كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( فَصْلٌ ) ( الْمُودَعُ ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْحِفْظِ كَالْمَالِكِ ) فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ( يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ فِي يَدِهِ ) بِلَا إرْسَالٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَبِإِرْسَالٍ لَيْلًا وَنَهَارًا وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَفَقُّهًا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ إطْلَاقِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ( وَمَنْ أَلْقَتْ الرِّيحُ فِي حِجْرِهِ ثَوْبًا ) مَثَلًا ( فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ ) لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ بِقَوْلِهِ ( فَلْيُسْلِمْهُ إلَى الْمَالِكِ ) وَلَوْ إلَى نَائِبِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ ( فَالْحَاكِمُ وَكَذَا يَجِبُ ) عَلَى الشَّخْصِ ( رَدُّ دَابَّةٍ دَخَلَتْ مِلْكَهُ ) إلَى مَالِكِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَإِلَى الْحَاكِمِ ( إلَّا إنْ كَانَ الْمَالِكُ ) هُوَ الَّذِي ( سَيَّبَهَا فَلْيُحْمَلْ قَوْلُهُمْ ) فِيمَا مَرَّ ( أَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ ) إنْ لَمْ يَكُنْ زَرْعُهُ مَحْفُوفًا بِزَرْعِ غَيْرِهِ ( عَلَى مَا سَيَّبَهُ ) الْأَوْضَحُ سَيَّبَهَا ( الْمَالِكُ وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُسَيِّبْهَا ( فَيَضْمَنُ ) هَا الْمُخْرِجُ لَهَا إذْ حَقُّهُ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِمَالِكِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِلَى الْحَاكِمِ وَلَوْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ سَطْحِ غَيْرِهِ يُرِيدُ أَنْ يَقَعَ فِي مِلْكِهِ فَدَفَعَهُ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى وَقَعَ خَارِجَ مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ
( قَوْلُهُ : الْمُودَعُ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْحِفْظِ كَالْمَالِكِ ) مِثْلُهُمَا الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُرْتَهِنُ وَعَامِلُ الْقِرَاضِ وَالْأَمِينُ بِوَجْهٍ مَا وَالْغَاصِبُ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ تَفَقُّهًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ وَكَتَبَ أَيْضًا : قُوَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ تُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ مُقَصِّرًا بِإِرْسَالِهَا ع ( قَوْلُهُ : بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ إطْلَاقِ الْبَغَوِيّ إلَخْ ) لَكِنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ عِنْدَ التَّسْرِيحِ نَهَارًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَرِّحُ مَالِكَهَا أَوْ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِهَا أَوْ أُودِعَتْ عِنْدَهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا مُفَرِّطَانِ فِي الْحِفْظِ لَكِنَّهُمَا غَيْرُ مُتَعَدِّيَيْنِ فِي إرْسَالِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَالِ الْغَيْرِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ أَنَّ الدَّابَّةَ إذَا أَتْلَفَتْ بِالنَّهَارِ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ مِمَّا تُتْرَكُ وَحْدَهَا وَتُسَيَّبُ أَوْ لَا كَالْغَنَمِ فِي حَالَةِ وُجُودِ السِّبَاعِ وَالذِّئَابِ مَعَ نِسْبَةِ صَاحِبِهَا إلَى التَّقْصِيرِ وَأَجَابَ عَمَّا يُتَخَيَّلُ مِنْ التَّضْمِينِ فِي الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي إرْسَالِهَا وَحْدَهَا فَلَا يُعَدُّ هَذَا عُدْوَانًا عَلَى الْمَزَارِعِ م ( فَرْعٌ ) فَتَحَ إنْسَانٌ مُرَاحَ غَنَمٍ فَخَرَجَتْ لَيْلًا وَرَعَتْ زَرْعًا ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي فَتَحَهُ الْمَالِكَ ضَمِنَ الزَّرْعَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمَالِكِ لَمْ يَضْمَنْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَالِكَ يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فِي اللَّيْلِ فَإِذَا فَتَحَ عَنْهَا ضَمِنَ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَا يَلْزَمُهُ حِفْظُهَا فَإِذَا فَتَحَ عَنْهَا لَمْ يَضْمَنْ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا يُؤَيِّدُهُ أَوْ هُوَ نَصٌّ فِيهِ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ ) مَا أَتْلَفَتْهُ ( إنْ قَصَّرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَنَحْوُهُ فِي حِفْظِ مُعْتَادٍ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ وَهَذَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ قَصَّرَ وَحَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَلَمْ يُنَفِّرْهَا ( وَيَدْفَعُهَا ) صَاحِبُ الزَّرْعِ ( عَنْ الزَّرْعِ دَفْعَ الصَّائِلِ ، فَإِنْ تَنَحَّتْ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا عَنْ مِلْكِهِ ) ؛ لِأَنَّ شُغْلَهَا مَكَانُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ لَا يُبِيحُ إضَاعَةَ مَالِ غَيْرِهِ ( وَإِنْ حَمَلَ مَتَاعَهُ فِي مَفَازَةٍ عَلَى دَابَّةِ رَجُلٍ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( وَغَابَ فَأَلْقَاهُ الرَّجُلُ عَنْهَا ) فَضَاعَ ( أَوْ أَدْخَلَ دَابَّتَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( فَأَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ ) فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ ( فَضَاعَتْ فَفِي الضَّمَانِ ) عَلَيْهِ لَهُمَا ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا لَا لِتَعَدِّي الْمَالِكِ ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَوْجَهُ نَعَمْ لِتَعَدِّي الْفَاعِلِ بِالتَّضْيِيعِ ( وَإِنْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ ) مَثَلًا ( مُسَيِّبَةٌ مِلْكَهُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ يُعْسَرُ عَلَيْهَا ) الْخُرُوجُ مِنْهُ فَتَلِفَتْ ( ضَمِنَ ) هَا ( وَإِنْ دَخَلَتْ دَابَّةٌ مِلْكَهُ فَرَمَحَتْهُ فَمَاتَ فَكَإِتْلَافِهَا زَرْعَهُ ) فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ اللَّيْلِ ، وَالنَّهَارِ ( وَالدِّيَةُ إنْ وَجَبَتْ ) تَكُونُ ( عَلَى عَاقِلَةِ مَالِكِهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ كَحَفْرِ الْبِئْرِ
( قَوْلُهُ : وَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ إنْ قَصَّرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ انْتِفَاءِ الضَّمَانِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَا يَقْتَضِي إتْلَافَهُ ، فَإِنْ تَعَمَّدَهُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ ( قَوْلُهُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَوْجَهُ نَعَمْ إلَخْ ) الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنَّمَا سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَنْهُ لِفَهْمِهِ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَرَّرَاهُ سَابِقًا وَلَاحِقًا وَلَكِنَّ صُورَةَ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ أَخْرَجَهَا مِنْ زَرْعِهِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ ثُمَّ إنِّي رَأَيْت جَوَابًا لِي عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا صُورَتُهُ أَرْجَحُ الْوَجْهَيْنِ عَدَمُ ضَمَانِ الْمَتَاعِ عَلَى مُلْقِيهِ عَنْ دَابَّتِهِ وَالدَّابَّةُ عَلَى مُخْرِجِهَا مِنْ زَرْعِهِ لِعُذْرِهِ بِاحْتِيَاجِهِ إلَى دَفْعِ ضَرَرِ دَابَّتِهِ وَإِتْلَافِ زَرْعِهِ وَلِتَعَدِّي مَالِكِ الْمَتَاعِ وَالدَّابَّةِ بِمَا فَعَلَهُ وَيَشْهَدُ لَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي بَحْرِهِ لَوْ دَخَلَتْ بَهِيمَةٌ دَارِهِ فَمَنَعَهَا بِضَرْبٍ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِهِ لَا يَضْمَنُهَا ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ دَارِهِ .
وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ مِلْكَهُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ ثُلْمَةٍ فَهَلَكَتْ إنْ لَمْ تَكُنْ الثُّلْمَةُ بِحَيْثُ تَخْرُجُ الْبَقَرَةُ مِنْهَا بِسُهُولَةٍ يَجِبُ الضَّمَانُ أَيْ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهَا كَالصَّائِلَةِ عَلَى مَالِكِهِ وَكَلَامُ الرُّويَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ شَامِلٌ لِمَنْ سَيَّبَ دَابَّتَهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ بِإِدْخَالِهَا مِلْكَ غَيْرِهِ وَلِمَا إذَا لَمْ تُتْلِفْ بِدُخُولِهَا شَيْئًا وَإِنْ حَمَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ تُتْلِفُ وَلَعَلَّ سُكُوتَ الشَّيْخَيْنِ عَنْ تَرْجِيحِ عَدَمِ الضَّمَانِ لِلْعِلْمِ بِمَا ذَكَرَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ سَابِقًا وَلَاحِقًا ا هـ وَقَدْ قَالُوا وَلَوْ خَرَجَتْ أَغْصَانُ شَجَرَتِهِ إلَى هَوَاءِ مِلْكِ جَارِهِ فَلِلْجَارِ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهَا بِالتَّلْوِيَةِ أَوَالْقُطْع فَإِنْ
لَمْ يَفْعَلْ فَلَهُ التَّلْوِيَةُ فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ فَلَهُ الْقَطْعُ وَلَا حَاجَةَ إلَى إذْنِ الْقَاضِي وَمَيْلُ الْجِدَارِ إلَى هَوَاءِ مِلْكِ الْجَارِ كَأَغْصَانِ الشَّجَرَةِ قَوْلُهُ : وَإِنْ دَخَلَتْ بَقَرَةٌ مُسَيَّبَةٌ مِلْكَهُ فَأَخْرَجَهَا إلَخْ فَإِنْ سَهُلَ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْهَا كَالصَّائِلَةِ وَقَالَ فِي الْبَحْر : لَوْ دَخَلَتْ بَهِيمَةٌ دَارِهِ فَمَنَعَهَا بِضَرْبٍ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِهِ لَا يَضْمَنُهَا لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ دَارِهِ ا هـ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا إذَا دَخَلَتْ مِلْكَ الْغَيْرِ تُتْلِفُ مِلْكَهُ فَيَدْفَعُهَا أَمَّا إذَا دَخَلَتْ وَهِيَ لَا تُتْلِفُ شَيْئًا إلَّا شَغْلَ الْمَكَانِ وَأَخْرَجَهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَيَنْبَغِي تَنْزِيلُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ السَّابِقِ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَهَذَا كَلَامٌ مُتَّجَهٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ قَالَ شَيْخُنَا الْأَصَحُّ عَدَمُ الضَّمَانِ وَإِنْ لَمْ تُتْلِفْ شَيْئًا
( وَإِنْ ضَرَبَ شَجَرَةً فِي مِلْكِهِ ) لِيَقْطَعَهَا ( وَعَلِمَ أَنَّهَا ) إذَا سَقَطَتْ ( تَسْقُطُ عَلَى غَافِلٍ ) عَنْ ذَلِكَ مِنْ النُّظَّارِ ( وَلَمْ يُعْلِمْهُ ) الْقَاطِعُ بِهِ فَسَقَطَتْ عَلَيْهِ فَأَتْلَفَتْهُ ( ضَمِنَ ) هـ وَإِنْ دَخَلَ مِلْكَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ يَعْلَمَ الْقَاطِعُ بِذَلِكَ أَوْ عَلِمَ بِهِ وَعَلِمَ بِهِ النَّاظِرُ أَيْضًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَكِنْ أَعْلَمَهُ الْقَاطِعُ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمَا بِهِ ( فَلَا ) يَضْمَنُهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَلَوْ رَكِبَ صَبِيٌّ أَوْ بَالِغٌ دَابَّةَ رَجُلٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَغَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ وَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَعَلَى الرَّاكِبِ الضَّمَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكِبَ الْمَالِكُ فَغَلَبَتْهُ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِذَا نَدَّ بَعِيرٌ ) مِنْ مَالِكِهِ فَأَتْلَفَ شَيْئًا ( أَوْ تَفَرَّقَتْ الْغَنَمُ عَلَى الرَّاعِي لِرِيحٍ هَاجَتْ وَأَظْلَمَتْ ) أَيْ وَأَظْلَمَ النَّهَارُ بِهَا ( فَأَتْلَفَتْ الْمَزَارِعَ لَمْ يَضْمَنْ ) كُلٌّ مِنْ الْمَالِكِ ، وَالرَّاعِي مَا أَتْلَفَتْهُ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ الَّتِي غَلَبَتْ رَاكِبَهَا حَيْثُ يَضْمَنُ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ تَفَرَّقَتْ لِنَوْمِهِ أَوْ غَفْلَتِهِ ) عَنْهَا فَأَتْلَفَتْ ذَلِكَ ( ضَمِنَ ) لِتَقْصِيرِهِ وَذِكْرُ الْغَفْلَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ رَدَّ دَابَّةً ) بِغَيْرِ إذْنٍ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ ( فَأَتْلَفَتْ فِي رُجُوعِهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ ) لِذَلِكَ وَهَذِهِ تَقَدَّمَتْ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ ( وَإِنْ سَقَطَ ) هُوَ ( أَوْ مَرْكُوبُهُ مَيِّتًا ) عَلَى شَيْءٍ ( فَأَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ سَقَطَ طِفْلٌ عَلَى شَيْءٍ ) فَأَتْلَفَهُ ( ضَمِنَهُ ) ؛ لِأَنَّ لِلطِّفْلِ فِعْلًا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ ( وَإِنْ حَلَّ قَيْدَ دَابَّةِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَتْلَفَتْ ) كَمَا لَوْ أَبْطَلَ الْحِرْزَ فَأُخِذَ الْمَالُ وَكَذَا لَوْ سَقَطَتْ دَابَّةٌ فِي وَهْدَةٍ فَنَفَرَ مِنْ سَقَطْتهَا بَعِيرٌ وَتَلِفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ أَتْلَفَتْ ) الدَّابَّةُ (
الْمُسْتَعَارَةُ وَكَذَا الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ ) لَهَا ( زَرْعًا ) مَثَلًا ( لِمَالِكِهَا ضَمِنَ ) هَا ( الْمُسْتَعِيرُ ، وَالْبَائِعُ ) ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا وَأَتْلَفَتْ مِلْكَ غَيْرِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لِلْبَائِعِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِنْ كَانَ ثَمَنًا لِلدَّابَّةِ ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَهُ وَيَصِيرُ قَابِضًا لِلثَّمَنِ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ ( وَإِنْ تَنَخَّمَ فِي مَمَرِّ حَمَّامٍ فَزَلَقَ بِهَا ) أَيْ بِنُخَامَتِهِ ( رَجُلٌ ) فَتَلِفَ ( ضَمِنَ ) هـ
قَوْلُهُ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلٍ أَيْ مَرْجُوحٍ قَوْلُهُ وَإِنْ سَقَطَ هُوَ أَوْ مَرْكُوبُهُ مَيِّتًا أَوْ مَرْكُوبُهُ مَيِّتًا إلَخْ وَكَذَا لَوْ لَوْ انْتَفَخَ مَيِّتٌ وَتَكَسَّرَ بِسَبَبِهِ قَارُورَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْتَحَقَ بِهِ سُقُوطُهُ بِمَرَضٍ أَوْ عَارِضِ رِيحٍ شَدِيدٍ وَقَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْتَحَقَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( كِتَابُ السِّيَرِ ) جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا أَصَالَةً الْجِهَادُ الْمُتَلَقَّى تَفْصِيلُهُ مِنْ سِيَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَوَاتِهِ فَلِهَذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ كَكَثِيرٍ بِهَا وَبَعْضُهُمْ بِالْجِهَادِ وَبَعْضُهُمْ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ } { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وَخَبَرِ مُسْلِمٍ { لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا } ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) ثَلَاثَةٌ ( الْأَوَّلُ فِي مُقَدَّمَاتٍ ) لِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ ( أَوَّلُ مَا فُرِضَ ) بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْحِيدِ ( مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا ذُكِرَ فِي ) أَوَّلِ سُورَةِ ( الْمُزَّمِّلِ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا فِي آخِرِهَا ثُمَّ نُسِخَ بِا ) لصَّلَوَاتِ ( الْخَمْسِ ) أَيْ بِإِيجَابِهَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِعَشْرِ سِنِينَ وَثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ وَخَالَفَهُ فِي فَتَاوِيه فَقَالَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَعَلَ اللَّيْلَةَ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَخَالَفَهُمَا مَعًا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَجَزَمَ بِأَنَّهَا مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ وَقَلَّدَ فِيهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ ( ثُمَّ أَمَرَ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِالصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) مُدَّةَ إقَامَتِهِ بِمَكَّةَ وَبَعْدَ الْهِجْرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَإِلَّا نُسِبَ بِكَلَامِ أَصْلِهِ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ نُسِخَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ تَرْتِيبٌ بَيْنَ النَّسْخِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ الصَّلَاةَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ( ثُمَّ ) أُمِرَ ( بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ
ثُمَّ فُرِضَ الصَّوْمُ ) بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَتَيْنِ تَقْرِيبًا ( وَ ) فُرِضَتْ ( الزَّكَاةُ ) بَعْدَ الصَّوْمِ وَقِيلَ قَبْلَهُ ( ثُمَّ ) فُرِضَ ( الْحَجُّ ) سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ ( وَلَمْ يَحُجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إلَّا حَجَّةَ الْوَدَاعِ ) سَنَةَ عَشْرٍ ( وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا ) .
( كِتَابُ السِّيَرِ ) ( قَوْلُهُ كَذَا فِي الرَّوْضَةِ ) وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سُرُورٍ الْمَقْدِسِيَّ قَوْلُهُ وَفُرِضَتْ الزَّكَاةُ بَعْدَ الصَّوْمِ إلَخْ ) فُرِضَتْ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ فُرِضَتْ زَكَاةُ الْمَالِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ ) جَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَائِلِ الْحَجِّ بِأَنَّهُ سَنَةَ خَمْسٍ .
( وَمَنَعَ ) أُمَّتَهُ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ ( مِنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ ) وَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَاهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ } الْآيَةَ ( ثُمَّ أُمِرَ بِهِ إذَا اُبْتُدِئُوا ) بِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } ( ثُمَّ أُبِيحَ ) لَهُ ( ابْتِدَاؤُهُ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ) بِقَوْلِهِ { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } الْآيَةَ ( ثُمَّ أَمَرَ بِهِ مُطْلَقًا ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطٍ وَلَا زَمَانٍ بِقَوْلِهِ { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ } .
( وَمَا عَبَدَ صَنَمًا قَطُّ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَوَوْا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَا كَفَرَ بِاَللَّهِ نَبِيٌّ قَطُّ } انْتَهَى وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ إجْمَاعًا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ كَانَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ يَتَعَبَّدُ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ أَمْ نُوحٍ أَمْ مُوسَى أَمْ عِيسَى أَمْ لَمْ يَلْتَزِمْ دِينَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُجْزَمُ فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ ا هـ وَصَحَّحَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوَّلَ وَعَزَى إلَى الشَّافِعِيِّ وَاقْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ عَلَى نَقْلِهِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ .
( قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوَّلَ ) هُوَ الرَّاجِحُ .
( وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ مِنْ الْكُفْرِ وَفِي ) عِصْمَتِهِمْ قَبْلَهَا مِنْ ( الْمَعَاصِي خِلَافٌ وَ ) هُمْ مَعْصُومُونَ ( بَعْدَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ ) وَمِنْ كُلِّ مَا يُزْرِي بِالْمُرُوءَةِ ( وَكَذَا ) مِنْ ( الصَّغَائِرِ ) وَلَوْ سَهْوًا ( عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ) لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا وَتَأَوَّلُوا الظَّوَاهِرَ الْوَارِدَةَ فِيهَا وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ صُدُورَهَا عَنْهُمْ سَهْوًا إلَّا الدَّالَّةَ عَلَى الْخِسَّةِ كَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ .
( قَوْلُهُ وَفِي الْمَعَاصِي خِلَافٌ ) فَالْأَشَاعِرَةُ عَلَى جَوَازِهِ عَقْلًا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّوَافِضِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْفَاسِدِ مِنْ الْقُبْحِ الْعَقْلِيِّ وَكَتَبَ أَيْضًا فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَجَمْعٌ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ : لَا يَمْنَعُ أَنْ تَصْدُرَ عَنْهُمْ كَبِيرَةٌ إذْ لَا دَلَالَةَ لِلْمُعْجِزَةِ عَلَى امْتِنَاعِهَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ بِامْتِنَاعِهَا وَلَا دَلَالَةَ سَمْعِيَّةً عَلَيْهِ أَيْضًا وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ تَمْتَنِعُ الْكَبِيرَةُ وَإِنْ تَابَ مِنْهَا لِأَنَّهُ يُوجِبُ النَّفْرَةَ فَهِيَ تَمْنَعُ عَنْ اتِّبَاعِهِ فَتَفُوتُ مَصْلَحَةُ الْبَعْثَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ عَنْ مُتَابَعَتِهِمْ مُطْلَقًا سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ ذَنْبًا لَهُمْ أَوْ كَانَ كَزِنًا لِأُمَّهَاتٍ وَفُجُورِ الْآبَاءِ وَدَنَاءَتِهِمْ وَاسْتِرْذَالِهِمْ أَوْ الصَّغَائِرِ الْخَسِيسَةِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَقَالَتْ الرَّوَافِضُ : لَا تَجُوزُ عَلَيْهِمْ صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا وَلَا خَطَأً فِي التَّأْوِيلِ بَلْ هُمْ مُبَرَّءُونَ عَنْهَا بِأَسْرِهَا قَبْلَ الْوَحْيِ فَكَيْفَ بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ وَكَذَا مِنْ الصَّغَائِرِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ) وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ فُورَكٍ وَقَالَ : إنَّهُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ عَاصَرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ الَّذِي أَقُولُ : إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْجَمِيعِ وَذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً تَوْبَةً } لُغَوِيَّةٌ لِرُجُوعِهِ مِنْ كَمَالٍ إلَى أَكْمَلَ بِسَبَبِ تَزَايُدِ عُلُومِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ ، وَقَدْ وَافَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى مَنْعِ تَصَوُّرِ الْمَعْصِيَةِ
مِنْهُمْ ( قَوْلُهُ وَجَوَّزَ الْأَكْثَرُونَ صُدُورَهَا عَنْهُمْ سَهْوًا ) لَكِنْ لَا يُصِرُّونَ وَلَا يُقِرُّونَ بَلْ يُنَبَّهُونَ فَيَنْتَبِهُونَ .
( وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا ) وَإِنْ لَمْ يَرِدْ شَرْعُنَا بِنَسْخِ ذَلِكَ الْحُكْمِ .
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَبُعِثَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَأَقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا عَشْرًا بِالْإِجْمَاعِ وَدَخَلَهَا ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ .
( قَوْلُهُ وَتُوُفِّيَ ضُحَى يَوْمِ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ إلَخْ ) لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَانِيَ عَشْرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ مَعَ كَوْنِ الْوَقْفَةِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ الشُّهُورِ وَلَا عَلَى نَقْصِهَا وَلَا عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ بَعْضِهَا وَنَقْصِ بَعْضِهَا إنْ تَمَّتْ كُلُّهَا فَثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعِ الْأَوَّلِ يَوْمُ الْأَحَدِ ، وَإِنْ نَقَصْت فَهُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَإِنْ تَمَّ اثْنَانِ فَهُوَ يَوْمُ السَّبْتِ وَإِنْ نَقَصَ اثْنَانِ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ وَأُجِيبَ عَنْ اعْتِرَاضِهِ بِأَنَّهُ عَجِيبٌ لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ فِي الثَّالِثَ عَشَرَ لِأَنَّهُ إذَا خَلَتْ ثِنْتَا عَشْرَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ ضُحًى يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ثَالِثَ عَشْرَ رَبِيعَ الْأَوَّلِ عَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِ تِلْكَ الْأَشْهُرِ وَبِأَنَّهُ صَحِيحٌ إذَا اتَّفَقَتْ الْمَطَالِعُ أَمَّا إذَا اخْتَلَفَ فَيَنْدَفِعُ بِكَوْنِ ذِي الْقَعْدَةِ نَاقِصًا بِمَكَّةَ كَامِلًا بِالْمَدِينَةِ وَمُؤَرَّخٌ لِوَفَاةِ مَدَنِيٍّ ( تَنْبِيهٌ ) حَاصِلُ مَا صَحَّحَهُ أَنَّ عُمُرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَرَوَى الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ رَبِيعَةَ وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ هَذَا أَثْبَتُ الْأَقْوَالِ قَالَ فِي الْخَادِمِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي تَارِيخِهِ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ سِتِّينَ وَفِي تَارِيخِ ابْنِ عَسَاكِرَ ثِنْتَانِ وَسِتُّونَ وَنِصْفُ سَنَةٍ وَأَصْلُ هَذَا الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ هَلْ هِيَ ثَلَاثَ عَشَرَ أَوْ عَشَرًا وَخَمْسَ عَشْرَةَ وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ بِأَنَّ مَنْ قَالَ خَمْسًا وَسِتِّينَ حَسَبَ السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا وَاَلَّتِي قُبِضَ فِيهَا وَمَنْ قَالَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَسْقَطَهُمَا
وَمَنْ قَالَ سِتِّينَ أَسْقَطَ الْكُسُورَ وَمَنْ قَالَ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَنِصْفًا اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ { لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إلَّا عَاشَ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ } .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } الْآيَةَ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمِنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا } ( فَلَوْ عُطِّلَ ) الْجِهَادُ بِأَنْ امْتَنَعَ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ ( أَثِمَ كُلُّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ ) مِنْ الْأَعْذَارِ الْآتِي بَيَانُهَا كَتَرْكِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ .
( قَوْلُهُ الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوبِ الْجِهَادِ إلَخْ ) فَرْضُهُ الْعَامُّ نَزَلَ فِي سُورَةِ { بَرَاءَةٌ } سَنَةَ ثَمَانٍ بَعْدَ الْفَتْحِ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ .
( وَإِنْ جَاهَدَ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ ) الْفَرْضُ ( عَنْ الْبَاقِينَ وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ لِلْكُفَّارِ مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَ ) حَفْرِ ( الْخَنَادِقِ ) وَنَحْوِهَا ( وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ ) بِأَنْ يُرَتِّبَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْكُفْرِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ ) .
قَوْلُهُ وَإِنْ جَاهَدَ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ ) شَمِلَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَوْ قَامَ بِهِ مُرَاهِقُونَ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ أَهْلِ الْفَرْضِ ( قَوْلُهُ أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ إلَخْ ) عَبَّرَ بِأَوْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي عِبَارَةِ أَصْلِهِ بِمَعْنَاهَا وَكُتِبَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مِنْ حُصُولِ الْكِفَايَةِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَصَرْحُ مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِهِ وَعِبَارَتِهِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَيَسْقُطُ هَذَا الْفَرْضُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِالرِّجَالِ الْكَامِنِينَ لِلْعَدُوِّ فِي الْقِتَالِ وَيُوَلِّي عَلَى كُلِّ نَفَرٍ أَمِينًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أَمْرَ الْجِهَادِ وَأُمُورَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَّا أَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْكُفْرِ غَازِيًا بِنَفْسِهِ بِالْجُيُوشِ أَوْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ مِنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ وَتَبِعَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَقَى وَالْكِفَايَةِ إمَّا بِإِشْحَانِ الْإِمَامِ الثُّغُورَ بِكِفَايَةِ مَنْ بِإِزَائِهِمْ وَإِمَّا بِدُخُولِهِ دَارَهُمْ غَازِيًا أَوْ بَعْثِهِ صَالِحًا لَهُ ا هـ وَقَالَ ابْنُ زُهْرَةَ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِجَمَاعَةٍ يُكَافِئُونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ أَوْ يَدْخُلَ دَارَ الْكُفْرِ غَازِيًا إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِجَيْشٍ يُؤَمِّرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ .
( وَأَقَلُّهُ ) أَيْ الْجِهَادِ ( مَرَّةٌ ) وَاحِدَةٌ ( فِي السَّنَةِ ) كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ وَلِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مُنْذُ أُمِرَ بِهِ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ وَأُحُدٍ ثُمَّ بَدْرٍ الصُّغْرَى ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقِ فِي الرَّابِعَةِ وَذَاتِ الرِّقَاعِ ثُمَّ دُومَةِ الْجَنْدَلِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ وَخَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ وَمُؤْتَةَ وَذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فِي الثَّامِنَةِ وَتَبُوكَ فِي التَّاسِعَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْته عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ و إنَّمَا تُؤْخَذُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَكَذَا سَهْمُ الْغُزَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ جِهَادٍ فِيهَا ، فَإِنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَا أَقَلُّ ) مِنْ مَرَّةٍ يَعْنِي لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ سَنَةٍ عَنْهَا ( إلَّا لِضَرُورَةٍ كَعَجْزٍ ) عَنْ قِتَالِهِمْ ( أَوْ عُذْرٍ كَعِزَّةٍ زَادَ ) فِي الطَّرِيقِ ( وَانْتِظَارِ ) لَحَاقِ ( مَدَدٍ وَتَوَقُّعِ إسْلَامِ قَوْمٍ ) مِنْهُمْ فَيُؤَخَّرُ الْجِهَادُ حَتَّى تَزُولَ الضَّرُورَةُ أَوْ الْعُذْرُ وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ لِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فِي السَّنَةِ وَجَبَ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ .
( قَوْلُهُ كَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ ) وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ تَجِبُ بَدَلًا عَنْهُ وَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَكَذَلِكَ هُوَ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ يَطْمَعُ الْعَدُوُّ فِي الْمُسْلِمِينَ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ لِكَفِّ الْقِتَالِ إلَخْ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَوَ لَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ } قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ يَتَكَرَّرُ وَأَقَلُّ مَا وَجَبَ الْمُتَكَرِّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةٌ كَالصَّوْمِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَيَبْدَأُ ) وُجُوبًا إنْ لَمْ يُمْكِنْ بَثُّ الْأَجْنَادِ لِلْجِهَادِ فِي جَمِيعِ النَّوَاحِي ( بِالْأَهَمِّ ) فَالْأَهَمِّ مِنْهَا وَقَوْلُهُ ( وَهُوَ الْأَشَدُّ ضَرَرًا ) عَلَيْنَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( ثُمَّ ) نَدْبًا ( الْأَقْرَبَ ) إلَيْنَا إنْ لَمْ يَكُنْ أَهَمَّ .
( وَيُنَاوِبُ بَيْنَ الْغُزَاةِ ) مُرَاعَاةً لِلنَّصَفَةِ فَلَا يَتَحَامَلُ عَلَى طَائِفَةٍ بِتَكْرِيرِ الْإِغْزَاءِ مَعَ إرَاحَةِ الْآخَرِينَ .
( وَلَا يَجِبُ ) الْجِهَادُ ( إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْتَطِيعٍ ) لَهُ وَلَوْ سَكْرَانَ ( لَا ) عَلَى ( صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمَا ( وَ ) لَا عَلَى ( امْرَأَةٍ وَخُنْثَى ) لِضَعْفِهِمَا عَنْ الْقِتَالِ غَالِبًا وَلِخَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ قَالَ نَعَمْ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } ( وَ ) لَا عَلَى ( مَنْ فِيهِ رِقٌّ ) وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُبَعَّضًا ( وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ ) بِهِ كَمَا فِي الْحَجِّ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ نَعَمْ لِلسَّيِّدِ اسْتِصْحَابُ غَيْرِ الْمُكَاتَبِ لِلْخِدْمَةِ كَمَا فِي الْحَضَرِ ( وَ ) لَا عَلَى ( ذِمِّيٍّ ) وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْكُفَّارِ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُطَالَبِينَ بِهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالذِّمِّيُّ بَذَلَ الْجِزْيَةَ لِنَذُبَّ عَنْهُ لَا لِيَذُبَّ عَنَّا ( وَ ) لَا عَلَى ( بَيِّنِ الْعَرَجِ وَلَوْ رَكِبَ ) لِعَجْزِهِ وَالدَّابَّةُ قَدْ تَتَعَطَّلُ فَيَتَعَذَّرُ الْفِرَارُ ( وَ ) لَا عَلَى ( مَرِيضٍ تَعْظُمُ مَشَقَّتُهُ وَأَشَلَّ يَدٍ وَفَاقِدِ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا ) وَفَاقِدِ الْأَنَامِلِ ( وَأَعْمَى وَعَادِمِ أُهْبَةٍ وَذِي عُذْرٍ يُسْقِطُ الْحَجَّ ) أَيْ وُجُوبَهُ كَعَدَمِ رَاحِلَةٍ فِي سَفَرِ الْقَصْرِ لِعَجْزِهِمْ ( إلَّا الْخَوْفَ ) مِنْ الْكُفَّارِ وَمُتَلَصِّصِي الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى رُكُوبِ الْمَخَاوِفِ ( فَإِنْ بَذَلَ الْأُهْبَةَ ) لِفَاقِدِهَا ( غَيْرُ الْإِمَامِ لَمْ يَلْزَمْ الْقَبُولُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ بَذَلَهَا لَهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا لِأَنَّهَا حَقُّهُ .
( قَوْلُهُ وَلَا عَلَى مَرِيضٍ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّمَدَ كَالْمَرَضِ إنْ كَانَ شَدِيدًا مَنَعَ الْوُجُوبَ وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ : وَفَاقِدِ مُعْظَمِ أَصَابِعِهَا ) أَيْ أَوْ أَشَلِّهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ أَنَّ فَقْدَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ كَفَقْدِ أَكْثَرِهَا إذْ بَقِيَّةُ الْأَصَابِعِ لَا تُمْسِكُ السَّيْفَ وَنَحْوَهُ إمْسَاكًا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُقَاتِلُ وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ فَقْدَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَيَجِبُ ) الْجِهَادُ ( عَلَى أَعْوَرَ وَأَعْشَى وَضَعِيفِ نَظَرٍ يُبْصِرُ الشَّخْصَ وَالسِّلَاحَ ) لِيَتَّقِيَهُمَا وَفَاقِدِ أَقَلِّ أَصَابِعِ يَدٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مُكَافَحَةَ الْعَدُوِّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى فَاقِدِ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَفَاقِدِ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَيْ كَمَا لَا يُجْزِئَانِ فِي الْكَفَّارَةِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ( وَ ) عَلَى ( ذِي صُدَاعٍ وَعَرَجٍ يَسِيرَيْنِ ) لِأَنَّهُمَا لَا يَمْنَعَانِ مُكَافَحَةَ الْعَدُوِّ .
( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فَقْدَ الْأَنَامِلِ كَفَقْدِ الْأَصَابِعِ وَبِذَا جَزَمَ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي غُنْيَتِهِ وَهُوَ الرَّاجِحُ .
( وَيُؤْذَنُ لِلْمُرَاهِقِ ) أَيْ يَأْذَنُ لَهُ الْإِمَامُ مَعَ أَصْلِهِ فِي الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَسَقْيِ الْمَاءِ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوِهَا ( لَا لِلْمَجْنُونِ ) إذْ لَا فَائِدَةَ لَهُ بَلْ قَدْ يُشَوِّشُ .
( وَيَسْتَصْحِبُ ) مَعَهُ ( النِّسَاءُ لِلْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ ) وَنَحْوِهِمَا عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرَاهِقِينَ وَالنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ وَأَنْ يَسْتَصْحِبَهُمْ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْمَرْضَى وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى .
( فَرْعٌ يَحْرُمُ السَّفَرُ عَلَى مَدْيُونٍ مُوسِرٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ ) أَيْ الدَّائِنِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَكَالْمَدْيُونِ وَلِيُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ ( وَلِلْغَرِيمِ مَنْعُهُ ) مِنْ السَّفَرِ لِتَوَجُّهِ مُطَالَبَتِهِ وَحَبْسِهِ إنْ امْتَنَعَ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ ( وَلَا يَمْنَعُهُ ) مِنْ السَّفَرِ ( قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَلَوْ ) كَانَ سَفَرُهُ ( فِي خَطَرٍ كَالْجِهَادِ وَرُكُوبِ الْبَحْرِ ) إذْ لَا مُطَالَبَةَ فِي الْحَالِ ( فَإِنْ وَكَّلَ ) الْمُوسِرُ ( مَنْ يَقْضِيه ) أَيْ الدَّيْنَ ( مِنْ مَالٍ ) لَهُ ( حَاضِرٌ لَا غَائِبٌ جَازَ الْخُرُوجُ ) لِلسَّفَرِ لِأَنَّ الدَّائِنَ يَصِلُ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَصِلُ .
قَوْلُهُ يَحْرُمُ السَّفَرُ عَلَى مَدْيُونٍ مُوسِرٍ بِغَيْرِ إذْنِ غَرِيمِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ } وَلِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ وَالْجِهَادُ عَلَى الْكِفَايَةِ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ وَكَالْمَدْيُونِ وَلِيُّهُ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِمَتَاعٍ كَاسِدٍ لَا يَرْغَبُ فِيهِ حِينَئِذٍ أَوْ بِعَقَارٍ كَذَلِكَ هَلْ يُقَالُ : إنَّهُ كَالْمُعْسِرِ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ جَزْمًا لِأَنَّهُ يُخْلِفُ وَفَاءً عِنْدَ تَيَسُّرِ الْبَيْعِ فِيهِ نَظَرٌ وَكَتَبَ أَيْضًا لِيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِبِضَاعَةٍ كَاسِدَةٍ لَا يَرْغَبُ فِيهَا مُشْتَرٍ أَوْ بِعَقَارٍ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَشْتَرِيه هَلْ يُقَالُ : إنَّهُ كَالْمُعْسِرِ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ جَزْمًا لِأَنَّهُ يُخْلِفُ وَفَاءً عِنْدَ إمْكَانِ الْبَيْعِ غ وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَالُ لَيْسَ لَهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ وَكَّلَ مَنْ يَقْضِيه مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ إلَخْ ) أَلْحَقَ بِهِ بَعْضُهُمْ قِيَامَ كَفِيلٍ بِهِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالُ الْغَائِبُ عَقَارًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّلَفُ أَنَّهُ يَكْتَفِي مِنْهُ بِالِاسْتِنَابَةِ فِي بَيْعِهِ ، وَقَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ كَالْمَالِ الْحَاضِرِ ع وَقَوْلُهُ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلْجِهَادِ وَحَجِّ التَّطَوُّعِ لَا ) حَجِّ ( الْفَرْضِ إذْنُ سَائِرِ ) أَيْ جَمِيعِ ( أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ وُجِدَ الْأَقْرَبُ ) مِنْهُمْ وَأُذِنَ سَوَاءٌ كَانُوا أَحْرَارًا أَمْ أَرِقَّاءَ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لِأَنَّ بِرَّهُمْ مُتَعَيِّنٌ عَلَيْهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُسْتَأْذِنِهِ فِي الْجِهَادِ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ } بِخِلَافِ حَجِّ الْفَرْضِ ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَفِي تَأْخِيرِهِ خَطَرُ الْفَوَاتِ وَلَيْسَ الْخَوْفُ فِيهِ كَالْخَوْفِ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ ( لَا لِطَلَبِ الْعِلْمِ ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ مَعَ الْأَمْنِ إذْنُهُمْ ( وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) طَلَبُ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَعَيَّنَ فَكَسَفَرِ الْحَجِّ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَلَى التَّرَاخِي أَوْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَلِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَحَبْسَهُ بَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَيْهِ وَفَارَقَ السَّفَرَ لِلْجِهَادِ بِعِظَمِ خَطَرِهِ ( وَكَذَا ) لَا يُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ ( لَوْ وَجَدَهُ ) أَيْ طَلَبَ الْعِلْمِ بِأَنْ وَجَدَ مِنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ ( فِي الْبَلَدِ ) الَّذِي هُوَ فِيهِ ( لَكِنْ تَوَقَّعَ زِيَادَةَ فَرَاغٍ أَوْ إرْشَادٍ ) مِنْ أُسْتَاذٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَمَا لَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخُرُوجِ لِلتِّجَارَةِ أَنْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهَا بِبَلَدِهِ بَلْ اكْتَفَى بِتَوَقُّعِ زِيَادَةِ رِبْحٍ أَوْ رَوَاجٍ وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرَّشِيدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا يُخْشَى عَلَيْهِ ( وَلَا ) يُشْتَرَطُ إذْنُهُمْ لِلْخُرُوجِ ( لِسَفَرِ التِّجَارَةِ وَلَوْ بَعُدَ ) كَيْ لَا يَنْقَطِعَ مَعَاشُهُ وَيَضْطَرِبَ أَمْرُهُ ( إلَّا ) لِلْخُرُوجِ ( لِرُكُوبِ بَحْرٍ وَبَادِيَةٍ مُخَطَّرَةٍ ) فَيُشْتَرَطُ ذَلِكَ لِشُمُولِ مَعْنَى الْبِرِّ وَالشَّفَقَةِ ( وَالْوَالِدُ الْكَافِرُ ) فِيمَا ذُكِرَ ( كَالْمُسْلِمِ ) لِذَلِكَ ( إلَّا
فِي الْجِهَادِ ) لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ ( وَالرَّقِيقُ كَالْحُرِّ ) لِشُمُولِ مَا ذُكِرَ وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ عِلْمًا مِمَّا مَرَّ مَعَ أَنَّ الْحُرَّ لَمْ يُصَرَّحْ بِهِ فِيمَا مَرَّ حَتَّى يُحِيلَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ السَّابِقُ شَامِلٌ لَهُمَا مَعًا .
( قَوْلُهُ أُصُولِهِ الْمُسْلِمِينَ ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ الَّذِي تُعَلَّقُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ لَكِنْ لَوْ عَلِمَ الْوَلَدُ نِفَاقَهُمَا جَازَ لَهُ سَفَرُ الْجِهَادِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا وَلَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ فِي الظَّاهِرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ الرَّاجِحُ ( فَرْعٌ ) لَوْ كَانَ الْوَلَدُ مَمْلُوكًا وَالْأَبَوَانِ حُرَّيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالِاعْتِبَارُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَمَنْعِهِ دُونَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُبَعَّضًا لَزِمَهُ اسْتِئْذَانُ السَّيِّدِ وَالْأَبَوَيْنِ فَإِنْ أَذِنُوا جَمِيعًا جَاهَدَ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَالِاعْتِبَارُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَا لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَلَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ ) يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَازِمَةً لَهُ فَيَجِبُ اسْتِئْذَانُهُمَا إلَّا أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمَا مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَرْعُ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصْلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ كَانَ الْفَرْعُ أَهْلًا لِلْإِذْنِ أَوْ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ إذَا أَدَّاهُ نَفَقَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَسَافَرَ فِي بَقِيَّتِهِ كَانَ كَالْمَدْيُونِ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ ا هـ وَقَوْلُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيَاسَ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الرَّافِعِيُّ الْخَارِجَ وَحْدَهُ بِالرُّشْدِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا وَجْهَ لِلْإِخْلَالِ بِهِ وَتَتَعَيَّنُ زِيَادَةُ أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ إلَخْ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ أَمْرَدَ جَمِيلًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ لِلْأَبِ مَنْعَ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الصُّورَةِ مِنْ الْخُرُوجِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ دُونَ الْمُلْتَحِي وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ
بَلْ مُتَعَيِّنٌ ( قَوْلُهُ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ لِأَهْلِ دِينِهِ ) فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَلَا نَهْيُهُ ( قَوْلُهُ وَالرَّقِيقُ كَالْحُرِّ ) فَيُعْتَبَرُ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ إذْنُ سَيِّدِهِ لَا أَبَوَيْهِ قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَيَلْزَمُ الْمُبَعَّضَ اسْتِئْذَانُ الْأَبَوَيْنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالسَّيِّدِ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( رَجَعَ الْوَالِدُ أَوْ الْغَرِيمُ عَنْ الْإِذْنِ ) لَهُ ( أَوْ أَسْلَمَ أَصْلُهُ الْكَافِرُ ) وَلَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ وَعَلِمَ هُوَ بِالْحَالِ ( فَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ ) عَنْ الْقِتَالِ إلْحَاقًا لِلدَّوَامِ بِالِابْتِدَاءِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَخِيرَةِ بِأَنْ يَأْمُرَ الْأَصْلُ فَرْعَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِالرُّجُوعِ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ تَجَدَّدَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا يَأْثَمُ بِاسْتِمْرَارِ السَّفَرِ عِنْدَ سُكُوتِ الْأَصْلِ وَالدَّائِنِ وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ هَذَا كُلُّهُ ( قَبْلَ الشُّرُوعِ ) فِي الْقِتَالِ ( إنْ أَمِنَ فِي طَرِيقِهِ ) عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَنَحْوِهِمَا ( وَلَمْ تَنْكَسِرْ قُلُوبُ الْمُسْلِمِينَ ) بِرُجُوعِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْإِمَامِ بِجُعَلٍ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ بَلْ لَا يَجُوزُ ( وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عِنْدَ الْخَوْفِ بِمَوْضِعٍ ) فِي طَرِيقِهِ ( لَزِمَهُ ) الْإِقَامَةُ بِهِ حَتَّى يَرْجِعَ الْجَيْشُ لِحُصُولِ غَرَضِ الرَّاجِعِ مِنْ عَدَمِ حُضُورِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِقَامَةُ وَلَا الرُّجُوعُ فَلَهُ الْمُضِيُّ مَعَ الْجَيْشِ لَكِنْ يَتَوَقَّى مَظَانَّ الْقَتْلِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ( وَلَوْ شُرِعَ فِي الْقِتَالِ ) بِأَنْ الْتَقَى الصَّفَّانِ ( حَرُمَ ) عَلَيْهِ ( الرُّجُوعُ وَلَوْ خَرَجَ بِلَا إذْنٍ ) لِوُجُوبِ الْمُصَابَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا } وَلِأَنَّ الِانْصِرَافَ يُشَوِّشُ أَمَرَ الْقِتَالِ وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ بِلَا إذْنٍ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشَّافِعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الشَّامِلِ وَالذَّخَائِرِ أَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَأَسْلَمَا وَمَنَعَاهُ وَلَفْظُ الْمُعْتَمَدِ فَلَهُمَا مَنْعُهُ وَعِبَارَةُ عُمْدَةِ الْفُورَانِيِّ أَسْلَمَا وَأَمَرَاهُ بِالرُّجُوعِ ، وَعِبَارَةُ الْبَسِيطِ أَوْ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ وَتَجَدَّدَ مَنْعٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ نَاصِبَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِمَا وَإِنَّمَا يَجِبُ بِمَنْعٍ مَحْدُودٍ لِإِخْفَاءِ أَنَّ مَنْعَ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ إسْلَامَهُ كَمَنْعِهِمَا أَوْ إسْلَامِهِمَا .
( وَرُجُوعُ الْعَبْدِ إذَا خَرَجَ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ سَيِّدِهِ ( قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ وَاجِبٌ وَبَعْدَهُ مُسْتَحَبٌّ ) وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الثَّبَاتُ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( مَرِضَ ) مَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ ( أَوْ عَرَجَ ) عَرَجًا بَيِّنًا ( أَوْ تَلِفَ زَادُهُ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَلَوْ مِنْ الْوَقْعَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ هَذَا ( إنْ لَمْ يُورِثْ ) انْصِرَافُهُ مِنْ الْوَقْعَةِ ( فَشَلًا ) فِي الْمُسْلِمِينَ وَ إلَّا حَرُمَ انْصِرَافُهُ مِنْهَا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ نَصِّ الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الِانْصِرَافُ مِنْهَا فَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ وَأَلْحَقَ الْأَصْلُ هُنَا تَلَفَ الدَّابَّةِ بِتَلَفِ الزَّادِ وَذَكَرَ فِيهِ كَلَامًا مَرْدُودًا بِمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي فَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَذْكُرَهُ ثَمَّ عَلَى الصَّوَابِ .
( وَلْيَنْوِ ) نَدْبًا الْمُنْصَرِفُ مِنْ الْوَقْعَةِ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ ( التَّحَيُّزَ ) أَوْ التَّحَرُّفَ إلَى مَكَان لِيَزُولَ عُذْرُهُ هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَلَوْ قَالَ : وَلَا يَنْوِي الْفِرَارَ كَانَ أَوْلَى .
( فَإِنْ ) انْصَرَفَ لِعُذْرٍ كَتَلَفٍ زَادَ ثُمَّ ( زَالَ الْعُذْرُ قَبْلَ فِرَاقِ دَارِ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ ) لِلْجِهَادِ .
( وَمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ) لَهَا ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ الْفَرْضُ بِعَيْنِ الْمُصَلِّي لِشُرُوعِهِ فِيهِ وَلِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا هَتْكٌ لِحُرْمَةِ الْمَيِّتِ ( كَالْقِتَالِ ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مَنْ شَرَعَ فِيهِ إتْمَامَهُ فَيَحْرُمُ انْصِرَافُهُ مِنْهُ إذْ يُخَافُ مِنْهُ التَّخْذِيلُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ لَا مَنْ شَرَعَ فِي تَعَلُّمِ ( عِلْمٍ ) فَلَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ ( وَإِنْ آنَسَ ) مِنْ نَفْسِهِ ( الرُّشْدَ ) فِيهِ ؛ لِأَنَّ الشُّرُوعَ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمَشْرُوعِ فِيهِ غَالِبًا وَلِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مَطْلُوبَةٍ بِرَأْسِهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَتْ الْعُلُومُ كَالْخُصْلَةِ الْوَاحِدَةِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ إتْمَامِهِ ؛ لِأَنَّهُ تَلَبُّسٌ بِفَرْضٍ عَظِيمٍ وَلَوْ شُرِعَ لِكُلِّ شَارِعٍ فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ لِإِعْرَاضٍ عَنْهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى إضَاعَةِ الْعِلْمِ .
قَوْلُهُمْ وَمَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ ) شَمِلَ كَلَامُهُ صَلَاةَ مَنْ سَبَقَهُ غَيْرُهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَمِثْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَكَتَبَ أَيْضًا الْغُسْلُ وَسَائِرُ التَّجْهِيزِ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ لَا عِلْمَ وَإِنْ آنَسَ الرُّشْدَ فِيهِ ) وَكَذَا سَائِرُ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ غَيْرُ مَا مَرَّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مَطْلُوبَةٍ بِرَأْسِهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ غَيْرِهَا ) فَإِنْ قِيلَ : إنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الِاسْتِمْرَارِ فِي تَعَلُّمِ الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَإِطْلَاقُهُمْ يُنَافِيه قُلْنَا الْمُرَادُ بِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ تَحْصِيلُ عِلْمِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مَسَائِلُهُ مِنْ الْأَحْكَامِ إذْ هِيَ الْمُثْبَتَةُ بِالدَّلِيلِ فِي الْعِلْمِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الشُّرُوعُ فِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ عِلْمِ حُكْمِ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ ، وَإِعْرَاضُهُ بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمَوْضُوعِ وَالْمَحْمُولِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْحُكْمِ إعْرَاضٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْمُخْتَارُ لُزُومُ إتْمَامِهِ إلَخْ ) مَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّهِ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ إلَى مُكَلَّفٍ لَهَا عَلَيْهِ .
( فَصْلٌ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ بِالشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ ) الْأَوْلَى وَالْأَخْصَرُ فِيهِ ( عَلَى أَهْلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ ) هَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِعِلْمِهِ مِمَّا مَرَّ .
( وَ ) يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ ( بِدُخُولِ الْكُفَّارِ فَإِنْ دَخَلَ الْكُفَّارُ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ ) عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ لَهَا خَطْبٌ عَظِيمٌ لَا سَبِيلَ إلَى إهْمَالِهِ وَلَوْ قَالَ وَبِدُخُولِ الْكُفَّارِ بِلَادَ الْمُسْلِمِينَ وَحَذَفَ الْبَاقِيَ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ فَلَوْ دَخَلُوا بَلْدَةً لَنَا تَعَيَّنَ عَلَى أَهْلِهَا مِنْ الْمُكَلَّفِينَ ( حَتَّى عَلَى عَبِيدٍ وَنِسَاءٍ لَا ) نِسَاءَ ( ضَعِيفَاتٍ ) فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِنَّ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَا يَحْضُرْنَ وَعَلَّلَهُ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ حُضُورَهُنَّ قَدْ يَجُرُّ شَرًّا وَيُورِثُ وَهَنًا ( وَلَا حَجْرَ لِسَيِّدٍ ) عَلَى رَقِيقِهِ ( وَ ) لَا ( زَوْجٍ ) عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا أَصْلٍ عَلَى فَرْعِهِ وَلَا دَائِنٍ عَلَى مَدِينِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ ( حِينَئِذٍ ) أَيْ حِينَ دُخُولِ الْكُفَّارِ الْبَلْدَةَ ( وَ ) حَتَّى ( عَلَى الْمَعْذُورِينَ ) بِعَمًى وَعَرَجٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهَا ( وَ ) عَلَى ( مَنْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) مِنْ الْبَلْدَةِ ( وَلَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ ) بِغَيْرِهِمْ لِتَقْوَى الْقُلُوبُ وَتَعْظُمُ الشَّوْكَةُ وَتَشْتَدُّ النِّكَايَةُ فِي الْكُفَّارِ انْتِقَامًا مِنْ هُجُومِهِمْ ( وَلَا يَجُوزُ انْتِظَارُهُمْ مَعَ قُدْرَةِ الْحَاضِرِينَ ) عَلَى الْقِتَالِ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْبَلْدَةِ ثُمَّ الْأَقْرَبِينَ فَالْأَقْرَبِينَ إذَا قَدَرُوا عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَلْبَثُوا إلَى لُحُوقِ الْآخَرِينَ ( وَ ) حَتَّى ( عَلَى الْأَبْعَدِينَ ) عَنْ الْبَلْدَةِ بِأَنْ يَكُونُوا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ ( عِنْدَ الْحَاجَةِ ) إلَيْهِمْ فِي الْقِتَالِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِهَا وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ كِفَايَةٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ كِفَايَةٌ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَبْعَدِينَ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْإِيجَابِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ ، وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فَيَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي حَقِّ مَنْ قَرُبَ وَفَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ .
( قَوْلُهُ : وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ بِدُخُولِ الْكُفَّارِ ) هَلْ الْخَوْفُ مِنْ الدُّخُولِ كَنَفْسِ الدُّخُولِ وِجْهَاتٌ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُشْرِفَ عَلَى الزَّوَالِ كَالزَّائِلِ أَمْ لَا قَالَ شَيْخُنَا : يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ دُخُولُهُمْ إنْ لَمْ يَخْرُجُوا لِلْقِتَالِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ كا ( قَوْلُهُ : وَلَا حَجْرَ لِسَيِّدٍ عَلَى رَقِيقِهِ ) وَلَا زَوْجٍ عَلَى زَوْجَتِهِ وَلَا أَصْلٍ عَلَى فَرْعِهِ وَلَا دَائِنٍ عَلَى مَدِينِهِ لِأَنَّهُ قِتَالُ دِفَاعٍ عَنْ الدِّينِ لَا قِتَالَ غَزْوٍ فَلَزِمَ كُلَّ مُطِيقٍ ، وَأَيْضًا فَإِنْ تَرَكَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَقُدِّمَ عَلَى حَقِّ الْأَبَوَيْنِ وَصَاحِبِ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَرَّحَ بِهِمَا الْأَصْلُ ) وَحَذَفَهُمَا الْمُصَنِّفُ لِعِلْمِهِمَا مِمَّا ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
( وَيُشْتَرَطُ ) فِي الْوُجُوبِ ( الْمَرْكُوبُ ) أَيْ وُجُودُهُ ( لِلْأَبْعَدِ ) دُونَ الْأَقْرَبِ كَمَا فِي الْحَجِّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ( الزَّادُ ) أَيْ وُجُودُهُ ( لِلْجَمِيعِ ) مِنْ الْأَبْعَدِ وَالْأَقْرَبِ إذْ لَا اسْتِقْلَالَ بِغَيْرِ زَادٍ وَلَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِمْ الْخُرُوجَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ سَيَهْلِكُونَ .
( وَلَوْ قُهِرُوا ) أَيْ الْمُسْلِمُونَ ( وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الدَّفْعِ ) عَنْ أَنْفُسِهِمْ ( وَتَوَقَّعُوا الْأَسْرَ وَالْقَتْلَ وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ امْتِدَادَ الْأَيْدِي إلَيْهَا فِي الْحَالِ ) لَوْ أُسِرَتْ ( جَازَ ) لَهُمْ ( الِاسْتِسْلَامُ ) ؛ لِأَنَّ الْمُكَافَحَةَ حِينَئِذٍ اسْتِعْجَالٌ لِلْقَتْلِ وَالْأَسْرُ يُحْتَمَلُ مَعَهُ الْخَلَاصُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَأْمَنْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ ( فَلَا يَحِلُّ لَهَا الِاسْتِسْلَامُ ) بَلْ يَلْزَمُهَا الدَّفْعُ ( وَلَوْ قُتِلَتْ ) ؛ لِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَا لَا تَحِلُّ لَهُ الْمُطَاوَعَةُ لِدَفْعِ الْقَتْلِ وَالْأَصْلُ أَفْرَدَ مَسْأَلَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى حِدَتِهَا وَهُوَ أَحْسَنُ ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ : فَإِنْ كَانَتْ تَأْمَنُ مِنْ ذَلِكَ حَالًا بَعْدَ الْأَسْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا الِاسْتِسْلَامُ حَالًا ثُمَّ تَدْفَعُ إذَا أُرِيدَ مِنْهَا ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : وَأَمِنَتْ الْمَرْأَةُ امْتِدَادَ الْأَيْدِي إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَدَ الْجَمِيلَ وَغَيْرَهُ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يُقْصَدُ بِالْفَاحِشَةِ فِي الْحَالِ أَوْ الْمَآلِ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَأَوْلَى ، وَقَوْلُهُ الظَّاهِرُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ قَالَ مَا مَعْنَاهُ ، فَإِنْ كَانَتْ تَأْمَنُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَقَدْ شَمِلَهَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ تَرْجِيحَهُ عَنْ الْجَاجَرْمِيِّ فَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ : إنَّهُ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْفَاحِشَةَ مَوْهُومَةٌ وَالْقَتْلَ مَعْلُومٌ وَعَنْ الْبَسِيطِ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمَنْعُ .
( وَلَوْ نَزَلُوا ) أَيْ الْكُفَّارُ ( عَلَى خَرَابٍ ) أَوْ مَوَاتٍ وَلَوْ بَعِيدًا عَنْ الْأَوْطَانِ ( مِنْ حُدُودِ ) دَارٍ ( الْإِسْلَامِ تَعَيَّنَ دَفْعُهُمْ ) كَمَا لَوْ دَخَلُوا بِلَادَ الْإِسْلَامِ .
( وَكَذَا لَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا وَأَمْكَنَ تَخْلِيصُهُ ) مِنْهُمْ بِأَنْ رَجَوْنَاهُ ( تَعَيَّنَ جِهَادُهُمْ ) وَإِنْ لَمْ يَدْخُلُوا دَارَنَا ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { فُكُّوا الْعَانِيَ } فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَخْلِيصُهُ بِأَنْ لَمْ نَرْجُهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ جِهَادُهُمْ بَلْ يُنْتَظَرُ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَ فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُنَا فَكُّ مَنْ أُسِرَ مِنْ الذِّمِّيِّينَ .
( وَلَا يَتَسَارَعُ الْآحَادُ ) وَالطَّوَائِفُ مِنَّا ( إلَى ) دَفْعِ ( مَلِكٍ ) مِنْهُمْ ( عَظِيمٍ ) شَوْكَتُهُ ( دَخَلَ أَطْرَافَ الْبِلَادِ ) أَيْ بِلَادِنَا لِمَا فِيهِ مِنْ عِظَمِ الْخَطَرِ .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِيمَا عَدَا الْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَتْ فِي أَبْوَابِهَا ) كَصَلَاةِ الْمَيِّتِ وَدَفْنِهِ وَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ أُمُورٌ كُلِّيَّةٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَصَالِحُ دِينِيَّةٌ أَوْ دُنْيَوِيَّةٌ لَا يَنْتَظِمُ الْأَمْرُ إلَّا بِحُصُولِهَا فَطَلَبُ الشَّارِعِ تَحْصِيلَهَا لَا مِنْ كُلِّ أَحَدٍ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ طُلِبَ مِنْهُ تَحْصِيلُهُ ( وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ مُحْتَسِبًا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ ) وَإِنْ كَانَا لَا يَخْتَصَّانِ بِالْمُحْتَسِبِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْأَمْرُ بِوَاجِبَاتِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُحَرَّمَاتِهِ ( فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ ) إذَا اجْتَمَعَتْ شُرُوطُهَا ( وَكَذَا ) بِصَلَاةِ ( الْعِيدِ ) وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهَا سُنَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ هُوَ الْأَمْرُ بِالطَّاعَةِ لَا سِيَّمَا مَا كَانَ شِعَارًا ظَاهِرًا كَذَا فِي الرَّوْضَةِ مَعَ جَزْمِهَا كَأَصْلِهَا بِمَا مَرَّ آنِفًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذُكِرَ أَوَّلًا مَوْضِعُ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ ذُكِرَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الثَّانِيَ خَاصٌّ بِالْمُحْتَسِبِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ مُعْظَمُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْمُسْتَحَبِّ مُسْتَحَبٌّ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُسْتَحَبِّ ، وَلَا يُقَاسَ بِالْوَالِي غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ بِصَوْمِهِ صَارَ وَاجِبًا .
( قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَوْضِعَ الْإِجْمَاعِ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةٌ فَيَكُونُ الْمَذْهَبُ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ قَدْ يُقَالُ إذَا أَمَرَ الْإِمَامُ بِهَا وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا : إنَّهَا سُنَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّوْمِ لِلِاسْتِسْقَاءِ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ الثَّانِيَ خَاصٌّ بِالْمُحْتَسِبِ ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْوِلَايَةُ .
( وَلَا يَأْمُرُ الْمُخَالِفِينَ ) لَهُ فِي الْمَذْهَبِ ( بِمَا لَا يُجَوِّزُوهُ ) بِحَذْفِ نُونِ الرَّفْعِ عَلَى لُغَةٍ لَكِنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ بِمَا لَا يَجُوزُ بِتَرْكِ الْوَاوِ ( وَلَا يَنْهَاهُمْ عَمَّا يَرَوْنَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ ) أَوْ سُنَّةً لَهُمْ .
( وَيَأْمُرُ ) الْمُسْلِمِينَ ( بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَرَائِضِ ) وَالسُّنَنِ ( وَلَا يَعْتَرِضُ ) عَلَيْهِمْ ( فِي تَأْخِيرِهَا وَالْوَقْتُ بَاقٍ ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فَضْلِ تَأْخِيرِهَا .
( وَيَأْمُرُ فِيمَا ) الْأَوْلَى بِمَا كَمَا فِي نُسْخَةٍ ( يَعُمُّ نَفْعُهُ كَعِمَارَةِ سُورِ الْبَلَدِ وَسِرْبِهِ وَمَعُونَةِ الْمُحْتَاجِينَ ) مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ وَغَيْرِهِمْ وَيَجِبُ ذَلِكَ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) إنْ كَانَ فِيهِ مَالٌ ( وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ لَهُ مُكْنَةٌ ) أَيْ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ .
( وَيَنْهَى الْمُوسِرَ عَنْ مَطْلِ الْغَرِيمِ إنْ اسْتَعْدَى ) أَيْ اسْتَعْدَاهُ الْغَرِيمُ عَلَيْهِ وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُ يَنْهَاهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْدِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا .
( و ) يَنْهَى ( الرَّجُلَ عَنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي طَرِيقٍ خَالٍ ) ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ رِيبَةٍ فَيُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَهُ : إنْ كَانَتْ مَحْرَمًا لَك فَصُنْهَا عَنْ مَوَاقِفِ الرِّيَبِ وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً فَخَفْ اللَّهَ فِي الْخَلْوَةِ مَعَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَهُ مَعَهَا فِي طَرِيقٍ يَطْرُقُهُ النَّاسُ .
( وَيَأْمُرُ بِنِكَاحِ الْأَكْفَاءِ ) أَيْ إنْكَاحِهِمْ ( وَإِيفَاءِ الْعِدَدِ وَالرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ وَتَعَهُّدِ الْبَهَائِمِ ) وَالْمَأْمُورُ بِالْأَوَّلِ الْأَوْلِيَاءُ وَبِالثَّانِي النِّسَاءُ وَبِالثَّالِثِ السَّادَةُ وَبِالرَّابِعِ أَصْحَابُ الْبَهَائِمِ وَمِنْ لَازِمِ الْأَمْرِ بِتَعَهُّدِهَا الْأَمْرُ بِأَنْ لَا يَسْتَعْمِلُوهَا فِيمَا لَا تُطِيقُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَيْضًا مِنْ الْأَمْرِ بِالرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ .
( وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ تَصَدَّى لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى وَالْوَعْظِ وَلَيْسَ ) هُوَ ( مِنْ أَهْلِهِ ) وَيُشْهِرُ أَمْرَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ .
( و ) يُنْكِرُ ( عَلَى مَنْ أَسَرَّ فِي ) صَلَاةٍ ( جَهْرِيَّةٍ أَوْ زَادَ فِي الْأَذَانِ وَعَكَسَهُمَا ) بِأَنْ يُنْكِرَ عَلَى مَنْ جَهَرَ فِي سِرِّيَّةٍ أَوْ نَقَصَ مِنْ الْأَذَانِ .
( وَلَا يُطَالِبُ ) أَحَدًا ( بِحَقِّ آدَمِيٍّ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَا يُنْكِرُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ كَتَعَدِّي الشَّخْصِ فِي جِدَارِ جَارِهِ ( قَبْلَ الِاسْتِعْدَاءِ ) مِنْ ذِي الْحَقِّ عَلَيْهِ .
( وَلَا يَحْبِسُ ) وَلَا يَضْرِبُ ( لِلدَّيْنِ ) .
( وَيُنْظِرُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُنْكِرُ ( عَلَى الْقُضَاةِ إنْ احْتَجَبُوا ) عَنْ الْخُصُومِ ( أَوْ قَصَّرُوا ) فِي النَّظَرِ فِي الْخُصُومَاتِ ( وَعَلَى أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ الْمَطْرُوقَةِ إنْ طَوَّلُوا ) الصَّلَاةَ كَمَا أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُعَاذٍ ذَلِكَ .
( وَيَمْنَعُ الْخَوَنَةَ مِنْ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ ) لِمَا يُخْشَى فِيهَا مِنْ الْفَسَادِ .
( وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ) وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ ( بِمَسْمُوعِ الْقَوْلِ بَلْ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ ( أَنْ يَأْمُرَ ) وَيَنْهَى ( وَإِنْ عَلِمَ ) بِالْعَادَةِ ( أَنَّهُ لَا يُفِيدُ ) فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْ الْمُكَلَّفِ بِهَذَا الْعِلْمِ لِعُمُومِ خَبَرِ { مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ } .
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ وَالنَّاهِي كَوْنُهُ مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُرُ بِهِ مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ ( بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ ) وَيَنْهَى ( نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَسْقُطْ الْآخَرُ ) .
( وَلَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى فِي دَقَائِقِ الْأُمُورِ ) مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ ( إلَّا عَالِمٌ ) فَلَيْسَ لِلْعَوَامِّ ذَلِكَ وَخَرَجَ بِدَقَائِقِ الْأُمُورِ ظَوَاهِرُهَا كَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ فَلِلْعَوَامِّ وَغَيْرِهِمْ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِيهَا .
( وَلَا يُنْكِرُ ) الْعَالِمُ ( إلَّا مُجْمَعًا عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى إنْكَارِهِ لَا مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَرَى الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَا نَعْلَمُهُ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُخْطِئِ وَاسْتُشْكِلَ عَدَمُ الْإِنْكَارِ إذَا لَمْ يَرَ الْفَاعِلُ تَحْرِيمَهُ بِحَدِّنَا لِلْحَنَفِيِّ بِشُرْبِهِ لِلنَّبِيذِ مَعَ أَنَّ الْإِنْكَارَ بِالْفِعْلِ أَبْلَغُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ ؛ لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ لَمْ يَفْعَلْ مُنْكَرًا ، وَالْحَدُّ لَا يُفِيدُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَلِهَذَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ بِالْقَوْلِ كَمَا لَا يُنْكِرُ عَلَى الْمَالِكِيِّ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَإِنَّمَا حَدُّهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ أَدِلَّةَ عَدَمِ تَحْرِيمِ النَّبِيذِ وَاهِيَةٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ بَيْنَ حَدِّنَا لِشَارِبِهِ وَعَدَمِ حَدِّنَا لِلْوَاطِئِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ .
قَوْلُهُ : أَوْ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَا نَعْلَمُهُ ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ مِنْ بَابِ إنْكَارِ الْمُنْكَرِ إلَخْ ) قَيَّدَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَا يَرْفَعُ السُّؤَالَ فَقَالَ مَنْ أَتَى شَيْئًا مُخْتَلَفًا فِي تَحْرِيمِهِ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ وَجَبَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْلِيلَهُ لَمْ يَجُزْ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْخَذُ الْمُحَلَّلِ ضَعِيفًا تُنْتَقَصُ الْأَحْكَامُ بِمِثْلِهِ لِبُطْلَانِهِ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُنْقَضُ إلَّا لِكَوْنِهِ بَاطِلًا وَذَلِكَ كَمَنْ يَطَأُ جَارِيَةً بِالْإِبَاحَةِ مُعْتَقَدُ الْمَذْهَبِ عَطَاءٌ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ تَحْرِيمًا وَلَا تَحْلِيلًا أَرْشَدَ إلَى اجْتِنَابِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْبِيخٍ وَلَا إنْكَارٍ ا هـ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ
( لَكِنْ إنْ نَدَبَ ) عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ ( إلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِرِفْقٍ فَحَسَنٌ إنْ لَمْ يَقَعْ فِي خِلَافٍ آخَرَ وَتَرْكِ ) أَيْ وَفِي تَرْكِ ( حَسَنَةٍ ثَابِتَةٍ ) لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ حِينَئِذٍ .
( وَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ الْمُجْتَهِدِ ) أَوْ الْمُقَلِّدِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( حَمْلُ النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِ ) لِمَا مَرَّ وَلَمْ يَزَلْ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا .
( وَالْإِنْكَارُ ) لِلْمُنْكَرِ أَخْذًا مِنْ الْخَبَرِ السَّابِقِ ( يَكُونُ بِالْيَدِ ، فَإِنْ عَجَزَ فَبِاللِّسَانِ ) فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ وَلَا يَكْفِي الْوَعْظُ لِمَنْ أَمْكَنَهُ إزَالَتُهُ بِالْيَدِ وَلَا كَرَاهَةُ الْقَلْبِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى النَّهْيِ بِاللِّسَانِ ( وَيَرْفُقُ ) فِي التَّغْيِيرِ ( بِمَنْ يَخَافُ شَرَّهُ ) وَبِالْجَاهِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ ( وَيَسْتَعِينُ عَلَيْهِ ) بِغَيْرِهِ ( إنْ لَمْ يَخَافُ فِتْنَةَ ) مِنْ إظْهَارِ سِلَاحٍ وَحَرْبٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِقْلَالُ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْهُ ( رَفَعَ ) ذَلِكَ ( إلَى الْوَالِي فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْهُ ( أَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ ) .
( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْ الْآمِرِ وَالنَّاهِي ( التَّجَسُّسُ ) وَالْبَحْثُ ( وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ ) بَلْ إنْ رَأَى شَيْئًا غَيَّرَهُ ( فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِمَنْ اسْتَسَرَّ ) أَيْ اخْتَفَى ( بِمُنْكَرٍ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ تَدَارُكُهَا كَالزِّنَا وَالْقَتْلِ ) بِأَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا أَوْ بِشَخْصٍ لِيَقْتُلَهُ ( اقْتَحَمَ لَهُ الدَّارَ ) وَتَجَسَّسَ وُجُوبًا فَتَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ بِالْجَوَازِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ ( فَلَا ) اقْتِحَامَ وَلَا تَجَسُّسَ كَمَا مَرَّ .
( وَلَا يَسْقُطُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ ) وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ عَنْ الْقَائِمِ بِهِمَا ( إلَّا لِخَوْفٍ ) مِنْهُمَا ( عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ ) أَوْ عُضْوِهِ أَوْ بُضْعِهِ ( أَوْ ) لِخَوْفِ ( مَفْسَدَةٍ عَلَى غَيْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَفْسَدَةِ الْمُنْكَرِ الْوَاقِعِ ) أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُرْتَكِبَ يَزِيدُ فِيمَا هُوَ فِيهِ عِنَادًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ كَإِمَامِهِ .
( فَصْلٌ وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ وَالْمَوَاقِفِ ) الَّتِي هُنَاكَ ( بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلَّ سَنَةٍ ) مَرَّةً فَلَا يَكْفِي إحْيَاؤُهُمَا بِالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَلَا بِالْعُمْرَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ إذْ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْحَجِّ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ الْحَجُّ فَكَانَ بِهِ إحْيَاؤُهَا ، وَذِكْرُ الْعُمْرَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ إلَخْ ) يُعْتَبَرُ جَمْعٌ يَظْهَرُ الشِّعَارُ بِهِمْ كُلَّ عَامٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي إيضَاحِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِعَدَدِ الْمُحَصِّلِينَ لِهَذَا الْفَرْضِ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يُوجَدَ حَجُّهَا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : قَدْ اُشْتُهِرَ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إشْكَالٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إحْيَاءَ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَكُلُّ وَفْدٍ يَجِيئُونَ كُلَّ سَنَةٍ لِلْحَجِّ فَهُمْ يُحْيُونَ الْكَعْبَةَ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ كَانَ قَائِمًا بِفَرْضِ الْعَيْنِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ كَانَ قَائِمًا بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَلَا يُتَصَوَّرُ حَجُّ التَّطَوُّعِ ، وَجَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ هُنَا جِهَتَيْنِ مِنْ حَيْثِيَّتَيْنِ : جِهَةُ التَّطَوُّعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْإِسْلَامِ وَجِهَةُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ بِإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ وَلَوْ قِيلَ يُتَصَوَّرُ فِي الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ لَكَانَ جَوَابًا ا هـ وَقَالَ غَيْرُهُ : إنَّ وُجُوبَ الْإِحْيَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْعِبَادَةِ فَرْضًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْمُتَعَيِّنَ قَدْ يَسْقُطُ بِالْمَنْدُوبِ كَاللَّمْعَةِ الْمُغْفَلَةِ فِي الْوُضُوءِ تُغْسَلُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ ، وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يَحْصُلُ بِجُلُوسِ الِاسْتِرَاحَةِ وَإِذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ بِفِعْلِ الْمَنْدُوبِ فَفَرْضُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى وَلِهَذَا تَسْقُطُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ فس
( وَعَلَى الْمُوسِرِ إذَا اخْتَلَّ بَيْتُ الْمَالِ ) وَلَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ بِسَدِّ حَاجَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالذِّمِّيِّينَ وَالْمُسْتَأْمَنِينَ ( الْمُوَاسَاةُ ) لَهُمْ ( بِإِطْعَامِ الْجَائِعِ وَسَتْرِ الْعَارِي ) مِنْهُمْ وَنَحْوِهِمَا ( بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ سَنَةً ) لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ } وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْعَارِي أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْعَوْرَةِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهَلْ يَكْفِي سَدُّ الضَّرُورَةِ أَمْ يَجِبُ تَمَامُ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ ، فِيهِ وَجْهَانِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُضْطَرُّ الْمَيْتَةَ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُوَاسَاةِ بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ ذَكَرَ فِي الْأَطْعِمَةِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ يَجِبُ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُهُ فِي ثَانِي الْحَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فَإِنَّ ذَاكَ فِي الْمُضْطَرِّ وَهَذَا فِي الْمُحْتَاجِ غَيْرِ الْمُضْطَرِّ .
( قَوْلُهُ : إذَا اخْتَلَّ بَيْتُ الْمَالِ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَالٌ أَوْ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ إلَخْ ) أَوْ النُّذُورُ أَوْ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ ( قَوْلُهُ : وَالْمُسْتَأْمَنِينَ ) أَيْ وَالْمُعَاهَدِينَ وَصُورَةُ أَخْذِ الْكُفَّارِ مِنْهَا أَنْ يَكُونُوا مُسْتَأْجَرِينَ لِلْعَمَلِ فِيهَا ( قَوْلُهُ : بِمَا زَادَ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ ) وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْعُمُرَ الْغَالِبَ فِي الزَّكَاةِ وَكَتَبَ شَيْخُنَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِطْعَامِ الْمُضْطَرِّينَ فَلَا يُعْتَبَرُ سَنَةً بَلْ يَكْفِي مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ الْحَالِيَّةِ ( قَوْلُهُ : تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ ) وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالْأَصَحُّ الثَّانِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ الْأَطْعِمَةِ وَاضِحٌ
( وَمِنْهَا ) أَيْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ ( الصِّنَاعَاتُ وَالْحِرَفُ ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْحِرَاثَةِ وَالْحِجَامَةِ وَالْكَنْسِ ( لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهَا ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا وَالْحِرَفُ الصِّنَاعَاتُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَعَطَفَهَا عَلَيْهَا كَعَطْفِ رَحْمَةٌ عَلَى صَلَوَاتٌ فِي قَوْله تَعَالَى { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ الصِّنَاعَاتُ هِيَ الْمُعَالَجَاتُ كَالْخِيَاطَةِ وَالنِّجَارَةِ وَالْحِرَفِ وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ فَتُطْلَقُ عُرْفًا عَلَى مَنْ يَتَّخِذُ صُنَّاعًا وَيَدِلُّ بِهِمْ وَلَا يَعْمَلُ فَهِيَ أَعَمُّ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْهَا الصِّنَاعَاتُ وَالْحِرَفُ ) وَعَلَيْهِ حَمْلُ حَدِيثِ { اخْتِلَافُ أُمَّتِي رَحْمَةٌ لِلنَّاسِ }
( وَمِنْهَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَاتِ وَأَدَاؤُهَا وَإِعَانَةُ الْقُضَاةِ ) عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا .
( قَوْلُهُ : وَمِنْهَا تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ ) يُشْتَرَطُ لِكَوْنِ تُحْمَلُ الشَّهَادَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ حُضُورُ الْمُتَحَمِّلِ فَإِنْ دُعِيَ لَهُ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي قَاضِيًا أَوْ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ
( فَصْلٌ ) ( الْقِيَامُ بِعُلُومِ الشَّرْعِ ) مِنْ تَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ وَفِقْهٍ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْوَصِيَّةِ ( وَالِانْتِهَاءُ فِيهَا إلَى دَرَجَةِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءِ ) كَمَا سَيَأْتِي فِي أَدَبِ الْقُضَاةِ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لِمَا مَرَّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ } ( وَذَلِكَ ) أَيْ الْقِيَامُ بِمَا ذُكِرَ وَاجِبٌ ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ حُرٍّ ذَكَرٍ وَاجِدٍ لِلْقُوتِ ) وَلِسَائِرِ مَا يَكْفِيه ( لَيْسَ بِبَلِيدٍ ) فَلَا يَجِبُ عَلَى أَضْدَادِهِمْ .
( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ ) وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ } الْآيَةَ وَلِخَبَرِ { النَّفَقَةُ فِي الدِّينِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ } رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ { طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ }
( وَفِي ) سُقُوطِ ذَلِكَ بِقِيَامِ ( الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ ) بِهِ ( تَرَدُّدٌ ) أَيْ وَجْهَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلْفَتْوَى دُونَ الْقَضَاءِ وَالْأَوْجَهُ السُّقُوطُ مِنْ حَيْثُ الْفَتْوَى .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ السُّقُوطُ مِنْ حَيْثُ الْفَتْوَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَا يُسْتَغْنَى عَنْ الْفَقِيهِ الْمُفْتِي بِالْقَاضِي الْمَنْصُوبِ فِي النَّاحِيَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَرَاجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّدَاعِي وَالتَّنَازُعِ وَالْفَقِيهُ يَرْجِعُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ الْعَارِضَةِ لَهُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ عِلْمُهُ
( وَيَلْزَمُ ) ذَلِكَ ( الْفَاسِقَ ) كَغَيْرِهِ ( وَلَا يَسْقُطُ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فَتْوَاهُ وَلَا قَضَاؤُهُ .
( وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِلْمُ الْكَلَامِ ) أَيْ تَعَلُّمُهُ ( لِرَدِّ الْمُبْتَدِعَةِ ) وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِهِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ بَقِيَ النَّاسُ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي صَفْوَةِ الْإِسْلَامِ لَمَا أَوْجَبْنَا الِاشْتِغَالَ بِهِ كَمَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ الصَّحَابَةُ .
( قَوْلُهُ : مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَغُّلِ فِيهِ ) أَوْ عَلَى التَّعَصُّبِ فِي الدِّينِ وَالْقَاصِرِ عَنْ تَحْصِيلِ الْيَقِينِ وَالْقَاصِدِ إلَى إفْسَادِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ وَالْخَائِضِ فِيمَا لَا يُفْتَقَرُ إلَيْهِ مِنْ غَوَامِضِ الْمُتَفَلْسِفِينَ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْمَنْعُ مِمَّا هُوَ أَصْلُ الْوَاجِبَاتِ وَأَسَاسُ الْمَشْرُوعَاتِ
( وَيَتَعَيَّنُ ) عَلَى الْمُكَلَّفِ ( السَّعْيُ فِي إزَالَةِ شُبْهَةٍ أَوْرَثَهَا ) أَيْ أَدْخَلَهَا ( بِقَلْبِهِ ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَدِلَّةَ الْمَعْقُولِ .
( وَمِنْهَا الطِّبُّ ) الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمُعَالَجَةِ الْأَبَدَانِ ( وَالْحِسَابُ ) الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ ( لِقِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ ) وَالْوَصَايَا وَلِلْمُعَامَلَاتِ ( وَأُصُولُ الْفِقْهِ وَالنَّحْوُ وَاللُّغَةُ وَالتَّصْرِيفُ وَأَسْمَاءُ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ وَاخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَاتِّفَاقُهُمْ وَالتَّعْلِيمُ ) لِمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ ( وَالْإِفْتَاءُ ) وَقَوْلُهُ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ ) لَا حَاجَةَ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ) هُوَ خَبَرٌ ( قَوْلُهُ وَالتَّعْلِيمُ وَالْإِفْتَاءُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا فَرْضُ كِفَايَةٍ
( فَإِنْ اُحْتِيجَ فِي التَّعْلِيمِ إلَى جَمَاعَةٍ لَزِمَهُمْ ) .
( وَيَجِبُ لِكُلِّ مَسَافَةِ قَصْرٍ مُفْتٍ ) لِئَلَّا يَحْتَاجَ الْمُسْتَفْتِي إلَى قَطْعِهَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَنْ قَاضٍ بِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَتَكَرُّرِهَا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مِنْ كَثِيرِينَ بِخِلَافِ الِاسْتِفْتَاءِ فِي الْوَاقِعَاتِ .
( وَلَوْ لَمْ يُفْتِ ) الْمُفْتِي ( وَهُنَاكَ مَنْ يُفْتِي ) وَهُوَ عَدْلٌ ( لَمْ يَأْثَمْ ) فَلَا يَلْزَمُ الْإِفْتَاءُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعَلِّمُ كَذَلِكَ انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ نَظِيرِهِ مِنْ أَوْلِيَاءِ النِّكَاحِ وَالشُّهُودِ بِأَنَّ اللُّزُومَ هُنَا فِيهِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ بِكَثْرَةِ الْوَقَائِعِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُسْتَحَبُّ الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالْمُسْتَفْتِي .
( وَيَتَعَيَّنُ مِنْ ظَوَاهِرِ الْعُلُومِ ) الَّتِي يَجِبُ تَعَلُّمُهَا ( لَا دَقَائِقُهَا ) تَعَلُّمَ ( مَا يُحْتَاجُ ) إلَيْهِ ( لِإِقَامَةِ فَرَائِضِ الدِّينِ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَشُرُوطِهِمَا ) ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَعْلَمُهَا لَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ لَا دَقَائِقُهَا مَرْفُوعٌ عَطْفًا عَلَى مِنْ ظَوَاهِرَ أَوْ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى ظَوَاهِرِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ تَعَلُّمُ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الدَّقَائِقِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي لَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى .
( وَ ) إنَّمَا ( يَجِبُ تَعَلُّمُهُ ) أَيْ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ ( بَعْدَ الْوُجُوبِ ) لَهَا ( وَكَذَا قَبْلَهُ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ تَعَلُّمِهِ ( بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَعَ الْفِعْلِ ) كَمَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَلَى مَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ ( وَ ) كَأَرْكَانِ وَشُرُوطِ ( الْحَجِّ وَتَعَلُّمِهِ ) أَيْ الْحَجِّ أَيْ أَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ ( عَلَى التَّرَاخِي ) كَالْحَجِّ ( وَ ) كَأَرْكَانِ وَشُرُوطِ ( الزَّكَاةِ إنْ مَلَكَ مَالًا ) فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ ظَاهِرِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهَا ( وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ سَاعٍ ) يَكْفِيه الْأَمْرَ إذْ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ السَّاعِي ( وَأَحْكَامُ ) أَيْ وَكَأَحْكَامِ ( الْبَيْعِ وَالْقِرَاضِ إنْ تَاجَرَ ) أَيْ إنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ وَيُتَاجِرَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ بَيْعَ الْخُبْزِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزِ الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَلَا بِدَقِيقِهِ وَعَلَى مَنْ يُرِيدُ الصَّرْفَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
( وَتَعَلُّمُ دَوَاءِ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ ) وَحُدُودِهَا وَأَسْبَابِهَا ( كَالْحَسَدِ وَالرِّيَاءِ ) فَإِنْ رُزِقَ شَخْصٌ قَلْبًا سَلِيمًا مِنْهَا كَفَاهُ ذَلِكَ .
( وَ ) يَتَعَيَّنُ ( اعْتِقَادُ مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ) .
( وَأَمَّا عِلْمُ ) أَيْ تَعَلُّمُ عِلْمِ ( الْفَلْسَفَةِ وَالشَّعْبَذَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَالرَّمَلِ وَعِلْمِ الطَّبَائِعِيِّينَ وَالسِّحْرِ فَحَرَامٌ ) .
( وَالشِّعْرُ ) أَيْ تَعَلُّمُهُ ( مُبَاحٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُخْفٌ أَوْ حَثٌّ عَلَى شَرٍّ وَإِنْ حَثَّ عَلَى الْغَزَلِ وَالْبَطَالَةِ كُرِهَ ) .
( فَرْعٌ يَأْثَمُ بِتَعْطِيلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ ) كُلُّ ( مَنْ عَلِمَ ) بِتَعْطِيلِهِ ( وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَإِنْ بَعُدَ ) عَنْ الْمَحَلِّ ( وَكَذَا ) يَأْثَمُ ( قَرِيبٌ ) مِنْهُ ( لَمْ يَعْلَمْ ) بِهِ ( لِتَقْصِيرِهِ فِي الْبَحْثِ ) عَنْهُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِكِبَرِ الْبَلَدِ وَصِغَرِهِ .
( وَإِنْ قَامَ بِهِ الْجَمِيعُ فَكُلُّهُمْ مُؤَدٍّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ وَإِنْ تَرَتَّبُوا ) فِي أَدَائِهِ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ وَالثَّوَابُ وَالْإِثْمُ إنْ تَعَطَّلَ الْفَرْضُ .
( وَلِلْقَائِمِ بِهِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْقَائِمِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ ) وَصَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْإِمَامُ وَأَبُوهُ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ فَرْضِ الْعَيْنِ ( لِأَنَّ ذَلِكَ ) أَيْ الْقَائِمَ بِفَرْضِ الْعَيْنِ ( أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ نَفْسِهِ وَهَذَا ) أَيْ الْقَائِمُ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ ( أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْهُ وَعَنْ الْأُمَّةِ ) وَلِأَنَّ ذَاكَ لَوْ تَرَكَ الْفَرْضَ اخْتَصَّ بِالْإِثْمِ وَهَذَا لَوْ تَرَكَهُ أَثِمَ الْجَمِيعُ وَلَا يَسْتَبْعِدُ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الْوَاجِبِ فَلَا يَبْعُدُ تَفْضِيلُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ لِمَا ذُكِرَ .
قَوْلُهُ : وَصَرَّحَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ وَالْإِمَامُ وَأَبُوهُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ فَرَضَ الْعَيْنَ لِأَنَّ ذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَالْمُتَبَادِرُ إلَى الْأَذْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ لِشِدَّةِ اعْتِنَاءِ الشَّارِعِ بِهِ بِقَصْدِهِ حُصُولَهُ مِنْ كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي الْأَغْلَبِ وَلِمُعَارَضَةِ هَذَا الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى النَّظَرِ بِقَوْلِهِ زَعَمَهُ .
ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالُوا : إنَّ قَطْعَ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَحْسُنُ تَرْكُهُ فَرْضَ الْعَيْنِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّوَافِ ، وَنَصُّ الْأُمِّ إنْ كَانَ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَحْبَبْت أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ ثُمَّ يَعُودَ إلَى طَوَافِهِ وَيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الْوِتْرِ أَوْ سُنَّةَ الْفَجْرِ أَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ فَلَا أُحِبُّ تَرْكَ الطَّوَافِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَقْطَعَ فَرْضًا لِنَفْلٍ أَوْ فَرْضَ كِفَايَةٍ ا هـ وَهَذَا التَّعْلِيلُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ أَفْضَلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَرْضَ الْمُتَعَيِّنَ عَلَيْهِ وَيَشْتَغِلَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكُلُّ هَذَا يَرُدُّ إطْلَاقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ إسْقَاطِهِ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ وَالْعَمَلُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ وَمِنْ
هَذَا لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَاهُمَا لِأَنَّ رِضَاهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ ، وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ الْعَيْنِ مُقَدَّمٌ ا هـ .
وَكَتَبَ أَيْضًا وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْكُسُوفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ لَا لِلْأَفْضَلِيَّةِ بِدَلِيلِ تَقْدِيمِ الْجِنَازَةِ إذَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ إنْقَاذِ الْغَرِيقِ عَلَى الصِّيَامِ فِي صَائِمٍ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ إلَّا بِالْإِفْطَارِ إنَّمَا هُوَ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ وَلَا دَلَالَةَ فِي التَّقْدِيمِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ إذْ تُقَدَّمُ السُّنَّةُ عَلَى الْفَرْضِ لِخَوْفِ الْفَوَاتِ كَالْكُسُوفِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ الْمُتَّسَعَةِ الْوَقْتَ إذَا خِيفَ الِانْجِلَاءُ ا هـ وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِ لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ إنَّ فُرُوضَ الْأَعْيَانِ أَفْضَلُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
( فَصْلٌ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ ) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ( حَتَّى عَلَى الصَّبِيِّ سُنَّةُ ) عَيْنٍ إنْ كَانَ الْمُسْلِمُ وَاحِدًا وَسُنَّةُ ( كِفَايَةٍ ) إنْ كَانَ جَمَاعَةً أَمَّا كَوْنُهُ سُنَّةً فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } أَيْ لِيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ { لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } وَلِلْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا كَوْنُهُ كِفَايَةً فَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ } وَلِخَبَرِ { إذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْقَوْمِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ } رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَلِأَنَّ مَا قُصِدَ بِهِ الْأَمَانُ حَاصِلٌ بِسَلَامِ الْوَاحِدِ .
( فَصْلُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ ) ( قَوْلُهُ : وَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ) أَيْ فَلَا يُسَنُّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى عَلَى الصَّبِيِّ ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَضِيئًا يُخْشَى مِنْهُ الِافْتِتَانُ كَالشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ( قَوْلُهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ ) أَيْ مُؤَكَّدَةٌ ( قَوْلُهُ { حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا } ) أَيْ تَسْتَأْذِنُوا كَمَا قُرِئَ بِهِ
( وَرَدُّهُ وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُ صَبِيًّا فَرْضُ ) عَيْنٍ إنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا مُكَلَّفًا وَفَرْضُ ( كِفَايَةٍ ) إنْ كَانَ جَمَاعَةً أَمَّا كَوْنُهُ فَرْضًا فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } وَأَمَّا كَوْنُهُ كِفَايَةً فَلِمَا مَرَّ هَذَا إذَا سُنَّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَإِنْ كُرِهَتْ صِيغَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي فَإِنْ لَمْ يُسَنَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ لَمْ يَجِبْ الرَّدُّ قَالَ الْحَلِيمِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ الرَّدُّ فَرْضًا وَالِابْتِدَاءُ سُنَّةً ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّلَامِ أَمَانٌ وَدُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَكُلُّ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا آمَنُ مِنْ الْآخَرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ آمِنًا مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ لِئَلَّا يَخَافَهُ .
قَوْلُهُ : وَرَدَّهُ ) أَيْ إذَا سَلَّمَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ ( قَوْلُهُ : فَرْضُ عَيْنٍ إنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا ) قَالَ فِي الْخَادِمِ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَا إذَا سَلَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْقَاضِي وَلَمْ يُسَلِّمْ الْآخَرُ فَقَضِيَّةُ مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَقْضِيَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهُ وَإِنَّمَا يُجِيبُهُ إذَا سَلَّمَ الْآخَرُ ( قَوْلُهُ : وَفَرْضُ كِفَايَةٍ ) حُكْمُ الرَّدِّ خَالَفَ غَيْرَهُ مِنْ الْفُرُوضِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ شَأْنَ الْفَرْضِ تَفْضِيلُهُ عَلَى السُّنَّةِ وَهَاهُنَا الِابْتِدَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالثَّانِي إنَّ شَأْنَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ إذَا فَعَلَهُ جَمْعٌ ثُمَّ آخَرُونَ كَانَ فِعْلُ الثَّانِي تَطَوُّعًا وَهَاهُنَا يُثَابُ الْجَمِيعُ ثَوَابَ الْفَرْضِ وَلَوْ فَعَلُوهُ عَلَى التَّعَاقُبِ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ( قَوْلُهُ : إنْ كَانَ جَمَاعَةً ) فَلَوْ رَدَّ كُلٌّ مِنْهُمْ وَقَعَ فَرْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ أَصْلَ السَّلَامِ أَمَانٌ إلَخْ ) وَلِأَنَّ الِامْتِنَاعَ عَنْ الرَّدِّ إهَانَةٌ لِلْمُسْلِمِ وَاسْتِخْفَافٌ بِهِ وَإِنَّهُ حَرَامٌ
( وَشَرْطُهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ ( إسْمَاعٌ ) لَهُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْكُ سُنَّةِ الِابْتِدَاءِ أَوْ وُجُوبُ الرَّدِّ ( وَاتِّصَالٌ ) لِلرَّدِّ بِالِابْتِدَاءِ ( كَاتِّصَالِ الْإِيجَابِ بِالْقَبُولِ ) فِي الْعُقُودِ ، وَالْإِلْزَامُ تَرْكُ وُجُوبِ الرَّدِّ .
( فَإِنْ شَكَّ ) أَحَدُهُمَا ( فِي سَمَاعِهِ ) أَيْ الْآخَرِ ( زَادَ فِي الرَّفْعِ ، فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ نِيَامٌ خَفَضَ صَوْتَهُ ) بِحَيْثُ لَا يَتَيَقَّظُونَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( وَالْقَارِئُ كَغَيْرِهِ ) فِي اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَوُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْوَاحِدِيِّ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ضَعَّفَهُ فِي التِّبْيَانِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ أَمَّا إذَا كَانَ مُشْتَغِلًا بِالدُّعَاءِ مُسْتَغْرِقًا فِيهِ مُجْتَمِعَ الْقَلْبِ عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَالْمُشْتَغِلِ بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَكَّدُ بِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ مَشَقَّةِ الْأَكْلِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِذَا اتَّصَفَ الْقَارِئُ بِذَلِكَ فَهُوَ كَالدَّاعِي بَلْ أَوْلَى لَا سِيَّمَا الْمُسْتَغْرِقُ فِي التَّدَبُّرِ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا بَحَثَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَبِهِ أَجَابَ الْحَنَّاطِيُّ فِي فَتَاوِيهِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَهُوَ كَالدَّاعِي بَلْ أَوْلَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَا سِيَّمَا الْمُسْتَغْرِقُ فِي التَّدَبُّرِ ) وَكَذَا الْمُسْتَغْرِقُ فِي الذِّكْرِ وَنَحْوِهِ
( وَلَا يَكْفِي رَدُّ صَبِيٍّ ) مَعَ وُجُودِ مُكَلَّفٍ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ بِأَنَّ السَّلَامَ أَمَانٌ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ الرَّحْمَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ لِلْمَيِّتِ بِخِلَافِ السَّلَامِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَرَدَّتْ هَلْ يَكْفِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يُشْرَعُ لَهَا الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ فَحَيْثُ شُرِعَ لَهَا كَفَى جَوَابُهَا وَإِلَّا فَلَا وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَكْفِي رَدُّ صَبِيٍّ ) أَيْ أَوْ مَجْنُونٍ ( قَوْلُهُ : وَيُفَارِقُ نَظِيرَهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إلَخْ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ سُنِّيَّةَ ابْتِدَاءِ السَّلَامِ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْجَمَاعَةِ بِسَلَامِ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ( قَوْلُهُ : فَحَيْثُ شَرَعَ لَهَا كَفَى جَوَابُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا ) يَكْفِي رَدُّ ( غَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَيْهِمْ ) بَلْ يَلْزَمُهُمْ الرَّدُّ .
( قَوْلُهُ : بَلْ يَلْزَمُهُمْ الرَّدُّ ) وَلَوْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ كَفَى فَلَوْ رَدَّ غَيْرُهُ بَعْدَ رَدِّهِ وَقَعَ فَرْضًا أَيْضًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخِ إبْرَاهِيمَ الْمَرُّوذِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ
( وَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ عَلَى مَنْ رَدَّ ) السَّلَامَ ( عَلَى أَصَمَّ ) لِيَحْصُلَ بِهِ الْإِفْهَامُ وَيَسْقُطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَوَابِ ( وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْأَصَمِّ ( جَمَعَ بَيْنَهُمَا ) أَيْضًا لِيَحْصُلَ بِهِ الْإِفْهَامُ وَيَسْتَحِقَّ الْجَوَابَ ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالنَّظَرِ إلَى فَمِهِ لَمْ تَجِبْ الْإِشَارَةُ وَهُوَ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ إنْ عُلِمَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَائِدَةٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَسَائِلُ السَّلَامِ تَحْتَمِلُ مُجَلَّدَةً
( وَتُجْزِئُ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا ) ؛ لِأَنَّ إشَارَتَهُ بِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعِبَارَةِ .
( وَصِيغَتُهُ ) أَيْ السَّلَامِ ( ابْتِدَاءُ السَّلَامُ ) عَلَيْكُمْ ( أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَإِنْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيمٌ ( وَكُرِهَ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيَجِبُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ : لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَك أَنْ تَقُولَ إذَا كُرِهَ الِابْتِدَاءُ بِذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ الْمُسَلِّمُ جَوَابًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَكَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامٌ أَمَّا لَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَيْسَ بِسَلَامٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْمُتَوَلِّي .
( قَوْلُهُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامُ عَلَيْكُمْ ) بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ خِلَافًا فِي حُصُولِ التَّحَلُّلِ مِنْ الصَّلَاةِ بِهَا وَعَلَّلَ الْأَجْزَاءَ بِأَنَّ تَرْكَ التَّنْوِينِ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ فِي الْأَذْكَارِ عَنْ الْمُتَوَلِّي ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيُسَنُّ صِيغَةُ الْجَمْعِ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا أَمْ جَمَاعَةً لَكِنَّ الشِّقَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا يَأْتِي فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَ مُطْلَقًا فِي الْوَاحِدِ ( وَيَجُوزُ ) أَيْ يَكْفِي ( الْإِفْرَادُ لِلْوَاحِدِ ) وَيَكُونُ آتِيًا بِأَصْلِ السُّنَّةِ وَالْأَوْلَى مُرَاعَاةُ صِيغَةِ الْجَمْعِ مَعَهُ لِيَحْصُلَ بِهَا التَّعْظِيمُ أَمَّا الْإِفْرَادُ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يَكْفِي وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّقْيِيدِ بِالْوَاحِدِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ فِي صِيغَةِ الرَّدِّ .
( وَالْإِشَارَةُ بِهِ ) بِيَدٍ أَوْ نَحْوِهَا بِلَا لَفْظِ ( خِلَافُ الْأَوْلَى ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَلَا يَجِبُ لَهَا رَدٌّ .
( وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّفْظِ أَفْضَلُ ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى اللَّفْظِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَبَرُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ أَبَا دَاوُد رَوَاهُ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ { فَسَلَّمَ عَلَيْنَا } .
( وَصِيغَتُهُ رَدًّا وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ وَعَلَيْك السَّلَامُ لِلْوَاحِدِ ( وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْوَاوَ ) فَقَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَإِنْ كَانَ ذِكْرُهَا أَفْضَلَ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ ( فَإِنْ عَكَسَ ) فِيهِمَا فَقَالَ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ( جَازَ ) وَكَفَى ( فَإِنْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ وَسَكَتَ ) عَنْ السَّلَامِ ( لَمْ يَجُزْ ) إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلسَّلَامِ وَقِيلَ يُجْزِئُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَدْ يُقَالُ يُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ ذِمِّيٌّ لَمْ يَزِدْ فِي الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ ثَمَّ السَّلَامُ عَلَى الذِّمِّيِّ بَلْ الْغَرَضُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ .
( وَهُوَ ) أَيْ السَّلَامُ ابْتِدَاءً وَرَدًّا ( بِالتَّعْرِيفِ أَفْضَلُ ) مِنْهُ بِالتَّنْكِيرِ فَيَكْفِي سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْكُمْ سَلَامٌ وَإِنْ كَانَا مَفْضُولَيْنِ .
( وَزِيَادَةُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ) عَلَى السَّلَامِ ( ابْتِدَاءً وَرَدًّا أَكْمَلُ ) مِنْ تَرْكِهَا وَجَاءَ فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ .
( وَإِنْ سَلَّمَ كُلٌّ ) مِنْ اثْنَيْنِ تَلَاقِيًا ( عَلَى الْآخَرِ مَعًا لَزِمَ كُلًّا ) مِنْهُمَا ( الرَّدُّ ) عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ بِالسَّلَامِ ( أَوْ مُرَتَّبًا كَفَى الثَّانِي سَلَامُهُ رَدًّا ) نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ صَرَفَهُ عَنْ الْجَوَابِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِكَفَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ بِغَيْرِ سَلَامِهِ .
قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ صَرَفَهُ عَنْ الْجَوَابِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الِابْتِدَاءَ وَالرَّدَّ فَكَذَلِكَ فَيَجِبُ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى مَنْ سَلَّمَ أَوَّلًا
( وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَفَاهُ ) أَنْ يَقُولَ ( وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ بِقَصْدِهِمْ ) أَيْ بِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَكْفِهِ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ ) دَفْعَةً أَوْ مُرَتِّبًا وَلَمْ يُطِلْ الْفَصْلَ بَيْنَ سَلَامِ الْأَوَّلِ وَالْجَوَابِ ( قَوْلُهُ : كَفَاهُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ ) قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا إذَا سَلَّمُوا دَفْعَةً أَمَّا لَوْ سَلَّمُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكَانُوا كَثِيرِينَ فَلَا يَحْصُلُ الرَّدُّ لِكُلِّهِمْ إذْ قَدْ مَرَّ أَنَّ شَرْطَ حُصُولِ الرَّدِّ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْفَوْرِ قَالَ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ غَيْرُهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَيْ بِقَصْدِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ) أَوْ بِقَصْدِ الرَّدِّ فَقَطْ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيُسَلِّمُ ) نَدْبًا ( الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْوَاقِفِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَ ) الْجَمْعُ ( الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فِي ) حَالِ ( التَّلَاقِي ) فِي طَرِيقٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالسَّلَامِ الْأَمَانُ وَالْمَاشِي يَخَافُ الرَّاكِبَ وَالْوَاقِفُ يَخَافُ الْمَاشِي فَأَمَرَ بِالِابْتِدَاءِ لِيَحْصُلَ مِنْهُمَا الْأَمْنُ وَلِلْكَبِيرِ وَالْكَثِيرِ زِيَادَةُ مَرْتَبَةٍ فَأَمَرَ الصَّغِيرَ وَالْقَلِيلَ بِالِابْتِدَاءِ تَأَدُّبًا فَلَوْ تَلَاقَى مَاشٍ وَكَثِيرُ رَاكِبٍ تَعَارَضَا .
( قَوْلُهُ : عَلَى الْوَاقِفِ ) أَيْ وَالْقَاعِدِ
( وَإِنْ عُكِسَ ) بِأَنْ سَلَّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ وَالْوَاقِفُ عَلَى الْمَاشِي وَالْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ ( لَمْ يُكْرَهْ ) وَإِنْ كَانَ خِلَافَ السُّنَّةِ ، وَذِكْرُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي سَلَامِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ .
( وَكُلُّهُمْ يُسَلِّمُ ) فِيمَا إذَا وَرَدُوا عَلَى قَاعِدٍ ( عَلَى الْقَاعِدِ مُطْلَقًا ) عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ ثُمَّ هَذَا الْأَدَبُ فِيمَا إذَا تَلَاقَيَا أَوْ تَلَاقَوْا فِي طَرِيقٍ فَأَمَّا إذَا وَرَدُوا عَلَى قَاعِدٍ أَوْ عَلَى قُعُودٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا انْتَهَى وَكَالْقَاعِدِ الْوَاقِفُ وَالْمُضْطَجِعُ .
( وَيُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ ) مِنْ الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْمُؤَانَسَةُ وَالْأُلْفَةُ وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إيحَاشُ الْبَاقِينَ وَرُبَّمَا صَارَ سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ .
( فَرْعٌ وَيُسَنُّ ) السَّلَامُ ( لِلنِّسَاءِ ) مَعَ بَعْضِهِنَّ وَغَيْرِهِنَّ ( لَا مَعَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ ) أَفْرَادًا وَجَمْعًا .
( قَوْلُهُ لَا مَعَ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا زَوْجِيَّةٌ وَلَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا تَكُونُ أَمَتَهُ وَلَا سَيِّدَتَهُ
( فَيَحْرُمُ ) السَّلَامُ عَلَيْهِمْ ( مِنْ الشَّابَّةِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا ) خَوْفَ الْفِتْنَةِ ( وَيُكْرَهَانِ ) أَيْ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ ( عَلَيْهَا ) نَعَمْ لَا يُكْرَهُ سَلَامُ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ مِنْ الرِّجَالِ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ وَذِكْرُ حُرْمَةِ وَكَرَاهَةِ ابْتِدَائِهَا بِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ .
( قَوْلُهُ : وَيُكْرَهَانِ عَلَيْهَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَخْشَ الْفِتْنَةَ وَإِلَّا فَيَحْرُمَانِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى مَعَ الْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ مَعَهَا وَمَعَ الرَّجُلِ كَالْمَرْأَةِ مَعَهُ ش ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً ) ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( لَا عَلَى جَمْعِ نِسْوَةٍ أَوْ عَجُوزٍ ) أَيْ لَا يُكْرَهُ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ عَلَيْهِنَّ لِانْتِفَاءِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ بَلْ يُنْدَبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ مِنْهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَعَكْسُهُ وَيَجِبُ الرَّدُّ لِذَلِكَ وَذِكْرُ الِابْتِدَاءِ مِنْهُنَّ مَا عَدَا الْعَجُوزَ مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُسْتَثْنَى عَبْدُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَمِثْلُهُ كُلُّ مَنْ يُبَاحُ نَظَرُهُ إلَيْهَا كَمَمْسُوحٍ .
( قَوْلُهُ : وَيُسْتَثْنَى عَبْدُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ سَلَّمَ بِالْعَجَمِيَّةِ جَازَ إذَا فَهِمَ ) الْمُخَاطَبُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ ( وَوَجَبَ الرَّدُّ ) ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَلَامًا .
( وَلَا يَبْدَأُ بِهِ ) أَيْ بِالسَّلَامِ ( فَاسِقًا وَ ) لَا ( مُبْتَدِعًا عَلَى الْمُخْتَارِ إلَّا لِعُذْرٍ ) كَخَوْفٍ مِنْ مَفْسَدَةٍ وَالتَّرْجِيحُ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَاسِقِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ الرَّدِّ عَلَى الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَقَدْ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِمَا وَلَا يَرُدَّ عَلَيْهِمَا السَّلَامَ كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُبْدَأُ بِهِ فَاسِقًا ) أَيْ مُتَجَاهِرًا بِفِسْقِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ يَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَفِي وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ ) إذَا سَلَّمَا ( وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّ السَّلَامَ عِبَادَةٌ وَهِيَ لَا تُقْصَدُ مِنْهُمَا .
( قَوْلُهُ : أَصَحُّهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْمَنْعُ ) أَيْ إلَّا أَنْ يُخَافَ مِنْ تَرْكِهِ شَرٌّ فَيَجِبُ دَفْعًا لِلشَّرِّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ عَلَيْهِمَا ا هـ قَالَ فِي الْخَادِمِ جَزَمَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عَلَيْهِمَا
( وَيَحْرُمُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ ) الشَّخْصُ ( ذِمِّيًّا ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ .
( فَإِنْ بَانَ ) مَنْ سَلَّمَ هُوَ عَلَيْهِ ( ذِمِّيًّا فَلْيَقُلْ لَهُ اسْتَرْجَعْت سَلَامِي ) تَحْقِيرًا لَهُ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ و الَّذِي فِي الرَّافِعِيِّ وَالْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِمَا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ : رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي قَالَ فِي الْأَذْكَارِ وَالْغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوحِشَهُ وَيُظْهِرَ لَهُ أَنْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أُلْفَةٌ وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ فَقِيلَ لَهُ : إنَّهُ يَهُودِيٌّ فَتَبِعَهُ وَقَالَ لَهُ : رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي انْتَهَى وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصِّيغَتَيْنِ كَافِيَةٌ .
قَوْلُهُ : وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الصِّيغَتَيْنِ كَافِيَةٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ سَلَّمَ الذِّمِّيُّ ) عَلَى مُسْلِمٍ ( قَالَ لَهُ ) وُجُوبًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ( وَعَلَيْك ) فَقَطْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ } وَرَوَى الْبُخَارِيُّ خَبَرَ { إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُّ عَلَيْك فَقُولُوا وَعَلَيْك } وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ سُفْيَانُ يَرْوِي عَلَيْكُمْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَذَفَهَا صَارَ قَوْلُهُمْ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ وَإِذَا ذَكَرَهَا وَقَعَ الِاشْتِرَاكُ مَعَهُمْ وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمَعْنَى وَنَحْنُ نَدْعُو عَلَيْكُمْ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّا فَسَّرْنَا السَّامَّ بِالْمَوْتِ فَلَا إشْكَالَ لِاشْتِرَاكِ الْخَلْقِ فِيهِ ( وَيَسْتَثْنِيه ) أَيْ الذِّمِّيَّ وُجُوبًا وَلَوْ ( بِقَلْبِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ مُسْلِمِينَ ) وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ مَعَ مُسْلِمٍ كَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ .
( قَوْلُهُ : وَإِذَا سَلَّمَ الذِّمِّيُّ ) وَخَرَجَ بِالذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ وَالْحَرْبِيُّ ( قَوْلُهُ : قَالَ لَهُ وُجُوبًا ) كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِإِيجَابِ الرَّدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ وَجَرَى عَلَى بَحْثِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْك فَقَطْ ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَذْهَبُنَا تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ بِهِ وَوُجُوبُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ أَيْ بِلَفْظِ وَعَلَيْك أَوْ وَعَلَيْكُمْ دُونَ لَفْظِ السَّلَامِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أب
( وَلَا يَبْدَأُ ) الذِّمِّيَّ ( بِتَحِيَّةِ غَيْرِ السَّلَامِ ) أَيْضًا ( إلَّا لِعُذْرٍ ) كَقَوْلِهِ : هَدَاك اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَك أَوْ صُبِّحْت بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لَمْ يَبْدَأْهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْإِكْرَامِ أَصْلًا فَإِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ لَهُ وَإِينَاسٌ وَمُلَاطَفَةٌ وَإِظْهَارُ وُدٍّ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَمَنْهِيُّونَ عَنْ وُدِّهِمْ فَلَا تُظْهِرْهُ قَالَ تَعَالَى { لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَبْدَأُ الذِّمِّيَّ بِتَحِيَّةٍ إلَخْ ) أَيْ يَحْرُمُ وَكَتَبَ أَيْضًا عِبَارَةَ الْأَنْوَارِ وَتَجُوزُ تَحِيَّةُ الذِّمِّيِّ بِغَيْرِ السَّلَامِ
( وَإِنْ كَتَبَ إلَى كَافِرٍ ) كِتَابًا وَأَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ سَلَامًا ( قَالَ ) أَيْ كَتَبَ نَدْبًا { مَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هِرَقْلَ السَّلَامُ عَلَى مِنْ اتَّبَعَ الْهُدَى } .
( وَلَوْ قَامَ عَنْ جَلِيسٍ ) لَهُ ( فَسَلَّمَ ) عَلَيْهِ ( وَجَبَ الرَّدُّ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ مِنْهُ سُنَّةٌ لِخَبَرِ { إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ الرَّدُّ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَمَا صَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ صَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ .
( وَمَنْ دَخَلَ دَارِهِ فَلْيُسَلِّمْ ) نَدْبًا ( عَلَى أَهْلِهِ ) لِخَبَرِ أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا بُنَيَّ إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَسَلِّمْ يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْك وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِك } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
( أَوْ ) دَخَلَ ( مَوْضِعًا خَالِيًا ) عَنْ النَّاسِ ( فَلْيَقُلْ ) نَدْبًا ( السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَقَالَ تَعَالَى { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً } .
( وَيُسَمِّ اللَّهَ ) نَدْبًا ( قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَدْعُو ) بِمَا أَحَبَّ ثُمَّ يُسَلِّمُ بَعْدَ دُخُولِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { إذَا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا ثُمَّ لِيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ } .
( وَلَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ ) أَيْ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّهُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالْغُسْلِ ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ الْأَوَّلَ دُخُولُ مَحَلِّ نَزْعِ الثِّيَابِ ، وَالثَّانِيَ خُرُوجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَالثَّانِي خُرُوجُهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ جَرَى الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الِاغْتِسَالِ وَنَحْوِهِ فَقَطْ وَتَعْلِيلُهُمْ يُرْشِدُ إلَيْهِ
( وَ ) لَا عَلَى مِنْ ( يَقْضِي الْحَاجَةَ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّ مُكَالَمَتَهُ بَعِيدَةٌ عَنْ الْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ .
( أَوْ ) عَلَى مَنْ ( يَأْكُلُ ) وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَالشُّرْبُ كَالْأَكْلِ كَمَا فِي التَّعْلِيقَةِ .
( قَوْلُهُ : وَخَصَّهُ الْإِمَامُ بِحَالَةِ الْمَضْغِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْأَرْجَحُ
( أَوْ ) عَلَى مَنْ ( يُصَلِّيَ ) لِاشْتِغَالِهِ بِالصَّلَاةِ وَفِي مَعْنَاهَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ .
( أَوْ ) عَلَى مَنْ ( يُؤَذِّنُ ) وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ بِحَالَةٍ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ الْقُرْبُ مِنْهُ فِيهَا فَيَدْخُلُ النَّائِمُ وَالنَّاعِسُ وَالْخَطِيبُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ ) أَوْ يَخْطُبُ ( قَوْلُهُ : وَالضَّابِطُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا يَلْزَمُ ) مَنْ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ عَلَيْهِ ( الرَّدُّ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ السَّلَامُ عَلَى مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الرَّدُّ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ بِمَا فِيهِ .
( قَوْلُهُ : كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ بِمَا فِيهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّ هَذَا يَعُمُّ كُلَّ خَطِيبٍ
( وَيَرُدُّ الْمُلَبِّي ) فِي الْإِحْرَامِ ( بِاللَّفْظِ ) عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ ؛ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ انْتَهَى وَرَدُّ الْمُلَبِّي مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِمَا مَرَّ آنِفًا .
( قَوْلُهُ : وَرَدُّ الْمُلَبِّي مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأَمَالِي
( وَيُكْرَهُ ) الرَّدُّ ( لِمَنْ يَبُولُ أَوْ يُجَامِعُ ) أَوْ لِنَحْوِهِمَا كَمَا مَرَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ .
( قَوْلُهُ : وَيُجَامِعُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِ السَّلَامِ عَلَى الْمُجَامِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى وَالتَّخْجِيلِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَالِمٌ بِحَالِهِ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ
( وَيُسَنُّ ) الرَّدُّ ( لِمَنْ يَأْكُلُ أَوْ فِي الْحَمَّامِ ) بِاللَّفْظِ ( وَكَذَا ) يُسَنُّ ( لِلْمُصَلِّي وَنَحْوِهِ ) كَسَاجِدٍ لِتِلَاوَةٍ وَمُؤَذِّنٍ ( بِالْإِشَارَةِ ) وَقَوْلُهُ وَنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَيُسَنُّ إرْسَالُ السَّلَامِ إلَى غَائِبٍ ) عَنْهُ ( بِرَسُولٍ أَوْ كِتَابٍ وَيَجِبُ ) عَلَى الرَّسُولِ ( التَّبْلِيغُ ) لِلْغَائِبِ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ ( وَ ) يَجِبُ عَلَى الْغَائِبِ ( الرَّدُّ ) فَوْرًا بِاللَّفْظِ فِي الرَّسُولِ وَبِهِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ فِي الْكِتَابِ ( وَيُسْتَحَبُّ الرَّدُّ عَلَى الْمُبَلِّغِ أَيْضًا ) فَيَقُولُ وَعَلَيْهِ وَعَلَيْك السَّلَامُ .
( وَ ) يُسْتَحَبُّ ( أَنْ يَحْرِصَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَلَاقِيَيْنِ عَلَى الْبُدَاءَةِ ) بِالسَّلَامِ لَخَبَرِ { أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ } .
( وَ ) أَنْ ( يَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ التَّلَاقِي ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ { أَنَّهُ جَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ : ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } وَرَوَى أَبُو دَاوُد خَبَرًا { إذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ } وَخَرَجَ بِتَكَرُّرِ التَّلَاقِي مَا إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اتَّحِدَ مَجْلِسُ سَلَامٍ بِأَنْ سَلَّمَ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ فِيهِ ثَانِيًا فَلَا يُسْتَحَبُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيِّ .
( وَأَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الْكَلَامِ ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا خَبَرُ السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ فَضَعِيفٌ .
( وَإِنْ كَانَ ) مَارًّا ( فِي سُوقٍ أَوْ جَمْعٍ لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ ) الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ ( سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَلِيه ) فَقَطْ ( أَوَّلًا ) أَيْ أَوَّلَ مُلَاقَاتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْجَمِيعِ تَعَطَّلَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَخَرَجَ بِهِ عَنْ الْعُرْفِ وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى مَنْ يَلِيه كَانَ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَهُ وَيَدْخُلُ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ .
( فَإِنْ ) جَلَسَ إلَى مَنْ سَمِعَهُ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ .
وَإِنْ ( تَخَطَّى وَجَلَسَ إلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ) سَلَامَهُ ( سَلَّمَ ثَانِيًا وَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ ) لِلرَّدِّ ( عَنْ الْأَوَّلِينَ بِرَدِّ الْآخَرِينَ ) .
( وَلَا يَتْرُكُ السَّلَامَ خَوْفَ عَدَمِ الرَّدِّ ) عَلَيْهِ لِتَكَبُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ الْمَارُّ أَنْ يُسَلِّمَ لَا أَنْ يَحْصُلَ الرَّدُّ مَعَ أَنَّ الْمُرُورَ بِهِ قَدْ يُرَدُّ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ وَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ الرَّدُّ فَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُحَلِّلَهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَقُولُ : أَبْرَأْته مِنْ حَقِّي فِي رَدِّ السَّلَامِ أَوْ جَعَلْتُهُ فِي حِلٍّ مِنْهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ رَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ فَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ لِيَسْقُطَ عَنْك الْفَرْضُ .
( وَالتَّحِيَّةُ ) مِنْ الْمَارِّ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِ ( بِنَحْوِ صَبَّحَك اللَّهُ بِالْخَيْرِ ) أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ قَوَّاك اللَّهُ أَوْ طَابَ حَمَّامُك أَوْ غَيْرُهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُرْفِ ( لَا أَصْلَ لَهَا ) إذْ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ ( وَلَا جَوَابَ ) لِقَائِلِهَا عَلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ ( فَإِنْ أَجَابَهُ بِالدُّعَاءِ فَحَسَنٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ ) لِتَرْكِهِ السَّلَامَ فَتَرْكُ الدُّعَاءِ لَهُ حَسَنٌ .
( وَأَمَّا الطَّلْبَقَةُ ) أَيْ التَّحِيَّةُ بِهَا وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك ( فَقِيلَ بِكَرَاهَتِهَا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ أَوْ الْعِلْمِ أَوْ مِنْ وُلَاةِ الْعَدْلِ فَالدُّعَاءُ لَهُ بِذَلِكَ قُرْبَةٌ وَإِلَّا فَمَكْرُوهٌ بَلْ حَرَامٌ وَكَلَامُ ابْنِ أَبِي الدَّمِ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ .
قَوْلُهُ : بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَحَنْيُ الظَّهْرِ مَكْرُوهٌ ) لِخَبَرِ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ وَصَلَاحٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ مِنْ جَوَازِ الِانْحِنَاءِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِلْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ .
( قَوْلُهُ : وَحَنْيُ الظَّهْرِ مَكْرُوهٌ ) قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَنْكِيسُ الرُّءُوسِ إنْ انْتَهَى إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ فَلَا يُفْعَلُ كَالسُّجُودِ وَلَا بَأْسَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ لِمَنْ يُكْرِمُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ لَا يَجُوزُ الرُّكُوعُ
( وَالْقِيَامُ لِلدَّاخِلِ مُسْتَحَبٌّ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ ) أَوْ شَرَفٍ ( أَوْ وِلَادَةٍ ) أَوْ رَحِمٍ ( أَوْ وِلَايَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِصِيَانَةٍ ) أَوْ نَحْوِهَا وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ ( لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ ) وَالِاحْتِرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَلْ يَظْهَرُ وُجُوبُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ دَفْعًا لِلْعَدَاوَةِ وَالتَّقَاطُعِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ .
( وَيَحْرُمُ ) عَلَى الدَّاخِلِ ( مَحَبَّةُ الْقِيَامِ لَهُ ) فَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ { مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } وَالْمُرَادُ بِتَمَثُّلِهِمْ لَهُ قِيَامًا أَنْ يَقْعُدَ وَيَسْتَمِرُّوا قِيَامًا لَهُ كَعَادَةِ الْجَبَابِرَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَمِثْلُهُ حُبُّ الْقِيَامِ لَهُ تَفَاخُرًا وَتَطَاوُلًا عَلَى الْأَقْرَانِ أَمَّا مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ إكْرَامًا لَهُ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَتَّجِهُ تَحْرِيمُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارًا فِي هَذَا الزَّمَنِ لِتَحْصِيلِ الْمَوَدَّةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ .
( وَتَقْبِيلُ الْيَدِ لِزُهْدٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ ) كِبَرِ ( سِنٍّ ) أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَشَرَفٍ وَصِيَانَةٍ ( مُسْتَحَبٌّ ) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ ( وَ ) تَقْبِيلُهَا ( لِدُنْيَا وَثَرْوَةٍ ) وَنَحْوِهِمَا كَشَوْكَةٍ وَوَجَاهَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا مَكْرُوهٌ ( شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ ) .
( وَتَقْبِيلُ خَدِّ طِفْلٍ ) وَلَوْ ( لِغَيْرِهِ لَا يُشْتَهَى وَ ) سَائِرِ ( أَطْرَافِهِ ) أَيْ تَقْبِيلُ كُلٍّ مِنْهَا ( شَفَقَةً ) وَرَحْمَةً ( مُسْتَحَبٌّ ) لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ أَمَّا تَقْبِيلُهَا بِشَهْوَةٍ فَحَرَامٌ .
( وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ ) لِلتَّبَرُّكِ .
( وَيُسَنُّ تَقْبِيلُ وَجْهِ صَاحِبٍ قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ ) أَوْ نَحْوِهِ ( وَمُعَانَقَتُهُ ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَيُكْرَهُ ) ذَلِكَ ( لِغَيْرِ الْقَادِمِ ) مِنْ سَفَرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَنْيِ الظَّهْرِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ أَمَّا هُوَ فَيَحْرُمُ تَقْبِيلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ كَتَقْبِيلِهِ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْهُ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ صَالِحَيْنِ أَمْ فَاسِقَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا صَالِحًا وَالْآخَرُ فَاسِقًا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الْأَذْكَارِ .
( وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ مَعَ الْبَشَاشَةِ ) بِالْوَجْهِ ( وَالدُّعَاءِ ) بِالْمَغْفِرَةِ وَغَيْرِهَا ( لِلتَّلَاقِي ) فِي الثَّلَاثَةِ لِلْخَبَرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَلِخَبَرِ { مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِخَبَرِ أَنَّ { الْمُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيَا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا بَيْنَهُمَا } وَفِي رِوَايَةٍ { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ تَعَالَى وَاسْتَغْفَرَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا } قَالَ فِي الْأَذْكَارِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ مُصَافَحَةِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَسِّ .
قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَذْكَارِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَا أَصْلَ لَهَا ) أَيْ لِلْمُصَافَحَةِ ( بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَ ) لَكِنْ ( لَا بَأْسَ بِهَا ) فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُصَافَحَةِ ، وَقَدْ حَثَّ الشَّارِعُ عَلَيْهَا .
( وَإِنْ قَصَدَ بَابًا مُغْلَقًا ) لِغَيْرِهِ ( فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ ) عَلَى أَهْلِهِ ( ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ ) فَيَقُولَ وَهُوَ عِنْدَ الْبَابِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ بِدَاخِلِهِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ( فَإِنْ لَمْ يُجَبْ أَعَادَهُ إلَى ثَلَاثٍ ) مِنْ الْمَرَّاتِ ( فَإِنْ أُجِيبَ ) فَذَاكَ ( وَالْأَرْجَحُ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك وَإِلَّا فَارْجِعْ } ( فَإِنْ قِيلَ ) لَهُ بَعْدَ اسْتِئْذَانِهِ بِدَقِّ الْبَابِ أَوْ نَحْوِهِ ( مَنْ أَنْتَ فَلْيَقُلْ ) نَدْبًا ( فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ) أَوْ فُلَانُ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ ( وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ ) أَوْ يَقُولَ الْقَاضِي ك فُلَانٌ أَوْ الشَّيْخُ فُلَانٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ تَبْجِيلًا لَهُ ( لِيُعْرَفَ ) أَيْ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ إلَّا بِهِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَعَتْ إلَيْهِ مَعَ عَدَمِ إرَادَةِ الِافْتِخَارِ ( وَيُكْرَهُ اقْتِصَارُهُ ) فِي التَّعْرِيفِ ( عَلَى ) قَوْلِهِ ( أَنَا أَوْ الْخَادِمُ ) أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِهِ كَالْمُحِبِّ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَقَقْت الْبَابَ فَقَالَ مَنْ ذَا فَقُلْت أَنَا فَقَالَ أَنَا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا } .
( قَوْلُهُ أَيْ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ إلَّا بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَتُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَالْجِيرَانِ ) غَيْرِ الْأَشْرَارِ ( وَالْإِخْوَانِ ) وَالْأَقَارِبِ وَإِكْرَامِهِمْ ( بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ ) عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ فَتَخْتَلِفُ زِيَارَتُهُمْ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ .
( وَ ) تُسَنُّ ( اسْتِزَارَتُهُمْ ) بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ أَنْ يَزُورُوهُ وَأَنْ يُكْثِرُوا زِيَارَتَهُ بِحَيْثُ لَا يَشُقُّ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِجِبْرِيلَ مَا يَمْنَعُك أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ { وَمَا نَتَنَزَّلُ إلَّا بِأَمْرِ رَبِّك } } .
( وَ ) تُسَنُّ ( عِيَادَةُ الْمَرْضَى ) لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ { مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى نَادَاهُ مُنَادٍ بِأَنْ طِبْت وَطَابَ مَمْشَاك وَتَبَوَّأْت مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا } .
( وَأَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ ) أَيْ الَّذِي جَاءَهُ الْعُطَاسُ ( يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ ) أَوْ نَحْوَهُ ( عَلَى وَجْهِهِ وَيَخْفِضَ صَوْتَهُ ) مَا أَمْكَنَ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ خَبَرًا { أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ } ( وَ ) أَنْ ( يَحْمَدَ اللَّهَ ) عَقِبَ عُطَاسِهِ بِأَنْ يَقُولَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ أَحْسَنَ وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ أَفْضَلَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ } .
( وَإِنْ كَانَ ) الْعَاطِسُ ( فِي صَلَاةٍ أَسَرَّ بِهِ ) أَوْ فِي حَالَةِ الْبَوْلِ أَوْ الْجِمَاعِ أَوْ نَحْوِهِمَا حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَتْ الْأُولَى فِي الِاسْتِنْجَاءِ .
( فَإِنْ حَمِدَ ) اللَّهَ ( شُمِّتَ ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ .
فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْعُطَاسُ مُتَوَالِيًا سُنَّ تَشْمِيتُهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ ( إلَى ثَلَاثٍ ) مِنْ الْمَرَّاتِ لِتَكَرُّرِ السَّبَبِ وَفِيهِ خَبَرٌ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ ( ثُمَّ ) إنْ زَادَ عَلَيْهَا ( يُدْعَى لَهُ بِالشِّفَاءِ وَيُذَكَّرُ بِالْحَمْدِ إنْ تَرَكَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْرُوفٍ وَلَا يُشَمِّتُهُ حَتَّى يَسْمَعَ تَحْمِيدَهُ وَأَقَلُّ الْحَمْدِ و التَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ صَاحِبُهُ وَإِذَا قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا آخَرَ غَيْرَ الْحَمْدِ لَمْ يُشَمَّتْ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَشَمِّتُوهُ ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى فَلَا تُشَمِّتُوهُ } صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْعُطَاسُ مُتَوَالِيًا إلَخْ ) لَوْ عَطَسَ مَرَّاتٍ مُتَتَابِعَةً صَبَرَ حَتَّى فَرَغَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ يَقُولُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَتَكْفِيهِ مَرَّةٌ وَلَوْ عَطَسَ عَشْرًا
( فَإِنْ شُمِّتَ قَالَ ) نَدْبًا لِمُشَمِّتِيهِ ( يَهْدِيكُمْ اللَّهُ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ) أَوْ نَحْوِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ و غَيْرِهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي أَنَّ هَذَا سُنَّةٌ ، وَرَدُّ السَّلَامِ وَاجِبٌ أَنَّ التَّشْمِيتَ لِلْعُطَاسِ وَلَا عُطَاسَ بِالْمُشَمِّتِ وَالتَّحِيَّةُ تَشْمَلُ الطَّرَفَيْنِ وَفِي حُصُولِ الْفَرْقِ بِمَا قَالَهُ نَظَرٌ .
( وَالتَّشْمِيتُ ) لِلْمُسْلِمِ ( يَرْحَمُك اللَّهُ ) أَوْ رَبُّك لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد السَّابِقِ وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْآتِي وَ كَيَرْحَمُكَ اللَّهُ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَرَحِمَك اللَّهُ وَرَحِمَكُمْ اللَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْأَذْكَارِ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّشْمِيتُ يَرْحَمُك اللَّهُ ) قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُقَالُ لِلصَّغِيرِ أَصْلَحَك اللَّهُ أَوْ بَارَكَ اللَّهُ فِيك
( وَهُوَ ) أَيْ التَّشْمِيتُ ( سُنَّةُ كِفَايَةٍ ) كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ .
( وَ ) التَّشْمِيتُ ( لِلْكَافِرِ يَهْدِيك اللَّهُ ) وَنَحْوُهُ لَا يَرْحَمُك اللَّهُ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
( وَيُسَنُّ رَدُّ التَّثَاؤُبِ ) مَا اسْتَطَاعَ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدُكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ } قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعُطَاسَ سَبَبُهُ مَحْمُودٌ وَهُوَ خِفَّةُ الْجِسْمِ الَّتِي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ ، وَالتَّثَاؤُبُ بِضِدِّ ذَلِكَ ( فَإِنْ غَلَبَ ) هـ التَّثَاؤُبُ ( سَتَرَ فَمَه ) بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ } سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْغَلَبَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ .
قَوْلُهُ : سَتَرَ فَمَه بِيَدِهِ ) أَيْ الْيُسْرَى وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْيُسْرَى لِأَنَّهَا لِتَنْحِيَةِ الْأَذَى وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ الْمُتَجَشِّي وَالْأَبْخَرُ فِي الْجَمَاعَةِ لِئَلَّا يُؤْذِي بِرِيحٍ فِيهِ
( وَأَنْ يُلَبِّيَ الدَّاعِي ) أَيْ الْمُنَادِي لَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ أَوْ لَبَّيْكَ فَقَطْ ( وَ ) أَنْ ( يُرَحِّبَ بِالْقَادِمِ ) عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ مَرْحَبًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَحْرِيمُ تَلْبِيَةِ الْكَافِرِ وَالتَّرْحِيبِ بِهِ وَيَبْعُدُ اسْتِحْبَابُ تَلْبِيَةِ الْفَاسِقِ وَالتَّرْحِيبِ بِهِ أَيْضًا ( وَ ) أَنْ ( يُخْبِرَ أَخَاهُ بِحُبِّهِ لَهُ فِي اللَّهِ ) لِلْأَمْرِ بِهِ فِي الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ ( وَ ) أَنْ ( يَدْعُوَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا أَوْ حَفِظَك اللَّهُ أَوْ نَحْوَهُمَا لِلْأَخْبَارِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِلرَّجُلِ الْجَلِيلِ فِي عِلْمِهِ أَوْ صَلَاحِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك أَوْ فِدَاك أَبِي وَأُمِّي وَنَحْوِهِمَا ، وَدَلَائِلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) أَرْبَعَةٌ ( الْأَوَّلُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَيُكْرَهُ الْغَزْوُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ) نَادِبًا مَعَهُ وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ بِمَصَالِحِ الْجِهَادِ وَلَا يَحْرُمُ إذْ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالنُّفُوسِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْجِهَادِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالْمُتَطَوِّعَةِ أَمَّا الْمُرْتَزِقَةُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهُمْ مَرْصُودُونَ لِمُهِمَّاتٍ تَعْرِضُ لِلْإِسْلَامِ يَصْرِفُهُمْ فِيهَا الْإِمَامُ فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأُجَرَاءِ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ مَا لَوْ كَانَ الذَّهَابُ لِلِاسْتِئْذَانِ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ أَوْ عَطَّلَ الْإِمَامُ الْغَزْوَ وَأَقْبَلَ هُوَ وَجُنُودُهُ عَلَى الدُّنْيَا أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ إنْ اُسْتُؤْذِنَ لَمْ يَأْذَنْ .
( الْبَابُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْجِهَادِ ) ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي تَخْصِيصُ ذَلِكَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْغُنْيَةِ : إنَّهُ الظَّاهِرُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْقَطْعُ بِهِ ( قَوْلُهُ : وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ بَعَثَ سَرِيَّةً سُنَّ ) لَهُ ( أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا وَ ) أَنْ ( يُلْزِمَهُمْ طَاعَتَهُ وَيُوصِيَهُ بِهِمْ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ } وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللَّهِ } .
( قَوْلُهُ : سُنَّ أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا ) وَيُسَنُّ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا فِي الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ
( وَ ) أَنْ ( يُبَايِعَهُمْ أَنْ لَا يَفِرُّوا ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( وَ ) أَنْ ( يَخْرُجُوا صُبْحَ ) يَوْمِ ( الْخَمِيسِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : وَأَنْ يَخْرُجُوا صُبْحَ يَوْمِ الْخَمِيسِ ) وَلَا يَبْعَثُ السَّرَايَا إلَّا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
( وَ ) أَنْ ( يَبْعَثَ الطَّلَائِعَ ) وَيَتَجَسَّسَ أَخْبَارَ الْكُفَّارِ وَأَنْ يَعْقِدَ الرَّايَاتِ .
( وَيَجْعَلَ لِكُلِّ فَرِيقٍ رَايَةً وَشِعَارًا ) حَتَّى لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بَيَانًا .
( وَ ) أَنْ ( يُعَبِّيَهُمْ ) بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَ الْعَيْنِ ( لِلْقِتَالِ ) بِأَنْ يَدْخُلَ دَارَ الْحَرْبِ بِتَعْبِيَةِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَهْيَبُ .
( وَ ) أَنْ ( يُحَرِّضَهُمْ ) عَلَيْهِ وَعَلَى الصَّبْرِ وَالثَّبَاتِ .
( وَ ) أَنْ ( يَدْعُوَ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَ ) أَنْ ( يَسْتَنْصِرَ بِالضُّعَفَاءِ ) .
( وَ ) أَنْ ( يُكَبِّرَ بِلَا إسْرَافٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ ) وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي سِيَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا ) عَلَى الْكُفَّارِ بِأَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَيْهِ ( إنْ ) عَلِمْنَا أَنَّهُ ( لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ ) .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ أَوَّلًا إلَخْ ) فَإِنْ قُتِلَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ قَبْلَ ذَلِكَ ضُمِنَ بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ
( وَجَازَ بَيَاتُهُمْ ) أَيْ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ ؛ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ } { وَسُئِلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ يُبَيَّتُونَ فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ فَقَالَ هُمْ مِنْهُمْ } رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا خَبَرُ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِمْ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ السَّبْيِ ؛ لِأَنَّهُمْ غَنِيمَةٌ .
( وَ ) جَازَ ( قِتَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدِّيَ أَهْلُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةَ ) وَيَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تُسْبَى نِسَاءُ غَيْرِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَأَنْ تُغْنَمَ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : أَوْ يُؤَدِّي أَهْلُ الْجِزْيَةِ الْجِزْيَةَ ) مَحَلُّهُ قَبْلَ نُزُولِ عِيسَى فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ
( وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ ) عَلَيْهِمْ ( بِعَبِيدٍ أُذِنَ لَهُمْ وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ ) كَذَلِكَ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبَ كِتَابَةً صَحِيحَةً فَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ سَيِّدِهِمَا وَفِيمَا قَالَهُ فِي الْمُكَاتَبِ وَقْفَةٌ وَالنِّسَاءُ وَالْخَنَاثَى إنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَكَالْمُرَاهِقِينَ فِي اسْتِئْذَانِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ أَرِقَّاءَ فَكَالْعَبِيدِ فِي اسْتِئْذَانِ السَّادَاتِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي الرَّقِيقِ إذْنَ سَيِّدِهِ لَا أَصْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُبَعَّضِ إذْنُ أَصْلِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَإِذْنُ سَيِّدِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ .
( قَوْلُهُ : وَمُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ ) نَاقَشَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اعْتِبَارِ كَوْنِهِمْ مُرَاهِقِينَ بَلْ إذَا حَصَلَتْ مِنْ الْمُمَيِّزِ إعَانَةٌ وَرَأَى الْإِمَامُ اسْتِصْحَابَهُ جَازَ كَمَا يَقْتَضِيه نَصُّ الْأُمِّ وَكَوْنُهُمْ أَقْوِيَاءَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ الْمَنْفَعَةِ بِهِمْ وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ جَوَازَ اسْتِصْحَابِ الْمُرَاهِقِينَ لِمَصْلَحَةِ سَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى كَمَا يُسْتَصْحَبُ النِّسَاءُ لِمِثْلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَجَانِينِ قَالَ شَيْخُنَا قَدْ يُقَالُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيِّ مُسَلَّمٌ وَلَمْ يَتَوَارَدْ هُوَ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَالنَّوَوِيُّ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الِاسْتِعَانَةِ لِلْقِتَالِ إذْ كَلَامُهُ فِيهِ وَقَرِينَةُ الْمَقَامِ مُخَصِّصَةٌ وَالْبُلْقِينِيُّ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي مُطْلَقِ الْمَنْفَعَةِ بِهِمْ فَنَاسَبَ الْغَرَضَ الْأَوَّلَ الْمُرَاهَقَةُ وَالْقُدْرَةُ دُونَ الثَّانِي كا ( قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ إلَخْ اسْتِثْنَاؤُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَرْدُودٌ إذْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ السَّيِّدِ فِيهِمَا قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ ) وَقَوْلُهُ قَالَ وَيُعْتَبَرُ فِي الْمُبَعَّضِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِمَا
( وَ ) لَهُ الِاسْتِعَانَةُ ( بِكُفَّارٍ ) ذِمِّيِّينَ أَوْ مُشْرِكِينَ ( أَمَّنَّاهُمْ ) بِأَنْ عَرَفْنَا حُسْنَ رَأْيِهِمْ فِينَا ( وَنَحْنُ نُقَاوِمُ الْفَرِيقَيْنِ ) أَيْ الْمُسْتَعَانَ بِهِمْ وَالْمُسْتَعَانَ عَلَيْهِمْ لَوْ اجْتَمَعْنَا بِأَنْ لَا يَكْثُرَ الْعَدَدُ بِالْمُسْتَعَانِ بِهِمْ كَثْرَةً ظَاهِرَةً وَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ لِذَلِكَ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ لِلْمَنْعِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ إحْضَارِ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ كَالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ بِلَا تَرْجِيحٍ .
ثَانِيهِمَا لَا إذْ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا رَأْيَ وَلَا يُتَبَرَّكُ بِحُضُورِهِمْ وَالرَّاجِحُ الْجَوَازُ فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ ( وَيَتَمَيَّزُونَ ) عَنَّا ( أَوْ يَخْتَلِطُونَ ) بِنَا ( بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ) الَّتِي يَرَاهَا الْإِمَامُ .
( قَوْلُهُ : وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِكَفَّارٍ إلَخْ ) نَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٍ اشْتِرَاطَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ لَا يَكْثُرَ الْمُسْتَعَانُ بِهِمْ ) كَثْرَةً ظَاهِرَةً كَأَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ مِائَتَيْنِ وَالْمُسْتَعَانُ بِهِمْ خَمْسِينَ وَالْمُسْلِمُونَ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ شَرْطًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُخَالِفُوا مُعْتَقَدًا لِعَدُوٍّ كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : كَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَقَدْ غَزَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَهُمْ مُشْرِكُونَ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا الْجَوَازُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَقْتَضِي تَصْحِيحَهُ وَقَوْلُهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِ جَوَازُ حِصَارِ نِسَائِهِمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْأُمُّ ) فَقَالَ وَنِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ فِي هَذَا وَصِبْيَانُهُمْ كَرِجَالِهِمْ لَا يَحْرُمُ أَنْ يَشْهَدُوا الْقِتَالَ ا هـ وَيُسَاعِدُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ إنَّ نِسَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا خَرَجْنَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَهُنَّ الرَّضْخُ وَقَدْ جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِي الْغَنِيمَةِ
( وَيُرَدُّ مُخَذِّلٌ ) عَنْ الْخُرُوجِ فِي الْجَيْشِ وَهُوَ مَنْ يُخَوِّفُ النَّاسَ كَأَنْ يَقُولَ عَدُوُّنَا كَثِيرٌ وَخُيُولُنَا ضَعِيفَةٌ وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ ( وَمُرْجِفٌ ) وَهُوَ مَنْ يُكْثِرُ الْأَرَاجِيفَ كَأَنْ يَقُولَ قُتِلَتْ سَرِيَّةُ كَذَا أَوْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ لِلْعَدُوِّ مِنْ جِهَةِ كَذَا أَوْ لَهُمْ كَمِينٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا ( وَخَائِنٌ ) وَهُوَ مَنْ يَتَجَسَّسُ لَهُمْ وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ و إنَّمَا { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ فِي الْغَزَوَاتِ } وَهُوَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ ظُهُورِ التَّخْذِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا أَقْوِيَاءَ فِي الدِّينِ لَا يُبَالُونَ بِالتَّخْذِيلِ وَنَحْوِهِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطَّلِعُ بِالْوَحْيِ عَلَى أَفْعَالِهِ فَلَا يَسْتَضِرُّ بِكَيْدِهِ ( وَيُمْنَعُ ) كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ حَتَّى سَلَبِ قَتِيلِهِ .
( فَصْلٌ لَا يَصِحُّ ) مِنْ أَحَدٍ ( اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِلْجِهَادِ ) ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْإِجَارَةِ مَعَ زِيَادَةٍ ( وَلَوْ عَبْدًا ) فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهُ لِلْجِهَادِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْكُفَّارُ دَارَنَا تَعَيَّنَ عَلَى الْعَبْدِ الْجِهَادُ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ ) شَمِلَ إجَارَةَ عَيْنِهِ وَذِمَّتِهِ قَالَ شَيْخُنَا لَا يُقَالُ هُوَ بِسَبِيلِ مِنْ أَنْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ كَافِرًا عِوَضًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ خَاصٌّ بِالْإِمَامِ لَا بِالْآحَادِ كا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ عَبْدًا ) أَوْ صَبِيًّا
( وَلِلْإِمَامِ ) وَلَوْ بِنَائِبِهِ ( بَذْلُ الْأُهْبَةِ ) وَمِنْهَا السِّلَاحُ ( مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَهُ ) الْأَوْلَى فَلَهُ ( ثَوَابُ عَمَلِهِ ) أَيْ إعَانَتِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا } .
( وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ ) وَكَذَا لِلْآحَادِ بَذْلُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِمْ وَلَهُمْ ثَوَابُ إعَانَتِهِمْ وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ وَمَحَلُّهُ فِي الْمُسْلِمِ أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا بَلْ يَرْجِعُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى اجْتِهَادٍ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَخُونُ وَمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ إذَا بَذَلَ ذَلِكَ لَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ لِلْبَاذِلِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ .
( قَوْلُهُ : وَثَوَابُ الْجِهَادِ لِمُبَاشِرِهِ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ أَيُّمَا أَفْضَلُ الْمُجَاهِدُ الَّذِي يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الَّذِي يُسْلِمُ وَيَقْتُلُ الْكُفَّارَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الثَّانِيَ أَفْضَلُ لِمَحْوِهِ الْكُفْرَ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ لَا يَمُوتُ أَحَدٌ إلَّا مُؤْمِنًا لَكِنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ قَالَ شَيْخُنَا الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ كا ( قَوْلُهُ : أَمَّا الْكَافِرُ فَلَا بَلْ يَرْجِع فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَا ذُكِرَ مَحَلُّهُ إذَا بُذِلَ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَمَا يُدْفَعُ إلَى الْمُرْتَزِقَةِ مِنْ الْفَيْءِ ) وَإِلَى الْمُتَطَوِّعَةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَيْسَ بِأُجْرَةٍ ) لَهُمْ ( بَلْ ) هُوَ ( مُرَتَّبُهُمْ ) وَجِهَادُهُمْ وَاقِعٌ عَنْهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ .
( وَلَوْ أَجْبَرَ الْإِمَامُ حُرًّا عَلَى غُسْلِ ) أَوْ دَفْنِ ( فَقِيرٍ ) مَيِّتٍ ( وَلَا بَيْتَ مَالٍ ) ثَمَّ ( فَلَا أُجْرَةَ لَهُ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجْبَرَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ كَانَ غَنِيًّا أَوْ كَانَ ثَمَّ بَيْتُ مَالٍ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ الْإِجَارَةِ ، وَقَوْلُهُ حُرًّا مِنْ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِرَجُلًا كَانَ أَوْلَى وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الِاخْتِصَارَ فِي قَوْلِهِ ( أَوْ ) أَجْبَرَ حُرًّا مُسْلِمًا ( عَلَى الْجِهَادِ فَكَذَلِكَ ) أَيْ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ قَاتَلَ ( إنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِلَّا فَلَهُ أُجْرَةُ الذَّهَابِ أَوْ ) أَجْبَرَ عَلَيْهِ ( عَبْدًا فَلِسَيِّدِهِ الْأُجْرَةُ ) مِنْ حِينِ ذَهَابِهِ إلَى عَوْدِهِ لِيَدِهِ .
( وَلِلْإِمَامِ لَا لِغَيْرِهِ اسْتِئْجَارُ كَافِرٍ لِلْجِهَادِ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ سَهْمٍ ) لِرَاجِلٍ أَوْ فَارِسٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِأَعْمَالِ الْقِتَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي مُعَامَلَاتِ الْكُفَّارِ لِمَصَالِح الْقِتَالِ مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْجِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْأَمَانِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِ الْإِمَامِ اسْتِئْجَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ لِكَوْنِ الْجِهَادِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَيُفَارِقُ صِحَّةَ اسْتِئْجَارِهِ فِي الْأَذَانِ بِأَنَّ الْأَجِيرَ ثَمَّ مُسْلِمٌ وَهُنَا كَافِرٌ لَا تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُ .
( قَوْلُهُ : وَلِلْإِمَامِ لَا لِغَيْرِهِ اسْتِئْجَارُ كَافِرٍ لِلْجِهَادِ ) مَحَلُّ جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِ مِنْ حَيْثُ تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ حَيْثُ تَمْتَنِعُ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ مُقْتَضَى كَلَامِهِمَا اسْتِمْرَارُ الْإِجَارَةِ وَلَوْ أَسْلَمَ لَكِنَّ مُقْتَضَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ طَاهِرًا لِخِدْمَةِ الْمَسْجِدِ فَحَاضَتْ مِنْ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ انْفِسَاخُهَا هُنَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ تَعَذَّرَ سَفَرُ الْجَيْشِ لَصَلُحَ صَدْرٌ قَبْلَهُ كَانَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَنْفَسِخُ بِالْعُذْرِ وَيَسْتَرْجِعُ الْإِمَامُ مِنْهُمْ مَا دَفَعَهُ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ بَعْد وُرُودِهِ لَهُمْ دَارَ الْحَرْبِ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُمْ شَيْئًا لِأَنَّ سَيْرَ الْجَيْشِ إلَيْهِمْ أَثَّرَ فِي الرَّهْبَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلصُّلْحِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَقَبْلَ دُخُولِهِمْ أَرْضَ الْحَرْبِ فَفِي اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ الْمَسَافَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَرْجَحُ فِي نَظِيرِهَا مِنْ الْحَجِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَكَذَلِكَ الْأَرْجَحُ هُنَا وَإِنْ كَانَ تَرَكَ الْجِهَادَ لِانْهِزَامِ الْعَدُوِّ اسْتَحَقُّوا الْأُجْرَةَ وَإِنْ تَرَكُوهُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ رَدُّوا مِنْ الْأُجْرَةِ بِالْقِسْطِ وَصَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ تَقْسِيطَهُ فِي قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَالْقِتَالِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَقَوْلُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا اسْتِمْرَارُ الْإِجَارَةِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَالْأُجْرَةُ ) الْوَاجِبَةُ لِلْكَافِرِ مُسَمَّاةً كَانَتْ أَمْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ تُؤَدَّى ( مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ ) مِنْ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَلَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَحْضُرُ لِلْمَصْلَحَةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ ( فَإِنْ أَكْرَهَهُ ) الْإِمَامُ عَلَيْهِ ( أَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِمَجْهُولٍ ) كَأَنْ قَالَ أُرْضِيك أَوْ أُعْطِيك مَا تَسْتَعِينُ بِهِ ( وَقَاتِلْ وَجَبَتْ ) لَهُ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُقَاتِلْ كَنَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ وَقَاتِلْ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَإِنْ قَهَرَهُمْ ) أَيْ الْكُفَّارَ ( عَلَى الْخُرُوجِ ) لِلْجِهَادِ ( وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَلَا أُجْرَةَ ) لَهُمْ ( لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ ) فِي الصَّفِّ ؛ لِأَنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَلَمْ يَحْصُلْ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّفْوِيتِ وَخَرَجَ بِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ مُدَّةُ ذَهَابِهِمْ فَلَهُمْ أُجْرَتُهَا ( أَوْ هَرَبُوا قَبْلَ الْوُقُوفِ فِي الصَّفِّ ) أَوْ خَلَّى سَبِيلَهُمْ قَبْلَهُ ( فَلَهُمْ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ ) وَإِنْ تَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُمْ فِي الرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْصَرِفُونَ حِينَئِذٍ كَيْفَ شَاءُوا وَلَا حَبْسَ وَلَا اسْتِئْجَارَ وَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ وُقُوفِهِمْ لِيَكُونَ جَوَابُ مَا بَعْدَهُ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ .
( قَوْلُهُ : فَلَوْ حَذَفَ قَوْلَهُ فَلَا أُجْرَةَ إلَخْ ) الْأَوْلَى مَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ رُجُوعِهِمْ فِي الْأُولَى قَدْ تَجِبُ إذَا لَمْ يَزُلْ قَهْرُ الْإِمَامِ عَنْهُمْ فِيهَا
( وَإِنْ رَضُوا بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَعِدْهُمْ ) بِشَيْءٍ ( رَضَخَ لَهُمْ ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا وَيُفَارِقُ الْأُجْرَةَ بِأَنَّهُ إذَا حَضَرَ طَائِعًا بِلَا مُسَمًّى فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُجَاهِدِينَ فَجُعِلَ فِي الْغَنِيمَةِ مَعَهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّهَا عِوَضٌ مَحْضٌ وَنَظَرُهُ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا فَجُعِلَتْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِيَدِ الْإِمَامِ وَتَصَرُّفِهِ وَلَا يُزَاحِمُهُمْ فِيهِ الْغَانِمُونَ ( لَا إنْ خَرَجُوا بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْإِمَامِ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الذَّبِّ عَنْ الدِّينِ بَلْ مُتَّهَمُونَ بِالْخِيَانَةِ وَالْمَيْلِ إلَى أَهْلِ دِينِهِمْ سَوَاءٌ أَنَّهَا هَمٌّ عَنْ الْخُرُوجِ أَمْ لَا بَلْ لَهُ تَقْرِيرُهُمْ فِيمَا نَهَاهُمْ عَنْهُ إنْ رَآهُ .
( فَصْلٌ وَيُكْرَهُ ) لِغَازٍ ( قَتْلُ قَرِيبٍ ) لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الرَّحِمِ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَحْمِلُهُ الشَّفَقَةُ عَلَى النَّدَمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَعْفِهِ ( وَ ) قَتْلُ الْقَرِيبِ ( الْمَحْرَمِ أَشَدُّ ) كَرَاهَةً مِنْ قَتْلِ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } { وَقَدْ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ عَنْ قَتْلِ ابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ يَوْمَ بَدْرٍ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ } ( لَا إنْ سَمِعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَهُ بِسُوءٍ فَلَا يُكْرَهُ قَتْلُهُ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ ؛ لِأَنَّ { أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ قَتَلَ أَبَاهُ حِينَ سَمِعَهُ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ } .
( قَوْلُهُ : وَقَتْلُ الْقَرِيبِ وَالْمَحْرَمِ أَشَدُّ ) خَرَجَ بِهِ الْمَحْرَمُ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا مَا إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ قَتْلَ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمْكَنَهُ دَفْعُهُ عَنْهُ وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَتْلِهِ أَوْ كَانَ بَطَلًا لَيْسَ لَهُ كُفْءٌ غَيْرُ قَرِيبِهِ وَخَشِيَ أَنَّهُ لَوْ كَفَّ عَنْهُ لَأَنْكَى فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ بَدَّدَ جَمْعَهُمْ وَمَا فِي مَعْنَى هَذَا وَهَذَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا فَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَلْتَحِقُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَحْرُمُ قَتْلُ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) مِنْ الْكُفَّارِ لِلنَّهْيِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلْحَاقِ الْجُنُونِ بِالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى بِالْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةٍ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَرُبَّمَا يُسْتَرَقُّونَ فَيَكُونُونَ قُوَّةً لَنَا ( إلَّا إنْ قَاتَلُوا ) فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُمْ بِغَيْرِهِ وَفِي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ .
( قَوْلُهُ : وَفِي مَعْنَى الْقِتَالِ سَبُّ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى لِلْمُسْلِمِينَ ) أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى مِنْ قَوْمٍ لَا كِتَابَ لَهُمْ كَالدَّهْرِيَّةِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَامْتَنَعَا مِنْ الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلَانِ أَوْ لَمْ يَجِدْ الْمُضْطَرُّ سِوَاهُمَا فَلَهُ قَتْلُهُمَا وَأَكْلُهُمَا وَمِثْلُهُمَا فِي هَذَا الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ ( تَنْبِيهٌ ) مِنْ الْمَعْلُومِ الْمَقْطُوعِ بِهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ يَمُوتُ كَافِرًا
( وَيُقْتَلُ مُرَاهِقٌ أَنْبَتَ ) الشَّعْرَ ( الْخَشِنَ ) عَلَى عَانَتِهِ ؛ لِأَنَّ إنْبَاتَهُ دَلِيلُ بُلُوغِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْحَجْرِ ( لَا إنْ ادَّعَى اسْتِعْجَالَهُ ) بِدَوَاءٍ ( وَحَلَفَ ) أَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِذَلِكَ فَلَا يُقْتَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ بُلُوغًا بَلْ دَلِيلُهُ ( وَحَلِفُهُ ) عَلَى ذَلِكَ ( وَاجِبٌ ) وَإِنْ تَضَمَّنَ حَلِفَ مَنْ يَدَّعِي الصِّبَا ( لِظُهُورِ أَمَارَةِ الْبُلُوغِ ) فَلَا يُتْرَكُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ .
( وَيَجُوزُ قَتْلُ رَاهِبٍ ) شَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ( وَأَجِيرٍ وَمُحْتَرِفٍ وَشَيْخٍ ) وَلَوْ ضَعِيفًا ( وَأَعْمَى وَزَمِنٍ ) وَمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَالصَّفُّ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ { اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ و اسْتَحْيُوا شَرْخَهُمْ } أَيْ مُرَاهِقِيهِمْ وَلِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مُكَلَّفُونَ فَجَازَ قَتْلُهُمْ كَغَيْرِهِمْ .
( وَيُقْتَلُ مِنْهُمْ ذُو الرَّأْيِ ) وَغَيْرُهُ فَلَوْ ذُكِرَ غَيْرُهُ كَانَ أَوْلَى ( وَكَذَا السُّوقَةُ ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ( لَا الرُّسُلِ ) فَلَا يُقْتَلُونَ لِجَرَيَانِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ .
( وَيَجُوزُ حِصَارُهُمْ ) فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَالْحُصُونِ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ نِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُصِيبَهُمْ .
( وَ ) يَجُوزُ ( إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وَالنَّارِ ) قَالَ تَعَالَى { وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ } { وَحَاصَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ { وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيقَ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَعُمُّ الْإِهْلَاكُ بِهِ نَعَمْ لَوْ تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ قَدَرْنَا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ تَحَصَّنُوا بِحَرَمِ مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ قِتَالُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحُ الْحَالِ بِدُونِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ إتْلَافُهُمْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : لَكِنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ ) مَا بَحَثَهُ ظَاهِرٌ إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةُ الْمُسْلِمِينَ
( وَ ) يَجُوزُ ( سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ صِغَارِهِمْ وَمَجَانِينِهِمْ مَعَ أَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ تَشْمَلُ نِسَاءَهُمْ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ قُرْقُولٍ ( وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ ) .
( وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ ) وَهُمْ بِالْبَلْدَةِ أَوْ الْقَلْعَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا ( مُسْلِمٌ كُرِهَ ) إتْلَافُهُمْ بِالْمَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا يَحْرُمُ لِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْجِهَادُ لِحَبْسِ مُسْلِمٍ فِيهِمْ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ لَا يُصَابُ وَلِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ فَلَا يَحْرُمُ الْقِتَالُ بِكَوْنِ الْمُسْلِمِ فِيهَا كَمَا أَنَّ دَارَنَا لَا تَحِلُّ بِكَوْنِ الْمُشْرِكِ فِيهَا ( إلَّا ) إنْ فَعَلَ ذَلِكَ ( لِضَرُورَةٍ ) كَخَوْفِ ضَرَرِنَا أَوْ لَمْ يَحْصُلْ فَتْحُ الْقَلْعَةِ إلَّا بِهِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُصِيبُ مُسْلِمًا دَفْعًا لِضَرَرِنَا وَنِكَايَةً فِيهِمْ ، وَحِفْظُ مَنْ مَعَنَا أَوْلَى مِنْ حِفْظِ مَنْ مَعَهُمْ وَإِنْ هَلَكَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَعَهُمْ رُزِقَ الشَّهَادَةَ ( فَإِنْ أَصَابَهُ ) بِمَا يَعُمُّ أَوْ بِغَيْرِهِ ( وَقَدْ عَلِمَهُ فِيهِمْ وَجَبَتْ دِيَةٌ وَكَفَّارَةٌ وَإِلَّا فَكَفَّارَةٌ ) فَقَطْ وَهَذَا حَكَاهُ الْأَصْلُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ عَلِمَهُ فِيهِمْ ) أَيْ وَعَرَفَ مَكَانَهُ ( قَوْلُهُ : وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الدِّيَةِ إلَخْ ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حِينَئِذٍ جَارٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي تَعْلِيقِ الْبَنْدَنِيجِيِّ : إنَّهُ إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَقْصِدْ عَيْنَهُ مِثْلُ إنْ بَيَّتُوهُمْ لَيْلًا فَقَتَلُوهُمْ وَ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَوْ قَتَلَهُ فِي غَارَةٍ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى فِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ زَادَ فَقَالَ : سَوَاءٌ عَرَفَ أَنَّ فِي الدَّارِ مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَعْرِفْ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ هَا هُنَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الرَّمْيُ إلَى هَذِهِ الدَّارِ ا هـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ
( وَمَتَى تَتَرَّسُوا ) فِي الْقِتَالِ ( بِصِبْيَانِهِمْ وَنِسَائِهِمْ ) وَنَحْوِهِمْ ( وَلَوْ فِي قَلْعَةٍ رَمَيْنَاهُمْ ) وَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ كَمَا يَجُوزُ نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الْقَلْعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصِيبُهُمْ وَلِئَلَّا يَتَّخِذُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَوْ حِيلَةً إلَى اسْتِبْقَاءِ الْقِلَاعِ لَهُمْ وَفِي ذَلِكَ فَسَادٌ عَظِيمٌ وَخَالَفَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا رَمْيُهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِمْ بِلَا ضَرُورَةٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ قَتْلِهِمْ .
( قَوْلُهُ : وَخَالَفَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ ) ضَعِيفٌ
( أَوْ ) تَتَرَّسُوا ( بِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَلَا ) تَرْمِيهِمْ إنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ وَاحْتَمَلَ الْحَالُ الْإِعْرَاضَ عَنْهُمْ صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَفَارَقَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ بِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ مَحْقُونَا الدَّمِ لِحُرْمَةِ الدِّينِ وَالْعَهْدِ فَلَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ ، وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ حُقِنُوا لَحِقَ الْغَانِمِينَ فَجَازَ رَمْيُهُمْ بِلَا ضَرُورَةٍ فَلَوْ رَمَى رَامٍ فَقَتَلَ مُسْلِمًا فَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ مِمَّا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ ( فَلَوْ دَعَتْ ضَرُورَةٌ ) إلَى ذَلِكَ بِأَنْ تَتَرَّسُوا فِي حَالِ الْتِحَامِ الْقِتَالِ بِهِ وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ كَفَفْنَا عَنْهُمْ ظَفِرُوا بِنَا وَكَثُرَتْ نِكَايَتُهُمْ ( جَازَ ) رَمْيُهُمْ لِمَا مَرَّ ( وَتَوَقَّيْنَاهُ ) أَيْ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الْإِعْرَاضِ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ الْإِقْدَامِ وَلَا يَبْعُدُ احْتِمَالُ قَتْلِ طَائِفَةٍ لِلدَّفْعِ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ وَمُرَاعَاةِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّاتِ وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنِ وَالْعَبْدِ لَكِنْ حَيْثُ تَجِبُ دِيَةٌ تَجِبُ فِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ ( فَإِنْ قُتِلَ مُسْلِمٌ ) وَقَوْلُهُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَعُرِفَ قَاتِلُهُ ) لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ جَدْوَى ( وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا ( وَكَذَا الدِّيَةُ إنْ عَلِمَهُ ) الْقَاتِلُ ( مُسْلِمًا ) إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَوَقِّيه وَالرَّمْيُ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مُسْلِمًا لِشِدَّةِ الضَّرُورَةِ ( لَا الْقِصَاصِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَعَ تَجْوِيزِ الرَّمْيِ لَا يَجْتَمِعَانِ .
( قَوْلُهُ : وَكَالذِّمِّيِّ الْمُسْتَأْمَنِ ) أَيْ وَالْمُعَاهَدِ
( وَإِنْ تَتَرَّسَ ) كَافِرٌ ( بِتُرْسِ مُسْلِمٍ ) أَوْ رَكِبَ فَرَسَهُ ( فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ ) فَأَتْلَفَهُ ( ضَمِنَهُ إلَّا : إنْ اُضْطُرَّ ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الِالْتِحَامِ الدَّفْعُ إلَّا بِإِصَابَتِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ ( فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ) وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ .
( قَوْلُهُ : وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ
( فَصْلٌ يَحْرُمُ انْهِزَامُ مِائَةِ رَجُلٍ وَلَوْ ) كَانُوا ( سُكَارَى عَنْ مِائَتَيْنِ ) وَالْمُرَادُ يَحْرُمُ انْهِزَامُ مَنْ عَلَيْهِ الْجِهَادُ مِنْ الصَّفِّ إنْ كَانَ الْكُفَّارُ مِثْلَيْنَا فَأَقَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ لِتَصْبِرْ مِائَةٌ لِمِائَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ { إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا } ( وَإِنْ خَافُوا الْهَلَاكَ ) بِالثَّبَاتِ إذْ الْغُزَاةُ يَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فِيهِ بِالْكَفِّ عَنْ الْغَزْوِ وَبِحُبِّ الْمَالِ وَبِالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَالْمَعْنَى فِي وُجُوبِ الثَّبَاتِ لِلْمِثْلَيْنِ أَنَّ الْمُسْلِمَ عَلَى إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقْتَلَ فَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ يَسْلَمَ فَيَفُوزَ بِالْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ ، وَالْكَافِرُ يُقَاتِلُ عَلَى الْفَوْزِ بِالدُّنْيَا ( إلَّا مُتَحَرِّفِينَ لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ وَلَوْ بَعُدَتْ ) فَلَا يَحْرُمُ الِانْهِزَامُ قَالَ تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ } وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا فِئَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ وَجُنُودُهُ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ عَزْمَهُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْقِتَالِ لَا يَخْتَلِفُ بِالْقُرْبِ وَالْبُعْدِ ( وَالْمُتَحَرِّفُ مَنْ يَخْرُجُ ) مِنْ الصَّفِّ ( لِيَكْمُنَ ) بِمَوْضِعٍ وَيَهْجُمَ ( أَوْ يَنْحَرِفَ إلَى مَوْضِعٍ أَصْلَحَ لِلْقِتَالِ ) كَأَنْ يَفِرَّ مِنْ مَضِيقٍ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إلَى مُتَّسِعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ أَوْ يَنْصَرِفَ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ إلَى مَحَلٍّ يَسْهُلُ فِيهِ الْقِتَالُ ( وَالْمُتَحَيِّزُ مَنْ يَقْصِدُ الِاسْتِنْجَادَ بِفِئَةٍ ) لِلْقِتَالِ ( سَوَاءٌ قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ ) هَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ بَعُدْت قَالَ فِي الْأَصْلِ وَمَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ
لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِلَاحٌ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ أَيْضًا فِي الطَّرَفِ الثَّانِي مِنْ الْبَابِ السَّابِقِ .
( قَوْلُهُ : فَفُسِّرَتْ التَّهْلُكَةُ فِيهِ بِالْكَفِّ عَنْ الْغَزْوِ ) أَيْ وَالْإِنْفَاقِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوَّ وَيُسَلِّطُهُمْ عَلَى إهْلَاكِكُمْ ( قَوْلُهُ : وَبِالْخُرُوجِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ ) وَبِالْإِسْرَافِ وَتَضْيِيعِ وَجْهِ الْمَعَاشِ ( قَوْلُهُ : إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ) قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ إنْ لَمْ تَنْكَسِرْ أَيْ الْفِئَةُ الَّتِي انْصَرَفَ عَنْهَا بِانْصِرَافِهِ ، فَإِنْ انْكَسَرَتْ بِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْصِرَافُ مُتَحَرِّفًا وَلَا مُتَحَيِّزًا وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الشَّرْطِ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُعْظَمُ ا هـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا لَوْ عَلِمَ الْمُتَحَيِّزُ أَنَّهُ كَانَ إنْ وَلَّى وَلَّى النَّاسُ مَعَهُ لِكَوْنِهِ زَعِيمَ الْجَيْشِ أَوْ أَمِيرَهُمْ أَوْ نَحْوَهُ مِنْ رُؤَسَاءِ النَّاسِ الْمَتْبُوعِينَ وَأَبْطَالِهِمْ الْمَشْهُورِينَ وَيُنَزَّلُ إطْلَاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَهْنًا وَلَا يَنْقَدِحُ غَيْرُ هَذَا قَالَ شَيْخُنَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعَصْرِ وَنُقِلَ عَنْ الْوَالِدِ اعْتِمَادُهُ وَأَنَّهُ قَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَعَرُّضِ الْمُعْظَمِ لَهُ تَضْعِيفُهُ لِأَنَّهُمْ سَكَتُوا عَنْهُ لِوُضُوحِهِ وَوَجْهٌ ظَاهِرٌ ( تَنْبِيهٌ ) لَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا وَلَا يَجِبُ فِعْلُهَا سِوَى الْفَارِّ مِنْ الصَّفِّ يَقْصِدُ التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ يَجُوزُ وَإِذَا تَحَيَّزَ إلَيْهَا لَا يَلْزَمُ الْقِتَالُ مَعَهَا فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ أَرَ تَصْرِيحًا بِبَيَانِ الْقَرِيبَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْقَرِيبَةُ مَنْ يُمْكِنُ كُرْهًا وَالِاسْتِنْجَادُ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْعُرْفِ فِي الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ وَلَعَلَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ شَيْخُنَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ الْجَزْمُ بِهِ
( وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَّ ) لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ ( قَصْدُ التَّحَيُّزِ ) أَوْ التَّحَرُّفِ لِيَخْرُجَ عَنْ صُورَةِ الْفِرَارِ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا قَدَّمَهُ فِي الْعَجْزِ ثُمَّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالِاسْتِحْبَابِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَلِّيَ مُنْحَرِفًا أَوْ مُتَحَيِّزًا .
( وَلَيْسَ لِمُتَحَيِّزٍ بَعْدُ ) فِي تَحَيُّزِهِ إلَى فِئَةٍ ( حَقٌّ فِيمَا يَغْنَمَ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ تَحَيُّزِهِ لِعَدَمِ نُصْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا يَغْنَمُ قَبْلَ تَحَيُّزِهِ لِبَقَائِهَا وَبِخِلَافِ الْمُتَحَيِّزِ إلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ يُشَارِكُ فِيمَا غَنِمَ مُطْلَقًا لِذَلِكَ فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ وَالْمُرَادُ بِالْقَرِيبَةِ أَنْ تَكُونَ بِحَيْثُ يُدْرِكُ غَوْثَهَا الْمُتَحَيِّزُ عَنْهَا عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ .
( وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ ) لِيُقَاتِلَ ( مَعَ الْفِئَةِ ) ؛ لِأَنَّ عَزْمَهُ الْعَوْدَ لِذَلِكَ رَخَّصَ لَهُ الِانْصِرَافَ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدُ وَالْجِهَادُ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ .
( وَلَوْ ذَهَبَ سِلَاحُهُ وَأَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ لَمْ يَنْصَرِفْ ) عَنْ الصَّفِّ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمْيُ بِهَا .
( أَوْ ) ذَهَبَ ( فَرَسُهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّرَجُّلِ ) أَيْ عَلَى قِتَالِهِ رَاجِلًا ( انْصَرَفَ ) جَوَازًا أَوْ وُجُوبًا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ .
( وَإِنْ زَادُوا ) أَيْ الْكُفَّارُ ( عَلَى الضِّعْفِ وَرُجِيَ الظَّفَرُ ) بِأَنْ ظَنَنَّاهُ إنْ ثَبَتْنَا ( اُسْتُحِبَّ ) لَنَا ( الثَّبَاتُ وَلَوْ غَلَبَ ) عَلَى ظَنِّنَا ( الْهَلَاكُ بِلَا نِكَايَةٍ فِيهِمْ وَجَبَ ) عَلَيْنَا ( الْفِرَارُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } ( أَوْ بِنِكَايَةٍ ) فِيهِمْ ( اُسْتُحِبَّ ) لَنَا الْفِرَارُ .
( وَيَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ ) مِنَّا ( عَنْ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ) مِنْهُمْ ( ضُعَفَاءَ لَا مِائَةٍ ضُعَفَاءَ مِنَّا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ بَطَلًا ) مِنْهُمْ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَإِنَّمَا نُرَاعِي الْعَدَدَ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِثَالٌ وَالْعِبْرَةُ بِأَنْ يَكُونَ مَعَنَا مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَغْلِبُ بِهِ الظَّنُّ أَنَّا نُقَاوِمُ مَنْ بِإِزَائِنَا مِنْ الْعَدُوِّ وَنَرْجُو الظَّفَرَ بِهِ وَبِالْعَكْسِ .
( قَوْلُهُ : لَا مِائَةٍ ضُعَفَاءَ مِنَّا عَنْ مِائَةٍ وَتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ إنَّ تَكَلُّفَ هَذَا الْمِثَالِ تَبَعًا لِلْبَسِيطِ مَعَ إمْكَانِ التَّعْبِيرِ بِالْمِائَتَيْنِ ذُهُولٌ عَنْ جَوَازِ الِانْصِرَافِ عَنْ الضَّعْفِ ا هـ جَوَازُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَعْبِيرِهِمَا وَلَوْ عَبَّرَا بِالْمِائَتَيْنِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ حُكْمُ مَا ذَكَرَاهُ فَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الذُّهُولُ ( قَوْله بَطَلًا مِنْهُمْ ) وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ ضُعَفَائِهِمْ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ مِنْ أَبْطَالِهِمْ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ ذِكْرَ الْوَاحِدِ مِثَالٌ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَهَلْ لِرَجَّالَةٍ عِنْدَ الْفُرْسَانِ كَالضُّعَفَاءِ عِنْدَ الْأَبْطَالِ أَوْ يَسْتَوُونَ ، فِيهِ تَرَدُّدٌ ) أَخَذَهُ مِنْ بَحْثِ الرَّوْضَةِ حَيْثُ نَقَلَ فِيهَا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّهُ تَجُوزُ الْهَزِيمَةُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فُرْسَانًا وَالْكُفَّارُ رَجَّالَةً وَيَحْرُمُ مِنْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ كَانُوا بِالْعَكْسِ ثُمَّ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَيْ فِي الضُّعَفَاءِ مَعَ الْأَبْطَالِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمَعْنَى أَوْ بِالْعَدَدِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ يَسْتَوُونَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ الثَّبَاتُ ) إنَّمَا هُوَ ( مَشْرُوطٌ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَقِيَ مُسْلِمٌ ) شَخْصَيْنِ ( مُشْرِكَيْنِ جَازَ ) لَهُ ( الْفِرَارُ ) مِنْهُمَا ( و لَوْ طَلَبَهُمَا ) هُوَ وَلَمْ يَطْلُبَاهُ .
( وَإِنْ تَحَصَّنَتْ الْجَمَاعَةُ قَبْلَ اللِّقَاءِ فِي قَلْعَةٍ حَتَّى يَجِيءَ ) لَهُمْ ( مَدَدٌ جَازَ ) أَيْ لَوْ قَصَدَ الْكُفَّارُ بَلَدًا فَتَحَصَّنَ أَهْلُهُ إلَى أَنْ يَجِدُوا قُوَّةً وَمَدَدًا لَمْ يَأْثَمُوا إنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ فَرَّ بَعْدَ اللِّقَاءِ .
( فَصْلٌ الْمُبَارَزَةُ ) لِلْقِتَالِ وَهِيَ ظُهُورُ اثْنَيْنِ مِنْ الصَّفَّيْنِ لِلْقِتَالِ ( مُبَاحَةٌ ) لَنَا ؛ لِأَنَّ { عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَابْنَيْ عَفْرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ سَمِعَتْ أَبَا ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ } نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ وَعُبَيْدَةِ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ .
( قَوْلُهُ : الْمُبَارَزَةُ مُبَاحَةٌ ) أَيْ فَلَيْسَتْ مَكْرُوهَةً
( فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فِيهِ قُوَّةٌ ) بِأَنْ عَرَفَهَا مِنْ نَفْسِهِ ( مُبَارَزَتُهُ ) ؛ لِأَنَّ فِي تَرْكِهَا حِينَئِذٍ إضْعَافًا لَنَا وَتَقْوِيَةً لَهُمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِقَتْلِهِ ضَرَرٌ عَلَيْنَا بِهَزِيمَةٍ تَحْصُلُ لَنَا لِكَوْنِهِ كَبِيرَنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ عَبْدًا وَلَا فَرْعًا مَأْذُونًا لَهُمَا فِي الْجِهَادِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْإِذْنِ فِي الْبَرَازِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لَهُمَا ابْتِدَاءً وَإِجَابَةً وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ ( وَكُرِهَتْ ) مُبَارَزَتُهُ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ فِيهِ قُوَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَنَا بِهِ ضَعْفٌ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ لِمَنْ فِيهِ قُوَّةٌ مُبَارَزَتُهُ ) أَيْ إذَا أَذِنَ لَهُ فِيهَا الْإِمَامُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْبَابِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ : فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَارِزَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ بِالْكَرَاهَةِ خَاصَّةً .
ا هـ .
وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الْجَوَازِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ الْمَدِينُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ الْإِذْنُ فِي الْقِتَالِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ الْآذِنَ حَاضِرًا
( وَلَوْ بَارَزَ ) مُسْلِمٌ ( بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كُرِهَ ) ؛ لِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ الْأَبْطَالِ ، وَذِكْرُ الْكَرَاهَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَيُكْرَهُ نَقْلُ رُءُوسِ الْكُفَّارِ ) وَنَحْوِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ ( إلَى بِلَادِنَا ) لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ { أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْكَرَ عَلَى فَاعِلِهِ وَقَالَ لَمْ يُفْعَلْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَمَا رُوِيَ مِنْ حَمْلِ رَأْسِ أَبِي جَهْلٍ فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي ثُبُوتِهِ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ إنَّمَا حُمِلَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ لَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوهُ لِيَنْظُرَ النَّاسُ إلَيْهِ فَيَتَحَقَّقُوا مَوْتَهُ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْجُمْهُورُ .
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي سَبْيِهِمْ ) وَاسْتِرْقَاقِهِمْ ( يَرِقُّ بِالْأَسْرِ نِسَاءُ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانُهُمْ ) وَمَجَانِينُهُمْ وَخَنَاثَاهُمْ ( وَعَبِيدُهُمْ ) أَيْ يَصِيرُونَ بِهِ أَرِقَّاءَ لَنَا وَيَكُونُونَ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ ؛ لِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ السَّبْيَ كَمَا يَقْسِمُ الْأَمْوَالَ } .
قَوْلُهُ يَرِقُّ بِالْأَسْرِ نِسَاءُ الْكُفَّارِ ) وَلَوْ وَثَنِيَّاتٍ أَوْ دَهْرِيَّاتٍ وَكَتَبَ أَيْضًا قَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ النِّسَاءَ بِالْكِتَابِيَّاتِ قَالَ : فَإِنْ كُنَّ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُنَّ كَدَهْرِيَّةٍ وَوَثَنِيَّةٍ وَامْتَنَعْنَ مِنْ الْإِسْلَامِ يُقْتَلْنَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُسْتَرَقَّن وَهُوَ غَرِيبٌ وَلَعَلَّ مَادَّتَهُ وَجْهُ الْإِصْطَخْرِيِّ وَهُوَ أَنَّ الْوَثَنِيَّ لَا يَسْتَرِقُّ وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ تَقْرِيرُهُ وَالْمَذْهَبُ التَّقْرِيرُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَفِدَاؤُهُ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ كَمَا فِي الْكِتَابِيِّ ( قَوْلُهُ وَعَبِيدُهُمْ ) وَلَوْ كَانُوا مُرْتَدِّينَ أَوْ مُسْلِمِينَ
( وَلَا يُقْتَلُونَ ) لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ وَالْبَاقِي فِي مَعْنَاهُمَا ( فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ ) وَلَوْ لِشَرِّهِمْ وَقُوَّتِهِمْ ( ضَمِنَ ) قِيمَتَهُمْ ( لِلْغَانِمِينَ ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَذِكْرُ هَذَا فِي غَيْرِ الْعَبِيدِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ ضَمِنَ لِلْغَانِمِينَ ) هَذَا فِي الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا لَمْ يَقْتُلَا مُسْلِمًا ، فَإِنْ قَتَلَتْ مُسْلِمًا ثُمَّ سُبِيَتْ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهَا وَكَذَا لَوْ قَتَلَ الْعَبْدُ مُسْلِمًا ثُمَّ سُبِيَ
( وَيَفْعَلُ فِي رِجَالِهِمْ ) الْكَامِلِينَ إذَا أُسِرُوا مَا يَرَاهُ ( بِالْمَصْلَحَةِ ) لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ لَا بِالتَّشَهِّي ( وَيَتَوَقَّفُ ) فِي فِعْلِهِ وَيَحْبِسُهُمْ ( حَتَّى يَظْهَرَ ) لَهُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ مِنْ أَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ ( مِنْ قَتْلٍ بِالسَّيْفِ لَا تَغْرِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَتَحْرِيقٍ ( وَلَا تَمْثِيلٍ ) بِهِمْ ( وَمِنْ مَنٍّ ) عَلَيْهِمْ بِتَخْلِيَةِ سَبِيلِهِمْ ( وَكَذَا اسْتِرْقَاقٌ ) الْأَوْلَى وَمِنْ اسْتِرْقَاقٍ ( وَإِنْ كَانُوا عَرَبًا ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ( أَوْ وَثَنِيِّينَ وَمِنْ فِدَاءٍ بِمَالٍ ) يُؤْخَذُ مِنْهُمْ ( لِلْغَانِمِينَ أَوْ بِرِجَالٍ ) أَوْ نِسَاءٍ أَوْ خَنَاثَى كَمَا فُهِمَا بِالْأَوْلَى ( مِنَّا ) مَأْسُورِينَ مَعَهُمْ ( وَإِنْ قَلُّوا عَنْهُمْ ) كَانَ فَدْيُ مُشْرِكَيْنِ بِمُسْلِمٍ ( وَبِأَسْلِحَتِنَا ) الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَرْبَعَةِ وَقَالَ تَعَالَى { اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ } وَقَالَ { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } وَقَالَ { حَتَّى إذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ } أَيْ بِالِاسْتِرْقَاقِ وَقَوْلُهُمْ مَنًّا تَبَعًا لِلنَّصِّ جَرَوْا فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ فَإِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ .
( قَوْلُهُ : وَيَفْعَلُ ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ ( قَوْلُهُ : بِالْمَصْلَحَةِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّ حَظَّ الْمُسْلِمِينَ مَا يَعُودُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَنَائِمِ وَحِفْظِ مُهَجَّنِهِمْ فَفِي الِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ حَظُّ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمَنِّ حَظُّ الْإِسْلَامِ وَكَتَبَ أَيْضًا فِي الِاسْتِرْقَاقِ وَالْفِدَاءِ حَظُّ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يَعُودُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَنَائِمِ وَفِي الْمَنِّ حَظُّ الْإِسْلَامِ قَالَ شَيْخُنَا كَمَا ذَكَرَ قَرِينُهُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا اسْتِرْقَاقٌ ) يَحِلُّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِاسْتِرْقَاقِهِ لَوْ بَاعَهُ الْإِمَامُ صَحَّ وَكَانَ حُكْمًا مِنْهُ بِإِرْقَاقِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَلْ يَجُوزُ رِقَاقُ بَعْضِ الشَّخْصِ بِنَاءً عَلَى اسْتِيلَادِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ هَلْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا أَمْ قَدْرُ مِلْكِ أَبِيهِ مِنْهُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَالتَّجْوِيزُ بَعِيدٌ لِعَدَمِ النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ غَالِبًا وَلَيْسَ الْبِنَاءُ بِالْبَيْنِ وَقَوْلُهُ هَلْ يَجُوزُ كَتَبَ الشَّيْخُ عَلَيْهِ يَجُوزُ إرْقَاقُ بَعْضِ الشَّخْصِ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ فَدَى ) بِفَتْحِ الْفَاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ الْمَدِّ ( قَوْلُهُ كَمَا فِيهِمَا بِالْأَوْلَى ) أَيْ مِنْ الْفِدَاءِ بِالْمَالِ وَمِنْ الْمَنِّ وَمِنْ الْفِدَاءِ بِأَسْلِحَتِنَا ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ ) هُوَ كَمَا قَالَ إذًا لِمَصْلَحَةٍ قَدْ تَقْتَضِيه
( وَلَا يَرُدُّ أَسْلِحَتَهُمْ ) الَّتِي بِأَيْدِينَا عَلَيْهِمْ ( بِمَالٍ ) يَبْذُلُونَهُ لَنَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ نَبِيعَهُمْ السِّلَاحَ ( وَهَلْ يَرُدُّهَا ) لَهُمْ ( بِأَسَارَى ) مِنَّا كَمَا تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِمْ وَلِأَنَّ مَا تَأْخُذُهُ خَيْرٌ مِمَّا يَبْذُلُهُ أَوْ لَا كَمَا لَا يَرُدُّهَا بِمَالٍ ( وَجْهَانِ ) أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ .
( قَوْلُهُ أَوْجُهُهُمَا الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ
( وَمَنْ اسْتَبَدَّ بِقَتْلِ أَسِيرٍ عُزِّرَ ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَمَانَ لَهُ وَهُوَ حُرٌّ إلَى أَنْ يُسْتَرَقَّ وَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ ، وَالْأَمْوَالُ لَا تُرَدُّ إلَيْهِمْ بَعْدَ الِاغْتِنَامِ ( وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ قَدْ اُسْتُرِقَّ ) قَبْلَ قَتْلِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ حَكَمَ بِقَتْلِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى قَاتِلِهِ سِوَى التَّعْزِيرِ وَإِنْ أَرَقَّهُ ضَمِنَهُ الْقَاتِلُ بِقِيمَتِهِ وَيَكُونُ غَنِيمَةً وَإِنْ مَنَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي مَأْمَنِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ هُدِرَ دَمُهُ وَإِنْ فَدَاهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْإِمَامِ فَدَاهُ ضَمِنَ دِيَتَهُ لِلْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَإِطْلَاقِهِ إلَى مَأْمَنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَوْدِهِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَسْرِهِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ إلَى مَأْمَنِهِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ دِيَتَهُ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ .
( قَوْلُهُ : وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ ) لَا يُقَالُ : إنَّهُ فَوْقَ الْإِرْقَاقِ فَهَلَّا كَانَ بِمَثَابَةِ تَفْوِيتِ الرِّقِّ بِالْغُرُورِ وَالْمَغْرُورِ تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِقَطْعِ الرِّقِّ مِنْ الْجَرَيَانِ قُلْنَا ذَاكَ الرِّقُّ كَانَ يَجْرِي لَا مَحَالَةَ لَوْ لَا الْغُرُورُ فَالْغُرُورُ دَفَعَ الرِّقَّ الَّذِي لَا حَاجَةَ لِتَحْصِيلِهِ وَالرِّقُّ لَا يَجْرِي عَلَى الْأَسِيرِ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَأَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِمَا نَحْنُ فِيهِ إتْلَافُ الْجِلْدِ الْقَابِلِ لِلدِّبَاغِ قَبْلَ الدَّبَّاغِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ مَعَ تَهَيُّئِهِ لِلدِّبَاغِ ابْتِدَاءً فَإِنْشَاءُ الدِّبَاغِ كَإِنْشَاءِ الْإِرْقَاقِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرَةِ الْمُحْتَرَمَةِ فَإِنَّهَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى وَجْهٍ لِأَنَّهَا لَوْ تُرِكَتْ فَإِلَى الْخَلِّ مَصِيرُهَا ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَصِحُّ اسْتِرْقَاقُ بَعْضِ شَخْصٍ ) مِنْهُمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ بِنَاءً عَلَى تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ فِي وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ .
( وَإِنْ أَسَرْنَا صَبِيًّا مُنْفَرِدًا ) عَنْ أَبَوَيْهِ ( رَقَّ ) كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَذَكَرَهُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَرِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مُنْفَرِدًا وَلَيْسَ مُرَادًا ( وَتَبِعَ السَّابِي ) فِي إسْلَامِهِ ( فَإِنْ قَتَلَهُ عَبْدُ اُقْتُصَّ مِنْهُ ) لِمُكَافَأَتِهِ لَهُ ، فَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَهُوَ قِيمَةُ عَبْدٍ مُسْلِمٍ .
( قَوْلُهُ : مُنْفَرِدًا ) قَيَّدَ لِقَوْلِهِ وَتَبِعَ السَّابِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبَوَيْهِ ( تَنْبِيهٌ ) يُتَصَوَّرُ سَبْيُ الْوَلَدِ وَاسْتِرْقَاقُهُ ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا فِي صُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلْكَافِرِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ بِأَمَةٍ لِحَرْبِيٍّ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَوْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَ الْحَرْبِيِّ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ، فَإِنَّ الْأَبَ يَصِيرُ مُسْلِمًا مَعَ كَوْنِهِ لِحَرْبِيٍّ ، فَإِذَا سَبَاهُ شَخْصٌ مَلَكَهُ أَوْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ
( وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ رَقَّ بِالْأَسْرِ ) وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ لِعُمُومِ خَبَرِ { لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ } إذْ لَمْ يُفَرَّقْ فِيهِ بَيْنَ الْمَنْكُوحَةِ وَغَيْرِهَا وَلِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَعَنْ زَوْجَتِهِ أَوْلَى ، وَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ لَهُ زَوْجَةٌ انْفَسَخَ النِّكَاحُ بِأَسْرِهِ .
( وَكَذَا ) يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأَسِيرِ ( إنْ اُسْتُرِقَّ لَا إنْ كَانَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ رَقِيقِينَ ) فَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ إذْ لَمْ يَحْدُثْ رِقٌّ وَإِنَّمَا انْتَقَلَ الْمِلْكُ مِنْ شَخْصٍ إلَى آخَرَ وَذَلِكَ لَا يَقْطَعُ النِّكَاحَ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا وَالْآخَرُ حُرًّا فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ سُبِيَا أَوْ الْحُرُّ وَحْدَهُ وَأَرَقَّهُ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا كَانَ زَوْجًا كَامِلًا انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِحُدُوثِ الرِّقِّ أَوْ الرَّقِيقِ وَحْدَهُ فَلَا لِعَدَمِ حُدُوثِهِ .
قَوْلُهُ : فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمَا إنْ سَبَّبَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ أَسْلَمَ ) مِنْ الْأَسْرَى ( رَجُلٌ حُرٌّ ) مُكَلَّفٌ ( قَبْلَ اخْتِيَارٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ( فِيهِ عَصَمَ دَمَهُ ) مِنْ الْقَتْلِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا } ( وَلَمْ يَرِقَّ ) بِإِسْلَامِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( فَيَخْتَارُ فِيهِ الْإِمَامُ مَا سِوَى الْقَتْلِ ) مِنْ إرْقَاقٍ وَمِنْ فِدَاءٍ كَمَا أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَبْقَى مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ ( لَكِنْ لَا يُفَادِي إلَّا مَنْ كَانَ عَزِيزًا فِي قَوْمِهِ ) أَوْ لَهُ فِيهِمْ عَشِيرَةٌ ( وَلَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ فِي دِينِهِ ) وَلَا فِي نَفْسِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَسْلَمَ رَجُلٌ حُرٌّ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ إلَخْ ) فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ فِيهِ الْمَنَّ أَوْ الْفِدَاءَ أَوْ الرِّقَّ لَمْ يَتَخَيَّرْ فِي الْبَاقِي بَلْ يَتَعَيَّنُ مَا اخْتَارَهُ ( قَوْلُهُ : فَيَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ مَا سِوَى الْقَتْلِ إلَخْ ) وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْأَسْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ إلَّا بِحَقِّهَا وَمِنْ حَقِّهَا أَنَّ مَالَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْأَسْرِ غَنِيمَةٌ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَرِدُ عَلَى مَفْهُومِهِ الْحَرْبِيُّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ أَمَانٍ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَتَخَيَّرُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ لَكِنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ وَاحِدَةً سَقَطَ الْكُلُّ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ فِي بَابِ الْهُدْنَةِ أَشَارَ إلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي السِّيَرِ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْهُدْنَةِ
( أَوْ ) أَسْلَمَ كَافِرٌ مُكَلَّفٌ ( قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً عَصَمَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ ) لِخَبَرِ السَّابِقِ ( وَ ) عَصَمَ ( وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ ) الْحُرَّيْنِ مِنْ السَّبْيِ ( وَكَذَا الْحَمْلُ ) تَبَعًا لَهُ فِيهِمَا ( لَا إنْ اُسْتُرِقَّتْ ) أُمُّهُ ( قَبْلَ إسْلَامِ الْأَبِ ) فَلَا يَعْصِمُهُ إسْلَامُهُ أَيْ لَا يَبْطُلُ رِقُّهُ كَالْمُنْفَصِلِ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ ( وَكَذَا ) يَعْصِمُ إسْلَامُهُ ( وَلَدَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ ) وَإِنْ كَانَ الِابْنُ حَيًّا ( وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ) أَيْ وَلَدِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ تَبَعًا لَهُ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّغِيرِ وَلَوْ عَبَّرَ بِوَلَدِ وَلَدِهِ كَانَ أَوْلَى ( وَلَا يَعْصِمُ ) إسْلَامُهُ ( زَوْجَتَهُ ) مِنْ السَّبْيِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَيُفَارِقُ عَتِيقَهُ بِأَنَّ الْوَلَاءَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ وَإِنْ تَرَاضَيَا ؛ لِأَنَّهُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا حُدُوثُ الرِّقِّ وَيُفَارِقُ أَيْضًا مَا لَوْ بَذَلَ الْجِزْيَةَ حَيْثُ يَمْتَنِعُ إرْقَاقُ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ الْبَالِغَةِ بِأَنَّ مَا يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُ الشَّخْصِ بِهِ لَا يُجْعَلُ فِيهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَالْبَالِغَةُ تَسْتَقِلُّ بِالْإِسْلَامِ وَلَا تَسْتَقِلُّ بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قَبْلَ الظَّفَرِ بِهِ ) أَيْ اسْتِرْقَاقِهِ
( وَإِنْ اُسْتُرِقَّتْ ) وَلَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ ( انْقَطَعَ نِكَاحُهُ ) لِزَوَالِ مِلْكِهَا عَنْ نَفْسِهَا فَزَوَالُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا أَوْلَى كَمَا مَرَّ وَلِامْتِنَاعِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا وَفِي تَعْبِيرِهِمْ هُنَا وَفِيمَا قَبْلَهُ بِاسْتُرِقَّتْ تَجُوزُ فَإِنَّهَا تَرِقُّ بِنَفْسِ الْأَسْرِ فَلَوْ عَبَّرُوا بِرَقَّتْ كَانَ أَوْلَى .
( وَلَا يَعْصِمُ ) إسْلَامُهُ ( ابْنَهُ ) الْأَوْلَى وَلَدُهُ ( الْبَالِغُ الْعَاقِلُ ) لِاسْتِقْلَالِهِ بِالْإِسْلَامِ .
( وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُسْلِمٌ حَرْبِيًّا ) رَقِيقًا أَوْ حُرًّا ( فَاسْتُرِقَّ أَوْ دَارُهُ فَغُنِمَتْ فَلَهُ اسْتِيفَاءُ مُدَّتِهِ ) ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْوَالِ مَمْلُوكَةٌ مِلْكًا تَامًّا مَضْمُونَةٌ بِالْيَدِ كَأَعْيَانِ الْأَمْوَالِ وَكَمَا لَا تُغْنَمُ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ لِلْمُسْلِمِ لَا تُغْنَمُ الْمَنَافِعُ الْمَمْلُوكَةُ لَهُ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ فَإِنَّهَا تُسْتَبَاحُ وَلَا تُمْلَكُ مِلْكًا تَامًّا وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ بِالْيَدِ .
( وَتُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ الْحَرْبِيَّةُ وَعَتِيقُهُ ) الْحَرْبِيُّ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ اُسْتُرِقَّ فَزَوْجَتُهُ وَعَتِيقُهُ أَوْلَى وَفِي قَوْلِهِ تَسْتَرِقُّ تَجُوزُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجَةِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَاسْتَشْكَلَ مَا ذُكِرَ بِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا عُقِدَتْ لَهُ الْجِزْيَةُ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ لِيَتَنَاوَلَ الْعَقْدَ لَهَا عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ وَهُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ بَعْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لَهَا أَوْ يُحْمَلُ مَا هُنَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ حِينَ الْعَقْدِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ .
( قَوْلُهُ وَتُسْتَرَقُّ زَوْجَةُ الذِّمِّيِّ الْحَرْبِيَّةِ ) لِأَنَّ مَحَلَّ الرِّقِّ الرَّقَبَةُ وَهِيَ فَارِغَةٌ عَنْ اسْتِحْقَاقِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ حَقَّهُ الْمَنْفَعَةُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا يُخَالِفُ كَلَامَهُمْ فِي أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا بَذَلَ الْجِزْيَةَ عَصَمَ نَفْسَهُ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ حِينَ الْعَقْدِ يَتَنَاوَلُهَا الْعَقْدُ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِيَّةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجَةُ الْمُتَّخَذَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ ، فَإِنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا أَوْ يُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَتُهُ دَاخِلَةً تَحْتَ الْقُدْرَةِ عِنْدَ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ ( قَوْلُهُ : وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الزَّوْجَةُ الْمَوْجُودَةُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَكَذَا ) تُسْتَرَقُّ ( زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ ) الْحَرْبِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ إسْلَامِهِ ( لَا عَتِيقُهُ ) كَمَا فِي زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ وَعَتِيقُهُ وَخَالَفَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فَصَحَّحَ عَدَمَ جَوَازِ اسْتِرْقَاقِ زَوْجَتِهِ مَعَ تَصْحِيحِهِ جَوَازَهُ فِي زَوْجَةِ مَنْ أَسْلَمَ .
( قَوْلُهُ : لَا عَتِيقُهُ ) وَلَوْ كَانَ حِينَ أَعْتَقَهُ كَافِرًا لَكِنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ الْأَسْرِ ( قَوْلُهُ : وَخَالَفَ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ فَصَحَّحَ إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ لَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا الْمُقْتَضَى كَلَامَ أَصْلِهِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لَوْ تَزَوَّجَ بِذِمِّيَّةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ إنَّهَا أُلْحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُسْتَرَقُّ قَوْلًا وَاحِدًا
( وَإِنْ نَقَضَ ذِمِّيٌّ ) عَهْدَهُ ( فَاسْتُرِقَّ وَمَلَكَهُ عَتِيقُهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَلِكُلٍّ ) مِنْهُمَا ( الْوَلَاءُ عَلَى الْآخَرِ ) فَوَلَاءُ السَّيِّدِ لَا يَبْطُلُ بِاسْتِرْقَاقِهِ .
( وَإِنْ اُسْتُرِقَّ حَرْبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) أَوْ مُعَاهَدٍ ( لَا حَرْبِيٍّ لَمْ يَسْقُطْ ) عَنْهُ ؛ لِأَنَّ شَغْلَ ذِمَّتِهِ قَدْ حَصَلَ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ ( وَقُضِيَ مِنْ مَالِهِ الْمَغْنُومِ بَعْدَ الرِّقِّ ) فَيُقَدَّمُ الدَّيْنُ عَلَى الْغَنِيمَةِ كَمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالرِّقِّ كَمَا يُقْضَى دَيْنُ الْمُرْتَدِّ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّ الرِّقَّ كَالْمَوْتِ وَالْحَجْرِ وَكِلَاهُمَا يُعَلِّقُ الدَّيْنَ بِالْمَالِ ( لَا ) مِنْ الْمَغْنُومِ ( قَبْلَهُ ) لِانْتِقَالِهِ لِلْغَانِمِينَ ( وَكَذَا لَوْ قَارَنَ ) الْغُنْمُ الرِّقَّ لِتَعَلُّقِ الْغَنِيمَةِ بِالْعَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ كَمَا يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ ( صَبَرَ ) رَبُّ الدَّيْنِ عَلَيْهِ ( إلَى الْعِتْقِ ) وَالْيَسَارِ فَيُطَالِبُهُ بِهِ ( فَلَوْ مَلَكَهُ ) أَيْ الْحَرْبِيَّ الْمَدِينَ ( الْغَرِيمُ سَقَطَ ) عَنْهُ الدَّيْنُ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَتَعْبِيرُهُ بِمِلْكِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَصْلِهِ فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِلسَّابِي لِاعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ شَيْئًا اخْتِلَاسًا أَوْ سَرِقَةً فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَعَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ السَّابِي مِنْ الْمَسْبِيِّ إلَّا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْ كُلِّهِ .
قَوْلُهُ أَوْ مُعَاهَدٍ ) أَوْ مُسْتَأْمَنٍ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الْغُنْمُ الرِّقَّ ) يَظْهَرُ وُجُودُ الْمُقَارَنَةِ فِي النِّسْوَةِ وَقَدْ يَفْرِضُ ذَلِكَ فِي الْكَامِلِ بِأَنْ يَقَعَ الِاغْتِنَامُ مَعَ اسْتِرْقَاقِ الْإِمَامِ لَهُ ( قَوْلُهُ : لِاعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيِّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَنْ أَخَذَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ شَيْئًا إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا دَارَنَا بِلَا أَمَانٍ فَسَرَقَ مِنْهُمْ شَيْئًا لَا يَكُونُ غَنِيمَةً و الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَقَدْ نَقَلَا عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ بِلَادَنَا فَأَخَذَهُ رَجُلٌ يَكُونُ فَيْئًا وَإِنْ دَخَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ كَانَ غَنِيمَةً لِأَنَّ لِأَخْذِهِ مُؤْنَةً وَعَلَى هَذَا فَذِكْرُ دَارِ الْحَرْبِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي كُلٌّ مِنْهُمَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ السَّابِي مِنْ الْمَسْبِيِّ إلَّا أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ ) بِأَنْ اخْتَارَ تَمَلُّكَهُ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ اسْتِرْقَاقَهُ
( وَإِنْ اُسْتُرِقَّ ) الْحَرْبِيُّ ( وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ ) أَوْ ذِمِّيٍّ ( لَمْ يَسْقُطْ ) بَلْ هُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ ( كَوَدِيعَتِهِ ) فَيُطَالِبُهُ بِهِ سَيِّدُهُ مَا لَمْ يَعْتِقْ فِيمَا يَظْهَرُ ( أَوْ عَلَى حَرْبِيٍّ سَقَطَ ) كَمَا لَوْ رَقَّ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ وَلَيْسَ الْحَرْبِيُّ مُلْتَزِمًا حَتَّى يُطَالَبَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ مِثْلُهُ .
( قَوْلُهُ : وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْمُعَاهَدَ مِثْلُهُ ) الْمُعَاهَدُ وَالْمُسْتَأْمَنُ كَالذِّمِّيِّ
( وَإِنْ أَسْلَمَ حَرْبِيَّانِ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنُ مُعَاوَضَةٍ ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَعَقْدِ صَدَاقٍ ( لَمْ يَسْقُطْ وَلَوْ سَبَقَ إسْلَامُ الْمَدْيُونِ ) إسْلَامَ الدَّائِنِ لِالْتِزَامِهِ بِعَقْدٍ فَاسْتُدِيمَ حُكْمُهُ كَمَا فِي أَحْكَامِ عُقُودِ أَنْكِحَتِهِمْ وَكَإِسْلَامِهِمَا قَبُولُهُمَا الْجِزْيَةَ أَوْ الْأَمَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( نَعَمْ ) لَا مَوْقِعَ لَهَا وَالْأَوْلَى وَإِنْ ( كَانَ ) الدَّيْنُ ( دَيْنَ إتْلَافٍ سَقَطَ ) إذْ لَا الْتِزَامَ وَلَا عَقْدَ يُسْتَدَامُ وَالْإِتْلَافُ نَوْعُ قَهْرٍ وَلِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْحَرْبِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَكَإِسْلَامِهِمَا إسْلَامُ أَحَدِهِمَا وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِإِسْلَامِ الْمُتْلِفِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفِي تَعْبِيرِهِ بِسَقَطَ تَسَمُّحٌ لِاقْتِضَاءِ أَنَّ الدَّيْنَ ثَبَتَ أَوَّلًا فَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ يُطَالَبْ كَانَ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَتَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِإِسْلَامِ الْمُتْلِفِ لِبَيَانِ مَحَلِّ الْخِلَافِ ) أَيْ وَقَبُولُ أَحَدِهِمَا الْجِزْيَةَ وَالْأَمَانَ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَإِذَا ثَبَتَ الْخِلَافُ مَعَ إسْلَامِ الْمُتْلِفِ فَمَعَ إسْلَامِ الْمُتْلَفِ عَلَيْهِ أَوْلَى وَقَدْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فِي الْوَجِيزِ
( وَإِنْ قَهَرَ مَدْيُونٌ غَرِيمَهُ أَوْ عَبْدٌ سَيِّدَهُ أَوْ امْرَأَةٌ زَوْجَهَا أَوْ وَالِدٌ وَلَدَهُ وَهُمَا حَرْبِيَّانِ مَلَكَهُ ) وَإِنْ كَانَ الْمَقْهُورُ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الدَّارَ دَارُ إبَاحَةٍ وَاسْتِيلَاءٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ ؛ لِأَنَّهَا دَارُ إنْصَافٍ قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الْقَهْرِ قَصْدَ الْمِلْكِ وَعِنْدِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَقَدْ يَكُونُ الْقَهْرُ لِلِاسْتِخْدَامِ وَغَيْرِهِ وَلَا مُمَيِّزَ ( لَكِنْ لَيْسَ لِلْأَبِ ) فِي الْأَخِيرَةِ ( بَيْعُهُ ) لِعِتْقِهِ عَلَيْهِ ( وَبَطَل الدَّيْنُ ) فِي الْأُولَى ( وَالرِّقُّ ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَالنِّكَاحُ ) فِي الثَّالِثَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَهَرَ مَدْيُونٌ غَرِيمَهُ أَوْ عَبْدٌ سَيِّدَهُ إلَخْ ) أَيْ سَوَاءٌ أَقَصَدَ تَمَلُّكَهُ أَمْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ اسْتِخْدَامَهُ أَوْ نَحْوَهُ
( وَإِنْ سُبِيَتْ امْرَأَةٌ وَوَلَدُهَا الصَّغِيرُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ ) بَلْ يُقَوَّمَانِ ، فَإِنْ وَافَقَتْ قِيمَتُهُمَا نَصِيبَ أَحَدِ الْغَانِمِينَ جُعِلَا لِوَاحِدٍ وَإِلَّا اشْتَرَكَ فِيهِمَا اثْنَانِ أَوْ بِيعَا وَجُعِلَ ثَمَنُهُمَا فِي الْمَغْنَمِ ( وَقَدْ سَبَقَ ) بَيَانُ تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِالْقِسْمَةِ وَنَحْوِهَا مَعَ زِيَادَةٍ ( فِي الْبَيْعِ ) .
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي إتْلَافِ أَمْوَالِهِمْ ) مِنْ تَخْرِيبِ بِنَاءٍ وَقَطْعِ شَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا ( لِلْإِمَامِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ لِلْمُسْلِمِينَ ( إتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ مِنْهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَحَرَّقَ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا } الْآيَةَ } وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ لِأَهْلِ الطَّائِفِ كُرُومًا } سَوَاءٌ أَتْلَفَهَا لِحَاجَةٍ أَوْ لَا مُغَايَظَةً لَهُمْ وَتَشْدِيدًا عَلَيْهِمْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ } الْآيَةَ ( فَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهَا لَنَا كُرِهَ ) إتْلَافُهَا حِفْظًا لِحَقِّ الْغَانِمِينَ وَلَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ شَيْئًا فَيَظْهَرُ خِلَافُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ نُدِبَ تَرْكُهُ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ الْأُولَى تَرْكُهُ ، فَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ فَلَا خِلَافَ أَمَّا الْحَيَوَانُ أَيْ الْمُحْتَرَمُ فَيَحْرُمُ إتْلَافُهُ لِحُرْمَتِهِ وَلِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ .
( قَوْلُهُ : لِلْإِمَامِ إتْلَافُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ مِنْهَا ) أَيْ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا عَلِمْنَا أَنَّا لَا نَصِلُ إلَى الظَّفَرِ بِهِمْ إلَّا بِهِ وَجَبَ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ ظَنَّ وُصُولَهَا لَنَا كُرِهَ ) جَعَلَ الْمَاوَرْدِيُّ الْكَلَامَ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّا لَا نَصِلُ إلَيْهِمْ إلَّا بِذَلِكَ فَيَجِبُ لِأَنَّ مَا أَدَّى إلَى الظَّفَرِ بِهِمْ وَجَبَ وَالثَّانِي أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الظَّفَرِ بِهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ لِأَنَّهَا مَغْنَمٌ لَنَا وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْفَعَنَا ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعُهُمْ فَهُوَ مُبَاحٌ وَالرَّابِعُ أَنْ لَا يَنْفَعَنَا وَلَا يَنْفَعُهُمْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا مَحْظُورٌ ( قَوْلُهُ : عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ نُدِبَ تَرْكُهُ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ ) خِلَافُ الْمَنْدُوبِ وَالْأَوْلَى يَصْدُقُ بِالْمَكْرُوهِ وَهُوَ الْمُرَادُ
( وَإِنْ غَنِمْنَاهَا ) بِأَنْ فَتَحْنَا دَارَهُمْ قَهْرًا أَوْ صُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَنَا أَوْ غَنِمْنَا أَمْوَالَهُمْ وَانْصَرَفْنَا ( حَرُمَ ) إتْلَافُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ غَنِيمَةً لَنَا وَكَذَا إنْ فَتَحْنَاهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ تَكُونَ لَهُمْ ( فَإِنْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَهَا وَكَانَتْ غَيْرَ حَيَوَانٍ جَازَ إتْلَافُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ لِئَلَّا يَأْخُذُوهَا فَيَتَقَوَّوْا بِهَا ( أَوْ ) كَانَتْ ( حَيَوَانًا فَلَا ) يَجُوزُ إتْلَافُهُ لِمَا مَرَّ ( لَكِنْ يُذْبَحُ ) الْمَأْكُولُ مِنْهُ ( لِلْأَكْلِ ) خَاصَّةً لِمَفْهُومِ خَبَرِ النَّهْيِ السَّابِقِ .
( وَيُعْقَرُ ) الْحَيَوَانُ ( لِلْحَاجَةِ ) فِي الْقِتَالِ إلَى عَقْرِهِ لِدَفْعِهِمْ أَوْ لِلظَّفَرِ بِهِمْ ( إنْ رَكِبُوهُ لِقِتَالِنَا أَوْ خِفْنَا أَنْ يَرْكَبُوهُ ) لِلْعُذْرِ وَلِأَنَّهُ كَالْآلَةِ لِلْقِتَالِ .
( وَإِنْ خِفْنَا اسْتِرْدَادَ نِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ ) وَنَحْوِهِمَا مِنَّا ( لَمْ يُقْتَلُوا ) لِتَأَكُّدِ احْتِرَامِهِمْ .
( فَرْعٌ مَا حَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْ كُتُبِهِمْ الْكُفْرِيَّةِ وَالْمُبَدَّلَةِ ) وَالْهَجَوِيَّةِ وَالْفَاحِشِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْأَصْلُ ( لَا التَّوَارِيخِ وَنَحْوِهَا ) مِمَّا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَكُتُبِ الطِّبِّ وَالشِّعْرِ وَاللُّغَةِ ( يُمْحَى ) بِالْغَسْلِ ( إنْ أَمْكَنَ ) مَعَ بَقَاءِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ ( وَإِلَّا مُزِّقَ ) وَإِنَّمَا نُقِرُّهُ بِأَيْدِي أَهْلِ الذِّمَّةِ لِاعْتِقَادِهِمْ كَمَا فِي الْخَمْرِ وَخَرَجَ بِتَمْزِيقِهِ تَحْرِيقُهُ فَلَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ لِلْمَزْقِ قِيمَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ وَلَا يَشْكُلُ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا جَمَعَ الْقُرْآنَ جَمَعَ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ وَأَحْرَقَهُ أَوْ أَمَرَ بِإِحْرَاقِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الَّتِي تَحْصُلُ بِالِانْتِشَارِ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهَا هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى أَمَّا مَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ بِحَالِهِ ( وَأَدْخَلَ ) مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَغْسُولِ وَالْمُمَزَّقِ ( فِي الْغَنِيمَةِ ) فَيُبَاعُ أَوْ يُقْسَمُ .
قَوْلُهُ : لِأَنَّ لِلْمُمَزَّقِ قِيمَةً وَإِنْ قَلَّتْ ) الْعِلَّةُ الْأُولَى ضَعِيفَةٌ وَالثَّانِيَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْمُعْتَبَرُ فِي التَّعْلِيلِ تَضْيِيعُ الْمَالِ ، فَإِذَا انْتَفَى كُرِهَ التَّحْرِيقُ
( وَتُتْلَفُ الْخَنَازِيرُ وَالْخُمُورُ لَا أَوَانِيهَا الثَّمِينَةُ ) فَلَا تُتْلَفُ بَلْ تُحْمَلُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمِينَةً بِأَنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهَا عَلَى مُؤْنَةِ حَمْلِهَا أُتْلِفَتْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ إتْلَافِهَا إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ فِيهَا وَيَتَكَلَّفُ حَمْلُهَا لِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ تُدْفَعُ إلَيْهِ وَلَا تُتْلَفُ وَبَيَّنَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ إنْ كَانَ يَعْدُو عَلَى النَّاسِ وَجَبَ إتْلَافُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُتَخَيَّرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ أَيْضًا وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ تُرَاقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَدْوَى .
( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَلْ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ أَيْضًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَكَلْبُ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةُ ) وَالزَّرْعُ وَنَحْوُهَا يُعْطَى ( لِمَنْ أَرَادَهُ ) مِنْ الْغَانِمِينَ أَوْ أَهْلِ الْخُمُسِ إنْ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِيهِ ( فَإِنْ تَنَازَعُوا ) فِيهِ ( وَكَانَتْ ) أَيْ الْكِلَابُ ( كَثِيرَةً ) وَأَمْكَنَ قِسْمَتُهَا عَدَدًا ( قُسِمَتْ بِالْعَدَدِ ) إذْ لَا قِيمَةَ لَهَا حَتَّى تُقْسَمَ بِالْقِيمَةِ ( وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ ) وَهَذَا مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ لَكِنْ أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ بِهَا مَنْ شَاءَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاعْتَرَضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الرَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ وَقَالَ : إنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ وَابْنَ الصَّبَّاغِ وَالْمَاوَرْدِيَّ قَالُوا : إنْ كَانَ فِي الْغَانِمِينَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ دُفِعَ إلَيْهِ وَإِلَّا دُفِعَ إلَى مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْخُمُسِ وَنَقَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ عَنْ النَّصِّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْخُمُسِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ اقْتِنَاؤُهُ تُرِكَ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ لَمْ أَجِدْهُ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ قَالَ فِي الشَّامِلِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا تَنَازَعَ فِيهَا الْغَانِمُونَ وَأَبْدَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْكِلَابِ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهَا قِيمَةً وَيَعْتَبِرُ مَنَافِعَهَا فَيُمْكِنُ مَجِيئُهُ هُنَا قُلْت : الظَّاهِرُ عَدَمُ مَجِيئِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِمْ : قُسِمَتْ عَدَدًا وَإِلَّا فَالْقُرْعَةُ وَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ بِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي الشَّامِلِ غَرِيبٌ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرُهُمْ ر ( قَوْلُهُ : قُلْت الظَّاهِرُ عَدَمُ مَجِيئِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الطَّرَفُ الرَّابِعُ فِي الِاغْتِنَامِ لَوْ دَخَلَ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ ) مِنَّا ( دَارَهُمْ مُخْتَفِيًا فَسَرَقَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ الْتَقَطَ مِنْ مَالِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ ) لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارَهُمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ ( وَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ) ثُمَّ جَحَدَهُ أَوْ هَرَبَ ( فَهُوَ لَهُ ) وَلَا يُخَمَّسُ وَقَوْلُهُمْ دَخَلَ دَارَهُمْ لَعَلَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِمْ فِي دَارِنَا وَلَا أَمَانَ لَهُمْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : لَعَلَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُشْبِهُ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى الْخَسِيسِ وَالثَّانِي عَلَى النَّفِيسِ وَحَاوَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالظَّاهِرُ وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ لُقَطَةِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ ، وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ وَهُوَ قَضِيَّةٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَمَنْ قَهَرَ ) مِنَّا ( حَرْبِيًّا وَأَخَذَ مَالَهُ وَهَدَايَاهُ فَغَنِيمَةٌ ) مُخَمَّسَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ وَقَوْلُهُ وَهَدَايَاهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَكَانَ الْمُرَادُ بِهِ هَدَايَاهُ الْمَحْمُولَةُ مَعَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِيمَا قَبْلَهُ .
( وَلَوْ قَدَّمَ الْكَافِرُ الْهَدِيَّةَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهِيَ غَنِيمَةٌ ) لَا يَخْتَصُّ بِهَا الْمُهْدَى إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَهَا إلَيْهِ وَالْحَرْبُ غَيْرُ قَائِمَةٍ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( احْتَمَلَ كَوْنُ اللُّقَطَةِ ) الْمَوْجُودَةِ ( بِدَارِهِمْ لِمُسْلِمٍ عَرَّفَهَا ) الْآخِذُ وُجُوبًا ( قِيلَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ) لِيَصِلَ إلَى الْأَجْنَادِ ( وَقِيلَ سَنَةً ) كَسَائِرِ اللُّقَطَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ تَرْجِيحُهُ ( ثُمَّ ) بَعْدَ تَعْرِيفِهِ ( يُخَمَّسُ غَنِيمَةً ) .
( وَالصَّيْدُ ) الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ ( وَالْحَشِيشُ الْمُبَاحُ ) وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَالْحَطَبِ وَالْحَجَرِ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا مِلْكٌ ( لِمَنْ أَخَذَهُ ) مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَدَارِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ مِلْكُ كَافِرٍ ( فَإِنْ مَلَكُوهُ ) أَيْ الْحَرْبِيُّونَ وَلَوْ ظَاهِرًا كَأَنْ وُجِدَ الصَّيْدُ مَوْسُومًا أَوْ مُقَرَّطًا بِأَنْ جُعِلَ الْقُرْطُ فِي أُذُنِهِ أَوْ الْحَشِيشُ مَجْزُوزًا أَوْ الْحَجَرُ مَصْنُوعًا ( فَغَنِيمَةٌ ) فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ فَهُوَ كَسَائِرِ اللُّقُطَاتِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ .
( وَلَوْ دَخَلَ صَبِيٌّ أَوْ امْرَأَةٌ ) أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ خُنْثَى مِنْهُمْ ( بِلَادَنَا فَأُخِذَ ) أَيْ أَخَذَهُ مُسْلِمٌ أَوْ أَخَذَ ضَالَّةً لِحَرْبِيٍّ مِنْ بِلَادِنَا ( كَانَ ) الْمَأْخُوذُ ( فَيْئًا ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِلَا قِتَالٍ وَمُؤْنَةٍ .
( أَوْ ) دَخَلَهَا ( رَجُلٌ ) حَرْبِيٌّ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ ( فَغَنِيمَةٌ ) ؛ لِأَنَّ لِأَخْذِهِ مُؤْنَةً وَ ( يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ فِيهِ ) فَإِنْ اسْتَرَقَّهُ كَانَ الْخُمُسُ لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ الضَّالَّةِ لِمَا مَرَّ .
( فَصْلٌ لِلْغَانِمِينَ ) قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ لِعُمْرَانِ دَارِ الْإِسْلَامِ ( التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( بِأَكْلِ الْقُوتِ وَالْأُدْمِ وَالْفَاكِهَةِ ) وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَادُ أَكْلُهُ لِلْآدَمِيِّ عُمُومًا كَالشَّحْمِ وَاللَّحْمِ ( وَالْعَلَفِ ) لِلدَّوَابِّ ( شَعِيرًا وَتِبْنًا ) وَنَحْوَهُمَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد الْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ { أَصَبْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ طَعَامًا فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا يَأْخُذُ مِنْهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ } وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَرْفَعُهُ } وَالْمَعْنَى فِيهِ عِزَّتُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ غَالِبًا لِإِحْرَازِ أَهْلِهِ لَهُ عَنَّا فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ مُبَاحًا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ وَقَدْ تَزِيدُ مُؤْنَةُ نَقْلِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعَهُ طَعَامٌ يَكْفِيه أَمْ لَا لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ وُجِدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا وَتَمَكَّنَ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُ جَازَ التَّبَسُّطُ أَيْضًا إلْحَاقًا لِدَارِهِمْ فِيهِ بِالسَّفَرِ فِي التَّرَخُّصِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّا لَوْ جَاهَدْنَاهُمْ فِي دَارِنَا امْتَنَعَ التَّبَسُّطُ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلِّ لَا يَعِزُّ فِيهِ الطَّعَامُ لِمَا سَيَأْتِي ( وَيَتَزَوَّدُونَ مِنْهُ ) لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ التَّبَسُّطِ وَالتَّزَوُّدِ ( بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ ) كَانُوا ( أَغْنِيَاءَ عَنْهُ ) لِإِطْلَاقِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ طَعَامَ الْوَلَائِمِ وَهُوَ مُبَاحٌ مُطْلَقًا وَلَوْ أَكَلَ فَوْقَ حَاجَتِهِ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ ( لَا ) بِأَكْلِ ( الْفَانِيدِ وَالسُّكَّرِ وَالْأَدْوِيَةِ ) الَّتِي تَنْدُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهَا لِنُدُورِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا ( وَلَا تَوْقِيحِ الدَّوَابِّ )
بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَسْحِهَا ( بِالدُّهْنِ ) الْمُذَابِ أَيْ الْمَغْلِيِّ كَالْمُدَاوَاةِ ( وَلَا إطْعَامِ الْبُزَاةِ وَنَحْوِهَا ) كَالصُّقُورِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الدَّوَابِّ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ صَاحِبُهَا عَلَى إطْعَامِهَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَرْسَلَهَا وَذَبَحَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ ( وَلَا الِانْتِفَاعُ بِمَرْكُوبٍ وَمَلْبُوسٍ ) مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَوْ خَالَفَ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ كَمَا تَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ إذَا أَتْلَفَ بَعْضَ الْأَعْيَانِ ( فَإِنْ احْتَاجَ ) إلَى الْمَلْبُوسِ ( لِبَرْدٍ أَوْ حَرٍّ لَبِسَهُ الْإِمَامُ ) لَهُ إمَّا ( بِالْأُجْرَةِ ) مُدَّةَ الْحَاجَةِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى الْمَغْنَمِ ( أَوْ حَسَبَهُ عَلَيْهِ ) مِنْ سَهْمِهِ ( كَالْأَدْوِيَةِ ) وَالْفَانِيدِ وَالسُّكَّرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا فَيُعْطِي الْإِمَامُ الْمَرِيضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهَا قَدْرَ حَاجَتِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ يَحْسِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ .
فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : لِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ ) ظَاهِرُهُ تَنَاوُلُ مَنْ لَهُ سَهْمٌ وَمَنْ لَهُ رَضْخٌ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَكِنَّ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ اللَّائِقُ بِالْقَوَاعِدِ انْتَهَى يُرَدُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُسْلِمِينَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُ وَالرَّضْخُ أَعْظَمُ مِنْ الطَّعَامِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْغَانِمِينَ يَشْمَلُ مِنْ لَا يُرْضَخُ لَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ لِلْجِهَادِ حَيْثُ صَحَّحْنَاهُ وَلِهَذَا عَبَّرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِالْجَيْشِ فَتَنَاوَلَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِمْ سُوقًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلِّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ وَقَعَ الْقِتَالُ فِي أَكْتَافِ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَحَلٍّ يَعِزُّ وُجُودُ الطَّعَامِ فِيهِ وَلَا يَجِدُونَهُ بِشِرَاءٍ فَيَجُوزُ لَهُمْ التَّبَسُّطُ فِي طَعَامِ الْغَنِيمَةِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ا هـ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالسُّكَّرُ ) أَيْ وَالْحَلْوَى
( وَلَهُ الْقِتَالُ بِالسِّلَاحِ ) بِلَا أُجْرَةٍ ( لِلضَّرُورَةِ ) إلَيْهِ فِيهِ ( وَيَرُدُّهُ ) إلَى الْمَغْنَمِ بَعْدَ زَوَالِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ اضْطَرَّ إلَى رُكُوبِ الْمَرْكُوبِ فِي الْقِتَالِ فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أُجْرَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ كَالْقِتَالِ بِالسِّلَاحِ .
( قَوْلُهُ : فَلَهُ رُكُوبُهُ بِلَا أُجْرَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلَوْ ذَبَحَ ) حَيَوَانًا ( لِلْأَكْلِ جَازَ ) وَلَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَتَنَاوُلِ الْأَطْعِمَةِ وَدَعْوَى النُّدُورِ مَمْنُوعَةٌ سَوَاءٌ الْغَنَمُ وَغَيْرُهَا بِخِلَافِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ( وَرَدَّ جِلْدَهُ ) إلَى الْمَغْنَمِ ( إلَّا مَا يُؤْكَلُ مَعَ اللَّحْمِ ) فَلَهُ أَكْلُهُ مَعَهُ ( فَإِنْ اتَّخَذَ مِنْهُ شِرَاكًا ) أَوْ سِقَاءً أَوْ نَحْوَهُ ( فَكَالْمَغْصُوبِ ) فَيَأْثَمُ بِذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ بِصَنْعَتِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيهَا بَلْ إنْ نَقَصَ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ لَزِمَهُ الْأُجْرَةُ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ ذَبْحِهِ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ) كَاِتِّخَاذِ جِلْدِهِ حِذَاءً وَرَكْوَةً
( وَلَا يَتَبَسَّطُ مَدَدٌ لَحِقُوا ) الْجَيْشَ ( بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا وَلِأَنَّهُمْ مَعَهُمْ كَغَيْرِ الضَّيْفِ مَعَ الضَّيْفِ وَمَا قَرَرْته هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ اعْتِبَارُ بَعْدِيَّةِ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَبْلَ حِيَازَةِ الْغَنِيمَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَمَا قَرَرْته هُوَ مُقْتَضَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ ) صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّبَسُّطُ لِمَنْ لَحِقَ بَعْدَ الْحَرْبِ وَقَبْلَ الْحِيَازَةِ
( فَإِنْ ضُيِّفَ بِمَا فَوْقَ حَاجَتِهِ الْغَانِمِينَ جَازَ ) وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَحَمُّلُ التَّعَبِ عَنْهُمْ ( أَوْ ) ضِيفَ بِهِ ( غَيْرُهُمْ فَكَغَاصِبِ ضَيْفِ ) غَيْرِهِ بِمَا غَصَبَهُ فَيَأْثَمُ بِهِ وَيَلْزَمُ الْآكِلَ ضَمَانُهُ وَيَكُونُ الْمُضَيِّفُ لَهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ .
( وَيَعْلِفُ الرَّجُلُ ) جَوَازًا مَا مَعَهُ مِنْ الدَّوَابِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَلَوْ دَابَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ) وَإِنْ لَمْ يُسْهِمْ إلَّا لِفَرَسٍ .
( وَإِذَا دَخَلُوا ) أَيْ الْمُتَبَسِّطُونَ ( عُمْرَانَ دَارِ الْإِسْلَامِ ) وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ ( لَا خَرَابُهُ ) الْأَوْلَى خَرَابُهَا ( رَدُّوا فَضْلَ الزَّادِ ) لِزَوَالِ الْحَاجَةِ وَكَوْنُ الْمَأْخُوذِ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْجَمِيعِ ( إلَى الْمَغْنَمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِلَى الْإِمَامِ بَعْدَهَا فَإِنْ كَثُرَتْ ) بَقِيَّةُ مَا أُخِذَ لِلتَّبَسُّطِ ( قُسِّمَتْ ) كَمَا قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ ( وَإِلَّا جُعِلْت فِي سَهْمِ الْمَصَالِحِ ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ إخْرَاجَ الْخُمُسِ مِنْهَا مُمْكِنٌ وَإِنَّمَا هَذَا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مُعَامَلَتِنَا ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُضَافَةً إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَهِيَ فِي قَبْضَتِنَا بِمَثَابَتِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ .
قَوْلُهُ : وَكَدَارِ الْإِسْلَامِ بَلَدُ أَهْلِ ذِمَّةٍ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ ) وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَكَتَبَ أَيْضًا هَذَا قَدْ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ الْقَوْلِ بِجَوَازِ التَّبَسُّطِ لِمَنْ مَعَهُ مَا يُغْنِيه وَسِيَاقُ كَلَامِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْجَيْشِ سَوْقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ التَّبَسُّطُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ سَاكِتٌ عَنْ هَذَا وَعَمَّا أَبْدَاهُ غ
( فَرْعٌ لَيْسَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فِيمَا تُزَوِّدُونَهُ وَمِنْ الْمَغْنَمِ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ الْأَخْذُ وَالْأَكْلُ كَالضَّيْفِ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا طَعَامَ أَنْفُسِهِمْ وَيَصْرِفُوا الْمَأْخُوذَ إلَى حَاجَةٍ أُخْرَى كَمَا لَا يَتَصَرَّفُ الضَّيْفُ فِيمَا قُدِّمَ لَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ .
( فَلَوْ أَقْرَضَ ) مِنْهُ ( غَانِمٌ غَانِمًا ) آخَرَ ( فَلَهُ مُطَالَبَتُهُ ) بِعَيْنِهِ أَوْ ( بِمِثْلِهِ مِنْ الْمَغْنَمِ ) مَا لَمْ يَدْخُلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ ( لَا مِنْ ) خَالِصِ ( مَالِهِ ) وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَهُ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَمْ تَزُلْ يَدُهُ عَنْهُ إلَّا بِبَدَلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ قَرْضًا مُحَقَّقًا ؛ لِأَنَّ الْآخِذَ لَا يَمْلِكُ الْمَأْخُوذَ حَتَّى يَمْلِكَهُ لِغَيْرِهِ فَلَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَأْخُذْهُ ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ لَا يُقَابَلُ بِالْمَمْلُوكِ وَعَلَيْهِ ( فَإِنْ نَفِدَ الطَّعَامُ ) أَيْ فَرَغَ ( سَقَطَتْ الْمُطَالَبَةُ ) وَإِذَا رَدَّ مِنْ الْمَغْنَمِ صَارَ الْأَوَّلُ أَحَقَّ بِهِ لِحُصُولِهِ فِي يَدِهِ .
( أَوْ دَخَلُوا دَارَ الْإِسْلَامِ ) وَلَمْ يَعِزَّ الطَّعَامُ ( رَدَّهُ الْمُقْتَرِضُ إلَى الْإِمَامِ ) لِانْقِطَاعِ حُقُوقِ الْغَانِمِينَ عَنْ أَطْعِمَةِ الْمَغْنَمِ ( فَإِنْ بَقِيَ ) بِيَدِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ ( عَيْنُ الْمُقْتَرَضِ رَدَّهُ إلَى الْمَغْنَمِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَضْلَ الزَّادِ يَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَهَذِهِ تُعْلَمُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأُولَى فِي رَدِّ الْمُقْرِضِ بِأَنْ رَدَّ لَهُ الْمُقْتَرَضُ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ دَارَ الْإِسْلَامِ ، وَالثَّانِيَةُ فِي رَدِّ الْمُقْتَرِضِ بِأَنْ لَمْ يَرُدَّهُ لِلْمُقْرِضِ قَبْلَ ذَلِكَ .
( وَإِنْ تَبَايَعَا ) أَيْ غَانِمَانِ مَا أَخَذَاهُ ( صَاعًا بِصَاعٍ أَوْ بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَانِ بِاللُّقَمِ ) أَيْ فَكَإِبْدَالِهِمْ لُقْمَةً بِلُقْمَةٍ أَوْ بِلُقْمَتَيْنِ فَلَا يَكُونُ رِبًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ مُحَقَّقَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى بِمَا صَارَ إلَيْهِ ( فَيَأْكُلَانِهِ وَلَا يَتَصَرَّفَانِ ) فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَبَايَعَا صَاعًا بِصَاعَيْنِ فَكَتَنَاوُلِ الضَّيْفَانِ بِاللُّقَمِ ) اسْتَشْكَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَبَعًا لِلْقَمُولِيِّ إبَاحَةُ هَذَا الْعَقْدِ مَعَ فَسَادِهِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ تَعَاطِيَ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ حَرَامٌ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا عَجِيبٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا إنَّ هَذَا عَقْدٌ وَإِنَّمَا هُوَ إبَاحَةٌ مِنْ خَصَائِصِ طَعَامِ الْحَرْبِ وَلِهَذَا قَصَرُوهُ عَلَى بَيْعِ الْمَأْكُولِ بِالْمَأْكُولِ كَمَا كَانَ مَقْصُورًا عَلَى إبَاحَةِ الْمَأْكُولِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَهَبٍ وَلَا وَرِقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ
( فَإِنْ قَلَّ الطَّعَامُ ) الْمَغْنُومُ وَاسْتَشْعَرَ الْإِمَامُ الِازْدِحَامَ وَالتَّنَازُعَ فِيهِ ( خَصَّ الْإِمَامُ بِهِ الْمُحْتَاجِينَ ) إلَيْهِ بِقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُمْ مِنْ مُزَاحِمَتِهِمْ .
( فَصْلٌ لَا يَمْلِكُونَ الْغَنِيمَةَ لَا بِالْقِسْمَةِ وَالِاخْتِيَارِ ) لِلْغَنِيمَةِ أَوْ لِتَمَلُّكِهَا أَيْ لَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَلَوْ عَبَّرَ بِأَوْ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِ كَانَ أَوْلَى فَقَدْ قَالَ فِي الْأَصْلِ الْعِبْرَةُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِسْمَةُ لِتَضَمُّنِهَا اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا كَحَقِّ الشُّفْعَةِ كَمَا قَالَ ( وَلَهُمْ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ بَعْدَ الْحِيَازَةِ ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ مَلَكُوا لَمْ يَصِحَّ إعْرَاضُهُمْ كَمَنْ احْتَطَبَ .
( قَوْلُهُ : لَا يَمْلِكُونَ الْغَنِيمَةَ لَا بِالْقِسْمَةِ ) قَالَ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ أُصُولُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَطَابِقَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلَا ظُلْمٍ وَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى ( قَوْلُهُ : فَلَوْ عَبَّرَ بِأَوْ بَلْ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الِاخْتِيَارِ كَانَ أَوْلَى ) الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْوَاوِ كَمَا صَنَعَهُ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ يَحْصُلُ بِالِاخْتِيَارِ وَحْدَهُ لَا بِالْقِسْمَةِ وَحْدَهَا
( وَلِكُلٍّ ) مِنْهُمْ ( الْإِعْرَاضُ عَنْ حَقِّهِ ) مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ ( وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِهِ لَهُ مَا لَمْ يَقْبَلْهُ ) أَيْ مَا أُفْرِزَ لَهُ ( أَوْ ) لَمْ ( يَخْتَرْ التَّمَلُّكَ ) لِمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنْ الْجِهَادِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالذَّبُّ عَنْ الْمِلَّةِ ، وَالْغَنَائِمُ تَابِعَةٌ فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَقَدْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِلْغَرَضِ الْأَعْظَمِ أَمَّا إذَا قَبِلَ مَا أُفْرِزَ لَهُ أَوْ اخْتَارَ التَّمَلُّكَ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ كَمَا مَرَّ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ وَكَمَا أَنَّ مَنْ اخْتَارَ فِي الْعُقُودِ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ لَا يَعْدِلُ إلَى الْآخَرِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حُقُوقَهُمْ بِإِقْرَارِ الْإِمَامِ مَعَ قَبْضِهِمْ لَهَا وَبِدُونِهِ مَعَ حُضُورِهِمْ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا إذَا قَبِلَ مَا أُفْرِزَ لَهُ أَوْ اخْتَارَ التَّمَلُّكَ إلَخْ ) كَقَوْلِهِ اخْتَرْت الْغَنِيمَةَ أَوْ اخْتَرْت الْقِسْمَةَ
( فَإِنْ وَهَبَ ) بَعْضُهُمْ ( نَصِيبَهُ لِلْغَانِمِينَ ) أَيْ لِبَاقِيهِمْ ( وَأَرَادَ الْإِسْقَاطَ ) لَهُ ( سَقَطَ أَوْ ) أَرَادَ ( تَمْلِيكَهُمْ ) إيَّاهُ ( فَلَا ) يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ .
( وَمَنْ مَاتَ ) مِنْهُمْ عَنْ نَصِيبِهِ ( فَوَارِثُهُ كَهُوَ ) فِيهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَيَمْلِكُهُ إنْ سَبَقَ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ كَالشُّفْعَةِ .
( فَلَوْ أَعْرَضُوا جَمِيعًا جَازَ وَصُرِفَ ) الْجَمِيعُ ( مَصْرِفَ الْخُمُسِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُصَحِّحَ لِلْإِعْرَاضِ يَشْمَلُ الْبَعْضَ وَالْجَمِيعَ .
( وَالسَّالِبُ ) أَيْ مُسْتَحِقُّ السَّلَبِ ( وَذُو الْقُرْبَى ) وَلَوْ وَاحِدًا ( وَالسَّفِيهُ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُمْ ) ؛ لِأَنَّ السَّلَبَ مُتَعَيِّنٌ لِمُسْتَحِقِّهِ بِالنَّصِّ كَالْوَارِثِ وَكَنَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْحَةٌ أَثْبَتَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ بِالْقَرَابَةِ بِلَا تَعَبٍ وَشُهُودِ وَقْعَةٍ كَالْإِرْثِ فَلَيْسُوا كَالْغَانِمِينَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ بِشُهُودِهِمْ مَحْضَ الْجِهَادِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالسَّفِيهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَره مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ نَفَقَةِ الْإِمَامِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا إنَّمَا فَرَّعَهُ الْإِمَامُ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِمُجَرَّدِ الِاغْتِنَامِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ : وَالسَّفِيهُ يَلْزَمُ حَقُّهُ عَلَى قَوْلِنَا : يَمْلِكُ وَلَا يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ إلَّا عَلَى قَوْلِنَا : إنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : الرَّاجِحُ صِحَّةُ إعْرَاضِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ اخْتِيَارُ التَّمَلُّكِ وَهُوَ حَقٌّ مَالِيٌّ وَلَا يَجُوزُ لِلسَّفِيهِ إعْرَاضُهُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالسِّرْجِينِ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَإِنَّهُ مَحْضُ عُقُوبَةٍ وَشُرِعَ لِلتَّشَفِّي فَلِهَذَا مَلَكَ الْعَفْوَ عَنْهُ فس وَكَتَبَ أَيْضًا الْفِقْهُ مَا رَجَّحَهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْغَنِيمَةِ إنْ حَصَلَ بِنَفْسِ الْحِيَازَةِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ فَإِثْبَاتُ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ لِلسَّفِيهِ حَقٌّ مَالِيٌّ وَلَا يَجُوزُ إعْرَاضُهُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالسَّرْجَيْنِ الْخَمْر وَجَلَدَ الْمَيِّتَة وَأَمَّا الْقِصَاص فَإِنَّهُ مَحْض عُقُوبَة شُرِعَ لِلتَّشَفِّي وَهُوَ الْوَاجِب عَيْنًا عَلَى الْأَصَحّ ت
( وَبَاقِي أَصْحَابِ الْخُمُسِ لَا يُتَصَوَّرُ إعْرَاضُهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ .
( وَالْمُعْرِضُ ) مِنْ الْغَانِمِينَ ( كَالْمَعْدُومِ ) فَيُقْسَمُ الْمَالُ خَمْسًا وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ إعْرَاضٌ فَالْإِعْرَاضُ إنَّمَا تَرْجِعُ فَائِدَتُهُ إلَى بَاقِي الْغَانِمِينَ دُونَ أَرْبَابِ الْخُمُسِ .
( قَوْلُهُ : فَالْإِعْرَاضُ إنَّمَا تَرْجِعُ فَائِدَتُهُ إلَخْ ) وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ نَصِيبِ الْمُعْرِضِ لِلْغَانِمِينَ وَخُمُسَهُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ ا هـ وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ وَقَدْ بَيَّنَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامَ الْإِمَامِ
( وَيَصِحُّ إعْرَاضُ مُفْلِسٍ ) مَحْجُورٍ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ كَالِاكْتِسَابِ ، وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْإِعْرَاضَ يَمْحَضُ جِهَادُهُ لِلْآخَرِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ .
( قَوْلُهُ : وَالْمُفْلِسُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ) فِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ لِابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الدَّيْنُ بِسَبَبٍ هُوَ عَاصٍ بِهِ كَمَا لَوْ حَرَّقَ ثَوْبَ إنْسَانٍ عُدْوَانًا فَعَلَيْهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكْتَسِبَ وَلَوْ بِتَأْجِيرِ نَفْسِهِ لِوَفَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ إذْ الْخُرُوجُ مِنْ الظَّلَّامَةِ أَحَدُ شُرُوطِ التَّوْبَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هَذَا هُنَا فَلَا يَعْرِضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَوْلُهُ فِي فَوَائِدِ الرِّحْلَةِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ إلَخْ
( لَا ) إعْرَاضَ ( عَبْدٍ وَصَبِيٍّ ) عَنْ الرَّضْخِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا غَنِمَهُ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ وَعِبَارَةُ الصَّبِيِّ مُلْغَاةٌ ( بَلْ ) الْإِعْرَاضُ ( لِلسَّيِّدِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ نَعَمْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الدُّيُونُ فَلَا يُظْهِرُ صِحَّةَ إعْرَاضِهِ فِي حَقِّهِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ ( لَا لِلْوَلِيِّ ) لِعَدَمِ الْحَظِّ فِي إعْرَاضِهِ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ بَلَغَ قَبْلَ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ صَحَّ إعْرَاضُهُ .
( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ كَانَ الْعَبْدُ مُكَاتَبًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيَصِحُّ إعْرَاضُ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي الْخَادِمِ وَيَصِحُّ إعْرَاضُ السَّيِّدِ فَبِالثَّانِي كَالْمُفْلِسِ بَلْ أَوْلَى قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَاسْتَحَقَّ لِرَضْخٍ صَحَّ إعْرَاضُهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى النَّصِّ إنْ كَسَبَهُ قَبْلَ إعْتَاقِهِ يَكُونُ لَهُ إذَا أَعْتَقَ وَالْمُبَعَّضُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ فَالِاعْتِبَارُ بِمَنْ وَقَعَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي نَوْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ دُخُولُ النَّادِرِ فِي الْمُهَايَأَةِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ إعْرَاضُهُ عَنْ الْمُخْتَصِّ بِهِ دُونَ الْمُخْتَصِّ بِالْمَالِكِ قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِهِمْ التَّعَرُّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ وَيَصِحُّ إعْرَاضُ السَّيِّدِ فِي الثَّانِي أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَوْ أَوْصَى وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْمُبَعَّضُ إنْ كَانَ إلَخْ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( سَرَقَ ) مِنْ الْغَنِيمَةِ ( غَانِمٌ أَوْ وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ عَبْدُهُ ) أَوْ سَيِّدُهُ ( قَدْرَ نَصِيبِهِ ) مِنْهَا ( رَدَّهُ ) إلَيْهَا ( فَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ ) يَرُدُّهُ إلَيْهَا ( وَلَمْ يُقْطَعْ ) حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِيهَا ( وَكَذَا ) لَوْ سَرَقَ ( أَكْثَرَ ) مِنْ نَصِيبِهِ يَرُدُّهُ فَإِنْ تَلِفَ فَبَدَلُهُ وَلَا يُقْطَعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ الْغَانِمُونَ مَحْصُورِينَ كَمَا فِي الْمَهْرِ الْآتِي بَيَانُهُ فِي الْفَرْعِ الْآتِي ( وَلَوْ بَعْدَ إفْرَازِ الْخُمْسِ ) سَوَاءٌ أَسَرَقَ مِنْهُ أَمْ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ بَلَغَ مَا سَرَقَهُ مِنْهَا نِصَابًا لِذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ قَدْرَ نَصِيبِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( أَوْ ) سَرَقَهُ ( أَجْنَبِيٌّ ) غَيْرُ كَافِرٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ ( قَبْلَ إفْرَازِ الْخُمْسِ أَوْ مِنْ الْخُمْسِ ) بَعْدَ إفْرَازِهِ وَقَبْلَ إخْرَاجِ خُمُسِهِ أَوْ مِنْ ( خُمُسِهِ ) أَيْ خُمُسِ الْخُمُسِ بَعْدَ إفْرَازِهِ ( لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَالًا لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ ( أَوْ مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ قُطِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا ( وَكَذَا ) لَوْ سَرَقَ ( مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا ) أَيْ أَهْلِ اسْتِحْقَاقِهَا وَإِلَّا فَلَا يُقْطَعْ .
( وَمَنْ غَلَّ ) مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا وَكَانَ مِنْ الْغَانِمِينَ ( عُزِّرَ ) .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( وَطِئَ غَانِمٌ جَارِيَةً ) مِنْ الْغَنِيمَةِ ( قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) وَقَبْلَ ( اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ ) لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ ( فَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ مِلْكٍ وَهَذَا الْحُكْمُ ثَابِتٌ بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( وَيُعَزَّرُ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ ) لَا جَاهِلٌ بِهِ بِأَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ بَلْ يُنْهَى عَنْهُ وَيُعَرَّفُ حُكْمَهُ ( وَلَزِمَهُ الْمَهْرُ ) لِلشُّبْهَةِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ ( فَإِنْ أَحَبْلَهَا لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ ) فِي حِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ ، فَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدُ بِسَهْمِهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُعْسِرِ .
( وَلَزِمَهُ أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ ) لِحِصَّةِ غَيْرِهِ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ لَكِنَّ عَدَمَ ثُبُوتِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي شَرْحَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ ثُبُوتُهُ فِي حِصَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ كَمَا فِي وَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِ أَقْوَى وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ يَسْرِي الِاسْتِيلَادُ مِنْ حِصَّةِ الْمُوسِرِ إلَى الْبَاقِي فَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ حِصَّةِ شُرَكَائِهِ بِخِلَافِ الْمُعْسِرِ وَيَدْخُلُ فِيهَا أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ وَفِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ هُنَا تَوَهُّمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُهِمَّاتِ وَقَدْ أَشَرْت إلَى بَعْضِهِ بِمَا تَقَرَّرَ ( وَيَسْقُطُ عَنْهُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمَهْرِ إنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ ) بِأَنْ تَيَسَّرَ ضَبْطُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى لِأَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا عَلَيْهِ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ فِي مَعْرِفَتِهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مَحْصُورِينَ وَلَمْ يُفْرِزْ الْإِمَامُ الْخُمُسَ
لِأَرْبَابِهِ وَلَا عَيَّنَ شَيْئًا أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي ( أَخَذَ ) الْمَهْرَ وَضَمَّ إلَى الْمَغْنَمِ ( وَهُوَ ) أَيْ نَصِيبُهُ ( يَرْجِعُ إلَيْهِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ ) وَلَا يُكَلَّفُ الْإِمَامُ ضَبْطَهُمْ وَمَعْرِفَةَ نَصِيبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ قَالَ الْإِمَامُ : وَلْيَخُصَّ مَا ذَكَرُوهُ بِمَا إذَا طَابَتْ نَفْسُهُ بِغُرْمِ الْجَمِيعِ ، فَإِنْ قَالَ أَسْقِطُوا نَصِيبِي فَلَا بُدَّ مِنْ إجَابَتِهِ وَيُؤْخَذُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُوقَفُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُ مَا قَالَهُ وَيَحْتَمِلُ أَخْذَ هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ وَالْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَلِئَلَّا يُقَدَّمَ بَعْضُ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي الْإِعْطَاءِ عَلَى بَعْضٍ أَيْ مَعَ ارْتِكَابِ الْمَشَقَّةِ .
( قَوْلُهُ كَأَنْ مَلَكَهَا بَعْدُ بِسَهْمِهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) انْعَكَسَ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الرَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَالصَّحِيحُ فِي الْأُولَى النُّفُوذُ وَفِي الثَّانِيَةِ تَفْرِيعًا عَلَى عَدَمِ النُّفُوذِ فِي الْحَالِ عَدَمُ النُّفُوذِ أَيْضًا إذَا مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تَحْكِي الْمَنْعَ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الَّذِي يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَإِذَا قِيلَ بِهِ فَلَوْ مَلَكَ الْجَارِيَةَ بِالْوُقُوعِ فِي سَهْمِهِ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَفِي نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ قَوْلَانِ يَطَّرِدُ أَنَّ فِي نَظَائِرِهِ وَالظَّاهِرُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَنْفُذُ فَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْمَنْصُوصُ رَاجِعٌ إلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ النُّفُوذُ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْمَحْكِيِّ أَوَّلًا عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرٍ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ حَكَى فِيهَا قَوْلَيْنِ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ هُنَا وَذَكَرَ تَفْرِيعَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ الثَّانِيَ ثُمَّ ذَكَرَ الثَّانِيَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَصَحَّحَهُ وَيُعْلَمُ التَّرْجِيحُ فِي التَّفْرِيعِ مِنْ نَظَائِرِهِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي نَظَائِرِهِ عَدَمُ النُّفُوذِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ شَيْخُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ فَقَالَ وَالنَّصُّ فِيمَا إذَا اسْتَوْلَدَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ عَلَى مَا مَرَّ وَكَذَلِكَ النَّقْلُ بَعْدَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَحَصَلَ فِي الرَّوْضَةِ الْخَلَلُ فِي التَّرْجِيحِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَفِي النَّقْلِ الْمَذْكُورِ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ بِسَبَبِ مَا فَهِمَهُ ( قَوْلُهُ : كَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ ) عِبَارَتُهُ فَفِي نُفُوذِهِ قَوْلَانِ كَنَظَائِرِهِ أَظْهَرُهُمَا
النُّفُوذُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَعَنَى بِنَظَائِرِهِ إيلَادُ الْمَرْهُونَةِ وَالْجَانِيَةِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ إيلَادُ أَمَةِ الْغَيْرِ بِنِكَاحٍ أَوْ شُبْهَةٍ وَلَا يُنَافِيه تَرْجِيحُ النُّفُوذِ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الِاتِّحَادِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَمَةِ الْمَغْنَمِ وَأَمَةِ الْغَيْرِ ظَاهِرٌ ش وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : الْمُتَّجَهُ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ نُفُوذِ الِاسْتِيلَادِ بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ مَلَكَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ جَارِيَةَ الْغَنِيمَةِ إنْ كَانَتْ بَعْدَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَوْ قَبْلَهُ وَقُلْنَا يَمْلِكُونَ فَنُفُوذُهُ وَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُونَ فَشُبْهَةُ حَقِّهِ فِي الْغَنِيمَةِ نَزَّلَتْهَا مَنْزِلَةَ الْمَمْلُوكَةِ بِدَلِيلِ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَنَفْيِ الْحَدِّ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهِيَ كَالْمَرْهُونَةِ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَهُوَ مُعْسِرٌ وَقُلْنَا بِعَدَمِ نُفُوذِهِ فِي الْحَالِ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا الْأَمَةُ الْجَانِيَةُ إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَهَذِهِ النَّظَائِرُ أَوْلَى بِالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَهُوَ مَا فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ فَوَضَحَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَنَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ بِالنَّظَائِرِ مَا قُلْنَاهُ ت ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الرَّوْضَةِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ خِلَافُ مَا قَالَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَحْتَمِلُ أَخْذَ هَذَا الْقَدْرِ مِنْهُ إلَخْ ) وَعَلَيْهِ جَرَى الْمُصَنِّفُ
( وَلَوْ جَعَلَ الْخُمُسَ ) بِأَنْ أَفْرَزَهُ الْإِمَامُ ( لِأَرْبَابِهِ ) وَكَانَ وَطْءُ الْغَانِمِ بَعْدَ تَمَلُّكِ الْغَانِمِينَ ( وَخَرَجَتْ ) أَيْ الْجَارِيَةُ ( فِي ) حِصَّةِ ( قَوْمٍ هُوَ ) أَيْ وَاطِئُهَا ( مِنْهُمْ فَهُمْ شُرَكَاؤُهُ ) فِيهَا ( وَلَا يَخْفَى حُكْمُهُ ) مِنْ أَنَّهُ يَغْرَمُ مِنْ الْمَهْرِ قِسْطَهُمْ ( وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِمْ فَكَمَا لَوْ كَانُوا مَحْصُورِينَ إلَّا أَنَّ الْمَهْرَ لَا يُخَمَّسُ ) هُنَا بَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ فَيَسْقُطُ عَنْ الْوَاطِئِ حِصَّتُهُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْبَاقِينَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَهْرِ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي قِيمَةِ السِّرَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( وَلَا يَثْبُتُ فِيهَا ) أَيْ الْجَارِيَةِ ( الْقِسْمَةُ وَهِيَ حَامِلٌ بِحُرٍّ إنْ جَعَلْنَاهَا ) أَيْ الْقِسْمَةَ ( بَيْعًا وَهَلْ تُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُ الْقِيمَةَ ) لِلْإِمَامِ فَيَجْعَلُهَا فِي الْمَغْنَمِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَحْبَالِ حَالَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَبَيْنَهَا بَيْعًا وَقِسْمَةً ( أَمْ تَكُونُ ) الْجَارِيَةُ ( حِصَّتَهُ إنْ احْتَمَلَ ) أَيْ احْتَمَلَتْهَا حِصَّتُهُ ( أَمْ تَدْخُلُ فِي الْقِسْمَةِ ) وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا بِحُرٍّ لِلضَّرُورَةِ ( فِيهِ خِلَافٌ ) وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ .
( فَإِنْ وَضَعَتْ ) حَمْلَهَا ( فَهُوَ حُرٌّ ) نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا هَذَا مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا كَالْعِرَاقِيِّينَ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْحُرُّ مِنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ فَقَطْ كَإِيلَادِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ فِي النِّكَاحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى وَطْءِ الْأَبِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ بَيْنَ ابْنِهِ وَأَجْنَبِيٍّ قَالَا هُنَا وَالْخِلَافُ فِي تَبْعِيضِ الْحُرِّيَّةِ يَجْرِي فِي وَلَدِ الشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ حُرٌّ كُلُّهُ لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ وَبَابِ الْكِتَابَةِ التَّبْعِيضَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَضْعَ الْوَلَدِ مَعَ أَنَّهُ حُرٌّ قَبْلَ وَضْعِهِ لَيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ( وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ رِقُّهُ بِإِحْبَالِهِ مَعَ عَدَمِ تَقْوِيمِ الْأُمِّ عَلَيْهِ ( وَحُكْمُهَا ) أَيْ قِيمَةِ الْوَلَدِ ( حُكْمُ الْمَهْرِ ) وَقِيمَةُ السِّرَايَةِ فِيمَا مَرَّ ( وَتُجْعَلُ الْأُمُّ فِي الْمَغْنَمِ ) فَتُخَمَّسُ مَعَ بَقِيَّةِ الْمَالِ ( وَإِنْ وَضَعَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) وَإِلَّا خُمِّسَتْ وَحْدَهَا وَقَوْلُهُ وَهَلْ تُقَوَّمُ إلَى آخِرِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى عَدَمِ ثُبُوتِ الِاسْتِيلَادِ وَلَوْ أَوْلَدَ امْرَأَةً بَعْضُهَا حُرٌّ بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا فَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ جَوَابُ الْقَاضِي أَنَّهُ كَالْأُمِّ حُرِّيَّةً وَرِقًّا قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْوَجْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِحُرِّيَّتِهِ إلَّا حُرِّيَّةُ الْأُمِّ فَيَتَقَدَّرُ بِهَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
S( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ بِالْإِحْبَالِ حَالَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَبَيْنَهَا ) فَالْقِيمَةُ هُنَا لِلْحَيْلُولَةِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ كَأَصْلِهِ فِي النِّكَاحِ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا ظَاهِرٌ ( قَوْلِهِ : لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ وَبَابِ الْكِتَابَةِ التَّبْعِيضَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْوَجْهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ الْخُمُسِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ بَعْدَ إفْرَازِ الْخُمُسِ ( غَانِمٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ حُدَّ كَوَطْءِ جَارِيَةٍ بِبَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَرِقَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ النَّفَقَةَ لَا الْإِعْفَافَ وَإِنْ وَطِئَ الْأَجْنَبِيُّ ) جَارِيَةً ( مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ حُدَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْغَانِمِينَ وَلَدٌ ) أَوْ مُكَاتَبٌ .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْغَانِمِينَ وَلَدٌ ) أَيْ أَوْ وَالِدٌ
( وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ كَانَ فِيهَا مِنْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ ) قَبْلَ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَفَارَقَ ثُبُوتَ الِاسْتِيلَادِ عَلَى مَا مَرَّ بِقُوَّةِ الِاسْتِيلَادِ بِدَلِيلِ نُفُوذِ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ وَاسْتِيلَادِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ دُونَ إعْتَاقِهِمَا وَبِأَنَّ الْوَطْءَ اخْتِيَارٌ لِلتَّمَلُّكِ بِدَلِيلِ جَعْلِ وَطْءِ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَسْخًا بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ أَمَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَيُنْظَرُ إلَى يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ فِي تَقْوِيمِ الْبَاقِي .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ) أَيْ فَلَيْسَ اخْتِيَارًا لِلتَّمَلُّكِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا : الْفَرْقُ الثَّانِي مَمْنُوعٌ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ مُنْفَرِدًا وَأَسَرَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ الْبَالِغَ ) الْعَاقِلَ ( لَمْ يَعْتِقْ ) مِنْهُ شَيْءٌ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِقُّ بِالْأَسْرِ ( حَتَّى يَخْتَارَ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ وَحِينَئِذٍ لِلسَّابِي تَمَلُّكُهُ فَإِنْ تَمَلَّكْهُ عَتَقَ ) عَلَيْهِ ( أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ الْخُمُسُ ) لِأَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهُ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَخْتَرْ الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ بِأَنْ اخْتَارَ قَتْلَهُ أَوْ فِدَاءَهُ أَوْ الْمَنَّ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ أَسَرَ أُمَّهُ أَوْ بِنْتَهُ الْبَالِغَةَ رَقَّتْ ) بِالْأَسْرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى اخْتِيَارِ الْإِمَامِ ( فَإِنْ اخْتَارَ ) السَّابِي ( التَّمَلُّكَ فَكَمَا مَرَّ ) فِي نَظِيرِهِ قَبْلَهَا ( وَكَذَا ابْنُهُ ) الْأَوْلَى وَلَدُهُ ( الصَّغِيرُ ) إنْ أَسَرَهُ رَقَّ بِالْأَسْرِ وَجَرَى فِيهِ مَا ذُكِرَ ( إنْ كَانَ رَقِيقًا ) لِحَرْبِيٍّ كَأَنْ تَزَوَّجَ حَرْبِيٌّ أَمَةً لِحَرْبِيٍّ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ أَوْ قَهَرَ حَرْبِيٌّ وَلَدَ الْحَرْبِيِّ أَوْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَ الْأَبُ فِي الثَّلَاثَةِ وَهَذَا الشَّرْطُ مِنْ زِيَادَتِهِ ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ لِتَصْوِيرِ سَبْيِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ ( لِأَنَّ الصَّغِيرَ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ ) فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ سَبْيُهُ فَإِذَا كَانَ رَقِيقًا لِحَرْبِيٍّ تُصُوِّرَ مِنْهُ ذَلِكَ .
( وَإِنْ كَانَ الْغَانِمُونَ قَلِيلِينَ وَأَخَذُوا ) أَيْ غَنِمُوا ( مِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ ) جَمِيعًا ( لَمْ يَتَوَقَّفْ عِتْقُهُمْ ) لَهُ ( إلَّا عَلَى اخْتِيَارِهِمْ ) التَّمَلُّكَ .
( فَصْلٌ ) فِي حُكْمِ عَقَارِ الْكُفَّارِ ( وَيَمْلِكُ عَقَارَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ ) عَلَيْهِ مَعَ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ كَالْمَنْقُولَاتِ وَلِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } الْآيَةَ وَخَرَجَ بِعَقَارِهِمْ مَوَاتُهُمْ فَلَا يُمْلَكُ بِالِاسْتِيلَاءِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ إذْ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْيَاءِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ .
فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَيَمْلِكُ عَقَارَهُمْ بِالِاسْتِيلَاءِ ) إنَّمَا تَعَرَّضُوا لِلْعَقَارِ مَعَ شُمُولِ الْغَنِيمَةِ لَهُ لِلْإِشَارَةِ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ خَيَّرَ الْإِمَامَ بَيْنَ قِسْمَتِهِ وَتَرْكِهِ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ وَوَقَفَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحُجَّتُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنْقُولِ
( أَمَّا مَكَّةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا ) لَا عَنْوَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ } وَقَوْلُهُ { وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } أَيْ بِالْقَهْرِ قَبْلَ الَّتِي عَجَّلَهَا لَهُمْ ، غَنَائِمُ حُنَيْنٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهَا غَنَائِمُ مَكَّةَ وَمَنْ قَالَ فُتِحَتْ عَنْوَةً مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ مُسْتَعِدًّا لِلْقِتَالِ لَوْ قُوتِلَ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا مَكَّةُ فَفُتِحَتْ صُلْحًا ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ إلَّا فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ قِتَالٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَثَرٌ فِي فَتْحِهَا لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } إلَخْ ) وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَثْنَى أَشْخَاصًا أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الِائْتِمَانِ لِلْبَاقِي
( فَبُيُوتُهَا مِلْكٌ لِأَهْلِهَا ) لَا وَقْفَ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا إذْ لَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَهَا وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ } يَعْنِي أَنَّهُ بَاعَهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا لِلْخِلَافِ وَنَازَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَقَالَ إنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ .
( قَوْلُهُ : وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ دَارٍ } ) أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ إلَّا مَا كَانَ الْمَيِّتُ مَالِكًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } فَنَسَبَ الدِّيَارَ إلَيْهِمْ كَمَا نَسَبَ الْأَمْوَالَ إلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَتْ الدِّيَارُ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ لَمَا كَانُوا مَظْلُومِينَ فِي الْإِخْرَاجِ مِنْ دُورٍ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لَهُمْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ } جَمِيعُ الْحَرَمِ وَإِنَّ اسْمَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ لَمَا جَازَ حَفْرُ بِئْرٍ وَلَا قَبْرٍ وَلَا التَّغَوُّطُ وَلَا الْبَوْلُ وَلَا إلْقَاءُ الْجِيَفِ وَلَا النَّتِنِ وَلَا نَعْلَمُ عَالِمًا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا كُرِهَ جُنُبٌ وَلَا حَائِضٌ دُخُولَ الْحَرَمِ وَلَا الْجِمَاعَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَجَازَ الِاعْتِكَافُ فِي دُورِ مَكَّةَ وَحَوَانِيتِهَا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ ) قَالُوا يُكْرَهُ الْمُشَمَّسُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَإِطَالَةُ الْجُلُوسِ عَلَى الْخَلَاءِ لِقَوْلِ لُقْمَانَ إنَّهُ يَحْدُثُ مِنْهُ الْبَاسُورُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الْمَكْرُوهُ بِمَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِدَلِيلِ كَرَاهَةِ لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنَّ مَا فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ مَكْرُوهٌ لَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ بِخُصُوصِهِ ع
( وَأَمَّا سَوَادُ الْعِرَاقِ ) مِنْ الْبِلَادِ وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْجِنْسِ إلَى بَعْضِهِ ؛ لِأَنَّ السَّوَادَ أَزْيَدُ مِنْ الْعِرَاقِ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ فَرْسَخًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَسُمِّيَ سَوَادًا ؛ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ الْبَادِيَةِ فَرَأَوْا خُضْرَةً الزَّرْعِ وَالْأَشْجَارِ الْمُلْتَفَّةِ ، وَالْخُضْرَةُ تُرَى مِنْ الْبُعْدِ سَوَادًا فَقَالُوا : مَا هَذَا السَّوَادُ وَلِأَنَّ بَيْنَ اللَّوْنَيْنِ مُتَقَارِبًا فَيُطْلَقُ اسْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ ( فَفُتِحَ ) فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( عَنْوَةً ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ قَهْرًا وَغَلَبَةً ؛ لِأَنَّهُ قَسَمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ( وَأَرْضَى عُمَرُ عَنْهُ الْغَانِمِينَ ) بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِهِ وَاسْتَرَدَّهُ ( وَوَقَفَهُ ) دُونَهُ بِنِيَّةِ دَوْرِهِ عَلَيْنَا ؛ لِأَنَّهُ خَافَ تَعَطُّلَ الْجِهَادِ بِاشْتِغَالِهِمْ بِعِمَارَتِهِ لَوْ تَرَكَهُ بِأَيْدِيهِمْ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْسَنْ قَطْعُ مَنْ بَعْدَهُمْ عَنْ رَقَبَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ ( وَأَجَّرَهُ مِنْ أَهْلِهِ إجَارَةً مُؤَبَّدَةً ) بِالْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَيْهِ عَلَى خِلَافِ سَائِرِ الْإِجَارَاتِ ( وَجُوِّزَتْ ) كَذَلِكَ ( لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِرْدَادِ رَجَعَ إلَى حُكْمِ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ بِالْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ مَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي أَمْوَالِنَا كَمَا يَأْتِي مِثْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَدْأَةِ وَالرَّجْعَةِ وَغَيْرِهِمَا .
( وَالْخَرَاجُ ) الْمَضْرُوبُ عَلَيْهِ ( أُجْرَةٌ ) مُنَجَّمَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالِحِنَا
( وَلَيْسَ لِأَهْلِ السَّوَادِ بَيْعُهُ وَرَهْنُهُ ) وَهِبَتُهُ لِكَوْنِهِ صَارَ وَقْفًا ( وَلَهُمْ إجَارَتُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا مُؤَبَّدَةً ) كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي إجَارَةِ عُمَرَ لِلْمَصْلَحَةِ الْكُلِّيَّةِ كَمَا مَرَّ .
( وَلَا يَجُوزُ ) لِغَيْرِ سَاكِنِيهِ ( إزْعَاجُهُمْ عَنْهُ ) وَيَقُولُ أَنَا أَسْتَغِلُّهُ وَأُعْطِي الْخَرَاجَ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا بِالْإِرْثِ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدِ بَعْضِ آبَائِهِمْ مَعَ عُمَرَ وَالْإِجَارَةُ لَازِمَةٌ لَا تَنْفَسِخُ بِالْمَوْتِ .
( وَأَمَّا دُورُهُمْ ) أَيْ أَبْنِيَتُهَا ( فَيَجُوزُ بَيْعُهَا ) إذْ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَلِهَذَا لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ وَلِأَنَّ وَقْفَهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِهَا نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ تَفَقُّهًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ وَقَطَعَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الدُّورِ حَالَ الْفَتْحِ وَقْفٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ .
( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَتْ آلَتُهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ النَّصِّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( ثُمَّ مَا فِيهَا ) أَيْ أَرْضِ سَوَادِ الْعِرَاقِ ( مِنْ الْأَشْجَارِ ثِمَارُهَا لِلْمُسْلِمِينَ يَبِيعُهَا الْإِمَامُ وَيَصْرِفُهَا ) أَيْ أَثْمَانَهَا وَلَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا وَيَصْرِفَهَا نَفْسَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( مَصَارِفُ الْخَرَاجِ وَمَصَارِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ ) مِنْهَا ( وَمِنْهَا أَهْلُ الْفَيْءِ ) أَغْنِيَاؤُهُمْ وَفُقَرَاؤُهُمْ .
( وَحَدُّ السَّوَادِ مِنْ عَبَّادَانَ ) بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ ( إلَى حَدِيقَةِ الْمَوْصِلِ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ ( طُولًا وَمِنْ ) عُذَيْبِ ( الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ ) بِضَمِّ الْحَاءِ ( عَرْضًا ) بِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّارِيخِ ( مَا خَلَا الْبَصْرَةَ ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَشْهُرُ مِنْ ضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ فَتْحِهِ وَوَقْفِهِ فَأَحْيَاهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَلَمْ يُعْبَدْ بِهَا صَنَمٌ قَطُّ ( إلَّا الْفُرَاتُ شَرْقِيَّ دِجْلَتِهَا وَ ) إلَّا ( نَهْرُ الصَّرَاةِ غَرْبِيَّهَا ) أَيْ غَرْبِيَّ دِجْلَتِهَا ( وَهُوَ ) أَيْ حَدُّ السَّوَادِ بِالْفَرَاسِخِ ( مِائَةٌ وَسِتُّونَ فَرْسَخًا طُولًا وَثَمَانُونَ عَرْضًا ) وَبِالْجَرِيبِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفَ جَرِيبٍ ، وَثَانِيهِمَا سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفٍ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ التَّفَاوُتُ إلَى مَا يَقَعُ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ مِنْ السِّبَاخِ وَالتُّلُولِ وَالطُّرُقِ وَمَجَارِي الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُزْرَعُ فَكَانَ بَعْضُهُمْ أَخْرَجَهَا عَنْ الْحِسَابِ .
( قَوْلُهُ : وَحَدُّ السَّوَادِ مِنْ عَبَّادَانَ إلَخْ ) الْمَبْدَأُ وَهُوَ عَبَّادَانُ دَاخِلٌ فِي الْحَدِّ وَكَذَا الْغَايَةُ وَهِيَ حَدِيقَةُ الْمَوْصِلِ وَكَذَا الْمَذْكُورَانِ فِي الْعَرْضِ دَاخِلَانِ
( وَالْخَرَاجُ ) أَيْ قَدْرُهُ ( فِي كُلِّ سَنَةٍ ) مَا فَرَضَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ لَمَّا بَعَثَهُ عُمَرُ مَاسِحًا وَهُوَ ( عَلَى جَرِيبِ شَعِيرٍ دِرْهَمَانِ وَ ) جَرِيبِ ( حِنْطَةٍ أَرْبَعَةٌ وَ ) جَرِيبِ ( شَجَرٍ وَ ) جَرِيبِ قَصَبِ ( سُكَّرٍ سِتَّةٌ وَ ) جَرِيبِ ( نَخْلٍ ثَمَانِيَةٌ وَ ) جَرِيبِ ( كَرْمٍ عَشْرَةٌ وَ ) جَرِيبِ ( زَيْتُونٍ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا ) وَالْجَرِيبُ عَشْرُ قَصَبَاتٍ كُلُّ قَصَبَةٍ سِتَّةُ أَذْرُعٍ بِالْهَاشِمِيِّ كُلُّ ذِرَاعٍ سِتُّ قَبَضَاتٍ كُلُّ قَبْضَةٍ أَرْبَعُ أَصَابِعَ فَالْجَرِيبُ سَاحَةٌ مُرَبَّعَةٌ مِنْ الْأَرْضِ بَيْنَ كُلِّ جَانِبَيْنِ مِنْهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا هَاشِمِيًّا وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ الْجَرِيبُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ .
( قَوْلُهُ : وَالْخَرَاجُ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ ) كَانَ مَبْلَغُ ارْتِفَاعِ خَرَاجِ السَّوَادِ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِائَةَ أَلْفِ أَلْفٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ تَنَاقَصَ إلَى أَنْ بَلَغَ فِي أَيَّامِ الْحَجَّاجِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ لِظُلْمِهِ وَغَشْمِهِ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ارْتَفَعَ بِعَدْلِهِ وَعِمَارَتِهِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى إلَى ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إلَى سِتِّينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ : إنْ عِشْت لَأَرُدَّنَّهُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي أَيَّامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَاتَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فس
وَأَمَّا مِصْرُ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ : إنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقِيلَ فُتِحَتْ صُلْحًا ثُمَّ نَكَثُوا فَفَتَحَهَا عُمَرُ ثَانِيًا عَنْوَةً وَفِي وَصِيَّةِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا مِصْرُ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي كِتَابِهِ النَّفَائِسُ فِي هَدْمِ الْكَنَائِسِ الصَّحِيحُ كَمَا حَكَاهُ النَّقَلَةُ الَّذِينَ يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِمْ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ أَنَّ الْقَاهِرَةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَكَتَبَ أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَنَّ عُمَرَ وَضَعَ عَلَى أَرَاضِيهِمْ الْخَرَاجَ د
وَأَمَّا الشَّامُ فَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مُدَّتَهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا فُتِحَ عَنْوَةً .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الشَّامُ إلَخْ ) رَجَّحَ السُّبْكِيُّ أَنَّ دِمَشْقَ فُتِحَتْ عَنْوَةً
( فَرْعٌ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ) الْيَوْمَ ( أَنْ يَقِفَ أَرْضِ الْغَنِيمَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( جَازَ ) وَكَذَا سَائِرُ عَقَارَاتِهَا وَمَنْقُولَاتِهَا ( إنْ رَضِيَ الْغَانِمُونَ ) بِذَلِكَ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( لَا قَهْرًا ) عَلَيْهِمْ ( وَإِنْ خَشِيَ أَنَّهَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ الْجِهَادِ ) ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ لَكِنْ يَقْهَرُهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَقْهَرْهُ وَيَكُونُ أَحَقَّ بِمَالِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ .
( وَلَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى الْكُفَّارِ إلَّا بِرِضَا الْغَانِمِينَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوهَا .
( الْبَابُ الثَّالِثِ فِي الْأَمَانِ ) لِلْكَافِرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ آيَةُ { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك } وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وَالذِّمَّةُ الْعَهْدُ وَالْأَمَانُ وَالْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ وَأَمَّا الذِّمَّةُ فِي قَوْلِهِمْ ثَبَتَ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ فَلَهَا مَعْنًى آخَرُ بَيَّنْتُهُ فِي الْبَيْعِ ( لِكُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ غَيْرِ أَسِيرٍ وَلَا مُكْرَهٍ حَتَّى امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ ) أَوْ فَاسِقٍ أَوْ سَفِيهٍ ( أَمَانُ كَافِرٍ وَكَافِرَةٍ غَيْرِ كَافِرٍ أَسِيرٍ ) سَوَاءٌ أَكَانَا بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لَا ( وَأَمَانُ جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ كَقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ ) أَيْ أَهْلِهَا فَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَلَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لَنَا وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِإِلْغَاءِ عِبَارَتِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ الْمُكْرَهُ وَالْأَسِيرُ أَيْ الْمُقَيَّدُ أَوْ الْمَحْبُوسُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْرَهًا ؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ بِأَيْدِيهِمْ لَا يُعْرَفُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ وَلِأَنَّ وَضْعَ الْأَمَانِ أَنْ يَأْمَنَ الْمُؤْمِنُ وَلَيْسَ الْأَسِيرُ أَمِينًا أَمَّا أَسِيرُ الدَّارِ وَهُوَ الْمُطْلَقُ بِبِلَادِ الْكُفْرِ الْمَمْنُوعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَيَصِحُّ أَمَانُهُ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَكُونُ مُؤَمَّنُهُ آمِنًا مِنَّا بِدَارِ الْحَرْبِ لَا غَيْرُ إلَّا أَنْ يُصَرِّحَ بِالْأَمَانِ فِي غَيْرِهَا وَبِغَيْرِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ الْأَسِيرِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ فِيهِ حَقٌّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِغَيْرِ الَّذِي أَسَرَهُ أَمَّا الَّذِي أَسَرَهُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُهُ إذَا كَانَ بَاقِيًا فِي يَدِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ الْإِمَامُ كَمَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَتَرْجِيحُ صِحَّةِ الْأَمَانِ لِلْكَافِرَةِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهَا جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهَا الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَبَعِيَّةُ أَمَانِهِمَا لِأَمَانِ