كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
الدين محمد بن قنبر العجمي وبه اشتهر الحلبي الإمام العالم العلامة العامل الأوحد البارع الكامل ولد سنة إحدى وتسعمائة قال في الكواكب قال شيخ الإسلام الوالد حضر بعض مجالسي في قراءة الحاوي ومغنى اللبيب في سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق ثم رحل إلى بلده حلب قلت ثم اجتمع به في حلب في رحلته إلى الروم سنة ست وثلاثين انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحيم بن المنير البعلي الشافعي الإمام العالم الفاضل الزاهد ولي الله تعالى كان رفيقا وصاحبا لشيخ الإسلام بهاء الدين الفصي وكان يحضر درسه كثيرا وكان يحترف بعمل الاسفيداج والسيرقون والزنجار ويبيع ذلك وسائر أنواع العطر في حانوت ببعلبك وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس في أوراق ملفوفة وإذا وقف عليه فقير أعطاه من تلك الأوراق ما يخرج في يده لا ينظر في الورقة المدفوعة ولا في الفقير المدفوع إليه وكان كثير الصدقة معاونا على البر والتقوى يعمر المساجد الخراب ويكفن الفقراء وكان له مهابة عند الحكام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ناصحا للطلبة في الإفادة له أوراد ومجاهدات وكرامات توفي يوم الأحد ثاني صفر ودفن ببعلبك
وفيها جلال الدين محمد بن قاسم المالكي شيخ الإسلام قال الشعراوي كان كثير المراقبة لله تعالى وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى شرح المختصر والرسالة وانتفع به خلائق لا يحصون وولاه السلطان الغوري القضاء مكرها وكان أكثر أيامه صائما وكان حافظا للسانه في حق أقرانه لا يسمع أحدا يذكرهم إلا ويبجلهم وكان حسن الاعتقاد في الصوفية رحمه الله تعالى انتهى وفيها تقريبا محي الدين محمد مفتي كرمان الشافعي الإمام العلامة حج سنة خمس وثلاثين وتسعمائة وقدم مع الحاج الشامي إلى دمشق حادي عشر صفر سنة ست وثلاثين وزار الشيخ محي الدين بن عربي وصحب
بها الشيخ تقي القاري وأكرمه قاضي دمشق وجماعة من أهلها وأحسنوا إليه وأخبر عن نفسه أن له تفسيرا على القرآن العظيم وحاشية على كتاب الأنوار للأردبيلي وغير ذلك وكان صحب ذلك معه فخاف عليه من العرب فرده إلى بلاده كرمان وفيها المولى بدر الدين محمود بن عبيد الله أحد موالي الروم كان من عتقاء الوزير علي باشا وقرأ على جماعة منهم ابن المؤيد ودرس بعدة مدارس ثم صار قاضيا بأدرنة ومات وهو قاضيها في هذه السنة
وفيها تقريبا بدر الدين محمود بن الشيخ جلال الدين الرومي الحنفي أحد الموالي الرومية قرأ وحصل ودرس وترقى في التدريس حتى درس بإحدى الثمانية ومات مدرسا بها قال في الشقائق كان عالما فاضلا ذا كرم ومروءة اختلت عيناه في آخر عمره انتهى وفيها أبو زكريا يحيى بن علي وقيل ابن حسين المعروف بابن الخازندار الحنفي الحلبي العالم العامل إمام الحنفية بالجامع الكبير بحلب ذكره البدر الغزي في المطالع البدرية وأحسن الثناء عليه وقال ابن الحنبلي كان دينا خيرا قليل الكلام كثير السكينة أخذ الحديث رواية عن الزين بن الشماع والتقي أبي بكر الحبيشي قال وكان جده قجا فيما سمعت من مسلمي التتار الأحرار الذين لم يمسهم الرق وتوفي في هذه السنة انتهى
وفيها القاضي جمال الدين يوسف بن محمد بن علي بن طولون الزرعي الدمشقي الحنفي ترجمه ابن أخيه الشيخ شمس الدين بالفضل والعلم وذكر عن مفتي الروم عبد الكريم أنه لم ير في هذه المملكة أمثل منه في مذهب الإمام أبي حنيفة وتوفي ليلة الأحد رابع المحرم بعلة الاسهال ودفن بتربته بالصالحية
سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدين أحمد بن بدر بن إبراهيم الطيبي الشافعي المقرىء والد الإمام بالجامع الأموي وواعظه شيخ الإسلام الطيبي المشهور تلا
بالسبع على العلامة إبراهيم بن محمود القدسي كاتب المصاحف وعلى غرس الدين خليل وانتهى إليه علم التجويد في زمانه وكان يتسبب بحانوت بباب البريد ويقرىء الناس وتوفي ليلة الخميس سادس جمادى الأولى ودفن بباب الفراديس وفيها شهاب الدين أحمد البخاري المكي السيد الشريف الإمام العلامة إمام الحنفية بالمسجد الحرام توفي ببندر جدة وهو قاض بها عن مستنيبه فحمل إلى مكة على أعناق الرجال فوصلها حادي عشر ربيع الثاني ودفن على أبيه بالمعلى وفيها شهاب الدين أحمد النشيلي المصري الشافعي الإمام العالم العلامة توفي بمكة في هذه السنة
وفيها شهاب الدين أحمد الزبيدي المكي قال ابن طولون كان مترجما بالعلم ودخل دمشق متوجها إلى الروم فمات بحلب أي في هذه السنة
وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن عبد القادر العنابي الدمشقي القاضي الأسلمي أبوه كان ديوانيا بقلعة دمشق هو ووالده من قبله ثم تولى عدة وظائف منها امرة التركمان واستمر على ذلك في الدولة الجركسية ثم أخذه السلطان سليم إلى اسلامبول ثم أطلقه فحج وجاور ثم عاد إلى دمشق وبقي بها إلى الممات قال ابن طولون وسمع في صغره على جماعة عدة أجزاء ولذلك استجزته لجماعة ومدحه الشعراء الأفاضل منهم شيخنا علاء الدين بن مليك وأكثر منه الشيخ شهاب الدين الباعوني وتوفي ليلة الجمعة ثاني ربيع الأول ودفن بتربتهم لصيق الصابونية من جهة القبلة ولم يحتفل الناس بجنازته انتهى
وفيها علاء الدين علي القدسي الشافعي نزيل دمشق العالم الورع قال الشيخ يونس العيثاوي كان رفيقنا على الشيخ أبي الفضل بن أبي اللطف ثم من بعده رافقنا على الإمام تقي الدين البلاطنسي إلى أن مات قال وكان يتعاطى البيع والشراء برأس مال يسير بورك له فيه مع التعفف عن الوظائف على طريقة السلف وتوفي نهار الخميس ثاني القعدة ودفن بباب الصغير
وفيها زين الدين عمر بن أحمد بن أبي بكر المرعشي العالم كان في أول أمره يتكسب بالشهادة بحلب على فقر كان له وقناعة ثم انقادت إليه الدنيا فرأس وصار عينا من أعيان حلب ولم تستهجن رياسته لأنه كان حفيدا للشيح الإمام العلامة المفنن شهاب المرعشي المتوفى سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وكان الشيخ زين الدين يتجمل بمصاحبة شيخ الإسلام البدر بن السيوفي وأحبه قاضي قضاة حلب زين العابدين بن الفناري وكان يكتب على الفتاوى وامتحن في واقعة قرا قاضي وسيق فيمن سيق هو وأولاده إلى رودس ثم أعيد إلى حلب باقيا على رياسته وشهامته ومناصبه إلى أن مات في هذه السنة وهو يحث من حضره على الذكر وتلاوة القرآن
وفيها زين الدين عمر الصعتري الحنفي الإمام العلامة إمام الصخرة المعظمة بالقدس الشريف قال ابن طولون كان من أهل العلم والعمل وقرأ بمصر على جماعة منهم البرهان الطرابلسي وتوفي في جمادى الأولى
وفيها المولى شاه قاسم بن الشيخ شهاب الدين أحمد الحنفي الشهير بمنلا زاده أصله من هراة وكان هو وأبوه واعظين وتوطن المترجم تبريز ولما دخلها السلطان سليم أخذه معه إلى بلاد الروم وعين له كل يوم خمسين درهما وكان عالما فاضلا أديبا بليغا له حظ من علم التصوف وخط حسن ومهارة في الانشاء أنشأ تواريخ آل عثمان فمات قبل إكمالها في هذه السنة أو في التي بعدها وفيها شمس الدين محمد بن زين الدين بركات بن الكيال الشيخ الواعظ ابن الواعظ الشافعي أسمعه والده على جماعة منهم البرهان الناجي وزوجه ابنته واشتغل ووعظ بالجامع الأموى وغيره وكان خطيب الصابونية وكان عنده تودد للناس وتوفي يوم السبت عشرى شوال
وفيها محمد بن سحلول بلامين الجديثي البقاعي الشافعي قال ابن طولون كان صالحا يحفظ القرآن حفظا جيدا ويقرؤه في كل ثلاثة أيام قال وكان أفادني
عن بعض المصريين الصلحاء في دفع الفواق أن يقبض الإنسان بإبهاميه على ظهر أصلي بنصريه بقوة توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الشهير بابن العجيمي المقدسي الشافعي الصوفي العلامة المحدث الواعظ أخذ عن مشايخ الإسلام البرهان ابن أبي شريف والجلال السيوطي والقاضي زكريا والشمس السخاوي وناصر الدين بن زريق وتوجه إلى الروم وحصل له به الاقبال وعاد وتردد إلى دمشق مرارا ووعظ بالجامع الأموي ودرس بالفصوص فيه أيضا وكان يعتم بعمامة سوداء قال ابن الحنبلي دخل إلى حلب مرتين ووعظ بها واجتمع في سنة تسع وعشرين بمحدثها الشيخ زين الدين بن الشماع وقرئت عليهما ثلاثيات البخاري ثم أجاز كل منهما للآخر وقال فيه ابن الشماع هو خادم التفسير والسنن المنتصب لنصح المسلمين والمرغب لأهدى سنن بل هو العلم الفرد الذي رفع خبر الأولياء والعلماء ونصب حالهم ليقتدي بهم وخفض شأن أهل البطالة من الصوفية الجهلة وحذر من يدعهم واتباع طريقهم انتهى وتوفي ببيت المقدس في رمضان وفيها أبو زكريا يحيى بن علي بن أحمد بن شرف الدين الرحبي الأصل المكي المالكي ويعرف كأبيه بالمغربي ولد ليلة الأربعاء رابع عشرى ربيع الأول سنة خمس وستين بمكة ونشأ بها وحفظ القرآن والأربعين النووية والشاطبية والرسالة وألفية النحو وعرض في سنة تسع وسبعين على قضاة مكة الأربعة وعمر بن فهد وحضر عند الفخر بن ظهيرة وأخيه البرهان مع ذكاء وفهم ثم تعانى التجارة بعد أن أثبت البرهان رشده وسلمه ماله وسافر في التجارة لدمشق وتلقن في القاهرة الذكر من ابن عبد الرحيم الأبناسي قال السخاوي وله تردد إلي وسماع علي ولي إليه زائد الميل ونعم هو تواضعا وأدبا وفهما وذكاء وحسن عشرة بحيث صار بيته بمكة وغيرها مألفا لأحبابه مع عدم اتساع دائرته وقال ابن فهد
طال مرضه حتى توفي بمكة ليلة السبت سادس عشرى شوال ودفن بالمعلاة ولم يخلف غير بنت واحدة ملكها جميع مخلفه وأثبت ذلك في حياته
سنة تسع وثلاثين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدين إبراهيم الصفوري الإمام العالم توفي بصفوريا في هذه السنة وفيها أبو الهدى بن محمود النقشواني الحنفي المنلا العالم المتبحر أخذ عن جماعة منهم منلا طالشي الدريعي ومنلا مزيد القرماني وابن الشاعر وكان يميزه على شيخيه الأولين قال ابن الحنبلي دخل حلب وسكن فيها بالكناوية وبها صحبته ثم بالأتابكية البرانية وكان عالما عاملا محققا مدققا منقطعا عن الناس قليل الأكل خاشعا إذا توجه إلى الصلاة لم يلتفت يمينا ولا شمالا ينظم الشعر بالعربية والفارسية وتوفي بعين تاب في هذه السنة وفيها شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد الشويكي النابلسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي مفتي الحنابلة بدمشق العلامة الزاهد ولد سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة بقرية الشويكة من بلاد نابلس ثم قدم دمشق وسكن صالحيتها وحفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر والخرقي والملحة وغير ذلك ثم سمع الحديث على ناصر الدين بن زريق وحج وجاور بمكة سنتين وصنف في مجاورته كتاب التوضيح جمع فيه بين المقنع والتنقيح وزاد عليهما أشياء مهمة قال ابن طولون وسبقه إلى ذلك شيخه الشهاب العسكري لكنه مات قبل اتمامه فإنه وصل فيه إلى الوصايا وعصريه أبو الفضل بن النجار ولكنه عقد عبارته انتهى وتوفي بالمدينة المنورة في ثامن عشرى صفر ودفن بالبقيع ورؤى في المنام يقول أكتبوا على قبري هذه الآية { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } وفيها تقريبا المولى بير أحمد أحد الموالي الرومية
الحنفي خدم المولى أحمد باشا المفتي بن المولى خضر بك وترقى في التداريس إلى مدرسة مراد خان ببروسا ثم أعطى قضاء حلب ثم عزل وأعطى تقاعدا بثمانين عثمانيا وكان له مشاركة في العلوم وعلق تعليقات على بعض المباحث
وفيها باشا جلبي البكالي الحنفي الفاضل أحد موالي الروم خدم المولى مؤيد زاده وترقى في التداريس إلى دار الحديث بالمدينة المنورة وكان حليما كريما ينظم الأشعار التركية لكن كان في مزاجه اختلال وتوفي بالمدينة المنورة وفيها المولى الشهير بأمير حسن أحد موالي الروم الحنفي برع وفضل ودرس وترقى في التداريس حتى أعطى دار الحديث بأدرنة ومات عنها وكان مشتغلا بالعلم وله حواش على شرح الرسالة في آداب البحث لمسعود الرومي وحواش على شرح الفرائض للسيد وغير ذلك
وفيها زين العابدين بن العجمي الرومي الشافعي نزيل دمشق قال ابن طولون أصله من بغداد واشتغل بتبريز وولي تدريسا بمدينة طوقات ورتب له أربعون عثمانيا ثم تركه وتصوف على طريقة النقشبندية ثم ورد دمشق وأقرأ فيها الأفاضل ومات شهيدا بالطاعون يوم الخميس خامس عشر شوال
وفيها تقريبا محي الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي الصوفي القادري الإمام العارف بالله تعالى أخذ عنه العلامة نجم الدين الغيطي حين ورد عليهم القاهرة سنة ثلاثين أخذ عنه علم الكلام وتلقن منه الذكر قاله في الكواكب وفيها تقريبا كريم الدين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري المقرىء الإمام العلامة صاحب الشرح على الشاطبية والمصنفات المشهورة قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وأخذ عنه الشيخ شهاب الدين الطيبي الحديث ومصنفات ابن الجزري رحمه الله تعالى قاله في الكواكب أيضا وأقول الجعبري المشهور شارح الشاطبية هو برهان الدين توفي سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة وتقدمت ترجمته هناك
وفيها المولى عبد اللطيف الرومي الفاضل أحد موالي الرومي اشتغل بالعلم ووصل لخدمة المولى مصلح الدين البارحصاري وترقى حتى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم بمدرسة أبي يزيد خان بأدرنة ثم صار قاضيا بها ثم ترك القضاء وعين له كل يوم ثمانون درهما وكان عالما عاملا عابدا زاهدا صالحا تقيا نقيا مقبلا على المطالعة والأوراد والأذكار ملازما للمساجد في الصلوات الخمس معتكفا في أكثر أوقاته مجاب الدعوة صحيح العقيدة لا يذكر أحدا إلا بخير اهتمامه بالآخرة رحمه الله تعالى وفيها سيدي على الخواص البرلسلي أحد العارفين بالله تعالى وأستاذ الشيخ عبد الوهاب الشعراوي الذي أكثر اعتماده في مؤلفاته على كلامه وطريقه قال المناوي في طبقاته الامي المشهور بين الخواص بالخواص كان من أكابر أهل الاختصاص ومن ذوي الكشف الذي لا يخطىء والاطلاع على الخواطر على البديهة فلا يبطىء وكان عليه للولاية أمارة وعلامة متبجرا في الحقائق أشبه البحر اطلاعه والدر كلامه وكان في ابتداء أمره يبيع الجميز عند الشيخ إبراهيم المتبولي بالبركة ثم أذن له أن يفتح دكان زيات فمكث أربعين سنة ثم ترك وصار يضفر الخوص حتى مات وكان يسمى بين الأولياء النسابة لكونه أميا ويعرف نسب بني آدم وجميع الحيوان وكان معه تصرف ثلاثة أرباع مصر والربع مع محيسن المجذوب وكان إذا شاوره أحد لسفر يقول قل بقلبك عند الخروج من السور أو العمران دستور يا أصحاب النوبة اجعلوني تحت نظركم حتى أرجع فإنهم يحبون الأدب معهم ولهم اطلاع على من يمر في دركهم وكان إذا نزل بالناس بلاء لا يتكلم ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى ينكشف وله كلام في الطريق كالبحر الزاخر ومن كلامه الكمل لا تصريف لهم بحال بخلاف أرباب الأحوال وقال كل فقير لا يدرك سعادة البقاع وشقاوتها فهو والبهائم سواء وقال إياك أن تصغي لقول منكر على أحد الفقراء فتسقط
من عين رعاية الله وتستوجب المقت توفي في جمادى الآخرة ودفن بزاوية الشيخ بركات خارج باب الفتوح من القاهرة انتهى ملخصا
وفيها أبو الحسن محمد بن العارف بالله تعالى أبي العباس أحمد الغمري المصري الشافعي الصوفي الصالح الورع قال الشعراوي جاورت عنده ثلاثين سنة ما رأيت أحدا من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح وكان يقول إذا سمعت أحدا يعد ذهبا يضيق صدري وكان لا يبيت وعنده دينار ولا درهم ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه وكان يخدم في بيته ما دام فيه ويساعد الخدام بقطع العجين وغسل الأواني ويقد تحت القدر ويغرف للفقراء بنفسه وكان شديد الحياء لا ينام بحضرة أحد أبدا وكان جميل المعاشرة خصوصا في السفر لا يتخصص بشيء عن الفقراء وكان كثير التحمل للبلاء لا يشكو من شيء أصلا وكان حلسا من أحلاس بيته لا يخرج منه إلا للصلاة أو حاجة ضرورية وإذا خرج إلى موضع ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في غير منزله توفي في هذه السنة ودفن عند والده في المقصورة عند أخريات الجامع انشاء أبيه انتهى ملخصا وفيها المولى محمد شاه ابن المولى الحاج حسن الرومي الحنفي الفاضل قال في الكواكب قرأ على والده وغيره ثم درس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية ثم بإحدى الثمان وله شرح على القدوري وشرح على ثلاثيات البخاري وكان مكبا على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته وله مهارة في النظم والنثر انتهى
وفيها القاضي عز الدين محمد بن حمدان الصالحي ثم الدمشقي الحنفي أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي ناب في الحكم لعدة من القضاة منهم ابن يونس وكان ناظرا على كهف جبريل بقاسيون وله حشمة وتأدب مع الناس توفي في أوائل ربيع الأول ودفن بتربة باب الفراديس
وفيها سعد الدين محمد بن محمد بن علي الذهبي المعري الشافعي الإمام العلامة ولد سنة خمسين وثمانمائة وكان من العلماء المشهورين بدمشق أخذ عنه جماعة منهم الفلوجيان قال الشعراوي كان ورده كل يوم ختما صيفا وشتاء وكان خلقه واسعا إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل بتلاوة القرآن حتى ينقضي جدالهم وكان يحمل حوائجه بنفسه ويتلو القرآن في ذهابه وإيابه كثير الصدقة حتى أوصى بمال كثير للفقراء والمساكين لا يقبل من أحد صدقة انتهى ملخصا وفيها شمس الدين محمد الدواخلي نسبة إلى الدواخل قرية من المحلة الكبرى المصري الشافعي الإمام العلامة المحقق المحدث كان مخصوصا بالفصاحة في قراءة الحديث وكتب الرقائق والسير كريم النفس حلو اللسان كثير العبادة يقوم الليل ويحيى ليالي رمضان كلها مؤثرا للخمول وهو مع ذلك من خزائن العلم أخذ عن البرهان بن أبي شريف والكمال الطويل والشمس بن قاسم والشمس الجوجري والشمس بن المؤيد والفخر القسي والزين الأبناسي وغيرهم ودرس بجامع الغمري وغيره وانتفع به خلائق توفي بالقاهرة ودفن بتربة دجاجة خارج باب النصر
وفيها المولى محمود بن عثمان بن علي المشهور باللامعي الحنفي أحد موالي الروم كان جده من بروسا ولما دخلها تيمورلنك أخذه معه وهو صغير إلى ما وراء النهر وتعلم صنعة النقش وهو أول من أحدث السروج المنقوشة في بلاد الروم وابنه عثمان كان سالكا مسلك الأمراء وصار حافظا للدفتر السلطاني بالديوان العالي وأما ولده صاحب الترجمة فقرأ العلم على جماعة منهم المولى أخوين والمولى محمد بن الحاج حسن ثم تصوف وخدم السيد أحمد البخاري ونال عنده المعارف والأحوال ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا وسكن بروسا واشتغل بالعلم والعبادة ونظم بالتركية أشياء كثيرة مقبولة مشهورة وتوفي ببروسا وفيها المنلا مسعود بن عبد الله العجمي
الشيرازي الواعظ نزيل حلب كان له مطالعات في الحديث والتفسير وكان يتكلم فيهما باللسان العربي لكن انتقد عليه ابن الحنبلي أنه كان يلحن فيه ووعظ بجامع حلب الكبير فنال من الناس قبولا وصارت له فيه يوم الجمعة المجالس الحافلة توفي مطعونا في هذه السنة وفيها موسى بن الحسين الملقب بعوض بن مسافر بن الحسن بن محمود الكردي طائفة اللالأئي ناحية السرسوي قرية الشافعي نزيل حلب أخذ العلم عن جماعة منهم منلا محمد المعروف ببرقلعي وعمرت في زمانه مدرسة بالعمارية فجعل مدرسها ثم تركها وأقبل على التصوف فرحل إلى حماة وأخذ عن الشيخ علوان مع الانتفاع بغيره ثم قدم حلب لمداواة مرض عرض له ونزل بالمدرسة الشرفية فقرأ عليه غير واحد قال ابن الحنبلي وكنت ممن فاز بالقراءة عليه بها في علم البلاغة ثم ذهب إلى حماة فلما توفي الشيخ علوان عاد إلى حلب واستقر في مشيخة الزينبية وأخذ يربي فيها المريدين ويتكلم فيها على الخواطر مع طيب الكلام وإطعام الطعام وإكرام الواردين إليه من الخواص والعوام وحسن السمت ولين الكلمة وفصاحة العبارة والتكلم في التفسير والحديث وكلام الصوفية وتوفي بها مطعونا ودفن في مقابر الصالحين بوصية منه
سنة أربعين وتسعمائة
فيها توفي إبراهيم العجمي الصوفي المسلك العالم نزيل مصر كان رفيقا للشيخ دمرداش والشيخ شاهين في الطريق على سيدي عمر روشني بتبريز العجم ثم دخل مصر في دولة ابن عثمان وأقام بمدرسة بباب زويلة فحصل له القبول التام وأخذ عنه خلق كثير من الأعجام والأروام وكان يفسر القرآن العظيم ويقرىء في رسائل القوم مدة طويلة حتى وشى به إلى السلطان لكثرة مريديه وأتباعه وقيل له نخشى أن يملك مصر فطلبه السلطان إلى الروم بسبب ذلك
ثم رجع إلى مصر وطرد من كان عنده من المريدين والأتباع امتثالا لأمر السلطان ثم بنى له تكية مقابل المؤيدية وجعل له فيها مدفنا وبنى حوله خلاوي للفقراء وكان له يد طولى في المعقولات وعلم الكلام ونطم تائية جمع فيها معالم الطريق وكان ينهى جماعته أن يحج الواحد منهم حتى يعرف الله المعرفة الخاصة عند القوم وتوفي بمصر
وفيها إبراهيم المجذوب المصري الشهير بأبي لحاف قال في الكواكب كان في أول جذبه مقيما في البرج الأحمر من قلعة الجبل نحو عشرين سنة فلما قرب زوال دولة الجراكسة أرسل إلى الغوري يقول له تحول من القلعة واعط المفاتيح لأصحابها فلم يلق الغوري إلى كلامه بالا وقال هذا مجذوب فنزل الشيخ إبراهيم إلى مصر فزالت دولة الجراكسة بعد سنة وكان حافيا مكشوف الرأس وأكثر إقامته في بيوت الأكابر وكان يكشف له عما ينزل بالإنسان من البلاء في المستقبل فيأتي إليه فيخبره أنه نازل به في وقت كذا وكذا ويطلب منه مالا فإذا دفعه إليه تحول البلاء عنه وإلا وقع كما أخبر وكان يمكث الشهر وأكثر لا ينام بل يجلس يهمهم بالذكر إلى الفجر صيفا وشتاء توفي في هذه السنة ودفن بقنطرة السد في طريق مصر العتيقة انتهى
وفيها تقي الدين أبو بكر الشريطي الصالحي الشيخ الصالح تلميذ الشيخ أبي الفتح المزي أخذ عنه ولبس منه الخرقة وتوفي بغتة يوم الأربعاء خامس جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون وفيها تقريبا أبو الفتح الخطيب بن القاضي ناصر الدين خطيب الحرم بها دخل دمشق قاصدا بلاد الروم وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة سلخ صفر من هذه السنة قاله في الكواكب وفيها شهاب الدين أحمد بن أحمد الباجي بالموحدة الأنطاكي الحلبي المشهور بابن كلف العلامة ولي قضاء العسكر بماردين في زمن السلطان قاسم بك ثم ترك ذلك وعاد إلى نشر العلم بأنطاكية ثم درس بحلب ثم ارتحل إلى
بيت المقدس فأعطى تدريس الفنارية وكان عالما عاملا مفننا طارحا للتكلف يلبس الصوف ويلف على رأسه المئزر توفي في هذه السنة ببيت المقدس
وفيها شمس الدين أحمد بن سليمان الحنفي الشهير بابن كمال باشا العالم العلامة الأوحد المحقق الفهامة صاحب التفسير أحد الموالي الرومية كان جده من أمراء الدولة العثمانية واشتغل هو بالعلم وهو شاب ثم ألحقوه بالعسكر فحكى هو عن نفسه أنه كان مع السلطان بايزيد خان في سفر وكان وزيره حينئذ إبراهيم باشا بن خليل باشا وكان في ذلك الزمان أمير ليس في الأمراء أعظم منه يقال له أحمد بك بن أورنوس قال فكنت واقفا على قدمي قدام الوزير وعنده هذا الأمير المذكور جالسا إذ جاء رجل من العلماء رث الهيئة دنيء اللباس فجلس فوق الأمير المذكور ولم يمنعه أحد من ذلك فتحيرت في هذا الأمر وقلت لبعض رفقائي من هذا الذي تصدر على مثل هذا الأمير قال هو عالم مدرس يقال له المولى لطفي قلت كم وظيفته قال ثلاثون درهما قلت وكيف يتصدر على هذا الأمير ووظيفته هذا المقدار فقال رفيقي العلماء معظمون لعلمهم فإنه لو تأخر لم يرض بذلك الأمير ولا الوزير قال فتفكرت في نفسي فوجدت أني لا أبلغ رتبة الأمير المذكور في الإمارة وأني لو اشتغلت بالعلم يمكن أن أبلغ رتبة ذلك العالم فنويت أن أشتغل بالعلم الشريف فلما رجعنا من السفر وصلت إلى خدمة المولى المذكور وقد أعطى عند ذلك مدرسة دار الحديث بأدرنة وعين له كل يوم أربعون درهما فقرأت عليه حواشي شرح المطالع وكان قد اشتغل في أول شبابه في مبادىء العلوم كما سبق ثم قرأ على المولى القسطلاني والمولى خطيب زادة والمولى معرف زادة ثم صار مدرسا بمدرسة علي بك بمدينة أدرنة ثم بمدرسة أسكوب ثم ترقى حتى درس بإحدى الثمانية ثم بمدرسة السلطان بايزيد بأدرنة ثم صار قاضيا بها ثم أعطى قضاء العسكر الأناضولي ثم عزل وأعطى دار الحديث
بادرنة وأعطى تقاعدا كل يوم مائة عثماني ثم صار مفتيا بالقسطنطينية بعد وفاة المولى علي الجمالي وبقي على منصب الافتاء إلى وفاته قال في الشقائق كان من العلماء الذين صرفوا جميع أوقاتهم إلى العلم وكان يشتغل ليلا ونهارا ويكتب جميع ما سنح بباله وقد فتر الليل والنهار ولم يفتر قلمه وصنف رسائل كثيرة في المباحث المهمة الغامضة وعدد رسائله قريب من مائة رسالة وله من التصانيف تفسير لطيف حسن قريب من التمام اخترمته المنية ولم يكمله وله حواش على الكشاف وشرح بعض الهداية وله متن في الفقه وشرحه وكتاب في علم الكلام سماه تجريد التجريد وشرحه وكتاب في المعاني والبيان كذلك وكتاب في الفرائض كذلك وحواش على شرح المفتاح للسيد الشريف وحواش على التلويح وحواش على التهافت للمولى خواجه زادة وتوفي في هذه السنة
وفيها المولى محي الدين أحمد بن المولى علاء الدين علي الفناري الحنفي أحد الموالي الرومية الإمام العلامة قرأ على علماء عصره ثم رحل إلى العجم وقرأ على علماء سمرقند وبخارى ثم عاد إلى الروم فأعطاه السلطان سليم مدرسة الوزير قاسم باشا وكان محبا للصوفية سيما الوفائية مكبا على العلم اطلع على كتب كثيرة وحفظ أكثر لطائفها ونوادرها وكان يحفظ التواريخ وحكايات الصالحين وصنف تهذيب الكافية في النحو وشرحه وحاشية على شرح هداية الحكمة لمولانا زادة وحواش على شرح التجريد للسيد وتفسيرا لسورة الضحى سماه تنوير الضحى وغير ذلك من الرسائل والتعليقات وتوفي في هذه السنة
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد المرداوي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بابن الديوان الإمام العالم إمام جامع المظفري بسفح قاسيون قال ابن طولون كان مولده بمردا ونشأ هناك إلى أن عمل ديوانها ثم قدم دمشق فقرأ القرآن
بها على الشيخ شهاب الدين الذويب الحنبلي لبعض السبعة وأخذ الحديث عن الجمال بن المبرد وغيره وتفقه عليه وعلى الشهاب العسكري وولي إمامة جامع الحنابلة بالسفح نيفا وثلاثين سنة وتوفي ليلة الجمعة سابع عشر المحرم فجأة بعد أن صلى المغرب بجامع الحنابلة ودفن بصفة الدعاء وولي الإمامة بعده بالجامع المذكور الشيخ موسى الحجاوي وفيها عز الدين أحمد ابن محمد ابن عبد القادر المعروف بابن قاضي نابلس الجعفري الحنبلي أحد العدول بدمشق ولد سنة أربع وستين وثمانمائة قال في الكواكب وأخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد سمع منه كثيرا ونقل ابن طولون عنه أن من أشياخه الكمال بن أبي شريف والبرهان البابي والشيخ علي البغدادي وأجاز له الشيخ البارزي وكان ممن انفرد بدمشق في جودة الكتابة وإتقان صنعة الشهادة وتوفي ليلة الإثنين مستهل ربيع الآخر ودفن بالروضة
وفيها شهاب الدين أحمد البقاعي الشافعي الضرير نزيل دمشق حفظ القرآن العظيم بمدرسة أبي عمر وحفظ الشاطبية وتلا ببعضها على الشيخ علي القيمري وحل البصروية وغيرها في النحو على ابن طولون وبرع وفضل وحج وصار يقرىء الأطفال بمكتب الحاجبية بصالحية دمشق وتوفي بغتة يوم الجمعة تاسع عشرى رجب وفيها السيد شرف الدين الشريف الشافعي العلامة المدرس بزاوية الحطاب بمصر كان صامتا معتزلا عن الناس وقته معمور بالعلم والعبادة وتلاوة القرآن ورده كل ليلة قبل النوم ربع القرآن ما تركه صيفا ولا شتاء وكان على مجلسه الهيبة والوقار وله صحة اعتقاد في الصوفية يتواجد عند سماع كلامهم ذكره الشعراوي
وفيها الأمير زين الدين عبد القادر بن الأمير أبي بكر بن إبراهيم بن منجك اليوسفى الحنفي أحد أصلاء دمشق وأمرائها حفظ القرآن العظيم وتفقه على الشيخ برهان الدين بن عوف الحنفي وغيره وحصل كتبا نفيسة
قال ابن طولون ترددت إليه كثيرا وولي النظر على أوقافهم وحصل دنيا وكان سمحا تمرض وطالت علته إلى أن توفي يوم الأربعاء خامس ذي الحجة ودفن بتربتهم بجامع ميدان الحصا وفيها كريم الدين عبد الكريم ابن عبد اللطيف بن علي بن أبي اللطف المياهي الشافعي القادري الصوفي الصالح قال في الكواكب كان من أعيان جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه ومعتقديه وسمع الحديث على الشيخ سراج الدين الصيرفي وكان يتسبب هو ووالده ببيع المياه المستخرجة وإليه ينسبان عمر صاحب الترجمة زاوية بحذاء الجسر الأبيض وكانت قديما مسجدا ثم أخذ يقيم الأوقات فيها سنين وكان يكثر من شهود الجنائز ومجالس الفقراء ويزور الصلحاء والضعفاء وله شعر منه
( ولقد شكوتك بالضمير إلى الهوى ** ودعوت من حنقي عليك فأمنا )
( منيت نفسي من وصالك قبلة ** ولقد يضر المرء بارقة المنى )
توفي ليلة السبت سادس عشر ربيع الآخر ودفن تحت كهف جبريل تجاه تربة السبكيين وفيها علاء الدين علي بن محمد بن حسن الحموي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة الشهير بابن أبي سعيد قيل أنه نسب إلى المتولي من أصحاب الشافعي ولد سنة ست وستين وثمانمائة وقرأ على جماعة من العلماء ولزم البدر الغزي وقرأ عليه شرحه على المنهاج قراءة بحث وتحقيق واتقان وقرأ عليه كتبا كثيرة في علوم متعددة وكان بارعا ذا يد في الأصول والفقه ومشاركة جيدة في البيان والنحو والمنطق وغير ذلك مع اطراح زائد وتوفي بدمشق في هذه السنة وفيها شمس الدين محمد بن محمد الديري الأصل الحلبي الشافعي الإمام العلامة الحجة الفهامة المعروف بابن الخناجري وولده بابن عجل كان له يد طولى في الفقه والفرائض والحساب مع المشاركة في فنون أخرى قرأ في الحساب على الجمال بن النجار المقدسي
الشافعي صاحب بغية الرائض في علم الفرائض وكان لطيف المحاضرة حسن المعاشرة كثير المفاكهة والممازحة معتقدا في الصوفية قال تلميذه ابن الحنبلي كان يسمع الآلات ويقول أنا ظاهري أعمل بقول ابن حزم الظاهري وقال في الكواكب وذكره شيخ الإسلام الوالد في رحلته فقال الشيخ الإمام والحبر الهمام شيخ المسلمين أبو عبد الله محمد شمس الدين الخناجري الشافعي شيخ الفواضل والفضائل وإمام الأكابر والأفاضل وبدر الإنارة المشرق لسرى القوافل وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم أوافل له المناقب الثواقب والفوائد الفرائد والمناهج المباهج وله بالعلم عناية تكشف العماية ونباهة تكسب النزاهة ودراية تقصد الرواية ومباحثة تشوق ومناقشة تروق مع طلاقة وجه وتمام بشر وكمال خلق وحسن سمت وخير هدى وأعظم وقار وكثرة صمت ثم أنشد
( ملح كالرياض غازلت الشمس ** رباها وافتر عنها الربيع )
( فهو للعين منظر مونق الحسن ** وللنفس سؤدد مجموع )
ومن لطائف القاضي جابر متغزلا موريا باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب
( سللن سيوفا من جفون لقتلتي ** وأردفنها من هدبها بالخناجر )
( فقلت أيفتي في دمى قلن لي أجل ** أجاز السيوفي ذاك وابن الخناجري )
وتوفي في يوم عرفة بعد وفاة الشيخ شهاب الدين الهندي بأشهر فقال ابن الحنبلي يرثيهما
( ثوى شيخنا الهندي في رحب رمسه ** ففاضت دموعي من نواحي محاجري )
( ومن بعده مات الإمام الخناجري ** وبان فكم من غصة في الحناجر )
وفيها المولى محي الدين محمد بن قاسم الرومي الحنفي الإمام العلامة أحد موالي الروم ولد بأماسية وترقى في التداريس حتى درس بإحدى الثمان ثم
أعطى مدرسة السلطان بايزيد باماسية ثم السليمانية بجوار أياصوفيا وهو أول مدرس بها ثم أعيد إلى إحدى الثمان ومات وهو مدرس بثمانين عثمانيا وكان عالما صالحا محبا للصوفية مشتغلا بنفسه قانعا مقبلا على العلم والعبادة وله مهارة في القراآت والتفسير واطلاع على العلوم الغريبة كالأوفاق والجفر والمويسقى مع المشاركة في كثير من العلوم وكان له يد في الوعظ والتذكير وصنف كتاب روضة الأخبار في علوم المحاضرات وحواشي على شرح الفرائض للسيد وحواشي على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة وتوفي في هذه السنة وصلى عليه وعلى ابن كمال باشا بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني القعدة
وفيها شمس الدين محمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الغني الزحلي الشافعي الفاضل أحد مباشري الجامع الأموي قال في الكواكب حضر دروس شيخ الإسلام الوالد وسمع عليه رسالة القشيري قال ابن طولون وكان لا بأس به وكان قد باع عقاره وخرج إلى الحج عازما على المجاورة فمات في طريق الحجاز في الذهاب في الاقيرع المعروفة بمفارش الرز
وفيها شمس الدين محمد بن يونس بن يوسف بن المنقار الأمير المولوي الحلبي الأصل ولي نيابة صفد ووطن دمشق قال ابن طولون كان عنده حشمة وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول ودفن بالخوارزمية تحت كهف جبريل بوصية منه وفيها المنلا شمس الدين محمد الأنطاكي الإمام العلامة توفي بالقدس الشريف في هذه السنة
وفيها شمس الدين محمد بن الطلحة الشافعي العجلوني الصالح العابد المحدث البسامي نسبة إلى أحد أجداده بسام دخل دمشق وأم بالجامع نيابة وكان له سند بالمصافحة والمشابكة وإرسال العذبة أخذ عنه ابن طولون وغيره ثم عاد إلى عجلون ومات بها في إحدى الجمادين وفيها قاضي القضاة محب الدين محمد بن ظهيرة الشافعي الإمام العالم العلامة قاضي مكة توفي بها في ذي القعدة
وفيها مخلص الشيخ الصالح العابد محي السنة في بلاد الغربية من بلاد مصر بعد موت شيخه أبي الخير بن نصر بمحلة منوف كان مقيما بابشيه الملق وكان سيدي محمد الشناوي يكرمه ويجله قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي صحبته نحو ثلاث سنين بعد موت شيخي الشيخ محمد الشناوي قال وحصل لي منه دعوات صالحة وجدت بركتها وأوصاني بإيثار الخمول على الظهور وبعدم التعرف بأركان الدولة قال ولم يزل على المجاهدة التقشف على طريقة الفقراء إلى أن توفي ودفن بابشيه الملق وقبره بها ظاهر يزار
وفيها نور الدين بن عين الملك الصالحي الشيخ الصالح كان محبا لطلبة العلم ملازما لعمل الوقت بزاوية جده عين الملك بسفح قاسيون توفي يوم الجمعة سادس شعبان
سنة إحدى وأربعين وتسعمائة
فيها توفي القاضي تقي الدين أبو بكر بن شهلا الأسمر الشافعي الدمشقي المتصوف تولى نيابة القضاء مرارا وصار له صيت عند قضاة الأروام خصوصا ابن اسرافيل ثم انحرف عليه وعزله واستمر معزولا إلى أن توفي يوم الخميس ثاني صفر ودفن بتربة الشيخ أرسلان وخلف دنيا كثيرة قيل أنها سبعة عشر ألف دينار وفيها المولى أحمد وقيل عبد الأحد بن عبد الله وقيل ابن عبد الأحد الحنفي الشهير بقراأوغلى الفاضل أحد الموالي الرومية قال صاحب الشقائق كان من عتقاء السيد إبراهيم الأماسي أحد الموالي فقرأ على مولاه المذكور ثم درس ببعض نواحي أماسية ثم بمدرسة أماسية ثم بأبي أيوب الأنصاري ثم بإحدى الثمانية ثم اعطى قضاء دمشق ودخلها في إحدى الجمادين سنة أربعين وهو شيخ كبير وكان الغالب عليه محبة الصوفية والفقراء ونادى بدمشق أن لا تخرج امرأة طفلة إلى الأسواق قال وكان محبا للعلماء وقورا
صاحب شيبة حسنة صحيح العقيدة محمود الطريقة أديبا لبيبا وقال ابن طولون بعد أن وصفه بالعلامة وسماه أحمد بن عبد الأحد وكان منور الشيبة محبا للصالحين غير أن فوق يده أيديا فكان ذلك يمنعه من سماع كلمته ونفوذ أمره وتوفي وهو قاض بدمشق يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي الحجة ودفن بباب الصغير عند سيدي بلال وفيها السيد تاج الدين عبد الوهاب الصواف الدمشقي الشافعي الشريف المقرىء قال ابن طولون سمع معي بمكة على محدثها الشيخ عز الدين بن فهد وغيره وبدمشق على مؤرخها القاضي محي الدين النعيمي وغيره وكان يقرأ للأموات خصوصا بتربة باب الصغير وكان يدعو في المحافل أدعية لطيفة وكان صالحا فقيرا توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شوال ودفن باب الصغير وفيها نور الدين علي البحيري الشافعي أحد علماء القاهرة قال في الكواكب بلغني أن المولى ابن كمال باشا لما كان بمصر كان يباحثه ويشهد له بالفضل التام ويقول لا تقولوا البحيري ولكنه البحري يشير إلى تبحره في العلم توفي بمصر في شعبان وترجمه ابن طولون بأنه خر شيوخ المصريين وفيها المنلا عماد بن محمود الطارمي قال في النور مولده بطارم قرية من خراسان ونشأ بها واشتغل بتحصيل فنون العلوم حتى برع ثم جاء إلى كجرات وأقام بها إلى أن مات وكان بارعا في كثير من العلوم سيما العقليات وكانت له يد طولى في علم السيميا ويحكى عنه فيها حكايات مشهورة وممن أخذ عنه من الأعلام مولانا وجيه الدين ومولانا العلامة القاضي عيسى انتهى وفيها بهاء الدين محمد ابن محمد بن علي الفصي البعلي الشافعي مفتي بعلبك الإمام العلامة المدقق الفهامة ولد ببعلبك سنة سبع وخمسين وثمانمائة وعرض المنهاج على البدر بن قاضي شهبة ثم جد في الاشتغال في سنة إحدى وسبعين على جماعة منهم الزين خطاب ونجم الدين وتقي الدين ابنا قاضي عجلون وأذن له الشيخ تقي الدين بالافتاء
والتدريس وقرأ على القاضي زكريا الأنصاري وأذن له أيضا بالافتاء والتدريس في سنة خمس وثمانين وكان عنده ذكاء وشاب سريعا وكان ألثغ قاله النعيمي وقال في الكواكب كان من اخوان شيخ الإسلام الجد وشيخ الإسلام الوالد ومشاركيهما في الشيوخ وإن كان الشيخ الوالد دونه في السن وتوفي ببعلبك يوم الأربعاء رابع عشرى المحرم قال ابن طولون ولم يخلف بعده مثله ولا في دمشق في فقه الشافعية وفيها محي الدين محمد بن بير محمد باشا الحنفي أحد موالي الروم الإمام العلامة قرأ على والده ثم خدم المولى ابن كمال باشا ثم المولى علاء الدين الجمالي وصار معيدا لدروسه ثم درس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية ثم بإحدى الثمان ثم صار قاضي أدرنة ومات قاضيا بها وكان عالي الهمة رفيع القدر ذا أدب ووقار وحظ وافر من العلوم المتداولة
سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة
فيها توفي إبراهيم المصري المجذوب الصالح المعروف بعصيفير قال في الكواكب كان من أهل الكشف الكامل وأصله من نواحي الصعيد وكان ينام مع الذئاب في القفار ويمشي على الماء جهارا قال الشعراوي وأخبرني بحريق يقع في مكان فوقع فيه تلك الليلة ومر عليه شخص بإناء فيه لبن فرماه منه فانكسر فإذا فيه حية ميتة وأحواله عجيبة توفي بمصر ودفن تجاه زاوية أبي الحمايل وفيها أبو الفضل الأحمدي صاحب الكشوفات الربانية والمواهب الصمدانية أخذ الطريق عن سيدي على الخواص والشيخ بركات الخواص وغيرهما قال في الكواكب وكان من أهل المجاهدات وقيام الليل والتخشن في المأكل والملبس وكان يخدم إخوانه ويقدم لهم نعالهم ويهيىء الماء لطهارتهم وكان له كشف عجيب بحيث يرى بواطن
الخلق وما فيها كما يرى ما في داخل البلور وقال سألت الله تعالى أن يحجب ذلك عني فأبى علي وكان يقول أعطاني الله تعالى أن لا يقع بصري على حب فيسوس وجرب ذلك فيه وقال الشعراوي وقع بيني وبينه اتحاد عظيم لم يقع لي قط مع أحد من الأشياخ وكنت إذا جالسته وسرى ذهني إلى مكان أو كلام يقول ارجع بقلبك من الشيء الفلاني فيعرف ما سرح قلبي إليه وكنت إذا ورد على شيء من الحقائق وأردت أقوله له يقول لي قف لا تخبرني حتى أسمعك ما ورد عليك فيقوله حرفا بحرف وقال في الطبقات الكبرى حج مرات على التجريد فلما كان آخر حجة كان ضعيفا فقلت له في هذه الحال تسافر فقال لترابي فإن طينتي مرغوها في تربة الشهداء ببدر فكان كما قال وتوفي ببدر وفيها إسمعيل الشرواني الحنفي الإمام العلامة المحقق المدقق الصالح الزاهد العارف بالله تعالى قرأ على علماء عصره منهم الجلال الدواني ثم خدم العارف بالله خواجه عبيد الله السمرقندي وصار من كمل أصحابه ولما مات خواجه عبيد الله ارتحل المترجم إلى مكة المشرفة وتوطنها ودخل الروم في ولاية السلطان أبي يزيد ثم عاد إلى مكة وأقام بها إلى أن مات قال في الشقائق كان رجلا معمرا وقورا مهيبا منقطعا عن الناس مشتغلا بنفسه طارحا للتكلف حسن المعاشرة له فضل عظيم في العلوم الظاهرة وألف حاشية على تفسير البيضاوي وكان يدرس بمكة فيه وفي البخاري وتوفي بها في عشر ذي الحجة عن نحو أربع وثمانين سنة
وفيها بديع بن الضيا قاضي مكة المشرفة وشيخ الحرم بها قال ابن طولون كان من أهل الفضل والرياسة قدم دمشق ثم سافر إلى مصر فبلغه تولية قضاء مكة للشيخ زين الدين عبد اللطيف بن أبي كثير فرجع إلى دمشق وأقام بها مدة ثم سافر إلى الروم سنة إحدى وأربعين بعد أن حضر عند الشيخ علي الكيزواني تجاه مسجد العفيف بالصالحية وسمع المولد وشرب
هو والشيخ علي وجماعته القهوة المتخذة من البن ولا أعلم أنها شربت في بلدنا هذه يعني دمشق قبل ذلك فلما وصل القاضي بديع إلى الروم أعيد إليه قضاء جدة ثم رجع فتوفي بمدينة بدليس من أطراف ديار بكر انتهى ملخصا وفيها جابر بن إبراهيم بن علي التنوخي القضاعي الشافعي القاطن بجبل الأعلى من معاملة حلب ولي نيابة القضاء به وكان شاعرا عارفا بالعروض والقوافي وطرفا من النحو مستحضرا لكثير من اللغة ونوادر الشعراء حافظا لكثير من مقامات الحريري حضر دروس العلاء الموصلي بحلب وذاكره ومن نظمه
( طاب الزمان وراقت الصهباء ** وشدت على أوراقها الورقاء )
وهي طويلة وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد بافضل العدني الشافعي قال في النور تفقه بوالده وانتصب بعده للتدريس بعدن وكان فقيها محدثا فاضلا حسن الأخلاق شريف النفس مخالقا للناس حسن السعي في حوائج المسلمين محببا إليهم سليم الصدر عمي في آخر عمره وتطبب فرد الله عليه بصره ولم يزل على الحال المرضى إلى أن توفي ضحى يوم الخميس حادي عشر شعبان بعدن
وفيها زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن حسن الشهير بابن القصاب الكردي الحلبي الشافعي الإمام العالم العامل الكامل أحد المدرسين بحلب أخذ عن البدر بن السيوفي وغيره وتوفي بحلب وفيها زين الدين عبد الرحمن بن جلال الدين محمد البصروي الحنفي الشافعي والده وهو أي المترجم سبط العلامة زين الدين عبد الرحمن بن العيني الحنفي قال ابن طولون رأيته يدرس في المختار وتوفي بالحسا أحد منازل الحاج
وفيها زين الدين عبد القادر بن اللحام البيروتي الشافعي العلامة توفي ببيروت قاله في الكواكب وفيها نور الدين علي بن يس الطرابلسي
الحنفي الشيخ الإمام شيخ الإسلام شيخ الحنفية بمصر وقاضي قضاتها اشتغل على الشمس الغزي والصلاح الطرابلسي وكان دينا متقشفا مفننا في العلوم ولي قضاء القضاة في الدولة السليمانية إلى أن جاء قاض لمصر رومي من قبل السلطان سليمان فاستمر معزولا يفتي ويدرس إلى أن مات وهو ملازم على النسك والعبادة قال الشعراوي كان كثير الصدقة سرا وجهرا وأنكر عليه قضاة الأروام بسبب افتائه بمذهبه الراجح عنده وكاتبوا فيه السلطان وجرحوه بما هو برىء منه فأرسل السلطان يأمر بنفيه أو قتله فوصل المرسوم يوم موته بعد أن دفناه وكانت هذه كرامة له انتهى وفيها قاسم بن زلزل بن أبي بكر القادري أحد أرباب الأحوال المشهورين بحلب قال ابن الحنبلي كان في أول أمره ذا شجاعة حمى بها أهل محلته المشارفة بحلب من اللصوص وكان يعارضهم ليلا في الطرقات ويقول لهم ضعوا ما سرقتم وفوزوا بأنفسكم أنا فلان فلا يسعهم إلا وضعه ثم صار مريدا للشيخ حسين بن أحمد الأطعاني كما كان أبوه مريدا لأبيه ثم صار مريدا لابن أرسلان الرملي وعلى يده حصلت له حال وهو الذي حمله على سقاية الماء فكان يسقي الماء في الطرقات وهو يذكر الله تعالى وتحصل له الحال الصادقة فيرفع رجله ويبطش بها على الأرض وذكر له كرامات كثيرة قال وتوفي في أواخر السنة
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن يوسف الدمشقي الحنفي ناب في القضاء عن قاضي القضاة ابن الشحنة وعن قاضي القضاة بن يونس بدمشق ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البقسماطي عند قاضي دمشق أنهما رافضيان فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد وألقى عليهما القنب والبواري والحطب ثم أطلقت النار عليهما حتى صار رمادا ثم ألقى رمادهما في بردى وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب قال ابن
طولون وسئل الشيخ قطب الدين بن سلطان مفتي الحنفية عن قتلهما فقال لا يجوز في الشرع بل يستتابان
وفيها بدر الدين محمد العلائي الحنفي المصري العلامة المسند المؤرخ قال في الكواكب أخذ عن شيخ الإسلام الجد وغيره وأثنى عليه العلامة جار الله ابن فهد وغيره انتهى وفيها الشيخ شمس الدين محمد الشامي قال العلامة الشعراني في ذيله على طبقاته ما نصه ومنهم الأخ الصالح العالم الزاهد الشيخ شمس الدين محمد الشامي المتمسك بالسنة المحمدية نزيل التربة البرقوقية وكان عالما صالحا مفننا في العلوم وألف السيرة النبوية المشهورة التي جمعها من ألف كتاب وأقبل الناس على كتابتها ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه أحد كان عزبا لم يتزوج قط وإذا قدم عليه المضيف يعلق القدر ويطبخ له كان حلو المنطق مهيب النظر كثير الصيام والقيام بت عنده الليالي فما كنت أراه ينام في الليل إلا قليلا كان إذا مات أحد من طلبة العلم وخلف أولادا قاصرين وله وظائف يذهب إلى القاضي ويتقرر فيها ويباشرها ويعطي معلومها للأيتام حتى يصلحوا للمباشرة كان لا يقبل من مال الولاة وأعوانهم شيئا ولا يأكل من طعامهم وذكر لي شخص من الذين يحضرون قراءة سيرته في جامع الغمري أن أسأله في اختصار السيرة وترك ألفاظ غريبها وأن يحكي السير على وجهها كما فعل ابن سيد الناس فرأيته بين القصرين وأخبرته الخبر فقال قد شرعت في اختصارها من مدة كذا فرأيت ذلك هو الوقت الذي سألني فيه ذلك الرجل وكانت عمامته نحو سبعة أذرع على عرقية لم يزل غاضا طرفه سواء كان ماشيا أو جالسا رحمه الله وأخلاقه الحسنة كثيرة مشهورة بين أصحابه ورفقائه انتهى كلام الشعراوي وقال سيدى أحمد العجمي المتولي سنة ست وثمانين وألف أنه توفي يوم الإثنين رابع عشر شعبان أي
من هذه السنة وله من المؤلفات عقود الجمان في مناقب أبي حنيفة النعمان الجامع الوجيز الخادم للغات القرآن العزيز مرشد السالك إلى ألفية ابن مالك النكت عليها اقتضبه من نكت شيخه السيوطي عليها وعلى الشذور والكافية والشافية والتحفة وزاد عليه يسيرا والآيات العظيمة الباهرة في معراج سيد أهل الدنيا والآخرة ومختصره المسمى بالآيات البينات في معراج سيد أهل الأرض والسموات رفع القدر ومجمع الفتوة في شرح الصدر وخاتم النبوة كشف اللبس في رد الشمس شرح الجرومية الفتح الرحماني شرح أبيات الجرجاني الموضوعة في الكلام وجوب فتح ان وكسرها وجواز الأمرين اتحاف الراغب الواعي في ترجمة أبي عمرو الأوزاعي النكت المهمات في الكلام على الأبناء والبنين والبنات تفصيل الاستفادة في بيان كلمتي الشهادة اتحاف الأريب بخلاصة الأعاريب الجواهر النفائس في تحبير كتاب العرائس الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة عين الإصابة في معرفة الصحابة انتهى
وفيها المولى محيى الدين محمد القرماني الحنفي أحد الموالي الرومية قرأ على علماء العجم ثم دخل الروم فقرأ على المولى يعقوب بن سيدي علي شارح الشريعة وصار معيدا لدرسه ثم درس ببعض المدارس ثم أعطى مدرسة أزنيق ومات عنها وكان مشتغلا بالعلم ليلا ونهارا علامة في التفسير والأصول والعربية له تعليقات على الكشاف والقاضي والتلويح والهداية وشرح رسالة اثبات الواجب الوجود للدواني وله حواش على شرح الوقاية لصدر الشريعة وكتاب في المحاضرات سماه جالب السرور وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنصاري السعدي العبادي الحلبي الحنفي كان فرضيا حيسوبا فقيها ولي نيابة القضاء في الدولتين
ومات فقيرا بأنطاكية
سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة
في ثالث رمضانها قتل السلطان بهادر بن السلطان مظفر صاحب كجرات من بلاد الهند قتل في بندر الديو وجاء تاريخ قتله قتل سلطاننا بهادر
وفيها توفي شهاب الدين أبو النجيب أحمد بن أبي بكر الحبيشي الحلبي قال ابن الحنبلي وبموته انقرض الذكور من بيت الحبيشي
وفيها السيد الحاضري المغربي المالكي نزيل دمشق بالتربة الأشرفية شمالي الكلاسة جوار الجامع الأموي تزوج بابنة القاضي كمال الدين البقاعي الشافعي ثم سافر من دمشق إلى الروم وحصل له إقبال زائد من السلطان والوزير اياس باشا وأعطى دنيا ووظائف منها إمامة المالكية بالجامع ثم عاد فمات بحلب وفيها عفيف الدين عبد الله بن أحمد سرومي الشحري اليمني الفقيه الشافعي ولد بالشحر ونشأ بها وقرأ القرآن ثم ارتحل إلى زبيد لطلب العلم فأخذ عن إمامها الفقيه كمال الدين موسى بن الزين والعلامة جمال الدين القماط وغيرهما ثم رجع إلى بلده الشحر فأخذ عن عالمها عفيف الدين المعروف بالحاج ولازمه ثم سعى له في وظيفة القضاء بها فاستمر قاضيا بها إلى أن عزم على الحج وكان رحمه الله يحب الطلبة ويؤهلهم ويحب الإفادة والاستفادة لطيفا قريب الجناب سليم الباطن قوي الصبر على الطاعة والأوراد النبوية كثير التعظيم للأكابر من العلماء والصالحين واعتنى بحاشية على الروضة لكن عدمت وذلك أن أحد أولاده دخل بها الهند فعدمت هناك وتوفي بمكة المشرفة في ذي القعدة قبل أن يحج بالمعلاة
وفيها عبد الغني العجلوني الأربدي الجمحي بضم الجيم وإسكان الميم وبالحاء المهملة نسبة إلى قرية جمحي كقربى من قرى اربد قال في الكواكب
كان من أولياء الله تعالى حسن الطريقة صحيح العقيدة ضابطا للشريعة كافا للسانه تردد إلى دمشق مرارا وكان سيدي محمد بن عراق يجله ويعظمه وكان قانعا زاهدا متواضعا ملاحظا للإخلاص ليس له دعوى حافظا لجوارحه ولسانه مقبلا على شأنه مات ببلده جمحي انتهى ملخصا وفيها شمس الدين محمد بن ولي الدين الحنفي الحلبي المقرىء المجود الشهير بابيه كان من تلاميذ العلامة شمس الدين بن أمير حاج الحلبي الحنفي ومن مريدي الشيخ عبد الكريم الحافي وكان له خط حسن وهيئة مقبولة وسكينة وصلاح وكان يؤدب الأطفال داخل باب قنسرين وله في كل سنة وصية وفي سنة موته أوصى مرتين ومات مسموما رحمه الله تعالى وفيها صدر الدين محمد ابن الناسخ الإمام العلامة شيخ مدينة طرابلس الشام توفي بها رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد الأويسي البعلي الحنفي خليفة الشيخ أويس وكان أجل خلفائه يعرف التصوف معرفة جيدة وله مشاركة في غيره توفي ببعلبك رحمه الله وفيها القاضي جمال الدين يوسف بن يونس بن يوسف بن المنقار الحلبي الأصل الدمشقي الصالحي قطن بصالحية دمشق وولي قضاء صفد ثم خرت برت ولم يذهب إليها وولي نظر الماردانية والمعزية بالشرف الأعلى وأثبت أنه من ذرية واقفيها ثم لما توفي نازع ولديه في العزية يحيى بن كريم الدين وأثبت أنه من ذرية واقفيها وقد ذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أن ذرية محمد الواقف قد انقرضت وولي المذكور نظر البيمارستان القيمري وغيره ثم أنه أثبت أنه منسوب إلى الخلفاء العباسيين قاله في الكواكب
سنة أربع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي المولى أبو الليث الرومي الحنفي أحد موالي الروم خدم المولى
الشهير بضميرى وبه اشتهر وصار معيدا لدرسه ثم صار مدرسا بمدرسة الوزير محمود باشا بالقسطنطينية ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان ثم صار قاضيا بحلب قال ابن الحنبلي أنه كان علائي الأصل نسبة إلى العلائية قصبة قريب أدنة قال وكان له إلى إحسان برقم بعض العروض في بعض المناصب الحلبية حتى نظمت له ما نظمت وأنا بمجلسه وقد دفع إلى عرضا وكان على وفق المراد فقلت
( أتمحل أرض أو يشيب بناتها ** وأنت لأرض يا أخا الغيث كالغيث )
( محال وما من همة قسورية ** تفوت أخا عدم وأنت أبو الليث )
ثم ولي قضاء دمشق ودخلها يوم الخميس تاسع شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة ثم توفي بها يوم الأربعاء حادي عشر رمضان من السنة المذكورة ودفن بباب الصغير
وفيها المولى إسحق بن إبراهيم الأسكوبي وقيل البروصاوي أحد موالي الروم طلب العلم وأخذ عن جماعة وخدم المولى بالي الأسود ثم صار مدرسا بمدرسة إبراهيم باشا بأدرنة ثم بمدرسة اسكوب إلى أن درس بإحدى الثمان ثم أعطى قضاء دمشق فدخلها في ثامن ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين ولما دخلها قال لا يدخل علي أحد إلى ثلاثة أيام لأستريح فإني شيخ كبير مسفور ثم برز للناس واجتمعوا به وحكم بينهم فشكر في أحكامه واشتهرت عفته واستقامته وتوفي ليلة الإثنين خامس عشرى ربيع الثاني بدمشق ودفن بباب الصغير وفيها كما قال في النور توفي جدي الشريف عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس ولد سنة سبع وثمانين وثمانمائة وكان من كبار الأولياء صحب عمه الشيخ الكبير فخر الدين أبا بكر بن عبد الله العيدروس صاحب عدن واختص به وكذا صحب عمه الشيخ حسين وأباه الشيخ شيخ وغيرهما من الأكابر وأخذ عنهم وتخرج بهم إلى أن بلغ المرتبة التي تعقد عليها الخناصر وكان له جاه عظيم في قطر اليمن وقبول كثير عند الخاص والعام
خصوصا في ثغر عدن ولبس منه الخرقة جماعة منهم ابن حجر المكي وكان حسن الأخلاق كثير الإنفاق شريف النفس والأوصاف نقيب السادة الاشراف وافر العقل ظاهر الفضل غني النفس قانعا بالكفاف وضىء الوجه أخضر اللون طويل القامة كثير المناقب عظيم المواهب ليس له في زمانه نظير ذا كرامات ظاهرة كثيرة توفي ليلة الأربعاء رابع عشر شعبان بتريم ودفن بها انتهى وفيها الحافظ وجيه الدين أبو محمد عبد الرحمن ابن علي الديبع الشيباني العبدري الزبيدي الشافعي قال رحمه الله في آخر كتابه بغية المستفيد بأخبار زبيد كان مولدي بمدينة زبيد المحروسة في يوم الخميس الرابع من المحرم الحرام سنة ست وستين وثمانمائة في منزل والدي منها وغاب والدي عن مدينة زبيد في آخر السنة التي ولدت فيها ولم تره عيني قط ونشأت في حجر جدي لأمي العلامة الصالح العارف بالله تعالى شرف الدين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي وانتفعت بدعائه لي وهو الذي رباني جزاه الله عني بالإحسان وقابله بالرحمة والرضوان وقال في النور هو الإمام الحافظ الحجة المتقن شيخ الإسلام علامة الإنام الجهبذ الإمام مسند الدنيا أمير المؤمنين في حديث سيد المرسلين خاتمة المحققين ملحق الأواخر بالأوائل أخذ عمن لا يحصى وأخذ عنه الأكابر كالعلامة ابن زياد والسيد الحافظ الطاهر بن حسين الأهدل والشيخ أحمد بن علي المزجاجي وغيرهم وأجاز لمن أدرك حياته أن يروى عنه فقال
( أجزت لمدركي وقتي وعصري ** رواية ما تجوز روايتي له )
( من المقروء والمسموع طرا ** وما ألفت من كتب قليله )
( ومالي من مجاز من شيوخي ** من الكتب القصيرة والطويله )
( وأرجو الله يختم لي بخير ** ويرحمني برحمته الجزيلة )
وكان ثقة صالحا حافظا للأخبار والآثار متواضعا انتهت إليه رياسة الرحلة
في علم الحديث وقصده الطلبة من نواحي الأرض ومن مصنفاته تيسير الوصول إلى جامع الأصول في مجلدين ومصباح المشكاة وشرح دعاء ابن أبي حربة وغاية المطلوب وأعظم المنة فيما يغفر الله به الذنوب ويوجب به الجنة وبغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد وكتاب قرة العيون في أخبار اليمن الميمون وله مولد شريف نبوي وكتاب المعراج إلى غير ذلك ومن شعره قوله في صحيح البخاري ومسلم
( تنازع قوم في البخاري ومسلم ** لدي وقالوا أي ذين يقدم )
( فقلت لقد فاق البخاري صنعة ** كما فاق في حسن الصياغة مسلم )
ومنه فيهما
( قالوا لمسلم سبق ** قلت البخاري جلى )
( قالوا تكرر فيه ** قلت المكرر أحلى )
ولم يزل على الإفادة وملازمة بيته ومسجده لتدريس الحديث والعبادة واشتغاله بخويصته عما لا يعنيه إلى أن توفي ضحى يوم الجمعة السادس والعشرين من رجب وفيها المولى عبد الرحيم بن علي بن المؤيد المشهور بحاجي جلبي الرومي القسطنطيني الحنفي عرف بابن المؤيد الفاضل العلامة أحد الموالي الأصلاء قال في الشقائق كان أولا من طلبة العلم الشريف وقرأ على المولى الفاضل سنان باشا وعلى المولى خواجه زادة وكان مقبولا عندهما ثم سلك مسلك التصوف واتصل بالشيخ العارف بالله محي الدين الأسكليبي ونال عنده غاية متمناه وحصل له شأن عظيم وجلس للارشاد في زاوية شيخه الشيخ مصلح الدين السروري وربى كثيرا من المريدين قال وبالجملة فقد كان جامعا بن الفضيلتين العلم والعمل وكان فضله وذكاؤه في الغاية لا سيما في العلوم العقلية وأقسام العلوم الحكمية وقد ظهرت له كرامات وقال في الكواكب ذكره والده فقال استفدت منه واستفاد مني وأخذت عنه وأخذ
عني واستجزته لولدي أحمد ولمن سيحدث لي من الأولاد ويوجد على مذهب من يرى ذلك ومما أخذ عني كثير من مؤلفاتي وأن كتابة خلاق عليم ينفع لدفع الطاعون فإنه مجرب كما رواه لنا الأئمة الواعون ومما أفادني أن الإنسان إذ قال ربنا خمس مرات ودعا استجيب له واحتج بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام { ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } إلى قوله { ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب } قال فاستحضرت في الحال دليلا آخر ببركته وهو قوله تعالى { ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك } إلى قوله { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك } الآية وهي تمام الخمس ثم عقبها بقوله { فاستجاب لهم ربهم } فسر بذلك انتهى ويؤيد هذا ما روى عن جعفر الصادق من حزبه أمر من قال خمس مرات ربنا أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ { ربنا ما خلقت هذا باطلا } الآيات انتهى ملخصا
وفيها عبد الواحد المغربي المالكي نزيل دمشق الشيخ الصالح قرأ على ابن طولون عدة مقدمات في النحو ثم الألفية وشرحها لابن المصنف وسمع عليه في الحديث كثيرا وبرع في فقه المالكية تخرج فيه على أبي الفتح المالكي ودرس بالجامع الأموي حسبة وكان يقرىء الأطفال بالكلاسة ثم بالأمينية وتوفي في البيمارستان النوري يوم الإثنين ثاني عشرى صفر
وفيها عبد الواسع المولى الفاضل العلامة الحنفي الديمتوقي المولد أحد موالي الروم كان والده من الأمراء واشتغل هو بالعلم وقرأ على المولى شجاع الدين الرومي ثم على المولى لطفي التوقاتي وغيرهما ثم ارتحل إلى بلاد العجم ووصل إلى هراة من بلاد خراسان وقرأ هناك على العلامة حفيد السعد التفتازاني حواشي شرح العضد للسيد الشريف ثم عاد إلى الروم في أواخر دولة السلطان سليم فأنعم عليه بمدرسة علي بك بأدرنة إلى أن وصل إلى إحدى الثمان ثم ولاه قضاء بروسا ثم ولاه السلطان سليمان قضاء القسطنطينية وبعد
يومين جعله قاضيا بالعسكر الأناضولي ثم عين له كل يوم مائة عثماني بطريق التقاعد ثم صرف جميع ما في يده في وجوه الخيرات وبنى مكتبين ومدرسة ووقف جميع كتبه على العلماء بأدرنة وكان عنده جارية فأعتقها وزوجها من رجل صالح ثم ارتحل إلى مكة المشرفة وانفرد بها عن الأهل والمال والولد واشتغل بالعبادة إلى أن توفي وفيها فخر الدين أبو النور عثمان بن شمس الآمدي ثم الدمشقي الحنفي الإمام العلامة المفنن الخطيب ولي خطابة السليمية بصالحية دمشق ومشيخة الجقمقية بالقرب من جامع الأموي ودرس بالجامع المذكور وكان ساكنا يجيد تدريس المعقولات وله يد طولى في علم النغمة وله كتابة حسنة وحوى كتبا نفيسة وتوفي يوم الإثنين ثاني عشرى ربيع الأول وهو في حدود السبعين ودفن في طرف تربة باب الفراديس الشمالي وفيها نور الدين على الشوني الشافعي الصالح المجمع على جلالته وصلاحه أول من عمل طريقة المحيا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بمصر ولد بشونى قرية بناحية طندتا من غربية مصر ونشأ في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ببلده ثم انتقل إلى مقام سيدي أحمد البدوي فأقام فيه مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها فكان يجلس في جماعة من العشاء إلى الصبح ثم من صلاة الصبح إلى أن يخرج إلى صلاة الجمعة ثم من صلاة الجمعة إلى العصر ثم من صلاة العصر إلى المغرب فأقام على ذلك عشرين سنة ثم خرج يودع رجلا من أصحابه في المركب أيام النيل كان مسافرا إلى مصر ففات المركب بهم وما رضي الريس يرجع بالشيخ فدخل مصر فأقام بالتربة البرقوقية بالصحراء وكان يتردد إلى الأزهر للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع عليه خلق كثير منهم الشيخ عبد الوهاب الشعراوي لازمه نحو خمس سنين ثم أذن له أن يقيم الصلاة في جامع الغمري ففعل وكان الشيخ عبد القادر بن سوار يتردد إلى مصر في التجارة والطلب فلازم
الشوني ورجع إلى دمشق بهذه الطريقة ثم اصطلح على تسمية هذه الطريقة بالمحيا وانتشرت طريقة الشوني ببركته في الآفاق وتوفي بالقاهرة ودفن بزاوية مريده الشيخ عبد الوهاب الشعراوي
وفيها مبارك بن عبد الله الحبشي الدمشقي القابوني الشيخ الصالح المربي قال ابن المبرد في رياضه الشيخ مبارك ظهر في سنة سبع وتسعين وثمانمائة وصار له مريدون وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر من إراقة الخمور وغيرها بعد ما أبطل ذلك وقام على الأتراك وقاموا عليه وقال ابن طولون قرأ الشيخ مبارك في غاية الاختصار على التقي بن قاضي عجلون وبنى له زاوية بالقرب من القابون التحتاني وأقام هو وجماعته بها وكان يتردد إليه شيخ الإسلام المذكور وكان هو وجماعته يترصدون الطريق على نقلة الخمر فيقطعون ظروفها ويريقونها فبلغ الحكام ذلك فقبض النائب على بعض جماعة الشيخ وحبسهم في سجن باب البريد فنزل الشيخ مبارك ليشفع فيهم فحبس معهم فأرسل ابن قاضي عجلون يشفع فيه فأطلق ثم هجم بقية جماعة الشيخ مبارك على السجن وكسروا بابه وأخرجوا من فيه من رفاقهم فبلغ النائب فأرسل جماعة من مماليكه فقتلوا منهم نحو سبعين نفسا عند باب البريد وقرب الجامع الأموي ثم ترك الشيخ مبارك ذلك ولازم حضور الزوايا كزاوية الشيخ أبي بكر بن داود بالسفح ووقت سيدي سعد بن عبادة بالمنيحة وكان شديد السواد عظيم الخلقة له همة عظيمة وقوة بأس وشدة وله معرفة تامة بالنغمة والصيد والسباحة يغوص في تيار الماء ويخرج وبين أصابع يديه ورجليه السمك وحج ومعه جماعة من أصحابه فلما دخلوا مكة فرغت نفقتهم فقال لبعض أصحابه خذ بيدي إلى السوق واقبض ثمني واصرفه على بقية الجماعة ففعل ذلك واشتراه بعض تجار العجم ثم أعتقه قال ابن طولون والشيخ مبارك هو الذي أحدث اللهجة في الذكر قال وحقيقتها أنهم يذكرون إلى أن يقتصروا من الجلالة على
الهمزة والهاء لكنهم يبدلون الهاء حاء مهملة فيقولون اح اح وتوفي يوم الخميس مستهل ربيع الأول ودفن بتربة القابون التحتاني
وفيها شمس الدين محمد بن عبد القادر بن أبي بكر بن الشحام العمري الحلبي الموقت الفقيه سمع الحديث المسلسل بالأولية على المحدث عبد العزيز بن فهد المكي وكان دينا خيرا رئيسا بجامع حلب قال ابن الحنبلي قرأت عليه في الميقات سافر إلى دمشق فمرض بها وتوفي ببيمارستانها وفيها شمس الدين محمد الظني الشافعي العالم المعتقد كان يؤدب الأطفال وفي آخر عمره استمر مؤدبا لهم بالقيمرية الجوانية وأعطى مشيخة القراء بالشامية البرانية وباشرها أشهرا ثم مات عنها يوم الخميس رابع المحرم وفي حدودها الشيخ تقي الدين أبو بكر الأبياري المصري الصوفي كان فقيها زاهدا عابدا يعرف الفقه والأصول والحديث والقراآت والنحو والهيئة وكان يقرىء الأطفال احتسابا ولم يتناول على التعليم شيئا وما قرأ عليه أحد إلا انتفع وكان موردا للفقراء ببلده ابيار لا ينقطع عنه الضيف ومع ذلك لا راتب له ولا معلوم بل ينفق من حيث لا يحتسب وأخذ الطريق عن الشيخ محمد الشناوي وأذن له في تربية المريدين فلم يفعل احتقارا لنفسه رحمه الله تعالى
سنة خمس وأربعين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد بن يوسف القاري ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الإمام العالم العلامة المحقق المدقق الفهامة شيخ الإسلام أخذ عن البرهان بن أبي شريف والقاضي زكريا وغيرهما من علماء مصر وبالشام عن الحافظ برهان الدين الناجي وغيره وتفقه بالتقي بن قاضي عجلون وابن أخته السيد كمال الدين بن حمزة والتقي البلاطنسي وولي إمامة المقصورة بالأموي شريكا للقاضي شهاب الدين الرملي وولي نظر الحرمين وغيره وتدريس الشامية
البرانية آخرا مدة يسيرة واخترمته المنية ولزم المشهد الشرقي بالجامع الأموي بعد شيخه ابن قاضي عجلون وردت المشكلات إليه وعكف الطلبة عليه وممن أخذ عنه الشهاب الطيبي والعلاء بن عماد الدين وتزوج بنت مفتي الحنفية قطب الدين بن سلطان ورزق منها ابنا مات بعده بمدة يسيرة وكان محققا مدققا واقفا مع المنقول عالما بالنحو والقراآت والفقه والأصول نظم أرجوز لطيفة في عقيدة أهل السنه وله شعر حسن وتوفي ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الصغير
وفيها تقريبا المنلا أبو بكر العلوي الحنفي نسبة إلى محمد بن الحنفية رضي الله عنه الحنفي المذهب المعروف بشيخ زاده كان من كبار الفضلاء الأذكياء مع ماله من المال والرزق والكتب النفيسة وكان صالحا متواضعا لا يحب التصنع من نفسه ولا من غيره وكان جليل القدر بسمرقند بواسطة أن خالته كانت زوجا لملكها ودخل حلب سنة ثلاث وثلاثين ورافق ابن الحنبلي في صدر الشريعة على الشهاب الأنطاكي ثم سافر إلى مكة وجاور بها سنين ثم عاد إلى حلب ثم سافر منها إلى بلده وهي في الهند وقطن بها إلى أن مات
وفيها أبو العباس الحريثي المصري نشأ في العبادة والاشتغال بالعلم وقرأ القرآن بالسبع ثم خدم سيدي محمد بن عنان وأخذ عنه الطريق وزوجه بابنته وقربه أكثر من جميع أصحابه ثم صحب بعده سيدي على المرصفي وأذن له أن يتصدى للارشاد ولم يرشد حتى سمع الهواتف تأمره بذلك فدعا إلى طريق الله تعالى ولقن نحو عشرة آلاف مريد ولما حضرته الوفاة قال خرجنا من الدنيا ولم يصح معنا صاحب في الطريق وبنى له زاوية بمصر وعدة مساجد بدمياط والمحلة وغيرهما قال الشعراوي ووقع له كرامات كثيرة منها أنه جلس عندي بعض المغرب في رمضان فقرأ قبل أذان العشاء خمس ختمات وطوى أربعين يوما وكان كثير التحمل لهموم الخلق حتى صار كأنه شن بال وكان
مع ذلك لا يعد نفسه من أهل الطريق وتوفي بثغر دمياط ودفن بزاوية الشيخ شمس الدين الدمياطي وقبره بها ظاهر يزار وفيها المولى نور الدين حمزة الشهير باوج باشا الحنفي أحد موالي الروم اشتغل وخدم المولى معرف زاده ثم درس بمدرسة مغنيسا ثم بمدرسة أزنيق ثم بمدرسة أبي أيوب ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ثم بإحدى الثمان ثم بمدرسة السلطان بايزيد باماسية ونصب مفتيا بها وعين له كل يوم سبعون عثمانيا بالتقاعد ومات بها وكان حريصا على جمع المال يتقلل في معاشه ويلبس الثياب الدنية ولا يركب دابة حتى جمع أموالا عظيمة وبنى في آخر عمره مسجدا بالقسطنطينية قريبا من داره وبنى بها حجرا لطلبة العلم ووقف عليها أوقافا كثيرة قال له الوزير إبراهيم باشا يوما أني سمعت بأنك تحب المال فكيف صرفته في الأوقاف قال هو أيضا من غاية محبتي في المال حيث لم أرض أن أخلفه في الدنيا فأريد أن يذهب معي إلى الآخرة قاله في الكواكب
وفيها سليمان الصواف الشيخ الصالح العارف بالله تعالى والد الشيخ أحمد ابن سليمان قال في الكواكب كان قادريا لحق سيدي علي بن ميمون وأخذ عن شيخ الإسلام الجد وعده شيخ الإسلام الوالد ممن تلمذ لوالده من أولياء الله تعالى وأخبرني ولده الشيخ أحمد أن ابن طولون كان يتردد إلى والده ويعتقده وأنه توفي في هذه السنة انتهى ملخصا وفيها تقريبا محيي الدين عبد القادر بن أحمد بن الجبرتي الدمشقي الشافعي الفاضل أخذ عن جماعة منهم البدر الغزي قرأ عليه شرح جمع الجوامع قراءة تحقيق وتدقيق وشهد له أنه كان من أهل الفضل والذكاء والصلاح وفيها علاء الدين علي التميمي الشافعي الشيخ العلامة عالم بلاد الخليل أخو القاضي محمود التميمي نزيل دمشق توفي المترجم ببلد الخليل قاله في الكواكب وفيها المولى سعد الدين عيسى بن أمير خان الحنفي المعروف بسعدى جلبي الإمام العامل العلامة أحد
موالي الروم المشهورين بالعلم والدين والرياسة كان أصله من ولاية قسطموني ثم دخل القسطنطينية مع والده ونشأ في طلب العلم وقرأ على علماء ذلك العصر ووصل إلى خدمة الساموني ثم صار مدرسا بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية ثم سلطانية بروسا ثم صار قاضيا بالقسطنطينية ثم عزل وأعيد إلى إحدى الثمان ثم صار مفتيا مدة طويلة قال في الشقائق كان فائقا على أقرانه في تدريسه وفي قضائه مرضى السيرة محمود الطريقة وكان في افتائه مقبول الجواب مهتديا إلى الصواب طاهر اللسان لا يذكر أحدا إلا بخير صحيح العقيدة مراعيا للشريعة محافظا على الأدب من جملة الذين صرفوا جميع أوقاتهم في الاشتغال بالعلم الشريف وقد ملك كتبا كثيرة واطلع على عجائب منها وكان ينظر فيها ويحفظ فوائدها وكان قوي الحفظ جدا وله رسائل وتعليقات وكتب حواشي مفيدة على تفسير البيضاوي وهي متداولة بين العلماء وله شرح مختصر مفيد للهداية وبنى دارا للقراء بقرب داره بمدينة قسطنطينية انتهى وكان السيد عبد الرحيم العباسي خليلا لسعدى جلبي ولكل منهما بالآخر مزيد اختصاص وللسيد عبد الرحيم فيه مدائح نفيسة وقال ابن طولون توفي عند صلاة الجمعة ثاني عيد الفطر بعلة النقرس وأقيم مفتيا عوضه جوى زاده وفيها المولى آشق قاسم الحنفي أحد الموالي الرومية كان من أزنيق واشتغل بالعلم وخدم المولى عبد الكريم ثم درس بالحجرية بمدينة أدرنة وتقاعد بثلاثين عثمانيا قال في الشقائق كان ذكيا مقبول القول صاحب لطائف ونوادر متجردا عن الأهل والولد كثير الفكر مشتغلا بذكر الله تعالى خاشعا في صلاته بلغ قريبا من المائة توفي بأدنة انتهى
وفيها جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن مولانا جلال الدين الخالدي البكشي ثم السمرقندي الحنفي المشهور بمنلا محمد شاه العجمي
كان شيخا معمرا نحيف البدن محققا متفقها متواضعا سخيا قرأ على أكابر علماء العجم كالمنلا عبد الغفور اللاري أحد تلامذة منلا عبد الرحيم الجامي وقدم حلب في هذه السنة وولده منلا عبد الرحيم قال ابن الحنبلي اجتمعت به مرارا وانتفعت به واستفدت منه وتوفي بحلب ودفن بمقبرة الصالحين
وفيها شمس الدين محمد بن حسان الدمشقي الشافعي أحد الفضلاء البارعين قال ابن طولون كان الغالب عليه التنزه توفي يوم الإثنين ثالث القعدة ودفن بباب الفراديس وفيها شمس الدين محمد الداودي المصري الشافعي وقيل المالكي الشيخ الإمام العلامة المحدث الحافظ كان شيخ أهل الحديث في عصره أثنى عليه المسند جار الله بن فهد والبدر الغزي وغيرهما قال ابن طولون وضع ذيلا على طبقات الشافعية للتاج السبكي وقال النجم الغزي جمع ترجمة شيخه الحافظ السيوطي في مجلد ضخم ورأيت على ظهر الترجمة المذكورة بخط بعض فضلاء مصر أن مؤلفها توفي قبل الزوال بيسير من يوم الأربعاء ثامن عشرى شوال ودفن بتربة فيروز خارج باب النصر وفيها شمس الدين محمد بن مكية النابلسي الشافعي الإمام العلامة توفي بنابلس في هذه السنة كما قاله في الكواكب
وفيها المولى سنان الدين يوسف بن المولى علاء الدين على البكالي الرومي الحنفي أحد موالي الروم قرأ على والده وعلى غيره وترقى في التدريس حتى درس بإحدى الثمان وتقاعد عنه بثمانين عثمانيا وبقي على ذلك إلى أن مات وكان مشتغلا بالعلم يحب الصوفية وله لطف وكرم وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وله حواش على شرح المواقف للسيد ورسائل كثيرة رحمه الله تعالى
سنة ست وأربعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الأريحاوي الأصل
الحلبي الدار الصيرفي الشافعي قال في الكواكب كان يحب خدمة العلماء بالمال واليد وكان يجمع نفائس الكتب الحديثية والطبية وغيرها ويسمح بإعارتها وقرأ على البرهان العمادي وابن مسلم وغيرهما وولي وظيفة تلقين القرآن العظيم بجامع حلب وغيرها قال ابن الحنبلي وأعرض في آخره عن حرفته وقنع بالقليل وأكب على خدمة العلم ورافقنا في أخذ العلم عن الزيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره رحمه الله وفيها تقريبا تقي الدين أبو بكر بن فهد الحنفي المكي الإمام العلامة قال في الكواكب قدم دمشق من مكة صحبة الوزير الطواشي ثم عاد إليها مع الحاج مبشرا للسلطانبى تسمى برضا السطلطان سليمان عنه انتهى
وفيها ظنا المولى أبو السعود الشهير بابن بدر الدين زادة الحنفي أحد موالي الروم ولد ببروسا وتزوجت أمه بعد أبيه بالمولى سيدي الحميدي فقرأ عليه مبادىء العلوم وقرأ على غيره وخدم المولى ركن الدين ثم أعطى قضاء بعض البلاد وله كتاب بالتركية سماه سليم نامه وهو مقبول عند أربابه وله ديوان بالتركية أيضا وكان فاضلا صاحب ذكاء وفطنة رحمه الله تعالى
وفيها شهاب الدين أحمد بن بركات بن الكيال الدمشقي الشافعي الفاضل خطيب الصابونية بعد أخيه وناظر أوقاف سيدي سعد بن عبادة رضي الله عنه توفي يوم الأربعاء خامس رمضان وفيها خليل المصري المالكي الإمام العلامة مفتي المالكية بالديار المصرية توفي بالقاهرة وتأسف الناس عليه وفيها بعد الحميد بن الشرف القسطموني الرومي الحنفي العالم العامل الواعظ طلب العلم ثم رغب في التصوف فصحب الشيخ مصلح الدين الطويل النقشبندي ثم اختار بعد وفاته طريقة الوعظ فكان يعظ الناس بالقسطنطينية وعين له في كل يوم ثلاثون
عثمانيا وكانت له يد طولى في التفسير وكان يدرس في بيته ويفسر القرآن بتقريرات واضحة بليغة وعبارات رائقة فصيحة واستفاد منه كثير من الناس وكان فارغ الهم من أشغال الدنيا مقبلا على صلاح حاله طويل الصمت كثير الفكر وقورا مهيبا رحمه الله تعالى وفيها تقريبا عبد الوهاب بن إبراهيم العرضي الحلبي الشافعي مفتي الشافعية بحلب قال في الكواكب ذكره الوالد في رحلته ووصفه بالشيخ الفاضل والعالم الكامل البارع في فنون العلم وأنواع الأدب انتهى
وفيها زين الدين عمر بن معروف الجبرتي المعروف بأبيه معروف ثم الدمشقي إمام الصابونية كان فاضلا عالما علامة من نوادر الزمان في الحفظ فإنه كان يقرأ القرآن من أوله إلى آخره كلما ختم آية افتتح الآية التي قبلها قال ابن طولون تردد إلى مرات وفي كل مرة نستفيد منه في علم التفسير غرائب وتوفي في أواخر شعبان رحمه الله تعالى
وفيها القاضي جلال الدين محمد بن القاضي علاء الدين بن يوسف ابن علي البصروي الدمشقي الإمام العلامة شيخ التبريزية بمحلة قبر عاتكة وخطيب الجامع الأموي ولد عاشر رجب سنة تسع وستين وثمانمائة واشتغل على والده وغيره وولي خطابة الثابتية وتدريس الغزالية ثم العادلية وفوض إليه نيابة الحكم الولوي بن الفرفور وخطب في الأموي نيابة ثم استقلالا إلى أن مات وكان لخطبته وقع في القلوب وتذرف منه العيون وكان يقرأ سيرة ابن هشام في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة وكان من العلم والصلاح له محفوظات في الفقه وغيره وقيام في الليل حافظا لكتاب الله تعالى مواظبا على تلاوته راكبا وماشيا وفي آخر خطبة خطبها بالأموي وكانت في ثامن ربيع الآخر من هذه السنة وكان مريضا سقط عن المنبر مغشيا عليه قال ابن طولون ولولا أن المرقي احتضنه
لسقط إلى أسفل المنبر قال ولم يكمل الخطبة الثانية فصلى الجمعة إمام الجامع يومئذ الشيخ عبد الوهاب الحنفي وتوفي المترجم ليلة الثلاثاء رابع عشرى جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير تجاه الشيخ نصر المقدسي
وفيها تقريبا محي الدين محمد الأشتيتي الرومي الصالح كان عابدا صالحا متورعا يربي المريدين بزاويته بأشتيت في ولاية روم ايلي رحمه الله
وفيها المولى بدر الدين محمود أحد الموالي الرومية الحنفي الشهير ببدر الدين الأصفر قرأ على المولى الفناري والمولى لطفي وغيرهما ثم درس بمدرسة بالي كبرى وترقى إلى إحدى الثمان ثم درس بايا صوفيا ثم تقاعد بمائة عثماني ومات على ذلك وكان الغالب عليه العلوم العقلية وله مشاركة في سائر العلوم وله تعليقات لم يدونها وكان يحب الصوفية قاله في الكواكب
وفيها شرف الدين موسى البيت لبدي الصالحي الحنبلي قال ابن طولون كان يسمع معنا على الشيخ أبي الفتح المزي والمحدث جمال الدين بن المبرد ولبس خرقة التصوف من شيخنا أبي عراقية وقرأ على محنة الإمام أحمد جمع ابن الجوزي وأشياء أخرى وتوفي يوم الجمعة سلخ ربيع الثاني
سنة سبع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر الشهير بابن المؤيد أحد العدول بدمشق بل عين الموقعين بالشام قال في الكواكب كان من أخصاء شيخ الإسلام الوالد وأعيان طلبته مولده سنة ثمان وستين وثمانمائة وتوفي مستهل القعدة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن يونس المصري الحنفي المعروف بابن الشلبي الإمام العالم العلامة الأوحد المحقق المدقق الفهامة كان عالما كريم النفس كثير الصدقة له اعتقاد في الصالحين والمجاذيب ذا حياء وحلم وعفو وكان رفيقا لمفتي دمشق القطب بن سلطان في الطلب على قاضي
القضاة شرف الدين ابن الشحنة والبرهان الطرابلسي ثم المصري في الفقه وعلى الشيخ خالد الأزهري في النحو وتوفي بالقاهرة ودفن خارج باب النصر وله من العمر بضع وستون سنة
وفيها الطيب بن عفيف الدين عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني العدني الشافعي الإمام العلامة المحدث قال في النور ولد بعدن ليلة الأحد ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبعين وثمانمائة وأخذ عن والده وعن الفقيه محمد بن أحمد فضل وانتفع به كثيرا ولازمه وكذلك أخذ عن محمد بن حسين القماط وأحمد بن عمر المزجد وغيرهم وتفنن في العلوم وبرع وتصدر للفتوى والاشغال وكان من أصح الناس ذهنا وأذكاهم قريحة وأقربهم فهما وأحسنهم تدريسا حتى يذكر أنه لم ير مثله في حسن التدريس وحل المشكلات في الفقه وصار في آخره عمدة الفتوى بعدن وكان يقول أني أقرىء أربعة عشر علما وولي القضاء بعدن ومن مؤلفاته شرح صحيح مسلم وأسماء رجال مسلم وتاريخ مطول مرتب على الطبقات والسنن ابتدأ به من أول الهجرة وكتاب في النسبة إلى البلدان مفيد جدا وتوفي بعدن في سادس المحرم ودفن في قبر جده لأمه القاضي العلامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصية ودفن في قبة الشيخ جوهر
وفيها زين الدين عبد القادر بن الشيخ شمس الدين محمد القويضي الدمشقي الصالحي الحنفي الطبيب الحاذق أخذ الطب عن الرئيس خشمش الصالحي وكان أستاذا في الطب يذهب إلى الفقراء في منازلهم ويعالجهم ويفاقرهم وربما لم يأخذ شيئا وقد يعطى الدواء من عنده أو يزكيه من كيسه وكان في آخره يتلو القرآن في ذهابه وإيابه من الصالحية إلى دمشق وكان ساكنا بالصالحية بالقرب من الجامع الجديد وكان حسن المحاضرة جميل المذاكرة وله شعر وسط وتوفي ثامن عشر جمادى الأولى بالصالحية ودفن تجاه تربة السبكيين وتأسف الناس عليه وفيها الشيخ على المعروف بالذويب
الصالح المكاشف أقام بمصر نحو عشرين سنة ثم نزل إلى الريف وظهرت له كرامات وخوارق أخذ عن الشيخ محمد العدل الطناخي وغيره وكان ملاميا يلبس تارة لباس الحمالين وتارة لباس التراسين ولما مات وجدوا في داره نحو ثمانين ألف دينار مع أنه كان متجردا من الدنيا قال الشعراوي اجتمعت به مرة واحدة عقب منام رأيته وذلك أني سمعت قائلا يقول لي في المنام الشيخ علي الذويب قطب الشرقية ولم أكن أسمع به أبدا فسألت الناس عنه فقالوا لي هذا رجل من أولياء الله تعالى قال وكان يمشي كثيرا على الماء فإذا أبصره أحد اختفى وكان يرى كل سنة بعرفة ويختفي من الناس إذا عرفوه انتهى
وفيها زين الدين عمر التنائي المالكي الشيخ العلامة المصري توفي بها في هذه السنة قاله في الكواكب وفيها تقريبا سراج الدين عمر العبادي المصري الشافعي الإمام العلامة المعلم بالبرقوقية من الصحراء خارج القاهرة كان على قدم عظيم في العبادة والزهد والورع والعلم وضبط النفس وكانت نقول مذهب الشافعي نصب عينيه وشرح قواعد الزركشي في مجلدين أخذ عن سميه وبلديه السراج العبادي الكبير وعن الشمس الجوجري ويحيى المناوي وغيرهم وأجازوه وكان مجاب الدعوة ولما حج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن الشويكي الصالحي الحنبلي العلامة كان إماما فقيها أفتى مدة ثم امتنع من الافتاء في الدولة الرومية وكان إماما بالحاجبية وكان أستاذا في الفرائض والحساب وله يد في غير ذلك توفي يوم الإثنين عاشر المحرم ودفن بالروضة إلى جانب قبر العلامة علاء الدين المرداوي
وفيها المولى محي الدين محمد بن إدريس الحنفي الشهير بمعلول أفندي أحد موالي الروم تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء مصر وكان
سيدا شريفا فاضلا وفيها نجم الدين محمد بن علي بن النعيل الغزي الشافعي الإمام العالم العامل توفي بالقدس رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي العثماني الشافعي الإمام العلامة ولد سنة ستين وثمانمائة بدلجة وحفظ القرآن العظيم بها ثم دخل القاهرة فقرأ التنبيه وغيره على علمائها ثم رحل إلى دمشق وأقام بها نحو ثلاثين سنة وأخذ عن البرهان البقاعي والحافظ برهان الدين الناجي والقطب الخيضري والقاضي ناصر الدين بن زريق الحنبلي والإمام المحدث شمس الدين السخاوي وسافر إلى بلاد الروم واجتمع بسلطانها أبي يزيد وحج من بلاد الشام ثم عاد إلى القاهرة وكتب شرحا على الخزرجية وشرحا على الأربعين النواوية وشرحا على الشفا للقاضي عياض وشرحا على المنفرجة واختصر المنهاج والمقاصد وسماه مقاصد المقاصد وشرحه وأخذ عنه جماعة منهم النجم الغيطي قال سمعت عليه كثيرا وأجاز لنا وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد التونس المالكي الملقب بمغوش بمعجمتين الإمام المحقق المدقق العلامة اشتغل على علماء المغرب وسمع الصحيحين والموطأ والترمذي والشفا وقرأ البعض على الإمام العلامة أبي العباس أحمد الأندلسي المعروف بالمشا وسمع على غيره وفضل في بلاده وبرع وتميز وولي قضاء عسكر تونس ثم قدم من طريق البحر إلى القسطنطينية في دولة السلطان سليمان فعظمه وأكرم مثواه ورتب له علوفة حسنة وشاع فضله بين أكابرها وأخذ عنه جماعة من أعيانها حتى قاضيا العسكر إذ ذاك ولم يزل بها معظما مبجلا ينشر الفوائد وينثر الفرائد وأملى بها أمالي على شرح الشاطبية للجعبري ثم استأذن من السلطان في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الروم وشدة بردها فأذن له وأمر له أن يستوفي ما عين له من خزينتها فتوجه إليها من طريق البر سنة أربع وأربعين فدخل حلب فانتدب
للقراءة عليه والأخذ عنه جماعة من أهلها منهم ابن الحنبلي ثم دخل طرابلس ثم دمشق وانتفع به أهلها وشهدوا له بالعلم خصوصا في التفسير والعربية والمنطق والكلام والعروض والقراآت والمعاني والبيان وقرأ عليه العلاء بن عماد الدين الشافعي في أوائل تفسير البيضاوي فأفاد وأجاد حتى أذهل العقول وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف وبعض شرح آداب البحث للمسعودي وقرأ عليه الشهاب الطيبي في القراآت وأجازه إجازة حافلة ثم سافر من دمشق في يوم الإثنين سادس عشر جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وألف تليمذه الشيخ شهاب الدين الطيبي مؤلفا في تاريخ سفره بالكسور العددية سماه بالسكر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ مغوش وقال ابن الحنبلي في ترجمته كان عالما علامة متقنا متفننا ذا إدراك عجيب واستحضار غريب حتى أنه كان في قوته أنه يقرىء مثل العضد المرة بعد المرة من غير مطالعة قال وكان دأبه الاستلقاء على القفا ولو حالة التدريس وعدم النهوض لمن ورد عليه من الأكابر كل ذلك لما كان عنده من حب الرفاهية والراحة والانبساط والشهامة انتهى وكان يطالع من حفظه كلما أراد من العلوم ولم يكن عنده كتاب ولا ورقة أصلا وكان يحفظ شرح التلخيص مع حواشيه وشرح الطوالع وشرح المواقف وشرح المطالع كما قاله في الشقائق وبالجملة فإنه كان من أعاجيب الدنيا وتوفي في العشر الأواخر من شعبان بالقاهرة ودفن بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه وكتب على قبره
( ألا يا مالك العلماء يا من ** به في الأرض أثمر كل مغرس )
( لئن أوحشت تونس بعد بعد ** فأنت بمصر ملك الحسن تونس )
وفيها شمس الدين محمد الدمنهوري المصري المالكي الشيخ العلامة توفي بمصر في أواخر ربيع الثاني وفيها محي الدين يحيى بن إبراهيم بن قاسم ابن الكيال الإمام المحدث سمع على والده في مسند الإمام أحمد وباشر في
الجامع الأموي وكان له فيه قراءة حديث وكان عنده حشمة وأجازه البدر الغزي وتوفي يوم الإثنين سلخ القعدة
سنة ثمان وأربعين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن نجم الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم ابن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن جماعة الإمام العلامة المحدث المقدسي الشافعي ولد يوم الإثنين خامس عشر المحرم سنة سبعين وثمانمائة وسمع على والده الكتب الستة وغيرها وأجاز له البرهان بن قاضي عجلون والتقي الشمني والقاضي أبو العباس بن نصر الله والتقي بن فهد والشمس بن عمران وأمين الدين الأقصرائي والشرف المناوي والبدر بن قاضي شهبة والجمال الباعوني وأخوه البرهان وولي تدريس الصلاحية ببيت المقدس سنين ثم قطن دمشق وحدث بها كثيرا عن والده وغيره وولي تدريس الشامية البرانية سنين ثم تدريس التقوية ونظرها وسافر من دمشق فمات بقرية سعسع في آخر ليلة الثلاثاء خامس عشرى شوال بعد أن بقي سنين مستلقيا على ظهره من زلقة حصلت له بسبب رش الماء بداخل دمشق فانفك فخذه ولم يمكنه الصبر على علاجه لنحافة بدنه ولطف مزاجه ثم حمل من سعسع وأعيد إلى دمشق وغسل بمنزله ودفن بباب الصغير
وفيها تقريبا برهان الدين إبراهيم بن المبلط شاعر القاهرة من شعره في القهوة
( يا عائبا لسواد قهوتنا التي ** فيها شفاء النفس من أمراضها )
( أو ما تراها وهي في فنجانها ** تحكي سواد العين وسط بياضها )
وفيها شهاب الدين أحمد الطيب بن شمس الدين الطنبذاوي البكري الصديقي الشافعي قال في النور هو شيخ الإسلام الحبر الإمام العارف بالله القانت الأواه ولد بعد السبعين وثمانمائة تقريبا وتفقه بالنور السمهودي
والقاضي أحمد المزجد وغيرهما وكان في أهل عصره بمنزلة الشمس من النجوم وتميز في معرفة المنطق والمفهوم وكان شديد التصلب في الدين والصدع بالحق لا يخاف في الله لومة لائم وكان يقول لتلميذه ابن زياد أنتم نفعكم أحمد المزجد ونحن بلحظه ولفظه وأخذ عنه خلق منهم شيخ الإسلام ابن زياد والحافظ شهاب الدين أحمد الخزرجي والغريب الأكسع وعبد الملك بن النقيب وعبد الرحمن البجلي وصالح النماري وغيرهم وانتهت إليه رياسة الفتوى والتدريس وانتفع به الخاص والعام ومن مصنفاته فتاوى مشهورة عليها الاعتماد بزبيد وشرح التنبيه في أربع مجلدات وله حاشية مفيدة على العباب قال الشيخ صالح النماري ومن عجيب ما سمعته منه أنه قال طالعت جميع الإيضاح شرح الحاوي للناشري في ليلة واحدة وهو مجلدان ضحمان وعلقت من كل باب فائدة وهذا خرق عادة وقال الخولاني سمعته يقول كانت الفوائد التي كتبتها تلك الليلة ثلاثة كراريس وكان مفرط الذكاء يحفظ الأرشاد ومن نظمه
( ومذ كنت ما أهديت للحب خاتما ** ومسكا وكافورا ولابست عينه )
( ولا القلم المبري أخشى عداوة ** تكون مدى الأيام بيني وبينه )
ولا أعلم لهذه الخصال أصلا من كتاب ولا سنة انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن الشمس محمد بن القطب محمد بن السراج البخاري الأصل المكي الحنفي ولد بمكة في صفر سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة واشتغل بالعلم فقرأ على السخاوي في سنن أبي داود والشفا ودخل القاهرة مرارا وسمع الحديث فيها على جماعة منهم الحافظ الديمي والجلال السيوطي ولبس خرقة التصوف من بعض المشايخ وولي المناصب الجليلة كالقضاء والإمامة والمشيخة وأجازه بعضهم وقرأ الكتب الستة وغيرها وسمع كثيرا من الفقه والحديث مع قوة حافظة وحسن كتابة وناطقة وتوفي بجدة ظهر يوم السبت عاشر ربيع الثاني وحمل إلى مكة فدفن بالمعلاة
وفيها شهاب الدين أحمد بن قطب الدين محمد الصفوري الصالحي الشافعي الشيخ الفاضل كان ذكيا ينظم الشعر الحسن وسمع على ابن طولون في الحديث وأضر قبل بلوغه وكان يقرأ في البخاري في المواعيد عن ظهر قلب بعد أن أضر وتوفي يوم الإثنين سادس عشر رجب ودفن عند جده بتربة السبكيين
وفيها عماد الدين إسمعيل بن زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الذنابي الصالحي الحنبلي خطيب الجامع المظفري سمع على أبي بكر بن أبي عمرو وأبي عمر بن عبد الهادي وأبي الفتح المزي وقرأ على ابن طولون في العربية وتوفي يوم السبت تاسع عشرى شعبان ودفن بوصية منه شمالي صفة الدعاء أسفل الروضة
وفيها القاضي زين الدين عبد الرحمن بن عبد الملك بن الموصلي الدمشقي الميداني الشافعي درس بالجامع الأموي والظاهرية الجوانية والقيمرية الكبرى وولي نيابة القضاء بالصالحية وغيرها ثم ترك ذلك وتوفي يوم السبت مستهل ربيع الأول ودفن بزاويتهم بميدان الحصا
وفيها عز الدين عبد العزيز المقدسي الحنفي الضرير الإمام العلامة مفتي بلاد القدس وأحد الأصلاء بها كان يكتب عنه الفتوى ويتناول الكاتب خاتمة ليختم على السؤال خوفا من التدليس وتوفي بالقدس في أواسط شوال وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي الحلبي الحنبلي المعروف بابن الدغيم قال ابن الحنبلي ولي تدريس الحنابلة بجامع حلب وكان هينا لينا صبورا على الأذى مزوحا وتوفي يوم الجمعة ثاني عشر رمضان ودفن بجوار مقابر الصالحين بوصية منه
وفيها شرف الدين أبو الوفا وأبو السعادات قاسم بن خليفة بن أحمد ابن محمد الحلبي الشافعي المعروف بابن خليفة ولد بحلب ليلة عيد الأضحى سنة سبع وسبعين وثمانمائة ونشأ بها وحمله والده على طلب العلم واشترى له نفائس الكتب فلزم كثيرا من العلماء منهم البدر السيوفي ومنلا عرب والمظفر
ابن علي الشيرازي والبرهان العمادي وغيرهم وباشر في أول أمره صنعة الشهادة وجلس بمكتب العدل خارج باب النصر وولي إعادة العصرونية للبرهان العمادي ووظائف أخرى واستنيب في الدولة العثمانية كثيرا في فسوخ الأنكحة وجلس لتعاطي الأحكام الشرعية برهة من الزمان وكان يخدم العلماء ويبذل المال في خدمتهم وكان له تواضع طارحا للتكلف وتوفي بحلب في ذي الحجة ودفن بمقبرة السيد علي بالهزازة ومازال يقول في نزعه الله الله حتى مات
وفيها شمس الدين محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد بن صالح بن حميس ابن محمد بن عيسى بن داود بن مسلم الصمادي ثم الدمشقي القادري الشيخ الصالح المعتقد المسلك المربي ولي الله تعالى العارف به شيخ الطائفة الصمادية بالشام كان من أولياء الله تعالى تظهر منه في حال الذكر أمور خارقة للعادة وكانت عمامته وشده من صوف أحمر وله مجالسة حسنة وللناس فيه اعتقاد خصوصا أعيان الأروام وسافر إلى الروم واجتمع بالسلطان سليم فاعتقده اعتقادا زائدا وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء ثم استقر الأمر على أن عين له قرية كنا كر تابع وادي العجم وغلالها إلى الآن تستوفيه الصمادية بعضه لزاوية الشيخ محمد المذكور بمحلة الشاغور وبعضه لذريته واشتهر أمره وأمر آبائه من قبل بدق الطبول عند هيمان الذاكرين واشتداد الذكر واستفتى فيه ابن قاضي عجلون والشمس بن حامد والبدر الغزي فأفتوا بإباحته قياسا على طبل الحجيج وطبل الحرب قال في الكواكب وبالجملة أن مجالسهم مهيبة عليها الوقار والأنس تخشع القلوب لسماع طبولهم وإنشادهم خالون عن التصنع واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة هي أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديما بين يدي الشيخ في حلقتهم يوم الجمعة بعد الصلاة فأمر بعض الحكام بمنعهم من ذلك فأخرج الطبل إلى خارج الجامع فدخل الطبل محمولا يضرب عليه ولا يرون له حاملا ولا عليه ضاربا واستمر في
هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع مما يلي باب جيرون وتوفي المترجم يوم الجمعة خامس عشرى جمادى الأولى ودفن بايوان زاويته وخلف ثمانية عشر ولدا ذكورا وإناثا ودنيا عريضة انتهى ملخصا
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن رجب البهنسي الحنفي والد الشيخ نجم الدين البهنسي مفتي الحنفية بدمشق قال ابن طولون كان نقيب الحكم ثم فوض إليه قاضي قضاة الحنفية زين الدين بن يونس نيابة القضاء وتوفي يوم الأربعاء عشرى رجب وفيها القاضي كمال الدين محمد بن قاضي القضاة قطب الدين محمد بن محمد الخيضري الدمشقي الشافعي ولي القضاء بميدان الحصا وغيره في أيام قاضي دمشق ابن اسرافيل وكان عنده حشمة وفضيلة وكان أحد المدرسين بالجامع الأموي إلا أنه كان يستعمل الأفيون وكان في الغالب مستغرقا وربما حدث له ذلك وهو ماش في الطريق فدخل يوم السبت مستهل ربيع الثاني إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من الجامع الأموي لقضاء الحاجة وأغلق عليه الباب فكأنه سرد على عادته فسقط على رأسه في الخلا فلما أحسوا به أخرجوه فخرجت روحه في الحال فحمل إلى بيته فغسل وكفن وصلى عليه بالأموي ودفن بمقبرة باب الصغير قاله في الكواكب
سنة تسع وأربعين وتسعمائة
فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الحنبلي المعروف بابن النجار الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة ومشايخه تزيد على مائة وثلاثين شيخا وشيخة وكان عالما عاملا متواضعا طارحا للتكلف سمع منه ابن الحنبلي حين قدم حلب مع السلطان سليم سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة المسلسل بالأولية وقرأ عليه في الصرف وأجاز له ثم أجاز له بالقاهرة اجازة ثانية بجميع ما تجوز له وعنه
روايته بشرطه كما ذكره في تاريخه وقال في الكواكب ذكر والد شيخنا أنه لما دخل دمشق صحبة الغوري هو وقاضي القضاة كمال الدين الطويل الشافعي وقاضي القضاة عبد البر بن الشحنة الحنفي وقاضي القضاة المالكي هرع إليهم جماعة للأخذ عنهم لعلو أسانيدهم وكان ذلك في أوائل جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وذكر الشعراوي أن صاحب الترجمة لم يل القضاء إلا بعد إكراه الغوري له المرة بعد الأخرى ثم ترك القضاء في الدولة العثمانية وأقبل على العبادة وأكب على الاشتغال في العلم حتى كأنه لم يشتغل بعلم قط مع أنه انتهت إليه الرياسة في تحقيق نقول مذهبه وفي علوم السنة في الحديث والطب والمعقولات وكان في أول عمره ينكر على الصوفية ثم لما اجتمع بسيدي علي الخواص وغيره أذعن لهم واعتقدهم وصار بعد ذلك يتأسف على عدم اجتماعه بالقول في أول عمره ثم فتح عليه في الطريق وصار له كشف عظيم قبيل موته وتوفي بمصر انتهى
وفيها بدر الدين حسن بن علي الطبراني من بلدة عند بركة طبرية الشافعي المقرىء نزيل دمشق حفظ القرآن العظيم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر ثم تلاه بعدة روايات على الشيخ علاء الدين القيمري واشتغل بالنحو على ابن طولون وتسبب بقراءة الأطفال في مكتب عز الدين غربي المدرسة المذكورة وصلى عدة ممن أقرأه بالقرآن وكان أحد شقيه بطالا لا يمشي إلا بعكاز وتوفي ليلة الأحد ليلة عيد الفطر وفيها عرفة القيرواني المغربي المالكي العارف بالله تعالى شيخ سيدي علي بن ميمون وسيدي أحمد بن البيطار من كراماته ما حكاه سيدي محمد بن الشيخ علوان في كتابه تحفة الحبيب أن سلطان المغرب كان قد حبسه بنقل واش كاذب فوضعه في السجن وقيده بالحديد فكان الشيخ عرفة إذا حضر وقت من أوقات الصلوات أشار إلى القيود فتتساقط فيقوم ويصلي فقال له بعض من كان معه في السجن إذا كان
مثل هذا المقام لك عند الله فلأي شيء ترضى ببقائك في السجن فقال لا يكون خروجي إلا في وقت معلوم لم يحضر إلى الآن واستمر على حاله حتى رأى سلطان المغرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عجل بإطلاق عرفة من السجن مكرما وإياك من التقصير تكن مغضوبا عليك فإنه من أولياء الله تعالى فلما أصبح أطلقه مكرما مبجلا رحمه الله تعالى
وفيها علاء الدين علي بن حسن بن أبي مشعل الجراعي ثم الدمشقي الشافعي المشهور بالقيمري لكونه كان يسكن بمحلة القيمرية تجاه القيمرية الكبرى كان إماما مقرئا علامة قرأ في علم القراآت على الشمس بن الملاح وفيه وفي العربية على الجمال البويضي وتفقه بالتقي القاري وأجازه بالتدريس والافتاء وأم للشافعية بالأموي توفي شهيدا بعلة البطن يوم السبت حادي عشرى جمادى الأولى ودفن بوصية منه في باب الصغير إلى جانب أخ له في الله صالح وفيها قاضي علي بن عبد اللطيف بن قطب بن عبد الله ابن محمد بن محمد بن أحمد الحسيني القزويني الشافعي المعروف بقاضي علي كان من بيت علم وقضاء وولي قضاء قزوين ثم تركه وكتب على الفتوى ثم دخل بلاد الشام وحج وأخذ الحديث عن التقي القاري وغيره ثم عاد إلى بلاده فدخل حلب فاستجازه ابن الحنبلي فأجاز له وتوفي ببلاده في هذه السنة
وفيها شمس الدين محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى الضيروطي المصري الشافعي المشهور بابن عروس الإمام العلامة ولد سنة سبعين وثمانمائة بسندبون تجاه ضيروط وأخذ العلم عن الشهاب بن شقير المغربي التونسي وعن النور المحلى وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة لتضلعه منها وصحب سيدي الشيخ أبا العون المغربي ودعا له وقرأ ثلاثيات البخاري على أمة الخالق بنت العقبى بحق جازتها من عائشة بنت عبد الهادي عن الحجار وكان ذكيا متواضعا طارحا للتكلف يصل إلى المدارك الدقيقة بفهم ثاقب وكان يحفظ كتبا كثيرة
يسردها عن ظهر قلب حتى كأنها لم تغب عنه وجمع الله له بين الحفظ والفهم وكان مدرسا بمقام الإمام الشافعي بمصر فأخذه عنه رجل أعجمي فرحل إلى الروم واسترده مضموما إليه تدريس الخشابية بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية ودخل في رحلته إلى الروم دمشق وحلب وأخذ عنه بهما جماعة من أهلهما منهم ابن الحنبلي وأجازه بسائر مروياته ثم دخل دمشق ثانيا في العود واجتمع بأعيان علمائها وأضافوه وأكرموه وشهدوا له بالفضل الباهر وتوفي بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشرى شوال وفيها شمس الدين محمد ابن عبد الرحمن الصهيوني الشافعي الإمام العلامة خطيب جامع الأطروش بطرابلس توفي بها في ذي القعدة وفيها هداية الله بن بار علي التبريزي الأصل القسطنطيني الحنفي أحد موالي الروم كان فصيحا مقتدرا على التعبير بالعربية يغلب عليه علم الكلام ويميل إلى اقتناء الكتب النفيسة وكان عارفا بالأصلين والفقه مشاركا في غيرهما قرأ على المولى بير أحمد والمولى محي الدين الفناري وابن كمال باشا وغيرهم ثم تنقل في المدارس إلى أن أعطي قضاء مكة فقدم حلب ودمشق ذاهبا إليها سنة ست وأربعين ثم رحل من مكة إلى مصر وترك القضاء لعلة ألمت به بعينيه وأخذ في علاجها بمصر فلم يبرأ فبقي بها إلى أن مات وفيها تقريبا شرف الدين يحيى الرهاوي المصري الحنفي الإمام العلامة كان نازلا بدمشق وسافر مع الشيخ الضيروطي إلى مصر سنة اثنتين وأربعين وتوفي بها
وفيها جمال الدين يوسف بن يحيى الجركسي الحنفي ابن الأمير محي الدين ابن الأمير أزبك الفاضل قرأ شرحي الشيخ خالد على الجرومية والقواعد على ابن طولون ثم أخذ في حل الألفية عليه وكتب له إجازة وحل الكنز على القطب بن سلطان ثم عرض له السفر إلى مصر لأجل استحقاقه في وقف جده فتوفي بها غريقا ودفن بتربة جده المنسوب إليه الأزبكية
سنة خمسين وتسعمائة
فيها توفي المولى أحمد بن المولى حمزة الرومي الحنفي المعروف بعرب جلبي العالم الفاضل اشتغل وحصل وخدم ابن أفضل زادة ثم رحل إلى مصر في دولة السلطان بايزيد وقرأ على علمائها في الكتب الستة والتفسير والفقه والأصول والهندسة والهيئة وقرأ المطول بتمامه وأجازوه ودرس بمصر وأقرأ المطول والمفصل ثم عاد إلى بلاد الروم فبنى له الوزير قاسم باشا مدرسة بالقرب من مدرسة أبي أيوب الأنصاري ودرس بها مدة عمره وكان أكثر أشغاله بالفقه وتفسير البيضاوي وكان عالما عابدا صحيح العقيدة حسن السمت انتفع به كثير من الناس رحمه الله تعالى
وفيها شهاب الدين أحمد بن حمزة القلعي الحلبي الحنفي ثم الشافعي المشهور بابن قيما اعتنى بالقراآت وتزوج بابنة الشيخ نور الدين البكري الشافعي خطيب المقام فانتقل إلى مذهبه فصار شافعيا بعد أن كان حنفيا هو وأبوه وقرأ عليه بحلب وأخذ أيضا بالقاهرة عن النشار المقري صاحب التآليف المشهورة وتوفي بحلب في أوائل ذي الحجة
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الحق بن محمد السنباطي المصري الشافعي الواعظ بالجامع الأزهر الإمام العالم العلامة أخذ عن والده وغيره وكان معه بمكة في مجاورته بها سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة ووعظ بالمسجد الحرام في حياة أبيه وفتح عليه في الوعظ حينئذ وهو الذي تقدم للصلاة على والده حين توفي بمكة قال الشعراوي لم نر أحدا من الوعاظ أقبل عليه الخلائق مثله وكان إذا نزل عن الكرسي يقتتل الناس عليه قال وكان مفننا في العلوم الشرعية وله الباع الطويل في الخلاف ومذاهب المجتهدين وكان من رؤس أهل السنة والجماعة واشتهر في أقطار الأرض كالشام والحجاز واليمن والروم وصاروا يضربون به المثل وأذعن له علماء مصر الخاص منهم
والعام وولي تدريس الخشابية بمصر بعد الضيروطي وهي مشروطة لأعلم علماء الشافعية كالشامية البرانية بدمشق وكان يقول بتحريم قهوة البن ثم انعقد الآن الاجماع على حلها في ذاتها وتوفي في أواخر صفر قال الشعراوي ولما مات أظلمت مصر لموته وانهدم ركن عظيم من الدين وما رأيت في عمري كله أكثر خلقا من جنازته الا جنازة الشهاب الرملي
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن عبد القادر البغدادي الأصل الصالحي الحنفي الشهير بابن الحصري قال ابن طولون هو أخونا وابن شيخنا العلامة جمال الدين حفظ القرآن والمختار وغيرهما وسمع الحديث على شيخنا ابن عبد الهادي وأخيه الشهاب أحمد وولده واشتغل وحصل وألف ثم سلك طريق السلف الصالح وحضر كثيرا عندي وتوفي ليلة الأحد خامس عشر رجب عن نحو خمس وستين سنة ودفن عند والده أي بسفح قاسيون لصيق تربة العم من جهة الشرق انتهى وفيها المولى إسحق الرومي أحد موالي الروم الطبيب كان نصرانيا طبيبا وكان يعرف علم الحكمة معرفة تامة وقرأ على المولى لطفي التوقاتي المنطق والعلوم الحكمية وباحث معه فيها ثم أنجز كلامهم إلى العلوم الإسلامية وقرر عنده حقيقة الإسلام فاعترف وأسلم ثم ترك الطب واشتغل بتصانيف الإمام حجة الإسلام الغزالي والإمام فخر الدين الرازي وداوم على العمل بالكتاب والسنة وصنف شرحا على الفقه الأكبر لأبي حنيفة رضي الله عنه
وفيها الشيخ شيخ بن إسمعيل بن إبراهيم بن الشيخ عبد الرحمن السقاف اليمني السيد الجليل صاحب الكرامات الخارقة والآيات الصادقة كان من كبار مشايخ اليمن حكى عنه أنه قيل له ههنا رجل تحصل له حالة عظيمة عند السماع فقال ليس الرجل الذي يحتاج إلى محرك يحركه إنما الرجل الذي لا يغيب عنه الشهود حتى في حالة الجماع فضلا عن غيره توفي بالشحر ودفن بها
وفيها عبد الرحمن المناوي المصري الشيخ الصالح العالم العابد الورع أحد تلامذة سيدي محمد الشناوي كان رضي الله عنه جميل الأخلاق كريم النفس حمالا للأذى صبارا على البلاء كثير الحياء لا يكاد يرفع بصره إلى السماء ولا إلى جليسه أقام في طنتدا ثم انتقل إلى الجامع الأزهر فأقام به مدة وانتفع به خلائق ثم رجع إلى بلده المناوات ومات بها وفيها زين الدين عبد اللطيف بن علم الدين سليمان بن أبي كثير المكي الإمام العلامة قدم دمشق وأقام بها مدة وقرأ الشفا على الشمس بن طولون الصالحي في مجلسين في رجب سنة ثمان وثلاثين ثم سافر إلى السلطان سليمان حين كان ببغداد فولاه قضاء مكة عن البرهان بن ظهيرة وأضيف إليه قضاء جده ونظر الحرم الشريف ثم رجع إلى دمشق وتوجه إلى مكة مع الحاج هو والشيخ أبو الفتح المالكي وتوفي بها وكان له شعرحسن منه الموشح المشهور في القهوة الذي مطلعه
( قهوة البن مرهم الحزن ** وشفا الأنفس )
( فهي تكسو شقائق الحسن ** من لها يحتسي )
وقد عارضه الشيخ أبو الفتح المالكي المغربي بموشح على وزنه وقافيته
وفيها عبد اللطيف بن عبد المؤمن بن أبي الحسن الخراساني الجامي الأحمدي الهمداني الطريقة العارف بالله تعالى خرج من بلاده يريد الحج في جم غفير من مريديه فدخل القسطنطينية في دولة السلطان سليمان فأكرم مثواه هو وأركان دولته وتلقن السلطان منه الذكر ثم دخل حلب وقرأ بها الأوراد الفتحية على وجه خشعت له القلوب وذرفت منه العيون قال ابن الحنبلي وسألته عن وجه قوله في نسبته الأحمدي فقال هي نسبة إلى جدي مير أحمد أحد شيوخ جام في وقته قال ونسبي متصل بجابر بن عبد الله البجلي قال واستخبرته عن شيخه في الطريق فقال هو حاجي محمد الجوشاني قال
وسألته تلقين الذكر فلقنني إياه وكتب لي دستور العمل ولكن بالفارسية ثم حج وتوجه إلى بلاده وتوفي ببخارى قال ابن الحنبلي وكان محدثا مفسرا مستحضرا للأخبار معدودا من أرباب الأحوال والصواب أنه توفي سنة ثلاث وستين
وفيها عبد اللطيف الخراساني الحنفي العالم العلامة دخل دمشق سنة تسع وثلاثين حاجا فنزل بالصالحية وظهر علمه وعمله خصوصا في التفسير
وفيها عيسى باشا بن إبراهيم الرومي الحنفي أمير أمراء دمشق كان له أولا اشتغال بالعلم وصار مدرسا بعدة مدارس حتى اتصل إلى إحدى الثمان ثم صار موقعا بالديوان السلطاني ثم ولي الإمارة في بعض البلاد ثم إمارة حلب فأحسن فيها السيرة ثم إمارة دمشق وعزل منها ثم أعيد إليها ورسخ فيها وكان عالما بعدة من العلوم ولم يترك المطالعة أيام الإمارة وكان له حسن أدب ولطف معاشرة إلا أنه كان إذا اشتد غضبه خمش يديه فيدميها وهو لا يدري وأبطل كثيرا من الظلامات وعاش أهل القرى أيام ولايته عيشة طيبة وكان مكرما لأهل العلم ومشايخ الصوفية ولبس الخرقة القادرية من الشيخ حسن الكيلاني لما قدم دمشق في يوم الأحد تاسع صفر وأوصى أن يلقن فلقنه الشيخ أبو الفتح المالكي وأوصى أن يسحب على الأرض قبل الدفن إلى قبره تعزيزا لنفسه فحمل سريره إلى الصالحية فلما قرب من قبره سحب على الأرض قليلا تنفيذا لوصيته ودفن في حوش الشيخ محي الدين العربي عند شباكه الشرقي بوصية منه وفيها قطب الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي شيخ الإسلام مفتي بلاد الشام الإمام العلامة ولد ليلة ثاني عشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة وأخذ عن القاضي عبد البر بن الشحنة وغيره وكان بيده تدريس القصاعية المختصة بالحنفية وتدريس الظاهرية التي هي مسكنه والنظر
عليها وكان له تدريس في الجامع الأموي وغير ذلك من المناصب العلية وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة عن شيخه ابن الشحنة وكف بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه بحيث يظن أنهما بصيرتان وكان حسن الوجه والذات جليل المقدار مهيبا معظما نافذ الكلمة عند الدولة يردون الأمراء إليه في الفتوى ماسك زمام الفقهاء وكان يملي من يكتب الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه واتخذ ختما منقوشا يختم به على الفتوى خوفا من التلبيس عليه وكان يقول بتحريم القهوة وصنف مؤلفا في الفقه ورسالة في تحريم الأفيون والبرق اللامع في المنع من البركة في الجامع وغير ذلك وتوفي ليلة الثلاثاء سابع عشرى ذي القعدة ودفن داخل تربة القلندرية من باب الصغير في بيت مسقف معد للعلماء والصلحاء من الموتى
وفيها نجم الدين محمد بن أحمد بن عمر البابي الحلبي الشافعي المعروف في مدينة الباب بابن صليلة وفي حلب بالنجم الإمام لأنه كان إماما لخير بك الأشرفي كافل حلب الإمام الفقيه الأصولي الخطيب ابن الخطيب كانت له قراءة حسنة وصوت جهوري وتوفي في أواخر الحجة
وفيها المولى محي الدين محمد بن عبد الله أحد موالي الروم الحنفي الشهير بمحمد بيك كان من مماليك السلطان أبي يزيد ورغب في العلم وترك طريق الإمارة وقرأ على جماعة منهم المولى مظفر الدين العجمي والمولى محي الدين الفناري وغيرهما ثم خدم ابن كمال باشا وصار معيدا لدرسه ثم تنقل في المدارس ثم اختل دماغه ثم برىء فسافر إلى مصر في البحر فأسرته النصارى فاشتراه بعض أصدقائه منهم ثم عاد إلى قسطنطينية فأعطاه السلطان سليمان سلطانية بروسا ثم مدرسة أبي يزيدخان بأدرنة ثم قضاء دمشق فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين فعاد إلى الروم واختل مزاجه غاية الاختلال وأعطى في أثناء المرض قضاء مصر
فسافر إليها في أيام الشتاء فأدركته المنية في الطريق وكان محبا للعلم وأهله وللصوفية وله مهارة في العلوم العقلية ومعرفة بالعلوم الرياضية وله تعليقات على بعض الكتب وتوفي في بلدة كوتاهية
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الرعيني الأندلسي الأصل الطرابلسي المولد المالكي نزيل مكة ويعرف هناك كسلفه بالحطاب ويتميز عن شقيق له أكبر منه اسمه محمد أيضا بالرعيني وذلك بالحطاب ويعرف في مكة بالطرابلسي ولد في صفر سنة إحدى وستين وثمانمائة بطرابلس ونشأ بها فحفظ القرآن والرائية والجزرية وتفقه فيها يسيرا على محمد القابسي وعلى أخيه ثم تحول مع أبويه وأخيه وجماعتهم إلى مكة سنة سبع وسبعين فحجوا ورجعوا وقد توفي بعضهم فأقاموا بها سنين ومات كل من أبويه في أسبوع واحد في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين بالطاعون واستمر هو وأخوه بها إلى أن عادا لمكة في موسم سنة أربع وثمانين فحجا ثم جاورا بالمدينة النبوية التي تليها وعاد الأخ بعد حجه منها إلى بلاده وهو إلى المدينة وقرأ على الشمس العوفي في العربية وعلى السراج معمر في الفقه وغيره وعاد لمكة فلازم الشيخ موسى الحاجبي وقرأ فيها القراآت على موسى المراكشي وصاهر ابن حزم على ابنته وسمع من الحافظ السخاوي كل ذلك مع الفاقة والعفة ونعم الرجل كان قال جار الله ابن فهد وقد فتح الله عليه في آخر عمره وصار من المعتقدين في العلم والدين وظهر له ثلاثة من الأولاد هم الجمال محمد وزينى بركات والشهاب أحمد وزوجهم في حياته ورأى أولادهم مع نجابتهم وصار أكثرهم من المفتين والمدرسين بحرم الله الأمين وانقطع بمنزله عدة سنين وهو يدرس فيه ورتب له مرتب في الجوالي واعتقده الناس في الآفاق وقصد بالفتوحات والودائع وناله الضرر من الدولة بسببها وهو متقنع متعفف مجتهد في عمارة الأوقاف التي تحت نظره وكذلك ولده الأكبر وتحمل لذلك كثيرا من الديون وقاسى
شدة في مرضه حتى توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر عن تسعين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن عبدو الشيخ الصالح الزاهد المعمر الخاقوني الأردبيلي الخرقة الحنفي ولد بسرة الفرات في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي فأمر خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر حتى فتح عليه وكان يتردد إليه الزوار فلا يرى نفسه إلا ذليلا ولا يطلب أحد منه الدعاء إلا سبقه إلى طلبه منه وكان زاهدا متعففا عما في أيدي الناس وعن أموال عظيمة كانت تدفعها إليه الحكام وكان يؤثر العزلة وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب وكانت مكاشفاته ظاهرة وكان كثيرا يقول لست بشيخ ولا خليفة وتوفي بحلب في أواخر شوال
وفيها المولى محي الدين محمد بن مصطفى القوجوي الحنفي الإمام العلامة اشتغل وحصل ثم خدم المولى ابن فضل الدين ثم درس بمدرسة خواجه خير الدين بالقسطنطينية ثم آثر العزلة فترك التدريس وتقاعد بخمسة عشر عثمانيا وكان يستكثرها على نفسه ويقول يكفيني منها عشرة ولازم بيته وأقبل على العلم والعبادة وكان متواضعا يحب أهل الصلاح وكان يروى التفسير في مسجده فيجتمع إليه أهل البلد يسمعون كلامه ويتبركون بأنفاسه وانتفع به كثيرون وكان يقول إذا شككت في آية من القرآن أتوجه إلى الله تعالى فيتسع صدري حتى يصير قدر الدنيا ويطلع فيه قمران لا أدري هما أي شيء ثم يظهر نور فيكون دليلا إلى اللوح المحفوظ فاستخرج منه معنى الآية وممن أخذ عنه صاحب الشقائق قال وهو من جلة من افتخرت به وما اخترت منصب القضاء إلا بوصية منه وله حواش على البيضاوي جامعة لما تفرق من الفوائد في كتب التفسير سهلة قريبة وشرح على الوقاية في الفقه وشرح الفرائض السراجية وشرح المفتاح للسكاكي وشرح البردة
وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن يوسف الحريري الأنطاكي ثم الحلبي
الحنفي عرف بابن الحمصاني ولد بأنطاكية سنة تسعين وثمانمائة وجود القرآن على الشيخ محمد الداديخي وغيره وقرأ الجزرية على البدر السيوفي وغيره والسراجية على الزين بن فخر النساء وسمع عليه صدر الشريعة وقرأ على الشيخ عبد الحق السنباطي كتاب الحكم لابن عطاء الله وأجاز له إسماعيل الشرواني وابن فخر النساء وحج أربع مرات منها ثنتان في المجاورة وزار بيت المقدس ودخل القاهرة وغيرها وطاف البلاد واجتمع بمشاهير العلماء والصوفية ثم قطن بعد أسفاره العديدة المديدة بحلب وصحب بها ابن الحنبلي ثم توفي بالرملة
وفيها المولى محمد المعروف بشيخي جلبي أحد موالي الروم كان فاضلا ذكيا متواضعا محبا لأهل الخير خدم المولى محي الدين الفناري ثم المولى بالي الأسود ثم درس بمدرسة مولانا خسرو ثم بمدرسة ابن ولي الدين ثم بمدرسة بيري باشا ثم بأبي أيوب ثم بإحدى الثمان ومات على ذلك
وفي حدودها المولى محمد وقيل مصطفى الشهير بمرحبا أحد الموالي الرومية كان يعرف بابن بيري محمد جلبي وكان محققا مدققا محبا للفقراء قرأ على المولى ركن الدين بن زيرك والمولى أمير جلبي ثم خدم المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس حتى درس بإحدى الثمان ثم صار قاضيا بدمشق فدخلها في رابع عشرى محرم سنة خمس وأربعين وعزل عنها في عشرى ذي القعدة من السنة المذكورة وأعطى قضاء بروسا ومات وهو قاض بها
وفيها السيد الشريف محمود العجمي الشافعي العلامة مدرس الأتابكية بصالحية دمشق وكان مقيما بالبادرائية داخل دمشق وكان مقصدا للطلبة ينتفعون به وكانت له يد طولى في المعقولات وتوفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخر ودفن بباب الصغير
سنة إحدى وخمسين وتسعمائة
فيها توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن داود المنزلاوي الشافعي الشيخ الصالح الزاهد الورع كان محدثا فقيها صوفيا كريما يخدم الفقراء بنفسه كما كان والده ويقري الضيوف وتظهر عليه خوارق في ذلك فربما يجعل الماء والأرز في القدر فيجعل الله فيه الدسم من لبن وغيره حتى يقول الضيف ما ذقت ألذ منه وربما ملأ الابريق من البئر شيرجا أو عسلا وكانت له هيبة عند الحكام وكان قائما بشعار السنة في بلاد المنزلة ودمياط بحيث لا يقدر أحد أن يتظاهر فيهما بمعصية أو ترك صلاة توفي بالمنزلة عن نيف وثمانين سنة ودفن عند والده وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن العلامة سراج الدين عمر البارزي الحموي الشافعي المعمر الإمام الفاضل
وفيها أمير شريف العجمي المكي العلامة في الطب قدم دمشق سنة تسع وأربعين وتسعمائة متوجها إلى الروم قال ابن طولون وبلغني أنه شرح رسالة الوجود للسيد الشريف وشرح الفصوص للمحيوي ببن العربي انتهى
وفيها بدر الدين حسن بن اسكندر بن حسن بن يوسف بن حسن النصيبي الحلبي ثم المصري الضرير الشافعي المعروف بالشيخ حسن ولد سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وكان عالما بارعا في الفقه والقراآت والنحو والتجويد قال الشعراوي شيخي وقدوتي إلى الله تعالى العلامة الورع الزاهد كان عالما عاملا حافظا لمتون الكتب الشرعية وآلاتها على ظهر قلب حافظا للسانه ملازما لشأنه مواظبا على الطهارة الظاهرة والباطنة غزير الدمعة لا يسمع آية أو حديثا أو شيئا من أحوال الساعة وأهوال يوم القيامة إلا بكى حتى أرحمه من شدة البكاء قال وكان كريم النفس جميل المعاشرة أمارا بالمعروف لا يداهن أحدا في دين الله تعالى وهو أكثر أشياخه نفعا لي قرأت عليه القرآن والمنهاج والألفية والشاطبية والتوضيح وجمع الجوامع وتلخيص المفتاح وقواعد
الأعراب وتوفي بمصر ودفن خارج باب النصر انتهى ملخصا
وفيها المولى عبد العزيز بن زين العابدين الحنفي أحد موالي الروم الشهير بابن أم ولد شهرة جده لأمه اشتغل بالعلم وحصل واتصل بخدمة المولى ابن المؤيد ودرس بمدرسة داود باشا بالقسطنطينية ثم بدار الحديث بادرنة ثم ولي قضاء حلب ثم صار مفتيا ومدرسا باماسية ثم ترك المناصب وتقاعد فعين له كل يوم سبعون عثمانيا وكان عالما كاملا شاعرا لطيفا ومن شعره ما كتبه على وثيقة وهو قاض بمغنيسا
( هذه حجة مباينها ** أسست بالوثاق تأسيسا )
( صح عندي جميع فحواها ** لن ترى في السطور تلبيسا )
( ثم عبد العزيز وقعها ** قاضيا في ديار مغنيسا )
قال ابن الحنبلي كان فاضلا فصيحا حسن الخط لطيف الشعر باللسان العربي بديع المحاضرة جميل المذاكرة انتهى وتوفي بالقسطنطينية
وفيها الشيخ زين الدين عمر العقيبي العارف بالله تعالى المربي المسلك الحموي الأصل ثم العقيبي الدمشقي المعروف بالاسكاف كان في بدايته اسكافا يصنع النعال الحمر ثم صحب الشيخ علوان الحموي وبقي على حرفته غير أنه كان ملازما للذكر أو الصمت ثم غلبت عليه الأحوال فترك الحرفة وأقبل على المجاهدات ولزم خدمة أستاذه الشيخ علوان حتى أمره أن يذهب إلى دمشق ويرشد الناس وكان كثير المجاهدات شديد التقشف ورعا وكان أميا لكن ببركة صدقه فتح الله عليه في الكلام في طريق القوم والتكلم على الخواطر التي يشكوها إليه الفقراء وكان مدة إقامته بدمشق يسافر لزيارة شيخه في كل سنة مرة يقيم بحماة ثلاثة أيام ويرجع قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب وأخذت عنه الطريق وانتفعت به وانتفع به كثير من الناس انتهى وكان يعامل أصحابه ومريديه بالمجاهدات الشاقة على النفوس وكان ربما أمر بعضهم بالركوب على
بعير ويعلق في عنقه بعض الأمتعة ويأمر آخر أن يقود به البعير وهما يجهران بذكر الله تعالى كما هو المشهور من طريقته وله أحوال خارقة ومن جملة مريديه وملازميه الشيخ محمد الزغبي المجذوب المعتقد وكان للشيخ عمر ولدان وكان عيسى باشا كافل دمشق من جملة معتقديه وأخذ عنه الطريق وتوفي الشيخ عمر في هذه السنة ودفن بزاويته بمحلة العقيبة وظهر في الشمس تغير وظلمة شبه الكسوف يوم موته وفيها أقضى القضاة محب الدين محمد بن قاضي القضاة سرى الدين عبد البر بن محمد بن الشحنة المصري المولد والمنشأ الحنفي كان أسمر من سرية أبيه المسماة غزال واشتغل بالعلم على أبيه وغيره وولي نيابة الحكم عنده ثم نيابة الحكم عنه ثم قدم حلب عند انقضاء الدولة الجركسية بعد أن حج وجاور وكان مقداما محتشما حسن الملبس لطيف العمامة حسن المطارحة لطيف الممازحة رقيق الطبع سريع الشعر مع حسنه ورقته في الجملة ومن شعره في مليح اسمه إبراهيم
( يا حبيبي صل معنى ** ذاب وجدا وغراما )
( وارحمن صبا كساه ** غزل عينيك سقاما )
( ورماه عن قسى الحاجب ** اللحظ سهاما )
( انحلته رقة الخصر ** نحولا حيث هاما )
( لا يرى إلا خيالا ** ان تقل فيه نظاما )
( لم يذق من يوم غبتم ** عنه لا أكلا ولاما )
( أطلقت عيناه نهرا ** طلقت منه المناما )
( أوقدت حشى حشاه ** نار خديك ضراما )
( عجبا للنار فيه ** وبه حزت المقاما )
( إن بعد الوصل عادت ** بك بردا وسلاما )
وتوفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان قبيل الفجر ودفن بتربة موسى الحاجب
خارج باب المقام وفيها قاضي القضاة عفيف الدين محمد ابن علي بن عمر بن علي بن جنغل بضم الجيم والغين المعجمة بينهما نون ساكنة الحلبي المالكي آخر قضاة المالكية بحلب وابن قضاتها ولد يوم الأربعاء تاسع عشرى شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة وتفقه بالشيخ علي الكناسي المغربي المالكي وولي القضاء من قبل السلطان الأشرف قايتباي تاسع عشرى شوال سنة سبع وتسعين وهو ابن نيف وعشرين سنة ثم انكف عن المناصب في الدولة العثمانية ولزم بيته آخرا في رفاهية وطيب عيش والمسلمون سالمون من يده ولسانه ولم يكن يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة والعيدين وربما شهد بعض الجنائز وتوفي في نهار الأربعاء ثاني شوال
وفي حدودها عصام الدين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه من ذرية أبي إسحق الأسفراييني قرية من قرى خراسان كان أبوه قاضيا بها وجده في أيام أولاد تيمور وهو من بيت علم ونشأ هو طالبا العلم فحصل وبرع وفاق أقرانه وصار مشارا إليه بالبنان وكان بحرا في العلوم له التصانيف الحسنة النافعة في كل فن خرج في أواخر عمره من بخارى إلى سمرقند لزيارة الشيخ العارف وخواجه عبيد الله النقشبندي فمرض بها مدة اثنين وعشرين يوما ثم قضى نحبه عن اثنتين وسبعين سنة وكان آخر ما تلفظ به الله وازدحم الناس للصلاة عليه ودفن بسمرقند قرب الشيخ المذكور
وفيها جمال الدين أبو مخرمه محمد بن عمر باقضام الفروعي الشافعي يجتمع مع الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه في الأب السادس ولد ببلدة الهجرين من اليمن ونشأ بها ثم ارتحل إلى عدن لطلب العلم فأخذ عن إماميها الفقيه عبد الله بن أحمد مخرمه والفقيه محمد بن أحمد فضل ثم ارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها ثم رجع إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن أحمد مخرمه وولده العلامة شهاب الدين أحمد وانتفع بهما وتخرج عليهما ولما وصل العلامة
محمد بن الحسين القماط قاضيا على عدن ثم بعده العلامة أحمد بن عمر المزجد قاضيا أيضا لازم كلا منهما ولم يزل مجتهدا حتى فاق أقرانه في الفقه وصار في عدن هو المشار إليه والعلم المعول عليه واحتاج الناس إلى علمه وقصدوه بالفتوى من النواحي البعيدة لكنه كان قد يتساهل في الفتاوى ويترك المراجعة لا سيما في أواخر عمره فاختلفت أجوبته وتناقضت فتاويه وكان ذلك مما عيب عليه ثم كان السلطان عامر بن داود وهو آخر ملوك بني طاهر بعدن استماله في آخر عمره وأحسن إليه لأغراض فاسدة عزم عليها فكان إذا عزم على أمر فاسد يتعلق بالشرع أرسل إليه من يشاوره في كتب سؤال في القضية فيجيبه إلى ذلك ويكتب على سؤالاتهم أجوبة توافق أغراضهم فيتوصلون بها إلى مفاسد لا تحصى فلا حول ولا قوة إلا بالله وتوفي ببلدة الهجرين سامحه الله تعالى
سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة
فيها توفي المولى بير أحمد بن حمزة الشهير بابن بليس الحنفي الفاضل اشتغل بالعلم وحصل ودرس ببعض المدارس ثم بمدرسة أسكوب ثم وصل إلى إحدى الثمان ثم صار قاضيا بمصر ثم أعطي تقاعدا عنها بمائة عثماني ومات على ذلك وخلف دنيا طائلة وكتبا نفيسة وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن جلال الدين محمد البكري الصديقي الشافعي الشيخ الإمام المحدث نادرة الزمان وأعجوبة الدهر الصوفي الأستاذ أخذ الفقه والعلوم عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف وغيرهما وأخذ التصوف عن الشيخ رضى الدين الغزي العامري والشيخ عبد القادر الدشطوطي قال الشعراوي أخذ العلم عن جماعة من مشايخ الإسلام والتصوف عن الشيخ رضى الدين الغزي وتبحر في علوم الشريعة من فقه وتفسير وحديث وغير ذلك وكان
إذا تكلم في علم منها كأنه بحر زاخر لا يكاد السامع يحصل من كلامه على شيء ينقله منه لوسعه إلا أن يكتبه قال وأخبرني من لفظه ونحن بالمطاف أنه بلغ درجة الاجتهاد المطلق وقال إنما أكتم ذلك عن الأقران خوفا من الفتنة بسبب ذلك كما وقع للجلال السيوطي قال وكانت مدة اشتغاله على الأشياخ نحو سنتين ثم جاء الفتح من الله فاشتغل بالتأليف انتهى ومن مؤلفاته شرح المنهاج وشرح الروض وشرح العباب للمزجد وحاشية على شرح المحلى قال الشعراوي وهو أول من حج من علماء مصر في محفة ثم تبعه الناس قال وحججت معه مرة فما رأيت أوسع خلقا ولا أكثر صدقة في السر والعلانية منه وكان لا يعطي أحدا شيئا نهارا إلا نادرا وأكثر صدقته ليلية وكان له الاقبال العظيم من الخاص والعام وشاع ذكره في أقطار الأرض مع صغر سنه وكان له كرامات كثيرة وخوارق وكشوفات وترجمه الناس بالقطبية العظمى ويدل على ذلك ما أخبرنا به الشيخ خليل الكشكاوي قال رأيت الشيخ أبا الحسن البكري وقد تطور فكان كعبة مكان الكعبة ولبس سترها كما يلبس الإنسان القميص قال وكان له النظم السائغ في علوم التوحيد وأطلعني مرة على تائية عملها نحو خمسة آلاف بيت أوائل دخوله في طريق القوم ثم أنه غسلها وقال أن أهل زماننا لا يحتملون سماعها لقلة صدقهم في طلب الطريق انتهى ومن شعره التائية المشهورة التي أولها
( بوجودكم تتجمل الأوقات ** وبجودكم تتنزل الأقوات )
وهي طويلة مشهورة وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة ودفن بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنهما وفيها تقريبا المولى محي الدين محمد بن بهاء الدين بن لطف الله الصوفي الحنفي الإمام العلامة المحقق المعمر المنور أحد الموالي الرومية الشهير ببهاء الدين زادة قرأ على المولى مصلح الدين القسطلاني ثم على المعرف معلم السلطان أبي يزيد ثم مال إلى التصوف فخدم العارف
التوقيع بجده وأخذ النحو والصرف عن الشيخ علاء الدين العداسي الأنطاكي والمنطق والكلام والأصول عن منلا محي الدين بن عرب الأنطاكي الحنفي ثم قدم حلب ولازم فيها البدر السيوفي واشتغل في القراآت على الشيخ محمد الداديخي وتعاطى صنعة الشهادة ثم صار مدرسا في توسعة جامع الضروي بحلب وحج وأجاز له بمكة المحدث عبد العزيز بن الحافظ نجم الدين بن فهد وبالقاهرة القاضي زكريا والشيخ شهاب الدين القسطلاني ولم يزل مكبا على التدريس والتحديث والتكلم على الأحاديث النبوية بالعربي والتركي بالجامع المذكور وعرض عليه تدريس السلطانية بحلب فأعرض عنه وولي خطابة الجامع المذكور والحلاوية والافتاء بحلب ثم حج ثانيا فتحرك عليه وجع النقرس وهو بدمشق وكان يعتريه أحيانا واستمر به حتى دخل المدينة فخف عنه قال ابن الحنبلي وكان له الخط الحسن والتحشية اللطيفة على حواشي الكتب ولم تكن له خبرة بأساليب أهل الدنيا مع الصلاح الزائد وله من التآليف منسك لطيف وتوفي يوم عرفة طلوع الفجر وهو يتلو القرآن
وفيها بدر الدين حسن الشهير بابن الينابيعي الحلبي الشافعي المقرىء قال ابن الحنبلي كان عالما فاضلا تلميذا للبدر السيوفي وغيره وأدرك الشيخ جاكير صاحب الزاوية المشهورة بسرمين وأخذ عنه القراآت وكان من العارفين بها وتوفي في هذه السنة وقد قارب المائة وقوته محفوظة
وفيها تقريبا السيد عفيف الدين حسين بن عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يحيى بن أحمد بن محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن القطب الكبير سيدي عبد القادر الكيلاني الحلبي ثم الحموي الشافعي سبط النظام التادفي الحنبلي ولد بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة ثم قطن حماة وقرأ في الفقه وسمع الحديث على الشهاب البازلي وسافر إلى دمشق فتلقاه الفقراء والمشايخ وبعض الأعيان ولبس منه الخرقة جماعة وحصل له القبول من عيسى باشا نائب دمشق
وصار له حلقة في الجامع الأموي بعد صلاة الجمعة ثم عاد إلى حماة فودعه الناس في يوم مشهود ثم سافر إلى الروم فطلبه السلطان سليمان فدخل عليه فأمره بالجلوس وأمر له بعشرين عثمانيا في زوائد عمارة والده بدمشق فأبى ثم قبل بعد التصميم عليه ثم عاد فدخل حلب سنة اثنتين وخمسين وتوفي بحماة وفيها سعد الدين سعد بن علي بن الدبل بالدال المهملة ثم الموحدة من تحت الأنصاري الحلبي ثم الدمشقي الحنفي قال ابن طولون هو مدرس الماردانية بالجسر الأبيض بسفح قاسيون اشتغل وحصل وبرع وتفقه وولي القضاء بحلب نيابة ثم قدم دمشق ونزل بالخانقاة السميساطية ونظم الشعر بالعربي والتركي والفارسي ونظم قصيدة في قاضي دمشق السيد عربية ملمعة باللسانين وشكره عليها وتوفي يوم السبت سلخ صفر سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة وجد مرميا على باب الخانقاة المذكورة تحت روشن خلوته بها وإبهاماه مربوطان وهو مخنوق ولم يعلم له غريم ودفن بتربة باب الفراديس ولعله في عشر السبعين انتهى وفيها ظنا المولى سنان جلبي أحد الموالي الرومية الحنفي الإمام العلامة ترقى في التداريس ثم أعطى قضاء دمشق فدخلها في صفر سنة تسع وأربعين وتسعمائة وحكم فيها نحو ثلاث سنين وحمدت سيرته في قضائها وفيها عبد الوهاب بن أبي بكر الليموني الغزي الأصل الحلبي المولد الشافعي الصوفي الهمداني الخرقة أحد أكابر حفاظ القرآن العظيم بحلب لبس الخرقة وتلقن الذكر من الشيخ يونس بن إدريس وألم بالشاطبية وأقرأ فيها وأم بجامع حلب وتوفي في رمضان وفيها الشيخ علي البحيري قال المناوي في طبقاته هو ذو العلم الكثير والزهد الجم الغفير والخوف الذي ليس له في عصره نظير لا يكاد يغيب شيء من أحوال القيامة عنه وكثيرا ما يقول نسأل الله السلامة ومنذ نشأ لم يضع له زمان ولا وضع جنبه على الأرض مدى الأزمان ولا
ظفر الفراغ منه بأمان وقال الشعراوي صحبته نحو عشرين سنة وكان جامعا بين الشريعة والحقيقة أخذ علم الظاهر عن جمع منهم ابن الأقطع وكان أكثر إقامته بالريف يدور البلاد فيعلم الناس دينهم ويرشدهم وكان يفتي في الوقائع التي لا نقل فيها بأجوبة حسنة فيعجب منها علماء مصر وكان يهضم نفسه وإذا زاره عالم أو فقير يبكي ويقول يزورك مثل فلان يا فضيحتك بين يدي الله وإذا سئل الدعاء يقول كلنا نستغفر الله ثم يدعو وكان يلام على كثرة الدعاء فيقول وهل خلقت النار إلا لمثلي وحكى عنه مناقب كثيرة وتوفي في شوال ودفن بزاوية سيدي محمد المنير خارج الخانقاة السرياقوسية
وفيها زين الدين عمر بن نصر الله الشيخ العالم الزاهد العارف بالله تعالى الصالحي الدمشقي الحنفي وكان من أهل العلم والصلاح طارحا للتكلف يلبس العباءة قانعا باليسير يرجع إليه في مذهبه وكان القطب بن سلطان يستعين به في تأليف ألفه في فقه الحنفية وتوفي مقهورا لما رآه من ظهور المنكرات وحدوث المحرمات وضرب اليسق على الأحكام وكانت وفاته في سادس رجب ودفن بسفح قاسيون بالصالحية
وفيها السيد قطب الدين أبو الخير عيسى بن محمد بن عبيد الله بن محمد الشريف العلامة المحقق المدقق الحسني الحسيني الأيجي الشافعي الصوفي المعروف بالصفوي نسبة إلى جده لأمه السيد صفي الدين والد الشيخ معين الدين الأيجي الشافعي صاحب التفسير ولد سنة تسعمائة واشتغل في النحو والصرف على أبيه وتفقه به وأخذ عنه الرسالة الصغرى والكبرى للسيد الشريف في المنطق ثم لازم الشيخ أبا الفضل الكازواني صاحب الحاشية على تفسير البيضاوي والشرح على ارشاد القاضي شهاب الدين الهندي بكجرات من بلاد الهند فقرأ عليه المختصر والمطول وغيرهما وأجاز له ثم فارقه وسمع بالهند أيضا على أبي الفضل الاستراباذي أشياء بقراءة غيره ورحل إلى دلى
وحضر مجالس علمائها وبحث معهم فظهر فضله وأكرمه السلطان إبراهيم بن سكندرشاه وأدرك الجلال الدواني وأجاز له ثم حج وجاور بمكة سنين وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصحب بالمدينة الشيخ الزاهد أحمد بن موسى الشيشني المجاور بها وأرخى له العذبة وأذن له في ذلك ثم دخل بلاد الشام في حدود سنة تسع وثلاثين وأخذ عنه جماعة من أهل دمشق وحلب ودرس بدمشق في شرح الكافية للرضى وكان يعتمد على كلام الشيخ جمال الدين بن مالك ما لا يعتمد على كلام ابن هشام وزار بدمشق قبور الصالحين وزار بيت المقدس وسافر إلى الروم مرتين وأنعم عليه السلطان سليمان بخمسين عثمانيا في خزينة مصر ثم رجع إلى حلب فقدمها الشيخ محمد الأيجي للقائه وعادا جميعا إلى دمشق وأخذ عنه بحلب ابن الحنبلي ولبس منه الخرقة وتلقن الذكر ثم دخل مصر واستوطنها وله مؤلفات منها شرح مختصر على الكافية وشرح الغرة في المنطق للسيد الشريف وشرح الفوائد الضيائية في المعاني والبيان قال ابن الحنبلي وهو مما لم يكمله ومختصر النهاية لابن الأثير في نحو نصف حجمها وتفسير من سورة عم إلى آخر القرآن وكان من أعاجيب الزمان رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد الشهير بابن طولون الدمشقي الصالحي الحنفي الإمام العلامة المسند المؤرخ ولد بصالحية دمشق بالسهم الأعلى قرب مدرسة الحاجبية سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا وسمع وقرأ على جماعة منهم القاضي ناصر الدين بن زريق والسراج بن الصيرفي والجمال ابن المبرد والشيخ أبو الفتح المزي وابن النعيمي في آخرين وتفقه بعمه الجمال ابن طولون وغيره وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين من أهل الحجاز وكان ماهرا في النحو علامة في الفقه مشهورا بالحديث وولي تدريس الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وإمامة السليمية بالصالحية وقصده الطلبة في النحو ورغب الناس في السماع منه وكانت
أوقاته معمورة بالتدريس والإفادة والتأليف وكتب بخطه كثيرا من الكتب وعلق ستين جزءا سماها بالتعليقات كل جزء منها يشتمل على مؤلفات كثيرة أكثرها من جمعه ومنها كثير من تأليفات شيخه السيوطي وكان واسع الباع في غالب العلوم المشهورة حتى في التعبير والطب وأخذ عنه جماعة من الأعيان وبرعوا في حياته كالشهاب الطيبي شيخ الوعاظ والمحدثين والعلاء ابن عماد الدين والنجم البهنسي خطيب دمشق ومن آخرهم الشيخ إسمعيل النابلسي مفتي الشافعية والزين بن سلطان مفتي الحنفية والشهاب العيثاوي مفتي الشافعية والشهاب بن أبي الوفا مفتي الحنابلة والقاضي أكمل بن مفلح وغيرهم ومن شعره
( ارحم محبك يارشا ** ترحم من الله العلي )
( فحديث دمعي من جفاك ** مسلسل بالأول )
ومنه
( ميلوا عن الدنيا ولذاتها ** فإنها ليست بمحموده )
( واتبعوا الحق كما ينبغي ** فإنها الانفاس معدوده )
( فأطيب المأكول من نحلة ** وأفخر الملبوس من دودة )
وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى ودفن بتربتهم عند عمه القاضي جمال الدين بالسفح قبلي الكهف والخوارزمية ولم يعقب أحدا
وفيها محي الدين محمد الحنفي الرومي المعروف بإمام خانة لكونه إمام قلندر خانة كان بارعا في العلم أصولا وفروعا وعربية وتفسيرا ثم تصوف فصحب الشيخ حبيب القرماني والشيخ ابن أبي الوفاء والسيد أحمد البخاري ثم صار إمام وخطيب جامع قلندرخان وانقطع إلى الله تعالى ولازم بيته وكان مباركا صحيح العقيدة محافظا على حدود الشريعة قال في الشقائق وكان شيخا هرما سألته عن سنه فقال مائة أو أقل سنين وعاش بعد ذلمك مقدار ثمان سنين رحمه الله تعالى
وفي حدودها شمس الدين محمد القهستاني الحنفي المفتي ببخارا وهو من شركاء المولى عصام الدين وكان إماما عالما زاهدا فقيها متبحرا جامعا يقال أنه ما نسي قط ما طرق بسمعه وله شرح لطيف على الوقاية ألفه برسم الملك البطل الشجاع العالم العامل المستنصر السلطان ابن السلطان أبي المغازي عبيد الله خان السيبكي وقهستان قصبة من قصبات خراسان
سنة أربع وخمسين وتسعمائة
فيها توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن أحمد الأخنائي الشافعي الدمشقي الإمام العلامة كان من العلماء والرؤساء ماسكا زمام الفقهاء أحد قضاة العدل يلبس أحمد الثياب وأفخرها ويركب حسان الخيل اشتغل أولا على القاضي برهان الدين بن المعتمد ورافق تقي الدين القاري عليه وعلى غيره في الاشتغال وأخذ عن الكمال بن حمزة وكانت له ديانة ومهابة ووقار وتوفي ليلة الأربعاء سابع رجب ودفن بتربته المعمورة قرب جامع جراح
وفيها برهان الدين إبراهيم بن العلامة زين الدين حسن بن عبد الرحمن ابن محمد الحلبي الشافعي الشهير بابن العمادي الشيخ الإمام ولد بحلب بعد الثمانين وثمانمائة ونشأ بها وأخذ العلوم عن جماعة من أهلها وممن ورد إليها منهم والده والشمس البازلي والشيخ أبو بكر الحبيشي ومظفر الدين الشيرازي نزيل حلب وقرأ المطول وبعض العضد على البدر بن السيوفي والفقه وغيره عن المحيوي عبد القادر الأبار وغيرهم وجد واجتهد حتى فضل في فنون ودرس وأفتى ووعظ مع الديانة والسكون ولين الجانب وحسن الخلق وحج من طريق القاهرة وأخذ عن جماعة من أهلها كالقاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والنور المحلى والشهاب القسطلاني قرأ عليه شرحه على البخاري والمواهب اللدنية وغيرهما وأخذ بمكة عن العز بن فهد وابن عمه الخطيب وغيرهما ولقي
بها من مشايخ القاهرة عبد الحق السنباطي وعبد الرحيم بن صدقة وأخذ عنهما وأخذ بغزة عن شيخها الشهاب بن شعبان ثم أكب على إفادة الوافدين إليه في العربية والقراآت والفقه وأصوله والحديث وعلومه والتفسير وغير ذلك وكان لا يرد أحدا من الطلبة وإن كان بليدا وأفتى وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا وانتهت إليه رياسة الشافعية بحلب وتوفي يوم الجمعة في رجب ودفن وراء المقام الإبراهيمي خارج باب المقام
وفيها جار الله بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن محمد بن فهد الهاشمي المكي الشافعي الإمام العلامة المسند المؤرخ ولد ليلة السبت العشرين من رجب سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمكة ونشأ بها في كنف أبويه فحفظ القرآن العظيم وكتبا منها الأربعين النواوية والمنهاج الفقهي وسمع من السخاوي والمحب الطبري وأجاز له جماعة كعبد الغني البساطي وغيره ولازم والده في القراءة والسماع وتوجه معه للمدينة وجاورا بها سنة تسع وتسعمائة وسمع بها من لفظ والده تجاه الحجرة الشريفة الكتب الستة والشفا لعياض وغيرها وعلى السيد السمهودي بعضها وتاريخه الوفا وفتاواه وألبسه خرقة التصوف ولما عاد إلى مكة أكثر على والده من قراءة الكتب الكبار والأجزاء الصغار وانتفع بإرشاده وخرج الأسانيد والمشيخات لجماعة من مشايخه وغيرهم واستوفى ما عند مشايخ بلده من السماع ورحل إلى مصر والشام وبيت المقدس وحلب واليمن وأخذ بها وبغيرها من البلدان عن نحو السبعين من المسندين وأجازه خلق كثيرون جمعهم في مجمع حافل ولازم الشيخ عبد الحق السنباطي وخرج له مشيخة اغتبط بها وكذا المحب النويري وغيرهما من الأكابر وبرع في العلوم العقلية والشرعية ودخل بلاد الروم ورزق الأولاد وحدث بالحرمين وغيرهما وتوفي ليلة الثلاثاء خامس عشر جمادى الآخرة
وفيها ظنا المولى داود بن كمال أحد موالي الروم قال في الشقائق كان عالما فاضلا ذكيا مدققا له يد طولى في العلوم كريم الطبع مراعيا للحقوق قوالا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم اشتغل في طلب العلم حتى توصل إلى خدمة المولى الفاضل ابن الحاج حسن ثم انتقل إلى خدمة المولى ابن المؤيد ثم ولي التداريس ثم صار قاضيا بمدينة بروسا مرتين ثم اختار التقاعد فعين له كل يوم مائة درهم عثماني ولم يشتغل بالتصنيف ومات على ذلك
وفيها شاهين بن عبد الله الجركسي العابد الزاهد بل الشيخ العارف بالله تعالى الدال عليه والمرشد إليه كان من مماليك السلطان قايتباي وكان مقربا عنده فسأل السلطان أن يعتقه ويخليه لعبادة ربه ففعل وساح إلى بلاد العجم وغيرها وأخذ الطريق عن سيدي أحمد بن عقبة اليمني المدفون بحوش السلطان برقوق فلما مات صحب نحو ستين شيخا ولما دخل العجم أخذ عن سيدي عمر روشني بتبريز ثم رجع إلى مصر وأقام بالمحل الذي دفن فيه من جبل المقطم وبنى له فيه معبدا وكان لا ينزل إلى مصر إلا لضرورة شديدة ثم انقطع لا ينزل من الجبل سبعا وأربعين سنة واشتهر بالصلاح في الدولتين وكان أمراء مصر وقضاتها وأكابرها يزورونها ويتبركون به وكان يغتسل لكل صلاة ومن كراماته أنه قام للوضوء بالليل فلم يجد ماء فبينما هو واقف وإذا بشخص طائر في الهواء وفي عنقه قربة ماء فأفرغها في الخابية ثم رجع طائرا نحو النيل وتوفي في شوال ودفن بزاويته في الجبل وبنى السلطان عليه قبة ووقف على مكانه أوقافا
وفيها السيد عبد الرحمن بن حسين الرومي الحسيني الحنفي أحد الموالي الرومية ولد سنة أربع وستين وثمانمائة وقرأ في شبابه على المولى محي الساموني والمولى على الفناري وغيرهما ثم صار مدرسا بمدرسة جندبك بمدينة بروسا وكان بارعا في العلوم العقلية مشاركا في غيرها من العلوم محققا مدققا زاهدا ورعا راضيا من العيش بالقليل ثم غلب عليه الانقطاع إلى الله والتوجه إلى
الحق وترك التدريس فعين له كل يوم خمسة عشر عثمانيا فقنع بها ولم يقبل الزيادة عليها وانقطع بمدينة بروسا وحكى عن نفسه أنه مرض في مدينة أدرنة وهو ساكن في بيت وحده وليس عنده أحد فكان في كل ليلة ينشق له الجدار ويخرج منه رجل يمرضه ثم يذهب فلما برىء من المرض قال له الرجل لا أجيء إليك بعد هذا وتوفي بمدينة بروسا
وفيها محي الدين محمد الياس الحنفي أحد الموالي الرومية الشهير بجوى زاده المولى العالم العلامة قرأ على علماء عصره ووصل إلى خدمة سعدى جلبى وبالي الأسود وصار معيدا لدرسه ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان ثم صار قاضيا بمصر وعاد منها وقد أعطى قضاء العساكر الأناضولية ثم صار مفتيا بالقسطنطينية ثم تقاعد من الفتيا وعين له كل يوم مائتا عثماني وكان سبب عزله عن الفتوى انحراف الملك عليه بسبب انكاره على الشيخ محي الدين العربي ثم صار بعد التقاعد مدرسا بإحدى الثمان ثم قاضيا بالعساكر الروم ايلية وكان مرضي السيرة محمود الطريقة طارحا للتكلف متواضعا مقبلا على الاشتغال بالعلم مواظبا على الطاعات مثابرا على العبادات قوالا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم حافظا للقرآن العظيم له يد طولى في الفقه والتفسير والأصول ومشاركة في سائر العلوم سيفا من سيوف الحق قاطعا فاصلا بين الحق والباطل حسنة من حسنات الأيام وله تعليقات ولكنها لم تشتهر مرض رحمه الله تعالى بعد صلاة العشاء فلم يمض نصف الليل حتى مات
وفيها المولى محمد بن عبد الأول التبريزي أحد موالي الروم الحنفي رأى الجلال الدواني وهو صغير وقرأ على والده قاضي حنفية مدينة تبريز ودخل في حياة والده الروم فعرضه المولى ابن المؤيد على السلطان أبي يزيد لسابقة بينه وبين والده فأعطاه مدرسة ثم تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ثم بإحدى الثمان وعزل ثم أعطى إحداهن ثانيا ثم أضرت عيناه فأعطى تقاعدا بثمانين
درهما وكان فاضلا زاهدا صحيح العقيدة له حاشية على شرح هداية الحكمة لمولانا زادة وفيها شمس الدين محمد بن علي بن عطية الحموي الشافعي الإمام العلامة الأوحد المحقق الفهامة شيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام العارف بالله ابن العارف بالله أخذ العلوم الظاهرة والباطنة عن أبيه وعن كثير من الواردين إليه ولقنه والده الذكر وألبسه الخرقة وكان قد ابتلى في صغره بسوء الفهم والحفظ حتى ناهز الاحتلام وفهمه في ادبار فبينما هو ليلة من الليالي عند السحر إذا هو بوالده قد أخذته حالة فأخذ في إنشاد شيء من كلام القوم فلما سرى عنه خرج من بيته وأخذ في الوضوء في إناء واسع من نحاس فلما فرغ والده من وضوئه أخذ الشيخ شمس الدين ماء وضوء والده وشربه فوجد بركته وتيسر عليه الفهم والحفظ من يومئذ ولم يتوقف عليه بعد ذلك شيء من المطالب القلبية كما ذكر ذلك صاحب الترجمة في رسالته التي ألفها في علم الحقيقة وأكملها في سنة ثلاث وأربعين وسماها تحفة الحبيب وكان يعظ بحماة بعد والده ويدرس في العلوم الشرعية والعقلية وتشكي إليه الخواطر فيجيب عنها وكان في وعظه وفصاحته وبلاغته آية وحج هو وأخوه أبو الوفا سنة ثمان وثلاثين وعمل مجلسه بعد عوده في مجلس القصب خارج دمشق وهرعت أهل دمشق إليه قال ابن الحنبلي ومما من الله به على صاحب الترجمة سرعة الانشاء بحيث لو أخذ في وضوء صلاة الجمعة وطلب منه أن يخطب لعمل على البديهة في سره خطبة عجيبة وخطب بها حالا ولم يتوقف على رسمها ورقمها مآلا قال وكان دمث الأخلاق جمالي المشرب عنده طرف جذب وبالجملة فقد كان من أخيار الأخيار وآثاره من بديع الآثار ولله دره فيما أنشدنيه من شعره
( تنفس قلب الصب في كل ساعة ** لا كؤس هم ذا الزمان أدارها )
( إلى الله أشكو أن كل قبيلة ** من الناس قد أفنى الحمام خيارها )
وتوفي بمدينة حماة في أوائل رمضان رحمه الله تعالى
وفيها المولى شمس الدين محمد بن العلامة علي الفناري الحنفي أحد الموالي الرومية قرأ على والده في شبابه وبعد وفاته على المولى خطيب زادة والمولى أفضل الدين وترقى في المدارس حتى صار مفتيا أعظم واشتغل باقراء التفسير والتصنيف وألف عدة رسائل وحواش على شرح المفتاح للسيد وغير ذلك وكان آية في الفتوى باهرا فيها وله احتياط في المعاملة مع الناس متحرزا عن حقوق العباد محبا للفقراء والصلحاء لا تأخذه في الله لومة لائم توفي بالقسطنطينية ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
وفيها شمس الدين محمد بن يعقوب الصفدي الشافعي الشيخ الإمام شيخ الإسلام عالم صفد ومفتيها سبط ابن حامد قرأ وحصل في بلده وغيرها ورحل إلى دمشق للطلب فقرأ على الكمال بن حمزة والكمال العيثاوي وغيرهما ورحل إلى مصر فأخذ عن أكابر علمائها وكان كثير الرحلة إلى دمشق شديد المحبة لأهلها عالما عاملا ذا مهابة وجلالة وكلمة نافذة توفي في أواخر الحجة بصفد وفيها شرف الدين يحيى بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن أبي جرادة نسبة إلى أبي جرادة حامل لواء أمير المؤمنين على رضي الله عنه يوم النهروان وكان اسم أبي جرادة عامرا كان صاحب الترجمة حسن الشكل نير الشيبة كثير الرفاهية ولي عدة مناصب بحلب مولده سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ووفاته في هذه السنة
سنة خمس وخمسين وتسعمائة
فيها توفي بدر الدين حسن بن قاضي القضاة جلال الدين عمر بن محمد الحلبي الشافعي المعروف بابن النصيبي ولد سنة سبع وتسعمائة واشتغل بالعلم مدة على العلاء الموصلي والبرهان اليشبكي وغيرهما ثم رحل لأجل المعيشة
إلى الروم فصار يكتب القصص التي ترفع للسلطان بالتركية على أحسن وجه ثم تقرب إلى نيشانجي الباب العالي فقربه وأحبه وتولى بهيبته نظر الأوقاف بحلب ونظر الحرمين والبيمارستان الأرغوني ثم وشى به إلى عيسى باشا لما دخل حلب مفتشا على ما بها من المظالم وقيل له أن عليه ما ينوف على عشر كرات فاختفى منه مدة وشدد عيسى باشا في طلبه فتمثل بين يديه ملقيا سلاحه ثم عاد من عنده سليما وتولى نظر الأمور السلطانية بحلب بعد وفاة عيسى باشا فهابه الأمراء والكتاب حتى تولى أسكندر بيك دفتر دارية حلب فأظهر عليه أموالا كثيرة بمعونة أهل الديوان وأخذها منه حتى لم يبق معه ولا الدرهم الفرد وتوفي مسموما ودفن بمقبرة سيدي على الهروي خارج باب المقام بحلب وفيها تقريبا المولى شعثل أمير الحنفي أحد الموالي الرومية العلامة كان مدرسا بإحدى الثمان ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين واستمر قاضيا بها نحو سنتين وحمدت سيرته وكانت له صلابة في أحكامه وحرمة وافرة رحمه الله تعالى
وفيها المولى صالح جلبى بن جلال الدين الأماسي الجلدي بفتحتين نسبة إلى جلد من أعمال أماسية الحنفي أحد الموالي الرومية العلامة ترقى في التدريس إلى إحدى الثمان ثم أعطى قضاء حلب فدخلها يوم الخميس ثالث شوال سنة إحدى وخمسين ثم عزل منها في ثاني عشرى ذي القعدة منها ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في رجب سنة أربع وخمسين وباشر الأحكام بها نحو سنة وكان محمود السيرة ذا تواضع وأخلاق حسنة قال ابن الحنبلي وكان ممن منع شرب القهوة بحلب على الوجه المحرم من الدور المراعي في شرب الخمر وغيره وكنت عنده يوم منع ذلك فسأل أيشربونها بالدور فقلت نعم والدور كما شاع باطل وأنشدته من نظمي
( قهوة البن أضحى ** بها الحمى غير عاطل )
( لكنهم شربوها ** بالدور والدور باطل )
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الكيزواني الحموي الصوفي المسلك المربي العارف بالله تعالى منسوب إلى كازوا فقياس النسبة الكازواني لكن اشتهر بالكيزواني وكان يقول أنا مالكي زواني ولد تقريبا في عاشر رجب سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وتوجه صحبة الشيخ علوان الحموي إلى بروسا من بلاد الروم وأقام في صحبته عند سيدي علي بن ميمون وانتفع به وتهذب بأخلاقه ودخل حلب وجلس في مجلس التسليك فاجتمع عليه خلق كثير ودخل دمشق ونزل بالصالحية وكان له اطلاع على الخواطر عابدا قانتا قال ابن الحنبلي وتوفي بين مكة والطائف أي في هذه السنة وحمل إلى مكة فدفن بها وأورد له الشعراوي في الطبقات الكبرى
( القصد رمز فكن ذكيا ** والرسم ستر على الأشاير )
( فلا تقف مع حروف رسم ** كل المظاهر لها ستاير )
وفيها شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد بن علي بن إدريس العجلوني الديموني الشافعي قاضي عجلون قال في الكواكب كان من أخص جماعة شيخ الإسلام الوالد وتلاميذه قسم عليه المنهاج والتنبيه والمنهج وغير ذلك وسمع عليه جانبا من صحيح البخاري بقراءة الشيخ برهان الدين البقاعي وقرأ عليه شيئا كثيرا وقال عنه أنه من الفضلاء المتمكنين ذو يد طولى في القراآت والفقه ومشاركة حسنة في الحديث والأصول والنحو وغير ذلك وكتب له إجازة مطولة أذن له فيها بالافتاء والتدريس انتهى
وفيها أقضى القضاة أبو اليمن محمد بن القاضي محب الدين محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن قاضي عجلون الشافعي الإمام العالم قال في الكواكب كان من العلماء الكمل والصلحاء الكبار له في اليوم والليلة ختمات لكتاب الله تعالى لا يفتر عن القراءة في ممشاه وقعوده نير الوجه حسن الشكل ولي
القضاء مدة يسيرة نيابة عن ابن عمه قاضي القضاة نجم الدين بن قاضي عجلون وكان يباشر عنه الخطابة بالجامع الأموي وكان يلبس الثياب الحسنة وفي آخر عمره طرح التكلف ولبس الثياب الخشنة واستوى عنده كلاهما وتوفي بعد عشاء ليلة الخميس سابع عشر جمادى الآخرة ودفن بباب الصغير بمقبرة أهله قريبا من عمه شيخ الإسلام تقي الدين
وفيها مروان المجذوب كان في أول أمره قاطع الطريق ببلاد الشرقية من مصر وكان مشهورا بالفروسية ثم لما جذب كان يدور في أسواق دمشق وتظهر عليه للناس كرامات وخوارق وكان إذا خطر لأحد ممن يصادفه معصية أو عمل بمعصية يصكه حتى يدع خاطره وربما منعه بعضهم فشلت يده وتوفي بمصر ودفن بجانب البنهاوي خارج باب الفتوح
وفيها السيد الشريف ولي بن الحسين العجمي الشرواني الشافعي المعروف بوالده حج من بلاده وعاد فدخل دمشق وحلب سنة تسع وعشرين وتسعمائة وقرأ بحلب صحيح البخاري على البرهان العمادي تاما وقرأ عليه بها جماعة منهم ابن الحنبلي قال قرأت عليه في متن الجغميني في الهيئة وانتفعت به وهو أول أشغالي بهذا الفن ثم رحل إلى بلاده وحدث بها واشتهر بالمحدث وكان يعرف البيان معرفة حسنة وتوفي ببلاده
سنة ست وخمسين وتسعمائة
فيها توفي المولى إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي الحنفي الإمام العلامة قال في الشقائق كان من مدينة حلب وقرأ هناك على علماء عصره ثم ارتحل إلى مصر وقرأ على علمائها في الحديث والتفسير والأصول والفروع ثم إلى بلاد الروم وقطن بقسطنطينية وصار إماما ببعض الجوامع ثم صار إماما وخطيبا بجامع السلطان محمد ومدرسا بدار القراء التي بناها سعدى جلبى المفتي قال وكان إماما عالما بالعلوم العربية والتفسير والحديث وعلوم القراآت وله
يد طولى في الفقه والأصول وكانت مسائل الفروع نصب عينيه وكان ملازما لبيته مشتغلا بالعلم لا يرى إلا في بيته أو المسجد ولم يسمع أحد منه أنه ذكر أحدا بسوء ولم يلتذ بشيء من الدنيا إلا بالعلم والعبادة والتصنيف والكتابة وقال ابن الحنبلي كان سعدى جلبى مفتي الديار الرومية يعول عليه في مشكلات الفتاوى إلا أنه كان منتقدا على ابن العربي كثير الحط عليه ومن مؤلفاته شرح منية المصلى وملتقى الأبحر ونعم التأليف هو ومات في هذه السنة
وفيها إسمعيل الكردي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة قال في الكواكب قال والد شيخنا كان من أهل العلم والعمل والصلاح والورع والمجاهدة والتوكل صحبني ثم حج وجاور بمكة وتزوج بامرأة من العمادية وعاد وهي معه ورزق منها ولدا صالحا سماه سليمان ثم رجع إلى بلاده وتزوج امرأة أخرى من الأكراد وعاد إلى دمشق بزوجتيه ورزق من الأخرى أولادا وسكن بهما في بيت من بيوت الشامية الجوانية وصار يتردد إليه الطلبة يشتغلون عليه في المعقولات مع تردده إلى قال وقرأ على بعض المنهاج قراءة تحقيق وتدقيق وتوفي ليلة السبت خامس جمادى الأولى بالطاعون بعد أن صلى المغرب والعشاء جماعة ودفن بمقبرة باب الصغير ومن علامة صلاحه أنه استخرج من قبره المحفور له حجر عليه { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم }
وفيها جهانكير بن السلطان سليمان بن سليم كان بحلب مع والده في هذه السنة فتوفي بها وصلى عليه أبوه في مشهد عظيم وحمل إلى الفردوس ثم شق بطنه وصبر وحمل إلى الروم وفيها محي الدين عبد القادر ابن لطف الله بن الحسن بن محمد بن سليمان بن أحمد الحموي ثم الحلبي السعدي العبادي الشافعي المقرىء ابن المقرىء ابن المقرىء ويعرف بابن المحوجب أحد
أكابر حفاظ القرآن العظيم ورئيس قراءته بالجماعة بحلب ولد سنة تسع وستين وثمانمائة وقرأ القرآن العظيم بحماة برواية أبي عمرو سبع مرات على عالمها ومحدثها ومقرئها عبد الرحمن البرواني قاضي الحنابلة بها ثم قطن حلب فأقرأ بها مماليك نائب قلعتها ثم انحصرت فيه رياسة القراء بها وكان البدر السيوفي يحب قراءته ويميل إليه ويعظمه حتى تلا عليه الفاتحة برواية أبي عمرو واستجازه مع جلالته لما علم له من السند العالي قال ابن الحنبلي وكان مبتلى بعلم جابز مشغوفا بالتزوج حتى تزوج أكثر من ثلاثين امرأة
وفيها المولى عبد الكريم الملقب بمفتي شيخ الرومي الحنفي مفتي التخت السلطاني الإمام العلامة العارف بالله تعالى ولد بمدينة كرماسي وحفظ القرآن العظيم واشتغل على علماء عصره ووصل إلى خدمة المولى بالي الأسود ثم سلك طريقة التصوف وصحب العارف إمام زادة ثم جلس باياصوفيا بقسطنطينية مشتغلا بالإرشاد والفقه حتى أتقن مسائله وعين له السلطان سليمان كل يوم مائة عثماني ونصبه مفتيا فأفتى وظهرت مهارته في الفقه وملك كتبا كثيرة وكان يطالع فيها غالب أوقاته وكان يعظ الناس ولكلامه تأثير في القلوب وله في كل سنة خلوة أربعين يوما يحفر له سربا كالقبر ويصلي فيه ولا يخرج للناس وتحكى عنه كرامات كثيرة وكان معطل الحواس جملة من شدة الرياضة وكان مع ذلك حلو المحاضرة حافظا لنوادر الأخبار وعجائب المسائل كريم الأخلاق متواضعا حج في سنة ثلاثين وتسعمائة ورجع على الطريق المصري ودخل دمشق فنزل ببيت الكاتب بمأذنة الشحم وتردد إليه الأفاضل ورفعت إليه أسئلة فكتب عليها كتابة عجيبة وتوفي مفتيا بالقسطنطينية وفيها على العياشي قال المناوي في طبقاته هو المعروف بالتعبد المشهور بالتزهد أجل أصحاب الشيخ أبي العباس الغمري
والشيخ إبراهيم المتبولي مكث نحو سبعين سنة لا يضع جنبه إلى الأرض إلا عن غلبة ويصوم يوما ويفطر يوما ولم يمس بيده دينارا ولا درهما ولا يغسل عمامته إلا من العيد إلى العيد وكان إذا ذكر ينطق قلبه مع لسانه فلا يقول السامع إلا أنهما اثنان يذكران قال الشعراوي أول اجتماعي به رأيته يذكر ليلا فاعتقدت أنهما اثنان فقربت منه فوجدته واحدا وكان كثيرا ما يرى ابليس فيضربه فيقول له لست أخاف من العصا إنما أخاف من النور الذي في القلب مات بالمنزلة انتهى وفيها تقريبا علي الأثميدي المصري المالكي الإمام العالم الصالح المحدث أخذ الطريق عن سيدي محمد بن عنان واختصر كثيرا من مؤلفات الشيخ جلال الدين السيوطي ومؤلفاته حسنة وكان يعظ الناس في المساجد مقبلا على الله تعالى حتى توفي ويده تتحرك بالسبحة ولسانه مشغول بذكر الله تعالى
وفيها ظنا المولى محي الدين محمد بن حسام أحد الموالي الرومية الحنفي المعروف بقرا جلبي ترقى في التداريس ثم صار قاضيا بدمشق فدخلها في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة ولم تطل مدة ولايته بها
وفيها المولى محي الدين محمد بن المولى علاء الدين علي الجمالي الحنفي أحد موالي الروم قرأ على جده لأمه حسام الدين زادة ثم على والده ثم على سويد زادة ثم درس بمدرسة الوزير مراد باشا بالقسطنطينية ثم بإحدى الثمان ثم تقاعد وعين له كل يوم مائة درهم وكان مشتغلا بنفسه حسن السمت والسيرة محبا للمشايخ والصلحاء له معرفة تامة بالفقه والأصول
وفيها شمس الدين محمد بن الشيخ زين الدين عمر بن ولي الله الشيخ شهاب الدين السفيري الحلبي الشافعي الإمام العلامة ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة ولازم العلاء الموصلي والبدر السيوفي في فنون شتى وقرأ على الكمال ابن أبي شريف في حاشيته على شرح العقائد النسفية ورسالة العذبة له وقدم
مع أخيه الشيخ إبراهيم بن أبي شريف إلى دمشق فأجاز له ولبعض الدمشقيين ثم إلى حلب فقرأ عليه بها مختصر الرسالة القشيرية وقرأ على البازلي وأبي الفضل الدمشقي والشيخ محمد الداديخي وغيرهم أنواع العلوم ودرس بالجامع الكبير بحلب والعصرونية والسفاحية وسافر إلى القاهرة واجتمع بها بالقاضي زكريا وصلى عليه لما مات واجتمع بآخرين كالنور البحيري والشهاب الأنطاكي وتوفي بحلب في هذه السنة وفيها عفيف الدين أبو اليمن محمد ابن محمد بن محمد بن إبراهيم بن فضل بن عميرة الغزي الأصل الحلبي المولد والدار والوفاة الحنفي العالم أخذ بحلب عن الشمسين ابن هلال وابن بلال وله شيوخ آخرون بها وبغيرها واجتمع بالشيخ أبي العون الغزي وكان يدرس ويفتي بحلب وكف بصره فكان يأمر بالكتابة على الفتوى وأمر آخرا أن يكتب في نسبه الأنصاري لما بلغه أنه من ذرية خباب بن المنذر بن الجموح الخزرجي وكان من العلماء العاملين
وفيها حميد الدين محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي جاور بمكة المشرفة وقرأ بها الفقه ثم أخذ بحلب عن الشهاب الأنطاكي ثم دخل القاهرة فاستنابه بالمنزلة القاضي جلال الدين التادفي فأحبه أهلها واستوطن بها وتزوج من نسائها وولد له بنون وكان فقيها فاضلا حسن الشكل والهيئة ساكنا محتشما وتوفي بالمنزلة
وفيها قاضي القضاة كمال الدين أبو اللطف محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الربعي الحلبي التادفي الشافعي قال في الكواكب ذكره شيخ الإسلام الوالد في الرحلة فقال في وصفه الشيخ الأوحد والأصيلي الأمجد ذو النسب الذي طارت مناقب نزاهته كل مطار وانتظمت أسلاك أصالته في أجياد الأسطار وسرت سمات فضيلته مسمار نسيمات باسمات الأزهار إلى أن قال تصطفيه الرتب العلية السنية وتستأنس به الخطط الشرعية السنية فطورا مقدما في أندية الأمراء والأعيان
وتارة صدرا في قضاة العدل والإحسان القضائي الكمالي التادفي قاضي حلب ثم مكة كان صحبني من حلب إلى البلاد الرومية فأسفر عن أعذب أخلاق وأكرم أعراق وأحسن طوية وولد كما قال ابن أخيه ابن الحنبلي سنة أربع وسبعين وثمانمائة وتفقه على الفخري عثمان الكردي والجلال النصيبي وغيرهما وأجاز له باستدعاء والده المحب بن الشحنة وولده الأثير محمد والسرى عبد البر بن الشحنة الحنفيون والقاضي زكريا والجمال القلقشندي والقطب الخيضري والفخر الديمي في آخرين ولبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الحموي الشافعي الكيلاني ثم ترك مخالطة الناس ولف المئزر وأقدم على خشونة اللباس وأخذ في مخالطة الفقراء والصوفية فلما بلغ السلطان الغوري ذلك أرسل له توقيعا بأن يكون شيخ الشيوخ بحلب ثم ولي قضاء الشافعية بطرابلس وبحلب وفوض إليه الجمال القلقشندي قضاء القضاة بالممالك الإسلامية ونيابة الحكم بالديار المصرية ومضافاتها مضافا إلى قضاء حلب بسؤاله ثم ولي في الدولة العثمانية وتدريس العصرونية والحاجبية ونظر أوقاف الشافعية بحلب وولاه خير بك كافل الديار المصرية قضاء الشافعية بمكة وجدة وسائر أعمالهما ونظر الحرمين وكان أول قاض ولي ذلك من غير أهل مكة في الدولة العثمانية وبقي في دولة القضاء حتى مات خير بك خرج بعد مدة من مكة معزولا سنة إحدى وثلاثين وكان إماما عالما كاملا شاعرا ومن شعره
( لولا رجائي أن الشمل يجتمع ** ما كان لي في حياتي بعدكم طمع )
( يا جيرة قطعوا رسلي وما رحموا ** قلبا تقطع وجدا عند ما قطعوا )
( أواه وأطول شوقي للأولى سكنوا ** في الصرح يا ليت شعري ما الذي صنعوا )
( لا عشت إن كنت يوما بعد بعدكم ** أملت أني بطيب العيش أنتفع )
( هم أطلقوا أدمعي والنار في كبدي ** كذاك نومي وصبري في الهوى منعوا )
( دع يفعلوا ما أرادوا في عبيدهم ** لا واخذ الله أحبابي بما صنعوا )
وتوفي رحمه الله تعالى في أواسط الحجة وفيها كمال الدين محمد البقاعي ثم الدمشقي الشافعي الإمام الفاضل كان يحب الإصلاح بين الأخصام والتودد إلى الناس ويتردد إلى المتصوفة توفي فجأة بعد خروجه من الحمام في نهار الأربعاء ثاني ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب الفراديس
وفيها محب الدين أبو السعود محمود بن رضى الدين محمد بن عبد العزيز ابن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي الموقع والده بديوان الإنشاء في الدولة الجركسية ولد بالقاهرة سنة اثنتين وتسعمائة وحفظ بها كتبا وجود الخط بها وعرض بها في سنة خمس عشرة مواضع من ألفية ابن مالك والشاطبية والمنهاج الفقهي على الشهاب الشيشيني الحنبلي والبرهان بن أبي شريف وغيرهما وأجازوا له وأجازه القاضي زكريا وكان شهما حسن الملبس والعمامة توفي بحلب في ذي الحجة
سنة سبع وخمسين وتسعمائة
فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن علي المعروف بابن البيكار المقدسي الأصل ثم الدمشقي نزيل حلب العلامة البصير المقرىء المجود ولد بقرية القابون من غوطة دمشق سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وقرأ القرآن بدمشق بالروايات على جماعات ثم رحل إلى مصر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فقرأ على الشمس السمديسي وأبي النجا النحاس والنور السمهودي قال ابن الحنبلي ومما يحكى عنه أنه كان كثيرا ما يمرض فيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فيشفى من مرضه وكان مجتهدا في أن لا ينام إلا على طهارة وتوفي بحلب وفيها القاضي باعلوي أحمد شريف بن علي بن علوي خرد الشافعي اليمني الشريف العلامة قال في النور ولد يوم الجمعة تاسع ذي الحجة سنة أربع أو خمس وتسعماية واشتغل بالفقه على جماعة
منهم العلامة عبد الله بن عبد الرحمن بافضل صاحب المختصر المشهور والعلامة محمد الأصفع وغيرهما وجد واجتهد حتى برع وأشير إليه بالرياسة والفتوى وذكره أخوه المعلم في طبقات فقهاء آل باعلوي قال وولي قضاء وادي ابن راشد وهو مشتمل على مدن متعددة من أرض حضرموت أشهرها تريم لم يعارضه معارض ولم ينقض عليه ناقض ولم يل أحد من آل باعلوي القضاء غيره رحمه الله وبلغني أنه لم يكن من القضاة الورعين سامحه الله وإيانا وفي تاريخ سنبل أنه وأخاه عبد الله شريف ولدا توأمين في بطن وعزل من القضاء فقال أنا لا أعزل وإن عزلني السلطان بسبب أنه ليس في الجهة من هو أعلم مني وهذا الذي ذكره أحمد شريف لا أدري أهو وجه ضعيف له في المسألة أو أراد به التنكيت والمطايبة وأن سيادته ثابتة قاضيا كان أو غير ذلك كقول بعضهم
( أن الأمير هو الذي ** يضحى أميرا يوم عزله )
( إن زال سلطان الولاية ** لم يزل سلطان فضله )
وما أحسن قوله إن أردت أن لا تعزل فلا تتول انتهى
وفيها أحمد الشبيني المصري كان مجذوبا غارقا لا يصحو إلا وقت الوضوء والصلاة وإذا صلى أذن للصلاة ورفع صوته وكان إذا رأى مجذوبا لم يصل يقول هذا قليل الدين ووقع من المنارة العالية التي في مدينة منوف إلى الأرض فلم ينكسر من أعضائه شيء ونزل واقفا ومشى مسرعا على الأرض
وفيها تقريبا المولى شمس الدين أحمد المشهور بورق جلبي أحد الموالي الرومية ترقى في التداريس إلى مدرسة أبي أيوب الأنصاري وكان فاضلا
مفيدا صالحا طيب الأخلاق وانتفع به كثير من الناس
وفيها ظنا الشيخ الإمام العالم أحمد الأنقروي الرومي ثم الحلبي اشتغل في شبابه بالعلم ثم رغب في التصوف وانتسب إلى الخلوتية وكان في أول أمره يدور البلاد ويعظ الناس ثم توطن في بلده في شيخوخته وأقبل على الوعظ إلى أن توفي وفيها شهاب الدين أحمد البرلسي المصري الشافعي الملقب بعميرة الإمام العلامة المحقق أخذ العلم عن الشيخ عبد الحق السنباطي والبرهان بن أبي شريف والنور المحلى وكان عالما زاهدا ورعا حسن الأخلاق يدرس ويفتي وانتهت إليه الرياسة في تحقيق المذهب
وفيها شهاب الدين أحمد الرملي المنوفي المصري الأنصاري الشافعي الإمام العلامة الناقد الجهبذ شيخ الإسلام والمسلمين أخذ عن القاضي زكريا ولازمه وانتفع به وكان يجله وأذن له بالافتاء والتدريس وأن يصلح في كتبه في حياته وبعد مماته ولم يأذن لأحد سواه في ذلك وأصلح عدة مواضع في شرح البهجة وشرح الروض في حياة شيخ الإسلام وكتب شرحا عظيما على صفوة الزبد في الفقه وله مؤلفات أخرى وجمع الشيخ شمس الدين الخطيب الشربيني فتاويه فصارت مجلدا وأخذ عنه ولده سيدي محمد والخطيب الشربيني والشهاب الغزي وغيرهم وانتهت إليه الرياسة في العلوم الشرعية بمصر حتى صارت علماء الشافعية كلهم تلامذته إلا النادر وجاءت إليه الأسئلة من سائر الأقطار ووقف الناس عند قوله وكان جميع علماء مصر وصالحيهم حتى المجاذيب يعظمونه وكان يخدم نفسه ولا يمكن أحدا أن يشتري له حاجة إلى أن كبر سنه وعجز وتوفي يوم الجمعة مستهل جمادى الآخرة وصلوا عليه في الأزهر قال الشعراوي وما رأيت في عمري جنازة أعظم من جنازته ودفن بتربته قريبا من جامع الميدان وأظلمت مصر وقراها بعد موته
وفيها إسمعيل الشيخ الصالح العابد الورع إمام جامع الجوزة خارج باب
الفراديس بدمشق قال في الكواكب قال والد شيخنا كان له مكاشفات وحالات مع الله تعالى وكان لا نظير له في الملازمة للخيرات توفي في أوائل الحجة ودفن بمقبرة باب الفراديس وفيها حسام الدين جلبي الفراصوي أحد موالي الروم قرأ على العلماء وخدم المولى عبد الكريم بن المولى علاء الدين العربي وتنقل في المدارس حتى درس بإحدى الثمان ثم صار قاضيا بأدرنة ثم بالقسطنطينية ثم أعطى إحدى الثمان أيضا وعين له كل يوم مائة عثماني إلى أن توفي وكان سخي النفس حليما صبورا على الشدائد طارحا للتكليف منصفا من نفسه رحمه الله تعالى وفيها شمس بن عمر بن اق شمس الدين البرسوي الحنفي خواجة السلطان سليم المشهور شمس جلبي دخل حلب واجتمع به ابن الحنبلي وأثنى عليه بالفضل والعلم ثم دخل دمشق قاصدا للحج الشريف فمات في طريق الحج قبله عند المعظم
وفيها عبد الله بن منلا صدر الدين بن منلا كالي الهندي الحنفي اشتغل بحلب في كبره بالعلم واعتنى بالقراءات فجمع للسبعة وللعشرة وأخذ بها عن إبراهيم اليشبكي وإبراهيم الصيرفي وابن قيما ثم رجع إلى القاهرة فأخذ عن الناصر الطبلاوي وغيره ثم رجع إلى حلب ولزم الطلبة في القراآت وحج في هذه السنة فتوفي وهو راجع في الطريق
وفيها أقضى القضاة محي الدين عبد القادر بن أحمد بن عبد الله بن محمد ابن أحمد بن عمر بن علي بن عبيد الفريابي المدني المالكي ناب عن أبيه في قضاء المدينة وكان فقيها فاضلا لطيفا ماجنا توفي بالمدينة المنورة
وفيها القاضي محي الدين عبد القادر بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني الأصل الدمشقي الحنبلي أخو القاضي برهان الدين بن مفلح ناب في القضاء ببر الشام ثم بالمؤيدية وقناة العوني والميدان والصالحية وطالت إقامته بها نحو خمس وثلاثين سنة وكانت له معرفة تامة بأحوال القضاء وتوفي
بدمشق ودفن بمقبرة الفراديس وفيها كمال الدين التبريزي العجمي الشيخ العالم الصالح المحقق العارف بالله تعالى الصوفي نزيل دمشق كان يأكل الطيب ويلبس الحسن ولا يخالط إلا من يخدمه وله باع في العلوم وغلب عليه التصوف وتوفي بسكته العزيزية شمالي الكلاسة في سادس عشر ربيع الآخر ودفن بباب الفراديس
وفيها حافظ الدين محمد بن أحمد بن عادل باشا الحنفي أحد الموالي الرومية الشهير بالمولى حافظ أصله من ولاية بردعة في حدود العجم قرأ في صباه على مولانا مزيد بتبريز وحصل عنده وبرع عليه واشتهرت فضائله وبعد صيته ولما وقعت في العجم فتنة إسمعيل بن أردبيل ارتحل إلى الروم وخدم عبد الرحمن بن المؤيد وبحث معه وعظم اعتقاده فيه ورباه عند السلطان أبي يزيد فأعطاه تدريسا بأنقرة فأكب على الاشتغال هناك وكان حسن الخط سريع الكتابة كتب الكثير ودرس هناك شرح المفتاح للسيد وكتب عليه حواشي ثم رحل إلى القسطنطينية وعرض ما حشاه على ابن المؤيد فابتهج به ثم صار مدرسا بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية وكتب بها حواشي على مواضع من شرح المواقف للسيد ثم صار مدرسا بمدينة أزنيق وكتب هناك رسالة في الهيولي عظيمة الشأن ثم أعطى إحدى الثمان وكتب بها شرحا على التجريد ثم درس بأياصوفيا وألف كتابا سماه مدينة العلم ثم تقاعد وعين له كل يوم سبعون عثمانيا وأكب على الاشتغال والاشغال ليلا ونهارا لا يفتر وأتقن العلوم العقلية ومهر في الأدبية ورسخ في التفسير وألف رسائل كثيرة منها نقطة العلم ومنها السبعة السيارة وكان له أدب ووقار رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين أبو اللطف محمد بن خليل القلعي الدمشقي الشافعي إمام جامع الجوزة بالقرب من قناة العوني كان فاضلا صالحا زاهدا ورعا كوالده متعففا يعتزل الناس ويخدم نفسه سالكا طريق السلف مؤثرا
لخشونة العيش يلبس العباءة له زاوية يقيم بها الوقت يذكر الله على طريقة حسنة وكانت له خطبة بليغة نافعة وموعظة من القلوب واقعة وتوفي يوم الإثنين ثالث جمادى الأولى وفيها شمس الدين محمد بن عمر البقاعي الشافعي المذوخي بمعجمتين نسبة لقرية مذوخا بالضم من عمل البقاع حفظ القرآن العظيم واشتغل بالعلم وحصل وفضل وكره الأكل من الأوقاف فرجع إلى بلدته المذكورة وتعاطى الزراعة فأثرى وتمول ورحل إلى مصر فاشتغل بها قليلا ثم رجع إلى بلده فأم بها وخطب وصار يدعو أهلها إلى طاعة الله تعالى إلى أن توفي بها ليلة الجمعة خامس المحرم
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد العيني الأصل الحلبي الحنفي عرف بابن بلال الإمام العلامة ولد بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة وقرأ على العلا قل درويش أربع سنوات في علوم شتى وقرأ أيضا على منلا مظفر الدين الشيرازي والبرهان العرضي والبدر السيوفي وغيرهم ثم لازم الافتاء والتدريس والتأليف بجامع حلب حتى أسن فانقطع بمنزله وأكب على التصنيف في علوم متنوعة إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه ولم تظهر بعده وكان كثير الصيام والقيام لا يمسك بيده درهما ولا دينارا وكان وقورا مهيبا نير الشيبة كثير التواضع له قوة ذكاء ومزيد حفظ ورسوخ قدم في العربية والمعقولات وحج وجاور ودخل القاهرة وأصابه فالج وعوفي منه وتوفي بحلب ودفن بمقابر الحجاج وأوصى أن يغسله شافعي وأن يلقن في قبره
وفيها نظام الدين محمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن كوجك الحموي المولد الحنفي ثم الحنبلي عرف بالكوكاجي رديف الكوجكي ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة وقرأ الكنز على ابن رمضان الدمشقي وغيره ثم قلد الإمام أحمد وولي قضاء الحنابلة بمدينة طرابلس الشام وناب عن
النظام التادفي الحنبلي بحلب وفيها محي الدين محمد بن محمد الحنفي أحد موالي الروم المعروف بابن قطب الدين قرأ على الشيخ مظفر الدين العجمي ثم على سيدي جلبي القوجوي وغيرهما وترقى في التداريس إلى أن ولي قضاء حلب ثم بروسا ثم إسلام بول ثم قضاء العساكر الأناضولية ثم ذهب إلى الحج بعد العزل ثم رجع إلى القسطنطينية وتقاعد بمائة وخمسين عثمانيا كل يوم قال في الشقائق وكان عالما فاضلا صالحا ورعا محبا للصوفية سالكا طريقهم واعتزل الناس واشتغل بخويصة نفسه له معاملة مع الله تعالى رحمه الله تعالى وفيها المولى حسام الدين يوسف القراصوي الحنفي أحد موالي الروم قرأ على علماء عصره وخدم المولى عبد الكريم ثم درس بعدة مدارس حتى أعطى إحدى الثمان ثم صار قاضيا بأدرنة ثم بالقسطنطينية ثم أعيد إلى إحدى الثمان وعين له كل يوم مائة عثماني إلى أن مات وكان سخي النفس حليما طارحا للتكلف منصفا من نفسه
سنة ثمان وخمسين وتسعمائة
فيها كانت وقعة الجرب بجيم وموحدة بينهما راء ساكنة وقعة مشهورة باليمن حتى صارت تاريخا عند أهل حضر موت يقولون سنة وقعة الجرب
وفيها توفي تقي الدين أبو بكر بن عبد الكريم الخليصي الأصل الحلبي الشافعي المشهور بالزاهد وهو سبط العالم المفتي أبي بكر الخليصي كان شيخا صالحا منورا زاهدا ورعا ذا تهجد وبكاء لا يراه أهل محلته إلا أوقات الصلوات وفي غيرها يتردد إلى المقابر والمزارات وكان كثيرا ما يقصده الزوار يسمعون ما يقرؤه عليهم من رياض الصالحين وغيره وتوفي بحلب
وفيها حسين بن أحمد بن إبراهيم الخوارزمي العابد الصوفي كان شيخا معمرا مهيبا ذكر أن له من الاتباع نحو مائة ألف ما بين خليفة ومريد وكان
من أحواله إذا ذكر في المسجد الذي هو فيه مع مريديه يطول حتى يراه من كان خارج المسجد من غير منفذ من منافذه ودخل بلاد الشام حاجا فحج ورجع إلى دمشق فأعجبته فعمر بها خانقاة للفقراء من ماله وكان متمولا جدا حتى عمر عدة خوانق في بلاد عديدة ثم عاد إلى حلب وأراد أن يعمر بها عمارة فمرض بها وتوفي في عشر شعبان ودفن بها في تابوت ثم نقل بعد أربعة أشهر إلى دمشق ولم يتغير أصلا ودفن بها قاله في الكواكب
وفيها باقشير عبد الله بن محمد الشافعي اليمني الحضرمي الفقيه ابن الفقيه قال في النور أخذ العلم عن جماعة منهم الشيخ أبو بكر العيدروس والشيخ عبد الرحمن بن علي باعلوي والشيخ عبد الله بن الحاج وكان من الأئمة المحققين والعلماء العاملين والفقهاء البارعين له تصانيف مفيدة وحيد زمانه علما وعملا وزهدا وورعا جمع بين معالم الشريعة وسلوك الطريقة وعلوم الحقيقة ومن تصانيفه كتاب قلائد الخرائد وفرائد الفوائد في الفقه مجلد ضخم نافع جدا والقول الموجز المبين وكتاب السعادة والخير في مناقب السادة بني قشير ورسالة في الفرج وله كرامات وأحوال وتوفي في شعبان ببلده قسم من أرض حضرموت وقبره بها معروف يزار وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن شرف الدين يونس بن عبد الوهاب العيثاوي الشافعي الإمام العلامة أخو الشيخ شهاب الدين لأبيه ولد ليلة الأربعاء ثالث عشرى رمضان سنة إحدى وعشرين وتسعمائة وقرأ على والده وحصل له بركة أشياخه منهم الشيخ تقي الدين البلاطنسي وابن أبي اللطف المقدسي وأجازاه وأجازه بالمكاتبة مفتي بعلبك البهاء بن الفصي واجتمع بالجمال الديروطي وأجازه وقرأ على آخرين وسافر إلى حلب فحضر دروس التاج العرضي واجتمع بقاضي قضاة العساكر المولى سنان بن حسام الدين فعظمه وأثنى عليه ونشأ من صغره في طاعة الله تعالى متأدبا متواضعا سليم الفطرة منور الطلعة أقرأ ودرس في الفقه والنحو والتفسير والحديث
وانتفع به الطلبة وولي تدريسا بالأموي وبمدرسة أبي عمر وبالظاهرية وأم وخطب نيابة عن أبيه بالجامع الجديد خارج باب الفراديس وكان يود أن يموت قبل أبيه فبلغه الله أمنيته وتوفي نهار الأربعاء خامس عشرى رجب عن سبع وثلاثين سنة وشهر وثمانية عشر يوما وخرجت روحه قائلا الله الله الله لا إله إلا الله
وفيها المولى محب الدين ويقال محب الله التبريزي الشافعي الصوفي المشهور نزيل دمشق رحل من بلاده إلى بلاد الشام وحج منها وجاور ثم عاد إليها ومكث بالتكية السليمية بسفح قاسيون لمزيد شغفه بالشيخ محي الدين بن عربي واعتقاده وكثرة تعلقه بكلامه وحله وتشديد النكير على من ينكر عليه وصار يقرأ عليه بها جماعة في التفسير وغيره وكان يجمع إلى تفسير الآية تأوليها على طريقة القوم ويورد على تأويلها ما يحضره من كلام المسنوي وتوفي بدمشق قاله في الكواكب
وفيها أبو الفتح محمد بن صالح الكيلاني الشافعي الإمام العلامة خطيب المدينة المنورة وإمامها قدم دمشق وحلب واجتمع بعلمائها وشهدوا له بالفضل والتقدم وتوفي بالمدينة المنورة وفيها قطب الدين محمد بن عبد الرحمن الصفوري ثم الصالحي الشافعي الإمام الفاضل قال الشيخ يونس العيثاوي أخذ عن والده والجلال السيوطي وغيرهما وكان له وعظ حسن وخطبة بليغة وهو من بيت علم وصلاح ودين توفي تاسع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون
وفيها السيد جمال الدين يوسف بن عبد الله الحسني الأرميوني الشافعي الإمام العلامة تلميذ الجلال السيوطي وغيره وأخذ عنه العلامة منلا على الشهرزوري نزيل دمشق وغيره
سنة تسع وخمسين وتسعمائة
فيها كان ترميم عمارة البيت الشريف زاده الله تعظيما وأرخ ذلك الشيخ عبد العزيز الزمزمي فقال
( وقد أتى تاريخ ترميمه ** رمم بيت الله سلطاننا )
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن قاضي القضاة أبي المحاسن يوسف بن قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن الحلبي الحنفي الشهير بابن الحنبلي وهو والد الشيخ شمس الدين بن الحنبلي المؤرخ المشهور وسبط قاضي القضاة أثير الدين بن الشحنة قال ولده في در الحبب ولد بحلب سنة سبع وسبعين وثمانمائة واشتغل بها في الصرف والنحو والعروض والمنطق على العلاء بن الدمشقي المجاور بجامع المهمندار وعلى الفخر عثمان الكردي والزين بن فخر النساء وغيرهم وجود الخط على الشيخ أحمد أخي الفخر المذكور وألم بوضع الأوفاق العددية وتعلق بأذيال القواعد الرملية والفوائد الجفرية وأجازه البرهان الرهاوي رواية الحديث المسلسل بالأولية بعد أن سمعه منه بشرطه وجميع ما تجوز له وعنه روايته ثم ذكر أنه أستجيز له باستدعاء والده جماعة كثيرون من المصريين كالمحب بن الشحنة والقاضي زكريا وغيرهما وأنه سمع على البرهان بن أبي شريف ما اختصره من رسالة القشيري وأنه لبس الخرقة القادرية من الشيخ عبد الرزاق الكيلاني الحموي قال ثم لبستها أنا من يده وذكر عنه أنه رأى في المنام شخصا باديا نصفه الأعلى من ضريح وهو يقول له إذا وقعت في شدة فقل يا خضير يا خضير وأنه كان إذا حزبه أمر قال ذلك ففرج عنه وذكر من تأليفه كتابه المسمى ثمرات البستان وزهرات الأغصان والسلسل الرائق المنتخب من الفائق وكتابا انتخبه من آداب الرياسة سماه مصابيح أرباب الرياسة ومفاتيح أبواب الكياسة وغير ذلك وأنه توفي ليلة الأحد حادي عشر ذي القعدة
وفيها زين الدين زكريا المصري العلامة الشافعي حفيد شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري أخذ العلم عن جده المذكور والبرهان بن أبي شريف والشيخ عبد الحق والكمال الطويل ولبس خرقة التصوف من جده ومن سيدي علي المرصفي وغيرهما وكان جده يحبه محبة عظيمة وكان ذكيا فطنا
خاشعا أفتى ودرس قال الشعراوي سافرت معه إلى مكة سنة سبع وأربعين وهو قاضي المحمل فكان يقضي بالنهار ولا يمل من الطواف بالليل كثير الصدقة والافتقاد لفقراء الركب وتوفي في شوال بالقاهرة ودفن خارج باب النصر تجاه مقام السيدة زينب
وفيها عثمان بن عمر الشيخ المعمر الحلبي الشافعي المعروف بابن شيء لله حفظ القرآن العظيم وتفقه على الفخر عثمان الكردي والبرهاني فقيه اليشبكية وحج وانتفع به الطلبة وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن حسن الدمشقي المعروف بابن الشيخ حسن كان من أهل الفضل والعلم والصلاح وكان خطيبا بجامع الأفرم وأخذ عن جماعة منهم البدر الغزي حضر دروسه بالشامية وغيرها كثيرا وفيها نجم الدين محمد بن محمد بن عبيد الشيخ الفاضل الصالح الواعظ ابن الشيخ الصالح المقرىء المجيد الضرير إمام مسجد الباشورة توفي يوم الجمعة بعد العصر سادس عشرى القعدة
وفيها قاضي القضاة نظام الدين أبو المكارم يحيى بن يوسف بن عبد الرحمن الحلبي التادفي الحنلي القادري سبط الأثير بن الشحنة وهو عم ابن الحنبلي شقيق والده ولد سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وتفقه على أبيه وبعض المصريين وأجاز له باستدعاء من أبيه وأخيه جماعة من المصريين منهم المحب بن الشحنة والقاضي زكريا والبرهان القلقشندي والديمي والخيضري وغيرهم وقرأ بمصر على المحب بن الشحنة والجمال بن شاهين سبط بن حجر جميع مجلس البطاقة سنة سبع وثمانين ثم لما عاد والده إلى حلب متوليا قضاء الحنابلة ناب عنه فيه وسنه دون العشرين فلما توفي والده أوائل سنة تسعمائة استقل بالقضاء بعده وبقي إلى أن انصرمت دولة الجراكسة وكان آخر قاض حنبلي بها بحلب ثم ذهب بعد ذلك إلى دمشق وبقي بها مدة ثم استوطن مصر وولي بها نيابة قضاء الحنابلة بالصالحية النجمية وغيرها وحج منها وجاور ثم عاد إلى حكمه وكان
لطيف المعاشرة حسن الملتقى حلو العبارة جميل المذاكرة يتلو القرآن العظيم بصوت حسن ونغمة طيبة وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى
سنة ستين وتسعمائة
فيها وقع عمارة ميزاب الرحمة من البيت الشريف وقال في ذلك أبو بكر اليتيم المكي مؤرخا
( يا أيها المولى الجليل ومن له ** المجد الأثيل الفائق المريخا )
( ميزاب بيت الله جدد ** فاقتبسنا رحمة من ربك التاريخا )
وفيها توفي الأمير برهان الدين إبراهيم بن والي بن نصر خجا بن حسين الذكرى المقدسي الفقيه الحنفي قال ابن الحنبلي قدم حلب سنة ست وأربعين واردا من بغداد لتيمار كان له بها وكان لطيف المذاكرة حسن المحاضرة اشتغل بالعربية وغيرها وتعاطى الأدب وله منظومة في النحو سماها البرهانية وقرض عليها سيدي محمد بن الشيخ علوان وغيره ووضع رسالة في الصيد وما يتعلق بالخيل برسم وزير السلطنة السليمانية وقدمها إليه بالروم ومن شعره
( قال الفؤاد مقالات يوبخني ** لما رآني على طول من الأمل )
( أن ليس تنفع أقوال تقررها ** ما لم تكن عاملا بالفعل يا ابن ولي )
عاد إلى وطنه من غير الطريق المعتاد ففقد في الطريق في هذه السنة
وفيها إبراهيم بن يوسف بن سوار الكردي البياني الخاتوني ثم الحلبي الشافعي قال ابن الحنبلي فقيه صوفي سليم الصدر معمر اجتمع بالسيد علي بن ميمون بعد أن رآه في المنام فألبسه ثوبا أبيض قال وكان مغرما بالكيميا توفي بحلب ودفن خارج باب قنسرين وفيها تقي الدين أبو بكر بن شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن أبي اللطف المقدسي الشافعي الإمام العلامة
أخذ عن والده وغيره وحضر هو وأخوه الشيخ عمر إلى دمشق فقرأ على البدر الغزي جميع شرح جمع الجوامع للمحلى ثم برع صاحب الترجمة في فنون من العلم خصوصا الأصول حتى كان يعرف بالشيخ أبي بكر الأصولي وسكن دمشق آخرا وتزوج بها وتوفي بها في هذه السنة تقريبا
وفيها زين الدين رجب بن علي بن الحاج أحمد بن محمود اليعفوري الحموي الشافعي الشهير بالعزازي الإمام العلامة قال في الكواكب وهو جد صاحبنا العلامة تاج الدين القطان النحوي الشافعي لأبيه أخذ عن البازلي الكردي الحموي وبمصر عن العلامة عبد الحق السنباطي وتفقه به وبالشمس النشيلي والشهاب الرملي وغيرهم ثم دخل دمشق فقرأ على شيخ الإسلام الوالد واعتنى بجمع المهم من فتاواه فجمع منها ثلاث مجلدات ثم عاد إلى بلده حماة مستقرا مفتيا مدرسا وكان مخلصا في محبة الوالد ومصافاته ووصفه شيخ الإسلام الوالد بالفضل والصلاح وفي تاريخ ابن الحنبلي أنه مر بحلب سنة إحدى وخمسين متوجها إلى إسلام بول لعزله عن عصرونية حماة وأنه أنشد للبهاء الفصي البعلي الشافعي
( إن صار عبدك حيث شئت تواضعا ** لجلال قدرك ما تعدى الواجبا )
( فلئن تأخر كان خلفك خادما ** ولئن تقدم كان دونك حاجبا )
ثم توجه إليه مرة أخرى فتوفي بالقسطنطينية في المحرم ودفن بالقرب من ضريح أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وفيها عبد القادر السبكي المصري المجذوب قال في الكواكب كان مجذوبا ثم أفاق في آخر عمره وصار يصلي ويقرأ كل يوم ختمة مع بقاء أحواله من الكشف ورؤى وهو راكب حمارته يسوقها على الماء أيام وفاء النيل وكان يخدم الأرامل ويشتري لهم الحوائج ويضع كل ما يشتريه في إناء واحد من زيت وشيرج وعسل ورب وغير ذلك ثم يعطي كل واحدة حاجتها من غير اختلاط وكان تارة يلبس
زي الجند وتارة زي الريافة وتارة زي الفقراء وكان يعطب من ينكر عليه مات في جمادى الآخرة انتهى وفيها الشريف الفاضل جمال الدين محمد بن علي بن علوي خرد باعلوى صاحب كتاب غرر البهاء قاله في النور
وفيها الأمير نجم الدين محمد بن محمد القرشي الدمشقي كان فاضلا يقرأ القرآن ويبكي عند التلاوة وكان بينه وبين الشيخ علاء الدين بن عماد الدين الشافعي مودة ومحبة مات في هذه السنة أو التي بعدها
ومات بعده ولده الأمير شمس الدين محمد بتسعة أشهر وهو والد محمد جلبي القرمشي رحمهم الله تعالى وفيها تقريبا نجم الدين محمد الماتاني الحنبلي الإمام العالم الفقيه المحدث الصالحي أخذ الحديث عن الشيخ أبي الفتح المزي وغيره وتفقه بفقهاء الشاميين وكان ينسخ بخطه كثيرا وكتب نسخا كثيرة من الاقناع وفيها شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي الإمام العلامة مفتي الحنابلة بدمشق وشيخ الإسلام بها كان إماما بارعا أصوليا فقيها محدثا ورعا من تأليفه كتاب الاقناع جرد فيه الصحيح من مذهب الإمام أحمد لم يؤلف أحد مؤلفا مثله في تحرير النقول وكثرة المسائل ومنها شرح المفردات وشرح منظومة الآداب لابن مفلح وزاد المستقنع في اختصار المقنع وحاشية على الفروع وغير ذلك وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ربيع الأول ودفن بأسفل الروضة تجاه قبر المنقح من جهة الغرب يفصل بينهما الطريق وفيها محي الدين يحيى الذاكر الشيخ الصالح قال في الكواكب هو أحد أصحاب الشيخ تاج الدين الذاكر الدين أذن لهم في افتتاح الذكر كان معتزلا عن الناس ذاكرا خاشعا عابدا صائما أقبل عليه أمراء الدولة إقبالا عظيما ثم تظاهر بمحبة الدنيا والتجارة فيها طلبا للستر حتى اعتقد فيه غالب أهل الدنيا أنه يحب الدنيا مثلهم قال الشعراوي
قال لي مرات ما بقي الآن لظهور الفقر فائدة بأحوال القوم قال وقد عوضني الله تعالى بدل ذلك مجالسته سبحانه في حال تلاوتي كلامه ومجالسة نبيه صلى الله عليه وسلم في حال قراءتي لحديثه فلا تكاد تراه إلا وهو يقرأ القرآن والحديث قال وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن له يعني في المنام أن يربي المريدين ويلقن الذكر انتهى
سنة إحدى وستين وتسعمائة
قال في النور في ليلة ثلاثة عشر من ربيعها الأول قتل السلطان محمود شاه بن لطيف شاه صاحب كجرات شهيدا وسببه أن بعض خدمه سولت له نفسه قتله فدبر الحيلة وواطأ بعض الوزراء والحرس فقيل دس له سما في شرابه وفي حلواه فشكا السلطان عقب تناوله حرارة عظيمة اشتعلت بباطنه فاستغاث فقيل بل له سكرا نباتا ودس له سما ليعجل موته قبل أن يشعر به وقيل بل طلب السلطان الطبيب فبادر ذلك الشقي وذبح السلطان والطبيب ولم يشعر أحد ثم أرسل رسل السلطان المعتادين إلى وزرائه وطلبوهم على لسان السلطان فقدم كل على انفراده من غير شعور له بشيء فكل من دخل من الوزراء قتلوه فلما كثر القتل وقع الإحساس ببعض ما جرى انتهى
وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشماع الحلبي الشافعي الشهير بابن الطويل العالم الزاهد قرأ في سنة سبع عشرة وتسعمائة على الحافظ عبد العزيز بن فهد المكي شيئا من كتب الحديث وسمع عليه غالب البخاري وأجازه له وألبسه خرقة التصوف وكان شيخا صالحا حسن السمت يميل إلى كلام القوم وكتب الوعظ وكان يأكل الخبز اليابس منقوعا بالماء وإذا حصل له مأكل نفيس آثر به الفقراء وترك أكل قوت حلب قدر ست عشرة سنة لما بلغه من بيع ثمرها قبل بدو صلاحه
وفيها السيد أحمد بن أبي نمي صاحب مكة قال في النور وهو الذي داس
بساط سلطان الروم سليمان ولم يدس غيره من سلاطين مكة وشوكته استقوت في حياة أبيه وحكاياته مشهورة انتهى وفيها السلطان بايزيد بن سليمان العثماني قتله شاه طهمان بأمر أبيه السلطان سليمان وفيها برهان نظام شاه سلطان الدكن وفيها سليم شاه بن شير شاه قال في النور فهؤلاء خمسة سلاطين أي محمود شاه وابن أبي نمى وهؤلاء الثلاثة اتفق موتهم في هذه السنة فقال بعضهم مؤرخا لذلك زوال خسروان انتهى وفيها بشر المصري الحنفي الإمام العلامة الصالح أخذ العلم عن البرهان والنور الطرابلسيين وعن شيخ الإسلام عبد البر بن الشحنة وأجازه بالافتاء والتدريس فدرس وأفتى وانتفع به خلائق وغلب عليه في آخره محبة الخفاء والخمول وعدم التردد إلى الناس وناب في القضاء مدة ثم ترك ذلك وأقبل على العبادة وكان يديم الصيام والقيام رحمه الله تعالى وفيها حسن الدنجاوي ذكره الشعراوي وأشار إلى أنه كان من أصحاب النوبة والتصرف بمصر وتوفي في جمادى الأولى وفيها تقريبا سليمان الخضيري المصري الشافعي الشيخ الصالح الفاضل العارف بالله تعالى أخذ العلم عن الجلال السيوطي والقطب الأوجاقي وأخذ الطريق عن الشهاب المرحومي وأذن له أن يربي المريدين ويلقنهم الذكر فتلمذ له خلائق لا يحصون وكان زاهدا دينا لا ينتقص أحدا من أقرانه ويقول لا يتعرض لنقائص الناس إلا كل ناقص قال الشعراوي أدركت الأشياخ وهم يضربون به وبجماعته المثل في الاجتهاد في العبادات وصحب بعد موت شيخه مشايخ لا يحصون كسيدي محمد بن عنان وسيدي علي المرصفي وسيدي محمد المنزلاوي وغيرهم وكانوا يحبونه وغلب عليه في آخر عمره الخفاء لعلو مقامه وكان له مكاشفات وكرامات قال الشعراوي أخبرني في سنة تسع وخمسين وتسعمائة أن عمره مائة سنة وثمان سنين انتهى
وفيها زين الدين عبد الرحمن الأجهوري المالكي الشيخ الإمام العلامة
الزاهد الخاشع مفتي المسلمين تلا على الشهاب القسطلاني للأربعة عشر وحضر عليه قراءة كتابه المواهب اللدنية وأخذ الفقه وغيره عن شمس الدين اللقاني وعن أخيه ناصر الدين وغيرهما وأجازوه بالافتاء والتدريس فأفتى ودرس وصنف كتبا نافعة منها شرح مختصر الشيخ خليل وسارت الركبان بمصنفاته حتى إلى المغرب والتكرور وكان الشيخ ناصر الدين اللقاني إذا جاءته الفتيا يرسلها إليه من شدة اتقانه وحفظه للنقول وكان كريم النفس قليل الكلام واللغو حافظا لجوارحه كثير التلاوة والتهجد قال الشعراوي لما مرض دخلت إليه فوجدته لا يقدر يبلع الماء من غصة الموت فدخل عليه شخص بسؤال فقال اجلسوني قال فأجلسناه وأسندناه فكتب على السؤال ولم يغب له ذهن مع شدة المرض وقال لعل ذلك آخر سؤال نكتب عليه فمات تلك الليلة ودفن بالقرافة وكان كلما مر على موضع قبره يقول أنا أحب هذه البقعة فدفن بها وقبره ظاهر يزار وفيها علي البرلسي المجذوب المصري قال في الكواكب كان نحيف البدن يكاد يحمله الطفل وكان يتردد بين مدينة قليوب ومصر لا بد له كل يوم من الدخول إلى قليوب ورجوعه إلى مصر وكان من أصحاب الخطوة وكثيرا ما يمر عليه صاحب البغلة الناهضة وهو نائم تحت الجميزة بقليوب فيدخل مصر فيجده ماشيا أمامه وكان كثيرا ما يغلقون عليه الباب فيجدونه خارج الدار قال وما رؤى قط في معدية إنما يرونه في ذلك البر وهذا البر وربما رأوه في البرلس وفي دسوق وفي طندتا وفي مصر في ساعة واحدة وهذه صفة الأبدال وأما رؤيته بعرفة كل سنة فكثير توفي في ربيع الأول ودفن في زاويته المرتفعة داخل باب الشعرية
وفيها شمس الدين محمد بن يوسف الحلبي ثم القسطنطيني الشافعي الإمام العلامة إمام عمارة محمود باشا أخذ عن البدر السيوفي وغيره من علماء حلب
وطن القسطنطينية حتى مات وكان حسن السمت والملبس وكان يعظ المواعظ الحسنة وله حظوة تامة عند أكابر الدولة وذكر ابن الحنبلي أن أباه كان جمالا
سنة اثنتين وستين وتسعمائة
فيها توفي قاضي قضاة الشافعية بمكة المشرفة برهان الدين إبراهيم ابن ظهيرة ميلاده سنة خمس عشرة وتسعمائة وتوفي في هذه السنة كذا بخط ابن صاحب العنوان وفيها أبو الفتح السبستري ثم التبريزي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة المحقق المدقق الفهامة انتفع به الطلبة وهرعوا إليه ورغبوا فيما عنده وكان ذا علم جزل وأخلاق حسنة وآداب جميلة أخذ عنه النجم البهنسي والشيخ إسمعيل النابلسي والشيخ عماد الدين والشمس المنقاري والمنلا أسد والقاضي عبد الرحمن بن الفرفور وغيرهم وكان له خلوة في السميساطية يدرس العلوم فيها وتوفي بالصالحية شهيدا بالطاعون في هذه السنة ودفن بسفح قاسيون
وفيها حامد بن محمود نزيل مكة المشرفة الإمام الهمام العلامة قال في النور كان إليه النهاية في العلم والعبادة ورثاه الشيخ عبد العزيز الزمزمي بقصيدة طنانة مطلعها
( أيها الغافل الغبي تنبه ** إن بالنوم يقظة الناس أشبه )
ومنها
( قد مضى حامد حميدا فما لي ** بعده في الحياة والعيش رغبه )
( صاحبي من قريب خمسين عاما ** ما تراءيت في محياه غضبه )
ومنها
( من جميع العلوم حاز فنونا ** فتسامى بها لارفع رتبه )
وهي طويلة جيدة انتهى وفيها عبد الله بن عبد الرحمن بن اصفهان الكردي الشافعي المنسوب إلى بزين بالموحدة والتصغير قبيلة من الأكراد قرأ في الصرف وغيره على أبيه الفقيه المحرر عبد الرحمن والنحو على مولانا
حسين العمادي المقيم بسمرقند والمنطق على منلا نصير الاستراباذي والكلام على منلا على الكردي الحوزي بحاء مهملة وواو ساكنة وزاي ومن سنة تسع وأربعين لزم ابن الحنبلي في علم البلاغة قال ابن الحنبلي وكان فاضلا ذكيا كتب بخطه تفسير منلا عبد الرحمن الجامي وطالعه وتوفي ببلد القصير مطعونا في هذه السنة وفيها عبد الرؤوف اليعمري المصري الأزهري أحد شعراء مصر قال في الكواكب قدم حلب هو وصاحبه الشيخ نور الدين العسيلي ونزل بالمدرسة الشرفية وكان حسن الشعر لطيف الطباع مات بالقاهرة انتهى
وفيها شرف الدين عبد القادر بن محمد بن محمد بن محمد بن قاضي سراسيق الصهيوني ثم الطرابلسي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال في الكواكب أخذ عن شيخ الإسلام الوالد قرأ عليه في البهجة جانبا صالحا وفي صحيح مسلم وفي الأذكار وغير ذلك وولي إعادة الشامية البرانية بدمشق وقدم حلب في حياة الشهاب الهندي فقرأ عليه في شرح الشمسية للقطب وسمع عليه في غيره ثم عاد إلى طرابلس فدرس بجامع العطار وانتفع به الطلبة وكان الثناء عليه جميلا في الديانة وحسن الخلق إلا أنه كان ينكر على ابن العربي وتوفي بطرابلس انتهى ملخصا
وفيها شرف الدين أبو حمزة عبد النافع بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن عراق الدمشقي الأصل الحجازي الحنبلي ثم الحنفي القاضي الفاضل المفنن أحد أولاد القطب الكبير سيدي محمد بن عراق ولد بمجدل مغوش سنة عشرين وتسعمائة وكان فاضلا لبيبا أديبا حسن المحاضرة مأنوس المعاشرة دخل بلاد الشام مرات وتولى قضاء زبيد باليمن وله مؤلف سماه بيان ما تحصل في جواب أي المسجدين أفضل أهو القائم بالعبادة المعمور أم الداثر العادي المهجور وله شعر حسن منه
( إن الغرام حديثه لي سنة ** مذ صح أني فيه غير مدافع )
( يا حائزا لمنافعي ومملكا ** رقى تهن برق عبد النافع )
ومنه
( ورشيق مليح قد وصوره ** قال إن القلوب لي مأموره )
( رام كشفا لما حوته ضلوعي ** قلت بالله خلها مستوره )
ومنه
( يا رب أثقلني ذنب أقارفه ** فهل سبيل إلى الاقلاع عن سببه )
( وأنت تعلمه فاغفره لي كرما ** وخذ بناصيتي عن سوء مكتسبه )
توفي بمكة المشرفة رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو اليسر محمد بن محمد بن حسن بن البيلوني الحلبي المقرىء الخير سمع على ابن الناسخ كأخيه بقراءة أبيه ولا أجاز له ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي ثم الشيخ تقي الدين الأرمنازي وكانت له معرفة جيدة بالطب وكان صالحا متواضعا أثوابه إلى أنصاف ساقيه كأبيه وربما حمل طبق العجين على عاتقه مع جلالته توفي مطعونا ودفن عند والده وفيها شمس الدين أبو الطيب محمد بن محمد بن علي الحساني الغماري الأصل المدني المولد والمنشأ والوفاة المالكي عرف بابن الأزهري كان كثير الفضائل حسن المحاضرة صوفي المشرب له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو وله نثر ونظم منه أرجوزة سماها لوامع تنوير المقام في جوامع تفسير المنام دخل بلاد الشام قاصدا الروم فدخل دمشق وحلب واجتمع فيها بابن الحنبلي فأخذ كل منهما عن الآخر وأجاز كل منهما الآخر وتوفي بالمدينة المنورة وفيها نصر الله بن محمد العجمي الخلخالي الشافعي الفقيه ابن الفقيه درس بالعصرونية بحلب وكان ذكيا فاضلا صالحا متواضعا ساكنا ملازما على الصلوات في الجماعة حسن العبارة باللسان العربي توفي مطعونا في هذه السنة رحمه الله
وفيها السلطان همايون بن بابور وكان سبب موته سقوطه من سقف فقال مؤرخ وفاته بالفارسي همايون بادشاه ازبام افتاد قاله في النور
سنة ثلاث وستين وتسعمائة
فيها توفي أحمد بن حسين بن حسن بن محمد المعروف بابن سعد الدين الشامي القبيباتي الجبائي الصالح القدوة العارف بالله تعالى شيخ بني سعد الدين بدمشق قال في الكواكب كان له أوقات يقيم فيها الذكر والسماع ويكتب النشر والحجب على طريقة أهله المعروفة وكان له الكشف التام والكرامات الكثيرة وكان له سخاء وقرى للواردين على عادتهم وتوفي يوم الجمعة من شهر شعبان ودفن بتربة الشيخ تقي الحصني خارج باب الله وخلفه في المشيخة أخوه الشيخ سعد الدين وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن حسين بن حسن بن عمر البيري الأصل الحلبي الشافعي العلامة الصوفي ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة ولقنه الذكر وهو صغير الشيخ علاء الدين الأنطاكي الخلوتي سنة ست وتسعمائة وألبسه الخرقة والتاج الأدهميين الشيخ عبد الله الأدهمي وكان عنده وسوسة زائدة في الطهارة ولا يلبس الملبس الحسن قال في الكواكب ذكره شيخ الإسلام الوالد في فهرست تلاميذه وأثنى عليه كثيرا وذكر أنه اجتمع به في رحلته من حلب إلى دمشق وقرأ عليه مدة في الفقه والنحو والأصول والحديث شيئا كثيرا وكتب له إجازة حافلة بما قرأه وبالاذن بالافتاء والتدريس انتهى ملخصا وفيها شهاب الدين أحمد بن الشيخ مركز الإمام العالم العامل قرأ في العربية والتفسير والحديث على والده واشتغل بالوعظ والتذكير فانتفع الناس به وله رسائل في بعض المسائل قاله في الكواكب
وفيها صدر الدين إسمعيل بن إبراهيم بن محمد بن سيف الدين بن عربشاه الشافعي ولد منلا عصام البخاري المشهور بالحواشي على شرح الكافية للجامي قدم حلب سنة ثمان وأربعين وقرأ شيئا من البخاري على شيخ الشيوخ الموفق ابن أبي بكر وأجاز له وظهر له فضل حسن وتوفي بين الحرمين الشريفين وهو ذاهب من المدينة إلى مكة وفيها أقضى القضاة سعد الدين
الأنصاري ابن القاضي علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الأنطاكي الحلبي الدمشقي قال ابن طولون لازم شيخنا العلاء المرحل في قراءة قطر الندى والوافية وعروض الأندلسي وغير ذلك واشتغل على الجلال النصيبي وغيره وعنى بالأدب وتولع بمقامات الحريري فحفظ غالبها وخط الخط الحسن وأخذ في صنعة الشهادة وناب في القضاء بأنطاكية فلم يشك منه أحد وتزوج ثم ترك التزوج مع الديانة والصيانة ومن شعره
( نظري إلى الأعيان قد أعياني ** وتطلبي الأدوان قد أدواني )
( من كل إنسان إذا عاينته ** لم تلق الا صورة الإنسان )
انتهى وكان فاضلا ناظما ناثرا يعرف باللسان التركي والفارسي وكان ساكنا في خلوة بالسميساطية فأصبح مخنوقا ملقى على باب الخانقاة المذكورة يوم السبت ختام صفر ودفن بباب الفراديس وفيها بدر الدين أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد السيد شريف العباسي الشافعي القاهري ثم الاسلامبولي ولد في سحر يوم السبت رابع عشرى شهر رمضان سنة سبع وستين وثمانمائة بالقاهرة وأخذ بالعلم بها عن علمائها فأول مشايخه الشمس النشائي وأخذ عن محي الدين الكافيجي وأمين الدين الأقصرائي والمحب بن الشحنة والشريف بن عيدو البرهان اللقاني والسراج العبادي والشمس الجوجري والجلال البكري والشمس بن قاسم والفخر الديمي والبرهان بن ظهيرة والمحب بن الفرس البصروي وسمع صحيح البخاري على المسندين العز الصحراوي وعبد الحميد الحرستاني بالأزهر وقرأه على البدر بن نبهان ثم لازم آخرا الرضى الغزي قال في الشقائق كانت له يد طولى وسند عال في علم الحديث ومعرفة تامة بالتواريخ والمحاضرات والقصائد الفرائد وكان له إنشاء بليغ ونظم حسن وخط مليح وبالجملة كان من مفردات العالم صاحب خلق عظيم وبشاشة ووجه بسام لطيف المحاورة عجيب النادرة متواضعا متخشعا أديبا لبيبا يبجل الصغير ويوقر الكبير كريم الطبع سخي
النفس مباركا مقبولا انتهى باختصار وأتى إلى القسطنطينية في زمن السلطان بايزيد ومعه شرح له على البخاري أهداه إلى السلطان فأعطاه بايزيد جائزة سنية ومدرسته التي بناها بالقسطنطينية ليقرىء فيها الحديث فلم يرض ورغب في الذهاب إلى الوطن ثم لما انقرضت دولة الغوري أتى القسطنطينية وأقام بها وعين له كل يوم خمسون عثمانيا على وجه التقاعد ومن مؤلفاته شرح البخاري شرحه في القاهرة وآخر مبسوط ألفه بالروم والظاهر أنه لم يتم وشرح على مقامات الحريري حافل جدا وقطعة على الارشاد في فقه الشافعي وشرح على الخزرجية في علم العروض وشرح على شواهد التلخيص واختصره في مختصر لطيف جدا ومن شعره
( إن رمت أن تسبر طبع امرىء ** فاعتبر الأقوال ثم الفعال )
( فإن تجدها حسنت مخبرا ** من حسن الوجه فذاك الكمال )
ومنه
( حال المقل ناطق ** عما خفى من عيبه )
( فإن رأيت عاريا ** فلا تسل عن ثوبه )
ومنه
( يا من بنى داره لدنيا ** عاد بها الربح منه خسرا )
( لسان أقوالها ينادي ** عمرت دارا لهدم أخرى )
ومنه
( دع الهوى واعزم على ** فعل التقى ولا تبل )
( فآفة الرأي الهوى ** وآفة العجز الكسل )
ومنه
( أرعشني الدهر أي رعش ** والدهر ذو قوة وبطش )
( قد كنت أمشي ولست أعيا ** والآن أعيا ولست أمشي )
وتوفي رحمه الله تعالى في هذه السنة
وفيها تقريبا عز الدين عبد العزيز بن علي بن عبد العزيز المكي الزمزمي الشافعي الإمام العالم المفنن ولد سنة تسعمائة ودخل بلاد الشام مارا بها إلى الروم سنة اثنتين وخمسين وله مؤلفان سمى أحدهما بالفتح المبين والثاني
بفيض الجود على حديث شيبتني هود ومن شعره وفيه تورية من ثلاثة أوجه
( وقال الغواني ما بقي فيه فضلة ** لشيء وفي ساقيه لم يبق من مخ )
( وفي ظل دوح المرخ مرخي غصونه ** فحيث انثنى أعرضن عن ذلك المرخي )
قال في الكواكب هو والد شيخنا شيخ الإسلام شمس الدين محمد الزمزمي أخذت عنه واستجزت منه لنفسي ولولدي البدري والسعودي في سنة سبع وألف وتوفي سنة تسع وألف أخذ عن والده المذكور وعن العلامة شهاب الدين بن حجر المكي انتهى
وفيها محي الدين عبد القادر بن أحمد القيصري البكراوي شهرة الشافعي تفقه بالسيد كمال الدين بن حمزة والبرهان العمادي الحلبي وأخذ عن غيرهما أيضا وكان علامة عارفا بالفقه والفرائض والأصول ولي مشيخة خانقاة أم الملك الصالح بحلب ودرس بالفردوس وولي تدريس الجامع الكبير بها وتوفي وهو يذكر اسم الله تعالى ذكرا متواليا ودفن بمقابر الصالحين بحلب وفيها سعد الدين علي بن محمد ابن علي بن عبد الرحمن بن عراق ولد سيدي محمد الفقيه المقرىء الشامي الحجازي الشافعي ولد كما ذكره والده في السفينة العراقية سنة سبع وتسعمائة بساحل بيروت وحفظ القرآن العظيم وهو ابن خمس سنين في سنتين ولازم والده في قراءة ختمة كل جمعة ست سنين فعادت بركة الله عليه وحفظ كتبا عديدة في فنون شتى وأخذ القراآت عن تلميذ أبيه الشيخ أحمد بن عبد الوهاب خطيب قرية مجدل مغوش وعن غيره وكان ذا قدم راسخة في الفقه والحديث والقراآت ومشاركة جيدة في غيرها وله اشتغال في الفرائض والحساب والميقات وقوة في نظم الأشعار الفائقة واقتدار على نقد الشعر وكان ذا سكينة ووقار لكنه أصم صمما فاحشا وولي خطابة المسجد النبوي ودخل دمشق وحلب في رحلته إلى الروم قال ابن طولون وعرض له الصمم في البلاد الرومية قال وذكر لي
أنه عمل شرحا على صحيح مسلم كصنيع القسطلاني على صحيح البخاري وشرع في شرح على العباب في فقه الشافعية قال وسافر من دمشق في عوده من الروم لزيارة بيت المقدس يوم الخميس ثالث جمادى الآخرة سنة تسع وأربعين ثم انصرف إلى مصر وذكر أنه في مدة إقامته بدمشق كان يزور قبر ابن العربي ويبيت عنده وأنه أشهر شرب القهوة بدمشق فكثرت من يومئذ حوانيتها قال ومن العجيب أن والده كان ينكرها وخرب بيتها بمكة وتوفي المترجم بالمدينة المنورة وهو خطيبها وإمامها وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عبد الأول السيد الشريف الحسيني الجعفري التبريزي الشافعي ثم الحنفي صدر تبريز وأحد الموالي الرومية المعروف بشصلى أمير اشتغل على والده وعلى منلا محمد البرلسي الشافعي وغيرهما ودرس في حياة أبيه الدرس العام سنة ست عشرة ثم دخل الروم وترقى في مدارسها إلى أن وصل إلى إحدى الثمان ثم ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين ثم قضاء دمشق فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين ووافق القطب بن سلطان والشيخ يونس العيثاوي في القول بتحريم القهوة ونادى بإبطالها ثم عرض بإبطالها إلى السلطان سليمان فورد أمره بإبطالها في شوال سنة ثلاث وخمسين وأشهر النداء بذلك وكان عالما فصيحا حسن الخط قال ابن الحنبلي وكان له ذؤابتان يخضبهما ولحيته بالسواد وذكر ابن طولون أنه كان محمود السيرة له حرمة زائدة وتوفي بالقسطنطينية
وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي الشافعي الإمام العلامة ولد خامس عشر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة وأخذ عن جماعة منهم البدر الغزي والشهاب الرملي وغيرهما وأجيز بالتدريس والافتاء وكان أحد المدرسين بجامع الأزهر وله حاشية حافلة على الجامع الصغير للحافظ السيوطي وكتاب سماه ملتقى البحرين وكان متضلعا من
العلوم العقلية النقلية قوالا بالحق ناهيا عن المنكر له توجه عظيم في قضاء حوائج اخوانه وعمر عدة جوامع في بلاد الريف رحمه الله تعالى
وفيها محمد بن عبد القادر أحد الموالي الرومية أخذ عن جماعة منهم المولى محي الدين الفناري وابن كمال باشا والمولى حسام جلبي والمولى نور الدين ثم خدم خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس حتى أعطى إحدى الثمان ثم ولي قضاء مصر ثم قضاء العساكر الأناضولية ثم تقاعد بمائة عثماني لاختلال عرض له برجله منعه من مباشرة المناصب ثم ضم له في تقاعده خمسون درهما وكان عارفا بالعلوم العقلية والنقلية وله ثروة بنى دارا للقراء بالقسطنطينية ودارا للتعليم في قرية قرملة رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين محمد بن محمود الطنيخي المصري الشافعي الإمام العلامة المجمع على جلالته إمام جامع الغمري أخذ عن الشيخ ناصر الدين اللقاني والشهاب الرملي والشمس الدواخلي وأجازوه بالافتاء والتدريس وكان كريم النفس حافظا للسانه مقبلا على شأنه زاهدا خاشعا سريع الدمعة لم يزاحم قط على شيء من وظائف الدنيا رحمه الله تعالى
وفيها المولى محمد بن محمود المغلوي الوفائي الحنفي أحد الموالي الرومية المعروف بابن الشيخ محمود خدم المولى سيدي القرماني وصار معيدا لدرسه وتنقل في المدارس ثم اختار القضاء فولي عدة من البلاد ثم عاد إلى التدريس حتى صار مدرسا بإحدى الثمان ثم أعطى قضاء القسطنطينية ثم تقاعد بمائة عثماني إلى أن مات وكان عارفا بالعلوم الشرعية والعربية له إنشاء بالتركية والعربية والفارسية يكتب أنواع الخط وله تعليقات على بعض الكتب وكان له أدب ووقار ولا يذكر أحدا إلا بخير رحمه الله تعالى
وفيها قاضي القضاة جلال الدين أبو البركات محمد بن يحيى بن يوسف الربعي التادفي الحلبي الحنبلي ثم الحنفي ولد في عاشر ربيع الأول سنة تسع
وتسعين وثمانمائة وأخذ عن أحمد بن عمر البارزي وأجاز له وعن الشمس السفيري والشمس بن الدهن المقرىء بحلب والشهابي بن النجار الحنبلي بالقاهرة وغيرهم وبرع ونظم ونثر وولي نيابة قضاء الحنابلة بحلب عن أبيه وعمره ست عشرة سنة إلى آخر الدولة الجركسية ثم لم يزل يتولى المناصب السنية في الدولتين بحلب وحماة ودمشق فإنه تولى بها نظر الجامع الأموي عن والده ثم ضم إليه نظر الحرمين الشريفين ثم سافر إلى القاهرة فناب للحنابلة بمحكمة الصالحية النجمية ثم بباب الشعرية ثم ولي نظر وقف الإشراف بالقاهرة ثم استقل بقضاء رشيد ثم تولى قضاء المنزلة مرتين ثم ولي قضاء حوران من أعمال دمشق ثم عزل عنه سنة تسع وأربعين فذهب إلى حماة وألف بها قلائد الجواهر في مناقب الشيخ عبد القادر وضمنه أخبار رجال أثنوا عليه وجماعة ممن لهم انتساب إليه من القاطنين بحماة وغيرهم ومن شعره
( يا رب قد حال حالي ** والدين أثقل ظهري )
( وقد تزايد مابي ** والهم شتت فكري )
( ولم أجد لي ملاذا ** سواك يكشف ضري )
( فلا تكلني لنفسي ** واشرح الهى صدري )
( وعافني واعف عني ** وامنن بتيسير أمري )
( بباب عفوك ربي ** أنخت أنيق فقري )
( فلا ترد سؤالي ** واجبر بحقك كسرى )
وتوفي بحلب قال ابن عمه ابن الحنبلي في تاريخه ولم يعقب ذكرا
وفيها تقريبا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن جلال الدين الخجندي المدني الحنفي قاضي الحنفية بالمدينة الشريفة وإمامهم بها بالمحراب الشريف النبوي كان عالما عاملا فاضلا عالي الإسناد معمرا ولي القضاء بغير سعي ثم عزل عنه فلم يطلبه ثم عزل عن الإمامة وكان معه ربعها فصبر على لأواء
المدينة مع كثرة أولاده وعياله ثم توجه إلى القاهرة فعظمه كافلها وعلماؤها وأخرج له من حواليها شيئا ثم عرض له بحيث يستغني عن القضاء ثم قدم حلب في حدود سنة ثلاث وخمسين والسلطان سليمان بها واجتمع به ابن الحنبلي وغيره من الأعيان قال ابن الحنبلي وكنت قد اجتمعت به في المدينة عائدا من الحج وتبركت به انتهى
سنة أربع وستين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي المزجاجي الحنفي الإمام العلامة قال في النور ولد سنة سبع وتسعين وثمانمائة وحفظ القرآن وسمع الحديث على جماعة منهم الشيخ عبد الرحمن الديبع وكتب له الإجازة والأسانيد بخطه وتفقه بجماعة من الحنفية وكتب في كتب الرقائق وسمع على الشيخين الوليين الكاملين المحققين يحيى بن الصديق النور وبه تخرج وانتفع والشيخ أبي الضياء وجيه الدين العلوي ولبس الخرقة من والده ثم ألبسه مرة أخرى أخوه لأمه الشيخ إسماعيل المزجاجي وأذن له في إلباسها وكان إماما علامة محققا عارفا مدققا بحرا من بحار الحقيقة والشريعة مرشدا مسلكا بلغ من كل فضل الأمل له اليد الطولى في كتب القوم وتخرج به جماعة منهم ولده العلامة المجتهد الحافظ شيخنا ومولانا أبو الحسن شمس الدين علي والشريف حاتم بن أحمد الأهدل وخلائق لا تحصى وبالجملة فقد كان فريد دهره ونادرة عصره ونسيج وحده ولازم بده علما وعملا وإفادة وسيادة وله كلام في الحقائق يشهد له بذلك وكان علماء وقته يجلونه غاية الاجلال ويشهدون له بالتقدم على الامثال وتوفي في جمادى الأولى بقرية الظاهر التي أنشأها جده الشيخ الصديق بن عبد الله المزجاجي الصوفي انتهى
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي البصروي الحنفي خلاف أبيه وجده فإنهما شافعيان العالم ابن العالم ابن العالم قرأ على والده والبدر الغزي
وغيرهما وولي قضاء فارا ثم الصلت وعجلون وتوفي في هذه السنة وتاريخ وفاته قاضي أحمد وفيها عبد الرحمن بن رمضان القصار والده اشتغل في العلم على ابن الحنبلي والجمال بن حسن ليه وكان صالحا دينا عفيفا طارح التكلف قانعا بأجرة أزرار كان يصنعها وكان له ذوق صوفي ومشرب صفي حج وجاور ومرض ثم شفي وعاد إلى حلب ومات بها في شعبان قاله في الكواكب وفيها عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي المالكي الإمام العالم الأديب شيخ القراء بالمدينة المنورة كان فاضلا علامة مفننا شاعرا صالحا دمث الأخلاق كثير التواضع له عدة منظومات في علوم شتى منها منهج الوصول ومهيع السالك للأصول في أصول الدين ونظم جواهر السيوطي في علم التفسير ودرر الأصول في أصول الفقه ونتائج الأنظار ونخبة الأفكار في الجدل ونظم العقود في المعاني والبيان وتحفة الأحباب في الصرف وغنية الأعراب في النحو ونزهة الألباب في الحساب والدر في المنطق وقدم دمشق بعد أن زار بيت المقدس من جهة المدينة في سنة إحدى وخمسين وأنشد
( قالوا دمشق جنة زخرفت ** من كل ما تهوى نفوس البشر )
( أما ترى الأنهار من تحتها ** تجري فقلت مجاوبا بل سقر )
( لأنها حفت بما تشتهي ** فهي إذا نار كما في الخبر )
ودخل حلب واستجاز بها الشمس السفيري والموفق بن أبي ذر ومن شعره أيضا
( ذوو المناصب إما أن يكون لهم ** نصب وإلا فهم فيها ذوو نصب )
( فلا تعرج عليها ما بقيت وكن ** بالله محتسبا في تركها تصب )
( لا سيما منصب القاضي فإنك إن ** تزغ عن الحق فيه كنت ذا عطب )
( فإن قضى الله يوما بالقضاء أخي ** عليك فاعدل ولكن لا إلى الذهب )
وتوفي بالمدينة المنورة رحمه الله تعالى وفيها محي الدين عبد القادر ابن حسن العجماوي الشافعي العالم الفاضل أخذ عن علماء عصره وبرع ومهر وأخذ عنه جماعات منهم شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن حسن البيلوني وأجازه في خامس عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وستين وتوفي في هذه السنة ظنا
وفيها محب الدين محمد بن عبد الجليل بن أبي الخير محمد المعروف بابن الزرخوني المصري الأصل الدمشقي الشافعي الإمام العلامة الأستاذ ابن الأستاذ القواس قال في الكواكب ولد سنة خمس وتسعين وثمانمائة وطلب العلم على كبر وحصل عدة فنون وكان من أخصاء الشيخ الوالد ومحبيه وكان ينوب عنه في إمامة الجامع الأموي قال الوالد ولزمني كثيرا وقرأ على ما لا يحصى كثرة انتهى وفيها محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي الشافعي العبد الصالح الورع والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا بدمشق أخذ الطريق عن الشيخ عبد الهادي الصفوري وكان صواما قواما ينسج القطن ويأكل من كسب يمينيه وما فضل من كسبه تصدق به وتعاهد الأرامل واليتامى قال في الكواكب وأخبرني بعض جماعته قال كان ربما سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه فيفرغ من نسجه وقت الغداء من ذلك اليوم فيمد له في الزمان انتهى
سنة خمس وستين وتسعمائة
فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عثمان بن محمد بن عثمان بن أحمد بن محمد ابن عثمان بن عمر بن محمد العمودي اليمني الشافعي الإمام العلامة الفقيه ابن الفقيه قال في النور ولد بزبيد سنة خمس عشرة وتسعمائة تقريبا واشتغل في العلوم وبرع وكان من كبار أهل العلم والفتيا والتدريس مع الورع التام والزهد العظيم والاقبال على الطاعة وكثرة العبادة والسلوك على نهج السلف الصالح ولزوم الخمول وترك ما لا يعني والإحسان الدائم إلى الفقراء والمحتاجين
والطلبة وكان يعرف اسم الله الأعظم وينفق من الغيب وتعظمه الأكابر ومن محفوظاته الارشاد في الفقه وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعدية فيجيب عنها وتوفي يوم السبت حادي عشر المحرم بتعز وبنيت على قبره قبة عظيمة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن ناصر الأعزازي الأصل الشافعي إمام الثانية بجامع المهمندار تفقه على البرهان العمادي كأبيه وأشغل بعض الطلبة قاله في الكواكب وفيها القاضي شهاب الدين أحمد ابن العلاوي قال في الكواكب كان يعرف الفرائض والحساب وكان يتولى القضاء في بر الشام فقتل في بعض القرى وهو والد يوسف الشاعر انتهى
وفيها المولى نور الدين حمزة الكرماني الرومي الحنفي الصوفي طلب العلم ثم رغب في التصوف وخدم العارف بالله تعالى سنبل سنان ثم العارف بالله تعالى محمد بن بهاء الدين وصار له عنده القبول التام وكان خيرا دينا قوالا بالحق مواظبا على آداب الشريعة مراعيا لحقوق الاخوان توفي بالقسطنطينية رحمه الله تعالى وفيها عبد الصمد بن الصالح المرشد محي الدين محمد العكاري الحنفي نزيل دمشق الإمام العلامة قال الشيخ يونس العيثاوي كان رجلا صالحا وانتهت إليه الفتيا في مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وحصل له محنة من نائب دمشق سنان الطواشي والقاضي السيد المعروف بشصلي أمير قال وحصل الانكار عليه بسكنه في المدرسة العادلية المقابلة للظاهيرة وكان له تدريس مدرسة القصاعية وحصل له ثروة وكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في الجامع الأموي وكان والده يربي الفقراء على طريقة حسنة وتوفي عبد الصمد يوم الإثنين ثامن رجب وفيها كريم الدين عبد الكريم ابن إبراهيم بن مفلح الحنبلي الشيخ الفاضل كان كاتبا في المحكمة الكبرى بدمشق ومات فجأة فإنه بيض أربعة أوراق مساطير ثم خرج فبينما هو في الطريق سقط لوجهه وحمل إلى منزله فلما وضع مات ودفن بالقلندرية بباب
الصغير وصبر والده واحتسب وفيها عبد الملك بن عبد الرحمن ابن رمضان بن حسن الحلبي الشافعي المعروف بابن القصاب قال ابن الحنبلي تفقه على والده وحبس بعده لشكاية الخواطر على حسب حاله وحدث على كرسي جامع دمرداش انتهى وفيها محمد بن سويدان الحلبي الصوفي قال في الكواكب كان شيخا صالحا منورا همذاني الخرقة أدرك السيد عبد الله التستري الهمذاني وتلقن منه الذكر وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان وتوفي عن نحو مائة سنة رحمه الله تعالى انتهى
وفيها أبو الفتح محمد بن فتيان المقدسي الشافعي الإمام العلامة كان إمام الصخرة بالمسجد الأقصى أربعين سنة وتوفي في ربيع الآخر رحمه الله تعالى وفيها أبو البقاء محمد البقاعي الحنفي خطيب الجامع الأموي بدمشق وكان خادم سيدي الشيخ أرسلان ميلاده يوم الإثنين رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسعين وثمانمائة وتوفي فجأة ليلة الخميس عاشر ذي القعدة كذا بخط ابن صاحب العنوان
سنة ست وستين وتسعمائة
فيها توفي تقريبا برهان الدين إبراهيم بن بخشي بالموحدة بن إبراهيم الحنفي المشهور بدادة خيلفة مفتي حلب قيل كان في الأصل دباغا فمن الله تعالى عليه بطلب العلم حتى صار من موالي الروم وهو أول من درس بمدرسة خضر باشا بحلب وأول من أفتى بها من الأروام قال ابن الحنبلي صحبناه فإذا هو مفنن ذو حفظ مفرط ترجمة عبد الباقي العربي وهو قاضيها لأنه انفرد في المملكة الرومية بذلك مع غلبة الرطوبة على أهلها واستيلاء النسيان عليهم بواسطتها قال وذكر هو عن نفسه أنه كان بحيث لو توجه إلى حفظ التلويح في شهر لحفظه إلا أنه كان واظب على صوم داود عليه السلام ثمان سنوات فاختلف دماغه
فقل حفظه ولم يزل في حلب على جد في المطالعة وديانة في الفتوى حتى ولي منصب الافتاء بأزنيق من بلاد الروم وكان يقول لو أعطيت بقدر هذا البيت ياقوتا ما حلت عن الشرع شبرا وألف رسالة في تحريم اللواط وأخرى في أقسام أموال بيت المال وأحكامها ومصارفها وثالثة في تحريم الحشيش والبنج انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن القاضي برهان الدين إبراهيم الأخنائي الشافعي أحد أصلاء دمشق كان قليل المخالطة ملازما للأموي توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول ودفن عند والده بالقرب من جامع جراح
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الأول القزويني المشهور في دياره بالسعيدي الإمام العلامة المفنن المحقق سئل عن مولده فأخبر أنه ولد سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة وأن له نسبا إلى سعيد بن زيد الأنصاري أحد العشرة وذكر أنه ختم القرآن وهو ابن ست سنين وأربعة أشهر وأربعة أيام وأنه أخذ الفرائض عن أبيه وأفتى فيها صغيرا سنة إحدى وتسعمائة وله مؤلفات منها شرح ايساغوجي ألفه ببلاده ثم دخل بلاد العرب واستوطن دمشق وحج منها ثم سافر إلى حلب فأكرم مثواه دفتردارها اسكندر بيك ثم سافر معه وجمعه بالسلطان سليمان وأعطى بالقسطنطينية تدريسا جليلا وسافر مع السلطان إلى قتال الأعاجم وعاد معه وألف هناك كتبا منها حاشية على شرح فرائض السراجي للسيد ناقش فيها ابن كمال باشا ثم عاد إلى دمشق سنة أربع وستين واشترى بيت ابن الفرفور وعمره عمارة عظيمة وجعل فيه حماما وبيوتا كثيرة بالسقوف الحسنة والأرائك العظيمة وغرس أشجارا ومات وأرباب الصنائع يشتغلون عنده في أنواع العماير وتوفي ليلة الأحد رابع عشر شعبان ودفن بباب الصغير بالقلندرية قاله في الكواكب
وفيها بدر الدين حسن بن يحيى بن المزلق الدمشقي الشافعي العالم الواعظ قال الشيخ يونس العيثاوي كان من أهل العلم والديانة ولي تدريس الأتابكية
بالصالحية وتفقه على الشيخ تقي الدين القاري أي وعلى الشيخ يونس العيثاوي وأخذ عن القاضي زكريا والتقوى بن قاضي عجلون والبدر الغزي وتوفي يوم الأربعاء سادس عشرى صفر ودفن بتربة أهله خارج باب الجابية بدمشق في المحلة المحروقة تجاه تربة باب الصغير وخلف كتبا كثيرة اشتراها جد الشيخ إسمعيل النابلسي وفيها حسين جلبي متولي تكية السلطان سليم خان بالصالحية بدمشق قال في الكواكب شنق هو وسنان القرماني يوم الخميس رابع عشر شوال صلبا معا بدار السعادة وشاشاهما وعمامتاهما على رؤسهما وهما ذوا شيبتين نيرتين رحمهما الله تعالى انتهى
وفيها سنان القرماني نزيل دمشق قال في الكواكب هو والد أحمد جلبي ناظر أوقاف الحرمين الآن بدمشق ولي نظارة البيمارستان ثم نظارة الجامع الأموي وانتقد عليه أنه باع بسط الجامع وحصره وأنه خرب مدرسة المالكية التي بقرب البيمارستان النوري وتعرف بالصمصامية وحصل به الضرر بمدرسة النورية فشنق بسبب هذه الأمور هو وحسين جلبي انتهى ملخصا
وفيها كريم الدين عبد الكريم بن الشيخ الإمام قطب الدين محمد بن عبادة الصالحي الحنبلي الأصيل العريق الفاضل قال في الكواكب توفي في أواخر ذي القعدة عن بنتين ولم يعقب ذكرا وانقرضت به ذكور بني عبادة ولهم جهات وأوقاف كثيرة انتهى وفيها فاطمة بنت عبد القادر بن محمد ابن عثمان الشهيرة ببنت قريمزان الشيخة الفاضلة الصالحة الحنفية الحلبية شيخة الخانقتين العادلية والدجاجية معا كان لها خط جيد ونسخت كتبا كثيرة وكان لها عبارة فصيحة وتعفف وتقشف وملازمة للصلاة حتى في حال المرض ولدت في رابع محرم سنة ثمان وسبعين وثمانمائة ثم تزوجها الشيخ كمال الدين محمد بن مير جمال الدين بن قلى درويش الأردبيلي الشافعي نزيل المدرسة الرواحية بحلب الذي قيل أن جده أول من شرح المصباح قالت
وعن زوجي هذا أخذت العلم وكان يقول ملكني الله تعالى ستة وثلاثين علما وتوفيت في هذه السنة وأوصت أن تدفن معها سجادتها قال ابن الحنبلي وقد ظفرت بشهود جنازتها وحملها فيمن حمل رحمها الله تعالى
وفيها ناصر الدين محمد بن سالم الطبلاوي الشافعي الإمام العلامة أحد العلماء الأفراد بمصر أجاز العلامة محمد البيلوني كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة قال فيها تلقيت العلم عن أجلة من المشايخ منهم قاضي القضاة زكريا وحافظو عصرهم الفخر بن عثمان الديمي والسيوطي والبرهان القلقشندي بسندهم المعروف وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ شهاب الدين البيجوري شارح جامع المختصرات نزيل الثغر المحروس بدمياط بالأجازة العالية عن شيخ القراء والمحدثين محمد بن الجزري وقال الشعراوي صحبته نحو خمسين سنة فما رأيت في أقرانه أكثر عبادة لله تعالى منه لا تكاد تراه إلا في عبادة وانتهت إليه الرياسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه وكان مشهورا في مصر بكثرة رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل عليه الخلائق إقبالا كثيرا بسبب ذلك فأشار عليه بعض الأولياء بإخفاء ذلك فأخفاه قال وليس في مصر الآن أحد يقرىء في سائر العلوم الشرعية وآلاتها إلا هو حفظا وقد عدوا ذلك من جملة إمامته فإنه من المتبحرين في التفسير والقراآت والفقه والنحو والحديث والأصول والمعاني والبيان والحساب والمنطق والكلام والتصوف وما رأيت أحدا في مصر أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه وجمع على البهجة شرحين جمع فيهما ما في شرح البهجة لشيخ الإسلام وزاد عليها ما في شرح الروض وغيره وولي تدريس الخشابية وهي من أجل تدريس في مصر وشهد له الخلائق بأنه أعلم من جميع أقرانه وأكثرهم تواضعا وأحسنهم خلقا وأكرمهم نفسا لا يكاد أحد يغضبه وتوفي بمصر عاشر جمادى الآخرة ودفن في حوش الإمام الشافعي رضي
الله عنه وعمر نحو مائة سنة
وفيها شمس الدين محمد الجعيدي الدمشقي الشافعي رئيس دمشق في عمل الموالد كان من محاسن دمشق التي انفردت بها قاله في الكواكب
وفيها يونس بن يوسف الطبيب رئيس الأطباء بدمشق الشيخ الفاضل وهو والد الشيخ شرف الدين الخطيب قال الشيخ يونس العيثاوي كان ذكيا فطنا انتهت إليه رياسة الطب بدمشق وأقبلت عليه الدنيا انتهى وأخذ عنه الطب ولده الشيخ شرف الدين والشيخ محمد الحجازي وتوفي يوم الإثنين رابع عشر شعبان أو خامس عشره
سنة سبع وستين وتسعمائة
فيها تقريبا توفي أحمد بن محمود بن عبد الله الحنفي أحد موالي الروم المعروف بابن حامد الإمام العلامة تنقل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب وأثنى على فضله ابن الحنبلي وله مؤلفات منها شرح المفتاح للسيد الجرجاني وحاشية على كتاب الهداية في الفقه وفيها وجيه الدين عبد الرحمن بن الشيخ عمر بن الشيخ أحمد بن عثمان بن محمد العمودي الشافعي أخذ عن الحافظ شهاب الدين بن حجر الهيتمي والشيخ أبي الحسن البكري وغيرهما وتفقه وبرع وكان إماما وليا قدوة حجة من الأولياء الصالحين والمشايخ العارفين كثير العبادة والاجتهاد عظيم الورع والزهد والمثابرة على الأعمال الصالحة مع الاشتغال بالعلوم النافعة والتواضع الزائد والاستقامة العظيمة قال الشيخ عبد القادر الفاكهي فيه حين ذكر أنه أخذ عن ابن حجر أخذ عنه أخذ رواية أخذ شيخ عن شيخ كما قيل في أخذ أحمد عن الشافعي وأن جل الشيخ يعني ابن حجر ومن تصانيفه حاشية على الارشاد وكان أراد محوها فمنعه ابن حجر من ذلك ومنها النور المذرور ولم يتزوج مدة عمره قال الفاكهي ومناقبه أفردتها برسالة وجاور بمكة المشرفة سنين ومات بها يوم الجمعة تاسع عشرى
رجب وفيها تقريبا مصلح الدين محمد بن صلاح بن جلال الملتوي الأنصاري السعدي العبادي الشافعي المشهور بمنلا مصلح الدين اللاري تلميذ ميرغياث الدين بن أمير صدر الدين محمد الشيرازي قال ابن الحنبلي قدم حلب سنة أربع وستين في تجارة فأسفر عن علوم شتى وتأليفات متنوعة منها شرح الشمايل وشرح الأربعين النووية وشرح الارشاد في الفقه وشرح السراجية وحاشية على بعض البيضاوي وحاشية على مواضع من المطول وأخرى على مواضع من المواقف وأخرى على شرح الكافية للجامي انتصر فيه لمحشيه عبد الغفور اللاري على محشيه منلا عصام البخاري وهي كثيرة الفوائد والزوائد وغير ذلك قال ولما دخل حلب دخلها في ملبس دنيء وهو يستفسر عن أحوال علمائها ثم لبس المعتاد وطاف بها ومعه بعض العبيد والخدم في أموال التجارة ولكن من غير تعاظم في نفسه ولا تكثر في حد ذاته لما كان عنده من مشرب الصوفية واشتغل عليه بعض الطلبة واستفتاه بعض الناس هل اجتماع الدف والشبابة في السماع مباح أم لا فأجاب أن كلا منهما مباح فاجتماعهما مباح أيضا واستند إلى قول الغزالي في الأحياء إن أفراد المباحات ومجموعها على السواء إلا إذا تضمن المجموع محذورا لا يتضمنه الآحاد قال وقد وقع المنع من قبل أهل زماننا وأفتى جدي بالجواز وصحح فتواه أكابر العلماء من معاصرين ببلاد فارس ثم نقل فتوى جده بطولها ونقل قول البلقيني في تحريم النووي الشبابة لا يثبت تحريمها إلا بدليل معتبر ولم يقم النووي دليلا على ذلك ثم نقل تصحيح الجلال الدواني لفتوى جده ثم كلام الدواني في شرح الهياكل حيث قال الإنسان يستعد بالحركات العبادية الوضعية الشرعية للشوارق القدسية بل المحققون من أهل التجريد قد يشاهدون في أنفسهم طربا قدسيا مزعجا فيتحركون بالرقص والتصفيق والدوران ويستعدون بتلك الحركة لشروق أنوار أخر إلى أن ينقص ذلك الحال عليهم بسبب من الأسباب
كما يدل عليه تجارب السالكين وذلك سر السماع وأصل الباعث للمتألهين على وضعه حتى قال بعض أعيان هذه الطائفة أنه قد ينفتح لهم في الأربعينيات قال ابن الحنبلي وكان مصلح الدين قد حكم قبل هذا النقل بإباحة الرقص أيضا بشرط عدم التثني والتكسر في كلام مطول قال ثم أن مصلح الدين رحل في تلك السنة إلى مكة فحج وجاور ثم رجع من مكة إلى حلب فقطن بها واستفتى ثم توجه إلى الباب الشريف ومعه عرض من قاضي مكة عتيق الوزير الأعظم فخلع عليه خلعة ذات وجهين وأهدى إليه مالا وأعطاه من جوالي مصر أربعين درهما في كل يوم فظهر لها مستحقون فلم يتصرف بها ثم عاد إلى حلب ثم رحل منها إلى آمد انتهى وفيها ظنا زين الدين منصور بن عبد الرحمن الحريري الدمشقي الشافعي الشهير بخطيب السقيفة الإمام العلامة كان خطيبا بجامع السقيفة خارج باب توما سنين كثيرة وكان خادم ضريح الشيخ أرسلان مدة طويلة وكانت له يد طولى في علوم كالتفسير والعربية وكان صوفي المشرب رسلاني الطريقة أخذ عن جماعة منهم البدر الغزي وله أرجوزة في حفظ الصحة ورسالة سماها برسالة النصيحة في الطريقة الصحيحة قال ابن الحنبلي تعاني الأدب ونظم ونثر وألف مقامة حسنة غزلة سماها لوعة الشاكي ودمعة الباكي وشاع ذكره بحل الزايرجة للسبتي واتصل بسبب ذلك بالسلطان أبي يزيد خان فأكرم مثواه وبلغه مناه ثم عاد إلى وطنه ومأواه ثم دخل إلى حلب سنة خمس وستين ثم ذكر كلاما يقتضي الطعن فيه ومن شعره
( يا صاحبي اهجرا جنح الدجى الوسنا ** لتخبرا في الورى عن بهجة وسنى )
( هذا من الشرع ميزان لفعلكما ** ولا تميلا إلى مستقبح وزنا )
ومنه مقتبسا
( عاذلي ظن قبيحا ** مذ رأى عشقي ينم )
( ظن بي ما هو فيه ** أن بعض الظن إثم )
وله
( ظن بالناس جميلا ** واتبع الخيرات تسمو )
( واجتنب ظنا قبيحا ** أن بعض الظن اثم )
وله
( إن عزت الصهباء يا سيدي ** وكان في الحضرة عذب اللمى )
( جعلت سكري ماء ريق له ** لا واخذ الله السكارى بما )
سنة ثمان وستين وتسعمائة
فيها كما قال في النور جاء جنكزخان إلى سرت وأحرق دورها وخربها وسبى أهلها واستأثر وقتل صاحبها خداوندخان قتل يوم الثلاثاء آخر ذي القعدة بجلنجان وكان خداوند هذا أميرا كبيرا جليلا رفيع المنزلة حسن الأخلاق جميل الصورة طيب السيرة جوادا سخيا محببا إلى الناس محبا لأهل الخير مجمعا لأهل العلم حسن العقيدة في الأولياء عريق الرياسة وكانت سرت في زمنه مأوى للأفاضل ورثاه أبو السعادات الفاكهي بقصيدة طنانة مطلعها
( الدهر في يقظة والسهو للبشر ** والموت يبدو ببطش البدو والحضر )
( والسام أصعب كاس أنت ذائقه ** قبل التدثر للأجساد بالحفر )
انتهى وفيها توفي القطب العارف بالله تعالى أحمد بن الشيخ حسين بن الشيخ عبد الله العيدروس قال في النور كان من سادات مشايخ الطريقة المكاشفين بأنوار الحقيقة جمع له بين كمال الخلق والخلق وبسط المعرفة وصحة النية وصدق المعاملة ومناقبه كثيرة وأحواله شهيرة وتوفي في سابع جمادى الأولى بتريم ورثاه والدي بمرثية عظيمة مطلعها
( تقضي فتمضي حكمها الأقدار ** والصفو تحدث بعده الأكدار )
انتهى وفيها المولى عصام الدين أبو الخير أحمد بن مصلح الدين المشتهر بطاش كبرى زادة صاحب الشقائق النعمانية قال في ذيل الشقائق المذكورة المسمى بالعقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم كان من العلماء
الأعيان توفي وهو مدرس بإحدى المدارس الثمان بعد ما كان قاضيا بحلب وأخذ عن أبيه الحديث والتفسير ثم قرأ على المولى سيدي محمد القوجوي وصار ملازما منه ثم على المولى محمد الشهير بميرم جلبي وكمل عنده العلوم الرياضية وقرأ على غير هؤلاء ودرس بعدة مدارس ثم قلد قضاء قسطنطينية فأجرى الأحكام الدينية إلى أن رمد رمدا شديدا انتهى إلى أن عميت كريمتاه فكان مصداق ما جاء في الأثر إذا جاء القضاء عمى البصر فاستعفى عن المنصب واشتغل بتبييض بعض تآليفه وكان بحرا زاخرا منصفا مصنفا راضيا بالحق عاريا عن المكابرة والعناد وإذا أحس من أحد مكابرة أمسك عن التكلم وحكى عنه أنه مسك لسان نفسه وقال أن هذا فعل ما فعل من التقصير والزلل وصدر عنه ما صدر من الحق والغلط غير أنه ما تكلم في طلب المناصب الدنيوية قط ومن مصنفاته المعالم في الكلام وحاشية على حاشية التجريد للشريف الجرجاني من أول الكتاب إلى مباحث الماهية جمع فيه مقالات المولى القوشي والجلال الدواني ومير صدر الدين وخطيب زادة وشرح القسم الثالث من المفتاح وكتاب الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية وقد جمعه بعد عماه وهو أول من تصدى له وكتاب ذكر فيه أنواع العلوم وضروبها وموضوعاتها وما اشتهر من المصنفات في كل فن مع نبذ من تواريخ مصنفيها وهو كتاب نفيس غزير الفوائد وجمع كتابا في التاريخ كبيرا واختصره وله غير ذلك وابتلي بمرض الباسور وبه توفي سنة ثمان وستين وتسعمائة انتهى ما ذكره صاحب ذيل الشقائق باختصار وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن حسين بن علي بن أبي بكر بن علي الأسدي الحلبي الحنفي المشهور بابن درهم ونصف الإمام العلامة ولد في محرم سنة ست وثلاثين وتسعمائة وحفظ القرآن العظيم وتخرج بعمه أخي أبيه لأمه الشيخ عبد الله الأطعاني في معرفة الخط والقراءة ثم لازم ابن الحنبلي أكثر من عشرين سنة في عدة فنون كالعربية والمنطق وآداب
البحث والحكمة والكلام والأصول والفرائض والحديث والتفسير وأجازه إجازة حافلة في سنة سبع وستين وحج وجاور سنة فأخذ فيها عن السيد قطب الدين الصفوي المطول وعاد إلى حلب فلازم منلا أحمد القزويني في الكلام والتفسير وتولى مدرسة الشهابية تجاه جامع الناصري بحلب وطالع كتب القوم وتواريخ الناس ونظم الشعر ومن شعره مقتبسا
( يا غزالا قد دهاني ** لم يكن لي منه علم )
( لا تظنن ظن سوء ** إن بعض الظن إثم )
وفيها القاضي أبو الجود محمد بن محمد بن محمد الأعزازي قال في الكواكب كتب بخطه لنفسه ولغيره من الكتب المبسوطة ما يكاد يخرج عن طوق البشر من ذلك خمس نسخ من القاموس وعدة نسخ من الأنوار وعدة نسخ من شرح البهجة وشرح الروض وكتب البخاري وشرحه لابن حجر في كتب أخرى لا تحصى كثرة وكتب نحو خمسين مصحفا كل ذلك مع اشتغاله بالقضاء ووقف نسخة من البخاري على طلبة اعزاز قبل وفاته انتهى وفيها المولى محمود الايدني المعروف بخواجة قيني قال في العقد المنظوم كان أبوه من كبار قضاة القصبات ثم طلب ابنه هذا العلم وأكب حتى صار ملازما وتزوج المولى خير الدين معلم السلطان باخته فعلت به كلمته وارتفعت مرتبته فقلد مدارس عدة ثم قلد قضاء حلب ثم قضاء مكة مرتين وكان حسن الخلق بشوشا حليما لا يتأذى منه أحد أدركته منيته بقصبة اسكدار انتهى
وفيها المولى يحيى بن نور الدين الشهير بكوسج الأمين الحنفي كان أبوه من الأمناء العثمانية متوليا على الخراجات الخاصة فاختار صاحب الترجمة طريق العلم على طريق آبائه فاشتغل على أفاضل زمانه حتى صار معيدا لدرس علاء الدين الجمالي وتميز في خدمته حتى زوجه بابنته ودرس بعدة مدارس ثم
قلد قضاء بغداد وكان من أفاضل الروم صاحب يد طولى في الحديث والتفسير والوعظ بحيث لما بنى السلطان سليمان مدرسته بقسطنطينية وجعلها دار حديث أعطاها له لاشتهاره بعلم الحديث وعين له كل يوم مائة درهم ثم اتفق أنه اتهم ببيع الإعادة والملازمة وأخذ الرشى على اعطاء الحجرات فغضب عليه السلطان وعزله فاغتم لذلك غما شديدا فلم يمض إلا القليل حتى توفي وكان لذيذ الصحبة حلو المحاورة خاليا عن الكبر والخيلاء مختلطا بالمساكين والفقراء إلا أن فيه خصلة سميه يحيى بن أكتم قاله في ذيل الشقائق
سنة تسع وستين وتسعمائة
فيها توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن مفلح الراميني الحنبلي الإمام العلامة ولد في رابع عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعمائة وقرأ على والده وغيره ودأب وحصل وباشر القضاء وتوفي ليلة الاثنين ثالث أو رابع عشرى شعبان وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن يس الدجاني الشافعي الإمام العالم العامل العارف بالله تعالى أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون وصاحب سيدي محمد بن عراق كان يحفظ القرآن العظيم ومنهاج النووي قال تلميذه يوسف الدجاني الأربدي كان الشيخ أحمد الدجاني لا يعرف النحو فبنيما هو في خلوته بالأقصى إذ كوشف بروحانية النبي صلى الله عليه وسلم فقال له يا أحمد تعلم النحو قال فقلت له يا رسول الله علمني فألقى علي شيئا من أصول العربية ثم انصرف قال فلما ولي لحقته إلى باب الخلوة فقلت الصلاة والسلام عليك يا رسول الله وضممت اللام من من رسول فعاد إلي وقال لي أما علمتك النحو أن لا تلحن قل يا رسول الله بفتح اللام قال فاشتغلت بالنحو ففتح علي فيه دخل دمشق في أوائل سنة إحدى وخمسين وتسعمائة بسبب قضاء حوائج للناس عند نائب الشام
وكاتب الولايات وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة منتصف رجب وشكره الناس على خطبته وزار الشيخ محي الدين بن عربي وأقام الذكر عنده وكان صالحا قانتا عابدا خاشعا وتوفي ببيت المقدس في جمادى الأولى
وفيها شاه علي جلبي ابن المرحوم قاسم بك قال في العقد المنظوم كان أبوه من الغلمان الذين يخدمون في دار السعادة العامرة في عهد السلطان محمد خان ولما خرج منها صار متوليا لبعض العماير ونشأ ابنه صاحب الترجمة في حجر أبيه وسار نحو تحصيل العلوم الظاهرة وأسباب الفوز في الآخرة فقرأ على عبد الرحمن بن علي بن المؤيد حتى حصل طرفا صالحا ثم تفرغ للعبادة وصحب رجال الطريقة منهم الشيخ محمود النقشبندي والشيخ جمال الدين الخلوتي ثم وزع أوقاته بين العلم والعبادة والإفادة وكان عالما عاملا مثابرا على الطاعة إلى أن توفي عن خمس وستين سنة انتهى
وفيها مصلح الدين بن شعبان المعروف بسروزي الحنفي الإمام العلامة ولد بقصبة كليبولي وكان أبوه تاجرا صاحب يسار فبذل له مالا عظيما لطلب العلم ودار به على الاعلام فأخذ عن المولى القادري وطاش كبرى زادة وغيرهما وبرع وأحرز فضائل جمة وقال الشعر اللطيف فلقب بسروري وكان فارسا في لغة فارس وله مؤلفات عربية ورومية وفارسية وتنقل في المدارس وأكب على الاشتغال والتصنيف وكان بهي المنظر حلو المخبر تلوح عليه آثار الفوز والفلاح جوادا سمحا ومن مصنفاته الحواشي الكبرى على تفسير البيضاوي وأولها الحمد لله الذي جعلني كشاف القرآن وصيرني قاضيا بين الحق والبطلان والحواشي الصغرى عليه أيضا وشرح قريبا من نصف البخاري وحاشية على التلويح وحاشية على أوائل الهداية وشروح لبعض المتون المختصرة وغير ذلك وتوفي بمرض الهيضة عن اثنتين وسبعين سنة ودفن عند مسجده بقصبة قاسم باشا
وفيها أبو محمد معروف بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد اليمني الشيخ الكبير القدوة الشهير العارف بالله تعالى قال في النور ولد بشبام في ليلة الجمعة حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة وكان كبير الشأن ذا كرامات ظاهرة وآيات باهرة أفرد مناقبه بعض الفضلاء بالتصنيف وكان ذا جاه عظيم وقبول عند الخاص والعام وكان سبب خروجه من بلده إلى دوعان أنه وشى به إلى السلطان بدر الكثيري بأشياء منها فرط اعتقاد الناس فيه وامتثالهم أوامره ونواهيه فأمر بنفيه من البلاد بعد الاشهار بإهانته فنودي عليه هذا معبودكم يا أهل شبام وجعل في عنقه حبلا وطيف به ومن غريب الاتفاق أن السلطان أمر بعض أمرائه أن يتولى فعل ذلك وكان ذلك الأمير من معتقدي الشيخ المذكور فتوقف لذلك فأرسل إليه الشيخ أن افعل ما أمرت به وأنا ضمينك على الله بالجنة فرضى الله عنه وتوفي ليلة السبت خامس عشر صفر بدوعان انتهى
سنة سبعين وتسعمائة
فيها كمال قال في النور كان في ثاني يوم من شوال السيل العظيم الهائل بحضرموت الذي لم يسمع بمثله أخرب كثيرا من تلك الجهة وأتلف كثيرا من النخيل وهم يذكرونه ويؤرخون به وهو المسمى عندهم سيل الاكليل وقد ضمن تاريخه صاحبنا الفاضل الفقيه عبد الله بن أحمد بن فلاح الحضرمي فقال
( سيل بوادي حضرموت أذاه عم ** في نوء اكليل النجوم لقد نسم )
( وضعوا له تاريخ ناسب جوره ** يلقاه من يطلبه في أحرف ظلم )
وفيها توفي المولى أحمد أفندي بن المفتي أبي السعود قال في ذيل الشقائق كان من الأفاضل الأماثل ظهرت عليه النجابة من صغره ودأب في الطلب فاشتغل على أبيه حتى صار معيد درسه واشتغل أيضا على طاش كبرى زادة وبرع في عدة فنون وتنقل في المدارس إلى أن صار مدرسا بإحدى الثمان ثم
صحب بعض الأراذل فرغبه في أكل بعض المعاجين فلما أدام أكله تغير مزاجه وآل به الأمر إلى أن توفي في جمادى الأولى وما بلغ ثلاثين سنة
وفيها خليل بن أحمد بن خليل بن أحمد بن شجاع الحمصي الحلبي المولد والمنشأ الشافعي المشهور بابن النقيب الإمام العالم توفي في هذه السنة أو التي قبلها كما قاله في الكواكب وفيها الشيخ زين الدين بن إبراهيم ابن محمد بن محمد الشهير بابن نجيم الحنفي الإمام العلامة قال ولده الشيخ أحمد هو الإمام العالم العلامة البحر الفهامة وحيد دهره وفريد عصره كان عمدة العلماء العاملين وقدوة الفضلاء الماهرين وختام المحققين والمفتين أخذ عن العلامة قاسم بن قطلوبغا والبرهان الكركي والأمين بن عبد العال وغيرهم وألف رسائل وحوادث ووقائع في فقه الحنفية من ابتداء أمره يحتاج إليها في زماننا وشرح الكنز وسماه بالبحر الرائق شرح كنز الدقائق وصل إلى آخر كتاب الاجارة وكتاب الاشباه والنظائر وكتاب شرح المنار في الأصول وكتاب لب الأصول مختصر تحرير الأصول لابن الهمام وكتاب الفوائد الزينية في فقه الحنفية وصل فيها إلى ألف قاعدة وأكثر وتعليق على الهداية وحاشية على جامع الفصولين وغير ذلك وتوفي صبيحة يوم الأربعاء من رجب انتهى ملخصا أي وتأخرت وفاة أخيه الشيخ عمر إلى بعد الألف
وفيها شمس الدين أبو عبد الله عبد البر بن قاضي القضاة الحنابلة بدمشق زين الدين عمر بن مفلح الحنبلي ميلاده يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثمانمائة كذا في العنوان وتوفي ثالث عشرى جمادى الأولى كذا بخط ابن صاحب العنوان
سنة إحدى وسبعين وتسعمائة
فيها كان سيل عظيم بمكة المشرفة بل سيول فدخل السيل الحرم الشريف وعلا على الركن اليماني ذراعا فقال مؤرخا لذلك الأديب صلاح الدين القرشي
( يا سائلي تاريخ سيل طمى ** علا على الركن اليماني ذراع )
وفيها توفي تقريبا إن لم يكن تحديدا برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم التسيلي بفتح المثناة الفوقية وبالمهملة وبعد المثناة التحتية لام الصالحي الشافعي الإمام العالم المحدث المسند العارف بالله تعالى أخذ عن الإمام محمد بن علي الحنفي الصالحي الإمام وسمع منهم ومن غيرهم من الأعلام ما لا يحصى ودأب وحصل وشاع ذكره وبعد صيته بعلو الاسناد وأخذ عنه الأعيان منهم شيخ شيوخنا الشيخ إبراهيم بن الأحدب وأثنى عليه بالعلم ووصفه بالتصوف والولاية وبالجملة فقد كان آية من آيات الله تعالى علما وعملا زهدا وورعا وعلو سند رحمه الله تعالى
وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن أحمد بن حمزة الرملي الأنصاري الشافعي الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام تلميذ القاضي زكريا أخذ الفقه عنه وعن طبقته وكان من رفقاء البدر الغزي وأخذ عنه النور الزيادي والنور الحلبي وأضرابهما وأقرأ وأفتى وخرج وصنف ومن مصنفاته شرح الزبد لابن أرسلان وشرح منظومة البيضاوي في النكاح ورسالة في شروط الإمامة وشرح شروط الوضوء وغير ذلك قاله ولده وقال توفي في بضع وسبعين وتسعمائة وفيها حسين بن علي الحصكفي الشافعي الإمام العالم قال في الكواكب مولده سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة ونظم تصريف العزي وهو ابن أربع عشرة سنة وقرظ له عليه شيخ الإسلام الوالد انتهى
وفيها المولى عبد الباقي بن المولى علاء الدين العربي الحلبي الحنفي اشتغل بطلب العلوم حتى وصل إلى مجلس المفتي علاء الدين الجمالي وصار ملازما منه ثم تنقلت به الأحوال إلى أن ولي قضاء حلب ثم قضاء مكة ثم قضاء بروسة ثم قضاء القاهرة ثم قضاء مكة ثانيا وكان من أعلام العلماء صاحب يد في العلوم وربى أكابر من أعيان الروم وكان كثير العناية بالدرس وجمع الأماثل صاحب اشتهار
كثير حتى قيل لم يبلغ أحد مبلغه في الاشتهار والظهور وكان يلقى مدة اقامته سبعة دروس أو ثمانية لكنه كان في غاية الحرص على حب الرياسة والجاه وقد بذل في تحصيل قضاء العسكر أموالا عظيمة منها أنه كان بنى زمن قضائه ببرسا حماما عاليا على ماء جار من غرائب الدنيا يحصل منه مال عظيم في كل سنة فوهبه للوزير رستم باشا فلم يثمر له بثمرة وتوفي بحلب في الطاعون ولم يعقب قاله في ذي الشقائق وفيها المولى عبد الرحمن بن جمال الدين الحنفي الشهير بشيخ زادة الإمام العلامة قال في العقد المنظوم ولد بقصبة من زيقون وطلب العلم وخدم العلماء كالمولى حافظ العجمي والمولى محمد القراماني وحصل طرفا من العلم ثم اتصل بخدمة عرب جلبي فأخذ عنه وأقام على قدم الاقدام واهتم في تحصيل المعارف فمهر في العلوم العربية والفنون الأدبية وتميز في الحديث والتفسير والوعظ ثم ولي مدرسة دار الحديث بقصبة أبي أيوب الأنصاري وخطابة جامع قاسم باشا وكان حسن النغم طيب الألحان ومن جملة من يتغنى بالقرآن ثم عين له وظائف الوعظ والتذكير في عدة جوامع وتميز على أقرانه وكان من جلة العلماء وأكابر الفضلاء ويكفيه من الفخر ما كتب له به أبو السعود أفندي المفتي في صورة اجازته وهو هذا اللهم رب الأرباب مالك الرقاب منزل الكتاب محق الحق وملهم الصواب صل وسلم على أفضل من أوتي الحكمة وفصل الخطاب وعلى آله الأوتاد وصحبه الأقطاب وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وبعد فلما توسمت في رافع هاتيك الأرقام زين العلماء الأعلام الألمعي الفطن اللبيب واللوذعي اللقن الأريب ذي الطبع الوقاد والذهن القوي النقاد العاطف لأعنة عزائمه إلى ابتغاء مرضاة الله تعالى من غير عاطف يثنيه والصارف لازمة مراده نحو تحصيل زلفاه بلا صارف يلويه الساعي في تكميل النفس بالكمالات العلية بحسب قوتيه النظرية والعملية سليل المشايخ الأخيار نجل العلماء
الأبرار مولانا الشيخ عبد الرحمن بن قدوة العارفين الشيخ جمال الدين وفقه الله تعالى لما يحبه ويرضاه وأتاح له في أولاه وأخراه ما هو أولاه وأخراه دلائل نبل ظاهر في الفنون ومخائل فضل باهر في معرفة الكتاب المكنون أجزت له في مطالعة الكتب الفاخرة واحتياض المعالم الزاخرة التي ألفها أساطين أئمة التفسير من كل وجيز وبسيط وصنفها سلاطين أسرة التقرير من كل شامل ومحيط واستخراج ما في بطونها من الفوائد البارعة واستنباط ما في تضاعيفها من الفوائد الرائعة وسوغت له إفادتها للمقتبسين من أنوارها تفسيرا وتقريرا ولفاضتها على المغتنمين من مغانم آثارها عظة وتذكيرا على ما نظمه بنان البيان في سمط السطور ورقمه يراعة البراعة في طي رقها المنشور حيثما أجاز لي شيخي ووالدي المرحوم بحر المعارف ولجة العلوم صاحب النفس المطمئنة القدسية محرز الملكات الأنسية المنسلخ من النغوت الناسوتية الفاني في أحكام الشؤن اللاهوتية العارف لاطوار خطرات النفس الواقف على أسرار الحضرات الخمس مالك زمام الهداية والارشاد حجة الخلق على كافة العباد محي الحقيقة والشريعة والدين محمد بن مصطفى العمادي المجاز له من قبل مشايخه الكبار لا سيما أستاذه الجليل المقدار الجميل الآثار الحبر السامي والبحر الطامي الصنديد الفريد والنحرير المجيد عم والدي علاء الملة والدين المولى الشهير بعلي القوشجي صاحب الشرح الجديد للتجريد وأستاذي العلامة العظيم الشان والفهامة الجلي العنوان الإمام الهمام السميذع القمقام نسيج وحده ووحيد عهده عبقري لا يوجد له مثال أو حدي تضرب بمآثره الأمثال المولى البارع الأمجد أبو المعالي عبد الرحمن بن علي بن المؤيد المجاز له من قبل أستاذه المشهور جلالة قدره فيما بين الجمهور المعروف فضائله لدى القاصي والداني جلالة الملة والدين محمد بن أسعد الدواني المجاز له من قبل أساتذته العظام الذين من زمرتهم والده العلي القدر سعد الملة والدين أسعد
الصديقي المجاز له من قبل مشايخه الفهام لا سيما أستاذه علامة العالم مسلم الفضل بين جماهير الأمم الغني عن التعريف على الاطلاق المشتهر بلقبه الشريف في أكناف الآفاق زين الملة والدين علي المحقق الجرجاني وأستاذي الماجد الخطير النقاب المحدث النحرير ذو القدر الأتم والفخر الأشم أبو الفضائل سيدي محمد بن محمد المجاز له من قبل أستاذه الفاضل وشيخه الكامل ذو النسب السامي والفضل العصامي المولى الشهير بحسن جلبي محشي شرح المواقف والتلويح والمطول المجاز له من جهة شيخه الأجل وأستاذه الشامخ المحل وحيد عصره وأوانه وفريد دهره وزمانه علاء المجد والدين المشهور بالمولى علي الطوسي صاحب كتاب الذخر وغيره والله سبحانه أسأل مكبا على وجه الذل والمهانة ساجدا على جبهة الضراعة والاستكانة أن يفيض عليهم سجال عفوه وغفرانه وشآبيب رحمته ورضوانه ويهدينا سبل الهدى ومناهج الرشاد ويقينا مصارع السوء يوم التناد أنه رؤف بالعباد كتبه العبد الفقير إلى الله سبحانه الراجي من جنابه عفوه وغفرانه أبو السعود الفقير عفى عنه وتوفي شيخ زادة في هذه السنة انتهى وفيها بدر الدين حسين بن السيد كمال الدين محمد بن السيد عز الدين حمزة بن السيد شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد السيد الشريف الحسيني الشافعي الدمشقي ولد سنة ست وعشرين وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وكان مدرسا في الشامية الجوانية والجامع الأموي وفيه انحصر نسب هذا البيت من الذكور وكانت وفاته بعد صلاة الجمعة سابع عشرى ذي القعدة ودفن بتربة والده بالقرب من سيدي بلال الحبشي وفيها السيد وجيه الدين عبد الرحمن بن حسين بن الصديق الأهدل اليمني الشافعي قال في النور ولد سنة إحدى وتسعين وثمانمائة بمدينة زبيد ونشأ بها وقرأ القرآن وصحب جماعة من المشايخ ونصبه الشيخ المعروف بابن إسمعيل الجبرتي شيخا وهو ابن ثلاث عشرة سنة
وظهرت عليه آثار بركة المشايخ الصالحين وفتح عليه فتوح العارفين حتى لحق من قبله وساد أهله وتضاءلت المشايخ الأكابر وشهدت له بالتقدم على الأوائل والأواخر فأصبح فريد دهره ووحيد عصره منقطع النظير متصلا بجده بالأثير كثرت أتباعه وأصحابه من المشايخ والعلماء والقضاة والأمراء والوزراء والأغنياء والفقراء وكان كثير الإنفاق ميسرة عليه الأرزاق ما قصده سائل فخاب ولا أمه وافد إلا ورجع بزلفى وحسن مآب وهو مع ذلك على قدم التوكل والفتح الرباني وكان مشاركا في كثير من العلوم وجمع كتبا كثيرة في فنون شتى وكان إذا خرج من بيته تزدحم عليه الناس تلتمس بركته ومن كراماته أنه جاءه مريض قد عظم من الاستسقاء فقرب إليه طعاما وأمره أن يأكله جميعه ففعل ما أمره فزال عنه ذلك المرض في الحال وكراماته لا تنحصر وتوفي بزبيد في جمادى الأولى وقبره بها مشهور مزور عليه قبة حسنة انتهى
وفيها علاء الدين علي بن إسماعيل بن موسى بن علي بن حسن بن محمد الدمشقي الشافعي الشهير بابن عماد الدين وبابن الوس بكسر الواو وتشديد السين المهملة الإمام العلامة كان أبوه سمسارا في القماش بسوق جقمق وولد صاحب الترجمة ليلة السبت خامس عشرى رجب سنة سبع عشرة وتسعمائة ولازم في الفقه الشيخ تقي الدين القاري وغيره وأخذ الحديث عن جماعات منهم الشهاب الحمصي ثم الدمشقي والبرهان البقاعي وأخذ العربية عن الشمس ابن طولون والكمال بن شقير والأصول عن المولى أميرجان التبريزي حين قدم دمشق والكلام والحكمة عن منلا حبيب الله الأصفهاني والعربية أيضا والتفسير عن الشيخ مغوش المغربي وأخذ عن خلائق وحج وقرأ على قاضي مكة ابن أبي كثير وولي نيابة القضاء بمحكمة الميدان ثم نيابة الباب مدة طويلة وأقامه بعض قضاة القضاة مقامه وسافر إلى الروم فعجب علماء الروم
من فطانته وفضيلته مع قصر قامته وصغر جثته وسموه جك علاء الدين وكانوا يضربون المثل به وأعطى ثم تدريس دار الحديث الأشرفية بثلاثين عثمانيا قال ابن طولون وهو درس متجدد لم يكن بالدار المذكورة سوى مشيخة الحديث ثم أعرض عن نيابة القضاء وأقبل على التدريس وغلبت عليه المعقولات وعمل حواشي على شرح الألفية لابن المصنف وكان يقرىء ويدرس ويفتي وكان يحفظ القرآن العظيم ويكثر تلاوته وانتفع به كثيرون منهم الشيخ إسماعيل النابلسي والشيخ عماد الدين والشمس بن المنقار والمنلا أسد وغيرهم ومن شعره
( لولا ثلاث هن لي بغية ** ما كنت أرضى أنني أذكر )
( عز رفيع وتقي زائد ** والعلم عنى في الملا ينشر )
ومنه
( قل لأبي الفتح إذا جئته ** قول عجول غير مستأن )
( أدرك بني البرش على برشهم ** قد منعوا من قهوة البن )
وتوفي بدمشق بعد ظهر يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر وحضر جنازته قنالي زادة وفيها غرس الدين جلبي بن إبراهيم بن أحمد الحنفي الإمام العلامة نشأ بمدينة حلب وطلب العلم وجد واجتهد فبلغ ما قصد وقرأ بحلب على الشيخ حسن السيوفي ثم ارتحل ماشيا إلى دمشق وأخذ فيها الطب عن ابن المكي وانتقل إلى القاهرة ماشيا أيضا فاشتغل بها على ابن عبد الغفار أخذ عنه الحكميات والرياضات والعلوم العقلية وأخذ علوم الدين عن القاضي زكريا وفاق أقرانه وسار بذكره الركبان ورفع منزلته الملك الغوري ولما وقع بينه وبين سلطان الروم حضر الوقعة مع الجراكسة إلى أن استولى السلطان سليم على الديار المصرية وتم الأمر جيء بابن الغوري وصاحب الترجمة أسيرين فعفا عنهما وصحبهما إلى قسطنطينية فاستوطنها المترجم وشرع في إشاعة معارفه حتى اشتغل عليه كثير من ساداتها وكان رأسا في جميع العلوم خصوصا
الرياضيات صاحب فنون غريبة وكان مشهورا بالبخل في التعليم ولم يقبل مدة عمره وظيفة وكان يلبس لباسا خشنا وعمامة صغيرة ويقنع بالنزر من القوت ويكتسب بالتطبب ومن مصنفاته التذكرة في علم الحساب ومتن وشرح في الفرائض وحاشية على فلكيات شرح المواقف وحاشية على الجامي إلى آخر المرفوعات وحاشية على شرح النفيسي للموجز في الطب وشرح جزءين من تفسير القاضي البيضاوي وكتاب في علم الزايرجة وشرح القصيدة الميمية للمفتي أبي السعود وأتى به إليه فعانقه وأكرمه غاية الإكرام ولما نظر إلى ما كتبه استحسنه وأعطاه جائزة سنية وفيها المولى محمد بن المفتي أبي السعود وربى في حجر والده وأخذ عنه العلوم حتى برع فيها واستدل بطيب الأصل على طيب الثمر ثم أخذ عن المولى محي الدين الفناري ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء دمشق فحسنت سيرته ثم قضاء حلب ثم بعد مضي سنة انتقل إلى رحمه الله تعالى في حياة أبيه وما ناف عمره على أربعين سنة
وفيها رضى الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عبد الرحمن المعروف بابن الحنبلي الحنفي الحلبي الإمام العلامة المؤرخ أخذ عن الخناجري والبرهان الحلبي وعن أبيه وآخرين وقد استوفى مشايخه في تاريخه وحج سنة أربع وخمسين وتسعمائة ودخل دمشق وانتفع به جماعة من الأفاضل بدمشق كشيخ الإسلام محمود البيلوني والشمس بن المنقار وأخذ عنه جماعات منهم العلامة أحمد بن المنلا والقاضي محب الدين وكان إماما بارعا مفننا مسندا مصنفا وله مؤلفات في عدة فنون منها حاشية على شرح تصريف العزى للتفتازاني وشرح على النزهة في الحساب والكنز المظهر في حل المضمر ومخايل الملاحة في مسائل المساحة وسرح المقلتين في مساحة القلتتين وكنز من حاجي وعمى في الأحاجي والمعمي ودر الحبب في تاريخ حلب ونظم الشعر فمنه قوله مضمنا
( بالله أن نشوات شمطاء الهوى ** نشأت فكن للناس أعظم ناس )
( متغزلا في هالك بجماله ** بل فاتك بقوامه المياس )
( واشرب مدامة حب حب وجهه ** كاس ودع نشوات خمر الطاس )
( وإذا شربت من المدام وشربها ** فاجعل حديثك كله في الكاس )
وله
( يا من لمضطرم الأوام ** حديثه المروي رى )
( أروى شمائلك العظام ** لرفقة حضروا لدى )
( على أنال شفاعة ** تسدى لدى العقبى إلى )
( وإذا شفعت لذنبه ** ولأنت لم تنعت بلى )
( حاشا شمائلك اللطيفة ** أن ترى عونا على )
وتوفي يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى ودفن بمقابر الصالحين بالقرب من قبر الشيخ الزاهد محمد الخاتوني بين قبريهما نحو عشرة أذرع
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي الأصل المقدسي الشافعي الإمام العلامة عالم بلاد القدس الشريف وابن عالمها وأحد الخطباء بالمسجد الأقصى كان كأبيه وجده علامة فهامة جليل القدر رفيع المحل شامل البر للخاصة والعامة كثير السخاء وافر الحرمة دينا صالحا ماهرا في الفقه وغيره تفقه على والده ورحل إلى مصر فأخذ عن علمائها كالقاضي زكريا والنور المحلى ودخل دمشق بعد موت عمه الشيخ أبي الفضل لاستيفاء ميراثه فخطب بالجامع الأموي يوم الجمعة حادي عشرى ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين وتسعمائة وتوفي ببيت المقدس في رجب
سنة اثنتين وسبعين وتسعمائة
فيها توفي العلامة عبد الله بن أحمد الفاكهي المكي الشافعي النحوي قال في النور أمه أم ولد حبشية وولد سنة تسع وتسعين وثمانمائة وكان من كبار
العلماء مشاركا في جميع العلوم وله مصنفات مفيدة منها شرح الأجرومية وشرح على متمميها للحطاب أجاد فيهما كل الإجادة وشرح على قطر ابن هشام في غاية الحسن وصنفه عام ستة عشر وتسعمائة وعمره حينئذ ثمان عشرة ولما سار إلى مصر وجد جماعة يقرؤونه وقد أشكل عليهم محل منه فأجاب عن الاشكال فلم يثقوا بالجواب لعدم علمهم بأنه مصنفه حتى أخبرهم أنه هو الشارح واستشهد على ذلك من كان هناك من المكيين وشرح الملحة واستنبط حدودا للنحو في نحو كراسة ثم شرحها أيضا في كراريس ولم يسبق إلى مثل ذلك وبالجملة فإنه لم يكن له نظير في زمانه في علم النحو فإنه كان فيه آية من آيات الله تعالى انتهى ملخصا
وفيها عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد مخرمة اليمني الشافعي أخذ عن والده وعمه العلامة الطيب والقاضي عبد الله باسرومي وكان يقول أني استفدت من هذا الولد أكثر مما استفاد مني وجد واجتهد حتى برع وانتصب للتدريس والفتوى وصار عمدة يرجع إلى فتواه وانتهت إليه رياسة العلم والفتوى في جميع جهات اليمن وقصد بالفتاوى من الجهات النازحة والأقاليم البعيدة وأخذ عنه الأعلام منهم محمد بن عبد الرحيم باجابر وأبحاثه في كتبه وأجوبته تدل على قوة فطنته وغزارة مادته وكانت تغلب عليه الحرارة حتى على طلبته وكان فيه على ما قيل بأومفرط والكمال لله وكان ناثرا ناظما فصيحا مفوها ومن تصانيفه كتاب ينكت فيه على شرح المنهاج للهيتمي في مجلدين وفتاوى في مجلد ضخم والمصباح لشرح العدة والسلاح وشرح الرحبية وذيل على طبقات الشافعية للأسنوي ورسالتان في الفلك والميقات ورسالة في الربع المجيب وغير ذلك ومن شعره
( قلت سلام الله من مغرم ** ما ان سلا عنكم فقالوا سلا )
( فقلت هل ترضون لي وقفة ** قالوا فما تطلب قلت الكلا )
ومنه
( الواو من صدغه في العطف يطعمني ** والسيف من لحظه يومي إلى العطب )
( فحين ما حرت قام الهجر ينشدني ** السيف أصدق أنباء من الكتب )
ومنه
( قالت أراك من الذكاء في غاية ** جلت عن الاسهاب والاطناب )
( فعلام تبدي في الأمور تغابيا ** فأجبت سيد قومه المتغابي )
وتوفي بعدن ليلة الإثنين لعشر مضت من رجب عن خمس وستين سنة
وفيها السيد الشريف عبد الرحمن بن عبد الله بن عثمان العباسي البيروتي ثم الدمشقي الصوفي قال في الكواكب جاور بمكة نحو عشرين سنة وكان يعتمر كل يوم مرة أو مرتين مع كبر سنه وربما اعتمر في اليوم والليلة خمس مرات قيل كان يطوف في اليوم والليلة مائة أسبوع من الصوم والعبادة إلى أن توفي بمكة ودفن بالمعلاة وفيها شمس الدين محمد الطبلني بضم الطاء المهملة والباء الموحدة وإسكان اللام ثم نون نسبة إلى طبلنة قرية من قرى تونس المغربي المالكي الإمام العلامة تلميذ الشيخ مغوش برع في العربية والمنطق وشرح مقامات الحريري وحشى توضيح ابن هشام وتوفي بطرابلس خامس عشر صفر وفيها المولى مصلح الدين بن المولى محي الدين المشتهر بابن المعمار الحنفي الإمام العلامة قال في ذيل الشقائق توفي أبوه قاضيا بحلب فوجه هو همته إلى العلوم وقرأ على المولى محي الدين الشهير بالمعلول والشيخ محمد جوى زادة ثم صار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء برسا ثم قضاء أدرنة ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء المدينة المنورة وكان عالما عاملا قليل الكبر كثير الانشراح محبا للمفاكهة والمزاح وقد علق حواشي على حاشية حسن جلبي على
التلويح على الدرر والغرر ولم تتم ولما انفصل عن المدينة المنورة وعاد فلما بلغ مصر أدركته منيته في شوال انتهى
سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة
فيها توفي تاج الدين إبراهيم بن عبد الله الحميدي الحنفي قال في العقد المنظوم اشتغل بالعلوم وأفنى عنفوان شبابه في ذلك وتلقى من الأفاضل كالمولى صار لوكوز وصار منه ملازما ثم تنقل في المدارس وكتب حاشية على صدر الشريعة رد فيها على المولى ابن كمال باشا في مواضع كثيرة ثم كتب رسالة وجمع فيها من مواضع رده عليه ستة عشر موضعا وقال في أول ديباجتها اعلموا معاشر طلاب اليقين سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين أن المختصر الذي سوده الحبر الفاضل والبحر الكامل الشهير بابن كمال باشا رحمه الله وسماه بالاصلاح والإيضاح مع خروجه عن سنن الفلاح والصلاح باشتماله على تصرفات فاسدة واعتراضات غير واردة من السهو والزلل والخبط والخلل لاتيانه بما لا ينبغي وتحرزه عما ينبغي مشتمل على كثير من المسائل المخالفة للشرع بحيث لا يخفى بعد التنبيه للأصل والفرع ولا ينبغي الانقياد لحقيقتها للمبتدي ولا العمل بها للمنتهي لوجود خلافها صريحا في الكتب المعتبرات من المطولات والمختصرات ثم كتب منها نسختين دفع إحداهما إلى الوزير محمد باشا الصوفي وكان ينتسب إليه والثانية إلى الوزير الكبير رستم باشا فلما أخذها طلب قراءتها فلما وصل إلى تشنيعه على المولى المزبور تغير غاية التغير بسبب أنه كان قرأ على المولى المزبور وكان ذلك سببا لخموله ثم تنبه له الدهر فولي المدارس إلى أن صار مفتيا بأماسية وكان بحر المعارف ولجة العلوم بارعا في العلوم العقلية والنقلية خصوصا الفقه قانعا باليسير سخيا وأخذ عنه الأجلاء وكثر الازدحام عليه وكتب حاشية على بعض المواضع من شرح المفتاح للسيد يرد فيها على المولى ابن كمال باشا في المواضع التي يدعي التفرد فيها وله
عدة رسائل على مواضع من شرح التجريد للشريف وله شرح على متن المراح وتوفي في أول الربيعين انتهى وفيها أحمد بن علوي بن محمد بن علي ابن جحدب بن محمد بن عبد الله بن علوي بن باعلوي اليمني الزاهد قال في النور كان يعد في حكم رجال الرسالة لشدة ورعه وتقشفه واستقامته وحسن طريقته وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات لعلها لا توجد في تراجم كبار الأولياء ولم يتقدموه إلا بالسبق في الزمان ومن كراماته أنه لما حج رؤي يشرب من ماء البحر فقيل له في ذلك فقال أليس كل أحد يشربه فأخذ بعضهم ما بقي في الإناء فشربه فإذا هو حلو وكف بصره في آخر عمره وحصل عليه قبل انتقاله بأربعة أيام جذبة من جذبات الحق دهش بها عقله وتحير لبه وانغمر بها سره وأخذ عن نفسه فكان يقوم إلى الصلاة بطريق العادة وهو مأخوذ عن حسه وربما صلى إلى غير القبلة وتوفي ببلدة تريم يوم الثلاثاء ثامن عشر شهر رمضان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد ابن علي بن حجر نسبة على ما قيل إلى جد من أجداده كان ملازما للصمت فشبه بالحجر الهيتمي السعدي الأنصاري الشافعي الإمام العلامة البحر الزاخر ولد في رجب سنة تسع وتسعمائة في محلة أبي الهيتم من اقليم الغربية بمصر المنسوب إليها ومات أبوه وهو صغير فكفله الإمامان الكاملان شمس الدين بن أبي الحمايل وشمس الدين الشناوي ثم أن الشمس الشناوي نقله من محلة أبي الهيتم إلى مقام سيدي أحمد البدوي فقرأ هناك في مبادىء العلوم ثم نقله في سنة أربع وعشرين إلى جامع الأزهر فأخذ عن علماء مصر وكان قد حفظ القرآن العظيم في صغره وممن أخذ عنه شيخ الإسلام القاضي زكريا والشيخ عبد الحق السنباطي والشمس المشهدي والشمس السمهودي والأمين الغمري والشهاب الرملي والطبلاوي وأبو الحسن البكري والشمس
اللقاني الضيروطي والشهاب بن النجار الحنبلي والشهاب بن الصائغ في آخرين وأذن له بالافتاء والتدريس وعمره دون العشرين وبرع في علوم كثيرة من التفسير والحديث والكلام والفقه أصولا وفروعا والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق والتصوف ومن محفوظاته المنهاج الفرعي ومقروآته لا يمكن حصرها وأما إجازات المشايخ له فكثيرة جدا استوعبها في معجم مشايخه وقدم إلى مكة في آخر سنة ثلاث وثلاثين فحج وجاور بها ثم عاد إلى مصر ثم حج بعياله في آخر سنة سبع وثلاثين ثم حج سنة أربعين وجاور من ذلك الوقت بمكة وأقام بها يدرس ويفتي ويؤلف ومن مؤلفاته شرح المشكاة وشرح المنهاج وشرحان على الارشاد وشرح الهمزية البوصيرية وشرح الأربعين النواوية والصواعق المحرقة وكف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع والزواجر عن اقتراف الكبائر ونصيحة الملوك وشرح ألفية عبد الله بافضل الحاج المسمى المنهج القويم في مسائل التعليم والأحكام في قواطع الإسلام وشرح العباب المسمى بالايعاب وتحذير الثقات عن أكل الكفتة والقات وشرح قطعة صالحة من ألفية ابن مالك وشرح مختصر أبي الحسن البكري في الفقه وشرح مختصر الروض ومناقب أبي حنيفة وغير ذلك وأخذ عنه من لا يحصى كثرة وازدحم الناس على الأخذ عنه وافتخروا بالانتساب إليه وممن أخذ عنه مشافهة شيخ مشايخنا البرهان بن الأحدب وبالجملة فقد كان شيخ الإسلام خاتمة العلماء الاعلام بحرا لا تكدره الدلا إمام الحرمين كما أجمع عليه الملا كوكبا سيارا في منهاج سماء الساري يهتدي به المهتدون تحقيقا لقوله تعالى { وبالنجم هم يهتدون } واحد العصر وثاني القطر وثالث الشمس والبدر أقسمت المشكلات ألا تتضح إلا لديه وأكدت المعضلات أليتها أن لا تنجلي إلا عليه لا سيما في الحجاز عليها قد حجر ولا عجب فإنه المسمى بابن حجر وتوفي رحمه الله تعالى بمكة في رجب ودفن بالمعلاة
في تربة الطبريين وفيها المولى صالح بن جلال الحنفي قال في العقد المنظوم كان أبوه من كبار قضاة القصبات ونشأ هو مشغولا بالعلم وأربابه واهتم بالتحصيل وقرأ على الأجلاء وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس والمناصب إلى أن ولي قضاء حلب ثم قضاء دمشق ثم قضاء مصر ثم كف فتقاعد بمدرسة أبي أيوب الأنصاري بمائة درهم وكان مشاركا في أكثر العلوم له منها حظ وافر زكي النفس كثير السخاء محسنا متفضلا كتب حواشي على شرح المواقف وعلى شرح الوقاية لصدر الشريعة وعلى شرح المفتاح للشريف الجرجاني وجمع لطائف علماء الروم ونوادرهم وله ديوان شعر وديوان انشاء كلاهما بالتركي انتهى
وفيها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراوي الشافعي قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته هو شيخنا الإمام العامل العابد الزاهد الفقيه المحدث الأصولي الصوفي المربي المسلك من ذرية محمد بن الحنفية ولد ببلده ونشأ بها ومات أبوه وهو طفل ومع ذلك ظهرت فيه علامة النجابة ومخايل الرياسة والولاية فحفظ القرآن وأبا شجاع والأجرومية وهو ابن نحو سبع أو ثمان ثم انتقل إلى مصر سنة إحدى عشرة وتسعمائة وهو مراهق فقطن بجامع الغمري وجد واجتهد فحفظ عدة متون منها المنهاج والألفية والتوضيح والتلخيص والشاطبية وقواعد ابن هشام بل حفظ الروض إلى القضاء وذلك من كراماته وعرض ما حفظ على علماء عصره ثم شرع في القراءة فأخذ عن الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري قرأ عليه ما لا يحصى كثرة منها الكتب الستة وقرأ على الشمس الدواخلي والنور المحلى والنور الجارحي ومنلا على العجمي وعلي القسطلاني والأشموني والقاضي زكريا والشهاب الرملي ما لا يحصى أيضا وحبب إليه الحديث فلزم الاشتغال به والأخذ عن أهله ومع ذلك لم يكن عنده جمود المحدثين ولا لدونة النقلة
بل هو فقيه النظر صوفي الخبر له دربة بأقوال السلف ومذاهب الحلف وكان ينهى عن الحط على الفلاسفة وتنقيصهم وينفر ممن يذمهم ويقول هؤلاء عقلاء ثم أقبل على الاشتغال بالطريق فجاهد نفسه مدة وقطع العلائق الدنيوية ومكث سنين لا يضطجع على الأرض ليلا ولا نهارا بل اتخذ له حبلا بسقف خلوته يجعله في عنقه ليلا حتى لا يسقط وكان يطوي الأيام المتوالية ويديم الصوم ويفطر على أوقية من الخبز ويجمع الخروق من الكيمان فيجعلها مرقعة يستتر بها وكانت عمامته من شراميط الكيمان وقصاصة الجلود واستمر كذلك حتى قويت روحانيته فصار يطير من صحن الجامع الغمري إلى سطحه وكان يفتتح مجلس الذكر عقب العشاء فلا يختمه إلا عند الفجر ثم أخذ عن مشايخ الطريق فصحب الخواص والمرصفي والشناوي فتسلك بهم ثم تصدى للتصنيف فألف كتبا منها مختصر الفتوحات وسنن البيهقي الكبرى ومختصر تذكرة القرطبي والميزان والبحر المورود في المواثيق والعهود وكشف الغمة عن جميع الأمة والمنهج المبين في أدلة المجتهدين والبدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير ومشارق الأنوار القدسية في العهود المحمدية ولواقح الأنوار واليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر والجوهر المصون في علوم الكتاب المكنون وطبقات ثلاث ومفحم الأكباد في مواد الاجتهاد ولوائح الخذلان على من لم يعمل بالقرآن وحد الحسام على من أوجب العمل بالالهام والبراق الخاطف لبصر من عمل بالهواتف ورسالة الأنوار في آداب العبودية وكشف الران عن أسئلة الجان وفرائد القلائد في علم العقائد والجواهر والدرر والكبريت الأحمر في علوم الكشف الأكبر والاقتباس في القياس وفتاوى الخواص والعهود ثلاثة وغير ذلك وحسده طوائف فدسوا عليه كلمات يخالف ظاهرها الشرع وعقائد زائغة ومسائل تخالف الاجماع وأقاموا عليه القيامة وشنعوا وسبوا ورموه بكل
عظيمة فخذلهم الله وأظهره عليهم وكان مواظبا على السنة مبالغا في الورع مؤثرا ذوي الفاقة على نفسه حتى بملبوسه متحملا للأذى موزعا أوقاته على العبادة ما بين تصنيف وتسليك وافادة واجتمع بزاويته من العميان وغيرهم نحو مائة فكان يقوم بهم نفقة وكسوة وكان عظيم الهيبة وافر الجاه والحرمة تأتي إلى بابه الأمراء وكان يسمع لزاويته دوي كدوي النخل ليلا ونهارا وكان يحيى ليلة الجمعة بالصلاة على المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم يزل مقيما على ذلك معظما في صدور الصدور إلى أن نقله الله تعالى إلى دار كرامته ومن كلامه دوروا مع الشرع كيف كان لا مع الكشف فإنه قد يخطىء وقال ينبغي إكثار مطالعة كتب الفقه عكس ما عليه المتصوفة الذين لاحت لهم بارقة من الطريق فمنعوا مطالعته وقالوا أنه حجاب جهلا منهم وقال كل إنسان لا يعذب في النار إلا من الجزء الناري الذي هو أحد أركان بدنه وقال ذهب بعض أهل الكشف إلى أن جميع الحيوان لهم تكليف إلهي برسول منهم في ذواتهم لا يشعر به إلا من كشف عن بصره فإن لله الحجة على خلقه فلا يعذب أحدا إلا جزاءا فلا إشكال في إيلام الدواب وقال الجبر آخر ما تنتهي إليه المعاذير وذلك سبب مآل أهل الرحمة إلى الرحمة وتوفي رحمه الله في هذه السنة ودفن بجانب زاويته بين السورين
وقام بالزاوية بعده ولده الشيخ عبد الرحمن لكنه أقبل على جمع المال ثم توفي في سنة إحدى عشرة بعد الألف انتهى ملخصا
وفيها المولى كمال الدين المعروف بددة خليفة الحنفي الإمام العلامة قال في ذيل الشقائق كان من أولاد الأتراك ومن أصحاب البضائع وعالج صنعة الدباغة سنين حتى أناف عمره على العشرين مقيما ببلدة أماسية على ذلك فاتفق أن صنع لمفت من علماء العصر وليمة ببلده فذهب متطفلا فلما باشروا أمر الطعام طلبوا من يجمع لهم الحطب فرأوا صاحب الترجمة
قائما بزي الدباغين فأشار المفتي إلى صاحب الترجمة وقال ليذهب هذا الجاهل فعلم حينئذ وخامة الجهل وتأثر تأثيرا عظيما من الازدراء به ثم تضرع إلى الله تعالى وطلب منه الخلاص من ربقة الجهل وباع حانوته واشترى مصحفا وذهب إلى باب المفتي وبدأ في القراءة وقام في الخدمة حتى ختم القرآن العظيم وتوجهت همته إلى طلب العلم فأكب على الاشتغال حتى صار معيدا للمولى سنان الدين المشتهر باقلق ثم تولى عدة مدارس ثم عين مفتيا ببعض الجهات ثم تقاعد وكان عالما فاضلا آية في الحفظ والاحاطة له اليد الطولى في الفقه والتفسير وكتب حاشية على شرح تصريف العزى للتفتازاني وبسط فيه الكلام وله منظومة في الفقه وعدة رسائل في فنون عديدة انتهى ملخصا وفيها المولى محي الدين الشهير بابن الإمام نشأ طالبا للعلم مكبا عليه وقرأ على جماعات منهم المولى كمال وغيره ثم تنقل في الوظائف إلى أن قلد قضاء حلب بلا رغبة منه في ذلك ولا طلب فباشره قدر سنتين ولم يتلفظ بلفظ حكمت ثم صار مفتيا بأماسية وكان من العلماء العاملين والفضلاء الكاملين يحقق كلام القدماء ويدقق النظر في مقالات الفضلاء وقد علق على أكثر الكتب المتداولة حواشي إلا أنه لم يتيسر له جمعها وتبييضها وتوفي في أول الربيعين
سنة أربع وسبعين وتسعمائة
فيها توفي المولى تاج الدين إبراهيم المناوي الحنفي قال في العقد المنظوم قرأ على علماء زمانه حتى اتصل بابن كمال باشا فتقيد به وصار ملازما منه وحصل وبرع ودرس بعدة من المدارس إلى أن وصل إلى إحدى الثمان وتولى مدرسة السلطان سليمان بدمشق والافتاء بها وكان عالما دينا فقيها لين الجانب صحيح العقيدة حميد الأخلاق وتوفي بدمشق انتهى
وفيها أو في التي بعدها جزم بالأول في النور السافر وبالثاني في الاعلام السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان الحادي عشر من ملوك بني عثمان
قال في الاعلام كان سلطانا سعيدا ملكا أيده الله لنصر الإسلام تأييدا ولي السلطنة بعد وفاة أبيه السلطان سليم خان في سنة ست وعشرين وتسعمائة وجلس على تخت السلطنة وما دمى أنف أحد ولا أريق في ذلك محجمة من دم ومولده الشريف سنة تسعمائة واستمر في السلطنة تسعا وأربعين سنة وهو سلطان غاز في سبيل الله مجاهد لنصرة دين الله مرغم أنوف عداه بلسان سيفه وسنان قناه كان مؤيدا في حروبه ومغازيه مسددا في آرائه ومعازيه مسعودا في معانيه ومغانيه مشهودا في وقائعه ومراميه أيان سلك ملك وأنى توجه فتح وفتك وأين سافر سفر وسفك وصلت سراياه إلى أقصى الشرق والغرب وافتتح البلدان الشاسعة الواسعة بالقهر والحرب وأخذ الكفار والملاحدة بقوة الطعان والضرب وكان مجدد دين هذه الأمة المحمدية في القرن العاشر مع الفضل الباهر والعلم الزاهر والأدب الغض الذي يقصر عن شأوه كل أديب وشاعر إن نظم عقود الجواهر أو نثر آثر منشور الأزاهر أو نطق قلد الأعناق نفائس الدر الفاخر له ديوان فائق بالتركي وآخر عديم النظير بالفارسي تتداولهما بلغاء الزمان وتعجز أن تنسج على منواله فضلاء الدوران وكان رؤوفا شفوقا صادقا صدوقا إذا قال صدق وإذا قيل له صدق لا يعرف الغل والخداع ويتحاشى عن سوء الطباع ولا يعرف المكر والنفاق ولا يألف مساوي الأخلاق بل هو صافي الفؤاد صادق الاعتقاد منور الباطن كامل الإيمان سليم القلب خالص الجنان
( وما تناهيت في بثي محاسنه ** إلا وأكثر مما قلت ما أدع )
وأطال في ترجمته وترجمة أولاده وذكر غزواته فذكر له أربع عشرة غزوة انتصر وفتح في جميعها وذكر كثيرا من مآثره فمن ذلك الصدقة الرومية التي هي الآن مادة حياة أهل الحرمين الشريفين فإنه أضاف إليها من خزائنه الخاصة مبلغا كبيرا ومنها صدقات الجوالي وهي جمع
جالية ومعناه ما يؤخذ من أهل الذمة في مقابلة استمرارهم في بلاد الإسلام تحت الذمة وعدم جلائهم عنها وهي من أحل الأموال ولأجل حلها جعلت وظائف للعلماء والصلحاء والمتقاعدين من الكبراء ومنها إجراء العيون ومن أعظمها إجراء عين عرفات إلى مكة المشرفة ومنها بمكة المدارس الأربعة السليمانية ومنها تكيته ومدرسته العظيمة الشأن الكائنة بمرجة دمشق إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة فرحمه الله تعالى رحمة واسعة انتهى ملخصا ومن أراد البسط الزائد فليراجع الأعلام
سنة خمس وسبعين وتسعمائة
قال في النور فيها غرق مركب بالهند فكان فيه عشرة من السادة آل باعلوي فكانوا من جملة من غرق وحصلت لهم الشهادة
وفيها توفي أبو الضياء عبد الرحمن بن عبد الكريم بن إبراهيم بن علي ابن زياد الغيثي المقصري نسبة إلى المقاصرة بطن من بطون عك بن عدنان الزبيدي مولدا ومنشأ ووفاة الشافعي مذهبا لاشعري معتقدا الحاكمي خرقة اليافعي تصوفا وفي ذلك يقول رحمه الله تعالى
( أنا شافعي في الفروع ويافعي ** في التصوف أشعري المعتقد )
( وبذا أدين الله ألقاه به ** أرجو به الرضوان في الدنيا وغد )
ولد في رجب سنة تسعمائة وحفظ القرآن والاشارد وأخذ عن محمد بن موسى الضجاعي وأحمد المزجد وتلميذه الطنبذاوي وبه تخرج وانتفع وأذن له في التدريس والافتاء فدرس وأفتى في حياته وأخذ التفسير والحديث والسير عن الحافظ وجيه الدين بن الديبع وغيره والفرائض عن الغريب الحنفي والأصول عن جمال الدين يحيى قبيب والعربية عن محمد مفضل اللحاني وجد واجتهد حتى صار عينا من أعيان الزمان يشار إليه بالبنان وقصدته الفتاوى