في العلم والعمل ما تنجو به من الشقاء فضلا عما تسعد به ومما يبين ذلك أن أرسطو معلمهم الأول هو وأتباعه إنما أثبتوا العلة الأولى بالحركة الفلكية فقالوا الحركة الدورية حركة اختيارية نفسانية فقوامه بحركته الاختيارية وفساده بعدمها وقوام حركته بما يتحرك لأجله فإن الفاعل بالاختيار إنما قوامه بعلته الغائية التي يتحرك لأجلها وغايته التي يتحرك لأجلها هو العلة الأولى فإنه يتحرك للتشبه بها فجعلوا قوام العالم كله بالعلة الأولى من حيث هو متشبه به لأن المتحرك باختياره لا بد له من مراد ومعلوم أن الحركة الإرادية تطلب مرادا محبوبا لنفسها وتستلزم ذلك اعظم من استلزامها مشبها به فإن كل متحرك بإرادة لابد له من مراد محبوب لنفسه فإن الإرادة لا بد لها من مراد والمراد يكون إما مرادا لنفسه وإما لغيره والمراد لغيره إنما يراد لذلك الغير بد أن يكون ذلك الغير مرادا لنفسه أو منتهى إلى مراد لنفسه وإلا لزم التسلسل في العلل الغائبة وذلك باطل كبطلان التسلسل في العلل الفاعلية بصريح

العقل واتفاق العقلاء وبسط هذا له موضع آخر وإذا كان الفاعل باختيار يستلزم مرادا لنفسه محبوبا فلابد أن يكون لما يتحرك في السموات بإرادته سواء كان هؤلاء الملائكة أو ما يسمونه هم نفسا من محبوب مراد لذاته يكون هو الإله المعبود المراد بتلك الحركات وكذلك نفس الإنسان حركتها بالإرادة من لوازم ذاتها فلا بد لها من محبوب مراد لذاته وهو الإله وهذا المحبوب المراد لذاته هو الله تعالى ويمتنع أن يكون غيره كما قد بسط هذا في موضع آخر وبين أن يمتنع أن يكون موجودا بغيره بل هو واجب الوجود بنفسه فيمتنع أنه يكون مرادا لغيره بل مراد لنفسه وكما يمتنع أن يكون للعالم ربان قادران يمتنع أن يكون للعالم إلهان معبودان فإن كون أحدهما قادرا يناقض كون الآخر قادرا لامتناع اجتماع القادرين على مقدور واحد وامتناع كون أحدهما قادرا على الفعل حين يكون الأخر قادرا عليه وامتناع ارتفاع قدرة أحدهما بقدرة الآخر مع التكافؤ

كذلك يمتنع أن يكون إلهان معبودان محبوبان لذاتهما لأن كون أحدهما هو المعبود لذاته يناقضه أن يكون غيره معبودا لذاته فإن ذلك يستلزم أن يكون بعض المحبة والعمل لهذا وبعض ذلك لهذا وذلك يناقض كون الحب والعمل كله لهذا فإن الشركة نقص في الحب فلا تكون حركة المتحرك بإرادته له فلا يكون أحدهما معبودا معمولا له إلا إذا لم يكن الآخر كذلك فإن العمل لهذا يناقض أن يكون له شريك فضلا عن أن يكون لغيره وكل من أحب شيئين فإنما يحبهما لثالث غيرهما وإلا فيمتنع أن يكون كل منهما محبوبا لذاته إذ المحبوب لذاته هو الذي تريده النفس وتطلبه وتطمئن إليه بحيث لا يبقى لها مراد غيره وهذا يناقض أن يكون له شريك
والقول الثاني قول من يقول إن الله عوض الناس بالتكليف بالعبادات ليثيبهم على ذلك بعد الموت فإن الإنعام بالثواب لا يحسن بدون التكليف لما فيه من الإجلال والتعظيم الذي لا يستحقه إلا مكلف كما يقول ذلك القدرية من المسلمين وغيرهم

وهؤلاء قد يجعلون الواجبات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية وقد يقولون إن الغاية المقصودة التي بها يحصل الثواب هو العمل والعلم ذريعة إليه حتى يقولوا مثل ذلك في معرفة الله تعالى يقولون إنما وجبت لأنها لطف في أداء الواجبات العقلية العملية
والقول الثالث قول من يقول بل الله أمر بذلك لا لحكمة مطلوبة ولا بسبب بل لمحض المشيئة وهذا قول الجبرية المقابلين للقدرية كالجهم والأشعري وخلق كثير من

المتكلمين والفقهاء والصوفية وغيرهم
القول الرابع قول سلف الأمة وأئمتها وهو أن نفس معرفة الله تعالى ومحبته مقصودة لذاتها وأن الله سبحانه محبوب مستحق للعبادة لذاته لا إله إلا هو ولا يجوز أن يكون غيره محبوبا معبودا لذاته وأنه سبحانه يحب عباده الذين يحبونه ويرضى عنهم ويفرح بتوبة التائب ويبغض الكافرين ويمقتهم ويغضب عليهم ويذمهم وأن في ذلك من الحكم البالغة وكذلك من الأسباب ما يطول وصفه في هذا الخطاب كما قد بسط في موضعه إذ المقصود هنا التنبيه على ان المسلمين في هذا أكمل من غيرهم في العلوم النافعة والأعمال الصالحة وإذا عرف مذاهب الناس في مقاصد العبادات فهم أيضا مختلفون في صفاتها فمن الناس من يظن أن كل ما كان أشق على النفس وأشد إماتة لشهوتها فهو أفضل وهذا مذهب كثير من

المشركين الهند وغيرهم وكثير من أهل الكتاب اليهود والنصارى وكثير من مبتدعة المسلمين والثاني قول من يقول إن أفضلها ما كان أدعى إلى تحصيل الواجبات العقلية

والثالث قول من يقول فضل بعضها على بعض لا علة له بل يرجع إلى محض
المشيئة
والرابع وهو الصواب أن أفضلها ما كان لله أطوع وللعبد أنفع فما كان صاحبه أكثر انتفاعا به وكان صاحبه أطوع لله به من غيره فهو أفضل كما جاء في الحديث خير العمل أنفعه وعلى كل قول فعبادات المسلمين أكمل من عبادات غيرهم أما عن الأول فأولئك يقولون كلما كانت الأعمال اشق على النفس فهي أفضل ثم هؤلاء قد يفضلون الجوع والسهر والصمت والخلوة ونحو ذلك كما يفعل ذلك من يفعله من المشركين الهند وغيرهم ومن النصارى ومبتدعة هذه الأمة ولكن يقال لهم الجهاد أعظم مشقة من

هذا كله فإنه بذل النفس وتعريضها للموت ففيه غاية الزهد المتضمن لترك الدنيا كلها وفيه جهاد النفس في الباطن وجهاد العدو في الظاهر ومعلوم ان المسلمين أعظم جهادا من اليهود والنصارى فإن اليهود خالفوا موسى في الجهاد وعصوه والنصارى لا يجاهدون على دين وأما على قول من يجعل العبادات الشرعية لطفا في الواجبات العقلية فلاريب أن عبادات المسلمين كصلاتهم وصيامهم وحجهم أدعى إلى العدل الذي هو جماع الواجبات العقلية من عبادات غيرهم التي ابتدعوها فإنها متضمنة للظلم المنافي للعدل وأما على قول نفاة التعليل ورد ذلك إلى مشيئة الله فيكون الأمر في ذلك راجعا إلى محض مشيئة الله وتعبده للخلق وحينئذ فمن تكون عباداته تابعة لأمر الله الذي جاء به الرسل يكون متعبدا بما أمر الله به بخلاف من تكون عباداته قد ابتدعها أكابرهم من غير أن يأتيهم بها رسول الله من عند الله وأما على القول الرابع فإن علم أن الله أمر به يتضمن طاعة الله وهذا إنما يكون في عبادات أمر الله بها وهي عبادات المسلمين

دون من ابتدع كثيرا من عباداتهم أكابرهم وأما انتفاع العباد بها فهذا يعرف بثمراتها ونتائجها وفوائدها ومن ذلك آثارها في صلاح القلوب فليتدبر الإنسان عقول المسلمين وأخلاقهم وعدلهم يظهر له الفرق بينهم وبين غيرهم ثم صفات عباداتهم فيها من الكمال والاعتدال كالطهارة والاصطفاف والركوع والسجود واستقبال بيت إبراهيم الذي هو إمام الخلائق والإمساك فيها عن الكلام وما فيها من الخشوع وتلاوة القرآن واستماعه الذي يظهر الفرق بينه وبين غيره من الكتب لكل متدبر منصف إلى أمثال ذلك من الأمور التي يظهر بها فضل عبادات المسلمين على عبادات غيرهم وأما حكم المسلمين في الحدود والحقوق فلايخفى على عاقل فضله حتى إن النصارى في طائفة من بلادهم ينصبون لهم من يقضي بينهم بشرع المسلمين إذ لم يكن لهم شرع يحكم به الناس وليس في الإنجيل حكم عام بل عامته وإنما فيه الأمر بالزهد ومكارم الأخلاق وهو مما يأمر به المسلمون أيضا وقد ذكرنا في كون المسلمين معتدلين متوسطين بين اليهود

والنصارى في التوحيد والنبوات والحلال والحرام وغير ذلك مما يبين أنهم أفضل من الأمتين مع أن دلائل هذا كثيرة جدا وإنما المقصود التنبيه على ذلك وحينئذ ففضل الأمة يستلزم فضل متبوعها

فصل ومما يبين أمر محمد صلى الله عليه و سلم أن من دعا إلى مثل ما دعا إليه لا يخلو من ثلاثة أقسام إما ان يكون نبيا صادقا مرسلا من الله كما أخبر عن نفسه بمنزلة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان وغيرهم من الأنبياء الذين ذكرهم الله في قوله تعالى سورة النساء الآيات 162 166 وإما أن يكون ملكا مسلما عادلا وضع ناموسا سياسيا

وقانونا عدليا ينفع به الخلق ويحملهم به على السيرة العادلة بمبلغ علمه كان ان للأمم من يضع لهم النواميس مثل واضعي النواميس من اليونان والهند والفرس وغيرهم وإن كان واضع الناموس مختصا بقوة قدسية ينال بها العلم بسهولة وقوة نفسية يتصرف فيها تصرفات خارجة عن العادة ويكون له قوة تخييلية تمثل له في نفسه أشكالا نورانية وأصواتا يسمعها في داخل نفسه فإن هذه الخواص الثلاثة هي التي يقول ابن سينا وأمثاله من المتفلسفة إنها خواص النبي ومن قامت به كان نبيا والنبوة مكتسبة عندهم ولكن لما كانت هذه موجودة لكثير من الخلق ولم يصل بها إلى قريب من درجة الصديقين أتباع الأنبياء كالخلفاء الراشدين وحواريي عيسى واصحاب موسى جعلناها من هذا القسم إذ صاحب هذا قد يكون فيه عدل وسياسة بحسب ما معه من العلم والعدل فهذا القسم الثاني وإما ان يكون رجلا كاذبا فاجرا أفاكا أثيما يتعمد الكذب والظلم أو يتكلم بلا علم فيخطىء خطأ من يتكلم بلا علم ومن يظن الكذب صدقا والباطل حقا والضلال هدى والغي

رشدا والظلم عدلا والفساد صلاحا وكل من دعا الخلق إلى متابعته وطاعته على سبيل الحتم والإيجاب بأن يصدقوه بما اخبر ويطيعوه فيما أمر به وأوجبه باطنا وظاهرا من غير أن يخير أحدا في اتباعه وتصديقه وطاعته ولا يسوغ له مخالفته بوجه من الوجوه لا في الباطن ولا في الظاهر لم يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة وذلك لأنه إما أن يكون قصده الإثم والعدوان أو قصده البر والعدل فإن كان قصده الأول فهو ظالم فاجر ومثل هذا لا يكون إلا كاذبا عمدا أو خطأ وإن كان قصده البر والعدل فلايخلو مع ذلك إما أن يكون عالما بكل ما يخبر به من الغيوب جازما بصدق نفسه جزما لا يحتمل النقيض عالما بأن ما يأمر به عدل لا يجوز لمن أمره أن يعصيه بوجه من الوجوه وإما ان لا يكون جازما بذلك فإن كان جازما بذلك كان هذا هو النبي المعصوم الذي لا يخبر إلا بحق ولا يأمر إلا بعدل وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم بخلاف القسم الذي يتحرى العدل والصدق باجتهاده ورأيه فإن

هذا قد يأمر بأشياء يجوز ان تكون المصلحة والعدل والصدق في خلافها ويخبر بأشياء باجتهاده يحوز أن يكون الأمر فيها بخلاف ذلك ولا بد ان يغلط في بعض ما يخبر به من العلميات وما يأمرهم به من العمليات فإنه لا معصوم إلا الأنبياء ولهذا لم يجب الإيمان بكل ما يقوله بشر إلا أن يكون نبيا فإن الإيمان واجب بكل ما يأتي به النبي قال تعالى قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما انزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون وقال تعالى ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وإذا كان الأمر كذلك فمعلوم بالتواتر أن محمدا ذكر أنه رسول

كإبراهيم وموسى وعيسى بل اخبر أنه سيد ولد آدم وأن آدم فمن دونه تحت لوائه يوم القيامة وأنه لما اسري به وعرج إلى ربه علا على الأنبياء كلهم على إبراهيم وموسى وهرون ويحيى وعيسى وغيرهم وأخبر أنه لا نبي بعده وأن امته هم الآخرون في الخلق السابقون يوم القيامة وأن الكتاب الذي انزل إليه أحسن الحديث وأنه مهيمن على ما بين يديه من الكتب مع تصديقه لذلك وحينئذ فإن كان عالما بصدق نفسه فهو نبي رسول ومن قال هذا القول وهو يعلم أنه كاذب فهو من أظلم الناس وأفجرهم ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا او قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء وإن كان يظن صدق نفسه وليس كذلك فهو مخطىء غالط ملبوس عليه وإذا كان كذلك فلابد ان يخطىء فيما يخبر به من الغيوب ويظلم فيما يأمر به من العدل ولا يتصور استمراره على هذا بل لا بد ان يتبين له ولغيره أنه صادق أو كاذب فإن من ظن صدق نفسه في مثل هذه الدعوى وليس بصادق

يكون من أجهل الناس وأظلمهم وأبعدهم عن التمييز بين الحق والباطل والصدق والكذب والخير والشر فإن هذا بمنزلة من اشتبه عليه النبي الصادق بالمتنبي الكذاب وهذا من أجهل الناس وإذا اشتبه عليه حال غيره فكيف بمن اشتبه عليه حال نفسه ولم يعلم ما يقوله أصدق هو أم كذب ومن كان جاهلا مع هذه الدعوى العظيمة التي لم يدع بشر مثلها ومع كثرة ما يخبر به من الغيوب الماضية والمستقبلة ويأمر به وينهى عنه من الأمور الكلية والسنن العامة والشرائع والنواميس فلا بد أن يكون فيها من الضلال والغي ما يبين لأكثر الخلق فإذا كانت أخباره عن الماضي والمستقبل يصدق بعضها بعضا والذي يأمر به هو الطريق الأقوم والكتاب الذي جاء به كتاب متشابه مثاني يشبه بعضه بعضا في الصدق قال تعالى أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا

فإنه لو كان من عند غير الله لوجب أن يكون فيه تناقض لامتناع قدرة البشر على أن تخبر بهذه الأخبار وما فيها من الغيوب ويأمر بهذه الأوامر مع سلامة ذلك من التناقض ولهذا لا يوجد بشر غير نبي يسلم من ذلك وإذا كان محمد صلى الله عليه و سلم قد علم بالاضطرار من سيرته أنه كان يتحرى الصدق والعدل وأنه ما جربت عليه كذبة قط وعلم أنه كان جازما بما يخبر به مع عظم الأخبار وكثرتها وهو وحده قام يدعو الناس إلى ما جاء به ومن عادة طالب الملك والرياسة ولو كان عادلا أن يستعين بمن يعينه كأقاربه وأصدقائه ونحوهم وأن يبذل للنفوس من العاجل ما يرغبها به كالمال والرياسة ويرهب من خالفه ومحمد صلى الله عليه و سلم دعا الناس وحده وهو بمكة فآمن به المهاجرون فتعين أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم خير من النصارى ثم آمن به أهل البحرين ولم يعط أحدا منهم درهما ولا كان معه ما يخيفهم به لا سيف ولا غيره بل مكث بمكة بضع عشرة سنة هو والمؤمنون به مستضعفين لم يكن له مال يبذله لهم ولا سيف يخيفهم به

وكان أعظم من آمن به أبو بكر الصديق مع كمال عقله وخلقه ودينه في قومه ومحبتهم له وعلو قدره فيهم أنفق ماله كله في سبيل الله حتى قال له النبي صلى الله عليه و سلم ما تركت لأهلك قال تركت لهم الله ورسوله ولم يعطه النبي صلى الله عليه و سلم درهما واحدا يخصه به ثم تولى الأمر بعده وترك ما كان معه للمسلمين وتولى بعده عمر بن الخطاب وفتح أعظم ممالك العالم مملكة فارس والروم فقهر الروم على بلاد الشام والجزيرة ومصر وأميره الكبير أبو عبيدة أزهد الخلق في الأموال وأعبدهم للخالق وأرحمهم للمخلوق وأبعدهم عن هوى النفس ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم فيه إن لكل أمة أمينا وأمين هذه

الأمة أبو عبيدة بن الجراح وأميره على فارس سعد بن أبي وقاص الذي كان مستجاب الدعوة وكان من أزهد الناس وكان آخر من بقي من أهل الشورى والناس يتنازعون في الولاية وهو معتزل في قصره بالعقيق لا يزاحم أحدا فقال له ابنه عمر تركت الناس يتنازعون الملك وجلست ههنا فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله يحب العبد التقي الغني النقي الخفي

فصل ومن آيات محمد صلى الله عليه و سلم ودلائل نبوته التي في القرآن قصة الفيل قال تعالى ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول وقد تواترت قصة أصحاب الفيل وأن أهل الحبشة النصارى ساروا بجيش عظيم معهم فيل ليهدموا الكعبة لما أهان بعض العرب كنيستهم التي باليمن فقصدوا إهانة الكعبة وتعظيم كنايسهم فارسل الله عليهم طيرا أهلكهم وكان ذلك عام مولد النبي صلى الله عليه و سلم وكان جيران البيت مشركين يعبدون الأوثان ودين النصارى خير من دينهم

فعلم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ بل كانت لأجل البيت أو لأجل النبي صلى الله عليه و سلم الذي ولد به في ذلك العام عند البيت أو لمجموعهما وأي ذلك كان فهو من دلائل نبوته فإنه إذا قيل إنما كانت آية للبيت وحفظا له وذبا عنه لأنه بيت الله الذي بناه إبراهيم الخليل فقد علم أنه ليس من أهل الملل من يحج إلى هذا البيت ويصلى إليه إلا أمة محمد صلى الله عليه و سلم ومحمد هو الذي فرض حجه والصلاة إليه فإذا كان هذا البيت عند أهل الكنائس لما ارادوا تعظيم الكنائس وإهانة البيت علم أن دين أهل هذا البيت خير من دين النصارى والمشركون ليسوا خيرا من النصارى فتعين أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم خير من النصارى وذلك يستلزم أن نبيهم صادق وإلا فمن كانوا متبعين لنبي كاذب فليسوا خيرا من النصارى بل هم شرار الخلق كأتباع مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وغيرهما وقال في القرآن الم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل

والأبابيل جماعات في تفرقة فوج بعد فوج ترميهم بحجارة من سجيل أي من طين مستحجر فجعلهم كعصف مأكول كالتبن الذي أكل وقوله ألم تر إستفهام في معنى التقرير وهذا يقتضي أن هذا قد وقع وعلم به الناس ورأوه وقد قررهم على ذلك لما فيه من الدلالة والبيان والإنعام على الخلق ومن آيته الظاهرة التي في القرآن ما ذكره من أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا بخلاف ما كانت العادة جارية به قال تعالى قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرءآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا

إلى قوله وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشد أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وقال تعالى وما تنزلت الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون وهذا كان النبي صلى الله عليه و سلم يقرؤه على الناس وهم يقرؤنه ولم ينكره أحد ولا ارتاب به مؤمن ولا احتج به عليه كافر فدل أن الناس علموا صدق ما أخبرت به الجن من أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا وانهم لم يتمكنوا حينئذ مما كانوا يتمكنون منه قبل ذلك من الاستماع ومعلوم ان هذا أمر يراه الناس بأبصارهم فإن امتلأ السماء بالشهب أمر يراه الناس كلهم فلو لم يكن كذلك لكان الناس يكذبون بهذا مؤمنهم وكافرهم فإن الجماعة العظيمة الذين لم يتواطئوا يمتنع اتفاقهم على الكذب وعلى التصديق بما يعلمون أنه كذب وعلى كتمان ما يعلمونه وعلى ترك إنكار ما يعلمون أنه كذب

وقد سمع القرآن ألوف مؤلفة أدركوا مبعثه وشاهدوا أحوال السماء فلو لم يكن هذا كان موجودا مع أن عامتهم كانوا مكذبين لهو لما آمنوا كانوا طوائف متباينين يمتنع اتفاقهم على كذب أو كتمان أو سكوت فلما لم ينكر ذلك أحد بل تظاهرت الأخبار بمثل ما أخبر به القرآن من الرمي العظيم بالشهب الذي لم يعهده مثله حتى صاروا يشكون هل ذلك في الكواكب التي في الفلك أو في غيرها وقالوا إن كان في كواكب الأفلاك فهو خراب العالم فلما رواه فيما دونها علموا أنه لأمر حدث ففي الصحيحين من حديث ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين السماء أرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فانطلقوا يضربون

مشارق الأرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة وهي بنخل عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومم فقالوا يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فأنزل الله عز و جل على نبيه محمد صلى الله عليه و سلم قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن وفي لفظ البخاري بنخلة قريبا من مكة وهو الصواب

وقد ظن بعض الناس أن الشهب لم يكن يرمي بها قبل ذلك بحال والصواب أنه كان الرمي بها كما هو الآن أحيانا كما ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس ورواه أيضا أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بينما هو في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار فقال لهم ما كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به في الجاهلية قالوا كنا نقول حين رأيناها يرمي بها مات ملك ولد مولود فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس ذلك كذلك ولكن الله إذا قضى في خلقه أمرا يسمعه أهل العرش فيسبحون فيسبح من تحتهم بتسبيحهم فيسبح من تحت ذلك فلم يزل التسنبيح يهبط حتىينتهي إلى السماء الدنيا حتى يقول بعضهم لبعض لم سبحتم فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا بتسبيحهم فيقولون ألا تسألون من فوقكم مم سبحوا فيسألونهم فيقولون قضى الله في خلقه كذا وكذا الأمر الذي كان فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى سماء الدنيا فيتحدثون به فتسترقه الشياطين بالسمع على توهم منهم واختلاف ثم يأتون به الكهان من أهل الأرض فيحدثونهم فيخطئون ويصيبون فيحدث الكهان وفي الصحيحين عن عائشة قالت قلت يا رسول الله إن

الكهان قد كانوا يحدثوننا بالشيء فيكون حقا قال تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه فيزيد فيها اكثر من مائة كذبة وروى البخاري في صحيحه عن عائشة أنها سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم وفي صحيح البخاري أيضا عن أبي هريرة قال إن نبي الله صلى الله عليه و سلم قال إذا قضى الله الأمرا في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على

صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذ قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا بعضهم فوق بعض فيسمع الكلمة فيلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل ان يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا الكلمة التي سمعت من السماء فيصدق بتلك الكلمة الي سمعت من السماء ورواه محمد ابن إسحاق عن الزهري وقال في آخره ثم إن الله عز و جل حجب الشياطين عن السمع بهذه النجوم فانقطعت الكهانة فلا كهانة ورواه معمر عن الزهري وقال فقلت للزهري أو كان يرمي بها في الجاهلية قال نعم قلت يقول الله وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع الآية قال غلظت واشتد أمرها حين بعث النبي صلى الله عليه

وسلم وروى الطبري عن داود ثنا عاصم بن علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان للجن مقاعد في السماء يستمعون الوحي وكان الوحي إذا أوحي سمعت الملائكة كهيئة الحديدة رمى بها على الصفوان فإذا سمعت الملائكة صلصلة الوحي خر لجباههم من في السماء

من الملائكة فإذا نزل عليهم أصحاب الوحي قالوا ماذا قال ربكم قال فينادون قال ربكم الحق وهو العلي الكبير قال فإذا نزل إلى السماء الدنيا قالوا يكون في الأرض كذا وكذا موتا وكذا وكذا حياة وكذا وكذا جدوبة وكذا وكذا خصبا وما يريد أن يصنع وما يريد أن يبتدي تبارك وتعالى فنزلت الجن فأوحوا إلى أوليائهم من الإنس ما يكون في الأرض فبينما هم كذلك إذ بعث النبي صلى الله عليه و سلم فزجرت الشياطين ورموهم بالكواكب فمنعوا فجعل لا يصعد احد إلا احترق وفزع أهل الأرض لما رأوا في الكواكب ولم يكن قبل ذلك فقالوا هلك من في السماء وكان أهل الطائف أول من فزع فينطلق الرجل إلى إبله فينحر كل يوم بعيرا لآلهتهم فينطلق صاحب الغنم فيذبح كل يوم شاة فينطلق صاحب البقر فيذبح كل يوم بقرة فقال لهم رجل ويلكم لا تهلكوا أموالكم فإن معالمكم من

الكواكب التي تهتدون بها لم يسقط منها شيء فأقلعوا وقد اسرعوا في أموالهم وقال إبليس حدث في الأرض حدث فأتوني من كل مكان في الأرض بتربة فجعل لا يؤتى بتربة أرض إلا شمها فلما أتى بتربة تهامة قال ههنا حدث الحدث فصرف الله إليه نفرا من الجن وهو يقرأ القرآن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا حتى ختم الآية فولوا إلى قومهم منذرين

ورواه أبو زرعة عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن عطاء بنحوه ورواه البيهقي من طرق عن حماد بن سلمة عن عطاء ايضا فقد تبين انه لما كان في زمن المبعث ملئت السماء حرسا شديدا وشهبا وقبل ذلك لم يكن الحرس شديدا ولا كانت السماء مملؤة حرسا وشهبا كما هي الآن يرمى بها أحيانا وكانوا يقعدون بها مقاعد للسمع أي يسترق أحدهم ما يسمعه كما يستمع المستمع إلى حديث غيره مختفيا بسماعه مسترقا له فكانت الشياطين تسترق أي تستمع ما تقوله الملائكة فلما بعث محمد صلى الله عليه و سلم صار أحدهم إذا سمع وجد الشهاب قد ارصد له فلم يستطع أن يقعد ويستمع كما كان قبل ذلك

فصل وقد ذكرنا بعض آياته التي في القرآن لأن من أهل الكتاب من يقول لا نصدق إلا بما في القرآن كما في التوراة والإنجيل من آيات موسى والمسيح إذ كان نقل القرآن عنه متواترا لا يستريب فيه احد فنبهنا على بعض ما في القرآن مع أن آياته التي ليست في القرآن كثيرة جدا وليس من شرط المنقول المتواتر أن يكون في القرآن بل كما تواتر عنه في شريعته ما ليس في القرآن وهو من الحكمة التي أنزلها الله عليه كذلك وتواتر عنه من دلائل نبوته ما ليس في القرآن وهو من براهينه وآياته وقد قال عتعالى في غير موضع وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة فالحكمة نزلت عليه وهي منقولة في غير القرآن وقد تواتر عنه كون الصلوات خمسا والفجر ركعتين

والمغرب ثلاثا والباقي اربعا اربعا والرباعية في السفر ركعتان وتواتر عنه سجود السهو كذلك متواتر عنه أنواع من المعجزات والأخبار المتواترة في أصناف آياته وبراهينه كثيرة جدا لا يمكن إحصاؤها وهي مشتملة على جنسي العلم والقدرة على انواع من الإخبار بالغيوب المستقبلة مفصلة كأنما رآها بعينه لم يأت منها خبر إلا كما أخبر به وهذا أمر لم يكن قط إلا لنبي اما الكاهن والمنجم ونحو هؤلاء فيكذبون كثيرا كما يصدقون أحيانا ويخبرون بجمل غير مفصلة وأما أهل الولاة والصلاح فأعظمهم كشفا يخبر عن ذلك بأمور قليلة لا تبلغ عشر معشار ما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم ولايخبرون بها مفصلة كخبره وعلى انواع من القدرة والتصرف الخارق للعادة والآيات إما من باب العلم والخبر والمكاشفة وإما من باب القدرة والتأثير والتصرف

وفي القرآن من الإخبار بالمستقبلات شيء كثير كقوله تعالى الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد فغلبت الروم فارس في بضع سنين وقد ذكرنا تفصيل ذلك فيما مضى وكقوله تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وكان كما أخبر وروى الدارمي

عن أبي بن كعب قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه المدينة وآواهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت مطمئنين لا نخاف إلا الله عز و جل فنزلت وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات إلى آخر الآية وكان كذلك استخلف الله المؤمنين في الأرض ومكن لهم دينهم في مشارق الأرض ومغاربها وقال تعالى هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله

وكفى بالله شهيدا وكان كما أخبر ووعد وقال تعالى قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله وكان كما أخبر وقال تعالى وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله إلى قواه فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين فأخبر أنهم لن يفعلوا وكان كما أخبر وأخبر أنه قال للمسيح وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وكان كما أخبر وأنزل في مكة

وسيهزم الجمع ويولون الدبر وقال ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لايجدون وليا ولا نصيرا فكان كما أخبر وقال ومن الذين قالوا إنا نصارى اخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وكانوا كما أخبر وقال وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان

ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله وكان كما أخبر وقال لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءو بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون وقال ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار

وقال قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وكان كذلك فلم يقاتلوهم بعد نزول الآية إلا انتصر عليهم المسلمون وما زال الإسلام في عز وظهور حتى ظهر على اهل المشرق والمغرب وقال تعالى خطابا لليهود قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا وقال قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين

فأخبر عن اليهود أنهم لن يتمنوا الموت أبدا وكان كما أخبر فلا يتمنى اليهود الموت ابدا وهذا دليل من وجهين من جهة إخباره بأنه لا يكون أبدا ومن جهة صرف الله لدواعي اليهود عن تمني الموت مع أن ذلك مقدور لهم وهذا من أعجب الأمور الخارقة للعادة وهم مع حرصهم على تكذيبه لم تنبعث دواعيهم لإظهار تكذيبه بإظهار تمني الموت وقال في سورة المدثر ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا إلى قواه سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر وقال عن أبي لهب عمه تبت يدآ ابي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وكان كما أخبر به مات الوليد كفارا ومات أبو لهب كافرا

وقال في سورة الفتح وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف ايدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين وقال لتدخلن المسجد الحرام إن شا الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا وقال قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسملون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما وهذا كله وقع كما أخبر فحصلت لهم الغنائم الكثيرة ودخلوا المسجد الحرام آمنين ودعيت الأعراب إلى قتال الروم والفرس يقاتلونهم أو يسملون فلا بد من القتال أو الإسلام ليس هناك هدنة بلا قتال كما كان يكون قبل نزول الآية

وقال تعالى إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فدخل الناس في دين الله أفواجا بعد الفتح فما مات صلى الله عليه و سلم وفي بلاد العرب كلها موضع لم يدخله الإسلام وقال تعالى عن المنافقين ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولانطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن اخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون وكذلك كان فروى أهل التفسير والمغازي والسير أن هذه الآية نزلت في المنافقين كعبد الله بن أبي وعبد الله

بن نبتل ورفاعة بن تابوت ونحوهم كانوا يقولون لبني النضير وهم اليهود حلفاؤهم لئن أخرجتم لنخرجن معكم الآية فأخبر الله عنهم انهم لن يفعلوا ذلك وكذلك كان وضرب الله لهم مثلا بالشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برىء منك إني أخاف الله رب العالمين كذلك المنافقون وبنو النضير

فصل وآياته صلى الله عليه و سلم قد استوعبت جميع أنواع الآيات الخبرية والفعلية وإخباره عن الغيب الماضي والحاضر والمستقبل بأمور باهرة لا يوجد مثلها لأحد من النبيين قبله فضلا عن غير النبيين ففي القرآن من إخباره عن الغيوب شيء كثير كما تقدم بعض ذلك وكذلك في الأحاديث الصحيحة مما أخبر بوقوعه فكان كما أخبر ففي الصحيحين عن حذيفة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم مقاما ما ترك شيئا يكون من مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فاراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه

وفي صحيح مسلم عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم الفجر ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر ثم نزل فصلى بنا ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى بنا ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس قال وأخبرنا بما كان وما هو كائن فأحفظنا اعلمنا وفي صحيح البخاري عن عدي بن حاتم قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه و سلم إذ جاءه رجل فشكى إليه الفاقة ثم أتى آخر فشكى إليه قطع السبيل فقال يا عدي هل رأيت الحيرة فقلت لم أرها وقد أنبئت عنها قال فإن طالت

بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله قال قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله عنه فلا يجد أحدا يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فليقولن له الم أبعث إليك رسولا فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم اعطك مالا وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم قال عدي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول

اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يخرج الرجل ملء كفه قلت وهذا الذي أخبر به من خروج الرجل بملء كفه من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله ظهر كما أخبر في زمن عمر بن عبد العزيز

وفي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة عن نافع بن عتبة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة قال فأتى النبي صلى الله عليه و سلم قوم من قبل المغرب عليهم ثياب الصوف فوافقوه عند أكمة فإنهم لقيام ورسول الله صلى الله عليه و سلم قاعد قال فقالت لي نفسي أئتهم فقم بينهم لا يغتالونه قال ثم قلت لعله نجي معهم فأتيتهم فقمت بينهم وبينه قال فحفظت منه أربع كلمات أعدهن في يدي قال تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ثم فارس فيفتحها الله ثم تغزون الروم فيفتحها الله ثم تغزون الدجال فيفتحه الله

وروى البخاري عن عوف بن مالك قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك وهو في قبة آدم فقال أعدد ستا بين يدي الساعة موتى ثم فتح بيت المقدس ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم ثم استفاضة المال حتى يعطي الرجل مائة دينار فيظل ساخطا ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية كل غاية إثنا عشر الفا

قلت ففتح بيت المقدس بعد موته في خلافة عمر بن الخطاب ثم بعد ذلك وقع الطاعون العظيم بالشام طاعون عمواس في خلافة عمر أيضا ومات فيه معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وخلق كثير وكان ذلك أول طاعون وقع في الإسلام فكان ما أخبر به حيث اخذهم طاعون كعقاص الغنم ثم استفاض المال في خلافة عثمان بن عفان حتى كان أحدهم يعطى مائة دينار فيسخطها وكثر المال حتى كانت الفرس تشتري بوزنها ثم وقعت الفتنة العامة التي لم يبق بيت من العرب إلا دخلته لما قتل عثمان ووقعت الفتنة بين المسلمين أو الملوك

يوم الجمل ويوم صفين وفي الصحيحين عن خباب بن الارت قال شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلنا ألا تدعو الله لنا الا تستنصر لنا قال فجلس محمرا وجهه ثم قال والله إن من كان قبلكم ليؤخذ الرجل فيمشط بأمشاط الحديد ما بين لحم وعصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويؤخذ فتحفر له الحفرة فيوضع المنشار على رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله عز و جل

أو الذئب على غنمه ولكنكم تعجلون وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حمر الوجوه ذلف الأنف كأن وجوههم المجان المطرقة ولا تقوم الساعة حتى تقاتلون قوما نعالهم الشعر قلت وهؤلاء الطوائف كلهم قاتلهم المسلمون كما أخبر صلى الله عليه و سلم وامر هذه الطوائف معروف فإن قتال الترك

من التتار وغيرهم الذين هذه صفتهم معروف مشهور وحديثهم في أكثر من عشرة آلاف نسخة كبار وصغار من كتب المسلمين قبل قتال هؤلاء الذي ظهروا من ناحية المشرق الذين هذه صفتهم التي لو كلف من رآهم بعينه ان يصفهم لم يحسن مثل هذه الصفة وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى وقد ظهرت هذه النار سنة بضع وخمسين وستماية ورآها الناس ورأوا أعناق الإبل قد أضاءت ببصرى وكانت تحرق الحجر ولا تنضج اللحم وفي الصحيحين عن أبي سعيد وأسماء أن رسول الله

صلى الله عليه و سلم قال لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلك كسرى ثم لا يكون كسرى بعده وقيصر ليهلكن ثم لا يكون قيصر بعده ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله وفي الصحيحين عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله

وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لتفتحن عصابة من المسلمين أو قال المؤمنين كنز آل كسرى الذي في الأبيض والأبيض قصر كان لكسرى وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال عن الحسن إن ابني هذا سيد

وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين قلت فوقع هذا كما أخبر به بعد موت الرسول بنحو ثلاثين سنة وهو سنة أربعين من الهجرة لما أصلح الله بالحسن بين الفئتين العظيمتين اللتين كانت متحاربتين بصفين عسكر علي وعسكر معاوية وفي الصحيحين عن ابن عباس أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله إني رأيت الليلة في

المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها بأيديهم فمنهم المستكثر والمستقل ثم إذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم اخذ به رجل بعدك فعلا ثم اخذ به رجل آخر فعلا ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل له فعلا قال أبو بكر يا رسول الله بأبي أنت وأمي لتدعني فلأعبره فقال اعبر فقال أبو بكر أما الظلة فظلة الإسلام وأما الذي تنطف من السمن والعسل فهو القرآن حلاوته ولينه وأما ما يتكفف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي انت عليه فأخذت به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو ثم يأخذ به رجل فيعلو ثم يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله أصبت أم أخطأت فقال أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال فوالله يا رسول الله لتخبرني بالذي أخطأت قال لا تقسم

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع منها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم ار عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن وفي رواية فاستحالت الدلو غربا في يد عمر قال الشافعي رؤيا

الأنبياء وحي وقوله في نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب مع أهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته وفي الصحيحين عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا فأمرها أن ترجع إليه فقالت أرأيت إن جئت فلم أجدك يا رسول الله قال أي كأنها تعني الموت قال إن لم تجديني فائتي أبا بكر وروى أبو داود الطيالسي عن أبي ثعلبة الخشني وعن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه

وسلم قال إن الله بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة وكائنا خلافة ورحمة وكائنا ملكا عضوضا وكائنا عنوة وجبرية وفسادا في الأمة يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبدا حتى يلقوا الله عز و جل وروى أبو داود عن سمرة بن جندب ان رجلا قال يا رسول الله إني رأيت كأن دلوا دلي من السماء فجاء أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بعراقيها فشرب شربا ضعيفا ثم جاء عمر

فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح عليه منه شيء وفي السنن عن سفينة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال تكون خلافة النبوة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا فكان هذا

العام تمام الثلاثين سنة من موته ودخل في ذلك خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال زويت لي الأرض مشارتها ومغاربها وسيبلغ ملك امتي ما زوي لي منها وفي صحيح مسلم إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وأن ربي قال لي يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد

وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا وهذا اخبر به في أول الأمر وأصحابه في غاية القلة قبل فتح مكة وكان كما أخبر فإن ملك أمته انتشر في الشرق والغرب ولم ينتشر في الجنوب والشمال كانتشاره في الشرق والغرب إذ كانت أمته اعدل الأمم فانتشرت دعوته في الأقاليم التي هي وسط المعمور من الأرض كالثالث والرابع والخامس وقد تقدم قوله

هلك كسرى فلا يكون كسرى بعده وذاك كسرى بن هرمز آخر الأكاسرة المملكين ثم ولي بعده ولاة متضعفون فكان آخرهم يزدجرد وإليه الإشارة باللفظ الآخر إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لنتفقن كنوزهما في سبيل الله وهذا أخبر به وملك كسرى وقيصر أعز ملك في الأرض فصدق الله خبره في خلافة عمر وعثمان فهلك كسرى وهو آخر الأكاسرة في خلافة عثمان بأرض فارس ولم يبق بعده كسرى ولم يبق

للمجوس والفرس ملك وهلك قيصر الذي بأرض الشام وغيرها ولم يبق بعده من هو ملك على الشام ولامصر ولا الجزيرة من النصارى وهو الذي يدعى قيصر قال الشافعي كانت قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا وكان كثير من معاشها منه وتأتي العراق فيقال لما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه و سلم خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام فقال مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام النبي صلى الله عليه و سلم إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده فلم يبق بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده وقال إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده فلم يكن بأرض الشام قيصر فأجابهم على ما قالوا وكان كما قال قطع الله الأكاسرة عن

العراق وفارس وقيصر عن الشام وقال في كسرى مزق الله ملكه فلم يبق للأكاسرة ملك وقال في قيصر ثبت ملكه فثبت ملكهم ببلاد الروم وتنحى

عن الشام وكل هذا يصدق بعضه بعضا وفي الصحيحين عن سفيان بن أبي زهير قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم تفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ثم تفتح الشام فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وفي رواية فيخرج من المدينة فاخبر صلى الله عليه و سلم بفتح اليمن والشام والعراق قبل أن يكون وأخبر أنه يخرج من المدينة أقوام يتحملون بأهليهم ومن

اطاعهم إلى هذه الأمصار ويطلبون الريف وسعة الرزق قال والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال ستفتح مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرا وفي رواية فأحسنوا إلى أهلها فإن لهم ذمة ورحما فإذا رأيتم رجلين يقتتلان على موضع لبنة فأخرج منها

فمر ابو ذر بعد فتح مصر بمدة بابني شرحبيل بن حسنة وهما يتنازعان في موضع لبنة فخرج منها وفي صحيح البخاري عن سليمان بن صرد قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول حين أجلي الأحزاب عنه الآن نغزوهم ولا يغزونا وكذلك كان وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم وأنتم قال عبد الرحمن بن

عوف نقول كما أمرنا الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أنه لما أنزل الله هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لم يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم سئل النبي صلى الله عليه و سلم عن هؤلاء الآخرين فقال لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجال من أبناء فارس وفي لفظ لو كان الإيمان وفي لفظ العلم وكان كما أخبر فإنه حصل في

التابعين وتابعيهم وهلم جرا من أبناء فارس مثل الحسن البصري ومحمد بن سيرين وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر وأضعاف هؤلاء من نالوا ذلك ولما نزل قوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين

سئل عنهم فقال هم قوم هذا وأشار إلى أبي موسى الأشعري وقال إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن وفي الصحيحين عنه أنه قال أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة الإيمان يماني والفقه يماني والحكمة يمانية

فلما أرتد من ارتد عن الإسلام أتى الله بهؤلاء الذين يحبهم ويحبونه فقاتل الصديق بهم أهل الردة وغلب بهم أبو بكر وعمر كسرى وقيصر وقال لعثمان إن الله مقمصك قميصا فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه وفي الصحيحين عن أبي موسى قال بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم في حائط من حوائط المدينة وهو متكئ يركز بعود

في الماء والطين إذ استفتح رجل فقال له افتح وبشره بالجنة فإذا هو أبو بكر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال له افتح له وبشره بالجنة فذهبت فإذا هو عمر ففتحت له وبشرته بالجنة ثم استفتح رجل آخر فقال له افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فذهبت فإذا هو عثمان ففتحت له وبشرته بالجنة فقلت له الذي قال فقال اللهم صبرا والله المستعان وفي الصحيحين حديث حذيفة عن النبي صلى الله عليه و سلم في الفتن التي تموج موج البحر وقال لعمر إن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك ذلك الباب أن يكسر فسأله مسروق من الباب

فقال عمر وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ستكون الفتن القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي من تشرف لها تستشرفه ومن وجد فيها ملجأ فليعذ به ورواه أبو بكرة وقال فيه فإذا وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ومن كانت له أرض فليلحق

بأرضه قال فقال رجل يا رسول الله ارأيت إن لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض قال يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت فقال رجل يا رسول الله أرأيت إن كرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني قال يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار وفي صحيح أبي حاتم قال النبي صلى الله عليه و سلم ويل للعرب من شر قد اقترب او فتنة عمياء صماء بكماء القاعد فيها خير من الماشي والماشي خير من الساعي ويل للساعي فيها من الله يوم القيامة

وفي الصحيحين عنه أنه قال إني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر وفي الصحيحين من غير وجه أنه لما قال له ذو الخويصرة يا محمد أعدل فإنك لم تعدل فقال ويحك قد خبت وخسرت إن لم اعدل فقال بعض اصحابه دعني اضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنه يخرج من ضئضيء هذا أقوام يحقر احدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم

يقرؤن القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية آيتهم أن فيهم رجلا مخدج اليد على عضده مثل البضعة من اللحم تدردر عليها شعرات وفي رواية في الصحيحين تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق وهؤلاء ظهروا بعد موته ببضع وعشرين سنة في أواخر خلافة علي لما افترق المسلمون وكانت الفئة بين عسكر علي وعسكر معاوية وقتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه وهم أدنى الطائفتين إلى الحق والطائفة الأخرى قتلوا عمار بن ياسر وهي الطائفة

الباغية وكان علي قد أخبرهم بهذا الحديث وبعلامتهم فطلبوا هذا المخدج فلم يجدوه حتى قام علي بنفسه ففتش عليه فوجده مقتولا فسجد شكرا لله وفي الصحيح عنه أنه قال ستكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة وهؤلاء ظهروا بعده بمدة فكانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر ويؤخرون العصر إلى اصفرار الشمس وفي الصحيحين عنه أنه قال إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا

حتى تقلوني على الحوض فلقوا بعده من استأثر عليهم ولم يعطهم حقهم وفي الصحيحين عنه انه قال ستكون بعدي امراء يطلبون منكم حقهم ويمنعونكم حقكم قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال ادوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم وفي الصحيحين عنه أنه سار فاطمة فقال لها وهو في مرضه الذي توفي فيه إني أقبض في مرضي هذا ثم اخبرها أنها أول أهله لحوقا به وفي رواية وأخبرها أنها سيدة نساء المؤمنين وفي الصحيحين عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أسرعكن بي لحاقا أطولكن يدا قالت فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا فكانت أطولنا يدا زينب لأنها كانت تعمل بيدها

وتصدق وفي صحيح البخاري وغيره عن أم حرام عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم وفي صحيح البخاري عن أم حرام أيضا

قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت يا رسول الله أنا فيهم قال أنت فيهم قالت ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت يا رسول الله أنا فيهم قال لا وغزاها المسلمون في خلافة معاوية وكان يزيد أميرهم وكان في العسكر أبو ايوب الأنصاري الذي نزل النبي صلى الله عليه و سلم في بيته لما قدم المدينة مهاجرا ومات ودفن تحت سورها وذكروا أنهم كانوا إذا أجدبوا كشفوا عن قبره فيسقون

ثم غزاها المسلمون مرة ثانية في خلافة عبد الملك غزاها ابنه مسلمة وحصروها عدة سنين وبنوا فيها مسجدا وفي الصحيحين عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت مم تضحك فقال عرض علي ناس من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة فقالت أم حرام ادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ثم وضع رأسه فنام ثم استيقظ وهو يضحك فقالت مم تضحك فقال

عرض علي ناس من أمتي كما قال في الأولى فقالت يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين قال أنس فركبت البحر زمان معاوية بن أبي سفيان فصرعت عن دابتها لما خرجت من البحر فماتت وهذا كان في خلافة عثمان ومعاوية نائبه وكان المسلمون في خلافة عمر لم يغزوا في البحر وأول ما غزوا البحر في خلافة عثمان وفتحوا جزيرة قبرص وجاؤا بسبيها إلى دمشق وكان أبو الدرداء حيا بدمشق فجعل يبكي فقيل له ما يبكيك يا أبا الدرداء هذا يوم قد أعز الله فيه الإسلام فقال إنما أبكى أني رأيت هذه الأمة كانت قاهرة ظاهرة فأضاعت أمر الله فيه فأصارها الله إلى ما ترون ما أهون العباد على الله إذا ضيعوا أمره وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته ان لا يسلط

على أمتي عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن لا يهلكهم بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وثبت عنه في الصحيحين أنه قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة وهذا أخبر به حين كانت أمته أقل الأمم فانتشرت الأمة في مشارق الأرض ومغاربها وكان كما أخبر به فإن هذه الأمة ولله الحمد والمنة لم يزل فيها طائفة ظاهرة بالعلم والدين والسيف لم يصبها ما أصاب من قبلها من بني إسرائيل وغيرهم حيث كانوا مقهورين مع الأعداء بل إن غلبت طائفة في قطر من الأرض كانت

في القطر الآخر امة ظاهرة منصورة ولم يسلط على مجموعها عدوا من غيرهم ولكن وقع بينهم اختلاف وفتن وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم صنفان من أهل النار لم ارهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولايجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا وهؤلاء ظهروا بعده بمدة طويلة وظهر النسوة بعد ذلك بسنين كثيرة وعلى رؤسهن عمائم كأسنمة الجمال البخاتي يسمون العمامة سنام الجمل وفي حديث مسلم عن أسماء بنت أبي بكر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال سيكون في ثقيف كذاب ومبير

وظهر الكذاب من ثقيف وهو المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي أظهر التشيع والانتصار للحسين وقتل عبيد الله بن زياد وغيره من قتلة الحسين ثم أظهر أنه يوحى إليه وأنه ينزل عليه حتى قيل لابن عمر

وابن عباس عنه قيل لأحدهما أنه يوحى إليه وللآخر إنه ينزل عليه فقال أحدهما وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم وقال الآخر هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل افاك أثيم وأما المبير فكان هو الحجاج بن يوسف الثقفي وكان مبيرا سفاكا للدماء بغير حق انتصارا لملك عبد الملك بن مروان الذي استنابه وفي الصحيحين عن أبي هريرة أنه قال لقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثي فيجمعه إلى صدره فإنه لن ينسى شيئا سمعه فبسطت بردة علي حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلى صدري فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا سمعته منه وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لايزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر

خليفة كلهم من قريش وفي لفظ إلى اثني عشر أميرا وفي رواية لأبي داود الطيالسي كلهم يجتمع عليهم الأمة وفي رواية فقالوا ثم يكون ماذا قال ثم يكون الهرج قال أبو بكر البيهقي وفي الرواية الأولى بيان العدد وفي الأخرى بيان المراد بالعدد وقد بين وقوع الهرج وهو القتل بعدهم وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد بن يزيد

ابن عبد الملك ثم وقع الهرج والفتنة العظمى وأنما يزيدون على العدد المذكور إذا تركت الصفة المذكورة فيه أو عد معهم من كان بعد الهرج وفي الصحيحين عن جابر قال قال لي رسول الله صلىالله عليم وسلم هل لك من أنماط قلت يا رسول الله وأني يكون لي أنماط فأنا أقول اليوم لامرأتي نحي عنك أنماطك فتقول ألم يقل رسول الله صلى الله عليه و سلم إنها ستكون لكم أنماط وفي الصحيحين عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينا أنا نائم اريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب ففظعتهما فكرهتهما فأذن لي فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين

يخرجان بعدي قال عبيد الله أحدهما العنسي الذي قتله فيروز ياليمين والآخر مسيلمة وفي الصحيحين من حديث ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال وهو مستقبل المشرق ها إن الفتنة ها هنا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان وفي بعض طرق البخاري قام خطيبا فأشار بيده نحو مسكن عائشة فقال وذكر الحديث فالمشرق عن مدينته فيه البحرين ومنها خرج مسيلمة

الكذاب الذي ادعى النبوة وهو أول حادث حدث بعده واتبعه خلائق وقاتله خليفته الصديق وروى أبو حاتم في صحيحيه عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول إن بين يدي الساعة كذابين منهم صاحب اليمامة ومنهم صاحب صنعاء العنسي ومنهم صاحب حمير ومنهم الدجال وهو أعظمهم فتنة وصاحب اليمامة هو مسيلمة قال وقال أصحابي قال هو قريب من ثلاثين كذابا وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالون كذابون كلهم يزعم أنه رسول الله وحتى يفيض الما وتظهر الفتن ويكثر

الهرج قالوا وما الهرج يا رسول الله قال القتل القتل وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر قال ركب رسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا واردفني خلفه ثم قال يا ابا ذر اين أنت إن أصاب الناس جوع شديد حتى لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع فقال الله ورسوله أعلم قال تعفف قال يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس موت شديد حتى يكون البيت بالعبد كيف تصنع قال الله ورسوله أعلم قال اصبر يا أبا ذر ارايت إن قتل الناس بعضهم بعضا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع قال الله ورسوله أعلم قال اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك فقال أرأيت إن لم اترك قال فأت من أنت منه فكن فيهم قال فآخذ سلاحي قال إذا

تشاركهم فيه ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فأطلق طرف ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه وفيه عن ابن مسعود قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم وهو في قبة من ادم فيها أربعون رجلا فقال إنكم مفتوحون ومنصورون فمن أدرك ذلك الزمان منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر ومن كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار وأما الفتوح التي فتحت عليهم والنصرة التي نصروا فقد أخبر به في أوائل مبعثه كما تقدم ذكره ووقع ما أخبر به وروى أبو حاتم في صحيحه عن ابن عباس قال مرض أبو طالب فأتته قريش وأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده وعند رأسه مقعد رجل فقام أبو جهل فقعد فيه فشكوا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ابي طالب فقالوا إن ابن أخيك يقع في آلهتنا قال ما شأن قومك يشكونك يا ابن أخي قال يا عم

إنما أردتهم على كلمة واحدة تدين لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها العجم الجزية فقال وما هي قال لا إله إلا الله فقاموا فقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا قال ونزلت ص والقرآن ذي الذكر إلى قوله إن هذا لشيء عجاب وفي صحيح ابن حبان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال لما اقبلت عائشة قربت ببعض مياه

بني عامر طرقتهم ليلا فسمعت نباح الكلاب فقالت أي ماء هذا قالوا ماء الحوأب قالت ما أظنني رافعة قالوا مهلا يرحمك الله تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله بك قالت ما أظنني رافعة أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كيف بإحداكن ينبح عليها كلاب الحوأب وفيه أيضا عن ابن أبي طالب قال قال لي عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في الغرز وأنا اريد العراق لا تأت

العراق فإنك إن تأتهم أصابك ذنب السيف قال علي وايم الله لقد قالها رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو الأسود فقلت في نفسي ما رأيت كاليوم رجلا محاربا يحدث الناس بمثل هذا وهذا وأمثاله مما أخبر به صلى الله عليه و سلم من المستقبلات فوقع بعده كما أخبر ورأى الناس ذلك وأما ما أخبر به مما لم يقع إلى الآن فكثير وقد أخبر بأشياء من المغيبات ووقعت في زمانه ووجدت كما أخبر كما في الصحيحين عن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم خيبر

لأعطين هذه الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فكان كذلك وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينا فقال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه و سلم إلى النار فكاد بعض المسلمين أن يرتاب فبينا هم على ذلك إذ قيل فإنه لم يمت ولكن به جرحا شديدا فلم كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه و سلم بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وأن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ورواه سهل بن

سعد وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام والمقداد وكلنا فارس فقال إنطلقوا حتى تأتوا روضة ناخ

فإن بها إمرأة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فأدركناها تسير على بعير لها خبب فقلنا لها أين الكتاب فقالت ما معي كتاب قال فأنخنا بها فالتمسنا الكتاب في رحلها فلم نر كتابا قال قلنا ما كذب رسول الله صلى الله عليه و سلم لتخرجن الكتاب أو لنجردنك قال فلما رأت أني أهويت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء أخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا حاطب ما هذا قال لا تعجل علي إني كنت أمرأ

ملصقا في قريش ولم اكن من أنفسها وكان من كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم إن أتخذ يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضاء بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه قد صدقكم فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فكان في هذا الكتاب إخبار المشركين بأن النبي صلى الله عليه و سلم يريد يغزوهم فأعلمه الله بذلك وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال نعى رسول الله صلى الله عليه و سلم للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه فخرج إلى المصلى وكبر اربع تكبيرات وفي رواية عن جابر قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم صلى على أصحمة النجاشي وفي لفظ من رواية أبي هريرة قال قد مات اليوم عبد الله

صالح أصحمة فأمنا وصلى عليه وفي رواية عمران بن حصين قال إن أخاكم قد مات فصلوا عليه يعني النجاشي وروى موسى بن عقبة عن ابن شهاب ورواها عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق بمعناه قال ثم إن المشركين اشتدوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم كأشد ما كانوا حتى بلغ بالمسلمين الجهد واشتد عليهم البلاء وأجمعت قريش في مكرها ان يقتلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم علانية فلما رأى أبو طالب عمل القوم جمع بني عبد المطلب وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم شعبهم ويمنعوه ممن أراد قتله فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم فمنهم من فعله حمية ومنهم من فعله

إيمانا ويقينا فلما عرفت قريش ان القوم قد منعوا الرسول صلى الله عليه و سلم واجتمعوا على ذلك اجتمع المشركون من قريش فأجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه و سلم للقتل وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق لا يقبلوا من بني هاشم أبدا صلحا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين واشتد عليهم البلاء والجهد وقطعوا عنهم الأسواق فلم يتركوا طعاما يقدم مكة ولا بيعا إلا بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه و سلم زاد ابن إسحاق في روايته قال حتى كان يسمع صوت صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع وعدوا على من أسلم فأوثقوهم وآذوهم واشتد البلاء عليهم وعظمت الفتنة وزلزلوا

زلزالا شديدا قال موسى بن عقبة في تمام حديثه وكان أبو طالب إذا اخذ الناس مضاجعهم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فاضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد مكرا به واغتياله فإذا نوم الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم وامر رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأتي بعض فرشهم فينام عليه فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن بني قصي ورجال سواهم من قريش قد ولدتهم نساء بني هاشم ورأوا انهم قد قطعوا الرحم واستخفوا بالحق واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه وبعث الله عز جل على صحيفتهم التي فيها المكر برسول الله صلى الله عليه و سلم الأرضة فلحست كل ما كان فيها من عهد وميثاق ويقال كانت معلقة في سقف البيت فلم تترك

إسما لله عز و جل فيها إلا لحسته وبقي ما فيها من شرك أو ظلم أو قطيعة رحم وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي طالب فقال أبو طالب لا والثواقب ما كذبني فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش فلما رأوهم عامدين بجماعتهم أنكروا ذلك وظنوا أنهم أخرجوا من شدة البلاء فأتوهم ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فتكلم أبو طالب فقال قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها فلعله أن يكون بينكم وبيننا صلح وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا في صحيفتهم قبل أن يأتوا بها فأتوا بصحيفتهم معجبين بها لا يشكون أن الرسول مدفوع إليهم فوضعوها بينهم وقالوا قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم فإنما قطع بيننا وبينكم رجل واحد جعلتموه خطرا لهلكة

قومكم وعشيرتكم وفسادهم فقال أبو طالب إنما أتيتكم لأعطيكم أمرا فيه نصف فإن ابن اخي أخبرني ولم يكذبني ان الله عز و جل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم ومحا كل اسم هو له فيها وترك فيها غدركم وقطيعتكم إيانا وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان الحديث الذي قال ابن أخي كما قال فأفيقوا فوالله لا نسلمه أبدا حتى نموت من عند آخرنا وإن كان الذي قال باطلا دفعناه إليكم فقتلتموه أو استحييتموه قالوا قد رضينا بالذي تقول ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه و سلم قد اخبر خبرها فلما رأتها قريش كالذي قال أبو طالب قالوا والله إن

كان هذا إلا سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا لشر ما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمين وعلى رهطه والقيام بما تعاهدوا عليه فقال أولئك النفر من بني عبد المطلب إن أولى بالسحر والكذب غيرنا فكيف ترون فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر من أمرنا ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم وهي في أيديكم طمس الله ما كان فيها من اسم وما كان فيها من بغي تركه أفنحن السحرة أم أنتم فقال عند ذلك النفر من بني عبد مناف وبني قصي ورجال من قريش ولدتهم نساء بني هاشم منهم أبو البختري والمطعم بن عدي

وزهير بن أبي أمية ابن المغيرة وزمعة بن الأسود وهشام بن عمرو وكانت الصحيفة عنده وهو من بني عامر بن لؤي في رجال من اشرافهم ووجهوهم نحن براء مما في هذه الصحيفة فقال أبو جهل هذا أمر قد قضي بليل وأنشأ أبو طالب يقول في ذلك الشعر في شأن صحيفتهم ويمتدح النفر الذين تبرؤا منها ونقضوا ما كان فيها من عهد ويمتدح النجاشي قال موسى بن عقبة فلما افسد الله صحيفة مكرهم خرج

النبي صلى الله عليه و سلم فعاشوا وخالطوا الناس وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال انطلق سعد بن معاذ معتمرا فنزل على أمية بن خلف أبي صفوان وكان أمية بن خلف إذا انطلق إلى الشام فمر بالمدينة نزل على سعد بن معاذ فقال لأمية انظر لي ساعة خلوة لعلي أن اطوف بالبيت قال انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس انطلقت فطفت قال فخرج به قريبا من نصف النهار فلقيهما أبو جهل فقال يا أبا صفوان من هذا معك قال هذا سعد فقال أبو جهل الا أراك تطوف

بالبيت آمنا وقد أويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا انك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فقال له سعد وقد رفع صوته عليه لئن منعتني من هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة قال فقال له امية لا ترفع صوتك على أبي الحكم سيد أهل الوادي فقال سعد دعنا منك يا أمية فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه قاتلك قال بمكة قال لا أدري ففزع لذلك أمية فزعا شديدا وقال والله ما يكذب محمد فلما رجع أمية إلى أهله قال يا أم صفوان الم تري إلى ما قال لي سعد قالت وما قال لك قال زعم أن محمدا أخبرهم انه قاتلي فقلت له بمكة فقال لا أدري فقالت والله ما يكذب محمد فقال امية والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم بدر استنصر ابو جهل الناس فقال أدركوا عيركم قال فكره أمية أن يخرج فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد اهل الوادي تخلفوا معك فلم يزل ابو جهل حتى قال إذ غلبتني فوالله لأشترين أجود بعير بمكة قال يا ام صفوان

جهزيني فقالت له يا أبا صفوان قد نسيت ما قال لك أخوك اليثربي قال لا وما اريد أن أجوز معهم إلا قريبا قال فلما خرج امية جعل لا ينزل منزلا إلا عقل بعيره فلم يزل كذلك حتى قتله الله ببدر وعن كعب بن مالك قال كان أبي بن خلف أخو بني جمع قد حلف وهو بمكة ليقتلن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما بلغت رسول الله صلى الله عليه و سلم حلفته قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل انا أقتله إن شاء الله عز و جل فأقبل أبي مقنعا في الحديد وهو يقول لا نجوت إن نجا محمد فحمل على رسول الله صلى الله عليه و سلم يريد

قته فاستقبله مصعب بن عمير من بني عبد الدار يقي رسول الله صلى الله عليه و سلم بنفسه فقتل مصعب بن عمير وأبصر النبي صلى الله عليه و سلم ترقوة أبي بن خلف من فرجة بين سابغة الدرع والبيضة فطعنه فيها بحربته فوقع ابي عن فرسه ولم يخرج من طعنته دم فأتاه أصحابه فاحتملوه وهو يخور خوار الثور فقالوا الله ما أجزعك إنما هو خدش فذكر لهم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا أقتل أبيا ثم قال والذي نفسي بيده لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعون

فمات إلى النار ورواه موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب وذكره الواقدي بإسناده وهذا لفظه وهو مما ذكره عروة بن الزبير في مغازيه وابن إسحاق وغيره وذكر موسى بن عقبة في مغازيه ان عمير بن وهب الجمحي لما رجع فل المشركين إلى مكة وقد قتل الله من قتل منهم اقبل عمير

حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحجر فقال صفوان قبح الله العيش بعد قتلى بدر قال أجل والله ما في العيش خير بعدهم ولولا دين علي لا أجد له قضاء وعيال لا أدع لهم شيئا لرحلت إلى محمد فقتلته إن ملأت عيني منه فإن لي عنده علة أعتل بها أقول قدمت على ابني أفدي هذا الأسير ففرح صفوان بقوله وقال له علي دينك وعيالك أسوة عيالي في النفقة فحمله صفوان وجهزه وأمر بسيف عمير فصقل وسم فأقبل عمير حتى قدم المدينة فنزل بباب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فعمد لرسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر عمر بن الخطاب إليه وهو في نفر من الأنصار يتحدثون فقال عمر عندكم الكلب هذا عدو الله الذي حرش بيننا

يوم بدر وحزرنا للقوم ثم قام عمر حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أن قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أقدمك قال أسيري عندكم ففادونا في اسرائنا فإنكم العشيرة والأهل قال فما بال السيف في عنقك قال عمير قبحها الله من سيوف فهل أغنت عنا شيئا إنما نسيته في عنقي حين نزلت فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم اصدقني ما أقدمك قال ما قدمت إلا في أسيري قال فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ففزع عمير وقال ماذا شرطت قال تحملت له بقتلي على ان يعول بيتك ويقضي دينك والله حائل بينك وبين ذلك فقال عمير أشهد أنك رسول الله وان لا إله إلا الله كنا نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء وهذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر لم يطلع عليه احد غيري وغيره فأخبرك الله به وذكر بقية الحديث

وفي صحيح البخاري عن أنس قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم أقواما من بني سليم إلى بني عامر في سبعين فلما قدموا قال لهم خالي أتقدمكم فإن أمنوني حتى أبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وإلا كنتم مني قريبا فأمنوه فبينما هو يحدثهم عن النبي صلى الله عليه و سلم إذ أومأوا إلى رجل منهم فطعنه فأنفذه قال فزت ورب الكعبة ثم مالوا

على بقية أصحابه فقتلوهم إلا رجل أعرج صعد الجبل وآخر معه فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه و سلم أنهم قد لقوا ربهم فBهم وأرضاهم فكنا نقرأ أن بلغوا عنا قومنا إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا ثم نسخ فدعا عليهم أربعين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله وكان في هؤلاء عامر بن فهيرة

قال عنه عامر بن الطفيل لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض وفي الصحيحين من حديث أبي حميد الساعدي قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك فأتينا وادي القرى على حديقة لامرأة فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم أخرصوها فخرصناها وخرصها رسول الله صلى الله عليه و سلم عشرة أوسق قال أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى فانطلقنا حتى قدمنا تبوك فقال النبي صلى الله عليه و سلم ستهب عليكم الليلة ريح شديدة فلا يقم فيها أحد فمن كان له بعير فليشد عقاله فهبت ريح شديدة فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبل طيء وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس بن عبد المطلب ابو اليسر بن عمرو وهو كعب بن عمرو أحد

بني سلمة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم كيف اسرته يا ابا اليسر فقال لقد أعانني عليه رجل ما رأيته بعد ولا قبل هيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد اعانك عليه ملك كريم وقال للعباس يا عباس أفد نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة بن جحدم أخو بني الحارث بن فهر قال فإني قد كنت مسلما

قبل ذلك وإنما استكرهوني قال الله أعلم بشأنك إن يك ما تدعي حقا فالله يجزيك بذلك واما ظاهر أمرك فقد كان علينا فافد نفسك وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد أخذ منه عشرين أوقية ذهب فقال يا رسول الله أحسبها لي من فداي قال لا ذلك شيء أعطانا الله منك قال فإنه ليس لي مال قال فأين المال الذي وضعته بمكة حين خرجت عند أم الفضل وليس معك احد غيركما فقلت إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا ولقثم كذا ولعبد الله كذا قال فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيري وغيرها وأني أعلم أنك لرسول الله

وفي صحيح البخاري لما أرسل النبي صلى الله عليه و سلم الجيش في غزوة مؤتة وأمر عليهم زيد بن الحارثة وقال إن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله بن رواحة فروى البخاري عن أنس بن مالك قال نعى رسول الله صلى الله عليه و سلم زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل ان يأتيهم خبرهم فقال اخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب وإن عيني رسول الله صلى الله عليه و سلم لتذرفان ثم اخذها خالد بن الوليد سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم

فصل وآياته صلى الله عليه و سلم المتعلقة بالقدرة والفعل والتأثير أنواع الأول منها ما هو في العالم العلوي كانشقاق القمر وحراسة السماء بالشهب الحراسة التامة لما بعث كمعراجه إلى السماء فقد ذكر الله انشقاق القمر وبين ان الله فعله وأخبر به لحكمتين عظيمتين
أحدهما كونه من آيات النبوة لما سأله المشركون آية فأراهم انشقاق القمر

والثانية أنه دلالة عل جواز انشقاق الفلك وأن ذلك دليل على ما أخبرت به
الأنبياء من انشقاق السموات ولهذا قال تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد

جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر فذكر اقتراب الساعة وانشقاق القمر وجعل الآية في انشقاق القمر دون الشمس وسائر الكواكب لأنه أقرب إلى الأرض من الشمس والنجوم وكان الانشقاق فيه دون سائر أجزاء الفلك إذ هو الجسم المستنير الذي يظهر فيه الانشقاق لكل من يراه ظهورا لا يتمارى فيه وأنه نفسه إذا قبل الانشاق فقبول محله أولى بذلك وقد عاينه الناس وشاهدوه وكان النبي صلى الله عليه و سلم يقرأ بهذه السورة في المجامع الكبار مثل صلاة الجمعة والعيدين ليسمع الناس ما فيها من آيات النبوة ودلائلها والاعتبار بما فيها وكل الناس يقر بذلك ولاينكره فعلم أن انشقاق القمر كان معلوما عند الناس عامة وفي صحيح مسلم ان عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي

ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه و سلم في الأضحى والفطر فقال كان يقرأ فيهما ب قاف والقرآن المجيد واقتربت الساعة وانشق القمر ومعلوم بالضرورة في مطرد العادة أنه لو لم يكن انشق لأسرع المؤمنون به إلى تكذيب ذلك فضلا عن أعدائه الكفار والمنافقين ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له واتباعهم إياه فو لم يكن انشق لما كان يخبر به ويقرؤه على جميع الناس ويستدل به ويجعله آية له وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال إن أهل مكة سألوا نبي الله صلى الله عليه و سلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين

وعنه قال إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يريهم آية فانشق القمر فرقتين ورواه الترمذي وزاد فيه فنزلت اقتربت الساعة وانشق القمر إلى قوله تعالى سحر مستمر يقول ذاهب وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم شقتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اشهدوا

وعن ابن مسعود أيضا قال رأيت القمر منشقا شقتين بمكة قبل مخرج النبي صلى الله عليه و سلم شقة على جبل أبي قبيس وشقة على السويداء فقال كفار قريش اهل مكة هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة انظروا السفار فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق وإن لم يكونوا رأوا مثل ما رأيتم فهو سحر قال فسئل السفار وقدموا من كل وجه فقالوا رأينا رواه والبخاري ومسلم

وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال انشق القمر على زمان رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى مسلم عن ابن عمر في قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر قال قد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم انشق القمر فلقتين فلقة من دون الجبل وفلقة من خلف الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم اشهد وعن جبير بن مطعم قال انشق القمر ونحن بمكة حتى صار فرقتين على هذا الجبل وعلى هذا الجبل فقال الناس سحرنا محمد قال رجل إن كان سحركم فلم يسحر الناس كلهم رواه

الترمذي وكذلك صعدوه ليلة المعراج إلى ما فوق السموات وهذا مما تواترت به الأحاديث وأخبر به القرآن أخبر بمسراه ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس وفي موضع آخر بصعوده إلى السموات فقال تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير فأخبر هنا بمسراه ليلا بين المسجدين وأخبر أنه فعل ذلك ليريه من آياته ومعلوم أن الأرض قد رأى سائر الناس ما فيها من الآيات فعلم أن ذلك ليريه آيات لم يرها عموم الناس كما قال في السورة الأخرى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى

عندها الجنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى مازاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى وفي الصحيحين عن ابن عباس في قوله تعالى وما جعلنا الرءيا التي أريناك إلا فتنة للناس قال هي رؤيا عين أريها النبي صلى الله عليه و سلم ليلة أسرى به فكان في إخباره بالمسرى لنريه من آياتنا بيان أنه رأى من آياته ما لم يره الناس وقد بين ذلك في السورة الأخرى فإنه رأى جبريل عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى

وانه رأى بالبصر آيات ربه الكبرى وذكر في تلك السورة المسرى لأنه أمكنه أن يقيم عليه برهانا فإنه لما أخبرهم به فكذبه من كذبه وتعجبوا من ذلك سألوه عن نعته وصفته فنعته لهم لم يخرم من النعت شيئا وأخبر خبر عيرهم التي كانت في الطريق فظهر لهم صدقه وكان صدقه في هذا آية على صدقه فيما غاب عنهم وكان قطع المسافة البعيدة في الزمان اليسير لأجل ما أراه من الآيات التي تختص برؤيتها الأنبياء وبهذا تميز عمن يقطع المسافة كرامة لولي أو بتسخير الجن كما في قصة بلقيس حيث قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه

لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فإن قطع الجسم للمسافة البعيدة أنما كان لما أوتيه سليمان من الملك كما كانت الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد وهذا تسخير ملكي وقطع محمد صلى الله عليه و سلم كان لما أراه الله من الآيات التي ميزه بها على سائر النبيين وكان ذلك فتنة أي محنة وابتلاء للناس ليتبين من يؤمن به ممن يكذبه وأحاديث المعراج وصعوده إلى ما فوق السموات وفرض الرب عليه الصلوات الخمس حينئذ ورؤيته لما رآه من الآيات والجنة والنار والملائكة والأنبياء في السموات والبيت المعمور وسدرة المنتهى وغير ذلك معروف

متواتر في الأحاديث وهذا النوع لم يكن لغيره من الأنبياء مثله يظهر به تحقيق قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس فالدرجات التي رفعها محمد ليلة المعراج وسيرفعها في الآخرة في المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون الذي ليس لغيره مثله ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة وأبي ذر ومن رواية ابن عباس وأبي حبة الأنصاري وغيرهم

فروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى بصره قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل عليه السلام اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه و سلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه قال ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه و سلم قيل وبعث إليه قال قد بعث إليه قال ففتح لنا فإذا أنا بانبي الخالة عيسى ويحيى بن زكريا عليهما السلام فرحبا بي ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه

وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف عليه السلام وإذا هو قد أعطي شطر الحسن قال فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه و سلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بإدريس صلى الله عليه و سلم فرحب ودعا لي بخير قال الله عز و جل ورفعناه مكانا عليا ثم عرج بنا إلي السماء الخامسة فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد

صلى الله عليه و سلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بهارون صلى الله عليه و سلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه و سلم قيل أوقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا انا بموسى عليه السلام فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه و سلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه و سلم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي

ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى عليه السلام فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلي ربي فقلت رب خفف عن أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى عليه السلام فقلت حط عني خمس قال فإن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال لي يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وللية لكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى عليه السلام فأخبرته قال إرجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه وفي رواية قال فأتيت فانطلق بي إلى زمزم فشرح عن

صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت طست من ذهب مملوءة حكما وإيمانا فحشى بها صدري وفي رواية فشق من النحر إلى مراق البطن وقال عن البيت المعمور فقلت ما هذا قال بناء بناه الله لملائكته يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك يقدسون الله ويسبحونه لا يعودون إليه وفي حديث أبي ذر فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلىء حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ثم اخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل لخازن سماء الدنيا افتح قال من هذا قال جبريل قال هل معك احد قال نعم معي محمد صلى الله عليه و سلم فلما علونا السماء فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة قال فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح قال قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة

والأسودة التي عن شماله أهل النار قال الزهري وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وابا حبة الأنصاري يقولان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع منه صريف الأقلام وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال لما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها قال إذ يغشى السدرة ما يغشى

قال فراش من ذهب قال فأعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثا أعطي الصلوات الخمس وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لمن لم يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات وعنه في قوله عز و جل فكان قاب قوسين أو أدنى قال إن النبي صلى الله عليه و سلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله

عليه وسلم قال لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به وصعود الأدمي ببدنه إلى السماء قد ثبت في أمر المسيح

عيسى بن مريم عليه السلام فإنه صعد إلى السماء وسوف ينزل إلى الأرض وهذا مما يوافق النصارى عليه المسلمين فإنهم يقولون إن المسيح صعد إلى السماء ببدنه وروحه كما يقوله المسلمون ويقولون إنه سوف ينزل إلى الأرض أيضا كما يقوله المسلمون وكما أخبر به النبي صلى الله عليه و سلم في الأحاديث الصحيحة لكن كثيرا من النصارى يقولون إنه صعد بعد أن صلب وأنه قام من القبر وكثير من اليهود يقولون إنه صلب ولم يصعد ولم يقم من قبره وأما المسلمون وكثير من النصارى فيقولون إنه لم يصلب ولكن صعد إلى السماء بلا صلب والمسلمون ومن وافقهم من النصارى يقولون إنه ينزل إلى الأرض قبل القيامة وأن نزوله من أشراط الساعة كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكثير من النصارى يقولون إن نزوله هو يوم القيامة وإنه هو الله الذي يحاسب الخلق وكذلك إدريس صعد إلى السماء ببدنه وكذلك عند أهل الكتاب أن إلياس صعد إلى السماء ببدنه ومن أنكر صعود بدن إلى السماء من المتفلسفة فعمدته شيئا

أحدهما أن الجسم الثقيل لا يصعد وهذا في غاية الضعف

فإن صعود الأجسام الثقيلة إلى الهواء مما تواترت به الأخبار في أمور متعددة مثل عرش بلقيس الذي حمل من اليمن إلى الشام في لحظة ولما قال سليمان يأيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل ان يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن انا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ومثل حمل الريح لسليمان عليه السلام وعسكره لما كان يحمل البساط في الهواء وهو جالس عليه بأصحابه ومثل حمل قرى قوم لوط ثم إلقائها في الهواء ومثل المسرى إلى بيت المقدس الذي ظهر صدق الرسول بخبره وبهذا يظهر جوابهم عن انكارهم انشقاق القمر فإن عمدتهم فيه

أن الفلك لا يقبل الانشقاق وقد عرف فسد ذلك عقلا وسمعا وتواتر عن الأنبياء أنهم أخبروا بانشقاق السموات وإيضاح الرد على هؤلاء أن ما يثبتونه من أن الحركة لا بد لها من جهة ومحدد يحدد الجهات إنما يدل على الافتقار إلى جنس المحدد لا يدل على الاحتياج إلى محدد معين فإذا قدر أنه خلق وراء المحدد محددا آخر وخرق الأول حصل به المقصود وهكذا عامة أدلتهم أنما تدل على شيء مطلق لكن يعينونه بلا حجة فيغلطون في التعيين كدليلهم على دوام الفاعلية أو الحركة أو زمانها فإن ذلك لا يدل على الحركة الفلكية وأن الزمان هو مقدار الحركة بل إذا كان الله قد خلق السموات والأرض وما بينهما في سنة أيام كما أخبرت به الرسل لم تكن تلك الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض هي مقدار حركة الشمس التي هي مما خلق في تلك الأيام بل وقد أخبر الله تعالى أنه كان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وأخبر أنه خلق السموات من دخان وهو بخار الماء فإذا كان قبل هذه الحركا المشهودة حركات أخر لأجسام غير هذه الأجسام المشهودة لم يكن هذا مناقضا لما دل عليه العقل

ورجال كثير في زماننا وغير زماننا يحملون من مكان إلى مكان في الهواء وهذا مما تواتر عندنا وعند من يعرف ذلك وايضا فمعلوم أن النار والهواء الخفيف تحرك حركة قسرية فيهبط والتراب والماء الثقيلان يحركان حركة قسرية فيصعد وهذا مما جرت به العادة
والشبهة الثانية ظن بعض المتفلسفة كأرسطو وشيعته أن الأفلاك لا تقبل الانشقاق وحجتهم على ذلك في غاية الضعف فإنهم قالوا لو كانت تقبل الانشقاق لكان المحدد للأفلاك المحرك لها يتحرك حركة مستقيمة والحركة المستقيمة تحتاج إلى خلاء خارج العالم ولا خلاء هناك
وهذه الحجة فاسدة من وجوه منها انها تدل على ذلك في الفلك الأعلى لا فيما دونه كفلك القمر وغيره وهذا مما أجابهم به الرازي وغيره ومنها أن وجود أجسام خارج الفلك كوجود الفلك في حيزه يحتاج إلى خلاء وقوله بنفي الخلاء خارجه كقوله بنفي الخلاء عن

حيزه فإن كان الخلاء عدما محضا فهو منتف في الجانبين وإن قيل إنه أمر وجودي لزم أن يحتاج إليه في الموضعين وحينئذ فيبطل القول بنفيه وكذلك ما يذكرونه في قدم العالم فليس مع القوم دليل واحد عقلي صحيح يناقض ما أخبرت به الرسل ولكن قد تناقض ما يظنه بعض أهل الكلام من دين الرسل كما قد بسط في غير هذا الموضع
والنوع الثاني آيات الجو كاستسقائه صلى الله عليه و سلم واستصحائه وطاعة السحاب له ونزول المطر بدعائه صلى الله عليه و سلم ففي الصحيحين عن أنس بن مالك أن رجلا دخل المسجد في

يوم جممة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائما يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم قائما ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا قال أنس فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا من قزعة وأن السماء لمثل الزجاجة وما بيننا وبين سلع من دار فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر عن لحيته وفي رواية أخرى فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم

أمطرت قال فلا والله ما رأينا الشمس سبتا قال ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائما يخطب فاستقبله قائما فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطون لأودية ومنابت الشجر قال فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت حتى رأيت المدينة في مثل الجوبة وسال الوادي قناة شهرا ولم يجيء أحد من ناحية إلا أخبر بجود ومن هذا الباب نصر الله بالريح التي قال الله فيها يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا

قال مجاهد يعني ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق حتى كفأت قدورهم على أفواهها ونزعت فساطيطهم وجنودا لم تروها يعني الملائكة وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وفي المغازي والسير قصة الأحزاب وكيف أرسلت عليهم الريح والملائكة وانهزموا بغير قتال معروف

والنوع الثالث تصرفه في الحيوان الإنس والجن والبهائم

فروي عن عبد الله بن جعفر قال أردفني رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس قال وكان أحب ما استتر به هدف أو حائش نخل فدخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه و سلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم فمسح رأسه وذفراه فسكن قال لمن هذا الجمل فجاء فتى من الأنصار فقال هو لي يا رسول الله فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه روى مسلم بعضه

وبعضه على شرطه ورواه أبو داود وغيره وروى أحمد والدارمي وغيرهما عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه قال فقال النبي صلى الله عليه و سلم هاتوا خطامه فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس فقال

إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس وروى الطبراني عن جابر قال خرجنا في غزوة ذات الرقاع حتى إذا كنا بحرة واقم عرضت امرأة بدوية بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان قال فأدنيه مني فأدنته فقال افتحي فمه فبصق فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم

وقال اخسأ عدو الله وأنا رسول الله ثلاث مرات ثم قال شأنك بابنك ليس عليه بأس فلن يعود إليه شيء مما كان يصيبه وذكر قصة الشجرتين إلى أن قال فنزلنا في واد من أودية بني محارب فعرض له رجل من بني محارب يقال له غورث بن الحارث والنبي صلى الله عليه و سلم متقلد سيفه فقال يا محمد اعطني سيفك هذا فسله فناوله إياه ونظر إليه ساعة ثم أقبل على النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا محمد من يمنعك

مني فارتعدت يده حتى سقط السيف من يده فتناوله رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قال يا غورث من يمنعك مني قال لا أحد قال ثم أقبلنا راجعين فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بعش طير يحمله وفيه فراخ وأبواه يتبعانه ويقعان على يد الرجل فأقبل النبي صلى الله عليه و سلم على من كان معه فقال أتعجبون بفعل هذا الطير وبفراخهما زاد في رواية فربكم ارحم بكم من هذا الطير بفراخه ثم اقبلنا راجعين حتى إذا كنا بحرة واقم عرضت لنا المرأة التي جاءت بابنها بوطب من لبن وشاة فأهدته له فقال ما فعل ابنك هل أصابه شيء مما كان يصيبه قالت لا والذي بعثك بالحق ما أصابه شيء مما كان يصيبه وقبل هديتها ثم أقبلنا راجعين حتى إذا كنا بمهبط من الحرة أقبل جمل يرقل فقال أتدرون ما قال هذا الجمل قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا جمل جاءني يستعدي على سيده

يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى أذا اجربه وأعجفه وكبر سنه اراد نحره اذهب معه يا جابر إلى صاحبه فائت به فقلت ما أعرف صاحبه يا رسول الله قال إنه سيدلك عليه قال فخرج بين يدي معنقا حتى وقف بي في مجلس بني خطمة فقلت أين رب هذا الجمل قالوا فلان فجئته فقلت اجب رسول الله صلى الله عليه و سلم فخرج معي حتى جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم إن جملك هذا يستعدي عليك يزعم أنك حرثت عليه زمانا حتى أجربته وأعجفته وكبر سنه ثم اردت نحره قال والذي

بعثك بالحق إن ذلك كذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم بعنيه قال نعم يا رسول الله فابتاعه منه ثم سيبه في الشجر حتى نصب سناما فكان إذا اعتل على بعض المهاجرين والأنصار من نواضحهم شيء أعطاه أياه فمكث بذلك زمانا وهذا الحديث له شواهد أخرج أهل الصحيح منه قصة الشجرتين وقصة الذي شهر السيف على رسول الله صلى الله عليه و سلم وقصة الطير

رواها أبو داود الطيالسي وقصة الصبي ذكرها غير واحد وروى الإمام أحمد في مسنده عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم بينما نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر ووضع جرانه بالأرض فوقف عليه النبي صلى الله عليه و سلم فقال أين صاحب هذا البعير فجاء فقال بعينه فقال بل

نهبه لك وهو لأهل بيت ما لهم معيشة غيره فقال أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه يشتكي إلي كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه وفي رواية أنهم أرادوا نحره ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال النبي صلى الله عليه و سلم إنطلق إلى هاتين الشجرتين فقل لهما إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لكما أن تجتمعا فانطلقت فقلت لهما ذلك فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها فنزلت كل واحدة إلى صاحبتها فالتفتا جميعا فقضى رسول الله صلى الله عليه و سلم حاجته من ورائهما ثم لما فرغ عادت كل واحدة منهما مكانها بأمره وأتته امرأة بصبي لها به لمم فقالت يا رسول الله إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين فتفل النبي صلى الله عليه و سلم في فيه وقال أخرج عدو الله أنا رسول الله فبرىء فلما رجعنا جاءت أم الغلام بكبشين وشيء من أقط قالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك فأخذ أحد الكبشين والأقط ورد الكبش الآخر

وروى هذه القصة أبو يعلى الموصلي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه ورواه الحاكم في صحيحه قال سافرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيت منه عجبا وذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال للمرأة لما أخرج الشيطان من ابنها إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع ورواه الدارمي أيضا وروى الدارمي عن ابن عباس أن امرأة جاءت بابن لها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت يا رسول الله إن ابني به جنون وإنه يأخذه عند غدائنا وعشائنا فيخبث علينا فمسح رسول الله صلى الله عليه و سلم صدره ودعا فثغ ثغة خرج من جوفه مثل الجرو الأسود فشفي وروى أبو داود الطيالسي عن ابن مسعود قال كنا مع رسول الله

صلى الله عليه و سلم في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترف على رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه فقال أيكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضتها فقال رده رحمة لها وروى الحاكم في صحيحه عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ركبنا البحر في سفينة فانكسرت السفينة فركبت لوحا من ألواحها فطرحني في أجمة فيها أسد فلم يرعني إلا به

فقلت يا ابا الحارث انا مولى رسول الله صلى الله عليه و سلم فطأطأ رأسه وغمز بمنكبه شقي فما زال يغمزني ويهديني الطريق حتى وضعني على الطريق فلما وضعني على الطريق همهم فظننت أنه يودعني وروى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة قالت كان لآل رسول الله صلى الله عليه و سلم وحش إذا خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتد ولعب وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه و سلم قد دخل ربض فلم يترمرم كراهية ان يؤذيه ورواه أبو نعيم

وروى عنها أحمد أيضا ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر فنحن أحق أن نسجد لك فقال لو كنت آمرا احدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل اسود ومن جبل أسود إلى جبل ابيض كان ينبغي لها أن تفعله رواه أحمد عن عفان وابن ماجه عن ابن أبي شيبة عن

عفان قال ثنا حماد بن سلمة ثنا أبي علي بن زيد ثنا سعيد عن عائشة وقصة هذا الجمل رواها جماعة وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى

الذئب على ذنبه فقال ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي فقال يا عجبا ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس فقال الذئب الا أخبرك بأعجب من ذلك محمد صلى الله عليه و سلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق قال فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى النبي صلى الله عليه و سلم فأخبر فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فنودي الصلاة جامعة ثم خرج فقال للأعرابي أخبرهم فأخبرهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه ما أحدث أهله بعده وروى الترمذي آخره وصححه قال البيهقي إسناده

صحيح وله شاهد من وجه آخر ورواه أحمد عن أبي هريرة قال وكان الراعي يهوديا فأسلم وقال فيه اعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم وفي الصحيحين عن أنس قال كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلى الله عليه و سلم فرسا لأبي طلحة وكان يقطف فلما رجع قال وجدنا فرسكم هذا بحرا وكان بعد ذلك لا يجارى وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد عن

النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة خيبر انه أرسل إلى علي وهو ارمد العين فقال لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يفتح الله على يديه فبصق في عينيه فبرأ كأن لم يكن به وجع قط وأعطاه الراية فقال علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه قتادة بن النعمان أنه

أصيبت عينه يوم بدر فسألت على وجنته فأرادوا ان يقطعوها فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال لا ودعاه وغمز حدقته براحته فكان لا يدري أي عينيه أصيبت فكانت أحسن عينيه وأحدهما وفي رواية فرفع حدقته حتى وضعها موضعها ثم غمزها براحته وقال اللهم أكسبه جمالا فمات وما يدري من لقيه أي عينيه أصيبت رواه عنه أهل المغازي

وانشد ولده بحضرة عمر بن عبد العزيز وهو خليفة أقره من حضر ولم ينكروه ... أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ... وردت بكف المصطفى أيما رد ...
فلولا أنه كان معروفا عند التابعين لم يقروه وهم إنما تلقوا هذا عن الصحابة وفي صحيح البخاري عن البراء بن عازب قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار

وأمر عليهم عبد الله بن عتيك وكان أبو رافع يؤذي رسول الله صلى الله عليه و سلم ويعين عليه وكان في حصن له بأرض الحجاز فلما دنوا منه وقد غربت الشمس وراح الناس قال عبد الله لأصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي أدخل قال وأقبل حتى دنا من الباب وذكر قصة قتله إلى أن

قال ثم وضعت السيف في بطنه حتى أخذ في ظهره فعلمت أنني قد قتلته فجعلت أفتح الأبواب بابا فبابا حتى انتهيت إلى درجة فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامتي ثم انطلقت حتى جلست عند الباب فقلت لا أبرح حتى اعلم أقتلته أم لا فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال أنعي ابا رافع قال فانطلقت إلى أصحابي فقلت النجا قد قتل الله أبا رافع قال فانتهينا إلى النبي صلى الله عليه و سلم وحدثناه فقال ابسط رجلك فبسطها فمسحها فكأنما لم اشتكها قط

وفي البخاري عن يزيد بن أبي عبيد قال رأيت في ساق سلمة بن الأكوع أثر ضربة فقلت يا ابا مسلم ما هذه الضربة قال هذه ضربة اصابتني يوم خيبر فقال الناس اصيب سلمة قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فنفث فيه ثلاث نفثات فما اشتكيت منها حتى الساعة وفي الترمذي وغيره عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ادع الله تعالى ان يعافيني قال إن شئت صبرت فهو خير لك وإن شئت دعوت الله قال فادعه قال فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء فيصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء اللهم إني اسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى

ربي في حاجتي هذه فتقضيها لي اللهم فشفعه في وفي رواية قال يا رسول الله ليس لي قائد وقد شق علي وذكر الحديث فقال عثمان والله ما تفرقنا ولا طال الحديث بنا حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط قال الترمذي حديث صحيح
النوع الثالث آثاره في الأشجار والخشب ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله قال كان المسجد مسقوفا على جذوع النخل فكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع المنبر فكان عليه سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه

وسلم فوضع يده عليها فسكنت وفي رواية فصاحت النخلة صياح الصبي وفي الصحيح عن جابر ان امرأة من الأنصار قالت يا رسول الله الا أجعل لك شيئا تقعد عليه فإن لي غلاما نجارا قال إن شئت فعملت له المنبر فلما كان يوم الجمعة قعد النبي صلى الله عليه و سلم على المنبر الذي صنع له فصاحت النخلة التي كان يخطب عليها حتى كادت أن تنشق فنزل النبي صلى الله عليه و سلم فضمها إليه فجعلت تئن أنين الصبي الذي يسكت حتى استقرت

وفي صحيح مسلم من حديث جابر قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم يقضي حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا شجرتان بشاطىء الوادي فانطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى إحداهما فأخذ بغصنين من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقادي علي بإذن الله فانقادت معه كذلك حتى إذا كان بالمنصف فيما بينهما فلأم بينهما حتى جمع بينهما فقال التئما علي بإذن الله تعالى فالتأمتا عليه فخرجت أحضر مخافة أن يحس رسول الله

صلى الله عليه و سلم بقربي فيتباعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة فإذا برسول الله صلى الله عليه و سلم مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق وذكر الحديث وعن ابن عباس قال جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك فإنني من أطب الناس قال ألا أريك آية قال بلى فنظر إلى نخلة فقال ادع ذلك العذق فجاءه ينقز حتى قام بين يديه فقال له ارجع فرجع

وفي رواية الترمذي جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بم أعرف أنك نبي قال إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة تشهد أني رسول الله قال نعم فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم فجعل ينزل من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه و سلم ثم قال ارجع فعاد فأسلم الأعرابي وروى الدارمي عن عبد الله بن عمر قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له النبي صلى الله عليه و سلم أين تريد قال إلى أهلي قال هل لك في خير قال ما هو قال تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فقال ومن يشهد على ما تقول قال هذه السلمة فدعاها رسول الله صلى الله عليه و سلم وهي بشاطىء الوادي فأقبلت تخد الأرض حتى قامت بين يديه فاستشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها ورجع الأعرابي

إليه فقال أن اتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت فكنت معك ورواه الدارمي أيضا قال فيه فجاءت النخلة تنقز بين يديه ثم قال لها ارجعي فعادت إلى مكانها وفي الصحيحين عن معن بن عبد الرحمن قال سمعت أبي يقول سألت مسروقا من آذن النبي صلى الله عليه و سلم بالجن ليلة استمعوا القرآن فقال حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه قال آذنته بهم شجرة وفي الترمذي عن علي قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه

وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله رواه الحاكم في صحيحه وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء ضربه بعض أهل مكة فقال له ما لك قال فقال فعل هؤلاء وفعلوا فقال له جبريل أتحب أني أريك آية فقال نعم فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال أدع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه فقال مرها فلترجع إلى مكانها فقال لها ارجعي فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال النبي صلى الله عليه و سلم حسبي ورواه أبو يعلى االموصلي في مسنده

فصل
والنوع الرابع الماء والطعام والثمار الذي كان يكثر ببركته فوق العادة وهذا باب واسع نذكر منه ما تيسر أما الماء ففي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم دعا بماء فأتي بقدح رحراح فجعل القوم يتوضؤن قال فحزرت ما بين السبعين إلى الثمانين وفي رواية عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج في بعض مخارجه ومعه أناس من أصحابه فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجدوا ما يتوضؤن به فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح فيه ماء يسير فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم فتوضأ ثم مد أصابعه الأربع على القدح ثم

قال قوموا فتوضؤا وكانوا سبعين أو نحوه وفيهما عن أنس أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه بالزوراء والزوراء بالمدينة عند السوق والمسجد ثمة دعا بقدح فيه ماء فوضع فيه كفه فجعل ينبع بين أصابعه فتوضأ جميع أصحابه وفي الصحيحين عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وحانت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بوضوء فوضع في ذلك الإناء يده وأمر الناس أن يتوضؤا منه قال فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤا من عند آخرهم

وفي الصحيحين عن جابر قال قد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد حضرت صلاة العصر وليس معنا ماء غير فضلة فجعل في إناء فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فأدخل يده فيه وفرج أصابعه وقال حي على الوضوء والبركة من الله فلقد رأيت الماء يتفجر من بين أصابعه فتوضأ الناس وشربوا فجعلت لا آلو ما جعلت في بطني منه فعلمت أنه بركة قلت لجابر كم كنتم يومئذ قال ألفا وأربعمائة وفي صحيح البخاري عن جابر أيضا قال عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه و سلم بين يديه ركوة فتوضأ فجهش الناس نحوه قال ما لكم قالوا ليس عندنا ما نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا قلت كم كنتم قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة

وفي البخاري عن البراء بن عازب قال تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا وكنا ألفا وأربعمائة أو أكثر من ذلك وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن أربع عشرة مائة أو أكثر من ذلك وعليها خمسون شاة لا ترويها فقعد رسول الله صلى الله عليه و سلم على جبا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال فجاشت فسقينا واستقينا

وعن ابن عباس قال ودعا النبي صلى الله عليه و سلم بلالا فطلب بلال الماء ثم جاء فقال لا والله ما وجدت الماء فقال النبي صلى الله عليه و سلم فهل من شن فأتاه بشن فبسط كفيه فيها فانبعثت من يده عين قال فكان ابن مسعود يشرب وغيره يتوضأ وعن جابر بن عبد الله قال غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن يومئذ بضع عشرة ومائتين فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هل في القوم من طهور فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من ماء وليس في القوم ماء غيره فصبه رسول الله صلى الله عليه و سلم في قدح ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس ذلك القدح وقالوا تمسحوا تمسحوا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك فوضع رسول الله صلى الله عليه و سلم كفه في الماء والقدح فقال بسم الله

ثم قال أسبغوا الطهور فوالذي ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه فلم يرفعها حتى توضؤا أجمعون رواهما الدارمي في مسنده وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود قال كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاؤا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الوضوء المبارك والبركة من الله فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه و سلم ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وروى مسلم في صحيحه عن معاذ بن جبل قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عام غزوة تبوك فكان يجمع الصلاة فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوم آخر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا ثم قال

إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء فسألهما رسول الله صلى الله عليه و سلم هل مسيتما من مائها شيئا قالا نعم فسبهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع شيء قال وغسل رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه يديه ووجهه ثم اعاده فيها فجرت العين بماء منهمر أو قال غزير فسقى الناس ثم قال يوشك يا معاذ إن طالت بك الحياة أن ترى ما ها هنا قد ملىء جنانا

وفي صحيح مسلم حديث جابر الذي رواه عبادة بن الوليد وقد تقدم أوله في قصة الشجرتين وانقيادهما ثم افتراقهما ووضع الغصن على القبرين وقال في آخره فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا جابر ناد بوضوء فقال ألا وضوء ألا وضوء قال قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة وكان رجل من الأنصار يبرد لرسول الله صلى الله عليه و سلم الماء في أشجاب له فقال لي انطلق إلى فلان فانظر هل في أشجابه من شيء قال فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب لو أني أفرغه لشربه يابسه

فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت يا رسول الله لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب لو أني أفرغه لشربه يابسه قال اذهب فأتني به فأتيته به فأخذه بيده فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيده ثم أعطانيه ثم قال يا جابر ناد بجفنة الركب فقلت يا جفنة الركب فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده في الجفنة فقال خذ يا جابر فصب علي وقل بسم الله فصببت عليه وقلت بسم الله فرأيت الماء يفور من بين أصابعه صلى الله عليه و سلم ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلأت فقال يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا قال فقلت هل بقي أحد له حاجة فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم يده من الجفنة وهي ملأى وفي الصحيحين عن عمران بن حصين قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم في مسير له فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان

وجه الصبح عرسنا فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس فكان أول من استيقظ منا أبو بكر الصديق وكنا لا نوقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم من منامه حتى يكون هو الذي يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه ثم استيقظ عمر فجعل يكبر حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت قال ارتحلوا فسار بنا حتى ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا فلما انصرف قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منعك أن تصلي معنا قال أصابتني جنابة ولا ماء قال له عليك بالصعيد فإنه يكفيك فتيمم بالصعيد فصلى ثم عجلني في ركب بين يديه يطلب الماء وقد عطشنا عطشا شديدا فبينما نحن نسير إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين فقلنا لها أين الماء فقالت إيهاه إيهاه لا ماء لكم فقلت كم بين أهلك وبين الماء قالت مسيرة يوم وليلة قلنا انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قالت وما رسول الله فلم نملكها من أمرها شيئا حتى انطلقنا بها واستقبلنا بها رسول الله

صلى الله عليه و سلم فسألها فأخبرته مثل الذي أخبرتنا وأخبرته أنها موتمة لها صبيان أيتام فأمر براويتها فأنيخت فمج في العزلاوين العلياوين ثم بعث براويتها فشربنا ونحن أربعون رجلا عطاشا حتى روينا وملأنا كل راوية وملأنا كل قربة معنا وإداوة وغسلنا صاحبنا غير أنا لم نسق بعيرا وهي تكاد تتضرج من الماء يعني المزادتين ثم قال هاتوا ما عندكم فجمعنا لها من كسر وتمر وصرلها صرة وقال اذهبي فأطعمي عيالك واعلمي أنا لم نرزأ من مائك شيئا فلما أتت أهلها قالت لقد رأيت أسحر البشر أو أنه النبي كما زعم كان من أمره ذيت وذيت فهدى الله عز و جل ذلك القوم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا

وفي الصحيحين عن أبي قتادة قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء غدا إن شاء الله فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد وذكر حديث النوم في الوادي فقال ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء فتوضأ منها وضوءا دون وضوء وبقي فيها شيء من ماء ثم قال لأبي قتادة احفط علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ ثم قال أصبح الناس فقدوا نبيهم فقال أبو بكر وعمر إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يعدكم لم يكن ليخلفكم وقال الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أيديكم فإن تطيعوا أبا بكر وعمر ترشدوا قال فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون يا رسول الله هلكنا عطشا فقال

لا هلك عليكم ثم قال أطلقوا لي غمري قال ودعا بالميضاة فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصب وابو قتادة يسقيهم فلم يعد ان رأى الناس ما في الميضأة تكابوا عليها فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسنوا الملاء كلكم سيروى قال ففعلوا فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم صب فقال لي اشرب فقلت لا أشرب حتى يشرب رسول الله قال إن ساقي القوم آخرهم شربا فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فأتى الناس الماء جامين رواء قال عبد الله بن رباح إني لأحدث بهذا الحديث في مسجد

الجامع إذ قال لي عمران بن حصين انظر كيف يحدث فأنا أحد الركب تلك الليلة فقلت أنت أعلم فقال ممن أنت قلت من الأنصار قال أنتم أعلم بحديثكم قال عمران لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظه كما حفظته وفي مسند الإمام أحمد ورواه أبو يعلى الموصلي عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فاتينا على ركي ذمة قال فنزل ستة أنا سابعهم او سبعة أنا ثامنهم قال فأدليت إلي دلو ورسول الله صلى الله عليه و سلم على شفة الركي فجعلنا فيها نصفها أو قريب ثلثيها فرفعت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فكدت بإنائي أجد سقيا اجعله في حلقي فما وجدت قال فغمس رسول الله صلى الله عليه و سلم يديه فيها وقال ما شاء الله أن يقول فأعيدت إلينا الدلو وما فيها قال

فرأيت آخرنا أخرج بثوب مخافة الغرق قال وساحت وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابو داود وابن ماجه طرف منه عن زياد بن الحارث الصداي قال في آخره ثم قلنا يا نبي الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا وكل من حولنا عدو فادع الله في بئرنا أن يسعنا ماؤها فنجتمع عليها ولا نتفرق فدعا بسبع حصيات فعركهن في يده ودعا فيهن ثم قال اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيت البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا اسم الله عز و جل قال الصداي ففعلنا ما قال لنا فما استطعنا بعد أن ننظر إلى قعرها

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس قال أصبح رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم وليس في العسكر ماء فأتاه رجل فقال يا رسول الله ليس في العسكر ماء قال هل عندك شيء قال نعم قال فأتني به قال فأتاه بإناء فيه شيء من ماء قليل قال فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم اصابعه في فم الإناء وفتح أصابعه قال فانفجرت من بين أصابعه عيون وأمر بلالا فقال ناد في الناس الوضوء المبارك

فصل وأما تكثير الطعام ففي الصحيحين عن جابر قال لما حفر الخندق رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم خمصا فانكفأت إلى امرأتي فقلت لها هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله صلى الله عليه و سلم خمصا شديدا فأخرجت لي جرابا فيه صاع من شعير ولنا بهيمة داجن قال فذبحت وطحنت ففرغت إلى فراغي فقطعتها في برمتها ثم وليت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه و سلم ومن معه قال فجئت فساورته فقلت يا رسول الله إنا

دبحنا بهيمة لنا وطحنت صاعا من شعير عندنا فتعال أنت ونفر معك فصاح رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سورا فحي هلا بكم وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم يقدمم الناس حتى جئت امرأتي فقالت بك وبك قال قد فعلت الذي قلت لي فأخرجت له عجينا فبصق فيه وبارك ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيها وبارك ثم قال ادع لي خابزة فلتخبز معي واقدحي من برمتكم ولا تنزلوها وهم ألف فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو

وفي رواية قال جابر إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا هذه كدية عرضت فقال أنا نازل فقام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثا لا نذوق ذواقا فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم المعول فضرب فعاد كثيبا أهيل فقلت يا رسول الله أئذن لي إلى البيت فقلت لامرأتي رأيت من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئا ما في ذلك صبر قالت عندي شعير وعناق فذبحت

العناق وطحنت الشعير حتى جعلنا اللحم في البرمة ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم والعجين قد انكسر والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج فقلت طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان قال كم هو فذكرت له قال كثير طيب قال قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي قال قوموا فقام المهاجرون والأنصار فلما دخل على امرأته قال ويحك جاء النبي صلى الله عليه و سلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم إلى أن قال فلم يزل يكسر ويغرف حتى شبعوا وبقي بقية قال كل هذا وأهد فإن الناس أصباتهم مجاعة وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال قال أبو طلحة لأم

سليم قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته تحت ثوبي وردتني ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال فذهبت به فوجدته جالسا في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أرسلك ابو طلحة فقلت نعم فقال بالطعام فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لمن معه قوموا قال فانطلق وانطلقت معهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم فقال الله ورسوله أعلم قال فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم معه حتى دخل فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز ففت وعصرت عليه أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن

لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم حتى أكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون رجلا أو ثمانون وفي طريق البخاري ثمانون وقال في رواية ثم أكل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو طلحة وأم سليم وأنس وفضل فضلة فأهديناها لجيراننا وفي صحيح مسلم عن سلمة قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا يعنى من التمر فبسط ناطعا فنثرنا عليه أزوادنا قال فتمطيت وتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا ثم تطاولت فنظرته فحزرته كربضة الشاة وفي الصحيحين عن أبي هريرة وأبي سعيد وسلمة بن الأكوع واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال

كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسير قال فنفذت أزواد القوم حتى هموا بنحر بعض حمائلهم قال فقال عمر يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم فدعوت الله عليها قال ففعل فجاء ذو البر ببره وذو التمر بتمره وذو النوى بنواه قيل وما كانوا يصنعون بالنوى قال يمصونه ويشربون عليه الماء قال فدعا عليها حتى ملأ القوم أزوادهم قال فقال عند ذلك أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيها إلا دخل الجنة وفي لفظ آخر قال لما كان يوم غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم افعلوا قال فجاء عمر فقال يا رسول الله إن فعلت قل الظهر وفي رواية ما بقاؤهم

بعد إبلهم ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم قال فجعل الرجل يجيء بكف ذرة وجعل الآخر يجيء بكف تمر وجعل يجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير قال فدعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالبركة ثم قال خذوا في أوعيتكم قال فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملاؤه قال فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة الحديث وروى البخاري من حديث سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة فأصابنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمرنا نبي الله صلى الله عليه و سلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع قال

فتطاولت لأحزره كم هو فحزرته كربضة العنز ونحن أربع عشرة مائة قال فأكلنا حتى شبعنا جميعا ثم حشونا جربنا فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم هل من وضوء قال فجاء رجل بإدواة فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أربع عشرة مائة ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فرغ الوضوء وفي صحيح مسلم عن جابر أن أم مالك كانت تهدي للنبي صلى الله عليه و سلم في عكة لها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الأدم وليس عندهم شيء فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي

صلى الله عليه و سلم فتجد فيها سمنا قال فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرته فأتت النبي صلى الله عليه و سلم فقال عصرتيها فقالت نعم قال لو تركتيها ما زال قائما وروى مسلم في صحيحه عن جابر أيضا قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال تزوج النبي صلى الله عليه و سلم زينب فدخل بأهله قال فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور من حجارة فقالت يا انس اذهب

بهذا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقل بعثت بهذا أمي إليك وهي تقرئك السلام وتقول إن هذا لك منا قليل يا رسول الله قال فذهبت بها إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت إن أمي تقرئك السلام وتقول إن هذا لك منا قليل فقال ضعه ثم قال اذهب فادع فلانا وفلانا وفلانا ومن لقيت وسمى رجالا قال فدعوت من سمى ومن لقيت قال الجعد وهو الراوي عن أنس عدد كم كانوا قال كانوا زهاء ثلاثمائة وقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم يا أنس هات التور قال فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه قال فأكلوا حتى شبعوا قال فخرجت طائفة ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم فقال يا أنس إرفع فرفعت فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت قال وجلس طوائف منهم يتحدثون وذكر نزول آية الحجاب

وروى البخاري عن أنس أيضا إن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة وعصرت عكة عندها ثم بعثتني إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيته وهو في أصحابه فدعوته قال ومن معي فجئت فقلت إنه يقول ومن معي فخرج إليه أبو طلحة فقال يا رسول الله أنما هو شيء صنعته أم سليم فدخل فجيء به وقال أدخل عشرة حتى عد أربعين ثم اكل النبي صلى الله عليه و سلم ثم قام فجعلت أنظر هل نقص منها شيء وعن سمرة بن جندب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم نتداول قصعة من غدوة إلى الليل يقوم عشرة ويقعد عشرة فقلنا ما كان يمد قال فمن أي شيء تعجب ما كانت

تمد إلا من ههنا وأشار بيده إلى السماء رواه النسائي والترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الدارمي والحاكم في صحيحه وفي البخاري عن أبي هريرة أنه كان يقول والله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد على الأرض من الجوع وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل ثم مر عمر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فمر فلم يفعل ثم مر بي أبو القاسم

صلى الله عليه و سلم فتبسم حين رآني وعرف ما في وجهي وما في نفسي ثم قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق ومضى فاتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي فدخلت فوجد لبنا في قدح فقال من أين هذا اللبن قالوا هداه لك فلان أو فلانة قال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال الحق أهل الصفة فادعهم لي قال وأهل الصفة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا إلى مال إذا اتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم واصاب منها وأشركهم فيها فساءني ذلك فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة كنت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها فإذا جاؤا أمرني فكنت أنا أعطيهم وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت فقال يا ابا هر قلت لبيك يا رسول الله قال خذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي

القدح فأعطيه الآخر فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقد روي القوم كلهم فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إلي فتبسم فقال أبا هر قلت لبيك يا رسول الله قال بقيت أنا وأنت قلت صدقت يا رسول الله قال اقعد فاشرب فقعدت فشربت فقال اشرب فشربت فما زال يقول اشرب حتى قلت لا والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا قال فأرني فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة وفي الصحيحين عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثين ومائة فقال النبي صلى الله عليه و سلم هل مع أحد منكم طعام فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشعان طويل بغنم

يسوقها فقال النبي صلى الله عليه و سلم أبيعا أم عطية أو قال هبة قال بل بيع فاشترى منه شاة فصنعت وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بسواد البطن أن يشوي وأيم الله ما في الثلاثين ومائة إلا من قد حز له النبي صلى الله عليه و سلم حزة من سواد بطنها إن كان شاهدا أعطاه وأن كان غائبا خبأ له فجعل منها قصعة فأكلوا أجمعون وشبعنا ففضلت القصعتان فحملناها على البعير أو كما قال

فصل وأما تكثير الثمار ففي صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله أن أباه استشهد وترك دينا وترك ست بنات فلما حضر جداد النخل قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم فقلت قد علمت أن والدي قد استشهد يوم أحد وترك دينا كثيرا وإني أحب أن يراك الغرماء قال اذهب فبيدر كل تمر على ناحية ففعلت ثم دعوته فلما نظروا إليه كأنهم أغروا بي تلك الساعة فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال لي ادع لي أصحابك فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي امانته وأنا أرضى أن يؤدي الله عن والدي أمانته ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة

فسلم الله البيادر كلها حتى إني لأنظر إلى البيدر الذي كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم كأنها لم تنقص تمرة واحدة وفي رواية أن أباه ترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه و سلم ليشفع إليه فجاءه وكلم اليهودي ليأخذ تمر نخله بالذي له فأبى فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جد له فأوف له فجد له بعد ما راح رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثين وسقا وفضل له سبعة عشر وسقا فجاء جابر ليخبره بالذي كان فوجده يصلي العصر فلما انصرف أخبره بالفضل فقال أخبر بذلك ابن الخطاب فذهب جابر إلى عمر فأخبره فقال عمر لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم ليباركن فيها وروى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما حديث مزود أبي

هريرة قال أحمد ثنا يونس ثنا حماد بن زيد عن المهاجر عن أبي العالية عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه و سلم بتمرات وقلت ادع الله لي فيهن بالبركة قال فصفهن بين يديه قال ثم دعا فقال لي اجعلهن في مزودك فأدخل يدك ولا تنثره قال فجعلت منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم وكان لا يفارق حقوي فلما قتل عثمان انقطع من حقوي فسقط رواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز عن

حماد بنحوه وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه ورواه الحافظ عبد الغني وغيره من طريق أخرى عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال يا ابا هريرة عندك شيء قلت شيء من التمر في مزود لي قال جىء به فجئت بالمزود وقال هات نطعا فجئت بالنطع فبسطه فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرين تمرة قال ثم قال بسم الله فجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى على التمر فقال به هكذا فجمعه فقال ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا ثم قال ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا قال وفضل تمر قال فقال لي اقعد فقعدت فأكل وأكلت قال وفضل تمر فأخذه فأدخله في المزود فقال يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل

يدك ولا تكفأ فيكفأ عليك قال ما فكنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله عز و جل وكان معلقا خلف ظهري فوقع زمان عثمان فذهب ورواه من طريق يزيد بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة قال أصبت بثلاث بموت النبي صلى الله عليه و سلم وكنت صويحبه وخويدمه وبقتل عثمان والمزود وما المزود كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصاب الناس مخمصة فقال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم هل من شيء يا ابا هريرة فقلت نعم شيء من تمر في مزود قال فأتيني به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبض فبسطا ثم قال ادع لي عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم أدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال ادع لي عشرة فما زال يصنع كذلك حتى أطعم الجيش كلهم وشبعوا ثم قال خذ ما جئت به وأدخل يدك واقبض ولا

تكفه قال أبو هريرة فقبضت على اكثر مما جئت به ثم قال أبو هريرة ألا أحدثكم عما أكلت منه أكلت حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم وأطعمت وحياة أبي بكر وأطعمت وحياة عمر واطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان انتهب بيتي وذهب المزود وروى الإمام أحمد في مسنده ثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد المزني قال أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم أربعين وأربعمائة نسأله الطعام فقال لعمر إذهب فأطعمهم فقال يا رسول الله ما بقي إلا

آصع من تمر ما أراه يقيظني قال قال فأطعمهم قال سمع وطاعة قال فأخرج عمر المفتاح من حجزته ففتح الباب فإذا شبه الفصيل الرابض من تمر فقال لنا خذوا فأخذ كل رجل منا ما أحب ثم التفت وكنت من آخر القوم وكأنا لم نرزأ تمرة ورواه أبو داود عن عبد الرحيم بن مطرف عن

عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن دكين قال أبو عبد الله المقدسي وإسناده على شرط الصحيح

فصل
وأما النوع الخامس تأثيره في الأحجار وتصرفه فيها وتسخيرها له ففي صحيح البخاري عن أنس قال صعد النبي صلى الله عليه و سلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم الجبل فقال اسكن وضربه برجله فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن وفي الترمذي عن علي قال كنت مع النبي صلى الله عليه و سلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله شجر ولا جبل إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله ورواه الحاكم في صحيحه

وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الأكوع قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حنينا فلما واجهنا العدو تقدمته فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما صنع ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فولى أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وارجع منهزما وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ومررت على رسول الله صلى الله عليه و سلم منهزما وهو على بغلته الشهباء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد رأى

ابن الأكوع فزعا فلما غشوا النبي صلى الله عليه و سلم نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من الأرض واستقبل به وجوههم فقال شاهت الوجوه فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين فهزمهم الله وفي صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم نفارقه ورسول الله صلى الله عليه و سلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي فلما التقى المسلمون والكفار

ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله صلى الله عليه و سلم يركض بغلته قبل الكفار قال العباس وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم أكفها وابو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه و سلم إرادة أن لا تسرع فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أي عباس ناد أصحاب الشجرة فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على اولادها يا لبيك يا لبيك قال فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا بني الحارث بن الخزرع فنظر رسول الله

صلى الله عليه و سلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هذا حين حمى الوطيس ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم حصيات فرمى وجوه الكفار ثم قال انهزموا ورب الكعبة قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا حتى هزمهم الله وقد قال الله تعالى عن يوم بدر وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى

وروى ابن إسحاق عن جماعة منهم عروة والزهري وعاصم بن عمر وغيرهم قالوا فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم في العريش هو وأبو بكر ما معهما غيرهما وقد تدانى القوم بعضهم من بعض فجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم يناشد ربه ما وعده من نصره ويقول اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد وأبو بكر يقول بعض مناشدتك ربك يا رسول الله فإن الله سينجز لك ما وعدك من نصره وخفق رسول الله

صلى الله عليه و سلم خفقة ثم هب فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله عز و جل هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع يقول الغبار ثم خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فعبأ اصحابه وهيأهم وقال لا يعجلن رجل منكم بقتال حتى نؤذنه فإذا أكثبكم القوم يقول قربوا منكم فانضحوهم عنكم بالنبل ثم تزاحم الناس فلما تدانى بعضهم من بعض خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ حفنة من حصباء ثم استقبل بها قريشا فنفخ بها وجوههم وقال شاهت الوجوه ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم احملوا عليهم يا معشر المسلمين فحمل المسلمون

وهزم الله قريشا وقتل من قتل من أشرافهم وأسر من أسر منهم وفي حديث ابن أبي طلحة عن ابن عباس فقال له جبريل خذ قبضة من تراب فأخذ قبضة من تراب ورمى بها وجوههم فما في المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة فولوا مدبرين

فصل
النوع السادس من آياته صلى الله عليه و سلم تأييد الله له بملائكته قال الله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين الآية وقال تعالى إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين وقال تعالى في الخندق

يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعلمون بصيرا وقال تعالى في حنين ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين وقال تعالى في الهجرة ثاني اثنين إذ هما في الغار يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا وقال تعالى في بدر إذ يوحى ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عن ابن عباس عن عمر ابن الخطاب قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه

وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا فاستقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم القبلة ثم مد يديه وجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم آتني ما وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى أسقط رداءه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه فقال يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز و جل إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين فأمده الله بالملائكة قال أبو زميل فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين امامه إذ سمع ضربة

سوط فوقه وصوت الفارس يقول اقدم حيزرم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقيا فنظر إليه فإذا قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة بالسوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين وذكر الحديث وذكر البخاري في هذا الحديث فخرج يعني النبي صلى الله عليه و سلم وهو يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر وقال ابن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن

بعض بني ساعدة قال سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى الله إليهم أني معكم فثبتوا الذين آمنوا وتثبيتهم أن الملائكة تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه وتقول له أبشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا

عليهم فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال إني برىء منكم إني أرى ما لا ترون وهو في صورة سراقة وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم فإنه على موعد من محمد وأصحابه ثم قال واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص قال رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه و سلم وعن يساره رجلين عليهم ثياب بيض يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أشد القتال ما رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده ويعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام وفي الصحيحين عن عائشة قالت أصيب سعد يوم الخندق

رماه رجل من قريش ابن العرقة رماه في الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم خيمة في المسجد يعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من الخندق وضع السلاح فاغتسل فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض عن رأسه الغبار فقال وضعت السلاح والله ما وضعناه اخرج إليهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فأين فأشار إلى بني قريظة فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه و سلم فرد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحكم فيهم إلى سعد قال إني أحكم فيهم أن يقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية والنساء وتقسم أموالهم وفي بعض طرق البخاري فأتاه جبريل وقد عصب رأسه الغبار

وروى البخاري عن أنس قال كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل صلوات الله عليه حين سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة وفي المغازي من غير طريق أن الصحابة رأوا جبريل في صورة دحية الكلبي وأنه معتم بعمامة أرخى طرفها بين كتفيه وقال النبي صلى الله عليه و سلم بعثه الله إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويلقي الرعب في قلوبهم وروى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب وفي الصحيحين عن عائشة أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه

وسلم يا رسول الله هل أتى عليك يوم كأن أشد من يوم أحد قال لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم قال فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وأنا ملك الجبال وقد بعثني إليك ربك لتأمرني بأمرك ما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل أرجو أن

يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا

فصل
النوع السابع في كفاية الله له أعداءه وعصمته له من الناس وهذا فيه آية لنبوته من وجوه منها أن ذلك تصديق لقوله تعالى فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون فهذا إخبار الله بأنه يكفيه المشركين المستهزئين وأخبر أنه يكفيه أهل الكتاب بقوله قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم

فأخبره الله أنه يكفيه هؤلاء الشاقين له من أهل الكتاب وأخبره أنه يعصمه من جميع الناس بقوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فهذا خبر عام بأن الله يعصمه من جميع الناس فكل من هذه الأخبار الثلاثة العامة قد وقع كما أخبز وفي هذا عدة آيات منها أنه كفاه أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة ومنها أنه نصره مع كثرة أعدائه وقوتهم وغلبتهم وأنه كان وحده جاهرا بمعاداتهم وسب آبائهم وشتم آلهتهم وتسفيه أحلامهم والطعن في دينهم وهذا من الأمور الخارقة للعادة والمستهزئون كانوا من أعظم سادات قريش وعظماء العرب وكان أهل مكة أهل الحرم أعز الناس وأشرفهم يعظمهم جميع الأمم أما العرب فكانوا يدينون لهم وأما غيرهم من الامم فكانوا

يعظمونهم به لا سيما من حين ما جرى لأهل الفيل ما جرى كما كانت الأمم تعظم بني إسرائيل لما ظهر فيهم من الآيات ما ظهر وهؤلاء بنو إسرائيل ابن خليل الله وهؤلاء بنو إسحاق ابن خليل الله وكلاهما ممن وعد الله إبراهيم في التوراة فيهم بما وعده من إنعام الله عليه النعمة التي لم ينعم الله بها على غيرهم فكان أهل مكة معظمين لأنهم جيران البيت ولأنهم أشرف بني إسماعيل فإن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى هاشم من قريش واصطفى محمدا من بني هاشم وكان قد عاداه أشراف هؤلاء كما عادى المسيح أشراف بني إسرائيل وبدل هؤلاء وهؤلاء نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار وكفى الله رسوله المسيح من عاداه منهم ولم ينفعهم نسبهم ولا فضل مدينتهم وكذلك كفى الله محمدا من عاداه وانتقم منهم ولم ينفعهم أنسابهم ولا فضل مدينتهم فإن الله إنما يثبت بالإيمان والتقوى لا بالبلد والنسب وقال تعالى

وكذب به قومك وهوالحق قل لست عليكم بوكيل لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون وقال وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم وقال وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون وقد سمى أهل العلم بعض من كفاه الله إياه من المستهزئين وكانوا معروفين مشهورين عند الصحابة بالرياسة والعظمة في الدنيا فذكروهم ليعرف هذا الأمر العظيم الذي أكرم الله نبيه به

ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قيل نعم قال واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك قال إن بيني وبينه لخندقا من نار وهو لا وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا وأنزل الله تعالى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر

بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب وفي الصحيحين من حديث البراء بن عازب حديث هجرة النبي صلى الله عليه و سلم وابي بكر من مكة إلى المدينة قال فيه واتبعنا سراقة بن مالك بن جعشم ونحن في جدد من الأرض فقلت يا رسول الله أتينا فقال لا تحزن إن الله معنا فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم فارتطمت فرسه إلى بطنها فقال إني قد علمت أنكما دعوتما علي فادعوا لي والله لكما أن

أرد عنكما الطلب فدعا الله فنجا فرجع لا يلقى أحدا إلا قال قد كفيتم ها ههنا فلا يلقى أحدا إلا رده وفي لفظ فساخ فرسه في الأرض إلى بطنه ووثب عنه فقال يا محمد قد علمت أن هذا علك فادع الله أن يخلصني مما أنا فيه ولك علي لأعمين على من ورائي وفي الصحيحين عن ابن شهاب من رواية سراقة نفسه قال جاءنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر دية كل واحد منهما لمن قتله أو اسره فبينما أنا جالس في مجلس قومي بني مدلج إذ أقبل رجل منهم حتى قام علينا ونحن جلوس فقال يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل

أراهما محمدا وأصحابه قال سراقة فعرفت أنهم هم فقلت ليسوا بهم ولكنك رأيت فلانا وفلانا ثم لبثت ساعة ثم قمت فدخلت بيتي فأمرت جاريتي أن تخرج فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت بزجه الأرض وخفضت عاليه حتى أتيت فرسي فركبتها فرفعتها تقرب بي حتى دنوت منهم وعثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام

فاستقسمت بها فخرج الذي اكره فركبت وعصيت الأزلام فقربت بي حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو لا يلتفت وأبو بكر يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء مثل الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره فناديتهم بالأمان فوقفوا فركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وذكر تمام الحديث

وفي الصحيحين عن جابر قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم غزاة قبل نجد فأدركنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في القائلة وفي واد كثير العضاة فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت شجرة فعلق سيفه بغصن من أغصانها وتفرق الناس في الوادي يستظلون بالشجر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي والسيف صلتا في يده فقال من

يمنعك مني قلت الله فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعرض له رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان ملك قومه فانصرف حين عفا عنه فقال لا اكون في قوم هم حرب لك وفي صحيح الحاكم عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال كان فلان يجلس إلى النبي صلى الله عليه و سلم فإذا تكلم النبي صلى الله عليه و سلم اختلج بوجهه فقال النبي صلى الله عليه و سلم كن كذلك فلم يزل يختلج حتى مات

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان رجل نصراني فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي صلى الله عليه و سلم فعاد نصرانيا فكان يقول ما يدري محمد إلا ما كتبت له فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أجعله آية فأماته الله فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه فحفروا له فأعمقوا ما استطاعوا فأصبح وقد لفظته الأرض فقالوا مثل الأول فحفروا له وأعمقوا فلفظته الثالثة فعلموا أنه ليس من فعل الناس فتركوه منبوذا وروى الإمام أحمد من حديث ابن إسحاق قال حدثني يحيى بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما كانت تظهر من عداوته قال حضرتهم وقد اجتمع

أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط قد سفه احلامنا وشتم آبائنا وعاب ديننا وفرق جماعاتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأقبل يمشي حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فلما مر الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فقال تسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول حتى أنه ليقول انصرف يا أبا

القاسم انصرف راشدا فوالله ما كنت جهولا فانصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه و سلم فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فأحاطوا به يقولون له أنت الذي تقول كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم قال فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم نعم أنا الذي أقول ذلك قال فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه وقام أبو بكر دونه يقول وهو يبكي أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه وذكر البخاري بعد حديث عروة عن عبد الله بن عمرو قال وقال عبدة

عن هشام عن أبيه قيل لعمرو بن العاص وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى إنا كفيناك المستهزئين قال والمستهزؤن الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث الزهري والأسود بن المطلب أبو زمعة من بني أسد بن

عبد العزى والحارث بن عيطل السهمي والعاص بن وائل فأومأ جبريل إلى أكحل الوليد بن المغيرة فقال له النبي صلى الله عليه و سلم ما صنعت قال كفيته وأومأ إلى الأسود بن المطلب إلى عينيه فقال ما صنعت فقال كفيته وأومأ إلى رأس الأسود بن عبد يغوث فقال ما صنعت قال كفيته وأومأ إلى الحارث السهمي إلى بطنه فقال وما صنعت قال كفيته وأومأ إلى أخمص العاص بن وائل فقال ما صنعت قال كفيته فأما الوليد فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبله فأصاب أكحله

فقطعها وأما الأسود بن المطلب فعمي فمنهم من يقول عمي هكذا ومنهم من يقول نزل تحت سمرة فجعل يقول يا بني ألا تدفعون عني ويقولون ما نرى شيئا فجعل يقول هلكت ها هو ذا أطعن في عيني بالشوك فجعلوا يقولون ما نرى شيئا فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه وأما الأسود فخرج في رأسه قروح فمات منها وأما الحارث بن عيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات وأما العاص بن وائل فركب إلى الطائف على حمار فربض به في شبرقة يعني شوكة فدخلت في أخمص قدمه فمات وقيل دخلت في رأسه شبرقة فمات رواه ابن أبي حاتم في تفسيره قال ثنا يونس بن

حبيب ثنا أبو داود ثنا أبو عوانة ثنا أبو بشر عن سعيد وروى بإسناده عن الربيع بن أنس قال أراد صاحب اليمن أن يؤي النبي صلى الله عليه و سلم فأتاه الوليد فزعم أن محمدا ساحر وأتاه العاص بن وائل فأخبره أن محمدا تعلم أساطير الأولين وأتاه آخر فزعم أنه كاهن وآخر زعم أنه شاعر وآخر قال إنه مجنون فأهلكهم الله كل منهم أصابه عذاب سوى عذاب صاحبه وذكر تفصيل عذابهم وروى مثله عن عكرمة

وقال محمد بن إسحاق ثنا يزيد بن رومان عن عروة وغيره من العلماء أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه و سلم وهم يطفون بالبيت فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى جانبه فمر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات منها ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جرح بأسفل كعبه كان أصابه لما مر برجل يريش نبله فخدش رجله وليس بشيء فانتقض فمات ومر به العاص بن وائل فأشار إلى إخمص قدمه فذكر مثل ما تقدم من رواية ابن عباس ورواه أبو زرعة من طرق كثيرة عن جماعة من التابعين ومن المشهور عند أصحاب السير وغيرهم دعوته على عتيبة بن أبي لهب وكان أبو لهب لما عادى النبي صلى الله عليه و سلم أمر ابنيه أن يطلقا ابنتي النبي صلى الله عليه

وسلم رقية وام كلثوم قبل الدخول وقال عتيبة لرسول الله صلى الله عليه و سلم كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك ثم تسلط عليه بالأذى وشق قميصه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فخرج في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام يقال له الزرقاء ليلا فأطاف بهم الأسد تلك الليلة فجعل عتيبة يقول يا ويل أخي هو والله آكلي كما دعا محمد علي قتلني وهو بمكة

وأنا بالشام فعدا عليه الأسد من بين القوم واخذ برأسه فذبحه وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه قال لما طاف الأسد بهم تلك الليلة وانصرف عنهم قاموا وجعلوا عتيبة في وسطهم فأقبل الأسد يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة ففدغه وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس وقد نحرت جزور بالأمس فقال أبو جهل أيكم يقوم إلى سلى جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد فانبعث أشقى القوم فأخذه فلما سجد النبي صلى الله عليه

وسلم وضعه بين كتفيه قال فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض وأنا قائم انظر لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم والنبي صلى الله عليه و سلم ساجد ما رفع رأسه حتى انطلق انسان إلى فاطمة فجاءت وهي جويرية فطرحته ثم اقبلت عليهم تسبهم فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم صلاته رفع صوته ثم دعا عليهم وكان إذا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا ثم قال اللهم عليك بقريش ثلاث مرات فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك وخافوا دعوته ثم قال اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وذكر السابع لم أحفظه فوالذي بعث محمدا بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى

يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر وعنه قال استقبل رسول الله صلى الله عليه و سلم القبلة ودعى على ستة نفر فذكره وفي رواية غير أن أمية بن خلف كان رجلا ضخما فقطعت أوصاله فلم يلق في البئر وقال غيرتهم الشمس وكان يوما حارا ويدخل في هذا الباب ما لم يزل الناس يرونه ويسمعونه من انتقام الله ممن يسبه ويذم دينه بأنواع من العقوبات وفي ذلك من القصص الكثيرة ما يضيق هذا الموضع عن بسطه وقد رأينا وسمعنا من ذلك ما يطول وصفه من انتقام الله ممن يؤذيه بأنواع من العقوبات العجيبة التي تبين كلاءة الله لعرضه وقيامه بنصره وتعظيمه لقدره

ورفعه لذكره وما من طائفة من الناس إلا وعندهم من هذا الباب ما فيه عبرة لأولي الألباب ومن المعروف المشهور المجرب عند عساكر المسلمين بالشام إذا حاصروا بعض حصون أهل الكتاب أنه يتعسر عليهم فتح الحصن ويطول الحصار إلى أن يسب العدو الرسول صلى الله عليه و سلم فحينئذ يستبشر المسلمون بفتح الحصن وانتقام الله من العدو فإنه يكون ذلك قريبا كما قد جربه المسلمون غير مرة تحقيقا لقوله تعالى إن شانئك هو الأبتر ولما مزق كسرى كتابة مزق الله ملك الأكاسرة كل ممزق ولما أكرم هرقل والمقوقس كتابه بقي لهم لمكهم
النوع الثامن في إجابة دعوته وإجابة الدعاء منه ما تكون إجابته معتادة لكثير من عباد الله كالإغناء والعافية ونحو ذلك ومنه ما يكون المدعو به من خوارق العادات كتكثير الطعام والشراب كثرة خارجة عن العادة وإطعام النخل في العام مرتين مع أن العادة في

مثله مرة ورد بصر الذي عمي ونحو ذلك مما يأتي وما تقدم من أدعيته ومعلوم أن من عوده الله إجابة دعائه لا يكون إلا مع صلاحه ودينه ومن ادعى النبوة لا يكون إلا من أبر الناس إن كان صادقا أو من أفرجهم إن كان كاذبا وإذا عوده الله إجابة دعائه لم يكن فاجرا بل برا وإذا لم يكن مع دعوى النبوة إلا برا تعين أن يكون نبيا صادقا فإن هذا يمتنع أن يتعمد الكذب ويمتنع أن يكون ضالا يظن أنه نبي وأن الذي يأتيه ملك ويكون ضالا في ذلك والذي يأتيه الشيطان فإن هذا حال من هو جاهل بحال نفسه وحال من يأتيه ومثل هذا لا يكون أضل منه ولا أجهل منه لأن الله تعالى جعل بين الملائكة والشياطين وبين الأنبياء الصادقين وبين المتشبهين بهم من الكذابين من الفرق ما لا يحصيه غيره من الفروق بل جعل بين الأبرار والفجار من الفروق أعظم مما بين الليل والنهار ولأن ما يأتي به الأنبياء من الأخبار والأوامر مخالف من كل وجه لما يأتي به الشيطان ومن استقرأ أحوال الرسل وأتباعهم وحال الكهان والسحرة تبين له ما يحقق ذلك

والشيطان الذي يقول لمن ليس بنبي إنك نبي صادق والله أرسلني إليك يكون من أعظم الناس كذبا والكذب يستلزم الفجور فلا بد أن يأمره بما ليس برا بل إثما ويخبره بما ليس صدقا بل كذبا كما هو الواقع ممن تضله الشياطين من جهلة العباد وممن يزين له أنه نبي أو أنه المهدي أو خاتم الأولياء وكل هؤلاء لا بد أن تأمره الشياطين بإثم ولا بد أن يكذب في بعض ما تخبره به تحقيقا لقوله تعالى هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم وحينئذ فمثل هذا لا يكون مع دعوى النبوة من الأبرار الذين عودهم الله إجابة دعائهم إجابة خارجة عن العادات بل لا يكون مع دعوى النبوة إلا من الأفاكين الفجار وإذا كان صادقا في دعوى النبوة عالما بأنه صادق ثبت أنه نبي والأنبياء معصومون من الإقرار على الخطأ فيما يبلغونه عن الله باتفاق الناس وحنيئذ فكل ما يبلغه عن الله فهو حق وهو

المطلوب ومن كان يأتيه صادق وكاذب مثل ابن صياد ومثل كثير

من العباد الذين لهم إلهام من الملك وسواس من الشيطان بأنه نبي ويقول أنا أرسلني الله فلا بد أن يتبين كذبه ولو ببعض الوجوه مثل أن يخبره بكذب فإن مثل هذا الشيطان الذي قال له أنه نبي لا بد أن يكذب فيما يخبره به ومثل إخبار الصادق له بأن هذا كذب فإذا أتاه الشيطان بالكذب لا بد أن يخبره الصادق الذي يأتيه بما يخالف ذلك بخلاف الإخبار بأمور جزئية إذ إخباره بأنه نبي صادق مع أنه ليس كذلك يهلكه هلاكا عظيما ويفسد على الصادق جميع ما يأتيه به لأن ذلك يستلزم أن يصدق ذلك الكاذب في كل ما يخبره به إذ قد اعتقد أنه نبي وحينئذ فلا يكون عنده كاذبا ولا يعرف أنه كاذب فلا يكون مثل ابن صيد ونحوه ممن يعرف أنه يأتيه صادق وكاذب بل أضل من هؤلاء يظن أن كل ما يأتيه فهو صادق ولهذا كل من كان يأتيه إخبار ملكي صادق وإخبار شيطاني كاذب فلا بد أن يعرف أنه يأتيه كاذب لأنه تبين له الكذب فيما يخبره به الشيطان الكاذب كما هو الواقع

ولهذا يوجد الكهان يعرفون كذب من يخبرهم كثيرا وكذل العباد الذين لهم خطابات وكاشفات بعضها شيطاني وبعضها ملكي يتبين لهم الكذب فيما يأتيهم به الشيطان كما هو الواقع فلا يوجد شيخ عابد له حال شيطاني إلا ولا بد أن يخبره بكذب يظهر له أنه كذب وحينئذ فإذا صدق هذا الكاذب في إخباره النبوة كان مصدقا للكاذب ولأن الصادق الذي يأتيه مخبرا له بالصدق ناصحا له لا بد أن يبين له ذلك فلا يصر على اعتقاد أن من يأتيه صادق وهو في نفس الأمر كاذب ولا يعلم أنه كاذب إلا من هو أفاك أثيم والله تعالى يقول هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم فتنزلها على الأفاك الأثيم وأما نزول الشيطان مرة أومرتين فقد يكون على من ليس بأفاك أثيم فإن من لم يكن مدعيا للنبوة لم يكن من هذا الباب وإن كان مدعيا للنبوة فيمتنع أن يقره الصادق الذي يأتيه على ذلك بل لا بد أن يبين له هذا إن جوز ذلك فإن الناس تنازعوا هل يجوز أن يلقي الشيطان على لسان النبي

ما ينسخه الله ويمحاه أم لا يجوز ذلك وعلى كل حال يمتنع أن يقر على خطأ والمقصود هنا ذكر بعض أدعية النبي صلى الله عليه و سلم التي شوهد إجابتها وقد تقدم ذكر بعض أدعيته مثل دعائه على الملإ من قريش فقتلوا يوم بدر وألقوا في القليب ومثل دعائه على عتيبة بن أبي لهب ومثل دعائه على الذي كذب عليه بأن يجعله آية ومثل دعائه لما قل الزاد وجمعوه على نطع فكثره الله ببركة دعوته حتى كفى الجيش العظيم في غزوة تبوك ومثل دعائه في غزوة الخندق فكفى الطعام وهو صاع من شعير لألف نفر وكذلك دعاؤه لما نزحت بئر الحديبية فكثر ماؤها حتى كفى الركب وهم ألف وخمسمائة وركابهم وقد تقدم دعاؤه للذي ذهب بصره فأبصر ودعاؤه في الاستسقاء فما رد يديه إلا والسماء قد أمطرت ودعاؤه في الاستصحاء وإشارته إلى السحاب فتقطع من ساعته ودعوته على سراقة بن جعشم لما تبعهم في الهجرة فغاصت فرسه في الأرض ودعاؤه يوم بدر ويوم حنين وقال الله له يوم بدر إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين

وامثال ذلك وفي الصحيحين عن جابر قال لما نزل قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم قال النبي صلى الله عليه و سلم أعوذ بوجهك أو من تحت أرجلكم قال أعوذ بوجهك أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض قال هاتان أهون أو أيسر وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه و سلم قال سألت ربي ثلاثا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة سألته أن لا يهلك أمتي بسنة عامة فأعطانيها وسألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فيجتاحهم فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها فلن

يزال الهرج إلى يوم القيامة وفي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع قال جعل عمي يرتجز ويقول ... تا الله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

ونحن من فضلك ما استغنيا ... فثبت الأقدام أن لاقينا ... وأنزل سكينة علينا ...
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من هذا قالوا عامر قال غفر لك ربك قال وما استغفر رسول الله صلى الله عليه و سلم لإنسان يخصه إلا استشهد قال فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له يا نبي الله لولا متعتنا بعامر قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول ... قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب ... إذا الحروب أقبلت تلهب ... قال وبرز له عمي عامر فقال ... قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر

قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسل سيفه فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله وكانت فيها نفسه قال سلمة فخرجت في نفر من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال فأتيت النبي صلى الله عليه و سلم وأنا أبكي فقلت يا رسول الله بطل عمل عامر قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من قال ذلك قلت ناس من أصحابك قال كذب من قال ذلك بل له أجره مرتين وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال قالت أم سليم يا رسول الله خادمك أنس أدع الله له فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته وروى البخاري قال دخل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن فقال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه ثم قام إلى ناحية البيت فصلى غير مكتوبة فدعى لأم سليم وأهل بيتها فقالت أم سليم يا رسول الله إن

لي خويصة فقال ما هي قالت خادمك أنس قال فما ترك آخرة ولا دنيا إلا دعا به اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه فإني أكثر الأنصار مالا وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي إلى مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة وفي رواية لمسلم دعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنتين وأنا أرجو الثالثة في الآخرة وفي الترمذي وحسنه عن أبي خلدة قال قلت لأبي العالية سمع أنس من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال خدمه عشر سنين ودعا له النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين وكان

فيها ريحان يجيء منه ريح المسك وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه و سلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وانا أبكي فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام وتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم أهد أم أبي هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب فقالت يا ابا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأتيته وأنا أبكي من الفرح فقلت يا رسول الله أبشر فقد

استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة فحمد الله وقال خيرا فقلت يا رسول الله أدع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم حبب عبدك هذا يعني أبا هريرة وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهما المؤمنين فما خلق الله مؤمنا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني وفي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ما هذا قال يا رسول الله إني تزوجت امرأة قال كم سقت إليها قال وزن نواة من ذهب قال فبارك الله لك أولم ولو بشاة وفي الصحيحين أنه لما قدم آخى رسول الله صلى الله عليه و سلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري فعرض عليه سعد أن يناصفه أهله وماله فقال له عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك

ومالك دلني على السوق فظهرت بركة دعوة رسول الله صلى الله عليه و سلم فبلغ من مال عبد الرحمن ما قاله الزهري أنه تصدق بأربعمائة ألف دينار وحمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة بعير في سبيل الله قال وكان عامة ماله من التجارة وقال محمد بن سيرين اقتسم نساء عبد الرحمن بن عوف ثمنهن فكان ثلاثمائة وعشرين الفا وقال الزهري أوصى عبد الرحمن لمن شهد بدرا فوجدوا مائة لكل رجل منهم أربعمائة دينار وقال عبد الله بن جعفر

حدثتني أم بكر بنت المسور ان عبد الرحمن باع أرضا بأربعين ألف دينار فقسمها في فقراء بني زهرة وفي المهاجرين وأمهات المؤمنين وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة ان عبد الرحمن أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة فقومت مائة ألف وفي الترمذي

وصححه ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اللهم اعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام فكان عمر بن الخطاب أحبهما إلى الله فأسلم عمر وروى أن الدعوة كانت في يوم الأربعاء فأسلم يوم الخميس وأعز الله به الإسلام قال عبد الله بن مسعود ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر رواه البخاري وظهر من عز الإسلام في إمارته شرقا وغربا وفتح الشام والعراق ومصر وكسر عساكر كسرى وقيصر ما تحقق به إجابة الدعوة وفي الصحيحين ان ابن عباس وضع للنبي صلى الله عليه و سلم لما أتى الخلاء وضوءا فقال لما خرج من وضع هذا فقيل ابن عباس فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل

وفي رواية قال ضمني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى صدره وقال اللهم علمه الكتاب وفي رواية الحكمة وظهرت إجابة دعوته حتى كان يسمى البحر وقال فيه ابن مسعود لو ادرك ابن عباس أسناننا لما عشره منا أحد وكان عمر يقدمه ويدخله مع كبراء الصحابة وعلم ابن عباس مشهور في الأمة وفي الصحيحين عن جابر قال كنت أسير على جمل قد

أعيا واردت أن أسيبه قال فلحقني رسول الله صلى الله عليه و سلم فضربه ودعا له فسار سيرا لم يسر مثله وفي رواية فقال لي ما لبعيرك فقلت عليل قال فتخلف رسول الله صلى الله عليه و سلم فزجره فدعا له فما زال يسير بين يدي الإبل قدامها فقال كيف ترى بعيرك قلت بخير قد اصابته بركتك قال فتبعنيه وذكر الحديث وفي الترمذي وغيره قال النبي صلى الله عليه و سلم اللهم استجب لسعد إذا دعاك وفي لفظ اللهم أجب دعوته

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9