كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق ما في الأرض جميعا للإنسان وركبه في أي صورة شاء على أكمل وضع بأبهر إتقان وجعله بأصغريه القلب واللسان فهذا ملك أعضائه وهذا له ترجمان فإذا صلح قلبه صلح منه سائر الأركان وكان ذلك على فوزه بخيري الدارين أعظم عنوان وإذا فسد فسد جسده واستدل على خسرانه بأوضح برهان قضى سبحانه بأن يبلى ديباجة شبابه الجديدان ويصير حديثا لمن بعده من أولى البصائر والعرفان وأعد تعالى له بعد النشأة الآخرة إحدى داري العز والهوان حكمة بالغة تجير فيها عقول ذوي الأذهان
أحمده حمد معترف بالتقصير مقر بأن إليه المصير وأشكره شكر من توالت عليه آلاؤه وتتابع عليه من فضله عطاؤه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله أمات وأحيا وخلق الزوجين الذكر والأنثى وألهم نفس كل متنفس الفجور والتقوى فأما أن يزكيها فيسعد أو يدسسها فيشقى قدم إلى عباده بالوعيد وقسمهم كما أخبر إلى شقي وسعيد وأحصى لكل عامل ما فعل من طارف وتليد حتى ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وأشهد أن سيدنا محمدأ عبده ورسوله خير نبي أرسله ففتح به آذانا صما وأعينا عمياء وقلوبا مقفلة أرسله على حين فترة من الرسل وطموس لمعالم الهدى والسبل فكانت بعثته أنفع للخليفة من الماء الزلال بل من الأنفس والأهل والصحب والمال إذ بمبعثه تمت للناس مصالح الدارين واتضح بها لهم أقوم الطريقين فطوبى لمن أمسى باتباع شريعته قرير العين وويل لمن نبذ ما جاء به ظهريا وأخرج هدية من البين اللهم فصل وسلم عليه أفضل صلاة وأكمل سلام وآته الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود أشرف مقام وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل من
بذلوا في طاعته رضا لمرسله المهج والمال ففازوا بجزيل الثناء وجميل الخلال وسعدوا بما نالوا من شريف المآل وعلى تابعيهم وأتباعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان وأشرق النيران آمين
وبعد فهذه نبذة جمعتها تذكرة لي ولمن تذكر وعبرة لمن تأمل فيها وتبصر من أخبار من تقدم من الآماثل وغبر وصار لمن بعده مثلا سائرا وحديثا يذكر
جمعتها من أعيان الكتب وكتب الأعيان ممن كان له القدم الراسخ في هذا الشان إذ جمع كتبهم في ذلك إما عسر أو محال لا سيما من كان مثلي فاقد الجدة بائس الحال فتسليت عن ذلك بهذه الأوراق وتعللت بعلل عله يبرد أوام الاحتراق إذ هذا شأو لا يدرك دقه وجله فليكن كما قيل ما لا يدرك كله لا يترك كله أردت أن أجعله دفترا جامعا لوفيات أعيان الرجال وبعض ما اشتملوا عليه من المآثر والسجايا والخلال فإن حفظ التاريخ أمر مهم ونفعه من الدين بالضرورة علم لا سيما وفيات المحدثين والمتحملين لأحاديث سيد المرسلين فإن معرفة السند لا تتم إلا بمعرفة الرواة وأجل ما فيها تحفظ السيرة والوفاة
فممن جمعت من كتبهم وكرعت من نهلهم وعلمهم مؤرخ الإسلام الذهبي وفي الأكثر على كتبه أعتمد ومن مشكاة ما جمع في مؤلفاته استمد وبعده من اشتهر في هذا الشأن كصاحب الكمال والحلية والمنهل وابن خلكان وغير ذلك من الكتب المفيدة والأسفار الجميلة الحميدة
وسميته شذرات الذهب في أخبار من ذهب ورتبته على السنين من هجرة سيد الأولين والآخرين وأسأل الله تعالى أن يثقل به ميزان الحسنات وأن يجعله مقربا إليه وإنما الأعمال بالنيات فأقول ومنه أطلب العون والقبول
السنة الأولى من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل صلاة وتحية
قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ضحى يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول وفيها توفى النقيبان أسعد بن زرارة النجاري والبراء بن معرور السلمي
وفي الثانية
حولت القبلة وذلك في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان وفيه فرض الصوم وفي سابع عشر من رمضان منها يوم الجمعة كانت وقعة بدر واستشهد من المسلمين أربعة عشر ستة من قريش وهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي وعمرو بن أبي وقاص الزهري وذو الشمالين وعاقل بن البكير ومهجع مولى عمر وهو يماني من عك بن عدنان وهو أول قتيل قتل يومئذ وصفوان بن بيضاء ومن الأنصار ثمانية خمسة من الأوس وهم سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر وزيد بن الحارث وعمير بن الجملة رورافع بن المعلى وثلاثة من الخزرج وهم حارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا عفراء رضي الله تعالى عنهم أجمعين وقتل من الكفار سبعون
وفيها توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شوال منها دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وفيها بنى علي بفاطمة رضي الله عنهما
وفيها توفي عثمان بن مظعون القرشي الجمحي وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر وقبله النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت وكان يزوره ودفن إلى جنبه ولده إبراهيم وكان ممن حرم الخمر على نفسه قبل تحريمها وكان
عابدا مجتهدا وسمع لبيد بن ربيعة ينشد ألا كل شيء ما خلا الله باطل فقال صدقت فلما قال وكل نعيم لا محالة زائل قال كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد يا معشر قريش أكذب في مجلسكم فلطم بعض الحاضرين وجهه لطمة اخضرت منها عينه وذلك في أول الإسلام فقال له عتبة بن ربيعة لو بقيت في نزلي ما أصابك شيء وكان قد رد عليه جواره فقال له عثمان إن عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله
وفيها ولد عبد الله بن الزبير وقيل في الأولى
السنة الثالثة
في نصف رمضان منها ولد الحسن بن علي رضي الله عنهما وأما الحسين فمقتضى ما ذكروه في مدة عمرهما وتاريخ ولادتهما أن يكون ولد في الخامسة ولم يظهر كما سيأتي من تاريخ وفاتهما ما يقتضى ما ذكروه فليتأمل وقال القرطبي ولد الحسن في شعبان من الرابعة وعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن ويؤيده ما ذكره الواقدي أن فاطمة علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة وجزم النواوي في التهذيب أن الحسن ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع من المجرة وقيل لم يكن بين ولادتهما إلا طهر واحد
وفي رمضان منها دخل صلى الله عليه وسلم بحفصة ودخل بزينب بنت جحش وبزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين وعاشت عنده نحو ثلاثة أشهر ثم توفيت وفيها تزوج عثمان أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيها تحريم الخمر
ووقعة أحد يوم السبت السابع من شوال وصحح بعضهم أنها في الحادي عشر منه وقتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قتل جماعة وكان إسلامه في السنة الثانية وقيل في السادسة من المبعث ولم يسلم من إخوته سوى العباس
وكانوا تسعة وقيل عشرة وقيل اثني عشر ولما وقف صلى الله عليه وسلم يوم أحد ورأى ما به من المثلة حلف ليمثلن بسبعين منهم فنزل قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } الآية فقال بل نصر وكفر عن يمينه
وفي ذي القعدة منها كانت غزوة بدر الصغرى وغزوة بين النضير والصواب أنها في الرابعة
السنة الرابعة
في صفر منها غزوة بئر معونة وكانوا سبعين وقيل أربعين وفي ربيع الأول منها غزوة بني النضير نزلوا صلحا وارتحلوا إلى خيبر وفي محرمها غزوة ذات الرقاع وغزوة الخندق عند بعضهم وكان مقام الأحزاب فيها خمسة عشر يوما و قيل أكثر من عشرين يوما وفيها نزول التيمم وقصة الإفك وبراءة عائشة رضي الله عنها
السنة الخامسة
فيها صلاة الخوف عند بعضهم وغزوة دومة الجندل وغزوة ذات الرقاع عند بعضهم وقيل وغزوة الخندق ثم غزوة بني قريظة وصحح في الروضة أن الخندق في الرابعة وبني قريظة في الخامسة وجزم ابن ناصر الدين أنهما في الخامسة كما سيأتي وهذا هو الصحيح لأنه توجه صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه من الأحزابوفيها توفي سعد بن معاذ سيد الأوس واهتز لموته عرش الرحمن
السنة السادسة
فيها بيعة الرضوان وموت سعد بن خولة الذي رثى له النبي صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة قيل وفيها غزوة بني المصطلق وفيها فرض الحج وقيل
سنة خمس وكسفت الشمس ونزل حكم الطهارة
السنة السابعة
فيها غزوة حيبر وفتحها في صفر وأكرم بالشهادة بضعة عشر وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية وميمونة وأم حبيبة وجاءته مارية القبطية وقدم جعفر ومهاجرة الحبشة رضي الله عنهم وأسلم أبو هريرة رضي الله عنهوفيها عمرة القضاء
السنة الثامنة
فيها غزوة مؤتة واستشهد بها الأمراء الثلاثة زيد بن حارثة الذي نوه القرآن بقدره وذكره وجعله النبي صلى الله عليه وسلم هو وابنه كفؤا للعربيات والقرشيات ثانيهم جعفر بن أبي طالب الطيار واستشهد وله إحدى وأربعون سنة ومناقبه عديدة قال له النبي صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقي وخلقي وناهيك بها فضيلة ثالثهم عبد الله بن رواحة الخزرجي أحد النقباء الصادق في طلب الشهادة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وفتح الله فيها على يد خالد بن الوليد وهي أول مشاهدة في الإسلام
وفي رمضان منها فتح مكة وغزوة حنين في شوال ثم حصار الطائف ونصب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم المنجنيق ثم رحل عنها عن غير فتح وأسلم أهلها في العام القابل
وفيها غزوة ذات السلاسل وفيها غلا السعر فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال صلى الله عليه وسلم إن الله هو المسعر والقابض الباسط وفيها ولد إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووهب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي رافع لما بشره بولادته عبدا وتنازعت الأنصار في رضاعه فدفعه صلى الله عليه وسلم إلى أبي سيف وزوجته أم سيف
وتوفيت ابنته زينب وهي أكبر أولاده صلى الله عليه وسلم
السنة التاسعة
فيها غزوة تبوك في رجب وحج أبو بكر بالناس ومات النجاشي في رجب
وتوفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وكان موته في ذي القعدة وهو القائل لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فلما رجعوا من غزوة تبوك منعه ابنه عبد الله المفلح الصالح من دخول المدينة حتى يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وفيها قتل عمروة الثقفي قتله قومه أن دعاهم إلى الإسلام وكان من دهاة العرب
وتوفي سهيل بن بيضاء الفهري وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وقتل ملك الفرس وملكوا بورب بضم الباء الموحدة وبالراء وإليها الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
السنة العاشرة
فيها حجة الوداع ولم يحج صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سواها ولم ينضبط عدد حجاته قبلها لكن كان نفلا إذ فرض الحج كان في السنة السادسة كما تقدم وفيها توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سنة ونصف وكسفت الشمس يوم مات ذكر بعض الشافعية أن كسوفها يوم مات إبراهيم يرد على أهل الفلك لأنه مات في غير يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين وهم يقولون لا تنكسف إلا فيهما قال اليافعي وهذا يحتاج إلى نقل صحيح فإن العادة المستقرة المستمرة كسوفها في اليومين المذكورين وفيها أسلم جرير وظهر الأسود العنسي وكان له شيطان يخبره بالمغيبات فضل به كثير من الناس وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر ولكن استطارت فتنته استطارة
النار وتطابقت عليه اليمن والسواحل كجاد عثر والشريحة والحردة وغلافقه وعدن وامتد إلى الطائف وبلغ جيشه سبعمائة فارس وكان عك بتهامة اليمن معترضون عليه وقد كانوا أول مرشد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجمعوا على غمير رئيس بالأغلاب وأوقع بهم الطاهر بن أبي هالة ومعه مسروق العكي وبددهم وسماهم أبو بكر رضي الله عنه الأخابت وكثرت الوفود فيها وقيل في التاسعة وكانت غزواته صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين وقيل سبعا وعشرين وسراياه ستا وخمسين وقيل غير ذلك والله أعلم
الحادية عشرة
فيها توفي النبي صلى الله عليه وسلم في وسط نهار الاثنين في ربيع الأول وما قيل أنه توفي في الثاني عشر فيه إشكال لأنه صلى الله عليه وسلم كانت وقفته في الجمعة في السنة العاشرة إجماعا ولا يتصور مع ذلك وقوع الاثنين ثاني عشر شهر ربيع الأول من السنة التي بعدها فتأمل وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين فأقام بمكة ثلاثة عشر وقيل عشرا وقيل خمس عشرة وأقام بالمدينة عشرا بالإجماع وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة على الصحيح وولد صلى الله عليه وسلم عام الفيل في شعب بني هاشم وتوفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان على قول وشهد بناء قريش الكعبة وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على قول وفي الصحيح أنه كان ينقل معهم الحجارة وهو صغير وكانوا يجعلون أزرهم على عواتقهم تقيهم الحجارة ففعل مثلهم فسقط مغشيا عليه فإن حمل على أن قريشا بنت الكعبة مرتين أو في أمر غير بناء الكعبة فلا إشكال وإلا فأحد النقلين ساقط وتزوج خديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وهي بنت أربعين على الصحيح فيهما ورجح كثيرون أنها ابنة ثمان وعشرين وفرضت الصلاة بمكة ليلة الإسراء بعد النبوة بعشر سنين وثلاثة أشهر وفرض الصوم
بعد الهجرة وفرضت الزكاة قبل الصوم وقيل بعده
وهو صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان هذا المتفق عليه وجده هاشم هو الذي سن لقريش الرحلتين للتجارة ومات بغزة من أرض الشام البلدة التي ولد فيها الشافعي رحمه الله
وفي السنة الحادية عشرة أيضا من الهجرة توفيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة أبيها بستة أشهر تزوجها علي رضي الله عنه وهي بنت خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف وعمره إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ولم يتزوج عليها حتى ماتت كأمها لم يتزوج عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى ماتت وغسل فاطمة أسماء بنت عميس وعلى دفنها ليلا
وفيها ماتت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه بعد أمه ومنزلتها من النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلة زوجها وبنتها لا توصف ولا تكيف وخرجت مهاجرة وليس معها زاد ولا ماء فكادت تموت من العطش فلما كان وقت الفطر وكانت صائمة سمعت حسا على رأسها فرفعته فإذا دلو برشاء أبيض معلق فشربت منه حتى رويت وما عطشت بقية عمرها وفيها مات عكاشة الأسدي أحد السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب
وفيها قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة ممن منع الزكاة وكان مالك من دهاة العرب وكان عرض على خالد الصلاة دون الزكاة فقال خالد لا تقبل واحدة دون الأخرى فقال مالك كذلك كان يقول صاحبك قال خالد وما نراه لك صاحبا والله لقد هممت أن أضرب عنقك ثم تجادلا في الكلام فقال خالد إني قاتلك قال أو كذلك أمر صاحبك قال خالد وهذه ثانية بعد تلك والله لأقتلنك فكلمه عبد الله بن عمر وأبو قتادة في استبقائه
فأبى فقال له مالك فابعثني إلى أبي بكر فيكون هو الذي يحكم في فقال خالد يا ضرار قم فضرب عنقه فقام بضرب عنقه واشترى زوجه من الفيء وتزوجها فأنكر عليه عمر والصحابة وسأل عمر أبا بكر قتل خالد بمالك أو حده في زواج زوجته فقال أبو بكر إنه تأول فأخطأ فسأله عزله فقال ما كنت لأشيم أي أغمد سيفاسله الله عليهم أبدا
ولمتمم بن نويرة في أخيه مراث كثيرة مشهورة من أعجبها قوله
( لقد لامني عند القبور على البكى ** صحابي لتذراف الدموع السوافك )
( فقالوا أتبكي كل قبر رأيته ** لغير ثوى بين اللوى والدكادك )
( فقلت لهم إن الشجا يبعث الشجا ** دعوني فهذا كله قبر مالك )
ولحافظ دمشق ابن ناصر الدين قصيدة سماها بواعث الفكرة في حوادث الهجرة أحببت أن أثبتها هنا لما فيها من الفوائد وهي
( سنو هجرة المختار فيها حوادث ** فخذ نثرها من كل عام وأحكم )
( مصلى قبا في أول ثم مسجدا ** بنى وبيوتا والصلاة فأتمم )
( وحلف أذان جمعة مات أسعد ** براء وعبد الله أسلم فاسلم )
( وثان صيام فطرة أم كعبة ** وغزوة ودان بواط لمغنم )
( عسير وبدر عرس عائش مثله ** البتول وموت لابن مظعون أكرم )
( سويق سليم قينقاع ومسور ** ومروان والنعمان سروا بمقدم )
( كذا ابن زبير مثل موت رقية ** أبو بنت هند أنمار كانت بمعلم )
( غزا أحدا في ثالث قتل حمزة ** وذا أمر والخمر ردت فحرم )
( وحمراء مع بدر أخيرا بناؤه ** بزينب ذات البر كسبا لمعدم )
( كذا حفصة مع أم كلثوم زوجت ** أتى حسن قبل الحسين المقدم )
( وفي رابع تزويج هند معونة ** نضير وقصر والتيمم فافهم )
( مريسيع إفك والرقاع وموعد ** ورجم وموت أم المساكين عظم )
( وصلى لخوف ثم في الخمس حندق ** قريظة سعد مات دومة قدم )
( ضمام أتى اسلام عمرو وخالد ** وعثمان الداري التزلزل فاعلم )
( وفي سادس لحيان ذو قرد به ** حديبية استسقى ابن خولة أعظم )
( مقوقس أهدى والظهار وخاتم ** لشيروية الطاعون حج لمسلم )
( وخيبر في سبع صفية رملة ** زواجهما ذو الحبس آبوا بأنعم )
( قدوم أبي هر هدأنا عطية ** قضا عمرة تزويج ميمونة أتمم ) وثامن عام مؤتة الفتح أسلموا ** ومولد إبراهيم نجل المعظم )
( حنين غلاء طائف نصب منبر ** وبنت رسول الله زينب سلم )
( بتسع تبوك والوفود وجزية ** وحج أبو بكر وموت أم كلثم )
( ومات ابن بيضا والنجاشي وعروة ** قتيل ثقيف والسلولي فافهم )
( لعان وإيلاء وبوران ملكت ** لقتل فتى شيروية بتظلم )
( وفي العاشر إبراهيم مات ومولد ** لنجل أبي بكر محمد أعظم )
( جرير اهتدى ضلت بأسود غنسة ** كسوف بخلف حجة التم أعجم )
( وسبع وعشرون المغازي ومثلها ** سراياه مع عشرين أرخ لمقدم )
( أصبنا لإحدى عشرة بنينا ** فيا عظمه رزءا لدى كل مسلم )
( بها بايعوا الصديق ردة وابكين ** لفاطمة مع أم أيمن واختم )
انتهى ما أورده ابن ناصر الدين وما ذكره في منظومته تقدم غالبة وبقيته مفهوم سوى قصة الظهار أحببت إيرادها لما فيها من الفوائد فأقول
قال العلامة الشيخ علي الحلبي في سيرته وقبل خيبر وقيل بعد خيبر نزلت آية الظهار { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها } وسبب ذلك أن أوس بن الصامت لا عبادة بن الصامت كما قيل أي وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وفي لفظ كان به لمم أي نوع من الجنون وكان فاقد البصر قال لزوجته خولة بنت ثعلبة وفي لفظ بنت خويلد وكانت بنت عمه وقد راجعته في شيء فغضب فقال
لها أنت على كظهر أمي وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقا أي كالطلاق في تحريم النساء ثم راودها عن نفسها فقالت كلا لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ إنه لما قال لها أنت علي كظهر أمي أسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه فدخلت عليه وهو يمشط رأسه أي عنده ماشطة وهي عائشة تمشط رأسه وفي لفظ كان الظهار أشد الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر الرجل من امرأته لم يرجع أبدا فأخبرته فقال لها ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك إلا قد حرمت عليه فقالت يا رسول صلى الله عليه وسلم والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وتركي بغير أحد وقد كبر سني ودق عظمي وفي لفظ أنها قالت اللهم إني أشكو إليك شدة وحدتي وما شق علي من فراقه وما نزل بي وبصبيتي قالت عائشة رضي الله عنها فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها وفي لفظ قالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالي وذهب شبابي ونفضت بطني وتفرق أهلي ظاهر مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا وصارت ترفع رأسها إلى السماء فبينما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شق رأسه وأخذ في الآخر أنزل الله عليه الآية فسرى عنه وهو يتبسم فقال لها مريه فليحرر رقبة فقالت والله ماله خادم غيري قال فمريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والله إنه لشيخ كبير إنه إن لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره أي لو كان مبصرا فلا ينافى ما تقدم أنه كان فاقد البصر قال فليطعم ستين مسكينا فقالت والله مالنا اليوم وقية قال مريه فلينطلق إلى فلان يعني
شخصا من الأنصار أخبرني أن عنده شطر وسق من تمر يريد أن يتصدق به فليأخذه منه وفي رواية مريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكينا وليراجعك ثم أتته فقصت عليه القصة فانطلق ففعل أي وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا سأعينه بفرق من تمر فبكت وقالت وأنا يا رسول الله سأعينه بفرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا وفي رواية لما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعلم إلا قد حرمت عليه قالت لها عائشة وراءك فتنحت فلما نزل عليه الوحي وسري عنه قال يا عائشة أين المرأة قالت ها هي هذه قال ادعها فدعتها قال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبي فجيئي بزوجك فذهبت فجاءت به وأدخلته على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ضرير البصر فقير سيء الخلق فقال له أتجد رقبة قال لا وفي لفظ قال مالي بهذا من قدره قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال والذي بعثك بالحق إني إذا لم آكل المرة والمرتين والثلاثة يغشى علي وفي لفظ إني إذا لم آكل في اليوم مرتين كل بصري أي لو كان موجود قل فتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا إلا أن تعينني بها فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفر عنه في رواية أنه أعطاه مكتلا يأخذ خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا قال بعضهم وكانوا يرون أن عند أوس مثلها حتى يكون لكل مسكين نصف صاع وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئا فقال علي أفقر مني فوالله الذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اذهب به إلى أهلك وهذا أول ظهار وقع في الإسلام ومر عمر رضي الله عنه بخولة هذه في أيام خلافته فقالت قف يا عمر فوقف لها ودنا منها وأصغى إليها وأطالت الوقوف وأغلظت القول أي قالت لها ههيا يا عمر عهدنك وأنت تسمى عميرا وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم
أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال ويحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لو لم تتصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تقضي حاجتها انتهى
قالت ومما يناسب المقام ذكر ابن صياد فإن أخباره وقعت ولا بد بعد الهجرة ولكني لم أقف على تاريخها وسأثبته إن عثرت عليه فلنورد ما ورد منه مختصرا وليكن لفظ مشكاة المصابيح فإنه من أجمع ما رأيت فيه قال فيه باب ابن الصياد الفصل الأول عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجدوه يلعب مع الصبيان في أطم بنى مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده ثم قال أتشهد أني رسول الله فنظر إليه فقال أشهد أنك رسول الأميين ثم قال ابن صياد أتشهد إني رسول الله فرصه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال آمنت بالله وبرسله ثم قال لابن صياد ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خلط عليك الأمر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني خبأت لم خبيئا وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال هو الدخ فقال اخسأ فلن تعدو قدرك قال عمر يا رسول الله أتأذن لي فيه أضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكن هو لا تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله قال ابن عمر انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصاري يؤمان النخل التي فيها
ابن صياد وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقى بجذوع النخل وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه وابن صياد مضطجع على فراشه في قطيفة له فيها زمزمة فرأت أم ابن صياد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتقى بجذوع النخل فقالت أي صاف وهو اسمه هذا محمد فتناهى ابن صياد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تركته بين قال عبد الله بن عمر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال إني أنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه لقد أنذر نوح قومه ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور متفق عليه وعن أبي سعيد الخدري قال لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يعني ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله فقال هو أتشهد أني رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله ما ترى قال أرى عرشا على الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى عرش إبليس على البحر وما ترى قال أرى صادقين وكاذبا أو كاذبين وصادقا فقال رسول الله ( لبس عليه فدعوه رواه مسلم وعنه أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة فقال درمكة بيضاء مسك خالص رواه مسلم وعن نافع قال لقي ابن عمر ابن صياد في بعض طرق المدينة فقال له قولا أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة فدخل ابن عمر على حفصة وقد بلغها فقالت له رحمك الله ما أردت من ابن صياد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما يخرج من غضبة يغضبها رواه مسلم وعن أبي سعيد الخدري قال صحبت ابن صياد إلى مكة فقال لي ما لقيت من الناس يزعمون أني الدجال ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه لا يولد له وقد ولد لي أليس قد قال هو كافر وأنا مسلم أو ليس قد قال لا يدخل المدينة ولا مكة وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة ثم قال لي في آخر قوله أما والله إني لأعلم مولده ومكانه
وأين هو وأعرف أباه وأمه قال فلبسني قال قلت تبا لك سائر اليوم قال وقيل له أيسرك أنك ذاك الرجل قال فقال لو عرض علي ما كرهت رواه مسلم وعن ابن عمر قال لقيته وقد نقرت عينيه فقلت متى فعلت عينيك ما أرى قال لا أدري قلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله خلقها في عصاك قال فنخر كأشد نخير حمار سمعت رواه مسلم وعن محمد بن المنكدر قال رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد الدجال قلت تحلف بالله قال إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه
الفصل الثاني عن نافع قال كان ابن عمر يقول والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد رواه أبو داود والبيهقي في كتاب البعث والنشور وعن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة رواه أبو داود وعن أبي بكرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث أبو الدجال ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد ثم يولد غلام أعور أضرس وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال أبوه طوال ضرب اللحم كان أنفه منقار وأمه امرأة فرضا خية طويلة اليدين فقال أبو بكرة فسمعنا بمولد في اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما فقلنا هل لكما ولد فقالا مكثنا ثلاثين عاما لا يولد لنا ولد ثم ولد لنا غلام أعور أضرس وأقله منفعة ينام عيناه ولا ينام قلبه قال فخرجنا من عندهما فإذا هو منجدل في الشمس في قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال ما قلتما قلنا وهل سمعت ما قلنا قال نعم تنام عيناي ولا نام قلبي رواه الترمذي وعن جابر أن امرأة من اليهود بالمدينة ولدت غلاما ممسوحة عينه طالعة نابه فأشفق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الدجال فوجده تحت قطيفة يهمهم فآذنته أمه فقالت يا عبد الله هذا أبو القسم فخرج من القطيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لها قاتلها الله لو تركته لبين فذكر مثل معنى حديث ابن عمر فقال عمر ابن الخطاب ائذن لي يا رسول الله فأقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يكن هو فلست
صاحبه إنما صاحبه عيسى بن مريم وألا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مشفقا أن يكون هو الدجال رواه في شرح السنة انتهى ما ذكره في مشكاة المصابيح بلفظك
وقال أبو عبد الله الذهبي في كتابه تجريد الصحابة ما لفظه عبد الله بن صياد أورده ابن شاهين وقال هو ابن صائد وكان أبوه يهوديا فولد له عبد الله أعور مختونا وهو الذي قيل أنه الدجال ثم أسلم فهو تابعي له رواية قال أبو سعيد الخدري صحبني ابن صياد إلى مكة فقال لقد هممت أن آخذ حبلا فأوثقه إلى شجرة ثم اختنق مما يقول الناس في وذكر الحديث وهو في مسلم انتهى ما قاله الذهبي
السنة الثانية عشرة
فيها غزوة اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب وفتحت اليمامة صلحا على يد خالد بن الوليد بعد أن استشهد من الصحابة رضي الله عنهم نحو أربعمائة وخمسين وقيل ستمائة وجملة القتلى من المسلمين ألف رجل ومائتا رجل وكان رأي أهل الردة على منع الزكاة دون غيرها فأجمع رأي أبي بكر على قتالهم وأبى سائر الصحابة واحتجوا عليه بقوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر الزكاة حق المال وقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فانظر كيف منع من التعلق بعموم الخبر من وجهين أحدهما أنه بين أن الزكاة حق المال فلم يدخل مانعها في الخبر والثاني أنه خص الخبر في الزكاة كما خص في الصلاة فخص مرة بالخبر وأخرى بالنظر وهذا غاية ما ينتهي إليه المجتهد المحقق والعالم المدقق
وفي ذي الحجة منها توفي صهر النبي صلى الله عليه وسلم زوج ابنته زينب أبو العاص بن الربيع العبشمي ابن أخت خديجة هالة بنت خويلد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثنى عليه ولما أسلم لم يجادله النبي صلى الله عليه وسلم النكاح على ابنته بل أبقاهما على نكاحها
السنة الثالثة عشرة
فيها وقعة أجنادين بقرب الرملة واستشهد فيها جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ثم كان النصر والحمد لله
وفيها بعث أبو بكر رضي الله عنه أمراءه إلى الشام منهم أبو عبيدة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة وبعث خالدا إلى العراق فافتتح الابلة وأغار على السواد وحاصر عين النمر وأرى الفرس ذلا وهوانا ثم سار من العراق إلى الشام في برية ورمال لا يهتدى طريقها ولحق بأمراء الشام فكان له الأثر العظيم
وفي جمادى الآخرة منها توفي الخليفة أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين ومناقبه كثيرة مشهورة وفيه يقول أبو محجن الثقفي
( وسميت صديقا وكل مهاجر ** سواك يسمى باسمه غير منكر )
( وبالغار إذ سميت بالغار صاحبا ** وكنت رفيقا للنبي المطهر )
( سبقت إلى الإسلام والله شاهد ** وكنت جليسا بالعريش المشهر )
ومناقبه وسوابقه في الإسلام لا تنحصر وكان رئيسا في الجاهلية وكان إليه الديات ومعرفة الأنساب وتأويل الرؤيا وأسلم على يده جماعة وأعتق أعبدا افتداهم من أيدي المشركين يعذبونهم منهم بلال وعامر بن فهيرة ونص صلى الله عليه وسلم أن سبقه لغيره بواقر وقر في صدره وجاء أنه كان إذا تنفس يشم منه رائحة كبد مشوية وبينه وبين مرة بن كعب ستة آباء كالنبي صلى الله عليه وسلم وأمه سلمى أم الخير بنت صخر بن عامر تيمية أيضا ولد بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم بعدد ما سبقه النبي صلى الله عليه وسلم بالولادة واستخلف عمر فلم يختلف عليه اثنان والإجماع منعقد على صحة خلافته ودلائلها أشهر من أن تذكر لعن الله باغضيه قال محب الدين أبو جعفر محمد الطبري في كتابه الرياض النضرة في فضائل العشرة رضي الله عنهم وعن أبي ذر رضي الله عنه قال دخل
رسول الله صلى الله عليه وسلم منزل عائشة فقال يا عائشة ألا أبشرك قالت بلى يا رسول الله قال أبوك في الجنة ورفيقه إبراهيم الخليل عليه السلام وعمر في الجنة ورفيقه نوح عليه السلام وعثمان في الجنة ورفيقه أنا وعلى في الجنة ورفيقه يحيى بن زكريا وطلحة في الجنة ورفيقه داود عليه السلام والزبير في الجنة ورفيقه إسماعيل عليه السلام وسعد بن أبي وقاص في الجنة ورفيقه سليمان بن داود عليه السلام وسعيد في الجنة ورفيقه موسى بن عمران عليه السلام وعبد الرحمن بن عوف في الجنة ورفيقه عيسى عليه السلام وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة ورفيقه إدريس عليه السلام ثم قال يا عائشة أنا سيد ا لمرسلين وأبوك أفضل الصديقين وأنت أم المؤمنين خرجه الملا في سيرته انتهى وقال اللقانى في شرح الجوهرة افضل الصحابة أهل الحديبية وأفضل أهل الحديبية أهل أحد وأفضل أهل أحد أهل بدر وأفضل أهل بدر العشرة وأفضل العشرة الخلفاء الأربعة وافضل الأربعة أبو بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين انتهى وقال المحب الطبري في الرياض أيضا عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن القول في أصحابي فقد برىء من النفاق ومن أساء القول في أصحابي كان مخالفا لسنتي ومأواه النار وبئس المصير خرجه أبو سعد في شرف النبوة وعن عبد الرحيم بن زيد العمى قال أخبرني أبي قال أدركت أربعين شيخا من التابعين كلهم حدثونا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحب جميع أصحابى وتولاهم واستغفر لهم جعله الله تعالى يوم القيامة معهم في الجنة خرجه ابن عرفة العبدي وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب أصحابى وأزواجي وأهل بيتي ولم يطعن في أحد منهم وخرج من الدنيا على محبتهم كان معي في درجتي يوم القيامة خرجه الملا في سيرته وعن الأعمش قال خرجت في ليلة مقمرة أريد المسجد فإذا أنا
بشيء عارضني فاقشعر منه جسدي وقلت أمن الجن أم من الإنس فقال من الجن فقلت مؤمن أم كافر فقال بل مؤمن فقلت هل فيكم من هذه الأهواء والبدع شيء قال نعم ثم قال وقع بينى وبين عفريت من الجن أختلاف في أبى بكر وعمر فقال العفريت أنهما ظلما عليا واعتديا عليه فقلت بمن ترتضى حكما فقال بإبليس فأتيناه فقصصنا عليه القصة فضحك ثم قال هؤلاء من شيعتي وأنصارى وأهل مودتي ثم قال ألا أحدثكم بحديث قلنا بلى قال أعلمكم أنى عبدت الله تعالى في السماء الدنيا ألف عام فسميت فيها العابد وعبدت الله في الثانية ألف عام فسميت فيها الزاهد وعبدت الله في الثالثة ألف عام فسميت فيها الراغب ثم رفعت إلى الرابعة فرأيت فيها سبعين ألف صف من الملائكة يستغفرون لمحبي أبي بكر وعمر ثم رفعت إلى الخامسة فرأيت فيها سبعين ألف ملك يلعنون مبغضى أبي بكر وعمر انتهى وفي الصحيحين أنه ذهب بثلاثة أضياف معه إلى بيته وجعل لا يأكل لقمة الآربا من أسفلها أكثر منها فشبعوا وصارت أكثر ما هي قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر وامرأته فاذا هى أكثر مما كانت فرفعها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها
ومات يوم وفاة أبي بكر أميره على مكة عتاب بن أسيد الأموي وكان من مسلمة الفتح وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على مكة حين خرج إلى حنين والطائف ولم يزل عليها حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولما أن جاء الخبر بموت النبي صلى الله عليه وسلم اختفى وخاف على نفسه فقام سهيل بن عمرو وخطب خطبة بليغة ثبت الله بها قلوب الناس فصح في سهيل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عسى أن يقوم مقاما يحمد فيه
السنة الرابعة عشرة
فيها فتحت دمشق صلحا من أبي عبيدة وعنوة من خالد ثم أمضيت صلحا بعد مراجعة عمر وعزل عمر خالدا بأبي عبيدة فقال خالد والله لو ولى عمر على امرأة
لسمعت وأطعت وكان قد رأى تلك الأيام أن قلنسوته سقطت ففسرت بعزله وكان عمر قد أنفذه إلى العراق لشجاعته وإقدامه ثم عزله لتعزيزه بالمسلمين مع أن عمر أشار على أبي بكر أن ينفذه لقتال أهل الردة وكان في صلح أبي عبيدة لأهل دمشق أن لهم ما حملت إبلهم وأن لا يتبعوا إلى انقضاء ثلاثة أيام فتبعهم خالد بعد الثلاث فأدركهم بمرج الديباج فوضع فيهم السيف وقتل أميرهم وسبى بنت مليكهم فروجع عمر فيها وقد أرسل أبوها بمال عظيم في فدائها فأمر عمر بإطلاقها بغير ليوريهم مال أنه لا رغبة ولا رهبة له فيهم
وفيها وقعة جسر أبي عبيدة على مرحلتين من الكوفة واستشهد من المسلمين بها نحو ثمانمائة منهم أو عبيدة بن مسعود والد المختار الكذاب وكان من جلة الصحابة رضي الله عنهم وفيها مصر عتبة بن غزوان البصرة وأمر ببناء مسجدها الأعظم وفتحت بعلبك وحمص صلحا وهرب هرقل عظيم الروم من أنطاكية إلى القسطنطينية
وفيها توفي أبو قحافة والد أبي بكر الصديق واسمه عثمان وكان أسلم يوم الفتح ومات عن أربع وتسعين سنة رضي الله عنه وعن ولده وذريته
سنة خمس عشرة
فيها وقعة اليرموك وكان المسلمون ثلاثين ألفا والروم أزيد من مائة ألف الخمسة والستة في سلسلة لئلا يفروا فداستهم الخيل وقيل كان المسلمون خمسين ألفا والروم ألف ألف والرماة فيهم مائة ألف ومعهم جبلة بن الأيهم الغساني في ستين ألفا من منتصرة العرب فقدمهم الروم فانتقى لهم خالد ستين رجلا من أشراف العرب فقاتلوهم يوما كاملا ثم نصر الله المسلمين وهرب جبلة ولم ينج منهم إلا القليل ثم التقى المسلمون مع الروم مرة بعد أخرى حتى أبادوهم بالقتل وهربت بقيتهم تحت الليل واستشهد في اليرموك جماعة من فضلاء المسلمين منهم عكرمة
ابن أبي جهل وكان قد حسن إسلامه بحيث أنه لا يقدر يثبت بصره في المصحف من كثرة الدم وعياش بن أبي ربيعة المخزومي وعبد الرحمن بن العوام أخو الزبير وعامر بن أبي وقاص أخو سعد وأما عتبة بن أبي وقاص فلم يكن مسلما وهو الذي كسر رباعية لنبي صلى الله عليه وسلم وظهرت بها نجدة جماعة منهم الزبير والفضل بن العباس وخالد بن الوليد وعبد الرحمن بن أبي بكر في آخرين رضي الله عنهم
وفي شوال منها وقعة القادسية وقيل كانت في ستة عشر وكان أمير المسلمين سعد بن أبي وقاص ورأس المجوس رستم معه الجالينوس وذو الحاجب وكان المسلمون سبعة آلاف والمجوس ستون ألفا ومعهم سبعون فيلا فحصرهم المسلمون في المدائن وقتلوا رؤساءهم الثلاثة وخلقا واستشهد بها عمرو بن أم مكتوم الأعمى المذكور في قوله تعالى { أن جاءه الأعمى } وأبو زيد الأنصاري وافتتحت الأردن عنوة إلا طبرية صلحا وتوفي سعد بن عبادة سيد الخزرج بحوران قعد يول في حجر فخر ميتا وسمع يومئذ صائح من الجن في داره بالمدينة يقول
( نحن قتلنا سيد ** الخزرج سعد بن عبادة )
( قد رميناه بسهم ** فلم يخط فؤاده )
سنة ست عشرة
افتتحت حلب وأنطاكية صلحا واختط مصر سعد بن أبي وقاص أي علم موضع البناء
وحاصر المسلمون بيت المقدس مدة فقالوا للمسلمين لا تتعبوا أنفسكم فلن يفتحها إلا رجل له علامة عندنا فإن كان إمامكم بتلك العلامة سلمناها من غير قتال فلما وصل الخبر إلى عمر بذلك ركب راحلته ومعه غلام له يعاقبه الركوب وتزود شعيرا وتمرا وزيتا ولبس مرقعة فلما قرب تلقاه المسلمون وسألوه تغيير
تلك الهيئة نفعل قليلا ثم قال أقيلوني فرجع إلى هيئته الأولى فلما رآه الكفار كبروا وفتحوها وقالوا هو هذا
وفيها ماتت مارية القبطية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
سنة سبع عشرة
فيها استسقى عمر بالعباس رضي الله عنهما فسقوا ثم خرج عمر إلى الشام ورجع لما سمع بالطاعون بعد اختلاف بين الصحابة في الرجوع والقدوم على ما هو مقرر وفي سقياهم بالعباس يقول العباس بن عتبة بن أبي لهب
( بعمي سقى الله الحجاز وأهله ** عشية يستسقى بشيبته عمر )
( توجه بالعباس في الجدب راغبا ** إليه فما أن زال حتى أتى المطر )
( ومنا رسول الله فينا تراثه ** فهل أحدها مفتخر )
وفيها زاد عمر في المسجد النبوي وافتتح أبو موسى الأشعري الأهواز وفيها كانت وقعة جلولاء وقتل من المشركين مقتلة عظيمة وبلغت الغنائم ثمانية عشر ألف ألف وقيل ثمانين ألف ألف وتزوج عمر أم كلثوم بنت فاطمة الزهراء رضي الله عنهم
سنة ثماني عشرة
فيها طاعون عمواس بناحية الأردن سمي بها لأنه منها ابتدأ لم يسمع بطاعون مثله في الإسلام واستشهد بها أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وأمير الأمراء بالشام وهو ابن ثمان وخمسين سنة واستشهد فيها الفضل وكان من أشجع الناس قلبا وأحسنهم وجها وأسخاهم يدا وله في الجود مآثر يضيق عنها هذا المختصر
وفيه أيضا استشهد سلطان العلماء وأعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل ورد أن العلماء تأتي تحت رايته يوم القيامة وقال له النبي صلى الله عليه وسلم إني أحبك
يا معاذ وكان من نضلاء الصحابة وفقهائهم وهو الذي بنى مسجد الجند باليمن وقيل بنى بعده ومات عن ست أو ثمان وثلاثين سنة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قسم اليمن على خمسة رجال خالد بن سعيد بن العاص على صنعاء والمهاجر ابن أمية على كندة وزياد بن لبيد على حضرموت ومعاذ بن جبل على الجند وأبو موسى على زبيد وعدن والساحل وغيرها
وفيها وقيل في التي بعدها مات يزيد بن أبي سفيان بن حرب أفضل اخوته أسلم عام الفتح وشهد حنينا وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم مائة ناقة وأربعين وقية فضة واستعمله أبو بكر على الشام وعمر بعده ثم استخلف بعده عمر أخاه معاوية وأقره عثمان إلى أن استقرت له الخلافة حتى مات خليفة حقا رضي الله عنه
وأبو جندل بن سهيل بن عمرو والعامري وقصته في صلح الحديبية مشهورة في الصحيح
وسهيل بن عمرو والد أبي جندل وكان من سادات قريش وخطائهم ومن حلمه وصحة إسلامه أنه قدم المدينة في شيوخ من قريش فيهم أبو سفيان فاستأذنوا على عمر فأبطأ عليهم واستأذن بعدهم فقراء من المسلمين فأذن لهم فقال أبو سفيان عجبا يؤذن للمساكين والموالي وكبار قريش واقفين فقال سهيل اغضبوا على أنفسكم فإن الله دعا هؤلاء فأسرعوا ودعاكم فأبطأتم والله إن الذي سبقوكم إليه من الخير خير من هذا الذي تنافسون فيه من هذا الباب ولا أرى أحدا منكم يلحق بهم إلا أن يخرج إلى الجهاد لعل الله يرزقه الشهادة فخرج سريعا إلى الشام وكان يتردد في مكة إلى بعض الموالي يقرئه القرآن فعيره بعض قريش فقال سهيل هذا والله الكبر الذي حال بيننا وبين الخير ولما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا يوم الحديبية قال قد سهل لكم من أمركم أي تفاؤلا باسمه وفيها شرحبيل بن حسنة الكندي نسب إلى أمه وأبوه عبد الله بن مطاع هاجر إلى الحبشة واستعمله عمر على بعض الشام مات في طاعون عمواس والحرث بن هشام بن المغيرة أخو أبي
جهل بن هشام مات أيضا في الطاعون المذكور وفيها افتتحت حران والموصل والسوس تستر
سنة تسع عشرة
افتتحت تكريت وقيسارية وتوفي أبو المنذر أبى بن كعب الخزرجي سيد القراء كان من علماء الصحابة ومناقبه أكثر من أن تحصر وقيل توفي سنة اثنتين وعشرين
سنة عشرين
فيها فتح عمرو بن العاص بعض ديار مصر وتوفى بلال بن رباح الحبشي وأمه وحمامه مولى أبى بكر ومؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صادق الإسلام وعذب في ذات الله اشد العذاب وكانت أمرأته عند موته تقول واحرباه فيقول بل واطرباه غدا نلتقي الأحبة محمدا وصحبه وكان موته بداريا من أرض الشام وقيل بدمشق ودفن عند الباب الصغير وعمره ثلاث وستون سنة
وفيها توفيت أم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية التي زوجها الله رسوله أسرع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لحوقا به وأطولهن يدا بالصدقة وهي التي كانت تسامى عائشة في الحظوة والمنزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم
وفيها مات أبو الهيثم بن التيهان الأنصاري الذي استضافه النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمه بذلك فقال ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني وأسيد بن حضير الأنصاري الأشهلي أحد النقباء الذي شاهد السكينة عيانا وكان إذا مشى سبقه نور عظيم روى البخاري أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاء لهما طرف السوط فلما افترقا افترق الضوء معهما وعياض بن غنم الفهري نائب أبي عبيدة على الشام وأبو سفين بن الحرث بن عبد ا لمطلب الهاشمي ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم اسمه المغيرة وهو الذي كان أخذ يوم حنين بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم وثبت يومئذ معه وهو أخو
نوفل بن الحرث وربيعه ابن الحرث وسعد بن عامر الجمحي وهرقل ملك الروم وقيل أنه أسلم في الباطن
سنة إحدى وعشرين
افتتحت مصر وتوفي سيف الله خالد بن الوليد المخزومي عن ستين سنة على فراشه بعد إرتكابه عظيم الأخطار في طلب الشهادة وفتحه الفتوحات العظيمة ونكايته في أعداء الله تعالى وفيه عبرة لكل جبان وحاصر حصنا فقالوا لا نسلم حتى تشرب السم فشربه ولم يضره وفيها وقعة نهاوند دامت المصاف ثلاثة أيام ثم نزل النصر واستشهد أمير المؤمنين النعمان بن مقرن المزنى وكان من سادة الصحابة فنعاه عمر للناس يوم أصيب على المنبر وأخذ حذيفة بن اليمان الراية من بعده ففتح الله عليه واستشهد بها طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد ارتد وادعى النبوة وكانت دعوته النبوة بجبل سمرقند من نجد ثم حسن إسلامه وكان يعد بألف فارس وفيها ولى عمر عمار بن ياسر أمامة الصلاة بالكوفة لما اشتكى أهلها سعد ابن أبي وقاص وولى عبد الله بن مسعود بيت المال وتوفي العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول في دعائه يا عليم يا حليم يا على يا عظيم فيستجاب له دعا الله بأنهم يسقون ويتوضئون لما عدموا الماء ولا يبقى بعدهم فأجيب ودعا الله لما اعترضهم البحر ولم يقدروا على المرور عليه فمر هو والعسكر بخيولهم ودعا الله أن لا يروا جسده إذا مات فلم يجدوه في اللحد
سنة اثنتين وعشرين
فيها افتتحت أذربيجان على يد المغيرة بن شعبة ومدينة نهاوند صلحا والدينور مع همذان عنوة على يد حذيفة وطرابلس المغرب على يد عمرو بن العاص وافتتحت جرجان وتوفي أبي بن كعب على خلاف تقدم وهو أحد الأربعة
الذين جمعوا القرآن وأمر الله نبيه أن يقرأ عليه سورة لم يكن وسماه له وناهيك بها وقال له ليهنك العلم يا أبا المنذر
سنة ثلاث وعشرين
فيها توفى أبو حفص أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القرشي العدوى شهيدا طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة في ليال يقين من ذي الحجة بعد مرجعه من لحج وكان آدم شديد الأدمة طوالا صليبا في دين الله لا تأخذه في الله لومة لائم ومناقبه أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر وفي الأحاديث الصحاح من موافقة التنزيل له وتزكية النبي صلى الله عليه وسلم له في وجهه وعز الإسلام بإسلامه واتسعت دائرة الإسلام في خلافته وبركاته ومناقبه وكراماته عديدة ولما طعنه أبو لؤلؤة في صلاة الصبح جعل الأمر شورى بين من بقى من العشرة وأخرج نفسه وبنيه من ذلك فأقضى الأمر بعد التشاور إلى عثمان وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر وفي الترمذي أيضا لو كان بعدي نبي لكان عمر وفي حديث آخر أن الله ضرب الحق على لسان عمر وقلبه وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول مانبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر ثبت هذا عنه من رواية الشعبي وقال ابن عمر وما كان عمر يقول لشيء أنى لأراه كذا إلا كان كنا يقول وعن قيس بن طلق كما نتحدث أن عمر ينطق على لسان ملك وكان عمر يقول اقتربوا من أفواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنه تنجلى لهم أمور صادقة وهذه الأمور التي أخبر أنها تنجلى للمطيعين هي الأمور التي يكشفها الله لهم فقد ثبت أن لا ولياء الله مخاطبات ومكاشفات ولا شك أن أفضل هؤلاء في هذه الأمة بعد أبي بكر عمر رضي الله عنه واستشهد وله ثلاث وستون سنة وقيل خمس وستون ومدة خلافته عشر سنين وسبعة أشهر وخمس ليال وقيل غير
ذلك ودفن مع صاحبيه بإذن عائشة رضي الله عنها
وفي آخر خلافته توفيت أم المؤمنين سودة بنت زمعة القرشية العامرية تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد موت خديجة وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وكانت قبله تحت السكران ابن عمها أخى سهيل بن عمرو وكانت طويلة جسيمة ووهبت نوبتها من القسم لعائشة رجاء أن تموت في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم فتم لها ذلك والصحيح أنها توفيت سنة خمس وخمسين في خلافة معاوية والله أعلم
وفيها مات قتادة بن النعمان الأنصاري الأوسى الذي ورد النبي صلى الله عليه وسلم عينه يوم أحد حين سقطت وكانت أحسن عينيه وسببه أن رماة المشركين كانوا يقصدونه صلى الله عليه وسلم بالرمى وكان أصحابه يقف الواحد منهم بعد الواحد في وجهه صلى الله عليه وسلم يتلقى عنه الرمى يفديه بنفسه حتى قتل عشرة وكان قتادة الحادي عشر فما استتم أمر الوقعة وقد سالت عينه قال له أن لي زوجة وأنا ضنين بها محب لها وأنها تقذرني إذا رأتني على هذه الحال وأنا ما فعلت إلا لأنال الشهادة أو كلاما هذا معناه فردها صلى الله عليه وسلم فكانت أضوأ عينيه وأحسنهما وفي ذلك يقول ابنه وقد وفد على بعض خلفاء الأمويين فقال له من أنت فقال
( أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ** فردت بكف المصطفى أحسن الرد )
سنة أربع وعشرين
في أولها بويع ذو النورين عثمان بن عفان الأموي بالخلافة بإجماع من المسلمين وكيفيتها مقررة في صحيح البخاري وغيره وهو من أهل السوابق والقدم في الإسلام هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وتزوج الإبنتين وجهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأقتابها وأحلاسها والف دينار وغير ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم وتلاوته للقرآن في الصلاة وصدقانه وعبادته وحياؤه وحب النبي صلى الله عليه وسلم له أمر معلوم
وفيها توفي سراقة بن مالك بن جعثم المدني المذكور في حديث الهجرة وكان نازلا بقدير وهو منزل أم معبد المذكورة أيضا في حديث الهجرة ولكليهما جرى معجزات من معجزات النبوة منها ما ذكره في ربيع الأبرار عن هند بنت الجون نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيمة خالتها أم معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض ومج في عوسجة إلى جانب الخيمة فأصبحنا وهي كأعظم دوحة وجاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس ورائحة العنبر وطعم الشهد ما أكل منها جائع إلا شبع ولا ظمآن إلا روى ولا سقيم إلا برىء ولا أكل من ورقها بعير ولا شاة إلا ودر لبنها فكنا نسميها المباركة وكان من البوادي من يستشفى بها ويتزود منها حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط ثمرها واصفر ورقها ففزعنا فما راعنا إلا نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها وتساقط ثمرها وذهبت نضارتها فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه فما أثمرت بعد ذلك اليوم فكنا ننتفع بورقها ثم أصبحنا وإذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط وقد ذبل ورقها فبينا نحن فزعين مهمومين إذا أتانا خبر مقتل الحسين ويبست الشجرة على أثر ذلك وذهبت والعجب كيف لم يشتهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص انتهى
سنة خمس وعشرين
فيها انتقض أهل الرى فغزاهم أبو موسى الأشعري وانتقض أهل الإسكندرية فغزاهم عمرو بن العاص فقتل وسبى واستعمل فيها عثمان على الكوفة أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط وجهز سليمان بن ربيعة الباهلي في أثنى عشر ألفا إلى برذعة فقتل وسبى
سنة ست وعشرين
فيها فتحت سابور على يد عثمان ابن أبي العاص فصالحهم على ثلاثة آلاف درهم قبل وفيها زاد عثمان رضي الله عنه في المسجده
سنة سبع وعشرين
فيها ركب معاوية في البحر لغزو قبرس وعزل عمرو بن العاص بعبد الله بن سعد بن أبي سرح وسبب العزل أنه غزا الإسكندرية ظانا نقض العهد فقتل وسبى ولم يصح عند عثمان نقضهم للعهد فأمر برد السبى وعزله فاعتزل عمرو في ناحية فلسطين وكان ذلك بدء المخالفة وغزا عبد الله بن سعد اقليم إفريقية وافتتحها وأصاب الرجل الف دينار والفارس ثلاثة آلاف وقتل ملكهم جرير
وتوفيت أم حرام بنت ملحان بقبرس في هذه الغزاة وكانت مع زوجها عبادة بن الصامت
سنة ثمان وعشرين
فيها انتقض أهل أذربيجان فغزاهم الوليد بن عقبة ثم صالحوه وقيل فيها غزوة قبرس
سنة تسع وعشرين
فيها افتتح عبد الله بن عامر بن كريز مدينة اصطخر عنوة بعد قتال عظيم وعزل عثمان أبا موسى الأشعري عن البصرة وعثمان بن أبي العاص عن فارس وجمعهما لعبد الله بن عامر وهو ابن خال عثمان وأمره وهو ابن أربع وعشرين سنة فافتتح فارس وخراسان جميعا في سنة ثلاثين وروى أنه لما ولد أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فتفل في فيه فبلغه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم إنك لسقا فكان لا يعالج أرضا إلا طهر له ماؤها وهو الذي عمل السقايات بعرفة وشق نهر البصرة وكان من الأجواد
وهو مجهول الوفاة
سنة ثلاثين
فيها توفي حاطب بن أبى بلتعة صاحب القصة في غزوة الفتح نزل فيه قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } الآية وهو الرسول إلى المقوقس ولما قال له المقوقس إن كان رسولا فماله لم يدع على قومه حين كذبوه وأخرجوه قال له حاطب فعيسى بن مريم أخذه قزمه ليقتلوه ويصلبوه فماله لم يدع عليهم فقال له أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم فأهدى للنبي صلى الله عليه وسلم مارية وبعث معها طرفا وهدايا جميلة وفيها افتتح عبد الله بن عامر سجستان مع فارس وخراسان وهرب كسرى واعتمر عبد الله بن عامر واستخلف الأحنف ابن قيس وعلى خراسان يسمع بمثلهم فهزمهم الأحنف وكثرت الفتوح في هذا العام والخارج فاتخذ عثمان الخزائن وكان يأمر للرجل بمائة ألف
سنة إحدى وثلاثين
فيها توفى أبو سفيان بن حرب والد معاوية رضي الله عنهما وهو أموي وقيل توفي سنة ثلاث وثلاثين وفي صحيح مسلم أنه قال يا رسول الله ثلاث أعطينهن قال نعم فسأله تزويج أم حبيبة ابنته وأن يجعل معاوية كاتبه وأن يأمره فيقاتل الكفار كما قاتل المسلمين قال ابن عباس لولا أنه طلب ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطه لأنه لم يكن يسال شيئا إلا قال نعم وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة قد كان تقرر قبل ذلك وهو مشرك وكان الولي غيره وإنما قال له نعم تطييبا لقلبه أو أن مرادك قد حصل وإن لم يكن حقيقة عقد وذهبت عينا أبى سفيان في الجهاد أحداهما يوم الطائف والثانية يوم اليرموك وكان يومئذ تحت راية ولده يزيد ومات وهو ابن ثمان وثمانين سنة أو تسعين سنة وصلى عليه معاوية وقيل عثمان ودفن بالبقيع
وفيها مات الحكم بن أبي العاص عم عثمان رضي الله عنه ووالد مروان كان النبي صلى الله عليه وسلم قد طرده إلى الطائف وبقى طريدا إلى زمن عثمان فرده إلى المدينة واعتذر بأنه قد كان شفع فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوعده برده وهو مؤتمن على ما قال وهو أحد الأسباب التي نقموا بها على عثمان رضي الله عنه
سنة اثنتين وثلاثين
فيها توفى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو الخلفاء العباسيين حسن بلاؤه يوم حنين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه وبحله وكذلك الخلفاء الراشدون من بعده وكان صيتا ينادى غلمانه من سلع وهم بالغابة فيسمعونه وذلك على ثمانية أميال وكان موته أول رمضان عن ست وثمانين سنة وصلى عليه عثمان رضي الله عنه
وفيها عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة من السابقين الأولين تصدق مرة بأربعين ألفا وبقافلة جاءت من الشام كما هي وفضائله كثيرة وهو من المقطوع لهم بالجنة وما يذكر أنه يدخل الجنة حبوا لغناه فلا أصل له وياليت شعري إذا كان هذا يدخلها حبوا ويتأخر دخوله لأجل غناه فمن يدخلها سابقا مستقيما
وفي خلافة عثمان رضي الله عنه قتل عبيد الله بن معمر التيمي عن أربعين سنة برستاق من رساتيق اصطخر وكان أحد الاجواد اشترى جارية تسمى الكاملة بعشرين ألف دينار وكانت لفتى أدبها أحسن الأدب فأملق فباعها وهو مغرم بها فأنشدت أبياتا فيها
( عليك سلام لا زيارة بيننا ** ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر )
فرق لها عبيد الله وردها عليه وثمنها
وفيها توفى عبد الله بن مسعود الهذلي وهو أحد القراء الأربعة ومن أهل السوابق في الإسلام ومن علماء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين هاجر الهجرتين
وصلى إلى القبلتين وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وسبب إسلامه أنه مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرعى غنما بمكة لعقبة بن أبي معيط فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم منها شاة حائلا وحلبها فشرب وسقى أبا بكر فقال له ابن مسعود علمني من هذا القول فمسح رأسه وقال إنك عليم معلم ومن كلامه رضي الله عنه لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله وقال رضي الله عنه الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل والغنى ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل مات عن نيف وستين سنة ودفن بالبقيع
وفيها أبو الدرداء الخزرجي الزاهد الحكيم أسلم بعد بدر وولى قضاء دمشق لمعاوية في خلافة عثمان وقالت له زوجته ما عندنا نفقة فقال لها إن بين ايدينا عقبة لا يجوزها إلا المخفون
وفيها أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري صادق الإسلام واللسان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر وقصة إسلامه في ا لصحيح مشهورة
وفيها زيد بن عبد الله بن عبد ربه الأنصاري الذي أرى الأذان وكان بدريا
سنة ثلاث وثلاثين
فيها توفى المقداد بن الأسود في أرضه بالجرف وحمل إلى المدينة وشهد بدرا وقوله يومئذ مشهور مذكور وشجاعته معلومة وبالإتفاق أنه كان يوم بدر فارسا واختلف في الزبير ومرثد الغنوى وفيها غزا عبد الله بن سعيد بن أبي سرح الحبشة
سنة أربع وثلاثين
فيها أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص ورضوا بأبي موسى الأشعري وكتبوا فيه إلى عثمان فأقره عليهم ثم رد عليهم سعيدا فخرجوا إليه ومنعوه من الدخول وهو اليوم المذكور في صحيح مسلم المسمى بيوم الجرعة
سنة خمس وثلاثين
فيها مات أبو طلحة الأنصاري النقيب عن سبعين سنة وصلى عليه عثمان شهد بدرا وما بعدها وهو من أهل السوابق في الإسلام وهو المتصدق بأحب أمواله إليه بيرحا قال في القاموس وبيرحا كفيعلا موضع بالمدينة
وفيها مات النقيب الآخر عبادة بن الصامت شهد رآ وما بعدها ووجهه عمر إلى الشام قاضيا ومعلما فأقام بحمص ثم انتقل إلى فلسطين ومات بها وقيل بالرملة ودفن ببيت المقدس وفيها توفي عالم الكتاب به و بالآثار كعب الأحبار أسلم في زمن أبي بكر وروى عن عمر رضي الله عنه
وفيها توفى عامر بن أبي ربيعة وعبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلما الجند ومخاليفها من بلاد اليمن
وفي آخرها حاصر المصريون أمير المؤمنين عثمان نحو شهرين وعشرين يوما ثم اقتحم عليه أراذل من أوباش القبائل فقتلوه والصحيح أنه لم يتعين قاتله وكانوا أربعة آلاف واشتهر عنه أ نه قال لأرقائه من اغمد سيفه فهو حر فأغمدوها إلا واحدا قاتل حتى قتل وكانوا مائة عبد وقيل أربعمائة وأن عليا رضي الله عنه أرسل إليه ابنه الحسن وقال له أن شئت أتيتك للنصر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي إن قاتلتهم نصرت عليهم وأن لم تقاتلهم أفطرت عندنا الليلة وأنا أحب أن أفطر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءه عبد الله بن سلام
لينصره فقال له اخرج إليهم فإنك خارجا خير لي من داخل فخرج فقال لهم أيها الناس إن لله سيفا مغمودا عليكم وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه فتطردوا جيرانكم ويسل سيف الله المغمد فلا يغمد إلى يوم القيامة فقالوا اقتلوا اليهودي ولا شك أن الدماء المهراقة عقب قتله والملاحم بين علي ومعاوية عقوبة من الله بقتل عثمان وانفتح باب الشر من يومئذ وقد صحت الأحاديث بأن له الجنة على بلوى تصيبه وأنه شهيد سعيد وقتلوه يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة والمصحف بين يديه فتنضخ الدم على قوله تعالى { فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم } وعمره يومئذ بضع وثمانون أو وتسعون سنة ومدة خلافته اثنتا عشرة سنة وأيام ودفن بالبقيع بموضع يعرف بحش كوكب وكان قد اشتراه ووقفه زاده في البقيع وكان إذا مر به يقول يدفن فيك رجل صالح وقوله قال لي النبي صلى الله عليه وسلم تفطر عندنا معناه أول شيء تستعمله على الريق يكون عندنا لا أنه فطر صائم إذ لم يكن يومئذ صائما فإن يوم قتله كان ثاني أيام التشريق ولا يجوز صومه وفيه إشارة إلى قوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } وبشارة له بصدق الشهادة وفيه يقول حسان
( ضحوا بأشمط عنوان السجود به ** يقطع الليل تسبيحا وقرآنا ) إلى قوله
( لتسمعن وشيكا في ديارهم ** الله أكبر يا ثارات عثمانا ) وله أيضا
( قتلتم ولي الله في جوف بيته ** وجئتم بأمر جائر غير مهتدي )
( فلا طهرت إيمان قوم تعاونوا ** على قتل عثمان الرشيد المسدد )
سنة ست وثلاثين
فيها وقعة الجمل وتلخيصها أنه لما قتل عثمان صبرا توجع المسلمون وسقط في أيدي جماعة وعنوا بكيفية المخرج من تقصيرهم فيه فسار طلحة والزبير وعائشة نحو البصرة وكانت عائشة قد لقيها الخبر وهي مقبلة من عمرتها فرجعت إلى مكة وطلبوا من عبد الله بن عمر أن يسير معهم فأبى وقال مروان لطلحة والزبير على أيكما أسلم بالإمارة وأنادي بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي وقال محمد بن طلحة على أبي فكرهت عائشة قوله وأمرت ابن اختها عبد الله بن الزبير فصلى بالناس ولما علم علي كرم الله وجهه بمخرجهم اعترضهم من المدينة ليردهم إلى الطاعة وينهاهم عن شق عصا المسلمين ففاتوه فمضى لوجهه وأرسل ابنه الحسن وعمارا يستنفران أهل المدينة وأهل الكوفة فخطب عمار وقال في خطبته إني لأعلم أنها زوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم ليعلم أتطيعونه أم تطيعونها ولما قدمت عائشة وطلحة والزبير البصرة استعانوا بأهلها وبيت مالها ووصل علي خلفهم واجتمع عليه أهل البصرة والكوفة فحاول صلحهم واجتماع الكلمة وسعى الساعون بذلك فثار الأشرار بالتحريش ورموا بينهم بالنار حتى اشتعلت الحرب وكان ما كان وبلغت القتلى يومئذ ثلاثة وثلاثين ألفا وقيل سبعة عشر وقتل عشرة من أصحاب الجمل ومن عسكر علي رضي الله عنه نحو ألف وقطع على خطام جمل عائشة سبعون يدا من بني ضبة وهي في هودجها ثم أمر علي بعقره وكان رايتهم فحمى الشر وظهر علي وانتصر وكان قتالهم من ارتفاع النهار يوم الخميس إلى صلاة العصر لعشر ليال خلون من جمادى الآخرة ولما ظهر علي جاء إلى عائشة فقال غفر الله لك قالت ولك ما أردت إلا الإصلاح ثم أنزلها في دار البصرة وأكرمها واحترمها وجهزها إلى المدينة في عشرين أو أربعين امرأة ذوات الشرف وجهز معها أخاها محمدا وشيعها هو وأولاده وودعها رضي الله عنهم
وقتل يومئذ طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي قيل رماه مروان بن الحكم لحقد كان في قلبه عليه وكان هو وهو في جيش واحد وولده محمد بن طلحة السجاد وكان له ألف نخلة يسجد تحتها في كل يوم ومر به علي صريعا فنزل ونفض التراب عن وجهه وقال هذا قتله بره بأبيه وتمنى الموت قبل ذلك وقتل يومئذ الزبير بن العوام القرشي الأسدي أحد العشرة قتله ابن جرموز غدرا بوادي السباع وقد فارق الحرب وودعها حين ذكره على قول النبي صلى الله عليه وسلم لتقاتلنه وأنت ظالم له ولما جاء ابن جرموز إلى علي ليبشره بذلك بشره بالنار وروى ابن عبد البر عن علي كرم الله وجهه أنه قال إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من أهل هذه الآية { ونزعنا ما في صدورهم من غل } ولا ينكر ذلك إلا جاهل بفضلهم وسابقتهم عند الله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يكون لأصحابي من بعدي هنات يغفرها الله بسابقتهم معي يعمل بها قوم من بعدهم يكبهم الله في النار على وجوههم وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه شجاعا مقداما مقطوعا له بالجنة من أيسر الصحابة رضي الله عنه وعنهم ولو قيل أنه أيسرهم لما بعد يؤيد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في باب بركة الغازي في ماله حيا وميتا من كتاب الجهاد أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حسب دين أبيه فكان ألفي ألف ومائتي ألف وأنه أوصى بالثلث بعد الدين وأنه قضى دينه وأخرج ثلث الباقي بعد الدين وقسم ميراثه فأصاب كل زوجة من زوجاته الأربع ألف ألف ومائتا ألف ثم قال البخاري بعد ذلك فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف انتهى وقال ابن الهائم رحمه الله بل الصواب أن جميع ماله حسبما فرض تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف انتهى وصرح ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما بأن ما قاله البخاري غلط في الحساب وأن الصواب كما قال ابن الهايم وأجاب الحافظ شرف الدين الدمياطي رحمه الله بأن قول البخاري رحمه الله محمول على أن جملة المال حين الموت كانت ذلك دون الزائد في أربع سنين إلى حين القسمة انتهى ومناقب الزبير ومآثره يضيق عنها
هذا المختصر ولو لم يكن إلا مصاهرته للصديق فإنه كان زوج ابنته أسماء ذات النطاقين ورزق منها عبد الله وهو أول مولود ولد بالمدينة للمهاجرين وبه كنى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة على الصحيح لكفى
وقتل يومئذ زيد بن صوحان من خواص علي من الصلحاء الأتقياء
وتوفي في تلك السنة حذيفة بن اليمان العبسي صاحب السر المكنون في تمييز المنافقين ولذلك كان عمر لا يصلي على ميت حتى يصلي عليه حذيفة يحشى أن يكون من المنافقين وسمى ابن اليمان لأن جده حالف بني عبد الأشهل وهم من اليمن
وفيها سلمان الفارسي المشهور بالفضل والصحبة الذي قال في حقه المصطفى صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت وقصته مشهورة في طلب الدين وقوله تداولني بضعة عشر ربا حتى اتصلت بالنبي صلى الله عليه وسلم وروى من وجوه أنه اشترى نفسه من مواليه يهود بكذا وكذا وقية وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا ودية من النخل ويعمل عليها حتى تدرك فغرسها صلى الله عليه وسلم كلها بيده المباركة إلا واحدة غرسها عمر فأطعم كل النخل من عامة إلا تلك الواحدة فقطعها صلى الله عليه وسلم ثم غرسها فأطعمت وكان سلمان الفارسي وأبو الدرداء يأكلان من صفحة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها
وفيها أمير مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو من السابقين الأولين
سنة سبع وثلاثين
فيها وقعة صفين وهي صحراء ذات كدى وأكمات وتلخيص خبرها أن معاوية رضي الله عنه لما بلغه فراغ علي كرم الله وجهه من قصة العراق والجمل وسيره إلى الشام خرج من دمشق حتى ورد صفين في نصف المحرم فسبق إلى سهولة المنزل وقرب من الفرات فلما ورد عليهم علي يرجعهم إلى الطاعة والدخول تحت البيعة فلم يفعلوا ثم خرج عليهم لمنعهم إياه من الماء فلم يقبلوا فقاتلهم حتى نحاهم عنها ونزلها
وبنى مسجدا هناك على تل ليصلي فيه جماعة وأقاما بصفين سبعة أشهر وقيل تسعة وقيل ثلاثة وكان بينهم قبل القتال نحو من سبعين زحفا في ثلاثة أيام من أيام البيض وقتل من الفريقين ثلاثة وسبعون ألفا وآخر أمرهم ليلة الهرير وهو الصوت شبه النياح فنيت بنالهم واندقت رماحهم وانقصفت سيوفهم ومشى بعضهم إلى بعض وتقاربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد فلا تسمع إلا غمغمة وهمهمة القوم والحديد في الهام فلما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب ثم تكادموا بالأفواه وكسفت الشمس من الغبار وسقطت الألوية والرابات واقتتلوا من بعد صلاة الصبح إلى نصف الليل وذلك في شهر ربيع الأول
قاله الإمام أحمد في تاريخه وقال غيره في ربيع الآخر وقيل في صفر وكان عدد أصحاب علي مائة وعشرين أو ثلاثين ألفا وأهل الشام مائة ألف وخمسة وثلاثين ألفا وكان في جانب علي جماعة من البدريين وأهل بيعة الرضوان ورايات رسول الله صلى الله عليه وسلم والإجماع منعقد على إمامته وبغى الطائفة الأخرى ولا يجوز تكفيرهم كسائر البغاة واستدل أهل السنة والجماعة على ترجيح جانب علي بدلائل أظهرها وأثبتها قوله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية وهو حديث ثابت ولما بلغ معاوية ذلك قال إنما قتله من أخرجه فقال علي إذا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة لأنه أخرجه وهو الزام لا جواب عنه وحجة لا اعتراض عليها وكان شبهة معاوية ومن معه الطلب بدم عثمان وكان الواجب عليهم شرعا الدخول في البيعة ثم الطلب من وجوهه الشرعية وولي الدم في الحقيقة أولاد عثمان مع أن قتلة عثمان لم يتعينوا وكان ممن توقف عن القتال سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة وآخرون وممن قتل مع علي عمار بن ياسر ميزان العدل في تلك الحروب وهو الذي ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه وقتل وقد نيف على السبعين وقتل معه أيضا ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت
وكان متوقفا فلما قتل عمار تبين له الحق وجرد سيفه وقاتل حتى قتل وأبو ليلى والد عبد الرحمن الفقيه ومن غير الصحابة عبيد الله بن عمر بن الخطاب قاتل الهرمزان صاحب تستر حين طعن أبوه عمر اتهمه لأن أبا لؤلؤة كان له به تعلق وكان على خيل معاوية وقتل أيضا حامل راية علي هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المعروف بالمر قال ويقال أنه من الصحابة وصاحب رجاله على عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وأبو حسان قيس بن المكسوح المرادي أحد الأبطال وأحد من أعان على قتل الأسود العنسي قيل ووجد في قتلى أصحاب علي سيد التابعين أويس بن عامر المرادي القرني ذو المناقب الشهيرة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعليا إذا لقياه أن يطلبا منه الدعاء وهو سيد زهاد زمنه كان يلتقط ما على المزابل فإذا نبحه كلب قال له كل مما يليك وآكل مما يليني إن تجاوزت الصراط فأنا خير منك وإلا فأنت خير مني
وقتل أيضا صاحب رجالة معاوية قاضي حمص حابس الطائي وقتل أيضا أحد أمرائه ذو الكلاع الحميري وهو الذي حطب الناس وحرضهم على القتال وقتل معه أيضا أحد الأبطال الذيب بن الصباح الحميري قتل جماعة مبارزة ثم برز له علي فقتله وذكر أن عليا واجه معاوية في بعض تلك الزحوف فقال له ابرز إلي فإذا قتل أحدنا صاحبه استراح الناس فقال له عمرو بن العاص أنصفك الرجل فقال له معاوية أظنك طمعت فيها يعني الخلافة لأنك تعلم أنه قاتل من بارزه ولما أيقن أهل الشام بالهزيمة أشار عليهم عمرو ابن العاص يرفع المصاحف على الرماح والدعاء إلى حكم الله فأجاب علي إلى التحكيم فأنكر عليه بعض جيشه واختلفوا وخرجت عليهم الخوارج وقالوا لا حكم إلا لله وكفروا عليا ومعاوية وكان أمر الحكمين في رمضان وذلك أنه اجتمع من جانب علي أبو موسى ومن معه من الوجوه ومن جانب معاوية عمرو بن العاص ومن معه بددومة الجندل فخلا عمرو بأبي موسى بعد الاتفاق عليهما وقال له نخلع عليا ومعاوية ثم يختار المسلمون من يقع الإتفاق عليه وكانت الإشارة إلى عبد الله
ابن عمر فلما خرجا إلى الناس قال عمرو لأبي موسى قم فتكلم أولا لأنك أفضل وأكثر سابقة فتكلم أبو موسى بخلعهما ثم قام عمرو فقال إن أبا موسى قد خلع عليا كما سمعتم وقد وافقته على خلعه ووليت معاوية وقيل اتفقا على أن يخلع كل منهما صاحبه فخلع أبو موسى وأثبت الآخر ثم سار أهل الشام وقد بنوا على هذا الظاهر ورجع أهل العراق عارفين أن الذي فعله عمرو خديعة لا يعبأ بها وصح عن أبي وائل عن أبي ميسرة أنه قال رأيت قبابا في رياض فقيل هذه لعمار بن ياسر وأصحابه فقلت كيف وقد قتل بعضهم بعضا فقال إنهم وجدوا الله واسع المغفرة
وفي هذه السنة توفي خباب بن الأرت التميمي أحد السابقين البدريين وصلى عليه علي بالكوفة سأله عمر يوما عما لقي من المشركين فقال لقد أوقدت نار وسحبت عليها فما أطفأها ألا ودك ظهري ثم أراه ظهره فقال عمر ما رأيت كاليوم
سنة ثمان وثلاثين
في شعبان منها قتلت الخوارج عبد الله بن خباب فأرسل إليهم علي ابن عباس فناظرهم بالتحكيم في اتلاف المحرم الصيد والتحكيم بين الزوجين وبغير ذلك كما يأتي قريبا مفصلا فرجع بعضهم وأضر الأكثر فسار إليهم علي فكانت وقعة النهروان وقيل أنها في العام القابل
وفي شوال منها توفي صهيب بن سنان الرومي أحد السباق الأربعة وكان فيه دعابة يقال أنه كان بأحد عينيه رمد وكان يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم رطبا فأمعن فقال ما معناه أنه يضر الرمد فقال آكل بالعين السليمة وفضائله عديدة وتوفي بالمدينة رضي الله عنه وفيه يقول عمر نعم الرجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه معناه لو لم يكن فيه خوف الله لمنعته قوة دينه من معصية الله فكيف وهو خائف
وفيها توفي سهل بن حنيف الأوسي في الكوفة شهد بدرا وما بعدها واستخلفه علي على المدينة حين خرج إلى العراق وولاه فارس وشهد معه صفين وتكلم بكلام عجيب مروى في البخارى
وفيها قتل محمد بن أبي بكر الصديق وكان علي ولاه على مصر وكان علي قد تزوج بأمه أسماء بنت عميس ولما استقر في مصر جهز معاوية جيشا وأمر عليهم معاوية بن خديج الكندي فالتقيا فانهزم عسكر محمد واختفى هو في بيت امرأة فدلت عليه فقتل وأحرق وقيل قتله عمرو بن العاص أو عمرو بن عثمان
وفيها مات الأشتر النخعي وكان من الشجعان بعثه علي إلى مصر فسم في شربة عسل
سنة تسع وثلاثين
فيها وقيل في سنة إحدى وخمسين توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث الهلالية بسرف بين مكة ومر وهو الموضع الذي بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم فيه وذلك سنة تسع وكان الذي خطبها للنبي صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب وجعلت أمرها إلى العباس وكان زوج أختها وفيها تنازع أصحاب على وأصحاب معاوية في إقامة الحج فأصلح بينهم أبو سعيد الخدري على أن يقيم الموسم شيبة بن عثمان الحجبي
سنة أربعين
فيها توفي خوات بن جبير الأنصاري البدري أحد الشجعان وأبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري نزل بدرا ساكنا ولم يشهدها على الصحيح وشهد العقبة وأبو سهل الساعدي بدري مشهور وقيل أنه بقي إلى سنة ستين ومغيقيب بن أبي فاطمة الدوسي من مهاجرة الحبشة قيل وشهد بدرا
والأشعث بن قيس الكندي بالكوفة في ذي القعدة وكان شريفا مطاعا جوادا شجاعا وله صحبة ارتد زمن الردة ثم أسلم وتزوج أخت أبي بكر بالمدينة فأمر غلمانه أن يذبحوا ما وجدوه من البهائم في شوارع المدينة ففعلوا فصاح الناس عليهم فقالوا أيها الناس قد تزوجت عندكم ولو كنت في بلادي لأولمت وليمة مثلي فاقبلوا ما حضر من هذه البهائم وكل من تلف له شيء فليأتني لثمنه وكان هاجر في أول الإسلام من اليمن في ثمانين رجلا منهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي ثم ارتدا زمن الردة وأسلما وحسن إسلامهما وحمدت مواقفهما
وفيها استشهد أمير المؤمنين سامي المناقب أبو الحسنين علي بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه ضربه عبد الرحمن بن ملجم الخارجي في يافوخه فبقى يوما ثم مات وقتل ابن ملجم وأحرق وكان ذلك صبيحة يوم الجمعة وهو خارج إلى الصلاة سابع عشر رمضان وله ثلاث وستون سنة وقيل ثمان وخمسون وصلى عليه ابنه الحسن ودفن بالكوفة في قصر الإمارة عند المسجد الجامع وغيب قبره وخلافته أربع سنين واشهر وأيام قيل والسبب في قتل على كرم الله وجهه أن ابن ملجم خطب امرأة من الخوارج على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص فانتدب لذلك ابن ملجم والحجاج بن عبد الله الضمري ودادويه العنبري فكان من أمر ابن ملجم ما كان وضرب الحجاج معاوية في الصلاة بدمشق فجرح اليته قيل أنه قطع منه عرق النسل فلم يحبل معاوية بعدها و أما صاحب عمرو فقدم مصر لذلك فوجد عمرا قد أصابه وجع في تلك الغذاة المعينة واستخلف على الصلاة خارجة ابن حذافة الذي كان يعدل ألف فارس فقتله يظنه عمرا ثم قبض فأدخل على عمرو فقال له أردت عمرا وأراد الله خارجة فصارت مثلا وإلى فداء عمرو بخارجة أشار عبد الحميد بن عبدوية الأندلسي في بسامته بقوله
وليتها اذفدت عمرا بخارجة فدت علينا بمن شاءت من البشر وكان على رضى الله عنه ربعة إلى القصر ادعج العينين حسن الوجه أدم
ضخم البطن عريض المنكبين لهما مشاش كالسبع أصلع ليس له شعر الامن خلفه عظيم اللحية وهو أول من أسلم عند كثيرين بعد خديجة وعلى كل حال لم يشرك بالله بالغا شهد المشاهد كلها وحمدت مواقفه وكان اللواء معه في أكثرها وفضل على خالد بن الوليد في الشجاعة لأن شجاعة خالد فارسا وعلى فارسا وراجلا ومناقبه لا تعد من أكبرها تزويج البتول ومؤاخاة الرسول ودخوله في الباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء وقول النبي صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك مما يطول ذكره ويعز حصره وقد نقل اليافعي الخلاف بين أهل السنة في المفاضلة بينه وبين عثمان وأختبار هو تفصيله على عثمان وأشار إلى ذلك في قصيدة جملتها خمسة وثلاثون بيتا منها
( والظاهر الآن عندي ما أقول به ** والله أعلم ما في باطن الحال )
( من بعد تفضيلنا الشيخين معتقدي تفضيله قبل ذي النورين من تالى ) انتهى والصحيح تفضيل عثمان كما هو معلوم ولما استقر الخوارج في حروراء بعد النهر وأن وكانوا ستة آلاف مقاتل وقيل ثمانية آلاف أتاهم على وخطبهم وعظهم فرجعوا معه إلى الكوفة وأشاعوا أن عليا تاب من التحكيم فأتاه الأشعث بن قيس فقال له أن الناس قائلون أنك رأيت الحكومة ضلالا وتبت منها فقام في الناس وقال من زعم أن الحكومة ضلال فقد كذب فثارت الخوارج وخرجوا من المسجد فقيل له أنهم خارجون عليك فقال ما أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون فبعث إليهم ابن عباس رضي الله عنهما يناظرهم فاحتج عليهم ابن عباس وبالتحكيم في اتلاف المحرم الصيد والتحكيم بين الزوجين وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك عن قتال الهدنة يوم الحديبية فصدقوه في ذلك كله وقالوا له أن عليا محا نفسه من الخلافة بالتحكيم فقال لهم ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم محا اسم الرسالة يوم الحديبية فلم يزلها ذلك عنه فرجع منهم ألفان وبقى أربعة أو ستة آلاف أصروا وبايعوا عبد الله بن وهب الراسي فخرج بهم إلى النهروان فسار إليهم على وأوقع
بهم وقتل منهم ألفين وثمانمائة منهم ذو الثدية علامة الفرقة المارقة ثم كلمهم أيضا فأصروا وقالوا إن عدت إلى على جهاد العدو سرنا بين يديك وإن بقيت على التحكيم قاتلناك ثم قال لهم أيكم قاتل عبد الله بن خباب فقالوا كلنا قتله وكانوا قبل لقوا مسلما ونصرانيا فأعفوا النصراني وقالوا احفظوا وصية نبيكم فيه وقتلوا المسلم ثم لقوا عبد الله بن خباب الصحابي وفي عنقه المصحف فقالوا إن المصحف يأمرنا بقتلك فوعظهم وذكرهم وحدثهم عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقبلوا وقالوا له ما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى عليهما فقالوا ما تقول في علي قبل التحكيم وعثمان قبل الحدث فأثنى عليهما خيرا قالوا فما تقول في التحكيم والحكومة قال أقول إن عليا أعلم منكم وأشد توقيا على دينه فقالوا إنك لست تتبع الهدى فربطوه إلى جانب النهر وذبحوه فاندفق دمه على الماء يجري مستقيما وروى أن رجلا قال لعلي ما بال خلافة أبي بكر وعمر كانت صافية وخلافتك أنت وعثمان متكدرة فقال إن أبا بكر وعمر كنت أنا وعثمان من أعوانهما وكنت أنت وأمثالك من أعواني وأعوان عثمان وقال له رجل من اليهود ما أتى عليكم بعد نبيكم إلا نيف وعشرون سنة حتى ضرب بعضكم بعضا بالسيف فقال رضي الله عنه فأنتم ما جفت أقدامكم من البحر حتى قلتم يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة
ومما رثى به علي كرم الله وجهه
( ألا قل للخوارج أجمعينا ** فلا قرت عيون الشامتينا )
( أفي شهر الصيام فجمعتمونا ** بخير الناس طرا ابتغينا )
( قتلتم خير من ركب المطايا ** وذللها ومن ركب السفينا )
( ومن لبس النعال ومن حذاها ** ومن قرأ المثانني والمئينا )
( وكل مناقب الخيرات فيه ** وحب رسول رب العالمينا )
وبعد وفاة علي بويع لابنه الحسن رضي الله عنهما فتممت بأيامه خلافة
النبوة ثلاثون سنة وظهر تصديق الخبر النبوي
سنة إحدى وأربعين
في ربيع الأول منها سار أمير المؤمنين الحسن بن علي بجيوشه نحو الشام وعلى مقدمته قيس بن سعد بن عبادة وسار معاوية بجيوشه فالتقوا في ناحية الأنبار فوفق الله الحسن في حقن دماء المسلمين وترك الأمر لمغاوية كما هو مقرر في صحيح البخاري وظهر حينئذ صدق الحديث النبوي فيه حيث قال صلى الله عليه وسلم إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ولما تم الصلح بشروطه برز الحسن بين الصفين وقال إني قد اخترت ما عند الله وتركت هذا الأمر لمعاوية فإن كان لي فقد تركته لله وإن كان له فما ينبغي لي أن أنازعه ثم قرأ { وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين } وكبر الناس فرحا واختلطوا من ساعتهم وسمت سنة الجماعة وتمت الخلافة لمعاوية رضي الله عنه ولله الحمد
وفيها توفيت أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها وقيل في سنة خمس وأربعين وكان النبي صلى الله عليه وسلم طلقها مرة فبكى عمر واشتد عليه فنزل جبريل وقال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله يأمرك أن تراجع حفصة بنت عمر رحمة لعمر وفي رواية فإنها صوامة قوامة وأنها زوجتك بالجنة
وفيها مات صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي وكان من أشراف قريش ومسلمة الفتح وكان هرب يومئذ إلى جده فاستؤمن له فرجع وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم خيار شهرين فقال له لك أربعة وشهد حنينا فاكثر له صلى الله عليه وسلم من غنائمها فقال أشهد بالله ما طابت بهذا إلا نفس نبي وحسن إسلامه وقدم المدينة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا هجرة بعد الفتح فرجع إلى مكة وكان من الأغنياء قيل ملك قنطارا من الذهب شهد اليرموك أميرا
وفيها لبيد بن ربيعة الشاعر العامري الذي صدقه النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه وقيل مات في خلافة عثمان بالكوفة عن مائة وخمسين سنة
سنة اثنتين وأربعين
فيها افتتح عبد الرحمن بن سمرة سجستان أو بعضها وافتتحت السند وفيها توفي عثمان الحجبي وفيها سار راشد بن عمر وشن الغارات وأوغل في بلاد السند
سنة ثلاث وأربعين
فيها افتتح عقبة بن نافع كورا من بلاد السودان وسبى بشر بن أرطأة بأرض الروم
وفي ليلة عيد الفطر توفي أبو عبد الله عمرو بن العاص القرشي السهمي بمصر أميرا لمعاوية كان من الدهاة المجربين أسلم في هدنة الحديبية وهاجر وولى إمرة جيش ذات السلاسل وكان من أجلاء قريش وذوي الحزم والرأي وحديث وفاته ونثبته عند النزع مذكور في صحيح مسلم وفيه عبرة وقال آخر أمره اللهم إنك أمرتنا فعصينا ونهيت فارتكبنا فلا أنا بريء فأعتذر ولا قوي فأنتصر ولكن لا إله إلا أنت ثم فاضت روحه رحمه الله تعالى ورضي عنه
وفيها توفي عبد الله بن سلام الإسرائيلي حليف الأنصار من سبط يوسف ابن يعقوب صلى الله عليهما وسلم وقصة إسلامه مشهورة في الصحاح وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو المراد عند بعض المفسرين بقوله تعالى { ومن عنده علم الكتاب } وقوله تعالى { وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله }
وفي صفر منها محمد بن مسلمة الأنصاري البدري وكان ممن اعتزل الفتنة واتخذ سيفا من خشب ولزم المدينة حتى مات
سنة أربع وأربعين
في ذي الحجة منها توفي أبو موسى الأشعري اليمني المقرىء الأمير نسب إلى الأشعر أخي حمير بن سبأ وكان من أهل السابقة والسبق في الإسلام هاجر من بلده زبيد في نحو اثنين وخمسين رجلا ورجع فركب البحر فألقتهم الريح إلى النجاشي بالحبشة فوقف مع جعفر وأصحابه حتى قدم معهم في سفينته وجعفر وأصحابه في سفينة أخرى وأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لسفينتهم ولمن جاء معهم ولم يسهم لمن غاب غيرهم واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على عدن واستعمله عمر على الكوفة والبصرة وفتحت علي يده عدة أمصار وقال علي فيه صبغ بالعلم صبغة وفيها وقيل افتتح عبد الرحمن بن سمرة كابل وغزا المهلب بن أبي صفرة أرض الهند وهزم العدو
وفيها توفيت أم المؤمنين أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان الأموية هاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فتنصر هناك ومات فأرسل رسول الله عمرو بن أمية الضمري وكيلا في زواجها فلما بشرت بذلك نثرت سوارين كانا في يدها وأصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار أو أربعة آلاف درهم وحضر عقدها جعفر وأصحابه
سنة خمس وأربعين
فيها غزا معاوية بن خديج أفريقية وتوفي فيها سنة إحدى وخمسين أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري المقرئ الفرضي الكاتب عن ست وخمسين سنة قتل أبوه يوم بغاث وهو ابن ست وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن إحدى عشرة واجتمع له شرف العلم والصحبة وأول مشاهدة الخندق وكان عمر وعثمان يستخلفانه على المدينة وكان ابن عباس يأتيه إلى بيته للعلم ويقول العلم يؤتى ولا يأتي وكان إذا ركب أخذ بركابه ويقول ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء فيأخذ زيد كفه ويقبلها ويقول هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم
وفيها عاصم بن عدي سيد بني العجلان وكان قد رده النبي صلى الله عليه وسلم وسلم من بدر في شغل وضرب له بسهمه وقتل أخوه معن يوم اليمامة
سنة ست وأربعين
فيها ولى الربيع بن زياد الحارثي سجستان فزحف كابل شاه في جمع من الترك وغيرهم فالتقوا على بست فهزمهم
وفيها توفي عبد الرحمن بن خالد بن الوليد مسموما على ما قيل وكان أحد الأجواد وكان بيده لواء معاوية يوم صفين وكان أخوه مهاجر مع علي رضي الله عنه وقيل أن معاوية خطب الناس حين كبر وأسن واستشارهم فيمن يستخلف وكان مراده أن يشيروا بيزيد فأشاروا بعبد الرحمن بن خالد وغزا عبد الرحمن الروم غير مرة
سنة سبع وأربعين
فيها غزا رويفع بن ثابت الأنصاري أمير طرابلس أفريقية فدخلها ثم انصرف
وفيها حج بالناس عنبسة بن أبي سفيان وفيها جمعت الترك فالتقى بهم عبد الله ابن سوار العبدي ببلاد القيفان فاستشهد عبد الله وعامة جنده وغلبت الترك على القيفان
سنة ثمان وأربعين
فيها توجه سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي واليا على الهند عوض عبد الله ابن سوار
وقتل بسجستان عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان مولده بالحبشة والحارث بن قيس الجعفي صاحب ابن مسعود
سنة تسع وأربعين
في ربيع الأول منها توفي سيد شباب أهل الجنة سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم
وريحانته أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما والأكثر عل أنه توفي
سنة خمسين
بالمدينة عن سبع وأربعين سنة ومناقبه كثيرة روى أنه حج خمسا وعشرين حجة ماشيا والجنائب بين يديه وخرج عن ماله ثلاث مرات وشاطره مرتين وأعطى إنسانا يسأله خمسين ألف درهم وخمسمائة دينار وأعطى حمال ذلك طيلسانه وقال يكون كراؤه من عندي ومر بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه فنزل عن فرسه وأكل معهم ثم حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم وقال البدء لهم لأنهم لم يجدوا إلا ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه وبلغه أن أبا ذرقال الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة فقال يرحم الله أبا ذر أنا أقول من اتكل على حسن اختيار الله لم يحب غير ما اختاره سنة خمسين فيها توفي عبد الرحمن بن سمرة العبشمي من مسلمة الفتح قال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تسأل الإمارة الحديث افتتح سجستان وكابل أميرا لعبد الله بن عامروفيها توفي كعب بن مالك الأنصاري السلمي مؤاخي طلحة بن عبيد الله وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا و تاب الله عليهم واحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم المجيبين عنه عدوه وشهد المشاهد غير تبوك ذهب بصره في آخر عمره وهو القائل
( جاءت سخينة كي تغالب ربها ** فليغلبن مغالب الغلاب )
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا ) وفيها مات المغيرة بن شعبة الثقفي أسلم عام الخندق وولى العراق لعمرو غيره وكان من رجال الدهر حزما وعزما ورأيا ودهاء يقال أنه أحصن ثلاثمائة امرأة قيل الف امرأة ولاه عمر البصرة ثم الكوفة
وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت حين بن أخطب الإسرائيلية الهارونية وكانت جميلة فاضلة كفاها فضلا ونبلا زواج النبي صلى الله عليه وسلم وأوتيت أجرها
مرتين جاءت جاريتها عمر فقالت أن صفية تحب السبت وتصل اليهود فبعث إليها عمر يسألها عن ذلك فقالت أما السبت فلم أحبه وقد أبدلني الله يوم الجمعة وأما اليهود فإن لي فيهم رحما وقالت للجارية ما حملك على هذا قالت الشيطان قالت اذهبي فأنت حرة وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية وقيل في سنة إحدى
سنة إحدى وخمسين
فيها توفى سعيد بن زيد القرشي العدوى أحد العشرة المجاب الدعوة دعا على أروى لما كذبت عليه فقال اللهم أن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في أرضها فعميت ووقعت في حفرة من أرضها فماتت لم يشهد بدار هو ولا عثمان أبن عفان ولا طلحة بن عبيد الله فأما عثمان فاحتبس على مرض زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما سعيد وطلحة فبعثهما النبي صلى الله عليه وسلم يتجسسان الأخبار في طريق الشام وضرب لهما النبي صلى الله عليه وسلم سهمها من الغنيمة
وفيها وقيل في التي تليها توفى أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بالقسطنطينية وهم محاصرون لها وقبره تحت سورها يستسقى به ويتبرك وكان عقبيا كثير المناقب وموضع بيته الذي نزل فيه رسول الله ص صلى الله عليه وسلم مدرسة تعرف بالشاهبية وفيه موضع يقال له المبرك يعنون مبرك ناقه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفيها قتل حجر بن عدي وأصحابه بمرج عذراء من أرض الشام قيل قتلوا بأمر معاوية ولذا قال على كرم الله وجهه حجر بن عدي وأصحابه كأصحاب الأخدود ( وما نقموا من هم إلا أن يؤموا بالله العزيز الحميد فإن صح هذا عن على فيكون من باب الأخبار بالغيب لأنه توفى قبل كما تقدم وكان لحجر صحبة ووفادة وجهاد وعبادة
وفيها على الأصح توفى جرير بن عبد الله البجلى بقر قيسا
وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحرث الهلالية وقد تقدمت ترجمتها في سنة تسع وثلاثين
سنة اثنتين وخمسين
فيها توفي عمران بن حصين الخزاعي كثير المناقب ومن أهل السوابق بعثه عمر يفقه أهل البصرة وتولى قضاءها وكان الحسن البصري يحلف بالله ما قدمها خير لهم من عمران بن حصين وهو الراوي لحديث وصف المتوكلين الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وكان يسمع تسليم الملائكة عليه حتى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عاما ثم أكرمه الله برد ذلك أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر واستقضاه عبد الله بن عامر على البصرة ثم استعفاه فأعفاه
وفيها توفي كعب بن عجرة الأنصاري الحديبي وكان من فضلاء الصحابة
ومعاوية بن خديج الكندي التجيبي الأمير له صحبة ورواية وأبو بكرة بن نفيع بن الحارث وقيل ابن مسروح تدلى من حصن الطائف ببكرة للإسلام فلذا كنى بأبي بكرة
وفيها وقيل في سنة إحدى أو أربع وخمسين توفي سيد بجيلة جرير بن عبد الله البجلي الأمير قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي اسلم سنة عشر وسكن الكوفة وبجيلة أم القبيلة وقيل هو أنمار أحد أجدادهم وفيهم يقول الشاعر
( لولا جرير هلكت بجيلة ** نعم الفتى وبئست القبيلة )
قال عمر رضي الله عنه ما مدح من سب قومه ووجد عمر مرة من بعض جلسائه رائحة فقال عزمت على صاحب هذه الريح إلا قام فتوضأ فقال جرير اعزم علينا كلنا فلنقم فعزم عليهم ثم قال يا جرير ما زلت شريفا في الجاهلية والإسلام وسأله عمر عن الناس فقال هم كسهام الجعبة منها القائم الرائش
والنصل الطائش
سنة ثلاث وخمسين
فيها توفي عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وكان من الزهاد الشجعان قتل يوم اليمامة سبعة شهد مع قريش بدرا وأحدا مشركا وأسلم في هدنة الحديبية وله المشاهد الجميلة في نصر الإسلام ولما دعاه معاوية إلى البيعة ليزيد امتنع فبعث إليه بمائة ألف درهم فردها وقال لا أبيع ديني بدنياي وقصته معهم مشهورة في البخاري وذلك أنه قام حين دعى للبيعة فقال مروان هذا الذي نزل فيه { والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني } الآية وذلك من كيد مروان وإنما أورده البخاري مرسلا لبيان أثر عائشة الذي ردت به على مروان ولما بلغ عائشة خبر موته بمكة ارتحلت حتى وقفت على قبره وقالت
( وكنا كندماني جذيمة حقبة ** من الدهر حتى قيل لن تتصدعا )
( فلما تفرقنا كأني ومالكا ** بطول اجتماع لم نبت ليلة معا )
وفيها توفي زياد بن أمه المستحلق وكان يضرب بدهائه المثل ولاه معاوية العراقين
وفيها أو في التي قبلها توفي عمرو بن حزم الأنصاري الخزرجي ولي نجران وله سبع عشرة سنة
وفيها فيروز الديلمي قاتل الأسود العنسي له صحبة ورواية وفضالة بن عبيد الأنصاري قاضي دمشق لمعاوية وخليفته عليها
سنة أربع وخمسين
توفي فيها أسامة بن زيد الهاشمي الكلبي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه قدمه النبي صلى الله عليه وسلم وأمره على فضلاء الصحابة وجلة المهاجرين والأنصار على حداثة سنهوثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبير بن مطعم
النوفلي وكان من سادات قريش وحلمائها وقيل توفي سنة ثمان وخمسين
وحسان بن ثابت الأنصاري الشاعر عن مائة وعشرين سنة مناصفة في الجاهلية والإسلام قيل وكذلك أبوه وجده وكان لسانه يصل إلى جبهته ومن قوله مخاطبا لأبي سفيان بن الحرث
( أتهجوه ولست له بكفؤ ** فشركما لخيركما الفداء )
قيل وهذا أنصف بيت قالته العرب
وفيها على خلاف حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي ابن أخي خديجة الشريف الجواد أعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير وفعل مثل ذلك في الإسلام وأهدى مائة بدنة وألف شاة وأعتق بعرقة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش فيها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وباع دار الندوة بمائة ألف وتصدق بها فقيل له بعت مكرمة قريش فقال ذهبت المكارم ولدته أمه في الكعبة وعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام ودفن في داره بالمدينة وهو من مسلمة الفتح
وفيها أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد أحدا وما بعدها ومخرمة بن نوفل الزهري والد المسور وكان من المؤلفة قلوبهم
وفيها غزا عبيد الله بن زياد فقطع نهر جيحون إلى بخارى وافتتح بعض البلاد وكان أول عربي عدا النهر
وفيها علي ما رجحه الواقدي أم المؤمنين سودة بنت زمعة وتقدم أنها ماتت في خلافة عمر وهو الأصح
وفيها توفي سعيد بن يربوع المخزومي من مسلمة الفتح عاش مائة وعشرين سنة
وفيها عبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار وكان أحد من شهد العقبة
سنة خمس وخمسين
فيها توفي أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري أحد العشرة ومقدم جيوش الإسلام في فتح العراق وأول من رمى بسهم في سبيل الله مجاب الدعوة وفداه النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بأبويه وما دعا قط ألا استجيب له ومناقبه جمة
وأبو اليسير كعب بن عمرو الأنصاري السلمي أسر العباس يوم بدر والأرقم ابن الأرقم ابن المخزومي أحد السابقين وقيل توفي سنة ثلاث وخمسين
سنة ست وخمسين
فيها استعمل معاوية سعيد بن عثمان بن عفان فغزا سمرقند فالتقى هو والصفد فكسرهم ثم صالحوه وكان معه من الأمراء المهلب واستشهد معه يومئذ قثم بن العباس بن عبد المطلب وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر من طلع من لحد النبي صلى الله عليه وسلموفيها أم المؤمنين جويرية بنت الحرث المصطلقية وصلى عليها مروان
سنة سبع وخمسين
فيها عزل سعيد بن عثمان عن خراسان وأضيفت إلى العراقين لعبيد الله بن زياد وتوفي عبد الله بن السعدي العامري له صحبةوفيها وقيل في سنة ثمان وخمسين في رمضان توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديقة بنت الصديق من أخص مناقبها ما علم من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لها وشاع من تخصيصها عنده ونزول القرآن في عذرها وبراءتها والتنويه بقدرها ووفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحرها ونحرها وفي نوبته وريقها في فمه الشريف لأنه كان يأمرها أن تندى له السواك بريقها ونزول الوحي في بيتها وهو في لحافها ولم يتزوج بكرا سواها وما حمل عنها من الفقه لم يحمل عن أحد سواها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهي ابنة ست وبني بها بالمدينة وهي بنت تسع وتوفي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة
وتوفيت عن خمس وستين سنة ونقل عنها علم كثير حتى ورد خذوا نصف دينكم عن الحميراء وفي رواية ثلثي دينكم
وكانت من أكثر الصحابة حفظا وفتيا قال في معالم الموقعين والذين حفظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيف وثلاثون نفسا ما بين رجل وامرأة وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر قال أبو محمد بن حزم ويمكن أن يجمع من فتوى كل واحد منهم سفر ضخم قال وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في عشرين كتابا وأبو بكر المذكور أحد أئمة الإسلام في العلم والحديث قال أبو محمد والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير وأبو موسى الأشعري وسعد بن أبي وقاص وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله ومعاذ بن جبل فهؤلاء ثلاثة عشر يمكن أن يجمع من فتيا كل امرئ منهم جزء صغير جدا ويضاف إليهم طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعمران بن حصين وأبو بكرة وعبادة بن الصامت ومعاوية بن أبي سفيان والباقون منهم مقلون في الفتيا لا يروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والزيادة اليسيرة يمكن أن يجمع من فتيا جميعهم جزء صغير فقط بعد التقصي والبحث انتهى ملخصا ما ذكره ابن القيم وكان من الآخذين عن عائشة الذين لا يكادون يتجاوزون قولها المتفقهين بها القاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها وعروة بن الزبير ابن أختها أسماء قال مسروق لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
يسألونها عن الفرائض وقال عروة بن الزبير ما جالست أحدا قط أعلم بقضاء ولا بحديث بالجاهلية ولا أروى للشعر ولا أعلم بفريضة ولا طب من عائشة رضي الله عنها
وفيها توفي أبو هريرة عبد الرحمن عبد الرحمن بن صخر الدوسي قاله هشام وابن المديني وقيل سنة ثمان وخمسين قاله أبو معر ويحيى بن بكير وجماعة وقيل سنة تسع وخمسين كان كثير العبادة والذكر حسن الأخلاق ولى إمرة المدينة وكان حافظ الصحابة وأكثرهم رواية
قال الحافظ الذهبي المكثرون من رواية الحديث من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أبو هريرة مروياته خمسة آلاف وثلثمائة وأربعة وسبعون ابن عمر ألفان وستمائة وثلاثون أنس ألفان ومائتان وستة وسبعون عائشة ألفان ومائتان وعشر ابن عباس ألف وستمائة وسبعون جابر ألف وخمسمائة وأربعون أبو سعيد ألف ومائة وسبعون على خمسمائة وستة وثمانون عمر خمسمائة وسبعة وثلاثون عبد الله بن مسعود ثمانمائة وثمانية وأربعون عبد الله بن عمر سبعمائة أم سلمة ثلاثمائة وثمانية وسبعون أبو موسى ثلثمائة وستون البراء بن عازب ثلثمائة وخمسة أبو ذر مائتان وأحد وثمانون سعد مائتان وأحد وسبعون أبو أمامة مائتان وخمسون سهل بن سعد مائة وثمانية وثمانون عبادة مائة وأحد وثمانون عمران مائة وثمانون معاذ مائة وسبعة وخمسون أبو أيوب مائة وخمسة وخمسون ثمان مائة وأربعة وستون جابر بن سمرة مثله أبو بكر الصديق مائة واثنان وثلاثون أسامة مائة واثنان وثمانون ثوبان مائة واثنان وسبعون سمرة بن جندب مائة واثنان وثلاثون النعمان بن بشير مائة واثنان وأربعون أبو مسعود مائة واثنان جرير مائة ابن أبي أوفى خمسة وتسعون انتهى ولبعضهم في المكثرين من رواية الحديث
( سبع من الصحب فوق الألف قد نقلوا ** من الحديث عن المختار خير مضر )
( أبو هريرة سعد جابر أنس ** صديقة وابن عباس كذا ابن عمر )
وكان في أبي هريرة دعابة وكان يخطب ويقول طرقوا لأميركم قيل هو أبو سعيد الخدري وكان يصلي خلف علي ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال ويقول الصلاة خلف علي أتم وسماط معاوية أدسم وترك القتال أسلم استعمله عمر على البحرين وروى عنه أكثر من ثمانمائة رجل أسلم عام خيبر سنة سبع وصدقه الشيطان ونصحه فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة لما وكله النبي صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة الفطر فسرق منه الشيطان ليلة بعد ليلة وهو يمسكه فيتوب فيطلقه فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك البارحة فيقول زعم أنه لا يعود فيقول إنه سيعود فلما كان في المرة الثالثة قال له دعني أعلمك ما ينفعك إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } إلى آخرها فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قال صدقك وهو كذوب وأخبره أنه شيطان وفيه دليل على أن الإنسي أقوى وأشد يأسا من الجني كما اختاره الفخر الرازي
سنة ثمان وخمسين
فيها توفي جبير بن مطعم على خلاف في ذلك وشداد بن أوس الأنصاري نزيل بيت المقدس وعقبة بن عامر الجهني الصحابي أمير معاوية على مصر وكان فقيها فصيحا مفوها
وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب له صحبة ورواية ولي اليمن لعلي فسار إليه بشر بن أرطأة فذبح ولديه وكان أحد الأجواد أشاع بعض الناس أنه يدعو الناس للغداء ولا علم له فامتلأت رحبة بيته فقال ما شأنهم قالوا إنك دعوتهم فقال لا يخرجن منهم أحد وغداهم جميعا ثم نادى مناديه أن يحضروا كل يوم
سنة تسع وخمسين
فيها توفي أبو محذورة الجمحى المؤذن له صحبة ورواية وكان من اندى الناس صوتا وأحسنهم نغمة
وفيها وقيل في التي تليها شيبة بن عثمان الحجبي العبدري سادن الكعبة
وسعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية والد عمرو الأشدق والذي أقيمت عربية القرآن على لسانه لأنه كان أشبههم لهجة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولى الكوفة لعثمان وافتتح طبرستان وكان ممدحا كريما عاقلا حليما اعتزل الجمل وصفين ومولده قبل بدر
وأبو عبد الرحمن عبد الله بن عامر بن كريز العبسي أمير عثمان على العراق له رواية وهو الذي افتتح خراسان وأصبهان وحلوان وكرمان واطراف فارس كلها
سنة ستين
فيها توفي معاوية بن أبي سفيان بدمشق في رجب وله ثمان وسبعون سنة ولى الشام لعمر وعثمان عشرين سنة وتملكها بعد على عشرين إلا شهرا وسار بالرعية سيرة جميلة وكان من دهاة العرب وحلمائها يضرب به المثل وهو أحد كتبة الوحي وهو الميزان في حب الصحابة ومفتاح الصحابة سئل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فقال لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وأماتنا على محبته
وفيها توفي سمرة بن جندب الفزارى في أولها نزيل البصرة
وبلال بن الحرث المزنى وعبد الله بن مغفل المزنى نزيل البصرة من أهل بيعة الرضوان وفيها أو في التي قبلها أبو حميد الساعدي رضي الله تعالى عنهم أجمعين
وفيها عزل الوليد بن عقبة عن المدينة واستعمل عليها عمرو بن سعيد الأشدق فقدمها في رمضان فدخل عليه أهل المدينة وكان عظيم الكبر واستعمل على شرطته عمر بن الزبير لما كان بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء فأرسل إلى نفر من أهل المدينة فضربهم ضربا شديدا لهواهم في أخيه عبد الله منهم أخوه المنذر بن الزبير ثم جهز عمرو بن سعيد عمر بن الزبير في جيش نحو الفى رجل إلى أخيه عبد الله ببن الزبير فنزل بالأبطح وأرسل إلى أخيه بريمين يزيد وكان حلف ألا يقبل بيعته إلا أن يؤتى به في جامعة ويقال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة لا ترى ولا تضرب الناس بعضهم ببعض فإنك في بلد حرام فأرسل إليه أخوه عبد الله من فرق جماعته وأصحابه فدخل دار ابن علقمة فأتاه أخوه عبيدة فأجاره ثم أتى عبد الله فقال له قد أجرت عمرا فقال تجير من حقوق الناس هذا ما لا يصح أو ما أمرتك أن لا تجير هذا الفاجر الفاسق المستحل لحرمات الله ثم أقاد عمرا بكل من ضربه إلا المنذر وابنه فإنهما أبيا أن يستقيدا ومات تحت السياط
سنة إحدى وستين
استشهد فيها في يوم عاشوراء أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته بكربلاء عن ست وخمسين سنة ومن أسباب ذلك أنه كان قد أبى من البيعة ليزيد حين بايع له أبوه الناس رابع أربعة عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فلما مات معاوية جاءت كتب أهل العراق إلى الحسين يسألونه القدوم عليهم فسار بجميع أهله حتى بلغ كربلاء موضعا بقرب الكوفة فعرض له عبيد الله بن زيادة فقتلوه وقتلوا معه ولديه عليا إلا كبر وعبد الله وأخواته جعفرا ومحمدا وعتيقا والعباس إ لا كبر وابن أخيه قاسم بن
الحسن وأولاد عمه محمدا وعونا ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم ابن عقيل بن أبي طالب وابنيه عبد الله وعبد الرحمن ومختصر ذلك أن يزيد لما بويع له بعد موت أبيه وكان أبوه بايع له الناس فأرسل يزيد إلى عاملة بالمدينة الوليد بن عتبة يأخذ له البيعة فأرسل إلى الحسين وعبد الله بن الزبير فأتياه ليلا وقالا له مثلنا لا يبايع سرا بل على رؤوس الأشهاد ثم رجعا وخرجا من ليلتهما في بقية من رجب فقدم الحسين مكة وأقام بها وخرج منها يوم الترويه إلى الكوفة فبعث عبد الله بن زياد لحربه عمر بن سعيد بن أبي وقاص وقيل أرسل عبيد الله ابن الحرث التميمي أن جعجع بالحسين أي أحبه الجعجاع المكان الضيق ثم أمر معمر بن سعيد في أربعة آلاف ثم صار عبيد الله بن زياد يزيد في العسكر إلى أن بلغوا اثنين وعشرين ألفا وأميرهم عمر بن سعد بن أبي وقاص واتفقوا على قتله يوم عاشوراء قيل يوم الجمعة وقيل السبت وقيل الأحد بموضع يقال له الطف وقتل معه اثنان وثمانون رجلا فيهم الحرث بن يزيد التيمي لأنه تاب آخرا حين رأى منعهم له من الماء وتضييقهم عليه قيل ووجد بالحسين رضى الله عنه ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة وقتل معه من الفاطميين سبعة عشر رجلا وقال الحسن البصرى أصيب مع الحسين ستة عشر رجلا من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ له شبيه وجاء بعض الفجرة برأسه إلى ابن زياد وهو يقول أو قر ركابي فضة وذهبا أني قتلت الملك المحجبا قتلت خير الناس أما وأبا فغضب لذلك وقال إذا علمت انه كذلك فلم قتلته والله لا لحقنك به وضرب عنقه وقيل إن يزيد هو الذي قتل القائل ولما تم قتله حمل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه ومن أمر به أو رضيه قيل قال لهم عند ذلك بعض الحاضرين ويلكم إن لم تكونا أتقياء في دينكم فكونوا أحرارا في دنياكم والصحيح أن الرأس المكرم دفن بالبقيع إلى جنب أمه فاطمة وذلك أن يزيد بعث به إلى عامله بالمدينة عمرو بن سعيد الأشدق فكفنه
ودفنه والعلماء مجمعون على تصويب قتال على لمخالفيه لأنه الإمام الحق ونقل الإتفاق أيضا على تحسين خروج الحسين على يزيد وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج ثم الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد الحجاج ومنهم من جوز الخروج على كل ظالم وعد ابن حزم خروم الإسلام أربعة قتل عثمان وقتل الحسين ويوم الحرة وقتل ابن الزبير ولعلماء السلف في يزيد وقتلة الحسين خلاف في اللعن والتوقف قال ابن الصلاح والناس في يزيد ثلاث فرق فرقة تحبه وتتولاه وفرقة تسبه وتلعنه وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاه ولا تلعنه قال وهذه الفرقة هي المصيبة ومذهبها هو اللائق لمن يعرف سير الماضين ويعلم قواعد الشريعة الطاهرة انتهى كلامه ولا أظن الفرقة الأولى توجد اليوم وعلى الجملة فما نقل عن قتلة الحسين والمتحاملين عليه يدل على الزندقة وانحلال الإيمان من قلوبهم وتهاونهم بمنصب النبوة وما أعظم ذلك فسبحان من حفظ الشريعة حينئذ وشيد أركانها حتى انقضت دولتهم وعلى فعل الأمويين وأمرائهم بأهل البيت حمل قوله صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على أيدي أغيلمة من قريش قال أبو هريرة لو شئت أن أقول بني فلان وبنى فلان لفعلت ومثل فعل يزيد فعل بشر بن ارطأة العامري أمير معاوية في أهل البيت من القتل والتشريد حتى خد لهم الأخاديد وكانت له أخبار شنيعة في على وقتل ولدى عبيد الله بن عباس وهما صغيران على يدي أمهما ففقدت عقلها وهامت على وجهها فدعا عليه على أن يطيل الله عمره ويذهب عقله فكان كذلك خرف في آخر عمره ولم تصح له صحبة وقال الدارقطني كانت له صحبة ولم تكن له استقامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وقال التفازاني في شرح العقائد النسفية اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضى به قال والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهلي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادا قال فنحن
لا نتوقف في شأنه بل في كفره وإيمانه لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه وقال الحافظ ابن عساكر نسب إلى يزيد قصيدة منها
( ليت أشياخي ببدر شهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل )
( لعبت هاشم بالملك بلا ** ملك جاء ولا وحى نزل )
فإن ضحت عنه فهو كافر بلا ريب انتهى بمعناه وقال الذهبي فيه كان ناصبيا فظا غليظا يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بقتل الحسين وختمها بوقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين وذكر من خرج عليه وقال فيه في الميزان أنه مقدوح في عدالته ليس بأهل أن يروى عنه وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين يزيد فضربه عمر عشرين سوطا واستفتى الكيا الهراسى فيه فذكر فصلا واسعا من مخازيه حتى نفدت الورقة ثم قال ولو مددت بياض لمددت العنان في مخازى هذا الرجل وأشار الغزالي إلى التوقف في شأنه والتنزه عن لعنه مع تقبيح فعله وذكر ابن عبد البر والذهبي وغيرهما مخازى مروان بأنه أول من شق عصا المسلمين بلا شبهة وقتل النعمان ابن بشير أول مولود من الأنصار في الإسلام وخرج على ابن الزبير بعد أن بايعه على الطاعة وقتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل وإلى هؤلاء المذكورين والوليد بن عقبة والحكم بن أبي العاص ونحوهم الإشارة بما ورد في حديث المحشر وفيه فأقول يا رب أصحابي فيقال أنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة وأن المراد به الغالب وعدم الاعتداد بالنادر والذين ساءت أحوالهم ولا بسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة وقال اليافعي وأما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممن استحل ذلك فهو كافر وإن لم يستحل ففاسق فاجر والله أعلم
وفيها توفى حمزة بن عمرو والأسلمي وله صحبة ورواية
وأم المؤمنين هند المعروفة بأم سلمة وقيل توفيت سنة تسع وخمسين وهي
آخر أمهات المؤمنين موتا تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنتين من الهجرة وحين خطبها اعتذرت بكبر السن والأولاد وكونها غيورا فذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبير أيضا وذو أولاد وأما الغيرة فأدعوا الله عز وجل أن يذهبها عنك فكان أزاوج النبي صلى الله عليه وسلم يتحاكمن إليها لعلمهن ببراءتها من الغيرة وهي صاحبة المشورة المباركة يوم الحديبية ورأت جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبى
سنة اثنتين وستين
فيها توفي بريدة بن الحصيب الصحابى الأسلمي وقبره بمرو وقد أسلم قبل بدر
وعلقمة بن قيس النخعي الكوفي الفقيه صاحب ابن مسعود وكان يشبه به واستفتاه غير واحد من الصحابة
وأبو مسلم الخولاني اليمنى من سادات التابعين صاحب كرامات أجج له الأسود العنسى نارا عظيمة وألقاه فيها فلم تضره فنفاه لئلا يرتاب الناس فيه فوفد على أبي بكر مسلما فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمه محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله واستبطئت سرية فبينما هو يصلي ورمحه مر كوزجاء طائر ووقع عليه وخاطبه مشيرا له أن السرية سالمة غانمة تقدم يوم كذا وكذا وكان كذلك
وفيها توفى عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي نزيل دمشق له صحبة ورواية
وأمير مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري له صحبة ورواية أيضا
وفيها غزا أسلم بن أحور خوارزم فصالحوه ثم عبر إلى سمرقند فصالحوه أيضا
سنة ثلاث وستين
كانت وقعة الحرة وذلك أن أهل المدينة خرجوا على يزيد لقلة دينه فجهز لهم مسلمة بن عقبة فخرجوا له بظاهر المدينة بحرة واقم فقتل من أولاد المهاجرين
والأنصار ثلثمائة وستة أنفس ومن الصحابة معقل بن سنان الأشجعي وعبد الله بن حنظلة الغسيل الأنصاري وعبد الله بن زيد بن عاصم المازني الذي حكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس ومحمد بن عمرو ابن حزم ومحمد بن أبي جهيم بن حذيفة ومحمد بن أبي بن كعب ومعاذ بن الحرث أبو حليمة الأنصاري الذي أقامه عمر يصلى التراويح بالناس وواسع بن حبان الأنصاري ويعقوب ولد طلحة بن عبيد الله التميمي وكثير بن أفلح أحد كتاب المصاحف التي أرسلها عثمان وأبو أفلح مولى أبي أيوب وذلك لثلاث بقين من ذي الحجة وهجر المسجد النبوي فلم يصل فيه جماعة أياما ولم تمتد حياة يزيد بعد ذلك ولا أميره مسلم بن عقبة وفي ذلك يقول شاعر الأنصار
( فإن يقتلونا يوم حرة وأقم ** فنحن على الإسلام أول من قتل )
( ونحن تركناكم ببدر أذلة ** وأبنا بأسياف لنا منكم نفل )
وفيها توفى أبو مسروق الأجذع الهمداني الفقيه العابد صاب ابن مسعود وكان يصلى حتى تورم قدماه وحج فما نام إلا ساجدا وعن الشعبي قال ما رأيت أطلب للعلم منه كان أعلم بالفتوى من شريح
سنة أربع وستين
في أولها هلك مسلم بن عقبة بهرشى بين مكة والمدينة جبل قريب من الجحفة متجهزا لحرب ابن الزبير بعد ما استباح المدينة وفعل القبائح ابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه ومن العجب أنه شهد الحرة وهو مريض في محفة كأنه مجاهد
ومات يزيد بعده بنيف وسبعين يوما توفى بالذبحة وذات الجنب في نصف ربيع الأول بحمص وله ثمان وثلاثون سنة وصلى عليه ابنه معاوية وقيل ابنه خالد وكان شديد الأدمة كثير الشعر ضخما عظيم الهامة في وجهه أثر الجدري
وكنيته أبو خالد قيل قال له أبوه معاوية رضي الله عنه بايعت لك الناس ومهدت لك الأمر ولم يتخلف عن بيعتك إلا أربعة الحسين وعبد الله بن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر فاستوص بالحسين خيرا لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لحمه ودمه وأما عبد الله بن عمر فقد وقرته العبادة فليس له في الملك حاجة وأما عبد الرحمن فمغرم بالنساء فأذعنه بالمال وأما الذي يثب عليك وثب الأسد فكذا وكذا وذكر كلاما معناه التحريض على قتاله وكانت ولايته ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوما وعهد بالأمر إلى ابنه معاوية فبقى في الأمر شهرين أو أقل ومات وكان يذكر فيه الخير ومات وله أحدى وعشرون سنة وأبى أن يستخلف وقال لم أصب حلاوتها فلا أتحمل مرارتها ولما كان من أمر الحسين ما كان بقى ابن الزبير بمكة عائذا بالبيت فجهز لحربه يزيد الحصين بن نمير السكوني فرمى الحصين الكعبة بالمنجنيق حتى تضعضع بناؤها وهي وقتل بحجر المنجنيق المسور بن مخرمة النوفلي له صحبة ورواية واحترق قرنا الكبش الذي فدى به إسماعيل وجاء نعى يزيد فترجل الحصين وبايع أهل الحرمين ابن الزبير ثم أهل العراق واليمن حتى كادت تجتمع الأمة عليه وغلب على دمشق الضحاك الفهري مختلف في صحبته وكان دعا إلى ابن الزبير ثم تركه ودعا إلى نفسه فانحاز عنه مروان في بني أمية إلى أرض حوران ووافاهم عبيد الله بن زياد من الكوفة مطرودا من أهلها وتضعضع أمر بني أمية حتى كاد يندرس فنهض مروان لطلب الملك فالتقى هو والضحاك بعد قصص تطول فقتل الضحاك في نحو ثلاثة آلاف من أصحابه ثم سار أمير حمص يومئذ النعمان بن بشير الأنصاري الصحابي لينصر الضحاك فقتله أصحاب مروان
وفيها توفي بالطاعون الوليد بن عقبة بن أبي سفيان بن حرب وكان جوادا حليما عين للخلافة بعد يزيد ولى أمرة المدينة غير مرة
وفيها توفى ربيعة الجرشي فقيه الناس زمن معاوية
وفيها نقض أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير الكعبة وبناها على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم على ما حدثته خالته عائشة رضي الله عنه وأدخل الحجر في البيت وكان قد تشقق أيضا من المنجنيق واحترق سقفه
سنة خمس وستين
فيها توجه مروان إلى مصر فملكها واستعمل عليها ابنه عبد العزيز ومهد قواعدها ثم عاد إلى دمشق ومات في رمضان وعهد بالأمر إلى ابنه عبد الملك وكان مروان فقيها وكان كاتب السر لابن عمه عثمان رضي الله عنه وكان قصيرا كبير الرأس واللحية دقيق الرقبة أو قص أحمر الوجه واللحية يلقب خيط باطل عاش ثلاثا وستين سنة
وفيها ولى خراسان المهلب بن أبي صفرة لابن الزبير وحارب الأزارقة وأباد منهم ألوفا
وفيها خرج سليمان بن صرد الخزاعي الصحابي والمسيب بن نجبة الفزاري صاحب على في أربعة ألاف يطلبون بدم الحسين ويسمى جيش التوابين وجيش السراة وكان مروان قد جهز ستين ألفا مع عبيد الله بن زياد ليأخذ و العراق والتقوا بالجزيرة فانكسر سليمان وأصحابه وقتل هو والمسيب وطائفة وكان لسليمان صحبة ورواية
وفيها مات على الصحيح عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ولم يكن بينه وبين أبيه في الولادة إلا إحدى عشرة سنة وكان من فضلاء الصحابة وعبادهم المكثرين في الرواية وأسلم قبل أبيه وكان يلوم أباه على القيام في الفتن وحلف بالله أنه لم يرم في حرب صفين بمرح ولا سهم وإنما حضرها لعزم أبيه عليه ولقوله صلى الله عليه وسلم أطع أباك
وفيها توفى الحرث بن عبد الله الهمداني الكوفي الأعور صحب على وابن مسعود وكان متهما بالكذب وحديثه في السنن الأربعة
سنة ست وستين
فيها توفي جابر بن سمرة السوائي الصحابي وقيل توفي سنة أربع وستين وكان أبوه صحابيا أيضا وزيد بن أرقم الأنصاري وقيل في سنة ثمان وكان غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة
وفيها قويت شوكة الخوارج واستولى نجدة الحرورى الخارجي على اليمامة والبحرين
سنة سبع وستين
فيها قتل عمرو بن سعد بن أبي وقاص وعبيد الله بن زياد وحصين بن نمير السكوني الذي حاصر ابن الزبير وانصرف عنه وشرحبيل بن ذي الكلاع وكثيرون من دعاة الشر واصطلم عسكرهم وكانوا أربعين ألفا وذلك أنه جهز المختار بن أبي عبيد الكذاب جيشا قدر ثمانية آلاف مع إبراهيم بن الأشتر النخعي فكانت وقعة الحارث بأرض الموصل وقيل كانت في السنة التي بعدها وكانت ملحمة عظيمة انتقم الله فيها من أهل الجرم ونصبت رؤوسهم حيث نصب رأس الحسين وروى أن حية كانت تدخل في منخر عبيد الله بن زياد وتدور على رأسه وفعلت ذلك والناس ينظرون ثم بعث به المختار إلى المدينة في نحو سبعين ألف رأس وشاهدهم نساء أهل البيت الكرام وبقى الوقوف بين يدي الملك العلام
وفيها وقيل في التي قبلها توفى عدى بن حاتم الطائي وله مائة وعشرون سنة أسلم سنة سبع وأكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألقى له وسادة وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه
وفيها ثارت الفتنة بين بن أبن الزبير والمختار بن أبي عبيد الثقفي كان متلونا كذابا يدعو مرة إلى محمد بن الحنفية ومرة لابن الزبير حتى ادعى آخرا أن جبريل يأتيه بالوحي من السماء فلما تحقق ابن الزبير سوء حاله بعث أخاه المصعب لحربه فقدم المصعب البصرة وتأهب منها واجتمع إليه جيش الكوفة فسار بهم جميعا
وعلى مقدمته عباد بن عباد الحصين وعلى ميمنته المهلب بن أبي صفرة وعلى ميسرته عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي فجهز المختار لحربهم أحمر بن شميط وكيسان فهزمهم مصعب وقتل أحمر وكيسان وقتل من جيش مصعب محمد بن الأشعث الكندي ابن أخت أبي بكر الصديق وعبيد الله بن علي بن أبي طالب وقتل من جند المختار عمر الأكبر بن علي بن أبي طالب ثم سار جيش مصعب فدخلوا الكوفة وحصروا المختار بقصر الإمارة أياما إلى أن قتله الله في رمضان وصفت العراق لمصعب
سنة ثمان وستين
فيها توفى عبد الله بن عباس الهاشمي حبر الأمة بالطائف عن إحدى وسبعين سنة كان يقال له البحر والحبر وترجمان القرآن وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعائه له اللهم فقيه في الدين وعلمه التأويل وذهب بصره آخرا فقال
( أن يذهب الله من عيني نورهما ** ففي لساني وقلبي منهما نور )
( قلبي ذكى وذهني غير ذي وكل ** وفي فمي صارم كالسيف مشهور )
ولد قبل الهجرة بثلاث سنين وكان جميلا نبيلا مجلسه مشحونا بالطلبة في أنواع العلوم قال بعضهم حج معاوية وابن عباس فكان لمعاوية موكب بالولاية ولابن عباس موكب بالرواية والدراية قال ابن عباس ضمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم علمه الحكمة وقال أيضا دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ناصيتي وقال اللهم علمه الحكم وتأويل الكتاب وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ما رأيت أحدا أعلم بالسنة ولا أجلد رأيا ولا أثقب نظرا حين ينظر من ابن عباس وكان عمر بن الخطاب يقول له قد طرأت علينا عضل أقضية أنت لها ولا مثالها وقال عطاء بن أبي رباح ما رأيت مجلسا قط أكرم من مجلس ابن عباس كثر فقها وأعظم إن أصحاب الفقه عنده وأصحاب القرآن عنده وأصحاب الشعر عنده
يصدرهم كلهم في واد واسع وقال مغيرة لابن عباس أني أصبت هذا العلم قال بلسان سئول وقلب عقول وقال مجاهد كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه وقال طاوس أدركت نحوا من خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر ابن عباس شيئا فخالفوه لم يزل بهم حتى يقررهم وقال ابن أبي نجيح كان من أصحاب ابن عباس يقولون ابن عباس أعلم من عمر ومن علي ومن عبد الله ويعدون ناسا فيثب عليهم الناس فيقولون لا تعجلوا علينا إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلا وعنده من العلم ما ليس عند صاحبه وكان ابن عباس قد جمعه كله وقال الأعمش كان ابن عباس إذا رأيته قلت أجمل الناس فإذا تكلم قلت أفصح الناس فإذا حدث قلت أعلم الناس
وفيها عزل ابن الزبير أخاه مصعبا عن العراق وولاها ابنه حمزة
وتوفي أبو شريح الخزاعي الكعبي ويقال له أيضا العدوى وكان قد أسلم قبل فتح مكة
وأبو واقد الليثي وكان ممن شهد الفتح وعاش بضعا وسبعين سنة
سنة تسع وستين
فيها كان طاعون الجارف بالبصرة قال المدائني حدثني من أدرك الجارف قال كان ثلاثة أيام فمات في كل يوم نحو من سبعين ألفا ومات لأنس بن مالك نحو سبعين ابنا ومات فيه عشرون ألف عروس وأصبح الناس في اليوم الرابع ولم يبق إلا اليسير من الناس وصعد ابن عامر المنبر يوم الجمعة فلم يجتمع معه إلا سبعة رجال وامرأة فقال ما فعلت الوجوه فقالت المرأة تحت التراب أيها الأمير
وفيه مات قاضي البصرة أبو الأسود الدؤلي الذي أسس النحو بإشارة علي إليه
وفيها قتل نجدة الخارجي الحروري قتله أصحابه واختلفوا عليه وقيل ظفر به أصحاب ابن الزبير
وفيها مات قبيصة بن خالد الأسدي وكان فصيحا مفوها روى عبد الملك ابن عمير عنه قال قال لي عمر إني أراك شابا فصيح اللسان فسيح الصدر
وفيها أعاد ابن الزبير أخاه مصعبا وعزل ابنه حمزة وقصد هو عبد الملك بن مروان كل منهما الآخر ثم فصل بينهما الشتاء فوثب على دمشق في غيبة عبد الملك عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق وأراد الخلافة فجاء عبد الملك وجرى بينهما قتال وحصار ثم نزل إليه بالأمان
وفيها كان بين الأزارقة وبين المهلب حرب شديد ودام القتال شهرا بسولاف
سنة سبعين
فيها غدر عبد الملك بعمرو بن سعيد الأشدق بعد أن أمنه وحلف له وجعله ولي عهده من بعده فذبحه صبرا
وفيها توفي عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي وولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جد عمر بن عبد العزيز من قبل أمه وقيل كانت وفاته لستين سنة
وفيها مات مالك بن يخامر السكسكي صاحب معاذ وكان قد أدرك الجاهلية
وفيها كان الوباء بمصر
وفيها قال ابن جرير ثارت الروم وقووا على المسلمين لاختلاف كلمتهم فصالح عبد الملك ملك الروم على أن يؤدي كل جمعة ألف مثقال وهو أول وهن دخل على المسلمين والإسلام
سنة إحدى وسبعين
فيها توفي عبد الله بن أبي حدرد الأسلي ممن بايع تحت الشجرة وله روايات في غير الكتب الستة
سنة اثنتين وسبعين
فيها توفي أبو عمارة البراء بن عازب الأنصاري الحارثي نزيل الكوفة كان
من أقران ابن عمر استصغر يوم بدر ومعبد بن خالد الجهني صاحب لواء جهينة يوم الفتح له حديث واحد عن أبي بكر رضي الله عنهما
وفيها على الصحيح توفي أبو بحر المعروف بالأحنف بن قيس التميمي السعدي كان من سادات التابعين يضرب بحلمه المثل فعن الحسن قال ما رأيت شريف قوم أفضل من الأحنف أدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم قومه بإشارته ولم يفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد على عمر وله رواية عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم قال له معاوية ما أذكر صفين إلا وكانت في قلبي حرارة فقال الأحنف إن القلوب التي أبغضناكم بها لفي صدورنا وإن السيوف التي قاتلناكم بها لفي أغمادها ثم خرج فقالت أخت معاوية من هذا قال الذي غضب له ألف فارس من تميم لا يدرون فيما غضب ولما بايع معاوية لولده يزيد حسن له بعض الحاضرين ذلك فقال له معاوية فما تقول أنت يا أبا بحر فقال أخاف الله إن كذبت وأخافكم إن صدقت فقال معاوية جزاك الله من الطاعة خيرا وأمر له بألوف فلما خرجا قال له ذلك الرجل إني لأعلم ذم يزيد ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال نستخرجها بما سمعت فقال الأحنف إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون له وجه عند الله ونقل الإمام الطرطوشي إن بعض الخلفاء سأل رجلا عن الأحنف ابن قيس وعن صفاته فقال الرجل يا أمير المؤمنين إن شئت أخبرتك عنه بواحدة وإن شئت أخبرتك عنه بثنتين وإن شئت أخبرتك عنه بثلاث فقال أخبرني عنه باثنتين فقال كان الأحنف يفعل الخير ويحبه ويتوقى الشر ويبغضه قال فأخبرني عنه بثلاث قال كان لا يحسد أحدا ولا يبغى على أحد ولا يمنع أحدا حقه قال فأخبرني عنه بواحدة قال كان من أعظم الناس سلطانا في قيامه على نفسه
وفيها على الصحيح عبيدة السلماني المرادي الكوفي الفقيه المفتي أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وتفقه بعلي وابن مسعود قال الشعبي كان يوازي شريحا
في القضاء
وفيها وقعة دير الجاثليق بالعراق وكانت وقعة هائلة بين مصعب وعبد الملك وذلك أن عبد الملك أفسد جيش مصعب بالأطماع ولما استظهر عبد الملك أرسل إلى مصعب بالأمان فأبى وقال مثلي لا ينصرف إلا غالبا أو مغلوبا فاثخنوه بالرمي ثم شد عليه زياد بن عمرو بن حيسة فطعنه وقال يا لثارات المختار وانصرف إلى عبد الملك وقتل مع مصعب ولداه عيسى وعروة وإبراهيم بن الأشتر النخعي سيد نخع وفارسها ومسلم بن عمرو الباهلي واستولى عبد الملك على العراق وولاها أخاه بشرا وفيه يقول الشاعر
( قد استوى بشر على العراق ** من غير سيف ودم مهراق )
وبعث الأمراء إلى الأمصار وبعث الحجاج إلى مكة لحرب ابن الزبير فقتله واستوى الأمر لعبد الملك من غير معارض
سنة ثلاث وسبعين
فيها توفي عوف ابن مالك الأشجعي الحبيب الأمين وكان ممن شهد فتح مكة
وأبو سعيد بن المعلى الأنصاري له صحبة ورواية
وربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي عم محمد بن المنكدر له رواية عن عمر
وفيها نازل الحجاج ابن الزبير فحاصره ونصب المنجنيق على أبي قبيس ودام القتال أشهرا وتفرق عن عبد الله أصحابه فأخبر أمه بذلك واستشارها فقالت يا بني إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت وإن كان لله فلا تسلم نفسك فقاتلهم ولم يزل يهزمهم عند كل باب حتى أصابته رمية في رأسه فنكس رأسه وهو يقول
( ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ** ولكن على أقدامنا تقطر الدما )
فلما سقط قالت جارية له وا أمير المؤمنين فعرفوه ولم يكونوا عرفوه من لباس الحديد فشدوا عليه من كل جانب وقتلوه قريبا من باب المسجد من ناحية الصفا وذلك في جمادى الأولى وطافوا برأسه في مصر وغيرها قال النواوي في شرح مسلم مذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوما والحجاج ورفقته خارجون عليه ودخل الحجاج على أمه بعد قتله فقال كيف رأيتني صنعت بابنك فقالت أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك وقد أخبرنا رسول الله إن في ثقيف مبيرا وكذابا فأما الكذاب فرأيناه يعني المختار وأما المبير فلا أخالك إلا إياه والمبير المهلك قتل وله اثنتان وسبعون سنة وكانت ولايته تنيف على ثمان سنين وكان ابن الزبير صواما وقواما مستغرق الساعات في الطاعات بطلا شجاعا ومناقبه شهيرة كثيرة رضي الله تعالى عنه
وقتل معه عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمخي رئيس مكة وابن رئيسها ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولما حج معاوية قدم له ابن صفوان ألفي شاة
وقتل معه أيضا عبد الله بن مطيع بن الأسود العدوي الذي ولي الكوفة لابن الزبير قبل غلبة المختار
وقتل معه عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي ممن أسلم يوم الحديبية
وتوفيت أم عبد الله بن الزبير بن مصاب ابنها بيسير وهي أسماء بنت أبي بكر الصديق وهي في عشر المائة وهي من المهاجرات الأول ومن أهل السوابق في الإسلام وهي ذات النطاقين رضي الله عنها
وفيها استوثق الأمر لعبد الملك بن مروان بمقتل ابن الزبير وولى الحجاج أمر الحجاز ونقض بناء ابن الزبير للكعبة وأعادها إلى بنائها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بمشاورة عبد الملك بن مروان
وسبب هدم ابن الزبير الكعبة أنها كانت قد تهدمت وتشعثت من حجر المنجنيق الذي كان يرمى به الحصين بن نمير وأصحابه وحدثته خالته عائشة أن
قريشا قصرت بهم النفقة يعني الحلال التي كانوا جمعوها لبنائها فاقتصروا عن قواعد إبراهيم ستة أذرع أو سبعة وهي الحجر ولما عزم ابن الزبير على ذلك فرقت الناس وخرج بعضهم هاربا إلى الطائف وإلى عرفات ومنى وطلع ابن الزبير بنفسه واتخذ معه عبدا حبشيا دقيق الساقين رجاء أن يكون ذا السويقتين الحبشي الذي يهدم الكعبة وأما الحجاج فلم يهدمها إلا أنفه أن يبقى هذا الشرف والمكرمة لابن الزبير واختلفوا كم بنيت مرات فقيل سبعا وقيل خمسا ومنشأ الخلاف أنها هل بنيت قبل بناء إبراهيم أو هو أول من بناها
سنة أربع وسبعين
فيها توفي السيد الجليل الفقيه العابد الزاهد أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي وكان قد عين للخلافة يوم التحكيم مع وجود علي والكبار رضي الله عنهم وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إن عبد الله رجل صالح وقال نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل فكان بعدها لا يرقد من الليل إلا قليلا وكان من زهاد الصحابة وأكثرهم أتباعا للسنن وأعرفهم عن الفتن وتم له ذلك إلى أن مات قيل اعتمر قريبا من ألف عمرة قال مالك بلغ ابن عمر ستا وثمانين سنة أفتى في ستين منها ولما مات أمرهم أن يدفنوه ليلا ولا يعلموا الحجاج لئلا يصلي عليه ودفن في ذات أذاخر يعني فوق القرية التي يقال لها العابدة وبعضهم يزعم أنه في الجبل الذي فوق البستان على يمين الخارج من مكة إلى المحصب
وتوفي بعده في تلك السنة أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري وكان من أعيان الصحابة وفقهائهم شهد الخندق وبيعة الرضوان وغيرهما
وفيها توفي بالمدينة سلمة بن الأكوع الأسلمي وكان ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الموت يوم الحديبية وكان بطلا شجاعا راميا يسبق الفرس شدا وله سوابق ومشاهد محمودة
وفيها توفى بالكوفة أبو جحيفة السوائي ويقال له وهب الخير له صحبة ورواية وكان صاحب شرطة على رضى الله عنه وكان يقوم تحت منبره يوم الجمعة وقيل تأخر إلى بعد الثمانين
وفيها توفى محمد بن حاطب بن الحرث الجمحي له صحبة ورواية وهو أول من سمى في الإسلام محمدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورافع بن خديج الأنصاري الصحابي أصابه سهم يوم أحد فبقى النصل إلى أن مات في جسمه
وأوس بن ضمعج الكوفي في العابد
وخرسة بن الحرة وقد ربى يتيما في حجر عمر ونزل الكوفة
وعاصم بن حمزة السلولى
ومالك بن أبي عامر الأصبحي جد الإمام مالك له رواية عن عمر وعثمان
وعبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي بالمدينة له رؤية ورواية وكان كثير الحديث والفتوى وعبد الله بن عمير الليثي
سنة خمس وسبعين
فيها حج عبد الملك بن مروان وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وعزل الحجاج عن الحجاز وأمره على العراقين
وفيها توفى العرباض بن سارية السلمى أحد أصحاب الصفة بالشام وأبو ثعلبة الخشني بالشام وقد شهد فتح خيبر
وعمرو بن ميمون الأودي قدم مع معاذ من اليمن فنزل الكوفة وكان صالحا قانتا قيل حج مائة حجة وعمرة وكان إذا رؤى ذكر الله
والأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد كان يصلي في اليوم والليلة سبعمائة ركعة واستسقى به معاوية فسقوا
وبشر بن مروان الأموي أمير العراقين بعد مصعب
وسليم بن عنزة التجبيبى قاضي مصر وناسكها وقد حضر خطبة عمر بالجابية
سنة ست وسبعين
فيها وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي ابن عم المختار لحرب شبيب بن قيس الخارجي الشيباني فاستظهر شبيب وقتل زائدة وهزم العساكر مرات واستفحل أمر شبيب
سنة سبع وسبعين
فيها بعث الحجاج لحرب شبيب عتاب بن ورقاء الرباحي بالباء الموحدة فلقى شبيب بسواد الكوفة فقتل شبيب أيضا عتابا وهزم جيشه ثم جهز الحجاج له الحرث بن معاوية الثقفي فقتل الحرث أيضا فوجه الحجاج له أبا الورد البصرى فقتله أيضا فوجه له طهمان مولى عثمان فقتله أيضا ففرق الحجاج وسار بنفسه فاقتتلوا شديدا أشد القتال وتكاثروا على شبيب فانهزم وقتلت غزالة امرأة شبيب وكانت قد قاتلت في تلك الحروب قتالا عجز عنه كمل الرجال وكانت بحيث يضرب بشجاعتها المثل وكانت نذرت أن تأتي مسجد الكوفة فتصلى فيه ركعتين بسورة البقرة وآل عمران فخرجت إليه في سبعين رجلا ووفت نذرها فقال الناس
( وفت الغزالة نذرها ** يارب لا تغفر لها )
وقال الشاعر في الحجاج بن يوسف
( أسد على وفي الحروب نعامة ** فتخاء تنفر من صفير الصافر )
( هلا كررت على غزالة في الوغى ** بل كان قلبك في جناحى طائر )
ونجا شبيب بنفسه في فوارس من أصحابه إلى الأهواز وبها محمد بن موسى ابن طلحة التيمي فخرج لقتاله فبارزه فقتله شبيب وسار إلى كرمان فتقوى ثم رجع إلى الأهواز فبعث إليه الحجاج سفين بن الأبرد الكلبي وحبيب بن
عبد الرحمن فاقتتلوا حتى حجز بينهم الليل ثم ذهب شبيب وعبر على جسر نهر دجيل فقطع به فغرق وقيل بل نفر به فرسه وعليه الحديد الثقيل فألقاه في الماء فقال بعض أصحابه أغرقا يا أمير المؤمنين فقال ذلك تقرير العزيز العليم فألقاه دجيل ميتا على ساحله فحمل على البريد إلى الحجاج فأمر بشق بطنه واستخرج قلبه فإذا هو كالحجر إذا ضرب به الأرض نبا عنها فشق فإذا قلب صغير كالكرة الصغيرة فشق أيضا فوجد في داخله علقة دم وكانت شجاعته خارجة أكثر ما يكون في مائة نفس فيهزمون الألوف
وفيها غزا عبد الملك الروم بنفسه وافتتح مدينة هرقل وافتتحت أيضا في خلافة العباسيين ولعلها عادت إليهم
وفيها توفى أبو تميم الجيشاني وكان قرأ القرآن على معاذ وكان من عباد أهل مصر وعلمائهم
سنة ثمان وسبعين
فيها وثب الروم على ملكهم فنزعوه من الملك وقطعوا أنفه ونفوه إلى بعض الجزائر وفيها جرت حروب وملاحم بافريقية وولى فيها موسى بن نصير امرة المغرب كله وولى خراسان المهلب بن أبي صفرة
وفيها توفى جابر بن عبد الله بن عمر بن حرام الإنصاري السلمي وهو آخر من مات من أهل العقبة عن أربع وتسعين سنة وهو من أهل بيعة الرضوان وأهل السوابق والسبق في الإسلام وكان كثير العلم وأبوه عبد الله بن عمرو ابن حرام مناقبه عديدة
وفيها على الأصح زيد بن خالد من مشاهير الصحابة مات بالكوفة وله خمس وثمانون سنة
وعبد الرحمن بن غنم الأشعري بالشام وكان من رؤوس التابعين بعثه عمر بفقه الناس قال مسهر هو رأس التابعين
وفيها وقيل في سنة ثمانين أبو أمية شريح بن الحرث الكندي ولى قضاء الكوفة لعمر فمن بعده خمسا وسبعين سنة ولم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء وعاش على ما قال ابن قتيبة مائة وعشرين سنة واستعفى عن القضاء قبل موته بعام فأعفاه الحجاج وكان ففيها نبيها شاعرا صاحب مزاح وكان له دربة في القضاء بالغة وهو أحد السادات الطلس وهم أربعة عبد الله بن الزبير وقيس بن سعد بن عبادة والأخنف بن قيس وشريح والأطلس الذي لا شعر بوجهه وحكى أن عليا دخل على شريح مع خصم له ذمى فقام له شريح فقال له على كرم الله وجهه هذا أول جورك فقال لو كان خصمك مسلما لما قمت ويقال إنه قضى على علي وذلك أنه ادعى على الذمى درعا سقطت منه فقال للذمى ما تقول فقال مالى وبيدي فقال لعلى كرم الله وجهه ألك بينة أنها سقطت منك قال نعم فأحضر كلا من الحسن وعبده قنبر فقال قبلت شهادة قنبر ورددت شهادة الحسن فقال على ثكلتك أمك أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال اللهم نعم غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده فقال لليهودي خذها فليس عندي غيرهما فقال اليهودي لكني أشهد أنها لك وان دينكم هو الحق قاضي المسلمين يحكم على أمير المؤمنين ويرضى أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله فدفع على الدرع له فرحا بإسلامه وضرب شريح امرأة له تميمية ثم ندم فقال
( رأيت رجالا يضربون نساءهم ** فشلت يمينى حين أضرب زينبا )
( فز ينب بدر والنساء كواكب ** إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا )
وذكر أن زيادا كتب إلى معاوية ضبطت لك العراق بشمالى و يمينى فارغة لطاعتك فولني الحجاز فبلغ ذلك عبد الله بن عمر وكان مقيما بمكة فقال اللهم اشغل يمين زياد فأصابه الطاعون أو الا كلة في يمينه فجمع الأطباء فأشاروا بقطعها فاستشار شريحا فقال اكره لك أن كانت لك مدة تعيش بلا يمين وإن كان قددنا أجلك
أن تلقى ربك مقطوع اليد فإذا قال لك لم قطعتها قلت بغضا للقائك وفرارا من قضائك ومات زياد من يومه فلام الناس شريحا حيث نصح له لبغضهم لزياد فقال استشارني والمستشار مؤتمن وإلا لوددت أنه قطع يده يوما ورجله يوما وسائر جسده يوما يوما وتقدم إلى شريح رجلان في شتى فأقر أحدهما بما ادعى عليه ولم يعلم فقضى عليه شريح فقال اتقضى على بغير بينة فقال قد شهد عليك ثقة قال ومن ذلك قال ابن أخت خالتك وقال له آخر أين أنت أصلحك الله قال بينك وبين الحائط قال أتى رجل من أهل الشام قال مكان سحيق قال وتزوجت امرأة قال بالرفاء و البنين قال وولدت غلاما قال ليهنك الفارس قال وشرطت لها دارا قال الشرط أملك قال اقض بيننا قال قد فعلت قال بم قال حدث امرأة حديثين فإن أبت فأربع وقال في الإشراف على مناقب الإشراف في ذكر المخضومين وذكر شريحا منهم قال الفضل بن دكين بلغ شريحا مائة وثمان سنين وتوفى سنة ست وسبعين وقال غيره من أهل العلم سنة ثمان وسبعين وكان ثقة ولى قضاء المصرين الكوفى والبصرة ومات بالكوفة رحمه الله انتهى
وفيها قتل بسجستان أبو المقدم شريح بن هانىء المذحجى صاحب على وله مائة وعشرون سنة
سنة تسع وسبعين
فيها وقيل في التي قبلها قتل رأس الخوارج قطري بن فجاءة التميمي عثر به فرسه فقتل وأتى الحجاج برأسه وكان الحجاج قد جهز إليه جيشا بعد جيش وهو يهزمهم وممن قاتله سوادة أو سودة بن أبجر الدارمي وكان مجربا في الحروب ومن قوله يخاطب نفسه
( أقول لها وقد طارت شعاعا ** من الأبطال ويحك لا اتراعى )
( فإنك لو سألت بقاء يوم ** على الأجل الذي لك لم تطاعى )
( قصيرا في محال الموت صبرا ** فما نيل الخلود بمستطاع )
( سبيل الموت غاية كل حي ** وداعية لأهل الأرض داعى )
قال ابن قتيبة هو من كنانة من بني حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو ابن تميم وكان يكنى أبا نعامة وخرج زمن مصعب بن الزبير فبقى عشرين سنة يقاتل ويسلم عليه بالخلافة فوجه إليه الحجاج جيشا بعد جيش وكان آخرهم سفيان بن الأبرد الكلبي فقتله وكان المتولى لذلك سودة بن أبجر بن الحرث الدارمي ولا عقب لقطري انتهى
وفيها توفى عبد الله بن أبي بكرة وكان قد بعثه الحجاج أميرا على سجستان في العام الماضي وكان جوادا ممدحا يعتق في كل يوم عيد مائة عبد
وفيها مات عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي
وفيها أصاب أهل الشام طاعون كادوا يفنون من شدته قاله ابن جرير
سنة ثمانين
فيها بعث الحجاج على سجستان عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الكندي فلما استقر بها خلع الحجاج وخرج وكانت بينهما حروب يطول شرحها
وفيها مات عبد الله بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وكان مولده بالحبشة ويقال لم يكن في المسلمين أجود منه وله فيه أخبار طويلة وفي الصحيح أن ابن الزبير قال له أتذكر إذا تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك وهذا من الأجوبة المسكتة لكن الذي في صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي مليكة قال قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس فحملنا وتركك فلينظر ذلك وقال الإمام النووي في شرح مسلم وقد توهم القاضي أن القائل فحملنا وتركك هو ابن الزبير وجعله علطا في رواية مسلم وليس كما قال بل صوابه ما ذكرناه أن القائل فحملنا وتركك هو ابن جعفر انتهى
وقيل أن أجواد المسلمين عشرة منهم عبد الله بن جعفر وعبيد الله بن عباس
وطلحة الطلحات الخزاعي
وفيها مات أبو إدريس الخولاني عائذ الله بن عبد الله فقيه أهل الشام وقاصهم وقاضيهم سمع من أبي الدرداء وطبقته وقال ابن عبد البر سماع أبى إدريس عندنا عن معاذ صحيح
وفيها مات أسلم مولى عمر رضي الله عنه اشتراه عمر في حياة أبي بكر رضي الله عنه وهو من سبى عين النمر وكان فقيها نبيلا
وفيها صلب عبد الملك معبد الجهني في القدر وقيل بل عذبه الحجاج بأنواع العذاب وقتله
توفي ملك عرب الشام حسان بن النعمان بن المنذر الغساني غازيا بالروم
وفيها وقيل قبلها جنادة بن أبي أمية الأزدي بالشام له ولأبيه صحبه وحديثه في الصحيحين عن الصحابة وقد ولى غزو البحر لمعاوية
وفيها على الأصبح أبو عبد الرحمن جبير بن نفير الحضرمي نزيل حمص وكان من جلة التابعين روى عن أبي بكر وعمر
وفيها توفي عبد الرحمن بن عبد القارىء أتى به أبوه النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير وروى عن جماعة منهم عمر وهو مدني
وفيها مات اليون عظيم الروم
وفيها حاصر المهلب بن أبي صفرة كش ونسف
سنة إحدى وثمانين
فيها قام مع ابن الأشعث عامة أهل البصرة من العلماء والبعاد فاجتمع له جيش عظيم ولقوا الحجاج يوم الأضحى فانكشف عسكر الحجاج وانهزم هو وتمت بينهما عدة وقعات حتى قيل كان بينهما أربع وثمانون وقعة في مائة يوم ثلاث وثمانون على الحجاج والآخرة له
وفيها وقيل في التي بعدها توفى أبو القسم محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي
ابن الحنفية عن سبعين سنة إلا سنة وكان جمع له بين الإسم والكنية ترخيصا من النبي صلى الله عليه وسلم له قال لعلى سيولد لك غلام بعدي وقد نحلته اسمى وكنيتي ولا يحل لأحد من أمتي بعده وللعلماء في هذا تنازع وكان ابن الحنفية نهاية في العلم غاية في العبادة وتوقف عن حمل راية أبيه يوم الجمل وقال هذه مصيبة عمياء فقال له أبوه ثكلتك أمك أتكون عمياء وأبوك قائدها وروى نحو هذا في يوم صفين عنه وقيل له كيف كان أبوك يقحمك المهالك دون أخويك فقال كانا عينيه وكنت يده فكان يتقى عن عينيه بيده وكان شديد القوة قيل استطال أبوه درعا فقطعه من الموضع الذي علم له قيل ان ملك الروم وجه إلى معاوية رجلين أحدهما جسيم طويل والآخر قوى فقال عمرو بن العاص لمعاوية أما الطويل فعندنا كفؤه وهو قيس بن سعد بن عبادة ورأيك في الآخر فقال معاوية ههنا رجلان محمد ابن الخنفية وعبد الله بن الزبير ومحمد هو اقرب الينا على كل حال فلما حضروا نزع قيس سراويله وروماها إلى العلج فبلغت ثندوته فاطرق العلج مغلوبا وقيل لاموا قيسا على خلع سراويله في المجلس فقال
( أردت لكيما يعلم القوم أنها ** سراويل قيس والوفود شهود )
( وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه ** سراويل عادي نمته ثمود )
وقال محمد بن الحنفية قولوا للعلج أن شاء جلس وأقمته كرها بيدي أو يقعدني وإن شاء فليكن هو القائم وأنا القاعد فاختار الرومي الجلوس فأقامه محمد وعجز هو عن إقعاده ثم اختار أن يقعد فعجز الرومي عن أقامته فانصرفا مغلوبين وعند الكيسانية أن ابن الحنفية لم يمت وأنه المهدي الذي يخرج في آخر الزمان وفي ذلك يقول كثيرة عزة
( ألا أن الأئمة من قريش ** ولاة الحق أربعة سواء )
( على والثلاثة من بنيه ** هم الأسباط بهم خفاء )
( سبط إيمان وبر ** وسبط غيبته كربلاء )
( وسبط لا يذوق الموت حتى ** يقول الخيل يقدمها اللواء )
( نراه مخيما بجبال رضوى ** مقيم عنده عسل وماء )
ولما اتسق الأمر لابن الزبير دعا محمدا وابن عباس إلى بيعته فقالا حتى يجتمع الناس على بيعتك ثم أراد ابن عباس بعد تمهل أن يبايعه فأبى ابن الزبير فرد عليه ابن عباس قولا شديدا يتضمن التنويه بعبد الملك والغض منه وذلك مذكور في صحيح البخاري
وفيها سويد بن غفلة الجعفي بالكوفة وقدم المدينة وقد دفنوا النبي صلى الله عليه وسلم ومولده عام الفيل كما قيل وكان فقيها أماما عابدا قانعا كبير القدر
وفيها حجت أم الدرداء الكبرى صابية الحميرية وكان لها نصيب وافر من العلم والعمل ولها حرمة زائدة بالشام وقد خطبها معاوية بعد أبى الدرداء فامتنعت
وقتل مع ابن الأشعث ليلة دجيل أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود الهذلي روى عن طائفة ولم يدرك السماع من والده
وقتل معه ليلتئذ عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي ابن خالة خالد بن الوليد وكان فقيها كثير الحديث لقي كبار الصحابة وأدرك معاذ بن جبل
سنة اثنتين وثمانين
فيها استعرت الحرب بين الحجاج وابن الأشعث وبلغ جيش ابن الأشعث ثلاثة وثلاثين الف فارس ومائة وعشرين ألف راجل قاموا معه على الحجاج لله تعالى
وفيها توفى أبو عمر زاذان مولى كندة وقد شهد خطبة عمر بالجابية وكان من علماء الكوفة
وفيها توفي المهلب بن أبي صفرة الأزدي أمير خراسان صاحب الحروب
والفتوح أمير عبد الملك بن مروان على خراسان قال أبو إسحاق السبيعي لم أر أميرا أيمن نقيبة ولا أشجع لقاء ولا أبعد ما يكره ولا أقرب مما يحب من المهلب ومولده عام الفتح ولأبيه صحبة وأبو صفرة هو ظالم بن سراق من أزد العتيك أزددبا ودبا بين عمان والبصرة وقال عبد الله بن الزبير هو سيد العراق وخلف أولادا نجبا كراما قيل بلغ عددهم ثلثمائة ولد وحمى البصرة من الشراه بعد جلاء أهلها عنها إلا من كانت به قوة فهي تسمى بصرة المهلب قال ابن قتيبة ولم يكن يعاب إلا بالكذب وقيل فيه راج الكذب وكان ولي خراسان فعمل عليها خمس سنين ومات بمرو الروز من نواحي هراة بينها وبين بلخ واستخلف ابنه يزيد ابن المهلب ويزيد ابن ثلاثين سنة فعزله عبد الملك بن مروان برأي الحجاج ومشورته وولي قتيبة بن مسلم انتهى
وفيها توفي أبو مريم زر بن حبيش الأسدي القاري بالكوفة وله مائة وعشرون سنة وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية
وفيها قتل الحجاج كميل بن زياد النخعي صاحب علي رضي الله عنه وكان شريفا مطاعا شيعيا متعبدا
وفيها قتل الشعثاء سليم بن أسود المحاربي الكوفي بظاهر البصرة
وقتل محمد بن سعد بن أبي وقاص لقيامه مع ابن الأشعث
وفيها توفي جميل بن عبد الله بن معمر الشاعر العذري المتيم صاحب بثينة وكان هويها في الصغر فلما كبر خطبها فصد عنها فتيم بها وكان منزلها وادي القرى وهي عذرية أيضا وتكنى أم عبد الملك ولما أكثر الشعر فيها قيل له لو قرأت القرآن كان خيرا لك فقال حدثني أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة وكان كثير عزة راوية جميل وجميل راوية هدبة وهدبة راوية الحطيئة والحطيئة راوية زهير بن أبي سلمى المزني وابنه كعب وكان آخر أمر جميل أن وفد على عبد العزيز بن مروان بمصر فأحسن جائزته ووعده في أمر
بثينة وسأله المقام عنده فأقام قليلا ومات هناك قال عباس بن سهل دخلت عليه وهو يجود بنفسه فقال يا عباس ما تقول في رجل لم يشرب الخمر قط ولم يزن ولم يقتل النفس ولم يسرق يشهد أن لا إله إلا الله قلت أظنه قد نجا من النار وأرجو له الجنة فمن هو قال أنا قلت تشببت ببثينة منذ عشرين سنة وأنت سالم منها قال لا تنالني شفاعة محمد وإني في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة إن كنت وضعت يدي عليها لريبة ثم مات وكان أوصى رجلا أن يأتي حي بثينة فيعلو شرفا ويصيح بهذين البيتين
( صرخ النعي وما كني فجميل ** وثوى بمصر ثوى بغير قفول )
( قومي بثينة فاندبي بعويل ** وابكي خليلا دون كل خليل )
قال فخرجت كأنها بدر في دجنه تتثنى في مرطها فقالت يا هذا إن كنت صادقا فلقد قتلتني وإن كنت كاذبا فلقد فضحتني فقلت والله إني صادق وأخرجت حلته فلما رأتها صاحت وصكت وجهها وغشي عليها ساعة واجتمع نساء الحي يبكين معها ومن قوله فيها
( وخبر تماني أن تيماء منزل ** لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا )
( فهذي شهور الروم عناقد انقضت ** فما للنوى يرمي بلبلي المراميا )
في قصيدة وغلط بعضهم فجعلها لمجنون بني عامر وليس كذلك فإن تيماء من منازل بني عذرة والله أعلم
سنة ثلاث وثمانين
فيها في قول الفلاس وهو الصحيح وقعة الجماجم بين الحجاج وابن الأشعث وكان شعارهم ياثارات الصلاة لأن الحجاج كان يميت الصلاة حتى يخرج وقتها
فقتل مع ابن الأشعث أبو البختري الطائي مولاهم واسمه سعيد بن فيروز وكان من كبار فقهاء الكوفة روى عن ابن عباس وطبقته
وغرق مع ابن الأشعث بدجيل عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الفقيه الكوفي المقري قال ابن سيرين رأيت أصحابه يعظمونه كالأمير أخذ عن عثمان وعلي ورأى عمر يمسح على الخفين
وفيها توفي ابن الجوزاء الربعي البصري واسمه أوس بن عبد الله روى عن عائشة وجماعة
وفيها توفي قاضي مصر عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني روى عن أبي ذر وغيره وكان عبد العزيز بن مروان يرزقه في السنة ألف دينار فلا يدخرها
سنة أربع وثمانين
فيها افتتح موسى بن نصير أوربة من المغرب وبلغ عدد السبي خمسين ألفا
وفيها قتل الحجاج أيوب بن القرية وهي جدته لكن قال في القاموس القرية كجرية الحوصلة ولقب جماعة بنت جشم أم أيوب بن يزيد الفصيح المعروف الهلالي انتهى وكان أميا نصيحا وارتفع شأنه بالفصاحة والخطابة قدم على الحجاج فأعجبه وأوفده على عبد الملك ولما قام ابن الأشعث بعثه الحجاج إليه فقال إنما أنا رسول قال هو ما أقول لك ففعل ذلك وأقام عنده فلما هزم ابن الأشعث كتب الحجاج إلى عماله أن لا يجدوا أحدا من أصحاب ابن الأشعث إلا أرسلوه إليه أسيرا
فكان فيمن أرسلوا ابن القرية فسأله الحجاج عن البلدان والقبائل فقال أهل العراق أعلم الناس بحق وباطل وأهل الحجاز أسرع الناس إلى فتنة وأعجزهم فيها وأهل الشام أطوع الناس لخلفائهم وأهل مصر عبيد من خلب أي خدع وأهل البحرين نبط استعربوا وأهل عمان عرب استنبطوا وأهل الموصل أشجع الفرسان وأهل اليمن أهل أهواء وصبر عند اللقاء وأهل اليمامة أهل جفاء واختلاف وريف كثير وقرى يسير وأما القبائل فقال قريش أعظم أحلاما وأكرمها مقاما وبنو عامر بن صعصعة أطولها رماحا وأكرمها صباحا وثقيف أكرمها جدودا وأكثرها وفودا وبنو زيد ألزمها للرايات وأدركها للثارات وقضاعة أعظمها أخطارا وأكرمها نجارا وأبعدها أثارا والأنصار أثبتها مقاما وأحسنها إسلاما
وأكرمها أياما وتميم أظهرها جلدا وأكثرها عددا وبكر بن وائل أثبتها صفوفا وأحدها سيوفا وعبد القيس أسبقها إلى الغايات وأصبرها تحت الرايات وبنو أسد أهل تجلد وجلد وعسر ونكد ولخم ملوك وفيهم نوك أي حمق وعك ليوث جاهدة في قلوب فاسدة وغسان أكرم العرب أحسابا وأثبتها أنسابا وأمنع العرب في الجاهلية أن تضام قريش في بلدة حمى الله دارها ومنع جارها
وسأله عن مآثر العرب فقال كانت العرب تقول حمير أرباب الملك كندة ألباب الملوك ومذحج أهل الطعان وهمدان أحلاس الخيل والأزد أساس الناس
وسأله عن الأراضي فقال الهند بحرها دروجيلها ياقوت وشجرها عود وورقها عطر وأهلها طغام وخراسان ماؤها حامد وغذاؤها جاحد وعمان بلد سديد وصيدها عبيد والبحرين كناسة بين المصراعين واليمن أصل العرب وأهل البيوت والحسب ومكة رجالها علماء جفاة ونساؤها كساة عراة والمدينة رسخ العلم فيها وظهر منها والبصرة شتاؤها جليد وحرها شديد وماؤها ملح وحربها صلح والكوفة ارتفعت عن حر البحر وسفلت عن برد الشام وطاب ليلها وكثر خيرها وواسط جنة بين حماة وكنة قال وما حملتها وكنتها قال البصرة والكوفة يحسدانها ودجلة والفرات يتجاذبان بإفاضة الخير عليها والشام عروس بين نسوة جلوس
وسأله عن الآفات فقال آفة الحلم الغضب وآفة العقل العجب وآفة العلم النسيان وآفة السخاء المن وآفة الكرم مجاورة اللئام وآفة الشجاعة البغي وآفة العبادة الفترة وآفة الزهد حديث النفس وآفة الحديث الكذب وآفة المال سوء التدبير وآفة الكامل من الرجال العدم قال فما آفة الحجاج بن يوسف قال لا آفة لمن كرم حسبه وطاب نسبه وزكا فرعه فقال أظهرت نفاقا ثم قال اضربوا عنقه فلما رآه قتيلا ندم
وفيها ظفر أصحاب الحجاج بابن الأشعث فقتلوه بسجستان وطيف برأسه في البلدان واسم ابن الأشعث عبد الرحمن بن محمد
وفيها توفي عبد الله بن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي
وكان حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بريقه عند ولادته ومات بعمان هاربا من الحجاج وهو ابن أخت معاوية
وعتبة بن المنذر السلمي بالشام له صحبة وحديثان
وعمران بن حطان السدوسي البصري أحد رؤس الخوارج وشاعرهم البليغ
وروح الحرامي وهو روح بن زنباع سيد حرام وأمير فلسطين كان ذا عقل ورأي وكان معظما عند عبد الملك لا يكاد يفارقه وهو عنده بمنزلة وزير وكان صاحب علم ودين
سنة خمس وثمانين
فيها غزا محمد بن مروان بن الحكم أرمينية فأقام سنة وأمر ببناء أردبيل وبرذعة
وفيها كانت وقعة بين المسلمين والروم بطوانة أصيب فيها المسلمون واستشهد نحو الألف
وفيها توفي عبد العزيز بن مروان أبو عمر ولي مصر عشرين سنة وكان ولي العهد بعد عبد الملك عقد لهما أبوهما كذلك فلما مات عقد عبد الملك من بعده لولده وبعث إلى عامله على المدينة هشام بن إسماعيل المخزومي ليبايع له الناس فامتنع سعيد بن المسيب وصمم فضربه هشام ستين سوطا وطيف به وروى عبد العزيز عن أبي هريرة وغيره
وتوفي واثلة بن الأسقع الليثي أحد فقراء الصفة وله ثمان وتسعون سنة وكان شجاعا ممدحا فاضلا شهد غزوة تبوك
وعمروبن حريث المخزومي له صحبة ورواية ومولده قبل الهجرة
وعمرو بن سلمة الجرمي البصري الذي صلى بقومه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في صغره ويقال له صحبة
وأسير بن جابر بالعراق وله أربع وثمانون سنة
وعمرو بن سلمة الهمذاني سمع عليا وابن مسعود ولم يخرجوا له في الكتب الستة شيئا وهو مقل
وعبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي حليف آل عمر بن الخطاب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ليس بمتصل خرجه أبو داود وله رواية عن الصحابة رضي الله عنهم
وفيها مات خالد بن يزيد بن معاوية الأموي كان له معرفة بالطب والكيمياء وفنون من العلم وله رسائل حسنة أخذ الصنعة عن راهب رومي ومن قوله في زوجته رملة بنت الزبير
( تجول خلاخيل النساء ولا أرى ** لرملة خلخالا يجول ولا قلبا )
( أحب بني العوام من أجل حبها ** ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا )
جرى بينه وبين عبد الملك شيء فقال له عبد الملك ما أنت في العير ولا في النفير فقال خالد ويحك من العير والنفير غيري وجدي أبو سفيان صاحب العير وجدي عتبة صاحب النفير ولكن لو قلت غنيمات الطائف يرحم الله عثمان لصدقت وأشار بذلك إلى جده الحكم نفاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف فرده عثمان
سنة ست وثمانين
فيها ولي قتيبة بن مسلم الباهلي خراسان وافتتح بلاد صاغان من الترك صلحا وافتتح مسلمة بن عبد الملك حصنين من بلاد الروم
وفيها توفي أبو أمامة الباهلي الصحابي رضي الله عنه واسمه صدى بن عجلان نزيل حمص وقد قال كنت يوم حجة الوداع ابن ثلاثين سنة فيكون عمره مائة وست سنين
وفيها وقيل سنة ثمان توفي عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي وهو آخر الصحابة موتا بالكوفة وآخر من مات من أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم بنص القرآن ولا يدخل أحد منهم النار بنص السنة
وفيها على الصحيح توفي عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي آخر الصحابة موتا بمصر
وقبيصه بن ذؤيب الخزاعي المدني الفقيه بدمشق روى عن أبي بكر وعمر قال مكحول ما رأيت أعلم منه وقال الزهري كان من علماء الأمة
وفي شوال توفي عبد الملك بن مروان الخليفة أبو الوليد وله ستون سنة ولايته المجمع عليها بعد ابن الزبير ثلاث عشرة سنة وأشهر وكان أبيض طويلا كبير العينين مشرف الأنف رقيق الوجه ليس بالبادن عده أبو زياد في الفقه في طبقة ابن المسيب وقال نافع لقد رأيت أهل المدينة وما بها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك وولي بعده ابنه الوليد وحل المشهور أن عبد الملك رأى كأنه بال في زوايا المسجد الأربع أو في المحراب أربع مرات فوجه إلى سعيد بن المسيب من يسأله فقال من ولده لصلبه أربعة تلي فكان كما قال ولي الوليد وسليمان وهشام ويزيد
سنة سبع وثمانين
فيها استعمل الوليد على المدينة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى أن عزله سنة ثلاث وتسعين بأبي بكر بن حزم
وفيها ابتدئ بناء جامع دمشق ودام العمل في بنائه وزخرفته بالجد والاجتهاد أكثر من عشرين سنة وكان فيه اثنا عشر ألف صانع وهو أحد عجائب الدنيا لتركيبه على الفلك
وفيها كانت ملحمة هائلة بناحية بخارى بين قتيبة والكفار ونصر الله الإسلام
وفيها فتحت سردانية من المغرب
وفيها توفي بحمص صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة بن عبيد السلمي وله أربع
وتسعون سنة
والمقدام بن معد يكرب الكندي الصحابي وهو ابن إحدى وتسعين سنة ومات بحمص أيضا
سنة ثمان وثمانين
فيها زحفت الترك وأهل فرغانة والصغد وعليهم ابن أخت ملك الصين في مائتي ألف فالتقاهم مسلمة وقيل قتيبة بن مسلم فكسرهم وهزمهم ولله الحمد وافتتح مسلمة جرثومة وطوانة
وفيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص وهو آخر من مات من الصحابة بحمص بل في الشام وأطلق الذهبي أنه آخر الصحابة موتا وكلامه ينتقض بسهل بن سعد في سنة إحدى وتسعين وأنس بن مالك في نة ثلاث وتسعين على الأصح وأبي الطفيل فإن المشهور أنه آخر الصحابة موتا وموته في سنة مائة لكن قيل إن ابن بسر مات سنة تسع وتسعين فعلى هذا يتجه أن يقال هو آخرهم موتا
سنة تسع وثمانين
فيها جهز موسى بن نصير ولده عبد الله فافتتح جزيرتي ميورقة ومنورقة وجهز ولده الآخر مروان فغزا السوس الأقصى وبلغ السبي أربعين ألفا
وغزا مسلمة عمورية فالتقى الروم وهزمهم
وفيها توفي على الصحيح عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري المدني مسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا له فوعى ذلك سمع من ابن عمر
سنة تسعين
فيها غزا قتيبة وردان خذاه الغزوة الثانية فاستصرخ عليه بالترك فالتقاهم قتيبة وكسرهم
وفيها غزا مسلمة سورية وافتتح الحصون الخمسة
وفيها غدر ملك الطالقان واستعان بترك طرحان على قتيبة ثم ظفر قتيبة بن مسلم بأهل الطالقان فقتل منهم صبرا مقتلة لم يسمع بمثلها وصلب منهم سماطين كل سماط أربعة فراسخ في نظام واحد
وفيها ولى إمرة مصر قرة بن شريك وكان جبارا ظالما
وتوفي أبو طيبان حصين أو حصين بن جند الجهني الكوفي والد قابوس
وفيها علي الأصح خالد بن يزيد بن معاوية وتقدم ذكره
وعبد الرحمن بن المسور بن مخرمة الزهري المدني الفقيه
ومفتي مصر أبو الخير يزيد بن عبد الله اليزني تفقه بعقبة بن عامرسنة إحدى وتسعين
فيها عزل الوليد عمه محمدا عن الجزيرة وأذربيجان وأرمينية وولى عليها أخاه مسلمة فغزا مسلمة في هذا العام إلى أن بلغ الباب الحديد وافتتح حصونا ووائن وافتتح فيها قتيبة عدة مدائن بما وراء النهر وأوطأ الكفار ذلا وخوفا وحمل إليه طرخون القطيعة
وفيها وقيل في سنة ثمان وثمانين توفي السائب بن يزيد الكندي ابن أخت النمر قال حج بي أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين ورأيت خاتم النبوة بين كتفيه
وفيها مات أبو العباس سهل بن سعد الساعدي الأنصاري وقد قارب المائة وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة
سنة اثنتين وتسعين
فيها افتتح إقليم الأندلس علي يد طارق مولى موسى بن نصير وتمم موسى فتحه في سنة ثلاث
وفيها توفي ملك بن أوس بن الحدثان النضري المدني وكان أدرك الجاهلية
ورأى أبا بكر
وفيها قتل الحجاج إبراهيم بن يزيد التيمي الكوفي العابد المشهور ولم يبلغ أربعين سنة روى عن عمرو بن ميمون الاودي وجماعة
وطويس المغني مولى أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان وكان اسمه طاووسا فلما تخنث سمي طويسا وكان مجودا في المغنى وإياه عنى الشاعر في مدح معبد
( تغنى طويس والشريحي بعده ** وما قصبات السبق إلا لمعبد )
وضرب المثل بشؤمه وقيل لأنه ولد يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وفطم يوم مات الصديق وختن يوم قتل عمر وقبل بلغ الحلم في ذلك اليوم وتزوج يوم قتل عثمان وقيل ولد له ولد يوم قتل علي وقيل يوم مات الحسن بن علي رضي الله عنهم وهذا من عجائب الاتفاقات وكان مفرطا في طوله مضطربا في خلقه أحول العين انتقل عن المدينة إلى السويداء على مرحلتين منها في طريق الشام وتوفي هناك
سنة ثلاث وتسعين
فيها افتتح قتيبة بن مسلم عدة فتوح وهزم الترك ونازل سمرقند في جيش عظيم ونصب المجانيق عليها فجاءت نجدة الترك فاكمن لهم كمينا فالتقوا في نصف الليل فاقتتلوا قتالا عظيما ولم يفلت من الترك إلا اليسير وافتتحها صلحا وبنى بها الجامع والمنبر وقيل صالحهم على مائة ألف فارس وعلى بيوت النار وعلى حلية الأصنام فسلبت ثم وضعت الأصنام بين يديه فكانت كالقصر العظيم فأحرقها ثم جمعوا ما بقي منها من مسامير الذهب والفضة فكانت خمسين ألف مثقال واستعمل على البلد ابنه عبد الله ورد إلى مرو
وفيها كانت الفتوح بأرض المغرب والأندلس وبأرض الروم وبأرض الهند ولم يفتح المسلمون منذ خلافة عثمان مثل هذه الفتوح التي جرت بعد التسعين شرقا وغربا فلله الحمد والمنة
وفيها توفي من سادات الصحابة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حمزة أنس بن
مالك الأنصاري النجاري وقيل توفي سنة تسعين أو إحدى أو اثنتين وتسعين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وله عشر سنين فخدمه ودعا له بكثرة المال والولد والبركة فيهما وفيما أوتي فدفن لصلبه إلى مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرين وكان نخله يثمر في العام مرتين
وبلال بن أبي الدرداء روى عن أبيه وولى إمرة دمشق
وأبو الشعثاء جابر بن زيد الذي قال فيه ابن عباس لو أن أهل البصرة نزلوا على قول أبي الشعثاء لأوسعهم علما عما في كتاب الله عز وجل
وأبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي المخزومي الشاعر المشهور قيل لم يكن في قريش أشعر منه وهو كثير المجون والتغزل بالثريا ابنة علي بن عبد الله بن الحرث بن أمية بن عبد شمس الأموية التي جدتها قتيلة بالتصغير ابنة النضر بن الحارث المنشدة في قتيل أبيها يوم بدر الأبيات وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لما قتلته واستدل بهذا القول الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يجتهد في الأحكام وكانت الثريا موصوفة بارعة الجمال وتزوجها سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ونقلها إلى مصر وفيهما يقول عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة
( أيها المنكح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان )
( هي شامية إذا ما استقلت ** وسهيل إذا استقل يماني )
وهو القائل
( إن من أكبر الكبائر عندي ** قتل بيضاء خودة عطبول )
( كتب القتل والقتال علينا ** وعلى الغانيات جر الذيول )
ولد عمر هذا في ليلة قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك ليلة الأربعاء لأربع بقين من ذي الجة سنة ثلاث وعشرين وكان الحسن البصري يقول فيها أي حين رفع وأي باطل وضع يعني مقتل عمر ووضع عمر وكان جده أبو ربيعة يلقب بذي الرمحين وأبوه عبد الله أخو أبي جهل بن هشام لأمه توفي في سفينة
غرقا وعمره سبعون سنة أو ثمانون
وفيها على الصحيح وقيل سنة تسعين توفي أبو العالية رفيع بن مهران الرباحي مولاهم البصري المقرئ المفسر دخل على أبي بكر وقرأ القرآن على أبي وكان ابن عباس يرفعه على السرير وقريش أسفل وقال أو بكر بن أبي داود ليس بعد الصحابة أحد أعلم بالقرآن من أبي العالية وبعده سعيد بن جبير قال ابن قتيبة حج أبو العالية ستين حجة وقال الأصمعي كان أبو العالية ومكحول جميلين يعني مكحول الأزدي وكان مزاحا قال مسلم بن إبراهيم سألت أبا العالية عن قتل الذر فجمع منهن شيئا كثيرا وقال مساكين ما أكيسهن ثم قتلهن وضحك
وفيها توفي السيد الجليل زرارة بن أوفى العامري أبو حاجب قاضي البصرة قرئ في صلاة الصبح { فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير } فخر ميتا
وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن الصحابة وولى قضاء المدينة وعن الأعرج قال ما رأيت بعد الصحابة أفضل منه
سنة أربع وتسعين
فيها غزا قتيبة بن مسلم فرغانة فافتتحها بعد قتال عظيم وبعث جيشا فافتحوا الشاش
وفيها افتتح مسلمة سدرة من أرض الروم
وتوفي الإمام السيد الجليل أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي المدني أحد أعلام الدنيا سيد التابعين وقال ابن عمر لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه لسره وقال مكحول وقتادة والزهري وغيرهم ما رأينا أعلم من ابن المسيب قال علي بن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه وهو عندي أجل التابعين وقال أحمد العجلي كان لا يأخذ العطاء وله أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت وقال مسعر عن سعد ابن إبراهيم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر مني سمع من الصحابة وجل روايته عن أبي
هريرة وكان تزوج ابنته قال قتادة ما جمعت علم الحسن إلى علم أحد إلا وجدت له عليه فضلا غير أنه كان إذا أشكل عليه شيء كتب إلى ابن المسيب يسأله وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما مات العبادلة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي فقيه مكة عطاء وفقيه اليمن طاووس وفقيه اليمامة يحيى بن أبي كثير وفقيه البصرة الحسن البصري وفقيه الكوفة إبراهيم النخعي وفقيه الشام مكحول وفقيه خراسان عطاء الخراساني إلا المدينة فإن الله تعالى حرسها بقرشي فقيه غير مدافع سعيد بن المسيب وهو من فقهاء المدينة جمع بين الحديث والتفسير والفقه والورع والعبادة وعنه قال حججت أربعين حجة وما فاتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة وعطل المسجد النبوي أيام الحرة ولم يبق فيه غيره وكان لا يعرف أوقات الصلاة إلا بهمهمة يسمعها داخل الحجرة المقدسة وخطب ابنته بعض ملوك بني أمية فزوجها فقيرا من الطلبة وسيرها إلى بيته ثم زارها عبد ذلك ووصلها بشيء من عنده وكانت ابنة أبي هريرة تحته وكان جابر بن الأسود على المدينة دعاه إلى بيعة ابن الزبير فأبى فضربه سوطا وضربه أيضا هشام بن إسماعيل ستين ستين سوطا وطاف في المدينة في تبان من شعر وذلك انه دعاه إلى البيعة لسليمان والوليد بالعهد فلم يفعل وكان مولده لسنتين مضتا من خلافة عمر ووفاته بالمدينة وولد لسعيد محمد وكان نسابة فنفى قوما من المخزومين فرفع ذلك إلى الوالي فجلده الحد وكان لسعيد غيره من الولد وبرد مولاه قال له يا برد إياك أن تكذب على كما يكذب عكرمة على ابن عباس وقال كل حديث حدثكموه برد ليس مع غيره ما تنكرونه فهو كذب وبالجملة فمناقبه وماآثره تفوت الحصر وقد صنف فيها
وفيها أيضا توفى أحد فقهاء المدينة السبعة أبو محمد عروة ابن الزبير بن العوام الأسدي المدني الفقيه الحافظ جمع العلم والسيادة
والعبادة ولد في سنة تسع وعشرين وحفظ عن والده وكان يصوم الدهر ومات صائما واشتهر أنه قطعت رجله وهو في الصلاة لاكلة وقعت فيها ولم يتحرك حتى لم يشعر الوليد بن عبد الملك بذلك وهو عنده حتى كويت فوجد رائحة الكي قال الزهري رأيته بحرا لا تكدره الدلاء ودخل على عبد الملك بعد قتل أخيه وسأله سيف الزبير فأخرجوا له السيوف فأخذ منها سيفا مفللا فعرفه وبئره أعذب بئر في المدينة اليوم توفي في قرية له دون الفرع بضم الفاء وتسكين الراء من ناحية الربذة على أربع ليال من المدينة ذات نخل ومياه وهو شقيق عبد الله أمهما أسماء بنت أبي بكر بخلاف مصعب فإن أمه أخرى وكان بعد الملك بن مروان يقول من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى عروة بن الزبير وسبب ذلك أنهم اجتمعوا في المسجد الحزام وتمنوا وكان منية عروة الزهد في الدنيا والفوز بالجنة فلما نال كل امرىء منهم أمنيته كان في ذلك دليل على نيل أمنية عروة وقد نظم بعض الفضلاء فقهاء المدينة السبع فقال
( ألا كل من لا يقتدي بائمة ** فقسمته ضيزي عن الحق خارجه )
( خذهم عبيد الله عروة قاسم ** سعيد سليمان أبو بكر خارجة )
وفيها مات أيضا أحد الفقهاء السبعة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث ابن هشام بن المغيرة المخزومي الملقب براهب قريش لعبادته وفضله استصغر يوم الجمل فرد هو وعروة وكان مكفوفا وأبوه الحرث من الصحابة وهو أخو أبي جهل لأمه وهذه السنة تسمى سنة الفقهاء لأنها مات فيها جماعة منهم وإنما قيل الفقهاء السبعة لأنهم كانوا بالمدينة في عصر واحد ينشر عنهم العلم والفتيا وكان في عصرهم جماعة من فقهاء التابعين مثل سالم بن عبد الله بن عمر وغيره فلم يكن لهم مثل مالهم
وفيها زين العابدين على بن الحسين الهاشمي وولد سنة ثمان وثلاثين بالكوفة أو سنة سبع سمى زين العابدين لفرط عبادته وكان ورده في
اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يوم استشهد والده مريضا فلم يتعرضوا له وكان عبد الملك يحترمه ويجله وأمه سلامة وقيل غزالة بنت يزد جرد ملك فارس سميت ثالثة ثلاث من بناته في خلافة عمر أمر عمر بيعهن فأشار علي بتقويمهن ويأخذهن من اختارهن فأخذهن علي فدفع واحدة لعبد الله بن عمر وأخرى لولده الحسين وأخرى لمحمد بن أبي بكر الصديق فولدت سالما وزين العابدين والقسم بن محمد فهم بنو خالة وكان أهل المدينة يكرهون السراري حتى نشأ فيهم هؤلاء الثلاثة وفاقوا فقهاء المدينة ورعا فرغبت الناس في السراري ومن بر زين العابدين لأمه أنه كان لا يأكل معها في صحفة ويقول أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه ومن وقوله أن لله عبادا عبدوه رهبة فتلك عبادة العبيد وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وآخرين عبدوه شكرا فتلك عبادة الأحرار وتكلم فيه رجل وافترى عليه فقال له إن كنت كما قلت فأستغفر الله وإن لم أكن كما قلت فالله يغفر لك فقبل رأسه وقال جعلت فداك لست كما قلت فاغفر قال غفر الله لك فقال له الرجل الله أعلم حيث يجعل رسالاته وقصته مع هشام والفرزدق ومدح الفرزدق له مشهورة نذكر شيئا منها عند ذكر الفرزدق إن شاء الله تعالى قال الزهري ما رأيت أحدا أفقه من زين العابدين لكنه قليل الحديث وقال أبو حازم الأعرج ما رأيت هاشميا أفضل منه وعن سعيد بن المسيب قال ما رأيت أورع منه وقال مالك بلغني أن علي بن الحسين كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة إلى أن مات وكان يسمى زين العابدين لعبادته
وفيها وقيل سنة أربع ومائة أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني أحد الأئمة الكبار قال الزهري أربعة وجدتهم بحورا عروة وابن المسيب وأبو سلمة وعبيد الله
وفيها تميم بن طرفة الطائي الكوفي ثقة له عدة أحاديث
سنة خمس وتسعين
فيها أراح الله العباد والبلاد بموت الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي الطائفي في ليلة مباركة على الأمة ليلة سبع وعشرين من رمضان وله ثلاث وقيل أربع أو خمس وخمسون سنة أو دونها وكان شجاعا مقداما مهيبا متفوها فصيحا سفاكا ولى الحجاز سنين ثم العراق وخراسان عشرين سنة وأقره الوليد على عمله بعد أبيه وقيل لابن سيرين رأيت حمامة بيضاء حسنة على سرادقات المسجد فجاء صقر فاختطفها فقال ابن سيرين إن صدقت رؤياك تزوج الحجاج ابنة جعفر الطيار فلما تزوجها قيل لابن سيرين من أين أخذت ذلك فقال الحمامة امرأة وبياضها حسنها والسرادقات شرفها فلم أر بالمدينة أنقى حسنا ولا اشرف من ابنة جعفر والصقر سلطان غشوم فلم أر أغشم من الحجاج وقال ابن قتيبة في المعارف يكنى الحجاج أبا محمد وكان أخفض دقيق الصوت وأول ولاية وليها تبالة فلما رأها احتقرها وانصرف فقيل في المثل أحقر من تبالة على الحجاج وولى شرط أبان بن مروان في بعض ولايات أبان فلما خرج ابن الزبير وقوتل زمانا قال الحجاج لعبد الملك أني رأيت في المنام كأني أسلخ عبد الله بن الزبير فوجهني إليه فوجهه في ألف رجل وأمره أن ينزل الطائف حتى يأتيه أمره ففعل ثم كتب إليه بقتاله وأمده فحاصره حتى قتله ثم أخرجه فصلبه وذلك في سنة ثلاث وسبعون فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين فكان يصلي بالموسم كل سنة ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فوليها عشرين سنة وأصلحها وذلل أهلها وحدثني أبو اليمان عن جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي عذبة الحضرمي قال قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه رابع أربعة من أهل الشام ونحن حجاج فبينا نحن عنده إذ أتاه خبر من العراق بأنهم قد حصبوا أمامهم فخرج إلى الصلاة ثم قال من ههنا من أهل الشام فقمت أنا و أصحابي فقال يا أهل الشام تجهزوا لأهل
العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وقرج ثم قال اللهم قد لبسوا على فلبس عليهم الله عجل لهم بالغلام الثقفيش الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم انتهى وأم الحجاج الفارغة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي ولدت الحجاج مشوها لا دبر له فنقب عند دبره وأبى أن يقبل ثدي أمه وغيرها فيقال أن الشيطان تصور لهم في صورة الحرث بن كلدة وكان تزوج الفارعة قبل أبي الحجاج وكان حكيم العرب فقال له القوه دم جدي يومين واليوم الثالث العقوه دم تيس أسود ثم دم ثعبان سالخ أسود والملوا به وجهه وأخبرهم أنه يقبل الثدي في اليوم الرابع فلذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء ويخبر أنه أكبر لذاته وله مقحمات عظائم وأخبار مهولة وكان معلما قال ابن قتيبة كان يعلم بالطائف واسمه كليب وأبوه أيضا يوسف كان معلما وقال ملك ابن أبي يزيد في الحجاج
( فماذا عسى الحجاج يبلغ جهده ** إذا نحن جاوزنا حفير زياد )
( فلولا بنو مروان كان ابن يوسف ** كما كان عبدا من عبيد أياد )
( زمان هو العبد المقر بذله ** يراوح غلمان القرى ويغادى )
وقال آخر
( أينسى كليب زمان الهزال ** وتعليمه سورة الكوثر )
( رغيف له فلكه ما يرى ** وآخر كالقمر الأزهر )
يريد أن خبز المعلمين مختلف ولما حضرته الوفاة قالا للمنجم هل ترى ملكا يموت قال بلى ولست به رأى ملكا يموت يسمى كليبا قال أنا والله كليب كانت أمي سمتنى انتهى وتمثل حينئذ بقول عبيد بن سفيان العكلي
( يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ** أيمانهم انني من ساكني النار )
أيحلفون على عمياء ويحهم ** ما علمهم بعظيم العفو غفار )
وكان موته بالأكلة في بطنه سوغه الطبيب لحما في خيط فخرج مملوءا دودا
وسلط أيضا عليه البرد فكان يوقد النار تحته وتأجج حتى تحرق ثيابه وهو لا يحس بها فشكا إلى الحسن البصري فقال ألم أكن نهيتك أن تتعرض للصالحين فلما أخبر الحسن بموته سجد شكرا وقال اللهم كما أمته فأمت سنته وكان قد رأى أن عينيه قلعتا وكان تحته هند بنت المهلب وهند بنت أسماء بن خارجة فطلقها ليتأول رؤياه بهما فمات ابنه محمد وجاءه نعي أخيه محمد من اليمن فقال هذا والله تأويل رؤياي محمد ومحمد في يوم واحد أنا الله وأنا إليه راجعون ثم قال من يقول شعرا فيسليني فقال الفرزدق
( أن الرزية لا رزية بعدها ** فقدان مثل محمد ومحمد )
( ملكان قد خلت المنابر منها ** أخذ الحمام عليهما بالمرصد )
قيل قتل مائة ألف وعشرين ألفا ووجد في سجونه بعد موته ثلاثة وثلاثون ألفا لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب ويقال إن زياد ابن أبيه أراد يتشبه بعمر في ضبطه وسياسته فتجاوز الحد ولم يصب وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فدمر وأهلك
وفي شعبان من السنة المذكورة قتل الحجاج قاتله الله سعيد بن جبير الوالي مولاهم الكوفي المقرئ المفسر الفقيه المحدث أحد الأعلام وله نحو من خمسين سنة أكثر من روايته عن ابن عباس وحدث في حياته بأذنه وكان لا يكتب الفتاوي مع ابن عباس فلما عمي ابن عباس كتب وروى أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام وكان يؤم الناس في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وأخرى بقراءة غيرهما وهكذا أبدأ وقيل كان أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن جبير وبالحج عطاء وبالحلال والحرام طاووس وبالتفسير مجاهد وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير وقتله الحجاج وما على وجه الأرض أحد إلا وهو مفتقر إلى علمه وقال الحسن يوم قتله اللهم أعن على فاسق ثقيف والله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله لكبهم الله في النار قال أبو اليقظان هو أي سعيد
مولى لبني والبة من بني أسد ويكنى أبا عبد الله وكان أسود وكتب لعبد الله بن عتبة بن مسعود ثم كتب لأبي بردة وهو على القضاء وبيت المال وكان سعيد مع عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس لما خرج على عبد الملك بن مروان فلما قتل عبد الرحمن وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب فلحق بمكة وكان واليها يومئذ خالد بن عبيد الله القسري فأخذه وبعث به إلى الحجاج مع إسماعيل ابن أوسط البجلي فقال له الحجاج يا شقي بن كسير أما قدمت الكوفة وليس يؤم بها الأعرابي فجعلتك إماما فقال بلى قال أما وليتك القضاء فضج أهل الكوفة وقالوا لا يصلح للقضاء إلا عربي فاستقضيت أبا بردة وكان ابن أبي موسى الأشعري وأمرته أن لا يقطع أمرا دونك قال بلى قال أما جعلتك من سماري وكلهم رؤوس العرب قال بلى قال أما أعطيتك مائة ألف درهم تفرقها على أهل الحاجة في أول ما رأيتك ثم لم أسألك عن شيء منها قال بلى قال فما أخرجك علي قال بيعة كانت في عنقي لابن الأشعث فغضب الحجاج ثم قال أما كانت بيعة أمير المؤمنين عبد الملك في عنقك من قبل والله لأقتلنك وقال أبو بكر الهذلي لما دخل سعيد بن جبير على الحجاج قام بين يديه فقال له أعوذ منك بما استعاذت به مريم بنت عمران حيث قالت أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا فقال له الحجاج ما اسمك قال سعيد بن جبير قال شقي بن كسير قال أمي أعلم باسمي قال شقيت وشقيت أمك قال الغيب يعلمه غيرك قال لأوردنك حياض الموت قال أصابت إذا أمي قال فما تقول في محمد صلى الله عليه وسلم قال نبي ختم الله تعالى به الرسل وصدق به الوحي وأنقذ به من الهلكة إمام هدى ونبي رحمة قال فما تقول في الخلفاء قال لست عليهم بوكيل إنما استحفظت أمر ديني قال فأيهم أحب إليك قال أحسنهم خلقا وأرضاهم لخالقه وأشدهم فرقا قال فما تقول في علي وعثمان أفي الجنة هما أو في النار قال لو دخلتهما فرأيت أهلهما إذا لأخبرتك فما سؤالك عن أمر غيب عنك قال فما تقول في عبد الملك بن مروان قال مالك تسألني عن امرئ أنت واحدة من ذنوبه قال
فمالك لم تضحك قط قال لم أر ما يضحك كيف يضحك من خلق من تراب وإلى التراب يعود قال فإني أضحك من اللهو قال ليست القلوب سواء قال فهل رأيت من اللهو شيئا ودعى بالناي والعود فلما نفخ بالناي بكى قال ما يبكيك قال ذكرني يوم ينفخ في الصور فأما هذا العود فمن نبات الأرض وعسى أن يكون قد قطع من غير حقه وأما هذه المغاش والأوتار فإنها سيبعثها الله معك يوم القيامة قال إني قاتلك قال إن الله عز وجل قد وقت لي وقتا أنا بالغه فإن يكن أجلي قد حضر فهو أمر قد فرغ منه ولا محيص ساعة وإن تكن العافية فالله تعالى أولى بها قال اذهبوا به فاقتلوه قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له استحفظكها يا حجاج حتى ألقاك يوم القيامة فلما تولوا به ليقتلوه ضحك قال له الحجاج ما أضحكك قال عجبت من جرأتك على الله وحلم الله جل وعلا عنك ثم استقبل القبلة فقال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين قال افتلوه عن القبلة قال فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم قال اضربوا الأرض به قال منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى قال اضربوا عنقه قال اللهم لا تحل له دمي ولا تمهله من بعدي فلما قتله لم يزل دمه يجري حتى علا وفاض حتى دخل تحت سرير الحجاج فلما رأى ذلك هاله وأفزعه فبعث إلى صادوق المتطبب فسأله عن ذلك قال لأنك قتلته ولم يهله ففاض دمه ولم يجمد في جسده ولم يخلق الله عز وجل شيئا أكثر دما من الإنسان فلم يزل به ذلك الفزع حتى منع النوم وجعل يقول مالي ولك يا سعيد بن جبير وكان في جملة مرضه كلما نام رآه آخذا بمجامع ثوبه يقول يا عدو الله فيم قتلتني فيستيقظ مذعورا ويقول مالي ولابن جبير وقتل ابن جبير وله تسع وأربعون سنة وقبره بواسط يتبرك به
وفيها توفي مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري الفقيه العابد المجاب الدعوة روى عن علي وعمار
وحميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري سمع من خاله عثمان وهو صغير وكان عالما فاضلا مشهورا
والإمام الجليل فقيه العراق بالاتفاق أبو عمران إبراهيم بن يزيد النخعي أخذ عن مسروق والأسود وعلقمة ورأى عائشة وهو صغير والنخع من مذحج وقد عده ابن قتيبة في المعارف من الشيعة وقال عنه وكان مزاجا قيل له إن سعيد بن جبير يقول كذا قال قل له يسلك وادي الترك وقيل لسعيد إنه يقول كذا قال قل له يقعد في ماء بارد ومات وهو ابن ست وأربعين سنة وقال ابن عون كنت في جنازة إبراهيم فما كان فيها إلا سبعة أنفس وصلى عليه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد وهو ابن خاله انتهى ملخصا
وفيها أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
سنة ست وتسعين
فيها توفي عبد الله بن بسر المازني بحمص كذا ورخه عبد الصمد بن سعيد وقد مر
وفيها قلع الله تعالى قرة بن شريك القيسي أمير مصر وكان عسوفا ظالما قيل كان إذا انصرف الصناع من بناء جامع مصر دخله فدعا بالخمر والملاهي ويقول لنا الليل ولهم النهار قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الوليد بالشام وقرة بمصر والحجاج بالعراق وعثمان بن حيان بالحجاز امتلأت الأرض والله جورا
وفيها في جمادى الآخرة توفي الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة وكان ذميما سائل الأنف يتبختر في مشية وأدبه ناقص حتى قيل أنه قرأ في الخطبة يا ليتها كانت القاضية بضم تاء ليت ودخل عليه أعرابي فقال من ختنك قال المزين فقال إنما يريد أمير المؤمنين من ختنك قال نعم فلان لكنه كان مع جوره كثير التلاوة للقرآن يختم في ثلاث وفي رمضان سبع عشرة ختمة وطاب حاله في دنياه ورزق سعادة عظيمة مع جانب من الدين فبنى جامع دمشق
وافتتح الهند والترك والأندلس وتصدق كثيرا وروى أنه قال لولا ذكر الله آل لوط في القرآن ما ظننت أحدا يفعله
وفي أواخرها قتل قتيبة بن مسلم بخراسان وقد وليها عشرين سنة قال خليفة خلع سليمان بن عبد الملك فقتلوه وكان بطلا شجاعا هزم الكفار غير مرة وافتتح عدة مدائن
سنة سبع وتسعين
فيها توفي سعيد بن مرجانة صاحب أبي هريرة رضي الله عنه
وقاضي المدينة طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري أحد الطلحات الموصوفين بالجود روى عن عثمان وغيره
وفيها أو في سنة ثمان توفي قيس بن أبي حازم الأحمسي البجلي الكوفي وقد جاوز المائة سمع أبا بكر وطائفة من البدريين وكان أحد علماء المدينة بالكوفة
وفيها أوفى سنة ست محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي قال البخاري له صحبة وذكره مسلم وغيره في التابعين وله عدة أحاديث قال بعض المحدثين حكمها الإرسال
وفيها حج بالناس خليفتهم سليمان بن عبد الملك بن مروان فتوفى معه بوادي القرى أبو عبد الرحمن موسى بن نصير الأعرج الأمير الذي افتتح الأندلس وأكثر المغرب ولم يهزم له جيش قط وكان من رجال العالم حزما ورأيا وهمة ونبلا وشجاعة وإقداما وكان والده نصير على جيوش معاوية وكان الوليد بن عبد الملك أرسل إلى عمه وعامله على مصر عبد الله بن مروان أن أرسل موسى ابن نصير إلى أفريقية ففعل فقدمها معه جماعة من الجند وخرج عليها خارجة من البربر فوجه إليهم ولده عبد الله فسبى منهم مالم يسمع بمثله بلغ الخمس ستين ألف رأس وفي بعضها مائة وستين ألفا ووقع قحط شديد فخرج بالناس مستسقيا
بشروط الاستسقاء وخطب الناس فقال له قائل ألا تدعو لأمير المؤمنين الوليد فقال هذا مقام لا يذكر فيه غير الله فسقوا وانتهت فتوجه إلى السوس الأدنى ونزل بقية البربر بالطاعة وولى عليهم واليا وولى على طنجة وأعمالها مولاه طارق ابن زياد البربري ومهد البلاد ولم يبق منازع من البربر ولا من الروم وترك خلقا كثيرا من العرب يعلمون الناس القرآن وفرائض الإسلام ولما تقررت القواعد كتب إلى طارق بطنجة يأمره بغزو بلاد الأندلس فركب البحر من سبتة إلى الجزيرة الخضراء وصعد على جبل يعرف اليوم بجبل طارق ورأى النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة رضي الله عنهم يبشرونه بالفتح وهم يمشون على الماء وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بالعهد والرفق بالمسلمين فجاءه ملك طليطلة في سبعين ألفا ومعه العجل تحمل الأموال والمتاع فأمر طارق جيش المسلمين بالثبات والصبر والصدق والعدو أمامهم وكان النصر للمسلمين وافتتحوا إلى ساحل البحر المحيط ولله الحمد
سنة ثمان وتسعين
فيها غزا المسلمون قسطنطينية وعليهم مسلمة بن عبد الملك وافتتح يزيد بن المهلب بن أبي صفرة جرجان
وفيها توفي أبو عمرو الشيباني الكوفي واسمه سعد بن إياس عن مائة وعشرين سنة وكان يقرئ الناس بمسجد الكوفة وروى عن علي وابن مسعود
وفيها أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنيفة الهاشمي المدني وهو الذي أوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وصرف الشيعة إليه ودفع إليه كتبا وأسر إليها أشياء
وفيها أو في التي بعدها توفي أبو عبد الرحمن الأسود بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد أدرك عمر وسمع من عائشة
وفيها على الصحيح توفي عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الضرير أحد الفقهاء السبعة ومؤدب عمر بن عبد العزيز قال ابن الجوزي في كتاب ذم الهوى قدمت امرأة من هذيل المدينة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم لفرط جمالها فقال فيها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
( أحبك حبا لو علمت ببعضه ** لجدت ولم يصعب عليك شديد )
( أحبك حبا لا يحبك مثله ** قريب ولا في العاشقين بعيد )
( وحبيك يا أم الصبي مدلهي ** شهيدي أبو بكر فذاك شهيد )
( ويعلم وجدى قاسم بن محمد ** وعروة ما ألقى بكم وسعيد )
( ويعلم ما عندي سليمان علمه ** وخارجة يبدي بنا ويعيد )
( متى تسألى عما أقول فتخبري ** فلله عندي طارف وتليد )
فقال سعيد بن المسيب فقد أمنت أن تسألنا ولو سألتنا ما طمعت أن نشهد لك بزور وهؤلاء الذين استشهد بهم وهو معهم فقهاء المدينة السبعة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود صاحب الترجمة
وفيها كريب مولى ابن عباس وكان كثير العلم كنزا له كبير السن والقدر قال موسى بن عقبة وضع كريب عندنا عدل بعير من كتب ابن عباس
وفيها الفقيهه الفاضلة عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية نشأت في حجر عائشة فأكثرت الرواية عنها وهي العدل الضابطة لما يؤخذ عنها
سنة تسع وتسعين
فيها على خلاف توفى أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي قال ابن قتيبة هو ظالم بن عمرو بن جندل سفيان بن كنانة وأمه من بني عبد الدار بن قصى وكان عاقلا حازما بخيلا وهو أول من وضع العربية وكان شاعرا مجيدا وشهد صفين
مع على بن أبي طالب وولى البصرة لابن عباس وفلج بالبصرة ومات بها وقد أسن فولد عطاء وأبا حرب وكان عطاء ويحيى بن يعمر العدواني يعجبا العربية بعد أبى الأسود ولا عقب لعطاء وأما حرب بن أبي الأسود فكان عاقلا شاعرا وولاه الحجاج جوخى فلم يزل عليها حتى مات الحجاج وقد روى الحديث عن أبي حرب وهو القائل لولده لا تجاودوا الله فإنه أجود وأمجد منكم ولو شاء أن يوسع على الناس كلهم حتى لا يكون محتاج لفعل وسمع رجلا يقول من يعشى الجائع فعشاه ثم ذهب السائل ليخرج فقال هيهات على أن لا تؤذي المسلمين الليلة ووضع رجله في الأدهم انتهى وقال ابن الأهدل هو ظالم بن عمرو الديلي ويقال الدؤلي نسبة إلى الديل من كنانة وفتح بعضهم في النسبة لئلا تتوالى الكسرات كما قالوا في النسبة إلى النمر نمري وهي قاعدة مطوقة وكان من خواص علي وشهد معه صفين وكان من كمل الرجال وهو أول من وضع النحو حكى ولده أبو حرب قال أول ما وضع والدي باب التعجب وقيل له من أين لك النحو قال تلقنت حدوده من على رضي الله عنه انتهى وباع دارا له بالبصرة فقيل له بعت دار ك فقال بل بعت جاري وكان جار سوء ودخل على بعض الولاة وعليه جبة رثة فقال يا أبا الأسود أما تمل هذه الجبة فقال رب مملوك لا يستطاع فراقه فأمر له بمائة ثوب فقال
( كساني ولم أستكسه فحمدته ** أخ لك يعطيك الجزيل وناصر )
( وإن أحق الناس إن كنت شاكرا ** بشكرك من يعطيك والعرض وافر )
ومن شعره أيضا
( وما طلب المعيشة بالتمنى ** ولكن ألق دلوك في الدلاء )
( تجىء بمثلها طورا وطورا ** تجىء بحمأة وقليل ماء )
وكان موسرا مبجلا وعوتب في البخل فقال لو أطعنا الفقراء في مالنا أصبحنا مثلهم وروى أنه عشى سائلا لحوحا وقيده فقيل له في ذلك فقال لئلا يؤذي المسلمين الليلة وقيل له عند الموت أبشر بالمغفرة فقال وأين الحياء مما كانت منه
المغفرة وتوفي عن خمس وثمانين سنة
وفيها توفي محمود بن الربيع الأنصاري الخزرجي المدني الذي عقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجهه من بئر في دارهم وله أربع سنين
وفيها نافع بن جبير بن مطعم النوفلي المدني وكان هو وأخوه محمد من علماء قريش وأشرافهم توفي قريبا من أخيه محمد بن جبير
وفيها توفي عبد الله بن محير الجمحي المكي نزيل بيت المقدس وكان عابد الشام في زمانه قال رجاءبن حيوة أن تفخر علينا أهل المدينة بعابدهم ابن عمر فإنا نفخر عليهم بعابدنا ابن محيريز وإن كنت لأعد بقاءه أمانا لأهل الأرض
وفي عاشر صفر مات الخليفة أبو أيوب سليمان بن عبد الملك الأموي وله خمس وأربعون سنة وكانت خلافته أقل من ثلاث سنين وكان فصيخا فهما محبا للعدل والغزو ذا همة عالية جهز الجيوش لحصار القسطنطينية وقرب ابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله وزيره ومشيره وعهد إليه بالخلافة وكان أبيض مليح الوجه يضرب شعره منكبيه وله محاسن قيل قال له حكيم عندي لك أن تأكل ولا تشبع وتنكح ولا تفتر ويسود شعرك ولا يبيض فقال كلهن يرغب عنهن العاقل فمع الأكل كثرة دخول المراحيض وشم الروائح المنتنة وفي كثرة النكاح الشغل بالنساء وتسويد الشعر تسويد نور الله تعالى وقال في مروج الذهب لما أفضى الأمر إلى سليمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال الحمد لله الذي ما شاء صنع وما شاء أعطى وما شاء منع ومن شاء رفع ومن شاء وضع أيها الناس الدنيا دار غرور وباطل وزينة وتقلب بأهلها فتضحك باكيها وتبكي ضاحكها وتخيف آمنها وتؤمن خائفها وتثرى فقيرها وتفقر مثريها عباد الله اتخذوا كتاب الله إماما وارضوا به حكما واجعلوه لكم هاديا دليلا فإنه ناسخ ما قبله ولا ينسخه ما بعده واعلموا عباد الله أنه ينفى عنكم كيد الشيطان ومطامعه كما يجلو ضوء الصبح إذا أسفر إدبار الليل إذا عسعس ثم نزل وأذن للناس عليه وأقر
عمال من كان قبله على أعمالهم وأقر خالد بن عبد الله على مكة وكان سليمان صاحب أكل كثير يجوز المقدار كان شعبة في كل يوم من الطعام مائة رطل بالعراقي وكان ربما أتاه الطباخون بالسفافيد التي فيها الدجاج المشوية وعليه الجبة الوشى المثقلة فلنهمه وحرصه على الطعام يدخل يده في كمه حتى يقبض على الدجاجة وهي حارة فيفصلها وحدث المنقرى عن العتبي عن إسحق بن إبراهيم بن الصباح بن مروان وكان مولى لبني أميه من أرض البلقاء من أعمال دمشق وكان حافظا لأخبار بني أمية قال لبس سليمان يوما في جمعة من ولايته لباسا تشهر به وتعطر ودعا بتخت فيه عمائم وبيده مرآه فلم يزل يعتم بواحد بعد أخرى حتى رضي منها واحدى فأرخى من سدولها وأخذ بيده مخصرة وعلا منبره ناظرا في عطفيه وجمع حشمه وخطبته التي أرادها التي يريد يخطب بها الناس فأعجبته نفسه فقال أنا المالك الكريم الحجاب الكريم الوهاب فتمثلت له جارية وكان يتحظاها فقال لها كيف ترين أمير المؤمنين قالت أراه مني النفس وقرة العين لولا ما قال الشاعر قال وما قال قالت قال
( أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ** غير أن لا بقاء للإنسان )
( ليس أنا يريبنا منك شيء ** علم الله غير أنك فإن )
فدمعت عيناه وخرج على الناس باكيا فلما فرغ من خطبته وصلاته دعا بالجارية فقال لها ما دعاك إلى ما قلت لأمير المؤمنين فقالت والله ما رأيت أمير المؤمنين اليوم ولا دخلت عليه فأكبر ذلك ودعا بقيمة جوارية فصدقتها في قولها فراغ ذلك سليمان ولم ينتفع بنفسه ولم يمكث بعد ذلك إلا مدة حتى توفي وكان يقول قد أكلنا الطيب ولبسنا اللين وركبنا الفاره ولم تبق لي لذة إلا صديق أطرح معه فيما يبني وبينه مؤونة التحفظ ووقف سليمان على قبر ولده أيوب وبه كان يكنى فقال اللهم أني أرجوك له وأخافك عليه فحقق رجائي وآمن خوفي وبالجملة فإنه كان من أحسن بني أمية حالا ولو لم يكن له إلا ما عمر في مسجد دمشق وعهده
بالخلافة لعمر بن عبد العزيز لكفي فرحمة الله تعالى وتجاوز عنه
سنة مائة
فيها توفى أبو أمامة أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري الدوسي المدني ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن عمر وجماعة وكان من علماء المدينة
وفيها وقيل في سنة عشر ومائة توفى أبو الطفيل عامر بن واثلة بن الأسقع الكناني الليثي بمكة وهو آخر من مات ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا روى أنه ولد عام أحد وأدرك من النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين وكان عاقلا حاضر الجواب يفضل عليا ويثني على الشيخين ويترحم على عثمان والعجب أن ابن قتيبة عده من غالية الشيعة وممن يؤمن بالرجعة وكان يقول الشعر ومن قوله
( أتدعونني شيخا وقد عشت حقبة ** وهن من الأزواج نحوي فوارع )
( وما شاب رأسى عن سني تتابعت ** على ولكن لشيبتني الوقائع )
وقوله
( وبقيت سهما في الكنانة واحدا ** سيرمي به أو يكسر السهم كاسره )
وفيها بسر بن سعيد المدني الزاهد العابد المجاب الدعوة روى عن عثمان وزيد ابن ثابت وله ولاء لبني الحضرمي
وفيها وقيل قبلها أو بعدها سالم بن أبي الجعد الكوفي من مشاهير المحدثين
وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري المدني المفتي أحد الفقهاء السبعة تفقه على والده
وفيها أبو عثمان الهندي عبد الرحمن بن مل بالبصرة وهو أحد المخضرمين أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأدى الزكاة إلى عماله صلى الله عليه وسلم ولم يره وحج في الجاهلية وعاش مائة وثلاثين سنة وصحب سلمان اثنتي عشرة سنة
وشهر بن حوشب الأشعري الشامي كان كثير الرواية حسن الحديث وقرأ القرآن على ابن عباس وكان عالما كبيرا
وفيها حنش بن عبد الله الصنعاني صنعاء دمشق كان مع على بالكوفة ثم ولى عشور افريقية روى عن جماعة
ومسلم بن يسار البصري روى عن أبي عمرو وغيره وكان من عباد البصرة وفقهائها قال ابن عوف كان لا يفضل عليه أحد في زمانه وقال ابن سعد كان ثقة فاضلا عابدا ورعا
وعيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي أحد أشراف قريش وعقلائها وعلمائها روى عن أبيه وجماعة
سنة إحدى ومائة
في رجب منها توفي الخليفة العادل أمير المؤمنين وخامس الخلفاء الراشدين أبو حفص عمر بن العزيز بن مروان الأموي بدير سمعان من أرض المعرة وله أربعون سنة وخلافته سنتين وستة اشهر وأيام كخلافة الصديق وكان ابيض جميلا نحيف الجسم حسن اللحية بجهته أثر حافر فرس شجه وهو صغير فلذا كان يقال أشج بني أمية يذكر أن في التوراة أشج بني أمية تقتله خشية الله حفظ القرآن في صغره وبعثه أبوه من مصر إلى المدينة فتفقه بها حتى بلغ مرتبة الإجتهاد جده لأمه عاصم بن عمر بن الخطاب وذلك أن عمر خرج طائفا ذات ليلة فسمع امرأة تقول لبنية لها اخلطى الماء في اللبن فقالت البنية أما سمعت منادى عمر بالأمس ينهى عنه فقالت أن عمر لا يدري عنك فقالت البنية والله ما كنت لا طيعة علانية وأعصيه سرا فأعجب عمر عقلها فزوجها ابنه عاصما فهي جدة عمر بن عبد العزيز قال السيد الجليل رجاء بن حيوة استشار في سليمان بن عبد الملك فيمن يعهد إليه بالخلافة فأشرت بعمر فقال فكيف ببني عبد الملك فقلت اكتب العهد واختمه وبايع لمن فيه ففعل فلما مات كتمنا موته ثم قلت
بايعو لأمير المؤمنين ثانيا على السمع والطاعة لمن في الكتاب ففعلوا فقلت أعظم الله أجركم في أمير المؤمنين ثم أخرجت الكتاب فوجموا ولم يقولوا شيئا ثم خرجو في جنازته ركبانا وخرج عمر يمشي فلما رجعوا أرسل عمر إلى نسائه من أرادت منكن الدنيا فلتلحق بأهلها فإن عمر قد جاءه شغل شاغل فسمعت النوائح في بيته يومئذ وقال أيضا قومت ثياب عمرو هو يخطب باثني عشر درهما وكانت حلته قبل ذلك بألف درهم لا يرضاها وقال أن لي نفسا ذواقة تواقه كلما ذاقت شيئا تاقت إلى ما فوقه فلما ذاقت الخلافة ولم يكن شيء في الدنيا فوقها تاقت إلى ما عند الله في الآخرة وذلك لا ينال إلا بترك الدنيا ومن كلامه رضى الله عنه ينبغي في القاضي خمس خصال العلم بما يتعلق به والحلم عند الخصومة والزهد عند الطمع والإحتمال للأئمة والمشاورة لذوي العلم وعاتب مسلمة بن عبد الملك أخته فاطمة زوجة عمر في ترك غسل ثيابه في مرض فقالت أنه لا ثوب له غيره وكان مع عدله وفضله حليما رقيق الطبع ومن ألطف ما حكى عنه ما ذكره في مروج الذهب قال كان رجل من المدينة أتى العراق في طلب جارية وصفت له قارئة قوالة فسال عنها فوجدها عند قاضي البلد فأتاه ثم سأله أن يعرضها عليه فقال يا عبد الله لقد أجدت الشقة فيطلب هذه الجارية فما رغبتك فيها لما رأى من شدة إعجابه قال أنها تغني فتجيد فقال القاضي ما علمت بهذا فألح عليه في عرضها فعرضها بحضرة مولاها القاضي فقال لها الفتى هات فتغنت
( إلى خالد حتى أنخنا بخالد ** فنعم الفتى يرجى ونعم المؤمل )
ففرح القاضي بجاريته وسربها وغشية من الطرب مر عظيم حتى أ قعدها على فخذه وقال هات بأبي أنت وأمي شيئا فتغنت
( أروح إلى القصاص كل عشية ** أرجى ثواب الله فيعدد الخطا )
فزاد الطرب على القاضي ولم يدر ما يصنع فأخذ نعله فعلقها في أذنه وجثى على ركبتيه وجعل يأخذ بإحدى أذنيه والنعل معلق فيها ويقول اهدوني فإني بدنة
فلما أمسكت قال للفتى يا حبيبي انصرف فقد كنا فيها راغبين قبل أن نعلم أنها تقول ونحن الآن فيها أرغب فانصرف الفتى وبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال قاتله الله لقد استرقه الطرب وأمر بصرفه عن عمله فلما صرف قال نساؤه طوالق لو سمعها عمر لقال اركبوني فأني مطية فبلغ ذلك عمر فأشخصه وأشخص الجارية فلما دخلا على عمر قال له أعد ما قلت قال نعم فأعاده ثم قال للجارية قولي فتغنت
( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر )
( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ** صروف الليالي والجدود العواثر )
فما فرغت حتى اضطرب عمر اضطرابا بينا وأقبل يستعيدها ثلاثا وقد بلت دموعه لحيته ثم أقبل على القاضي فقال لقد قاربت في يمينك ارجع إلى عملك راشدا انتهى وبالجملة فمناقبه عديدة قد أفردت بالتصنيف ومما رثاه به جرير
( لو كنت أملك والأقدار غالبة ** تأتي رواحا وتبييتاو تبتكر )
( رددت عن عمر الخيرات مصرعه ** بدير سمعان لكن يغلب القدر )
وفيها أوفى سنة مائة توفى ربعى بن حراش أحد علماء الكوفة وعبادها قيل أنه لم يكذب قط وشهد خطبة عمر بالحايبية وحلف لا يضحك حتى يعلم أفي الجنة هو أم في النار
وفيها مقسم مولى ابن عباس ولم يكن مولاه بل مولى عبد الله بن الحرث ابن نوفل وأضيف إلى ابن عباس لملازمته إياه
ومحمد بن مروان بن الحكم الأمير ولد الخليفة مروان وكان بطلا شجاعا شديد البأس له عدة مصافات مع الروم وكان متولى الجزيرة وغيرها
وفيها وقيل في سنة خمس وتسعين الحسن بن محمد بن الحنفية الهاشمي العلوي
روى أنه صنف كتابا في الأرجاء ثم ندم عليه وكان من عقلاء قومه وعلمائهم
وفيها استعمل يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة على امرة العراقين وأمره بمحاربة يزيد بن المهلب وكان قد خرج عليهم فحاربه حتى قتل في السنة الآتية
قال الذهبي في العبر وممن توفى بعد المائة إبراهيم بن عبد الله بن حنين المدني له عن أبي هريرة
وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن عباس الهاشمي المدني له عن أبن عباس وميمونة
وعبد الله بن شقيق العقيلي البصري سمع من عمر والكبار
والقطامي الشاعر المشهور ومعاذ العدوية الفقيهه العبادي بالبصرة وعراك بن ملك المدني ومورق العجلي وبشير بن يسار المدني الفقيه وأبو السوار العدوى البصري صاحب عمران بن حصين الفقيه
وعبد الرحمن بن كعب بن مالك الأنصاري وابن أخيه عبد الرحمن بن عبد الله وحفصة بنت سيرين الفقيهه العابدة وعائشة بنت طلحة التيمية التي أصدقها مصعب بن الزبير مائة ألف دينار وعبد الرحمن بن أبي بكرة أول من ولد بالبصرة ومعبد بن كعب بن مالك وذو الرمة الشاعر المشهور انتهى
قلت وذو الرمة أحد فحول الشعراء واسمه غيلان وأحد العشاق المشهور ين من العرب وصاحبته مية ابنة مقاتل بن طليب بن قيس بن عاصم المنقري التميمي الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وفد عليه هذا سيد أهل الوبر وهو أول من وأد البنات غيرة وأنفة وسبب فتنته بها أنه لحظها وهي خارجة من خبائها فخرق ثيابه أو دلوه ثم دنا يستطعم حديثها فقال أني مسافر وقد تخرقت أرادني فاصلحيها لي فقالت والله إني خرقاء والخرقاء التي لا تحسن العمل لكرامتا على
أهلها فشبب بالخرقاء أيضا وهي مية يروى أن ذا الرمة لم ير مية قط إلا في برقع فأحب أن ينظر إلى وجهها فقال
( جزى الله البراقع من ثياب ** عن الفتيان شرا ما بقينا )
( يوارين الملاح فلا نراها ** ويخفين القباح فيزدهينا )
فنزعت البرقع عن وجهها فقال
( على وجه مي مسحة من ملاحة ** وتحت الثياب العار لو كان باديا )
فنزعت ثيابها وقامت عريانة فقال
( ألم تر أن الماء يخبث طعمه ** وأن كان لون الماء ابيض صافيا )
( فواضيعه الشعر الذي لج فانقضى ** بمي ولم أملك ضلال فؤاديا )
فقالت أتحب أن تذوق طعمه فقال إي والله فقالت تذوق الموت قبل أن تذوقه ومن شعره السائر قوله
( إذا هبت الأرواح من نحو جانب ** به أهل مي هاج قلبي هبوبها )
( هوى تذرف العينان منه إنما ** هوى كل نفس أين حل حبيبها )
وكان ذو الرمة يشبب بخرقاء أيضا ومن قوله فيها
( تمام الحج أن تقف المطايا ** على خرقاء واضعة اللثام )
قيل كانت وفاته سنة سبع عشرة ومائة ولما حضرته الوفاة قال أنا ابن نصف الهرم أنا ابن أربعين سنة أنشد
( يا قابض الروح من نفس إذا أحتضرت ** وغافر الذنب زحزني عن النار )
وإنما قيل له ذو الرمة بقوله في الوتد أشعث باقي رمة التقليد والرمة بضم الراء الحبل البالي وبكسرها الحبل البالي
وممن توفي بعد المائة على ما قاله في العبر أبو الأشعث الصنعاني الشامي وزياد الأعجم الشاعر وسعيد بن أبي هند والد عبد الله وأبو سلام
ممطور الحبشي الأسود وأبو بكر بن أبي موسى الأشعري القاضي انتهى
سنة اثنتين ومائة
كان أمير البصرة يزيد بن المهلب المتقدم آنفا فلما تولى عمر بن عبد العزيز عزل يزيد بن المهلب وسجنه فلما توفى عمر أخرجه خواصه من السجن فوثب على البصرة وهرب منه عاملها عدى بن أرطأة الفزارى ونصب يزيد رايات سود وتسمى بالقحطاني وقال ادعو إلى سيرة عمر بن الخطاب فوجه إليه يزيد بن عبد الملك أخاه مسلمة فحاربه به وقتله في صفر في المعركة وقيل بل حبسه الحجاج وعذبه وهو الذي جزم به الأسنوي في طبقات وكان يزيد بن المهلب كريما ممدحا وكان المهالبة في دولة الأمويين كالبرامكة في دولة العباسيين في الكرم وكان كثير الغزو والفتوح
وفيها يزيد بن أبي مسلم الثقفي مولاهم مولى الحجاج وكاتبه وخليقته على العراق بعد موته وأقره الوليد وقال الوليد في حقه مثلى ومثل الحجاج ويزيد كرجل ضاع له درهم فلقى دينار فضل يزيد لعقله وبلاغته واستحضره سليمان بعد موت الوليد فرآه ذميما كبير البطن فقال لعن الله من أشركك في أمانته فقال يا أمير المؤمنين رأيتني والأمور مدبرة عنى ولو رأيتني وهي مقبلة إلى لعظمتني فقال قاتله الله ما أسد قوله وأغضب لسانه ثم قال له سليمان أترى صاحبك يعني الحجاج يهوى في النار أم قد استقر في قعرها فقال عن يمين الوليد ويسار عبد الملك فاجعله حيث أحبت وروى يحشر بين أبيك وأخيك فقال سليمان قاتله الله ما أوفاه لصاحبه إذا اصطنعت الرجال فليصنع مثل هذا وهم سليمان باستكتابه فقال له عمر بن عبد العزيز لا تحي ذكر الحجاج فقال أني كشفت عنه فلم أجد له خيانة في دينار ولا في درهم فقال عمر إبليس لم يخن فيهما وهذا قد أهلك الخلق فتركه سليمان
وفيها توفي الضحاك بن مزاحم الهلالي بخراسان وثقة الإمام أحمد وغيره
ذكر أنه كان فقيه مكتب عظيم فيه ثلاثة آلاف صبى وكان يركب حمارا ويدور عليهم إذا عيى
سنة ثلاث ومائة
فيها توفى عطاء بن يسار المدني الفقيه مولى أم ميمونة مولى المؤمنين ثقة إمام
كان يقضى بالمدينة روى عن كبار الصحابة قاله الذهبي وقال ابن قتيبة كان عطاء قاضيا ويرى القدر ويكنى أبا محمد ومات سنة ثلاث ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنة انتهى
وفيها الإمام أبو الحجاج مجاهد بن جبر الإمام الحبر المكي عن نيف وثمانين سنة قال فصيف كان أعلمهم بالتفسير وقال مجاهد عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة وقال له ابن عمر وددت أن نافعا يحفظ حفظك وقال سلمة بن كهيل ما رأيت أحدا أراد بهذا العلم وجه الله تعالى إلا عطاء وطاووسا ومجاهدا وقال الأعمش كنت إذا رأيت مجاهدا تراه مغموما فقيل له في ذلك فقال أخذ عبد الله يعنى ابن عباس بيدي ثم قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي وقال لي يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ومات مجاهد بمكة وهو ساجد وفسر ابن فتيبة النيف بثلاث فقال مات وهو ابن ثلاث وثمانين سنة
وفيها مصعب بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني كان فاضلا كثر الحديث روى عن على والكبار
وفيها موسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي بالكوفة روى عن عثمان ووالدة وقال أبو حاتم هو أفضل اخوته بعد محمد وكان يسمى المهدي
وفيها مقرىء الكوفة يحيى بن وثاب الكوفي مولى لبني كاهل من بني أسد بن خزيمة توفي بالكوفة أخذ عن ابن عباس وطائفة ويزد بن الأصم العامري ابن خالة ابن عباس نزل الرقة وروى عن خالته ميمونة وطائفة
سنة أربع و مائة
فيها وقعة بهرز ان دون الباب بفرسخين التقى المسلمون وعليهم الجراج الحكمي هم وابن خاقان فهزموهم بعد قتال عظيم وقتل خلق من الكفار
وفيها توفي خالد بن معدان الكلاعي الحمصي الفقيه العابد قيل كان يسبح كل يوم أربعين ألف تسبيحة سمعه صفوان يقول لقيت سبعين من الصحابة وقال يحيى بن سعيد ما رأيت ألزم للعلم منه وقال الثوري ما أقدم عليه أحدا
وفيها وقيل في المائة عامر بن سعد بن أبي وقاص الزهري أحد الأخوة التسعة كان ثقة كثير الحديث
وفيها وقيل في سنة سبع أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد البصري الإمام طلب للقضاء فهرب ونزل الشام فنزل بداريا وكان رأسا في العلم والعمل سمع من سمرة وجماعة ومناظرته مع علماء عصره في القسامة بحضرة عمر بن عبد العزيز مشهورة في الصحيح
وفيها وقيل في التي قبلها وقيل في سنة ست أو سبع توفي أبو بردة عامر بن أبي موسى الأشعري قضى في الكوفة بعد شريح وله مكارم ومآثر مشهورة
وولى القضاء في البصرة بعده ابنه بلال وكان ممدحا وفيه يقول ذو الرمة
( رأيت الناس ينتجعون غيثا ** فقلت لصيدح انتجعى بلالا )
يعني بصيدح ناقته وأبو موسى وبنوة كلهم ولى القضاء
وفيها وقيل قبلها وقيل بعدها توفي فجاءة الإمام الحبر العلامة أبو عمرو عامر ابن شراحيل بن معبد الشعبي وهو من حمير و عدادة في همدان ونسب إلى جبل باليمن نزله حسان بن عمرو الحميري هو وولده ودفن فيه فمن كان منهم بالكوفة قيل لهم شعبيون ومن كان منهم بمصر والمغرب قيل لهم الأشعبون والأشعوب ومن كان منهم بالشام قيل لهم شعبانيون ومن كان منهم باليمن قيل لهم آل
ذي شعبين وكان نحيفا ضئيلا وقيل له مالنا نراك ضئيلا قال إني زوحمت في الرحم وكان ولد هو وأخ له في بطن واحد وقيل لأبي إسحاق أنت أكبر أم الشعبي فقال هو أكبر مني بسنتين حدثنا الرياشي عن الأصمعي أن أم الشعبي كانت من سبي جلولاء قال وهي قرية من بناحية قارس وكان مولده لست سنين مضت من خلافة عثمان وكان كاتب عبد الله بن مطيع العدوي وكاتب عبد الله بن يزيد الخطمي عامر بن الزبير على الكوفة وكان مزاحا حدثني أبو مرزوق عن جابر بن الصلت الطائي عن سعيد بن عثمان قال قال الشعبي لخياط مر به عندنا حب مكسور تخيطه فقال له نعم إن كان عندك خيط من ريح وحدثني بهذا الإسناد أن رجلا دخل عليه ومعه في البيت امرأة فقال أيكما الشعبي فقال هذه قاله ابن قتيبة ومات وله بضع وثمانون سنة وشعب بطن من همدان مر به ابن عمر وهو يحدث بالمغازي فقال شهدتها وهو أعلم بها مني وعنه قال بعثني عبد الملك إلى ملك الروم فأقمت عنده أياما فلما أردت الانصراف قال لي من بيت الملك أنت قلت بل رجل من العرب فدفع إلي رقعة وقال أدها إلى صاحبك فلما قرأها عبد الملك قال لي تدري ما فيها قلت لا قال فإن فيها عجبت من قوم فيهم مثل هذا كيف ملكوا غيره فقلت والله لو علمت ما حملتها وإنما قال هذا لأنه لم يرك فقال عبد الملك بل حسدني عليك فأغراني بقتلك فبلغ ذلك ملك الروم فقال ما أردت إلا ذاك وقال له أبو بكر الهذلي تحب الشعر فقال إنما يحبه فحول الرجال ويكرهه مؤنثوهم وقال ما أودعت قلبي شيئا فخانني قط وقال إنما الفقيه من تورع عن محارم الله والعالم من خاف الله تعالى وقال اتقوا القاصر من العلماء والجاهل من المتعبدين وقال أدركت خمسمائة من الصحابة أو أكثر ودخل الشعبي مع زياد على هند بنت النعمان في ديرها فإذا هي وأختها جالستان عليهما ثياب سود قال الشعبي فما أنسى جمالها وقد كان كلمها للمغيرة بن شعبة في الزواج فقالت أردت أن يقال تزوج هند بنت النعمان بن المنذر أن ذلك غير كائن فقال لها زياد حدثيني عن ملككم وما كنتم فيه
قالت أجمل أم أفنن قال أجملي قالت أصبحنا وكل من رأيت عبد لنا وأمسينا وعدونا ممن يرحمنا قال ابن المديني ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه وسفيان الثوري في زمانه وقال الشعبي ما كتبت سوداء في بيضاء إلا حفظتها
سنة خمس ومائة
فيها التقى في رمضان منها الجراح الحكمي وخاقان ملك الترك ودام الحرب أياما ثم نصر الله دينه وهزم الترك شر هزيمة وكان المصاف بناحية أرمينية
وفيها غزا الروم عثمان بن حيان المزني الذي ولى المدينة للوليد بن عبد الملك وكان ظالما يقول الشعر على المنبر في خطبته وقد روى له مسلم
وفيها توفي في شعبان منها الخلبفة يزيد بن عبد الملك بن مروان وجده لأمه يزيد بن معاوية عاش أربعا وثلاثين سنة وولي أربع سنين وشهرا وكان أبيض جسيما متلفا المال أعطى حلاقا حلق له رأسه أربعة آلاف درهم ووقع مثل ذلك ليزيد بن المهلب أو لعله اشتبه على بعض المؤرخين اسمهما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما استخلف قال سيروا سيرة عمر بن عبد العزيز فأتوه بأربعين شيخا شهدوا له أن الخلفاء لا حساب عليهم ولا عذاب فأقبل على الظلم واتلاف المال والشرب والانهماك على سماع الغناء والخلوة بالقيان وكان ممن استولى على عقله جارية يقال لها حبابة وكانت تغنيه فلما كثر ذلك منه عزله أخوه مسلمة وقال له إنما مات عمر امس وكان من عدله ما قد علمت فينبغي أن تظهر للناس العدل وترفض هذا اللهو فقد افتدى بأعمالك في سائر أفعالك وسيرتك فارتدع عما كان عليه وأظهر الإقلاع والندم وأقام على ذلك مدة مديدة فغلظ ذلك على حبابة فبعثت إلى الأحوص الشاعر ومعبد المغني وقالت انظرا ما أنتما صانعان فقال الأحوص في أبيات له
( ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا ** فقد غلب المحزون أن يتجلدا )
( إذا كنت ممنوعا عن اللهو والصبا ** فكن حجرا آمن يابس الصخر جلمدا )
( فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ** وإن لام فيه ذو الشتان وفندا )
وغناه معبد فأخذته حبابة عنه فلما دخل عليها يزيد قالت يا أمير المؤمنين صوتا واحدا وافعل ما بدا لك وغنته فلما فرغت منه جعل يردد قولها
( فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي ** وإن لام فيه ذو الشنان وفندا )
وعاد بعد ذلك إلى لهوه وقصفه ورفض ما كان عزم عليه وعن إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني ابن سلام قال ذكر يزيد قول الشاعر
( صفحنا عن بني ذهل ** وقلنا القوم اخوان )
( عسى الأيام أن يرجعن ** قوما كالذي كانوا )
( فلما صرح الشر ** فأضحى وهو عريان )
( مشينا مشية الليث ** غدا والليث غضبان )
( بضرب فيه توهين ** وتخضيع واقران )
( وطعن كفم الزق ** وهي والزق ملآن )
( وفي الشر نجاة حين ** لا ينجيك إحسان )
وهو شعر قديم يقال أنه للفند الزماني في حرب البسوس فقال لحبابة غنيني به بحياتي فقالت يا أمير المؤمنين هذا شعر لا أعرف أحدا يغني به إلا الأحول المكي فقال نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك قالت إنما أخذه عن فلان بن أبي لهب وكان حسن الأداء فوجه يزيد إلى صاحب مكة إذا اتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان ابن أبي لهب ألف دينار لنفقة طريقه على ما شاء من دواب البريد ففعل فلما قدم عليه قال غنى بشعر الفند الزماني فغناه فأجادوا أحسن وأطرب فقال أعده فأعاده فأجاد وأطرب يزيد فقال له عمن أخذت هذا الغناء قال أخذته عن أبي وأخذه أبي عن أبيه قال لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب رضي الله عنه ورثكم خيرا كثيرا فقال يا أمير المؤمنين إن أبا لهب مات كافرا
مؤذيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال قد أعلم ما تقول ولكني داخلني عليه رقة إذ كان يجيد الغناء ووصله وكساه ورده إلى بلده مكرما وبالجملة فأخباره من هذا القبيل كثيرة فلنحبس عنان القلم عن ذلك سامحه الله تعالى
وفيها أوفي التي قبلها أو بعدها مات عكرمة مولى ابن عباس أحد فقهاء مكة من التابعين الأعلام أصله من البربر وهب لابن عباس فاجتهد في تعليمه ورحل إلى مصر وخراسان واليمن وأصبهان والمغرب وغيرها وكانت الأمراء تكرمه وأذن له مولاه بالفتوى وقيل لسعيد بن جبير هل تعلم أحدا أعلم منك فقال عكرمة ولما مات مولاه باعه ابنه علي من خالد بن يزيد بن معاوية باربعة آلاف دينار فقال له عكرمة بعت علم أبيك بأربعة آلاف فاستقاله فأقاله ثم أعتقه قيل مات هو وكثير عزة في يوم واحد وصلى عليهما جميعا فقيل مات أفقه الناس وأشعر الناس قال ابن قتيبة كان عكرمة يكنى أبا عبد الله وروى جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحرث قال دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة موثوق على باب كنيف فقلت أتفعلون هذا بمولاكم فقال إن هذا يكذب على أبي وقال ابن الخلال سمعت يزيد بن هارون يقول قدم عكرمة البصرة فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس فبينما هو يحدثهم إذ سمع صوت غناء فقال عكرمة اسكتوا فسمع ثم قال قاتله الله لقد أجاد أو قال ما أجود ما غنى فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد أيوب قال يزيد وقد أحسن أيوب ثم قال ابن قتيبة وكان عكرمة يرى رأي الخوارج وطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده ومات سنة خمس ومائة وقد بلغ ثمانين سنة انتهى وقال ابن ناصر الدين احتج أحمد ويحيى والبخاري والجمهور بما روى وأعرض عنه مالك لمذهبه وما كان يرى قال طاووس لو ترك من حديثه واتقى الله لشدت إليه الرحال انتهى
وفيها على الأصح أبو رجاء العطاردي بالبصرة عن مائة وعشرين سنة وكان أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ عن عمرو طائفة قال ابن قتيبة اسمه عمران بن تميم
ويقال عطارد بن برد ولد قبل الهجرة بإحدى عشرة سنة وهو من ولد عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ويقال أنه مولى لهم وقال أبو رجاء لما بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ في القتل هربنا فأصبنا شلو أرنب دفينا فاستثرناه وقعدنا عليه وألقينا فوقه من بقول الأرض فلا أنسى تلك الأكلة حدثني أبو حاتم عن الأصمعي قال حدثنا رزين العطاردي قال أتت أبا رجاء لمرأة في جوف الليل فقالت يا أبا رجاء إن لطارق الليل حقان بني فلان خرجوا إلى سفوان وتركوا شيئا من متاعهم فانتقل وأخذ الكتب فأواها وصلى بنا الفجر وهي مسيرة ليلة للإبل انتهى وعده ابن ناصر الدين وغيره من المخضرمين وقال عاش مائة وعشرين سنة
وفيها الأخوان عبيد الله وعبد الله ابنا عبد الله بن عمر بن الخطاب وكان عبد الله وصى ابيه وروايتهما قليلة والمسيب بن رافع الكوفي سمع البراء وجماعة وعمارة بن خزيمة بن ثابت روى عن أبيه ذي الشهادتين وجماعة يسيرة وهو مدني
وسليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي روى عن أبيه قال ابن سعد كان به صمم ووضح كثير وأصابه الفالج قبل موته بسنة قال ابن قتيبة أبان بن عثمان شهد الجمل مع عائشة وكان الثاني من المنهزمين وكانت أمه بنت جنيدب ابن عمرو ابن حممة الدوسي وكانت حمقاء تجعل الخنفساء في فمها وتقول حاجيتك ما في فمي وهي أم عمرو بن عثمان أيضا وكان أبان أبرص أحول يلقب بقنعة وكانت عنده أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر خلف عليها بعد الحجاج وعقبة كثير منهم عبد الرحمن بن أبان كان مجتهدا يحمل عنه الحديث انتهى
وفيها توفي أبو صخر كثير بن عبد الرحمن صاحب عزة وإنما صغر لشدة
قصره وكان يحمق وهو من غلاة الشيعة الموقنين بالرجعة وكان بمصر وعزة بالمدينة فسافر ليجتمع بها فلقيها في الطريق متوجهه إلى مصر وجرى بينهما كلام طويل ثم تمت في سفرها إلى مصر وتأخر كثير بعدها مدة ثم عاد إلى مصر فجاء والناس منصرفون من جنازتها وروى أن عزة دخلت على أم البنين ابنة عبد العزيز أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الوليد بن عبد الملك فقالت لها رأيت قول كثير
( قضى كل ذي دين فوفى غريمه ** وعزة ممطول معنى غريمها )
ما هذا الدين فقالت وعدته قبلة فتحرجت منها فقالت أم البنين أنجزيها وعلى إثمها فقيل إن أم البنين أعتقت عن ذلك رقابا ويقال أنه لما سمحت له بالقبلة قبلها في فمها وقذف من فمه إلى فمها بلؤلؤة ثمينة وكان لكثير غلام عطار بالمدينة فباع من عزة ونسوة معها نسيئة ثم علم أنها عزة فأبرأها فعلم كثير فأعتقه ووهبه العطر الذي عنده وحكى أن عبد الملك حين أراد الخروج لقتال مصعب بن الزبير عرضت له زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فلم يقبل منها فبكت وبكى حشمها فقال عبد الملك قاتل الله كثيرا كأنه رأى موقفنا هذا بقوله
( إذا ما أراد الغزو لم يثن عزمه ** حصان عليها نظم در يزينها )
( نهته فلما لم ير النهي عاقه ** بكت فبكى مما شجاها قطينها )
والقطين الخدم وذكر أن كثيرا كان يهوى كل حسن إما لشبهه بعزة أو استقلالا ولهذا يقال فلان كثيري المحبة أي يحب كل من يعرض له لا يتقيد بمحبوب معين بخلاف العامري ذكر أن عزة تبدلت في غير زيها وتعرضت لكثير فراودها غير عالم بها فقالت اذهب إلى محبوبتك عزة فقال ومن عزة حتى تقاس بك فسفرت عن وجهها وشتمته فأطرق حياء ولم يذكرها إلى سنة ثم بعد السنة أنشد تائيته الطنانة التي سارت بها الركبان التي مطلعها
( هنيئا مريئا غير داء مخامر ** لعزة من أعراضنا ما استحلت )
سنة ست وماية
فيها استعمل هشام بن عبد الملك على العراق خالد بن عبد الله القسري فدخلها وقبض على واليها عمرو بن هبيرة القزاري فنقب له غلمانه السجن وهرب إلى الشام فاستجار بمسلمة بن عبد الملك ثم مات على القرب
وقيها غزا المسلمون فرغانة والتقوا الترك فقتل في الوقعة ابن خاقان وانهزموا ولله الحمد
وفيها غزا الجراح الحكمي وأوغل في بلاد الخزر فصالحوه وأعطوه الجزية وحج بالناس خليفتهم هشام
وفيها توفي سالم بن عبد الله العدوي المدني الفقيه الزاهد العابد القدوة وكان شديد الأزمة خشن العيش يلبس الصوف ويخدم نفسه وقال ملك لم يكن أحد في زمانه أشبه بمن مضى من الصالحين منه قال أحمد وإسحاق أصح الأسانيد الزهري عن سالم عن أبيه وقيل ملك عن نافع عن ابن عمر والشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر وهي سلسلة الذهب دخل سليمان بن عبد الملك الكعبة فرأى سالما واقفا فقال له سلني حوائجك فقال لا والله لا سألت في بيت الله غير الله وكان أبوه بقبله ويقول ألا تعجبون من شيخ يقبل شيخا وقال
( يلومنني في سالم وألومهم ** وجلدة بين العين والأنف سالم )
وفيها الإمام طاووس بن كيسان اليماني الجندي الخولاني أحد الأعلام علما وعملا أخذ عن عائشة وطائفة قال عمرو بن دينار ما رأيت أحد قط مثل طاووس ولما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إليه طاووس إن أردت أن يكون عملك كله خيرا فاستعمل أهل الخير فقال عمر كفى بها موعظة توفي حاجا بمكة قبل يوم التروية بيوم وصلى عليه هشام بن عبد الملك وأراد الخروج عليه فلم يقدر لكثرة الناس ووضع عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب السرير على كاهله وسقطت قلنسوته ومزق رداؤه من خلفه للزحام قيل أنه ولي صنعاء
والجند ووليه بعده ابنه عبد الله قيل سئل طاووس عن مسألة فقال أخاف إن تكلمت وأخاف إن سكت وأخاف أن آخذ بين الكلام والسكوت وكان أعلم التابعين بالحلال والحرام
وفيها أبو مجلز لاحق بن حميد البصري أحد علماء البصرة لحق كبار الصحابة كأبي موسى وابن عباس وكان ينزل خراسان وعقبه بها وكان عمر بن عبد العزيز بعث إليه فأشخصه ليسأله عنها وقال قرة بن خالد كان عاملا على بيت المال وعلى ضرب السكة قال هشام بن حسان كان قليل الكلام فإذا تكلم كان من الرجال
وفيها مات عبد الملك قاضي الكوفي بعد الشعبي رأى عليا وروى عن جابر وعنه قال كنت عند عبد الملك بقصر الكوفة فجيء برأس مصعب بن الزبير فارتعت لذلك فقال مالك فقلت أعيذك بالله يا أمير المؤمنين كنت بهذا القصر مع عبيد الله بن زياد فرأيت رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بين يديه ثم رأيت رأس عبيد الله بين يدي المختار في هذا المكان ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب في هذا المكان ثم هذا رأس مصعب فأمر عبد الملك بهدم ذلك الطاق
سنة سبع وماية
فيها عزل هشام الجراح بن عبد الله الحكمي عن أذربيجان وأرمينية وولي أخاه مسلمة فغزا وافتتح في رمضان قيسارية عنوة
وفيها توفي سليمان بن يسار أخو عطاء وهم عدة أخوة وكان يكنى أبا أيوب مات عن ثلاث وسبعين سنة وكان أحد فقهاء المدينة السبعة أخذ عن عائشة وطائفة قال الحسن بن محمد بن الحنفية سليمان بن يسار عندنا أفهم من سعيد بن المسيب وكان ابن المسيب يقول اذهبوا إليه فإنه أعلم من بقي اليوم
وفيها عطاء بن يزيد الليثي يكنى أبا محمد وهو من كنانة أنفسهم وهو صاحب تميم الداري روى عنه الزهري وتوفي وهو ابن اثنتين وثمانين سنة
وفيها وقيل في سنة ثمان أو إحدى أو اثنتين وماية مات أيضا أحد الفقهاء السبعة القسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الإمام نشأ في حجر عمته عائشة فأكثر عنها قال يحيى بن سعيد ما أدركنا أحدا نفضله بالمدينة على القسم بن محمد وعن أبي الزناد قال ما رأيت فقيها أعلم منه وقال ابن عيينة كان القسم أفضل أهل زمانه وعن عمر بن عبد العزيز قال لو كان أمر الخلافة إلى لما عدلت عن القسم أي وذلك لان سليمان بن عبد الملك عهد إلى عمر بالخلافة وليزيد من بعده وجاءه رجل فقال أنت أعلم أم سالم فقال ذاك مبارك سالم قال ابن إسحاق كره أن يقول هو أعلم فيكذب وأن يقول أنا أعلم فيزكى نفسه
سنة ثمان ومائة
فيها غزا أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان فالتقاه الغور في جمع عظيم فهزمهم
وفيها زحف ابن خاقان إلى أذربيجان وحاصر مدينة موقان ونصب عليها المجانيق فساق إليه المسلمون فهزموه وقتلوا من جيشه خلقا ولكن استشهد أميرهم الحرث بن عمرو
وفيها توفي أبو عبد الله بكر بن عبد الله المزني البصرى الفقيه روى عن المغيرة ابن شعبة وجماعة وقيل توفى سنة ست
وفيها قيل سنة تسع أبو نضرة العبدي واسمه المنذر بن مالك أحد شيوخ البصرة أدرك عليا وطلحة والكبار
وفيها يزيد بن عبد الله بن الشخير البصري أخو مطرف جليل القدر ثقة
مشهور لقي عمران بن حصين وجماعة وعاش نحوا من تسعين سنة وقيل بقي إلى سنة إحدى عشرة وكان موصوفا بالعلم والصلاح والورع
وفيها وقيل في سنة سبع عشرة محمد بن كعب القرظي الكوفي المولد والمنشأ ثم المدني روى عن كبار الصحابة وبعضهم يقول ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكان كبير القدر ثقة موصوفا بالعلم والصلاح والورع قاله الذهبي
سنة تسع ومائة
فيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام فافتتح حصن القطاسين
وفيها توفي أبو نجيح يسار المكي مولى ثقيف ووالد عبد الله بن أبي نجيح روى عن أبي سعيد وجماعة قال أحمد بن حنبل كان من خيار عباد الله
وأبو حرب بن أبي الأسود الدؤلي البصري روى عن عبد الله بن عمر وجماعة
سنة عشر ومائة
فيها افتتح معاوية ولد هشام قلعتين من أرض الروم
وفيها كانت وقعة الطين التقى مسلمة وطاغية الخزر بقرب باب الأبواب فاقتتلوا أياما كثيرة ثم كان النصر ولله الحمد والمنة وذلك في جمادى الآخرة
وفيها كانت وقعة بالمغرب أسر فيها بطريق المشركين
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي وكان يسمى أسد قريش روى عن عائشة وجماعة وولي خراج الكوفة لابن الزبير
والحسن بن أبي حسن البصري أبو سعيد إمام أهل البصرة وخير أهل زمانه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر وسمع خطبة عثمان وشهد يوم الدار أبوه مولى زيد ابن ثابت وأمه مولاة أم سلمة وكان ربما أعطته أم سلمة ثديها في صغره تعلله به حتى تجيء أمه فيدر عليه فيروون أن علمه وفصاحته وورعه من بركة ذلك وكان جميلا فصيحا قال أبو عمرو بن العلاء ما رأيت أفصح من الحسن والحجاج قيل ولا أشعر من رؤبة والعجاج وقال ابن سعد في طبقاته كان جامعا عالما رفيعا
فقيها حجة مأمونا عابدا ناسكا كثير العلم فصيحا جميلا وسيما انتهى ولما ولى ابن هبيرة العراق وخراسان نيابة عن يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن وابن سيرين والشعبي وذلك في سنة ثلاث ومائة فقال لهم إن الخليفة كتب إلى بأمر فأقلده ما تقلد من ذلك الأمر فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه بعض تقية فقال ما تقول يا حسن قال يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيدا في اله فإن الله يمنعك من يزيد ولا يمنعك يزيد من الله ويوشك أن يبعث إليك ملكا فيزيلك عن سريرك ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك يا ابن هبيرة إياك أن تعصي الله فإنما جعل الله هذا السلطان ناصرا لدين الله تعالى وعباده فلا تتركن دين الله وعباده لهذا السلطان فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فأضعف جائزة الحسن عليهما فقالا له قشقشنا فقشقش لنا والقشقشة الردىء من العطية وكتب إليه عمر بن عبد العزيز يقول له أني قد ابتليت بهذا الأمر فانظروا إلى أعوانا يعينوني عليه فكتب إليه الحسن أما أبناء الدنيا فلا تريدهم وأما أبناء الآخرة فلا يريدونه فاستعن بالله والسلام وله مع ا لحجاج وقعات هائلة وسلمه الله من شره وربما حضر مجلسه فلم يقم بل يوسع له ويجلس إلى جنبه ولا يغير كلامه الذي هو فيه وقال أبو بكر الهذلي قال لي السفاح بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ فقلت جمع القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم لم يخرج من سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها وفيما أنزلت ولم يقلب درهما في تجارة ولا ولى سلطانا ولا أمر بشيء حتى فعله ولا نهى عن شيء حتى ودعه فقال بهذا بلغ الشيخ ما بلغ وكان جل كلامه حكم ومواعظ بقوة عبارة وفصاحة وقال ابن قتيبة في المعارف وكان الحسن من أجمل أهل البصرة حتى سقط عن دابته فحدث بأنفه ما حدث وحدثني عبد الرحمن عن الأصمعي عن أبيه قال ما رأيت أحدا أعرض زندا من الحسن كان عرضه شبرا وكان تكلم في شيء من القدر ثم رجع عنه وكان عطاء بن يسار قاضيا ويرى القدر
وكأن لسانه سحر وكان يأتي الحسن هو ومعبد الجهني فيسألانه ويقولان يا أبا سعيد إن هؤلاء الملوك يسفكون دماء المسلمين ويأخذون أموالهم ويقولون إنما تجري أعمالنا على قدر الله تعالى فقال كذب أعداء الله فتعلق عليه بمثل هذا وأشباهه وكان شبه برؤبة بن العجاج في فصاحة لهجته وعربيته ولم يشهد ابن سيرين جنازته لشيء كان بينهما وكان الحسن كاتب الربيع بن زياد الحارثي بخراسان وقيل ليونس بن عبيد أتعرف أحدا يعمل بعمل الحسن فقال والله ما أعرف أحدا يقول بقوله فكيف يعمل بعمله ثم وصفه فقال كان إذا أقبل فكأنه أقبل من دفن حميمه وإذا جلس فكأنه أسير أمر بضرب عنقه وإذا ذكرت النار فكأنها لم تخلق إلا له انتهى ملخصا وقال رجل قبل موته لابن سيرين رأيت طائرا أخذ حصاة من المسجد فقال إن صدقت رؤياك مات الحسن فمات بعيد ذلك ولما شيع الناس جنازته لم تقم صلاة العصر في الجامع ولم يكن ذلك منذ قام الإسلام رحمه الله تعالى ورضى عنه
وفي شوال يوم الجمعة منها توفي شيخ البصرة إمام المعبرين محمد بن سيرين أبو بكر بعد موت الحسن بمائة يوم قالوا كان سيرين أبو محمد عبدا لأنس ابن مالك فكاتبه على عشرين ألفا وأدى المكاتبة وكان من سبى بيسان وكان المغيرة افتتحها ويقال من سبى عين التمر وكانت امه صفية مولاة لأبي بكر الصديق طيبها ثلاث من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ودعون لها وحضر ملاكها ثمانية عشر بدريا فيهم أبى بن كعب يدعو وهم يؤمنون وكان سيرين يكنى أبا عمرة وولد له ثلاث وعشرون ولدا من أمهات أولاد شتى وكان محمد بزازا وحبس بدين عليه وكان أصم وولد له ثلاثون ولدا من امرأة واجدة كان تزوجها عربية ولم يبق منهم غير عبد الله بن محمد وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان قال ذلك أنس بن سيرين قال وولدت أنا السنة بقيت من خلافته ومات محمد عن سبع وسبعين سنة وقضى عنه ابنه عبد الله
ثلاثين ألف درهم وكان محمد بن سيرين كاتب أنس بن مالك بفارس قال الأصمعي كان الحسن سيدا سمحا وإذا حدثك الأصم يعني ابن سيرين فاشدد يديك به وقتادة حاطب ليل وكان ابن سيرين إذا دخل منزلا لم ير أحدا إلا ذكر اسم الله لصلاحه وكان يقول ما أهون الورع فقيل وكيف هو هين فقال إذا رابك شيء فدعه وقال رأيت يوسف النبي علمني نبينا وعليه الصلاة والسلام في النوم فقلت له على تعبير الرؤيا قال افتح فاك ففتحته فتفل فيه فأصبحت فإذا أنا أعبر الرؤيا قاله ابن قتيبة وكان ابن سيرين غاية في العلم نهاية في العبادة روى عن كثير من الصحابة وروى عنه الجم الغفير من التابعين وأريد على القضاء فهرب إلى الشام ثم أتى المدينة قال ابن عون لم أر مثله وقال هشام بن حسان حدثني أصدق من رأيت من البشر محمد بن سيرين وقال ابن عون لم أر مثل ابن سيرين وله في التعبير عجائب قال له رجل رأيت على ساق رجل شعرا كثيرا فقال بركبه دين ويموت في السجن فقال الرجل أنت هو فاسترجع ومات في السجن وعليه أربعون ألف درهم قضاها عنه ولده أو بعض اخوانه وقوم ماله بستمائة ألف درهم وقالت له امرأة رأيت كان القمر دخل في الثريا فنادى مناد من خلفي قضى على ابن سيرين فاصفر لونه وقام وهو آخذ ببطنه فقالت له عمته مالك قال زعمت هذه المرأة أني أموت إلى سبعة أيام فدفن في اليوم السابع وقال له رجل رأيت طائرا سمينا ما أعرفه تدلى من السماء فوقع على شجرة وجعل يلتقط الزهر ثم طار فتغير وجه ابن سيرين وقال هذا موت العلماء
وفيها توفيت فاطمة بنت الحسين الشهيد رضي الله عنه التي أصدقها الديباج عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ألف ألف درهم وتزوج أختها سكينة مصعب بن الزبير هي وعائشة بنت طلحة
وفيها مات مسلم البطين صاحب سعيد بن جبير بالكوفة
وسليم بن عامر الكلاعي الحمصي قال الذهبي في العبر وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي الدرداء ونحوه انتهى
وفيها عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أخو الفقيه عبيد الله إمام زاهد فانت واعظ كثير العلم لقي ابن عباس والكبار
وفيها توفي الشاعر أن المشهوران شاعرا العصر جرير والفرزدق قال ابن خلكان أجمعوا على أنه ليس في شعراء الإسلام مثلهما والأخطل وكان بينهما مهاجاة وتفاخر وفضل جرير ببيوته الأربعة الفخر والمدح والهجاء والتشبيب فالفخر قوله في قومه
( إذا غضبت عليك بنو تميم ** حسبت الناس كلهم غضابا )
والمدح قوله
( ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح )
والهجاء قوله
( فغض الطرف إنك من نمير ** فلا كعبا بلغت ولا كلابا ) والتشبيب قوله
( يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ** وهن أضعف خلق الله أركانا )
وقال اليافعي وقد رجح كثير من المتأخرين أو أكثرهم ثلاثة متأخرين أبا تمام والبحتري والمتنبي واختلفوا في ترجيح أيهم ورجح الفقيه حسين المؤرخ قول شرف الدين بن خلكان وذلك لأن الأولين سبقوا إلى ابتكار المعاني الجزيلة بالألفاظ البليغة وأحسن حالات المتأخرين أن يفهموا أغراضهم وينسجوا على منوالهم وتبقى له فضيلة السبق ويقال لجرير ابن الخطفاء ولعلها
أمه وأما أبوه فعطية وهو تميمي ومن أحسن قوله قصيدته في عبد الملك التي أولها
( أتصحو أم فؤادك غير صاح ** عشية هم صحبك بالرواح )
يقال أنه لما أنشد عبد الملك هذا المطلع قال له بل فؤادك يا ابن الفاعلة وعده بعضهم من الورطات في حسن الابتداء ومن القصيدة المذكورة
( سأشكر إن رددت علي ريشي ** وأنبت القوادم من جناحي )
( ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح )
وقال عبد الملك من مدحنا فليمدحنا بمثل هذا أو فليسكت ووهبه مائة ناقة فسأله الرعاء فوهبه ثمانية أعبد ورأى صحاف ذهب بين يديه فقال يا أمير المؤمنين والمحلب وأشار إليها فنحاها إليه بالقضيب وقال خذها لانفعتك وكان عمر بن عبد العزيز لا يأذن لأحد من الشعراء غيره ولمامات الفرزدق بكى جرير وقال إني لأعلم أني قليل البقاء بعده ولقد كان نجمنا واحدا وكل منا مشغول بصاحبه وقلما مات ضد أو صديق إلا ويتبعه صاحبه وبقي حزينا وقال اطفأ موت الفرزدق جمرتي وأسال عبرتي وقرب منيتي فعاش بعده أربعين يوما وقيل ثمانين وقد قارب المائة
وأما الفرزدق فهو أبو الأخطل همام بن غالب التميمي المجاشعي من سراة قومه وأمه ليلى بنت حابس أخت الأقرع بن حابس تباري أبوه غالب هو وسحيم بن وثيل الرياحي نحر مائة ناقة ثنتين ثنتين ثم ثلاثا ثلاثا وفي اليوم الرابع نحر غالب مائة ولم يكن عند سحيم هذا القدر فعجز ولما انتهت وانقضت المجاعة وزال الضر قال بنو رياح لسحيم جررت علينا عار الدهر لو نحرت مثله أعطيناك مكان كل ناقة ناقتين فنحر ثلثمائة وقال للناس شأنكم وإلا كل فنهى علي كرم الله وجهه عن أكلها فألقيت على كناسة الكوفة وفي ذلك يقول جرير في هجو الفرزدق
( تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ** بني ضوطر لولا الكمي المقنعا )
يقول هلا افتخرتم بالشجاعة وهدم الوليد بن عبد الملك بيعة النصارى فكتب إليه الأخرم ملك الروم أن من قبلك أقرها فإن أصابوا فقد أخطأت وإن أصبت فقد اخطأوا فقال له الفرزدق اكتب إليه { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث } إلى قوله تعالى { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } واجتمع الحسن البصري والفرزدق في جنازة نوار امرأة الفرزدق فقال له الفرزدق أتدري ما يقول الناس يا أبا سعيد يقولون اجتمع خير الناس وشر الناس فقال الحسن لست بخيرهم ولست بشرهم ولكن ما أعددت لهذا اليوم قال شهادة أن لا إله إلا الله منذ ستين سنة فقال الحسن نعم والله العدة وعن أبي عمرو بن العلاء قال شهدت الفرزدق وهو يجود بنفسه فما رأيت أحسن ثقة بالله منه وترجى له الزلفى والفائدة وعظيم العائدة بحميته في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحه لزين العابدين علي بن الحسين وإعرابه عن الرغبة والرهبة وذلك أن زين العابدين لما أراد استلام الحجز في زحمة الناس انفرجوا عنه هيبة ومحبة ولم تنفرج لهشام بن عبد الملك فقال شامي من هذا فقال هشام لا أعرفه خاف أن يرغب عنه أهل الشام فقال الفرزدق أنا أعرفه فقال الشامي من هو يا أبا فراس فقال
( هذا سليل حسين وابن فاطمة ** بنت الرسول من انجابت به الظلم )
( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ** والبيت يعرفه والحل والحرم )
( إذا رأته قريش قال قائلهم ** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم )
( هذا ابن خير عباد الله كلهم ** هذا التقي النقي الطاهر العلم )
( يسمو إلى ذروة العز التي عجزت ** عن نيلها عرب الإسلام والعجم )
( يكاد يمسكه عرفان راحته ** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم )
( بكفه خيزران ريحه عبق ** من كف أروع في عرنينه شمم )
( يغضى حياء ويغضى من مهابته ** فما يكلم إلا حين يبتسم )
( يبين نور الضحى من نور غرته ** كالشمس ينجاب من إشراقها القتم )
( مشتقة من رسول الله نبعته ** طابت عناصره والخيم والشيم )
( الله شرفه قدرا وعظمه ** جرى بذاك له في لوحة القلم )
( هو ابن فاطمة إن كنت جاهله ** بجده أنبياء الله قد ختموا )
( وليس قولك من هذا بضائره ** العرب تعرف من أنكرت والعجم )
( كلتا يديه غياث عم نفعهما ** تستوكفان ولا يعروهما عدم )
( سهل الخليقة لا تخشى بوادره ** يزينه اثنان حسن الخلق والشيم )
( حمال أثقال إذا فدحوا ** حلو الشمائل تحلو عنده النعم )
( لا يخلف الوعد ميمون نقيبته ** رحب الفناء أريب حين يعتزم )
( عم البرية بالإحسان فانقشعت ** عنها الغيابة والإملاق والعدم )
( من معشر حبهم دين وبغضهم ** كفر وقربهم منجي ومعتصم )
( إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم ** أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم )
( لا يستطيع جواد بعد غايتهم ** ولا يدانيهم قوم وإن كرموا )
( هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت ** والأسد أسد الشرى والبأس محتدم )
( لا يقبض العدم بسطا من أكفهم ** سيان ذلك ان أثروا وإن عدموا
( مقدم بعد ذكر الله ذكرهم ** في كل بر ومختوم به الكلم )
( يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم ** خيم كرام وأيد بالندى ديم )
( من يعرف الله يعرف اولية ذا ** والدين من بيت هذا ناله الأمم )
( ما قال لا قط إلا في تشهده ** لولا التشهد كانت لاؤه نعم )
فلما سمع هشام ذلك أنف وحبس عطاء الفرزدق أو حبسه هو فأنفذ له زين العابدين اثنى عشر ألف درهم فردها وقال مدحته لله لا للعطاء فقال زين العابدين أنا أهل البيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده فقبلها الفرزدق وهذه القصيدة الموعود بها في ترجمة زين العابدين رضي الله عنه
قال في العبر في حدود عشر ومائة مات محمد بن عمرو بن عطاء العامري المدني أحد الأشراف وكانوا يتحدثون أنه يصلح للخلافة لهمته وسؤدده انتهى
سنة إحدى عشرة ومائة
فيها عزل مسلمة عن أذربيجان وأعيد الجراح الحكمي فافتتح مدينة البيضاء التي للخزر فجمع ابن خاقان جمعا عظيما وساق فنازل أردبيل
وفيها توفي عطية بن سعد العوفي الكوفي روى عن أبي هريرة وطائفة ضربه الحجاج أربعمائة سوط على أن يشتم عليا فلم يفعل وهو ضعيف الحديث قاله الذهبي
وفيها القسم بن مخيمرة الهمذاني الكوفي نزيل الشام روى عن أبي سعيد وعلقمة وكان عالما نبيلا زاهدا رفيعا
سنة اثنتي عشرة ومائة
فيها سار مسلمة في شدة البرد والثلج حتى جاوز الباب من بلاد الترك وافتتح مدائن وحصونا وافتتح معاوية بن هشام خرشنة من ناحية ملطية
وفيها زحف الجراح الحكمي من برذعة إلى ابن خاقان وهو محاصر أردبيل فالتقى الجمعان فاشتد وكسر المسلمون وقتل الجراح الحكمي رحمه الله وغلبت
الخزر لعنهم الله على أذربيجان وبلغت خيولهم إلى الموصل وكان بأسا شديدا على الإسلام قال الواقدي وكان البلاء عظيما على المسلمين بمقتل الجراح وبكوا عليه روى أبو مسهر عن رجل أن الجراح قال تركت الذنوب أربعين سنة ثم أدركني الورع وكان من قراء أهل الشام وقال غيره ولي خراج خراسان لعمر ابن عبد العزيز وكان إذا مر بجامع دمشق يميل رأسه عن القناديل لطوله
وفيها غزا الأشرس السلمي فرغانة فأحاطت به الترك
وفيها أخذت الخزر أردبيل بالسيف فبعث هشام إلى أذربيجان سعيد بن عمرو الجرشي فالتقى الخزر فهزمهم واستنفذ سبيا كثيرا وغنائم ولطف الله تعالى
وفيها أبو المقدام رجاء بن حيوة الكندي الشامي الفقيه روى عن معاوية وطبقته وكان شريفا نبيلا كامل السؤدد قال مطر الوراق ما رأيت شاميا أفقه منه وقال مكحول هو سيد أهل الشام في انفسهم وقال مسلمة الأمير في كندة رجاء بن حيوة وعبادة بن نسي وعدي بن عدي أن الله لينزل بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء بلغ يوما عبد الملك قول من بعض الناس فهم أن يعاقب صاحبه فقال له رجاء يا أمير المؤمنين قد فعل الله بك ما تحب حيث أمكنك منه فاقعل ما يحبه الله من العفو فعفا عنه وأحسن إليه
وفيها القسم بن عبد الرحمن الدمشقي الفقيه الفاضل أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار
وطلحة بن مصرف اليامي الهمداني الكوفي كان يسمى سيد القراء قال أبو معشر ما ترك بعده مثله ولما علم إجماع أهل الكوفة على أنه أقرأ من بها ذهب ليقرأ على الأعمش رفيقه لينزل رتبته في أعينهم ويأبى الله إلا رفعته سمع عبد الله بن أبي أوفى وصغار الصحابة ومات كهلا رحمة الله تعالى
سنة ثلاث عشرة ومائة
فيها التقى المسلمون والترك بظاهر سمرقند فاستشهد الأمير الخطير سورة ابن أبجر الدارمي عامل سمرقند وعامة أصحابه ثم التقاهم الجنيد المري فهزمهم
وفيها أعيد مسلمة إلى ولاية أذربيجان وأرمينية فالتقى خاقان فاقتتلوا قتالا عظيما وتحاجر وإثم التقوا بعدها فانهزم خاقان وفيها غزا المسلمون وهم ثمانية آلاف وعليهم مالك بن شبيب الباهلي فوغل بهم في أرض الروم فحشدوا لهم والتقوا فانكسر المسلمون وقتل أميرهم مالك بن شبيب وقتل معه جماعة كثيرة منهم عبد الوهاب بن بخت مولى بني مروان وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام روى عن ابن عمر وأنس ووثقه أبو زرعة وكان معه في القتلى أبو يحيى عبد الله الأنطاكي أحد الشجعان الذين يضرب بهم المثل وله مواقف مشهودة وكان طليعة جيش مسلمة وله أخبار في الجملة لكن كذبوا عليه وحملوه من الخرافات والكذب ما لا يحد ولا يوصف
وفيها توفي فقيه الشام أبو عبد الله مكحول مولى بني هذيل أرسل عن طائفة من الصحابة وسمع من واثلة بن الأسقع وأنس وأبي أمامة الباهلي وخلق قال ابن إسحاق سمعته يقول طفت الأرض في طلب العلم وقال أبو حاتم ما أعلم أفقه من مكحول ولم يكن في زمنه أبصر بالفتيا منه ولا يفتي حتى يقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ويقول هذا رأيي والرأي يخطئ ويصيب وقال سعيد بن عبد العزيز أعطوا مكحولا مرة عشرة آلاف دينار فكان يعطي الرجل خمسين دينارا وقال الزهري العلماء ثلاثة فذكر منهم مكحولا وقال ابن قتيبة قال الواقدي هو من كابل مولى لامرأة من هذيل وقال ابن عائشة كان مكحول مولى لامرأة من قيس وكان سنديا لا يفصح قال نوح بن سفيان سأله بعض الأمراء عن القدر فقال أساهرانا وكان يقول بالقدر انتهى كلام ابن قتيبة
وقال ابن ناصر الدين في شرح بديعية البيان هو ابن أبي مسلم بن شاذل بن سفد بن شروان الكابلي الهذلي مولاهم الدمشقي أبو عبد الله وقيل كنيته أبو أيوب كان فقيه أهل دمشق وأحد أوعية العلم والآثار روى عن أبي أمامة وواثلة وأنس وخلق من الأخبار وروى تدليسا عن أبي وعبادة بن الصامت وعائشة والكبار وقال سعيد بن عبد العزيز كان مكحول أفقه من الزهري وكان بريئا من القدر انتهى كلام ابن ناصر الدين وقال الذهبي في المغنى وثقة جماعة وقال ابن سعد ضعفه جماعة انتهى
وفيها توفي معاوية بن قرة المزني البصري عن ثمانين سنة وكان يقول لقيت ثلاثين صحابيا
ويوسف بن ماهك المكي روى عن عائشة وجماعة وقد لقيه بن جريح وغيره
سنة أربع عشرة ومائة
فيها عزل مسلمة عن أذربيجان والجزيرة ووليها مروان الحمار فسار مروان حتى جاوز نهر ألزم فأغار وقتل وسبي خلقا من الصقالبة
وفي رمضان على الأصح وقيل في سنة خمس عشرة توفي فقيه الحجاز أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم من مولدي الجند وأمه سوداء تسمى بركة وكان صبيا نشأ بمكة وتعلم الكتاب بها وهو مولى لبني فهر وكان على ما قال ابن قتيبة أسود أفطس أشل أعرج ثم عمى بعد ذلك ومات وله ثمان وثمانون سنة وقال في العبر كان من مولدي الجند أسود مفلفل الشعر سمع عائشة وأبا هريرة وابن عباس قال أبو حنيفة ما رأيت أفضل منه وقال ابن جريج كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة وكان من أحسن الناس صلاة وقال الأوزاعي
مات عطاء يوم مات وكان أرضى أهل الأرض عند الناس وقال إسماعيل بن أمية كان عطاء يطيل الصمت فإذا تكلم يخيل إلينا أنه يؤيد وقال غيره كان لا يفتر من الذكر انتهى كلامه في العبر انفرد بالفتوى بمكة هو ومجاهد وكان بنو أمية يصيحون في الموسم لا يفتى أحد غيره وما روى عنه أنه كان يرى إباحة وطء الإماء بإذن أهلهن وكان يبعث بهن إلى أضيافه فقد قال القاضي شرف الدين بن خلكان اعتقادي أن هذا لا يصح عنه فإنه لو رأى الحل فإن الغيرة والمروءة تمنعه عن ذلك قال اليافعي ينبغي أن يحمل بعثهن لسماع القول منهن نحو ما نقل عن بعض المشايخ الصوفية أنه كان يأمر جواريه يسمعن أصحابه وفيه أيضا ما فيه فإن صح فيحمل على ما إذا لم تحصل فتنة بحضورهن وسماعهن إذا قلنا إن صوت المرأة ليس بعورة والله أعلم
وفيها وقيل سنة ثمان أو تسع عشرة توفي أبو محمد علي بن عبد الله بن عباس جد السفاح والمنصور وكان سيدا شريفا أصغر أولاد أبيه وأجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه وأكثره صلاة ولذلك دعي بالسجاد وكان له خمسمائة أصل زيتون يصلي تحت كل ركعتين فالمجموع ألف ركعة روى أن عليا جاء بن عباس يهنئه به يوم ولد وقال له شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب ما سميته قال أو يجوز أن أسميه حتى تسميه ثم حنكه ودعا له وقال خدامك الخلائق والأملاك سميته عليا وكنيته أبا الحسن وقيل أنه ولد يوم قتل علي وهذا يناقض ما تقدم ولما كان زمن معاوية قال ليس لك اسمه وكنيته قد كنيته أبا محمد فجرت عليه وضربه الوليد بن عبد الملك مرتين مرة في تزوجه لمطلقة عبد الملك لبابة بنت عبد الله بن جعفر وسبب طلاق عبد الملك لها أنه عض على تفاحة وكان الخديم رمى بها إليها
فاستقذرتها والثانية في وقوله أن الأمر سيكون في ولدي فطافوا به على بعير في أسوأ حال وهو يقول والله ليكونن فيهم ودخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخليفتان السفاح والمنصور فأوسع له على سريره وبره بثلاثين ألف دينار وأوصاه على بابني ابنه حين انفصل وكان إذا قدم مكة اشتغلت به قريش وأهل مكة إجلالا له وكان طوالا جميلا قيل كان طوله إلى منكب أبيه عبد الله وعبد الله إلى منكب أبيه العباس والعباس إلى منكب أبيه عبد المطلب ونفاه الوليد إلى الحميمة بليدة بالبلقاء فولد له بها نيف وعشرون ولدا ذكرا ولم يزل ولده بها إلى أن زالت دولة بني أمية وتوفي عن ثمانين سنة بأرض البلقاء رحمه الله تعالى
وفيها توفي السيد أبو جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ولد سنة ست وخمسين من الهجرة وروى عن أبي سعيد الخدري وجابر وعدة وكان من فقهاء المدينة وقيل له الباقر لأنه بقر العلم أي شقه وعرف أصله وخفيه وتوسع فيه وهو أحد الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية قال عبد الله بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علما عنده وله كلام نافع في الحكم والمواعظ منه أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة واكثرهم معونة أن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق الله قوامين بأمر الله ومنه أنزل الدنيا كمنزل نزلته وارتحلت عنه أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء مات رضي الله عنه عن ست وخمسين سنة ودفن بالبقيع مع أبيه وعم أبيه الحسن والعباس رضي الله عنهم
وفيها وقيل في سنة سبع عشرة على بن رباح اللخمي المصري وهو في عشر المائة حمل عن عدة من الصحابة وولى غزو افريقية لعبد العزيز بن مروان فكان من علماء زمانه
وفيها توفي أبو عبد الله وهب بن منبه الصنعاني من أبناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمن قال قرأت من كتب الله اثنين وتسعين كتابا مات بصنعاء روى عن ابن عباس قيل وأبى هريرة وغيره من الصحابة وولى القضاء لعمر بن عبد العزيز وكان شديد الإعتناء بكتب الأولين وأخبار الأمم وقصصهم بحيث كان يشبه بكعب الأحبار في زمانه وله مصنف في ذكر ملوك حمير صغير وله أخوة أجلهم همام روى عن الصحابة وهو أكبر من وهب وهم من أبناء الفرس الذين سيرهم كسرى أنو شروان كما تقدم آنفا وكان سيرهم مع أبي مرة سيف بن ذي يزن الحميري وكانوا ثمانمائة مقدمهم وهرز غرق منهم في البحر مائتان وسلم ستمائة قاله ابن إسحق وقال ابن قتيبة كانوا سبعة آلاف وخمسمائة ورجحه أبو القسم السهيلي إذ يبعد مقاومة الحبشة لستمائة وفي القصة أن سيفا والفرس استظهروا على الحبشة فقتلوهم وملكوا سيفا فأقام أربع سنين وقتله خدمه من الحبشة ولم يملك أهل اليمن بعده ملك غير أن أهل كل ناحية ملكوا رجلا من حمير حتى جاء الإسلام ويقال أنها بقيت في إيدي الفرس إلى أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم وباليمن عاملان منهم أحدهما فيروز الأسود الديلمي والآخر زاد ويه فأسلما وهما اللذان دخلا على الأسود العنسي مع قيس بن المكسوح لما أدعى الأسود النبوة فقتلوه وأولاد الفرس باليمن يدعون الأبناء منهم طاووس وعمرو بن دينار وغيرهم وورد أن كسرى أبرويز لما مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى عامله على صنعاء بإذان وهو الرابع بعد وهرز يأمره أن يسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أن الله وعدني أن يقتل كسرى في يوم كذا وكذا فانتظر ذلك فكان كما قال فأسلم بإذان وأهل اليمن هذا وقد قال ا لذهبي في المغنى وهب بن منبه ثقة مشهور قصاص خير ضعفه أبو حفص الفلاس وحده انتهى
سنة حمس عشرة ومائة
فيها وقيل في التي قبلها مات الحكم بن عتيبة مصغرا أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس
والحكم بن عتيبة بن النهاس آخره مهملة العجلي قاضي الكوفة لا أعرف له رواية وهو عصري الذي قبله وإنه هو قاله ابن حجر العسقلاني الكوفي مولى كندة الفقيه النبيه لكن قال الذهبي في المغنى هو مجهول وقال في العبر هو أبو محمد أخذ عن أبي صحيفة السوائي وغيره وتفقه على إبراهيم النخعي قال المغيرة كان الحكم إذا قدم المدينة اخلوا له سارية النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليها وقال الأوزاعي قال لي عبدة بن أبي لبابة هل لقيت الحكم قلت لا قال فالقه فما بين لابتيها افقه منه انتهى
والضحاك بن فيروز الديلمي الأنباري صحب ابن الزبير وعمل له على بعض اليمن
وقاضي مرو أبو سهل عبد الله بن بريدة الأسلمي عن مائة سنة روى عن أبي موسى وعائشة وطائفة
وأبو يحيى عمر بن سعيد النخعي وقد قارب المائة أو جاوزها وحديثه عن علي في الصحيحين وهو أكبر شيخ لمسعر
وفيها توفي الجنيد بن عبد الرحمن المري الدمشقي الأمير ولي خراسان والسند وكان أجود الأجواد قاله في العبر
سنة ست عشرة ومائة
فيها توفي عدي بن ثابت الأنصاري قال في المغنى هو كوفى شيعى جلد ثقة مع ذلك وكان قاضي الشيعة وإمام مسجدهم قال المسعودي ما أدركنا أحدا أقول بقول الشيعة من عدي بن ثابت وقال ابن معين شيعي مفرط وقال الدارقطني رافضي غال انتهى
وفيها توفي عمرو بن مرة المرادي الكوفي الضرير سمع ابن أبي أو أوفى وجماعة وكان حجة حافظا قال مسعر ما أدركت أحدا أفضل منه
ومحارب بن دثار السدوسي قاضي الكوفة قال الحسن بن زياد اللولوى حدثنا أبو حنيفة قال كنا عند محارب بن دثار فتقدم إليه رجلان فادعى أحدهما على الآخر مالا فجحده المدعي عليه فسأله البينة فجاء رجل فشهد عليه فقال المشهود عليه لا والله الذي لا إله إلا هو ما شهد على بحق وما علمته إلا رجلا صالحا غير هذه الزلة فإنه فعل هذا لحقد كان في قلبه على وكان محارب متكئا فاستوى جالسا ثم قال اذا الرجل سمعت ابن عمر يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليأتيز على الناس يوم تشيب فيه الولدان وتضع الحوامل ما في بطونها وتضرب الطير بأذنابها وتضع ما في بطونها من شدة ذلك اليوم ولا ذنب عليها وإن شاهد الزور لا تقار قدماه على الأرض حتى يقذف به في النار فإن كنت شهدت بحق فاتق الله وأقم على شهادتك وإن شهدت بباطل فاتق الله وغط رأسك واخرج من ذلك الباب فغطى الرجل رأسه وخرج من ذلك الباب وقال في المغنى ثقة ثبت مشهور قال ابن سعد لا يحتجون به انتهى
سمع ابن عمر وجابرا وطائفة وهو من بني سدوس بن شيبان ويكنى أبا مطرف ولى قضاء الكوفة لخالد بن عبد الله القسري وتوفي في ولاية خالد بالكفوة
سنة سبع عشرة ومائة
فيها حلت الترك بخراسان وانظم إليهم الحرث بن أبي سريج الخارجي فاقتتلوا وجاوزوا نهر جيحون وأغاروا على مرو الروذ فسار إليهم أسد بن عبد الله القسري فالتقوا ونصر الله حزبه وقتلهم المسلمون قتلا ذريعا
وفيها افتتح مروان الحمار ثلاثة حصون وأسر الملك تومان شاه وبعث به إلى هشام فمن عليه وأعاده إلى ملكه
وفيها توفي أبو الحباب سعيد بن يسار المدني مولى ميمونة روى عن أبي هريرة وجماعة وفيها توفي بالإسكندريه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج المدني صاحب أبي هريرة وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي المدني عن سن عالية وقد ولى القضاء لابن الزبير ويكنى أبا بكر وأبا محمد روى عن جده وابن عباس وابن عمر في آخرين كان إمام الحرم وشيخه ومؤذنه الأمين وقاضي مكة والطائف زمن ابن الزبير
وفيها فقيه دمشق عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي كان عمر بن عبد العزيز يجلسه معه على السرير قال أبو مسهر كان سيد أهل المسجد قيل بم سادهم قال بحسن الخلق قال في العبر أرسل عن أبي الدرداء وعبادة وهو ثقة قليل الحديث انتهى
وفيها وقيل في سنة ثمان عشرة الحافظ أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي عالم أهل البصرة روى معمر عنه قال أقمت عند سعيد بن المسيب ثمانية أيام فقال لي في اليوم الثالث ارتحل يا أعمى عني فقد أنزقتني وقال قتادة ما قلت لمحدث قط أعد على قال ابن ناصر الدين مات بواسط في الطاعون وهو أبو الخطاب الضرير الأكمه مفسر الكناب آية في الحفظ إماما في النسب رأسا في العربية واللغة وأيام العرب انتهى قال في العبر قال قتادة ما قلت لمحدث قط
أعده على وما سمعت شيئا إلا وعاة قلبي وقال فيه شيخه ابن سيرين قتادة أحفظ الناس وقال معمر سمعت قتادة يقول ما في القرآن آية إلا وسمعت فيها شيئا انتهى
وفيها موسى بن وردان المصري القاضي روى عن أبي هريرة وسعد وطائفة وعاش نيفا وثمانين سنة قال أبو حاتم ليس به بأس وكان آخر أصحابه ضمام بن إسماعيل وفيها مات قاضي الجزيرة ميمون بن مهران الرقى أبو أيوب الفقيه كان من العلماء العاملين روى عن عائشة وأبي هريرة وطائفة وفيها مات فقيه المدينة أبو عبد الله نافع الديلمي مولى عبد الله ابن عمر كان من جلة التابعين بعثه عمر بن عبد العزيز إلى مصر يعلمهم السنن قال في العبر وقد روى نافع أيضا عن عائشة وأبي هريرة
وفيها توفيت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص بالمدينة وقد رأت شيئا من أمهات المؤمنين وعاشت أربعا وثمانين سنة قاله في العبر
وسكينة بنت الشهيد الحسين بن علي بالمدينة وأسمها أميمة وقيل أمينة وسكينة لقب وأمها الباب ابنة أمرىء القيس بن عدي تزوجها أي سكينة مصعب ابن الزبير ثم عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام ثم زيد بن عمرو بن عثمان ابن عفان فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها وجمالها وحسن خلقها مشهور ولها نوادر منها أنها لما سمعت مرثية عروة بن أذينة وكان من أعيان العلماء الصلحاء في أخيه بكر وقوله فيها
( على بكر أخي فارقت بكرا ** وأي العيش يصلح بعد بكر )
قالت سكينة ومن بكر أهو ذاك الأسود الذي كان يمر بنا قيل نعم قالت لقد طاب بعده كل عيش حتى الخبز والزيت توفيت سكينة بالمدينة والعامة تزعم أنها بمكة في طريق العمرة
سنة ثماني عشرة ومائة
فيها مات عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو إبراهيم روى عن زينب ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي وثقة يحيى ابن معين وابن راهويه وهو حسن الحديث قاله في العبر وقال في المغني هو مختلف فيه وحديثه حسن وفوق الحسن قال يحيى القطان إذا روى عنه ثقة فهو حجة وقال أحمد ربما احتججنا بحديثه وقال البخاري رأيت أحمد وإسحق وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون به فمن الناس بعدهم قلت ومع هذا القول لم يحتج به البخاري في صحيحه وقال أيوب السختياني كنت إذا أتيت عمرو بن شعيب غطيت رأسي حياء من الناس وقال ابن معين ليس بذاك وهو ثقة في نفسه إنما بلى بكتاب أبيه عن جده وقال أبو زرعة إنما أنكروا عليه أنه روى صحيفة كانت عنده وقال أحمد ربما وحش القلب منه وله منا كير وثقة أسحق وصالح جزره وقال الأوزاعي ما رأيت قريشا أكمل منه قال إسحق عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده كأيوب عن نافع عن ابن عمر وقال أحمد أيضا إنما تليت حديثه ليعتبر اما ليكون حجة فلا وعن أبي داود وقيل له عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة فقال لا ولا نصف حجة وقال ابن المديني عن القطان حديثه واه وقال ابن عدي ثقة في نفسه انتهى ما قاله الذهبي في المغني وقال شمس الدين بن القيم في كتابه أعلام الموقعين وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولا نعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها وإنما طعن فيها من لم يتجمل أعباء الفقه والفتوى كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما انتهى ما قاله ابن القيم
وفيها عبادة بن نسى الكندي قاضي طبرية كان شريفا جليل القدر موصوفا بالصلاح روى عن شداد بن أوس جماعة
وفيها في المحرم قاضي الشام أبو عمران عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي وله سبع وتسعون سنة قرأ القرآن العظيم على المغيرة بن أبي شهاب عن قراءته على عثمان نفسه نصف القرآن وورد أيضا أنه قرأت على أبي الدرداء وحدث عن فضالة بن عبيدة والنعمان بن بشير وولى قضاء دمشق رحمه الله تعالى
وفيها عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي الحمصي وهو مكثر عن أبيه وغيره قال في العبر ولا أعلمه روى عن الصحابة وقد رأى جماعة منهم انتهى
وعبد الرحمن بن سابط الجمحي المكي الفقيه روى عن عائشة وجماعة
وفيها معبد بن خالد الجدلي الكوفي القاص روى عن جابر بن سمرة وجماعة
وأبو عشانة المعافري بن يومن بمصر روى عن عقبة بن عامر وجماعة
سنة تسع عشرة ومائة
فيها غزا مروان غزوة السانحة فدخل من باب اللان فلم يزل يسير حتى طلع من باب الخزر ومر ببلنجر وسمرقند وانتهى إلى مدينة خاقان الترك فانهزم خاقان وفيها توفي إياس بن سلمة بن الأكوع المدني روى عن أبيه وفيها وقيل في سنة اثنتين وعشرين حبيب بن أبي ثابت الكوفي فقيه الكوفة ومفتيها مع حماد بن أبي سليمان وقال في العبر بل هو أجل من حماد وأكبر فإنه روى عن ابن عباس وابن عمر وخلق من التابعين
وفيها سليمان بن أبي موسى الأشدق فقيه دمشق ومفتيها مولى بني أمية روى عن أبي أمامة و وسلمة وطائفة قال سعيد بن عبد العزيز كان أعلم أهل الشام بعد مكحول وقال ابن لهيعة ما لقيت مثله وقيس بن سعد المكي صاحب عطاء وكان مفتي أهل مكة في وقته وفيها الأمير أبو شاكر معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك وكان أنبل أولاد أبيه جوادا ممد حاولي الغزو
( مرات وهو أحد أمراء الأندلس ** وإسماعيل بن حماد بن أبي سلمة )
سنة عشرين وماية
فيها وقيل سنة ثمان عشرة توفي أنس بن سيرين أخو محمد بن سيرين وله خمس وثمانون سنة روى عن ابن عباس وجماعة
وفيها فقيه الكوفة أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان الأشعري مولاهم صاحب إبراهيم النخعي روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة وكان جوادا سريا محتشما يفطر كل ليلة من رمضان خمسمائة إنسان وقال شعبة كان صدوق السان
وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري شيخ محمد بن إسحاق وكان أخباريا علامة بالمغازي يورى عن جابر وغيره وفيها توفي قاريء مكة أبو معبد عبد الله بن كثير الكناني مولاهم الفارسي الأصل الداري العطار قرأ على عبد الله بن السائب المخزومي وعلى مجاهد وحدث عن ابن الزبير وغيره وفضله وعلمه وشهرته تغني عن الإطناب في أوصافه
وفيها توفي سيد أهل الجزيرة عدي بن عدي بن عميرة الكندي الأمير كان فقيها ناسكا كبير الشأن ولأبيه صحبة
وفيها توفي علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي قال في العبر كان تقيا في الحديث روى عن طارق ابن شهاب ولطارق وصحبة ما
وقيس بن مسلم الجدلي الكوفي صاحب طارق ويقال إنه ما رفع رأسه إلى السماء منذ زمان تعظيما لله تعالى
ومحمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي المدني الفقيه الثبت روى عن أسامة وأبي سعيد وطائفة وجده من المهاجرين وواصل الأحدب يروي عن أبي وائل وطبقته
وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري قاضي المدينة وأميرها
عن نيف وثمانين سنة ويقال إنه كان أعلم اهل المدينة بالقضاء وله خبرة بالسيرة قاله في العبر
سنة إحدى وعشرين ومائة
فيها غزا مروان فأتى قلعة بيت السرير فقتل وسبى ثم دخل حصن عومشك وفيها سرير ملكهم فهرب منه الملك ثم إن مروان صالحهم في العام على ألف راس ومائة ألف هدى ثم أنه سار حتى دخل مدينة أزر فصالحوه وصالحه تومان شاه على بلاده ثم سار حتى نازل حمرين وحاصرها شهرين ثم صالحهم وافتتح مسدارة صلحا وتهيأ لمروان في هذه السنة من الفتوحات أمر عظيم ووقع في قلوب الترك والخزر منه رعب شديد
وفيها قتل الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم بالكوفة وكان قد بايعه خلق كثير وحارب متولى العراق يومئذ لهشام بن عبد الملك يوسف بن عمر الثقفي فقتله يوسف وصلبه ويوسف هذا هو ابن عمر أبوه عم الحجاج بن يوسف ولما خرج زيد يدعو إلى طاعته جاءته طائفة وقالوا تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نبايعك فقال بل أتبرأ ممن تبرأ منهما فقالوا إذا ترفضك فسموا رافضة من يومئذ وسميت شيعته زيديه وكان من أمر زيد رضي الله عنه أن هشاما لما عرف كماله واستجماعه لخلال الفضل كتب إلى عامله على الكوفة يوسف بن عمر بن أبي عقيل الثقفي بأمره أن يوجه زيدا إلى الحجاز ففعل فلما بلغ زيد العذيب لحقته الشيعة وأخبروه أن الناس مجمعة عليه ولم يزالوا به حتى رجع فأقام بالكوفة سنة يبايع الناس مختفيا وبالبصرة نحو شهر وكان ممن بايعه منصور بن المعتمر ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهلال بن
خباب بن الأرت قاضي المدائن وابن شبرمة ومسعر بن كدام وغيرهم وأرسل إليه أبو حنيفة بثلاثين ألف درهم وحث الناس على نصره وكان مريضا وكان قد أخذ عنه كثيرا وحضر معه من أهله محمد بن عبد الله النفس الزكية وعبد الله بن علي بن الحسين وكان ظهروه ليلة الأربعاء من دار معاوية ابن إسحق الأنصاري لسبع بقين من المحرم سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائة وقتل يوم الجمعة لثلاثة أيام من ظهوره وهو ابن ثلاث واربعين سنة واستخرج بعد دفنه وصلب بالكناسة تربة بالكوفة أربع سنين ونسجت العنكبوت على عورته ثم أنزل وأحرق وذر رماده رضي الله عنه روى عن أبيه وجماعة وروى عنه شعبة ويأتي طرف من خبره في ترجمة هشام قريبا
وفيها قتل أحد الشجعان والأبطال أبو محمد البطال وله حروب ومواقف ولكن كذبوا عليه فأفرطوا ووضعوا له سيرة كبيرة تقرأ كل وقت يزيد فيها من لا يستحي من الكذب
وفيها توفي قاضي دمشق نمير بن أوس الأشعري أحد شيوخ الأوزاعي وأبو عبد الله محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري المدني وقد لقي ابن عمرو رافع بن خديج وطائفة وكانت له حلقة للفتوى
وفيها أوفى التي بعدها سلمة بن كهيل الكوفي روى عن جندب البجلي وطائفة وكان من أثبات الشيعة وعلمائهم حمل عنه شعبة والثوري
ومسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي الأميرة ويلقب بالجرادة الصفراء وكان موصوفا بالشجاعة والإقدام والرأي والدهاء ولى أرمينية وإذربيجان غير مرة وإمرة العراقين وسار في مائة وعشرين ألفا فغزا القسطنطينية في خلافة سليمان أخيه وروى عن عمر بن عبد العزيز
سنة اثنتين وعشرين ومائة
فيها كانت بالمغرب حروب مزعجة وملاحم وخرجت طائفة كثيرة وبايعوا عبد الواحد الهواري والتفت عليه أمم من السرير ثم نصر عليهم المسلمون وقتلوا خلقا كثيرا
ويفها توفي قاضي البصرة أبو واثلة إياس بن معاوية بن قرة المزني الليثي يضرب بذكائه وفطنته المثل روى عن أنس وجماعة ووثقة ابن معين ولا رواية له في الكتب ا الستة كان صاحب فراسة قال الحريري فإذا المعيتي المعية ابن عباس وفراستي فراسة إياس وقال أبو تمام
( أقدام عمرو في شجاعة عنتر ** في حلم أحنف في ذكاء إياس )
قيل لأبيه معاوية كيف ابنك لك قال كفاني أمر دنياي وفرغني لآخرتي وعنه قال رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين معا فلم أسبقه ولم يسبقني وعاش أبي ستا وتسعين سنة وها أنا فيها فلما كان آخر لياليه قال الليلة استكملت عمري ونام فأصبح ميتا رحمه الله تعالى
وفيها بكير بن عبد الله بن الأشج المدني الفقيه نزيل مصر وأحد شيوخ الليث بن سعد وهو من صغار التابعين وزبيد بن الحرث اليامي وروى عن إبراهيم النخعي وخلق من كبار التابعين وسيار أبو الحكم صاحب الشعبي وهو واسطي حجة مشهور ويزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي المدني عن سن عالية لقي أبا هريرة وفيها أبو هاشم الرماني الواسطي واسمه يحيى كان يسكن قصر الرمان بواسط روى عن أبي العالية وجماعة
سنة ثلاث وعشرين ومائة
فيها قتل بالمغرب كلثوم بن عياض القشيري في عدة من أمرائه واستبيح عسكره وتمزقوا هزمهم أبو يوسف الأزدي رأس الصفرية وكان كلثوم قد ولى دمشق لهشام ثم ولاه غزو الخوارج بالمغرب واتبعت الصفرية من انكسر من المسلمين فثبت لهم بلخ القشيري ابن عم كلثوم فكان النصر ولله الحمد وقتل في المعركة أبو يوسف الأزدي وفيها حج بالناس يزيد بن الخليفة هشام ومعه الزهري فأخذ عنه إذ ذاك مالك وابن عيينة وأهل الحجاز
وفيها توفي ثابت البناني وهو ثابت بن أسلم و بنانة من قريش وهم رهط بني سعد بن لؤي وكانت بناية أمهم فنسبوا إليها وكان من أنفسهم ويكنى أبا محمد وكان م سادة التابعين علما وفضلا وعبادة ونبلا وكان من خواص أنس وروى عن غيره من الصحابة
وربيعة بن يزيد الدمشقي القصير شيخ دمشق بعد مكحول استشهد بافريقية وقد لقي جبير بن نفير وطائفة قال نوح بن فضالة كان مفضلا على مكحول وقال سعيد بن عبد العزيز لم يكن عندنا أحسن سمتا في العبادة منه ومن مكحول
وسماك بن حرب الذهلي الكوفي أحد الكبار قال أدركت ثمانين من الصحابة وذهب بصرى فدعوت الله تعالى فرده على قال أحمد العجلي كان عالما بالشعر وأيام الناس فصيحا
وفيها أبو يونس مولى أبي هريرة وقد شاخ واسمه سليم بن جبير نزل مصر وأدركه الليث روى عن مولاه عن أبي هريرة ووثقه النسائي
وفيها سيد القراء وعالم البصرة وعابدها محمد بن واسع الأزدي أخذ عن أنس ومطرف بن الشخير وطائفة وهو مقل روى خمسة عشر حديثا ومناقبه مشهورة قال بعضهم كنت إذا وجدت فترة أو قسوة نظرت في وجهه فيذهب
ذلك جميعه عني أو قال شهرا وقال له مالك بن دينار وقد نبهه على بعض دقائق الورع ما أحوجني إلى معلم مثلك
وفيها قارئ مكة بعد ابن كثير محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ومنهم من يسميه عمر قال في العبر وأظنهما أخوين وله رواية شاذة في كتاب المبهج وغيره وقد روى عن صفية بنت شيبة وغيرها انتهى
سنة أربع وعشرين ومائة
فيها تمت وقعة كبيرة بالمغرب مع الصفرية ورأسهم ميسرة الحقير وذاق المسلمون منهم مشاقا وبلاء شديدا
وفيها مات محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصاري أحد الثقات وقد ولي إمرة المدينة لعمر بن عبد العزيز وأدركه ابن عيينة
والقسم بن أبي بزة المكي روى عن أبي الطفيل وجماعة يسيرة
وفي رمضان منها توفي الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن شهاب الزهري المدني أحد الفقهاء السبعة وأحد الأعلام المشهورين عن أربع وسبعين سنة سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك وخلق قال ابن المديني له نحو ألفي حديث وقال عمر بن عبد العزيز لم يبق أعلم بسنة ماضية من الزهري وكذا قال مكحول وقال الليث قال ابن شهاب ما استودعت قلبي علما فنسيته قال الليث فكان يكثر شرب العسل ولا يأكل شيئا من التفاح الحامض وقال من أحب حفظ الحديث فليأكل الزبيب وقال أيوب ما رأيت أعلم من الزهري قال في العبر قلت وكان معظما وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك أعطاه مرة سبعة آلاف دينار وقال عمرو بن دينار ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منهما عند الزهري كائنها بمنزلة البعر انتهى ورأى عشرة من الصحابة رضي الله عنهم وكان إذا أقبل على كتبه لم يلتفت إلى شيء فقالت له امرأته والله إن هذه الكتب