كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
عَنْ الْغَوْثِ فَلَا إحْرَازَ ( وَلَوْ نَحَّى ) السَّارِقُ ( النَّائِمِ ) فِي الْخَيْمَةِ وَأَبْعَدَهُ عَنْهَا ( ثُمَّ سَرَقَهَا ) أَوْ مَا فِيهَا ( لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِرْزًا حِينَ سَرَقَ
( قَوْلُهُ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَمِثْلُهَا كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ سُقُوفُ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَرُخَامُهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَتُحْرَزُ السَّائِمَةُ ) مِنْ إبِلٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وَغَيْرِهَا ( فِي الْمَرْعَى ) الْخَالِي عَنْ الْمَارِّينَ ( بِمُلَاحَظَةٍ لِرَاعٍ ) بِأَنَّهُ يَرَاهَا وَيَبْلُغُهَا صَوْتُهُ ( فَإِنْ نَامَ أَوْ غَفَلَ ) عَنْهَا ( أَوْ اسْتَتَرَ ) عَنْهُ ( بَعْضُهَا فَمُضَيِّعٌ ) لَهَا إلَّا الْأَخِيرَةَ فَلِبَعْضِهَا الْمُسْتَتِرِ عَنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُ الْمَرْعَى عَنْ الْمَارِّينَ حَصَلَ الْإِحْرَازُ بِنَظَرِهِمْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ ( وَإِنْ بَعُدَ ) عَنْ بَعْضِهَا ( وَلَمْ يَبْلُغْهَا ) يَعْنِي بَعْضَهَا ( صَوْتُهُ فَوَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ لِعَدَمِ بُلُوغِ الصَّوْتِ لَهُ ، وَالثَّانِي مُحْرَزٌ اكْتِفَاءً بِالنَّظَرِ لِإِمْكَانِ الْعَدْوِ إلَى مَا لَمْ يَبْلُغْهُ وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَعَزَاهُ الْعِمْرَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ إلَى الْأَكْثَرِينَ ( وَاشْتَرَطُوا بُلُوغَهُ ) أَيْ صَوْتِ الرَّاعِي ( فِي الْغَنَمِ ) كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا عَلَى مَا مَرَّ وَإِنْ كَانَتْ مُجْتَمِعَةً كَغَيْرِهَا هَذَا تَكْرَارٌ لِفَهْمِهِ مِمَّا مَرَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ قَبْلَهُ عَلَى غَيْرِهَا .
( وَ ) تُحْرَزُ السَّائِمَةُ ( فِي الْمُرَاحِ ) الْمُتَّصِلِ بِالْعِمَارَةِ ( بِإِغْلَاقِهِ ) أَيْ إغْلَاقِ بَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَارِسٌ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرَاحُ مِنْ حَطَبٍ أَمْ قَصَبٍ أَمْ حَشِيشٍ أَمْ غَيْرِهَا بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالنَّهَارِ وَلَا بِزَمَنِ الْأَمْنِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ فِي الدَّارِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ فِي أَمْرِ الْمَاشِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَحَاطَتْ بِهِ الْمَنَازِلُ الْأَهْلِيَّةُ ، فَلَوْ اتَّصَلَ بِهَا وَأَحَدُ جَوَانِبِهِ يَلِي الْبَرِّيَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهَا ( فَإِنْ كَانَ ) مَفْتُوحًا أَوْ ( بِبَرِّيَّةٍ اُشْتُرِطَ حَارِسٌ وَ ) لَوْ كَانَ ( يَنَامُ ) بِهَا ( إنْ أَغْلَقَ ) الْبَابَ ، فَإِنْ فُتِحَ
فِيهَا وَفِي الْمُتَّصِلِ بِالْعِمَارَةِ اُشْتُرِطَ اسْتِيقَاظُ الْحَارِسِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَوْمَهُ حِينَئِذٍ بِالْبَابِ كَافٍ كَمَا مَرَّ فِي الدُّورِ بَلْ أَوْلَى لِقُوَّةِ الْإِحْسَاسِ لِخُرُوجِ السَّائِمَةِ
( قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَخْ ) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ الصَّحِيحُ فَهُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَاشْتَرَطُوا بُلُوغَهُ فِي الْغَنَمِ ) مَا جَرَى عَلَيْهِ فِيهَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِهِ وَالْوَجْهُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا فِيهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِيلَ وَاشْتَرَطُوا ( قَوْلُهُ هَذَا تَكْرَارٌ لِفَهْمِهِ مِمَّا مَرَّ ) أَفْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ كَلَامَ أَصْلِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بُلُوغِ صَوْتِهِ لِجَمِيعِهَا وَالْوَجْهُ أَنَّهَا كَغَيْرِهَا فِيهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِيلَ : وَاشْتَرَطُوا وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ الْآهِلَةُ ) أَيْ بِهَا أَهْلُهَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ يَنَامُ بِهَا ) مَا أَطْلَقَاهُ مِنْ الْإِحْرَازِ بِالنَّائِمِ شَرَطَ فِيهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا يُوقِظُهُ لَوْ سُرِقَتْ مِنْ كِلَابٍ تَنْبَحُ أَوْ جَرَسٌ تَتَحَرَّكُ ، فَإِنْ أَخَلَّ بِهَذَا عِنْدَ نَوْمِهِ لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ وَيُؤَيَّدُ مَا يَذْكُرُهُ فِي الْمَعْقُولَةِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَوْمَهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَتُحْرَزُ الدَّوَابُّ السَّائِرَةُ فِي شَارِعٍ وَأَوْلَادُهَا ) التَّابِعَةُ لَهَا ( بِسَائِقٍ ) لَهَا ( يَرَى ) هَا ( كُلَّهَا أَوْ قَائِدٍ لَهَا كَذَلِكَ ) أَيْ يَرَاهَا كُلَّهَا إذَا الْتَفَتَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا تُحْرَزُ بِهِ ( إنْ أَكْثَرَ الِالْتِفَاتَ ) إلَيْهَا ، فَإِنْ لَمْ يَرَ بَعْضَهَا الْحَائِلَ فَهُوَ غَيْرُ مُحْرَزٍ ( فَإِنْ رَكِبَ بَعْضَهَا فَقَائِدٌ لِمَا بَعْدَهُ سَائِقٌ لِمَا قَبْلَهُ ) وَيَأْتِي فِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الصَّوْتِ لَهَا مَا مَرَّ فِي الرَّاعِيَةِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ غَيْرَ إبِلٍ وَبِغَالٍ لَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهَا مَقْطُورَةً ( وَإِنْ كَانَتْ إبِلًا أَوْ بِغَالًا اُشْتُرِطَ قِطَارٌ لَهَا ) أَيْ كَوْنُهَا مَقْطُورَةً ؛ لِأَنَّهَا لَا تَسِيرُ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ يَقْرُبَ مِنْهَا أَوْ يَقَعَ نَظَرُهُ عَلَيْهَا وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَبِهِ الْفَتْوَى فَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمُّ وَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الثَّانِيَ وَتَبِعَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ بِسَوْقِ إبِلِهِمْ بِلَا تَقْطِيرٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ .
وَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقِطَارِ ( كَالْعَادَةِ ) وَقَدَّرُوهُ بِتِسْعَةٍ وَخَالَفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَدَّرَهُ بِسَبْعَةٍ وَقَالَ : إنَّ الْأَوَّلَ تَصْحِيفٌ ( فَلَوْ زَادَ عَلَى تِسْعَةٍ جَازَ ) أَيْ كَانَ الزَّائِدُ مُحْرَزًا ( فِي الصَّحْرَاءِ لَا ) فِي ( الْعُمْرَانِ ) وَقِيلَ غَيْرُ مُحْرَزٍ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ وَقِيلَ لَا يَتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ وَمَا ذَكَرَهُ تَوَسُّطٌ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَتْبَاعُهُ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالتِّسْعِ أَوْ السَّبْعِ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَا وَسَبَبُ اضْطِرَابِهِمْ فِي
الْعَدَدِ اضْطِرَابُ الْعُرْفِ فِيهِ فَالْأَشْبَهُ الرُّجُوعُ فِي كُلِّ مَكَان إلَى عُرْفِهِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْوَافِي ( وَمَا غَابَ عَنْ نَظَرِهِ ) فِي السَّائِرَةِ ( فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ ) كَمَا فِي السَّائِمَةِ فِي الْمَرْعَى ( وَلِلَبَنِهَا وَمَا عَلَيْهَا ) مِنْ صُوفٍ وَوَبَرٍ وَمَتَاعٍ وَغَيْرِهَا ( حُكْمُهَا ) فِي الْإِحْرَازِ وَعَدَمِهِ لَكِنْ لَوْ حَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ حَتَّى بَلَغَ نِصَابًا فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَحَدُهُمَا لَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ مِنْ إحْرَازٍ ؛ لِأَنَّ كُلَّ ضَرْعٍ حِرْزٌ لِلَبَنِهِ وَثَانِيهِمَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَاحَ حِرْزٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهَا قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي جَزِّ الصُّوفِ وَنَحْوِهِ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّوَابُّ لِوَاحِدٍ أَوْ مُشْتَرَكَةً أَيْ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ قُطِعَ بِالثَّانِي ( وَقَدْ يُسْتَغْنَى ) فِيمَا إذَا سَيَّرَهَا ( فِي السُّوقِ ) وَنَحْوِهِ ( بِنَظَرِ الْمَارَّةِ ) عَنْ نَظَرِهِ
قَوْلُهُ وَتَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَخَالَفَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَقَدَّرَهُ بِسَبْعَةٍ إلَخْ ) اعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ تِسْعَةٌ بِالثَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْعِمْرَانِيُّ وَكَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْوَسِيطِ وَنَسَبَهُ فِي الْبَسِيطِ إلَى الْأَصْحَابِ وَكَذَا رَأَيْته فِي التَّرْغِيبِ بِخَطِّ مُؤَلِّفِهِ وَعَلَيْهِ جَرَى الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَصَدَّرَا بِهِ كَلَامَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَسِيطِ وَأَقْصَى عَدَدِ الْقِطَارِ تِسْعَةٌ بِالْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ ، وَالصَّحِيحُ سَبْعَةٌ بِالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ السِّينِ وَعَلَيْهِ الْعُرْفُ ا هـ وَقَدْ بَيَّنَّا لَك أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْكُتُبِ تِسْعَةٌ بِالتَّاءِ فِي أَوَّلِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْوَجِيزِ وَالْوَسِيطِ وَالنِّهَايَةِ سَبْعَةٌ ، فَإِنْ كَانَ عُمْدَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ ذَلِكَ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ لِمَا نَقَلْنَاهُ وَالسَّبْعَةُ بِالسِّينِ فِي أَوَّلِهَا تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ فَاعْلَمْهُ غ ( قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ تَوَسُّطٌ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَصَحَّحَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَثَانِيهِمَا يُقْطَعُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخِلَافِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَتُحْرَزُ الْإِبِلُ الْمُعَقَّلَةُ ) الْوَجْهُ قَوْلُ الْأَصْلِ الْمَعْقُولَةُ ( فِي الْمُنَاخِ ) بِحَارِسٍ وَلَوْ ( بِالنَّائِمِ ) ؛ لِأَنَّ فِي حِلِّهَا مَا يُوقِظُهُ ( وَغَيْرُهَا بِالْمُلَاحِظِ ) لَهَا وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُلَاحَظَةِ ( وَقَدْ يُجْزِئُ ) حَارِسٌ ( وَاحِدٌ فِي غَنَمٍ فِي الصَّحْرَاءِ دُونَ الْعُمْرَانِ ، وَالْقَبْرُ فِي ) بَيْتٍ مُحْرَزٌ أَوْ ( مَقْبَرَةٍ ) فِي عِمَارَةٍ وَلَوْ ( بِجَنْبِ الْبَلَدِ لَا فِي مَفَازَةٍ ) أَوْ عِمَارَةٍ غَيْرِ مُحْرَزَةٍ ( حِرْزٌ لِلْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ ) لِلْعَادَةِ بِخِلَافِ الْمَنْفِيِّ ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى انْتِهَازِ فُرْصَةٍ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِيهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الشَّرْعِيِّ كَأَنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَلَيْسَ الزَّائِدُ بِمُحْرَزٍ بِالْقَبْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ ، فَإِنَّهُ مُحْرَزٌ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ الرَّازِيّ وَلَوْ غَالَى فِي الْكَفَنِ بِحَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ لَا يُخَلَّى مِثْلُهُ بِلَا حَارِسٍ لَمْ يُقْطَعْ سَارِقُهُ وَإِذَا كَانَ الْكَفَنُ مُحْرَزًا بِالْقَبْرِ ( فَيُقْطَعُ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ جَمِيعِ الْقَبْرِ ) إلَى خَارِجِهِ لَا مِنْ اللَّحْدِ إلَى فَضَاءِ الْقَبْرِ وَتَرَكَهُ ثَمَّ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ حِرْزِهِ وَعَطَفَ عَلَى الْكَفَنِ قَوْلَهُ ( لَا لِغَيْرِهِ ) بِأَنْ دُفِنَ مَعَ الْمَيِّتِ غَيْرُ الْكَفَنِ فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ كَمَا مَرَّ فِي الزَّائِدِ عَلَى الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ وَهَذَا مَفْهُومٌ مِمَّا عُطِفَ عَلَيْهِ بَلْ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ لَا غَيْرُهُ .
( وَلَوْ كُفِّنَ ) الْمَيِّتُ ( مِنْ التَّرِكَةِ فَنُبِشَ ) قَبْرُهُ وَأُخِذَ مِنْهُ ( طَالِب بِهِ الْوَرَثَةُ ) مَنْ أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَإِنْ قُدِّمَ بِهِ الْمَيِّتُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ ( وَلَوْ أَكَلَهُ ) أَيْ الْمَيِّتَ ( سَبُعٌ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ وَبَقِيَ الْكَفَنُ ( اقْتَسَمُوا الْكَفَنَ ) لِذَلِكَ ( وَلَوْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ سَيِّدٌ ) مِنْ مَالِهِ أَوْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ( فَهُوَ
) أَيْ الْكَفَنُ ( كَالْعَارِيَّةِ لِلْمَيِّتِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ابْتِدَاءً فَكَانَ الْمُكَفِّنُ مُعَبِّرَ إعَارَةٍ لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا كَإِعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ ( فَيُقْطَعُ بِهِ غَيْرُ الْمُعَبِّرِ ) وَفِي نُسْخَةٍ غَيْرُ الْمُكَفِّنِ ، وَالْخَصْمُ فِيهِ الْمَالِكُ فِي الْأُولَيَيْنِ ، وَالْإِمَامُ فِي الثَّالِثَةِ ( وَإِنْ سُرِقَ الْكَفَنُ ) وَضَاعَ وَلَمْ تُقْسَمْ التَّرِكَةُ ( أَبْدَلَ ) لُزُومًا ( مِنْ التَّرِكَةِ ) وَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ مِنْ غَيْرِ مَالِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرِكَةٌ فَكَمَنْ مَاتَ وَلَا تَرِكَةَ لَهُ ( فَلَوْ قُسِمَتْ ثُمَّ سُرِقَ ) الْكَفَنُ ( لَمْ يَلْزَمْهُمْ ) إبْدَالُهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ هَذَا إذَا كُفِّنَ أَوَّلًا فِي الثَّلَاثَةِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لَهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ التَّكْفِينُ بِهَا عَلَى رِضَا الْوَرَثَةِ أَمَّا لَوْ كَفَّنَ مِنْهَا بِوَاحِدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُمْ تَكْفِينُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِثَانٍ وَثَالِثٍ ، وَالْخَمْسَةُ لِلْمَرْأَةِ كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ ( وَتَنْضِيضُ الْحِجَارَةِ ) أَيْ جَمْعُهَا ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ( عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَفْرِ كَالدَّفْنِ ) لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الْحَفْرُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْفَسَاقِي الْمَعْرُوفَةُ كَبَيْتِ قَوَدٍ حَتَّى إذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِرْزٍ وَلَا لَهَا حَافِظٌ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ مِنْهَا ، فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَلْقَى عَنَاءً فِي النَّبْشِ بِخِلَافِ الْقَبْرِ الْمُحْكَمِ عَلَى الْعَادَةِ .
( وَلَيْسَ الْبَحْرُ حِرْزًا لِكَفَنِ ) الْمَيِّتِ ( الْمَطْرُوحِ فِيهِ ) فَلَا يُقْطَعُ آخِذُهُ ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَضَعَ الْمَيِّتَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ وَأَخَذَ كَفَنَهُ ( وَلَوْ غَاصَ ) فِي الْمَاءِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ حِرْزًا لَهُ فَلَا يُقْطَعُ آخِذُهُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ طَرْحَهُ فِي الْمَاءِ لَا يُعَدُّ إحْرَازًا كَمَا لَوْ تَرَكَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَغَيَّبَتْهُ الرِّيحُ بِالتُّرَابِ قَالَ فِي
الْأَصْلِ وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِيهِ
( قَوْلُهُ الْوَجْهُ تَعْبِيرُ قَوْلِ الْأَصْلِ الْمَعْقُولَةُ ) تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُعَقَّلَةِ بِالتَّشْدِيدِ صَحِيحٌ فَقَدْ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ : عَقَلْت الْإِبِلَ مِنْ الْعُقَّالِ شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ قَالَ وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ فِي الْفِنَاءِ ( قَوْلُهُ وَالْقَبْرُ فِي مَقْبَرَةٍ بِجَنْبِ الْبَلَدِ إلَخْ ) أَطْلَقَ الشَّيْخَانِ الْقَبْرَ الَّذِي فِي الْمَقْبَرَةِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنْ يَكُونَ الْقَبْرُ عَمِيقًا عَلَى مَعْهُودِ الْقُبُورِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَمِيقًا كَانَ دَفْنُهُ قَرِيبًا مِنْ ظَاهِرِ الْأَرْضِ لَمْ يُقْطَعْ وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْقَبْرِ مُحْتَرَمًا حَتَّى وَلَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ فَسَرَقَ مِنْهُ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ النَّبْشِ شَرْعًا وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمًا لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ( قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا أَخْرَجَهُ وَحْدَهُ ) فَلَوْ أَخْرَجَ الْمَيِّتَ بِكَفَنِهِ فَفِي الْقَطْعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَقَضِيَّةُ مَا سَيَأْتِي فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ الْحُرِّ الْعَاقِلِ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ ( قَوْلُهُ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ ) الطَّيِّبِ الْمَسْنُونِ كَالْكَفَنِ وَالْمِضْرَبَةِ وَالْوِسَادَةِ وَغَيْرِهِمَا كَالزَّائِدِ وَالطِّيبِ الزَّائِدِ عَلَى مَا يُسْتَحَبُّ كَذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالتَّابُوتُ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ كَالْأَكْفَانِ الزَّائِدَةِ وَجَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي التَّابُوتِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ أَنَّهُ يَكُونُ كَالْكَفَنِ الْجَائِزِ فَيُقْطَعُ بِهِ حَيْثُ يُقْطَعُ بِالْكَفَنِ .
( قَوْلُهُ فَلَيْسَ الزَّائِدُ ) أَيْ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأَثْوَابِ الَّتِي تَلِي الْمَيِّتَ ( قَوْلُهُ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الرَّازِيّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ ) وَقِيلَ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً كَمَا يَبْقَى الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ابْتِدَاءً قَالَ
الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً مَمْنُوعٌ فَقَدْ يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً فِيمَا جَرَى سَبَبُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنْ نَصْبِ شَبَكَةٍ وَنَحْوِهَا يَقَعُ فِيهَا الصَّيْدُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي الدَّيْنِ : إنَّهُ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً مَمْنُوعٌ فَقَدْ يَثْبُتُ إذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ سَابِقٌ مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ وَتَرَدٍّ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا عُدْوَانًا وَنَحْوِ ذَلِكَ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا التَّشْبِيهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ يَزُولُ مُلْكُهُمْ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَهَذَا مِلْكٌ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمَالِكِ فِيهِ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْحَالِ وَلَكِنْ قَدْ يُمْكِنُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِيمَا لَوْ أَكَلَ السَّبُعُ الْمَيِّتَ أَوْ ذَهَبَ بِهِ السَّيْلُ وَنَحْوُهُ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْأَمْلَاكِ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ إلَى أَنَّ الْوَارِثَ لَا مِلْكَ لَهُ إذْ لَا تَصَرُّفَ لَهُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ لَا مِلْكَ فِيهِ لِلْوَارِثِ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ كُفِّنَ مِنْهَا بِوَاحِدٍ فَيَنْبَغِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْخَمْسَةُ لِلْمَرْأَةِ كَالثَّلَاثَةِ لِلرَّجُلِ ) لَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْ الزَّائِدِ عَلَى الثَّلَاثِ فِيهَا
( وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ دَارِهِ الَّتِي أَجَّرَهَا مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَضْعُهُ فِيهَا ) ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَهُ مِنْ حِرْزٍ مُحْتَرَمٍ بِلَا شُبْهَةٍ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَضْعُهُ فِيهَا كَأَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ فَأَوَى إلَيْهَا مَاشِيَةً مَثَلًا وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُقْطَعْ لَكِنْ شَبَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ الْآتِيَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نَظَرٌ ( وَكَذَا ) يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ دَارِهِ فِيمَا ( لَوْ أَعَارَهَا ) لِغَيْرِهِ مَا لِلْمُسْتَعِيرِ وَضْعُهُ فِيهَا لِمَا مَرَّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إذَا رَجَعَ وَمِثْلُهُ لَوْ أَعَارَ عَبْدًا لِحِفْظِ مَالِ أَوْ رَعْيِ غَنَمٍ ثُمَّ سَرَقَ مَا يَحْفَظُهُ عَبْدُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَمَسْأَلَتَا الْإِجَارَةِ ، وَالْإِعَارَةِ عُلِمَتَا مِمَّا مَرَّ أَوَائِلَ الشَّرْطِ الثَّانِي لَكِنَّ تَقْيِيدَهُمَا بِمَا ذُكِرَ إنَّمَا عُلِمَ هُنَا ، فَلَوْ ذَكَرَهُ ثُمَّ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ وَذِكْرُهُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ
( قَوْلُهُ وَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ مِنْ دَارِهِ الَّتِي أَجْرَاهَا مَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَضْعُهُ فِيهَا ) شَمَلَ مَا لَوْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِهَا بِإِفْلَاسِ الْمُسْتَأْجِرِ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهَا بَعْدَ فَرَاغِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ إلَخْ ) اعْلَمْ أَنَّ فِي مَعْنَى دَوَامِ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ مَا إذَا انْتَقَضَتَا لَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الِانْتِقَالِ وَالتَّفْرِيغِ فَأَمَّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ وَالتَّفْرِيطِ فِي الِانْتِقَالِ فَلَا قَطْعَ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُمَا صَارَا غَاصِبَيْنِ فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا لَمْ يُقْطَعْ مَالِكُهُ غ عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِمَا غَاصِبَيْنِ وَمِنْ قَوْلِهِ : إنَّ فِي مَعْنَى دَوَامِ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ مَا إذَا انْتَقَضَتَا لَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمُسْتَأْجِرُ وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الِانْتِقَالِ وَالتَّفْرِيغِ أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَعْلَمَا بِانْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ كَانَ فِي مَعْنَى دَوَامِهَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُفَرِّطَا ( قَوْلُهُ لَكِنْ شَبَّهَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ الْآتِيَةِ ) أَيْ حَتَّى يَجْرِيَ فِي قَطْعِ الْمُؤَجِّرِ حِينَئِذٍ الْخِلَافُ فِي قَطْعِ الْمُعِيرِ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ) وَغَيْرُهُ نَظَرٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ ) فَلَوْ أَعَارَهُ قَمِيصًا فَلَبِسَهُ فَطَرَّ الْمُعِيرُ جَيْبَهُ وَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقْبُ الْجِدَارِ كَطَرِّ الْجَيْبِ فِيمَا يَظْهَرُ
( وَ ) يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ ( مِنْ دَارٍ اشْتَرَاهَا قَبْلَ الْقَبْضِ ) وَقَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ( لَا بَعْدَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ ) ؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ حَقَّ الْحَبْسِ فَأَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا لَمْ يُقْطَعْ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَوْ سَرَقَ الْأَجْنَبِيُّ مَغْصُوبًا ) أَوْ نَحْوَهُ ( لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَرْضَ بِإِحْرَازِهِ بِحِرْزِ غَاصِبِهِ فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ وَسَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ أَمْ لَا ( وَكَذَا ) لَا يُقْطَعُ ( مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي الدُّخُولِ ) إلَى دَارِهِ أَوْ غَيْرِهَا ( لِحَاجَةٍ ) كَشِرَاءِ مَتَاعٍ ( فَسَرَقَ ) وَقَدْ دَخَلَ لِحَاجَتِهِ لَا لِلسَّرِقَةِ كَمَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ثِيَابِ الْحَمَّامِ إذَا دَخَلَ لِيَغْتَسِلَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَقِيلَ يُقْطَعُ ، وَالتَّرْجِيحُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي قُبَيْلَ الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَمِنْ هَذَا الْآتِي أُخِذَ مِنْهُ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرْته
( قَوْلُهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيُقْطَعُ بِالطَّعَامِ ) أَيْ بِسَرِقَتِهِ ( فِي ) زَمَنِ ( الْمَجَاعَةِ ) إنْ وُجِدَ وَلَوْ عَزِيزًا بِثَمَنٍ غَالٍ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ ( لَا إنْ عَزَّ ) أَيْ قَلَّ وُجُودُهُ ( وَلَمْ يَقْدِرْ ) هُوَ ( عَلَيْهِ ) فَلَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُضْطَرِّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا قَطْعَ فِي عَامِ الْمَجَاعَةِ سَوَاءٌ أَخَذَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ أَمْ أَكْثَرَ ؛ لِأَنَّ لَهُ هَتْكَ الْحِرْزِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّرِقَةُ وَهِيَ ) الْأَخْذُ لِمَالِ الْغَيْرِ ( خُفْيَةً ) مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ كَمَا مَرَّ ( فَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ ) وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ ( وَ ) لَا ( مُنْتَهِبٌ ) وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْقُوَّةَ ، وَالْغَلَبَةَ ( وَ ) لَا ( مُودَعٌ جَحَدَ ) الْوَدِيعَةَ لِخَبَرِ { لَيْسَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ ، وَالْمُنْتَهِبِ ، وَالْخَائِنِ قَطْعٌ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَفُرِّقَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّارِقِ بِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً وَلَا يَتَأَتَّى مَنْعُهُ فَشُرِعَ الْقَطْعُ زَجْرًا لَهُ وَهَؤُلَاءِ يَقْصِدُونَهُ عِيَانًا فَيُمْكِنُ مَنْعُهُمْ بِالسُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ كَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي كَوْنِ الْخَائِنِ يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِيَانًا وَقْفَةٌ ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ : الْأَوَّلُ فِي إبْطَالِ الْحِرْزِ ، فَلَوْ نَقَبَ فِي لَيْلَةٍ وَسَرَقَ وَفِي أُخْرَى قُطِعَ ) كَمَا لَوْ نَقَبَ فِي أَوَّلِهَا وَسَرَقَ فِي آخِرِهَا ( إلَّا إنْ كَانَ النَّقْبُ ظَاهِرًا ) يَرَاهُ الطَّارِقُونَ ( أَوْ عَلِمَ بِهِ الْمَالِكُ ) فَلَا يُقْطَعُ لِانْتِهَاكِ الْحِرْزِ فَصَارَ كَمَا لَوْ سَرَقَهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا قُطِعَ فِي نَظِيرِهِ مِمَّا لَوْ أَخْرَجَ النِّصَابَ دَفَعَاتٍ كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ تَمَّمَ السَّرِقَةَ وَهُنَا ابْتَدَأَهَا ( وَإِنْ نَقَبَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ آخَرُ ) النِّصَابَ وَلَوْ فِي الْحَالِ ( لَمْ يُقْطَعَا ) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ ، وَالثَّانِي أَخَذَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ الْجِدَارَ ، وَالثَّانِي مَا أَخَذَهُ نَعَمْ إنْ بَلَغَ مَا أَخْرَجَهُ الْأَوَّلُ مِنْ آلَةِ الْجِدَارِ نِصَابًا قُطِعَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَخْذُ الْآلَةِ غَيْرُ مَقْصُودٍ ، فَإِنْ سَلِمَ اعْتِبَارُ الْقَصْدِ لَزِمَ أَنْ يُقَالَ إنْ قَصَدَ سَرِقَةَ الْآلَةِ مَعَ مَا فِي الْحِرْزِ قُطِعَ بِالْآلَةِ وَحْدَهَا وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَلَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يُقْطَعْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ
وَيُرَادُ بِقَوْلِهِمْ : لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ أَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مَا فِي الْحِرْزِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَالُ ( مُحْرَزًا بِمُلَاحِظٍ ) لَهُ قَرِيبٍ مِنْ النَّقِيبِ ( لَا نَائِمٍ قُطِعَ الْآخِذُ ) لَهُ بِخِلَافِهِ فِي النَّائِمِ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ نَامَ فِي الدَّارِ وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ
( مَبْحَثُ الرُّكْنِ الثَّالِثِ السَّرِقَةُ ) قَوْلُهُ وَلَا مُودَعٌ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ الْجَحْدُ إذْنٌ فِي وَضْعِ الْيَدِ فَهُوَ مُقَصِّرٌ فِي وَضْعِهِ عِنْدَهُ فَأَشْبَهَ وَضْعَهُ فِي غَيْرِ حِرْزٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ حَبْسِهِ عَنْ مَالِكِهِ وَالْكَذِبُ فِي جُحُودِهِ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُوجِبًا لِلْقَطْعِ وَمَا رُوِيَ { عَنْ امْرَأَةٍ مَخْزُومِيَّةٍ كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ فَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهَا } ، فَجَوَابُهُ أَنَّهُ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهَا سَرَقَتْ فَقَطَعَهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ } إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَالْعَارِيَّةُ وَالْجَحْدُ إنَّمَا ذُكِرَا لِلتَّعْرِيفِ فَإِنَّهَا اُشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُمَا سَبَبُ الْقَطْعِ ( قَوْلُهُ وَفِي كَوْنِ الْخَائِنِ يَقْصِدُ الْأَخْذَ عِيَانًا وَقْفَةٌ ) جَوَابُهُ أَنَّ الْأَخْذَ عِيَانًا وَاضِحٌ فِيهِ أَيْضًا كَأَخْذِهِ الْوَدِيعَةَ الَّتِي خَانَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ بِخُفْيَةٍ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ نَقَبَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ آخَرُ لَمْ يُقْطَعَا ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ نَقَبَ مِنْ جَانِبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ جَانِبٍ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِصُنْعِ صَاحِبِهِ قُطِعَ مَنْ نَقَبَ أَوَّلًا فَقَطْ وَإِنْ وَقَعَ النَّقْبَانِ مَعًا قُطِعَا وَإِذَا أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا سَرَقَهُ مِنْ نَقْبِ صَاحِبِهِ كَانَ كَمَا لَوْ نَقَبَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ الْمَالَ مِنْ الْبَابِ وَلَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ وَاخْتَفَى فِيهِ فَجَاءَ صَاحِبُهُ بِمَتَاعٍ وَضَعَهُ فِيهِ فَأَخَذَهُ الْمُخْتَفِي خُفْيَةً وَخَرَجَ بِهِ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّ الْمَالَ حَصَلَ فِي الْحِرْزِ بَعْدَ هَتْكِهِ قَالَهُ الْقَفَّالُ ( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ بَلَغَ مَا أَخْرَجَهُ الْأَوَّلُ مِنْ آلَةِ الْجِدَارِ نِصَابًا قُطِعَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ نَقَبَا ) أَيْ اثْنَانِ الْحِرْزَ ( وَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ) الْمَالَ وَلَوْ شَدَّهُ عَلَيْهِ الْآخَرُ ( أَوْ عَكْسُهُ ) بِأَنْ نَقَبَ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَ مَعَ الْآخَرِ ( قُطِعَ الْجَامِعُ بَيْنَ الْإِخْرَاجِ ، وَالنَّقْبِ ) فَقَطْ إنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ فِي الثَّانِيَةِ نِصَابًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ ( وَلَوْ قَرَّبَهُ أَحَدُ النَّاقِبَيْنِ إلَى النَّقْبِ أَوْ إلَى الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ الْآخَرُ قُطِعَ الْمُخْرِجُ ) فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الْمُخْرِجُ لَهُ مِنْ الْحِرْزِ ( وَإِنْ نَقَبَا وَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ثُلُثَ دِينَارٍ ، وَالْآخَرُ سُدُسَهُ قُطِعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ ) ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ بَلْ أَكْثَرَ دُونَ الْآخَرِ ( وَلَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَبِنَاتٍ فَمُشْتَرِكَانِ فِي النَّقْبِ ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ أَنْ يَأْخُذَ آلَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَعْمِلَاهَا مَعًا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي قَطْعِ الْيَدِ ؛ لِأَنَّ النَّقْبَ ذَرِيعَةٌ إلَى الْمَقْصُودِ وَلَا سَرِقَةَ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ الْمَذْكُورِ ( وَلَوْ وَضَعَهُ أَحَدُهُمَا وَسَطَ النَّقْبِ ) وَلَمْ يُنَاوِلْهُ الْآخَرُ ( أَوْ نَاوَلَهُ لِآخَرَ هُنَاكَ ) أَيْ فِي وَسَطِ النَّقْبِ فَأَخَذَهُ ( وَأَخْرَجَهُ لَمْ يُقْطَعَا ) أَيْ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ بَلَغَ الْمَالُ نِصَابَيْنِ ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ ، وَالْخَارِجَ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا وَوَضَعَ الْمَالَ بِوَسَطِ النَّقْبِ وَأَخَذَهُ الْآخَرُ وَخَرَجَ بِوَسْطِ النَّقْبِ مَا لَوْ وَضَعَهُ خَارِجَهُ فَأَخَذَهُ الْآخَرُ أَوْ نَاوَلَهُ لَهُ خَارِجَهُ ، فَإِنَّ الدَّاخِلَ يُقْطَعُ ( وَإِنْ رَبَطَهُ لِشَرِيكِهِ الْخَارِجِ فَجَرَّهُ قُطِعَ الْخَارِجُ ) دُونَ الدَّاخِلِ وَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( وَيُقْطَعُ الْأَعْمَى بِسَرِقَةِ مَا دَلَّهُ عَلَيْهِ الزَّمِنُ ) وَإِنْ حَمَلَهُ وَدَخَلَ بِهِ الْحِرْزَ لِيَدُلَّهُ عَلَى الْمَالِ وَخَرَجَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ السَّارِقُ ( وَ ) يُقْطَعُ ( الزَّمِنُ بِمَا أَخْرَجَهُ ، وَالْأَعْمَى حَامِلٌ لِلزَّمِنِ ) لِذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يُقْطَعْ الْأَعْمَى ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لِلْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا طَبَقًا لَمْ يَحْنَثْ وَكَالزَّمِنِ غَيْرُهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَلَوْ قَالَ حَامِلٌ لَهُ كَانَ أَخْصَرَ ( وَفَتْحُ الْبَابِ ، وَالْقُفْلِ ) بِكَسْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَتَسَوُّرُ الْحَائِطِ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهَا ( كَالنَّقْبِ ) فِيمَا مَرَّ
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي ) وُجُوهِ ( النَّقْلِ ) لِلْمَالِ ( فَإِنْ جَرَّهُ مِنْ الْحِرْزِ بِمِحْجَنٍ ) أَوْ نَحْوِهِ كَكِلَابٍ ( أَوْ رَمَى مِنْهُ إلَى خَارِجٍ ) عَنْهُ ( قُطِعَ وَلَوْ ضَاعَ ) أَوْ لَمْ يَدْخُلْ هُوَ الْحِرْزَ إذْ النَّظَرُ لِلْإِخْرَاجِ لَا لِلْكَيْفِيَّةِ ، وَالْمِحْجَنُ عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ ( وَإِنْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً ) مَثَلًا فِي الْحِرْزِ ( وَخَرَجَ ) مِنْهُ ( قُطِعَ إنْ خَرَجَتْ مِنْهُ ) بَعْدُ لِبَقَائِهَا بِحَالِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهَا فِي فِيهِ أَوْ وِعَاءٍ ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ فَلَا قَطْعَ لِاسْتِهْلَاكِهَا فِي الْحِرْزِ كَمَا لَوْ أَكَلَ الْمَسْرُوقَ وَكَذَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ لَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا حَالَ الْخُرُوجِ عَنْ رُبْعِ دِينَارٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبَارِزِيُّ ( وَإِنْ تَضَمَّخَ بِطِيبٍ ) فِي الْحِرْزِ ( وَخَرَجَ ) مِنْهُ ( لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ جُمِعَ مِنْ جِسْمِهِ نِصَابٌ ) مِنْهُ ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ إتْلَافًا لَهُ كَالطَّعَامِ وَهَذَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلُ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا وَأَتْلَفَ بَعْضَهُ فِي الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ جَمْعِ النِّصَابِ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي تَصْنِيفٍ وَالرَّافِعِيُّ نَقَلَ الْوَجْهَيْنِ عَنْ السَّرَخْسِيُّ وَهُمَا فِي تَهْذِيبِ الْبَغَوِيّ وَكَافِي الْخُوَارِزْمِيَّ وَتَعْلِيقَةِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَالَ : الْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَلَا تَوَقُّفَ عِنْدَنَا فِي الْقَطْعِ بِهِ ( وَإِنْ خَرَجَ ) الْمَالُ ( بِوَضْعِهِ ) لَهُ ( فِي مَاءٍ جَارٍ ) فِي الْحِرْزِ ( قُطِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ بِفِعْلِهِ ( أَوْ ) فِي مَاءٍ ( وَاقِفٍ فَمَنْ خَرَجَ ) الْمَالُ ( بِتَحْرِيكِهِ ) قُطِعَ لِذَلِكَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُحَرِّكُ لَهُ هُوَ أَمْ غَيْرَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ غَيْرُهُ غَيْرَ مُمَيِّزٍ أَوْ مُعْتَقِدًا وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ الْوَاضِعُ بِذَلِكَ فَالْقَطْعُ عَلَى الْآمِرِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ نَقَبَ الْحِرْزَ ثُمَّ أَمَرَ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ بِإِخْرَاجِ مَا فِيهِ فَأَخْرَجَهُ ( وَلَوْ خَرَجَ ) مِنْهُ ( بِانْفِجَارٍ أَوْ
مَزِيدِ ) سَيْلٍ أَوْ نَحْوِهِ ( فَلَا ) يُقْطَعُ لِخُرُوجِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ
( قَوْلُهُ أَوْ رَمَى مِنْهُ إلَى خَارِجٍ عَنْهُ قُطِعَ ) لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَرْمِيَهُ مِنْ النَّقْبِ أَوْ الْبَابِ أَوْ مِنْ فَوْقِ الْجِدَارِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ أَوْ لَا أَوْ يَأْخُذَهُ غَيْرُهُ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتْلَفَ بِالرَّمْيِ كَالزُّجَاجِ وَالْخَزَفِ أَوْ لَا ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ لَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَمْ جَهِلَهُ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتْلَفَ الْمَرْمِيُّ قَبْلَ خُرُوجِ السَّارِقِ مِنْ الْحِرْزِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَكَتَبَ أَيْضًا : لَوْ رَمَاهُ فَاحْتَرَقَ أَوْ غَرِقَ فَعَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الصَّحِيحُ وَعَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ لَا وَحَكَى ذَلِكَ الدَّارِمِيُّ وَقَالَ عِنْدِي : إنْ رَمَاهُ لِلنَّارِ وَالْمَاءِ عَالِمًا فَلَا وَإِنْ قَصَدَ إخْرَاجَهُ لِأَخْذِهِ قُطِعَ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ وَقَالَ لَمْ أَرَ هَذَا الْفَرْعَ لِغَيْرِهِ وَقَالَ لَوْ رَمَاهُ فَانْكَسَرَ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَطَّانِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مَكْسُورًا وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ صَحِيحًا ، وَقَالَ : إنْ أَخَذَهُ رَجُلٌ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ قُطِعَ الرَّامِي دُونَ الْآخِذِ قَوْلُهُ هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْأَصْلُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَإِنْ رَمَى ) ثَمَرَ شَجَرٍ بِحِجَارَةِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ بِدُخَانِ نَارٍ أَدْخَلَهَا ( مِنْ خَارِجِ الْبُسْتَانِ فَتَسَاقَطَ الثَّمَرُ فِي الْمَاءِ وَخَرَجَ ) مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ( فَلَا قَطْعَ ) لِعَدَمِ اسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ ( وَإِنْ عَرَّضَهُ لِرِيحٍ مَوْجُودَةٍ ) بِوَضْعِهِ عَلَى طَرَفِ النَّقْبِ أَوْ غَيْرِهِ ( فَأَخْرَجَتْهُ ) مِنْ الْحِرْزِ ( قُطِعَ ) وَلَا أَثَرَ لِمُعَاوَنَتِهَا كَمَا أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ حِينَئِذٍ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَحِلَّ الصَّيْدِ ( لَا إنْ حَدَثَتْ ) بَعْدَ تَعْرِيضِهِ لَهَا فَأَخْرَجَتْهُ فَلَا قَطْعَ كَمَا فِي زِيَادَةِ الْمَاءِ ( وَإِنْ وَضَعَهُ ) فِي الْحِرْزِ ( عَلَى دَابَّةٍ سَائِرَةٍ أَوْ وَاقِفَةٍ وَسَيَّرَهَا ) بِسَوْقٍ أَوْ قَوْدٍ أَوْ تَطْيِيرٍ حَتَّى خَرَجَتْ بِهِ ( قُطِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ بِفِعْلِهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ سَائِرَةً وَلَا سَيَّرَهَا بَلْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا وَلَوْ فَوْرًا ( فَلَا ) يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّ لَهَا اخْتِيَارًا فِي السَّيْرِ ، وَالْوُقُوفِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْقَطْعِ ( وَلَوْ أَخْرَجَ شَاةً دُونَ النِّصَابِ فَتَبِعَتْهَا سَخْلَتَاهُ ) أَوْ أُخْرَى ( فَكَمَّلَ ) بِهَا ( النِّصَابَ لَمْ يُقْطَعْ ) لِذَلِكَ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَفِي دُخُولِ السَّخْلَةِ فِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ انْتَهَى ، وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهَا سَارَتْ بِنَفْسِهَا وَمِثْلُهَا غَيْرُهَا مِمَّا تَبِعَ الشَّاةَ ( وَلَوْ نَقَبَ ) حِرْزًا ( وَأَمَرَ أَعْجَمِيًّا أَوْ صَبِيًّا غَيْرَ مُمَيِّزٍ ) بِإِخْرَاجِ الْمَالِ ( فَأَخْرَجَ قُطِعَ الْآمِرُ ) ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَتَسْيِيرِ الدَّابَّةِ ، وَالْمَأْمُورُ آلَةٌ لَهُ وَلَوْ قَالَ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَانَ أَعَمَّ ( أَوْ مُمَيِّزًا أَوْ قِرْدًا فَلَا ) قَطْعَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ آلَةً لَهُ وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا
( قَوْلُهُ وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى دَابَّةٍ سَائِرَةٍ ) أَيْ لِتَخْرُجَ مِنْ الْحِرْزِ أَمَّا لَوْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً فِي جَوَانِبِهِ فَوَضَعَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَرَضَ لَهَا الْخُرُوجُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ تَكُنْ سَائِرَةً ) وَلَا سَيَّرَهَا بَلْ سَارَتْ بِنَفْسِهَا وَلَوْ فَوْرًا فَلَا يُقْطَعْ إلَخْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهَا وَكَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا ، فَإِنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَكَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا فَفَتَحَهُ لَهَا فَلَا تَوَقُّفَ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَمَّا فَتَحَ لَهَا الْبَابَ وَهِيَ تَحْمِلُهُ فَخَرَجَتْ كَانَ الْإِخْرَاجُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ قَالَ : وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ لَهُ أَوْ مُسْتَأْجَرَةً مَعَهُ أَوْ مُسْتَعَارَةً وَخَرَجَتْ وَهُوَ مَعَهَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ فَفِعْلُهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَهُوَ مَعَهَا كَانَ ضَامِنًا لَهَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ سَارِقًا لِمَا خَرَجَتْ بِهِ وَهُوَ مَعَهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ ا هـ لَا يُقْطَعُ فِي مَسَائِلِ الْأَرْبَعِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الضَّمَانِ وَالْقَطْعِ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ ؛ لِأَنَّهَا سَارَتْ بِنَفْسِهَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ : قَدْ رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْغَصْبِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ كَتَسْيِيرِ الدَّابَّةِ إلَخْ ) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخْرَجَهُ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَلِهَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى آمِرِهِ بِالْقَتْلِ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّ لِلْحَيَوَانِ اخْتِيَارًا ) اُسْتُشْكِلَ بِمَا إذَا عَلِمَهُ لِلْقَتْلِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ عَلَى إنْسَانٍ فَقَتَلَهُ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ بِالْمُبَاشَرَةِ دُونَ السَّبَبِ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فس
( وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ عَبْدًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِصِغَرٍ أَوْ عُجْمَةٍ ) أَوْ جُنُونٍ ( قُطِعَ ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ( وَحِرْزُهُ فِنَاءُ الدَّارِ ) وَنَحْوُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِنَاءُ مَطْرُوقًا قَالَهُ الْإِمَامُ ( سَوَاءٌ حَمَلَهُ ) السَّارِقُ ( أَوْ دَعَاهُ فَأَجَابَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَهِيمَةِ تُسَاقُ أَوْ تُقَادُ ( وَكَذَا ) إنْ سَرَقَهُ ( مُمَيِّزًا سَكْرَانًا أَوَنَائِمًا أَوْ مَضْبُوطًا ) يُقْطَعُ سَارِقُهُ كَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ ، وَسَكْرَانُ مَمْنُوعُ الصَّرْفِ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتْبَعَ أَصْلَهُ فِي حَذْفِ أَلِفِهِ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ لِلتَّنَاسُبِ ( وَلَوْ أَكْرَهَهُ ) أَيْ الْمُمَيِّزَ ( فَخَرَجَ ) مِنْ الْحِرْزِ ( فَكَذَلِكَ ) أَيْ يُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَاقَ الْبَهِيمَةَ بِالضَّرْبِ وَلِأَنَّ الْقُوَّةَ الَّتِي هِيَ الْحِرْزُ قَدْ زَالَتْ بِالْقَهْرِ ( لَا ) إنْ أَخْرَجَهُ ( بِخَدِيعَةٍ ) فَلَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهَا خِيَانَةٌ لَا سَرِقَةٌ ( فَإِنْ حَمَلَ عَبْدًا ) مُمَيِّزًا ( قَوِيًّا ) عَلَى الِامْتِنَاعِ ( نَائِمًا ) أَوْ سَكْرَانَ ( فَفِي الْقَطْعِ تَرَدُّدٌ ) ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ مُحْرَزٌ بِقُوَّتِهِ وَجَرَى عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ الْغَزَالِيُّ فِي وَجِيزِهِ ، وَالْمَنْقُولُ الْقَطْعُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالْعِمْرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ( لَا ) إنْ حَمَلَهُ ( مُسْتَيْقِظًا ) فَلَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِقُوَّتِهِ وَهِيَ مَعَهُ ( وَلَوْ تَغَفَّلَ مُلَاحِظًا مَتَاعَهُ حَيْثُ لَا غَوْثَ ) أَيْ لَا مُغِيثَ يُسْتَغَاثُ بِهِ شَخْصٌ ( أَضْعَفُ مِنْهُ ) وَأَخَذَ الْمَتَاعَ وَلَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُلَاحِظُ لَطَرَدَهُ ( لَا أَقْوَى ) مِنْهُ ( قُطِعَ ) لِاخْتِلَافِ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الْآخِذِينَ كَمَا يَخْتَلِفُ أَصْلُ الْإِحْرَازِ بِاخْتِلَافِ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ ( وَلَوْ سَرَقَ حُرًّا ) وَلَوْ نَائِمًا أَوْ ( طِفْلًا عَلَيْهِ قِلَادَةٌ ) أَوْ غَيْرُهَا مِنْ حُلِيِّهِ أَوْ مَلَابِسِهِ ( ثُمَّ نَزَعَهَا ) مِنْهُ ( لَمْ يُقْطَعْ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ
بِمَالٍ وَمَا مَعَهُ فِي يَدِهِ وَمُحْرَزٌ بِهِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ نَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ قُطِعَ لِإِخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزِهِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا مِنْ تَصَرُّفِهِ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الزَّبِيلِيِّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا نَزَعَ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ قَطْعًا فَعَلَيْهِ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَإِنْ نَزَعَهَا وَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ أَنَّهُ إنْ نَزَعَهَا مِنْهُ خِفْيَةً أَوْ مُجَاهَرَةً وَلَمْ يُمْكِنْهُ مَنْعُهُ مِنْ النَّزْعِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا ( وَلَوْ جَرَّ بَعِيرًا مِنْ قَافِلَةٍ عَلَيْهِ أَمْتِعَتُهُ وَعَبْدٌ نَائِمٌ لَا حُرٌّ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ وَجَعَلَهُ بِمَضْيَعَةٍ ( قُطِعَ ) ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ بِمَا عَلَيْهِ مَسْرُوقٌ بِخِلَافِهِ فِي الْحُرِّ وَلَوْ نَائِمًا ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْمَتَاعِ فِي يَدِ الْحُرِّ وَمِثْلُهُ الْمُكَاتَبُ ، وَالْمُبَعَّضُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَجْعَلْهُ بِمَضْيَعَةٍ كَأَنْ جَعَلَهُ بِقَافِلَةٍ أُخْرَى أَوْ بَلَدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ مَا نَقَلْته عَنْ الْأَصْلِ لِهَذَا وَبِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ مُسْتَيْقِظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الْأَمْتِعَةِ ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدَ مَسْرُوقَانِ نَعَمْ إنْ حَمَلَ الْعَبْدَ عَلَى الْقَوِيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا انْتَهَى وَفِي كَوْنِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا حِينَئِذٍ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ مَسْرُوقٌ ( وَإِنْ سَرَقَ قِلَادَةً ) مَثَلًا مُعَلَّقَةً ( عَلَى صَغِيرٍ ) وَلَوْ حُرًّا ( أَوْ كَلْبٍ مُحْرَزَيْنِ أَوْ ) سَرَقَهَا ( مَعَ الْكَلْبِ قُطِعَ ) وَحِرْزُ الْحُرِّ الصَّغِيرِ حِرْزُ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ ( وَحِرْزُ الْكَلْبِ حِرْزُ الدَّوَابِّ )
( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ لِلتَّنَاسُبِ ) صَرْفُهُ لُغَةُ بَنِي أَسَدٍ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي مُؤَنَّثِهِ سَكْرَانَةُ ( قَوْلُهُ وَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ ) فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَهُوَ الْمَذْهَبُ قَوْلُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا مِنْ تَصَرُّفِهِ ) أَفَادَ تَعْبِيرُهُ بِثُمَّ نَزَعَهَا عَطْفًا عَلَى سَرَقَ إنْ نَزَعَهَا مِنْهُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الزَّبِيلِيِّ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ فَمَحَلُّهُ فِي نَزْعِهَا مِنْهُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَتَصَرُّفُهُ حَسَنٌ ( قَوْلُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الزَّبِيلِيِّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا إذَا نَزَعَهَا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ ا هـ وَلِهَذَا زَادَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ : ثُمَّ نَزَعَهَا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ نَزَعَهَا مِنْهُ فِي حِرْزِهَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ ، فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا إذَا كَانَتْ الْقِلَادَةُ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَلِيقُ بِالصَّبِيِّ ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِهِ وَأَخَذَهُ مِنْ حِرْزِ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ قُطِعَ قَطْعًا ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَ مَا نَقَلْتُهُ عَنْ الْأَصْلِ لِهَذَا ) ذِكْرُ الْأَصْلِ الْمَضْيَعَةَ وَالْأَمْتِعَةَ مِثَالٌ ، وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَلَوْ نَامَ عَبْدٌ عَلَى بَعِيرٍ فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ الْقَافِلَةِ قُطِعَ أَيْ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْرَزًا بِالْقَافِلَةِ
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي ) الْمَحَلِّ ( الْمَنْقُولِ إلَيْهِ ) الْمَالُ الْمَسْرُوقُ ( فَلَا قَطْعَ بِالنَّقْلِ ) لَهُ ( إلَى صَحْنِ الدَّارِ ) الْمُقْفَلَةِ ( مِنْ بَيْتٍ مَفْتُوحٍ ) ؛ لِأَنَّ صَحْنَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لِلْمَالِ فَلَيْسَ الْمَالُ مُحْرَزًا فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ الْمَفْتُوحَ كَالْعَرْصَةِ وَإِلَّا فَهُوَ كَمَا لَوْ نَقَلَهُ مِنْ زَاوِيَةٍ إلَى أُخْرَى مِنْ الْحِرْزِ ( فَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مُقْفَلًا وَبَابُ الدَّارِ مَفْتُوحٌ قُطِعَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ إلَى مَحَلِّ الضَّيَاعِ ( أَوْ كَانَا مَفْتُوحَيْنِ وَلَا حَافِظَ ) ثَمَّ ( أَوْ مُغْلَقَيْنِ فَلَا ) يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فِي الْأُولَى وَعَدَمِ إخْرَاجِهِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ تَمَامِ حِرْزِهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ الصُّنْدُوقِ إلَى الْبَيْتِ ( هَذَا إذَا فَتَحَهُ ) أَيْ بَابَ الدَّارِ ( غَيْرُ السَّارِقِ ، فَإِنْ فَتَحَهُ السَّارِقُ فَهُوَ فِي حَقِّهِ الْمُغْلَقِ ) حَتَّى لَا يُقْطَعَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ تَمَامِ الْحِرْزِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُقْطَعَ بَعْدَ إخْرَاجِهِ الْمَالَ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزِهِ ( وَإِنْ أَخْرَجَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ ) حِرْزٍ ( مُشْتَرَكٍ ) بَيْنَ جَمَاعَةٍ ( كَالْخَانِ ) ، وَالرِّبَاطِ ( مَا سَرَقَهُ مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ كَالصَّحْنِ ) إلَى خَارِجِهِ ( قُطِعَ ) كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ مُخْتَصٍّ بِوَاحَةٍ ( أَوْ ) أَخَذَهُ ( مِنْ حُجْرَةٍ ) أَيْ لِلْخَانِ ( وَأَخْرَجَهُ إلَى الصَّحْنِ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْخَانِ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا كَمَا مَرَّ ) فِي الدَّارِ مَعَ الْبَيْتِ وَقِيلَ يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الصَّحْنَ لَيْسَ حِرْزًا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ بَلْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السُّكَّانِ فَهُوَ كَالسِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ ، وَالشَّرْحُ الصَّغِيرُ .
وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالزَّرْكَشِيُّ الثَّانِي عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَا : وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَالتَّعْبِيرُ بِأَوْ فِيمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ
وَهُوَ بِمَعْنَى الْوَاوِ ؛ لِأَنَّ بَيْنَ لَا تَدْخُلُ إلَّا عَلَى مُتَعَدِّدٍ ( وَإِنْ سَرَقَ أَحَدُ سُكَّانِهِ ) أَيْ الْمُشْتَرَكِ ( مِنْ الصَّحْنِ أَوْ مِنْ حُجْرَةٍ مَفْتُوحَةٍ لَمْ يُقْطَعْ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا لَيْسَ مُحْرَزًا عَنْهُ لِشَرِكَتِهِ فِي الصَّحْنِ فِي الْأُولَى وَفَتْحِ الْبَابِ فِي الثَّانِيَةِ ( أَوْ ) مِنْ حُجْرَةٍ ( مُغْلَقَةٍ قُطِعَ بِالْإِخْرَاجِ ) مِنْهَا وَلَوْ ( إلَى الصَّحْنِ ) ، وَالصَّحْنُ فِي حَقِّ السُّكَّانِ كَسِكَّةٍ مُنْسَدَّةٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى الدُّورِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ بَابُ الْمُشْتَرَكِ مَفْتُوحًا أَمْ مُغْلَقًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَى السِّكَّةِ بَابٌ ( وَإِنْ سَرَقَ الضَّيْفُ ) مِنْ مَكَانِ مَضِيفِهِ ( أَوْ الْجَارُ مِنْ حَانُوتِ جَارِهِ ، وَالْمُغْتَسِلُ مِنْ الْحَمَّامِ ) وَإِنْ دَخَلَ لِيَسْرِقَ ( أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ الدُّكَّانِ الْمَطْرُوقِ ) لِلنَّاسِ ( مَا لَيْسَ مُحْرَزًا عَنْهُ لَمْ يُقْطَعْ ) عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي سَرِقَةِ ذَلِكَ ( وَإِنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ لِيَسْرِقَ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ لِيَغْتَسِلَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ ( فَتَغَفَّلَ حَمَّامِيًّا ) أَوْ غَيْرَهُ ( اُسْتُحْفِظَ ) مَتَاعًا فَحَفِظَهُ ( فَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ ) مِنْ الْحَمَّامِ ( قُطِعَ ) بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يُسْتَحْفَظْ أَوْ اُسْتُحْفِظَ فَلَمْ يَحْفَظْ لِنَوْمٍ أَوْ إعْرَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَافِظٌ
( قَوْلُهُ وَعَدَمُ إخْرَاجِهِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ تَمَامِ حِرْزِهِ ) ؛ لِأَنَّ غَلْقَ الدَّارِ مَزِيدُ إيثَاقٍ لِلْمَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ فَهُوَ تَتِمَّةُ الْحِرْزِ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ الصُّنْدُوقِ إلَى الْبَيْتِ سَوَاءٌ كَانَ الصَّحْنُ حِرْزًا لِلْمَنْقُولِ أَمْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ لِيَغْتَسِلَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ ) مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ فَلَا قَطْعَ فِيهِ
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ السَّارِقُ وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ ، وَالِاخْتِيَارُ ، وَالِالْتِزَامُ ) ، وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ ( فَيُقْطَعُ سَكْرَانُ بِمُحَرَّمٍ ) أَيْ بِشُرْبِ مُحَرَّمٍ ( سَرَقَ ) هَذَا فَرْعُهُ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ أَنَّ السَّكْرَانَ مُكَلَّفٌ وَقَدْ تَكَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَإِنَّمَا قُطِعَ ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكَلَّفِ وَهُوَ بَابُ خِطَابِ الْوَضْعِ ( وَلَا قَطْعَ ) عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا لَكِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ إنْ كَانَا مُمَيِّزَيْنِ وَلَا عَلَى مُكْرَهٍ لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ الدَّافِعَةِ لِلْحَدِّ وَلَا ( عَلَى حَرْبِيٍّ ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ وَلَا عَلَى جَاهِلٍ لِعُذْرِهِ ( وَيُقْطَعُ ذِمِّيٌّ بِمَالٍ مُسْلِمٍ كَعَكْسِهِ ) بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُلْتَزِمٌ لِلْأَحْكَامِ وَيُقْطَعُ أَيْضًا بِمَالِ ذِمِّيٍّ ( وَكَذَا يُحَدُّ إنْ زَنَى ) وَلَوْ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ ( وَإِنْ لَمْ يَرْضَ ) بِحُكْمِنَا فِي الصُّورَتَيْنِ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْنَا ( إنْ أَلْزَمْنَا ) نَحْنُ ( حَاكِمَنَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ ) وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْمُسْلِمَةِ ، وَالرَّاجِحُ فِي غَيْرِهَا ، وَالْمَسْأَلَةُ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ ( بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ ) الشَّامِلِ لِلْمُسْتَأْمَنِ مَنْ إذَا زَنَى لَا يُحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْأَحْكَامِ كَالْحَرْبِيِّ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا يُقْطَعُ مُعَاهَدٌ وَ ) لَا ( مُسْتَأْمَنٌ ) بِسَرِقَةِ مَالِ غَيْرِهِمَا وَإِنْ شُرِطَ قَطْعُهُمَا بِهَا ( وَلَا يُقْطَعُ لَهُمَا ) بِسَرِقَةِ مَالِهِمَا لِذَلِكَ ( وَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُ ) أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا ( بِالسَّرِقَةِ إلَّا أَنْ شُرِطَ ) عَلَيْهِ انْتِقَاضُ عَهْدِهِ بِهَا ، وَالتَّرْجِيحُ هُنَا مِنْ زِيَادَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي أَوْ أَخَّرَ الْجِزْيَةَ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ : وَفِي انْتِقَاضِ عَهْدِ الْمُعَاهَدِ بِالسَّرِقَةِ أَوْجُهٌ ثَالِثُهَا إنْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْرِقَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا
( الرُّكْنُ الثَّالِثُ ) ( قَوْلُهُ وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ ) أَشَارَ إلَيْهِ الْفَارِقِيُّ فِيمَا لَوْ أَمَرَ أَعْجَمِيًّا بِالسَّرِقَةِ فَلَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ وَلِلِاعْتِقَادِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْحُدُودِ ر غ ( قَوْلُهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ ) يَجُوزُ فِي الْمُعَاهَدِ فَتْحُ الْهَاءِ وَكَسْرُهَا
( الْبَابُ الثَّانِي ) ( فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ ) ( وَمِثْلُهَا الْمُحَارَبَةُ ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا يَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ أُمُورٌ ( ثَلَاثَةٌ : الْأَوَّلُ يَمِينُ الرَّدِّ ، فَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ ) عَنْ الْيَمِينِ ( وَحَلَفَ الْمُدَّعِي ) يَمِينُ الرَّدِّ ( قُطِعَ ) ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُقْطَعُ بِهِ وَهَذَا مَا رَجَّحَهُ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ وَرَجَّحَهُ الْأَصْلُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ فِي الشَّرْطِ الثَّانِي لَكِنَّهُ صَحَّحَ فِي الدَّعَاوَى وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ كَمَا لَوْ قَالَ أَكْرَهَ فُلَانُ أَمَتِي عَلَى الزِّنَا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْمَهْرُ دُونَ حَدِّ الزِّنَا وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُقْطَعُ وَهَذَا قَدْ أَنْكَرَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ قَطْعُ السَّارِقِ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ أَوْ إقْرَارِهِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ
( الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ ) ( قَوْلُهُ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ ) السَّيِّدُ بِعِلْمِهِ يَقْضِي عَلَى عَبْدِهِ كَمَا سَبَقَ فِي الزِّنَا ( قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي قُطِعَ ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ لَمْ يُقْطَعْ وَهُوَ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الْفَتَى وَهُوَ الرَّاجِحُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الدَّعَاوَى وَيَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالْمَرْدُودَةِ ) أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُهَا الْأَيْمَانُ فِي إثْبَاتٍ وَلَا إنْكَارٍ فَصَارَتْ الْيَمِينُ مَقْصُورَةً عَلَى الْغُرْمِ دُونَ الْقَطْعِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنَا أَعْجَبُ مِنْ نَقْلِ الْإِمَامِ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَمُتَابَعَةِ الْغَزَالِيِّ لَهُ ، وَقَدْ أَشَارَا جَمِيعًا إلَى اسْتِشْكَالِهِ وَظَنَّاهُ مَحَلَّ وِفَاقٍ وَإِنَّمَا هُوَ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبَعْضِ الْمَرَاوِزَةِ عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِهِ وَقْفَةٌ ، فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ شَاذٌّ نَقْلًا وَمَعْنًى وَلَعَلَّهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الدَّائِرِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ تَتَعَدَّى إلَى ثَالِثٍ عَلَى أَنَّ فِي انْتِزَاعِهِ مِنْهُ نَظَرًا أَيْضًا ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ وَقَدْ وَافَقَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزِّنَا بِأَمَةِ الْغَيْرِ وَأَنَّهَا كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( قَوْلُهُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ ) أَيْ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَخْ حَيْثُ قَالَ لَا يُقَامُ عَلَى سَارِقٍ وَلَا مُحَارِبٍ حَدٌّ إلَّا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا شَاهِدَانِ وَإِمَّا الِاعْتِرَافُ ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ ) أَيْ وَالصَّوَابُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْجَانِيَ إذَا أَنْكَرَ حَيَاةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَالَ الْجِنَايَةِ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ عَلَى الصَّحِيحِ لِلشُّبْهَةِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّ
آدَمِيٍّ فَحَقُّ اللَّهِ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَثْبُتَ بِالْيَمِينِ ( تَنْبِيهٌ ) لَا يَقْطَعُ السَّارِقَ الْحُرَّ أَوْ الْمُبَعَّضَ أَوْ الْمُكَاتَبَ إلَّا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِحِفْظِ مَالِهِ فَالْمُغَلَّبُ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْإِمَامُ هُوَ النَّائِبُ فِيهِ وَلَمْ يُقَمْ حَدٌّ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا بِإِذْنِهِ وَكَذَا فِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِهِ
( الثَّانِي الْإِقْرَارُ فَيُقْطَعُ بِهِ ) الْمُقِرُّ بِالسَّرِقَةِ لِخَبَرِ { مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ } هَذَا ( إنْ بَيَّنَ السَّرِقَةَ ، وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ ) وَقَدْرَ الْمَسْرُوقَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ ( وَالْحِرْزَ بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ ) لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ سَرِقَةً مُوجِبَةً لَهُ وَسَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الشُّهُودِ ( وَسَقَطَ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ عَنْ السَّرِقَةِ ، وَالْمُحَارَبَةِ ) أَيْ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَ الرُّجُوعُ ( فِي أَثْنَاءِ الْقَطْعِ ) كَمَا يَسْقُطُ حَدُّ الزِّنَا بِالرُّجُوعِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقَالَ مَا إخَالُكَ سَرَقْت قَالَ بَلَى سَرَقْت فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ } وَلَوْلَا أَنَّ الرُّجُوعَ مَقْبُولٌ لَمَا كَانَ لِلْحَثِّ عَلَيْهِ مَعْنًى ( فَلَوْ بَقِيَ ) مِنْ الْقَطْعِ بَعْدَ الرُّجُوعِ ( مَا يَضُرُّ إبْقَاؤُهُ قَطَعَ ) هُوَ ( لِنَفْسِهِ ) لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ ( وَلَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَطْعُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَدَاوٍ وَخَرَجَ بِالْقَطْعِ الْمَالُ فَلَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ التَّفْصِيلُ مِنْ الْمُقِرِّ الْعَالِمِ الْمُوَافِقِ لِلْقَاضِي فِي الْمَذْهَبِ
( فَرْعَانِ ) لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ رَجَعَ ثُمَّ كَذَّبَ رُجُوعَهُ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَقَرَّ بِهِمَا ثُمَّ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ رَجَعَ قَالَ الْقَاضِي سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ عَلَى الصَّحِيحِ ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ كَانَ بِالْإِقْرَارِ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الزِّنَا عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ( وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُ الْمُقِرِّينَ ) بِالسَّرِقَةِ عَنْ إقْرَارِهِ دُونَ الْآخَرِ ( قُطِعَ الْآخَرُ ) فَقَطْ ( فَلَوْ أَقَرَّ ) وَاحِدٌ ( بِإِكْرَاهِ أَمَةٍ عَلَى الزِّنَا ) أَوْ بِالزِّنَا بِهَا بِلَا إكْرَاهٍ ( حُدَّ وَإِنْ غَابَ سَيِّدُهَا ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى ( فَإِنْ رَجَعَ السَّيِّدُ ) مِنْ غَيْبَتِهِ ( وَقَالَ كُنْت مَلَّكْته إيَّاهَا ) بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَأَنْكَرَ ) هـ الْمُقِرُّ ( لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ ) إذْ لَوْ سَقَطَ لَمْ يُسْتَوْفَ فِي غَيْبَتِهِ ( وَكَذَا ) لَا يَسْقُطُ ( إنْ قَالَ أَبَحْتهَا ) لَهُ ( وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ ) ؛ لِأَنَّهَا لَا تُبَاحُ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ سَرِقَةِ مَالِ الْغَائِبِ الْآتِيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ الْحَدُّ إذَا أَقَرَّ بِوَقْفِ الْجَارِيَةِ عَلَيْهِ وَكَذَّبَهُ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ قُلْت لَيْسَ الْوَقْفُ كَالْبَيْعِ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ عَلَى الْمُخْتَارِ ( وَلَوْ أَقَرَّ ) بِلَا دَعْوَى ( بِسَرِقَةٍ لِغَائِبٍ ) أَوْ شَهِدَ بِهَا شُهُودُ حِسْبَةٍ ( لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَقْدَمَ ) مِنْ غَيْبَتِهِ وَيُطَالِبَهُ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْمَالَ وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ حِفْظًا لِمَالِهِ وَاشْتُرِطَ حُضُورُهُ وَفِي مَعْنَى حُضُورِهِ حُضُورُ وَكِيلِهِ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَهَلْ يُحْبَسُ ) الْمُقِرُّ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ كَمَنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ لِغَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ لَا يُحْبَسُ إلَّا إنْ قَصُرَتْ الْمَسَافَةُ وَتُوُقِّعَ قُدُومُهُ عَلَى قُرْبٍ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى
الْمَاهِلَةِ أَوْ يُحْبَسُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ تَالِفَةً لِلْغُرْمِ وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أُخِذَتْ مِنْهُ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا ( فِيهِ وُجُوهٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمُّ الْأَوَّلُ وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قُلْت وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ( فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ ) أَيْ الْغَائِبُ ( بِغَصْبٍ ) لِمَالٍ ( لَمْ يُطَالِبْهُ الْحَاكِمُ ) بِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَالِ الْغَائِبِ فَلَا يَحْبِسُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْقَطْعِ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ ( إلَّا إنْ مَاتَ ) الْغَائِبُ عَنْ الْمَالِ ( وَخَلَّفَهُ لِطِفْلٍ وَنَحْوِهِ ) فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُقِرَّ بِهِ وَيَحْبِسَهُ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الرَّوْضَةِ
( قَوْلُهُ حُدَّ وَإِنْ غَابَ سَيِّدُهَا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْمُقِرَّ لَوْ كَانَ مِنْ وَرَثَةِ السَّيِّدِ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ الْحَدُّ إلَى الْعِلْمِ بِحَيَاتِهِ حَالَ الزِّنَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ قَبْلُ فَيَكُونُ قَدْ وَطِئَ مِلْكَهُ لَا سِيَّمَا إذَا طَالَتْ الْغَيْبَةُ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذُكِرَ فِي الْبَيْعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِوَطْءِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَى حُضُورِهِ حُضُورُ وَكِيلِهِ فِي ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَهَلْ يُحْبَسُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( فَرْعٌ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا إذَا سَرَقَ مَالَ سَفِيهٍ هَلْ يَكْفِي فِي الْقَطْعِ طَلَبُ الْوَلِيِّ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي طَلَبُ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ قَيِّمٍ ، فَإِذَا طَلَبَ الْوَلِيُّ قُطِعَ كَمَا فِي الْوَكِيلِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ
( فَرْعٌ لَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةِ دُونَ النِّصَابِ لَمْ يُقْبَلْ ) إلَّا إنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ ( أَوْ بِنِصَابٍ قُطِعَ ) كَإِقْرَارِهِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ قِصَاصًا ( وَلَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ ) وَإِنْ كَانَ بِيَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى سَيِّدِهِ لِتَعَلُّقِ الْغُرْمِ بِرَقَبَتِهِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ وَانْتِزَاعُهُ مِنْهُ إنْ بَقِيَ وَهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ
( فَرْعٌ لِلْقَاضِي التَّعْرِيضُ لَهُ ) أَيْ لِمَنْ اُتُّهِمَ ( فِي ) بَابِ ( الْحُدُودِ ) بِمَا يُوجِبُ شَيْئًا مِنْهَا ( بِأَنْ يُنْكِرَ ) مَا اُتُّهِمَ بِهِ مِنْهَا سَتْرًا لِلْقَبِيحِ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ { مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةِ } ( إنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ ) ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّعْرِيضُ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ الشُّهُودِ ( وَ ) لَهُ التَّعْرِيضُ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا ( بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ ) وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ لِمَا مَرَّ آنِفًا وَلِخَبَرِ مَاعِزٍ السَّابِقِ فِي بَابِ الزِّنَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْحَدِّ بِأَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَإِذَا عَرَضَ لَهُ ، فَإِنَّمَا يَعْرِضُ ( بِمَا ) أَيْ بِرُجُوعٍ ( لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْغَيْرِ ) مِنْ عُقُوبَةٍ وَغَيْرِهَا لَا بِمَا يُسْقِطُهُ حَتَّى لَا يَعْرِضَ فِي السَّرِقَةِ بِمَا يُسْقِطُ الْغُرْمَ وَإِنَّمَا يَسْعَى فِي دَفْعِ الْقَطْعِ كَمَا أَنَّهُ فِي حُدُودِ اللَّهِ يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ يَجِبُ الْإِظْهَارُ ( وَلَا يَقُولُ ) لَهُ ( ارْجِعْ ) عَنْ الْإِقْرَارِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ صَرَائِحِ الرُّجُوعِ كَاجْحَدْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْكَذِبِ وَمَا رُوِيَ مِنْ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلسَّارِقِ أَسَرَقْت قُلْ لَا } لَمْ يَصِحَّ ( بَلْ ) يَقُولُ لَهُ فِي الزِّنَا ( لَعَلَّك لَامَسْت أَوْ ) فِي شُرْبِ الْخَمْرِ لَعَلَّك ( مَا عَلِمْته خَمْرًا أَوْ ) فِي السَّرِقَةِ لَعَلَّك ( سَرَقْت مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَنَحْوِهِ ) أَيْ نَحْوَ كُلٍّ مِنْهُمَا نَحْوُ لَعَلَّك فَاخَذْتَ أَوْ قَبَّلْت أَوْ لَمْ تَعْلَمْهُ مُسْكِرًا أَوْ غَصَبْت أَوْ أَخَذْت بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقَدْ وَرَدَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي الْأَخْبَار ( وَلَا يُسْتَحَبُّ ) لَهُ ( التَّعْرِيضُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ التَّعْرِيضَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ ( وَلَوْ عَرَّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ ) فِي الشَّهَادَةِ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ( جَازَ
بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ) فِي السَّتْرِ ، فَإِنْ انْتَفَتْ لَمْ يَجُزْ
( قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ الْمُقِرُّ جَاهِلًا إلَخْ ) وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِأَنَّ حَدَّ اللَّهِ يُنْدَبُ إلَى سِتْرِ مُوجِبِهِ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ ، فَإِنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِالْحَدِّ لَمْ أَرَ بَأْسًا أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ لَمْ يَسْرِقْ وَشَرَحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى سَتْرِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إذَا اعْتَرَفَ بِهِ فَثَبَتَ عَلَيْهِ سَقَطَ بِرُجُوعِهِ وَشَرَحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَهْلُ بِوُجُوبِ الْحَدِّ وَاسْتَبْعَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَاهِلِ بِجَوَازِ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ ثَالِثُ الْأَوْجُهِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ الَّذِي يَحْكِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ وَيَنْقُلُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُعَرِّضُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَأَمَّا فِي الطَّرِيقَةِ الَّتِي حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ ، فَإِنَّهُ مُتَعَيِّنٌ فِيهَا وَلَزِمَ مِنْ إسْقَاطِ هَذَا الْقَيْدِ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ ضَعِيفًا مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ فِي طَرِيقَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي طَرِيقَةِ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَقُولُ لَهُ ارْجِعْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَوْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ الْأَوَّلُ .
ا هـ .
وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ ( قَوْلُهُ أَوْ فِي السَّرِقَةِ لَعَلَّك سَرَقْت إلَخْ ) لَوْ رَجَعَ بَعْدَ قَطْعِ بَعْضِ الْيَدِ سَقَطَ الْبَاقِي ، فَإِنْ رُجِيَ بُرْؤُهُ وَإِلَّا فَلِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ الْبَاقِي وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ ، فَإِنَّهُ تَدَاوٍ ( قَوْلُهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَرُّضُ ) وَإِنْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ (
قَوْلُهُ جَازَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ ) نَعَمْ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى تَوَقُّفِهِمْ عَنْ الشَّهَادَةِ حَدٌّ عَلَى الْغَيْرِ لَمْ يَجُزْ التَّعْرِيضُ وَلَا التَّوَقُّفُ
( الثَّالِثُ الشَّهَادَةُ فَيَثْبُتُ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ ) شَاهِدٍ ( وَيَمِينٍ وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ ) فَلَا يَثْبُتُ بِمَا ذُكِرَ كَسَائِرِ الْعُقُوبَاتِ وَهَذَا كَمَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَصْبُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ دُونَهُمَا وَيُخَالِفُ مَا لَوْ شَهِدَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَا الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ عَنْ الْقَتْلِ ، وَالْغُرْمُ هُنَا لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْقَطْعِ وَوَصَفَ الشَّاهِدَيْنِ بِقَوْلِهِ ( يُبَيِّنَانِ السَّارِقَ ، وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ ) وَقَدْرَ الْمَسْرُوقِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْلِ ( وَالْحِرْزَ ) بِتَعْيِينٍ أَوْ وَصْفٍ كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي الْمُقِرِّ بِالسَّرِقَةِ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( أَنْ يَقُولَ ) الشَّاهِدُ ( لَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً ) وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ ( وَإِنْ شَهِدَ ) لَهُ ( وَاحِدٌ بِثَوْبٍ أَبْيَضَ ) أَيْ بِسَرِقَتِهِ ( وَآخَرُ بِأَسْوَدَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا وَلَهُ ) مَعَ ذَلِكَ ( أَنْ يَدَّعِيَ ) الثَّوْبَ ( الْآخَرَ وَيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَاسْتَحَقَّهُمَا ) أَيْ الثَّوْبَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ ، وَالْيَمِينِ كَمَا مَرَّ ( وَلَا قَطْعَ ) لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ ( أَوْ ) شَهِدَ ( اثْنَانِ ) بِسَرِقَةٍ ( وَاثْنَانِ ) بِسَرِقَةٍ ( فَإِنْ لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ) كَالْمِثَالِ السَّابِقِ وَكَمَا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةِ كِيسٍ غُدْوَةً وَاثْنَانِ بِسَرِقَةِ كِيسٍ عَشِيَّةً ( ثَبَتَ الْقَطْعُ ، وَالْمَالَانِ ) لِتَمَامِ الْحُجَّتَيْنِ ( وَإِنْ تَوَارَدَا عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ) وَاخْتَلَفَ الْوَقْتُ كَأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَةِ كَذَا غُدْوَةً وَاثْنَانِ بِسَرِقَتِهِ عَشِيَّةً ( تَعَارَضَتَا ) فَيَتَسَاقَطَانِ وَفِي صُورَةِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ ، وَالْوَاحِدِ لَا يُقَالُ تَعَارَضَتَا ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ ( وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِكِيسٍ ، وَالْآخَرُ بِكِيسَيْنِ ثَبَتَ الْكِيسُ وَقُطِعَ بِهِ ) السَّارِقُ ( إنْ بَلَغَ نِصَابًا وَإِنْ شَهِدَ
بِثَوْبٍ وَهُوَ تَالِفٌ ) وَقَدْ ( قَوَّمَهُ أَحَدُهُمَا نِصَابًا ، وَالْآخَرُ نِصْفَهُ ثَبَتَ النِّصْفُ ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ ( وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْآخَرِ ) أَيْ الشَّاهِدِ بِالنِّصَابِ ( لِلْبَاقِي ) مِنْهُ أَيْ لِأَخْذِهِ ( وَلَا قَطْعَ ) عَلَى السَّارِقِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَتِهِ وَقَوَّمَاهُ بِنِصَابٍ وَآخَرَانِ بِهَا وَقَوَّمَاهُ بِنِصْفِهِ ثَبَتَ النِّصْفُ وَلَا قَطْعَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَقَدْ يَشْمَلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِجَعْلِ أَلِفِ " شَهِدَا " رَاجِعًا إلَى كُلٍّ مِنْ وَاحِدٍ وَوَاحِدٍ وَاثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ
( قَوْلُهُ يُبَيِّنَانِ السَّارِقَ بِإِشَارَةٍ إلَيْهِ ) ، فَإِنْ غَابَ فَبِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ ( تَنْبِيهٌ ) لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَحْوِ ثَلَاثِينَ مَسْأَلَةً ( قَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْفِعْلِ وَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ
( وَلَوْ شَهِدَ بِسَرِقَةِ مَالِ ) شَخْصٍ ( غَائِبٍ ) أَوْ حَاضِرٍ ( حِسْبَةً قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُمَا تَغْلِيبًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ( وَلَا قَطْعَ ) عَلَى السَّارِقِ ( حَتَّى يُطَالِبَ الْمَالِكُ ) أَيْ يَدَّعِيَ بِمَالِهِ كَمَا مَرَّ ( وَتُعَادُ الشَّهَادَةُ ) بَعْدَ دَعْوَاهُ ( لِلْمَالِ ) أَيْ لِثُبُوتِهِ ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لَا تُقْبَلُ فِي الْمَالِ ( لَا ) لِثُبُوتِ ( الْقَطْعِ ) ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ الْحِسْبَةِ فَبِقَطْعٍ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ ؛ لِأَنَّا قَدْ سَمِعْنَا الشَّهَادَةَ أَوَّلًا وَإِنَّمَا انْتَظَرْنَا لِتَوَقُّعِ ظُهُورِ مُسْقِطٍ وَلَمْ يَظْهَرْ ( وَفِي حَبْسِهِ مَا فِي حَبْسِ الْمُقِرِّ بِسَرِقَةِ مَالِ غَائِبٍ مِنْ تَرَدُّدٍ ) أَيْ وُجُوهٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَبَيَانُ الرَّاجِحِ مِنْهَا ( وَلَوْ سَرَقَ مَالَ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ ) أَوْ سَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ ( فَلَا قَطْعَ حَتَّى يَبْلُغَ أَوْ يُفِيقَ ) أَوْ يَرْشُدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا سَرَقَهُ كَالْغَائِبِ
( قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ مَالِ غَائِبٍ إلَخْ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا بِجَارِيَةِ غَائِبٍ ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْفَرْقُ عِنْدِي أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي السَّرِقَةِ قَدْ تَضَمَّنَتْ مَالًا لِمُسْتَحِقٍّ لَمْ تَصْدُرْ مِنْهُ دَعْوَى وَلَا مِنْ وَكِيلِهِ فَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ غَيْرَ مُقْتَضِيَةٍ لِلثُّبُوتِ الْمُطْلَقِ وَلِهَذَا إذَا حَضَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الشَّهَادَةِ لِلْمَالِ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالزِّنَا فَلَيْسَ فِيهِ تَعَلُّقُ مَالٍ بِغَائِبٍ فَلِهَذَا لَمْ يُنْتَظَرْ حُضُورُهُ وَيُحَدُّ ، فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ الشُّهُودُ فِي شَهَادَتِهِمْ إنَّهُ زَنَى بِأَمَةِ فُلَانٍ وَهِيَ مُكْرَهَةٌ قُلْنَا الْإِكْرَاهُ مُنْفَصِلٌ عَنْ الزِّنَا بِخِلَافِ السَّرِقَةِ نَفْسِهَا ( قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ حَتَّى يُطَالِبَ الْمَالِكُ ) قَالَ النَّاشِرِيُّ وَلَوْ قَطَعَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ الطَّلَبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ سَرَقَ مَالَ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَا قَطْعَ إلَخْ ) اسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ السَّفِيهَ وَقَالَ يُقْطَعُ بِطَلَبِ وَلِيِّهِ الْمَالَ ؛ لِأَنَّ السَّفِيهَ لَوْ قَالَ أَبَحْت الْمَالَ لِلسَّارِقِ لَمْ يُؤَثِّرْ شَيْئًا وَقَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ قَالَ وَأَمَّا مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ كَجٍّ مِنْ انْتِظَارِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ وَإِفَاقَةِ الْمَجْنُونِ عِنْدَ سَرِقَةِ مَالَيْهِمَا إذَا انْتَظَرْنَا حُضُورَ الْغَائِبِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ لِتَعَذُّرِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُمَا فَيُكْتَفَى بِطَلَبِ الْوَلِيِّ .
ا هـ .
وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ الْوَلِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُمَا فِي ذَلِكَ كَمَا يَقُومُ الْإِمَامُ مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سُرِقَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ إذَا فُرِزَ لِطَائِفَةٍ وَإِلَّا فَالتَّأْخِيرُ إلَى الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ يُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْحَقِّ قَالَ وَهَلْ الْمُرَادُ
بِالتَّأْخِيرِ هُنَا تَأْخِيرُ الْقَطْعِ لَا تَأْخِيرُ طَلَبِ الْمَالِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا سِيَّمَا مَعَ طُفُولِيَّةِ الصَّبِيِّ وَعَدَمِ رَجَاءِ إفَاقَةِ الْمَجْنُونِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ الْمُتَوَقَّعِ عَوْدُهُ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ لِتَعَذُّرِ الْإِبَاحَةِ مِنْهُمَا أَيْ حَالَةَ الصِّبَا وَالْجُنُونِ قَبْلَ السَّرِقَةِ صَحِيحٌ لَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ دَلِيلُهُ لَوْ تَوَقَّفَ سُقُوطُ الْقَطْعِ عَلَى الْإِبَاحَةِ قَبْلَ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالْإِبَاحَةِ بَعْدَهَا وَقَبْلَ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ فَالْبُلُوغُ وَالْإِفَاقَةُ كَقُدُومِ الْغَائِبِ ( قَوْلُهُ أَوْ سَفِيهٌ فِيمَا يَظْهَرُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( الْبَابُ الثَّالِثُ ) ( فِي الْوَاجِبِ ) عَلَى السَّارِقِ ( وَهُوَ ضَمَانُ الْمَالِ ) وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبَدَلُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ } وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَالضَّمَانَ لِلْآدَمِيِّ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( وَقَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى ) قَالَ تَعَالَى { فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } وَقُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا ، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا كَمَا مَرَّ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْيَدُ ( زَائِدَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ فَاقِدَتَهَا ) أَوْ مَقْطُوعَةَ الْبَعْضِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ التَّنْكِيلُ بِخِلَافِ الْقَوَدِ ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ كَمَا مَرَّ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِرَارًا وَلَمْ يُقْطَعْ اُكْتُفِيَ بِقَطْعِ يَمِينِهِ عَنْ الْجَمِيعِ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ كَمَا لَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مِرَارًا يُكْتَفَى بِحَدٍّ وَاحِدٍ وَسَتَأْتِي الْأُولَى فِي الْبَابِ الْآتِي وَإِنَّمَا تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ فِيمَا لَوْ لَبِسَ أَوْ تَطَيَّبَ فِي الْإِحْرَامِ فِي مَجَالِسَ مَعَ اتِّحَادِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِآدَمِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ تُصْرَفُ إلَيْهِ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ بِخِلَافِ الْحَدِّ ( فَإِنْ عَادَ ) أَيْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَاهُ ( فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ، فَإِنْ عَادَ ) ثَالِثًا ( فَيَدُهُ ) الْيُسْرَى ( فَإِنْ عَادَ ) رَابِعًا ( فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى ) .
رَوَى الشَّافِعِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ السَّارِقُ : إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ } وَقُدِّمَتْ الْيَدُ ؛ لِأَنَّهُمَا الْآخِذَةُ وَقُدِّمَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى ؛ لِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى فَكَانَ الْبُدَاءَةُ بِهَا أَرْدَعَ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِ فَتَضْعُفَ حَرَكَتُهُ كَمَا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ ( فَإِنْ عَادَ )
خَامِسًا ( عُزِّرَ ) كَمَا لَوْ سَقَطَتْ أَطْرَافُهُ أَوَّلًا وَلَا يُقْتَلُ وَمَا رَوَى مِنْ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُهُ } مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ بِقَتْلِهِ لِاسْتِحْلَالٍ أَوْ نَحْوِهِ بَلْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : إنَّهُ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ ( وَيُمَدُّ الْعُضْوُ حَتَّى يَنْخَلِعَ ) تَسْهِيلًا لِلْقَطْعِ ثُمَّ يُقْطَعُ ( مِنْ الْكُوعِ ) فِي الْيَدِ ( أَوْ ) كَعْبِ ( السَّارِقِ ) فِي الرِّجْلِ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ فِي الْأَوَّلِ وَلِفِعْلِ عُمَرَ فِي الثَّانِي كَمَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ ( وَيُقْطَعُ بِمَاضٍ ) أَيْ حَادٍّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلْيَكُنْ الْمَقْطُوعُ جَالِسًا وَيُضْبَطُ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ ( وَيُحْسَمُ عَقِيبَهُ ) أَيْ الْقَطْعِ بِأَنْ يُغْمَسَ مَحَلُّهُ ( بِدُهْنٍ ) مِنْ زَيْتٍ أَوْ غَيْرِهِ ( مَغْلِيٍّ ) لِتَنْسَدَّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ وَخَصَّهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْحَضَرِيِّ قَالَ : وَأَمَّا الْبَدْوِيُّ فَيُحْسَمُ بِالنَّارِ ؛ لِأَنَّهُ عَادَتُهُمْ وَقَالَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَإِذَا قُطِعَ حُسِمَ بِالزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَبِالنَّارِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ فِيهِمَا انْتَهَى فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِ عَادَةِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَيَفْعَلُ الْمَقْطُوعُ ذَلِكَ ( اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا ) .
وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْأَمْرُ بِهِ عَقِبَ الْقَطْعِ لِخَبَرِ الْحَاكِمِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَارِقٍ : اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ } وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَزِيدَ أَلَمٍ ، وَالْمُدَاوَاةُ بِمِثْلِ هَذَا لَا تَجِبُ بِحَالٍ نَعَمْ إنْ أَدَّى تَرْكُهُ إلَى الْهَلَاكِ لِتَعَذُّرِ فِعْلِهِ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِجُنُونٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُهُ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ( لِمَصْلَحَتِهِ ) أَيْ السَّارِقِ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ لَا تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْهُ بِنَزْفِ الدَّمِ فَلَا يُفْعَلُ إلَّا بِإِذْنِهِ ، وَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ وَخَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ الْمَعْرُوفُ فِي الطَّرِيقَيْنِ
أَنَّهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ يُنَصِّبْ الْإِمَامُ مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَيَرْزُقُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَإِلَّا فَلَا مُؤْنَةَ عَلَى الْمَقْطُوعِ ( وَيُعَلَّقُ ) الْعُضْوُ الْمَقْطُوعُ ( فِي عُنُقِهِ سَاعَةً ) نَدْبًا لِلزَّجْرِ ، وَالتَّنْكِيلِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْوَاجِبِ ) ( قَوْلُهُ وَقَطْعُ يَدِهِ الْيُمْنَى ) لَوْ كَانَ السَّارِقُ نِضْوًا بِحَيْثُ يُخْشَى مَوْتُهُ بِالْقَطْعِ وَلَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَقُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ قَاطِعُونَ وَيُؤَخَّرُ الْقَطْعُ لِلْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ الزَّوَالِ ( قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْبَعْضِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ مُعْظَمُ الْكَفِّ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا شَيْءٌ يَسِيرٌ لَا تُقْطَعُ لَهُ أَصْلًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَيَكُونُ كَالْعَدَمِ قَطْعًا ا هـ قَالَ شَيْخُنَا قَالَ فِي الْإِسْعَادِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : فَإِنْ عَادَ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ) إنَّمَا تُقْطَعُ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فِي الثَّانِيَةِ إذَا بَرِئَتْ يَدُهُ وَإِلَّا فَيُؤَخَّرُ الْقَطْعُ لِلْبُرْءِ لِئَلَّا تُفْضِيَ الْمُوَالَاةُ إلَى الْإِهْلَاكِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَالْمَعْنَى فِي هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ اعْتِمَادُ السَّارِقِ فِي السَّرِقَةِ عَلَى الْبَطْشِ وَالْمَشْي ، فَإِنَّهُ بِيَدِهِ يَأْخُذُ وَبِرِجْلِهِ يَنْقُلُ فَتَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِهَا وَإِنَّمَا قُطِعَ فِي الثَّالِثَةِ يَسَارُهُ ؛ لِأَنَّ اعْتِمَادَ السَّرِقَةِ عَلَى الْبَطْشِ وَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَفْوِيتِهِ أَحَدَ جِنْسَيْ الْمَنْفَعَةِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْأَهَمُّ وَلِهَذَا بُدِئَ أَوَّلًا بِالْيَدِ ( قَوْلُهُ ، فَإِنْ عَادَ خَامِسًا عُزِّرَ ) فَلَا يُعَزَّرُ مَعَ الْقَطْعِ وَعَنْ الْفُورَانِيِّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ مَعَهُ قَالَ مُجَلِّيٌّ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيقَ الْمَقْطُوعَةِ فِي عُنُقِهِ فَحَسَنٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْفَرِدٌ بِهِ ( قَوْلُهُ لِلْأَمْرِ بِهِ فِي سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ إلَخْ ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ ( قَوْلُهُ مَغْلِيٍّ ) بِضَمِّ الْمِيمِ
( فَرْعٌ لَوْ كَانَ لَهُ كَفَّانِ ) عَلَى مِعْصَمِهِ ( قُطِعَتْ الْأَصْلِيَّةُ ) مِنْهُمَا إنْ تَمَيَّزَتْ وَأَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهَا بِدُونِ الزَّائِدَةِ وَإِلَّا فَيُقْطَعَانِ وَمَا ذُكِرَ فِيمَا إذَا تَمَيَّزَتْ هُوَ مَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَطْعَهُمَا مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَةَ كَالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ وَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ هُوَ الرَّاجِحُ ( فَلَوْ عَادَ ) وَسَرَقَ ثَانِيًا ( وَقَدْ صَارَتْ الزَّائِدَةُ أَصْلِيَّةً ) بِأَنْ صَارَتْ بَاطِشَةً ( أَوْ كَانَتَا ) أَيْ الْكَفَّانِ ( أَصْلِيَّتَيْنِ ) وَقُطِعَتْ إحْدَاهُمَا فِي سَرِقَةٍ ( قُطِعَتْ الثَّانِيَةُ ) وَلَا يُقْطَعَانِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ الْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ إذْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ يَدٍ ( وَيُقْطَعُ رِجْلُ مَنْ سَقَطَتْ كَفُّهُ قَبْلَ السَّرِقَةِ ) بِآفَةٍ أَوْ قَوَدٍ أَوْ جِنَايَةٍ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ بِسَرِقَةٍ أُخْرَى ( لَا ) رِجْلُ مَنْ سَقَطَتْ كَفُّهُ ( بَعْدَهَا بَلْ يَسْقُطُ قَطْعُهَا ) ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهَا وَقَدْ فَاتَتْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَذَا لَوْ شُلَّتْ بَعْدَ السَّرِقَةِ وَخِيفَ مِنْ قَطْعِهَا تَلَفُ النَّفْسِ وَكُلٌّ مِنْ الْكَفِّ ، وَالرِّجْلِ صَادِقٌ بِالْيَمِينِ ، وَالْيَسَارِ ( كَيَدٍ شَلَّاءَ ) قَبْلَ السَّرِقَةِ ( خِيفَ مِنْ قَطْعِهَا أَنْ لَا يَكُفَّ الدَّمُ ) أَيْ يَنْقَطِعَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ ، فَإِنَّهَا لَا تُقْطَعُ ( لَكِنْ فِي ) مَسْأَلَةِ ( الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ ) كَمَا لَوْ سَقَطَتْ يَدُهُ قَبْلَ السَّرِقَةِ ( وَقَاطِعُ يَمِينِ السَّارِقِ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ( لَا يَضْمَنُ ) بِسَبَبِهَا شَيْئًا ( وَإِنْ مَاتَ ) بِالسِّرَايَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْقَطْعِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ قَطْعِهَا تَوَلَّدَ مِنْ مُسْتَحَقٍّ ( بَلْ يُعَزَّرُ ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ ( ، فَإِنْ أَخْرَجَ ) السَّارِقُ ( لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا سُئِلَ الْجَلَّادُ ، فَإِنْ قَالَ : ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ ) عَنْهَا وَحَلَفَ ( لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَجْزَأَتْهُ ) عَنْ قَطْعِ الْيَمِينِ ( أَوْ ) قَالَ ( عَلِمْتهَا الْيَسَارَ
وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُخْرِجُ بَدَلَهَا ) عَنْ الْيَمِينِ ( أَوْ إبَاحَتَهَا ) وَإِلَّا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ وَفِي نُسْخَةٍ وَإِبَاحَتَهَا وَبِهِ عَبَّرَ الْأَصْلُ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ ( وَلَمْ تُجْزِهِ ) أَيْ الْيَسَارُ عَنْ الْيَمِينِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْجَلَّادَ يُسْأَلُ طَرِيقَةٌ حَكَاهَا الْأَصْلُ وَحَكَى مَعَهَا طَرِيقَةً أُخْرَى أَنَّهُ إنْ قَالَ الْمُخْرِجُ ظَنَنْتهَا الْيَمِينَ أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ أَجْزَأَتْهُ وَإِلَّا فَلَا فَالتَّرْجِيحُ لِلْأُولَى مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَلَامُ الْأَصْلِ يُومِئُ إلَيْهِ لَكِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ وَقَالَ كَذَا صَحَّحَهَا الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ مُنِعَ بِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ ثَمَّ النَّظَرَ إلَى الْمُخْرِجِ وَلَا إلَى الْقَاطِعِ أَصْلًا بَلْ أَطْلَقَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ إجْزَاءُ الْيَسَارِ عَنْ الْيَمِينِ
( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتُقْطَعَانِ ) قَالَ شَيْخُنَا قَطْعُهُمَا بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ مَمْنُوعٌ ( قَوْلُهُ وَلَا تُقْطَعَانِ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ ) ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ إحْدَاهُمَا انْتَقَلَ إلَى مَا بَعْدَهُمَا كَمَنْ يَدُهُ شَلَّاءَ لَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا ( قَوْلُهُ لَكِنْ فِي مَسْأَلَةِ الشَّلَّاءِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ ) قَالَ شَيْخُنَا حَاصِلُهُ إنْ كَانَتْ شَلَّاءَ حَالَ تَوَجُّهِ الْقَطْعِ عَلَيْهَا وَخِيفَ مِنْ قَطْعِهَا تَلَفُ النَّفْسِ انْتَقَلَ لِمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ عَلَيْهَا الشَّلَلُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَسْقُطُ الْقَطْعُ أَصْلًا ( قَوْلُهُ ، فَإِنْ أَخْرَجَ لِلْجَلَّادِ يَسَارَهُ فَقَطَعَهَا سُئِلَ الْجَلَّادُ إلَخْ ) هَذِهِ الطَّرِيقَةُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةَ فِي صُورَةِ ظَنِّ الْإِجْزَاءِ أَوْ أَنَّهَا الْيَمِينُ وَتَقَعُ عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ وَهُوَ عَجِيبٌ فَكَوْنُهَا عَنْ قَطْعِ السَّرِقَةِ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَكَوْنُهَا مَضْمُونَةً يَقْتَضِي أَنْ لَا تُجْزِئَ عَنْ السَّرِقَةِ قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ الْإِسْنَوِيُّ الثَّانِيَةَ ) هِيَ الْمُرَجَّحَةُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَدَاءِ إنَّمَا هُوَ بِقَصْدِ الدَّافِعِ ( قَوْلُهُ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ ) فَقَالَ : وَإِنَّهُ إذَا وَجَبَ قَطْعُ يَمِينِهِ فَقَطَعَ الْجَلَّادُ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَجْزَأَتْ عَنْ الْيَمِينِ وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْقَاطِعِ وَلَا دِيَةَ وَمُقْتَضَاهُ بِعُمُومِهِ تَصْحِيحُ الْإِجْزَاءِ فِيمَا إذَا قَطَعَ الْجَلَّادُ مِنْ غَيْرِ إخْرَاجِ السَّارِقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اتِّفَاقًا وَفِيمَا إذَا قَالَ الْمُخْرِجُ عَلِمْت أَنَّهَا الْيَسَارُ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَيْضًا وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْقِصَاصِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِخْرَاجُ عَلَى قَصْدِ حُسْبَانِهَا عَنْ الْيَمِينِ أَمْ لَا وَهُوَ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَصْدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا لَا تَقَعُ لَا أَثَرَ لَهُ
( كِتَابُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ ) الْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } الْآيَةَ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ : نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا فِي الْكُفَّارِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ إذْ الْمُرَادُ التَّوْبَةُ عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْكُفَّارَ لَكَانَتْ تَوْبَتُهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ دَافِعٌ لِلْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا وَقَطْعُ الطَّرِيقِ هُوَ الْبُرُوزُ لِأَخْذِ مَالٍ أَوْ لِقَتْلٍ أَوْ إرْعَابٍ مُكَابَرَةً اعْتِمَادًا عَلَى الشَّوْكَةِ مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ كَمَا سَيَأْتِي ( وَفِيهِ أَطْرَافٌ ) ثَلَاثَةٌ ( الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِمْ وَهُمْ كُلُّ مُلْتَزِمٍ ) لِلْأَحْكَامِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَمُرْتَدًّا كَمَا فِي السَّارِقِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ إخْرَاجِهَا وَلِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ ( مُكَلَّفٍ أَخَذَ الْمَالَ بِقُوَّةٍ وَغَلَبَةٍ فِي ) حَالَةِ ( الْبُعْدِ عَنْ ) مَحَلِّ ( الْغَوْثِ ) لِبُعْدِ السُّلْطَانِ وَأَعْوَانِهِ أَوْ لِضَعْفِهِ وَخَرَجَ بِالْمُلْتَزِمِ الْحَرْبِيُّ ، وَالْمُعَاهَدُ وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ أَيْ إلَّا السَّكْرَانَ وَبِمَا بَعْدَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ قُوَّةٍ أَوْ فِي الْقُرْبِ مِنْ الْغَوْثِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ بُعْدُهُ عَنْ الْغَوْثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ ، وَالْقَهْرِ مُجَاهَرَةً .
( فَإِنْ اسْتَسْلَمَ لَهُمْ الْقَادِرُونَ عَلَى دَفْعِهِمْ ) حَتَّى قُتِلُوا أَوْ أُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ ( فَمُنْتَهِبُونَ ) لَا قُطَّاعٌ وَإِنْ كَانُوا ضَامِنِينَ لِمَا أَخَذُوهُ ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ شَوْكَتِهِمْ بَلْ عَنْ تَفْرِيطِ الْقَافِلَةِ ( أَوْ كَانَ الْقَاصِدُونَ ) لِقَطْعِ الطَّرِيقِ ( قَلِيلِينَ اعْتِمَادُهُمْ عَلَى الْهَرَبِ ) بِرَكْضِ الْخَيْلِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ الْعَدْوِ عَلَى الْأَقْدَامِ ( يَخْتَطِفُونَ مِنْ ) قَافِلَةٍ ( كَثِيرِينَ فَمُخْتَلِسُونَ ) لَا قُطَّاعٌ لِمَا ذَكِرُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ
الْمُعْتَمِدَ عَلَى الشَّوْكَةِ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنْ الْقَافِلَةِ فَغُلِّظَتْ عُقُوبَتُهُ رَدْعًا لَهُ بِخِلَافِ الْمُنْتَهِبِ ، وَالْمُخْتَلِسِ ( فَلَوْ قَهَرُوهُمْ ) وَلَوْ ( مَعَ الْقِلَّةِ ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِمْ قَلِيلِينَ ( فَقُطَّاعٌ ) لِاعْتِمَادِهِمْ الشَّوْكَةَ ( فَلَا يُعَدُّونَ ) أَيْ الْقَافِلَةُ ( مُقَصِّرِينَ ؛ لِأَنَّ الْقَافِلَةَ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ ) وَلَا يَضْبِطُهُمْ مُطَاعٌ وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ ( وَلَوْ دَخَلُوا ) أَيْ جَمَاعَةٌ ( الدَّارَ لَيْلًا ) عَلَى صَاحِبِهَا ( وَمَنَعُوهُ الِاسْتِغَاثَةَ ) بِأَنْ خَوَّفُوهُ بِالْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ ( أَوْ أَغَارُوا عَلَى بَلَدٍ وَلَوْ لَيْلًا ) مَعَ الْبُعْدِ عَنْ الْغَوْثِ ( فَقُطَّاعٌ ) سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ الْبَلَدِ أَمْ لَا كَمَا لَوْ كَانُوا بِبَرِيَّةٍ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الِاسْتِغَاثَةِ كَالْبُعْدِ عَنْ مَحَلِّ الْغَوْثِ ( وَلَا يُشْتَرَطُ ) فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ ( سِلَاحٌ وَذُكُورَةٌ وَعَدَدٌ بَلْ الْوَاحِدُ ) وَلَوْ أُنْثَى ، وَالْخَارِجُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ ( قَاطِعٌ إنْ غَلَبَ ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ قُوَّةٌ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ وَلَوْ بِاللَّكْزِ ، وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ آلَةٍ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَالْمُرَاهِقُونَ ) وَمِثْلُهُمْ سَائِرُ غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالْمَجَانِينِ ( لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ وَيَضْمَنُونَ النَّفْسَ ، وَالْمَالَ ) كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ
( بَابُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ) ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدُ الْأَصْلِ بِالْمُسْلِمِ إلَخْ ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الذِّمِّيِّ أَوْ أَنَّ جَمِيعَ أَحْكَامِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا تَأْتِي فِيهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِذَا قَطَعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حُدُّوا حَدَّ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْإِسْلَامَ وَلَا أَثَرَ لِلتَّعْلِيقِ بِسَبَبِ النُّزُولِ ، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ عَلَى الْأَصَحِّ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَ هَذَا الشَّرْطِ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ وَكَتَبَ أَيْضًا كَلَامَ الْجُرْجَانِيِّ فِي الشَّافِي يَقْتَضِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ لَا كَوْنُهُ مُسْلِمًا ( قَوْلُهُ وَالْمُعَاهَدُ ) أَيْ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَكَتَبَ أَيْضًا أَمَّا الْمُعَاهَدُونَ فَيُنْقَضُ عَهْدُهُمْ بِهِ وَتُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ إذَا ظَفِرْنَا بِهِمْ ع هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ ( قَوْلُهُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي عُقُوبَتِهِمْ فَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذْ ) مَالًا وَلَا نَفْسًا ( أَوْ كَانَ رِدْءً ) لِلْقَاطِعِ أَيْ عَوْنًا لَهُ كَأَنْ كَثُرَ جَمْعُهُ أَوْ أَخَافَ الرُّفْقَةَ ( عُزِّرَ بِحَبْسٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَتَغْرِيبٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْجَرَائِمِ الَّتِي لَا حَدَّ فِيهِ وَيَمْتَدُّ الْحَبْسُ وَنَحْوُهُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ ، وَالْحَبْسُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ ( وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا مِمَّنْ يُحْرِزُهُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ، فَإِنْ عَادَ ) ثَانِيًا وَأَخَذَ ذَلِكَ ( فَعَكْسُهُ ) أَيْ فَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَإِنَّمَا قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ لِمَا مَرَّ فِي السَّرِقَةِ وَقُطِعَتْ الْيَمِينُ لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ ، وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ ، وَالرِّجْلُ قِيلَ لِلْمَالِ ، وَالْمُجَاهَرَةِ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ سَرِقَةٍ ثَانِيَةٍ وَقِيلَ لِلْمُحَارَبَةِ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ وَلَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ تَعَدَّى وَلَزِمَهُ الْقَوَدُ فِي رِجْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَدِيَتُهَا إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَلَا يَسْقُطُ قَطْعُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ وَأَجْزَأَهُ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَطْعَهُمَا مِنْ خِلَافٍ نَصٌّ تُوجِبُ مُخَالَفَتُهُ الضَّمَانَ ، وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى اجْتِهَادٌ يَسْقُطُ بِمُخَالَفَتِهِ الضَّمَانُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا شَكَّ فِي الْإِسَاءَةِ وَأَمَّا إيجَابُ الْقَوَدِ وَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى فَفِيهِ وَقْفَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ فِي السَّرِقَةِ يَدَهُ الْيُسْرَى فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَامِدًا أَجْزَأَ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى عَلَيْهَا بِالِاجْتِهَادِ أَيْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى
ثَمَّ بِالِاجْتِهَادِ بَلْ بِالنَّصِّ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ قُرِئَ شَاذًّا فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَإِنَّ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ وَعَلَى عَدَمِ دَعْوَى التَّمَلُّكِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ السَّرِقَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ كَمَا فِي السَّارِقِ وَيَجُوزُ أَنْ تُحْسَمَ الْيَدُ ثُمَّ تُقْطَعَ الرِّجْلُ وَأَنْ يُقْطَعَا جَمِيعًا ثُمَّ يُحْسَمَا ( وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا انْحَتَمَ ) أَيْ وَجَبَ ( قَتْلُهُ ) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ إلَى جِنَايَتِهِ إخَافَةَ السَّبِيلِ الْمُقْتَضِيَةَ زِيَادَةَ الْعُقُوبَةِ وَلَا زِيَادَةَ هُنَا لَا تُحَتِّمُ الْقَتْلَ فَلَا يَسْقُطُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا يَتَحَتَّمُ ( وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا وَقَتَلَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ) حَتْمًا زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَيَكُونُ صَلْبُهُ بَعْدَ غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْجَنَائِزِ .
وَالْغَرَضُ مِنْ صَلْبِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ التَّنْكِيلُ بِهِ وَزَجْرُ غَيْرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنْ يُقَتَّلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا شَيْئًا فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى إذْ لَمْ يُخَيِّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ ( فَلَوْ مَاتَ ) مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، وَالصَّلْبُ ( أَوْ قُتِلَ بِقِصَاصٍ مِنْ غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ سَقَطَ الصَّلْبُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ فَسَقَطَ بِسُقُوطِ مَتْبُوعِهِ وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ ،
وَالصَّلْبَ مَشْرُوعَانِ وَقَدْ تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا فَوَجَبَ الْآخَرُ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَالْمُحَارِبُ ) وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، وَالصَّلْبُ ( يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ ) فَلَا يُعْكَسُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا وَقَدْ { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ } وَهَذَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَإِذَا ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذَكَرِهِ أَوَّلًا وَيُصْلَبُ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا ( ثَلَاثًا ) مِنْ الْأَيَّامِ لِيَشْتَهِرَ الْحَالُ وَيَتِمَّ النَّكَالُ وَلِأَنَّ لَهَا اعْتِبَارًا فِي الشَّرْعِ وَلَيْسَ لِمَا زَادَ عَلَيْهَا غَايَةٌ ( فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ )
( قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا نَفْسًا ) هُوَ مِنْ بَابِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا فَيَجِيءُ الْوَجْهَانِ أَمَّا بِتَقْدِيرِ عَامِلِ الثَّانِي مُوَافِقٌ أَيْ وَلَمْ يَقْتُلُوا نَفْسًا أَوْ تَضْمِينِ الْأَوَّلِ مَعْنًى مُشْتَرَكًا يَجْمَعُ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ الْإِتْلَافُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذُوا نِصَابًا إلَخْ ) أَيْ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمَأْخُوذِ فِي مَوْضِعِ الْأَخْذِ إنْ كَانَ مَوْضِعَ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ حَالَ السَّلَامَةِ لَا عِنْدَ اسْتِلَامِ النَّاسِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ فَأَقْرَبُ مَوْضِعٍ إلَيْهِ يُوجَدُ فِيهِ بَيْعُ ذَلِكَ وَشِرَاؤُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( قَوْلُهُ وَقُطِعَتْ الْيُمْنَى لِلْمَالِ كَالسَّرِقَةِ ) قَالَ شَيْخُنَا لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ سُقُوطُ قَطْعِهَا بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لِلْمَالِ لَكِنْ مَعَ رِعَايَةِ الْمُحَارَبَةِ وَقَطْعُ الرِّجْلِ مَعَهُ حَدٌّ وَاحِدٌ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِي الْقَطْعِ النِّصَابُ ) ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ يَجِبُ بِأَخْذِ الْمَالِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ النِّصَابُ كَالسَّرِقَةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } وَلَمْ يُفَصِّلْ ( قَوْلُهُ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ ) وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي وَهُوَ الرَّاجِحُ ( قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتُوا هُنَا عَنْ تَوَقُّفِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُطَالَبَةِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الْقِيَاسُ وَفِي الْأُمُّ مَا يَقْتَضِيهِ ا هـ وَلَا بُدَّ مِنْ انْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَالِاسْتِذْكَارِ لِلدَّارِمِيِّ فَلَوْ ظَنَّهُ مِلْكَهُ أَوْ ادَّعَاهُ فَلَا قَطْعَ ( قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ مَا مَرَّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا ) أَيْ مُكَافِئًا لَهُ ( قَوْلُهُ فَلَا يَسْقُطُ ) وَلَا يُعْتَبَرُ فِي قَتْلِهِ طَلَبُ الْأَوْلِيَاءِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ
وَمَحَلُّ انْحِتَامِهِ إذَا قَتَلَ لِأَخْذِ الْمَالِ إلَخْ قَالَ فِي الْعُبَابِ وَمَنْ قَتَلَ عَمْدًا مَحْضًا لِأَجْلِ الْمَالِ وَأَخَذَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ دُونَ النِّصَابِ وَغَيْرَ مُحْرَزٍ قُتِلَ حَتْمًا ا هـ وَيُشْتَرَطُ لِقَطْعِ الْقَاطِعِ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ الْحِرْزُ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ وَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ اعْتِبَارُ طَلَبِ الْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرُوا فِي الْقَتْلِ طَلَبَ الْأَوْلِيَاءِ وَاسْتُشْهِدَ بِذَلِكَ بِنَصِّ الْأُمِّ وَيُشْتَرَطُ لِصَلْبِهِ مَعَ الْقَتْلِ كَوْنُ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا كَمَا قَالَاهُ وَإِنْ اخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافَهُ وَقِيَاسُ اشْتِرَاطِهِ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ اشْتِرَاطُ الْحَوْزِ وَعَدَمُ الشُّبْهَةِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْعُبَابِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَأَخْذِهِ قَالَ شَيْخُنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الْأَخْذِ لِلْمَالِ كَافِيًا فِي تَحَتُّمِ قَتْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ قَالَ قَتَلَهُ عَدَاوَةً لَا لِأَخْذِ الْمَالِ وَكَذَّبَهُ الْوَلِيُّ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ فِي ذَلِكَ أَوْ الْوَلِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْأَقْرَبُ تَصْدِيقُ الْقَاتِلِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَفَائِدَةُ تَصْدِيقِهِ انْدِفَاعُ تَحَتُّمِ قَتْلِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَخَذَ نِصَابًا ) قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ وَطَلَبُ الْمَالِكِ وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الصَّغِيرِ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَوْنَ الْمَأْخُوذِ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ بِلَا شُبْهَةٍ مَعَ صَلْبِ مَالِكِهِ شَرْطٌ لِصَلْبِهِ مَعَ قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ قِيَاسُهُ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : فَحَمَلَ كَلِمَةَ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ ) وَذَلِكَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا تَوْقِيفٌ أَوْ لُغَةٌ وَهُمَا حُجَّةٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ
لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ ( قَوْلُهُ وَإِذْ ذُكِرَ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ أَوَّلًا ) ذَكَرَهُ لِيُعَلِّقَ بِهِ مَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ لَفْظَهُ أَوَّلًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ ( قَوْلُهُ : ثَلَاثًا مِنْ الْأَيَّامِ ) فَلَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ : فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ الْمَذْكُورِ الِانْفِجَارُ وَنَحْوُهُ وَإِلَّا فَمَتَى حُبِسَتْ جِيفَةُ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا حَصَلَ النَّتْنُ وَالتَّغَيُّرُ غَالِبًا
( الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ ) وَهِيَ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ ، وَالصَّلْبِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ ، وَالْيَدِ ( وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ ) مِنْ الْقَاطِعِ ( قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا } الْآيَةَ ( لَا بَعْدَهَا ) لِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَلِتُهْمَةِ الْخَوْفِ أَمَّا غَيْرُ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ مِمَّا ذُكِرَ هُنَا مِنْ قِصَاصٍ وَضَمَانِ مَالٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ ( وَلَا يَسْقُطُ بِهَا سَائِرُ الْحُدُودِ ) أَيْ بَاقِيهَا كَالزِّنَا ، وَالسَّرِقَةِ ، وَالشُّرْبِ فِي حَقِّ الْقَاطِعِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْإِصْرَارُ عَلَى التَّرْكِ لَا التَّرْكُ الْمَاضِي وَمَحَلُّ عَدَمِ السُّقُوطِ فِيمَا ذُكِرَ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْقُطَا قَطْعًا ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي الشَّهَادَاتِ لَكِنْ ذُكِرَ هُنَا بَعْدَ هَذَا مَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ ( وَالْمُغَلَّبُ ) فِي قَتْلِ الْقَاطِعِ ( حَقُّ الْآدَمِيِّ ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْآدَمِيِّ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لَهُ الْقِصَاصُ فَكَيْفَ يَحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا وَقِيلَ الْمُغَلَّبُ فِيهِ الْحَدُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِدُونِ طَلَبِ الْوَلِيِّ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمِنْهَاجُ كَأَصْلِهِ
( قَوْلُهُ وَهِيَ تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ ) الْمُرَادُ بِمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ أَنْ لَا تَمْتَدَّ إلَيْهِمْ يَدُ الْإِمَامِ بِهَرَبٍ أَوْ اسْتِخْفَاءٍ أَوْ امْتِنَاعٍ ( تَنْبِيهٌ ) ادَّعَى الْمُحَارِبُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ قَبْلَهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إنْ لَمْ تَقْتَرِنْ بِالدَّعْوَى أَمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ فِي سُقُوطِ حَدٍّ قَدْ وَجَبَ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا إمَارَاتٌ تَدُلُّ عَلَى التَّوْبَةِ فَفِي الْقَبُولِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِمَفْهُومِ الْآيَةِ إلَخْ ) وَلِأَنَّ دَفْعَ الْعُقُوبَةِ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَسَدِّ بَابِ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْجَرَائِمِ ( قَوْلُهُ : وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ ) وَاحْتَجَّ لَهُ الرَّبِيعُ فِي الْأُمُّ بِحَدِيثِ { مَاعِزٍ حِينَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّ بِالزِّنَا وَأَمَرَ بِحَدِّهِ } وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرَهُ بَلْ تَائِبًا فَلَمَّا أَقَامَ حَدَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّا لَوْ أَسْقَطْنَاهُ لَصَارَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً فِي إبْطَالِ حِكْمَةِ الْحُدُودِ
وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فُرُوعًا فَقَالَ ( فَلَا يُقْتَلُ ) إذَا كَانَ حُرًّا ( بِعَبْدٍ ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُكَافِئُهُ كَابْنِهِ وَذِمِّيٍّ ، وَالْقَاطِعُ مُسْلِمٌ ( وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ ) لَوْ قَالَ الضَّمَانُ بِالْمَالِ كَانَ أَعَمَّ ( وَإِنْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَقَطْعِ عُضْوٍ ( رُوعِيَتْ الْمُمَاثَلَةُ ) فِي قَتْلِهِ بِأَنْ يُقْتَلَ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ ( وَإِذَا قَتَلَ وَمَاتَ ) قَبْلَ قَتْلِهِ قِصَاصًا ( فَالدِّيَةُ ) تَجِبُ ( فِي مَالِهِ وَإِذَا عَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ لَزِمَهُ ) أَيْ الْقَاطِعَ الْمَالُ ( وَقُتِلَ حَدًّا ) كَمُرْتَدٍّ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَعُفِيَ عَنْهُ بِمَالٍ وَسَقَطَ قَتْلُهُ قِصَاصًا لِصِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْهُ ( وَإِذَا قَتَلَهُ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ( فَلِوَرَثَتِهِ الدِّيَةُ ) عَلَى قَاتِلِهِ وَلَا قِصَاصَ ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُتَحَتِّمٌ وَلَوْ لَمْ يُرَاعَ فِيهِ الْقِصَاصُ لَمْ تَلْزَمْهُ الدِّيَةُ بَلْ مُجَرَّدُ التَّعْزِيرِ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ ( وَبِنَفْسِ التَّوْبَةِ ) قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ( تَسْقُطُ عَنْهُ حُقُوقُ اللَّهِ ) تَعَالَى ( كَالْقَطْعِ ، وَالصَّلْبِ وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ وَيَبْقَى الْقِصَاصُ ، وَالْمَالُ ) هَذَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الطَّرَفِ ( وَإِذَا جَرَحَ ) جُرْحًا ( وَلَمْ يَسْرِ لَمْ يَتَحَتَّمْ جُرْحُهُ ) ؛ لِأَنَّ الِانْحِتَامَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيَخْتَصُّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْجُرْحَ فِي الْآيَةِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ ، فَلَوْ عُفِيَ عَنْهُ سَقَطَ ، فَإِنْ سَرَى فَهُوَ قَاتِلٌ وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ وَنَبَّهَ بِلَمْ يَتَحَتَّمْ جُرْحُهُ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا فِيهِ قَوَدٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْجَائِفَةِ فَوَاجِبَةُ الْمَالِ وَلَا قَوَدَ كَمَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَاطِعِ ( وَإِنْ قَتَلَ خَطَأً ) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ( فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) وَلَا قَتْلَ عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ : وَإِذَا قَتَلَ أَحَدٌ بِلَا إذْنٍ فَلِوَرَثَتِهِ الدِّيَةُ عَلَى قَاتِلِهِ ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا أَحَدُ مَوْضُوعَيْنِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِ الْمُرْتَدِّ إذَا كَانَ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ فِي رَقِيقٍ غَيْرِ جَانٍ وَمَا هُنَا فِي حُرٍّ جَانٍ ( قَوْلُهُ : هَذَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ هَذَا الطَّرَفِ ) ذَكَرَهُ ثَمَّ لِبَيَانِ مُخَالَفَتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ وَهُنَا لِبَيَانِ مُخَالَفَتِهِ الْقِصَاصَ وَالْمَالَ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا جَرَحَ وَلَمْ يَسْرِ لَمْ يَتَحَتَّمْ جَرْحُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَنْ يُقَتَّلُوا } فَحَتَّمَ الْقَتْلَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ نَبَّهَ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ أَوْ قَصَدَ بِهِ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَوَّلُ مُمْتَنِعٌ ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَغْلَظُ وَإِنَّمَا يُنَبِّهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى دُونَ الْعَكْسِ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي
( فَصْلٌ ) ( يُوَالِي ) عَلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ ( قَطْعَ يَدِهِ وَرِجْلِهِ ) لِاتِّحَادِ الْعُقُوبَةِ كَالْجَلَدَاتِ فِي الْحَدِّ الْوَاحِدِ ( فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اكْتَفَى بِالْأُخْرَى ) وَلَا يُجْعَلُ طَرَفٌ آخَرُ بَدَلَ الْمَفْقُودِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِفَقْدِ الْيَسَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ فُقِدَتَا ) قَبْلَ أَخْذِهِ الْمَالَ ( قُطِعَ لِأُخْرَيَانِ ) أَوْ بَعْدَهُ سَقَطَ الْقَطْعُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ ( وَإِنْ وَجَبَ عَلَى الْمُحَارِبِ قِصَاصٌ فِي يَمِينِهِ ) مِنْ يَدَيْهِ ( قُطِعَتْ قِصَاصًا ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُغَلَّبُ فِي ذَلِكَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا تُقْطَعُ قِصَاصًا وَمُحَارَبَةً وَمِنْهُ يُؤْخَذُ مَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الرَّجْمُ لِزِنًا وَقَتْلِ قِصَاصٍ لَا يُقْتَلُ رَجْمًا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ بَلْ يُسَلَّمُ إلَيْهِ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ ( ثُمَّ ) قُطِعَتْ ( رِجْلُهُ ) الْيُسْرَى ( لِلْمُحَارَبَةِ بِلَا ) وُجُوبِ ( مُهْلَةٍ ) بَيْنَ الْقَطْعَيْنِ بَلْ يُوَالِي بَيْنَهُمَا ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعُقُوبَتَانِ ؛ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَقَّةٌ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ ، فَإِذَا تَعَذَّرَ قَطْعُهُمَا جَمِيعًا عَنْهُ لَمْ يَسْقُطْ إذْ الْمَيْسُورُ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ .
( فَإِنْ عَفَا ) مُسْتَحِقُّ الْقِصَاصِ ( وَلَوْ بِمَالٍ أَخَذَ ) الْمَالَ فِي صُورَتِهِ ( وَقُطِعَا ) الْأَوْلَى وَقُطِعَتَا ( حَدًّا ) ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ بِمَالٍ أُخِذَ مِنْ زِيَادَتِهِ ( أَوْ ) وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ ( فِي يَسَارِهِ ) مِنْ يَدَيْهِ ( قُطِعَتْ ) أَوَّلًا لِلْقِصَاصِ ( وَأُمْهِلَ ) لِقَطْعِ يَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى ( لِلْحَدِّ حَتَّى يَبْرَأَ ) ، فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَتَا ( أَوْ فِي عُضْوَيْ الْمُحَارِبِ ) الْمَقْطُوعَيْنِ فِي الْمُحَارَبَةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا ( وَاقْتُصَّ مِنْهُ ) فِيهِمَا ( سَقَطَ ) عَنْهُ ( الْحَدُّ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ عَفَا عَنْهُ قُطِعَا حَدًّا وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَ غَيْرِهِ وَسَرَقَ قُطِعَتْ يَسَارُهُ قِصَاصًا وَأُهْمِلَ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ تُقْطَعُ يَمِينُهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَلَا يُوَالَى ؛ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَتَانِ
مُخْتَلِفَتَانِ وَقُدِّمَ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ آكَدُ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( قَوْلُهُ : فَإِنْ فُقِدَتْ إحْدَاهُمَا اكْتَفَى بِالْأُخْرَى ) فِي مَعْنَى فَقْدِهَا أَنْ تَكُونَ شَلَّاءَ لَا تُحْسَمُ عُرُوقُهَا لَوْ قُطِعَتْ ( قَوْلُهُ : صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ) وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِي يَسَارِهِ إلَخْ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( لَزِمَهُ قَتْلٌ وَقَطْعٌ ) عَنْ قِصَاصٍ ( وَقَذْفٍ ) أَيْ حَدُّهُ ( لِثَلَاثَةٍ وَطَالَبُوهُ ) بِذَلِكَ ( جُلِدَ ) وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَذْفُ ( وَأُمْهِلَ ) حَتَّى يَبْرَأَ وَإِنْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ عَجِّلُوا الْقَطْعَ وَأَنَا أُبَادِرُ بَعْدَهُ بِالْقَتْلِ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ الْقَتْلُ قِصَاصًا نَعَمْ لَوْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ مَخُوفٌ يُخْشَى مِنْهُ الزُّهُوقُ إنْ لَمْ يُبَادِرْ بِالْقَطْعِ بُودِرَ بِهِ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ أَيْضًا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ بِلَا ) وُجُوبِ ( مُهْلَةٍ ) بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ ( وَإِنْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ ) حَدِّ ( الْقَذْفِ صُيِّرَا ) أَيْ الْآخَرَانِ ( حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ) حَقَّهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُهُمَا لَهُ لِئَلَّا يُفَوِّتَا عَلَيْهِ حَقَّهُ ( أَوْ ) أَخَّرَ ( مُسْتَحِقُّ ) قَطْعِ ( الطَّرَفِ صَبَرَ وَلِيُّ الْقَتْلِ ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ بِذَلِكَ ( فَإِنْ بَادَرَ وَقَتَلَهُ عُزِّرَ ) لِتَعَدِّيهِ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ ( وَرَجَعَ الْآخَرُ ) وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الْقَطْعِ ( إلَى الدِّيَةِ وَإِنْ زَنَى بِكْرٌ أَوْ شَرِبَ ) مُسْكِرًا ( أَوْ سَرَقَ مَرَّاتٍ فَحَدٌّ وَاحِدٌ ) يَلْزَمُهُ ( وَإِنْ تَخَلَّلَ ) بَيْنَهُمَا ( عِتْقٌ ) لِلْعَبْدِ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ وَلَوْ فَعَلَهُ فَحُدَّ ثُمَّ فَعَلَهُ لَزِمَهُ حَدٌّ آخَرُ وَلَوْ حُدَّ بَعْضَ الْحَدِّ فَفَعَلَ ثَانِيًا دَخَلَ الْبَاقِي فِي الْحَدِّ الثَّانِي
قَوْلُهُ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ جَلْدُ الزِّنَا عَلَى قِصَاصِ النَّفْسِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ زَنَى بِكْرٌ أَوْ شَرِبَ أَوْ سَرَقَ مَرَّاتٍ فَحَدٌّ وَاحِدٌ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ إتْيَانِهِ بِأَوْ أَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ مُوجِبُ حَدَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَوْ اجْتَمَعَا كَأَنْ شَرِبَ وَزَنَى وَجَبَ حَدَّانِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَسْطُرٍ
( وَلَا يُوَالَى بَيْنَ حَدَّيْنِ ) لِاثْنَيْنِ بَلْ يُمْهَلُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَبْرَأَ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالْمُوَالَاةِ ، وَمِثْلُهُ قَطْعُ الْأَطْرَافِ قِصَاصًا لِجَمَاعَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لِوَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ يُوَالَى فِيهِ ( وَلَوْ حَدَّيْ قَذْفٍ ) لِاثْنَيْنِ ( عَلَى عَبْدٍ ) ، فَإِنَّهُ لَا يُوَالَى بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا حَدَّانِ وَقِيلَ يُوَالَى بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا كَحَدِّ حُرٍّ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ ) أَيْ حَدُّ الْأَوَّلِ ( مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ مُوجِبَيْ حَدَّيْ الْقَذْفِ إنْ تَرَتَّبَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ قَذَفَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ( فَالْقُرْعَةُ ) تَجِبُ
( قَوْلُهُ : وَلَا يُوَالَى بَيْنَ حَدَّيْنِ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْحَدَّانِ الْقَاطِعُ جِنَايَتُهُ الْإِتْلَافُ فَأَتْلَفَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ ، وَالْقَاذِفُ جِنَايَتُهُ الْإِيذَاءُ فَلَمْ يُحَدَّ إلَّا مُتَفَرِّقًا وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ بِفَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدَّ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِزِيَادَةٍ وَالْقِصَاصُ مُقَدَّرٌ بِالْجِنَايَةِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِطُ بِزِيَادَةٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْقَصَاصَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي حَقِّ شَخْصٍ وَاحِدٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَوَّلُ ضَعِيفٌ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ بِلَحْظَةٍ أَوْ ضَبْطِ الْعَدَدِ وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ ، فَإِنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ فِي حَقِّ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ بِأَنْ يَقْذِفَهُ بِزَنْيَةٍ أُخْرَى ثُمَّ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ التَّوَالِي وَإِنَّمَا الْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيُقَدَّمُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ حَدُّ الْأَوَّلِ قَابِلًا لِإِسْقَاطِهِ بِاللِّعَانِ فَلَا يَتَقَدَّمُ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( زَنَى بِكْرٌ وَسَرَقَ وَشَرِبَ ) مُسْكِرًا ( وَحَارَبَ وَارْتَدَّ قُدِّمَ الْأَخَفُّ ) مِنْهَا فَالْأَخَفُّ وَقْعًا ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ لِاسْتِيفَائِهَا فَوْرًا ( فَيُجْلَدُ لِلشُّرْبِ وَيُمْهَلُ ) حَتَّى يَبْرَأَ ( ثُمَّ ) يُجْلَدُ ( لِلزِّنَا وَيُمْهَلُ ) حَتَّى يَبْرَأَ ( ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ ، وَالْمُحَارَبَةِ وَرِجْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ ثُمَّ يُقْتَلُ ) لِلرِّدَّةِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ بَدَلَ قَتْلِهَا قَتْلَ قِصَاصٍ أَوْ مُحَارَبَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَيُوَالَى بَيْنَ الثَّلَاثَةِ ) أَيْ قَطْعِ الْيَدِ وَقَطْعِ الرِّجْلِ ، وَالْقَتْلِ ( لَا بَيْنَ الِاثْنَيْنِ ) الْأَخِيرَيْنِ مِنْهَا فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الْيَدَ تَقَعُ عَنْ الْمُحَارَبَةِ ، وَالسَّرِقَةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ الْمُحَارَبَةُ فَيُمْهَلُ فِيمَا ذُكِرَ وَيُوَالَى بَيْنَ الثَّلَاثَةِ .
( وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ لِلْمُحَارَبَةِ وَلِلرِّدَّةِ ) الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ قَتْلَ مُحَارَبَةٍ فَهَلْ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْحُدُودِ الْمُقَامَةِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَحَتِّمُ الْقَتْلِ فَلَا مَعْنَى لِلْإِمْهَالِ بِخِلَافِ قَتْلِ الرِّدَّةِ ، وَالْقِصَاصِ ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّعُ الْإِسْلَامَ ، وَالْعَفْوَ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ سَائِرُ الْحُدُودِ وَعُلِمَ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَخَفِّ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَهَا التَّعْزِيرُ قُدِّمَ ؛ لِأَنَّهُ الْأَخَفُّ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ اجْتَمَعَ قَتْلٌ وَرِدَّةٌ وَرَجْمٌ قَالَ الْقَاضِي قُدِّمَ قَتْلُ الرِّدَّةِ إذْ فَسَادُهَا أَشَدُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يُرْجَمُ وَيَدْخُلُ فِيهِ قَتْلُ الرِّدَّةِ ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ أَكْثَرُ نَكَالًا ( وَإِنْ كَانَ فِيهَا ) أَيْ الْمَذْكُورَاتِ وَفِي نُسْخَةٍ فِيهِ أَيْ الْمَذْكُورِ ( حَقُّ آدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ أَوْ قِصَاصِ طَرَفٍ قُدِّمَ عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ ) وَإِنْ كَانَ حَدُّ الشُّرْبِ أَخَفَّ لِبِنَاءِ حَقِّ الْآدَمِيِّ عَلَى الضِّيقِ ( بِلَا تَوَالٍ )
بَلْ يُمْهِلُهُ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالتَّوَالِي ، وَإِنْ اجْتَمَعَ قَتْلُ رِدَّةٍ وَقَتْلُ مُحَارَبَةٍ وَرَجْمٍ قَالَ الْقَاضِي قُدِّمَ قَتْلُ الْمُحَارَبَةِ وَإِنْ جُعِلَ حَدًّا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ ( وَإِنْ اجْتَمَعَ قَتْلُ قِصَاصٍ ) فِي غَيْرِ مُحَارَبَةٍ ( وَ ) قَتْلُ ( مُحَارَبَةٍ ) ( قُدِّمَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا ( وَرَجَعَ الْآخَرُ إلَى الدِّيَةِ وَفِي انْدِرَاجِ قَطْعِ السَّرِقَةِ فِي قَتْلِ الْمُحَارَبَةِ ) فِيمَا لَوْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ ( وَجْهَانِ ) أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ نَعَمْ تَغْلِيبًا لِحَقِّ الْآدَمِيِّ وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ ثُمَّ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ لِلْمُحَارَبَةِ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَفُوتُ بِتَقْدِيمِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .
( وَإِنْ جُلِدَ ) لِلزِّنَا ( ثُمَّ زَنَى ) ثَانِيًا ( قَبْلَ التَّغْرِيبِ أَوْ جُلِدَ ) لَهُ ( خَمْسِينَ ثُمَّ زَنَى ) ثَانِيًا ( كَفَاهُ ) فِيهِمَا ( جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ وَاحِدٍ ) وَدَخَلَ فِي الْمِائَةِ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ وَفِي التَّغْرِيبِ لِلثَّانِي التَّغْرِيبُ لِلْأَوَّلِ ( وَلَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ مُحْصَنًا ) قَبْلَ أَنْ يُجْلَدَ ( دَخَلَ التَّغْرِيبُ لَا الْجَلْدُ تَحْتَ الرَّجْمِ ) لِئَلَّا تَطُولَ الْمُدَّةُ مَعَ أَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلِأَنَّ التَّغْرِيبَ صِفَةٌ فَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْجَلْدِ لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَقِيلَ يَدْخُلُ فِيهِ الْجَلْدُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُمَا عُقُوبَةُ جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بِكْرًا عِنْدَ الزَّنْيَتَيْنِ ، وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ اللِّعَانِ وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ مُحْصَنٌ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ فَزَنَى ثَانِيًا فَفِي دُخُولِ الْجَلْدِ فِي الرَّجْمِ وَجْهَانِ صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ الدُّخُولُ كَالْحَدَّيْنِ
( قَوْلُهُ : قُدِّمَ الْأَخَفُّ مِنْهَا فَالْأَخَفُّ أَيْ وُجُوبًا ) أَيْ وُجُوبًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِاسْتِيفَائِهَا ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ ؛ لِأَنَّ الْأَشَقَّ لَوْ قُدِّمَ لَطَالَ الِانْتِظَارُ إلَى الْبُرْءِ وَلِأَنَّ حِفْظَ مَحَلِّ الْحَقِّ وَاجِبٌ فَلَوْ تَقَدَّمَ الْأَشَقُّ لَكَانَ تَعْزِيرًا بِضَيَاعِ مَحَلِّ الْحَقِّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ ) قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ قَطْعَهُ قَبْلَ التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تَعَرُّضًا لَهُ ا هـ قَوْلُهُمْ قُدِّمَ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ وَقَوْلُهُمْ ثُمَّ لِلزِّنَا وَيُمْهَلُ ثُمَّ تُقْطَعُ يَدُهُ لِلسَّرِقَةِ كُلٌّ مِنْهُمَا كَالصَّرِيحِ فِي تَقَدُّمِ جَلْدِ الزِّنَا وَتَغْرِيبِهِ عَلَى قَطْعِ السَّرِقَةِ وَعِبَارَةُ الشَّارِحِ فِي غَيْرِ هَذَا وَظَاهِرٌ أَنَّ التَّغْرِيبَ لَا يَسْقُطُ وَأَنَّهُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ ا هـ وَشَمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ لِلزِّنَا وَيُمْهَلُ إمْهَالُهُ لِلْبُرْءِ أَوْ لِلتَّغْرِيبِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ يُرْجَمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ يَفْعَلُ الْإِمَامُ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْكَلَامَاتُ ش ( قَوْلُهُ : قَالَ الْقَاضِي قُدِّمَ قَتْلُ الْمُحَارَبَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَثَانِيهِمَا لَا بَلْ يُقْطَعُ إلَخْ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِاخْتِلَافِ الْعُقُوبَتَيْنِ وَجَرِيمَتَيْهِمَا ( قَوْلُهُ : وَالتَّرْجِيحُ فِي هَذِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا إلَخْ ) جَرَى فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ عَلَى الْأَوَّلِ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَعَلَى الثَّانِي فِي بَابِ الزِّنَا قَالَ الكوهكيلوني كَلَامُهُ فِي حَدِّ الزِّنَا فِيمَا إذَا كَانَ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ لِشَخْصٍ وَفِي بَابِ اللِّعَانِ فِيمَا إذَا تَعَلَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِشَخْصٍ ( قَوْلُهُ : صَحَّحَ مِنْهُمَا الْبَغَوِيّ الْمَنْعَ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ) هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
( فَصْلٌ ) لَوْ ( شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الرُّفْقَةِ عَلَى الْمُحَارِبِ لِغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضَا ؛ لِأَنْفُسِهِمَا ) فِي الشَّهَادَةِ ( قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُمَا ( وَلَيْسَ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِمَا مِنْ الرُّفْقَةِ ) أَوْ لَا ( وَإِنْ بَحَثَ ) عَنْ ذَلِكَ ( لَمْ يَلْزَمْهُمَا أَنْ يُجِيبَا ، فَإِنْ قَالَا : نَهَبُونَا ) فَأَخَذُوا مَالَنَا رُفْقَتُنَا ( لَمْ يُقْبَلَا ) لَا فِي حَقِّهِمَا وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا ( لِلْعَدَاوَةِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُمْ ) أَيْ لِجَمَاعَةٍ بِشَيْءٍ ( فَقَالَا ) أَيْ اثْنَانِ مِنْهُمْ ( نَشْهَدُ بِهَا ) أَيْ بِالْوَصِيَّةِ ( لِهَؤُلَاءِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَا قُبِلَتْ ) شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ قَالَا نَشْهَدُ بِهَا لَهُمْ وَلَنَا لَمْ تُقْبَلْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِلتُّهْمَةِ
( بَابٌ حَدُّ شَارِبِ الْخَمْرِ ) شُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ قَالَ تَعَالَى { إنَّمَا الْخَمْرُ } الْآيَةَ وَرَوَى الشَّيْخَانِ خَبَرَ { كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ } وَرَوَى مُسْلِمٌ خَبَرَ { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حُرِّمَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ ، وَالْخَمْرُ ( هِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ إذَا اشْتَدَّتْ وَقَذَفَتْ بِالزَّبَدِ ) الْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِيَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى الْعَصِيرِ ( وَالرُّطَبُ ) أَيْ عَصِيرُهُ إذَا صَارَ مُسْكِرًا ( ، وَالْأَنْبِذَةُ الْمُسْكِرَةُ ) وَهِيَ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ التَّمْرِ وَنَحْوِهِ ( مِثْلُهَا ) أَيْ مِثْلُ الْخَمْرِ ( فِي التَّحْرِيمِ ، وَالْحَدِّ ، وَالنَّجَاسَةِ ) لِمُشَارَكَتِهَا لَهَا فِي كَوْنِهَا مَائِعَةً مُسْكِرَةً ( لَكِنْ لَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا ) دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا وَلَمْ يَسْتَحْسِنْ الْإِمَامُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِ مُسْتَحِلِّ الْخَمْرِ قَالَ وَكَيْفَ يَكْفُرُ مَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَنَحْنُ لَا نُكَفِّرُ مَنْ يَرُدُّ أَصْلَهُ إنَّمَا نُبَدِّعُهُ وَأَوَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا صَدَّقَ الْمُجْمِعِينَ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ثَبَتَ شَرْعًا ثُمَّ حَلَّلَهُ ، فَإِنَّهُ رَدٌّ لِلشَّرْعِ حَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ : وَهَذَا إنْ صَحَّ فَلْيَجْرِ فِي سَائِرِ مَا حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى افْتِرَاضِهِ فَنَفَاهُ أَوْ تَحْرِيمِهِ فَأَثْبَتَهُ ، وَأَجَابَ عَنْهُ الزَّنْجَانِيُّ بَلْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ لَا نُكَفِّرُهُ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ فَقَطْ بَلْ ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً أَنَّهُ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِجْمَاعُ ، وَالنَّصُّ عَلَيْهِ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى هَذَا ( وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ فَكُلُّ مُلْتَزِمِ التَّحْرِيمِ ) أَيْ تَحْرِيمِ الْمَشْرُوبِ ( شَرِبَ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ ) مِنْ
خَمْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ الْقَدْرُ الْمَشْرُوبُ مِنْهُ ( مُخْتَارًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ الْحَدُّ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحُدُّ فِي الْخَمْرِ } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ خَبَرَ { مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ } وَقِيسَ بِهِ شُرْبُ النَّبِيذِ وَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقَلِيلَ وَحَدَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ كَمَا حَرَّمَ تَقْبِيلَ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَالْخَلْوَةَ بِهَا لِإِفْضَائِهِمَا إلَى الْوَطْءِ
( بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ ) ( قَوْلُهُ شُرْبُهُ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ ) أَيْ وَإِنْ مَزَجَهَا بِمِثْلِهَا مِنْ الْمَاءِ ( قَوْلُهُ : قَالَ تَعَالَى { إنَّمَا الْخَمْرُ } ) الْآيَةَ وَقَالَ { إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ } وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ الْإِثْمَ هِيَ الْخَمْرُ وَتَظَافَرَتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَكَذَا الْإِجْمَاعُ ( قَوْلُهُ : وَرَوَى الشَّيْخَانِ إلَخْ ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ { لَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَوَاهِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا } ( قَوْلُهُ : وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ) وَقِيلَ بَلْ كَانَ الْمُبَاحُ الشُّرْبُ لَا مَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ فِي كُلِّ مِلَّةٍ وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الْقَفَّالِ يَعْنِي الشَّاشِيَّ ثُمَّ نَازَعَهُ فِيهِ وَقَالَ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ حَيْثُ كَانَتْ مُبَاحَةً بِالْإِطْلَاقِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ كَانَتْ إلَى حَدٍّ لَا يُزِيلُ الْعَقْلَ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا مَا يَقُولُهُ بَعْضُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ إنَّ السُّكْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ ا هـ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ كَانَتْ إبَاحَتُهَا لَهُمْ بِاسْتِصْحَابٍ أَوْ شَرْعٍ مُبْتَدَأٍ وَجْهَانِ أَشْبَهُهُمَا فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْأَوَّلُ قَالَ شَيْخُنَا وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ الثَّانِيَ .
( قَوْلُهُ : دُونَ تِلْكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْرِيمِهَا ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ اسْتَحَلَّ الْمُسْكِرَ مِنْهَا يَكْفُرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ مِنْهَا وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ هَذَا يَقْتَضِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ زِيَادَةً عَلَى هَذَا ) قَالَ فِيهِ بَعْدَمَا فِي الشَّرْحِ
وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ حَدِيثِ { التَّارِكِ لِدِينِهِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ } أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ كَافِرٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ إنْ صَحِبَهَا التَّوَاتُرُ كَالصَّلَاةِ كَفَرَ مُنْكِرُهَا لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا التَّوَاتُرُ لَمْ يَكْفُرْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي عَدُّ إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ ( قَوْلُهُ : شُرْبُ مَا يُسْكِرُ جِنْسُهُ ) سَيَأْتِي مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ شُرْبُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ الْخَمْرِ وَجَامِدِهِ وَجَامِدِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ مِمَّا أَصْلُهُ مَائِعٌ
( وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْكِرِ الْمُنَصَّفُ ) أَيْ شُرْبُهُ ( وَهُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ ثَمَرٍ وَرُطَبٍ ، وَالْخَلِيطُ ) أَيْ شُرْبُهُ ( وَهُوَ ) مَا يُعْمَلُ ( مِنْ بُسْرٍ وَرُطَبٍ ) وَقِيلَ مِنْ ثَمَرٍ وَزَبِيبٍ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْكِرٍ وَيَكُونُ مُسْكِرًا ( فَيُحَدُّ ) بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ ( الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ ) وَلَا يُؤَثِّرُ اعْتِقَادُهُ حِلَّهُ لِقُوَّةِ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ وَلِأَنَّ الطَّبْعَ يَدْعُو إلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ وَبِهَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ فَارَقَ ذَلِكَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ أَيْ مُطْلَقًا لِيَخْرُجَ الْحَنَفِيُّ الشَّارِبُ لِلنَّبِيذِ وَبِالْمُكَلَّفِ غَيْرُهُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ ( لَا ) أَيْ يُحَدُّ مَنْ ذُكِرَ بِشُرْبِ الْمُسْكِرِ لَا ( بِإِسْعَاطٍ وَحُقْنَةٍ ) بِهِ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ وَلَا حَاجَةَ فِيهِمَا إلَى زَجْرٍ ، فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَدْعُو إلَيْهِمَا ( وَ ) يُحَدُّ ( بِمَرَقِ ) أَيْ بِشُرْبِ مَرَقِ ( مَا طُبِخَ بِهِ ) أَيْ بِالْمُسْكِرِ ( لَا ) بِأَكْلِ ( لَحْمِهِ ) لِذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْهُ ( وَ ) يُحَدُّ ( بِأَكْلِ مَا ثُرِدَ بِهِ ) أَوْ غُمِسَ فِيهِ ( لَا ) بِأَكْلِ ( مَا عُجِنَ بِهِ ) لِاسْتِهْلَاكِهِ فِيهِ ( وَلَا بِشُرْبِهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( فِيمَا اسْتَهْلَكَهُ ) كَأَنْ شَرِبَ مَا فِيهِ قَطَرَاتُ خَمْرٍ ، وَالْمَاءُ غَالِبٌ بِصِفَاتِهِ لِذَلِكَ ( وَلَا يُحَدُّ مُكْرَهٌ بِشُرْبِهِ ) لِشُبْهَةِ الْإِكْرَاهِ وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ شُرْبُهُ بِالْإِكْرَاهِ ( وَ ) لَا ( مُسِيغُ ) أَيْ مُزْدَرِدُ ( لُقْمَةٍ ) بِهِ حِينَ ( غَصَّ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَيْ شَرِقَ ( بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسَاغَةُ ( وَخَافَ ) الْهَلَاكَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ لِلضَّرُورَةِ ( وَيَجُوزُ ) لَهُ حِينَئِذٍ
إسَاغَتُهَا بِهِ ( بَلْ يَجِبُ ) دَفْعًا لِلْهَلَاكِ ( فَلَوْ شَرِبَهَا ) أَيْ الْخَمْرَ ( لِتَدَاوٍ أَوْ ) لِدَفْعِ ( جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَثِمَ ) وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا كَمَا مَرَّ مَعَ زِيَادَةٍ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ ( وَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ بِشُرْبِهَا لِذَلِكَ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِهِ فِي التَّدَاوِي وَمِثْلُهُ مَا بَعْدَهُ وَلَمْ يُصَحِّحْ كَالرَّافِعِيِّ فِيهِمَا شَيْئًا وَإِنَّمَا قَالَا قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ لَا حَدَّ بِالتَّدَاوِي ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِالْحُرْمَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي حِلِّ الشُّرْبِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ الْمُعْتَبَرُونَ أَقْوَالَهُمْ : إنَّهُ حَرَامٌ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ ثُمَّ قَالَ فِي الشُّرْبِ لِلْعَطَشِ وَإِذَا حَرَّمْنَاهُ فَفِي الْحَدِّ الْخِلَافُ كَالتَّدَاوِي وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِمَا فَيَكُونُ هُوَ الْأَصَحَّ مَذْهَبًا وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ شَيْخُنَا الْحِجَازِيُّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ لِشُبْهَةِ قَصْدِ التَّدَاوِي كَمَا جُعِلَ الْإِكْرَاهُ عَلَى الزِّنَا شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ
( قَوْلُهُ : وَلَوْ حَنَفِيًّا شَرِبَ النَّبِيذَ وَإِنْ قَلَّ ) ، فَإِنْ قِيلَ الشَّافِعِيُّ لَا يُحَدُّ الْحَنَفِيُّ إذَا وَطِئَ مُطَلَّقَتَهُ الرَّجْعِيَّةَ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ إذَا صَلَّى خَلْفَ الْحَنَفِيِّ بَعْدَ مَا مَسَّ فَرْجَهُ لَا تَصِحُّ بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَدَ ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَكَذَلِكَ إذَا تَوَضَّأَ الْحَنَفِيُّ بِغَيْرِ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا فَالْجَوَابُ أَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّجْعَةِ فَلِأَنَّ الْوَطْءَ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ يَكُونُ رَجْعَةً فَأَشْبَهَ عَقْدَ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ إنْكَارُهُ عَلَى الْحَنَفِيِّ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ مَعَ مَسِّ الْفَرْجِ لَيْسَ لِلشَّافِعَيَّ إنْكَارُهُ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُوصَفُ بِالِانْعِقَادِ فَهِيَ كَالْبِيَاعَاتِ وَالْأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا بِخِلَافِ شُرْبِ النَّبِيذِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ فِي عَقْدٍ تَحْصُلُ مِنْهُ إبَاحَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ فِي نَفْسِ الْإِبَاحَةِ وَلَا ضَرُورَةَ لِلْحَنَفِيِّ إلَى تَعَاطِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْعُقُودِ ، فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَعَاطِيهَا وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ وَالْوُضُوءُ ، فَإِنَّمَا قُلْنَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ وَقُلْنَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا عَمَلًا بِاعْتِقَادِ الْمُتَوَضِّئِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ بِالذِّمَّةِ مِمَّا لَا يَعْتَقِدُهُ إلَّا الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْعِبَادِ وَكَتَبَ أَيْضًا كَيْفَ يُقَالُ هَذَا وَقَدْ قَرَّرَ أَهْلُ الْأُصُولِ أَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَزَلْ مُحَرَّمًا فِي كُلِّ الْمِلَلِ ( قَوْلُهُ : وَلَا مُسِيغُ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ) قَالَ شَيْخُنَا وَكَذَا لَا حَدَّ فِي كُلِّ مَنْ شَرِبَهُ لِلْعَطَشِ أَوْ التَّدَاوِي أَوْ كَوْنِهِ غَصَّ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لِدَفْعِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ أَثِمَ ) أَيْ إنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ ( قَوْلُهُ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ
فِي تَصْحِيحِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَقْوَى وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَا حَدَّ عَلَى الْمُتَدَاوِي وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا وَيَكُونُ قَصْدُ التَّدَاوِي شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَقِيلَ بِخِلَافِهِ ا هـ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْقِيَاسُ نَفْيُ الْحَدِّ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الزِّنَا وَجُعِلَ الْإِكْرَاهُ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ وَإِنْ كَانَ لَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ بِالْإِكْرَاهِ فَهَذَا مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي حِلِّهِ أَوْلَى ( قَوْلُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ إلَخْ ) ضَعَّفَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ
( وَيَجُوزُ التَّدَاوِي بِنَجَسٍ ) غَيْرِ مُسْكِرٍ ( كَلَحْمِ حَيَّةٍ وَبَوْلٍ وَمَعْجُونِ خَمْرٍ ) كَمَا مَرَّ فِي الْأَطْعِمَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ التَّدَاوِي ( لِتَعْجِيلِ شِفَاءٍ ) كَمَا يَكُونُ لِرَجَائِهِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ ( بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ ) عَدْلٍ بِذَلِكَ ( أَوْ مَعْرِفَةِ الْمُتَدَاوِي ) بِهِ إنْ عُرِفَ ( وَ ) بِشَرْطِ ( عَدَمِ مَا يَقُومُ بِهِ مَقَامَهُ ) مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ ( ، وَالْمَعْذُورُ ) فِي شُرْبِ الْمُسْكِرِ بِشَيْءٍ ( مَنْ جَهْلِ التَّحْرِيمَ ) لَهُ ( لِقُرْبِ عَهْدٍ ) مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ ( وَنَحْوِهِ ) كَنَشْئِهِ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ ( أَوْ ) مَنْ ( جَهِلِ كَوْنَهُ خَمْرًا لَا يُحَدُّ ) لِعُذْرِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِنَحْوِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ ) الْفَائِتَةِ ( مُدَّةَ السُّكْرِ ) كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ الْعَالِمِ ) بِذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ ( وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ وُجُوبَ الْحَدِّ أَوْ كَوْنَهُ مُسْكِرًا لِقِلَّتِهِ حُدَّ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ
( قَوْلُهُ : وَالْمَعْذُورُ مَنْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمٌ مَوْصُولٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ خَبَرُ الْمَعْذُورُ وَلَا يُحَدُّ خَبَرٌ ثَانٍ أَوْ بِكَسْرِهَا تَعْلِيلِيَّةٌ ( قَوْلُهُ : لِقُرْبِ عَهْدِهِ مِنْهُ بِالْإِسْلَامِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيمَنْ نَشَأَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ فَأَمَّا النَّاشِئُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُخَالِطُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهَا فِي شَرْعِنَا
( وَإِنَّمَا يُحَدُّ ) السَّكْرَانُ ( بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ إقْرَارِهِ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ مُسْكِرًا ) لَا بِنِسْوَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَا بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ ( فَيَكْفِي ) ذَلِكَ ( وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عَالِمًا مُخْتَارًا ) ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الشَّارِبِ الْعِلْمُ بِمَا يَشْرَبُهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ ، وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا ، وَالشَّهَادَةِ بِهَا بِخِلَافِ الزِّنَا ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مُقَدِّمَاتِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ } فَاحْتِيجَ فِي الْإِقْرَارِ ، وَالشَّهَادَةِ بِهِ إلَى الِاحْتِيَاطِ ( وَلَا تَعْوِيلَ عَلَى ) مُشَاهَدَةِ ( السُّكْرِ وَ ) لَا عَلَى ظُهُورِ ( النَّكْهَةِ ) أَيْ رَائِحَةِ الْفَمِ وَلَا عَلَى تَقَيُّؤِ الْخَمْرِ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ أَوْ الْإِكْرَاهِ ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ
( قَوْلُهُ : أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا إلَخْ ) كَأَنْ قَالَ شَرِبْت مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ غَيْرِي فَسَكِرَ مِنْهُ أَوْ قَالَ الشَّاهِدُ مِثْلَ ذَلِكَ
( فَرْعٌ مُزِيلُ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْبَنْجِ ) ، وَالْحَشِيشَةِ حَرَامٌ لِإِزَالَتِهِ الْعَقْلَ ( لَا حَدَّ فِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ بَلْ فِيهِ التَّعْزِيرُ ( وَلَهُ تَنَاوُلُهُ ) لِيُزِيلَ عَقْلَهُ ( لِقَطْعِ ) عُضْوٍ ( مُتَآكِلٍ ، وَالنَّدُّ ) بِالْفَتْحِ ( الْمَعْجُونُ بِخَمْرٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ) لِنَجَاسَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ النَّجَسِ لِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِنَقْعِهِ فِي الْمَاءِ ( وَدُخَانُهُ كَدُخَانِ النَّجَاسَةِ فَفِي تَنْجِيسِهِ الْمُتَبَخِّرَ بِهِ وَجْهَانِ ) قَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمَنْعَ مِنْ التَّبَخُّرِ بِهِ وَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّهُ جَائِزٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ
قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ إلَخْ ) يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِبَقَاءِ مُعْظَمِ مَنَافِعِ الثَّوْبِ مَعَ نَجَاسَتِهِ وَبِسُهُولَةِ تَطْهِيرِهِ بِخِلَافِ النَّدِّ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ قَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ بِدُخَانِ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
ثُمَّ ( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي نَفْسِ الْحَدِّ ) الْوَاجِبُ فِي الشُّرْبِ ( وَهُوَ أَرْبَعُونَ ) جَلْدَةً ( لِلْحُرِّ ) فَفِي مُسْلِمٍ { عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ } وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ ، وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ } ( وَعِشْرُونَ لِلْعَبْدِ ) عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ كَنَظَائِرِهِ وَمِثْلُهُ الْأَمَةُ ، وَالْمُبَعَّضُ وَإِنَّمَا يُحَدُّ الشَّارِبُ ( بَعْدَ الْإِفَاقَةِ ) مِنْ سُكْرِهِ لِيَرْتَدِعَ ، فَلَوْ حُدَّ فِيهِ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهِ وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ الِاعْتِدَادُ بِهِ لِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ { أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ } وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ { فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي ، وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَبِكُلِّ حَالٍ فَيُضْرَبُ } ( بِالْأَيْدِي ، وَالنِّعَالِ ، وَالسَّوْطِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ ) بَعْدَ فَتْلِهَا حَتَّى تَشْتَدَّ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ) بَلْ كُلٌّ مِنْهَا أَوْ نَحْوُهُ كَافٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَوِيِّ إنْ كَانَ مِمَّا يَرْدَعُهُ الضَّرْبُ بِغَيْرِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ اُقْتُصِرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ السَّوْطُ وَنَحْوُهُ ( وَلَوْ بَلَّغَهُ الْإِمَامُ ثَمَانِينَ جَازَ ) كَمَا مَرَّ فِعْلُهُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَآهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدُّ الِافْتِرَاءِ ثَمَانُونَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالْأَرْبَعُونَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ فِي نَفْسِي مِنْ جَلْدِ شَارِبِ
الْخَمْرِ ثَمَانِينَ شَيْءٌ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسُنَّهُ ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الْحُرِّ أَمَّا الْعَبْدُ ، فَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ تَبْلِيغَهُ أَرْبَعِينَ جَازَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا ( وَكَانَ الزَّائِدُ ) عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْعِشْرِينَ ( تَعْزِيرًا ) وَإِلَّا لَمَا جَازَ تَرْكُهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لِجِنَايَاتٍ تَوَلَّدَتْ مِنْ الشَّارِبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ شَافِيًا ، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ لَمْ تَتَحَقَّقْ حَتَّى يُعَزَّرَ ، وَالْجِنَايَاتُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ مِنْ الْخَمْرِ لَا تَنْحَصِرُ فَلْتَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَانِينَ وَقَدْ مَنَعُوهَا قَالَ وَفِي قِصَّةِ تَبْلِيغِ الصَّحَابَةِ الضَّرْبَ ثَمَانِينَ أَلْفَاظٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْكُلَّ حَدٌّ وَعَلَيْهِ فَحَدُّ الشُّرْبِ مَخْصُوصٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْحُدُودِ بِأَنْ لَمْ يَتَحَتَّمْ بَعْضُهُ وَيَتَعَلَّقُ بَعْضُهُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ
( قَوْلُهُ : بَعْدَ الْإِفَاقَةِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ تَأْخِيرَ حَدِّ السَّكْرَانِ إلَى الْإِفَاقَةِ عَلَى الِاخْتِيَارِ لَا الْوُجُوبِ ا هـ وَقَالَ فِي الْبَهْجَةِ وَيَجِبُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يُفِيقَ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَجْلِدَهُ سَكْرَانَ حَتَّى يَصْحُوَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ تَدْفَعُ الْحَدَّ ( قَوْلُهُ : وَجْهَانِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي ) وَأَجْرَاهُمَا فِيمَا لَوْ أَفَاقَ ثُمَّ جُنَّ وَحُدَّ فِي جُنُونِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُمَا الِاعْتِدَادُ بِهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى وُجُوبِ التَّأْخِيرِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ وَضْعَ التَّعْزِيرِ النَّقْصُ عَنْ الْحَدِّ فَكَيْفَ يُسَاوِيهِ ) وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَعْزِيرٌ قَالَ شَيْخُنَا يُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْقَائِلِ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ الْجِنْسُ فَيَرْجِعُ إلَى عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ كا ( قَوْلُهُ : قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَيْسَ شَافِيًا إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ مَا زَادَ عَلَيْهَا فَهِيَ تَعْزِيرَاتٌ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ لِلْوُرُودِ كا
( وَسَوْطُ الْحُدُودِ ) ، وَالتَّعَازِيرِ مُعْتَدِلُ ( الْحَجْمِ ) فَيَكُونُ بَيْنَ الْقَضِيبِ ، وَالْعَصَا وَيُقَاسُ بِالسَّوْطِ غَيْرُهُ ( وَ ) مُعْتَدِلُ ( الرُّطُوبَةِ ) فَلَا يَكُونُ رَطْبًا فَيَشُقُّ الْجِلْدَ بِثِقَلِهِ وَلَا شَدِيدَ الْيُبُوسَةِ فَلَا يُؤْلِمُ لِخِفَّتِهِ وَفِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ الْأَمْرُ بِسَوْطٍ بَيْنَ الْخَلِقِ ، وَالْجَدِيدِ وَ ( ضَرْبُهُ ) أَيْ السَّوْطِ أَوْ نَحْوِهِ ( بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ فَيَرْفَعُ ) الضَّارِبُ ( ذِرَاعَهُ ) لِيُكْسِبَ السَّوْطَ ثِقَلًا ( لَا عَضُدَهُ ) بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبْطِهِ لِئَلَّا يَعْظُمَ أَلَمُهُ وَلَا يَضَعُهُ عَلَيْهِ وَضْعًا لَا يَتَأَلَّمُ بِهِ ( وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ ) فَلَا يَجْمَعُهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ : أَعْطِ عَلَى كُلِّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ ، وَالْمَذَاكِيرَ ، وَالْمَعْنَى فِي التَّفْرِيقِ أَنَّ الضَّرْبَ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ مُهْلِكٌ ( وَيَتَّقِي الْوَجْهَ ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ { إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ } وَلِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ ( وَ ) يَتَّقِي ( الْمَقَاتِلَ ) كَنَقْرَةِ النَّحْرِ ، وَالْفَرْجِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ ( لَا الرَّأْسَ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ : اضْرِبْ الرَّأْسَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِيهِ وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا فَلَا يُخَافُ تَشْوِيهُهُ بِخِلَافِ الْوَجْهِ ( وَلَا يُبَالِي بِرَقِيقِ جِلْدٍ ) أَيْ بِكَوْنِ الْمَجْلُودِ رَقِيقَ جِلْدٍ يَدْمَى بِالضَّرْبِ الْخَفِيفِ ( وَيَتَّقِي ) أَيْ الْمَجْلُودُ ( بِيَدِهِ ) الْيُمْنَى ، وَالْيُسْرَى ( فَلَا يُشَدُّ وَلَا يُمَدُّ ) عَلَى الْأَرْضِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاتِّقَاءِ بِيَدَيْهِ ، فَلَوْ وَضَعَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى مَوْضِعٍ عَدَلَ عَنْهُ الضَّارِبُ إلَى آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَلَمِهِ بِالضَّرْبِ فِيهِ ( وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ قَمِيصَيْنِ بَلْ ) يُجَرَّدُ ( مِنْ ) جُبَّةٍ ( مَحْشُوَّةٍ وَفَرْوَةٍ ) وَنَحْوِهِمَا مِمَّا
يَدْفَعُ الْأَلَمَ مُلَاحَظَةً لِمَقْصُودِ الْحَدِّ
( قَوْلُهُ : وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ هَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْأَصْحَابِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ يُهْلِكُ وَقَوْلُهُ هَلْ التَّفْرِيقُ وَاجِبٌ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ ) لَوْ ضَرَبَ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ بِهِ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ وَغَيْرِهِ غَالِبًا إلَخْ ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَعْرٌ لِقَرَعٍ أَوْ حَلْقِ رَأْسِهِ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا وَرَجَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَجِبُ اتِّقَاءُ الرَّأْسِ وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ إذَا اتَّقَيْنَا الْفَرْجَ ؛ لِأَنَّهُ مَقْتَلٌ فَالرَّأْسُ أَوْلَى بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ ضَرْبِهِ نُزُولُ الْمَاءِ فِي الْعَيْنِ وَزَوَالُ الْعَقْلِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الشَّافِي وَالتَّحْرِيرِ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَدْ غَلِطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَلَا نَعْلَمُ لِلشَّافِعِيِّ نَصًّا يُعَارِضُهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ : إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِلْجَلَّادِ : اضْرِبْ الرَّأْسَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ فِي الرَّأْسِ فَفِي إسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اضْرِبْ وَأَوْجِعْ وَاتَّقِ الْفَرْجَ وَالرَّأْسَ
( وَيُجْلَدُ ) الرَّجُلُ ( قَائِمًا ، وَالْمَرْأَةُ جَالِسَةً ) ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا ، فَلَوْ عَكَسَهُ الْجَلَّادُ أَسَاءَ وَأَجْزَأَهُ وَلَا يَضْمَنُ أَنْ تَلِفَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَغْيِيرُ حَالٍ لَا زِيَادَةُ ضَرْبٍ ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْإِسَاءَةِ ( وَيَجْلِدُهَا ) أَيْ الْمَرْأَةَ ( رَجُلٌ ) ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ ( وَامْرَأَةٌ ) أَوْ نَحْوُهَا كَمَحْرَمٍ ( تُشَدُّ ثِيَابُهَا ) وَظَاهِرٌ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فِيمَا ذُكِرَ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ بِشَدِّ ثِيَابِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا ، وَيَحْتَمِلُ تَعْيِينَ الْمَحْرَمِ وَنَحْوِهِ ( وَيُوَالِي الضَّرْبَ ) بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِهِ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ فَلَا يُفَرَّقُ عَلَى الْأَيَّامِ ، وَالسَّاعَاتِ لِعَدَمِ الْإِيلَامِ وَالزَّجْرِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لِيَضْرِبَنَّهُ عَدَدًا فَفَرَّقَهُ عَلَى الْأَيَّامِ مَثَلًا ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّبَعَ هُنَاكَ مُوجِبُ اللَّفْظِ وَهُنَا الزَّجْرُ ، وَالتَّنْكِيلُ ، فَلَوْ حَصَلَ مَعَ التَّفْرِيقِ هُنَا إيلَامٌ قَالَ الْإِمَامُ : فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ الْأَوَّلُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا ( فَإِنْ ضَرَبَ فِي الزِّنَا فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَفِي غَدٍ خَمْسِينَ كَذَلِكَ جَازَ ) لِحُصُولِ الْإِيلَامِ ، وَالزَّجْرِ بِذَلِكَ وَهَذَا مِثَالٌ ، وَالضَّابِطُ مَا تَقَرَّرَ عَنْ الْإِمَامِ
( قَوْلُهُ : وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِمَامُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ مَا يَزُولُ بِهِ الْأَلَمُ كَفَى وَإِلَّا فَلَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَكَاهُ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَأَقَرَّهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ ضَرَبَ فِي الزِّنَا فِي يَوْمٍ خَمْسِينَ مُتَوَالِيَةً وَفِي غَدٍ خَمْسِينَ كَذَلِكَ جَازَ ) قَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْخَمْسُونَ بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ حَدَّ الْعَبْدِ فَجَازَ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ
( فَرْعٌ لَا يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ فِي الْمَسْجِدِ ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ { لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ } وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ مِنْ جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ ( فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ ) كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيِّ
( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ ) أَيْ إنْ خِيفَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ ( قَوْلُهُ : أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ ) أَيْ إنْ لَمْ يُخَفْ تَلْوِيثُهُ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى الْمُصَلِّينَ ، فَإِنْ شَوَّشَ عَلَيْهِمْ حَرُمَ ؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُصَلِّينَ
( بَابٌ ) ( التَّعْزِيرُ ) هُوَ لُغَةً التَّأْدِيبُ وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ( وَهُوَ ) مَشْرُوعٌ ( فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ ) سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ لِآدَمِيٍّ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مُقَدِّمَاتِ مَا فِيهِ حَدٌّ كَمُبَاشَرَةِ أَجْنَبِيَّةٍ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَسَرِقَةِ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ ، وَالسَّبُّ بِمَا لَيْسَ بِقَذْفٍ أَمْ لَا كَالتَّزْوِيرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ ، وَالضَّرْبِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِخِلَافِ الزِّنَا لِإِيجَابِهِ الْحَدَّ وَبِخِلَافِ التَّمَتُّعِ بِالطِّيبِ وَنَحْوِهِ فِي الْإِحْرَامِ لِإِيجَابِهِ الْكَفَّارَةَ وَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ ، وَالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ مِنْ وَلِيٍّ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَكَمَا فِي قَطْعِ شَخْصٍ أَطْرَافَ نَفْسِهِ وَكَمَا فِي وَطْءِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَلَا يُعَذَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ بَلْ يُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَمَا فِي تَكْلِيفِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ فَوْقَ مَا يُطِيقُ مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَا يُعَزَّرُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ أَيْضًا وَكَمَا لَوْ رَعَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقُوَّةِ مِنْ الْحِمَى الَّذِي حَمَاهُ الْإِمَامُ لِلضَّعَفَةِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُعَزَّرُ وَلَا يَغْرَمُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَدِّ كَمَا فِي تَكْرَارِ الرِّدَّةِ وَقَدْ يَجْتَمِعُ مَعَ الْكَفَّارَةِ كَمَا فِي الظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَإِفْسَادِ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ وَكَمَا فِي قَتْلِ مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ كَوَلَدِهِ وَعَبْدِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيِّ نَعَمْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ لِلْمَعْصِيَةِ بَلْ لِإِعْدَامِ النَّفْسِ بِدَلِيلِ إيجَابِهَا بِقَتْلِ الْخَطَأِ فَلَمَّا بَقِيَ التَّعَمُّدُ خَالِيًا مِنْ الزَّاجِرِ أَوْجَبْنَا فِيهِ
التَّعْزِيرَ ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ } الْآيَةَ ، وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَصْحِيحِهِ
( بَابُ التَّعْزِيرِ ) ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ ) التَّعْزِيرُ يُشْرَعُ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ كَمَنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّهْوِ الَّذِي لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَعَ أَنَّ فِعْلَهُمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ السَّرِقَةِ عَنْ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ أَنَّ الْمُحْتَسِبَ يَمْنَعُهُ وَيُؤَدَّبُ عَلَيْهِ الْآخِذُ وَالْمُعْطِي وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْقَتْلِ بَعْدَ الْقِصَاصِ وَقَالُوا أَخْطَأْنَا ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُعَزِّرُهُمْ لِعَدَمِ التَّثَبُّتِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ : وَسَرِقَةُ مَا لَا قَطْعَ فِيهِ ) أَيْ وَإِدَارَةُ كَأْسِ الْمَاءِ كَالْخَمْرِ قَالَ شَيْخُنَا بِقَصْدِ التَّشْبِيهِ بِشَرِبْتُهُ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يَنْتَفِي التَّعْزِيرُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحَدِّ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي صَغِيرَةٍ صَدَرَتْ إلَخْ ) وَالْأَصْلُ لَا يُعَزَّرُ لِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا رَأَى مَنْ يَزْنِي بِزَوْجَتِهِ وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِ وَإِنْ افْتَاتَ عَلَى الْإِمَامِ لِأَجْلِ الْحَمِيَّةِ وَالْغَيْظِ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ ابْنِ دَاوُد وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَإِنْ كَانَ يُقَادُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْأُمُّ .
وَإِذَا ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَإِذَا آذَى زَوْجَتَهُ بِلَا سَبَبٍ ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ إلَّا إنْ نَهَاهُ الْحَاكِمُ وَعَادَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعْزِيرُهُ إمَّا لِمُخَالَفَتِهِ نَهْيَهُ أَوْ لِتَضْمِينِ النَّهْيِ الْحُكْمَ بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ إذْ عِنْدَ الْحُكْمِ تَرْتَفِعُ شُبْهَةُ الْخِلَافِ فِي حَقِّ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ إذْ الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا
يَأْتِي غَيْرُهُ وَإِذَا تَلَاعَنَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِالْأَوَّلِ نُهِيَ ، فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ وَمِنْهَا أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ : إنَّهُ ظَالِمٌ أَوْ فَاجِرٌ أَوْ نَحْوُهُ فِي حَالِ الْمُخَاصَمَةِ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْ وَلَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِذَا نَظَرَ إلَى بَيْتِ غَيْرِهِ فَرَمَاهُ صَاحِبُهُ ، فَإِنْ أَصَابَهُ لَمْ يُعَزِّرْهُ السُّلْطَانُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ عَزَّرَهُ وَقَوْلُهُ : صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ حَكَاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَيَّدَهُ شَيْخُنَا بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ رِعَايَةُ التَّدْرِيجِ وَقَوْلُهُ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتَعْزِيرُهُ إلَخْ ( قَوْلُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ : وَإِطْلَاقُ كَثِيرِينَ أَوْ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ ) يُعَزَّرُ مُوَافِقُ الْكُفَّارِ فِي أَعْيَادِهِمْ وَمَنْ يُمْسِكُ الْحَيَّةَ وَيَدْخُلُ النَّارَ وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ وَمَنْ هَنَّأَهُ بَعِيدٍ وَمَنْ سَمَّى زَائِرَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ حَاجًّا ( قَوْلُهُ كَمَا فِي تَكَرُّرِ الرِّدَّةِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ ) وَمَنْ شَهِدَ بِزِنًا ثُمَّ رَجَعَ حُدَّ لِلْقَذْفِ وَعُزِّرَ لِشَهَادَةِ الزُّورِ .
( قَوْلُهُ : وَإِفْسَادُ الصَّائِمِ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ ) كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ وَوَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ مَا حَاصِلُهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَاجْتَنِبْهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِسْنَوِيُّ نَعَمْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ إلَخْ ) قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّعْزِيرِ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ إنْ كَانَتْ إتْلَافًا كَالْحَلْقِ وَالصَّيْدِ دُونَ الِاسْتِمْتَاعِ كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ قَالَ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ الصُّغْرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُمِّهِ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فِي رَمَضَانَ
وَهُوَ صَائِمٌ مُعْتَكِفٌ مُحْرِمٌ لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَالْبَدَنَةُ وَيُحَدُّ لِلزِّنَا وَيُعَزَّرُ لِقَطْعِ رَحِمِهِ وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْكَعْبَةِ ا هـ وَمِثْلُهُ الظِّهَارُ ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ مَعَ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّعْزِيرِ هُوَ الْكَذِبُ وَالْكَفَّارَةُ وَجَبَتْ بِالْعَوْدِ وَقَوْلُهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّعْزِيرِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
وَيَحْصُلُ التَّعْزِيرُ ( بِحَبْسٍ أَوْ جَلْدٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ ) بِكَلَامٍ أَوْ فِعْلٍ كَنَفْيٍ أَوْ نَحْوِهَا كَكَشْفِ رَأْسٍ وَإِقَامَةٍ مِنْ مَجْلِسٍ ( وَجَمْعٍ بَيْنَهَا ) وَكُلُّ ذَلِكَ ( بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ ) أَيْ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ جِنْسًا وَقَدْرًا إفْرَادًا أَوْ جَمْعًا ( فَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ التَّوْبِيخِ ) إلَى غَيْرِهِ ( إذَا كَانَ يَكْفِي ) فَلَا يَرْقَى إلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا ( بَلْ يُعَزَّرُ بِالْأَخَفِّ ثُمَّ الْأَخَفِّ ) كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ حَلْقُ رَأْسِهِ لَا لِحْيَتِهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : يَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ ( فَلَوْ جُلِدَ ) أَوْ حُبِسَ ( لَمْ يَبْلُغْ بِتَعْزِيرِ حُرٍّ ) بِالضَّرْبِ ( أَرْبَعِينَ ) وَبِالْحَبْسِ سَنَةً ( وَلَا بِتَعْزِيرِ عَبْدٍ ) بِالضَّرْبِ ( عِشْرِينَ ) وَبِالْحَبْسِ نِصْفَ سَنَةٍ لِخَبَرِ { مَنْ بَلَغَ حَدًّا فِي غَيْرِ حَدٍّ فَهُوَ مِنْ الْمُعْتَدِينَ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْمَحْفُوظُ إرْسَالُهُ وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عَنْ الدِّيَةِ ، وَالرَّضْخِ عَنْ السَّهْمِ فَيَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَأَمَّا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ { لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى } فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ قَالَ الْقُونَوِيُّ وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ أَهْوَنُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى النَّسْخِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ
( قَوْلُهُ : كَكَشْفِ رَأْسٍ ) أَيْ وَنَفْيٍ أَوْ إعْرَاضٍ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيَجُوزُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَقَوْلُهُ لَا لِحْيَتِهِ قَالَ شَيْخُنَا ؛ لِأَنَّ حَلْقَهَا مُثْلَةٌ لَهُ وَيَشْتَدُّ تَعْيِيرُهُ بِذَلِكَ بَلْ قَدْ يُعَيَّرُ بِمَا ذُكِرَ أَوْلَادُهُ فَلَا يُقَالُ : إنَّ الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ فَرْعُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِحُرْمَةِ حَلْقِ لِحْيَةِ نَفْسِهِ ، فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ جَازَ كا ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ تَسْوِيدُ وَجْهِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ جُلِدَ أَوْ حُبِسَ لَمْ يَبْلُغْ إلَخْ ) مَحَلُّهُ إذَا كَانَ التَّعْزِيرُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ فِي حَقِّ الْعِبَادِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ أَوْ التَّعْزِيرِ لِوَفَاءِ الْحَقِّ الْمَالِيِّ ، فَإِنَّهُ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ ضُرِبَ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ يَمُوتَ ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّائِلِ وَكَذَا لَوْ غَصَبَ مَالًا وَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهِ ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الضَّمَانِ بِالتَّعْزِيرِ لِوُجُودِ جِهَةٍ أُخْرَى ( قَوْلُهُ وَكَمَا يَجِبُ نَقْصُ الْحُكُومَةِ عَنْ الدِّيَةِ إلَخْ ) وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُ دُونَ جِنَايَةِ الْحُرِّ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْقُونَوِيُّ وَحَمَلَهُ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ إلَخْ ) أَيْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُجْلَدَ فَوْقَ عَشَرَةٍ إلَّا فِي حَدٍّ
( فَصْلٌ ) ( لِلْأَبِ ، وَالْأُمِّ ضَرْبُ الصَّغِيرِ ، وَالْمَجْنُونِ زَجْرًا ) لَهُمَا عَنْ سَيِّئِ الْأَخْلَاقِ ( وَإِصْلَاحًا ) لَهُمَا مِثْلُهُمَا السَّفِيهُ ( وَلِلْمُعَلِّمِ ) ذَلِكَ ( بِإِذْنِ الْوَلِيِّ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَسَكَتَ الْخُوَارِزْمِيَّ وَغَيْرُهُ عَنْ هَذَا الْقَيْدِ ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ ( وَلِلزَّوْجِ ) ضَرْبُ زَوْجَتِهِ ( لِنُشُوزِهَا وَلِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ) مِنْ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلَ الْبَابِ ( لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ لَكِنْ أَفْتَى ابْنُ الْبَزْرِيِّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ ( وَلِلسَّيِّدِ ) ضَرْبُ رَقِيقِهِ ( لِحَقِّ نَفْسِهِ ) كَمَا فِي الزَّوْجِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ سُلْطَتَهُ أَقْوَى ( وَكَذَا لِحَقِّ اللَّهِ ) تَعَالَى لِمَا مَرَّ فِي الزِّنَا ( وَيُسَمَّى الْكُلُّ تَعْزِيرًا ) وَقِيلَ إنَّمَا يُسَمَّى مَا عَدَا ضَرْبَ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مِمَّا ذُكِرَ تَأْدِيبًا لَا تَعْزِيرًا ( وَإِنْ لَمْ يُفِدْ تَعْزِيرُهُ إلَّا بِضَرْبٍ مُبَرِّحٍ ) أَيْ شَدِيدٍ مُؤْذٍ ( تُرِكَ ) ضَرْبُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَرِّحَ مُهْلِكٌ وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ ( وَلِلْإِمَامِ تَرْكُ تَعْزِيرٍ لِحَقِّ اللَّهِ ) تَعَالَى لِإِعْرَاضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَاوِي شَدْقِهِ فِي حُكْمِهِ لِلزُّبَيْرِ ( وَكَذَا الْآدَمِيُّ ) أَيْ لِحَقِّهِ وَلَوْ طَلَبَهُ كَمَا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ ، وَالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَجَرَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَمُخْتَصَرُهُ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الْأَوْجَهُ ( وَلَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( تَعْزِيرُ مَنْ عَفَا عَنْهُ مُسْتَحِقُّ التَّعْزِيرِ ) لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ لَا يُعَزِّرُهُ قَبْلَ مُطَالَبَتِهِ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ ( لَا ) تَعْزِيرُ مَنْ عَفَا عَنْهُ مُسْتَحِقُّ ( الْحَدِّ ) ؛ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَتَعَلَّقُ أَصْلُهُ بِنَظَرِ الْإِمَامِ فَجَازَ أَنْ لَا
يُؤَثِّرَ فِيهِ إسْقَاطُ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ
( قَوْلُهُ : لَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) أَيْ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَشَبَهِهِمَا ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ضَرْبُهَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ لَكِنْ أَفْتَى ابْنُ الْبَزْرِيِّ ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَقَوْلُهُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَقَالَ الْقَمُولِيُّ رَأَيْت فِيمَا عُلِّقَ عَنْ مَشَايِخِ عَصْرِنَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَأْدِيبَ زَوْجَتِهِ الصَّغِيرَةِ لِلتَّعْلِيمِ وَاعْتِيَادِ الصَّلَاةِ ( قَوْلُهُ : وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ ) قَالَ فِي الْعُزَيْرِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ يَضْرِبُهُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ إقَامَةً لِصُورَةِ الْوَاجِبِ وَاخْتَارَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ ضَرَبَ نَحِيفًا ضَرْبًا يَقْتُلُ مِثْلَهُ غَالِبًا دُونَ الْجَانِي ( قَوْلُهُ : لِإِعْرَاضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمَاعَةٍ اسْتَحَقُّوهُ إلَخْ ) { وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَلَسْت تَعْدِلُ فَقَالَ خِبْت وَخَسِرْت إنْ لَمْ أَعْدِلْ فَمَنْ يَعْدِلُ وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي جَبَذَهُ وَقَالَ احْمِلْنِي ، فَإِنَّك لَا تَحْمِلُنِي عَلَى بَعِيرِك وَلَا بَعِيرِ أَبِيك } وَلِأَنَّهُ ضَرَبَ غَيْرَ مُحَدَّدٍ فَلَمْ يَجِبْ كَضَرْبِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عِنْدَ طَلَبِهِ كَالْقِصَاصِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْأَوْجَهُ ) هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالصَّيْدَلَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَهُ تَعْزِيرُ مَنْ عَفَا عَنْهُ مُسْتَحِقُّ التَّعْزِيرِ ) لَا يُعَزَّرُ الْأَصْلُ بِحَقِّ الْفَرْعِ كَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْإِمَامِ مِنْ ذَلِكَ
( كِتَابُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ ) ( وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِ الْوِلَادَةِ وَفِيهِ طَرَفَانِ الْأَوَّلُ فِي مُوجِبِهِ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( فَإِنْ مَاتَ ) الْمُعَزَّرُ ( بِتَعْزِيرٍ ) مِنْ الْإِمَامِ ( ضَمِنَهُ الْإِمَامُ ) وَلَوْ عَزَّرَهُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ لِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ إذْ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لَا الْهَلَاكُ ، فَإِذَا حَصَلَ الْهَلَاكُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوطَ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ : فَإِنْ مَاتَ بِتَعْزِيرِ الْإِمَامِ ضَمِنَهُ ( ضَمَانَ شِبْهِ الْعَمْدِ وَكَذَا ) يَضْمَنُ كَذَلِكَ ( زَوْجٌ وَمُعَلِّمٌ ) وَأَبٍ وَأُمٌّ وَنَحْوُهَا بِتَعْزِيرِهِمْ لِلزَّوْجَةِ ، وَالصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ ( وَإِنْ أَذِنَ الْأَبُ ) فِيهِ لِلْمُعَلِّمِ وَفَارَقَ ذَلِكَ عَدَمُ ضَمَانِ الْمُسْتَأْجِرِ لِلدَّابَّةِ ، وَالرَّائِضِ لَهَا بِمَوْتِهَا بِالضَّرْبِ الْمُعْتَادِ بِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَغْنِيَانِ عَنْ ضَرْبِهَا بِخِلَافِ الْمُعَزِّرِ قَدْ يَسْتَغْنِي عَنْ الضَّرْبِ بِغَيْرِهِ ( لَا ) إنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَمَاتَ بِضَرْبِ غَيْرِهِ لَهُ ( بِإِذْنِ سَيِّدِهِ ) فَلَا يَضْمَنُ كَقَتْلِهِ بِإِذْنِهِ وَكَذَا لَوْ عَزَّرَ الْوَالِي مَنْ اعْتَرَفَ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ وَطَلَبَهُ بِنَفْسِهِ لِإِذْنِهِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( فَإِنْ أَسْرَفَ ) الْمُعَزِّرُ ( وَظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْقَتْلِ ) بِأَنْ ضَرَبَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا ( فَالْقِصَاصُ ) يَلْزَمُهُ ( وَإِنْ مَاتَ ) الْمَحْدُودُ ( بِحَدٍّ مُقَدَّرٍ فَلَا ضَمَانَ ) وَلَوْ حُدَّ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَتْلُهُ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مُقَدَّرٍ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَكُونُ إلَّا مُقَدَّرًا ( فَإِنْ جَاوَزَ ) الْمُقَدَّرَ فَمَاتَ ( ضَمِنَ بِالْقِسْطِ ) مِنْ الْعَدَدِ ( فَإِنْ جَلَدَ فِي الشُّرْبِ ثَمَانِينَ ) فَمَاتَ ( لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ ( أَوْ سِتِّينَ فَثُلُثُهَا أَوْ وَاحِدَةٌ وَأَرْبَعِينَ فَجُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ ) جُزْءًا أَوْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ فَجُزْءَانِ مِنْ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا أَوْ إحْدَى وَثَمَانِينَ
فَأَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ( وَكَذَا لَوْ زَادَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَجَلَدَ إحْدَى وَثَمَانِينَ ) فَمَاتَ ( لَزِمَهُ جُزْءٌ مِنْهَا ) أَوْ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ فَجُزْءَانِ مِنْهَا ( وَإِنْ أَمَرَهُ الْإِمَامُ بِالزِّيَادَةِ ) عَلَى الْمُقَدَّرِ وَجَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( أَوْ قَالَ ) لَهُ ( اضْرِبْ وَأَنَا أَعُدُّ فَغَلِطَ ) فِي عَدِّهِ ( فَزَادَ ضَمِنَ الْإِمَامُ ) نَعَمْ لَوْ أَمَرَهُ بِثَمَانِينَ فِي الشُّرْبِ فَزَادَ وَاحِدَةً وَمَاتَ الْمَجْلُودُ وُزِّعَتْ الدِّيَةُ إحْدَى وَثَمَانِينَ جُزْءًا يَسْقُطُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَيَجِبُ أَرْبَعُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَجُزْءٌ عَلَى الْجَلَّادِ
( كِتَابُ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ ) ( قَوْلُهُ ، فَإِنْ مَاتَ بِتَعْزِيرٍ ) خَرَجَ بِقَوْلِهِ مَاتَ بِتَعْزِيرٍ مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ كَمَا إذَا عَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَالتَّوْبِيخِ وَالنَّفْيِ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا إذَا كَانَ التَّعْزِيرُ عَلَى مَعْصِيَةٍ مَوْجُودَةٍ كَمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ مَعَ إمْكَانِهِ ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِ كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ إذَا أَدَّى إلَيْهِ الْمُقَاتَلَةُ الْجَائِزَةُ غَيْرُ مَضْمُونٍ ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ هُنَا عَلَى التَّعْزِيرِ لِمَعْصِيَةٍ سَابِقَةٍ لِأَجْلِ الِاسْتِصْلَاحِ ع وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا تَعَيَّنَ الضَّرْبُ طَرِيقًا فِي الْخَلَاصِ ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ دَفْعَ الصَّائِلِ غ قَالَ شَيْخُنَا ل تَقَدَّمَ ذَلِكَ بِخَطِّ الْوَالِدِ
( فَصْلٌ ) ( يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْتَقِلِّ ) بِنَفْسِهِ ( رُكُوبُ ) أَيْ ارْتِكَابُ ( الْخَطَرِ فِي قَطْعِ غُدَّةٍ ) مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ ( تَشِينُ ) بِلَا خَوْفٍ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى إهْلَاكِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَطْعِهَا خَطَرٌ فَلَهُ وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ مُكَاتَبًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَطْعُهَا لِإِزَالَةِ الشَّيْنِ ، وَالْغُدَّةُ مَا يَخْرُجُ بَيْنَ الْجِلْدِ ، وَاللَّحْمِ نَحْوُ الْحِمَّصَةِ إلَى الْجَوْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا ( فَإِنْ خِيفَتْ ) أَيْ خِيفَ مِنْهَا ( وَزَادَ خَطَرُ التَّرْكِ ) لَهَا عَلَى خَطَرِ قَطْعِهَا ( جَازَ ) لَهُ ( الْقَطْعُ ) لَهَا لِزِيَادَةِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مَعَ إزَالَةِ الشَّيْنِ بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ : إنْ لَمْ يُقْطَعْ حَصَلَ أَمْرٌ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الْمُهْلِكَاتِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ انْتَهَى وَمِثْلُهُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الْوَلِيِّ الْآتِيَةِ ( وَكَذَا ) يَجُوزُ قَطْعُهَا ( لَوْ تَسَاوَيَا ) أَيْ الْخَطَرَانِ لِتَوَقُّعِ السَّلَامَةِ مَعَ إزَالَةِ الشَّيْنِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ زَادَ خَطَرُ قَطْعِهَا ( فَلَا ) يَجُوزُ قَطْعُهَا ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَلَاكِ النَّفْسِ ( وَمِثْلُهَا ) فِيمَا ذُكِرَ ( الْعُضْوُ الْمُتَآكِلُ ، فَإِنْ قَطَعَهُمَا ) مِنْهُ ( أَجْنَبِيٌّ بِلَا إذْنٍ ) مِنْهُ ( فَمَاتَ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَكَذَا الْإِمَامُ ) يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ بِقَطْعِهِمَا كَذَلِكَ لِتَعَدِّي كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ ( وَلِلْأَبِ ، وَالْجَدِّ ) وَإِنْ عَلَا ( قَطْعُهُمَا لِلصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ ) مَعَ الْخَطَرِ فِيهِ ( إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ ) عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمَا يَلِيَانِ صَوْنَ مَالِهِمَا عَنْ الضَّيَاعِ فَبَدَنُهُمَا أَوْلَى ( فَإِنْ تَسَاوَيَا ) أَيْ الْخَطَرَانِ أَوْ زَادَ خَطَرُ الْقَطْعِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( ضَمِنَا ) لِعَدَمِ جَوَازِ الْقَطْعِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمُسْتَقِلِّ فِي صُورَةِ التَّسَاوِي كَمَا مَرَّ ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ ثَمَّ مِنْ نَفْسِهِ وَهُنَا مِنْ غَيْرِهِ ( وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ ) وَلَا لِغَيْرِهِ مَا عَدَا الْأَبَ ، وَالْجَدَّ كَالْوَصِيِّ (
ذَلِكَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ وَفَرَاغٍ وَشَفَقَةٍ تَامَّيْنِ وَكَمَا أَنَّ لِلْأَبِ ، وَالْجَدِّ تَزْوِيجَ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ
( قَوْلُهُ : يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ ) بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا أَوْ رَقِيقًا كَسْبُهُ لَهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُسْتَقِلِّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ وَلَوْ مَعَ السَّفَهِ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ إذَا جَعَلْنَا كَسْبَهُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ إعْتَاقُهُ أَوْ الْمَشْرُوطِ إعْتَاقُهُ ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِمَالِكِهِ فَلَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَبِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ قَالَ وَإِنْ شِئْت قُلْت هُوَ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ وَالرَّقِيقُ الَّذِي كَسْبُهُ لَهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ سَفِيهًا أَوْ مُكَاتَبًا ) أَيْ أَوْ مُوصًى بِإِعْتَاقِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَبَ الْقَطْعُ كَمَا يَجِبُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُمُّ وَصِيَّةً إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَلِلسُّلْطَانِ ) وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ( لَا الْأَجْنَبِيِّ مُعَالَجَةُ الصَّبِيِّ ) ، وَالْمَجْنُونِ ( بِمَا لَا خَطَرَ فِيهِ ) كَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَقَطْعِ غُدَّةٍ لَا خَطَرَ فِي قَطْعِهَا لِلْمَصْلَحَةِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْأَبَ الرَّقِيقَ ، وَالسَّفِيهَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( فَإِنْ عَالَجَهُ الْأَجْنَبِيُّ فَسَرَى ) أَثَرُ الْعِلَاجِ ( إلَى النَّفْسِ فَالْقِصَاصُ ) يَلْزَمُهُ لِعَمْدِيَّتِهِ مَعَ عَدَمِ وِلَايَتِهِ ( أَوْ ) عَالَجَهُ ( الْإِمَامُ ) أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ ( بِمَا لَا خَطَرَ فِيهِ ) فَمَاتَ ( فَلَا ضَمَانَ ) لِئَلَّا يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَيَتَضَرَّرَ الصَّبِيُّ ، وَالْمَجْنُونُ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ ( أَوْ بِمَا فِيهِ خَطَرٌ فَلَا قِصَاصَ ) لِشُبْهَةِ الْإِصْلَاحِ وَلِلْبَعْضِيَّةِ فِي الْأَبِ ، وَالْجَدِّ ( بَلْ ) تَلْزَمُهُ ( الدِّيَةُ مُغَلَّظَةً فِي مَالِهِ ) لِعَمْدِيَّتِهِ
( قَوْلُهُ : ظَاهِرٌ أَنَّ الْأَبَ الرَّقِيقَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ بِمَا فِيهِ خَطَرٌ فَلَا قِصَاصَ ) مَحَلُّ عَدَمِ الْقِصَاصِ فِي الْإِمَامِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْخَوْفُ فِي الْقَطْعِ أَكْثَرَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ
( وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُتَأَلِّمِ تَعْجِيلُ الْمَوْتِ ) وَإِنْ عَظُمَتْ آلَامُهُ وَلَمْ يُطِقْهَا ؛ لِأَنَّ بُرْأَهُ مَرْجُوٌّ ( فَلَوْ أَلْقَى نَفْسَهُ مِنْ مُحْرِقٍ ) عَلِمَ أَنَّهُ ( لَا يَنْجُو مِنْهُ إلَى ) مَائِعٍ ( مُغْرِقٍ ) وَرَآهُ ( أَهْوَنَ ) عَلَيْهِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى لَفَحَاتِ الْمُحْرِقِ ( جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَهْوَنُ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّ لَهُ قَتْلَ نَفْسِهِ بِغَيْرِ إغْرَاقٍ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ وَالِدِهِ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ وَالِدِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ ) ( لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ فِي الْخِتَانِ ) لِلرَّجُلِ بِقَطْعِ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّيهَا فَلَا يَكْفِي قَطْعُ بَعْضِهَا وَيُقَالُ لِتِلْكَ الْجِلْدَةِ الْقُلْفَةُ ( وَ ) مَنْ ( قَطْعِ شَيْءٍ مِنْ بَظْرِ الْمَرْأَةِ ) ( الْخِفَاض ) أَيْ اللَّحْمَةِ الَّتِي فِي أَعْلَى الْفَرْجِ فَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ ، وَتَقْلِيلُهُ أَفْضَلُ رَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْخَاتِنَةِ : لَا تُنْهِكِي ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ لِلْبَعْلِ } ، وَالْخِتَانُ وَاجِبٌ ( وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ ) ، وَالْعَقْلِ وَاحْتِمَالِ الْخِتَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْك أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } وَكَانَ مِنْ مِلَّتِهِ الْخِتَانُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ اخْتَتَنَ وَعُمْرُهُ ثَمَانُونَ سَنَةً } وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ ، وَالْحَاكِمِ { مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ سَنَةً } وَلِأَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْخِتَانِ رَجُلًا أَسْلَمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالُوا وَلِأَنَّهُ قَطْعُ عُضْوٍ لَا يُخْلَفُ فَلَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا كَقَطْعِ الْيَدِ ، وَالرِّجْلِ وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ يُخَافُ مِنْهُ ، فَلَوْ لَمْ يَجِبْ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ خِتَانِ الصَّبِيِّ ، وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ لَا يَحْتَمِلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ ، وَالثَّالِثَ يَتَضَرَّرُ بِهِ وَكَمَا يَجِبُ الْخِتَانُ يَجِبُ قَطْعُ السُّرَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى ثُبُوتُ الطَّعَامِ إلَّا بِهِ إلَّا أَنَّ وُجُوبَهُ عَلَى الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا فِي الصِّغَرِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
( قَوْلُهُ : لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِ جَمِيعِ الْحَشَفَةِ فِي الْخِتَانِ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا بِلَا قُلْفَةٍ لَا خِتَانَ عَلَيْهِ إيجَابًا وَلَا نَدْبًا كَمَا رَأَيْته فِي التَّبْصِرَةِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ كُتُبِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ لَوْ كَانَ ثَمَّ شَيْءٌ يُغَطِّي بَعْضَ الْحَشَفَةِ وَجَبَ قَطْعُهُ كَمَا لَوْ خُتِنَ خِتَانًا غَيْرَ كَامِلٍ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُهُ ثَانِيًا حَتَّى تَذْهَبَ جَمِيعُ الْقُلْفَةِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِزَالَتِهَا فِي الْخِتَانِ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ غ وَكَتَبَ أَيْضًا سُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ صَبِيٍّ شَمَّرَ غُرْلَتَهُ وَرَبَطَهَا بِخَيْطٍ وَتَرَكَهَا مُدَّةً فَتَشَمَّرَتْ وَانْقَطَعَ الْخَيْطُ وَصَارَ كَالْمَخْتُونِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ خِتَانُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إنْ صَارَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ قَطْعُ غُرْلَتِهِ وَلَا شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِقَطْعِ غَيْرِهَا سَقَطَ وُجُوبُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَشَفَةُ قَدْ انْكَشَفَتْ كُلُّهَا سَقَطَ أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَقَلُّصُ الْغُرْلَةِ وَاجْتِمَاعُهَا بِحَيْثُ يَنْقُصُ عَنْ الْمَقْطُوعِ فِي طَهَارَتِهِ وَجِمَاعِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ قَطْعِ مَا يُمْكِنُ قَطْعُهُ مِنْهَا حَتَّى يَلْتَحِقَ بِالْمَخْتُونِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَنْكَشِفْ كُلُّهَا فَيَجِبُ مِنْ الْخِتَانِ مَا يَكْشِفُ جَمِيعَهَا ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ وُلِدَ مَخْتُونًا أَجْزَأَهُ وَأَوَّلُ مَنْ اُخْتُتِنَ مِنْ النِّسَاءِ هَاجَرُ وَوُلِدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مَخْتُونًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ آدَم وَشِيثٌ وَنُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَلُوطٌ وَشُعَيْبٌ وَيُوسُفُ وَمُوسَى وَسُلَيْمَانُ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَحَنْظَلَةُ بْنُ صَفْوَانَ نَبِيُّ أَصْحَابِ الرَّسِّ وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَوْقُوفًا أَنَّ جِبْرِيلَ خَتَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ طَهَّرَ قَلْبَهُ وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو فِي الِاسْتِيعَابِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ خَتَنَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ سَابِعِهِ وَجَعَلَ لَهُ مَأْدُبَةً وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْبُلُوغِ ) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ يُحْسِنُ خِتَانَ نَفْسِهِ بِيَدِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ كَشْفُ عَوْرَتِهِ لِلْخَاتِنِ غ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّهُ جُرْحٌ يُخَافُ مِنْهُ إلَخْ ) وَلِأَنَّ الْعَوْرَةَ تُكْشَفُ لَهُ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ
( وَيُسْتَحَبُّ ) أَنْ يُخْتَنَ ( لِسَبْعٍ ) مِنْ الْأَيَّامِ ( غَيْرِ يَوْمِ الْوِلَادَةِ ) { ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَنَ الْحَسَنَ ، وَالْحُسَيْنَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا حُسِبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنْ السَّبْعَةِ فِي الْعَقِيقَةِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَتَسْمِيَةِ الْوَلَدِ لِمَا فِي الْخَتْنِ مِنْ الْأَلَمِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمُنَاسِبُ لَهُ التَّأْخِيرُ الْمُفِيدُ لِلْقُوَّةِ عَلَى تَحَمُّلِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُهُ عَلَى السَّابِعِ قَالَ وَلَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْتَنَ فِي الْأَرْبَعِينَ ، فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهَا فَفِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ ؛ لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي يُؤْمَرُ فِيهِ بِالطَّهَارَةِ أَوْ الصَّلَاةِ ( وَلَا يَجُوزُ خِتَانُ ضَعِيفٍ ) خِلْقَةً ( يُخَافُ عَلَيْهِ ) مِنْهُ بَلْ يُنْتَظَرُ حَتَّى يَصِيرَ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلَامَتُهُ ، فَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَحْتَمِلَهُ
( وَيَحْرُمُ خِتَانُ ) الْخُنْثَى ( الْمُشْكِلِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْبُلُوغِ أَمْ بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَغَوِيّ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ وُجُوبُهُ فِي فَرْجَيْهِ جَمِيعًا لَيُتَوَصَّلَ إلَى الْمُسْتَحَقِّ وَعَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ إنْ أَحْسَنَ الْخَتْنَ خَتَنَ نَفْسَهُ وَإِلَّا ابْتَاعَ أَمَةً تَخْتِنُهُ ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا تَوَلَّاهُ الرِّجَالُ ، وَالنِّسَاءُ لِلضَّرُورَةِ كَالتَّطْبِيبِ ( وَيُخْتَنُ ) مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي لَهُ ذَكَرَانِ الذَّكَرَانِ ( الْعَامِلَانِ مَعًا أَوْ الْعَامِلُ مِنْ الذَّكَرَيْنِ ) ، فَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُنْثَى ( وَهَلْ يُعْرَفُ ) الْعَمَلُ ( بِالْجِمَاعِ أَوْ الْبَوْلِ وَجْهَانِ ) جَزَمَ كَالرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْغُسْلِ بِالثَّانِي وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ ( وَمُؤْنَةُ كُلٍّ ) مِنْ خِتَانِ الذَّكَرِ ، وَالْأُنْثَى ( فِي مَالِهِ ) وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَتِهِ كَمُؤْنَةِ التَّعْلِيمِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَالسُّنَّةُ فِي خِتَانِ الذُّكُورِ إظْهَارُهُ وَفِي النِّسَاءِ إخْفَاؤُهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَأَقَرَّهُ
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يَجُوزُ بِالشَّكِّ ) وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ مَنْ لَهُ كَفَّانِ فِي يَدِهِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ الْأَصْلِيَّةُ مِنْ الزَّائِدَةِ ثُمَّ سَرَقَ نِصَابًا حَيْثُ تُقْطَعُ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْآدَمِيِّ وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُشَاحَّةِ وَالْمُضَايَقَةِ وَالْحَقُّ فِي الْخِتَانِ يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَحُقُوقُ اللَّهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَغَوِيّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْمَشْهُورُ وُجُوبُهُ ) ضَعِيفٌ ( قَوْلُهُ : كَالتَّطْبِيبِ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ مَعَ مَا مَرَّ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ بِلَا حَاجَةٍ أَنَّ الْمُكَلَّفَ الْوَاضِحَ إذَا أَحْسَنَ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُمَكِّنَ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ مِنْ أَنْ يَخْتِنَهُ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهَا تَعَيَّنَ مَنْ كَانَ فِي جِنْسِهِ ثُمَّ مَنْ كَانَ غَيْرَ جِنْسِهِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّ الذِّمِّيَّةَ لَا تَخْتِنُ مُسْلِمَةً مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ شَكَّ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالْخُنْثَى ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ : وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ وَأَقَرَّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ يُجْبِرُ الْإِمَامُ الْبَالِغَ ) الْعَاقِلَ ( عَلَى الْخِتَانِ ) إذَا احْتَمَلَهُ وَامْتَنَعَ مِنْهُ ( وَلَا يَضْمَنُ ) حِينَئِذٍ ( إنْ مَاتَ ) بِالْخِتَانِ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ وَاجِبٍ ( فَلَوْ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ ) فَخَتَنَ ( أَوْ خَتَنَهُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدَيْنِ فَمَاتَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ ( نِصْفُ الضَّمَانِ ) ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْخِتَانِ وَاجِبٌ ، وَالْهَلَاكُ حَصَلَ مِنْ مُسْتَحِقٍّ وَغَيْرِهِ وَيُفَارِقُ الْحَدَّ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَهُ إلَى الْإِمَامِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِمَا يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ ، وَالْخِتَانُ يَتَوَلَّاهُ الْمَخْتُونُ ، أَوْ وَالِدُهُ غَالِبًا فَإِذَا تَوَلَّاهُ هُوَ شُرِطَ فِيهِ غَلَبَةُ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ وَبِذَلِكَ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَالِدِ فِي الْخِتَانِ ( وَمَنْ خَتَنَ مَنْ لَا يَحْتَمِلُ الْخِتَانَ فَمَاتَ ) مِنْهُ ( اُقْتُصَّ مِنْهُ ) لِتَعَدِّيهِ بِالْجَرْحِ الْمُهْلِكِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عِنْدَ حُكْمِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ ، فَلَوْ قَالُوا يَحْتَمِلُهُ فَمَاتَ فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ ( فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا ضَمِنَ الْمَالَ ) وَلَا قِصَاصَ لِلْبَعْضِيَّةِ أَوْ سَيِّدًا فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا ( أَوْ ) خَتَنَ ( مَنْ يَحْتَمِلُ ) الْخِتَانَ ( وَهُوَ وَلِيٌّ ) لَهُ وَلَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَيْهِ إلْحَاقًا لِلْخِتَانِ حِينَئِذٍ بِالْمُعَالَجَاتِ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ، وَالتَّقْدِيمُ أَسْهَلُ مِنْ التَّأْخِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ ( أَوْ ) وَهُوَ ( أَجْنَبِيٌّ فَالْقِصَاصُ ) لِتَعَدِّيهِ بِالْمُهْلِكِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إقَامَةَ الشِّعَارِ فَلَا يُتَّجَهُ الْقِصَاصُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ شُبْهَةً فِي التَّعَدِّي وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي قَطْعِهِ يَدَ السَّارِقِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَذَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ
( قَوْلُهُ : فَلَوْ أَجْبَرَهُ الْإِمَامُ أَوْ خَتَنَهُ الْأَبُ أَوْ الْجَدُّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا عُلِمَ مِنْ هَذَا وَمَا يَأْتِي أَنَّ مَنْ خَتَنَ صَغِيرًا فِي شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَمَاتَ كَانَ ضَامِنًا وَلَوْ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ بَالِغًا فَأَجْبَرَهُ الْإِمَامُ فِي شِدَّةِ ذَلِكَ وَمَاتَ ضَمِنَ النِّصْفَ أَوْ كَانَ الْفَاعِلُ الْأَبَ أَوْ الْجَدَّ فَلَا ضَمَانَ ؛ لِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ فِي وِلَايَةِ الْخَتْنِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ حَدَّ الْإِمَامُ مُقَدَّرًا فَمَاتَ مِنْهُ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هَذَا مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا أَنَّهُ تَقْيِيدٌ لَهُ ( قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي قَطْعِهِ يَدَ السَّارِقِ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ ( تَنْبِيهٌ ) تَثْقِيبُ أُذُنِ الصَّبِيَّةِ لِتَعْلِيقِ الْحَلَقِ جَائِزٌ عَلَى الرَّاجِحِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ قَالَ شَيْخُنَا مَا كَتَبَهُ الْوَالِدُ هُنَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ وَافَقَ الْغَزَالِيُّ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي فَتَاوِيهِ
( الطَّرَفُ الثَّانِي فِي مَحَلِّ ضَمَانِ ) إتْلَافِ ( الْإِمَامِ وَهُوَ فِي عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ ) الصَّادِرَةِ مِنْهُ ( كَغَيْرِهِ ) مِنْ الْآحَادِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فِي مَالِهِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ ( فَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْحُكْمِ ) أَوْ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ ( أَوْ جَلَدَهُ فِي الشُّرْبِ ثَمَانِينَ فَمَاتَ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ لَا بَيْتُ الْمَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ نَفْسٍ وَاجِبٌ بِالْخَطَأِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَخَطَأِ غَيْرِهِ وَكَخَطَئِهِ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِغَيْرِهِ بَيْنَ خَطَئِهِ فِي الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فَصَّلَهُ الْأَصْلُ لِبَيَانِ الْخِلَافِ ، فَلَوْ قَالَ وَهُوَ فِي عَمْدِهِ وَخَطَئِهِ كَغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ ( وَكَذَا الْغُرَّةُ ) تَضْمَنُهَا عَاقِلَتُهُ ( فِي جَلْدِ حَامِلٍ أَجْهَضَتْ ) جَنِينًا مَيِّتًا وَإِنْ عُلِمَ حَمْلُهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إمَّا خَطَأٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ وَعَطَفَ عَلَى الْغُرَّةِ قَوْلَهُ ( أَوْ الدِّيَةُ ) أَيْ دِيَةُ الْجَنِينِ فَيَضْمَنُهَا عَاقِلَةُ الْإِمَامِ ( إنْ خَرَجَ ) مِنْ أُمِّهِ ( حَيًّا وَمَاتَ ) بِأَلَمِ الْجَلْدِ ( وَكَذَا دِيَتُهَا ) تَضْمَنُهَا عَاقِلَتُهُ ( إنْ مَاتَتْ مِنْ الْإِجْهَاضِ ) وَحْدَهُ بِأَنْ أُجْهِضَتْ ثُمَّ مَاتَتْ وَأُحِيلَ الْمَوْتُ عَلَى الْإِجْهَاضِ كَمَا وَجَبَ ضَمَانُ الْجَنِينِ ( أَوْ نِصْفُهَا ) أَيْ تَضْمَنُهُ عَاقِلَتُهُ ( إنْ مَاتَتْ مِنْهُ وَمِنْ الْجَلْدِ ) ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ وَلَوْ حَذَفَ كَذَا الثَّانِيَةَ أَغْنَتْ عَنْهَا الْأُولَى ، وَكَانَ أَخْصَرَ ( وَالْكَفَّارَةُ ) تَجِبُ ( فِي مَالِهِ وَإِنْ حَدَّهُ ) أَيْ الْإِمَامُ شَخْصًا ( بِشَاهِدَيْنِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا ) أَيْ الشَّهَادَةِ كَذِمِّيَّيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ فَاسِقَيْنِ ( فَمَاتَ ) الْمَحْدُودُ ( فَإِنْ قَصَّرَ الْإِمَامُ فِي الْبَحْثِ ) عَنْ حَالِهِمَا ( اُقْتُصَّ مِنْهُ ) إنْ تَعَمَّدَ ؛ لِأَنَّ الْهُجُومَ عَلَى الْقَتْلِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ وَجَبَ الْمَالُ فَهُوَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَا عَلَى
عَاقِلَتِهِ وَلَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ( وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ ) فِي الْبَحْثِ بَلْ بَذَلَ وُسْعَهُ ( فَالضَّمَانُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ) كَالْخَطَأِ فِي غَيْرِ الْحُكْمِ ( وَلَا رُجُوعَ ) لَهَا عَلَى الشَّاهِدِ ( إلَّا عَلَى مُتَجَاهِرٍ بِالْفِسْقِ ) فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا غَرِمَتْهُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يُشْعِرُ بِتَدْلِيسٍ مِنْهُ وَتَغْرِيرٍ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِذَلِكَ مِنْ كَاتِمٍ لَهُ وَذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ جَرَى عَلَيْهِ هُنَا لَكِنَّهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ رَدَّ مَا هُنَا وَقَالَ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا فِي أَصْلِهَا السَّالِمِ مِنْ الْإِيهَامِ
( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْحُكْمِ إلَخْ ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا لَوْ أَقَامَ الْقَاضِي الْحَدَّ بِطَلَبِ الْخَصْمِ عَلَى خَصْمِهِ وَظَهَرَ مُسْتَنَدُ الطَّالِبِ فَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي بِهِ ثُمَّ بَانَ الطَّالِبُ مِنْ فُرُوعِ الْحَاكِمِ أَوْ مِنْ أُصُولِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَهَلْ نَقُولُ كَمَا لَوْ بَانَ الْخَلَلُ فِي الشُّهُودِ أَوْ نَقُولُ الشُّهُودُ مِنْ شَأْنِهِمْ وَشَأْنُهُ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَلَا كَذَلِكَ الْخَصْمُ .
فَأَجَابَ بِأَنِّي لَمْ أَرَهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ ضَمَانٌ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الْخَصْمُ أَقَرَّ وَأَمَّا إنْ كَانَ بِالْبَيِّنَةِ فَالْبَيِّنَةُ لَا خَلَلَ فِيهَا وَالْخَلَلُ فِي نُفُوذِ حُكْمِ الْقَاضِي هَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْخَلَلِ فِي الشُّهُودِ هَذَا مَحَلُّ التَّرَدُّدِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانٌ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ قَدْ يُحَالِفُ هَذَا ( قَوْلُهُ أَوْ فَاسِقَيْنِ ) أَيْ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ أَوْ عَدُوَّيْنِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ أَصْلَيْنِ أَوْ فَرْعَيْنِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ تَبَيَّنَ أَحَدُهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَوْ حَدَّهُ فِي الزِّنَا بِأَرْبَعَةٍ فَبَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ كَذَلِكَ وَلَوْ بَانَ أَنَّ الطَّالِبَ لِلْحَدِّ أَصْلٌ لِلْحَاكِمِ أَوْ فَرْعٌ لَهُ وَقَدْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَاكِمِ مِنْ ذَلِكَ ضَمَانٌ ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْحَاكِمِ الْبَحْثُ عَنْ الشُّهُودِ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ الْبَحْثُ عَنْ الْخَصْمِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَنْدُرُ وَلَا يَخْطِرُ بِبَالِهِ مِنْ كَوْنِ الْخَصْمِ أَصْلًا لِلْحَاكِمِ أَوْ فَرْعًا لَهُ ( قَوْلُهُ : إلَّا عَلَى مُتَجَاهِرٍ بِالْفِسْقِ ) دَخَلَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ كَانَا مَحْجُورَيْنِ بِسَفَهٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا كَالْمُرَاهِقَيْنِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمَا لَا يَصْلُحُ لِلِالْتِزَامِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا
( ، وَالضَّمَانُ ) فِي التَّلَفِ بِاسْتِيفَاءِ الْجَلَّادِ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ بِأَمْرِ الْإِمَامِ ( عَلَى الْإِمَامِ لَا ) عَلَى ( الْجَلَّادِ ) ؛ لِأَنَّهُ آلَتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي السِّيَاسَةِ وَلَوْ ضَمَّنَاهُ لَمْ يَتَوَلَّ الْجَلْدَ أَحَدٌ لَكِنْ اسْتَحَبَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُكَفِّرَ لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ ( فَإِنْ عَلِمَ ظُلْمَ الْإِمَامِ ) أَوْ خَطَأَهُ فِي أَمْرِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَصْلِ ( وَلَمْ يُكْرِهْهُ ) عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ ( فَعَكْسُهُ ) أَيْ فَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ لَا الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ ذَلِكَ فَكَانَ حَقُّهُ الِامْتِنَاعَ نَعَمْ إنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ لَا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَخْفَى نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ صَاحِب الْوَافِي وَأَقَرَّهُ ( وَإِنْ أَكْرَهَهُ ) عَلَيْهِ ( فَعَلَيْهِمَا ) الضَّمَانُ ( وَإِنْ أَمَرَهُ فِي ) حَدِّ ( الشُّرْبِ بِسِتِّينَ فَضَرَبَهُ ثَمَانِينَ وَمَاتَ فَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( رُبْعُ الدِّيَةِ ) تَوْزِيعًا لِلزَّائِدِ عَلَيْهِمَا ( وَإِنْ اعْتَقَدَ الْإِمَامُ ، وَالْجَلَّادُ تَحْرِيمَ قَتْلِ الْحُرِّ بِالْعَبْدِ ) أَوْ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ( أَوْ ) اعْتَقَدَهُ ( الْجَلَّادُ وَحْدَهُ فَقَتَلَهُ الْجَلَّادُ امْتِثَالًا ) لِأَمْرِ الْإِمَامِ ( بِلَا إكْرَاهٍ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ الِامْتِنَاعُ ( أَوْ بِالْعَكْسِ ) بِأَنْ اعْتَقَدَهُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَقَتَلَهُ الْجَلَّادُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ ( فَلَا ) قِصَاصَ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى الْإِمَامِ ( وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ ) حَجَمَ أَوْ ( فَصَدَ ) غَيْرَهُ ( أَوْ قَطَعَ سِلْعَةً ) مِنْهُ ( بِإِذْنٍ مُعْتَبَرٍ ) بِأَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ أَوْ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ إمَامٍ فَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى التَّلَفِ لِمَا مَرَّ فِي الْجَلَّادِ
( قَوْلُهُ : نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي وَأَقَرَّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ إلَخْ ) قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ أَخْطَأَ الطَّبِيبُ فِي الْمُعَالَجَةِ وَحَصَلَ مِنْهُ التَّلَفُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَكَذَا مَنْ يُطَبِّبُ بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يَعْرِفْ الطِّبَّ فَهُوَ ضَامِنٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
( الْبَابُ الثَّانِي ) ( فِي حُكْمِ الصَّائِلِ ) مُشْتَقٌّ مِنْ الصِّيَالِ وَهُوَ الِاسْتِطَالَةُ ، وَالْوُثُوبُ ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى { فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } وَخَبَرُ الْبُخَارِيِّ { اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا } ، وَالصَّائِلُ ظَالِمٌ فَيُمْنَعُ مِنْ ظُلْمِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ وَخَبَرُ { مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } ( يَجُوزُ ) لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ ( دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ ) مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ حُرٍّ أَوْ رَقِيقٍ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَبَهِيمَةٍ عَنْ كُلِّ مَعْصُومٍ مِنْ نَفْسٍ وَطَرَفٍ ) وَمَنْفَعَةٍ ( وَبُضْعٍ وَمُقَدِّمَاتِهِ ) مِنْ تَقْبِيلٍ وَمُعَانَقَةٍ وَنَحْوِهَا ( وَمَالٍ وَإِنْ قَلَّ ) نَعَمْ لَوْ مَالَ مُكْرَهًا عَلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ إنْ بَقِيَ رُوحُهُ بِمَالِهِ كَمَا يُنَاوِلُ الْمُضْطَرَّ طَعَامَهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا دَفْعُ الْمُكْرَهِ وَكَالْمَالِ الِاخْتِصَاصَاتُ مِنْ جِلْدِ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ ، فَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ وَلَا قِيمَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ ، وَالضَّمَانِ مُنَافَاةٌ .
( وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ عَنْ ذِمِّيٍّ وَوَالِدٍ عَنْ وَلَدِهِ وَسَيِّدٍ عَنْ عَبْدِهِ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مَظْلُومُونَ ( وَ ) دَفْعُ ( مَالِكٍ عَنْ إتْلَافِ مِلْكِهِ ) بِإِحْرَاقٍ أَوْ تَغْرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ ( فَلَوْ كَانَ ) الْمِلْكُ الَّذِي أَرَادَ مَالِكُهُ إتْلَافَهُ ( حَيَوَانًا وَجَبَ دَفْعُهُ ) عَنْهُ لِحُرْمَتِهِ ( وَيَضْمَنُ جَرَّةً ) سَقَطَتْ عَلَيْهِ مِنْ عُلُوٍّ ( لَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا ) وَكَسَرَهَا إذْ لَا قَصْدَ لَهَا بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ ، وَالْبَهِيمَةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً بِمَحَلِّ عُدْوَانٍ كَأَنْ وُضِعَتْ بِرَوْشَنٍ أَوْ عَلَى مُعْتَدِلٍ لَكِنَّهَا مَائِلَةٌ
لَمْ يَضْمَنْهَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالْأَوْلَى إبْدَالُ قَوْلِهِ عُدْوَانٍ بِيَضْمَنُ بِهِ ( وَ ) يَضْمَنُ ( بَهِيمَةً لَمْ تُخَلِّ جَائِعًا ) أَيْ لَمْ تَتْرُكْهُ ( وَطَعَامَهُ ) بِأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ ( إلَّا بِقَتْلِهَا ) وَقَتَلَهَا ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْصِدْهُ ، وَقَتْلُهُ لَهَا لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْ نَفْسِهِ بِالْجُوعِ فَكَانَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ غَيْرِهِ ، فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَحُّ هُنَا نَفْيَ الضَّمَانِ كَمَا لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ فَوَطِئَهَا الْمُحْرِمُ وَقَتَلَ بَعْضَهَا انْتَهَى وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِلَّهِ وَهُنَا لِلْآدَمِيِّ
( الْبَابُ الثَّانِي فِي الصِّيَالِ ) ( قَوْلُهُ : وَخَبَرُ { مَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ } إلَخْ ) وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ شَهِيدًا دَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ كَمَا أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ لَمَّا كَانَ شَهِيدًا لَهُ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ ( قَوْلُهُ : مِنْ نَفْسٍ وَبُضْعٍ وَمُقَدِّمَاتٍ إلَخْ ) لَوْ صَالَ قَوْمٌ عَلَى النَّفْسِ وَالْبُضْعِ وَالْمَالِ قُدِّمَ الدَّفْعُ عَنْ النَّفْسِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْبُضْعِ وَالْمَالِ وَالدَّفْعُ عَنْ الْبُضْعِ عَلَى الدَّفْعِ عَنْ الْمَالِ وَالْمَالُ الْخَطِيرُ عَلَى الْحَقِيرِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَقِيرِ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ صَالَ اثْنَانِ عَلَى مُتَسَاوِيَيْنِ فِي نَفْسَيْنِ أَوْ بُضْعَيْنِ أَوْ مَالَيْنِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ دَفْعُهُمَا مَعًا دَفَعَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَوْ صَالَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَبِيٍّ بِاللِّوَاطِ وَالْآخَرُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبْدَأَ بِصَاحِبِ الزِّنَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّمَ الْآخَرُ إذْ لَيْسَ إلَى حَمْلِهِ سَبِيلٌ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ شَهَامَةِ الرِّجَالِ د وَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ( قَوْلُهُ : وَمَالٍ وَإِنْ قَلَّ ) أَيْ كَفَلَسٍ ( قَوْلُهُ : بَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَقِيَ رُوحَهُ بِمَالِهِ ) مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ ذِي الرُّوحِ مِنْ الْآدَمِيِّ الْمُحْتَرَمِ وَكَتَبَ أَيْضًا كَأَنَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ آدَمِيًّا مُحْتَرَمًا وَفِي الْبَهِيمَةِ وَقْفَةٌ غ ( قَوْلُهُ : كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ الْمُكَابَرَةِ عَلَى الْمَاءِ لِعَطَشِ الْكَلْبِ الْمُقْتَنَى ، وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الدَّفْعِ عَنْهُ لَا مَحَالَةَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أَرَادَ مَالَهُ أَوْ حَرِيمَهُ أَوْ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ جَازَ لَهُ دَفْعُهُ وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَا ضَمَانَ ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ فَلَا تُعْطِهِ قَالَ إنْ قَاتَلَنِي قَالَ قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي قَالَ أَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته قَالَ هُوَ فِي النَّارِ } .
( قَوْلُهُ : وَسَيِّدٍ عَنْ عَبْدِهِ ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ دَفْعُ الْآحَادِ عَنْ عَبْدِهِ الْمُرْتَدِّ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِ الْإِمَامِ وَكَذَا لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ الْمُتَحَتِّمِ رَجْمُهُ دَفْعُهُمْ عَنْ نَفْسِهِ غ وَيَدْفَعُ الذِّمِّيُّ عَنْ الْمُسْلِمِ الْمُتَحَتِّمِ قَتْلُهُ بِزِنًا أَوْ قَطْعِ طَرِيقٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ مَعْصُومٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ كَانَ حَيَوَانًا وَجَبَ دَفْعُهُ عَنْهُ ) لِحُرْمَتِهِ وَفَارَقَ عَدَمَ .
وُجُوبِ دَفْعِ الْمُسْلِمِ عَنْ النَّفْسِ بِأَنَّ فِي قَتْلِهِ شَهَادَةً يُثَابُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ إتْلَافِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ قَالَ شَيْخُنَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ دَفْعِ الْمُسْلِمِ عَنْ الذِّمِّيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ لَهُ شَهَادَةُ كَاتِبِهِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهَا مَائِلَةٌ ) أَوْ عَلَى وَجْهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سُقُوطُهَا ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ كَالْبُلْقِينِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ لِلَّهِ تَعَالَى إلَخْ ) وَأَيْضًا فَإِزَالَةُ الْجُوعِ مُمْكِنَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ الطَّعَامِ
( فَصْلٌ ) ( وَيَجِبُ الدَّفْعُ ) لِلصَّائِلِ ( بِالْأَخَفِّ ) فَالْأَخَفِّ ( إنْ أَمْكَنَ كَالزَّجْرِ ) بِالْكَلَامِ أَوْ الصِّيَاحِ ( ثُمَّ الِاسْتِغَاثَةِ ) بِالنَّاسِ ( ثُمَّ الضَّرْبِ بِالْيَدِ ثُمَّ بِالسَّوْطِ ثُمَّ بِالْعَصَا ثُمَّ بِقَطْعِ عُضْوٍ ثُمَّ بِالْقَتْلِ ) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْأَثْقَلِ مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِالْأَخَفِّ نَعَمْ لَوْ الْتَحَمَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمَا وَانْسَدَّ الْأَمْرُ عَنْ الضَّبْطِ سَقَطَ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُ كَأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ أَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ لَمْ يَضُرَّ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ وَفَائِدَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ مَتَى خَالَفَ وَعَدَلَ إلَى رُتْبَةٍ مَعَ إمْكَانِ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهَا ضَمِنَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَمَحَلُّ رِعَايَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفَاحِشَةِ ، فَلَوْ رَآهُ قَدْ أَوْلَجَ فِي أَجْنَبِيَّةٍ فَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْقَتْلِ وَإِنْ انْدَفَعَ بِدُونِهِ ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مُوَاقِعٌ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالْأَنَاةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا فِي الْمَعْصُومِ وَأَمَّا غَيْرُهُ كَالْحَرْبِيِّ ، وَالْمُرْتَدِّ فَلَهُ الْعُدُولُ إلَى قَتْلِهِ لِعَدَمِ حُرْمَتِهِ ( وَإِنْ حَالَ ) بَيْنَهُمَا ( نَهْرٌ وَخَافَ ) أَنَّهُ ( إنْ عَبَرَهُ غَلَبَهُ فَلَهُ رَمْيُهُ وَمَنْعُهُ الْعُبُورَ وَإِنْ ضَرَبَهُ ) ضَرَبَهُ مَثَلًا ( فَهَرَبَ أَوْ بَطَلَ صِيَالُهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ ) ثَانِيَةً ( ضَمِنَ الثَّانِيَةَ ) بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ ( فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا فَنِصْفُ دِيَةٍ ) تَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ .
( فَإِنْ عَادَ ) بَعْدَ الضَّرْبَتَيْنِ ( وَصَالَ ضَرَبَهُ ثَالِثَةً ) فَمَاتَ مِنْ الثَّلَاثِ ( فَثُلُثُهَا ) أَيْ الدِّيَةِ تَلْزَمُهُ ( وَلَهُ دَفْعُ مَنْ قَصَدَهُ ) بِالصِّيَالِ ( قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَهُ ) مَنْ قَصَدَهُ ( وَلَوْ كَانَ يَنْدَفِعُ بِالْعَصَا فَلَمْ يَجِدْ إلَّا سَيْفًا ) أَوْ سِكِّينًا ( ضَرَبَهُ بِهِ ) إذْ لَا
يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إلَّا بِهِ وَلَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّقْصِيرِ بِتَرْكِ اسْتِصْحَابِ عَصًا وَنَحْوِهِ ( ، فَإِنْ أَمْكَنَ ) دَفْعُهُ بِهِ ( بِلَا حَرَجٍ ) لَهُ ( فَجَرَحَ ضَمِنَ ) بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ ( وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ أَوْ التَّخَلُّصُ ) بِنَحْوِ تَحَصُّنٍ بِمَكَانٍ حَصِينٍ أَوْ الْتَجَأَ إلَى فِئَةٍ ( لَزِمَهُ ) ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَخْلِيصِ نَفْسِهِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَهُ حِينَئِذٍ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيّ الْمَنْعُ ، فَإِنَّهُ قَالَ تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ قَالَ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ وُجُوبَ الْهَرَبِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ مَالِهِ وَلَا عَنْ حُرَمِهِ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ الْهَرَبُ بِهِنَّ
( قَوْلُهُ : كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُؤَدِّي مُرَاعَاتُهُ لِلْبُدَاءَةِ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ إلَى هَلَاكِهِ ع ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَمَحَلُّ رِعَايَةِ ذَلِكَ إلَخْ ) هَذَا رَأْيٌ مَرْجُوحٌ وَالْأَصَحُّ فِيهِ مُرَاعَاةُ التَّدْرِيجِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَأَصْلِهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مَا يُخَالِفُهُ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ ) أَيْ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ ( قَوْلُهُ : وَمَتَى أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ أَوْ التَّخَلُّصُ لَزِمَهُ ) مَحَلُّ لُزُومِ الْهَرَبِ فِي غَيْرِ الصَّائِلِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ فَفِيهِمَا لَا يَجِبُ الْهَرَبُ بَلْ لَا يَجُوزُ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَحْرُمُ فِيهَا الْفِرَارُ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ قَاتَلَهُ حِينَئِذٍ فَقَتَلَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( عَضَّ ) شَخْصٌ ( يَدَهُ ) مَثَلًا ( خَلَّصَهَا ) مِنْهُ ( بِالْأَخَفِّ ) فَالْأَخَفِّ ( مِنْ فَكِّ لَحْيٍ وَضَرْبِ فَمٍ لَا غَيْرِهِ ) أَيْ لَا بِغَيْرِهِ ( إلَّا إنْ احْتَاجَ فِي ) التَّخْلِيصِ إلَى ( أَنْ يَبْعَجَ ) أَيْ يَفْتُقَ ( بَطْنَهُ ) أَوْ أَنْ يَخْلَعَ لَحْيَيْهِ أَوْ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ نَحْوَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِنْذَارُ بِالْقَوْلِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إمْكَانِ التَّخْلِيصِ بِدُونِ مَا دَفَعَ بِهِ صُدِّقَ الدَّافِعُ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ تَخْلِيصِهَا ( وَنَزْعِهَا فَسَقَطَتْ أَسْنَانُهُ أُهْدِرَتْ ) كَنَفْسِهِ ( وَإِنْ كَانَ الْعَاضُّ مَظْلُومًا ؛ لِأَنَّ الْعَضَّ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ ) وَقَدْ { أَهْدَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ثَنِيَّةَ الْعَاضِّ ، وَقَالَ أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ } ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَعْضُوضُ غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمُرْتَدٍّ فَلَيْسَ لَهُ مَا ذُكِرَ ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُهْدَرْ الْعَاضُّ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَ قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ الْعَضُّ بِحَالٍ حَمَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ عَلَى مَا إذَا أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ بِلَا عَضٍّ وَإِلَّا فَهُوَ حَقٌّ لَهُ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ
( قَوْلُهُ : كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ ) قَالَ شَيْخُنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى إنْذَارٍ لَا يُفِيدُ ، فَإِنْ أَفَادَ قَدَّمَهُ أَخْذًا مِمَّا سَيَأْتِي فِي الرَّمْيِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلْيَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ صَائِلٍ وَكَتَبَ أَيْضًا عُلِمَ مِنْهُ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ فَلَوْ عَدَلَ عَنْ الْأَخَفِّ مَعَ إمْكَانِهِ ضَمِنَ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِطْلَاقُ كَثِيرٍ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّ يَدَهُ أَوْ لَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ كَانَتْ مُهْدَرَةً وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْوَجْهُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ رَتَّبَ لَأَفْسَدَهَا الْعَاضُّ قَبْلَ التَّخَلُّصِ مِنْ فِيهِ ا هـ وَهُوَ جَلِيٌّ وَمِثْلُهُ لَوْ بَادَرَ لِشِدَّةِ الْأَلَمِ وَعَدَمِ إمْكَانِ الصَّبْرِ لِمُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ قَوْلُهُ : قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : حَمَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ ) ( لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ الْمَالِ ) غَيْرِ ذِي الرُّوحِ ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْمَالِ جَائِزَةٌ نَعَمْ إنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ وَقْفٍ أَوْ مَالًا مُودَعًا وَجَبَ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الدَّفْعُ عَنْهُ قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَكَذَا إنْ كَانَ مَالُهُ وَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ كَرَهْنٍ وَإِجَارَةٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَيَجِبُ ) الدَّفْعُ عَنْ ( الْحَرَمِ ) أَيْ النِّسَاءِ ( إنْ أَمِنَ الْهَلَاكَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْإِبَاحَةِ فِيهِنَّ بِخِلَافِ الْمَالِ وَتَعْبِيرُهُ بِالْحَرَمِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِالْأَهْلِ ، وَالْمُرَادُ الدَّفْعُ عَنْ الْبُضْعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ ( وَكَذَا ) يَجِبُ الدَّفْعُ ( عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ ) الْمُحْتَرَمَيْنِ ( إنْ قَصَدَهُ كَافِرٌ ) وَلَوْ مَعْصُومًا إذْ غَيْرُ الْمَعْصُومِ لَا حُرْمَةَ لَهُ ، وَالْمَعْصُومُ بَطَلَتْ حُرْمَتُهُ بِصِيَالِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِسْلَامَ لِلْكَافِرِ ذُلٌّ فِي الدِّينِ ( أَوْ بَهِيمَةٌ ) ؛ لِأَنَّهَا تُذْبَحُ لِاسْتِيفَاءِ الْآدَمِيِّ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِسْلَامِ بِهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ عُضْوَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَنَفْسِهِ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْ غَيْرِهِ إذَا أُمِنَ الْهَلَاكُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( لَا ) إنْ قَصَدَهُ ( مُسْلِمٌ وَلَوْ مَجْنُونًا و مُرَاهِقًا ) أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { كُنْ خَيْرَ ابْنَيْ آدَمَ يَعْنِي قَابِيلَ وَهَابِيلَ } وَلِمَنْعِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُبَيْدَةَ مِنْ الدَّفْعِ يَوْمَ الدَّارِ وَقَالَ مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِمَحْقُونِ الدَّمِ لِيَخْرُجَ غَيْرُهُ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ وَتَارِكِ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ ظَهَرَ فِي بَيْتٍ خَمْرٌ يُشْرَبُ أَوْ طُنْبُورٌ يُضْرَبُ ) أَوْ نَحْوُهُ ( فَلَهُ الْهُجُومُ ) عَلَى مُتَعَاطِيهِ ( لِإِزَالَتِهِ ) نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا فَلَهُ قِتَالُهُمْ (
وَإِنْ أَتَى عَلَى النَّفْسِ ) وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَبَّرُوا هُنَا بِالْوُجُوبِ وَهُوَ لَا يُنَافِي تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ كَالْأَصْحَابِ بِالْجَوَازِ إذْ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَلْ أَنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ ارْتِكَابِ ذَلِكَ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ
( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ مَالَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ إلَخْ ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَهْمَا قَدَرَ عَلَى حِفْظِ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الضَّيَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنَالَهُ تَعَبٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ أَوْ نَقْصٌ فِي جَاهِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْآحَادِ أَمَّا الْإِمَامُ وَنُوَّابُهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الدَّفْعُ عَنْ أَمْوَالِ رَعَايَاهُمْ عِنْدَ الْمُكْنَةِ ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ مَهْمَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : إنْ أُمِنَ الْهَلَاكُ ) وَظَاهِرٌ أَنَّ عُضْوَهُ وَمَنْفَعَتَهُ كَنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ ) وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَقْصُودِ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا حُرًّا أَوْ عَبْدًا قَصَدَهُ سَيِّدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ غَيْرُهُمَا وَهُوَ صَحِيحٌ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمَقْصُودِ مَحْقُونَ الدَّمِ غ ( قَوْلُهُ : إنْ قَصَدَهُ الْكَافِرُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا ، فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إذَا قَصَدَهُ كَافِرٌ لَكِنْ يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِسْلَامِ لَهَا ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ طَلَبَتْ الْبَهِيمَةُ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الدَّفْعُ لِإِهْدَارِ دَمِهِمَا ( قَوْلُهُ : أَوْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ ) أَيْ بِقَطْعِ عُضْوِهِ أَوْ نَحْوِهِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَجِبُ دَفْعُهُ بَلْ يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ ) وَعَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِغَيْرِ قَتْلِهِ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَاسْتَثْنَاهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ ، وَقَالَ : إنَّهُ يَجِبُ قَطْعًا وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ إنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِلَا تَفْوِيتِ رُوحٍ أَوْ عُضْوٍ وَجَبَ ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِتَفْوِيتِ رُوحِهِ أَوْ عُضْوِهِ وَلَمْ نُوجِبْ الْهَرَبَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ :
إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَيَّدَهُ بِتَرْجِيحِهِمْ وُجُوبَ الْهَرَبِ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ إلَّا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الدَّفْعِ بِلَا قَتْلٍ أَوْ تَفْوِيتِ عُضْوٍ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ الْعُضْوِ عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا شَهَادَةٌ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَنْ النَّفْسِ إذَا أَمْكَنَ عِنْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ فَاسِدٌ فِي الْحَرِيمِ وَالْأَطْفَالِ وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ نَبِيًّا وَجَبَ الدَّفْعُ عَنْهُ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
وَكَذَا قَوْلُهُ : إنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَنْ النَّفْسِ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَفْهُومُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَاصِدُ عُضْوِهِ لَيْسَ كَقَاصِدِ قَتْلِهِ وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى جَوَازِ الدَّفْعِ وَسَكَتُوا عَنْ وُجُوبِهِ فِيمَا عُلِمَ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ عِنْدَ ظَنِّ السَّلَامَةِ إذْ لَا شَهَادَةَ هُنَا وَلَوْ كَانَ إمَامًا عَادِلًا أَوْ بَطَلًا شُجَاعًا أَوْ عَالِمًا وَفِي قَتْلِهِ إضْرَارٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَوَهْنٌ فِي الدِّينِ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِسْلَامِ نَظَرٌ وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ مَفَاسِدُ فِي الْحَرِيمِ وَالْأَوْلَادِ بِالسَّبْيِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الطُّغَاةِ وَالْخَوَارِجِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِسْلَامُ مَعَ إمْكَانِ الدَّفْعِ قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَلِمَنْعِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عُبَيْدَةَ ) وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ شَهَادَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا ( قَوْلُهُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ ) إنَّمَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِحَلِفِ الْوَلِيِّ إذَا قُلْنَا بِهِ فِي مَسْأَلَةِ قَدِّ الْمَلْفُوفِ وَنَحْوِهَا أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ فِيهَا
وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ ( قَوْلُهُ : وَقَيَّدَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَكَتَبَ أَيْضًا وَصَرَّحَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ بِأَنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَقَاطِعَ الطَّرِيقِ الْقَاتِلَ كَالْكَافِرِ ( قَوْلُهُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ الْمُصِرُّ ) عَلَى الِامْتِنَاعِ ( قَوْلُهُ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَبَّرُوا وَإِلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( وَيَجِبُ دَفْعُ الزَّانِي عَنْ الْمَرْأَةِ ) وَلَوْ أَجْنَبِيَّةً وَهَذَا عُلِمَ مِنْ وُجُوبِ الدَّفْعِ عَنْ الْحَرَمِ ( فَإِنْ انْدَفَعَ ) بِغَيْرِ الْقَتْلِ ( فَقَتَلَهُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ ثُمَّ قَتَلَهُ ( اُقْتُصَّ مِنْهُ لَا فِي ) قَتْلِ زَانٍ ( مُحْصَنٍ ) فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا مَرَّ فِي الْجِنَايَاتِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ ) بِغَيْرِ الْقَتْلِ ( وَأَفْضَى ) الدَّفْعُ ( إلَى الْقَتْلِ وَطُولِبَ ) الْقَاتِلُ بِالْقِصَاصِ ( كَفَاهُ شَاهِدَانِ ) يَشْهَدَانِ ( أَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ الْمَرْأَةِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ) لَهُ ( شُهُودٌ حَلَفَ الْوَرَثَةُ ) أَيْ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِمَا قَالَهُ الْقَاتِلُ وَاقْتَصُّوا مِنْهُ ( فَإِنْ كَانُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( اثْنَيْنِ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكِلَ الْآخَرُ ) وَحَلَفَ لَهُ الْقَاتِلُ ( فَلِلْحَالِفِ ) عَلَيْهِ ( نِصْفُ الدِّيَةِ ، فَإِنْ كَانَ الْآخَرُ صَبِيًّا لَمْ يُقْتَصَّ ) مِنْ الْقَاتِلِ ( حَتَّى يَبْلُغَ ) الصَّبِيُّ فَيَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ فَيَحْلِفَ وَارِثُهُ ثُمَّ يُقْتَصَّ مِنْ الْقَاتِلِ ( فَإِنْ أَخَذَ الْبَالِغُ ) وَهُوَ الْحَالِفُ ( نِصْفَ الدِّيَةِ أَخَذَ لِلصَّبِيِّ ) أَيْ أَخَذَ لَهُ وَلِيُّهُ أَيْضًا ( فَإِنْ بَلَغَ وَحَلَفَ مُكِّنَ ) مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا أُخِذَ لَهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ نَكَلَ حَلَفَ الْقَاتِلُ ( فَلَا شَيْءَ لَهُ ) وَرُدَّ لِلْقَاتِلِ مَا أُخِذَ لَهُ ( وَإِنْ قَالَ ) الْقَاتِلُ ( زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَقَتَلَتْهُ ) ( اُشْتُرِطَ ) فِي ثُبُوتِ الزِّنَا ( أَرْبَعَةٌ ) كَمَا جَاءَ فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شُهُودٌ أَرْبَعَةٌ ( حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ ) أَيْ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ ( عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ) بِمَا قَالَهُ الْقَائِلُ ( وَاقْتَصُّوا ) مِنْهُ ( وَإِنْ أَقَرُّوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( بِاسْتِمْتَاعٍ غَيْرِ الْجِمَاعِ ) كَأَنْ أَقَرُّوا أَنَّ مُوَرِّثَهُمْ كَانَ مَعَهَا تَحْتَ ثَوْبٍ يَتَحَرَّكُ تَحَرُّكَ الْمُجَامِعِ وَأَنْزَلَ وَلَمْ يُقِرُّوا بِجِمَاعٍ ( لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ ) عَنْ الدَّافِعِ ( فَإِنْ ادَّعَى الْوَرَثَةُ ) مَعَ إقْرَارِهِمْ بِجِمَاعِهِ ( بَكَارَتَهُ فَالْقَوْلُ
قَوْلُهُمْ ) وَعَلَى الْقَاتِلِ الْبَيِّنَةُ بِالْإِحْصَانِ
قَوْلُهُ لَمْ يَسْقُطْ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ ) إنَّمَا يَظْهَرُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِحَلِفِ الْوَلِيِّ إذَا قُلْنَا بِهِ فِي مَسْأَلَةٍ قَدِّ الْمَلْفُوفِ وَنَحْوِهَا أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ فِيهَا وَهُوَ وُجُوبُ الدِّيَةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ
( وَمَنْ قَطَعَ يَمِينَ السَّارِقِ أَوْ مُحَارِبٍ ) بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( اُحْتُسِبَ بِهِ ) عَنْ الْحَدِّ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِقَطْعِهَا ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةُ الْإِزَالَةِ ( وَعُزِّرَ ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ ( وَلَوْ جَلَدَ ) شَخْصٌ ( زَانِيًا أَوْ قَاذِفًا ) بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ( لَمْ يُحْتَسَبْ بِهِ ) عَنْ الْحَدِّ ؛ لِأَنَّ الْجَلْدَ يَخْتَلِفُ وَقْتًا وَمَحَلًّا بِخِلَافِ الْقَطْعِ ، وَالتَّرْجِيحُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ هُنَا وَصَرَّحَ بِهِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ فِي بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ ( فَلَوْ مَاتَ ) مِنْ جَلْدِهِ بِجَلْدِهِ ( لَزِمَهُ الْقِصَاصُ ) وَإِنْ عَاشَ أُعِيدَ عَلَيْهِ الْحَدُّ
( فَصْلٌ ) ( لَهُ ) أَيْ لِلشَّخْصِ ( رَمْيُ عَيْنِ رَجُلٍ وَكَذَا امْرَأَةٌ ) أَوْ خُنْثَى ( أَوْ مُرَاهِقٍ حَالَ نَظَرِهِ ) وَلَوْ مَنْ مَلَكَهُ ( إلَى امْرَأَتِهِ ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ إلَى حُرْمَتِهِ ( فِي دَارِهِ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { لَوْ اطَّلَعَ أَحَدٌ فِي بَيْتِك وَلَمْ تَأْذَنْ لَهُ فَحَذَفْته بِحَصَاةٍ فَفَقَأْت عَيْنَهُ مَا كَانَ عَلَيْك مِنْ جُنَاحٍ } وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا ابْنُ حِبَّانَ ، وَالْبَيْهَقِيُّ { فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ } ، وَالْمَعْنَى فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ النَّظَرِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْحُرْمَةُ مَسْتُورَةً أَمْ لَا وَلَوْ فِي مُنْعَطَفٍ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّهُ يُرِيدُ سَتْرَهَا عَنْ الْأَعْيُنِ وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً بِثِيَابٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى تَسْتَتِرُ وَتَنْكَشِفُ فَيَحْسِمُ بَابَ النَّظَرِ وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ لِلْمَنْظُورَةِ وَإِنَّ الْأَمْرَدَ ، وَالْأَمَةَ كَالْمَرْأَةِ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا وَجَازَ رَمْيُ الْمُرَاهِقِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ كَالْبَالِغِ ، وَالرَّمْيُ تَعْزِيرٌ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّائِلِ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ بَهِيمَةً وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْأَجْنَبِيُّ فَلَيْسَ لَهُ رَمْيُ النَّاظِرِ ( لَا ) حَالَ نَظَرِهِ ( فِي مَسْجِدٍ وَشَارِعٍ ) فَلَيْسَ لَهُ رَمْيُ عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلِأَنَّهُ الْهَاتِكُ حُرْمَتَهُ .
( وَكَذَا ) رَمْيُهُ حَالَ نَظَرِهِ ( إلَيْهِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ ) لِمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَسْتُورِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ الرَّمْيِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الْأَقْوَى لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَرْمِيهِ إذَا كَانَ نَظَرُهُ ( مِنْ كُوَّةٍ ) ضَيِّقَةٍ ( وَشِقِّ بَابٍ ) مَرْدُودٍ ( وَكَذَا مِنْ سَطْحِهِ ) أَيْ النَّاظِرِ ( وَمَنَارَةٍ ) إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ وَيَجُوزُ لَهُ رَمْيُهُ ( وَلَوْ قَبْلَ إنْذَارِهِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا إذَا لَمْ يُفِدْ الصِّيَاحُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ ، فَإِنْ كَانَ
يُفِيدُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ ) قَبْلَ رَمْيِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْإِمَامِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُلْ مَا لَا يُوثَقُ بِكَوْنِهِ دَافِعًا وَيَخَافُ مِنْ الِابْتِدَاءِ بِهِ مُبَادَرَةَ الصَّائِلِ لَا يَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا ( وَإِذَا جَازَ ) لَهُ ( الرَّمْيُ رَمَاهُ بِشَيْءٍ خَفِيفٍ ) تُقْصَدُ الْعَيْنُ بِمِثْلِهِ ( كَحَصَاةٍ وَإِنْ أَعْمَاهَا ) لِمَا مَرَّ ( فَإِنْ أَصَابَ قَرِيبًا مِنْهَا ) بِلَا قَصْدٍ فَجَرَحَهُ ( فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ ) لِقُرْبِ الْخَطَأِ مِنْهَا إلَيْهِ ( إلَّا إنْ بَانَ ) الْمَرْمِيُّ ( أَعْمَى ) فَيَضْمَنُهُ الرَّامِي وَإِنْ جَهِلَ عَمَاهُ قَالَ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَكَذَا بَصِيرٌ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِنَظَرِهِ ( وَلَوْ أَصَابَ مَا لَا يُخْطِئُ إلَيْهِ رَامِي الْعَيْنِ ) بِأَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا ( ضَمِنَ ) لِبُعْدِ الْخَطَأِ مِنْهَا إلَيْهِ ( وَإِنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ يَقْتُلُ أَوْ نُشَّابٍ أَوْ قَصَدَ عُضْوًا آخَرَ ) وَلَوْ قَرِيبًا ( وَجَبَ الضَّمَانُ ) نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَجَرِ ، وَالنُّشَّابِ جَازَ كَنَظِيرِهِ فِي الصِّيَالِ فِيمَا إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ بِالْعَصَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا السَّيْفَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْأَخِيرَةِ إذَا أَمْكَنَهُ رَمْيُ عَيْنِهِ .
( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَمْيُ عَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَنْدَفِعْ ) بِرَمْيِهِ بِالْخَفِيفِ ( اسْتَغَاثَ عَلَيْهِ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ غَوْثٍ أَحْبَبْت أَنْ يُنْشِدَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( ثُمَّ لَهُ ) إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِالِاسْتِغَاثَةِ ( ضَرَبَهُ بِسِلَاحٍ ) وَيَنَالُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ ، فَإِنْ لَمْ يَنَلْ مِنْهُ شَيْئًا عَاقَبَهُ السُّلْطَانُ ( وَيَحْرُمُ رَمْيُ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاطِّلَاعَ ) بِأَنْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ وَقَعَ نَظَرُهُ اتِّفَاقًا وَعَلِمَ صَاحِبُ الدَّارِ الْحَالَ ( وَلَوْ ) الْأَوْلَى قَوْلُ أَصْلِهِ ، فَلَوْ رَمَاهُ ثُمَّ ( ادَّعَى ) هُوَ ( عَدَمَ الْقَصْدِ ) أَوْ عَدَمَ الِاطِّلَاعِ ( لَمْ يُصَدَّقْ ) فَلَا
شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِوُجُودِ الِاطِّلَاعِ ظَاهِرًا وَقَصْدُهُ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا ذَهَابٌ إلَى جَوَازِ الرَّمْيِ بَلْ تَحَقَّقَ قَصْدُهُ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهِ وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى .
وَظَاهِرُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ ذَهَابًا لِذَلِكَ إذْ لَا يُمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَفَّ الْأَمْرُ بِقَرَائِنَ يُعْرَفُ بِهَا الرَّامِي قَصْدَ النَّاظِرِ ( فَإِنْ كَانَ لَهُ ) أَيْ لِلنَّاظِرِ ( مَحْرَمٌ فِي الدَّارِ أَوْ زَوْجَةٌ أَوْ مَتَاعٌ لَمْ يَرْمِ ) لِشُبْهَةِ النَّظَرِ ( فَلَوْ كَانَتْ زَوْجَةُ السَّاكِنِ ) فِي الدَّارِ ( مَحْرَمًا لِلنَّاظِرِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الْعَوْرَةِ جَازَ الرَّمْيُ ) إذْ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ لِلْعَوْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ مَسْتُورَةً ( وَلَوْ نَظَرَ مِنْ بَابٍ مَفْتُوحٍ أَوْ كُوَّةٍ وَاسِعَةٍ لَمْ يُرْمَ ) لِتَقْصِيرِ صَاحِبِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُنْذِرَهُ فَيَرْمِيَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَغَيْرُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَاتِحُ لِلْبَابِ هُوَ النَّاظِرَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ رَبُّ الدَّارِ مِنْ إغْلَاقِهِ جَازَ الرَّمْيُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلِمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ رَمْيُ الْمَالِكِ ) النَّاظِرِ كَمَالِكِهَا ( وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ ) لَهَا ( ذَلِكَ ) لِحُرْمَةِ دُخُولِهِ لَهَا ( وَفِي الْمُسْتَعِيرِ وَجْهَانِ ) صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَرْمِيهِ قَالَ وَقَرَّبَهُ الْقَاضِي مِنْ السَّرِقَةِ ، وَالصَّحِيحُ فِيهَا الْقَطْعُ
( قَوْلُهُ : وَكَذَا امْرَأَةٍ ) قَيَّدَ الْبُلْقِينِيُّ مَسْأَلَةَ الْمَرْأَةِ بِمَا إذَا كَانَتْ النَّاظِرَةُ كَافِرَةً وَالْمَنْظُورُ إلَيْهَا مُسْلِمَةً وَفَرَّعْنَا عَلَى مَنْعِ نَظْرَةِ الْكَافِرَةِ لِلْمُسْلِمَةِ أَوْ نَظَرَتْ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ لِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ تَرْمِي وَاسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ النَّظَرُ بِقَصْدِ الْخِطْبَةِ أَوْ شِرَاءِ الْأَمَةِ حَيْثُ يُبَاحُ النَّظَرُ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الرَّمْيِ أَيْضًا لِلْمَرْأَةِ الْمَنْظُورِ إلَيْهَا وَلِمَحْرَمِهَا وَتَرَدَّدَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ خُنْثَى مُشْكِلًا أَيْ إلَى غَيْرِ عَوْرَتِهِ وَقَالَ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَرْمِيهِ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : يَثْبُتُ لِلْمَنْظُورَةِ ) أَيْ وَلِجَمِيعِ مَحَارِمِهَا ( قَوْلُهُ : وَإِنَّ الْأَمْرَدَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ كَالْبَالِغِ إلَخْ ) خَرَجَ بِهِ مَا إذَا كَانَ النَّظَرُ بِقَصْدِ الْخِطْبَةِ أَوْ شِرَاءِ الْأَمَةِ حَيْثُ يُبَاحُ النَّظَرُ فَلَا يَجُوزُ رَمْيُهُ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ رَمْيُهُ حَالَ نَظَرِهِ إلَيْهِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ نَظَرَ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُ رَمْيُهُمْ ؛ لِأَنَّهُ نَوْعُ حَدٍّ وَيَضْمَنُ ع قَالَ فِي الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ مِنْ مَحَارِمِهِ الَّذِينَ يَجْرِي بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ كَالْأَبْنَاءِ وَالْبَنَاتِ وَالْخَالَاتِ فَوَجْهَانِ ا هـ وَأَرْجَحُهُمَا جَوَازُ الرَّمْيِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَسْتُورِهَا ) أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِمَامُ هَذَا إذَا لَمْ يُفِدْ الصِّيَاحُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَهَذَا أَحْسَنُ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرُوهُ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ تَعَيُّنِ الْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْمَرْوَرُوذِيُّ وَكَذَا بَصِيرٌ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ )
أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ الْحَجَرِ وَالنُّشَّابِ جَازَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهَذَا ذَهَابٌ إلَى جَوَازِ الرَّمْيِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : أَيْ لِلنَّاظِرِ ) أَيْ حَالَ اطِّلَاعِهِ ( قَوْلُهُ : مَحْرَمٍ فِي الدَّارِ إلَخْ ) هَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا فِي الدَّارِ مُجَرَّدَ حُصُولِهَا فِيهَا أَوْ سُكْنَاهَا مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوَّلُ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ السَّكَنُ لَا الْحُصُولُ حَتَّى قَالَ دَخَلَتْ أُخْتُهُ دَارًا وَأَتْبَعَهَا النَّظَرَ جَازَ رَمْيُ عَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ مَحْرَمَهُ لَمْ تَسْكُنْ الدَّارَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ كَلَامُهُمْ وَمَالَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ ا ت ( قَوْلُهُ : الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا فِي الدَّارِ مُجَرَّدُ حُصُولِهَا فِيهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ مَحْرَمًا لِلنَّاظِرِ ) أَيْ أَوْ أَمَةً لَهُ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُنْذِرَهُ فَيَرْمِيَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ ) وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ ( قَوْلُهُ : وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : صَحَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَرْمِيهِ ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي الْقُوتِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ الْأَقْوَى وَجَرَى ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي الْبَهْجَةِ عَلَى مُقَابِلِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ وَقَرَّبَهُ الْقَاضِي إلَخْ ) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّهُ الْأَقْوَى وَجَرَى ابْنُ الْوَرْدِيِّ فِي الْبَهْجَةِ عَلَى مُقَابِلِهِ
( فَرْعٌ لَهُ دَفْعُ مَنْ دَخَلَ دَارِهِ أَوْ خَيْمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ) كَمَا يَدْفَعُهُ عَنْ سَائِرِ أَمْوَالِهِ ( وَ ) لَهُ ( اتِّبَاعُهُ إنْ أَخَذَ مَتَاعًا ) لَهُ ( وَقِتَالُهُ عَلَيْهِ ) إلَى أَنْ يَطْرَحَهُ وَإِنَّمَا يَدْفَعُهُ ( بَعْدَ الْإِنْذَارِ ) لَهُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الدَّفْعِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي النَّظَرِ إلَى الْحُرْمَةِ بِأَنَّ رَمْيَ الْعَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ كَقَطْعِ الْيَدِ فِي السَّرِقَةِ وَدَفْعِ الدَّاخِلِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا مَرَّ فِي تَخْلِيصِ الْيَدِ مِنْ عَاضِّهَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَهْدَرَ ثَنِيَّةَ الْعَاضِّ بِنَزْعِ الْمَعْضُوضِ يَدَهُ مِنْ فِيهِ لَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ وُجُودِ الْإِنْذَارِ وَعَدَمِهِ ( فَإِنْ قَتَلَهُ ) فِي دَارِهِ ( وَقَالَ دَفَعْتُهُ ) أَيْ إنَّمَا قَتَلْتُهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِي أَوْ مَالِي وَأَنْكَرَ الْوَلِيُّ ( فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ) بِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا وَيَكْفِي قَوْلُهَا ( أَنَّهُ دَخَلَ دَارِهِ شَاهِرًا سِلَاحَهُ ) وَإِنْ لَمْ تَقُلْ وَأَرَادَهُ بِالصِّيَالِ عَلَيْهِ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ ( وَلَا يَكْفِي ) قَوْلُهَا : إنَّهُ ( دَخَلَ بِسِلَاحٍ ) مِنْ غَيْرِ شَهْرٍ نَعَمْ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ( وَلَا يَتَعَيَّنُ ضَرْبُ رِجْلَيْهِ ) وَإِنْ كَانَ الدُّخُولُ بِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ قَصْدُ عُضْوٍ بِعَيْنِهِ ( وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ أُذُنِ مُسْتَرِقٍ سَمْعًا ) ، فَلَوْ أَلْقَى أُذُنَهُ بِشِقِّ الْبَابِ لِيَسْمَعَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُ إذْ لَيْسَ السَّمْعُ كَالْبَصَرِ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ
( قَوْلُهُ : قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا الْفَرْقِ ا هـ قَالَ بَعْضُهُمْ وَأَرَى أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ التَّطَلُّعَ لَا يَنْفَكُّ غَالِبًا عَنْ قَصْدٍ فَاسِدٍ بِخِلَافِ الدُّخُولِ ، فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ لِغَلَطٍ أَوْ طَلَبِ حَاجَةٍ أَوْ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ فَضُيِّقَ فِي الْأَوَّلِ وَوُسِّعَ فِي الثَّانِي ( قَوْلُهُ : فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذَلِكَ لِلْقَرِينَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
( فَصْلٌ ) ( لَوْ أَمْكَنَهُ الْهَرَبُ مِنْ فَحْلٍ صَائِلٍ ) عَلَيْهِ وَلَمْ يَهْرُبْ ( فَقَتَلَهُ ) دَفْعًا ( ضَمِنَ ) بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْهَرَبِ عَلَيْهِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ ( وَفِي حِلِّ أَكْلِ ) لَحْمِ الْفَحْلِ ( الصَّائِلِ ) الَّذِي تَلِفَ بِالدَّفْعِ ( إنْ أُصِيبَ مَذْبَحُهُ تَرَدُّدٌ ) أَيْ وَجْهَانِ وَجْهُ مَنْعِ الْحِلِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الذَّبْحَ ، وَالْأَكْلَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ ، وَالرَّاجِحُ الْحِلُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الصَّيْدِ ، وَالذَّبَائِحِ ( وَإِنْ قَطَعَ يَدَ صَائِلٍ دَفْعًا وَوَلَّى ) فَتَبِعَهُ ( فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَلَّى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ ( وَلَا شَيْءَ ) لَهُ ( فِي الْيَدِ ) ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَنْقُصُ بِنَقْصِ الْيَدِ وَلِهَذَا لَوْ قَتَلَ مَنْ لَهُ يَدَانِ مَنْ لَيْسَ لَهُ إلَّا يَدٌ قُتِلَ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَإِنْ صَالَ ) عَبْدٌ ( مَغْصُوبٌ أَوْ مُسْتَعَارٌ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ ) كُلٌّ مِنْ الْغَاصِبِ ، وَالْمُسْتَعِيرِ ( مِنْ الضَّمَانِ ) إذْ لَا أَثَرَ لِقَتْلِهِ دَفْعًا
( قَوْلُهُ : قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالرَّاجِحُ الْحِلُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ إلَخْ ) وَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ : إنَّهُ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَطَعَ يَدَ صَائِلٍ دَفْعًا وَوَلَّى فَتَبِعَهُ فَقَتَلَهُ قُتِلَ بِهِ ) قَالَ فِي الْأُمُّ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ فِي صَحْرَاءَ بِسِلَاحٍ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَدَ الَّذِي أُرِيدَ ثُمَّ وَلَّى عَنْهُ فَأَدْرَكَهُ فَذَبَحَهُ أَقَدْته مِنْهُ وَضَمَّنْت الْمَقْتُولَ دِيَةَ يَدِ الْقَاتِلِ ا هـ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ تَصْوِيرًا وَحُكْمًا وَلَفْظُ الْعُدَّةِ وَإِنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عِنْدَ الْقَصْدِ فَلَمَّا وَلَّى تَبِعَهُ وَقَتَلَهُ كَانَ لِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَ وَلَّى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ وَلِوَرَثَةِ الْمَقْصُودِ أَنْ يَرْجِعُوا فِي تَرِكَةِ الْقَاصِدِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِهَلَاكِهِ ا هـ فَبَانَ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الصَّائِلَ قَطَعَ يَدَ الْمَقْصُودِ وَوَلَّى فَتَبِعَهُ الْمَقْصُودُ الْمَقْطُوعُ الْيَدِ وَقَتَلَهُ
( الْبَابُ الثَّالِثُ ) ( فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ ) ( وَإِنْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ ) أَوْ دَابَّةً تَحْتَ يَدِهِ كَمَا سَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا رَاعٍ ( لَا طَيْرَهُ ) فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا ( ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا لَا نَهَارًا ) لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا بِخِلَافِهِ نَهَارًا لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَفْقُ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا ، وَالدَّابَّةِ لَيْلًا وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الطَّيْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِرْسَالِهِ ( وَلَوْ تَعَوَّدُوا ) أَيْ أَهْلُ الْبَلَدِ ( الْإِرْسَالَ ) لِلْبَهَائِمِ ( أَوْ الْحِفْظَ ) لِلزَّرْعِ ( لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ ) فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا لَا لَيْلًا اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَلِلْعَادَةِ مِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَلَدٍ بِحِفْظِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا ( وَإِنْ كَانَ لِلْمَزَارِعِ ، وَالْبَسَاتِينِ إغْلَاقٌ لَمْ يَضْمَنْ ) مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْهَا ( إنْ تُرِكَتْ مَفْتُوحَةً وَلَوْ لَيْلًا ) ؛ لِأَنَّ مَالِكَ مَا أَتْلَفَتْهُ هُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِاعْتِبَارِ الْغَلْقِ فِي الْمَزَارِعِ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( وَلَوْ كَانَ الْمَرْعَى بَعِيدًا عَنْ الْمَزَارِعِ وَفُرِضَ انْتِشَارٌ ) لِلْبَهَائِمِ إلَى أَطْرَافِ الْمَزَارِعِ ( فَلَا ضَمَانَ ) عَلَى مُرْسِلِهَا لِمَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَرْعَى ( بَيْنَ الْمَزَارِعِ ضَمِنَ ) مَا أَتْلَفَتْهُ ( لَيْلًا وَكَذَا نَهَارًا إلَّا إنْ تَعَوَّدُوا إرْسَالَهَا بِلَا رَاعٍ ) فَلَا يَضْمَنُهُ لِانْتِفَاءِ تَقْصِيرِهِ ( وَإِنْ رَبَطَهَا لَيْلًا فَانْفَلَتَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ ) مِنْهُ كَأَنْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ أَوْ فَتَحَ الْبَابَ لِصٌّ أَوْ قَطَعَتْ حَبْلَهَا ( لَمْ يَضْمَنْ ) مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا لِذَلِكَ ( وَكَذَا ) لَا يَضْمَنُهُ ( لَوْ قَصَّرَ وَحَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ ) وَقَدَرَ عَلَى تَنْفِيرِهَا ( وَلَمْ يُنَفِّرْهَا )
؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ ( وَإِنْ ) ( نَفَّرَ ) شَخْصٌ دَابَّةً ( مُسَيَّبَةً عَنْ زَرْعِهِ فَوْقَ ) قَدْرِ ( الْحَاجَةِ ضَمِنَهَا ) أَيْ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ كَمَا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا فِي حِجْرِهِ أَوْ جَرَّ السَّيْلُ حَبًّا فَأَلْقَاهُ فِي مِلْكِهِ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ وَتَضْيِيعُهُ بَلْ يَدْفَعُهُ لِمَالِكِهِ فَيَنْبَغِي إذَا نَفَّرَهَا أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي إبْعَادِهَا بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَعُودُ مِنْهُ إلَى زَرْعِهِ قَالَهُ الْمَرْوَرُوذِيُّ ( وَإِنْ أَخْرَجَهَا ) عَنْ زَرْعِهِ ( إلَى زَرْعِ غَيْرِهِ ) فَأَتْلَفَتْهُ ( ضَمِنَهُ ) إذْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقِيَ مَالَهُ بِمَالِ غَيْرِهِ ( ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ذَلِكَ ) بِأَنْ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِمَزَارِعِ النَّاسِ وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهَا إلَّا بِإِدْخَالِهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ ( تَرَكَهَا ) فِي زَرْعِهِ وَغَرَّمَ صَاحِبَهَا مَا أَتْلَفَتْهُ ( وَإِنْ أَرْسَلَهَا فِي الْبَلَدِ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ ) لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ
( الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يُتْلِفُهُ الْبَهَائِمُ ) قَوْلُهُ : ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا ) قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ الضَّمَانُ بِرَقَبَةِ الْبَهِيمَةِ كَمَا تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيمَا تُتْلِفُهُ الْبَهِيمَةُ يُحَالُ عَلَى تَقْصِيرِ صَاحِبِهَا وَهِيَ كَالْآلَةِ وَالْعَبْدُ مُلْتَزِمٌ وَأَقْرَبُ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مَا يَلْزَمُ رَقَبَتَهُ فَعُلِّقَ بِهَا ( قَوْلُهُ : لَا نَهَارًا ) مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكْثُرْ الدَّوَابُّ بِالنَّهَارِ ، فَإِنْ كَثُرَتْ حَتَّى عَجَزَ أَصْحَابُ الزَّرْعِ عَنْ حِفْظِهِ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى أَصْحَابِهَا لِخُرُوجِ هَذَا عَنْ مُقْتَضَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَتَبَ أَيْضًا مَحَلُّ عَدَمِ الضَّمَانِ مَا إذَا رَعَتْ فِي مَوَاتٍ أَوْ مَمْلُوكٍ لِأَصْحَابِهَا ، فَإِنْ أَرْسَلَتْ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ فَانْتَشَرَتْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَأَفْسَدَتْهُ كَانَ مَضْمُونًا عَلَى مَنْ أَرْسَلَهَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا خَلَّاهَا فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَسَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَهُوَ مَضْمُونٌ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي إرْسَالِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الطَّيْرِ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِرْسَالِهِ ) يَدْخُلُ فِيهِ النَّحْلُ وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي نَحْلٍ لِإِنْسَانٍ قَتَلَتْ جَمَلًا لِآخَرَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ صَاحِبَ النَّحْلِ لَا يُمْكِنُهُ ضَبْطُهَا وَالتَّقْصِيرُ مِنْ صَاحِبِ الْبَعِيرِ وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ خَرَجَ الْحَمَامُ مِنْ الْبُرْجِ وَالْتَقَطَ حَبَّ الْغَيْرِ أَوْ النَّحْلُ مِنْ الْكُوَّارَةِ وَأَهْلَكَتْ بَهِيمَةً فَلَا ضَمَانَ ( فَرْعٌ ) سُئِلْت عَنْ مَالِكِ نَحْلٍ عُلِمَ مِنْهُ اعْتِيَادُهُ لِأَكْلِ الْمَارِّينَ مِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِي طَرِيقِهِ ثُمَّ إنَّهُ وَضَعَهُ فِي دَارٍ شَخْصٍ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِأَكْلِهِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إنَّهُ قَتَلَ فَرَسَ صَاحِبِ الدَّارِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَمْ لَا فَأَجَبْت
بِأَنَّهُ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِ صَاحِبِ الدَّارِ بِأَكْلِهِ لِيَحْفَظَ حَيَوَانَاتِهِ مِنْهُ وَعَدَمِ كَفِّ شَرِّهِ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ تَعَوَّدُوا الْإِرْسَالَ أَوْ الْحِفْظَ لَيْلًا إلَخْ ) وَلَوْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِإِرْسَالِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَلَدِهَا إلَخْ أَوْ عَكْسُهُ انْعَكَسَ الْحُكْمُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ رَبَطَهَا لَيْلًا فَانْفَلَتَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْ ) هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ ضَارِيَةً ، فَإِنْ عُرِفَتْ بِحَلِّ الرِّبَاطِ وَكَسْرِ الْبَابِ فَتَرَكَ الْمَالِكُ الْإِحْكَامَ وَجَبَ الضَّمَانُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَهُ الْمَرْوَرُوذِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) لَوْ ابْتَعَلَتْ الْبَهِيمَةُ فِي مُرُورِهَا جَوْهَرَةً ضَمِنَهَا صَاحِبُهَا إنْ كَانَ مَعَهَا أَوْ وُجِدَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِأَنْ طَرَحَ لُؤْلُؤَ غَيْرِهِ بَيْنَ يَدَيْ دَجَاجَةٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَالزَّرْعِ وَالثَّانِي يَضْمَنُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّرْعَ مَأْلُوفٌ فَلَزِمَ حِفْظُهُ مِنْهَا ، وَابْتِلَاعُ الْجَوْهَرَةِ غَيْرُ مَأْلُوفٍ فَلَمْ يَلْزَمْ صَاحِبَهَا حِفْظُهَا عَنْهُ لَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَالَ فِي الْخَادِمِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا فِيمَا سَبَقَ تَرْجِيحُ عَدَمِ الضَّمَانِ حَيْثُ نَقَلَا عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ طَيْرًا فَكَسَرَ شَيْئًا أَوْ الْتَقَطَ حَبًّا فَلَا ضَمَانَ
( وَرَبَطَ الدَّوَابَّ فِي الطَّرِيقِ ) وَلَوْ عَلَى دَارِ الرَّابِطِ ( يَضْمَنُ ) رَابِطُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ سَوَاءٌ أَضَاقَ الطَّرِيقُ أَمْ اتَّسَعَ ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِهِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَإِشْرَاعِ الْجَنَاحِ نَعَمْ إنْ رَبَطَهَا فِي الْمُتَّسَعِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِيهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ قَالَهُ الْقَاضِي ، وَالْبَغَوِيُّ ( لَا ) رَبَطَهَا ( فِي الْمِلْكِ ) أَيْ مِلْكِ الرَّابِطِ ( وَالْمَوَاتِ ) فَلَا يَضْمَنُ رَابِطُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ فِي غَيْبَتِهِ ( وَذُو الْيَدِ ) عَلَيْهَا ( وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا يَضْمَنُ مَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِحُضُورِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَمْ نَهَارًا سَائِقًا كَانَ أَوْ قَائِدًا أَوْ رَاكِبًا أَتْلَفَتْهُ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهَا ( فَإِنْ حَضَرَ ) هَا ( سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَنِصْفَانِ ) أَيْ فَالضَّمَانُ نِصْفَانِ ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِمَا ( وَيَضْمَنُ الرَّاكِبُ دُونَهُمَا ) إذَا حَضَرُوهَا ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ خَاصَّةً وَقِيلَ يَضْمَنُونَ أَثْلَاثًا وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ( وَلَوْ نَخَسَ الدَّابَّةَ ) شَخْصٌ ( بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ ( أَوْ بِإِذْنِهِ ضَمِنَ الرَّاكِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى النَّخْسِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الرَّابِعِ فِي مُوجِبِ الدِّيَةِ وَكَالرَّاكِبِ السَّائِقُ ، وَالْقَائِدُ ( وَإِنْ غَلَبَ الْمَرْكُوبُ مُسَيِّرَهُ فَانْفَلَتَ ) مِنْهُ ( وَأَتْلَفَ ) شَيْئًا ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِخُرُوجِهِ مِنْ يَدِهِ ( وَإِنْ كَانَ ) يَدُهُ ( عَلَيْهَا وَأَمْسَكَ لِجَامَهَا فَرَكِبَتْ رَأْسَهَا فَهَلْ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ ) ؛ لِأَنَّ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَضْبِطَ مَرْكُوبَهُ أَوْ لَا يَرْكَبَ مَا لَا يَضْبِطُهُ أَوْ لَا يَضْمَنُ لِخُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْ اخْتِيَارِهِ ( قَوْلَانِ ) قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ اصْطِدَامِ الرَّاكِبَيْنِ تَرْجِيحُ الضَّمَانِ نَبَّهَ عَلَيْهِ
الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ
( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ رَبَطَهَا فِي الْمُتَّسَعِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهَا ) ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا صَاحِبُهَا مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَالْأَنْسَبُ إلَيْهَا كَالْكَلْبِ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ أَكَلَ مَا صَادَهُ وَإِنْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ فَلَا قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الرُّويَانِيُّ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ : وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ دُونَ الرَّدِيفِ وَجْهَانِ .
ا هـ .
وَأَصَحُّهُمَا ثَانِيهمَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا دُونَ الرَّدِيفِ وَإِنْ حَكَمَ بِأَنَّهَا لَهُمْ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا فِيهَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْيَدَيْنِ لَا تُكَذِّبُ الْأُخْرَى ( قَوْلُهُ : وَلَوْ نَخَسَ الدَّابَّةَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاكِبِ ضَمِنَ مَا أَتْلَفَتْهُ ) فَلَوْ رَمَحَتْ النَّاخِسَ كَانَ هَدَرًا ( تَنْبِيهٌ ) فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْخَانِي لَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حِفْظِ دَابَّةٍ فَانْفَلَتَتْ عَلَى أُخْرَى وَأَتْلَفَتْهَا وَغَلَبَتْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهَا فَلَا ضَمَانَ وَقَوْلُهُ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَخْتَلِفُ مَا أَفْتَى بِهِ مَا ذَكَرَ قَرِينُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَدُهُ عَلَيْهَا أَوْ أَمْسَكَ لِجَامَهَا إلَخْ مِنْ كَوْنِهِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ الصَّلَاحِ الْإِتْلَافُ الْحَاصِلُ مِنْهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ يَدِهِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ قَرِينُهَا الْإِتْلَافُ حَصَلَ مِنْهَا وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَلَّاحِينَ ( قَوْلُهُ : نَبَّهَ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ ) هُوَ الْأَظْهَرُ
( قَالَ الْإِمَامُ وَمَنْ رَكِبَ ) الدَّابَّةَ ( الصَّعْبَةَ ) الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ بِالْكَجِّ ، وَالتَّرْدِيدِ فِي مَعَاطِفِ اللِّجَامِ ( أَوْ سَاقَ الْإِبِلَ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ فِي الْأَسْوَاقِ ) فِيهِمَا ( ضَمِنَ ) مَا أَتْلَفَتْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِذَلِكَ ( وَمَا فَسَدَ بِرَوْثِ ) أَوْ بَوْلِ ( الدَّابَّةِ السَّائِرَةِ فِي الطَّرِيقِ وَلَوْ وَقَفَتْ ) حِينَ رَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا ( أَوْ بِرَشَاشِهَا ) الْحَاصِلِ مِنْ وَحْلٍ أَوْ غُبَارٍ ( لَا يَضْمَنُ ) وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ ضَيِّقًا ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْمَنْعِ مِنْ الطُّرُوقِ كَذَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ هُنَا وَخَالَفَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَجَزَمَا فِيهِ بِالضَّمَانِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمُّ ؛ لِأَنَّ الِارْتِفَاقَ بِالطَّرِيقِ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ كَمَا مَرَّ وَهَذَا مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ، وَالْأَوَّلُ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ جَزَمَ بِهِ هُنَا لَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي الدِّيَاتِ أَنَّهُ احْتِمَالٌ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى الضَّمَانِ وَمِنْ هُنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ فِيمَا تَلِفَ بِرَكْضٍ مُعْتَادٍ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ بَنَاهُ عَلَى احْتِمَالِهِ الْمَذْكُورِ ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ الضَّمَانُ ، وَإِطْلَاقُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ ، وَالْأَصْحَابِ قَاضِيَةٌ بِهِ ( نَعَمْ إنْ رَكَضَ خِلَافَ الْعَادَةِ فَرَسَهُ ) أَوْ نَحْوَهَا ( بِوَحْلٍ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ ) مَا أَتْلَفَتْهُ ( أَوْ ) رَكَضَهَا ( كَالْعَادَةِ فَطَارَتْ حَصَاةٌ لِعَيْنِ إنْسَانٍ لَمْ يَضْمَنْ ) وَأَفَادَ قَوْلُهُ كَالْعَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعَ رَكْضٍ وَإِلَّا فَيَضْمَنُ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى طَرِيقَةِ الْإِمَامِ ، أَمَّا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ فَيَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ
( قَوْلُهُ : كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هُنَا ) هُوَ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : بِوَحْلٍ وَنَحْوِهِ ) كَمُجْتَمَعِ النَّاسِ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ بَحْثٌ لِلْإِمَامِ ) بَنَاهُ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيمَا يَتْلَفُ بِبَوْلِهَا وَرَوْثِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ
( ، وَالسَّائِرُ بِالْحَطَبِ ) عَلَى دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( يَضْمَنُ الْجِدَارَاتِ ) إذَا تَلِفَتْ بِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الْهَدْمِ ، وَلَمْ يَتْلَفْ شَيْءٌ مِنْ الْآلَةِ لَمْ يَضْمَنْهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ( وَكَذَا ) يَضْمَنُ ( مَا يُتْلِفُهُ ) الْحَطَبُ ( مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ إنْ كَانَ ) ثُمَّ ( زِحَامٌ ) كَأَنْ يَكُونَ بِسُوقٍ لِتَوَلُّدِ ذَلِكَ بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلَفُ مُقْبِلًا أُمّ مُدْبِرًا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ زِحَامٌ ( ضَمِنَ مُدْبِرًا وَ أَعْمَى ) وَلَوْ مُقْبِلًا إذَا تَلِفَ بِذَلِكَ ( وَلَمْ يُنَبِّهْهُمَا ) لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُقْبِلًا بَصِيرًا أَوْ مُدْبِرًا أَوْ أَعْمَى ، وَنَبَّهَهُمَا فَلَمْ يَحْتَرِزَا وَيَلْحَقُ بِالْأَعْمَى مَعْصُوبُ الْعَيْنِ لِرَمَدٍ وَنَحْوِهِ ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ يُنَبِّهْهُ مَا لَوْ كَانَ أَصَمَّ ، وَقَيَّدَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْبَصِيرَ الْمُقْبِلَ بِمَا إذَا وَجَدَ مُنْحَرَفًا ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْهُ لِضِيقٍ وَعَدَمِ عَطْفَةٍ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّحَامِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ السُّوقَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الزِّحَامِ فَحَدَثَ الزِّحَامُ فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ زِحَامٌ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ كَمَا لَوْ حَدَثَتْ الرِّيحُ وَأَخْرَجَتْ الْمَالَ مِنْ النَّقْبِ لَا قَطْعَ فِيهِ بِخِلَافِ تَعْرِيضِهِ لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ ( وَإِنْ تَعَلَّقَ ) الْحَطَبُ ( بِثَوْبِهِ فَجَذَبَهُ أَيْضًا فَنِصْفُ الضَّمَانِ ) عَلَى صَاحِبِ الْحَطَبِ ( كَلَاحِقٍ وَطِئَ مَدَاسَ سَابِقٍ فَانْقَطَعَ ) ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ السَّابِقِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ انْقَطَعَ مُؤَخَّرَا مَدَاسُ السَّابِقِ فَالضَّمَانُ عَلَى اللَّاحِقِ أَوْ مُقَدَّمُ مَدَاسِ اللَّاحِقِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى السَّابِقِ ( وَلَوْ تَعَوَّدَتْ الْهِرَّةُ الْإِتْلَافَ ) بِأَنْ عُهِدَ مِنْهَا ذَلِكَ ( ضَمِنَ مَالِكُهَا ) مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا إلَّا
مِثْلَهَا يَنْبَغِي رَبْطُهُ وَكَفُّ شَرِّهِ وَقَوْلُهُ مَالِكُهَا مِثَالٌ ، وَالْمُرَادُ مَنْ يَأْوِيهَا ( وَكَذَا كُلُّ حَيَوَانٍ عَادَ ) حُكْمُهُ كَذَلِكَ ( وَلَا ضَمَانَ ) لِمَا أَتْلَفَتْهُ ( إنْ لَمْ تَعْتَدْ ذَلِكَ ) إذْ الْعَادَةُ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا لَا رَبْطُهَا ( وَلَوْ هَلَكَتْ فِي الدَّفْعِ عَنْ حَمَامٍ وَنَحْوِهِ فَهَدَرٌ ) لِصِيَالِهَا ، وَلَوْ أَخَذَتْ حَمَامَةً وَهِيَ حَيَّةٌ جَازَ فَتْلُ أُذُنِهَا وَضَرْبُ فَمِهَا لِتُرْسِلَهَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ
( قَوْلُهُ : نَعَمْ لَوْ كَانَتْ مُسْتَحَقَّةَ الْهَدْمِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَالْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَيْ وَغَيْرُهُ فَلَوْ بَنَاهُ مُسْتَوِيًا ثُمَّ مَالَ عَلَى صُورَةٍ مُضِرَّةٍ بِالْمَارَّةِ فَالْأَرْجَحُ فِيهِ أَيْضًا عَدَمُ الضَّمَانِ ا هـ قَالَ شَيْخُنَا بَنَاهُ عَلَى كَوْنِهِ ضَامِنًا لَوْ سَقَطَ وَأَتْلَفَ شَيْئًا وَالْأَرْجَحُ خِلَافُهُ ( قَوْلُهُ : ضَمِنَ مُدَبَّرًا وَأَعْمَى ) الْأَشْبَهُ أَنَّ مُسْتَقِلَّ الْحَطَبِ مِمَّنْ لَا يُمَيِّزُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ كَالْأَعْمَى قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَوْ كَانَ غَافِلًا أَوْ مُلْتَفِتًا أَوَمُطْرِقًا مُفَكِّرًا ضَمِنَهُ صَاحِبُ الْحَطَبِ إذْ لَا تَقْصِيرَ حِينَئِذٍ ع وَقَوْلُهُ الْأَشْبَهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَأَلْحَقَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : فَالْمُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَخْ ) جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي قُوَّةِ الِاعْتِمَادِ وَضَعْفِهِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهِمَا فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُمَا وَوَجَبَ إحَالَةُ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبَيْنِ جَمِيعًا كَمَا فِي الْمُصْطَدِمَيْنِ ، فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقُوَّةِ مَشْيِ أَحَدِهِمَا وَقِلَّةِ حَرَكَةِ الْآخَرِ وَكَتَبَ أَيْضًا : عِلَّةُ التَّنْصِيفِ حُصُولُ الِاشْتِرَاكِ فِيمَا حَصَلَ بِهِ الِانْقِطَاعُ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا أَقْوَى مِنْ فِعْلِ الْآخَرِ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ عُهِدَ مِنْهَا ) الْمُرَادُ أَنْ يَعْهَدَهُ الضَّامِنُ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُقَصِّرٌ بِإِرْسَالِهَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ تَضْمِينِهِ مَا إذَا رَبَطَهَا فَانْفَلَتَتْ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ وَخَرَجَ بِقَوْلِ الشَّارِحِ مَنْ يُؤْوِيهَا وَمَنْ لَمْ
يُؤْوِهَا ، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ وَقَدْ سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ أَنَّ الْهِرَّةَ تَأْتِي فَتَلِدُ فِي بَيْتِ شَخْصٍ أَوْلَادًا فَيَأْلَفْنَ ذَلِكَ الْبَيْتَ وَيَذْهَبْنَ ثُمَّ يَعُدْنَ إلَيْهِ لِلْإِيوَاءِ بِهِ ، فَإِذَا أَتْلَفْنَ شَيْئًا هَلْ يَضْمَنُ مَنْ هُنَّ فِي دَارِهِ أَمْ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ هُنَّ فِي دَارِهِ وَلَا أَحَدَ ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْهِرَّةُ مَعَ أَحَدٍ مِنْ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ ضَمَانُ مَا تُتْلِفُهُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَالِكِ ( قَوْلُهُ : ضَمِنَ مَالِكُهَا ) كَمَا يَضْمَنُ مُرْسِلُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ مَا يُتْلِفُهُ
( وَلَا تُقْتَلُ سَاكِنَةٌ وَلَوْ ضَارِيَةً ) لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ شَرِّهَا وَلَيْسَتْ الضَّارِيَةُ كَالْفَوَاسِقِ ؛ لِأَنَّ ضَرَاوَتَهَا عَارِضَةٌ ( وَإِنْ كَانَ بِدَارِهِ كَلْبٌ عَقُورٌ أَوْ دَابَّةٌ رَمُوحٌ وَدَخَلَ ) هَا ( رَجُلٌ بِإِذْنِهِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ ) بِحَالِ الْكَلْبِ أَوْ الدَّابَّةِ فَعَضَّهُ الْكَلْبُ أَوْ رَمَحَتْهُ الدَّابَّةُ ( ضَمِنَ ) وَإِنْ كَانَ الدَّاخِلُ بَصِيرًا كَمَا لَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامًا مَسْمُومًا وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي آخِرِ الطَّرَفِ الثَّالِثِ مِنْ الْجِنَايَاتِ حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ مَا هُنَا فِي كَلْبِ الدَّارِ وَمَا هُنَاكَ فِي كَلْبٍ رَبَطَهُ مَالِكُهَا عَلَى بَابِهَا وَعَلَّلُوهُ ثَمَّ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ دَفْعُهُ ( أَوْ ) دَخَلَهَا ( بِلَا إذْنٍ ) أَوْ أَعْلَمَهُ بِالْحَالِ ( فَلَا ) ضَمَانَ ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ ( ، وَالْفَوَاسِقُ الْخَمْسُ لَا تُعْصَمُ وَلَا تُمْلَكُ وَلَا أَثَرَ لِلْيَدِ فِيهَا بِاخْتِصَاصٍ ) لِعَدَمِ احْتِرَامِهَا لِلْأَمْرِ بِقَتْلِهَا وَأَلْحَقَ بِهَا الْإِمَامُ الْمُؤْذِيَاتِ بِطِبَاعِهَا كَالْأَسَدِ ، وَالذِّئْبِ
( قَوْلُهُ : وَلَا تُقْتَلُ سَاكِتَةٌ وَلَوْ ضَارِيَةً ) شَمَلَ مَا إذَا خَرَجَتْ أَذِيَّتُهَا عَنْ عَادَةِ الْقِطَطِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهَا ( قَوْلُهُ وَأَلْحَقَ بِهَا الْإِمَامُ الْمُؤْذِيَاتِ بِطِبَاعِهَا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ