كتاب : أسنى المطالب شرح روض الطالب
المؤلف : زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا قَدْ يُقَالُ بِصِحَّةِ قَوْلِهِ إنَّهُ حُرٌّ بِمَعْنَى كَوْنِهِ حُرًّا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَرَقِيقٌ لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ ( قَوْلُهُ لِقَوْلِ الْمُهِمَّاتِ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إطْلَاقُهُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَادِمِ وَهَذَا عَجِيبٌ فَإِنَّ ذَاكَ فِي الْحَامِلِ بِرَقِيقٍ وَهَاهُنَا حَامِلٌ بِحُرٍّ فَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ فِيهِ ذَلِكَ
( فَرْعٌ ) لَوْ ( بَاعَ عَبْدًا أَوْ كَاتَبَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ ) كَأَنْ ( غَصَبَهُ أَوْ بَاعَهُ ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَمْنَعُ الْبَيْعَ وَالْكِتَابَةَ كَالْإِصْدَاقِ ( لَمْ يُقْبَلْ ) إقْرَارُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ ، وَهُوَ مَرْدُودٌ ظَاهِرًا ( وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي ) وَالْمُكَاتَبُ ( بِيَمِينِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي ) أَيْ الْمُقَرُّ لَهُ ( لَا الْبَائِعُ ) ، وَالسَّيِّدُ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَإِنْ نَكَلَ فَهَلْ الرَّدُّ عَلَى الْمُدَّعِي أَمْ عَلَى الْمُقِرِّ الْبَائِعِ قَوْلَانِ .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ ) لِلرَّاهِنِ ( فِي الْبَيْعِ ) فَبَاعَ ( وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ ) رَجَعْت عَنْ الْإِذْنِ ( فَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ رُجُوعَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ ( وَإِنْ صَدَّقَهُ ) فِي رُجُوعِهِ عَنْ الْإِذْنِ ( لَكِنْ قَالَ رَجَعْت ) عَنْهُ ( بَعْدَ الْبَيْعِ ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ الْمُرْتَهِنُ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ ، وَالرُّجُوعُ فِي الْوَقْتِ الْمُدَّعَى إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ فَيَتَعَارَضَانِ ، وَيَبْقَى الرَّهْنُ
( قَوْلُهُ لَوْ أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ فِي الْبَيْعِ فَبَاعَ ) أَوْ فِي الْإِعْتَاقِ فَأَعْتَقَ أَوْ فِي الْوَطْءِ فَوَطِئَ وَأَحْبَلَ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ وَالرُّجُوعِ إلَخْ ) مُقْتَضَاهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الرُّجُوعِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَنْبَغِي خِلَافُهُ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْغَيْرِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ عَيَّنَهُ فَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ عَادَ إلَى الرَّاهِنِ بِفَسْخٍ وَغَيْرِهِ وَحِينَئِذٍ فَيُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْقَى الرَّهْنُ وَقَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمَرْهُونِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَعَلَى الرَّاهِنِ بَدَلُهُ فَإِنْ نَكَلَا وَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالْإِعْتَاقُ وَالْإِيلَادُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا
( فَصْلٌ ) لَوْ كَانَ ( عَلَيْهِ لِرَجُلٍ دَيْنَانِ بِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ ) أَوْ نَحْوُهُ كَكَفِيلٍ ( فَقَصْدُهُ بِالْقَضَاءِ وَقَعَ عَنْهُ ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ ، وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ أَمْ لَفْظِهِ فَالْعِبْرَةُ فِي جِهَةِ الْأَدَاءِ بِقَصْدِ الْمُؤَدِّي حَتَّى يَبْرَأَ بِقَصْدِهِ الْوَفَاءَ ، وَيَمْلِكُهُ الدَّائِنُ ، وَإِنْ ظَنَّ الدَّائِنُ إيدَاعَهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ، وَكَمَا أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِقَصْدِهِ فَكَذَا الْخِيَرَةُ إلَيْهِ فِيهِ ابْتِدَاءً إلَّا فِيمَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَأَرَادَ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ ، وَالسَّيِّدُ الْأَدَاءَ عَنْ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ فَيُجَابُ السَّيِّدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْكِتَابَةِ ، وَتُفَارِقُ غَيْرَهَا مِمَّا ذُكِرَ بِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ فِيهَا مُعَرَّضٌ لِلسُّقُوطِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَصْدُ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِلْجِهَةِ لِتَقْصِيرِ السَّيِّدِ بِعَدَمِ التَّعْيِينِ ابْتِدَاءً ( بَلْ لَوْ دَفَعَ ، وَلَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا ) مِنْهُمَا ( عَيَّنَهُ ) أَيْ الْمَدْفُوعُ ( لِمَا شَاءَ ) مِنْهُمَا كَمَا فِي زَكَاةِ الْمَالَيْنِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ دَفَعَ عَنْهُمَا فَسَقَطَ عَلَيْهِمَا أَيْ بِالسَّوِيَّةِ لَا بِالْقِسْطِ أَخْذًا مِمَّا رَجَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا دَفَعَ ، وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا ، وَقُلْنَا لَا يُرَاجَعُ بَلْ يَقَعُ عَنْهُمَا فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ .
كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ قَالَ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَعَلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ، وَإِذَا عَيَّنَ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ أَوْ التَّعْيِينِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا فِي الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ ( وَلَوْ تَبَايَعَ مُشْرِكَانِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ، وَسَلَّمَ ) مَنْ الْتَزَمَ الزِّيَادَةَ ( دِرْهَمًا ثُمَّ أَسْلَمَا فَإِنْ قَصَدَ ) بِتَسْلِيمِهِ ( الزِّيَادَةَ لَزِمَ ) هـ ( الْأَصْلُ ) ، وَكَانَ
الْمَقْبُوضُ عَنْهَا فِي حُكْمِ الْمَقْبُوضِ بِالْمُعَامَلَةِ الْفَاسِدَةِ فِيمَا يَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ ( أَوْ عَكْسُهُ ) أَيْ قَصَدَ الْأَصْلَ ( بَرِئَ ) فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( أَوْ قَصَدَهُمَا ، وَزَّعَ ) عَلَيْهِمَا ( وَسَقَطَ بَاقِي الزِّيَادَةِ ، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ ) شَيْئًا ( عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا ، وَلَوْ سَلَّمَ ) الْمَدْيُونَ ( إلَى وَكِيلِ غَرِيمِهِ ، وَأَطْلَقَ عَيَّنَهُ لِمَا شَاءَ مِنْهُمَا ، وَلَوْ أَمَرَ ) هُوَ ( هَذَا الْوَكِيلَ بِالتَّسْلِيمِ ) أَيْ بِتَسْلِيمِهِ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ ( إلَى أَحَدِهِمَا ، وَعَيَّنَهُ صَارَ وَكِيلًا فِي الْأَدَاءِ لَهُ لَا لِمَنْ وَكَّلَهُ فِي الْقَبْضِ ) مِنْهُ لِانْعِزَالِهِ عَنْ وَكَالَتِهِ بِالْقَبْضِ ( فَلِلْمَدْيُونِ تَعْيِينُهُ لِلْآخَرِ مَا لَمْ يُقَبِّضْهُ ) الْمُعَيَّنَ ( الْأَوَّلَ ) ، وَيَصِيرُ أَيْضًا وَكِيلًا لَهُ فَقَطْ فِيمَا لَوْ أَمَرَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِمَا ، وَلَهُ تَعْيِينُ أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُسَلِّمْ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ ( وَإِنْ تَلِفَ ) الْمَقْبُوضُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ( تَلِفَ مَعَ وَكِيلِهِ فِي الْأَدَاءِ ) فَيَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْمَدِينِ ، وَالدَّيْنُ بَاقٍ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ لَمْ يُقَصِّرْ الْوَكِيلُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لِلْمَدِينِ ( وَإِنْ ) أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنْ أَحَدِ دَيْنَيْهِ عَلَيْهِ ، وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ مَثَلًا ثُمَّ ( اخْتَلَفَا فَقَالَ ) الْمَدِينُ ( أَبْرَأْتنِي مِنْ دَيْنِ الرَّهْنِ فَقَالَ ) الدَّائِنُ ( بَلْ مِنْ الْحَالِيِّ ) عَنْهُ ( صُدِّقَ الْمُبْرِئُ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ
( قَوْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ كَكَفِيلٍ ) أَوْ هُوَ ثَمَنٌ مَبِيعٌ مَحْبُوسٌ بِهِ ( قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ تَصْدِيقِ الدَّافِعِ صُوَرٌ إحْدَاهَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَالًّا وَالْآخَرُ مُؤَجَّلًا ثُمَّ قَالَ الرَّاهِنُ أَقْبَضْته عَنْ الْمُؤَجَّلِ فَانْفَكَّ الرَّهْنُ فَلَا يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى الْأَدَاءِ عَنْ الْحَالِّ وَلَا تَخْيِيرَ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ أَتَى بِالْأَلْفِ ابْتِدَاءً وَقَالَ خُذْهَا عَنْ الْمُؤَجَّلِ حَتَّى يَفُكَّ الرَّهْنَ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يُجْبَرْ بَلْ لَهُ أَخْذُهُ عَنْ الْحَالِّ الثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ الدَّيْنَانِ مُؤَجَّلَيْنِ وَأَجَلُ أَحَدِهِمَا أَطْوَلُ مِنْ الْآخَرِ فَقَالَ الدَّافِعُ قَصَدْت الْأَطْوَلَ لِيَنْفَكَّ الرَّهْنُ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّهُ لَا خِيرَةَ لَهُ فِي الدَّفْعِ إذْ هُوَ غَيْرُ وَاجِبِهِ الثَّالِثَةُ إذَا كَانَ دَيْنُ الرَّهْنِ مُسْتَقِرًّا وَالدَّيْنُ الَّذِي بِلَا رَهْنٍ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ كَالسَّلَمِ فَدَفَعَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ وَقَالَ قَصَدْت بِهِ دَيْنَ الرَّهْنِ لِيَنْفَكَّ وَلَمْ يُصَدِّقْ الْمُسَلِّمُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِلْعِلَّةِ السَّابِقَةِ الرَّابِعَةُ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ بِأَلْفٍ مُكَسَّرَةٍ وَلَهُ عَلَيْهِ أَلْفٌ مُنَجَّمٌ بِلَا رَهْنٍ فَدَفَعَ أَلْفًا صَحِيحَةً وَقَالَ قَصَدْت دَيْنَ الرَّهْنِ وَتَبَرَّعْت بِالزَّائِدِ لِيَنْفَكَّ الرَّهْنُ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ الْخَامِسَةُ لَوْ كَانَ دَيْنُ الرَّهْنِ يَسْتَحِقُّهُ وَدَيْنُ غَيْرِ الرَّهْنِ لِمَحْجُورِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِلْوَكِيلِ وَالْآخَرُ لِلْمُوَكِّلِ وَبِأَحَدِهِمَا رَهْنٌ فَادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّهُ دَفَعَ عَنْ دَيْنِ الرَّهْنِ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْآخِذُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الرَّاهِنِ .
فَإِنَّ الْوَكِيلَ وَالْوَلِيَّ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ نِيَّتِهِ فِي أَخْذِهِ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمَحْجُورِ أَوْ لِنَفْسِهِ فَمِنْ هُنَا تَتَعَارَضُ نِيَّةُ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ لَهُ نَعَمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا
يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالْقَبْضُ فَاسِدٌ فَلْيَسْتَأْنِفَا قَبْضًا صَحِيحًا ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهِ ) وَلِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ ( قَوْلُهُ أَيْ بِالسَّوِيَّةِ لَا بِالْقِسْطِ إلَخْ ) جَزَمَ الْإِمَامُ بِأَنَّ التَّقْسِيطَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنَيْنِ ( قَوْلُهُ قَامَ وَارِثُهُ مُقَامَهُ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَيُورَثُ وَهَلْ يَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَاكِمِ إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ مَحْجُورِينَ فِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا كَفِيلٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفَانِ مَثَلًا أَحَدُهُمَا بِكَفِيلٍ فَدَفَعَ الْمَدِينُ أَلْفًا وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا ثُمَّ مَاتَ فَتَنَازَعَ الْكَفِيلُ وَالدَّائِنُ فَهَلْ يَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ أَوْ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْكَفِيلِ أَوْ يَقْسِطُ عَلَيْهِمَا فَتَوَقَّفْت فِيهَا وَأَفْتَى بَعْضُ شُيُوخِ الْعَصْرِ بِأَنَّ الْوَرَثَةَ تَقُومُ مُقَامَهُ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَهُ عَمَّا شَاءَ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ جَعَلَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَعْيِينِ الْوَارِثِ وَقْفَةً إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا أَوْ مُوسِرًا وَلَا رُجُوعَ لِلضَّامِنِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ ذِمَّتِهِ بِجَمِيعِ الْكَفَالَةِ مَعَ الشَّكِّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يَقْسِطُ هُنَا وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا سِيَّمَا حَيْثُ لَا تَرِكَةَ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ ( قَوْلُهُ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ مِنْ وَقْتِ اللَّفْظِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ وَنَصِيبَ غَيْرِهِ فِي عَبْدٍ ثُمَّ قَبَضَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَهَلْ نَقُولُ النَّظَرُ إلَى قَصْدِ الدَّافِعِ وَعِنْدَ عَدَمِ قَصْدِهِ يَجْعَلُهُ عَمَّا شَاءَ أَوْ نَقُولُ هَذِهِ الصُّورَةُ الْقَبْضُ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَيَطْرُقُهَا
عِنْدَ الِاخْتِلَافِ دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَعِنْدَ عَدَمِ الْقَصْدِ يَظْهَرُ إجْرَاءُ الْحَالِ عَلَى سَدَادِ الْقَبْضِ وَيُلْغَى الزَّائِدُ لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ وَقَدْ سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فِي وَقْفٍ مِنْهُ حِصَّةٌ لِرَجُلٍ وَمِنْهُ حِصَّةٌ لِبِنْتِهِ الَّتِي تَحْتَ حِجْرِهِ وَالنَّظَرُ فِي حِصَّتِهِ لَهُ وَفِي حِصَّةِ بِنْتِهِ لِلْحَاكِمِ وَقَبَضَ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ كَيْفَ يَعْمَلُ فِيهِ وَكَتَبْت مُقْتَضَى الْمَنْقُولِ وَمَا أَرْدَفْته بِهِ وَهُوَ حَسَنٌ
( فَصْلٌ ) ( وَلَوْ قَبَضَ ) الْمُرْتَهِنُ ( الْعَصِيرَ ) الْمَرْهُونَ فِي ظَرْفٍ ( أَوْ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ مَلْفُوفًا ) بِثَوْبٍ ( وَقَالَ قَبَضْته ) أَيْ الْعَصِيرَ ( خَمْرًا أَوْ وَفِيهِ فَأْرَةٌ ) مَيِّتَةٌ ( أَوْ ) قَبَضْت ( الْعَبْدَ مَيِّتًا ) فَلِي فَسْخُ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ رَهْنُ ذَلِكَ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ بَلْ حَصَلَ تَخْمِيرُ الْعَصِيرِ أَوْ وُقُوعُ الْفَأْرَةِ فِيهِ أَوْ مَوْتُ الْعَبْدِ عِنْدَك ( صُدِّقَ الرَّاهِنُ ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ ( وَكَذَا ) يُصَدَّقُ ( لَوْ قَالَ ) الْمُرْتَهِنُ ( رَهَنْته ، وَهُوَ كَذَلِكَ ) فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ ، وَقَالَ الرَّاهِنُ بَلْ حَصَلَ ذَلِكَ عِنْدَك فَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ ، وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ فِي هَذِهِ مَعَ ذِكْرِ مَسْأَلَتَيْ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ وُجُودُ الْفَأْرَةِ فِي الْعَصِيرِ ، وَمَوْتُ الْعَبْدِ عِنْدَ الرَّهْنِ فِيهِمَا ، وَعِنْدَ الْقَبْضِ فِي الْأُولَى مِنْ زِيَادَتِهِ نَعَمْ ذَكَرَ الْأَصْلُ الْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ مُعَبِّرًا فِيهَا بِالْمَائِعِ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْعَصِيرِ ، وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ ( وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ إحْضَارُ الرَّهْنِ ) أَيْ الْمَرْهُونِ ( قَبْلَ الْقَضَاءِ ) لِلدَّيْنِ ( وَلَا بَعْدَهُ بَلْ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ ) مِنْهُ ( كَالْمُودَعِ ، وَعَلَى الرَّاهِنِ مُؤْنَةُ إحْضَارِهِ ) ، وَلَوْ ( لِلْمَبِيعِ ) فِي الدَّيْنِ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَلَوْ رَهَنَ مَعِيبًا ، وَحَدَثَ ) بِهِ ( مَعَ الْمُرْتَهِنِ عَيْبٌ آخَرُ ) أَوْ مَاتَ ثُمَّ عَلِمَ بِالْعَيْبِ ( لَمْ يَلْزَمْ ) الرَّاهِنَ ( الْأَرْشُ ) لِيَكُونَ مَرْهُونًا ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُ بَيْعٍ شَرَطَ فِيهِ رَهْنَهُ ) كَمَا لَوْ جَرَى ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَهَذِهِ ذَكَرَهَا كَأَصْلِهِ فِي بَابِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ( وَإِنْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ ، وَسَلَّمَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ تَعَيَّبَ ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ( وَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ خِيَارٌ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الْمَشْرُوطِ ) فِيهِ الرَّهْنُ ( لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ عَلَى
حَالِهِ ) ، وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ
قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْمُرْتَهِنَ إحْضَارُ الرَّهْنِ إلَخْ ) لَوْ لَمْ يَتَأَتَّ الْبَيْعُ إلَّا بِالْإِحْضَارِ وَلَمْ يَثِقْ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّاهِنِ لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ بَلْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ مُعْتَمَدًا لِيُحْضِرَهُ وَأُجْرَتُهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَلَوْ قَالَ أُرِيدُ أَدَاءَ حَقِّهِ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَلْزَمَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ قَادِرًا وَإِذَا بِيعَ وَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَدَاءً مِنْ غَيْرِ ثَمَنِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ أَدَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ إذَا حَلَّ الدَّيْنُ لَا يَبِيعُهُ أَحَدٌ سِوَاهُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا الْعَدْلُ أَوْ الْحَاكِمُ
( كِتَابُ التَّفْلِيسِ ) هُوَ لُغَةً النِّدَاءُ عَلَى الْمُفْلِسِ وَشَهْرُهُ بِصِفَةِ الْإِفْلَاسِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْفُلُوسِ الَّتِي هِيَ أَخَسُّ الْأَمْوَالِ وَشَرْعًا جَعْلُ الْحَاكِمِ الْمَدْيُونَ مُفْلِسًا ، يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ مَالَهُ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ وَقَسَّمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَأَصَابَهُمْ خَمْسَةَ أَسْبَاعِ حُقُوقِهِمْ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ وَقَالَ : لَعَلَّ اللَّهَ يُجْبِرُك وَيُؤَدِّي عَنْك دَيْنَك فَلَمْ يَزَلْ بِالْيَمَنِ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ( الْمُفْلِسُ ) لُغَةً الْمُعْسِرُ ، وَيُقَالُ مَنْ صَارَ مَالُهُ فُلُوسًا ، وَ ( شَرْعًا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِنَقْصِ مَالِهِ عَنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِآدَمِيٍّ ) بِخِلَافِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَجْرِ وَبِدَيْنِ الْآدَمِيِّ مِنْ زِيَادَتِهِ تَبِعَ فِيهِ الْإِسْنَوِيَّ وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ عَلَى الْمُفْلِسِ فَلَا يُؤْخَذُ قَيْدًا فِيهِ وَدَيْنُ اللَّهِ إنَّمَا لَمْ يَحْجِزْ بِهِ إذَا لَمْ يَكُ فَوْرِيًّا كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ لَمْ يَعْصِ بِسَبَبِهَا ( وَمَنْ مَاتَ هَكَذَا ) أَيْ نَاقِصًا مَالُهُ عَنْ الدَّيْنِ ( فَلَهُ حُكْمُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ) بِالْفَلَسِ ( فِي الرُّجُوعِ إلَى الْأَعْيَانِ ) كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ لِخَبَرِ { أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أَفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ مَا لَمْ يَخْلُفُ وَفَاءً } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ( بِخِلَافِ غَيْرِهِ ) مِمَّنْ مَاتَ وَلَمْ يَنْقُصْ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِتَيَسُّرِ أَخْذِ مُقَابِلِ الْعَيْنِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْإِفْلَاسِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْحَجْرِ ، أَوْ
الْمَوْتِ ( وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَنْ نَقَصَ مَالُهُ عَنْ ذَلِكَ ( إلَّا الْحَاكِمُ ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَأَمَّا أَصْلُ الْحَجْرِ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ يَخُصُّ بَعْضَهُمْ بِالْوَفَاءِ فَيَضُرُّ الْبَاقِينَ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ أَوْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ حَجَرْت بِالْفَلَسِ إذْ مَنْعُ التَّصَرُّفِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَجْرِ فَلَا يَقَعُ بِهِ الْحَجْرُ وَجْهَانِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ قَالَ : وَقَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فَلِلْقَاضِي الْحَجْرُ لَيْسَ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ مَخْبَرٌ فِيهِ أَيْ بَلْ إنَّهُ جَائِزٌ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ قَبْلَ الْإِفْلَاسِ وَهُوَ صَادِقٌ بِالْوَاجِبِ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ حَالًا ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِهِ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ بِلَا فَائِدَةٍ ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يُحْجَرُ إلَّا ( بِدَيْنٍ ) لَازِمٍ ( حَالٌّ زَائِدٌ عَلَى مَالِهِ ) فَلَا حَجْرَ بِالْجَائِزِ كَنُجُومِ الْكِتَابَةِ ، وَإِنْ طَلَبَ السَّيِّدُ الْحَجْرَ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ وَلَا بِالْمُؤَجَّلِ وَالْمُسَاوِي لِمَالِهِ وَالنَّاقِصِ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ أَمَّا الْمَنَافِعُ وَمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ كَمَغْصُوبٍ وَغَائِبٍ فَلَا تُعْتَبَرُ فِيهِمَا زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا الدَّيْنُ فَيَظْهَرُ اعْتِبَارُهَا فِيهِ إنْ كَانَ حَالًّا عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ بِهِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَالْإِقْرَارِ الْبَيِّنَةُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَرْهُونًا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا .
وَالْفِقْهُ مَنَعَ الْحَجْرَ ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، وَرُدَّ بِأَنَّ لَهُ فَوَائِدَ
بِمِثْلِ مَا مَرَّ فَيَقَعُ الْحَجْرُ فِيهِ كَغَيْرِهِ ( إنْ الْتَمَسَهُ الْغُرَمَاءُ ) لِأَنَّهُ لَحِقَهُمْ وَهُمْ أَهْلُ رُشْدٍ ( أَوْ ) لَمْ يَلْتَمِسُوهُ لَكِنْ ( كَانَ ) الدَّيْنُ ( لِغَيْرِ رَشِيدٍ ) مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لِمَصْلَحَتِهِمْ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِمَسْجِدٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ ( وَكَذَا لَوْ الْتَمَسَهُ الْمُفْلِسُ أَوْ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ إذَا لَمْ يَفِ مَالُهُ .
) أَيْ الْمُفْلِسُ ( بِدَيْنِ الْجَمِيعِ ) وَإِنْ وَفَّى بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا قَالَ الرَّافِعِيُّ رُوِيَ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى مُعَاذٍ كَانَ بِطَلَبِهِ انْتَهَى وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ اعْتِبَارِ دَيْنِ الْجَمِيعِ هُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَقَوَّاهُ وَاَلَّذِي فِيهَا كَأَصْلِهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ اعْتِبَارُ دَيْنِهِ فَقَطْ فَقَالَ : فَلَوْ الْتَمَسَهُ بَعْضُهُمْ وَدَيْنُهُ قَدْرٌ يُحْجَرُ بِهِ حَجَرَ ، وَإِلَّا فَلَا .
ثُمَّ لَا يَخْتَصُّ أَثَرُ الْحَجْرِ بِالْمُلْتَمِسِ بَلْ يَعُمُّهُمْ وَلَا يُحْجَرُ لِدَيْنِ الْغَائِبِينَ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي مَالَهُمْ فِي الذِّمَمِ .
قَالَ الْفَارِقِيُّ : وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا ، وَإِلَّا لَزِمَ الْحَاكِمَ قَبْضُهُ قَطْعًا ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ قَالَ : وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَقْبِضُهُ الْحَاكِمُ ، وَلَوْ كَانَ الْمُفْلِسُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ كَصَبِيٍّ فَالْمُتَّجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُحْجَرُ فِي مَالِهِ عَلَى وَلِيِّهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَتَوَقَّفَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ : قَدْ يُقَالُ يَجُوزُ مَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ إذْ مَا يَحْدُثُ لَهُ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ وَمَا جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا (
وَالْمُؤَجَّلُ لَا يُحْجَرُ بِهِ ) إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِ وَقَدْ يَجِدُ مَا يَفِي بِهِ عِنْدَ تَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ وَكَذَا لَوْ حَلَّ بَعْضُهُ ، وَكَانَ الْحَالُّ قَدْرًا لَا يُحْجَرُ بِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ( وَلَا يَحِلُّ ) الْمُؤَجَّلُ ( بِالْحَجْرِ وَالْجُنُونِ ) لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ مَقْصُودٌ لِلْمَدْيُونِ فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَمْنَعَا ابْتِدَاءَ الْأَجَلِ فَدَوَامُهُ أَوْلَى وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ تَصْحِيحٌ أَنَّهُ يَحِلُّ بِالْجُنُونِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ سَهْوٌ فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَنْقِيحِهِ عَدَمَ الْحُلُولِ بِهِ ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمَوْتِ أَوْ بِالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ ( وَيُبَاعُ مَالُ الْمُفْلِسِ ) أَيْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ ( وَلَوْ مَا اشْتَرَاهُ بِمُؤَجَّلٍ ) لِخَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ ( وَيُقَسَّمُ ) ثَمَنُهُ ( عَلَى أَصْحَابِ الْحَالِّ ) بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ( وَلَمْ ) الْأَوْلَى وَلَا ( يُدَّخَرْ ) مِنْهُ ( شَيْءٌ لِلْمُؤَجَّلِ وَلَا يُسْتَدَامُ لَهُ الْحَجْرُ ) كَمَا لَا يُحْجَرُ بِهِ ( فَلَوْ لَمْ يُقَسَّمْ حَتَّى حَلَّ ) الْمُؤَجَّلُ ( اُلْتُحِقَ بِالْحَالِّ ، وَرَجَعَ ) الْمَالِكُ ( فِي الْعَيْنِ ) إنْ لَمْ تُبَعْ ( وَمَنْ سَاوَى دَيْنُهُ مَالَهُ ) أَوْ نَقَصَ عَنْهُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى ( وَلَوْ بِالْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَاةِ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَسُوبًا ) بَلْ كَانَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الطَّلَبِ وَالْوَفَاءِ .
( كِتَابُ التَّفْلِيسِ ) ( قَوْلُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ ) فَإِنَّهُ يُمْتَنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ إلَّا فِي شَيْءٍ تَافِهٍ ( قَوْلُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ عَلَى الْمُفْلِسِ فَلَا يُؤْخَذُ قَيْدًا فِيهِ ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْمُفْلِسَ شَرْعًا : هُوَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْفَلَسِ فَمَدْلُولُهُ ذَاتٌ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَجْرُ فَلَا بُدَّ فِي تَحْقِيقِ مَاهِيَّتِه مِنْ ذِكْرِهِ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَتَصَرُّفَاتُهُ صَحِيحَةٌ قَطْعًا ( قَوْلُهُ : وَدَيْنُ اللَّهِ إنَّمَا لَمْ يَحْجِزْ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَوْرِيًّا إلَخْ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَفْلَسَ ) أَيْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ تَعْبِيرًا بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ إلَّا الْحَاكِمُ ) شَمِلَ كَلَامُهُ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ ( قَوْلُهُ فَلِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْغُرَمَاءِ فَقَدْ إلَخْ ) قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ مَرْهُونًا امْتَنَعَ الْحَجْرُ وَلَمْ أَرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَالِ رَقِيقٌ وَقُلْنَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَ مَرْهُونًا ا هـ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ يَأْذَنُ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ ، أَوْ يَفُكُّ الرَّهْنَ فَيَحْصُلُ الضَّرَرُ نَعَمْ إنْ فَرَضَهُ مَرْهُونًا عِنْدَ كُلِّ الْغُرَمَاءِ اُتُّجِهَ بَعْضَ اتِّجَاهٍ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ قَدْ يُبْرِئُ مِنْ دَيْنِهِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يُبْرِئَ فَقَدْ تَكُونُ حِصَّتُهُ مِنْ الْمَرْهُونِ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَيَنْفَكُّ الرَّهْنُ عَنْهُ فَيَحْصُلُ الْمَحْذُورُ ع ( قَوْلُهُ وَهَلْ يَكْفِي فِي لَفْظِ الْحَجْرِ مَنْعُ التَّصَرُّفِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَجْهَانِ ) وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ وَنَحْوِهَا وَهَذَا كَانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ الْحَجْرُ إذَا
وُجِدَتْ شُرُوطُهُ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ وَمَا إذَا كَانَ بِسُؤَالِ الْمُفْلِسِ ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ فِي الثَّانِي ، وَالْوُجُوبُ مَعْلُومٌ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ مَا كَانَ مَمْنُوعًا إذَا جَازَ وَجَبَ ( قَوْلُهُ لِتَمَكُّنِ الْمَدِينِ مِنْ إسْقَاطِهِ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحِقَ بِهِ دُيُونَ الْمُعَامَلَةِ لِلسَّيِّدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَسْقُطُ بِتَعْجِيزِهِ نَفْسِهِ كَالنُّجُومِ ، وَفِيهِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ وَالْأَصَحُّ سُقُوطُهَا بِهِ قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِمَالِهِ مَالُهُ الْعَيْنِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْمَنَافِعُ إلَخْ ) بَلْ كَلَامُهُمْ فِي وُجُوبِ إجَارَةِ وَقْفَةٍ وَأُمِّ وَلَدِهِ ظَاهِرٌ فِي اعْتِبَارِ الْمَنَافِعِ نَعَمْ لَا تُعْتَبَرْ مَنْفَعَةُ نَفْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ مَرْهُونًا إلَخْ ) مِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ مَوْرُوثًا ، وَعَلَى مُورَثِهِ دَيْنٌ ، أَوْ جَانِيًا تَعَلَّقَ الْأَرْشُ بِرَقَبَتِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لِغَيْرِ رَشِيدٍ إلَخْ ) هَذَا إنْ كَانَ يَلِي أَمْرَهُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ وَلِيٌّ خَاصٌّ فَبِسُؤَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ حَجَرَ الْحَاكِمُ ، وَقَدْ ذَكَرُوا مِثْلَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمُفْلِسٍ ، وَلَمْ يَطْلُبْهُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ الْتَمَسَهُ الْمُفْلِسُ ) قَالَ السُّبْكِيُّ : وَصُورَتُهُ أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِدَعْوَى الْغُرَمَاءِ وَالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي فَيَطْلُبُ الْمَدْيُونُ الْحَجْرَ دُونَ الْغُرَمَاءِ ، وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ طَلَبُهُ ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْغُرَمَاءُ فَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجُ الْحَجْرِ عَلَى الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ ا هـ ( قَوْلُهُ ، وَفِي النِّهَايَةِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ ( قَوْلُهُ اعْتِبَارُ دَيْنِهِ فَقَطْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأُمِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ إلَخْ ) أَشَارَ
إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا وَجْهَهُ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ بَابِ مَصْلَحَةِ الْحَاضِرِ بِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْ مِلْكِهِ بِلَا سَبَبٍ لَا مِنْ حَيْثُ قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ كَاتِبُهُ ( قَوْلُهُ فَالْمُتَّجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ إلَخْ ) مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ رَأَيْته مَجْزُومًا بِهِ فِي شَرَائِطِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ عَبْدَانَ فَقَالَ : الَّذِي يُوجِبُ الْحَجْرَ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ فَذَكَرَهَا إلَى أَنْ قَالَ : الْخَامِسُ : أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ ، وَيُخَافُ عَلَيْهِ إذَا اكْتَسَبَ مَالًا أَنْ يُتْلِفَهُ فَيَحْجُرُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ حَتَّى إذَا صَارَ فِي يَدِهِ مَالٌ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ وَكَانَ هُوَ مَمْنُوعًا مِنْ إتْلَافِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ وَمَا جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَيَنْبَغِي بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَجْرَ هَلْ هُوَ عَلَى مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فَإِنْ قُلْنَا عَلَى نَفْسِهِ اُتُّجِهَ بَحْثُ الرَّافِعِيِّ ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى مَالِهِ فَحَيْثُ لَا مَالَ لَا حَجْرَ ( قَوْلُهُ : فَقَدْ صَحَّحَ فِي تَنْقِيحِهِ عَدَمَ الْحُلُولِ بِهِ ) وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ ( قَوْلُهُ أَوْ بِالرِّدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ ) أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ .
( فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حَجْرِ الْمُفْلِسِ ) وَأَنْ يُشَهِّرَ النِّدَاءَ عَلَيْهِ ( لِتُحْذَرَ مُعَامَلَتُهُ ، وَيُمْتَنَعُ ) عَلَيْهِ ( بِالْحَجْرِ كُلُّ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ مُفَوِّتٍ فِي الْحَيَاةِ بِالْإِنْشَاءِ مُبْتَدَأٍ ) كَمَا سَيَتَّضِحُ ( فَيَصِحُّ نِكَاحُهُ وَطَلَاقُهُ وَاسْتِلْحَاقُهُ النَّسَبَ وَنَحْوَهُ ) كَقَوَدٍ وَعَفْوٍ عَنْهُ ( وَيَصِحُّ احْتِطَابُهُ وَاتِّهَابُهُ وَالشِّرَاءُ ) وَالْبَيْعُ ( فِي ذِمَّتِهِ ) إذْ لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بَلْ فِيهِ نَفْعُهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ : وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ أَيْ كَالْمَرِيضِ وَالسَّفِيهِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَالِيِّ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ حَتَّى لَا يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَتَصِحُّ إجَازَتُهُ لِمَا فَعَلَ مُورِثُهُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَنْفِيذٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ ( وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَرَهْنُهُ وَكِتَابَتُهُ ) وَنَحْوُهَا كَشِرَائِهِ بِالْعَيْنِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْغُرَمَاءِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِالْأَعْيَانِ كَالرَّهْنِ وَلِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مُرَاغَمَةِ مَقْصُودِ الْحَجْرِ كَالسَّفِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ مَا لَوْ دَفَعَ لَهُ الْحَاكِمُ كُلَّ يَوْمٍ نَفَقَةً لَهُ وَلِعِيَالِهِ فَاشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا فِيمَا يَظْهَرُ ، وَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ ( وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ لِعَدَمِ الضَّرَرِ ) لِتَعَلُّقِ التَّفْوِيتِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( وَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ ) مِنْ مُعَامَلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يَزْحَمُ غُرَمَاءَ الصِّحَّةِ وَلِعَدَمِ التُّهْمَةِ الظَّاهِرَةِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْشَاءِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ مَقْصُودَ الْحَجْرِ مَنَعَ التَّصَرُّفَ فَأُلْغِيَ إنْشَاؤُهُ ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ وَالْحَجْرُ لَا يَسْلُبُ الْعِبَارَةَ عَنْهُ ( وَيَثْبُتُ ) عَلَيْهِ
الدَّيْنُ ( بِنُكُولِهِ ) عَنْ الْحَلِفِ ( مَعَ حَلِفِ الْمُدَّعِي ) كَإِقْرَارِهِ ( فَإِذَا عَزَاهُ ) أَيْ الدَّيْنَ الْمَقَرَّ بِهِ أَيْ أَسْنَدَهُ ( إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ ) وَلَوْ مُعَامَلَةً ( أَوْ إلَى إتْلَافٍ ) وَلَوْ بَعْدَ الْحَجْرِ ( زُوحِمَ بِهِ الْغُرَمَاءُ ) لَا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى مُعَامَلَةٍ بَعْدَ الْحَجْرِ لِتَقْصِيرٍ مِنْ مُعَامَلَةٍ وَ ( لَا إنْ أَطْلَقَ ) الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ بِأَنْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلَى مُعَامَلَةٍ أَوْ إتْلَافٍ أَوْ أَسْنَدَهُ إلَى مُعَامَلَةٍ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ ، وَلَا إلَى مَا بَعْدَهُ ( وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ ) فَلَا يُزَاحِمُ بِهِ الْغُرَمَاءُ بَلْ يَنْزِلُ الْإِقْرَارُ بِهِ عَلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ فَيَبْطُلُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عَنْ مُعَامَلَةٍ بَعْدِ الْحَجْرِ أَمَّا إذَا لَمْ تَتَعَذَّرْ مُرَاجَعَتُهُ فَيُرَاجَعُ ؛ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَفِي نُسْخَةٍ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ إلَى آخِرِهِ أَيْ فَيُزَاحِمُ بِهِ الْغُرَمَاءُ وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ فِيمَا ذُكِرَ بِمَا قَبْلَ الْحَجْرِ وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ ، وَصَوَابُهُ مَا بَعْدَ الْحَجْرِ كَمَا تَقَرَّرَ .
( قَوْلُهُ كَمَا يَتَّضِحُ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً ( قَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي وَالْغَزَالِيُّ : وَيَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ إلَخْ ) لَعَلَّهُمَا فَرَّعَاهُ عَلَى النُّفُوذِ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُعْسِرِ وَرَجَّحَ السُّبْكِيُّ فِي التَّكْمِلَةِ عَدَمَ نُفُوذِهِ ، وَعَلَيْهِ جَرَى الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ ) كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا اسْتَظْهَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ الْوَجْهُ قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ فَاشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ جَزْمًا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَوْ بَاعَهُمْ مُتَّهَمٌ بِدَيْنِهِمْ ( قَوْلُهُ : وَوَصِيَّتُهُ ) وَتَصَرُّفُهُ فِي ذِمَّتِهِ ( قَوْلُهُ : لِتَعَلُّقِ التَّفْوِيتِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ) ثُمَّ إنْ فَضَلَ الْمَالُ بَعْدَ دُيُونِهِ نَفَذَ ، وَإِلَّا فَلَا يَنْفُذُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ مُعَامَلَةً ) أَيْ وَجَبَ قَبْلَ الْحَجْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ لُزُومُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ( قَوْلُهُ : زُوحِمَ بِهِ الْغُرَمَاءُ ) كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَإِقْرَارِ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ يُزَاحَمُ بِهِ غُرَمَاءُ الصِّحَّةِ وَلِضَعْفِ التُّهْمَةِ ؛ إذْ الضَّرَرُ فِي حَقِّهِ أَكْثَرُ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ) أَيْ فِي الثَّانِيَةِ ، وَدَيْنُ الْمُعَامَلَةِ فِي الْأُولَى ( قَوْلُهُ : وَهِيَ مُوَافِقَةٌ لِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ فِيمَا قَبْلَ الْحَجْرِ ) عِبَارَتُهَا بِخَطِّهِ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ التَّنْزِيلُ عَلَى الْأَقَلِّ وَجَعْلُهُ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ .
( وَإِذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ ) كَقَوْلِهِ غَصَبْتهَا أَوْ اسْتَعَرْتهَا أَوْ اسْتَوْدَعْتهَا ( سُلِّمَتْ لِصَاحِبِهَا ) لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ إتْلَافٍ أَوْ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ ، وَأَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ فَلَوْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ يَمِينَ الْمُقِرِّ لَهُ حَلَفَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ فِيمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَحْجُورًا عَلَيْهِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ ( وَلَوْ اتَّهَبَ مَالًا أَوْ اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ دَخَلَ فِي الْحَجْرِ وَقُسِّمَ فِي الْغُرَمَاءِ ) أَيْ بَيْنَهُمْ فَيَتَعَدَّى الْحَجْرُ إلَى أَمْوَالِهِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ لِعُمُومِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْوَفَاءُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَمَحَلُّ تَعَدِّيهِ إذَا كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَقِرًّا أَمَّا لَوْ وَهَبَ لَهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ فَقَبِلَ وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَعَلُّقٌ بِهِ وَكَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فِيمَا لَوْ أَصَدَقَتْ الْمَحْجُورَةُ إيَّاهَا ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَعَدِّي الْحَجْرِ إلَى الْحَادِثِ ، وَلَوْ زَادَ مَالُهُ بِهِ عَلَى الدُّيُونِ فَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى النَّقْصِ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ وَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ .
( قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ غَصَبْتهَا إلَخْ ) أَوْ سَرَقْتهَا ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنِ إتْلَافٍ أَوْ بِدَيْنِ مُعَامَلَةٍ إلَخْ ) مَتَى قَبِلَ إقْرَارَهُ فَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ إذْ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ كَذَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ ) الْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُهُمْ فِيمَا إذَا أَقَرَّ لَهُ الْمُفْلِسُ بِعَيْنٍ ، وَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِهَا ( قَوْلُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَوْصَى لَهُ بِهِ ) أَيْ أَوْ وَرِثَهُ ( قَوْلُهُ فِيمَا لَوْ أَصَدَقَتْ الْمَحْجُورَةُ أَبَاهَا ) أَوْ أَوْصَى لَهَا بِهِ أَوْ وَرِثَتْهُ ( قَوْلُهُ فَيُحْتَمَلُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اُشْتُهِرَ إلَخْ ) الثَّانِي هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ .
( وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ ) فِي فَسْخِ الْبَيْعِ ( إنْ جَهِلَ ) الْإِفْلَاسَ لِأَنَّهُ عَيْبٌ بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ لِتَقْصِيرِهِ ( وَإِنْ جَنَى ) جِنَايَةً تُوجِبُ وَلَوْ بِالْعَفْوِ مَالًا ( وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ ضُورِبَ ) أَيْ ضَارَبَ مُسْتَحِقُّ أَرْشِ الْجِنَايَةِ ( بِالْأَرْشِ ) إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ فَيَبْعُدُ تَكْلِيفُهُ الِانْتِظَارَ ( كَدَيْنٍ حَادِثٍ تَقَدَّمَ مُوجِبُهُ ) عَلَى الْحَجْرِ كَانْهِدَامِ مَا آجَرَهُ الْمُفْلِسُ وَقَبَضَ أُجْرَتَهُ وَأَتْلَفَهَا سَوَاءٌ أَحْدَثَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَمْ بَعْدَهَا وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ : وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ زِيَادَةُ إيضَاحٍ ( وَمُؤْنَةُ الْمَالِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ وَالْحَمَّالِ ) وَكَذَا الْبَيْتُ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ ( مُقَدِّمَةٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ ) لِأَنَّهَا لِمَصْلَحَةِ الْحَجْرِ هَذَا ( إنْ عَدِمَ مُتَبَرِّعٌ ) بِهَا ( وَلَمْ يَتَّسِعْ بَيْتُ الْمَالِ ) وَإِلَّا فَلَا يُصْرَفُ إلَيْهَا مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ شَيْءٌ ( وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ إنْ كَانَ ) فِيهِ ( غِبْطَةٌ ) وَلَيْسَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِهَا لِأَنَّ الْفَسْخَ لَيْسَ تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً فَيُمْنَعُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الَّذِي لَمْ يَشْمَلْهُ الْحَجْرُ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَالدَّارِمِيُّ ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَفْوِيتٌ لِحَاصِلٍ وَإِنَّمَا هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ النَّصِّ مِنْ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا ثُمَّ مَرِضَ وَاطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ ، وَالْغِبْطَةُ فِي رَدِّهِ ، وَلَمْ يَرُدَّ حَسَبَ مَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ مِنْ الثُّلُثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْوِيتٌ وَقَضِيَّتُهُ لُزُومِ الرَّدِّ هُنَا وَفَرَّقَ بِأَنَّ حَجْرَ الْمَرَضِ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّ إذْنَ الْوَرَثَةِ فِي تَصَرُّفِ الْمَرِيضِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَإِذْنُ الْغُرَمَاءِ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْمُفْلِسُ يُفِيدُهُ الصِّحَّةَ ، وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الضَّرَرَ اللَّاحِقَ لِلْغُرَمَاءِ بِتَرْكِ الرَّدِّ قَدْ يُجْبَرُ
بِالْكَسْبِ بَعْدُ بِخِلَافِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِلْوَرَثَةِ بِذَلِكَ ، وَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِرَدِّ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ وَمَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَهُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ لِقُصُورِهِ عَلَى الْأُولَى أَمَّا إذَا كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الْإِبْقَاءِ فَلَا رَدَّ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَالِ بِلَا غَرَضٍ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ غِبْطَةً أَصْلًا لَا فِي الرَّدِّ وَلَا فِي الْإِبْقَاءِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِخِلَافِهِ ، وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِيهَا مُتَدَافِعٌ ( فَإِنْ حَدَثَ ) بِالْمَبِيعِ ( عَيْبٌ آخَرُ ) عِنْدَ الْمُفْلِسِ ( اُمْتُنِعَ الرَّدُّ ) الْقَهْرِيُّ ( وَوَجَبَ ) لَهُ ( الْأَرْشُ ) لِمَا مَرَّ فِي خِيَارِ النَّقْصِ ( وَلَمْ يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ ) لِلتَّفْوِيتِ ( وَلَهُ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ وَالْإِجَازَةِ مُطْلَقًا ) عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْغِبْطَةِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ تَصَرُّفًا مُبْتَدَأً .
( قَوْلُهُ وَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْإِفْلَاسَ ) فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ لَمْ يُزَاحِمْ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ فَقَدْ قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا خِيَارَ لَهُ أَوْ لَهُ الْخِيَارُ فَلَمْ يَفْسَخْ فَفِي مُضَارَبَتِهِ بِالثَّمَنِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا ا هـ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَلِبَائِعِهِ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ فَإِنْ عَلِمَ أَوْ أَجَازَ لَمْ يُزَاحِمْ الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ لِحُدُوثِهِ بِرِضَاهُ ا هـ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُضَارِبْ بِحَالٍ بَلْ يَرْجِعُ فِي الْعَيْنِ إنْ جَهِلَ قَالَ شَيْخُنَا : وَوَقَعَ لِلشَّارِحِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ رَدِّهِ حِينَئِذٍ دُونَ لُزُومِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي إلَخْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ( قَوْلُهُ : لَا يُفِيدُ شَيْئًا ) قَطْعًا ( قَوْلُهُ : يُفِيدُ الصِّحَّةَ ) أَيْ عَلَى رَأْيٍ أَوْ انْضَمَّ إلَى إذْنِهِمْ إذْنُ الْحَاكِمِ ( قَوْلُهُ : وَمَا اشْتَرَاهُ فِي الذِّمَّةِ بَعْدَهُ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَالْمُتَّجَهُ التَّسْوِيَةُ وَابْنُ النَّقِيبِ بَلْ الرَّدُّ فِيهِ أَوْلَى وَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْهُ لِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا : وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الرَّدِّ لِتَلَفِ حَقِّهِمْ بِهِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَنَّ الرَّدَّ هُنَاكَ يَسْتَلْزِمُ حُصُولَ الثَّمَنِ لِلْغُرَمَاءِ ، وَهُنَا يَفُوتُ عَلَيْهِمْ مَجَّانًا ، وَقَوْلُهُمْ : إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ قَدْ يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْغِبْطَةَ لِلْمُفْلِسِ وَحْدَهُ فس خَرَجَ بِقَوْلِهِمْ إنْ كَانَتْ الْغِبْطَةُ فِي الرَّدِّ مَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ عَالِمٍ بِحَجْرِهِ أَوْ جَاهِلٍ بِهِ وَأَجَازَ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِهِ فَإِنَّهُ لَا رَدَّ لَهُ لِتَلَفِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ مَعَ عَدَمِ مُزَاحَمَةِ بَائِعِهِ لَهُمْ ( قَوْلُهُ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ ) أَيْ كَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَالْحَاوِي وَقَوْلُهُ : إنَّهُ لَا يُرَدُّ أَيْضًا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ
إذَا لَمْ تَكُنْ غِبْطَةً أَصْلًا إلَخْ ) بِأَنْ كَانَ مَعِيبًا أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ الثَّمَنِ ( قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْأَصْلِ فِيهِ مُتَدَافِعٌ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَالْمَنْقُولُ فِي نَظِيرِهِ وَهُوَ الرَّدُّ بِالْخِيَارِ تَفْرِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ الْغِبْطَةِ فِيهِ الْجَوَازُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ عَلَى الْمَبِيعِ دُونَ زَمَنِ الْخِيَارِ ( قَوْلُهُ : وَلَهُ الْفَسْخُ بِالْخِيَارِ وَالْإِجَازَةِ مُطْلَقًا ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مُزَلْزَلٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ يَضْعُفُ التَّعَلُّقُ بِهِ .
( فَصْلٌ غُرَمَاءُ الْمَيِّتِ لَا يَحْلِفُونَ إنْ نَكَلَ الْوَارِثُ ) عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَوْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ أَوْ مَعَ الشَّاهِدِ ؛ إذْ لَيْسَ لَهُمْ إثْبَاتُ حَقِّ غَيْرِهِمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ بَلْ إذَا ثَبَتَ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِهِ ( وَكَذَا غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ ) لَا يَحْلِفُونَ إنْ نَكَلَ عَمَّا ذُكِرَ لِذَلِكَ ، وَكَلَامُهُ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَعَمُّ مِنْ كَلَامِ أَصْلِهِ ، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ ابْتِدَاءُ الدَّعْوَى ؛ إذْ تَرَكَهَا الْوَارِثُ أَوْ الْمُفْلِسُ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ ابْتِدَاءُ الدَّعْوَى إذَا تَرَكَهَا الْوَارِثُ إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا أَحَالَ بِدَيْنِهِ عَلَى إنْسَانٍ وَمَاتَ الْمُحِيلُ بِلَا وَارِثٍ فَادَّعَى الْمُحْتَالُ ، أَوْ وَارِثُهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَى وَارِثِهِ بِالدَّيْنِ الْمُحَالِ فِيهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَيْنَ الْمُحِيلِ ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ ، فَهَلْ لِلْمُحْتَالِ الْحَلِفُ مَعَهُ أَمْ هُوَ كَمَسْأَلَةِ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ أَوْ الْمُفْلِسِ لَمْ أَجِدْ فِيهِ نَقْلًا صَرِيحًا لَكِنْ فِي أَوَائِلِ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ رَجُلٌ اشْتَرَى سَهْمًا شَائِعًا مِنْ مِلْكٍ وَغَابَ الْبَائِعُ فَأَثْبَتَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمِلْكَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَزَلْ مِلْكَ أَبِي الْبَائِعِ إلَى أَنْ مَاتَ وَخَلَفَهُ لِوَرَثَتِهِ وَأَثْبَتَ حَصْرَهُمْ وَأَنَّ الْبَائِعَ يَخُصُّهُ مِنْ الْمِلْكِ الْقَدْرُ الْمَبِيعُ فَادَّعَى أَخُو الْبَائِعِ أَنَّ أَبَاهُ وَهَبَهُ ذَلِكَ الْمِلْكَ جَمِيعَهُ هِبَةً صَحِيحَةً مَقْبُوضَةً وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ أَنَّ الْأَبَ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ شَاهِدًا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ وَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ أَمْ لَا فَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى مِنْهُ فِي ذَلِكَ ، وَيَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ يَدَّعِي مِلْكًا لِغَيْرِهِ مُنْتَقِلًا مِنْهُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْوَارِثِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ مِلْكٍ لِمُورَثِهِ ا هـ وَقَوْلُهُ فَهَلْ لِلْمُحْتَالِ الْحَلِفُ مَعَهُ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَأَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ إلَخْ .
( فَصْلٌ وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ ) وَلَوْ ذِمِّيًّا ( مَنْعُ ) الْمَدْيُونِ ( الْمُوسِرِ بِالطَّلَبِ مِنْ السَّفَرِ ) الْمَخُوفِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يُشْغِلَهُ عَنْهُ بِرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ وَمُطَالَبَتِهِ ( حَتَّى يُوفِيَهُ ) دَيْنَهُ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَهُ فَرْضُ عَيْنٍ بِخِلَافِ السَّفَرِ نَعَمْ إنْ اسْتَنَابَ مَنْ يُؤَدِّيهِ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ ، وَالتَّصْرِيحُ بِذِكْرِ الْمُوسِرِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( لَا صَاحِبِ الْمُؤَجَّلِ ) فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ ( وَلَوْ كَانَ السَّفَرُ مَخُوفًا ) كَجِهَادٍ أَوْ الْأَجَلُ قَرِيبًا ؛ إذْ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِّ ( وَلَا يُكَلَّفُ ) مَنْ عَلَيْهِ الْمُؤَجَّلُ ( رَهْنًا وَ ) لَا ( كَفِيلًا وَلَا إشْهَادًا ) لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الْمُضَيَّعُ لِحَظِّ نَفْسِهِ حَيْثُ رَضِيَ بِالتَّأْجِيلِ مِنْ غَيْرِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ وَإِشْهَادٍ ( وَلَهُ السَّفَرُ صُحْبَتَهُ ) لِيُطَالِبَهُ عِنْدَ حُلُولِهِ ( بِشَرْطِ أَنْ لَا يُلَازِمَهُ ) مُلَازَمَةَ الرَّقِيبِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْحَالِّ مَنْعُ الْمُوسِرِ إلَخْ ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ السَّفَرُ إلَّا بِإِذْنِهِ ( قَوْلُهُ مُلَازَمَةُ الرَّقِيبِ ) أَيْ الْحَافِظِ .
( فَصْلٌ يَحْرُمُ حَبْسُ مَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ وَمُلَازَمَتُهُ وَيَجِبُ إنْظَارُهُ ) حَتَّى يُوسِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ إعْسَارُهُ يَجُوزُ حَبْسُهُ وَمُلَازَمَتُهُ إلَى أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ ( وَعَلَى الْمُوسِرِ الْأَدَاءُ ) لِلدَّيْنِ الْحَالِّ فَوْرًا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ( إنْ طُولِبَ ) بِهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ } إذْ لَا يُقَالُ مَطْلُهُ إلَّا إذَا طَالَبَهُ فَدَافَعَهُ ( فَإِنْ امْتَنَعَ ) مِنْ أَدَائِهِ ( أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ ) وَلَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ ، وَفِي مَنْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ ( بَاعَ الْحَاكِمُ ) عَلَيْهِ ( مَالَهُ ) إنْ كَانَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( أَوْ أَكْرَهَهُ بِالتَّعْزِيرِ ) أَيْ مَعَ التَّعْزِيرِ بِحَبْسٍ أَوْ غَيْرِهِ ( عَلَى الْبَيْعِ ) وَوَفَّى الدَّيْنَ وَالْمُرَادُ بَيْعُ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ لَا بَيْعُ جَمِيعِهِ مُطْلَقًا أَمَّا إذَا لَمْ يُطَالَبْ بِهِ فَلَا يَجِبُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ مَعْصِيَةً ، وَلَا يُنَافِيهِ الْوُجُوبُ فِي هَذِهِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْوُجُوبِ لِلْحُلُولِ وَالتَّخْيِيرِ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْإِكْرَاهِ قَالَ السُّبْكِيُّ : يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي حَقَّهُ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ فَلَوْ عَيَّنَ طَرِيقًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْحَاكِمِ فِعْلُ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ بِسُؤَالِهِ ، وَكَلَامُ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ يُشْعِرُ بِهِ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى الْمُوسِرِ الْأَدَاءُ إنْ طُولِبَ ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إذَا كَانَ عَلَى الْمَحْجُورِ دَيْنٌ وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَضَاؤُهُ إنْ ثَبَتَ وَطَالَبَهُ بِهِ صَاحِبُهُ فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ ، وَكَانَ مَالُ الْمَحْجُورِ نَاضًّا أَلْزَمَهُ الْوَلِيُّ قَبْضَ دَيْنِهِ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ خَوْفَ تَلَفِهِ ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا تَرَكَهُ إلَى خِيرَتِهِ فِي الطَّلَبِ وَسَكَتَ عَمَّا إذَا كَانَ مَالُهُ مَنْقُولًا ، وَيُتَّجَهُ إلْحَاقُهُ بِالنَّاضِّ ثُمَّ مَحَلُّ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا كَانَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ رَشِيدًا فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حُرِّمَ التَّأْخِيرُ ، وَقَالَ الْأَصْحَابُ فِي الْجَنَائِزِ : تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى وَفَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ تَبْرِئَةً لِذِمَّتِهِ وَخَوْفًا مِنْ تَلَفِ مَالِهِ وَيُتَّجَهُ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مُكَلَّفًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَ عَلَى خِيرَةِ مَالِكِهِ ا هـ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الصَّبِيَّ تَشْتَغِلُ ذِمَّتُهُ كَمَا تَشْتَغِلُ ذِمَّةُ الْبَالِغِ ، وَصَرَّحَ الشَّيْخُ نَصْرٌ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْغُسْلِ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِكَثْرَتِهِ فَلْيَتَحَمَّلْ عَنْ الْمَيِّتِ الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ) لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَأَصْلِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ( قَوْلُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَرَمُهُمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا : أَفْتَى الْوَالِدُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِامْتِنَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ ( قَوْلُهُ : لَا يَبِيعُ جَمِيعَهُ مُطْلَقًا ) أَيْ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ رَاغِبًا فِي شِرَاءِ الْبَعْضِ فَيَبِيعَ الْكُلَّ لِلضَّرُورَةِ ( قَوْلُهُ : وَكَلَامُ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ يُشْعِرُ ) بِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي فِي تَخْلِيصِ حَقِّهِ لَا فِي طَرِيقٍ بِعَيْنِهِ فَالْحَقُّ أَنَّ الْخِيَرَةَ فِي ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ وَلَوْ عَيَّنَ الْمُدَّعِي طَرِيقًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ ع
وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُهُ : كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ الْتَمَسَ غَرِيمُ الْمُمْتَنِعِ ) مِنْ الْأَدَاءِ ( الْحَجْرَ عَلَيْهِ ) فِي مَالِهِ ( أُجِيبُ لِئَلَّا يُتْلَفَ مَالُهُ ) وَلِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ أَنَّهُ قَالَ أَلَا إنَّ الْأُسَيْفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَةَ رَضِيَ مِنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ بِأَنْ يُقَالَ سَبَقَ الْحَاجُّ فَادَّانَ مُعْرِضًا أَيْ عَنْ الْوَفَاءِ فَأَصْبَحَ وَقَدْ دِينَ بِهِ أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَحْضُرْ غَدًا فَإِنَّا بَايَعُوا مَالَهُ وَقَاسَمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ إيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ ، وَآخِرُهُ حَرْبٌ ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَجْرُ حَجْرَ فَلَسٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَى مَالِهِ ( فَإِنْ أَخْفَاهُ ) بِقَيْدٍ صَرَّحَ بِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ فِي نُسْخَةٍ بِقَوْلِهِ ( وَهُوَ مَعْلُومٌ ) أَيْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَطَلَبَ غَرِيمُهُ حَبْسَهُ ( حُبِسَ ) حُجِرَ عَلَيْهِ أَوَّلًا ( حَتَّى يُظْهِرَهُ ) لِأَنَّهُ طَرِيقٌ لِتَوْفِيَةِ الْحَقِّ قَالَ الْمُتَوَلِّي : وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ وَفِي الْبَيْهَقِيّ أَنَّهُ { صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَبَسَ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ فِي قِيمَةِ الْبَاقِي } وَفِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا وَأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ أَيْ مَطْلُ الْقَادِرِ ، وَيُحِلُّ ذَمَّهُ وَتَعْزِيرَهُ وَحَبْسَهُ } ( فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ ) بِالْحَبْسِ ( وَرَأَى ) الْحَاكِمُ ( ضَرْبَهُ ) أَوْ غَيْرَهُ ( فَعَلَ ) ذَلِكَ وَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُ عَلَى الْحَدِّ وَلَا يُعَزِّرْهُ ثَانِيًا حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقَدْ يُقَالُ فِي تَعَيُّنِ الْحَبْسِ أَوَّلًا نَظَرٌ بَلْ الْقِيَاسُ خِلَافُهُ كَسَائِرِ التَّعَازِيرِ وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ فِي تَعْزِيرٍ لِمَحْضِ التَّأْدِيبِ لَا فِي تَعْزِيرٍ لِتَوْفِيَةِ حَقٍّ امْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ مِنْ أَدَائِهِ فَيَتَعَيَّنُ مَا عَيَّنَهُ وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَعَلَيْهِ يَلْزَمُ أَنَّهُ
لَوْ عَيَّنَ لَهُ غَيْرَ الْحَبْسِ تَعَيَّنَ فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَ مَالِهِ ، وَأَنَّهُ مُعْسِرٌ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ ( فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِتَلَفِهِ قُبِلَتْ ) وَلَا يَحْلِفُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبَهَا ( وَكَذَا ) تُقْبَلُ إنْ أَقَامَهَا وَلَوْ فِي الْحَالِّ ( بِإِعْسَارِهِ ) وَوَقَعَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ ( مِنْ خَبِيرٍ بِبَاطِنِهِ ) بِطُولِ الْجِوَارِ وَكَثْرَةِ الْمُخَالَطَةِ فَإِنَّ الْأَمْوَالَ تَخْفَى وَإِنَّمَا سُمِعَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِالنَّفْيِ لِلْحَاجَةِ كَشَهَادَةِ أَنْ لَا وَارِثَ وَغَيْرَهُ ( وَيُعْتَمَدُ قَوْلُهُ ) أَيْ الشَّاهِدِ بِإِعْسَارِهِ ( أَنَّهُ خَبِيرٌ ) بِبَاطِنِهِ وَإِنْ عَرَفَهُ الْحَاكِمُ كَفَى .
( قَوْلُهُ : بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ زِيَادَةُ الدَّيْنِ عَلَى مَالِهِ ) شَمِلَ مَا لَوْ زَادَ مَالُهُ عَلَى دَيْنِهِ ، وَهُوَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجْرِ إفْلَاسٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْعِنَادِ وَالْمُمَانَعَةِ ، وَقَصْدُهُ الْإِضْرَارُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ ادَّعَى تَلَفَ مَالِهِ وَأَنَّهُ مُعْسِرٌ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ ) لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ تَلَفَهُ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ أَوْ لَا ( قَوْلُهُ : مِنْ خَبِيرٍ بِبَاطِنِهِ ) قَالَ الْإِمَامُ : قَالَ الْأَئِمَّةُ : تُعْتَبَرُ الْخِبْرَةُ الْبَاطِنَةُ فِي ثَلَاثِ شَهَادَاتٍ : الشَّهَادَةُ عَلَى أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعَدَالَةِ وَالْإِعْسَارِ .
( وَإِنْ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِعْسَارَ فَإِنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ ) كَشِرَاءٍ وَقَرْضٍ ( فَهُوَ كَدَعْوَى هَلَاكِهِ ) فَيُطَالَبُ بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْمُعَامَلَةُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ ( فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ) سَوَاءٌ أَلْزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ كَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَرَامَةِ مُتْلَفٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ وَلَوْ ظَهَرَ غَرِيمٌ آخَرُ قَالَ فِي الْبَيَانِ : لَا يَحْلِفُهُ ثَانِيًا لِثُبُوتِ إعْسَارِهِ بِالْيَمِينِ الْأُولَى ، وَمَحَلُّ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ إقْرَارٌ فَكَالْحَجْرِ فَلَوْ أَقَرَّ بِهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِعْسَارَ فَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِذَهَابِ مَالِهِ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا وَقَعَتْ بِهِ الْمُعَامَلَةُ ) قَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ مَا يَبْقَى أَمَّا مَا لَا يَبْقَى كَاللَّحْمِ وَنَحْوِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا بِأَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ لَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ ) أَيْ وَلَمْ يُعْهَدْ لَهُ مَالٌ ( قَوْلُهُ : كَضَمَانٍ وَصَدَاقٍ ) أَيْ وَأُجْرَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَيَانِ إلَخْ ) وَارْتَضَاهُ ابْنُ عُجَيْلٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِذَهَابِ مَالِهِ ) أَوْ بِالْوَجْهِ الَّذِي صَارَ بِهِ مُفْلِسًا ، وَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَهَابَ مَالِهِ الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ مَلِيءٌ بِهِ ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَهَابَ مَالِهِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْلَمُ ذَهَابَهُ لَكِنْ يَعْلَمُ ذَهَابَ مَالِهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ .
( فَرْعٌ يَثْبُتُ الْإِعْسَارُ بِشَاهِدَيْنِ ) يَشْهَدَانِ ( أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَمْلِكُ إلَّا قُوتَ يَوْمِهِ وَثِيَابَ بَدَنِهِ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالِكًا لِغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ كَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ وَلِأَنَّ قُوتَ يَوْمِهِ قَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالْكَسْبِ ، وَثِيَابُ بَدَنِهِ قَدْ تَزِيدُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيَصِيرُ مُوسِرًا بِذَلِكَ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّهُ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ الْعَجْزَ الشَّرْعِيَّ عَنْ وَفَاءِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ انْتَهَى وَأَفَادَ تَعْبِيرُهُمْ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَلَا شَاهِدٌ وَيَمِينٌ ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ثَلَاثَةٌ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ { لِمَنْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ جَائِحَةً أَصَابَتْ مَالَهُ ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاحْتِيَاطِ ( وَلَا يَقْتَصِرَانِ ) فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْإِعْسَارِ ( عَلَى أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ ) حَتَّى لَا تَتَمَحَّضَ شَهَادَتُهُمَا نَفْيًا ( وَيَجِبُ ) مَعَ الْبَيِّنَةِ ( تَحْلِيفُهُ ) عَلَى إعْسَارِهِ ( بِاسْتِدْعَاءِ الْخَصْمِ ) أَيْ طَلَبِهِ لِجَوَازِ اعْتِمَادِ الشَّاهِدَيْنِ الظَّاهِرَ فَإِنْ لَمْ يُسْتَدْعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْلِفْ كَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَلَهُ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ إعْسَارَهُ ) إذَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ ( فَإِنْ نَكَلُوا ) عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفَ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ وَإِنْ حَلَفُوا حُبِسَ وَإِنْ ادَّعَى ثَانِيًا وَثَالِثًا ) وَهَكَذَا ( أَنَّهُ بَانَ لَهُمْ إعْسَارُهُ حَلَفُوا حَتَّى يَظْهَرَ ) لِلْحَاكِمِ ( أَنَّ قَصْدَهُ الْإِيذَاءُ ) وَعَكْسُهُ لَوْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ فَادَّعَوْا بَعْدَ أَيَّامٍ أَنَّهُ اسْتَفَادَ مَالًا وَبَيَّنُوا الْجِهَةَ الَّتِي اسْتَفَادَ مِنْهَا فَلَهُمْ تَحْلِيفُهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ قَصْدُ الْإِيذَاءِ ، وَصَرَّحَ الْأَصْلُ بِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ
مَا عَدَا الْمُسْتَثْنَى .
( قَوْلُهُ يَثْبُتُ الْإِعْسَارُ بِشَاهِدَيْنِ إلَخْ ) لَوْ عَلِمَ الْقَاضِي إعْسَارَهُ جَازَ الْحُكْمُ بِهِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ : أَبْرِئْنِي فَإِنِّي مُعْسِرٌ فَأَبْرَأَهُ ثُمَّ بَانَ يَسَارُهُ بَرِئَ ، وَلَوْ قُيِّدَ الْإِبْرَاءُ بِعَدَمِ ظُهُورِ الْمَالِ لَمْ يَبْرَأْ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : كَأَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ إلَخْ ) أَوْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ أَوْ عَلَى مُعْسِرٍ أَوْ جَاحِدٍ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى إثْبَاتِهِ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ أَوْ آبِقٌ ، وَحَصِيرٌ وَلِبَدٌ قَلِيلَا الْقِيمَةِ أَوْ مَغْصُوبٌ ( قَوْلُهُ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ إلَخْ ) أَوْ أَشْهَدُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا مَالَ لَهُ يَجِبُ وَفَاءُ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الدَّيْنِ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ بَلْ الْمُرَادُ ثُبُوتُ الْإِعْسَارِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى خُصُوصِ دَيْنٍ فَيَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْإِعْسَارَ الَّذِي تَحْرُمُ مَعَهُ الْمُطَالَبَةُ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ ( قَوْلُهُ حَتَّى لَا تَتَمَحَّضَ شَهَادَتُهُمَا نَفْيًا ) فَإِنْ تَمَحَّضُوا فَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلْعُبَيْلِيِّ أَنَّهُ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ ا هـ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الشَّاهِدِ بِحَصْرِ الْوَرَثَةِ أَنَّهُ يَقُولُ : لَا أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ ، وَلَا يُمَحَّضُ النَّفْيُ بِأَنْ يَقُولَ : لَا وَارِثَ فَلَوْ مَحَّضَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : فَلْيَكُنْ مِثْلَهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يُسْتَدْعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْلِفْ ) كَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ لِغَائِبٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ لَمْ تَتَوَقَّفْ الْيَمِينُ عَلَى الطَّلَبِ وَإِنَّمَا يَكْتَفِي بِبَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ إذَا لَمْ تُعَارِضْهَا بَيِّنَةُ يَسَارِهِ ، فَإِنْ عَارَضَتْهَا بَيِّنَةُ يَسَارِهِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عِنْدَ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى عُجَيْلٍ وَالْفَقِيهِ عَلِيِّ بْنِ قَاسِمٍ الْحَكَمِيِّ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ وَالْجِيلِيُّ فِي شَرْحِهِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ أَبِي
الصَّيْفِ وَقَالَ الْفَقِيهُ عَلِيُّ بْنُ مَسْعُودٍ وَالْفَقِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَضْرَمِيُّ : إنَّهُ إنْ جُهِلَتْ حَالُهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ ، وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ ) وَثَبَتَ إعْسَارُهُ كَمَا يَثْبُتُ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِهِ إذَا عَلِمَهُ قَالَ شَيْخُنَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا .
( فَصْلٌ يَأْمُرُ الْقَاضِي ) وُجُوبًا ( مَنْ يَبْحَثُ ) أَيْ اثْنَيْنِ يَبْحَثَانِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ ( عَنْ حَالِ ) الْمَحْبُوسِ ( الْغَرِيبِ ) الَّذِي لَا تُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِإِعْسَارِهِ ( لِيُتَوَصَّلَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ ) بِإِعْسَارِهِ ( إلَى الشَّهَادَةِ بِإِعْسَارِهِ كَيْ لَا يَتَخَلَّدَ حَبْسُهُ فَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِ الْمُعْسِرِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَصَدَّقَهُ أَخَذَهُ ) مِنْهُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْغُرَمَاءِ ( وَلَا يَحْلِفُ الْمُعْسِرُ أَنِّي مَا وَاطَأْته ) أَيْ الْمُقِرَّ لَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَمْ يُقْبَلْ ( وَإِنْ كَذَّبَهُ ) الْمُقِرُّ لَهُ ( أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ وَلَمْ ) الْأَوْلَى وَلَا ( يُلْتَفَتْ إلَى إقْرَارِهِ بِهِ لِآخَرَ ) لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي صَرْفِهِ عَنْهُ ( وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ انْتَظَرَ قُدُومَهُ ) فَإِنْ صَدَّقَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطِّفْلَ وَنَحْوَهُ كَالْغَائِبِ انْتَهَى ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ فَلَا انْتِظَارَ ، وَأَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ لِمَجْهُولٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ ، وَصَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ ( وَالْوَالِدُ ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ( لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ الْوَلَدِ ) كَذَلِكَ وَإِنْ سَفَلَ ، وَلَوْ صَغِيرًا وَزَمَنًا ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَلَا يُعَاقَبُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَقِيلَ يُحْبَسُ وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ دَيْنِ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِالنُّجُومِ كَمَا يَأْتِي فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَا الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وَتَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَالْمُرْتَهِنِ ، وَلِأَنَّ الْعَمَلَ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْحَبْسِ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي نَفْسِهِ بَلْ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ ، قَالَ السُّبْكِيُّ : وَعَلَى قِيَاسِهِ لَوْ اسْتَعْدَى عَلَى مَنْ
اُسْتُؤْجِرَ عَيْنُهُ وَكَانَ حُضُورُهُ لِلْحَاكِمِ يُعَطِّلُ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ ، وَلَا يَعْتَرِضُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى إحْضَارِ الْمَرْأَةِ الْبَرْزَةِ وَحَبْسِهَا ، وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً لِأَنَّ لِلْإِجَارَةِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ كَالْمُسْتَأْجَرِ إنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً ، وَإِلَّا فَكَالزَّوْجَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ فِي يَدِ الْمُعْسِرِ مَالٌ فَأَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ ، وَصَدَّقَهُ أَخَذَهُ إلَخْ ) لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلْمُفْلِسِ وَأَقَرَّ هُوَ لِغَيْرِهِ قُدِّمَ الْإِقْرَارُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ : وَالْإِبَانَةُ ، وَلَوْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ ، وَتَسْقُطَ عَنْهُ الْمُطَالَبَةُ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ قَالَ : هَذَا الْمَالُ لَيْسَ لِي ، وَلَمْ يُعَيِّنْ شَخْصًا فَلِلْغُرَمَاءِ ، وَلَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ : أَبْرِئْنِي فَإِنِّي مُعْسِرٌ فَأَبْرَأَهُ ثُمَّ بَانَ يَسَارُهُ بَرِئَ ، وَلَوْ قَيَّدَ الْإِبْرَاءَ بِعَدَمِ ظُهُورِ الْمَالِ لَمْ يَبْرَأْ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطِّفْلَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إذَا صَدَّقَهُ الْوَلِيُّ فَلَا انْتِظَارَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ : وَأَنَّ الْمُفْلِسَ لَوْ أَقَرَّ إلَخْ ( قَوْلُهُ : وَالتَّصْرِيحُ بِالتَّرْجِيحِ مِنْ زِيَادَتِهِ ) وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الشَّهَادَاتِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ بِالنُّجُومِ ) وَلَا الْمَرِيضُ وَالْمُخَدَّرَةُ وَابْنُ السَّبِيلِ بَلْ يُوَكِّلُ بِهِمْ لِيَتَرَدَّدُوا وَيَتَمَحَّلُوا وَلَا الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ وَلَا أَبُوهُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُقِيمُ ، وَالْوَكِيلُ فِي دَيْنٍ لَمْ يَجِبْ بِمُعَامَلَتِهِمْ ، وَلَا الْعَبْدُ الْجَانِي ، وَلَا سَيِّدُهُ ( قَوْلُهُ : يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْضُرَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ أَنَّ الْمُوصِيَ بِمَنْفَعَتِهِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَرْعٌ لَا يَأْثَمُ الْمَحْبُوسُ الْمُعْسِرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ ) وَالْجَمَاعَةِ الْمَفْهُومَةِ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ مِنْهَا إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ ، وَمِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ وَمُحَادَثَةِ الْأَصْدِقَاءِ ، وَالتَّرْجِيحُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَنْوَارِ وَلَا تَرْجِيحَ فِيهَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا بَلْ نَقَلَ فِيهَا مِنْ زِيَادَتِهِ عَنْ فَتَاوَى صَاحِبِ الشَّامِلِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَعَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ جَزَمَ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَبَحَثَ الرَّافِعِيُّ ثَمَّ الْقَوْلَ بِالثَّانِي ، وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ فَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْبَابَيْنِ عَلَى الْحَالَيْنِ ( لَا ) مِنْ ( دُخُولِهَا لِحَاجَةٍ ) كَحَمْلِ طَعَامٍ ( وَ ) لَهُ مَنْعُهُ ( مِنْ شَمِّ الرَّيَاحِينِ لِلتَّرَفُّهِ ) فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةِ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ ( لَا ) مَنْعُهُ ( مِنْ عَمَلِ صَنْعَةٍ ) فِي الْحَبْسِ وَإِنْ كَانَ مُمَاطِلًا ( وَنَفَقَتُهُ ) وَاجِبَةٌ ( عَلَى نَفْسِهِ ) وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْحَبْسِ لِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمَكَانِ .
( قَوْلُهُ : وَلِلْقَاضِي مَنْعُ الْمَحْبُوسِ مِنْهَا ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْفَلَ عَلَى الْمَحْبُوسِ بَابُ السِّجْنِ ، وَلَا أَنْ يُجْعَلَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ ، وَلَا يُؤْذَى بِحَالٍ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْكَسْبِ بِجُلُوسِهِ فِي الْحَبْسِ وَلَوْ هَرَبَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْحَاكِمِ طَلَبُهُ فَإِنْ وَجَدَهُ خَصْمُهُ فِي عَمَلِ الْقَاضِي لَزِمَهُ إحْضَارُهُ وَحَبْسُهُ إنْ سَأَلَهُ خَصْمُهُ وَعَزَّرَهُ إنْ لَمْ يُبْدِ عُذْرًا فِي هَرَبِهِ كَإِعْسَارِهِ ( قَوْلُهُ فَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةِ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ جَازَ ) قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ : وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَبْسُ لِلتَّأْدِيبِ وَيَقْتَضِي نَظَرَ الْحَاكِمِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ التَّأْدِيبِ وَهَذَا حَسَنٌ ع .
( وَإِنْ حُبِسَتْ امْرَأَةٌ فِي دَيْنٍ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا ) مُدَّةَ الْحَبْسِ ( وَلَوْ ثَبَتَ ) الدَّيْنُ ( بِالْبَيِّنَةِ ) كَمَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَاعْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْذُورَةً وَأَفْهَمَ كَلَامُهُ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا انْتَهَى وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَيُفَارِقُ عَدَمَ سُقُوطِهَا فِيمَا لَوْ صَامَتْ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً نَذَرَتْ صَوْمَهَا بَعْدَ النِّكَاحِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ بِأَنَّ صَوْمَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا عَيْنًا مَضِيقًا بِإِذْنِهِ مَعَ النَّذْرِ الَّذِي يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ بِخِلَافِ حَبْسِهَا ( وَيَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى ) عَلَيْهِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يُرَدُّ إلَى الْحَبْسِ ( فَإِنْ لَزِمَهُ حَقٌّ آخَرُ حُبِسَ بِهِمَا وَلَمْ يُطْلَقْ بِقَضَاءِ أَحَدِهِمَا ) دُونَ الْآخَرِ ( وَيَخْرُجُ الْمَجْنُونُ ) مِنْ الْحَبْسِ مُطْلَقًا ( وَالْمَرِيضُ ) إنْ لَمْ يَجِدْ مُمَرِّضًا ( فَإِنْ وَجَدَ مُمَرِّضًا فَوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا فِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ ( وَمَنْ ثَبَتَ إعْسَارُهُ أَخْرَجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضَى .
( قَوْلُهُ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الزَّوْجُ إلَخْ ) وَإِنْ مَكَّنَاهُ مِنْ دُخُولِ الْحَبْسِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ حِرْزِهِ ، وَلَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ السَّفَرَ بِهَا فَأَقَرَّتْ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ فَلَهُ حَبْسُهَا وَمَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ مَعَ زَوْجِهَا ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ : إنَّ قَصْدَهَا بِالْإِقْرَارِ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْمُسَافِرَةِ ، وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لَمْ تُقْبَلْ ؛ إذْ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَلَا تُمْنَعُ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا ) وَيُمْنَعُ الزَّوْجُ مِنْهَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ السُّبْكِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمْنَعَ ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهَا ا هـ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَا تَمْتَنِعُ الْمُتَزَوِّجَةُ مِنْهُ إذَا حُبِسَتْ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْهُ إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ فَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجُهُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا فِي الشَّافِي لِلْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ، وَجَزَمَ بِهِ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ ( قَوْلُهُ لِزَوَالِ الْمُقْتَضَى ) خَرَجَ بِذَلِكَ مَا إذَا أُشْهِدَ اثْنَانِ وَلَمْ يُعَدَّلَا فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ قَبْلَ تَعْدِيلِهِمَا ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْكِفَايَةِ خِلَافُهُ .
( فَصْلٌ وَيُبَادِرُ ) الْحَاكِمُ ( نَدْبًا ) فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ مُمْتَنِعًا مِنْ الْأَدَاءِ ( بِبَيْعِ مَالِهِ وَقِسْمَتِهِ ) أَيْ قِسْمَةِ ثَمَنِهِ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ ( لِئَلَّا يُطَالَ حَبْسُهُ ) إنْ حُبِسَ وَمُبَادَرَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَإِيصَالِ الْحَقِّ لِذَوِيهِ وَذَكَرَ حُكْمَ الْمُمْتَنِعِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَا يَسْتَعْجِلُ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ : وَلَا يُفَرِّطُ فِي الِاسْتِعْجَالِ ( فَيُبَاعُ بِبَخْسٍ وَيُسْتَحَبُّ الْبَيْعُ بِحُضُورِ الْمُفْلِسِ وَالرَّاهِنِ ) فِيمَا إذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ ( وَالْغُرَمَاءُ أَوْ وَكِيلُهُمْ ) لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلتُّهْمَةِ وَأَطْيَبُ لِلْقُلُوبِ وَلِيُخْبَرَ الْمُفْلِسَ بِمَا فِي مَالِهِ مِنْ الْعُيُوبِ فَلَا يَرُدُّ ، وَمِنْ الصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ فَتَكْثُرُ فِيهِ الرَّغَبَاتُ ، وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ فِي السِّلْعَةِ ، وَذَكَرَ وَكِيلُ الْغُرَمَاءِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَالْأَوْلَى : أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَقَعَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَحْتَاجَ إلَى بَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ الْحَاكِمُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ وَالْقَاضِي وَبَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْفَرَائِضِ : قَسْمُ الْحَاكِمِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِمَوْتِ الْمَفْقُودِ ، وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الِاكْتِفَاءَ بِالْيَدِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ ثُمَّ قَالَ كَالْأَذْرَعِيِّ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا يُوَافِقُهُ ، وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ ( وَيُبَاعُ أَوَّلًا مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ ) وَلَوْ غَيْرَ مَرْهُونٍ لِئَلَّا يَضِيعَ ( ثُمَّ الْمَرْهُونُ وَالْجَانِي ) لِيَتَعَجَّلَ حَقَّ مُسْتَحَقِّيهِمَا ( فَإِنْ بَقِيَ لِلْمُرْتَهِنِ ) مِنْ دَيْنِهِ ( شَيْءٌ ضَارَبَ بِهِ ) سَائِرَ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنْ فَضَلَ عَنْهُ شَيْءٌ ضُمَّ إلَى الْمَالِ ( وَيُقَدَّمُ ) أَيْضًا بَعْدَمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ ( مَالُ
الْقِرَاضِ لِيُؤْخَذَ ) مِنْهُ ( الرِّبْحُ الْمَشْرُوطُ ) وَلَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمُ بِمَا ذَكَرَ بَلْ سَائِرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ كَذَلِكَ وَهُوَ مَا يُقَدَّمُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ ( ثُمَّ الْحَيَوَانُ ) لِحَاجَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ وَلِكَوْنِهِ عُرْضَةً لِلْهَلَاكِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُدَبَّرُ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ حَتَّى يَتَعَذَّرَ الْأَدَاءُ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُؤَخَّرُ عَنْ الْكُلِّ صِيَانَةً لِلتَّدْبِيرِ عَنْ الْإِبْطَالِ انْتَهَى ( ثُمَّ الْمَنْقُولَاتُ ) أَيْ سَائِرُهَا لِخَوْفِ ضَيَاعِهَا ( ثُمَّ الْعَقَارُ ) وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ التَّلَفِ وَالسَّرِقَةِ وَلِيُشَهِّرَ بَيْعُهُ فَيَظْهَرَ الرَّاغِبُونَ ، وَيُبْدَأُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فَيُقَدَّمُ فِي الْمَنْقُولَاتِ الْمَلْبُوسُ عَلَى النُّحَاسِ وَنَحْوِهِ وَفِي الْعَقَارِ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي غَيْرِ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَغَيْرِ الْحَيَوَانِ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَقْدِيمَ بَيْعِ الْعَقَارِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالْأَحْسَنُ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَيُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى الْغَالِبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ .
وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا : وَالْمَرْهُونُ يُبَاعُ قَبْلَ الْجَانِي قَالَ فِي الْمَطْلَبِ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا فَاتَ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِ الْجَانِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ بَيْعَهُ لِذَلِكَ ، وَيُبَاعُ نَدْبًا ( كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ ) لِأَنَّ طَالِبَهُ فِيهِ أَكْثَرُ ، وَالتُّهْمَةُ فِيهِ أَبْعَدُ ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ مُؤْنَةٌ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَرَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي اسْتِدْعَاءِ أَهْلِ السُّوقِ إلَيْهِ فَعَلَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إذَا ظَنَّ عَدَمَ الزِّيَادَةِ فِي غَيْرِ سُوقِهِ ( فَإِنْ بَاعَهُ فِي
غَيْرِهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ صَحَّ ) الْبَيْعُ مُطْلَقًا ( وَإِنَّمَا يَبِيعُ ) بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ ( حَالًّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ ) كَالْوَكِيلِ نَعَمْ إنْ رَضِيَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ الْمُتَوَلِّي : جَازَ وَتَوَقَّفَ فِيهِ السُّبْكِيُّ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ يَطْلُبُ دَيْنَهُ فِي الْحَالِ ، وَلَوْ رَأَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْبَيْعِ بِمِثْلِ حُقُوقِهِمْ جَازَ ، وَلَوْ بَاعَ بِثَمَنِ مِثْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَ رَاغِبٌ بِزِيَادَةٍ فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي عَدْلِ الرَّهْنِ وُجُوبُ الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ ، وَفَسْخُ الْبَيْعِ ، وَحَكَاهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ النَّصِّ ( فَإِنْ كَانَ ) نَقْدُ الْبَلَدِ ( غَيْرَ ) جِنْسِ ( دَيْنِهِمْ ) وَلَمْ يَرْضُوا إلَّا بِجِنْسِ دَيْنِهِمْ ( اشْتَرَاهُ ) لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُهُمْ ( أَوْ عَاوَضَهُمْ بِهِ إنْ رَضَوْا إلَّا إنْ كَانَ سَلَمًا ) فَلَا يُعَاوِضُهُمْ وَإِنْ رَضَوْا لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ( وَلَا يُسَلِّمُ ) الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ ( مَا بِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ ) كَالْوَكِيلِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِمُؤَجَّلٍ ، وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ أَوَانِ الْقِسْمَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بِمُؤَجَّلٍ يَجِبُ تَسْلِيمُهُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : يُبَادِرُ نَدْبًا ) لَا شَكَّ فِي وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إلَى بَيْعِ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ أَوْ نَهْبٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : بِبَيْعِ مَالِهِ ) شَمِلَ مُدَبَّرَهُ ( قَوْلُهُ وَقِسْمَتِهِ ) أَيْ بَيْنَ غُرَمَائِهِ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ( قَوْلُهُ وَلْيُخْتَبَرْ الْمُفْلِسُ بِمَا فِي مَالِهِ إلَخْ ) وَلِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَمَنِ مَالِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ غَبْنٌ ( قَوْلُهُ : وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدْ يَزِيدُونَ إلَخْ ) أَوْ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ عَيْنَ مَالِهِ فَيَأْخُذُهُ ( قَوْلُهُ : وَبَيْعُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ بِأَنَّهُ لَهُ إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ : لَا خِلَافَ أَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي ، أَوْ تَزْوِيجَهُ لَيْسَ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَالتَّزْوِيجِ ، وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ غَلِطَ بَلْ لِغَيْرِهِ إذَا رُفِعَ ذَلِكَ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِمَذْهَبِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمٌ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِلْكَمَالِ التَّفْلِيسِيِّ حِينَ كَانَ نَائِبَ الْحُكْمِ بِدِمَشْقَ وَقَصَدَ إبْطَالَ نِكَاحٍ تَعَاطَاهُ مَنْ يَعْتَقِدُهُ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِحُكْمٍ وَاسْتَفْتَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَأَظْهَرَ هُوَ نُقُولًا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ تَشْهَدُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَأَوْدَعَهَا تَصْنِيفًا لَطِيفًا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ مُدَّةٍ وَذَلِكَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مُتَأَخِّرَةٌ فِي الرُّتْبَةِ عَنْ الْعَقْدِ ، وَالْحُكْمُ بِهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْعَقْدَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَيْهِ بِمَرْتَبَتَيْنِ وَأَيْضًا كَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ عَارِضًا وَمَعْرُوضًا وَالْحُكْمُ عَارِضٌ وَالْعَقْدُ مَعْرُوضٌ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ زَوَّجَ الْحَاكِمُ الصَّغِيرَةَ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ بَلْ عَقَدَهُ عَلَى اعْتِقَادِهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَحَكَى السُّبْكِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ ) أَيْ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَقَوْلُهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْيَدِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ عَلَيْهِ ) وَهُوَ مَا
فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْعَبَّادِيِّ وَنُقِلَ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ مَا يَدُلُّ لَهُ ا هـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَالْأَوْلَى لِلْقَاضِي أَنْ لَا يُبَاشِرَ الْبَيْعَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِنَائِبِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ صِيَانَةً لِفِعْلِهِ عَنْ النَّقْضِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا كَانَ فِي أَيْدِي جَمَاعَةِ دَارٍ ، وَطَلَبُوا مِنْ الْحَاكِمِ قِسْمَتَهَا لَمْ يُجِبْهُمْ إنْ لَمْ يُقِيمُوا بَيِّنَةً بِمِلْكِهِمْ لَهَا قِيلَ أَيْنَ أَحَدُ الْبَابَيْنِ مِنْ الْآخَرِ فَإِنَّهُ هُنَا لَوْ لَمْ يَبِعْ الْحَاكِمُ لَتَعَطَّلَتْ الْحُقُوقُ وَضَاعَتْ التَّرِكَاتُ وَهُنَاكَ لَوْ لَمْ تُقَسَّمُ لَبَقِيَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْهِمَا عَلَى حَالِهَا وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْقِسْمَةِ ( قَوْلُهُ وَيُبَاعُ أَوَّلًا مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ ) ثُمَّ مَا يُخْشَى فَسَادُهُ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يُقَدَّمُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ ) لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَحَجٌّ فَوْرِيٌّ فَيَظْهَرُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْغُرَمَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَنْ مَاتَ وَلَمْ يَفِ مَالُهُ بِالْحَقَّيْنِ فس ( قَوْلُهُ فَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاعُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْتِيبَ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدِّمَ بَيْعَهُ لِذَلِكَ ) يُجَابُ بِأَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ إنَّمَا قُدِّمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَدْيُونِ .
( قَوْلُهُ وَيُبَاعُ نَدْبًا إلَخْ ) نَعَمْ إنْ تَعَلَّقَ بِالسُّوقِ غَرَضٌ مُعْتَبَرٌ لِلْمُفْلِسِ أَوْ الْغُرَمَاءِ فَيَجِبُ فس ( قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِهِ ) فِي حَالِ قِيَامِ ذَلِكَ السُّوقِ وَكَتَبَ أَيْضًا يُقِيمُ الْحَاكِمُ دَلَّالًا ثِقَةً يُنَادِي عَلَى الْمَالِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَرْضَاهُ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ وَلَوْ رَضُوا بِغَيْرِ ثِقَةٍ لَمْ يُقِمْهُ فَإِنْ تَطَوَّعَ الدَّلَّالُ فَذَاكَ وَإِلَّا اُسْتُؤْجِرَ بِأَقَلِّ مَا يُوجَدُ قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : فَلَوْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جَعْلًا مَشْرُوطًا ، أَوْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ جَازَ ثُمَّ إنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَضْلٌ صُرِفَتْ الْأُجْرَةُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ ، وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ ، وَالْأَوْلَى حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ تَقْرِيرُ الْأُجْرَةِ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ أَبَوْا فَعَلَهُ الْحَاكِمُ ، وَكَذَا أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَلَوْ اخْتَارَ الْمُفْلِسُ دَلَّالًا وَالْغُرَمَاءُ دَلَّالًا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ثِقَةً دُونَ الْآخَرِ أَقَرَّ الْحَاكِمُ الثِّقَةَ وَإِنْ كَانَا ثِقَتَيْنِ وَأَحَدُهُمَا مُتَطَوِّعٌ دُونَ الْآخَرِ أَقَرَّ الْمُتَطَوِّعَ ، وَإِنْ كَانَا مُتَطَوِّعَيْنِ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ وَإِلَّا اخْتَارَ أَوْثَقَهُمَا وَأَعْرَفَهُمَا ( قَوْلُهُ : وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَحَلُّهُ أَيْضًا إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَبِيعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ ) فَأَكْثَرَ حَالًّا بِنَقْدِ الْبَلَدِ ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ لِغَيْرِهِ فَوَجَبَ فِيهِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ مَا ذَكَرَهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ مَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ لِئَلَّا يَتْلَفَ جُمْلَةً وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ ( قَوْلُهُ أَوْ بِغَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ ) قَالَ شَيْخُنَا أَوْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ( قَوْلُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي جَازَ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ فَقِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي عَدْلِ الرَّهْنِ إلَخْ ) قَدْ ذَكَرُوا فِي عَدْلِ الرَّهْنِ وَالْوَكَالَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْسَخْ انْفَسَخَ بِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ سَائِرَ مَا يُمْتَنَعُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالسَّلَمِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَسْلَمُ مَا بِيعَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ ) اسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَذْرَعِيُّ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ عِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ مِثْلُ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَأَكْثَرُ قَالَ فَالْأَحْوَطُ بَقَاءُ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ لَا أَخْذُهُ وَإِعَادَتُهُ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي مَا
يُؤَيِّدُهُ مَعَ ظُهُورِهِ ا هـ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلَا يُسْتَثْنَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ حَبْسِ دَيْنِهِ جَاءَ التَّقَاصُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ وَرَضِيَ بِهِ حَصَلَ الِاعْتِيَاضُ فَلَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيمُ قَبْضِ الثَّمَنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ .
( فَصْلٌ وَالْأَوْلَى ) لِلْحَاكِمِ ( أَنْ يُقَسِّمُ مَا نَضَّ ) يَعْنِي مَا قَبَضَهُ مِنْ أَثْمَانِ أَمْوَالِهِ عَلَى التَّدْرِيجِ لِتَبْرَأَ مِنْهُ ذِمَّتُهُ وَيَصِلَ إلَيْهِ الْمُسْتَحِقُّ بَلْ إنْ طَلَبَ الْغُرَمَاءُ الْقِسْمَةَ وَجَبَتْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ الْآتِي ( فَإِنْ تَعَسَّرَتْ قِسْمَتُهُ لِقِلَّتِهِ ) وَكَثْرَةِ الدُّيُونِ ( فَلَهُ التَّأْخِيرُ ) لَهَا لِتَجْتَمِعَ ( وَلَوْ طَالَبُوا ) بِهَا وَتَبِعَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُطَالَبَةِ بَحْثُ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا : فَإِنْ أَبَوْا التَّأْخِيرَ فَفِي النِّهَايَةِ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يُجِيبُهُمْ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ : بَلْ الظَّاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عِنْدَ الطَّلَبِ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ ، وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِمُخَالَفَتِهِ إطْلَاقَ النِّهَايَةِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ مِثْلَ مَا فِي النِّهَايَةِ وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ خِلَافَهُ ا هـ وَالْأَوْجَهُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ مِنْ حَمْلِ هَذَا عَلَى مَا إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ فِي التَّأْخِيرِ ، وَمَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى خِلَافِهِ فَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ وَاحِدًا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْلَى مِنْ إقْرَاضِهِ أَوْ إيدَاعِهِ ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْقِسْمَةِ عَلَيْهِمْ الْمُكَاتَبُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نُجُومٌ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ وَدَيْنُ مُعَامَلَةٍ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ثُمَّ الْأَرْشِ ثُمَّ النُّجُومِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا حَجْرَ بِالنُّجُومِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَسِّمُ كَيْفَ شَاءَ قَالَ السُّبْكِيُّ : وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ التَّصَرُّفِ لَكِنْ يَنْبَغِي إذَا اسْتَوَوْا وَطَالَبُوا حَقَّهُمْ عَلَى الْفَوْرِ أَنْ تَجِبَ التَّسْوِيَةُ ، وَإِذَا تَأَخَّرَتْ قِسْمَةُ مَا قَبَضَهُ الْحَاكِمُ ( فَيُقْرِضُهُ أَمِينًا مُوسِرًا ) قَالَ السُّبْكِيُّ : يَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ
وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُ مُمَاطِلٍ ( فَإِنْ فُقِدَ أَوْدَعَهُ ثِقَةً تَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ ) وَالتَّقْيِيدُ بِالْفَقْدِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَعَلَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْقَصْدُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَضَعَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِقْرَاضِ رَهْنٌ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْمُوسِرَ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ ، وَهُوَ إنَّمَا قَبِلَهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُفْلِسِ وَفِي تَكْلِيفِهِ الرَّهْنَ سَدٌّ لَهَا ، وَبِذَلِكَ خَالَفَ اعْتِبَارَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَنَحْوِهِ ( فَإِنْ اخْتَلَفُوا ) فِيمَنْ يُودَعُ عِنْدَهُ أَوْ عَيَّنُوا غَيْرَ ثِقَةٍ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ السَّابِقُ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي ) مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى ( فَإِنْ تَلِفَ مَعَهُ ) أَيْ الْمُودِعِ ( فَمِنْ ضَمَانِ الْمُفْلِسِ وَلَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ ) لَا مِنْ ضَمَانِ الْحَاكِمِ أَوْ الْمُودِعِ .
قَوْلُهُ : وَعَنْ الْمَاوَرْدِيِّ ) أَيْ وَالْعِمْرَانِيُّ وَأَبِي حَامِدٍ ( قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ دَيْنِ الْمُعَامَلَةِ ) لِأَنَّ لِلْأَرْشِ وَالنُّجُومِ تَعَلُّقًا آخَرَ بِتَقْدِيرِ الْعَجْزِ عَنْهُمَا ، وَهُوَ الرَّقَبَةُ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْأَرْشُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِرُّ ، وَالنُّجُومُ مُتَعَرِّضَةٌ لِلسُّقُوطِ ( قَوْلُهُ قَالَ السُّبْكِيُّ ) أَيْ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : قَالَ السُّبْكِيُّ يَرْتَضِيهِ الْغُرَمَاءُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بَاطِلٌ ( قَوْلُهُ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا الْإِقْرَاضِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَمَنْ رَآهُ الْقَاضِي مِنْ الْعُدُولِ أَوْلَى ) لَوْ اتَّفَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى وَضْعِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ غَيْرِ عَدْلٍ لَمْ يَعْتَرِضْهُمَا الْحَاكِمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا نَظَرَ لَهُ فِي الْمَرْهُونِ بِخِلَافِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُتَرَاهِنَيْنِ لَا يَتَجَاوَزُهُمَا ، وَحَقُّ الْغُرَمَاءِ قَدْ يَتَجَاوَزُهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ ، وَهُوَ غَرِيمٌ آخَرُ غَائِبٌ فَجَازَ لِحَقِّهِ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِمْ فِي الِاخْتِيَارِ .
( فَرْعٌ لَا يَلْزَمُ الْغُرَمَاءَ ) عِنْدَ الْقِسْمَةِ ( الْإِثْبَاتُ ) أَيْ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ أَوْ إخْبَارٌ مِنْ حَاكِمٍ ( بِنَفْيِ غَيْرِهِمْ ) أَيْ بِأَنْ لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ لِاشْتِهَارِ الْحَجْرِ فَلَوْ كَانَ ثَمَّ غَرِيمٌ لَظَهَرَ ، وَيُخَالِفُ نَظِيرَهُ فِي الْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ أَضْبَطُ مِنْ الْغُرَمَاءِ ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى نَفْيٍ يَعْسُرُ مَدْرَكُهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْأَضْبَطِ اعْتِبَارُهَا فِي غَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ الْمَوْجُودَ تَيَقُّنًا اسْتِحْقَاقُهُ لِمَا يَخُصُّهُ وَشَكَكْنَا فِي مُزَاحِمِهِ ، وَهُوَ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِهِ لَهُ فِي الذِّمَّةِ ، وَلَا تَتَحَتَّمُ مُزَاحَمَةُ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ أَوْ أَعْرَضَ أَخَذَ الْآخَرُ الْجَمِيعَ وَالْوَارِثُ يُخَالِفُهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ بِالْإِثْبَاتِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ( فَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ ) بَعْدَ الْقِسْمَةِ ( لَمْ تَنْقَضِ الْقِسْمَةُ بَلْ يُشَارِكُهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ بِالْحِصَّةِ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الْمُسَوِّغِ لَهَا ظَاهِرًا وَفَارَقَ نَقْضَهَا فِيمَا لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَارِثٌ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ فِي عَيْنِ الْمَالِ بِخِلَافِ حَقِّ الْغَرِيمِ فَإِنَّهُ فِي قِيمَتِهِ فَلَوْ قَسَمَ مَالَ الْمُفْلِسِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى غَرِيمَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ وَلِلْآخَرِ عَشَرَةُ فَأَخَذَ الْأَوَّلُ عَشَرَةَ ، وَالْآخَرُ خَمْسَةً ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِنِصْفِ مَا أَخَذَهُ .
( فَإِنْ أَعْسَرَ أَحَدُهُمْ جَعَلَ ) مَا أَخَذَهُ ( كَالْمَعْدُومِ وَشَارَكَ ) مَنْ ظَهَرَ ( الْبَاقِينَ فَإِنْ أَيْسَرَ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِالْحِصَّةِ ) فَلَوْ أَتْلَفَ أَحَدُ الْغَرِيمَيْنِ فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ مَا أَخَذَهُ وَكَانَ مُعْسِرًا كَانَ مَا أَخَذَهُ الْآخَرُ كَأَنَّهُ كُلُّ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آخِذَ الْخَمْسَةِ اسْتَرَدَّ الْحَاكِمُ مِنْ آخِذِ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ
أَخْمَاسِهَا لِمَنْ ظَهَرَ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُتْلِفُ أَخَذَ مِنْهُ الْآخَرَانِ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ وَقَسَمَاهُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ دَيْنَيْهِمَا ، وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَوْ ظَهَرَ الثَّالِثُ وَظَهَرَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ بَعْدَ الْحَجْرِ صُرِفَ مِنْهُ إلَيْهِ بِقِسْطِ مَا أَخَذَهُ الْأَوَّلَانِ وَالْفَاضِلُ يُقَسَّمُ عَلَى الثَّلَاثَةِ نَعَمْ إنْ كَانَ دَيْنُهُ حَادِثًا فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُ فِي الْمَالِ الْقَدِيمِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا تَقَدَّمَ سَبَبُهُ فَكَالْقَدِيمِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَلَوْ غَابَ غَرِيمٌ وَعَرَفَ قَدْرَ حَقِّهِ قُسِّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ ، وَلَمْ تُمْكِنْ مُرَاجَعَتُهُ وَلَا حُضُورُهُ رَجَعَ فِي قَدْرِهِ إلَى الْمُفْلِسِ فَإِنْ حَضَرَ وَظَهَرَ لَهُ زِيَادَةٌ فَهُوَ كَظُهُورِ غَرِيمٍ بَعْدَ الْقِسْمَةِ ، وَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ قَالَ : وَلَوْ تَلِفَ بِيَدِ الْحَاكِمِ مَا أَفْرَزَ لِلْغَائِبِ بَعْدَ أَخْذِ الْحَاضِرِ حِصَّتَهُ أَوْ إفْرَازِهَا فَعَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْغَائِبَ لَا يُزَاحَمُ مِنْ قَبْضٍ ( فَإِنْ ظَهَرَ ) لِلْمُفْلِسِ ، وَلَوْ ( بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ ) عَنْهُ ( مَالٌ قَدِيمٌ ) أَيْ مَوْجُودٌ قَبْلَهُ ( وَحَدَثَ لَهُ ) قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ( مَالٌ ) بِاحْتِطَابٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَغُرَمَاءُ فَالْقَدِيمُ ) الْمَذْكُورُ ( لِلْقُدَمَاءِ ) لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ قَبْلَ الْفَكِّ وَلِأَنَّا تَبَيَّنَّا بِذَلِكَ بَقَاءَ الْحَجْرِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ نَعَمْ الْحَادِثُ مِنْهُ بَعْدَ الْحَجْرِ لَا يُشَارِكُ فِيهِ الْغَرِيمُ الْحَادِثُ مِنْهُمْ بَعْدَ حُدُوثِهِ أَوْ مَعَهُ غَيْرَهُ .
( وَالْحَادِثُ ) الْمَذْكُورُ ( لِلْجَمِيعِ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ : وَالْمُرَادُ بِالْجَمِيعِ أَرْبَابُ الدُّيُونِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى حُدُوثِ الْمَالِ أَمَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ قَدِيمٌ وَحَدَثَ لَهُ مَالٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدٍ بِهِ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ الْمَدِينُ كَيْفَ شَاءَ ، وَقَوْلُهُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَلَوْ أَبْدَلَ بَعْدَ ب قَبْلَ
وَزَادَ ذَلِكَ بَعْدَ وَحَدَثَ لَهُ كَانَ أَوْلَى وَأَوْضَحَ .
( قَوْلُهُ وَفَارَقَ نَقْضَهَا فِيمَا لَوْ ظَهَرَ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ إلَخْ ) شَمِلَتْ قِسْمَةُ التَّرِكَةِ مَا لَوْ قَسَّمَهَا الْحَاكِمُ ، وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : قِيَاسُ مَسْأَلَتِنَا أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ قَسَّمَ التَّرِكَةَ ثُمَّ ظَهَرَ وَارِثٌ الْتِحَاقُهُ بِقِسْمِ الْمُفْلِسِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ قُسِّمَ مَالُ الْمُفْلِسِ إلَخْ ) لَوْ قَسَّمَ اثْنَانِ تَرِكَةَ مُورَثِهِمَا وَتَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا فِي نَصِيبِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ مِنْ نَصِيبِ الْمُوسِرِ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ الْمُعْسِرُ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُوسِرُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَمْكَنَتْ مُرَاجَعَتُهُ وَجَبَ الْإِرْسَالُ إلَيْهِ ) فَإِنْ انْتَفَى مَا تَقَدَّمَ لَمْ يُقَسِّمْ الْحَاكِمُ .
( فَرْعٌ ) لَوْ ( خَرَجَ مَا بَاعَهُ ) الْمُفْلِسُ ( قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحِقًّا وَالثَّمَنُ ) الْمَقْبُوصُ ( غَيْرُ بَاقٍ فَكَدَيْنٍ قَدِيمٍ ظَهَرَ ) مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ ، وَهُوَ أَنْ يُشَارِكَ الْمُشْتَرِي الْغُرَمَاءَ مِنْ غَيْرِ نَقْضِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ ، فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ حَادِثٌ لَمْ يَتَقَدَّمْ سَبَبُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ بَاقِيًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ : قَدِيمٌ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِذَا اسْتَحَقَّ مَا بَاعَهُ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ) وَالثَّمَنُ الْمَقْبُوضُ غَيْرُ بَاقٍ ( قُدِّمَ ) الْمُشْتَرِي بِبَدَلِهِ ( عَلَى الْغُرَمَاءِ ) وَلَا يُضَارِبُ بِهِ مَعَهُمْ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ شِرَاءِ مَالِ الْمُفْلِسِ فَكَانَ التَّقْدِيمُ مِنْ مَصَالِحِ الْحَجْرِ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ ( وَلَيْسَ الْحَاكِمُ وَلَا أَمِينُهُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بَلْ يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ .
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ مَا بَاعَهُ الْحَاكِمُ أَوْ أَمِينُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إلَخْ ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إذَا قُلْنَا : إنَّهُ لَا يَبِيعُ إلَّا مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُفْلِسِ فَكَيْفَ تَنْهَضُ الْبَيِّنَةُ بِخِلَافِهِ وَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ وَقَفَهُ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى بَيِّنَةِ الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ مِنْهُ .
( فَصْلٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ ( وَيُنْفِقُ ) الْحَاكِمُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُفْلِسِ ( وَعَلَى قَرِيبِهِ ) الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ ( وَزَوْجَتِهِ الْقَدِيمَةِ ) وَمَمْلُوكِهِ كَأُمِّ وَلَدِهِ ( مِنْ مَالِهِ ) مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ آخَرُ كَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ ( يَوْمًا بِيَوْمٍ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ وَيَكْسُوهُمْ ) بِالْمَعْرُوفِ لِإِطْلَاقِ خَبَرِ { ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ } مَعَ مُنَاسَبَةِ الْحَالِ لِذَلِكَ وَفِي نُسْخَةٍ وَكِسْوَتُهُمْ فَتُفِيدُ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهُ يَكْسُوهُمْ كِسْوَةَ الْمُعْسِرِينَ وَخَرَجَ بِالْقَدِيمَةِ الْمَزِيدَةُ عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَجَدِّدَةُ فِي زَمَنِ الْحَجْرِ فَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَفَارَقَتْ الْوَلَدَ الْمُتَجَدِّدَ بِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَقَرَّ السَّفِيهُ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُفْلِسُ كَذَلِكَ قُلْنَا لَا فَإِنَّ إقْرَارَ السَّفِيهِ بِالْمَالِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ لَا يُقْبَلُ بِخِلَافِ إقْرَارِ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ مَقْبُولٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَغَايَتُهُ هُنَاكَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ ، وَإِقْرَارُهُ بِهِ مَقْبُولٌ وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ فَبِالْأَوْلَى وُجُوبُ الْإِنْفَاقِ ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَبَعًا كَثُبُوتِ النَّسَبِ تَبَعًا لِثُبُوتِ الْوِلَادَةِ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ ا هـ وَيُفَارِقُ إقْرَارُهُ بِالنَّسَبِ تَجْدِيدَهُ الزَّوْجَةَ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ وَاجِبٌ بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَلْيُنْظَرْ فِيمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ وَأَوْلَدَهَا وَقُلْنَا بِنُفُوذِ إيلَادِهِ هَلْ تَكُونُ نَفَقَتُهَا كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ الْحَادِثَةِ .
ا هـ .
وَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَا لِقُدْرَةِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْفَسْخِ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُوَافِقُ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُنْفِقُ نَفَقَةَ الْمُوسِرِينَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ
مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ لَمَا أَنْفَقَ عَلَى الْقَرِيبِ رُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ غَيْرُ الْمُعْتَبَرِ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَبِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْقَرِيبِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ انْتِفَاءُ الثَّانِي وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي وَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ فَلْيَكُنْ هُنَا مِثْلَهُ بَلْ أَوْلَى لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ ، وَإِنَّمَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ وَيَكْسُوهُمْ مِنْ مَالِهِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ ) لَائِقٌ بِهِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُنْفِقُ وَيَكْسُو مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ رُدَّ إلَى الْمَالِ أَوْ نَقَصَ كَمُلَ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ اُمْتُنِعَ مِنْ الْكَسْبِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَالْمَطْلَبِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَاخْتَارَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلَّى خِلَافُهُ ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْأَوَّلُ أَنْسَبُ بِقَاعِدَةِ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَيَسْتَمِرُّ الْإِنْفَاقُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ مَالِهِ ( حَتَّى تُقَسَّمَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ مَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ .
( وَيُبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَلَوْ احْتَاجَهُ ) أَيْ كُلًّا مِنْهُمَا ( وَمَرْكُوبُهُ ) وَلَوْ احْتَاجَهُ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَهَا بِالْكِرَاءِ سَهْلٌ بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَيُفَارِقُ الْكَفَّارَةُ الْمُرَتَّبَةَ حَيْثُ يَعْدِلُ مَنْ لَزِمَتْهُ إلَى الصَّوْمِ وَإِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهَا إلَى الْإِعْتَاقِ بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَهَا بَدَلٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ ، وَالدَّيْنُ بِخِلَافِهِ وَبِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ - تَعَالَى - مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، وَقَوْلُهُ : وَلَوْ احْتَاجَهُ مُوفٍ بِقَوْلِ أَصْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَبِمَا فَسَّرْنَاهُ بِهِ يَكُونُ أَعَمَّ مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ : وَلَوْ احْتَاجَهُمَا كَانَ أَوْلَى ، وَأَوْلَى
مِنْهُ أَنْ يَقُولَ : وَلَوْ احْتَاجَهَا وَيُؤَخِّرُهُ عَنْ قَوْلِهِ وَمَرْكُوبِهِ ( وَيَتْرُكُ لَهُ ) إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ فِي مَالِهِ ( أَوْ يَشْتَرِي ) لَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ( دُسَتَ ثَوْبٍ لَائِقٍ ) بِهِ مِمَّا يَعْتَادُهُ ( مِنْ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَمِنْدِيلٍ وَمُكَعَّبٍ ) أَيْ مَدَاسٍ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَمَنْعَلٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ جَمَاعَةٌ وَهَمٌ ( وَيُزَادُ جُبَّةً ) أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ فَرْوَةٍ ( فِي الشِّتَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُؤَخَّرُ غَالِبًا وَذَكَرَ الْمِنْدِيلَ فِي زِيَادَتِهِ ( وَيُتْرَكُ لَهُ عِمَامَةٌ وَطَيْلَسَانٌ وَخُفٌّ وَدُرَّاعَةٌ ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ يَلْبَسُهَا ( فَوْقَ الْقَمِيصِ ) أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا يَلِيقُ بِهِ ( إنْ لَاقَتْ ) أَيْ الْمَذْكُورَاتُ ( بِهِ ) لِئَلَّا يَحْصُلَ الْإِرْدَاءُ بِمَنْصِبِهِ ، وَتُزَادُ الْمَرْأَةُ مِقْنَعَةً وَغَيْرَهَا مِمَّا يَلِيقُ بِهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَسُكُوتُهُمْ عَمَّا يُلْبَسُ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِيهِ نَظَرٌ ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ وَذَكَرَ نَحْوَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَيُقَالُ لِمَا تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةُ وَكَأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِذِكْرِ الْعِمَامَةِ عَنْ ذِكْرِهِ .
ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ ذَكَرَ أَنَّهُ تُتْرَكُ لَهُ الْقَلَنْسُوَةُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَمِثْلُهُ تِكَّةُ السَّرَاوِيلِ ا هـ ( وَيُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ ) بِهِ حَالَ إفْلَاسِهِ ( أَنْ تَعُودَ ) قَبْلَهُ ( الْأَشْرَفُ فِي اللُّبْسِ ) أَيْ فَوْقَ مَا يَلِيقُ بِهِ ( لَا ) أَنْ تَعُودَ قَبْلَهُ ( التَّقْتِيرُ ) فَلَا يُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ بَلْ إلَى مَا تَعَوَّدَهُ مِنْ التَّقْتِيرِ ( وَيُتْرَكُ لِعِيَالِهِ مِنْ الثَّوْبِ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ مَا تُرِكَ لَهُ ( وَيُبَاعُ الْبُسُطُ وَالْفُرُشُ وَيُتَسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبْدٍ حَقِيرَيْنِ ) أَيْ قَلِيلَيْ الْقِيمَةِ ( وَيُتْرَكُ لَهُمْ ) أَيْضًا ( قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ وَسُكْنَاهُ ) وَإِنْ كَانَ بَاقِيهِ بَعْدَهَا ؛ لِأَنَّهُ مُوسِرٌ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ وَلِأَنَّ حُقُوقَهُمْ لَمْ تَجِبْ فِيهِ أَصْلًا وَأَلْحَقَ
الْبَغَوِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْيَوْمِ لَيْلَتَهُ أَيْ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ( وَ ) يُتْرَكُ ( مَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ قَبْلَهُ مُقَدَّمًا ) بِهِ ( عَلَى الْغُرَمَاءِ ) قَالَ الْعَبَّادِيُّ : وَيُتْرَكُ لِلْعَالِمِ كُتُبُهُ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ وَقَالَ تَفَقُّهًا : يُتْرَكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلُهُ وَسِلَاحُهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْجِهَادِ فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُمَا أَمَّا الْمُصْحَفُ فَيُبَاعُ قَالَ السُّبْكِيُّ : لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُرَاجَعَتِهِ وَيَسْهُلُ السُّؤَالُ عَنْ الْغَلَطِ مِنْ الْحَفَظَةِ بِخِلَافِ كُتُبِ الْعِلْمِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَرِيبِهِ إلَخْ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَيُمَوِّنُ بَدَلَ وَيُنْفِقُ لِيَشْمَلَ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَالْإِسْكَانَ وَالْإِخْدَامَ وَتَكْفِينَ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ ( قَوْلُهُ : وَزَوْجَتِهِ الْقَدِيمَةِ ) وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْحَجْرِ ثُمَّ رَاجَعَهَا بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ كَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ ) أَيْ وَحَبْسٍ بِالثَّمَنِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِمْ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ : يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّهُ يُنْفِقُ عَلَى قَرِيبِهِ أَنَّ مَا يَنَامُ عَلَيْهِ الْمُفْلِسُ وَيَأْكُلُ فِيهِ وَيَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ يَبْقَى لَهُ فِي مُدَّةِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْقَرِيبِ إنَّمَا تَجِبُ إذَا فَضَلَتْ عَنْ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَيَكْسُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) لَوْ كَسَا أُمَّ وَلَدِهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مَنَعْنَاهُ وَكَسَوْنَاهَا مَا يَلِيقُ بِخِلَافِ مَا إذَا فَعَلَهُ بِالزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ ( قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ خَبَرٍ إلَخْ ) وَلِأَنَّهُ مُوسِرٌ مَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ ( قَوْلُهُ : وَفَارَقَتْ الْوَلَدَ الْمُتَجَدِّدَ إلَخْ ) يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْخِدْمَةِ فِي الذِّمَّةِ ، وَقُلْنَا : لَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ أَنَّهُ كَالزَّوْجَةِ ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بِاخْتِيَارِهِ ، وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ ، وَقَالَ فِي الْخَادِمِ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلْيَنْظُرْ إلَخْ ) أَيْ كَالنَّاشِرِيِّ ( قَوْلُهُ : وَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ لَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ ) قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : وَهُوَ الْحَقُّ ( قَوْلُهُ رُدَّ بِأَنَّ الْيَسَارَ الْمُعْتَبَرَ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إلَخْ ) أَيْ فَالْمُوسِرُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ مَنْ يَفْضُلُ مَالُهُ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ وَفِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ مَنْ يَكُونُ دَخْلُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَرْجِهِ فس قَالَ بَعْضُهُمْ : وَوَجَدْنَا الْمُعْسِرَ قَدْ يُنْفِقُ عَلَى
قَرِيبِهِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ عَقَارٌ لَا يَكْفِيهِ دَخْلُهُ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الزَّكَاةِ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، وَتَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُبَاعُ فِي نَفَقَةِ الْقَرِيبِ ، وَمِنْهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَسْكَنٌ ، وَخَادِمٌ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ ، وَيُبَاعُ فِيهَا الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ ، وَمِنْهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ ، وَلَهُ كَسْبٌ وَاسِعٌ فَنَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ( قَوْلُهُ : إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ لَائِقٌ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ مُبَاحٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَكَفَانَا مُؤْنَتَهُ ( قَوْلُهُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَالْمَطْلَبِ أَنَّهُ يُنْفِقُ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ ) وَقَالَ غَيْرُهُمَا لَوْ فَصَّلَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ لَا لَمْ يَبْعُدْ ( قَوْلُهُ وَيَسْتَمِرُّ الْإِنْفَاقُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ مَالِهِ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا : وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيمَا أَخَذَهُ لِلنَّفَقَةِ فَإِنْ صَرَفَهُ فِيمَا يَنْفَعُ الْغُرَمَاءَ كَأَنْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا صَحَّ ، أَوْ فِيمَا يَضُرُّهُمْ كَأَنْ وَهَبَهُ اُمْتُنِعَ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ) قَالَ شَيْخُنَا : يُمْكِنُ أَنْ يَحْمِلَ التَّعَذُّرَ عَلَى مُطْلَقِ مَا يَجِبُ لَهُ فَلَا يَكُونُ شَامِلًا لِمَا إذَا احْتَاجَ لِلرُّكُوبِ لِمَنْصِبٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَشْتَرِي لَهُ ، وَقَوْلُهُ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ عِنْدَ تَعَذُّرِ بَيْتِ الْمَالِ ( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إيجَابُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلَا يُرَدُّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ إلَخْ ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ أَوْلَى ( قَوْلُهُ : وَيَتَسَامَحُ فِي حَصِيرٍ وَلِبَدٍ ) وَكِسَاءٍ خَلِيعٍ ع ( قَوْلُهُ أَيْ
اللَّيْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ ) فَلَوْ قَسَّمَ لَيْلًا تَرَكَ لَهُ قُوتَهَا وَقُوتَ الْيَوْمِ بَعْدَهَا ( قَوْلُهُ وَمَا يُجَهَّزُ بِهِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ ) شَمِلَ الْوَاجِبَ فِي تَجْهِيزِهِ ، وَكَذَا الْمَنْدُوبُ إنْ لَمْ تَمْنَعْهُ الْغُرَمَاءُ ( قَوْلُهُ : وَتَبِعَهُ ابْنُ الْأُسْتَاذِ ) وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَذَكَرَهُ غَيْرُ الْعَبَّادِيِّ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ : لَمْ أَرَ مَا يُخَالِفُهُ ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ مَا يُوَافِقُهُ ا هـ قَالَ الْقَمُولِيُّ : وَلَا يَتْرُكُ لَهُ رَأْسَ مَالٍ يَتَّجِرُ فِيهِ ، وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَتْرُكُ لَهُ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَحْصِيلِ قُوتِهِ إذَا كَانَ لَا يُحْسِنُ الِاكْتِسَابَ إلَّا بِالتِّجَارَةِ وَزَيَّفُوهُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ الْعَبَّادِيِّ : إنَّهُ يَتْرُكُ لِلْفَقِيهِ كُتُبَ الْفِقْهِ دُونَ الْمُصْحَفِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ تَفَقُّهًا يَتْرُكُ لِلْجُنْدِيِّ الْمُرْتَزِقِ خَيْلَهُ إلَخْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْفَقِيهِ بِالْإِبْقَاءِ فَإِنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ لِلْجِهَادِ بِسَبَبِ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
( فَصْلٌ لَا يُؤْمَرُ مُفْلِسٌ بِكَسْبٍ ) لِوَفَاءِ الدَّيْنِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ وَلَا إيجَارُ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } أَمَرَ بِإِنْظَارِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِاكْتِسَابِهِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ مُعَاذٍ السَّابِقِ { لَيْسَ لَكُمْ إلَّا ذَلِكَ } وَقَاعِدَةُ الْبَابِ لَا يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ ( إلَّا غَاصِبٌ وَنَحْوُهُ ) مِمَّنْ تَعَدَّى بِسَبَبِ الدَّيْنِ فَيُؤْمَرُ بِالْكَسْبِ وَلَوْ بِإِيجَارِ نَفْسِهِ هَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَاوِيِّ ثُمَّ قَالَ : وَهُوَ وَاضِحٌ ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبَةٌ وَهِيَ مُتَوَقِّفَةٌ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ عَلَى الرَّدِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ وَقَدْ أَوْجَبُوا عَلَى الْكَسُوبِ كَسْبَ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ وَجَعَلُوهُ غَنِيًّا بِذَلِكَ انْتَهَى وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لَيْسَ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ بَلْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ ( وَلَا يُمْكِنُ مِنْ تَفْوِيتِ حَاصِلٍ ) لِمُنَافَاتِهِ غَرَضَ الْحَجْرِ ، وَفَرَّعَ عَلَى لَا يُؤْمَرُ إلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ ( فَلَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الْقِصَاصِ ) الْوَاجِبِ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَرَقِيقِهِ ( لِلْأَرْشِ ) أَيْ لِأَجْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْكَسْبِ ( وَلَيْسَ لَهُ ) وَلَا لِوَارِثِهِ ( الْعَفْوُ عَنْ الْمَالِ ) الْوَاجِبِ لَهُ بِجِنَايَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْحَاصِلِ ( وَلَا الْمُسَامَحَةُ بِصِفَةٍ ) مَقْصُودَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْمُسْلِمِ فِيهِ أَوْ نَحْوِهِ ( عِنْدَ التَّقَاضِي ) لَهُ ( وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ لَهُمْ ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ ( مُسْتَوْلَدَتَهُ وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَالِ مَآلٌ كَالْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ بِخِلَافِ مَنْفَعَةِ الْحُرِّ فَيَصْرِفُ بَدَلَ مَنْفَعَتِهِمَا لِلدَّيْنِ وَيُؤْجَرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ ، وَقَضِيَّةُ هَذَا إدَامَةُ
الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ لَهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمَوْقُوفِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ : وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إجَارَةِ الْوَقْفِ أَيْ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَفَاوُتٌ بِسَبَبِ تَعْجِيلِ الْأُجْرَةِ إلَى حَدٍّ لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ فِي غَرَضِ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَالتَّخَلُّصِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ انْتَهَى وَمِثْلُهُ الْمُسْتَوْلَدَةُ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ لَا يُؤْمَرُ مُفْلِسٌ بِكَسْبٍ لِوَفَاءِ الدَّيْنِ إلَخْ ) فَلَوْ وُجِدَ عَيْنٌ مَالِيَّةٌ عِنْدَ مُفْلِسٍ وَطَلَبَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهَا فَأَبَى الْمُفْلِسُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ نُصَّ عَلَيْهِ وَكُتِبَ أَيْضًا فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ الْكَسْبِ لِنَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِأَنَّ قَدْرَهَا يَسِيرٌ مَضْبُوطٌ وَبِأَنَّ فِيهَا إحْيَاءَ بَعْضِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ : وَتُبَاعُ آلَاتُ حِرْفَتِهِ إنْ كَانَ مَجْنُونًا ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَا تُبَاعُ إنْ كَانَ عَاقِلًا قَالَ فِي الْأَنْوَارِ : وَالْأَصَحُّ خِلَافًا عِبَارَةُ الْفَتَاوَى : الْمُفْلِسُ إذَا كَانَ مُحْتَرِفًا تُبَاعُ عَلَيْهِ آلَةُ حِرْفَتِهِ فِي الدَّيْنِ ا هـ وَلَعَلَّ النُّسْخَةَ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْأَنْوَارِ كَانَ فِيهَا تَحْرِيفٌ فَاشْتَبَهَ لَفْظُ الْمُحْتَرِفِ بِالْمَجْنُونِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ الْكَسْبُ إلَخْ ) كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ ( قَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفَرَاوِيِّ ) وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الدَّارَكِيِّ وَفِي بَابِ التَّوْبَةِ مِنْ الْإِحْيَاءِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ ، وَلَمْ يَحُجَّ حَتَّى أَفْلَسَ فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَسِبَ مِنْ الْحَلَالِ قَدْرَ الزَّادِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ لِيُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ الصَّدَقَةِ مَا يَحُجُّ بِهِ ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِمَّا قَالَهُ الْفَرَاوِيُّ فَإِنَّ الْحَجَّ حَقٌّ لِلَّهِ تَنْبِيهٌ ) مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ تَعَدَّى بِهِ أُخِذَ مِنْ ثَوَابِ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ طُرِحَ عَلَيْهِ مِنْ عِقَابِ سَيِّئَاتِ الدَّائِنِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ ثَوَابِ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا تُؤْخَذُ أَمْوَالُهُ فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَصِيرَ فَقِيرًا لَا مَالَ لَهُ وَلَا يُؤْخَذُ ثَوَابُ إيمَانِهِ كَمَا لَا يُؤْخَذُ فِي الدُّنْيَا ثِيَابُ بَدَنِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ لَمْ يُطْرَحْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ
سَيِّئَاتِ خَصْمِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْصِ قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَجِّرَ لَهُمْ مُسْتَوْلَدَتَهُ ) وَمَوْقُوفٌ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَشْرِطْ وَاقِفُهُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ ، وَإِلَّا فَلَا يُؤَجَّرُ ، وَإِجَارَةُ أُمِّ الْوَلَدِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمَحْجُورِ بَلْ تَطَّرِدُ فِي كُلِّ مَدْيُونٍ وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ مَا إذَا كَانَ مَا يَحْصُلُ مِنْهُمَا لَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ( قَوْلُهُ : وَيُؤَجَّرَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى إلَى الْبَرَاءَةِ ) قَالَ السُّبْكِيُّ : أَوْ يُؤَجَّرُ دَفْعَةً بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ ( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَقَضِيَّةُ هَذَا إدَامَةُ الْحَجْرِ إلَى الْبَرَاءَةِ ) وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ ، وَفِي الصَّغِيرِ أَنَّهُ بَعِيدٌ ، وَقَالَ السُّبْكِيُّ : وَغَيْرُهُ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ فَكُّهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِ الْمَأْجُورِ وَقَدْ ذَكَرَا نَظِيرَهُ .
( فَصْلٌ لَا يَفُكُّ هَذَا الْحَجْرَ إلَّا الْحَاكِمُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِرَفْعِهِ كَحَجْرِ السَّفَهِ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ فَلَا يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ وَإِنْ قُسِّمَتْ أَمْوَالُهُ وَلَا بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ عَلَى رَفْعِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ رَضِيَ الْغُرَمَاءُ ) لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ فَاعْتُبِرَ نَظَرُ الْحَاكِمِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَكِّهِ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَهُ فِيهَا نَصٌّ آخَرُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَنْفَكُّ بِنَفْسِهِ ( فَلَوْ بَاعَ ) الْمُفْلِسُ ( مَالَهُ مِنْ الْغُرَمَاءِ ) بِدَيْنِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِ أَوْ بِعَيْنٍ ( أَوْ ) مِنْ ( غَيْرِهِمْ بِإِذْنِهِمْ لَمْ يَصِحَّ ) الْبَيْعُ ( إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ) لِاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ لَا يَفُكُّ هَذَا الْحَجْرَ إلَّا الْحَاكِمُ ) لَوْ فَكَّ الْحَاكِمُ عَنْهُ الْحَجْرَ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ أَخْفَاهُ تَبَيَّنَّا اسْتِمْرَارَ الْحَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ) أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُمْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَبَاعَهُمْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ .
( فَصْلٌ وَمَنْ وَجَدَ مِنْ الْغُرَمَاءِ ) عِنْدَ الْمُفْلِسِ ( عَيْنَ مَالِهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ عَيْنَ مَا أَقْرَضَ ) لَهُ ( فَلَهُ الْفَسْخُ ) لِلْعَقْدِ وَاسْتِرْدَادُ الْعَيْنِ ( وَلَوْ بِلَا حَاكِمٍ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ } وَقِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الْمُسْلِمِ بِانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَعَلَى الْمُكْتَرِي بِانْهِدَامِ الدَّارِ بِجَامِعِ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ ، وَلَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ فُسِخَ فِيمَا يُقَابِلُ بَعْضَهُ الْآخَرَ ، وَقَدْ يَجِبُ الْفَسْخُ بِأَنْ يَقَعَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ التَّصَرُّفُ بِالْغِبْطَةِ كَأَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا أَوْ وَلِيًّا وَالْغِبْطَةُ فِي الْفَسْخِ وَسَيَأْتِي ضَابِطُ مَا يُفْسَخُ فِيهِ وَذَكَرُوا مَسْأَلَةَ الْقَرْضِ هُنَا مَعَ ذِكْرِهِمْ لَهَا فِي بَابِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْعَيْنِ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقُّ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْفَسْخُ ( عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ) بِجَامِعِ دَفْعِ الضَّرَرِ ( فَإِنْ أَخَّرَهُ جَاهِلًا جَوَازَهُ ) أَيْ الْفَسْخِ ( فَوَجْهَانِ ) هَذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْلُ ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ بِالْوَجْهَيْنِ فِي جَهْلِ بُطْلَانِ الصُّلْحِ فِيمَا يَأْتِي ، وَأَوْجَهُهُمَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى غَالِبًا بِخِلَافِ ذَاكَ أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِجَوَازِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ لِتَقْصِيرِهِ ( فَإِنْ صُولِحَ عَنْهُ ) أَيْ الْفَسْخِ ( بِمَالٍ لَمْ يَصِحَّ ) الصُّلْحُ ( وَبَطَلَ حَقُّهُ ) مِنْ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْعَالِمِ بِبُطْلَانِ الصُّلْحِ ( لَا ) فِي حَقِّ ( الْجَاهِلِ ) بِهِ كَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ، وَقَدْ مَرَّ ( وَلَوْ حَكَمَ بِمَنْعِ الْفَسْخِ حَاكِمٌ لَمْ يُنْقَضْ ) حُكْمُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي الْفَسْخِ إلَى حَاكِمٍ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عَارَضَ
النَّصَّ أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ يُنْقَضُ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يُخَالِفْ النَّصَّ الْمَذْكُورَ ؛ إذْ مُفَادُ النَّصِّ أَنَّ الْبَائِعَ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ نَصًّا فِي الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ ، وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِثَمَنِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَظْهَرَ ( وَالْفَسْخُ أَنْ يَقُولَ فَسَخْت الْبَيْعَ أَوْ نَقَضْته أَوْ رَفَعْته ) أَوْ نَحْوَهَا ( وَلَوْ قَالَ رَدَدْت الثَّمَنَ أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ فِيهِ كَفَى ) فِي الْفَسْخِ ( وَإِنْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ مَالَهُ الَّذِي وَجَدَهُ ( أَوْ بَاعَهُ ) مَثَلًا ( لَمْ يَكُنْ فَسْخًا ) كَمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا فِي الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَتَلْغُو هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ الْغَيْرِ .
( قَوْلُهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { إذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ } إلَخْ ) وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ { مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ } وَفِي حُكْمِ الْحَجْرِ بِالْفَلَسِ الْمَوْتُ مُفْلِسًا فَفِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ } ا هـ وَيَجُوزُ لَهُ الْفَسْخُ فِي بَعْضِ الْعَيْنِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ ) أَيْ الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْقَرْضِ الْفَوْرُ بَلْ أَفْرَدَهُ بِفَرْعٍ بَعْدَ أَكْثَرَ مِنْ وَرَقَةٍ فَقَالَ : اقْتَرَضَ مَالًا ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ فِيهِ ا هـ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْرُ بَلْ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَقَدَّمَتْ فِي بَابِهَا بَلْ قَوْلُهُ فَأَفْلَسَ يُفْهِمُ اشْتِرَاطَهُ كَغَيْرِهِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ جَاهِلًا جَوَازَهُ فَوَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا إبْقَاءُ حَقِّهِ ( قَوْلُهُ : وَأَوْجَهُهُمَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ ) لِكَثْرَةِ الْخِلَافِ فِيهَا قَوْلُهُ أَوْ فَسَخْت الْبَيْعَ فِيهِ ) أَيْ وَرَجَعْت فِي الْمَبِيعِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ لَمْ يَكُنْ فَسْخًا ) لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقْوَى عَلَى رَفْعِ الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ بِخِلَافِهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ .
( فَرْعٌ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ أَوْ الْوَارِثُ ) أَيْ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ أَوْ وَارِثُهُ لِمَنْ وُجِدَ مَالُهُ عِنْدَهُ ( نَحْنُ نُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ وَلَا تَفْسَخْ لَمْ تَلْزَمْهُ ) إجَابَتُهُ لِلْمِنَّةِ وَخَوْفِ ظُهُورِ مُزَاحِمٍ فَإِنْ قُلْت : مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ سَاوَى الدَّيْنُ مَالَهُ وَقُلْنَا يُحْجَرْ بِهِ حَيْثُ يُمْنَعُ الْوَاجِدُ لِمَالِهِ مِنْ الْفَسْخِ عَلَى الْأَشْبَهِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مَعَ وُجُودِ خَوْفِ الْمُزَاحَمَةِ قُلْت فِي تِلْكَ إذَا ظَهَرَ مُزَاحِمُهُ وَزَاحَمَهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ عَلَيْهِ بَلْ يَرْجِعُ فِيمَا يُقَابِلُ مَا زُوحِمَ بِهِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ الرُّجُوعِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي الْمَالِ مَا يُوَفِّي حَقَّهُ ( وَكَذَا ) لَا تَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ ( إنْ تَبَرَّعَ بِهِ أَحَدُ الْغُرَمَاءِ ) أَوْ كُلُّهُمْ ( أَوْ أَجْنَبِيٌّ ) لِلْمِنَّةِ وَلِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ فَكَانَ كَالزَّوْجَةِ إذَا تَمَكَّنَتْ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ لِإِعْسَارِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ فَتَبَرُّعُ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ بِهَا لَا يَلْزَمُهَا الْقَبُولُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ هَذَا فِي الْحَيِّ أَمَّا لَوْ تَبَرَّعَ مُتَبَرِّعٌ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ فَلِلْقَاضِي فِيهِ جَوَابَانِ ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَبَّ الدَّيْنِ الْقَبُولُ أَوْ الْإِبْرَاءُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمَوْتِ آيِسٌ مِنْ الْقَضَاءِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَيَاةِ لَا يُلَاقِي مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ ( فَإِنْ أَجَابَ ) الْمُتَبَرِّعِينَ بِالثَّمَنِ ( وَقَدَّمُوهُ ) بِهِ ( ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ ) آخَرُ ( لَمْ يُزَاحِمْهُ ) فِيمَا أَخَذَهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ فِيهِ لَكِنْ ضِمْنًا ، وَحُقُوقُ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَصَالَةً أَمَّا لَوْ أَجَابَ غَيْرُ الْمُتَبَرِّعِينَ فَلِلَّذِي ظَهَرَ أَنْ يُزَاحِمَهُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا يُقَابِلُ مَا زُوحِمَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَرْكِ حَقِّهِ إلَّا بِشَرْطِ
أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الثَّمَنِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ أَخَّرَ حَقَّ الرُّجُوعِ مَعَ احْتِمَالِ ظُهُورِ غَرِيمٍ يُزَاحِمُهُ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْجَهُ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لَكِنَّ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ الْآتِي الْأَوَّلُ ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَقَدَّمُوهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَلْ رُبَّمَا يُوهِمُ خِلَافَ الْمُرَادِ ( فَلَوْ قَالَ ) لَهُ ( وَارِثُ الْمُشْتَرِي : أَنَا أُعْطِيك ) الثَّمَنَ ( مِنْ مَالِي ) وَلَا تَفْسَخْ ( لَزِمَ ) هـ ( الْقَبُولُ ) ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمُورِثِ فَلَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ ، وَلِأَنَّهُ يَبْغِي بِذَلِكَ بَقَاءَ مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ فِي وَجْهٍ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ حَيْثُ أَخَّرَ إلَخْ ) قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ فِي الْعَالَمِ بِالْمُزَاحَمَةِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ قَالَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي : أَنَا أُعْطِيك مِنْ مَالِي لَزِمَهُ الْقَبُولُ ) شَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَرِكَةٌ ( قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَبْغِي بِذَلِكَ بَقَاءَ مِلْكِهِ ) ؛ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مِلْكُهُ فَأَشْبَهَ فَكَّ الْمَرْهُونِ وَفِدَاءَ الْجَانِي .
( فَرْعٌ ) تَضَمَّنَ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْغُرَمَاءُ الْمُرْتَهِنَ بِدَيْنِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْمَرْهُونِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ وَيُفَرِّقُ بِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ آكَدُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعَيْنِ وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي بَدَلِهَا ( وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوْ غَابَ أَوْ مَاتَ وَهُوَ مَلِيءٌ ) فِي الثَّلَاثِ ( وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ ) مِنْ التَّسْلِيمِ فِي الْأَخِيرَةِ ( لَمْ يَرْجِعْ ) أَيْ الْبَائِعُ ( فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ ) لِعَدَمِ عَيْبِ الْإِفْلَاسِ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ جِوَارِ الرُّجُوعِ وَلِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِالسُّلْطَانِ فَإِنْ فُرِضَ عَجْزٌ فَنَادِرٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَيْرَ مَلِيءٍ فَيَرْجِعُ فِيهَا ( وَلَا يَرْجِعُ ) فِيهَا ( إنْ انْقَطَعَ جِنْسُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ ) وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي فَوَاتِ الْمَبِيعِ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ إتْلَافَ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ كَإِتْلَافِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْتَضِيَ التَّخْيِيرَ ، وَإِذَا جَازَ الْفَسْخُ لِفَوَاتِ عَيْنِهِ مَعَ إمْكَانِ الرُّجُوعِ إلَى جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ فَالْفَوَاتُ الْجِنْسُ أَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا قَوِيٌّ ؛ إذْ الْعِوَضُ فِي الذِّمَّةِ فَبَعْدَ الْفَسْخِ وَهُنَاكَ الْمِلْكُ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مُعَيَّنٌ وَأَنَّهُ فَاتَ بِإِتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَاغَ الْفَسْخُ بَلْ فِيهَا قَوْلٌ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ كَالتَّلَفِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ .
( قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ إذَا فَاتَ بِجِنَايَةٍ ) مُضَمَّنَةٍ ( قَوْلُهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَا أَقْوَى ) أُجِيبُ بِأَنَّ الْمُعَيَّنَ فِي الْعَقْدِ ثَمَّ لَمَّا أَتْلَفَهُ الْأَجْنَبِيُّ ثَبَتَ التَّخْيِيرُ فِيهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ إتْلَافٌ مِنْهُ وَلَا مِنْ عَاقِدٍ بَلْ انْقَطَعَ جِنْسُهُ ، وَالذِّمَّةُ قَابِلَةٌ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ فِيهَا ، وَالْعَوْدُ مُمْكِنٌ ، وَالْيَسَارُ لِلْمَدْيُونِ حَاصِلٌ ، وَالِاسْتِبْدَالُ مُمْكِنٌ فَإِثْبَاتُ التَّخْيِيرِ لِلْبَائِعِ لَا وَجْهَ لَهُ بَلْ إنْ شَاءَ صَبَرَ لِيَأْخُذَ الْجِنْسَ أَوْ اسْتَبْدَلَ فَلَا يَخْتَارُ الْفَسْخَ لِذَلِكَ ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : إنَّ جَوَازَ الْفَسْخِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا حَجْرَ وَهُوَ وَاضِحٌ كَانْقِطَاعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الِانْقِطَاعِ بَعْدَ الْحَجْرِ ، وَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ ، وَقَدْ تَزِيدُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً تَزِيدُ عَلَى أَضْعَافِ ثَمَنِهَا ، وَفِي الْفَسْخِ إضْرَارٌ بِالْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ .
( فَرْعٌ لَوْ كَانَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ ضَمِينٌ مَلِيءٌ لَمْ يَرْجِعْ ) أَيْ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ ( وَلَوْ ) كَانَ الضَّمَانُ ( بِلَا إذْنٍ ) لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الثَّمَنِ مِنْ الضَّامِنِ فَلَمْ يَحْصُلْ التَّعَذُّرُ بِالْإِفْلَاسِ وَلِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ وَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَالْوُصُولُ إلَيْهِ مِنْهُ كَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ بِهِ وَاقْتَصَرَ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا لَوْ ضَمِنَ بِلَا إذْنٍ وَذَكَرَ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِلَا تَرْجِيحٍ فَالتَّرْجِيحُ فِيهِ ، وَذَكَرَ حُكْمَ الضَّمَانِ بِالْإِذْنِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَكَذَا التَّقْيِيدُ بِمَلِيءٍ وَقَدْ قَيَّدَ بِهِ وَبِمُقِرٍّ الْأَذْرَعِيُّ ثُمَّ قَالَ : فَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا أَوْ جَاحِدًا ، وَلَا بَيِّنَةَ فَيَرْجِعُ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْإِفْلَاسِ ، وَالتَّرْجِيحُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَنْوَارِ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الظَّاهِرُ تَرَجُّحُ الرُّجُوعِ كَمَا فِي الْمُتَبَرِّعِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ فِي بَابِ الضَّمَانِ : لَوْ أَفْلَسَ الضَّامِنُ وَالْأَصِيلُ وَأَرَادَ الْحَاكِمُ بَيْعَ مَالِهِمَا فِي دَيْنِهِمَا فَقَالَ الضَّامِنُ : ابْدَأْ بِمَالِ الْأَصِيلِ وَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ : أَبِيعُ مَالَ أَيِّكُمَا شِئْت بِدَيْنِي فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الضَّمَانُ بِالْإِذْنِ فَالْمُجَابُ الضَّامِنُ وَإِلَّا فَرَبُّ الدَّيْنِ انْتَهَى وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَدْرَكَ هُنَا تَعَذُّرُ أَخْذِ الثَّمَنِ ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ، وَثَمَّ شَغْلُ ذِمَّةِ كُلٍّ مِنْ الضَّامِنِ وَالْأَصِيلِ مَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الضَّمَانِ ( وَكَذَا ) لَا يَرْجِعُ ( لَوْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ يَفِي بِهِ وَلَوْ مُسْتَعَارًا ) لِمَا مَرَّ فَإِنْ لَمْ يَفِ بِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا يُقَابِلُ مَا بَقِيَ لَهُ وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الرَّهْنِ غَيْرِ الْمُعَارِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَكَذَا التَّرْجِيحُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعَارِ مَعَ قَوْلِهِ يَفِي بِهِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ .
( قَوْلُهُ لَوْ كَانَ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ ضَمِينٌ مَلِيءٌ إلَخْ ) أَيْ مُقِرٌّ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ يُمْكِنُ الْأَخْذُ بِهَا ( قَوْلُهُ : وَقَدْ قَيَّدَ بِهِ وَبِمُقِرِّ الْأَذْرَعِيِّ ) أَيْ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : فَيَرْجِعُ لِتَعَذُّرِ الثَّمَنِ بِالْإِفْلَاسِ ) وَلِيَنْظُرَ فِيمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَضَمِنَهُ ضَامِنٌ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ هَلْ يَكُونُ كَالْحَالِّ عَلَيْهِمَا أَمْ لَهُ الْفَسْخُ هُنَا مُطْلَقًا .
( فَصْلٌ لَهُ الْفَسْخُ فِي كُلِّ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ ) لِمَا مَرَّ فَخَرَجَ بِالْمُعَاوَضَةِ الْهِبَةُ وَنَحْوُهَا ، وَبِالْمَحْضَةِ غَيْرُهَا كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ فَلَا فَسْخَ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَلِتَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ فِي الْبَقِيَّةِ نَعَمْ لِلزَّوْجَةِ بِإِعْسَارِ زَوْجِهَا بِالْمَهْرِ أَوْ النَّفَقَةِ فَسْخُ النِّكَاحِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ لَكِنْ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْحَجْرِ ( فَيَفْسَخُ الْمُسْلِمُ ) عَقْدَ السَّلَمِ ( إنْ وَجَدَ رَأْسَ مَالِهِ ) كَمَا فِي الْبَيْعِ ( فَلَوْ فَاتَ ) بِتَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِ ( لَمْ يَفْسَخْ ) كَمَا لَوْ فَاتَ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ ( بَلْ يُضَارِبُ ) الْغُرَمَاءَ ( بِقِيمَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ ثُمَّ يَشْتَرِي لَهُ ) مِنْهُ بِمَا يَخُصُّهُ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ نَعَمْ إنْ وَجَدَ فِي الْمَالِ صَرَفَ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ هَذَا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْمُسْلَمُ فِيهِ ( فَلَوْ انْقَطَعَ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَلَهُ الْفَسْخُ ) لِثُبُوتِهِ حِينَئِذٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُفْلِسِ فَفِي حَقِّهِ أَوْلَى وَكَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ( وَ ) لَهُ بَعْدَ الْفَسْخِ ( الْمُضَارَبَةُ بِرَأْسِ الْمَالِ ) كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَكَيْفِيَّةُ الْمُضَارَبَةِ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ .
( فَلَوْ قَوَّمْنَا الْمُسْلَمَ فِيهِ ) فَكَانَتْ قِيمَتُهُ ( عِشْرِينَ وَالدُّيُونُ ضِعْفُ الْمَالِ فَأَفْرَزْنَا لَهُ ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ مِنْ الْمَالِ ( عَشَرَةً وَرُخِّصَ السِّعْرُ ) قَبْلَ الشِّرَاءِ ( اشْتَرَى لَهُ ) بِهَا ( جَمِيعَ حَقِّهِ ) إنْ وَفَتْ بِهِ وَإِلَّا قَبَضَهُ ( وَالْفَاضِلُ ) إنْ كَانَ ( لِلْغُرَمَاءِ ) وَإِنَّمَا اشْتَرَى لَهُ الْجَمِيعَ اعْتِبَارًا بِيَوْمِ الْقِسْمَةِ ( ؛ لِأَنَّ الْمُفْرَزَ ) لَهُ صَارَ ( كَالْمَرْهُونِ ) بِحَقِّهِ وَانْقَطَعَ بِهِ حَقُّهُ مِنْ حِصَصِ غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ تَلِفَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ مِمَّا عِنْدَ الْغُرَمَاءِ وَبَقِيَ حَقُّهُ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ ( وَلَوْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ ) قَبْلَ
الشِّرَاءِ فَلَمْ يُوجَدْ الْمُسْلَمُ فِيهِ إلَّا بِأَرْبَعِينَ مَثَلًا ( لَمْ يَزِدْ ) عَلَى مَا أُفْرِزَ لَهُ فَلَا يُزَاحِمُهُمْ اعْتِبَارًا بِمَا مَرَّ ( وَإِنْ حَدَثَ لِلْمُفْلِسِ مَالٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَزَوَالِ الْحَجْرِ ) عَنْهُ ( ثُمَّ أُعِيدَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ وَقَدْ أُعْطِيَ الْمُسْلِمُ ) قَبْلَ زَوَالِ الْحَجْرِ ( قَدْرًا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ ) وَاحْتِيجَ إلَى الْمُضَارَبَةِ ثَانِيًا ( قَوَّمْنَاهُ ) أَيْ الْمُسْلَمَ فِيهِ لِيُعْرَفَ قَدْرُ مَا يَخُصُّ الْمُسْلِمَ مِمَّا بَقِيَ لَهُ مِنْهُ ( بِقِيمَةِ وَقْتِ الْحَجْرِ الثَّانِي وَأَخْذِ حِصَّتِهِ ) مِنْ الْمَالِ بِحَسَبِ تِلْكَ الْقِيمَةِ ( وَإِنْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا ) أَوْ غَيْرَهُ مِنْ سَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ ( اشْتَرَى لَهُ ) الْحَاكِمُ أَوْ مَأْذُونُهُ ( بِحِصَّتِهِ شِقْصًا ) مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا مَرَّ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي لَهُ بَعْضَ الْمُتَقَوِّمِ لِلتَّشْقِيصِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ ( فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ) شِقْصٌ ( فَلَهُ الْفَسْخُ فَلَوْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ ) وَكَانَ مِمَّا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ وَبَقِيَ بَعْضُهُ الْآخَرُ ( رَجَعَ فِي الْبَاقِي ) مِنْهُ ( وَضَارَبَ بِبَاقِي الْمُسْلَمِ ) فِيهِ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ : لَهُ الْفَسْخُ فِي كُلِّ مُعَارَضَةٍ مَحْضَةٍ ) مِنْ شُرُوطِهِ - أَيْضًا - أَنْ لَا يَقُومَ بِالْبَائِعِ مَانِعٌ كَمَنْ أَحْرَمَ ، وَالْمَبِيعُ صَيْدٌ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْكَافِرِ ، وَالْمَبِيعُ مُسْلِمٌ كَمَا فِي الزَّوَائِدِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَحَامِلِيِّ خِلَافًا لِمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ مُجَلِّيٍّ فَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ ، وَلَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ الصَّيْدِ مَعَ الْمُحْرِمِ ع .
( فَصْلٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ ( إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ أَرْضًا وَأَفْلَسَ ) قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ الْحَالَّةِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ ( فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ ) تَنْزِيلًا لِلْمَنَافِعِ مَنْزِلَةَ الْأَعْيَانِ فِي الْبَيْعِ ( فَإِنْ أَجَازَ ) الْعَقْدَ أَوْ فُسِخَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ( ضَارَبَ ) الْغُرَمَاءَ ( بِكُلِّ الْأُجْرَةِ ) إنْ أَجَازَ ( أَوْ الْبَعْضَ ) إنْ فَسَخَ ( وَيُؤَجِّرُ الْحَاكِمُ ) عَلَى الْمُفْلِسِ ( الْعَيْنَ ) الْمُؤَجَّرَةَ إنْ كَانَتْ فَارِغَةً ( لِلْغُرَمَاءِ ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ أَمَّا لَوْ كَانَ الْحَالُّ بَعْضَ الْأُجْرَةِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْمُسْتَحَقِّ فِيهَا أُجْرَةٌ كُلَّ شَهْرٍ عِنْدَ مُضِيِّهِ فَلَا فَسْخَ فِيهَا ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ كَوْنُ الْعِوَضِ حَالًّا ، وَالْمُعَوَّضِ بَاقِيًا فَلَا يَأْتِي الْفَسْخُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لِعَدَمِ الْحُلُولِ ، وَلَا بَعْدَهُ لِفَوَاتِ الْمَنْفَعَةِ فَهُوَ كَتَلَفِ الْمَبِيعِ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ نَعَمْ لَوْ آجَرَ شَيْئًا بِأُجْرَةٍ بَعْضُهَا حَالٌّ وَبَعْضُهَا مُؤَجَّلٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَفْسَخُ فِي الْحَالِّ بِالْقِسْطِ ( وَإِنْ فَسَخَ مُؤَجِّرُ الدَّابَّةِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أَوْ مُؤَجِّرُ الْأَرْضِ وَهِيَ مَزْرُوعَةٌ فَعَلَيْهِ ) فِي الْأُولَى ( حَمْلُ الْمَتَاعِ ) مِنْ غَيْرِ مَأْمَنٍ ( إلَى الْمَأْمَنِ ) لِئَلَّا يَضِيعَ ( بِأُجْرَةِ مِثْلٍ يُقَدِّمُ بِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ ) ؛ لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَإِيصَالِهِ إلَى الْغُرَمَاءِ فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ .
( وَيَضَعُهُ ) وُجُوبًا فِي الْمَأْمَنِ ( عِنْدَ الْحَاكِمِ ) إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ أَوْ وَكِيلَهُ لِيَحْفَظَ لَهُ ( فَإِنْ وَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ بِلَا إذْنِ الْحَاكِمِ فَوَجْهَانِ كَنَظَائِرِهِ ) فِي الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا فَالْأَصَحُّ الضَّمَانُ ( وَعَلَيْهِ ) فِي الثَّانِيَةِ ( تَبْقِيَةُ الزَّرْعِ إلَى ) وَقْتِ ( الْحَصَادِ ) إنْ لَمْ يُسْتَحْصَدْ ( وَلِلْمُؤَجِّرِ ) أَقَامَ فِيهِ الظَّاهِرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ أَيْ وَلَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ( أُجْرَةُ الْمِثْلِ ) عَلَى الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ ( يُقَدَّمُ بِهَا عَلَى الْغُرَمَاءِ )
لِمَا مَرَّ هَذَا ( إنْ أَرَادَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ إبْقَاءَهُ ) وَإِلَّا فَإِنْ أَرَادُوا قَطْعَهُ فَذَاكَ ( وَإِنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ الْقَطْعَ ) وَبَعْضُهُمْ الْإِبْقَاءَ ( وَلِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ أُجِيبَ ) مُرِيدُ الْقَطْعِ ؛ إذْ لَا يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ حَقِّهِ بِرِضَا غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْمُفْلِسَ لَيْسَ عَلَيْهِ تَنْمِيَةُ مَالِهِ لَهُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ الصَّبْرُ إلَى النَّمَاءِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ ( فَلَا ) يُجَابُ مُرِيدُ الْقَطْعِ بَلْ مُرِيدُ الْإِبْقَاءِ ؛ إذْ لَا فَائِدَةَ لِمُرِيدِ الْقَطْعِ فِيهِ أَمَّا إذَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَصَادِ وَتَفْرِيغِ الْأَرْضِ ( فَإِنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ لَمْ يَأْخُذْ الْأُجْرَةَ الْمَاضِيَةَ ) فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ ( فَهُوَ غَرِيمٌ فَلَهُ طَلَبُ الْقَطْعِ ) وَحَيْثُ وَجَبَ بَقَاءُ الزَّرْعِ قَالَ فِي الْأَصْلِ فَالسَّقْيُ وَسَائِرُ الْمُؤَنِ إنْ تَطَوَّعَ بِهَا الْغُرَمَاءُ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ اتَّفَقُوا عَلَيْهَا بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ فَذَاكَ وَإِنْ اتَّفَقَ بَعْضُهُمْ لِيَرْجِعَ اُعْتُبِرَ إذْنُ الْحَاكِمِ أَوْ اتِّفَاقُ الْغُرَمَاءِ وَالْمُفْلِسِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : ( وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الزَّرْعِ لِيَرْجِعَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ بِاتِّفَاقِ الْغُرَمَاءِ وَالْمُفْلِسِ وَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ ) الْمُنْفِقُ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ لِإِصْلَاحِ الزَّرْعِ .
( فَلَوْ أَنْفَقُوا ) عَلَيْهِ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ لِيَرْجِعُوا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ( ثُمَّ ظَهَرَ غَرِيمٌ قَدَّمُوا ) عَلَيْهِ ( بِمَا أَنْفَقُوا ) وَقَوْلِي بِإِذْنِ الْحَاكِمِ قُلْته تَفَقُّهًا فَلَا يَكْفِي إذْنُ الْمُفْلِسِ لِقُصُورِ رَأْيِهِ عَنْ رَأْيِ الْحَاكِمِ ( فَلَوْ أَنْفَقُوا ) عَلَيْهِ ( مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ ) بِإِذْنِهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ ( جَازَ ) لِحُصُولِ الْفَائِدَةِ لَهُ وَلَهُمْ ( وَإِنْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمْ بِإِذْنِ الْمُفْلِسِ ) فَقَطْ ( لِيَرْجِعَ ) بِمَا أَنْفَقَهُ جَازَ وَ ( لَزِمَ ذِمَّتَهُ ) أَيْ الْمُفْلِسِ ( وَلَا يُضَارِبُ بِهِ )
الْغُرَمَاءَ لِحُدُوثِهِ بَعْدَ الْحَجْرِ ( أَوْ ) أَنْفَقَ ( بِإِذْنِ بَاقِي الْغُرَمَاءِ ) فَقَطْ ( لِيَرْجِعَ ) عَلَيْهِمْ ( رَجَعَ ) عَلَيْهِمْ ( فِي مَالِهِمْ ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَلِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْغُرَمَاءَ مَتَى طَلَبُوا إبْقَاءَ الزَّرْعِ وَتَطَوَّعُوا بِالسَّقْيِ أُجِيبُوا لَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِمَا إذَا وَافَقَهُمْ الْمُفْلِسُ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي إدَامَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ النَّصَّ فِيمَا إذَا كَانَ لِلْمَقْطُوعِ قِيمَةٌ ؛ إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ وَطَلَبُوا الْإِبْقَاءَ أُجِيبُوا وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ الْمُفْلِسُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فَالنَّصُّ إنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُمِلَ عَلَيْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ .
( قَوْلُهُ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ أَرْضًا وَأَفْلَسَ فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَوْ مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ كَالدَّارِ وَالْأَرْضِ ، وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً ، وَلَمْ يَفْسَخْ الْمُؤَجِّرُ فَانْتَفَعَ الْوَارِثُ فَاَلَّذِي أَفْتَيْت بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِأُجْرَةِ مَا اسْتَوْفَاهُ لَا بِأَزْيَدَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَوْفَاهُ هُوَ التَّرِكَةُ ، وَالتَّرِكَةُ دَيْنٌ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ الْوَفَاءُ بِقَدْرِ التَّرِكَةِ ، وَعَلَى هَذَا لَوْ امْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَلَهُ نَظِيرٌ فِي الْمُسَاقَاةِ ذُكِرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُ م ( قَوْلُهُ نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ فَقَطْ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي تَصْوِيرِهِمَا لِلْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِمَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْأُجْرَةِ أَوْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَنَافِعَ بَاقِيَةٌ ، وَأَنَّ الْأُجْرَةَ حَالَّةٌ ، وَمِنْ قَوْلِهِمَا أَيْضًا : إنَّ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ بِالْحَجْرِ ، وَالْأُجْرَةُ الْمُؤَجَّلَةُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ م ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ شَرْطَهُ كَوْنُ الْعِوَضِ حَالًّا ) قَالَ أَبُو زُرْعَةَ : يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ مَعَ كَوْنِ الْأُجْرَةِ كُلِّهَا لَيْسَتْ حَالَّةً بِأَنْ تَكُونَ مُقَسَّطَةً لَكِنْ لَمْ يُجْعَلْ كُلُّ قِسْطٍ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْمُدَّةِ بَلْ جُعِلَتْ أُجْرَةُ السَّنَةِ مَثَلًا عَلَى قِسْطَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَالْآخَرُ سَلَخَ السَّنَةَ ، وَلَمْ يُجْعَلْ الْقِسْطُ الْأَوَّلُ فِي مُقَابَلَةِ السِّتَّةِ الْأُولَى وَلَا الثَّانِي فِي مُقَابَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا حُجِرَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بَعْدَ حُلُولِ الْقِسْطِ الْأَوَّلِ وَقَدْ بَقِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَا يُقَابِلُ الْحَالَّ وَهُوَ نِصْفُهَا ، وَلَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِهَا ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي حَلَّتْ وَاَلَّتِي لَمْ تَحُلَّ كِلَاهُمَا فِي
مُقَابَلَةِ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَلَا يُمْكِنُ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ بِمَا تَقَابُلُهُ الْأُجْرَةُ الَّتِي لَمْ تَحُلَّ إلَى الْآنَ ، وَإِنَّمَا يَفْسَخُ فِيمَا يُقَابِلُ الْحَالَّ خَاصَّةً ( قَوْلُهُ : وَيَضَعُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ ) أَيْ الْأَمِينِ ( قَوْلُهُ : وَقَوْلِي بِإِذْنِ الْحَاكِمِ قُلْتُهُ تَفَقُّهًا إلَخْ ) هَذَا التَّفَقُّهُ مَرْدُودٌ بِمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ إمَّا إذْنُ الْحَاكِمِ ، أَوْ اتِّفَاقُ الْغُرَمَاءِ وَالْمُفْلِسِ ، وَهُوَ الْوَجْهُ صِيَانَةً لِمَالِ الْمُفْلِسِ .
( فَصْلٌ يُشْتَرَطُ قَبْضُ عِوَضِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ فِي الْمَجْلِسِ ) ؛ لِأَنَّهَا سَلَمٌ فِي الْمَنَافِعِ ( وَبَعْدَ قَبْضِهِ لَا أَثَرَ لِلْفَلَسِ ) لِقَبْضِ الْمُؤَجِّرِ حَقَّهُ ( فَلَوْ فُرِضَ الْفَلَسُ فِي الْمَجْلِسِ ) وَتَفَرَّقَا وَقَبَضَ الْمُؤَجِّرُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بَعْضَ الْعِوَضِ ( صَحَّ ) الْعَقْدُ ( فِيمَا قُبِضَ بِقِسْطِهِ ) وَبَطَلَ فِي الْبَاقِي تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ فَلَوْ فُرِضَ الْفَلَسُ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ فِيهَا اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا الْخِيَارِ وَإِلَّا فَهِيَ كَإِجَارَةِ الْعَيْنِ أَيْ فَلِلْمُؤَجِّرِ الْفَسْخُ .
( قَوْلُهُ : وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّ شَرْطَ إجَارَةِ الذِّمَّةِ قَبْضُ عِوَضِهَا فِي الْمَجْلِسِ رُبَّمَا تُوُهِّمَ مِنْهُ أَنَّهَا تَبْطُلُ عِنْدَ انْتِفَاءِ قَبْضِ بَعْضِهِ فِيهِ فَدَفَعَ هَذَا الْوَهْمَ بِمَا ذَكَرَهُ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَهِيَ كَإِجَارَةِ الْعَيْنِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ وَإِذَا أَفْلَسَ مُؤَجِّرُ الْعَيْنِ فَلَا فَسْخَ ) لِمُسْتَأْجَرِهَا ( وَيُقَدَّمُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَنْفَعَتِهَا ) كَمَا يُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِحَقِّهِ ( وَتُبَاعُ ) الْعَيْنُ ( لِلْغُرَمَاءِ مُؤَجَّرَةً ) بِطَلَبِهِمْ أَوْ طَلَبِ الْمُفْلِسِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجِّرِ وَلَا يُبَالِي بِمَا يَنْقُصُ مِنْ ثَمَنِهَا بِسَبَبِ الْإِجَارَةِ ؛ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ الصَّبْرُ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ ( فَإِنْ الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا ) كَنَقْلِ مَتَاعٍ إلَى بَلَدٍ ( ثُمَّ أَفْلَسَ ، وَالْأُجْرَةُ فِي يَدِهِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الرُّجُوعُ فِيهَا ) بِفَسْخِ الْإِجَارَةِ ( فَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يُفْسَخْ وَضَارَبَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ) كَنَظِيرِهِ فِي السَّلَمِ ، وَلَا تُسَلِّمُ إلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْهَا بِالْمُضَارَبَةِ لِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ إجَارَةِ الذِّمَّةِ سَلَمٌ كَمَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ( وَحَصَلَ لَهُ بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ الْمُلْتَزَمَةِ إنْ كَانَتْ تَتَبَعَّضُ بِلَا ضَرَرٍ ) كَحَمْلِ مِائَةِ رِطْلٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ كَانَتْ لَا تَتَبَعَّضُ أَوْ تَتَبَعَّضُ بِضَرَرٍ كَقِصَارَةِ ثَوْبٍ وَرِيَاضَةِ دَابَّةٍ وَرُكُوبٍ إلَى بَلَدٍ وَلَوْ نُقِلَ إلَى نِصْفِ الطَّرِيقِ لَبَقِيَ ضَائِعًا ( فَسَخَ وَضَارَبَ بِالْأُجْرَةِ الْمَبْذُولَةِ ) وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ بِلَا ضَرَرٍ مِنْ زِيَادَتِهِ ( فَلَوْ سَلَّمَ ) لَهُ الْمُلْتَزِمُ ( عَيْنًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا ) الْمَنْفَعَةَ الْمُلْتَزَمَةَ ( فَلَهُ ) فِيهَا ( حُكْمُ الْمُعَيَّنَةِ ) فِي الْعَقْدِ فَلَا فَسْخَ لَهُ وَيُقَدَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا قَالَ السُّبْكِيُّ : وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ : لَوْ تَكَارَوْا مِنْهُ حُمُولَةً مَضْمُونَةً يَعْنِي فِي الذِّمَّةِ وَدَفَعَ إبِلًا بِأَعْيَانِهَا كَانَ لَهُ نَزْعُهَا وَإِبْدَالُهَا ، وَإِنْ أَفْلَسَ ، وَثَمَّ غُرَمَاءُ غَيْرُهُمْ ضَرَبُوا مَعَهُمْ وَحَاصُّوهُمْ ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ لَهُ وَجْهٌ لَكِنْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَدَقُّ وَأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ .
( قَوْلُهُ : لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَدَقُّ إلَخْ ) النَّصُّ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ ؛ إذْ الدَّابَّةُ الْمُلْتَزَمَةُ فِي الذِّمَّةِ لَا يُبَدِّلُهَا الْمُؤَجِّرُ إلَّا لِتَلَفِهَا أَوْ تَعَيُّبِهَا .
( فَصْلٌ ) لَوْ ( بَاعَ عَيْنًا وَاسْتَوْفَى ثَمَنَهَا وَامْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ هَرَبَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ ) كَمَا لَوْ أَبَقَ الْمَبِيعُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ ( وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَا لِعَدَمِ عَيْبِ الْإِفْلَاسِ كَمَا لَوْ هَرَبَ الْمُشْتَرِي ( وَإِنْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ ) بَعْدَ إفْلَاسِ الْمُؤَجِّرِ ، وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ وَقَبْضِهِ الْأُجْرَةَ ( وَلَوْ ) كَانَ انْهِدَامُهَا ( بَعْدَ قِسْمَةِ مَالِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَضَارَبَ ) الْمُسْتَأْجِرُ ( بِالْأُجْرَةِ إنْ لَمْ يَمْضِ بَعْضُ الْمُدَّةِ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ مَضَى بَعْضُهَا ( فَبِمَا بَقِيَ ) ضَارَبَ وَذِكْرُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِعَبْدٍ وَتَقَابَضَا فَأَفْلَسَ مُشْتَرِي الْجَارِيَةِ ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ ( وَهَلَكَتْ ) فِي يَدِهِ ( أَوْ وَهَبَهَا ) وَلَوْ ( لِبَائِعِهَا فَرَدَّ ) بَائِعُهَا ( الْعَبْدَ بِعَيْبٍ ضَارَبَ بِقِيمَتِهَا ) كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ ( وَلَمْ يُقَدِّمْ ) عَلَيْهِمْ بِهَا ، وَالتَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ : أَوْ وَهَبَهَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لَا إلَخْ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بَلْ الْأَصَحُّ ثُبُوتُ الْفَسْخِ وَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ لَيْسَ نَظِيرَ صُورَةِ الْمَبِيعِ ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ هُنَاكَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي ، وَلَمْ يُوجَدْ عَيْبُ الْإِفْلَاسِ ، وَهَا هُنَا الْمَبِيعُ عَيْنُ تَعَذُّرِ وُصُولِ الْمُشْتَرِي إلَيْهَا فَثَبَتَ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ كَمَا لَوْ غُصِبَتْ .
( فَصْلٌ شَرْطُ الرُّجُوعِ فِي الْعِوَضِ بَقَاؤُهُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ ) خَالِيًا عَنْ تَعَلُّقِ حَقٍّ لَازِمٍ وَقْتَ الرُّجُوعِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَقْدِيمِ الْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ ( فَلَوْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَ أَوْ بِيعَ أَوْ أُعْتِقَ أَوْ رُهِنَ ) أَوْ وُهِبَ وَقُبِضَ فِيهِمَا أَوْ وُقِفَ أَوْ جُنَّ أَوْ كُوتِبَ أَوْ أُولِدَ ( فَلَا رُجُوعَ ) فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ لِسَبْقِ حَقِّهِ عَلَيْهَا نَعَمْ لَوْ أَقْرَضَهُ الْمُشْتَرِي لِغَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ ، أَوْ بَاعَهُ وَحُجِرَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهُ لَهُ ثُمَّ أَفْلَسَ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْوَاهِبِ لَهُ ، قَالَ : وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي لِآخَرَ ثُمَّ أَفْلَسَا وَحُجِرَ عَلَيْهِمَا كَانَ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَلَا بُعْدَ فِي الْتِزَامِهِ انْتَهَى ( وَكَذَا ) لَا رُجُوعَ ( لَوْ كَانَ ) الْعِوَضُ ( صَيْدًا فَأَحْرَمَ الْبَائِعُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِتَمَلُّكِهِ حِينَئِذٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي ، وَالْبَائِعُ كَافِرٌ رَجَعَ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مِنْ الضَّرَرِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ ( وَإِنْ دَبَّرَهُ أَوْ زَوَّجَ ) هـ الْمُشْتَرِيَ أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ ( رَجَعَ ) فِيهِ الْبَائِعُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ ( وَكَذَا ) يَرْجِعُ فِيهِ ( لَوْ أَجَّرَ ) هـ الْمُشْتَرِي ( إنْ رَضِيَ بِهِ ) الْبَائِعُ ( بِلَا مَنْفَعَةٍ ) بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُؤَجِّرِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِخِلَافِهِ فِي التَّحَالُفِ بَعْدَ الْإِيجَارِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا
لِمَا قَدَّمْته مَعَ نَظَائِرِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ خِيَارِ النَّقْصِ فَرَاجِعْهُ .
( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ شَرْطُ الرُّجُوعِ فِي الْعِوَضِ ) قَالَ الْفَتَى : تَعْبِيرُهُ بِالْعِوَضِ لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَإِنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ الْمُعَوَّضُ ، وَهِيَ الصَّوَابُ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ هُوَ الثَّمَنُ وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ بِالْعِوَضِ ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْحَاوِي تَعْبِيرَهُ فِي حَبْسِ الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ : لَهُ حَبْسُ عِوَضِهِ ، وَعَبَّرَ فِي الْإِرْشَادِ بِمُعَوَّضِهِ فَزِدْت فِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ مِيمًا فَقُلْت : الْمُعَوَّضُ ، وَقَالَ شَيْخُنَا : يَصِحُّ إطْلَاقُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الثَّمَنِ كَ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَوْلَدَ ) وَقَعَ فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَهُوَ سَهْوٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّصْحِيحِ : إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الِاسْتِيلَادِ مِنْهُ ح وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْحَجْرِ وَالْفَلَسِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ : قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ فِي نُفُوذِهِ حِينَئِذٍ قَوْلِي : عِتْقُهُ إذَا قُلْنَا : اسْتِيلَادُ الرَّاهِنِ كَعِتْقِهِ ع وَقَوْلُهُ : قَدْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْمُشْتَرِي ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِبَائِعِهِ ، أَوْ لَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِي الْمَتَاعَ إلَخْ ) وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ كَانَ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ قُلْت فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْهُوبُ لَهُ تِلْكَ الْعَيْنَ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي بِحَالٍ ع قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهُ بَعِيدٌ وَلَعَلَّ مَنْ اخْتَارَهُ فِي الْقَرْضِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِالتَّصَرُّفِ ا هـ الرَّاجِحُ عَدَمُ الرُّجُوعِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الصَّدَاقِ أَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ إنْ قُلْنَا : الْمِلْكُ فِي
زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ ، وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي فَلَا ا هـ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الثَّالِثَةِ وَالثَّانِيَةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِتَمَلُّكِهِ حِينَئِذٍ ) فَلَوْ حَلَّ رَجَعَ ( قَوْلُهُ رَجَعَ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ) جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الْبَيْعِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّيْدِ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ وَلَا يَزُولُ بِنَفْسِهِ قَطْعًا بِخِلَافِ الصَّيْدِ مَعَ الْمُحْرِمِ ع .
( فَصْلٌ لَوْ زَالَ الْمِلْكُ ) أَيْ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَنْ الْمَبِيعِ ( ثُمَّ عَادَ ) إلَيْهِ ، وَلَوْ بِعِوَضٍ ، وَحَجْرُهُ بَاقٍ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ ( لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ ) الْبَائِعُ لِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ قَدْ تَخَلَّلَتْ حَالَةَ تَمَنُّعِ الرُّجُوعِ فَيُسْتَصْحَبُ حُكْمُهَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْهِبَةِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ الرُّجُوعُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَكَلَامُهُ فِي الْكَبِيرِ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِنَظِيرِهِ مِنْ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الْمُصَحَّحِ فِيهِ الرُّجُوعُ وَيُوَافِقُهُ جَوَازُ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ وَمَا فَرَّقُوا بِهِ بَيْنَ الرُّجُوعِ ثَمَّ وَعَدَمِهِ فِي الْهِبَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الصَّدَاقِ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى شَيْءٍ فَالرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْهِبَةِ ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ يَحْصُلُ فِي الْأَصْلِ بِغَيْرِ رُجُوعٍ وَبِأَنَّ الرُّجُوعَ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ لَوْ عَادَ الْمِلْكُ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُوفُوا الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ الثَّانِي فَهَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِ حَقِّهِ أَوْ الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ وَيُضَارِبُ كُلٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَيْ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ فِيهِ أَوْجُهٌ فِي الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ مِنْهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُمَا .
( وَإِنْ انْفَكَّ الْمَرْهُونُ أَوْ الْجَانِي أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ ) الْبَائِعُ فِيهِ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ رَهْنِهِ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ لَهُ الرَّدُّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الِانْفِكَاكِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُرْتَهِنِ : أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك حَقَّك وَآخُذُ عَيْنَ مَالِي فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا وَجْهَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَجِبُ طَرْدُهُمَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ
الْمَنْعِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ حَتَّى ( أَفْلَسَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ ( أَخَذَهُ الشَّفِيعُ لَا الْبَائِعُ ) لِسَبْقِ حَقِّهِ ( وَثَمَنُهُ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ ) يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ( وَإِنْ حَصَلَ ) فِي الْمَبِيعِ ( نَقْصٌ ) بِتَلَفٍ مَا ( لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ ) وَكَانَ حُصُولُهُ ( بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ ، وَكَذَا بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي ) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُهَا كَحَرْبِيٍّ ( أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعِيبًا أَوْ ضَارَبَ ) الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بَلْ قَبَضَهُ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِفَسْخٍ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْصُ حِسِّيًّا كَسُقُوطِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَالْعَمَى أَوْ غَيْرِهِ كَنِسْيَانِ حِرْفَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَإِبَاقٍ وَزِنًا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ ( أَوْ ) حَصَلَ النَّقْصُ ( بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ ) الَّذِي يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ ( فَلِلْمُفْلِسِ الْأَرْشُ وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعِيبًا وَيُضَارِبُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ ) إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ اسْتَحَقَّ بَدَلًا لِمَا فَاتَ وَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْبَائِعِ لَوْ بَقِيَ فَلَا يَحْسُنُ تَضْيِيعُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَجَزَاؤُهُ مَضْمُونٌ بِبَعْضِهِ .
وَمَحَلُّهُ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ إذَا جَنَى بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ جَنَى قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا أَرْشَ لَهُ فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ أَوْ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ فَقَطَعَ الْبَائِعُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ إحْدَى يَدَيْهِ فَنَقَصَ عَنْ قِيمَتِهِ ثُلُثَهَا فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمُفْلِسِ وَلِلْبَائِعِ ثُلُثُ الثَّمَنِ يُضَارِبُ بِهِ ، وَإِنَّمَا ضَارَبَ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ دُونَ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مُخْتَصٌّ بِالْجِنَايَاتِ ،
وَالْأَعْوَاضُ يَتَقَسَّطُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَوْ ضَارَبَ بِالْمُقَدَّرِ لَزِمَ رُجُوعُهُ إلَى الْعَبْدِ مَعَ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَقَوْلُهُ : مِنْ الْقِيمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِنَقْصٍ وَقَوْلُهُ مِنْ الثَّمَنِ مُتَعَلِّقٌ بِمِثْلِ ( وَإِنْ تَلِفَ مَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَيَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَعَيْنَيْنِ ) اشْتَرَاهُمَا فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَفْلَسَ ( فَلَهُ ) أَيْ لِلْبَائِعِ ( الرُّجُوعُ فِي ) الْعَيْنِ ( الْبَاقِيَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُضَارَبَةِ ) مَعَ الْغُرَمَاءِ ( بِالْأُخْرَى ) أَيْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَاقِيَةِ مَعَ الْأُخْرَى فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِهَا بَلْ لَوْ بَقِيَ جَمِيعُ الْمَبِيعِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فِي بَعْضِهِ مُكِّنَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ الْفَسْخِ فِي كُلِّهِ فَكَانَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الْأَبُ فِي بَعْضِ مَا وَهَبَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ هُنَا إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ لَا يَبْقَى بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ فَلَا أَثَرَ لِتَفْرِيقِهَا فِيهِ ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الرَّاجِعِ فَقَطْ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ ، وَيَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ نَظِيرَ مَا مَرَّ ( وَإِذَا كَانَ قَدْ قَبَضَ نِصْفَ ثَمَنِهِمَا وَقِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ رَجَعَ فِي نِصْفِهِمَا إنْ بَقِيَا مَعًا ، وَإِلَّا ) بِأَنْ بَقِيَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ ( فَفِي ) الْعَيْنِ ( الْبَاقِيَةِ كُلِّهَا ) يَرْجِعُ ( بِالْبَاقِي ) مِنْ الثَّمَنِ لِانْحِصَارِهِ فِيهَا ، وَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّالِفَةِ كَمَا لَوْ ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ خَمْسِينَ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَالْبَاقِي مِنْهُمَا مَرْهُونٌ بِالْبَاقِي مِنْ الْمِائَةِ بِجَامِعِ أَنَّ لَهُ التَّعَلُّقَ بِكُلِّ الْعَيْنِ إنْ بَقِيَ كُلُّ الْحَقِّ فَكَذَا بِالْبَاقِي إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ وَأَمَّا خَبَرُ الدَّارَقُطْنِيِّ { أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ مِنْ
ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ } فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ .
( قَوْلُهُ : وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ الرُّجُوعُ ) وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ : إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ قَوْلُهُ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا وَجْهَانِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِ الثَّانِي ( قَوْلُهُ : أَخَذَهُ الشَّفِيعُ لَا الْبَائِعُ ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ : لَوْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ الْأَخْذِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْبَائِعِ وَيَرْجِعُ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ ا هـ وَقَوْلُهُ : فَالْقِيَاسُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَيُضَارِبُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ إلَيْهَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُفْلِسُ الْأَرْشَ مِنْ الْجَانِي ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ اسْتَحَقَّ بَدَلًا لِمَا فَاتَ إلَخْ ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُوهِمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْبَدَلَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْغَرَضُ أَنَّهُ تَوَجَّهَ لَهُ الْبَدَلُ عَلَى الْجَانِي الْمُلْتَزِمِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ أَمْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ بِالْكُلِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْجَانِي غَيْرَ مُلْتَزِمٍ كَالْحَرْبِيِّ أَوْ الدَّافِعِ لِلصَّائِلِ فَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ أُورِدَ عَلَى التَّعْلِيلِ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْأَرْشَ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَرْشَ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا أَتْلَفَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ لَمْ يَرْجِعْ الْبَائِعُ بِمَا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي مِنْ الْقِيمَةِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : إنْ كَانَ الْأَرْشُ بَاقِيًا عَلَى الْجَانِي لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَخْتَصَّ بِأَخْذِهِ ، وَلَا تُشَارِكُهُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ ، وَاسْتَهْلَكَهُ ضُرِبَ الْبَائِعُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ
، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ تَقَدَّمَ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ .
( فَرْعٌ وَإِنْ أَغْلَى زَيْتًا أَوْ عَصِيرًا فَنَقَصَهُ ) بِالْإِغْلَاءِ وَأَفْلَسَ ( فَكَتَلَفِ بَعْضِهِ ) بِغَيْرِ الْإِغْلَاءِ كَمَا لَوْ انْصَبَّ لَا كَتَعَيُّبِهِ فَلَوْ ذَهَبَ نِصْفُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَضَارَبَ بِنِصْفِهِ أَوْ ذَهَبَ ثُلُثُهُ أَخَذَهُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَضَارَبَ بِثُلُثِهِ وَوَقَعَ فِي الْغَصْبِ مَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي الْعَصِيرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ ( فَإِنْ أَغْلَى أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ ) مِنْ ذَلِكَ ( قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَرَجَعَتْ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ ضَارَبَ ) مَعَ رُجُوعِهِ فِيهَا ( بِرُبُعِ الثَّمَنِ مُطْلَقًا ) عَنْ تَقْيِيدِهِ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( ثُمَّ لَوْ سَاوَتْ ) أَيْ الْأَرْطَالُ الثَّلَاثَةُ ( أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقُلْنَا الصَّنْعَةُ عَيْنٌ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ ( فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِدِرْهَمٍ ) وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْطَالِ الْأَرْبَعَةِ قَبْلَ الْإِغْلَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْأَصْلُ قَالَ الْبَارِزِيُّ : وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَرِيكٌ بِالزَّائِدِ عَلَى مَا يَخُصُّ ثَلَاثَةَ أَرْطَالٍ مِنْ الْقِيمَةِ قَبْلَ الْإِغْلَاءِ وَهُوَ دِرْهَمَانِ وَرُبُعٌ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا أَوْرَدَهُ فِي النِّهَايَةِ ( أَوْ سَاوَتْ ثَلَاثَةً ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَقُلْنَا الصَّنْعَةُ عَيْنٌ ( فَبِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ ) هُوَ شَرِيكٌ ؛ لِأَنَّهَا قِسْطُ الرِّطْلِ الذَّاهِبِ وَهُوَ مَا زَادَ بِالطَّبْخِ فِي الْبَاقِي وَإِنْ قُلْنَا : الصَّنْعَةُ أَثَرٌ فَازَ الْبَائِعُ بِمَا زَادَ بِهَا ( أَوْ ) سَاوَتْ ( دِرْهَمَيْنِ فَلَا أَثَرَ لَهُ ) يَعْنِي لِلنَّقْصِ بَلْ يَكْفِي مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهَا ، وَالْمُضَارَبَةُ بِرُبُعِ الثَّمَنِ ، وَوَقَعَ فِي نُسَخٍ سُوِّيَتْ بَدَلَ سَاوَتْ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ، وَمَا قِيلَ : إنَّ سُوِّيَتْ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ رَدَّهُ الْأَزْهَرِيُّ بِأَنَّ اللُّغَةَ لَمْ تَرِدْ بِهِ ( وَانْهِدَامُ الدَّارِ ) الْمَبِيعَةِ ( عَيْبٌ ) إنْ لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُ الْآلَةِ فَيَأْخُذُهَا الْبَائِعُ مَعِيبَةً أَوْ يُضَارِبُ بِثَمَنِهَا ( فَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْآلَةِ ) أَوْ كُلُّهَا بِاحْتِرَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ (
فَكَتَلَفِ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ ) فَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ، وَالْمُضَارَبَةُ بِحِصَّةِ الْآخَرِ مِنْهُ .
قَوْلُهُ قَالَ الْبَارِزِيُّ : وَالصَّوَابُ أَنَّهُ شَرِيكٌ إلَخْ ) الصَّوَابُ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْمَغْلِيِّ قَدْرُ عَيْنِهِ قَبْلَ الْإِغْلَاءِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُ الْمُفْلِسِ ، وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا بَعْدَهَا بِأَنَّ اعْتِبَارَهَا فِيهَا يُؤَدِّي إلَى إحْبَاطِ عَمَلِ الْمُفْلِسِ .
( فَصْلٌ وَيَرْجِعُ ) جَوَازًا ( فِي الْعَيْنِ بِالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ ) بِهَا ( كَالسِّمَنِ ) وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ وَكِبَرِ الشَّجَرِ وَالْحَمْلِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ لَهَا ، وَكَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا الصَّدَاقَ فَإِنَّ الزَّوْجَ إذَا فَارَقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَرْجِعُ فِي النِّصْفِ الزَّائِدِ إلَّا بِرِضَا الزَّوْجَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( لَا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْحَادِثَةُ كَاللَّبَنِ وَالْوَلَدِ ) الْحَادِثَيْنِ الْمُنْفَصِلَيْنِ ( وَالثَّمَرَةِ ) الْحَادِثَةِ الْمُؤَبَّرَةِ فَلَا يَرْجِعُ فِيهَا مَعَ الْأَصْلِ ( فَلَوْ كَانَ وَلَدُ الْجَارِيَةِ ) الْمَبِيعَةِ ( صَغِيرًا ) غَيْرَ مُمَيِّزٍ ( بِيعَا مَعًا ) حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ هَذَا ( إنْ لَمْ يَبْذُلْ الْبَائِعُ قِيمَتَهُ ) وَإِلَّا أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ لِانْتِفَاءِ مَحْذُورِ التَّفْرِيقِ ( وَ ) إذَا بِيعَا مَعًا ( أَخَذَ ) الْبَائِعُ ( حِصَّةَ الْأُمِّ ) وَالْمُفْلِسُ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَلَوْ سَاوَتْ مِائَةً وَمَعَ الْوَلَدِ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَقِيمَةُ الْوَلَدِ السُّدُسُ فَإِذَا بِيعَا كَانَ سُدُسُ الثَّمَنِ لِلْمُفْلِسِ وَالْبَاقِي لِلْبَائِعِ ( وَالْعِبْرَةُ ) فِي انْفِصَالِ الزِّيَادَةِ ( بِالِانْفِصَالِ ) لَهَا ( وَقْتَ الرُّجُوعِ ) عِبَارَةُ الْأَصْلِ : وَالِاعْتِبَارُ فِي الِانْفِصَالِ بِحَالِ الرُّجُوعِ دُونَ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُفْلِسِ بَاقٍ إلَى أَنْ يَرْجِعَ الْبَائِعُ ( وَلَوْ بَاعَهُ بَذْرًا أَوْ بَيْضًا أَوْ عَصِيرًا أَوْ زَرْعًا أَخْضَرَ ) فَزُرِعَ الْبَذْرُ وَنَبَتَ وَتَفَرَّخَ الْبَيْضُ وَتَخَلَّلَ الْعَصِيرُ ، وَلَوْ بَعْدَ تَخَمُّرِهِ وَاشْتَدَّ الْحَبُّ وَأَفْلَسَ ( رَجَعَ فِيهِ ) الْبَائِعُ ( نَبَاتًا ) فِي الْأُولَى ( وَفِرَاخًا ) فِي الثَّانِيَةِ ( وَخَلًّا ) فِي الثَّالِثَةِ ( وَمُشْتَدَّ الْحَبِّ ) فِي الرَّابِعَةِ ؛ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ أَوْ هِيَ عَيْنُ مَالِهِ اكْتَسَبَتْ صِفَةً أُخْرَى فَأَشْبَهَتْ الْوَدِيَّ إذَا صَارَ نَخْلًا ( وَإِذَا اشْتَرَاهَا ) أَيْ الْعَيْنَ ( حَامِلًا فَوَلَدَتْ أَوْ حَائِلًا فَحَمَلَتْ ) عِنْدَهُ ( رَجَعَ فِيهَا ) الْبَائِعُ ( مَعَ
الْوَلَدِ ) فِي الْأُولَى كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ يُعْرَفُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( وَ ) مَعَ ( الْحَمْلِ ) فِي الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَّبِعُ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الرُّجُوعِ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلَوْ وَضَعَتْ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَجَعَ الْبَائِعُ قَبْلَ وَضْعِ الْآخَرِ هَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ تَضَعْ شَيْئًا أَوْ يُعْطَى كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلُودُ أَوْ لَا مَعَ بَقَاءِ حَمْلِ الْمُجْتَنِّ ، أَوْ لَا فَرْقَ انْتَهَى وَقِيَاسُ الْبَابِ مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ تَوَقُّفِ الْأَحْكَامِ عَلَى تَمَامِ انْفِصَالِ التَّوْأَمَيْنِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْحَالَيْنِ .
( قَوْلُهُ وَتَعَلُّمُ الصَّنْعَةِ ) جَزْمُ الشَّيْخَيْنِ هُنَا بِأَنَّ الصَّنْعَةَ يَفُوزُ الْبَائِعُ بِهَا يُخَالِفُهُ تَصْحِيحُهُمَا مِنْ بَعْدِ أَنَّهَا كَالْقِصَارَةِ وَاعْتَمَدَ الْأَذْرَعِيُّ الْأَوَّلَ ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ الثَّانِي وَجَمَعَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى التَّعَلُّمِ بِنَفْسِهِ كَمَا تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ حَيْثُ عَبَّرَ بِتَعَلُّمِ الْحِرْفَةِ بِضَمِّ اللَّامِ مَصْدَرُ تَعَلَّمَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ تَعَلُّمًا وَهَذِهِ كَالسَّمْنِ ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَعَبَّرَ هُنَاكَ بِالتَّعْلِيمِ ، مَصْدَرُ عَلَّمَهُ تَعْلِيمًا ثُمَّ ذَكَرَ ضَابِطَ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ : وَضَبَطَ صُورَةَ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَصْنَعَ بِالْمَبِيعِ مَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ وَظَهَرَ بِهِ أَثَرٌ فِيهِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ الزِّيَادَةِ فِي جَمِيعِ الْأَبْوَابِ إلَّا فِي الصَّدَاقِ إلَخْ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ بِطَرِيقِ فَسْخِ الْعَقْدِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا أَخَذَهُ مَعَ أُمِّهِ إلَخْ ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ : وَهَلْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ يَأْخُذُ الْوَلَدَ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْبَيْعِ ، أَوْ يَسْتَقِلُّ بِأَخْذِهِ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ إطْلَاقِ عِبَارَتِهِمْ ، فِيهِ نَظَرٌ ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا أَرَادَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ وَيَأْتِي هُنَاكَ ذِكْرُ مَا قِيلَ فِيهِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْأُمِّ رُجُوعُهُ فِي الْوَلَدِ أَيْضًا حَذَرًا مِنْ التَّفْرِيقِ أَمْ يَكْفِي اشْتِرَاطُهُ ، وَالِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ الشَّرْطِ وَالِاتِّفَاقِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقَضُ الرُّجُوعُ أَوْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ ، فِيهِ نَظَرٌ ، وَقَوْلُهُ : يَأْتِي هُنَاكَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ فَأَشْبَهَتْ الْوَدِيَّ ) أَيْ أَوْ النَّوِيَّ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُعْطِي كُلٌّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَقِيَاسُ الْبَابِ مَعَ مَا هُوَ مَعْلُومٌ إلَخْ ) قِيَاسُ الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي نَظِيرِهَا
إعْطَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : حَيْثُ قُلْنَا : يَرْجِعُ فِي الْوَلَدِ فَذَاكَ إذَا كَانَ مَوْجُودًا ، فَإِنْ فُقِدَ ضَارَبَ بِقِيمَتِهِ حَمْلًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ حِينَ أَقْبَضَهُ فَتُقَوَّمُ الْأُمُّ حَامِلًا ثُمَّ حَائِلًا فَمَا بَيْنَهُمَا يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ بِنِسْبَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ .
( فَرْعٌ التَّأْبِيرُ ) وَعَدَمُهُ ( فِي الثَّمَرَةِ كَالْوَضْعِ ) وَعَدَمِهِ ( فِي الْحَمْلِ ) فَإِذَا كَانَتْ عَلَى النَّخْلِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْبَيْعِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ ، وَعِنْدَ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ أَوْ مُؤَبَّرَةً أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ ، وَلَمْ تَكُنْ مُؤَبَّرَةً عِنْدَ الرُّجُوعِ رَجَعَ فِيهَا مَعَ النَّخْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِّرَتْ فِي الْأَخِيرَةِ ( وَإِنْ اخْتَلَفَا هَلْ رَجَعَ ) الْبَائِعُ ( قَبْلَ التَّأْبِيرِ ) فَتَكُونُ الثَّمَرَةُ لَهُ ( أَوْ بَعْدَهُ ) فَتَكُونُ لِلْمُفْلِسِ ( فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُفْلِسِ ) بِيَمِينِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ حِينَئِذٍ ، وَبَقَاءُ الثَّمَرَةِ لَهُ ( وَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ ) بِسَبْقِ الرُّجُوعِ عَلَى التَّأْبِيرِ لَا عَلَى نَفْيِ السَّبَقِ فَإِنْ حَلَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا قَالَهُ الْقَاضِي فَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي مَحَلِّهِ ( فَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُفْلِسَ لَمْ يَعْلَمْ ) تَارِيخَ الرُّجُوعِ ( لَمْ يَحْلِفْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقُهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ فَتَبْقَى الثَّمَرَةُ لَهُ ( وَمَتَى نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ ( حَلَفَ الْبَائِعُ لَا الْغُرَمَاءُ ) وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ كَمَا لَوْ ادَّعَى الْمُفْلِسُ دَيْنًا عَلَى غَيْرِهِ ، وَأَقَامَ شَاهِدًا وَلَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ لَا يَحْلِفُ الْغُرَمَاءُ ( وَأَخَذَهَا ) أَيْ الْبَائِعُ الثَّمَرَةَ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَا الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ أَمْ كَالْبَيِّنَةِ .
( فَإِنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ ( فَكَحَلِفِ الْمُفْلِسِ ) فِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةِ هَذَا إنْ كَذَّبَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ كَمَا كَذَّبَهُ الْمُفْلِسُ ( وَإِنْ صَدَّقَ الْغُرَمَاءُ الْبَائِعَ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِيهَا ) لِأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا لَهُ فَإِذَا حَلَفَ الْمُفْلِسُ أَخَذَهَا وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا لِلْحَجْرِ وَاحْتِمَالِ غَرِيمٍ آخَرَ ( وَ ) لَكِنْ ( لِلْمُفْلِسِ إجْبَارُهُمْ عَلَى أَخْذِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ أَوْ ) عَلَى ( الْإِبْرَاءِ ) لِذِمَّتِهِ ( عَنْ
قَدْرِهَا ) كَمَا لَوْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالنَّجْمِ فَزَعَمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ غَصَبَهُ فَيُقَالُ لَهُ : خُذْهُ أَوْ أَبْرِئْهُ عَنْهُ ( فَإِنْ أَخَذُوهَا ) وَلَوْ إجْبَارًا ( فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا ) مِنْهُمْ ( لِإِقْرَارِهِمْ فَلَوْ بَاعَهَا ) الْحَاكِمُ ( لَهُمْ ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ ( بِجِنْسِ حَقِّهِمْ ) وَصَرَفَهُ إلَيْهِمْ ( لَمْ يَأْخُذْهُ بَائِعُ النَّخْلِ ) مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا لَهُ بِهِ ( بَلْ عَلَيْهِمْ رَدُّهُ إلَى مُشْتَرِيهَا ) أَيْ الثَّمَرَةِ ( فَإِنْ رَدَّهُ ) مُشْتَرِيهَا بَلْ أَوْ لَمْ يَرُدَّهُ فِيمَا يَظْهَرُ ( فَمَالٌ ضَائِعٌ فَلَوْ شَهِدَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ ) أَوْ كُلُّهُمْ ( لِلْبَائِعِ ) فَإِنْ كَانَ ( قَبْلَ تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ ) أَوْ بَعْدَهُ فَلَا لِمَا مَرَّ أَنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى أَخْذِ الثَّمَرَةِ فَهُمْ بِشَهَادَتِهِمْ يَدْفَعُونَ ضَرَرَ أَخْذِهَا وَضَيَاعِهَا بِأَخْذِ الْبَائِعِ لَهَا ( فَلَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ إلَّا بَعْضُهُمْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْأَخْذِ ) مِنْهَا ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ لِكَوْنِ الْبَائِعِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا أَخَذَ وَالْمُفْلِسُ لَا يَتَضَرَّرُ بِعَدَمِ الصَّرْفِ إلَيْهِ لِإِمْكَانِ الصَّرْفِ إلَى مَنْ كَذَّبَ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( بَلْ يَخُصُّ بِهَا الْمُكَذِّبِينَ ) بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقَهُ الْجَمِيعُ ( وَإِنْ بَقِيَ لَهُمْ ) أَيْ لِلْمُكَذِّبِينَ ( شَيْءٌ ) مِنْ حُقُوقِهِمْ ( ضَارَبُوا الْمُصَدِّقِينَ ) فِي بَاقِي الْأَمْوَالِ بِبَقِيَّةِ حُقُوقِهِمْ لَا بِجَمِيعِهَا مُؤَاخَذَةً لَهُمْ بِزَعْمِهِمْ قَالَ فِي الْأَصْلِ : هَذَا كُلُّهُ إذَا كَذَّبَ الْمُفْلِسُ الْبَائِعَ فَلَوْ صَدَّقَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ أَيْضًا قَضَى لَهُ وَإِنْ كَذَّبُوهُ وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَقَرَّ بِمُوَاطَأَةٍ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي إقْرَارِهِ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ إنْ قُلْنَا لَا يُقْبَلُ فَلِلْبَائِعِ تَحْلِيفُ الْغُرَمَاءِ أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ رُجُوعَهُ قَبْلَ التَّأْبِيرِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ : وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ تَحْلِيفُ الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ .
( قَوْلُهُ : فَرْعٌ التَّأْبِيرُ فِي الثَّمَرَةِ كَالْوَضْعِ فِي الْحَمْلِ ، فَإِذَا كَانَتْ إلَخْ ) الْمُرَادُ بِالْمُؤَبَّرَةِ ثَمَرَةُ النَّخْلِ ، وَأَمَّا ثَمَرَةُ غَيْرِهِ ، فَمَا لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الشَّجَرِ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُؤَبَّرَةِ وَمَا يَدْخُلُ كَغَيْرِهَا فَوَرَقُ الْفِرْصَادِ وَالنَّبْقِ وَالْحِنَّاءِ وَالْآسِ إنْ حُدِجَ وَالْوَرْدِ الْأَحْمَرِ إنْ تَفَتَّحَ وَالْيَاسَمِينِ وَالتِّينِ وَالْعِنَبِ إنْ خَرَجَ وَالْمِشْمِشِ وَمَا أَشْبَهَهُ إنْ انْعَقَدَ وَتَنَاثَرَ نَوْرُهُ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ إنْ ظَهَرَ مُؤَبَّرَةٌ وَإِلَّا فَلَا فَمَا لَا يَظْهَرُ حَالَةَ الشِّرَاءِ وَكَانَ كَالْمُؤَبَّرَةِ حَالَةَ الرُّجُوعِ بَقِيَ لِلْمُفْلِسِ ، وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ رَجَعَ فِيهِ كوهكيلوني ( قَوْلُهُ فَإِنْ رَدَّهُ ) الْأَوْلَى مَا عَبَّرَ بِهِ أَصْلُهُ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ .
( فَصْلٌ وَمَتَى رَجَعَ ) الْبَائِعِ ( فِي الْأَصْلِ ) مِنْ الشَّجَرِ أَوْ الْأَرْضِ ( وَبَقِيَتْ الثَّمَرَةُ أَوْ الزَّرْعُ لِلْمُفْلِسِ فَلَهُمْ ) أَيْ لِلْمُفْلِسِ وَالْغُرَمَاءِ ( تَرْكُهَا ) الْأَوْلَى تَرْكُهُ ( إلَى ) وَقْتِ ( الْجُذَاذِ بِلَا أُجْرَةٍ ) ؛ إذْ لَا تَعَدِّيَ مِنْهُمْ ، وَهَذَا كَمَا لَوْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً فَإِنَّ لَهُ تَرْكَ الزَّرْعِ إلَى الْحَصَادِ بِلَا أُجْرَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا ، وَزَرَعَ فِيهَا ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ وَفَسَخَ الْمُكْرِي الْإِجَارَةَ فَإِنَّهُ يَتْرُكُ الزَّرْعَ إلَى الْحَصَادِ بِالْأُجْرَةِ ، وَالْفَرْقُ بِوَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّ الْمُكْتَرِيَ دَخَلَ فِي الْإِجَارَةِ لِتَضَمُّنِ الْمَنَافِعِ فَأَلْزَمَ بَدَلَهَا بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ، وَأَفْقَهُهُمَا أَنَّ مَوْرِدَ الْبَيْعِ الرَّقَبَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْفَسْخِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُجْرَةً ، وَمَوْرِدُ الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ فَإِذَا فَاتَتْ هِيَ وَبَدَلُهَا خَلَا الْفَسْخُ عَنْ الْفَائِدَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ ( وَالْقَوْلُ فِي ) طَلَبِ ( قَطْعِ مَالِهِ قِيمَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ ) فِي فَصْلِ إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ أَرْضًا .
( فَرْعٌ حَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فِي الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ فَتَلِفَتْ الثَّمَرَةُ ) بِجَائِحَةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( أَخَذَ ) الْبَائِعُ ( الشَّجَرَةَ بِحِصَّتِهَا ) مِنْ الثَّمَنِ ( وَضَارَبَ ) مَعَ الْغُرَمَاءِ ( بِحِصَّةِ الثَّمَرَةِ ) مِنْهُ ( فَتُقَوَّمُ ) الشَّجَرَةُ ( مُثْمِرَةً فَيُقَالُ ) قِيمَتُهَا ( مِائَةٌ مَثَلًا وَغَيْرَ مُثْمِرَةٍ فَيُقَالُ ) قِيمَتُهَا ( تِسْعُونَ ) مَثَلًا ( فَيُضَارِبُ بِعُشْرِ الثَّمَنِ ) بِنِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا مُثْمِرَةً إلَيْهَا ( وَالْمُعْتَبَرُ فِي الثَّمَرَةِ أَقَلُّ قِيمَتَيْ يَوْمِ الْعَقْدِ وَ ) يَوْمِ ( الْقَبْضِ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ مَا نَقَصَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْمُفْلِسِ ، وَمَا زَادَ قَبْلَهُ يَزِيدُ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ فَلَا تَعَلُّقَ لِلْبَائِعِ بِهِ عِنْدَ التَّلَفِ ( وَالْمُعْتَبَرُ فِي الشَّجَرِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ ) أَيْ قِيمَتَيْ يَوْمَيْ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَيْنَهُمَا مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ فَنُقْصَانُهُ وَزِيَادَتُهُ لِلْمُشْتَرِي فَمَا يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَكْثَرُ لِيَكُونَ النُّقْصَانُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ كَمَا أَنَّ مَا يَبْقَى لِلْمُفْلِسِ ، وَيُضَارِبُ الْبَائِعُ بِثَمَنِهِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَقَلُّ لِيَكُونَ النُّقْصَانُ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ أَيْضًا ، وَقِيلَ : الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّجَرِ قِيمَةُ يَوْمِ الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَهُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ فَيَفُوزُ بِهَا الْبَائِعُ وَلَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ ، وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ .
( فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشَّجَرِ يَوْمَ الْعَقْدِ عِشْرِينَ وَ ) قِيمَةُ ( الثَّمَرَةِ ) فِيهِ ( عَشَرَةً فَنَقَصَا ) الْأَوْلَى فَنَقَصَتَا ( يَوْمَ الْقَبْضِ النِّصْفَ ضَارَبَ بِخُمْسِ الثَّمَنِ ) وَأَخَذَ الشَّجَرَ بِأَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ أَكْثَرُ الْقِيمَتَيْنِ ، وَهِيَ هُنَا عِشْرُونَ وَفِي الثَّمَرَةِ أَقَلُّهُمَا وَهِيَ هُنَا خَمْسَةٌ ، وَمَجْمُوعُهُمَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ، وَنِسْبَةُ الْخَمْسَةِ إلَيْهَا خَمْسٌ ، وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ إلَيْهَا
أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ ( وَإِنْ لَمْ يَنْقُصَا ) شَيْئًا ( ضَارَبَ بِالثُّلُثِ ) مِنْ الثَّمَنِ ، وَأَخَذَ الشَّجَرَ بِثُلُثَيْهِ ؛ إذْ مَجْمُوعُ الْقِيمَتَيْنِ ثَلَاثُونَ ، وَنِسْبَةُ الْعَشَرَةِ إلَيْهَا ثُلُثٌ وَنِسْبَةُ الْعِشْرِينَ إلَيْهَا ثُلُثَانِ وَهَكَذَا سَبِيلُ التَّوْزِيعِ فِي كُلِّ صُورَةٍ تَلِفَ فِيهَا أَحَدُ الْمَبِيعِينَ وَاخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِي الْبَاقِي قَالَهُ فِي الْأَصْلِ ، وَفِيهِ قَالَ الْإِمَامُ وَإِذَا اعْتَبَرْنَا فِي الثَّمَرَةِ أَقَلَّ الْقِيمَتَيْنِ فَتَسَاوَتَا لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا نَقْصٌ فَإِنْ كَانَ لِانْخِفَاضِ السُّوقِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ أَوْ لِعَيْبٍ طَرَأَ ، وَزَالَ فَكَذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ كَمَا يَسْقُطُ بِزَوَالِهِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ ، وَإِنْ لَمْ يَزُلْ لَكِنْ عَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى مَا كَانَتْ لِارْتِفَاعِ السُّوقِ فَاَلَّذِي أَرَاهُ اعْتِبَارُ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْعَيْبِ ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَالِارْتِفَاعُ بَعْدَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَجْبُرُهُ قَالَ يَعْنِي الْإِمَامَ وَإِذَا اعْتَبَرْنَا فِي الشَّجَرِ أَكْثَرَ الْقِيَمِ فَكَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْعَقْدِ مِائَةً وَيَوْمَ الْقَبْضِ مِائَةً وَخَمْسِينَ وَيَوْمَ رُجُوعِ الْبَائِعِ مِائَتَيْنِ أَوْ مِائَةً اُعْتُبِرَ يَوْمُ الرُّجُوعِ ، وَوَجْهُهُ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ مَا طَرَأَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَزَالَ لَيْسَ ثَابِتًا يَوْمَ الْعَقْدِ حَتَّى يَقُولَ : إنَّهُ وَقْتُ الْمُقَابَلَةِ ، وَلَا يَوْمَ رُجُوعِ الْبَائِعِ حَتَّى يُحْسَبَ عَلَيْهِ انْتَهَى وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مَعَ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ .
( قَوْلُهُ حَيْثُ ثَبَتَ الرُّجُوعُ فِي الثَّمَرَةِ مَعَ الشَّجَرَةِ إلَخْ ) فَالتَّصْرِيحُ بِبَيْعِهَا مَعَ الشَّجَرَةِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِيَ نَخْلًا عَلَيْهَا ثَمَرَةٌ غَيْرُ مُؤَبَّرَةٍ وَكَانَتْ عِنْدَ الرُّجُوعِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ أَيْضًا أَوْ كَانَتْ ثَمَرَتُهَا عِنْدَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ وَعِنْدَ الرُّجُوعِ مُؤَبَّرَةً ، وَجَعَلَ الْأَصْلَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ مَا إذَا كَانَتْ النَّخْلَةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ غَيْرَ مُطَلَّعَةٍ وَاطَّلَعَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، وَكَانَتْ يَوْمَ الرُّجُوعِ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ نُسِبَ فِيهِ إلَى الْغَلَطِ ، وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالصِّحَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَقْسَامَ الْحَمْلِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا حَامِلًا ثُمَّ حَمَلَتْ وَانْفَصَلَ الْوَلَدُ قَبْلَ الرُّجُوعِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي قَطْعًا ذِكْرُ أَحْوَالِ الشَّجَرَةِ وَالثَّمَرَةِ ، وَأَحَالَهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي أَقْسَامِ الْحَمْلِ فَكُلُّ مَوْضِعٍ أَثْبَتْنَا الرُّجُوعَ رَجَعَ عِنْدَ تَلَفِ الْحَمْلِ بِالْأَرْشِ إلَّا فِي الْحَمْلِ الْحَادِثِ إذَا انْفَصَلَ ، وَتَلِفَ قَبْلَ الرُّجُوعِ قَوْلُهُ : وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْته مَعَ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ ) قَالَ الرَّافِعِيُّ : هَذَا إنْ اسْتَقَامَ فِي طَرَفِ الزِّيَادَةِ تَخْرِيجًا عَلَى أَنَّ مَا يَفُوزُ بِهِ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي يُقَدَّرُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا يَسْتَقِيمُ فِي طَرَفِ النُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّعَيُّبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ، وَإِذَا رَجَعَ الْبَائِعُ إلَى الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ لَا يُطَالَبُ لِلْعَيْبِ بِشَيْءٍ ، وَفِي اسْتِقَامَةِ ذَلِكَ فِي طَرَفِ الزِّيَادَةِ تَخْرِيجًا عَلَى مَا قَالَهُ نَظَرٌ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَعْبِيرُهُ بِأَنَّ ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الزِّيَادَةِ هُنَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفُوزَ الْعَائِدُ بِزِيَادَةٍ فَلَا يُنَاسِبُ مَا خَرَجَ عَلَيْهِ .
( فَصْلٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ لَوْ ( غَرَسَ ) الْمُشْتَرِي ( فِي الْأَرْضِ أَوْ بَنَى ) فِيهَا ( ثُمَّ رَجَعَ ) يَعْنِي أَرَادَ ( الْبَائِعُ ) الرُّجُوعَ فِيهَا ( فَإِنْ اتَّفَقَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى الْقَلْعِ ) لِلْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ قَلَعُوا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ ، وَرَجَعَ فِيهَا الْبَائِعُ وَإِذَا قَلَعُوا ( لَزِمَ ) وَفِي نُسْخَةٍ لَزِمَهُمْ ( أَرْشُ نَقْصِ الْأَرْضِ ) مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إنْ نَقَصَتْ بِالْقَلْعِ ( وَ ) لَزِمَ ( تَسْوِيَتُهَا ) أَيْ تَسْوِيَةُ حَفْرِهَا مِنْ مَالِهِ ( وَهَلْ يُقَدِّمُ ) الْبَائِعُ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ( بِهِ ) أَيْ بِمُلْزِمٍ فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لِتَخْلِيصِ مَالِهِ وَإِصْلَاحِهِ ( أَوْ يُضَارِبُ ) بِهِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ فِيهِ ( وَجْهَانِ ) الْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ أَخْذَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لِيَتَمَلَّكَهُمَا مَعَ الْأَرْضِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ ( وَإِنْ اخْتَلَفُوا ) بِأَنْ طَلَبَ الْمُفْلِسُ الْقَلْعَ وَالْغُرَمَاءُ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْ الْبَائِعِ لِيَتَمَلَّكَهُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ وَقَعَ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ ، وَبَعْضُهُمْ الْقِيمَةَ مِنْ الْبَائِعِ ( عَمِلَ بِالْمَصْلَحَةِ ) وَعِبَارَتُهُ لِشُمُولِهَا لِلصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ وَإِنْ امْتَنَعُوا مِنْ الْقَلْعِ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي ذَكَرَهُ الْأَصْلُ .
( وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَخْذُ الْأَرْضِ وَحْدَهَا ) وَإِبْقَاءُ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ لَهُمْ لِلضَّرَرِ بِنَقْصِ قِيمَتِهِمَا بِلَا أَرْضٍ بَلْ ( يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ( الْمُضَارَبَةِ بِالثَّمَنِ وَتَمَلُّكِ الْجَمِيعِ بِالْقِيمَةِ وَالْقَلْعِ بِالْأَرْشِ ) لِلنَّقْصِ ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ مَبِيعٌ كُلُّهُ وَالضَّرَرُ يَنْدَفِعُ بِكُلٍّ مِنْهَا فَأُجِيبَ الْبَائِعُ لِمَا طَلَبَهُ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ وَرَجَعَ الْبَائِعُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ فَسَهُلَ احْتِمَالُهُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ
وَالْغِرَاسِ ، وَعِبَارَةُ الْأَصْلِ يُضَارِبُ بِالثَّمَنِ أَوْ يَعُودُ إلَى بَدَلِ قِيمَتِهِمَا أَوْ قَلْعِهِمَا مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَكَتَبَ النَّوَوِيُّ عَلَى حَاشِيَةِ الرَّوْضَةِ : قَوْلُهُ يَعُودُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ اُمْتُنِعَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ مُكِّنَ ( فَإِنْ رَضُوا بِأَخْذِهِ الْأَرْضَ وَبَاعُوا مَا فِيهَا ) مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ ( وَامْتَنَعَ ) هُوَ ( مِنْ بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَهُمْ ) بَعْدَ أَخْذِهِ لَهَا ( فَتَخَيُّرُهُ ) بَيْنَ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ ( بَاقٍ ) فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مَعَهُمْ ؛ لِأَنَّ إفْرَادَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِالْبَيْعِ مُمْكِنٌ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ صَبَغَ الْمُشْتَرِي الثَّوْبَ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا وَافَقَ عَلَى بَيْعِهَا مَعَهُمْ فَظَاهِرٌ وَطَرِيقُ التَّوْزِيعِ مَا مَرَّ فِي الرَّهْنِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَهَذَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِصِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ ، وَفِيهِ إشْكَالٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِيمَا إذَا بَاعَا عَبْدَيْهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْأَظْهَرَ الْبُطْلَانُ انْتَهَى ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ تَابِعٌ لَهَا ؛ لِأَنَّهَا مَقَرُّهُ وَيُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ فِي الْجُمْلَةِ ( وَ ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مَعَهُمْ فَبَاعُوا مَا فِيهَا ثَبَتَ ( لِلْمُشْتَرِي ) مِنْهُمْ ( الْخِيَارَانِ جَهِلَ ) حَالَ مَا اشْتَرَاهُ .
( وَإِنْ اشْتَرَى الْأَرْضَ مِنْ رَجُلٍ وَالْغِرَاسَ مِنْ آخَرَ ) وَغَرَسَهُ فِيهَا ( فَلِكُلٍّ ) مِنْ الْبَائِعَيْنِ ( الرُّجُوعُ ) فِيمَا بَاعَهُ فَإِنْ رَجَعَا وَأَرَادَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ الْقَلْعَ مُكِّنَ مِنْهُ وَكَذَا إنْ أَرَادَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ وَضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ ( فَإِنْ قَلَعَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ ) حَفْرِ ( الْأَرْضِ ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا ) إنْ نَقَصَتْ ( أَوْ ) قَلَعَ ( صَاحِبُ الْأَرْضِ ضَمِنَ أَرْشَ ) نَقْصِ ( الْغِرَاسِ ) إنْ نَقَصَ ( فَإِنْ أَرَادَ الْقَلْعَ مَجَّانًا فَهَلْ
يُجَابُ ) إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْغِرَاسِ بَاعَهُ مُنْفَرِدًا فَيَأْخُذُهُ كَذَلِكَ أَوْ لَا يُجَابُ ؛ لِأَنَّهُ غَرْسٌ مُحْتَرَمٌ كَغَرْسِ الْمُفْلِسِ فِيهِ ( وَجْهَانِ ) أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي ، وَبِهِ جَزَمَ الشَّاشِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ بِمِثْلِهِ فِي صَاحِبِ الْغِرَاسِ ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ ذَاكَ مَالِكٌ لِلْغِرَاسِ فَلَهُ قَلْعُهُ ، وَإِنْ قَالَ : اقْلَعْهُ مَجَّانًا فَإِذَا قَلَعَهُ ضَمِنَ الْأَرْشَ إنْ حَصَلَ نَقْصٌ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْقَلْعِ إذَا قَالَ : أَقْلَعُ مَجَّانًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْغِرَاسِ مِنْ قَلْعِهِ وَبَذَلَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قِيمَتَهُ قَائِمًا لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِ الْغِرَاسِ إقْرَارُهُ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ قَلْعِهِ وَأَخْذِ الْقِيمَةِ وَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مِنْ بَذْلِ الْقِيمَةِ ، وَصَاحِبُ الْغِرَاسِ مِنْ الْقَلْعِ فَإِنْ رَضِيَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِإِقْرَارِهِ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ مَا بَقِيَ فِي أَرْضِهِ
( فَصْلٌ غَرَسَ فِي الْأَرْضِ إلَخْ ) ( قَوْلُهُ قَلَعُوا ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لَا يَعْدُوهُمْ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْلَعَ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ فِي الْأَرْضِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْعِمْرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ يُوَافِقُهُمْ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ فَيَتَضَرَّرُوا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ لَهُمْ فَلَا يُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ رُجُوعِهِ ، وَقَوْلُهُ : قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهَلْ يُقَدِّمُ بِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ يُقَدِّمُ بِهِمَا الْبَائِعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ وَأَنْكَرَ عَلَى الرَّافِعِيِّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَوَّلَهُ ح ( قَوْلُهُ : بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمُضَارَبَةِ بِالثَّمَنِ وَتَمَلُّكِ الْجَمِيعِ بِالْقِيمَةِ ) ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ عَلَى خِلَافِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَعَلَى هَذَا فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَعَ الرُّجُوعِ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ أَمْ يَكْفِي الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ وَعَلَى كِلَا الْأَمْرَيْنِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ بَعْدَ الشَّرْطِ أَوْ الِاتِّفَاقِ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُنْقَضُ الرُّجُوعُ أَوْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ( قَوْلُهُ أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ الثَّانِي إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ لَهُ ) أَيْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْفَسْخِ ( الرُّجُوعُ فِي ) قَدْرِ الْمَبِيعِ مِنْ ( مِثْلِيٍّ ) كَزَيْتٍ خُلِطَ ( بِمِثْلِهِ وَبِأَرْدَأَ مِنْهُ ) أَيْ بِهِمَا مَعًا أَوْ بِأَحَدِهِمَا لِبَقَائِهِ فِي مِلْكِ الْمُفْلِسِ بِغَيْرِ تَعَلُّقِ حَقٍّ لَازِمٍ بِهِ وَيَكُونُ فِي صُورَةِ الْأَرْدَأِ مُسَامَحًا بِعَيْبِهِ كَعَيْبِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ ( لَا ) إنْ خُلِطَ بِشَيْءٍ ( أَجْوَدَ ) مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِي عَيْنِهِ مَعَ تَضَرُّرِ الْمُفْلِسِ فَتَتَعَيَّنُ الْمُضَارَبَةُ بِالثَّمَنِ نَعَمْ إذَا قَلَّ الْأَجْوَدُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ بِهِ زِيَادَةٌ فِي الْحِسِّ وَيَقَعُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ قَالَ الْإِمَامُ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ ( وَلَا ) رُجُوعَ لَهُ ( فِي ) مَا خُلِطَ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مِثْلُ ( زَيْتٍ خُلِطَ بِشَيْرَجٍ ) لِعَدَمِ جَوَازِ الْقِسْمَةِ لِانْتِفَاءِ التَّمَاثُلِ فَهُوَ كَالتَّالِفِ ( وَلَهُ الْإِجْبَارُ عَلَى قِسْمَةِ مَا رَجَعَ فِيهِ ) مَعَ مَا خُلِطَ بِهِ كَالْمُشْتَرَكِ الْمِثْلِيِّ ( لَا عَلَى بَيْعِهِ ) كَمَا لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ
قَوْلُهُ : وَيَكُونُ فِي صُورَةِ الْأَرْدَأِ مُسَامِحًا بِعَيْنِهِ إلَخْ ) هَذَا إذَا خَلَطَهُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ خَلَطَهُ أَجْنَبِيٌّ ضَارَبَ الْبَائِعَ بِنَقْصِ الْخَلْطِ كَمَا فِي الْعَيْبِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَنَاقَضَ الْإِسْنَوِيُّ بَيْنَهُ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ : فِي بَابِ الْغَصْبِ وَالْخَلْطِ هَلَاكٌ إنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ ، وَفَرَّقَ غَيْرُهُ بِأَنَّا إذَا لَمْ تَثْبُتْ الشَّرِكَةُ هُنَا لَمْ يَحْصُلْ لِلْبَائِعِ تَمَامُ حَقِّهِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْمُضَارَبَةِ وَفِي الْغَصْبِ يَحْصُلُ لِلْمَالِكِ تَمَامُ الْبَدَلِ
( فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَى حِنْطَةً فَطَحَنَهَا أَوْ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ بِخُيُوطٍ مِنْهُ ) أَوْ بِخُيُوطٍ اشْتَرَاهَا مَعَهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ ( فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ ) فِيمَا بَاعَهُ ( وَلَا شَيْءَ لَهُ ) مَعَهُ ( إنْ نَقَصَتْ الْقِيمَةُ ) أَيْ قِيمَتُهُ بِالطَّحْنِ أَوْ الْقَصْرِ أَوْ الْخِيَاطَةِ عَنْ قِيمَتِهِ قَبْلَهُ كَمَا فِي رُجُوعِهِ فِيمَا خُلِطَ بِالْأَرْدَأِ ( أَوْ سَاوَتْ ) هَا ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَوْجُودٌ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ ( وَإِنْ زَادَتْ ) عَلَيْهَا ( فَالْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالزِّيَادَةِ ) إلْحَاقًا لَهَا بِالْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ بِفِعْلٍ مُحْتَرَمٍ مُتَقَوِّمٍ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ ، وَيُفَارِقُ سِمَنَ الدَّابَّةِ بِالْعَلَفِ وَكِبَرِ الْوَدِيِّ بِالسَّقْيِ بِأَنَّ الْقَصَّارَ مَثَلًا إذَا قَصَّرَ صَارَ الثَّوْبُ مَقْصُورًا ، وَالْعَلَفُ وَالسَّقْيُ يُوجَدَانِ كَثِيرًا ، وَلَا يَحْصُلُ السِّمَنُ وَالْكِبَرُ فَكَانَ الْأَثَرُ فِيهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَى فِعْلِهِ بَلْ هُوَ مَحْضُ صُنْعِ اللَّهِ - تَعَالَى ، وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ الِاسْتِئْجَارُ لِتَسْمِينِ الدَّابَّةِ وَتَكْبِيرِ الْوَدِيِّ بِخِلَافِهِ لِلْقِصَارَةِ وَنَحْوِهَا ( وَكَذَا ) يَكُونُ الْمُفْلِسُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ ( لَوْ اشْتَرَى دَقِيقًا فَخَبَزَهُ أَوْ لَحْمًا فَشَوَاهُ أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا أَوْ أَرْضًا فَضَرَبَ مِنْ تُرَابِهَا لَبِنًا أَوْ عَرْصَةً وَآلَاتِ الْبِنَاءِ فَبَنَى بِهَا دَارًا أَوْ عَلَّمَ الْعَبْدَ الْقُرْآنَ وَالْحِرْفَةَ ) كَكِتَابَةٍ وَشَعْرٍ مُبَاحٍ وَرِيَاضَةِ دَابَّةٍ ( وَالضَّابِطُ ) لِذَلِكَ ( أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهَا ، وَيَظْهَرُ لَهَا أَثَرٌ تُعَدُّ عَيْنًا لَا أَثَرًا فَلَا أَثَرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِهَا ) فِي مُشَارَكَةِ الْمُفْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُمَا لَا يَظْهَرُ لَهُمَا أَثَرٌ فِيهَا وَإِذَا عُدَّا لِأَثَرِ الْمَذْكُورِ عَيْنًا ( فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ غَيْرَ مَقْصُورٍ خَمْسَةً وَمَقْصُورًا سِتَّةً رَجَعَ ) الْمُفْلِسُ ( بِسُدُسِ الثَّمَنِ فَإِنْ ارْتَفَعَ السُّوقُ بِقِيمَةِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الثَّوْبِ
وَالْقِصَارَةِ ( اخْتَصَّ ) الْأَخذ ( بِالزِّيَادَةِ أَوْ بِهِمَا ) أَيْ بِقِيمَتِهِمَا ( فَبِالنِّسْبَةِ ) تَكُونُ الزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَأْتِي فِي الْفَرْعِ الْآتِي أَيْضًا وَلَوْ قَالَ فَإِنْ ارْتَفَعَتْ أَوْ انْخَفَضَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا بِالسُّوقِ اُخْتُصَّ بِالزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ أَوْ قِيمَتِهِمَا فَبِالنِّسْبَةِ كَانَ أَوْلَى وَأَوْفَقَ بِكَلَامِ الْأَصْلِ ( وَلِلْأَجِيرِ عَلَى الْقِصَارَةِ وَنَحْوِهَا حَقُّ الْحَبْسِ ) لِلثَّوْبِ الْمَقْصُورِ وَنَحْوِهِ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلٍ ( لِيَسْتَوْفِيَ الْأُجْرَةَ ) كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ حَبْسَ الْمَبِيعِ لِيَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ وَنَحْوَهَا عَيْنٌ وَقَيَّدَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا زَادَتْ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ ، وَإِلَّا فَلَا حَبْسَ فَيَأْخُذُهُ الْمَالِكُ كَمَا لَوْ عَمِلَ الْمُفْلِسُ فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ ضَارَبَ الْأَجِيرُ بِأُجْرَتِهِ وَإِلَّا طَالَبَهُ بِهَا
قَوْلُهُ وَقَيَّدَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَالْبَارِزِيُّ وَغَيْرُ إلَخْ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَصَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ .
( فَرْعٌ وَإِنْ صَبَغَ ) الْمُفْلِسُ ( الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ وَلَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ ) أَيْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ عَلَى قِيمَتِهِ بِدُونِهَا بِأَنْ نَقَصَتْ عَنْهَا أَوْ سَاوَتْهَا ( وَرَجَعَ الْبَائِعُ ) فِيهِ ( فَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ ) كَمَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ ( وَإِنْ زَادَتْ ) قِيمَتُهُ عَلَى تِلْكَ ( وَوَفَتْ بِالْقِيمَتَيْنِ ) كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةً وَقِيمَةُ الصَّبْغِ دِرْهَمَيْنِ فَصَارَتْ بَعْدَ الصَّبْغِ سِتَّةً ( أَخَذَ كُلٌّ ) مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( حَقَّهُ ) فَكُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصَّبْغِ لِلْمُفْلِسِ كَمَا لَوْ غَرَسَ الْأَرْضَ وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ : الْمُفْلِسُ شَرِيكٌ بِالصَّبْغِ ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِمَا بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا لِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ كَخَلْطِ الزَّيْتِ وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ فَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ( وَإِنْ لَمْ تَفِ ) قِيمَتُهُ بِالْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ فِي مِثَالِنَا خَمْسَةً ( فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ ) ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فِي الثَّوْبِ ، وَالثَّوْبُ قَائِمٌ بِحَالِهِ ( وَإِنْ زَادَتْ ) قِيمَتُهُ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً ( فَالزِّيَادَةُ وَالصَّبْغُ لِلْمُفْلِسِ ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّنْعَةَ عَيْنٌ فَيُجْعَلُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ( وَلِلْبَائِعِ إمْسَاكُ الثَّوْبِ وَبَذْلُ مَا لِلْمُفْلِسِ مِنْ قِيمَةِ الصَّبْغِ وَالْقِصَارَةِ ) وَإِنْ كَانَ قَابِلًا لِلْفَصْلِ كَمَا يَبْذُلُ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ : إنَّهُ شَرِيكٌ ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْمُفْلِسِ تُبَاعُ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِغَيْرِهِ .
( فَإِنْ اشْتَرَى الصَّبْغَ مِنْ بَائِعِ الثَّوْبِ أَوْ مِنْ آخَرَ أَوْ كَانَ الثَّوْبُ لِلْمُفْلِسِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَةُ الثَّوْبِ ) مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَتِهِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَرْبَعَةً فَصَارَتْ بَعْدَ الصَّبْغِ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً ( فَالصَّبْغُ مَفْقُودٌ يُضَارِبُ بِهِ ) أَيْ بِثَمَنِهِ (
صَاحِبُهُ ) وَصَاحِبُ الثَّوْبِ وَاجِدٌ لَهُ فَيَأْخُذُهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ زَادَتْ ) قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى تِلْكَ ( وَلَمْ تَفِ بِقِيمَتِهِمَا ) كَأَنْ صَارَتْ خَمْسَةً ( فَالصَّبْغُ نَاقِصٌ فَإِنْ شَاءَ قَنَعَ بِهِ ) بَائِعُهُ ( وَإِنْ شَاءَ ضَارَبَ بِثَمَنِهِ وَإِنْ زَادَتْ ) قِيمَتُهُ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى الْقِيمَتَيْنِ كَأَنْ صَارَتْ ثَمَانِيَةً ( فَالزِّيَادَةُ ) وَهِيَ فِي الْمِثَالِ دِرْهَمَانِ ( لِلْمُفْلِسِ ، وَيَجُوزُ لَهُ وَلِلْغُرَمَاءِ قَلْعُ الصَّبْغِ إنْ اتَّفَقُوا ) عَلَيْهِ ( وَيَغْرَمُونَ نَقْصَ الثَّوْبِ ) كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ ( وَكَذَا ) يَجُوزُ ( لِصَاحِبِ الصَّبْغِ ) الَّذِي اشْتَرَاهُ الْمُفْلِسُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الثَّوْبِ ( قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ نَقْصَ الثَّوْبِ أَيْضًا ) التَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ .
وَكَذَا يَجُوزُ قَلْعُهُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الصَّبْغِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ قَلْعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَإِلَّا فَيُمْنَعُونَ مِنْهُ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ فِي الْأُولَى ، وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخِيرَتَانِ ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصَّار ) لِلثَّوْبِ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قَصْرِهِ مُشْتَرِيهِ ( يُضَارِبُ ) بِأُجْرَتِهِ تَارَةً وَ ( بِمَا نَقَصَ ) مِنْهَا أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي وَكَالْقَصَّارِ الصَّبَّاغُ وَنَحْوُهُ ( مِثَالُهُ ثَوْبٌ قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ ، وَقِيمَةُ ) أَيْ أُجْرَةُ ( صَبْغِهِ ) بِفَتْحِ الصَّادِ ( أَوْ قِصَارَتِهِ دِرْهَمٌ فَقُوِّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبِ عَشَرَةٌ وَلِلصَّبْغِ أَوْ الْقِصَارَةِ دِرْهَمٌ وَأَرْبَعَةٌ لِلْمُفْلِسِ ) هَذَا إنْ فَسَخَ الصَّبَّاغُ أَوْ الْقَصَّارُ ، وَإِلَّا ضَارَبَ بِدِرْهَمٍ ( فَلَوْ كَانَتْ الْقِصَارَةُ ) مَثَلًا أَيْ أُجْرَتُهَا ( خَمْسَةً وَسَاوَى ) الثَّوْبَ ( مَقْصُورًا أَحَدَ عَشْرَةَ فَإِنْ فَسَخَ الْأَجِيرُ ) الْإِجَارَةَ ( فَلِلْبَائِعِ عَشَرَةٌ وَلِلْأَجِيرِ دِرْهَمٌ ، وَيُضَارِبُ بِأَرْبَعَةٍ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ ( ضَارَبَ بِخَمْسَةٍ ) كَمَا يُضَارِبُ بِهَا إذَا لَمْ تَزِدْ الْقِيمَةُ بِالْقِصَارَةِ (
وَالدِّرْهَمُ لِلْمُفْلِسِ ) وَالْعَشَرَةُ لِلْبَائِعِ لَا يُقَالُ : قَضِيَّةُ كَوْنِ الْقِصَارَةِ عَيْنًا أَنَّ الزَّائِدَ بِهَا لِلْقَصَّارِ كَزِيَادَةِ الْمَبِيعِ الْمُتَّصِلَةِ وَأَنَّ النَّاقِصَ عَنْ الْأَجْرِ يَقْنَعُ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ كَالصَّبْغِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا نَاقِصًا قَنَعَ بِهِ أَوْ ضَارَبَ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْقِصَارَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَيْنًا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ وَالْأَخْذِ وَالرَّدِّ كَسَائِرِ الْأَعْيَانِ بَلْ صِفَةً تَابِعَةً لِلثَّوْبِ وَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْ الْغَاصِبَ شَرِيكًا لِلْمَالِكِ بِهَا كَمَا جَعَلْنَاهُ شَرِيكًا لَهُ إذَا صَبَغَهُ .
وَإِنَّمَا شُبِّهَتْ بِالْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِهَا مُتَقَوِّمَةٌ مُقَابَلَةٌ بِعِوَضٍ فَلَا تَضِيعُ عَلَى الْمُفْلِسِ كَالْأَعْيَانِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْأَجِيرِ فَلَيْسَتْ مَوْرِدَ الْإِجَارَةِ حَتَّى يُرْجَعَ إلَيْهَا بَلْ مَوْرِدُهَا الصَّنْعَةُ وَلَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا فَجُعِلَ الْحَاصِلُ بِهَا لِاخْتِصَاصِهِ بِهَا مُتَعَلَّقَ حَقِّهِ كَالْمَرْهُونِ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ فَلَا يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمَقْصُورِ وَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ بِنَقْصِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمَرْهُونِ فَإِنْ قُلْت : قَضِيَّةُ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِحَقِّهِ ، وَأَنَّ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُضَارِبُ بِالْأُجْرَةِ سَوَاءٌ أَفَسَخَ أَمْ لَا ، قُلْت : إذَا لَمْ يَفْسَخْ فَهُوَ مُقَصِّرٌ فَسَقَطَ حَقُّهُ إمَّا مِنْ الْحَبْسِ وَالرَّهْنِيَّةِ ، أَوْ مِنْ الرَّهْنِيَّةِ فَقَطْ ، وَبَقِيَ حَقُّ الْحَبْسِ كَمَا هُوَ فِي حَقِّ حَبْسِ الْمَبِيعِ ( وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ ) يَزِيدُ حَقُّهُ بِزِيَادَتِهِ ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مُسْتَحَقٌّ لِلصَّبَّاغِ بِخِلَافِ الْقِصَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَقَّةٍ لِلْقَصَّارِ ، وَإِنَّمَا هِيَ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّهِ فَلَا يَسْتَوْفِي مِنْهَا زِيَادَةً عَلَى مَا رُهِنَ بِهَا ، وَهُوَ الْأُجْرَةُ ( فَلَوْ رَغِبَ رَاغِبٌ فِي مِثَالِنَا ) الْمُسَاوِي فِيهِ
الثَّوْبُ مَصْبُوغًا أَوْ مَقْصُورًا خَمْسَةَ عَشَرَ ( فَاشْتَرَاهُ بِثَلَاثِينَ فَلِصَاحِبِ الثَّوْبُ عِشْرُونَ وَلِلصَّبْغِ ) فِي صُورَتِهِ ( دِرْهَمَانِ أَوْ الْقِصَارَةُ ) فِي صُورَتِهَا ( دِرْهَمٌ وَثَمَانِيَةٌ لِلْمُفْلِسِ ) فِي الْأُولَى ( أَوْ تِسْعَةٌ ) فِي الثَّانِيَةِ لِمَا مَرَّ آنِفًا ( وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ ) أَوْ الصَّبَّاغِ ( نُقَدِّمُك بِالْأُجْرَةِ ) وَدَعْنَا نَكُنْ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ ( لَمْ يُجْبَرْ ) صَوَابُهُ أُجْبِرَ ( عَلَى الْقَبُولِ ) .
وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْبَائِعِ إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِ الْفَسْخِ عِنْدَ تَقْدِيمِهِمْ بِالثَّمَنِ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ تَعْلِيلًا لِلْإِجْبَارِ بَلْ لِمُقَابِلِهِ وَرَجَّحَ الْإِجْبَارَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ مَمْلُوكَةٌ لِلْمُفْلِسِ مَرْهُونَةٌ بِحَقِّ الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ الْمَرْهُونَ بَعْدَ أَدَاءِ حَقِّهِ فَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ يَزِيدَ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالثَّانِي لَا كَالْبَائِعِ إلَى آخِرِهِ انْتَهَى وَعَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَصَّارَ يُجْبَرُ دُونَ الْبَائِعِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ حَقَّ الْقَصَّارِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ ، فَإِذَا أَدَّى حَقَّهُ زَالَ تَعَلُّقَهُ بِهَا فَأُجْبِرَ بِخِلَافِ حَقِّ الْبَائِعِ ، وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَا هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ الْغُرَمَاءُ فِي الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ نُقَدِّمُك مِنْ مَالِنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ
( قَوْلُهُ فَكُلُّ الثَّوْبِ لِلْبَائِعِ وَكُلُّ الصَّبْغِ لِلْمُفْلِسِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَهَذَا مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ ) وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْغَصْبِ وَارْتَضَاهُ فِي الْمَطْلَبِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِمَا فَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ ) لَوْ كَانَتْ زِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِارْتِفَاعِ سُوقِ الْمَبِيعِ ، أَوْ الزِّيَادَةُ اخْتَصَّتْ ( قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصَّارَ يُضَارِبُ بِأُجْرَتِهِ تَارَةً وَبِمَا نَقَصَ مِنْهَا أُخْرَى إلَخْ ) لَوْ سَلَّمَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ أُجْرَتِهِ ثُمَّ أَفْلَسَ صَاحِبُهُ كَانَ لِلْقَصَّارِ التَّقَدُّمُ بِأُجْرَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يُسَلِّمْهُ ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الْأَصْحَابُ لَكِنْ يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُهُمْ قَالَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّا نَقُولُ : الْقِصَارَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ عَيْنًا تُفْرَدُ بِالْبَيْعِ ) قَالَ الْقَمُولِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِصَارَةِ هُنَا تَصْفِيَةُ الثَّوْبِ بِالْغَسْلِ ، وَأَمَّا الْقِصَارَةُ الَّتِي تَعْهَدُهَا بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَهِيَ عَيْنٌ قَطْعًا ؛ لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ تُجْعَلُ فِي الثَّوْبِ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ حَقُّ الْقَصَّارِ بِزِيَادَةِ رَاغِبٍ بِخِلَافِ صَاحِبِ الصَّبْغِ إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْفَرْعِ أَنَّا إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّ الْقِصَارَةَ عَيْنٌ وَزَادَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَائِعِ وَالْأَجِيرِ الرُّجُوعَ إلَى عَيْنِ مَالِهِ فَجَعَلَاهُ مُسْتَحِقًّا لَهُ فَكَيْفَ يَجِيءُ هَذَا ، وَاعْتَرَضَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ أَنَّ الْأَجِيرَ يَرْجِعُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أُجْرَتِهِ بَلْ قَالَ هُنَاكَ : إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ ا هـ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ : هَذَا لَا يُعَارِضُ مَا سَبَقَ ، وَالِاسْتِدْلَالُ صَحِيحٌ ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ هُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ خَمْسَةً ، وَالثَّوْبُ بِعَشَرَةٍ ، وَبَعْدَ الْقِصَارَةِ يُسَاوِي أَحَدَ عَشَرَ
فَإِنْ فَسَخَ الْأَجِيرُ الْإِجَارَةَ فَعَشَرَةٌ لِلْبَائِعِ ، وَدِرْهَمٌ لِلْأَجِيرِ ، وَيُضَارِبُ بِأَرْبَعَةٍ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِصَارَةَ لَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ : أَحَدُهَا أَنْ لَا يَزِيدَ الثَّوْبُ بِسَبَبِهَا فَتَتَعَيَّنُ الْمُضَارَبَةُ ، وَصَاحِبُهَا فَاقِدٌ كَمَا أَنَّ صَاحِبَ الصَّبْغِ فَاقِدٌ ، إذَا لَمْ تَزِدْ الْعَيْنُ الثَّانِي أَنْ يَزِيدَ الثَّوْبُ بِمِقْدَارِ الْأُجْرَةِ أَوْ أَقَلَّ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَجِيرُ إنْ فَسَحَ فَيُضَارِبُ بِالْبَاقِي مِنْ الْأَجِرَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْصِ الثَّالِثُ : أَنْ يَزِيدَ عَلَى قِيمَةِ الْقِصَارَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْأَجِيرِ إلَّا مِقْدَارُ الْأُجْرَةِ ( قَوْلُهُ : صَوَابُهُ أَجِيرٌ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ( قَوْلُهُ : وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ ) كَمَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى قَبُولِ قَبْضِ دَيْنِهِ إذَا قَالَ لَهُ الْغُرَمَاءُ : خُذْ دَيْنَك وَدَعْ الْعَيْنَ ، وَكَمَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى عَدَمِ الْفَسْخِ إذَا قَالَ لَهُ الْوَارِثُ : خُذْ الثَّمَنَ مِنْ مَالِي عَلَى الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ إلَخْ ) اعْتَرَضَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ : خُذْ أُجْرَتَك مِنْ مَالِنَا ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَقَوْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ كَمَا إذَا قَدَّمَهُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَنِ يَعْنِي مِنْ مَالِهِمْ فَيُجْبَرُ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ وَمَا ذَكَرَهُ فِي إجْبَارِ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ غَلَطٌ فَإِنَّ لَهُ الْفَسْخَ فِيهَا قَطْعًا .
( فَصْلٌ وَإِنْ أَخْفَى رَجُلٌ ) مَدْيُونٌ ( مَالِهِ ) أَيْ بَعْضَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْأَصْلُ وَنَقَصَ الْمَوْجُودُ عَنْ دَيْنِهِ ( فَحُجِرَ عَلَيْهِ ) وَرَجَعَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ ( وَتَصَرَّفَ الْقَاضِي ) فِي بَاقِي مَالِهِ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ ( بَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ لَمْ يُنْقَضْ ) تَصَرُّفُهُ ( ؛ إذْ لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ ) مِنْ أَدَاءِ دَيْنِهِ وَصَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ ( وَرُجُوعُ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ ) الْمَبِيعَةِ ( لِامْتِنَاعِ الْمُشْتَرِي ) مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ ( مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ حَكَمَ ) بِهِ ( الْقَاضِي مُعْتَقِدُ نُفُوذِهِ ) أَيْ الْحَاكِمُ أَيْ جَوَازُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَيُنْقَضُ تَصَرُّفُهُ ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ تَفَقُّهِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا قَالَا : فَإِذَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي نَفَذَ كَذَا فِي التَّتِمَّةِ ، وَفِيهِ تَوَقُّفٌ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ رُبَّمَا لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ ذَلِكَ انْتَهَى ، وَسَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ قَبْلَ الْبَابِ الثَّانِي مَا يُؤَيِّدُ التَّوَقُّفَ فَالْمُعْتَمَدُ التَّقْيِيدُ .
( كِتَاب الْحَجْرِ ) هُوَ لُغَةً الْمَنْعُ وَشَرْعًا الْمَنْعُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } الْآيَةَ وَقَوْلُهُ { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا } الْآيَةَ وَالسَّفِيهُ الْمُبَذِّرُ وَالضَّعِيفُ الصَّبِيُّ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ وَالْحَجْرُ نَوْعَانِ نَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْغَيْرِ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَةِ فِي ثُلْثَيْ مَالِهِ وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَالْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ وَلِلَّهِ - تَعَالَى ، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَلَهَا أَبْوَابٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا ، وَبَعْضُهَا يَأْتِي وَنَوْعٌ شُرِعَ لِمَصْلَحَةِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ حَجْرُ الْجُنُونِ وَالصِّبَا وَالسَّفَهِ ، وَكُلٌّ مِنْهَا أَعَمُّ مِمَّا بَعْدَهُ وَقَدْ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ ( وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِمْ لِمَصْلَحَتِهِمْ ثَلَاثَةٌ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ وَالسَّفِيهُ وَيَنْقَطِعُ حَجْرُ الْجُنُونِ ) الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْجُنُونِ ( بِالْإِفَاقَةِ ) مِنْهُ بِغَيْرِ فَكٍّ ، وَأَلْحَقَ الْقَاضِي بِالْمَجْنُونِ النَّائِمَ وَالْأَخْرَسَ الَّذِي لَا يَفْهَمُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ ، وَأَمَّا الْأَخْرَسُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ لَا يَعْقِلُ وَإِنْ احْتَجَّ إلَى إقَامَةِ أَحَدِ مَقَامِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَاكِمَ ، وَفِي نُسْخَةٍ قَبْلَ قَوْلِهِ : وَيَنْقَطِعُ فَصْلٌ .
( وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ) فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ ( وَيَنْقَطِعُ الْحَجْرُ عَنْ الصَّبِيِّ بِالْبُلُوغِ رَشِيدًا ) بِغَيْرِ فَكٍّ لِآيَةِ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِالْبُلُوغِ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَرَادَ الْإِطْلَاقَ الْكُلِّيَّ ، وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي أَرَادَ حَجْرَ الصِّبَا وَهَذَا
أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصِّبَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ بِالْحَجْرِ ، وَكَذَا التَّبْذِيرُ ، وَأَحْكَامُهُمَا مُتَغَايِرَةٌ ، وَمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا فَحُكْمُ تَصَرُّفِهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ السَّفِيهِ لَا حُكْمُ تَصَرُّفِ الصَّبِيِّ انْتَهَى ( وَالْبُلُوغُ ) يَحْصُلُ إمَّا ( بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةِ سَنَةً قَمَرِيَّةً ) تَحْدِيدِيَّةً لِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ { عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْت وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ انْفِصَالِ جَمِيعِ الْوَلَدِ ( أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِإِمْكَانِهِ ) أَيْ لِوَقْتِ إمْكَانِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا } وَلِخَبَرِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ } وَالْحُلُمُ الِاحْتِلَامُ وَهُوَ لُغَةً مَا يَرَاهُ النَّائِمُ تَقُولُ مِنْهُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ وَتَقُولُ حَلَمْت بِكَذَا وَحَلَمْته أَيْضًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ .
( وَأَقَلُّهُ ) أَيْ وَقْتِ إمْكَانِهِ ( تِسْعُ سِنِينَ ) قَمَرِيَّةً أَيْ اسْتِكْمَالُهَا بِالِاسْتِقْرَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقْرِيبٌ كَمَا فِي الْحَيْضِ وَلَوْ ادَّعَى الْبُلُوغَ بِهِ أَوْ ادَّعَتْ الصَّبِيَّةُ الْبُلُوغَ بِالْحَيْضِ صُدِّقَا بِلَا يَمِينٍ ، وَلَوْ فِي خُصُومَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا إنْ صُدِّقَا فَلَا تَحْلِيفَ وَإِنْ كُذِّبَا فَكَيْفَ يَحْلِفَانِ ، وَاعْتِقَادُ الْمُكَذِّبِ أَنَّهُمَا صَغِيرَانِ نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ الْغُزَاةِ وَطَلَبَ سَهْمَ الْمُقَاتَلَةِ ، أَوْ إثْبَاتَ اسْمِهِ فِي الدِّيوَانِ حَلَفَ عِنْدَ التُّهْمَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي السِّيَرِ ( وَإِنْبَاتُ شَعْرِ الْعَانَةِ الْخَشِنِ ) الَّذِي يَحْتَاجُ فِي إزَالَتِهِ إلَى حَلْقٍ ( دَلِيلٌ ) لِلْبُلُوغِ ( فِي حَقِّ الْكُفَّارِ )
وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ { لِخَبَرِ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ كُنْت مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ لَمْ يُقْتَلْ وَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تُنْبِتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ } رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَفَادَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بُلُوغًا حَقِيقَةً بَلْ دَلِيلٌ لَهُ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَشَهِدَ عَدْلَانِ بِأَنَّ عُمْرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَحْكُمْ بِبُلُوغِهِ بِالْإِنْبَاتِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِالسِّنِّ وَحَكَى ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا .
وَإِنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا فِي حَقِّ الْخُنْثَى إذَا كَانَ عَلَى فَرْجَيْهِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ( لَا ) فِي حَقِّ ( الْمُسْلِمِينَ ) لِسُهُولَةِ مُرَاجَعَةِ آبَائِهِمْ وَأَقْرِبَائِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ وَلِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي الْإِنْبَاتِ فَرُبَّمَا تَعَجَّلَهُ بِدَوَاءٍ دَفْعًا لِلْحَجْرِ وَتَشَوُّفًا لِلْوِلَايَاتِ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِهِمْ إلَى الْقَتْلِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ وَهَذَا جَرَى عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَالطِّفْلُ الَّذِي تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ وَوَقْتُ إمْكَانِ إنْبَاتِ الْعَانَةِ وَقْتُ إمْكَانِ الِاحْتِلَامِ ( لَا ) إنْبَاتُ ( شَعْرِ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ ) فَلَيْسَ دَلِيلًا لِلْبُلُوغِ ( لِنُدُورِهِمَا دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ ) سَنَةً ، وَلِأَنَّ إنْبَاتَهُمَا لَوْ دَلَّ عَلَى الْبُلُوغِ لَمَا كَشَفُوا الْعَانَةَ فِي وَقْعَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَالتَّرْجِيحُ فِيهِمَا مَعَ التَّعْلِيلِ بِمَا قَالَهُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَفِي مَعْنَاهُمَا الشَّارِبُ وَثِقَلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَنُتُوُّ
طَرَفِ الْحُلْقُومِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ وَغَيْرُهَا ( وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْعَانَةِ لِلشَّهَادَةِ ) بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى مَعْرِفَةِ الْبُلُوغِ بِهَا لِلضَّرُورَةِ ( وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ ) عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ السِّنِّ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَنَبَاتِ الْعَانَةِ ( بِالْحَيْضِ ) لِوَقْتِ إمْكَانِهِ بِالْإِجْمَاعِ ( وَبِالْوِلَادَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا مَسْبُوقَةٌ بِالْإِنْزَالِ ، وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِالْحَبَلِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَيْسَ بُلُوغًا ، وَإِنَّمَا الْبُلُوغُ بِالْإِنْزَالِ ، وَالْوِلَادَةُ الْمَسْبُوقَةُ بِالْحَبَلِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ ( : وَيَحْكُمُ بِالْبُلُوغِ قَبْلَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَيْءٍ فَلَوْ أَتَتْ الْمُطَلَّقَةُ بِوَلَدٍ يَلْحَقُ الزَّوْجَ حَكَمْنَا بِالْبُلُوغِ ) لَهَا ( قَبْلَ الطَّلَاقِ ) .
( كِتَابُ الْحَجْرِ ) ( قَوْلُهُ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ } ) نَبَّهَ عَلَى الْحَجْرِ بِالِابْتِلَاءِ وَكَنَّى عَنْ الْبُلُوغِ بِالنِّكَاحِ ( قَوْلُهُ كَالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ لِلْغُرَمَاءِ إلَخْ ) قَدْ أَنْهَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ سَبْعِينَ صُورَةً بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : هَذَا بَابٌ وَاسِعٌ لَا تَنْحَصِرُ إفْرَادُ مَسَائِلِهِ ( قَوْلُهُ : وَالْمَرِيضُ الْمُورَثُ فِي ثُلُثَيْ مَالِهِ ) حَيْثُ لَا دَيْنَ ، وَفِي جَمِيعِهَا إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقَّنِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ كَالْقَمُولِيِّ لَكِنْ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا أَنَّ الْمَرِيضَ لَوْ وَفَّى دَيْنَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ لَمْ يُزَاحِمْهُ غَيْرُهُ إنْ وَفَّى الْمَالُ بِجَمِيعِ الدُّيُونِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُوفِ عَلَى الْمَشْهُورِ .
( قَوْلُهُ حَجْرُ الْجُنُونِ ) وَبِهِ تُسْلَبُ الْوِلَايَاتُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ أَوْ بِالتَّفْوِيضِ كَالْإِيصَاءِ وَالْقَضَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدَبِّرْ أَمْرَ نَفْسِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى ، وَاعْتِبَارُ الْأَقْوَالِ لَهُ ، وَعَلَيْهِ سَوَاءٌ تَعَلَّقَتْ بِالدِّينِ كَالْإِسْلَامِ أَمْ بِالدُّنْيَا كَالْمُعَامَلَاتِ لِعَدَمِ قَصْدِهِ ، وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَمِنْهَا مَا هُوَ مُعْتَبَرٌ كَإِحْبَالِهِ وَإِتْلَافِهِ مَالَ الْغَيْرِ وَتَقْرِيرِ الْمَهْرِ بِوَطْئِهِ وَتَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَى إرْضَاعِهِ ، وَعَمْدُهُ عَمْدٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَمِنْهَا مَا هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَالصَّدَقَةِ ، وَلَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ أَتْلَفَ صَيْدًا لَمْ يَلْزَمْهُ الْجَزَاءُ ، وَالصَّبِيُّ كَالْمَجْنُونِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ ، وَلَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ كَالْبَالِغِ ( قَوْلُهُ وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا يَفْهَمُ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَخَيَّلُ أَحَدٌ أَنَّ النَّائِمَ إلَخْ ) مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي : أَنَّ النَّائِمَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَأَنَّ الْأَخْرَسَ
الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَأَنَّ وَلِيَّهُ وَلِيُّهُ فِي الصِّغَرِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ : الْأَخْرَسُ إنْ كَانَ لَهُ إشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ حَلَّتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِلَّا فَكَالْمَجْنُونِ ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَكَذَا سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ ( قَوْلُهُ : وَمَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ فَكَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ ) اعْتَرَضَهُ السُّبْكِيُّ بِأَنَّهُ إنْ زَالَ عَقْلُهُ فَمَجْنُونٌ ، وَإِلَّا فَهُوَ مُكَلَّفٌ ، وَتَصَرُّفَاتُهُ صَحِيحَةٌ ، فَإِنْ بَذَرَ فَسَفِيهٌ ، وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْقَطِعُ الْحَجْرُ عَنْ الصَّبِيِّ بِالْبُلُوغِ رَشِيدًا بِغَيْرِ فَكٍّ ) وَإِنْ كَانَ وَلِيُّهُ الْحَاكِمَ ( قَوْلُهُ تَحْدِيدِيَّةٌ ) حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ يَوْمًا لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ ( قَوْلُهُ لِخَبَرِ { ابْنِ عُمَرَ عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ } إلَخْ ) قَالَ الْقَمُولِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ { رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا ، وَهُمْ أَبْنَاءُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ بَلَغُوا ، وَعُرِضُوا عَلَيْهِ وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمْ مِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَابْنُ عُمَرَ } ( قَوْلُهُ : وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً ) الْمُرَادُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ : وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً أَيْ طَعَنْت فِيهَا ، وَبِقَوْلِهِ : وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْ اسْتَكْمَلْتهَا ؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ أُحُدٍ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَالْخَنْدَقِ كَانَتْ فِي جُمَادَى سَنَةَ خَمْسٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ لِإِمْكَانِهِ ) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ خُرُوجِ الْمَنِيِّ ، فَلَوْ أَتَتْ زَوْجَةُ الصَّبِيِّ بِوَلَدٍ يَلْحَقُهُ لَا يَحْكُمُ بِبُلُوغِهِ بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِالْإِمْكَانِ وَالْبُلُوغُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَحَقُّقِهِ وَحَكَى الْجُورِيُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي يَكُونُ بَالِغًا وَأَجْرَاهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَسْتَقِرُّ بِهِ كُلُّ الْمَهْرِ ، أَوْ لَا وَقَوْلُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ اللِّعَانِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَقَلُّهُ تِسْعُ سِنِينَ ) وَابْتِدَاؤُهَا مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ ، وَسَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي الذَّكَرِ : نِصْفُ الْعَاشِرَةِ وَقِيلَ تَمَامُهَا وَقِيلَ فِي الْأُنْثَى بِأَوَّلِ التَّاسِعَةِ وَقِيلَ نِصْفُهَا ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي دَقَائِقِهِ : إنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَتَنَاوَلُ مَنِيَّ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ ، وَقِيلَ مِنْهَا كَحَيْضِهَا ، وَمَا ضَعَّفَهُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ فِي مَجْمُوعِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ .
( قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَقْرِيبٌ كَمَا فِي الْحَيْضِ ) قَالَ شَيْخُنَا : الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهَا تَحْدِيدٌ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا ) فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ فَقَالَ : شِئْت يَصْدُقُ بِلَا يَمِينٍ ( قَوْلُهُ : وَإِنْبَاتُ شَعْرِ الْعَانَةِ ) يَقْتَضِي أَنَّ الْعَانَةَ هِيَ الْمَنْبَتُ لَا النَّابِتُ ، وَفِيهِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ : هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ فَوْقَ الْفَرْجِ ، وَقِيلَ هِيَ الْمَنْبَتُ ، وَإِنَّمَا اسْمُ النَّابِتِ الشِّعْرَةُ بِالْكَسْرِ ، قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ ( قَوْلُهُ : وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ ) قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ ( مِنْهُ ) ( قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ ) أَيْ كَالسُّبْكِيِّ ( قَوْلُهُ وَيُتَّجَهُ أَنَّهُ دَلِيلٌ لِلْبُلُوغِ بِأَحَدِهِمَا ) هُوَ الظَّاهِرُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ : إنَّهُ الَّذِي يَظْهَرُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ أَنْبَتَ الْكَافِرُ ، وَقَالَ : اسْتَعْجَلْته بِالدَّوَاءِ فَإِنْ قُلْنَا : إنَّهُ بُلُوغٌ لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهُ ، وَإِنْ قُلْنَا : دَلِيلٌ حَلَفَ وَلَمْ يَحْكُمْ بِبُلُوغِهِ هَذَا فِي وَلَدِ الْحَرْبِيِّ إذَا سُبِيَ وَأُرِيدَ قَتْلُهُ فَادَّعَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ وَلَدُ ذِمِّيٍّ وَطُولِبَ بِالْجِزْيَةِ فَادَّعَى مِثْلَ ذَلِكَ
فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ كَذَا نَقَلَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّهُ ( قَوْلُهُ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَوَقْتُ إمْكَانِ إنْبَاتِ الْعَانَةِ وَقْتُ إمْكَانِ الِاحْتِلَامِ ) ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ .
( قَوْلُهُ وَنَزِيدُ الْمَرْأَةَ بِالْحَيْضِ ) لَوْ اسْتَعْمَلَتْ الْمَرْأَةُ دَوَاءً حَتَّى حَاضَتْ كَانَ ذَلِكَ بُلُوغًا عَلَى الْأَصَحِّ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً حَتَّى حَاضَتْ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ ( قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ ) وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ : إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ } فَعَلَّقَ وُجُوبَ السِّتْرِ بِالْمَحِيضِ وَذَلِكَ نَوْعُ تَكْلِيفٍ س ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَسْبُوقَةٌ بِالْإِنْزَالِ ) وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهَا لَا تَحْبَلُ إلَّا بَعْدَ حَيْضٍ ( قَوْلُهُ : وَعَبَّرَ الْأَصْلُ بِالْحَبَلِ إلَخْ ) فِي كَوْنِ الْحَبَلِ بُلُوغًا حَقِيقَةً أَوْ دَلِيلًا عَلَيْهِ خِلَافٌ ، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَقَدْ وَهَمَ ، وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تُفْهِمُ الثَّانِيَ ، قَالَ شَيْخُنَا : هُوَ الْمَذْهَبُ ( قَوْلُهُ وَيُحْكَمُ بِالْبُلُوغِ قَبْلَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَشَيْءٍ ) أَيْ لَحْظَةٍ .
( فَرْعٌ لَوْ أَمْنَى الْخُنْثَى مِنْ ذَكَرِهِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِهِ حَكَمْنَا بِبُلُوغِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَمْنَى أَوْ أُنْثَى حَاضَتْ ( لَا إنْ وُجِدَ ) أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ( مِنْ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ فَلَا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَظْهَرَ مِنْ الْآخَرِ مَا يُعَارِضُهُ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْإِمَامُ : يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِبُلُوغِهِ بِأَحَدِهِمَا كَمَا يَحْكُمُ بِالِاتِّضَاحِ بِهِ ثُمَّ يُغَيِّرُ إنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَهُوَ الْحَقُّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي : إنْ وَقَعَ ذَلِكَ مَرَّةً لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ ، وَإِنْ تَكَرَّرَ حَكَمْنَا بِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهُوَ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى ، فَإِنْ قُلْت : لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيْضِ وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ الذَّكَرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ ، قُلْت : ذَاكَ مَحَلُّهُ مَعَ انْسِدَادِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْحَقُّ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَغْيِيرُ الْحُكْمِ فِيمَا يُمْكِنُ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَبْقَى مَعَهَا الْحَيَاةُ ظَاهِرٌ ، لَكِنْ إذَا حَكَمْنَا بِالْبُلُوغِ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ آثَارَهُ مِنْ الْقَتْلِ قَوَدًا وَرِدَّةً وَغَيْرَهُمَا مَعَ بَقَاءِ الشَّكِّ فِي الْبُلُوغِ ، وَفِيهِ بُعْدٌ ، وَفَرَّقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ وَبَيْنَ حُكْمِنَا بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِهِ فَقَالَ : لَا نَحْكُمُ بِالْبُلُوغِ بِذَلِكَ ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ بِهِ ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ ذُكُورَتِهِ مُسَاوٍ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ فَإِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ مَنِيٍّ أَوْ حَيْضٍ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا غَايَةَ بَعْدَهُ مُحَقَّقَةٌ تُنْتَظَرُ ، وَلَا نَحْكُمُ بِالْبُلُوغِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّبَا فَلَا نُبْطِلُهُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ مَا يَقْدَحُ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ لَنَا غَايَةً تُنْتَظَرُ ، وَهِيَ اسْتِكْمَالُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً .
( فَرْعٌ الرُّشْدُ إصْلَاحُ الدَّيْنِ وَالْمَالِ حَتَّى مِنْ الْكَافِرِ ) كَمَا فُسِّرَ بِهِ آيَةُ { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } ( وَيُعْتَبَرُ ) فِي رُشْدِ الْكَافِرِ ( دِينُهُ ) ثُمَّ بَيَّنَ إصْلَاحَ الدِّينِ بِقَوْلِهِ ( فَلَا يَرْتَكِبُ مُحَرَّمًا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ ) مِنْ كَبِيرَةٍ أَوْ إصْرَارٍ عَلَى صَغِيرَةٍ ، وَإِصْلَاحَ الْمَالِ بِقَوْلِهِ ( وَلَا يُضَيِّعُ الْمَالَ ) بِإِلْقَائِهِ فِي بَحْرٍ أَوْ بِصَرْفِهِ فِي مُحَرَّمٍ أَوْ ( بِاحْتِمَالِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ ) فِي الْمُعَامَلَةِ وَنَحْوِهَا وَهُوَ مَا لَا يُحْتَمَلُ غَالِبًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ كَبَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ ( وَلَيْسَ صَرْفُهُ فِي الْخَيْرِ ) كَالصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ ( تَبْذِيرًا ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا وَهُوَ الثَّوَابُ ، وَلَا سَرَفَ فِي الْخَيْرِ كَمَا لَا خَيْرَ فِي السَّرَفِ ( وَلَا ) صَرْفُهُ ( فِي الثِّيَابِ وَالْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ ) وَإِنْ لَمْ تَلْقَ بِحَالِهِ ( وَشِرَاءِ الْجَوَارِي وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ ) ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُتَّخَذُ لِيُنْتَفَعَ وَيُلْتَذَّ بِهِ ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ نَعَمْ إنْ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاقْتِرَاضِ لَهُ فَحَرَامٌ كَمَا مَرَّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ .
( قَوْلُهُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ آيَةَ { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } ) ؛ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَهِيَ لِلْعُمُومِ ( قَوْلُهُ أَوْ إصْرَارٌ عَلَى صَغِيرَةٍ ) أَيْ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ ( قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاقْتِرَاضِ لَهُ ) أَيْ وَهُوَ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ مِنْ سَبَبٍ ظَاهِرٍ بَلْ مِنْ الزَّكَاةِ .
( فَرْعٌ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِبَارِ ) لِرُشْدِ الصَّبِيِّ فِي الْمَالِ لِيُعْرَفَ رُشْدُهُ وَعَدَمُ رُشْدِهِ ( فَلْيُخْتَبَرْ وَلَدُ التَّاجِرِ فِي الْمُمَاكَسَةِ ) فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِأَنْ يَنْقُصَ عَمَّا طَلَبَهُ مُعَامِلُهُ أَوْ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ ( وَوَلَدُ الزُّرَّاعِ ) وَفِي نُسْخَةِ الزَّارِعِ ( فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْقُوَّامِ بِهَا ) وَهُمْ الَّذِينَ اُسْتُؤْجِرُوا عَلَى الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الزَّرْعِ كَالْحَرْثِ وَالْحَصْدِ وَالْحِفْظِ ( وَالْمَرْأَةُ فِي الْقُطْنِ وَالْغَزْلِ ) أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ حِفْظٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَصَوْتُ الْأَطْعِمَةِ عَنْ الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ ) وَنَحْوِهِمَا ( وَحِفْظُ مَتَاعِ الْبَيْتِ ) وَوَلَدُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ فِي الْإِنْفَاقِ مُدَّةً فِي خُبْزٍ وَمَاءٍ وَلَحْمٍ وَنَحْوِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ ( مَرَّاتٍ ) يَعْنِي مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا يَكْفِي مَرَّةً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِيهَا اتِّفَاقًا ( وَكُلٌّ ) مِنْ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ يُخْتَبَرُ ( بِمَا يَلِيقُ بِهِ ) لَوْ قَدَّمَ هَذَا كَأَصْلِهِ عَلَى قَوْلِهِ فَلْيُخْتَبَرْ كَانَ أَوْلَى ( حَتَّى ) وَفِي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ ( يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بِالرُّشْدِ وَذَلِكَ ) أَيْ الِاخْتِبَارُ ( قَبْلَ الْبُلُوغِ ) لِآيَةِ { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } وَالْيَتِيمُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُحْجَرَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ إلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَهُوَ بَاطِلٌ ( وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيُمَاكِسَ لَا لِيَعْقِدَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ الْوَلِيُّ ( فَإِنْ تَلِفَ ) الْمَالُ ( فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ
( قَوْلُهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاخْتِبَارِ لِرُشْدِ الصَّبِيِّ فِي الْمَالِ إلَخْ ) أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَبِمُشَاهَدَةِ حَالِهِ فِي الْعِبَادَاتِ بِقِيَامِهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِهِ الْمَحْظُورَاتِ قَوْلُهُ أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ حِفْظٍ وَغَيْرِهِ ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْ فِي بَيْتِهَا إنْ كَانَتْ مُخَدَّرَةً ، وَإِنْ كَانَتْ بَرْزَةً فَفِي بَيْعِ الْغَزْلِ وَشِرَاءِ الْقُطْنِ ، أَمَّا بَنَاتُ الْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ فَلَا يُخْتَبَرُونَ بِالْغَزْلِ وَالْقُطْنِ بَلْ بِمَا يَعْمَلُهُ أَمْثَالُهَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْ فِي بَيْتِهَا إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ قَالَهُ السُّبْكِيُّ ( قَوْلُهُ وَكُلٌّ بِمَا يَلِيقُ بِهِ ) وَيُخْتَبَرُ الْخُنْثَى بِمَا يُخْتَبَرُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَتَخْتَبِرُ الْمَرْأَةُ النِّسَاءَ وَالْمَحَارِمَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ ثُمَّ قَالَ : فَقِيلَ : لَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ : يَكْفِي أَمَّا النِّسَاءُ الثِّقَاتُ أَوْ الْمَحَارِمُ أَيُّهُمَا كَانَ أَجْزَأَ ، وَظَاهِرُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَجَانِبِ لَهَا بِالرُّشْدِ ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ خَلِّكَانَ وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ ، وَقَالَ : إنَّمَا تَعَرَّضَ الشَّافِعِيُّ لِلطَّرِيقِ الْغَالِبِ فِي الِاخْتِبَارِ دُونَ الشَّهَادَةِ ، وَالْمُحْتَرَفُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ أَيْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَأَقَارِبِهِ ، كَمَا قَالَهُ فِي الْكَافِي وَقَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ وَالْبُوَيْطِيِّ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَقِيلَ يَكْفِي أَمَّا النِّسَاءُ إلَخْ وَكَذَا قَوْلُهُ وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ ( قَوْلُهُ : وَذَلِكَ قَبْلَ الْبُلُوغِ ) الْمُرَادُ بِالْقَبْلِيَّةِ الزَّمَنُ الْقَرِيبُ لِلْبُلُوغِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ رُشْدُهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ الْمَالَ أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ .
( فَصْلٌ ) وَفِي نُسْخَةٍ فَرْعٌ ( لَوْ بَلَغَ ) الصَّبِيُّ ( مُصْلِحًا لِمَالِهِ لَا دَيْنِهِ ) أَوْ عَكْسُهُ أَوْ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فُهِمَا بِالْأَوْلَى ( لَمْ يَنْفَكُّ حَجْرُهُ ) بَلْ يُسْتَدَامُ وَيَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ مَنْ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ وَلِمَفْهُومِ آيَةِ { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا } وَالْإِينَاسُ هُوَ الْعِلْمُ وَالْمُرَادُ بِالْحَجْرِ الْجِنْسُ لَا حَجْرُ الصَّبِيِّ لِانْقِطَاعِهِ بِالْبُلُوغِ عَلَى مَا مَرَّ وَيُسَمَّى مَنْ بَلَغَ كَذَلِكَ بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ حِسًّا ( فَلَوْ أَصْلَحَهُمَا ) مَنْ بَلَغَ بِأَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لَهُمَا أَوْ غَيْرَ مُصْلِحٍ ثُمَّ صَارَ مُصْلِحًا لَهُمَا ( انْفَكَّ ) حَجْرُهُ وَدَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ ، وَلَوْ امْرَأَةً ( بِلَا حَاكِمٍ ) لِلْآيَةِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ كَحَجْرِ الْجُنُونِ نَعَمْ إنْ أَنْكَرَ وَلِيُّهُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَلِيُّ كَالْقَاضِي وَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا أَمِينٌ ادَّعَى انْعِزَالَهُ ، وَلِأَنَّ الرُّشْدَ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِبَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ آخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ فِي رَفْعِ وِلَايَتِهِ ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَلِأَنَّ الْأَصْلَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْبُلُوغِ عَدَمُ الرُّشْدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ
( قَوْلُهُ لَمْ يَنْفَكَّ حَجْرُهُ ) بَلْ يُسْتَدَامُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَلَّقَ دَفْعَ الْمَالِ إلَيْهِ بِالْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ فَكَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ إذَا رَشَدَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يَرْتَفِعُ إذَا بَلَغَ قَبْلَ الرُّشْدِ ، وَلِأَنَّ الْحَجْرَ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْحَاجَةِ إلَى حِفْظِ الْمَالِ ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ ( قَوْلُهُ : وَيُسَمَّى مَنْ بَلَغَ كَذَلِكَ بِالسَّفِيهِ الْمُهْمَلِ ) الْمَشْهُورُ إطْلَاقُ هَذَا الِاسْمِ عَلَى مَنْ ذَرَّ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ أَصْلَحَهُمَا انْفَكَّ بِلَا حَاكِمٍ ) شَمِلَ مَا إذَا كَانَ وَلِيُّهُ الْحَاكِمَ ( قَوْلُهُ : نَعَمْ إنْ أَنْكَرَ وَلِيُّهُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ بَلَغَ رَشِيدًا لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ ) حَكَى فِي التَّوْشِيحِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ أَفْتَى فِي يَتِيمٍ غَائِبٍ عَلِمَ وَلِيُّهُ أَنَّهُ بَلَغَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَلَغَ رَشِيدًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ ، وَلَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِ الْحَجْرِ ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا أَجَّرَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ مُدَّةً يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ لَمْ يَصِحَّ فِيمَا زَادَ عَلَى الْبُلُوغِ قَالَ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَكْتَفُونَ فِي الْعُقُودِ بِالْأَصْلِ ا هـ وَمَا أَفْتَى بِهِ مَمْنُوعٌ ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي اُسْتُشْهِدَ بِهَا ؛ لِأَنَّ صُورَتَهَا فِي بُلُوغِهِ رَشِيدًا كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى : وَلَوْ بَاعَ مَالَ مُرَاهِقٍ فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِهِ بِالْبُلُوغِ قَبْلَ بَيْعِ الْقَيِّمِ لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْبُلُوغِ لَا تَزُولُ بِهِ الْوِلَايَةُ ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : لَا تَمْنَعُ الْوَلِيَّ مِنْ التَّصَرُّفِ قِيَاسًا عَلَى الْوَكِيلِ يَتَصَرَّفُ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ مُوَكِّلَهُ عَزَلَهُ نَعَمْ إنْ ظَهَرَ رُشْدُهُ كَانَ كَتَصَرُّفِ وَكِيلٍ ظَهَرَ عَزْلُهُ ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ ) إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالسَّفَهِ وَبَيِّنَةٌ بِالرُّشْدِ أَجَابَ ابْنُ عُجَيْلٍ بِأَنَّهُ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ السَّفَهِ
كَالْبَيِّنَةِ الْخَارِجَةِ ، وَأَجَابَ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ الْحِلِّيُّ بِأَنَّهُمَا إنْ أُطْلِقَتَا أَوْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخٍ مُخْتَلِفٍ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ وَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ عِنْدَ تَصَرُّفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ السَّفَهِ قَالَ : وَعَرَضْت هَذَا عَلَى ابْنِ عُجَيْلٍ فَقَالَ : حَتَّى أَنْظُرَ فِيهِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُمَا إنْ أُطْلِقَتَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ وَذَكَرَ فِي بَابِ الدَّعَاوَى أَنَّ بَيِّنَةَ السَّفَهِ مُقَدَّمَةٌ إذَا شَهِدَتْ بِأَنَّ سَفَهَهُ مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ كَالْخَارِجَةِ ، وَإِنْ قَالَتْ : غَيْرُ رَشِيدٍ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ ا هـ لَعَلَّهُ فِيمَنْ جُهِلَ حَالُهُ مِنْ قَبْلُ فَلَوْ عَلِمْنَا فَالنَّاقِلَةُ مُقَدَّمَةٌ ، فَإِذَا عَلِمْنَا سَفَهَهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرُّشْدِ ، أَوْ عَلِمْنَا تَقْدِيمَ رُشْدِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ السَّفَهِ وَقَوْلُهُ لَعَلَّهُ فِيمَنْ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( وَلَوْ عَادَ ) أَيْ صَارَ بَعْدَ رُشْدِهِ ( مُبَذِّرًا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي ) فَلَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَالْأَبِ وَالْجَدِّ وَلَا يَعُودُ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ ، وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِآيَةِ { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } أَيْ أَمْوَالَهُمْ لِقَوْلِهِ { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ } وَلِخَبَرِ { خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَهُ إلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ ؛ لِأَنَّهُمْ أَشْفَقُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقَاضِي ( وَلِيُّهُ دُونَ الْأَبِ وَالْجَدِّ ) ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُعِيدُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ وِلَايَةَ غَيْرِهِ قَدْ زَالَتْ فَيَنْظُرُ مَنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ ( وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَجْرُ إلَّا بِهِ ) أَيْ بِالْقَاضِي كَمَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِ ( وَلَا حَجْرَ بِعَوْدِ الْفِسْقِ ) بِلَا تَبْذِيرٍ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلِينَ لَمْ يَحْجُرُوا عَلَى الْفَسَقَةِ وَيُفَارِقُ اسْتِدَامَتَهُ بِالْفِسْقِ الْمُقْتَرِنِ بِالْبُلُوغِ بِأَنَّ الْأَصْلَ ثَمَّ بَقَاؤُهُ ، وَهُنَا ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَيُفَارِقُ الْحَجْرُ بِعَوْدٍ التَّبْذِيرَ بِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَحَقَّقُ بِهِ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا عَدَمُ إتْلَافِهِ بِخِلَافِ التَّبْذِيرِ ( وَلَا ) حَجْرَ ( بِالْغَبْنِ فِي تَصَرُّفٍ دُونَ تَصَرُّفٍ ) لِبُعْدِ اجْتِمَاعِ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِمَامِ تَرْجِيحُ جَوَازِ الْحَجْرِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَيَقْرُبُ أَنْ يُقَالَ : إنْ كَانَ الْبَعْضُ الَّذِي يُغْبَنُ فِيهِ أَكْثَرَ حُجِرَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ، أَوْ أَقَلَّ فَلَا مُطْلَقًا وَإِنْ اسْتَوَيَا فَتَرَدُّدٌ ( وَلَا ) حَجْرَ ( بِالشُّحَّةِ عَلَى النَّفْسِ ) مَعَ الْيَسَارِ لِيُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقِيلَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ : وَالْقَائِلُ بِهِ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ
الْحَجْرِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ ، وَلَكِنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ إخْفَاءَ مَالِهِ لِشِدَّةِ شُحِّهِ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا أَشَدُّ مِنْ التَّبْذِيرِ
( قَوْلُهُ وَلَوْ عَادَ مُبَذِّرًا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وُجُوبًا ) لِأَنَّهُ مَعْنَى لَوْ قَارَنَ الْبُلُوغَ لَمُنِعَ فَكُّ الْحَجْرِ ، فَإِذَا طَرَأَ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ وَجَبَ إعَادَتُهُ كَالْجُنُونِ ( فَائِدَتُهُ ) يُقَالُ سَفُهَ بَعْدَ رُشْدِهِ بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ صَارَ سَفِيهًا وَلَا يَجُوزُ كَسْرُهَا ؛ لِأَنَّهُ ضِدُّ عَلِمَ قَالَهُ ابْنُ طُرَيْفٍ فِي الْأَفْعَالِ ( قَوْلُهُ { وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ } ) وَإِنَّمَا أَضَافَهَا لِلْأَوْلِيَاءِ لِتَصَرُّفِهِمْ فِيهَا قَوْلُهُ لَبَعُدَ اجْتِمَاعُ الْحَجْرِ وَعَدَمِهِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ ) حَدِيثُ ابْنِ مُنْقِذٍ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُخْدَعُ فِي بَعْضِ الْبِيَاعَاتِ ، وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ زِيَادَتِهِ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ .
( فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ) شَرْعًا أَوْ حِسًّا ( عَقْدٌ مَالِيٌّ ) كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْكِتَابَةِ ( وَلَوْ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَتَقْدِيرِ ) وَفِي نُسْخَةٍ أَوْ بِتَقْدِيرِ ( الْعِوَضِ ) وَفِي أُخْرَى ، وَلَوْ قَدَّرَ الْعِوَضَ ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَهَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ مَعْنَى الْحَجْرِ وَلِأَنَّهَا إتْلَافٌ أَوْ مَظِنَّةُ الْإِتْلَافِ وَلِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ السَّابِقَيْنِ بِخِلَافِ الِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالظِّهَارِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي ( وَيَصِحُّ قَبُولُهُ الْهِبَةَ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَفْوِيتٍ بَلْ تَحْصِيلٍ ( لَا ) قَبُولُهُ ( الْوَصِيَّةَ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ وَهَذَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لَكِنْ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ الصِّحَّةُ أَيْضًا ، وَقَالَ الْإِمَامُ : إنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ ، وَعَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ الْمَوْهُوبِ وَالْمُوصَى بِهِ إلَيْهِ ، فَإِنْ سَلَّمَهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ الْمُوصَى بِهِ دُونَ الْمَوْهُوبِ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمُوصَى بِهِ بِقَبُولِهِ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ وَبَحَثَ فِي الْمَطْلَبِ جَوَازَ تَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ إلَيْهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُ عَقِبَ تَسَلُّمِهِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ .
وَيَصِحُّ تَدْبِيرُهُ وَوَصِيَّتُهُ وَقَبْضُهُ دَيْنَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ ، وَعَقْدُهُ الْجِزْيَةَ بِدِينَارٍ ، وَصُلْحُهُ مِنْ قَوَدٍ لَزِمَهُ عَلَى شَيْءٍ ، وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ صِيَانَةً لِلرُّوحِ ، وَتَوْكِيلُهُ فِي قَبُولِ النِّكَاحِ دُونَ إيجَابِهِ وَنِكَاحِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ تَبَعٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي مَحَالِّهَا قَالَ الْإِمَامُ : وَلَوْ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ وَعَسِرَتْ مُرَاجَعَتُهُ فِي الْمَطَاعِمِ وَنَحْوِهَا وَانْتَهَى إلَى الضَّرُورَةِ فَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِحَسَبِهَا (
وَيَضْمَنُ الْقَابِضُ مِنْ السَّفِيهِ ) مَا قَبَضَهُ مِنْهُ فِي مُعَامَلَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَتَلِفَ عِنْدَهُ ( وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا ) بِحَالِهِ كَمَا فِي الْقَابِضِ مِنْ الصَّبِيِّ ( لَا هُوَ ) أَيْ السَّفِيهُ فَلَا يَضْمَنُ مَا قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِهِ ( إنْ أَقْبَضَهُ ) لَهُ ( رَشِيدٌ وَتَلِفَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ ) لَهُ ( بِرَدِّهِ وَلَوْ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ ) أَوْ كَانَ الْمُقْبِضُ لَهُ جَاهِلًا ؛ لِأَنَّهُ الْمُضَيِّعُ لَهُ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ حَجْرٌ ضُرِبَ لِمَصْلَحَتِهِ فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ لَكِنْ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّبِيِّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ أَقْبَضَهُ لَهُ غَيْرُ رَشِيدٍ وَتَلِفَ مُطْلَقًا أَوْ رَشِيدٌ وَتَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْهُ ( ضَمِنَ ) كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ ، وَالتَّقْيِيدُ بِ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ ، وَصَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ .
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي مَعْنَى الرَّشِيدِ مَنْ سَفِهَ بَعْدَ رُشْدِهِ ، وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ حَجْرُ الْقَاضِي فَإِنَّ الْأَصَحَّ نُفُوذُ تَصَرُّفَاتِهِ كَالرَّشِيدِ إلَى أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي الْإِقْبَاضِ ( وَيَلْغُو إقْرَارُهُ بِمَالٍ ) وَإِنْ أَسْنَدَهُ إلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ ( وَكَذَا بِجِنَايَةِ تَوْجِيهٍ ) كَالصَّبِيِّ ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ ، وَمَحَلُّهُ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ إنْ كَانَ صَادِقًا فِيهِ ( لَا ) إقْرَارُهُ ( بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا ) فَلَا يَلْغُو ( وَإِنْ عَفَا ) عَنْ الْقِصَاصِ ( عَلَى مَالٍ ) لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِالْمَالِ
وَلِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَلُزُومِ الْمَالِ فِي الْعَفْوِ يَتَعَلَّقُ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهِ لَا بِإِقْرَارِهِ ( وَيُقْبَلُ ) إقْرَارُهُ ( فِي السَّرِقَةِ لِلْقَطْعِ لَا لِلْمَالِ ) كَالْعَبْدِ ( وَ ) يُقْبَلُ إقْرَارُهُ ( فِي الْوَطْءِ لِلنَّسَبِ لَا ) لِثُبُوتِ ( الِاسْتِيلَادِ ) لِلْمَوْطُوءَةِ ( وَالنَّفَقَةِ ) عَلَيْهِ لِلْوَلَدِ بَلْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ وَوَلَدَتْ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ ( وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ دَيْنَ مُعَامَلَةٍ ) لَزِمَهُ ( قَبْلَ الْحَجْرِ فَإِنْ لَزِمَهُ بِالْبَيِّنَةِ ) يَعْنِي أُقِيمَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ ( ثَبَتَ وَإِلَّا فَلَا ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لَاغٍ كَمَا مَرَّ .
( فَصْلٌ ) وَلَا يَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عَقْدٌ مَالِيٌّ إلَخْ ( قَوْلُهُ وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ ) إنَّمَا لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِتَمَلُّكِهِ بِعَقْدٍ ، وَقَبُولُهَا مُمَلَّكٌ ، وَلَيْسَ فَوْرِيًّا فَأُنِيطَ بِالْوَلِيِّ ، وَصَحَّ قَبُولُهُ الْهِبَةَ مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَتِهِ لِاشْتِرَاطِ اتِّصَالِ قَبُولِهَا بِإِيجَابِهَا مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ بِمُمَلَّكٍ ، وَقَدْ يُوجَدُ إيجَابُهَا مَعَ غَيْبَةِ وَلِيِّهِ ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إلَخْ ) قَالَ شَيْخُنَا : لَا يَتَقَيَّدُ الْحُكْمَ كَوْنُهُ عَلَى هَذَا بَلْ لَا يَجُوزُ تَسْلِيمُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ قَبُولِهِ ذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَعَقْدُهُ الْجِزْيَةَ بِدِينَارٍ ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُفَادَاتَهُ نَفْسَهُ بِالْمَالِ كَذَلِكَ قَوِيٌّ وَعَقْدُ الْهُدْنَةِ كَالْجِزْيَةِ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْقِصَاصِ ، وَلَوْ مَجَّانًا ، وَإِجَارَتُهُ نَفْسَهُ بِمَالِهِ الْمُتَبَرِّعِ بِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ ، وَلَوْ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ : مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا فَرَدَّهُ اسْتَحَقَّ الْجَعْلَ ، وَلَوْ فَتَحْنَا بَلَدًا لِلسُّفَهَاءِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَنَا وَيُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا جَازَ كَالْجِزْيَةِ ، وَلَوْ قَالَ الْإِمَامُ : مَنْ دَلَّنِي عَلَى قَلْعَةٍ فَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ فَدَلَّهُ سَفِيهٌ اسْتَحَقَّ الْجُعْلَ ( قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ بِحَبْسِهَا ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ ) وَهُوَ الْأَصَحُّ ع وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِحَجْرِهِ .
( قَوْلُهُ لَكِنَّ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَضْمَنُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الْحَجْرِ عَنْهُ ) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا وَضَعَّفَاهُ بِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ بَاطِنًا لَمْ تَمْتَنِعْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ ظَاهِرًا أَمَّا لَوْ بَقِيَ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ ، وَقَدْ أَمْكَنَهُ
رَدُّهُ بَعْدَ رُشْدِهِ فَلَوْ قَالَ مَالِكُهُ : إنَّمَا أَتْلَفَهُ بَعْدَ رُشْدِهِ ، وَقَالَ آخُذُهُ : بَلْ قَبْلَهُ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِرُشْدِهِ حَالَ إتْلَافِهِ غَرِمَهُ ، وَإِلَّا فَالْمُتَبَادَرُ تَصْدِيقُ آخِذِهِ بِيَمِينِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ : وَكُلُّ ذَلِكَ تَفَقُّهٌ فَتَأَمَّلْهُ ا هـ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الصَّبِيِّ ) قَدْ مَرَّ هُنَاكَ أَنَّهُ رَأْيٌ مَرْجُوحٌ ( قَوْلُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ ) وَهُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي مَعْنَى الرَّشِيدِ إلَخْ ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ ( قَوْلُهُ وَفِي مَعْنَاهُ أَيْضًا مَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَأَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي الْإِقْبَاضِ ) هَذَا مَمْنُوعٌ إذَا أَذِنَ الْوَلِيُّ فِيهِ كَعَدَمِهِ ( قَوْلُهُ وَيَلْغُو إقْرَارُهُ بِالْمَالِ ) قَالَ فِي الْأَصْلِ : وَلَوْ أَقَرَّ بِنَسَبٍ ثَبَتَ وَيُنْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُسْتَلْحَقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ا هـ هَذَا يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمُقِرُّ بِهِ عَبْدَهُ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَقَالَ هَذَا ابْنِي ، وَأَمْكَنَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَبْطُلَ إقْرَارُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ فِي مِلْكِهِ بِالْعِتْقِ ، وَيَكُونُ ابْنَهُ بِإِقْرَارِهِ ؛ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْطَالُ نَسَبٍ قَدْ أَقَرَّ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَيُعْتَقُ ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ حَقُّ بَدَنٍ وَالْحُرِّيَّةُ تَتْبَعُهُ ؛ وَلِهَذَا نُوقِعُ طَلَاقَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ حَقُّ الْبَدَنِ ، وَالْمَالُ تَبَعٌ ( قَوْلُهُ : أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ إلَخْ ) أَيْ إذَا كَانَ سَبَبُهُ مُتَقَدِّمًا عَلَى الْحَجْرِ أَوْ مُضَمِّنًا لَهُ فِيهِ .
( فَصْلٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَرَجْعَتُهُ وَخُلْعُهُ ) وَلَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ ( وَظِهَارُهُ وَنَفْيُهُ النَّسَبَ ) بِلِعَانٍ أَوْ غَيْرِهِ وَنَحْوُهَا ؛ لِأَنَّهَا مَا عَدَا الْخُلْعَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ الَّذِي حُجِرَ لِأَجْلِهِ ، وَأَمَّا الْخُلْعُ فَكَالطَّلَاقِ بَلْ أَوْلَى ، وَهُوَ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ لِلْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَهُ نَفْيَ السَّبَبِ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأَصْلِ لَهُ بِاللِّعَانِ ( فَإِنْ كَانَ مِطْلَاقًا سَرَّى بِجَارِيَةٍ ) صَوَابُهُ جَارِيَةً قَالَهُ النَّوَوِيُّ مَعَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي مَوَاضِعَ بِالْأَوَّلِ ( إنْ احْتَاجَ ) إلَى الْوَطْءِ ( فَإِنْ كَرِهَهَا أُبْدِلَتْ ) وَسَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بَيَانُ الْمِطْلَاقِ ( وَحُكْمُهُ فِي الْعِبَادَاتِ ) الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ الْبَدَنِيَّةِ ( لَا ) فِي ( صَرْفِ الزَّكَاةِ كَالرَّشِيدِ ) لِاجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ فِيهِ بِخِلَافِ صَرْفِ الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ وَتَصَرُّفٌ مَالِيٌّ نَعَمْ إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ وَعَيَّنَ لَهُ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ صَحَّ صَرْفُهُ كَنَظِيرِهِ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَكَمَا يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ تَوْكِيلُهُ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ : نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْوَلِيِّ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ الْمَالَ إذَا خَلَا بِهِ أَوْ يَدَّعِي صَرْفَهُ كَاذِبًا وَكَالزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةُ وَنَحْوُهَا .
( وَإِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ قَدْ سَبَقَ ) بَيَانُهُ ( فِيهِ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُهُ فِي الذِّمَّةِ بِالْمَالِ لَا بِعَيْنِ مَالِهِ ) هَذَا مُقَيِّدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ كَأَصْلِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرُ الْقُرَبِ الْمَالِيَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ : إنَّ الْمُرَادَ بِصِحَّةِ نَذْرِهِ فِيمَا ذُكِرَ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ إلَى مَا بَعْدَ الْحَجْرِ ( وَيُكَفِّرُ فِي غَيْرِ الْقَتْلِ ) كَالْيَمِينِ ( بِالصَّوْمِ ) كَالْمُعْسِرِ لِئَلَّا يَضِيعَ مَالُهُ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ يَعْتِقُ عَنْهُ فِيهِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِعْلٌ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ