كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
فالجواب أن هذا ومثله من المدسوس عليه في كتاب الفصوص وغيره فإن هذا يكذبه الناقل عنه خلاف ذلك انتهى كلام الشعراني توفي رحمه الله ورضي عنه في الثاني والعشرين من ربيع الآخر بدمشق في دار القاضي محيي الدين بن الزكي وحمل إلى قاسيون فدفن في تربته المعلومة الشريفة التي هي قطعة من رياض الجنة والله تعالى أعلم وفيها أمين الدين أبو بكر وأبو عبد الله أحمد بن محمد بن طلحة بن الحسن بن طلحة بن حسان البصري الأصل البغدادي المصري الفقيه الحنبلي المحدث المعدل ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة تقريبا وطلب الحديث وسمع الكثير من ابن كليب وذاكر ابن كامل وأبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وخلق كثير من هذه الطبقة وكتب بخطه كثيرا وتفقه في المذهب وتكلم في الخلاف وحصل طرفا صالحا من الأدب وسافر إلى بلاد فارس والروم ومصر وشهد عند ابن اللمعاني وله مجموعات وتخاريج في الحديث وجمع الأحاديث السباعيات والثمانيات التي له ومعجما لشيوخه وحدث ببغداد وغيرها ذكر ذلك ابن النجار وقال سمعت منه وهو فاضل عالم ثقة صدوق متدين أمين نزه حسن الطريقة جميل السيرة طاهر السريرة سليم الجانب مسارع إلى فعل الخير محبوب إلى الناس انتهى توفي ليلة الأحد ثالث ربيع الأول ببغداد وفيها تقي الدين أبو عبد الله يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة تقديرا ببيت المقدس وسمع بدمشق من ابن طبرزد وغيره قال المنذري توافقنا في السماع كثيرا وكان على طريقة حسنة توفي عاشر ذي القعدة بمدينة نابلس
سنة تسع وثلاثين وستمائة
فيها توفي الشمس بن الخباز النحوي أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن أحمد
ابن معالي الأربلي ثم الموصلي الضرير صاحب التصانيف الأدبية توفي في رجب بالموصل وله خمسون سنة قاله في العبر
وفيها المارستاني أبو العباس أحمد بن يعقوب بن عبد الله البغدادي الصوفي قيم جامع المنصور روى عن أبي المعالي بن اللحاس وحفدة العطاردي وجماعة وتوفي في ذي الحجة وفيها أبو العباس أحمد بن محفوظ بن مهنا بن شكر بن الصافيوني الرصافي البغدادي الحنبلي الفقيه المحدث سمع الكثير وعنى بالسماع وكتب الطباق بخطه وهو حسن وتفقه على القاضي أبي صالح نصر بن عبد الرزاق وكان خيرا صالحا متعبدا توفي يوم الاحد تاسع عشر صفر ودفن بمقبرة معروف الكرخي وفيها تقي الدين إسحق بن طرخان بن ماضي الفقيه الشافعي الشاغوري آخر من حدث عن حمزة بن كروش توفي في رمضان بالشاغور وفيها النفيس بن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي المصري آخر من روى عن الشريف أبي الفتوح الخطيب وأبي العباس بن الحطية توفي في ذي الحجة وله ست وتسعون سنة وفيها أبو الطاهر إسمعيل بن مظفر بن أحمد بن إبراهيم بن مفرج بن منصور بن ثعلب بن عيينة بن ثابت بن بكار بن عبد الله بن شرف بن مالك بن المنذر بن النعمان بن المنذر المنذري النابلسي الدمشقي المولد المحدث الحنبلي ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة بدمشق وارتحل في طلب الحديث إلى الأمصار فسمع بمكة من ابن الحصري وبمصر من البوصيري والأرتاحي والحافظ عبد الغني وجماعة وببغداد من المبارك بن كليب وابن الجوزي وغيرهما وبأصبهان من أبي المكارم اللبان وغيره وبخراسان من عبد المنعم الفراوي والمؤيد الطوسي وجماعة وبنيسابور من أبي سعد الصفار وغيره وبحران من الحافظ عبد القادر الرهاوي وانقطع إليه مدة وكتب الكثير بخطه وحدث بالكثير قال المنذري سمعت منه بحران ودمشق وكتب عنه
ابن النجار ببغداد وقال كان شيخا صالحا وقال عمر بن الحاجب كان عبدا صالحا صاحب كرامات ذا مروءة مع فقر مدقع صحيح الأصول روى عنه الحافظ الضياء والمنذري والبرزالي والقاضي سليمان بن حمزة وتوفي في رابع شوال بسفح قاسيون ودفن به
وفيها أبو علي الحسن بن إبراهيم بن هبة الله بن دينار المصري الصائغ روى عن السلفي ومات في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة
وفيها الأسعردي أبو الربيع سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الحنبلي المحدث خطيب بيت لهيا ولد بأسعرد سنة سبع وستين وخمسمائة ورحل فسمع بدمشق من الخشوعي وابن طبرزد وجماعة كثيرة وبمصر من البوصيري وغيره وبالأسكندرية من ابن علاس وانقطع إلى الحافظ عبد الغني المقدسي مدة وتخرج به وسمع منه الكثير وكتب بخطه كثيرا وكان كثير الإفادة حسن السيرة سئل عنه الحافظ الضياء فقال خير دين ثقة وأقام ببيت لهيا وتولى إمامتها وخطابتها قال المنذري اجتمعت به ولم يتفق لي السماع منه وأفادنا إجازة عن جماعة من شيوخ المصريين وغيرهم شكر الله سعيه وجزاه خيرا توفي في ثاني عشرى ربيع الآخر ببيت لهيا ورحمة اسم أم أبي جده وبها عرف جده وفيها أبو المعالي عماد الدين عبد الرحمن بن نفيل العلامة قاضي القضاة الواسطي الشافعي ولد سنة سبعين وخمسمائة وتفقه فدرس وأفتى وناب في القضاء عن أبي صالح الجيلي ثم ولى بعده القضاء ودرس بالمستنصرية ثم عزل عن الكل سنة ثلاث وثلاثين وستمائة فتزهد وتعبد ثم ولي مشيخة رباط في سنة خمس وثلاثين وحدث عن ابن كليب وتوفي في ذي القعدة وفيها عبد السيد بن أحمد الضبي خطيب يعقوبا روى عن يحيى بن ثابت وأحمد المرقعاتي وتوفي في صفر وله تسع وسبعون سنة
وفيها أبو محمد سيف الدين عبد الغني بن فخر الدين أبي عبد الله محمد بن تيمية
الحراني الحنبلي خطيب حران وابن خطيبها الفخر ولد في ثاني صفر سنة إحدى وثمانين وخمسمائة بحران وسمع بها من والده وعبد القادر الرهاوي وغيرهما ورحل إلى بغداد فسمع من ابن سكينة وابن طبرزد وغيرهما وأخذ الفقه عن غلام ابن المنى وغيره ورجع إلى حران وقام مقام أبيه بعد وفاته فكان يخطب ويعظ ويدرس ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي قال ابن حمدان كان خطيبا فصيحا رئيسا ثابتا رزين العقل وله تصنيف الزوايد على تفسير الوالد وإهداء القرب إلى ساكني الترب قال ولم أسمع منه ولا قرأت عليه شيئا وسمعت بقراءته على والده كثيرا توفي في سابع المحرم بحران
وفيها البدر علي بن عبد الصمد بن عبد الجليل المرازقي المؤدب بمكتب جاروخ بدمشق روى عن السلفي ثماني الآجري وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو فضيل قايماز المعظمي مجاهد الدين والي البحيرة روى عن السلفي ومات في سلخ شوال وفيها شرف الدين بن الصفراوي قاضي قضاة مصر أبو المكارم محمد بن القاضي أبي المجد حسن الأسكندراني ثم المصري الشافعي ولد بالأسكندرية سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وقدم القاهرة فناب في القضاء سنة أربع وثمانين عن نصر الدين بن درباس ثم ناب عن غير واحد وولى قضاء الديار المصرية في سنة سبع عشرة وستمائة وتوفي في تاسع عشر ذي القعدة وفيها ابن نعيم القاضي أبو بكر محمد بن يحيى بن مظفر البغدادي الشافعي المعروف بابن الحبير ولد سنة تسع وخمسين وسمع من شهدة وجماعة وكان من أئمة الشافعية صاحب ليل وتهجد وحج طويل الباع في النظر والجدل ولي تدريس النظامية مدة قال الأسنوي كان إماما عارفا بالمذهب ودقائقه وتحقيقاته وله اليد الطولى في الجدل والمناظرة دينا خيرا كثير التلاوة عليه وقار وسكينة وتفقه على المحبر البغدادي بعد أن كان حنبليا وناب في القضاء عن ابن فضلان وحدث وتوفي في سابع شوال
وفيها الكمال بن يونس العلامة أبو الفتح موسى بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي الشافعي أحد الأعلام ولد سنة إحدى وخمسين بالموصل وتفقه على والده وببغداد على معيد النظامية السديد السلماسي وبرع عليه في الأصول والخلاف وقرأ النحو على ابن سعدون القرطبي والكمال الأنباري وأكب على الاشتغال بالعقليات حتى بلغ فيها الغاية وكان يتوقد ذكاء ويموج بالمعارف حتى قيل أنه كان يتقن أربعة أربعة عشر فنا واشتهر ذكره وطار صيته وخبره ورحلت الطلبة إليه من الأقطار وتفرد بإتقان علم الرياضي ولم يكن له في وقته نظير قال ابن خلكان كان يتهم في دينه لكون العلوم العقلية غالبة عليه كما قال العماد المغربي فيه
( وعاطيته صهباء من فيه مزجها ** كرقة شعري أو كدين ابن يونس )
وقال ابن خلكان أيضا ولقد رأيته بالموصل في شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة وترددت إليه دفعات عديدة لما كان بينه وبين الوالد رحمه الله من المؤانسة والمودة الأكيدة ولم يتفق لي الأخذ عنه لعدم الإقامة وسرعة الحركة إلى الشام وكان الفقهاء يقولون أنه يدري أربعة وعشرين علما دراية متقنة فمن ذلك المذهب وكان فيه أوحد أهل زمانه وكان جماعة من الحنيفة يشتغلون عليه بمذهبهم ويحل لهم مسائل الجامع الكبير أحسن حل مع ما هي عليه من الأشكال المشهور وكان يتقن فن الخلاف العراقي والبخاري وأصول الفقه والدين ولما وصلت كتب فخر الدين الرازي إلى الموصل وكان بها إذ ذاك جماعة من الفضلاء لم يفهم أحد اصطلاحه فيها سواه وكذلك الإرشاد للعميدي لما وقف عليها في ليلة واحدة وأقرأها على ما قالوه وبالجملة فقد كان كمال الدين كما قال الشاعر
( وكان من العلوم بحيث يقضي ** له في كل علم بالجميع )
واستخرج في علم الأوفاق طرقا لم يهتد إليها أحد وكان يحفظ من التواريخ
وأيام العرب ووقائعهم والأشعار والمحاضرات شيئا كثيرا وكان أهل الذمة يقرأون عليه التوارة والإنجيل ويشرح لهما هذين الكتابين شرحا يعترفون أنهم لا يجدون من يوضحهما لهم مثله وبالجملة فإن مجموع ما كان يعرف من العلوم لم يكن يسمع عن أحد ممن كان تقدمه أنه جمع مثله وتوفي رحمه الله تعالى بالموصل رابع عشر شعبان انتهى كلام ابن خلكان ملخصا
سنة أربعين وستمائة
فيها جهز الملك الصالح أيوب عسكره وعليهم كمال الدين بن الشيخ لأخذ دمشق من عمه الصالح إسمعيل فمات مقدم العسكر كمال الدين بغزة ويقال أنه سم وفيها توفي الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان المقدسي الحنبلي الشروطي الناسخ روى عن يحيى الثقفي والبوصيري وابن المعطوس وطبقتهم وطلب وكتب الأجزاء توفي في رمضان عن ثلاث وستين سنة
وفيها أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ أبي طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الخشوعي آخر من سمع من عبد الواحد بن هلال وما يدرى ما سمع من ابن عساكر توفي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة وفيها آسية المقدسية والدة السيف بن المجد قال أخوها الضياء ما في زماننا مثلها لا تكاد تدع قيام الليل وفيها الحجة الأتابكية امرأة الأشرف موسى صاحبة المدرسة والتربة بجبل قاسيون تركان بنت الملك عز الدين مسعود بن قطب الدين مودود بن أتابك زنكي وفيها جمال النساء بنت أحمد بن أبي سعد العراف البغدادية سمعت من ابن البطي وأحمد بن محمد الكاغدي وبقية عشرة شيوخ وتوفيت في جمادى الأولى
وفيها أبو محمد الحسن بن الأكرم عرف بابن الزاهد العلوي الأديب
ومن شعره
( صد عني وجاء شيئا فريا ** فنبذت الكرى مكانا قصيا )
( ورعيت النجوم في الليل حتى ** بات طرفي موكلا بالثريا )
( وبراني الأسى فقلت لقلبي ** ذق أليم الغرام ما دمت حيا )
( كيف تهوى من لا يرق لصب ** قد كوت قلبه الصبابة كيا )
( يا طبيب القلوب عالج مريضا ** يشتكي من جفاك داء دويا )
( ترك الحزم من أحب كحبي ** من بني الترك ظالما تركيا )
( يا بخيلا بوصله ولعمري ** ضيق العين لا يكون سخيا )
وفيها سعيدة بنت عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة روت بالإجازة عن العثماني وفيها عائشة بنت المستنجد بالله بن المقتفى وأخت المستضيء وعمة الناصر عمرت دهرا وماتت في ذي الحجة وفيها عبد الحميد بن محمد بن سعد الصالحي الطيان روى عن يحيى الثقفي وتوفي في رجب
وفيها ابن أبية عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن الدجاجية روى عن الحافظ ابن عساكر ومات في المحرم
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن مكي بن كرسا البغدادي روى عن ابن البطي وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وفيها صاحب المغرب أبو محمد بن المأمون واسمه عبد الواحد بن إدريس المؤمني صاحب مراكش ولي الأمر سنة ثلاثين وستمائة وأعاد ذكر ابن تومرت في الخطبة ليستميل قلوب الموحدين توفي غريقا في صهريج بستانه وولي بعده أخوه المعتضد علي
وفيها العلم بن الصابوني أبو الحسن علي بن محمود بن أحمد المحمودي الحربي الصوفي والد الجمال بن الصابوني المحدث أجاز له أبو المطهر الصيدلاني وابن البطي وطائفة وسمع من السلفي وكان عدلا جليلا وافر الحرمة توفي في شوال عن أربع وثمانين سنة وفيها ابن شفين الشريف أبو الكرم
محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن أحمد الهاشمي العباسي المتوكلي مسند العراق أجاز له أبو بكر بن الزاغوني ونصر بن نصر العكبري وأبو الوقت ومحمد بن عبيد الله الرطبي وسمع من يحيى بن السدنك وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة وكان سريا نبيلا وفيها المستنصر بالله أبو جعفر منصور ابن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر أحمد بن المستضيء حسن بن المستنجد يوسف بن المقتفي العباسي ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وهو ابن تركية واستخلف في رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة فحمدت سيرته وكان أشقر ضخما قصيرا وخطه الشيب فخضب بالحناء ثم تركه وكان جوادا كريما رحيما سمحا عادلا بنى مدرسة المستنصرية ووقفها على المذاهب الأربعة وفيها المارستان والحمام وليس في الدنيا مثلها وهي بالعراق كجامع دمشق وبنى المساجد والخوانك والخانات في الطرق ولم يكن للمال عنده قدر بنى أبوه الناصر بركة وترك فيها المال وكان يقول ترى أعيش حتى أملأها فلما ولي المستنصر كان يقول ترى أعيش حتى أفرغها وتوفي بكرة الجمعة عاشر جمادى الآخرة وحزن الناس عليه حزنا عظيما وبويع لولده عبد الله المستعصم الله
سنة إحدى وأربعين وستمائة
فيها كما قال في العبر حكمت التتار على بلد الروم والتزم صاحبها ابن علاء الدين بأن يحمل لهم كل يوم ألف دينار ومملوكا وجارية وفرسا وكلب صيد وفيها توفي أبو إسحق تقي الدين إبراهيم بن محمد بن الأزهر ابن أحمد بن محمد الصريفيني بفتح الصاد المهملة وكسر الراء والفاء بين تحتيتين ساكنتين وآخره نون نسبة إلى صريفين قرية ببغداد ولنا أخرى بواسط الحافظ الحنبلي الفقيه نزيل دمشق ولد ليلة حادي عشر محرم سنة إحدى
أو اثنتين وثمانين وخمسمائة بصريفين ودخل بغداد وسمع بها من ابن الأخضر وابن طبرزد وهذه الطبقة ورحل إلى الأقطار وسمع بأصبهان ونيسابور وهراة وبوشنج ودينور ونهاوند وتستر وطبس والموصل ودمشق وبيت المقدس وحران من أعلام هذه المدن وتخرج بحران على الرهاوي وتفقه ببغداد على ابن التواريخي وأبي البقاء العكبري وتأدب بهبة الله الدوري قال عمر بن الحاجب الحافظ كان أحد حفاظ الحديث وأوعية العلم إماما فاضلا صدوقا خيرا نبيلا ثقة حجة واسع الرواية ذا سمت ووقار وعفاف حسن السيرة جميل الظاهر سخي النفس مع القلة كثير الرغبة في فعل الخيرات سافر الكثير وجال في الآفاق وكتب الكثير وقرأ وأفاد كثير التواضع سليم الباطن وكان شيخا لدار حديث منبج تركها واستوطن حلب وولي بها دار الحديث التي للصاحب بن شداد وكان يحدث بها ويتكلم على الأحاديث وفقهها ومعانيها سألت البرزالي عنه فقال حافظ دين ثقة وقال أبو شامة كان عالما بالحديث دينا متواضعا توفي في خامس عشر جمادى الأولى وحضرت الصلاة عليه بجامع دمشق ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى
وفيها الأعز بن كرم أبو محمد الحربي الأسكاف البزاز سمع من يحيى بن ثابت وغيره وتوفي في صفر وفيها شمس الدين أبو الفتوح وأبو الخطاب عمر بن أسعد بن المنجا بن بركات المؤمل التنوخي المعرى الحراني المولد الدمشقي الدار والوفاة القاضي الحنبلي بن القاضي وجيه الدين ولد بحران إذ أبوه قاضيها في الدولة النورية سنة سبع وخمسين وخمسمائة ونشأ بها وتفقه على والده وسمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وقدم دمشق فسمع بها من القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وغيره ورحل إلى العراق وخراسان وسمع ببغداد واشتغل بالخلاف على المحبر الشافعي وأفتى ودرس وكان عارفا بالقضاء بصيرا بالشروط والحكومات والمسائل الغامضات صدرا
نبيلا وولي قضاء حران قديما واستوطن دمشق ودرس بها بالمسمارية وحدث عنه البرزالي وابن العديم وغيرهما وأجاز لابن الشيرازي توفي في سابع عشر ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون كذا قال أبو شامة
وفيها أبو القسم حمزة بن عمر بن عتيق بن أوس الغزال الأنصاري الاسكندراني روى عن السلفي وتوفي في ذي الحجة وفيها سلطان بن محمود البعلبكي الزاهد أحد أصحاب الشيخ عبد الله اليونيني كان صاحب أحوال وكرامات وهو والد الشيخ الصالح محمود قال السخاوي في طبقاته كان من كبار أولياء الله تعالى تقوت مدة من مباح جبل لبنان حكى العماد أحمد بن سعد أن الشيخ معالي خادم الشيخ سلطان حدثه أنه سأل الشيخ سلطان فقال يا سيدي كم مرة رحت إلى مكة في ليلة قال ثلاث عشرة مرة قلت فالشيخ عبد الله اليونيني قال لو أراد أن لا يصلي فريضة إلا في مكة لفعل وقال الشيخ عبد الدائم بن أحمد بن عبد الدائم لما أعطي الشيخ سلطان الحال جاء إليه سايس كردي فقال قد عزلت أنا ووليت أنت وبعد ثلاثة أيام أدفني قال فمات بعد ثلاث ودفنه وحكى الشيخ الصالح محمود بن الشيخ سلطان أن أباه كانت تفتح له أبواب بعلبك بالليل انتهى وفيها عائشة بنت محمد بن علي بن البل البغدادي الواعظة أجاز لها أبو الحسن بن غبرة والشيخ عبد القادر وكانت صالحة تعظ النساء توفيت في جمادى الأولى وفيها أبو محمد عبد الحق بن خلف بن عبد الحق الدمشقي الحنبلي روى عن أبي الفهم بن أبي العجايز وابن صابر وجماعة وكان يلقب بالضياء وسمع بحران من أبي الوفاء وحدث وكان مشهورا بالخير والصلاح وعجز في آخر عمره عن التصرف وتفرد بأشياء وتوفي في جمادى الآخرة وفيها عز الدين أبو الفتح وأبو عمرو عثمان بن أسعد الحنبلي ولد في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة وسمع بمصر من البوصيري ويعقوب
ابن الطفيل وببغداد من ابن سكينة وغيره وسمع منه الحافظ ابن الحاجب وابن الحلوانية وولداه وجيه الدين محمد وزين الدين المنجا والحسن بن الخلال وكان فقيها فاضلا معدلا ودرس بالمسمارية عن أخيه نيابة وكان تاجرا ذا مال وثروة توفي في مستهل ذي الحجة وفيها أبو الوفاء عبد الملك بن عبد الحق بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع بالأسكندرية من السلفي وبمكة من المبارك بن الطباخ وبدمشق من أبي الحسين بن الموازيني وحدث وتوفي في جمادى الآخرة ودفن بجبل قاسيون وفيها أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن هلال الأزدي الدمشقي روى عن الحافظ بن عساكر والأمير أسامة وتوفي في رجب وفيها البسارسي أبو الرضا علي بن زيد بن علي الأسكندراني الخياط روى عن السلفي وبسارس من قرى برقة توفي في رمضان قاله في العبر وفيها علي بن أبي الفخار هبة الله بن أبي منصور محمد بن هبة الله الشريف أبو تمام الهاشمي العدل خطيب جامع ابن المطلب ببغداد روى عن ابن البطي وأبي زرعة وجماعة وعاش تسعين سنة وتوفي في جمادى الآخرة وفيها قيصر بن فيروز البواب أبو محمد القطيعي روى عن عبد الحق اليوسفي وتوفي في شهر رمضان
وفيها كريمة بنت عبد الوهاب بن علي بن الخضر مسندة الشام أم الفضل القرشية الزبيرية وتعرف ببنت الحبقبق روت عن حسان الزيات وخلق وأجاز لها أبو الوقت وابن الباغيان ومسعود الثقفي وخلق وروت شيئا كثيرا توفيت في جمادى الآخر ببستانها بالميطور
وفيها الجواد الذي تسلطن بدمشق بعد الملك الكامل هو مظفر الدين يونس بن ممدود بن العادل كان من أمراء عمه الكامل وكان جوادا لكنه لا يصلح للملك وفيها الأمير أبو المنصور مهلهل بن الأمير محمد الملك أبي
الضياء بدران بن يوسف بن عبد الله بن رافع بن زيد بن أبي الحسن علي بن سلامة بن طارق بن ثعلب بن طارق بن سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الحساني البابلسي الأصل المصري الحنبلي سمع من إسمعيل بن ياسين والأبوصيري والأرتاحي وابن نجا والحافظ عبد الغني ولازمه كثيرا وخلق كثير وكتب بخطه وقرأ بلفظه قال المنذري سمعت منه وتوفي في سابع عشر شعبان وفيها الصدر الرئيس جمال الدين محمد بن عقيل بن كروس محتسب دمشق كان كيسا متواضعا دفن بداره بدرب السامري والله أعلم
سنة اثنتين وأربعين وستمائة
فيها توفي القاضي شهاب الدين ابو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن علي بن محمد بن فاتك بن محمد المعروف بابن أبي الدم ولد بحماة في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ورحل إلى بغداد فتفقه بها وسمع بالقاهرة وحدث بها وبكثير من بلاد الشام وولي قضاء بلده همذان بإسكان الميم وهو حموي ولي قضاءها أيضا وكان إماما في مذهب الشافعي عالما بالتاريخ له نظم ونثر ومن تصانيفه شرح مشكل الوسيط وأدب القاضي وكتاب في التاريخ والفرق الإسلامية وقال الذهبي له التاريخ الكبير المظفري وتصانيفه تدل على فضله توفي في جمادى الآخرة وفيها التاج بن الشيرازي أبو المعالي أحمد بن القاضي أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي المعدل روى عن جده والفضل بن البانياسي وجماعة وتوفي في رمضان وله إجازة من السلفي وفيها أبو طالب حاطب بن عبد الكريم بن أبي يعلى الحارثي روى عن القسم بن عساكر وتوفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة وفيها أبو المنصور ظافر بن طاهر بن ظافر بن إسمعيل بن سحم الأزدي الاسكندراني المالكي المطرز عن السلفي وجماعة وتوفي
في ربيع الأول
وفيها تاج الدين بن حموية شيخ الشيوخ أبو محمد عبد الله ويسمى أيضا عبد السلام بن عمر بن علي بن محمد الجويني الصوفي شيخ السميساطية ولد بدمشق سنة ست وستين وسمع من شهدة والحافظ أبي القسم بن عساكر ودخل المغرب قبل الستمائة فأقام هناك ست سنين وله مجاميع وفوائد وكان نزها عفيفا قليل الطمع لا يلتفت إلى أحد من خلق الله تعالى لأجل الدنيا وصنف التاريخ وهو عم أولاد شيخ الشيوخ توفي في صفر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها الرفيع الجيلي قاضي القضاة بدمشق أبو حامد عبد العزيز قال الأسنوي في طبقاته رفيع الدين أبو حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن إسمعيل الجيلي الشافعي كان فقيها بارعا مناظرا عارفا بعلم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل جيد القريحة شرح الإشارات لابن سينا شرحا جيدا وكان فقيها في مدارس دمشق كان يصحب كاتب الصالح إسمعيل وهو أمين الدين بن غزال الذي كان سامريا فأسلم فلما أعطيت بعلبك للصالح إسماعيل وبنى أمين الدين بها المدرسة المعروفة بالأمينية وسعى الرفيع في قضاء بعلبك فتولاها مع المدرسة فلما انتقل الصالح إلى ملك دمشق واستوزر أمين الدين نقل الرفيع من بعلبك إلى قضاء دمشق بعد موت شمس الدين ابن ابن الجويني فسار القاضي المذكور سيرة فاسدة حمله عليها قلة دينه وفساد عقيدته من أثبات المحاضر الفاسدة والدعاوي الباطلة وإقامة شهود رتبهم لذلك وأكل الرشا وأموال الأيتام والأوقاف وغير ذلك ومهما حصل يأخذ الشهود بعضه والباقي يقسم بين القاضي والوزير هذا مع استعمال المسكرات وحضور صلاة الجمعة وهو سكران ثم إن الله تعالى كشف الغمة بأن أوقع بين الوزير والقاضي وأراد كل منهما هلاك الآخر ودماره فبادر الأمير وقرر أمره مع الصالح فأمر ورسم له بمكة قال أبو شامة وفي ذي القعدة سنة إحدى وأربعين
وستمائة قبض على أعوان الرفيع الظلمة الأرجاس وعلى كبيرهم الموفق حسين الواسطي المعروف بابن الرواس وسجنوا ثم عذبوا بالصرب والعصر والمصادرة ومات ابن الرواس في العقوبة في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين قال وفي ثاني الحجة أخرج الرفيع من داره وحبس بالمقدمية ثم أخرج ليلا وذهب به فسجن بمغارة من نواحي البقاع ثم انقطع خبره فقيل خنق وقيل ألقى من شاهق في هوة ولم يذكر الذهبي في العبر غيره وقيل مات حتف أنفه وتولى بعده محي الدين بن الزكي بمدرسة واحدة وفرقت مدارسه على العلماء وأما صاحبه الوزير المسمى بالأمين فإنه بقي إلى سنة ثمان وأربعين ثم شنق بالديار المصرية وأخذت حواصله فبلغت ثلاثة آلاف ألف دينار انتهى كلام الأسنوي وقال ابن قاضي شهبة في تاريخ الإسلام كان فاسد العقيدة دهريا مستهزئا بأمور الشريعة يخرج إلى الجمعة سكران وإذا سمع بصاحب مال جهز من يدعى عليه بمبلغ من المال فإذا أنكر أخرج عليه حجة بالمبلغ وعنده شهود زور أعدهم لذلك وحمل القاضي الرفيع إلى بعلبك على بغل بغير أكاف ثم بعث به إلى مغارة في جبل لبنان من ناحية الساحل وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه وأوقف على رأس القلعة فقال دعوني حتى أصلي ركعتين فصلى وأطال فرفسه داود سياف النقمة فوقع فما وصل إلى الماء إلا وقد تقطع انتهى
وفيها الملك المغيث عمر بن الصالح أيوب لم تحفظ عنه كلمة فحش حبسه الملك إسمعيل وضيق عليه السامري فمات غما وغبنا ودفن بتربة جده الملك الكامل وفيها النفيس أبو البركات محمد بن الحسين بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي سمع بمكة عبد المنعم الفراوي وبالثغر من أبي الطاهر بن عوف وأبي طالب التنوخي توفي في آخر السنة عن ثمان وسبعين سنة وفيها أبو القسم القسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الأنصاري القرطبي نزيل مالقة كان حافظا مصنفا إماما في العربية والقراءات
قاله ابن ناصر الدين وفيها أبو الحسن علي بن ما شاء الله بن الحسين بن عبد الله بن عبد الله العلوي الحسيني البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المقرىء ابن الجصاص ولد في أوائل سنة ست وستين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن الباقلاني الواسطي بها وسمع الحديث من ابن شاتيل وشهدة وابن كليب وغيرهم وتفقه على أبي الفتح بن المنى وتكلم في مسائل الخلاف وناظر وحدث وروى عنه ابن النجار وأجاز لسليمان بن حمزة والقسم بن عساكر وغيرهما وتوفي في جمادى الأولى وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف بن سعيد بن مسافر بن جميل البغدادي الأزجي الحنبلي الأديب ولد في سابع ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع بإفادة والده من ابن شاتيل وابن كليب وغيرهما وكان لديه فضل وأدب وله تصانيف وسمع منه المحب المقدسي وعلي بن عبد الدايم وتوفي في ثالث رجب ببغداد
وفيها الجمال بن المخيلي أبو الفضل يوسف بن عبد المعطي بن منصور ابن نجا الغساني الأسكندراني المالكي روى عن السلفي وجماعة وكان من أكابر بلده توفي في جمادى الآخرة
سنة ثلاث وأربعين وستمائة
بها كان الغلاء المفرط بدمشق بيعت الغرارة بألف وستمائة درهم وأكلت الجيف وتوفي بها خلق كثير من الأعيان وفيها وجزم ابن كمال باشا أنه توفي في التي قبلها شمس الأئمة الكردري الحنفي محمد بن عبد الغفار بن محمد العلماوي الكردري بفتح الكاف والدال المهملة وسكون الراء الأولى نسبة إلى كردر ناحية بخوارزم قال ابن كمال باشا في طبقاته كان أستاذ الأئمة على الإطلاق والموفود إليه من الآفاق أخذ عن شيخ الإسلام برهان الدين على المرغيناني صاحب الهداية والشيخ مجد الدين السمرقندي والشيخ
برهان الدين ناصر صاحب المغرب والعلامة بدر الدين عمر بن عبد الكريم الورسكي والشيخ شرف الدين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر العقيلي والقاضي عماد الدين لأبي العلى عمر بن محمد الزرنجري والإمام الزاهد زين الدين العتابي والشيخ نور الدين أبي محمد أحمد بن محمود الصابوني والإمام فخر الدين قاضي خان ونسبته إلى الجد المنسوب إلى الكردر من عمل جرجانية خوارزم برع في معرفة المذهب ورفع علم أصول الفقه بعد اندراسه من زمن القاضي أبي زيد الدبوسي وشمس الأئمة السرخسي وتفقه عنه كثير من الفقهاء ومات ببخارى يوم الجمعة تاسع المحرم انتهى وفيها سيف الدين أبو العباس أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي المحدث الحافظ ابن ابن شيخ الإسلام موفق الدين الحنبلي ولد سنة خمس وستمائة بالجبل وسمع من جده الكثير ومن أبي اليمن الكندي وأبي القاسم بن الحرستاني وداود بن ملاعب وطبقتهم ورحل فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وخلق من أصحاب ابن ناصر وغيرهم وكتب بخطه الكثير قال الذهبي كتب العالي والنازل وجمع وصنف وكان ثقة حافظا ذكيا متيقظا مليح الخط عارفا بهذا الشأن عاملا بالأثر صاحب عبادة وإنابة تام المروءة أمارا بالمعروف قوالا بالحق ولو طال عمره لساد أهل زمانه علما وعملا ومحاسنه جمة وألف مجلدا كبيرا في الرد على الحافظ محمد بن طاهر المقدسي بإباحته للسماع وانتفعت كثيرا بتعاليق الحافظ سيف الدين انتهى توفى في مستهل شعبان بسفح قاسيون ودفن به وله أيضا كتب أخر وفيها الإمام تقي الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الفقيه الحنبلي ولد في صفر سنة إحدى وتسعين وخسمائة وسمع بدمشق من أبي طاهر الخشوعي وحنبل الرصافي وابن طبرزد وغيرهم ورحل في طلب الحديث فسمع بأصبهان من أسعد بن روح وعفيفة الفارقانية وخلق وببغداد
من سليمان بن الموصلي وغيره وقرأ الحديث بنفسه كثيرا وإلى آخر عمره وتفقه على الشيخ موفق الدين وهو جده لأمه وببغداد على الفخر إسمعيل وبرع وانتهت إليه مشيخة المذهب بالجبل قال ابن الحاجب سألت عنه الحافظ ابن عبد الواحد فقال حصل ما لم يحصله غيره وحدث وروى عنه سليمان بن حمزة القاضي وغيره وتوفي في ثامن عشرى ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون وفيها ابن الجوهري الحافظ أبو العباس أحمد بن محمود بن إبراهيم بن نبهان الدمشقي مفيد الجماعة وله أربعون سنة سمع من أبي المجد القزويني وخلق ورحل إلى بغداد سنة إحدى وثلاثين وستمائة وكتب الكثير واستنسخ وكان ذكيا متقنا رئيسا ثقة قاله الذهبي
وفيها القاضي الأشرف أبو العباس أحمد بن القاضي الفاضل عبد الرحيم ابن علي البيناني ثم المصري في جمادى الآخرة وله سبعون سنة سمع من فاطمة بنت سعد الخير والقسم بن عساكر وحصل له في الكهولة غرام زائد بطلب الحديث فسمع الكثير وكتب واستنسخ وكان رئيسا نبيلا وافر الجلالة استوزره الملك العادل فلما مات عرضت عليه فلم يقبلها مات بالقاهرة ودفن بتربة أبيه وفيها معين الدين الصاحب الكبير أبو علي الحسن بن شيخ الشيوخ صدر الدين محمد بن عمر الجويني في رمضان وقد قارب الستين ولي عدة مناصب وتقدم عند صاحب مصر فأمره على جيشه الذين حاصروا دمشق فأخذها وولى وعزل وعمل نيابة السلطنة فبغته الأجل بعد أربعة أشهر ووجد ما عمل وفيها ربيعة خاتون الصاحبة أخت صلاح الدين والعادل وقد نيفت على الثمانين ودفنت بمدرستها بالجبل وتوفيت في شعبان وفيها أبو الرجاء سالم بن عبد الرزاق بن يحيى المقدس خطيب عقربا روى عن أبي المعالي بن صابر وجماعة وعاش أربعا وسبعين سنة وفيها الشرف أبو محمد وأبو بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر محمد
ابن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل الصالحي الحنبلي الخطيب ولد في أواخر رمضان سنة ثمان وسبعين وخمسمائة بدمشق وسمع بها من يحيى الثقفي وغيره وببغداد من أبي الفرج بن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وطبقتهم وبمصر من البوصيري والأرتاحي وغيرهما وتفقه على والده وعمه وخطب بجامع الجبل مدة وكان شيخا حسنا يشار إليه بالعلم والدين والورع والزهد وحسن الطريقة وقلة الكلام قال الحافظ الضياء كان فقيها فاضلا دينا ثقة وكتب عنه مع تقدمه توفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو منصور عبد الله بن محمد بن أبي محمد بن الوليد البغدادي الحريمي الحافظ المحدث الحنبلي أحد من عنى بهذا الشأن سمع الكثير ببغداد من خلق منهم ابن الأخضر وبحران من الرهاوي الحافظ وغيره وبحلب من جماعة وبدمشق من أبي اليمن الكندي وجماعة قال ابن نقطة سمع بالشام وبلاد الجزيرة وقرأ الكثير قال لي أبو بكر تميم بن البندنيجي وغيره أن اسمه الذي تسمى به جزيرة تصغير جزرة بالجيم والزاي وقال الشريف أبو العباس الحسيني كان حافظا مفيدا سمع الناس الكثير بقراءته وكان مشهورا بسرعة القراءة وجودتها وجمع وحدث وقال ابن رجب له تاريخ كبير وفوائد وأجزاء ورسائل إلى السامري صاحب المستوعب ينكر عليه فيها تأوله لبعض الصفات وذكر ابن الساعي وغيره أن المستنصر بالله لما بنى مدرسته المعروفة رتب بدار الحديث بها شيخين يشغلان بعلم الحديث أحدهما أبو منصور هذا والثاني ابن النجار الشافعي صاحب التاريخ توفي ببغداد في ثالث جمادى الأولى ودفن خلف بشر الحافي وفيها أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الحنبلي الفقيه الزاهد ولد سنة ثلاث أو أربع وثمانين وخمسمائة في شوال وسمع بدمشق من الخشوعي
وغيره وبمصر من البوصيري وغيره وببغداد من ابن الجوزي وطبقته وتفقه على الشيخ الموفق حتى برع وكان يؤم معه في جامع بني أمية بمحراب الحنابلة وأفتى ودرس وكان إماما عالما فاضلا ورعا حسن السمت دائم البشر كريم النفس مشتعلا بنفسه وبإلقاء الدروس المفيدة قال أبو شامة كان من أئمة الحنابلة ومن الصالحين وحدث وروى عنه ابن النجار وتوفي في تاسع عشرى صفر ودفن بسفح قاسيون وفيها الحافظ المكثر سراج الدين أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن بركات بن شحانة الحراني الحنبلي أحد من عنى بعلم الحديث سمع بحران من الرهاوي وبدمشق من ابن الحرستاني وابن ملاعب وغيرهما وبحلب من الافتخار الهاشمي وبالموصل من مسمار بن العويس وبمصر من أصحاب السلفي وغيره وببغداد من الأرموي وغيره وكتب بخطه الكثير قال ابن نقطة هو شاب ثقة وقال غيره كان ممن له الرحلة الواسعة في الطلب سمع من الجم الغفير وسكن آخر عمره بميافارقين وبها مات وصار صاحب ثروة بعد الفقر وكانت له بنت عمياء تحفظ كثيرا إذا سئلت عن باب من العلم من الكتب الستة ذكرت أكثره وكانت في ذلك أعجوبة لم تبلغ أوان الرواية وتوفي والدها في جمادى الآخرة وشحانه بضم الشين المعجمة وفتح الحاء المهملة الخفيفة وبعد الألف نون
وفيها أسعد الدين أبو القسم عبد الرحمن بن مقرب بن عبد الكريم الحافظ التجيبي الكندي الأسكندراني المنعوت بالجلال العدل تلميذ ابن المفضل روى عن البوصيري وابن موقا وعنى بالحديث وكتب وخرج وتوفي في صفر وفيها عبد المحسن بن حمود الصدر العلامة أمين الدين التنوخي الحلبي الكاتب المنشىء روى عن حنبل وطبقته وله ديوان ترسل وديوان شعر وكتب لجماعة من الملوك وصنف مفتاح الأفراح في امتداح الراح وغير ذلك من المجاميع الأدبية توفي في رجب وله ثلاث وسبعون سنة
وفيها الصاحب الوزير فلك الدين عبد الرحمن بن هبة الله المسيري الوزير المصري وزير الملك العادل كانت الملوك تقبل يديه إذا رأوه ركب في الموكب مع الملك الكامل فلما وصل إلى باب السر أراد أن ينزل على العادة فرسم له أن لا ينزل فدخل قدام الكامل إلى القلعة راكبا فلما نزلا قال للكامل ما بقيت أخشى بعدها أي موتة أموت فضحك الكامل وكان له مملوك حسن يقال له أزبك فائق الجمال فعمل فيه العز القليوبي دوبيت
( البدر بدا من صدغه في حلك ** والعقل غدا من حسنه في شرك )
( تحت الفلك الخلق كثير لكن ** ما مثلك يا أزبك فوق الفلك )
وفيها تقي الدين بن الصلاح الحافظ شيخ الإسلام أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الكردي الشهرزوري الموصلي الشافعي ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من عبيد الله بن السمين ومنصور الفراوي وطبقتهما وتفقه وبرع في المذهب وأصوله وفي الحديث وعلومه وصنف التصانيف مع الثقة والديانة والجلالة قال ابن خلكان كان أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال وما يتعلق بعلم الحديث واللغة وإذا أطلق الشيخ في علماء الحديث فالمراد به هو والى ذلك أشار العراقي صاحب الألفية بقوله فيها
( وكلما أطلقت لفظ الشيخ ما ** أريد إلا ابن الصلاح مبهما )
وكانت فتاويه مسددة وكان شيخي أحد أشياخي الذين انتفعت بهم قرأ الفقه أولا على والده الصلاح ثم نقله والده إلى الموصل واشتغل بهامدة ثم تولى الإعادة عند ابن يونس بالموصل ثم سافر إلى خراسان وأقام بها زمانا وحصل علم الحديث هناك ثم رجع إلى الشام وتولى المدرسة النظامية بالقدس الشريف المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به ثم انتقل إلى دمشق وتولى تدريس المدرسة الرواحية التي
أنشأها الزكي بن رواحة الحموي ولما بنى الأشرف دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه وتولى تدريس مدرسة ست الشام التي قبل المراستان النوري وكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها وكان من العلم والدين على قدم عظيم ولم يزل أمره جاريا على السداد والصلاح والاجتهاد في الاشتغال إلى أن توفي يوم الأربعاء وقت الصبح وصلي عليه بعد الظهر وهو الخامس والعشرون من ربيع الآخر بدمشق ودفن بمقابر الصوفية انتهى ملخصا وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه مشكل الوسيط في مجدل كبير وكتاب الفتاوى وعلوم الحديث وكتاب أدب المفتي والمستفتي ونكت على المهذب وفوائد الرحلة وهي أجزاء كثيرة وطبقات الشافعية واختصره النووي واستدرك عليه وأهملا خلائق من المشهورين وأنهما كانا يتبعان التراجم الغريبة انتهى ملخصا أيضا
وفيها السخاوي علم الدين العلامة أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد الهمداني المقرىء النحوي الشافعي ولد قبل الستين وخمسمائة وسمع من السلفي وجماعة وقرأ القراءات على الشاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات وانتهت إليه رياسة الإقراء والأدب بدمشق وقرأ عليه خلق لا يحصيهم إلا الله قال الذهبي ما علمت أحدا في الإسلام حمل عنه القراءات أكثر مما حمل عنه وله تصانيف سائرة متقنة وقال ابن قاضي شهبة ازدحم عليه الطلبة وقصدوه من البلاد وتنافسوا في الأخذ عنه وكان دينا خيرا متواضعا مطرحا للتكلف حلو المحاضرة مطبوع النادرة حاد القريحة من أذكياء بني آدم وكان وافر الحرمة كبير القدر محببا إلى الناس ليس له شغل إلا العلم والإفادة توفي في جمادى الآخرة ودفن بقاسيون ومن تصانيفه التفسير إلى الكهف في أربع مجلدات وشرح الشاطبية في مجلدين وشرح الرائية في مجلد وكتاب جمال القراء وتاج الإقراء وشرح المفصل للزمخشري
في أربع مجلدات وغير ذلك وقال ابن خلكان رأيته مرارا راكبا بهيمة وهو يصعد إلى جبل الصالحية وحوله اثنان أو ثلاثة وكل واحد يقرأ ميعاده في غير موضع الآخر والكل في دفعة واحدة وهو يرد على الجميع مواظبا على وظيفته ولما حضرته الوفاة أنشد لنفسه
( قالوا غدا تأتي ديار الحمى ** وينزل الركب بمغناهم )
( فكل من كان مطيعا لهم ** أصبح مسرورا بلقياهم )
( قلت فلى ذنب فما حيلتي ** بأي وجه أتلقاهم )
( قالوا أليس العفو من شأنهم ** لا سيما عمن ترجاهم )
ثم ظفرت بتاريخ مولده سنة ثمان وخمسين وخمسمائة بسخاو بفتح السين المهملة والخاء المعجمة وبعدها ألف ثم واو هذه النسبة إلى سخاو بليدة من أعمال مصر وقياسه سخوى ولكن الناس أطبقوا على النسبة الأولى انتهى
وفيها أبو الحسن بن المقير مسند الديار المصرية علي بن أبي عبد الله الحسين بن علي بن منصور البغدادي الحنبلي النجار ولد سنة خمس وأربعين وخمسمائة وسمع من شهدة ومعمر بن الفاخر وجماعة وأجاز له ابن ناصر وأبو بكر ابن الزاغوني وطائفة وكان صاحب تلاوة وذكر وأوراد توفي في نصف ذي القعدة بالقاهرة قاله في العبر وفيها ضياء الدين أبو إبراهيم محاسن بن عبد الملك بن علي بن نجا التنوخي الحموي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي سمع بدمشق من الخشوعي وتفقه على الشيخ موفق الدين حتى برع وكان عارفا بالمذاهب قليل التعصب زاهدا ما نافس في منصب قط ولا دنيا ولا أكل من وقف بل كان يتقوت من شكارة تزرع له بحوران وما آذى مسلما قط ولا دخل حماما ولا تنعم في ملبس ولا مأكل ولا زاد على ثوب وعمامة في طول عمره وكان على خير كثير قل من يماثله في عبادته واجتهاده وسلوك طريقته رحمه الله قرأ عليه جماعة وحدث وتوفي في ليلة الرابع من جمادى الآخرة بجبل قاسيون
وبه دفن وممن قرأ عليه صاحب المبهم عبد الله بن أبي بكر الحربي كتابه وقال ذكر لي أن من يحرك أصبعه المسبحة في تشهده كان ذلك عبثا يبطل صلاته قال وقول من قال من أصحابنا يشير بها مرارا يعني عند الشهادتين فقط
وفيها الحافظ الكبير ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي محدث عصره ووحيد دهره شهرته تغنى عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره ولد في خامس جمادى الآخرة سنة تسع وستين وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي المجد البانياسي وأحمد بن الموازيني وغيرهما وبمصر من البوصيري وفاطمة بنت سعد الخير وجماعة وببغداد الكثير من ابن الجوزي وابن المعطوس وابن سكينة وابن الأخضر وهذه الطبقة وبأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني وطبقته وبهمذان من عبد الباقي بن عثمان وبنيسابور من المؤيد الطوسي وطبقته وبهراة من أبي روح وبمرو من أبي المظفر بن السمعاني ورحل مرتين إلى أصبهان وسمع بها مالا يوصف كثرة وكتب بخطه الكثير من الكتب الكبار وغيرها قال ابن رجب يقال أنه كتب عن أزيد من خمسمائة شيخ وحصل أصولا كثيرة وأقام بهراة ومرو مدة وله إجازة من السلفي وشهدة وقال ابن النجار كتبت عنه ببغداد ونيسابور ودمشق وهو حافظ متقن ثبت ثقة صدوق نبيل حجة عالم بالحديث وأحوال الرجال وله مجموعات وتخريجات وهو ورع تقي زاهد عابد محتاط في أكل الحلال مجاهد في سبيل الله ولعمري ما رأت عيناي مثله في نزاهته وعفته وحسن سيرته وطريقته في طلب العلم وقال عمر بن الحاجب شيخنا أبو عبد الله شيخ وقته ونسيج وحده علما وحفظا وثقة ودينا من العلماء الربانيين وهو أكبر من أن يدل عليه مثلي كان شديد التحري في الرواية مجتهدا في العبادة كثير الذكر منقطعا عن الناس متواضعا في ذات الله رأيت جماعة من المحدثين ذكروه فأطنبوا في حقه
ومدحوه بالحفظ والزهد سألت البرزالي عنه فقال ثقة جبل حافظ دين وقال الشريف أبو العباس الحسيني حدث بالكثير مدة وخرج تخاريج كثيرة مفيدة وصنف تصانيف حسنة وكان أحد أئمة هذا الشأن عارفا بالرجال وأحوالهم والحديث صحيحه وسقيمه ورعا متدينا طارحا للتكلف وقال الذهبي بنى مدرسة على باب الجامع المظفري بسفح قاسيون وأعانه عليها بعض أهل الخير ووقف عليها كتبه وأجزاءه وقال غيره بناها للمحدثين والغرباء الواردين مع الفقر والقلة وكان يبني منها جانبا ويصبر إلى أن يجتمع عنده ما يبني به ويعمل فيها بنفسه ولم يقبل من أحد فيها شيئا تورعا وكان ملازما لجبل الصالحية قبل أن يدخل البلد أو يحدث به ومناقبه أكثر من أن تحصر وقال الذهبي أيضا نقلا عن الحافظ المزي أنه كان يقول الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني ولم يكن في وقته مثله وقال الذهبي أيضا الإمام العالم الحافظ الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين صنف وصحح ولين وجرح وعدل وكان المرجوع إليه في هذا الشأن وقال ابن رجب أيضا من مصنفاته الأحاديث المختارة خرجها من مسموعاته كتب منها تسعين جزءا ولم تكمل كتاب فضائل الأعمال أربعة أجزاء كتاب فضائل الشام ثلاثة أجزاء مناقب أصحاب الحديث أربعة أجزاء صفة الجنة ثلاثة أجزاء صفة النار جزءان أفراد الصحيح جزء وغرائبه تسعة أجزاء ذم المسكر جزء الموبقات اجزاء كثيرة كلام الأموات جزء شفاء العليل جزء الهجرة إلى أرض الحبشة جزء قصة موسى عليه السلام جزء فضائل القراءة جزء الرواة عن البخاري جزء كتاب دلائل النبوة الآلهيات ثلاثة أجزاء الحكايات المستظرفة أجزاء كثيرة كتاب سبب هجرة المقادسة إلى دمشق وكرامات مشايخهم نحو عشرة أجزاء وأفرد لأكابرهم من العلماء لكل واحد سيرة في أجزاء كثيرة الطب والرقيات أجزاء وغير ذلك وممن روى عنه ابن نقطة
وابن النجار والبرزالي وعمر بن الحاجب وابن أخيه الفخر البخاري وخلق كثير توفي يوم الإثنين ثامن عشرى جمادى الآخرة بسفح قاسيون ودفن به رحمه الله تعالى وفيها العز النسابة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر الدمشقي الشافعي قال الذهبي صدر كبير محتشم سمع من عم والده الحافظ ومن أبي الفهم بن أبي العجايز وطائفة وتوفي في جمادى الأولى انتهى وفيها التاج أبو الحسن محمد بن أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي إمام الكلاسة وابن إمامها ولد بدمشق في أول سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من عبد المنعم الفراوي بمكة ومن يحيى الثقفي والفضل البانياسي بدمشق وطلب وتعب ونسخ الكثير وكان حافظا ذا دين ووقار قال ابن ناصر الدين كان حافظا مشهورا وإماما مكثرا مذكورا توفي في جمادى الأولى وفيها ابن الخازن أبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق النيسابوري ثم البغدادي أحد مشايخ الصوفية الأكابر ولد في صفر سنة ست وخمسين وخمسمائة وسمع من أبي زرعة المقدسي وأحمد بن المقرب وجماعة وتوفي في السابع والعشرين من ذي الحجة
وفيها ابن النجار الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن البغدادي صاحب تاريخ بغداد ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وسمع من ذاكر بن كامل وابن بوش وابن كليب ورحل إلى أصبهان وخراسان والشام ومصر وكتب ما لا يوصف وكان ثقة متقنا واسع الحفظ تام المعرفة بالفن قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة في طبقات الشافعية كان شافعي المذهب وأول سماعه وهو ابن عشر سنين وطلب بنفسه وهو ابن خمس عشرة وسمع الكثير وقرأ بالسبع على أبي أحمد بن سكينة ورحل رحلة عظيمة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وحران ومرو وهراة ونيسابور واستمر في الرحلة سبعا وعشرين سنة وكتب
عمن دب ودرج وعمن نزل وعرج وعنى بهذا الشأن عناية بالغة وكتب الكثير وحصل وجمع قال الذهبي كان إماما ثقة حجة مقرئا مجودا كيسا متواضعا ظريفا صالحا خيرا متنسكا أثنى عليه ابن نقطة والدبيثي والضياء المقدسي وهم من صغار شيوخه من حيث السند وقال ابن الساعي كان ثقة من محاسن الدنيا ووقف كتبه بالنظامية مات ببغداد في خامس شعبان ودفن بمقابر الشهداء بباب حرب ومن تصانيفه كتاب القمر المنير في المسند الكبير وذكر كل صحابي وماله من الحديث وكتاب كنز الأنام في السنن والأحكام وكتاب جنة الناظرين في معرفة التابعين وكتاب الكمال في معرفة الرجال وذيل على تاريخ بغداد للخطيب في ستة عشر مجلدا وكتاب المستدرك على تاريخ الخطيب في عشر مجلدات وكتاب في المتفق والمفترق على منهاج كتاب الخطيب وكتاب في المؤتلف والمختلف ذيل به على ابن ماكولا وكتاب المعجم له اشتمل على نحو من ثلاثة آلاف شيخ وكتاب العقد الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن الخلائق وكتاب الدرة الثمينة في أخبار المدينة وكتاب نزهة الورى في أخبار أم القرى وكتاب روضة الأولياء في مسجد إيلياء وكتاب مناقب الشافعي وكتاب غرر الفرائد في ست مجلدات وغير ذلك انتهى كلام ابن شهبة
وفيها المنتخب بن أبي العز بن رشيد أبو يوسف الهمذاني المقرىء نزيل دمشق قرأ القراءات على أبي الجود وغيره وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا لمفصل الزمخشري وتصدر للإقراء توفي في ربيع الأول
وفيها أبو غالب منصور بن أبي الفتح أحمد بن محمد بن محمد المراتبي الخلال ابن المعوج ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وسمع محمد بن إسحق الصابي وأبا طالب بن حضير وغيرهما وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها تاج الدين أبو القسم نصر بن أبي السعود بن مظفر بن الخضر بن بطة اليعقوبي الضرير الفقيه الحنبلي من أهل يعقوبا وفي كثير من طباق السماع
ينسب إلى عكبرا وفي بعض الطباق بسبط ابن بطة وهذا يدل على أنه من ولد بعض بنات أبي عبد الله بن بطة دخل بغداد في صباه فقرأ على ابن زريق القزاز وابن شاتيل وابن كليب وغيرهم وتفقه في المذهب على ابن الجوزي وغيره وبرع وأفتى وناظر وأخذ عنه ابن النجار ولم يذكره في تاريخه وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش وغيره ولأحمد الحجار وتوفي ليلة الثاني والعشرين من جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب حرب
وفيها عماد الدين أبو بكر يحيى بن علي بن علي بن عنان الغنوي البغدادي الفقيه الحنبلي الفرضي المعروف بابن البقال ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة تقريبا وطلب العلم في صباه وسمع الكثير من أبي الفتح بن شاتيل وأبي الفرج بن كليب وابن الجوزي وغيرهم وتفقه في المذهب وقرأ الفرائض والحساب وتصرف في الأعمال السلطانية وكان صدوقا حسن السيرة وروى عنه جماعة منهم عبد الصمد بن أبي الجيش وتوفي يوم الأحد سلخ رمضان ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب قاله ابن رجب
وفيها الموفق يعيش بن علي بن يعيش الأسدي الحلبي ولد سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وسمع بالموصل من أبي الفضل الطوسي وبحلب من أبي سعد بن أبي عصرون وطائفة وانتهى إليه معرفة العربية ببلده وتخرج به خلق كثير توفي في الخامس والعشرين من جمادى الأولى قاله في العبر وقال ابن خلكان كان فاضلا ماهرا في النحو والتصريف ويعرف بابن الصايغ رحل في صدر عمره من حلب قاصدا بغداد ليدرك أبا البركات عبد الرحمن المعروف بابن الأنباري فلما وصل إلى الموصل بلغه خبر وفاته فأقام بها مديدة وسمع الحديث بها ولما عزم على التصدر للإقراء سافر إلى دمشق واجتمع بالشيخ تاج الدين الكندي الإمام المشهور وسأله عن مواضع مشكلة في العربية ثم رجع فتصدر وكان حسن التفهيم لطيف الكلام طويل الروح على المبتدىء
والمنتهى خفيف الروح لطيف الشمائل كثير المجون مع سكينة ووقار له نوارد كثيرة انتهى ملخصا
سنة أربع وأربعين وستمائة
فيها توفي الملك المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص وابن صاحبها وأحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام مرض بدمشق ببستان الملك الأشرف بالنيرب ومات في حادي عشر صفر وحمل تابوته إلى حمص فدفن عند أبيه وكان عازما على أخذ دمشق ففجأة الموت وقام بعده بحمص ولده الملك الأشرف موسى
وفيها أبو العباس عز الدين أحمد بن علي بن معقل المهلبي الحمصي العلامة اللغوي الذي نظم الإيضاح والتكملة عاش سبعا وسبعين سنة وتوفي في ربيع الأول وأخذ عن الكندي وأبي البقاء وبرع في لسان العرب وكان صدرا محترما غاليا في التشيع ومن شعره
( أما والعيون النجل حلفة صادق ** لقد نبض التفريق نبض المفارق )
وفيها تاج العارفين شمس الدين الحسن بن عدي بن أبي البركات بن صخر ابن مسافر حفيد أبي البركات أخى الشيخ عدي شيخ العدوية الأكراد له تصانيف في التصوف وشعر كثير وأتباع يتغالون فيه إلى الغاية قال الذهبي وبينه وبين الشيخ عدي من الفرق كما بين القدم والفرق وبلغ من تعظيم العدوية الأكراد له ما حدثني الحسن بن أحمد الأربلي قال قدم واعظ على هذا الشيخ حسن فوعظه فرق قلبه وبكى وغشى عليه فوثب الأكراد على الواعظ فذبحوه فلما أفاق الشيخ رآه يخبط في دمه فقال ما هذا فقالوا وإلا إيش هو هذا الكلب حتى يبكي سيدنا الشيخ فسكت حفظا لحرمة نفسه احتال عليه بدر الدين لولو صاحب الموصل حتى حضر إليه فحبسه وخنقه بوتر خوفا من الأكراد على
بلاده أن يأمرهم بأمر فيخربون بلاد الموصل وختم الذهبي ترجمته بأن قال
( أمرد وقحبة وقهوة ** طريق أرباب الهوى )
( هذي طريق الجنة ** فأين طريق النار )
وفيها إسمعيل بن علي الكوراني الزاهد كان عابدا قانتا صادقا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر ذا غلظة على الملوك ونصيحة لهم روى عن أحمد بن محمد الطرسوسي الحلبي وتوفي بدمشق في شعبان
وفيها أبو المظفر عبد المنعم بن محمد بن محمد بن أبي المضاء البعلبكي ثم الدمشقي حدث بحماة عن أبي القسم بن عساكر وتوفي في ذي الحجة بحماة
وفيها محمد بن حسان بن رافع بن سمير أبو عبدالله العامري المحدث المفيد روى عن الخشوعي وجماعة وكتب الكثير وتوفي في صفر
وفيها تقي الدين محمد بن محمود بن عبد المنعم البغدادي المراتبي نزيل دمشق الفقيه الحنبلي الإمام أبو عبدالله كان عالما متبحرا لم يخلف في الحنابلة مثله صحب ببغداد أبا البقاء العكبري وأخذ عنه ثم قدم دمشق فصاحب الشيخ موفق الدين وتفقه عليه وبرع وأفتى قال أبو شامة كان عالما فاضلا ذا فنون ولي به صحبة قديمة وبعده لم يبق في مذهب أحمد مثله بدمشق توفي في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون
سنة خمس وأربعين وستمائة
في جمادى الآخرة أخذ المسلمون عسقلان وطبرية عنوة وكان الفتح على يد فخر الدين بن الشيخ
وفيها توفي الكاشغري بسكون الشين وفتح الغين المعجمتين وراء نسبة إلى كاشغر مدينة بالمشرق أبو إسحق إبراهيم بن عثمان بن يوسف الزركشي ببغداد في حادي عشر جمادى الأولى وله تسع وثمانون سنة سمع من ابن البطي
وعلي بن تاج القراء وأبي بكر بن النقور وجماعة وعمر ورحل إليه الطلبة وكان آخر من بقي بينه وبين مالك خمسة أنفس ثقات وله مشيخة المستنصرية
وفيها أبو مدين شعيب بن يحيى بن أحمد بن الزعفراني التاجر إسكندراني متميز جاور بمكة وحدث عن السلفي وتوفي في ذي القعدة
وفيها أبو محمد علي بن أبي الحسن بن منصور الدمشقي الفقير ولد بقرية بسر من حوران ونشأ بدمشق وتعلم بها نسج العتابي ثم تمفقر وعظم أمره وكثر اتباعه وأقبل على المطيبة والراحة والسماعات والملاح وبالغ في ذلك فمن يحسن الظن به يقول هو كان صحيحا في نفسه صاحب حال ووصول ومن خبر أمره رماه بالكفر والضلال وهو أحد من لا يقطع له بجنة ولا نار فإنا لا نعلم بما يختم له به لكنه توفي في يوم شريف يوم الجمعة قبل العصر السادس والعشرين من رمضان وقد نيف على التسعين مات فجأة قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام هو صاحب الزاوية التي بظاهر دمشق بالشرف الأعلى القبلي التي يجتمع بها الناس للسماعات يقال لها زاوية الحريري وقف عليه في أول أمره دراهم فحبسه أصحاب الديون فبات تلك الليلة في الحبس بلا عشاء فلما أصبح صلى بالمحتبسين صلاة الصبح وجعل يذكر بهم إلى ضحوة وأمر كل من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدوا الأكل سماطا فأكل كل من في الحبس وفضل شيء كثير فأمرهم بشيله وصلى بهم الظهر وأمرهم أن يناموا ويستريحوا ثم صلى بهم العصر وجعل يذكر بهم إلى المغرب ثم صلى بهم المغرب وقدم ما حضر وبقي على هذا الحال فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبسين وكل من كان محبوسا على دون المائة يجبون له من بينهم ويرضون غريمه ويخرجونه فخرج جماعة وشرع الذين خرجوا يسعون في خلاص من بقي وأقام ستة أشهر محبوسا وجبوا له وأخرجوه فصار كل يوم يتجدد له اتباع
إلى أن آل من أمره ما آل قال شرف الدين خطيب عقربا خرج الفلك المسيري يقسم قرية له وأخذ معه جماعة فلما قسموا ووصلوا إلى زرع قالوا نمشي إلي عند الشيخ علي الحريري فقال أحدهم إن كان صالحا يطعمنا حلوى سخنة بعسل وسمن وفستق وسكر وقال الآخر يطعمنا بطيخا أخضر وقال الآخر يسقينا فقاعا عليه الثلج فلما وصلوا تلقاهم بالرحب وأحضر شيئا كثيرا من جملته حلوى كما قال ذلك الرجل فأمر بوضعها بين يدي مشتهيها ثم أحضر بطيخا آخر وأشار إلى مشتهيه بالأكل فلما فرغوا نظر إلى صاحب شهوة الفقاع وقال يا أخي كان عندي تحت الساعات أو باب البريد ثم صاح يا فلان ادخل فدخل فقير وعلى رأسه دست فقاع وعليه الثلج منحوت وقال بسم الله اشرب ولما مات كانت ليلة مثلجة فقال نجم الدين بن إسرائيل
( بكت السماء عليه ساعة دفنه ** بمدامع كاللؤلؤ المنثور )
( وأظنها فرحت بمصعد روحه ** لما سمت وتعلقت بالنور )
( أوليس دمع الغيث يهمي باردا ** وكذا تكون مدامع المسرور )
وفيها أبو الحسن علي بن إبراهيم بن علي بن محمد بن المبرك بن أحمد بن محمد بن بكروس بن سيف التميمي الدينوري الفقيه الحنبلي وقد سبق ذكر أبيه وجده ولد في تاسع عشرى رمضان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وأسمعه والده الكثير في صغره من ابن بوش وابن كليب وتفقه وحدث وروى عنه محمد بن أحمد القزاز وأجاز لسليمان بن حمزة الحاكم وتوفى ليلة سادس عشر رجب
وفيها أبو علي الشلوبين عمر بن محمد بن عمر الأزدي الأندلسي الأشبيلي النحوي أحد من انتهت إليه معرفة العربية في زمانه ولد سنة اثنتين وستين وخمسمائة وسمع من أبي بكر بن محمد بن خلف وعبد الله بن زرقون والكبار وأجاز له السلفي وكان أسند من بقي بالمغرب وكان في العربية بحرا لا يجارى
وحبرا لا يباري قياما عليها واستبحارا فيها تصدر لإقراء النحو نحوا من ستين عاما وصنف التصانيف وله حكايات في التغفل قاله في العبر وقال ابن خلكان كان فيه مع هذه الفضيلة غفلة وصورة بله في الصورة الظاهرة توفي في أحد الربيعين وقيل في صفر باشبيلية والشلوبين بفتح الشين المعجمة واللام وسكون الواو وكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية ونون هي بلغة الأندلس الأبيض الأشقر وفيها الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل كان فارسا شجاعا وشهما مهيبا وملكا جوادا وكان صاحب ميافارقين وخلاط وحصن منصور وغير ذلك حج من بغداد ثم توفي في هذه السنة وتملك بعده ابنه الشهيد الملك الكامل ناصر الدين وفيها ابن الدوامي عز الكفاة الصاحب أبو المعالي هبة الله بن الحسن بن هبة الله كان أبوه وكيل الخليفة الناصر وسمع هو من تجنى الوهبانية وابن شاتيل وكان صاحب الحجاب مدة ثم تزهد وانقطع إلى أن توفي في جمادى الأولى
وفيها شرف الدين الأمير الكبير يعقوب بن محمد بن حسن الهدباني الأربلي روى عن يحيى الثقفي وطائفة وولى شد دواوين الشام وكان ذا علم وأدب توفي في ربيع الأول بمصر
سنة ست وأربعين وستمائة
فيها توفي أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن سلمان النجار الحراني الحنبلي المحدث الزاهد الثقة القدوة سمع الكثير من ابن كليب وكتب الأجزاء والطباق وصحب الحافظ عبد الغني المقدسي والحافظ الرهاوي والشيخ موفق الدين وسمع منهم وسمع منه جماعة قال ابن حمدان سمعت عليه كثيرا وكان من دعاة أهل السنة وأوليائهم مشهورا بالزهد والورع والصلاح توفي وسط العام بحران وفيها إسمعيل بن سودكين أبو الطاهر النوري
الحنفي الصوفي كان صاحب الشيخ محي الدين بن العربي وله كلام وشعر توفي في صفر وروى عن الأرتاحي وفيها صفية بنت عبد الوهاب بن علي القرشية أخت كريمة لم تسمع شيئا بل أجاز لها مسعود الثقفي والكبار وتفردت في زمانها توفيت في رجب بحماة
وفيها ابن البيطار الطبيب البارع ضياء الدين عبد الله بن أحمد المالقي العشاب صاحب كتاب المفردات في الأدوية انتهت إليه معرفة النبات وصفاته ومنافعه وأماكنه وله اتصال بخدمة الكامل ثم ابنه الصالح وكان رئيسا في الديار المصرية توفي بدمشق في شعبان وفيها ابن رواحة عز الدين أبو القسم عبد الله بن الحسين بن عبد الله الأنصاري الحموي الشافعي ولد بصقلية وأبواه في الأسر سنة ستين وخمسمائة وسمعه أبوه بالأسكندرية من السلفي الكبير ومن جماعة توفي في ثامن جمادى الآخرة وله خمس وثمانون سنة
وفيها ابن الحاجب العلامة أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الأسنائي وأسنا بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف بليدة صغيرة من أعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر ولد في أواخر سنة سبعين وخمسمائة باسنا وكان أبوه حاجبا للأمير عز الدين موسك الصلاحي فاشتغل هو بالقراءات على الشاطبي وغيره وبرع في الأصول والعربية وتفقه في مذهب الإمام مالك قال اليافعي وبلغني أنه كان محبا للشيخ عز الدين بن عبد السلام وأن ابن عبد السلام حين حبس بسبب إنكاره على السلطان دخل معه الحبس موافقة ومراعاة ولعل انتقاله إلى مصر كان بسبب انتقال الشيخ بن عبد السلام وفيهما أنهما اجتمعا في الإنكار وقال ابن خلكان انتقل إلى دمشق ودرس بها في زاوية المالكية وأكب الناس على الاشتغال عليه والتزم له الدروس وتبحر في العلوم وكان الأغلب عليه علم العربية وصنف مختصرا في مذهبه ومقدمة وجيزة في النحو سماها الكافية وأخرى مثلها في
التصريف سماها الشافية وشرح المقدمتين وله
( أي غد مع يد دد ذي حروف ** طاوعت في الروى وهي عيون )
هذا جواب البيتين المشهورين
( ربما عالج القوافي رجال ** في المعاني فتلتوي وتلين )
( طاوعتهم عين وعين وعين ** وعصتهم نون ونون ونون )
وله في أسماء قداج الميسر
( هي فذ وتوأم ورقيب ** ثم حلس ونافس ثم مسبل )
( والمعلى والوغد ثم سفيح ** ومنيح هذي الثلاثة تهمل )
( ولكل مما عداه نصيب ** مثله أن تعد أول أول )
وصنف في أصول الفقه وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة وخالف النحاة في مواضع وأورد عليها إشكالات وإلزامات تتعذر الإجابة عنها وكان من أحسن خلق الله ذهنا ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها والناس ملازمون الاشتغال عليه وجاءني مرارا بسبب أداء شهادات وسأتله عن مواضع في العربية مشكلة فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام ومن جملة كلامه عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم إن أكلت إن شربت فأنت طالق لم يتعين تقدم الشرب على الأكل بسبب وقوع الطلاق حتى لو قال ثم شربت لا تطلق وسألته عن بيت المتنبي
( لقد تصبرت حتى لات مصطبر ** والآن أقحم حتى لات مقتحم )
ولات ليست من أدوات الجر فأطال الكلام فيها وأجاب فأحسن الجواب عنها ولولا التطويل لذكرت ما قاله ثم انتقل إلى الاسكندرية للإقامة بها فلم تطل مدته هناك توفي ضحى نهار الخميس سادس عشري شوال ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة انتهى وفيها ابن الدباج العلامة أبو الحسن علي بن جابر النحوي المقرىء شيخ الأندلس أخذ القراءات
ل عن أبي بكر بن صاف والعربية عن أبي ذر بن أبي ركب الخشني وساد أهل عصره في العربية ولد سنة ست وستين وخمسمائة وتوفي باشبيلية بعد أخذ الروم الملاعين لها في شعبان بعد جمعة فإنه هاله نطق الناقوس وخرس الأذان فما زال يتلهف ويتأسف ويضطرب إلى أن قضى نحبه وقيل مات يوم أخذها
وفيها وزير حلب علي بن يوسف القفطي بكسر القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفط بالطاء المهملة بلد بصعيد مصر عرف بالقاضي الأكرم أحد الكتاب المبرزين في النثر والنظم كان عارفا باللغة والنحو والفقه والحديث وعلوم القرآن والأصول والمنطق والحكمة والنجوم والهندسة والتاريخ وكان صدرا محتشما كامل المروءة جمع من الكتب ما لم يجمعه أحد وكان لا يحب من الدنيا سوى الكتب ولم تكن له دار ولا زوجة وصنف كتاب الدر الثمين في أخبار المنتمين وكتاب إصلاح خلل صحاح الجوهري وكتاب الكلام على صحيح البخاري وكتاب نزهة الناظر ونهزة الخاطر وغير ذلك وفيها صاحب المغرب المعتضد ويقال له أيضا السعيد أبو الحسن المؤمني علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف ولي الأمر بعد أخيه عبد الواحد سنة أربعين وقتل وهو على ظهر جواده وهو يحاصر حصنا بتلسان في صفر وولي بعده المرتضى أبو حفص فامتدت دولته عشرين عاما وفيها الملك العادل كمال الدين أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب قتله أخوه الملك الصالح خنقا بقلعة دمشق ودفن بتربة شمس الدولة ولم تطل مدة أخيه بعده بل كان بينهما عشرة أشهر ورأى في نفسه العبر وفيها أفضل الدين الخونجي بخاء معجمة مضمومة ثم واو بعدها نون ثم جيم محمد بن ناماور بالنون في أوله ابن عبد الملك قاضي القضاة أبو عبد الله الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة تسعين وخمسمائة واشتغل في العجم ثم قدم مصر وولي قضاءها وطلب وحصل وبالغ في علوم الأوائل حتى
تفرد برياسة ذلك في زمانه وأفتى وناظر وصنف الموجز والجمل وكشف الأسرار وغير ذلك قال أبو شامة كان حكيما منطقيا مات في رمضان ودفن بسفح المقطم ورثاه تلميذه العز الأربلي الضرير فقال من قصيدة أولها
( قضى أفضل الدنيا فلم يبق فاضل ** ومات بموت الخونجي الفضائل )
( فيا أيها الحبر الذي جاء آخرا ** فحل لنا مالم تحل الأوائل )
وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام له الموجز في المنطق وكتاب أدوار الحميات وكان تلحقه غفلة فيما يفكره من المسائل العقلية جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزة هناك ونسي روحه في الفكرة فقام الجماعة وبقي جالسا تمنعه أصبعه من القيام فظن السلطان أن له حاجة فقال له أللقاضي حاجة قال نعم تفك أصبعي من الرزة فأحضر حدادا وخلص أصبعه فقال إني فكرت في بسط هذا الإيوان فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني فبسط على ما قال ففضل بساط انتهى وفيها أبو الحسن محمد بن يحيى بن ياقوت الأسكندراني المقرىء روى عن السلفي وغيره وتوفي في سابع عشر ربيع الآخر وفيها منصور بن السيد بن الدماع أبو علي الاسكندراني النحاس روى عن السلفي وتوفي في ربيع الأول
سنة سبع وأربعين وستمائة
في ربيعها الأول نازلت الفرنج دمياط برا وبحرا وكان بها فخر الدين ابن الشيخ وعسكر فهربوا وملكها الفرنج بلا ضربة ولا طعنة فإنا لله وإنا إليه راجعون وكان السلطان على المنصورة فغضب على أهلها كيف سيبوها حتى أنه شنق ستين نفسا من أعيان أهلها وقامت قيامته على العسكر بحيث أنهم تخوفوه وهموا به فقال فخر الدين أمهلوه فهو على شفا فمات ليلة نصف شعبان وهو الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل
محمد بن العادل وكتم موته أياما وساق مملوكه أقاطيا على البرية إلى أن عبر الفراة وساق إلى حصن كيفا وأخذ الملك المعظم بوران شاه ولد الصالح وقدم به دمشق فدخلها في آخر رمضان في دست السلطنة وجرت للمصريين مع الفرنج فصول وحروب إلى أن تمت وقعة المنصورة في ذي القعدة وذلك أن الفرنج حملوا ووصلوا إلى دهليز السلطان فركب مقدم الجيش فخر الدين ابن الشيخ وقاتل فقتل وانهزم المسلمون ثم كروا على الفرنج ونزل النصر وقتل من الفرنج مقتلة عظيمة ولله الحمد ثم قدم الملك المعظم بعد أيام وكان مولد الملك الصالح المترجم سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة وسلطنه أبوه على آمد وحران وسنجار وحصن كيفا فأقام هناك إلى أن قدم وملك دمشق بعد الجواد وجرت له أمور ثم ملك الديار المصرية ودانت له الممالك وكان وافر الحرمة عظيم الهيبة طاهر الذيل خليقا للملك ظاهر الجبروت
وفيها ابن عوف الفقيه رشيد الدين أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب ابن العلامة أبي الطاهر إسمعيل بن مكي الزهري العوفي الأسكندراني المالكي سمع من جده الموطأ وكان ذا زهد وورع توفي في صفر عن ثمانين سنة وفيها عجيبة بنت الحافظ محمد بن أبي غالب الباقداري البغدادية سمعت من عبد الحق وعبد الله ابني منصور الموصلي وهي آخر من روى بالإجازة عن مسعود والرستمي وجماعة توفيت في صفر عن ثلاث وتسعين سنة ولها مشيخة في عشرة أجزاء
وفيها ابن البرادعي صفي الدين أبو البركات عمر بن عبد الوهاب القرشي الدمشقي العدل روى عن ابن عساكر وأبي سعد بن أبي عصرون وتوفي في ربيع الآخر وفيها السيدي أبو جعفر محمد بن عبد الكريم بن محمد البغدادي الحاجب روى عن عبد الحق وتجنى وجماعة كثيرة وطال عمره
وفيها فخر الدين بن شيخ الشيوخ الأمير نائب السلطنة أبو الفضل
يوسف بن الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حموية الجويني ولد بدمشق بعد الثمانين وخمسمائة وسمع من منصور بن أبي الحسن الطبري وغيره وكان رئيسا محتشما سيدا معظما ذا عقل ورأى ودهاء وشجاعة وكرم سجنه السلطان سنة أربعين وقاسى شدائد وبقي في الحبس ثلاث سنين ثم أخرجه وأنعم عليه وقدمه على الجيش طعن يوم المنصورة وجاءته ضربتان في وجهه فسقط وفيها الساوي يوسف بن محمود بن يعقوب المصري الصوفي روى عن السلفي وعبد الله بن بري وتوفي في رجب عن ثمانين سنة
سنة ثمان وأربعين وستمائة
استهلت والفرنج على المنصورة والمسلمون بإزائهم مستظهرون لانقطاع الميرة عن الفرنج ولوقوع المرض في خيلهم ثم عزم ملكهم الفرنسيس على المسير في الليل إلى دمياط ففهمها المسلمون وكان الفرنج قد عملوا جسرا من صنوبر على النيل فنسوا قطعة فعبر عليه الناس وأحدقوا بهم فاجتمع إلى الفرنسيس خمسمائة فارس من أبطاله وحملوا على المسلمين حملة واحدة ففرج لهم المسلمون فلما صاروا في وسطهم أطبقوا عليهم فلم ينج منهم أحد ومسكوا الفرنسيس أسرة سيف الدين القيمري باني المارستان في صالحية دمشق وانهزم جل الفرنج على حمية فحمل عليهم المسلمون ووضعوا فيهم السيف وغنم الناس ما لا يحد ولا يوصف وأركب الفرنسيس في حراقة والمراكب الإسلامية محدقة به تخفق بالكوسات والطبول وفي البر الشرقي الجيش ساير تحت ألوية النصر وفي البر الغربي العربان والعوام وكانت ساعة عجيبة واعتقل الفرنسيس بالمنصورة وذلك في أول يوم من المحرم قال سعد الدين بن حموية كانت الأسرى نيفا وعشرين ألفا فيهم ملوك وكبار وكانت القتلى سبعة آلاف واستشهد من المسلمين نحو مائة نفس وخلع الملك
المعظم على الكبار من الفرنج خمسين خلعة فامتنع الكلب الفرنسيس من لبس الخلعة وقال أنا مملكتي بقدر مملكة صاحب مصر كيف ألبس خلعته ثم بدت من المعظم خفة وطيش وأمور خرج بسببها عليه مماليك أبيه وقتلوه بعد أن استردوا دمياط وذلك أن حسام الدين بن أبي علي أطلق الفرنسيس على أن يسلم دمياط وعلى بذل خمسمائة ألف دينار للمسلمين فأركب بغلة وساق معه الجيش إلى دمياط فما وصلوا إلا وأوائل المسلمين قد ركبوا أسوارها فاصفر لون الفرنسيس فقال حسام الدين هذه دمياط قد ملكناها والرأي لانطلق هذا لأنه قد اطلع على عوراتنا فقال عز الدين أيبك لا أرى الغدر وأطلقه وفيها توفي ابن الخير أبو إسحق إبرهيم بن محمود بن سالم بن مهدي الأزجي المقري الحنبلي روى الكثير عن شهدة وعبد الحق وجماعة وأجاز له ابن البطي وقرأ القراآت ولد في سلخ ذي الحجة سنة ثلاث وستين وخمسمائة وعنى بالحديث وكان له به معرفة وكان أحد المشايخ المشهورين بالصلاح وعلو الإسناد دائم البشر مشتغلا بنفسه ملازما لمسجده حسن الأخلاق قال ابن نقطة سماعه صحيح وهو شيخ مكثر روى عن خلق كثير منهم ابن الحلوانية وابن العديم والدمياطي وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد وكان والده شيخا صالحا ضريرا حدث عن ابن ناصر وغيره وهو الذي يلقب بالخير توفي في صفر سنة ثلاث وستمائة وفيها فخر القضاة بن الجباب أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين السعدي المصري ناظر الأوقاف وراوي صحيح مسلم عن المأموني سمع قليلا من السلفي وابن بري وتوفي في رمضان وله سبع وثمانون سنة وفيها الحافظية أرغوان العادلية عتيقة الملك العادل وسميت بالحافظية لتربيتها للملك الحافظ صاحب قلعة جعبر وكانت امرأة صالحة مدبرة صادرها الصالح إسمعيل فأخذ منها
أربعمائة صندوق ووقفت دارها التي داخل باب النصر بدمشق وتعرف بدار الإبرهيمي على خدامها وبنت بالصالحية تحت ثورا قرب عين الكرش مدرسة وتربة كانت بستانا للنجيب غلام التاج الكندي فاشترته منه وبنت ذلك ووقفت عليه أوقافا جيدة منها بستان بصارو وتسمى الآن بالحافظية
وفيها الملك الصالح عماد الدين أبو الجيش إسمعيل بن العادل الذي تملك دمشق مدة انضم سنة أربع وأربعين إلى ابن أخيه صاحب حلب الملك الناصر فكان من كبراء دولته ومن جملة أمرائه بعد سلطنة دمشق ثم قدم معه دمشق وسار معه فأسره الصالحية ومروا على طربة الصالح مولاهم وصاحوا يا خوند أين عينك ترى عدوك أسيرا ثم أخذوه في الليل وأعدموه في سلخ ذي القعدة وكان ملكا شهما محسنا إلى خدمه وغلمانه وحاشيته كثير التجمل
وفيها أمين الدولة الوزير أبو الحسن الطبيب كان سامريا ببعلبك فأسلم في الظاهر والله أعلم بالسراير ونفق على الصالح إسمعيل حتى وزر له وكان ظالما نحسا ماكرا داهية وهو واقف الأمينية التي ببعلبك أخذ من دمشق بعد حصار الخوارزمية وسجن بقلعة مصر فلما جاء الخبر الذي لم يتم بانتصار الناصر توثب أمين الدولة في جماعة وصاحوا بشعار الناصر فشنقوا وهم هو وناصر الدين بن مغمور والخوارزمي ومن جملة ما وجد في تركة أمين الدولة ثلاثة آلاف ألف دينار غير ما كان مودعا له عند الناس
وفيها الملك المعظم غياث الدين بوران شاه بن الصالح نجم الدين أيوب لما توفي أبوه حلف له الأمراء وتعدوا وراءه كما ذكرنا وفرح الخلق بكسر الفرنج على يده لكنه كان لا يصلح لصالحة لقلة عقله وفساده في المرد ضربه مملوك بسيف فتلقاها بيده ثم هرب إلى برج خشب فرموه بالنفط فرمى بنفسه وهرب إلى النيل فأتلفوه وبقي ملقى على الأرض ثلاثة أيام حتى انتفخ ثم واروه وكان قوي المشاركة في العلوم ذكيا قال ابن واصل لما دخل المعظم
مصر قام إليه الشعراء فابتدأ ابن الدجاجية تاج الدين فقال
( كيف كان القدوم من حصن كيفا ** حين أرغمت للأعادي أنوفا )
فأجابه الملك المعظم
( الطريق الطريق يا ألف نحس ** تارة آمنا وطورا مخيفا )
أدركته حرفة الأدب كما أدركت عبد الله بن المعتز قال أبو شامة دخل في البحر إلى حلقه فضربه البندقداري بالسيف فوقع وفيها ابن رواح المحدث رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الأسكندراني المالكي ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة وسمع الكثير من السلفي وطائفة ونسخ الكثير وخرج الأربعين وكان ذا دين وفقه وتواضع توفي في ثامن عشر ذي القعدة وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي السعادات الدباس الفقيه الحنبلي البغدادي أحد أعيان فقهاء بغداد وفضلائهم سمع الحديث من ابن شاتيل وابن زريق البرداني وابن كليب وتفقه على إسمعيل بن الحسين صاحب أبي الفتح بن المنى وقرأ علم الخلاف والجدل والأصول على النوقاني وبرع في ذلك وتقدم على أقرانه وتكلم وهو شاب في مجالس الأئمة فاستحسنوا كلامه وشهد عند قاضي القضاة أبي صالح قال ابن الساعي قرأت عليه مقدمة في الأصول وكان صدوقا نبيلا ورعا متدينا حسن الطريقة جميل السيرة محمود الأفعال عابدا كثير التلاوة للقرآن محبا للعلم ونشره صابرا على تعليمه لم يزل على قانون واحد لم تعرف له صبوة من صباه إلى آخر عمره يزور الصالحين ويشتغل بالعلم لطيفا كيسا حسن المفاكهة قل أن يغشى أحد مقبلا على ما هو بصدده وروى عنه ابن النجار في تاريخه ووصفه بنحو ما وصفه ابن الساعي توفي في حادي عشرى شعبان ودفن بباب حرب وقد ناهز الثمانين ومر ليلة بسوق المدرسة النظامية ليصلي العشاء الآخرة بالمستنصرية إماما فخطف إنسان بقياره في الظلماء وعدا فقال له الشيخ على
رسلك وهبتكه قل قبلت وفشا خبره بذلك فلما أصبح أرسل إليه عدة بقايير قيل أحد عشر فلم يقبل منها إلا واحدا تنزها
وفيها المجد الإسفراييني المحدث قارىء الحديث أبو عبد الله محمد بن محمد بن عمر الصوفي روى عن المؤيد الطوسي وجماعة وتوفي في ذي القعدة بالسميساطية من دمشق وفيها مظفر بن الفوى أبو منصور بن عبد الملك بن عتيق الفهري الأسكندراني المالكي الشاهد روح عن السلفي وعاش تسعين سنة وتوفي في سلخ القعدة وفيها أبو الحجاج يوسف بن خليل بن قراجا بن عبد الله محدث الشام الدمشقي الأدمي الحنبلي نزيل حلب ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة بدمشق وتشاغل بالكسب إلى الثلاثين من عمره ثم طلب الحديث وتخرج بالحافظ عبد الغني واستفرغ فيه وسمع وكتب مالا يوصف بخطه المليح المتقن ورحل إلى الأقطار فسمع بدمشق من الحفاظ عبد الغني وابن أبي عصرون وابن الموازيني وغيرهم وببغداد من ابن كليب وابن بوش وهذه الطبقة وبأصبهان من ابن مسعود الحمال وغيره وبمصر من البوصيري وغيره وكان إماما حافظا ثقة نبيلا متقنا واسع الرواية جميل السيرة متسع الرحلة قال ابن ناصر الدين كان من الأئمة الحفاظ المكثرين الرحالين بل كان أوحدهم فضلا وأوسعهم رحلة وكتابة ونقلا وقال ابن رجب تفرد في وقته بأشياء كثيرة عن الأصبهانيين وخرج وجمع لنفسه معجما عن أزيد من خمسمائة شيخ وثمانيات وعوالي وفوائد وغير ذلك واستوطن في آخر عمره حلب وتصدر بجامعها وصار حافظا والمشار إليه بعلم الحديث فيها حدث بالكثير من قبل الستمائة وإلى آخر عمره وحدث عنه البرزالي ومات قبله باثنتي عشرة سنة وسمع منه الحافظ المقدمون كابن الأنماطي وابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والصريفيني وعمر بن الحاجب وقال هو أحد الرحالين بل واحدهم فضلا وأوسعهم رحلة نقل بخطه المليح ما لا يدخل تحت الحصر
وهو طيب الأخلاق مرضي الطريقة متقن ثقة حافظ وسئل عنه الحافظ الضياء فقال حافظ مفيد صحيح الأصول سمع وحصل صاحب رحلة وتطواف وسئل الصريفيني عنه فقال حافظ ثقة عالم بما يقرأ عليه لا يكاد يفوته اسم رجل وقال الذهبي روى عنه خلق كثير وآخر من روى عنه إجازة زينب بنت الكمال توفي سحر يوم الجمعة منتصف وقيل عاشر جمادى الآخرة بحلب ودفن بظاهرها رحمه الله تعالى
سنة تسع وأربعين وستمائة
فيها توفي إبراهيم بن سهل الإسرائيلي الإسلامي كان يهوديا فأسلم وكان أديبا ماهرا وله قصيدة مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم وكان يهوى صبيا يهوديا اسمه موسى فمن قوله فيه من جملة أبيات
( فما وجد إعرابية بان الفها ** فحنت إلى بان الحجاز ورنده )
( بأعظم من وجدي بموسى وإنما ** يرى أنني أذنبت ذنبا بوده )
وله فيه
( يقولون لو قبلته لاشتفى الجوى ** أيطمع في التقبيل من يعشق البدرا )
إلى أن قال
( إذا فئة العذال جاءت بسحرها ** ففي وجه موسى أية تبطل السحرا )
ثم إنه هوى بعد إسلامه صبيا اسمه محمد فقال
( تركت هوى موسى لحب محمد ** ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي )
( وما عن قلى حبي تركت وإنما ** شريعة موسى عطلت بمحمد )
مات غريقا رحمه الله وفيها ابن العليق أبو نصر الأعز بن فضائل البغدادي البابصري روى عن شهدة وعبد الحق وجماعة وكان صالحا تاليا لكتاب الله تعالى توفي في رجب وفيها البشيري بفتح الموحدة
وكسر المعجمة وبعد الياء راء نسبة إلى قلعة بشير بنواحي الدوران من بلاد الأكراد أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر الفقيه ضياء الدين شيخ ماردين روى عن أبي الفتح بن شاتيل وجماعة وكانت له مشاركة قوية في العلوم قال الذهبي قال شيخنا الدمياطي مات في الثاني والعشرين من ذي الحجة وقد جاوز المائة وقال الشريف عز الدين في الوفيات كان يذكر أنه ولد سنة سبع وثلاثين وخمسمائة قاله في العبر وفيها الإمام رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان الجذامي المصري الضرير شيخ الاقراء بالديار المصرية كان عارفا بالنحو أيضا قال السيوطي في حسن المحاضرة قرأ على أبي الجود وسمع من أبي القسم البوصيري وبرع في العربية وتصدر للإقراء وانتهت إليه رياسة الفن في زمانه وكان ذا جلالة ظاهرة وحرمة وافرة وخبرة تامة بوجوه القراءات مات في جمادى الأولى وهو والد الكاتب البليغ محي الدين بن عبد الظاهر انتهى وفيها أبو نصر الزبيدي عبد العزيز بن يحيى بن المبارك الربعي البغدادي ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من شهدة وغيرها وتوفي سلخ جمادى الأولى وفيها نور الدين أبو محمد عبد اللطيف بن نفيس ابن بورنداز بن الحسام البغدادي الحنبلي المحدث المعدل ولد في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه أبي الحسن وأبي محمد جعفر بن محمد بن أموسان وغيرهما وعنى بهذا الشأن وقرأ الكثير على عمر بن كرم ومن بعده وكتب الكثير بخطه قال الذهبي في تاريخه هو الحافظ المفيد كتب الكثير وأفاد وسمع منه الحافظ الدمياطي وذكره في معجمه وشهد عند محمود الريحاني ثم أنه امتحن لقراءته شيئا من أحاديث الصفات بجامع القصر فسعى به بعض المتجهمة وحبس مديدة وأسقطت عدالته ثم أفرج عنه وأعاد عدالته ابن مقبل ثم أسقطت ثم أعاد عدالته قاضي القضاة أبو صالح فباشر ديوان الوكالة إلى آخر عمره توفي بكرة السبت ثالث عشري ربيع الآخر
ودفن بباب حرب وكان له جمع عظيم وشد تابوته بالحبال وأكثر العوام الصياح في الجنازة هذه غايات الصالحين انتهى قال ابن الساعي ولم أر ممن كان على قاعدته فعل في جنازته مثل ذلك فإنه كان كهلا يتصرف في أعمال السلطان ويركب الخيل ويحلي فرسه بالفضة على عادة أعيان المتصرفين انتهى وقال ابن رجب حصل له ذلك ببركة السنة فإن الإمام أحمد قال بيننا وبينهم الجنايز وفيها ابن الجميزي العلامة بهاء الدين أبو الحسن علي بن هبة الله بن سلامة بن المسلم بن أحمد بن علي اللخمي المصري الشافعي مسند الديار المصرية وخطيبها ومدرسها ولد بمصر يوم الأضحى سنة تسع وخمسين وخمسمائة وحفظ القرآن سنة تسع وستين ورحل به أبوه فسمعه بدمشق من ابن عساكر وببغداد من شهدة وجماعة وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون وقرأه أبو سعد على القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه وسمع بالأسكندرية من السلفي وتفرد في زمانه ورحل إليه الطلبة ودرس وأفتى وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية وهو آخر من قرأ القراءات في الدنيا على البطايحي بل وآخر من روى عنه بالسماع وقرأ أيضا بالقراءات العشر على ابن أبي عصرون وسمع منه الكثير وهو آخر تلاميذه في الدنيا وكان رئيس العلماء في وقته معظما عند الخاصة والعامة وعليه مدار الفتوى ببلده كبير القدر وافر الحرمة روى عنه خلائق لا يحصون توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة وفيها السديد أبو القسم عيسى بن أبي الحرم مكي بن حسين العامري المصري الشافعي المقرىء إمام جامع الحاكم قرأ القراءات على الشاطبي وأقرأ هامدة وتوفي في شوال عن ثمانين سنة وقرأ عليه غير واحد
وفيها ابن المنى أبو المظفر سيف الدين محمد بن أبي البدر مقبل بن فتيان بن مطر النهرواني المفتي الإمام الفقيه الحنبلي ابن أخي شيخ المذهب أبي
الفتح بن المنى ولد ببغداد في خامس رجب سنة سبع وقيل تسع وستين وخمسمائة وقرأ بالروايات على ابن الباقلاني بواسط وروى عن جماعة منهم شهدة وعبد الحق اليوسفي وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بن المنى وتأدب بالحيص بيص الشاعر وغيره وناظر في المسائل الخلافية وأفتى وشهد عند القضاة وكان حسن المناظرة متدينا مشكور الطريقة كثير التلاوة للقرآن الكريم وحدث وأثنى عليه ابن نقطة وروى عنه ابن النجار وابن الساعي وعمر بن الحاجب وبالإجازة جماعة آخرهم زينب بنت الكمال المقدسية وتوفي في سابع جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب
وفيها جمال الدين بن مطروح الأمير الصاحب أبو الحسين يحيى بن عيسى بن إبراهيم بن مطروح المصري صاحب الشعر الرائق ولد بأسيوط يوم الإثنين ثامن رجب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ونشأ هناك وتنقلت به الأحوال والخدم والولايات حتى اتصل بخدمة السلطان الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب وكان إذ ذاك نائبا عن أبيه بالديار المصرية ولما اتسعت مملكة الكامل بالبلاد الشرقية وصار له آمد وحصن كيفا وحران والرها والرقة ورأس عين وسروج وما انضم إلى ذلك سير إليها ولده الملك الصالح نائبا عنه وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة فكان ابن مطروح في خدمته ولم يزل يتنقل في تلك البلاد إلى أن وصل الملك الصالح إلى مصر مالكا لها وكان دخوله يوم الأحد السابع والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وستمائة ثم وصل ابن مطروح إلى الديار المصرية في أوائل سنة تسع وثلاثين فرتبه السلطان ناظرا في الخزانة ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك الصالح دمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وأربعين فكان ابن مطروح في صورة وزير لها ومضى إليها فحسنت حاله وارتفعت منزلته ثم أن الصالح توجه إليها فوصلها في شعبان سنة ست وأربعين وجهز عسكرا إلى حمص لاستنقاذها من
نواب الملك الناصر فعزل ابن مطروح عن ولايته بدمشق وسيره مع العسكر ثم بلغه أن الفرنج قد اجتمعوا في جزيرة قبرس على عزم قصد الديار المصرية فسير إلى العسكر المحاصرين حمص وأمرهم أن يعودوا لحفظ الديار المصرية فعاد العسكر وابن مطروح في الخدمة والملك الصالح متغير عليه لأمور يفهمها منه ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر وأقام في داره إلى أن مات قال ابن خلكان كان ذا أخلاق رضية وكان بيني وبينه مكاتبات ومودة أكيدة وله ديوان شعر أنشدني أكثره فمن ذلك قوله في أول قصيدة طويلة
( هي رامة فخذوا يمين الوادي ** وذروا السيوف تقر في الأغماد )
( وحذار من لحظات أعين عينها ** فلكم صرعن بها من الآساد )
( من كان منكم واثقا بفؤاده ** فهناك ما أنا واثق بفؤادي )
( يا صاحبي ولى بجرعاء الحمى ** قلب أسير ماله من فادي )
( سلبته مني ويوم بانوا مقلة ** مكحولة أجفانها بسواد )
( وبحي من أنا في هواه ميت ** عين على العشاق بالمرصاد )
( وأغن مسكى اللمى معسولة ** لولا الرقيب بلغت منه مرادي )
( كيف السبيل إلى وصال محجب ** ما بين بيض ظبي وسمر صعاد )
( في بيت شعر نازل من شعره ** فالحسن منه عاكف في باد )
( حرسوا مهفهف قده بمثقف ** فتشابه المياس بالمياد )
( قالت لنا ألف العذار بخده ** في ميم مبسمه شفاء الصادي )
ومن شعره قوله
( وعلقته من آل يعرب لحظه ** أمضى وفتك من سيوف عريبة )
( أسكنته بالمنحنى من أضلعي ** شوقا لبارق شوقه وعذيبه )
( يا عائبا ذاك الفتور بطرفه ** خلوه لي أنا قد رضيت بعيبه )
( لدن وما مر النسيم بعطفه ** أرج وما نفخ العبير يجيبه )
ونزل في بعض أسفاره بمسجد وهو مريض فقال
( يا رب قد عجز الطبيب فداوني ** بلطيف صنعك واشفني يا شافي )
( أنا من ضيوفك قد حسبت وأن من ** شيم الكرام البر بالأضياف )
وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما وهما
( إذا ما سقاني ريقه وهو باسم ** تذكرت ما بين العذيب وبارق )
( ويذكرني من قده ومدامعي ** مجر عوالينا ومجرى السوابق )
وكان بينه وبين البهاء زهير محبة قديمة من زمن الصبا وإقامتهما بالصعيد حتى كانا كالأخوين وليس بينهما فرق في أمور الدنيا ثم اتصلا بخدمة الصالح وهما على تلك الحال والمودة وتوفي ليلة الأربعاء مستهل شعبان ودفن بسفح المقطم وأوصى أن يكتب عند رأسه دوبيت نظمه في مرضه وهو
( أصبحت بقعر حفرتي مرتهنا ** لا أملك من دنياي إلا كفنا )
( يا من وسعت عباده رحمته ** من بعض عبادك المسيكين أنا )
سنة خمسين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى ديار بكر فقتلوا وسبوا وعملوا عوايدهم
وفيها توفي الرشيد بن مسلمة أبو العباس أحمد بن مفرج بن علي بن الدمشقي ناظر الأيتام ولد سنة خمس وخمسين وخمسمائة وأجاز له الشيخ عبد القادر الجيلي وهبة الله الدقاق وابن البطي والكبار وتفرد في وقته وسمع من الحافظ ابن عساكر وجماعة وتوفي في ذي القعدة وفيها الكمال إسحق بن أحمد بن عثمان المغربي الشيخ المفتي الإمام الفقيه الشافعي المغربي أحد مشايخ الشافعية وأعيانهم أخذ عن الشيخ فخر الدين بن عساكر ثم عن ابن الصلاح وكان إماما عالما فاضلا مقيما بالرواحية أعاد بها عند ابن الصلاح عشرين
سنة وقد أخذ عنه جماعة منهم الإمام محي الدين النووي قال أبو شامة كان زاهدا متواضعا وقال النووي في أوائل تهذيب الأسماء واللغات أول شيوخي الإمام المتفق على علمه وزهده وورعه وكثرة عبادته وعظيم فضله وتمييزه في ذلك على أشكاله وقال غيره كان متصديا للإفادة والفتوى تفقه به أئمة وكان كبير القدر في الخير والصلاح متيقن الورع عرضت عليه مناصب فامتنع ثم ترك الفتوى وقال في البلد من يقوم مقامي وكان يسرد الصوم ويؤثر بثلث جامكيته ويقنع باليسير ويصل رحمه بما فضل عنه وكان في كل رمضان ينسخ ختمة ويوقفها وله أوراد كثيرة ومحاسن جمة توفي في ذي القعدة عن نيف وخمسين سنة ودفن بتربة الصوفية إلى جانب ابن الصلاح
وفيها العلامة رضي الدين أبو الفضائل الحسن بن محمد بن حيدر العدوي العمري الهندي اللغوي نزيل بغداد ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة بدوهور ونشأ بغزنة وقدم بغداد وذهب في الرسائل غير مرة وسمع بمكة من أبي الفتوح بن الحصري وببغداد من سعيد بن الرزاز وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة له مصنفات كبار في ذلك وله بصر في الفقه مع الدين والأمانة توفي في شعبان وحمل إلى مكة فدفن بها وفيها الخطيب العدل عبد الله بن حسان بن رافع خطيب المصلى توفى بدمشق بقصر حجاج بالمسجد المعروف به ودفن بسفح قاسيون وفيها الخطيب كمال الدين عبد الواحد بن خلف بن نبهان خطيب زملكا جد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني كان فاضلا خيرا متميزا في علوم متعددة تولى قضاء صرخد ودرس ببعلبك وناب بدمشق ومات بها حكى عنه ابن أخيه عبد الكافي أنه لما طال به المرض ونحن عنده أن إلتوت يده اليمنى إلى أن صارت كالقوس ثم فقعت وانكسرت وبقيت معلقة بالجلدة ثم يوما آخر أصاب يده اليسرى مثل ذلك ثم رجله اليمنى ثم رجله اليسرى كذلك فبقيت أربعته مكسرة وسألوا الأطباء
عن ذلك فما عرفوا جنس هذا المرض وفيها الشيخ الصالح علي بن محمد الفهاد كان بحرم السلطان سنجر شاه فلما قتل انقطع في بيته وبنى مسجدا ورباطا ووقف عليهما ما ملك وبقي يؤذن احتسابا فلما كان في بعض الأيام جاء إلى المسجد وفيه بئر فأدلى السطل ليستقي ماء فطلع مملوءا ذهبا فقال بسم الله مردود فأنزله مرة ثانية فطلع مملوءا ذهبا فقال بسم الله غير مردود وقلبه في البئر وأنزله مرة ثالثة فطلع مملوءا ذهبا فقال يا رب لا تطردني عن بابك أنا أروح إلى الشط أتوضأ ليس قصدي سوى الماء لأداء فريضتك ثم أنزله رابعة فطلع مملوءا ماءا فسجد شكرا لله تعالى وفيها الإمام شمس الدين محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الأنصاري المقدسي الأصل ثم الدمشقي الكاتب الفقيه الحنبلي ولد سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وغيرهما وأجاز له السلفي وغيره وكان شيخا فاضلا وأديبا حسن النظم والنثر من المعروفين بالفضل والأدب والكتابة والدين والصلاح وحسن الخط وحسن الخصال ولطف المقال وطال عمره ووزر للملك الصالح إسمعيل مدة وحدث بدمشق وحلب وكتب عنه ابن الحاجب وقال سألت الحافظ ابن عبد الواحد عنه فقال عالم دين روى عنه جماعة منهم ابنه يحيى بن محمد بن سعد وسليمان بن حمزة وتوفي في ثاني شوال بسفح قاسيون ودفن به من الغد
وتوفي أخوه أحمد في نصف ذي القعدة من هذه السنة روى عن الخشوعي وابن طبرزد وفيها الفقيه العلامة المحدث الصالح الورع محمد بن إسمعيل الحضرمي والد الفقيه إسمعيل المشهور كان مفتيا مدرسا وصنف واختصر شعب الإيمان للبيهقي وله عليه زيادات حسنة وتخرج به جماعة منهم ولده ولما مات نزل في قبره الشيخ أبو الغيث بن جميل نفع الله بهما قاله ابن الأهدل وفيها سعد الدين بن حموية الجويني محمد بن المؤيد بن عبد الله
ابن علي الصوفي صاحب أحوال ورياضات وله أصحاب ومريدون وله كلام على طريقة الاتحاد سكن سفح قاسيون مدة ثم رجع إلى خراسان وتوفي هناك قاله في العبر وفيها الفقيه موسى بن محمد القمراوي نسبة إلى قمرا قرية من أعمال صرخد ومن شعره قصيدة وازن بها قصيدة الحصري القيرواني التي أولها
( يا ليل الصب متى غده ** أقيام الساعة موعده )
فقال القمراوي
( قل مل مريضك عوده ** ورثا لاسيرك حسده )
( لم يبق جفاك سوى نفس ** زفرات الشوق تصعده )
( هروت يعنعن في السحر ** إلى عينيك ويسنده )
( وإذا أغمضت اللحظ فتكت ** فكيف وأنت تجرده )
( كم سهل خدك وجه رضا ** والحاجب منك يعقده )
( ما أشرك فيك القلب فلم ** في نار الشوق تخلده )
وفيها فخر القضاة نصر الله بن هبة الله بن بصاقة الحنفي الكاتب من شعره
( على ورد خديه واس عذاره ** يليق بمن يهواه خلع عذاره )
( وأبذل جهدي في مداراة قلبه ** ولولا الهوى يقتادني لم أداره )
( أرى جنة في خده غير أنني ** أرى جل ناري شب من جلناره )
( سكرت بكأس من رحيق رضابه ** ولم أدر أن الموت عقبى خماره )
وفيها علي بن أبي الفوارس الخياط المقرىء عرف بالسير باريك كان حاذقا بالخياطة قيل أن الأمير الأرنباي أحضره ليلة العيد وقد عرض عليه ثوب أطلس فطلب صاحبه ثمنا كثيرا فقال أنا أخيطه ولا أقطعه ويلبسه الأمير فإن رضي صاحبه بما يعطى والإبعاد عليه فقال افعل ففعل ذلك وجاء صاحبه وأصر على الثمن الغالي فطواه ونقله وأعاده عليه فلما رآه صحيحا رضي بما أعطى
وفيها الشيخ عثمان الدير ناعسي من دير ناعس من قرى البقاع شيخ عظيم صاحب كرامات ومكاشفات أدرك جماعة من الأولياء ودفن بزاوية هناك وكان له صيت وسمعة وفيها ابن قميرة المؤتمن أبو القسم يحيى بن أبي السعود نصر بن أبي القسم بن أبي الحسن التميمي الحنظلي الأزجي التاجر السفار مسند العراق ولد سنة خمس وستين وخمسمائة وسمع من شهدة وتجنى وعبد الحق وجماعة وحدث في تجارته بمصر والشام توفي في السابع والعشرين من جمادى الأولى
وفيها هبة الله بن محمد بن الحسين بن مفرج جمال الدين أبو البركات المقدسي ثم الأسكندراني الشافعي ويعرف بابن الواعظ من عدول الثغر روى عن السلفي قليلا وعاش إحدى وثمانين سنة
سنة إحدى وخمسين وستمائة
فيها توفي الجمال بن النجار إبراهيم بن سليمان بن حمزة القرشي الدمشقي المجود كتب للأمجد صاحب بعلبك مدة وله شعر وأدب أخذ عن الكندي وفتيان الشاغوري وتوفي بدمشق في ربيع الآخر
وفيها الملك الصالح صلاح الدين أحمد بن الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب صاحب عين تاب ولد سنة ستمائة وإنما أخروه عن سلطنة حلب لأنه ابن أمة ولأن أخاه العزيز ابن بنت العادل وقد تزوج بعد أخيه العزيز بفاطمة بنت الملك الكامل وكان مهيبا وقورا حدث عن الافتخار الهاشمي وتوفي في شعبان بعنتاب وفيها الصالح بن شجاع بن سيدهم أبو التقى المدلجي المصري المالكي الخياط راوي صحيح مسلم عن أبي المفاخر المأموني وكان صالحا متعففا توفي في المحرم
وفيها السبط جمال الدين أبو القسم عبد الرحمن بن مكي بن عبد الرحمن
الطرابلسي المغربي ثم الأسكندراني ولد سنة سبعين وخمسمائة وسمع من جده السلفي الكبير ومن غيره وأجاز له عبد الحق وشهدة وخلق وانتهى إليه علو الإسناد بالديار المصرية وكان عريا من العلم توفي في رابع شوال بمصر قاله في العبر وفيها ابن الزملكاني العلامة كمال الدين عبد الواحد ابن خطيب زملكا أبو محمد عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي الشافعي صاحب علم المعاني والبيان كان قوي المشاركة في فنون العلم خيرا متميزا ذكيا سريا وولي قضاء صرخد ودرس مدة ببعلبك وله نظم رائق وهو جد الكمال الزملكاني المشهور واسطة عقد البيت وتوفي عبد الواحد في المحرم بدمشق وكان له ولد يقال له أبو الحسن علي إمام جليل وافر الحرمة حسن الشكل درس بالأمينية وتوفي في ربيع الأول سنة تسعين وستمائة وقد نيف على الخمسين وفيها أبو الحسن بن قطرال علي بن عبد الله بن محمد الأنصاري القرطبي سمع عبد الحق بن توبة وأبا القاسم بن الشراط وناظر على بن أبي العباس بن مصا وقرأ العربية ولي قضاء آمد فلما أخذها الفرنج سنة تسع وستمائة أسروه ثم خلص وولى قضاء شاطبة ثم ولي قضاء قرطبة ثم ولي قضاء فاس وكان يشارك في عدة علوم ويتفرد ببراعة البلاغة توفي بمراكش في ربيع الأول وله ثمان وثمانون سنة
وفيها أبو الحسن موفق الدين علي بن عبد الرحمن البغدادي البابصري الفقيه الحنبلي سمع مع أبيه من أبي العباس أحمد بن أبي الفتح بن صرما وغيره وتفقه في المذهب وكان معيدا لطائفة الحنابلة بالمستنصرية توفي في شعبان ببغداد ودفن بباب حرب
وفيها الشيخ محمد بن الشيخ الكبير عبد الله اليونيني خلف أباه في المشيخة ببعلبك مدة وكان زاهدا عابدا متواضعا كبير القدر توفي في رجب
سنة اثنتين وخمسين وستمائة
فيها شرعت التتار في فتح البلاد الإسلامية والخليفة غافل في خلوته ولهوه والوزير مؤيد الدين وأتباع الخليفة يكاتبون هلاكو والرسل بينهم
وفيها ظهر بأرض عدن في بعض جبالها نار يطير شرارها إلى البحر بالليل ويصعد منها دخان عظيم بالنهار فما شكوا أنها النار التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم أنها تظهر في آخر الزمان فتاب الناس
وفيها توفي الرشيد العراقي أبو الفضل إسمعيل بن أحمد بن الحسين الحنبلي الجابي بدار الطعم كان أبوه فقيها مشهورا سكن دمشق واستجاز لابنه من شهدة والسلفي وطائفة فروى الكثير بالإجازة وتوفي في جمادى الأولى
وفيها الأمير فارس الدين أقطايا التركي الصالحي النجمي كان موصوفا بالشجاعة والكرم اشتراه الصالح بألف دينار فلما اتصلت السلطنة إلى رفيقه الملك المعز بالغ أقطايا في الإذلال والتجبر وبقي يركب ركبة ملك وتزوج بابنة صاحب حماة وقال للمعز أريد أعمل العرس في قلعة الجبل فأخلها لي وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال فاتفق المعز وزوجته شجرة الدر عليه ورتبا من قتله وأغلقت أبواب القلعة فركبت مماليكه وكانوا سبعمائة وأحاطوا بالقلعة فألقى إليهم رأسه فهربوا وتفرقوا وكان قتله في شعبان
وفيها شمس الدين الخسروشاهي بضم الخاء المعجمة وسكون المهملة وفتح الراء وبعد الواو شين معجمة نسبة إلى خسروشاه قرية بمرو أبو محمد عبد الحميد بن عيسى بن عمريه بن يوسف بن خليل بن عبد الله بن يوسف التبريزي الشافعي العلامة المتكلم ولد سنة ثمانين وخمسمائة ورحل فأخذ الكلام عن الإمام فخر الدين الرازي وبرع فيه وسمع من المؤيد الطوسي وتقدم في علم الأصول والعقليات وأقام في الشام بالكرك مدة عند الناصر وتفنن في علوم
متعددة منها الفلسفة ودرس وناظر وقد اختصر المهذب في الفقه والشفا لابن سينا وله إشكالات وإيرادات جيدة وورى عنه الدمياطي وأخذ عنه الخطيب زين الدين بن المرحل ومات في ثاني عشرى شوال بدمشق ودفن بقاسيون
وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن كمال باشا العلامة بدر الدين محمد بن محمود بن عبد الكريمسي الكردري المعروف بخواهر زاده الحنفي أخذ عن خاله شمس الأئمة الكردري وتفقه به والكردري يقال لجماعة من العلماء كانوا أخوات شمس الأئمة ولكن المشهور بهذه النسبة عند الإطلاق اثنان أحدهما متقدم وهو أبو بكر محمد بن حسين البخاري ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد وقد تكرر ذكره في الهداية بلقبه هذا وهو مراد صاحبها والثاني خواهر زاده صاحب هذه الترجمة توفي رحمه الله تعالى في سنة إحدى وخمسين وستمائة قاله ابن كمال باشا وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل شيخ شيوخ اليمن أبو الغيث بن جميل اليمني كان كبير الشأن ظاهر البرهان تخرج به خلق وانتفع به الناس وكان وجوده حياة للوجود وفيه يقول اليافعي رحمه الله تعالى
( لنا سيدكم ساد بالفضل سيدا ** بكل زمان ثم كل مكان )
( إذا أرض أهل فاخروا بشيوخهم ** أبو الغيث فينا فخر كل يماني )
كان في ابتداء أمره عبدا أي قنا قاطعا للطريق فبينا هو كامن لأخذ قافلة إذ سمع هاتفا يقول يا صاحب العين عليك عينا فوقع منه موقعا أزعجه وأقبل على الله وظهر عليه من أوله صدق الإرادة وسيما السعادة وصحب أولا الشيخ علي بن أفلح الزبيدي ثم الشيخ المبجل علي الأهدل ولما انتشر صيت الشيخ بنواحي سردر كتب إليه الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين يدعوه إلى البيعة فأجابه الشيخ ورد كتاب السيد وفهمنا مضمونه ولعمري أن هذا سبيل سلكه الاولون غير أنا نفر منذ سمعنا قوله تعالى { له دعوة الحق }
لم يبق لإجابة الخلق فينا متسع وليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه ولا أن يفرط في يومه بعد أمسه فليعلم السيد قلة فراغنا لما رام منا ويعذر المولى والسلام وكان أميا وله كلام في الحقائق وأحوال باهرة وكرامات ظاهرة ووضع عليه كتاب في التصوف وفيها مجد الدين بن تيمية شيخ الإسلام أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القسم الخضر بن محمد بن علي بن تيمية الحراني الفقيه الحنبلي الإمام المقرىء المحدث المفسر الأصولي النحوي شيخ الإسلام وأحد الحفاظ الأعلام وفقيه الوقت ابن أخي الشيخ مجد الدين محمد المتقدم ذكره ولد سنة تسعين وخمسمائة تقريبا بحران وحفظ بها القرآن وسمع من عمه الخطيب فخر الدين والحافظ عبد القادر الرهاوي ثم ارتحل إلى بغداد سنة ثلاث وستمائة مع ابن عمه سيف الدين عبد الغني المتقدم ذكره أيضا فسمع بها من ابن سكينة وابن الأخضر وابن طبرزد وخلق وأقام بها ست سنين يشتغل بأنواع العلوم ثم رجع إلى حران فاشتغل على عمه فخر الدين ثم رجع إلى بغداد فازداد بها من العلوم وتفقه بها على أبي بكر بن غنيمة والفخر إسمعيل وأتقن العربية والحساب والجبر والمقابلة وبرع في هذه العلوم وغيرها قال الذهبي حدثني شيخنا يعني أبا العباس بن تيمية شيخ الإسلام حفيد الشيخ مجد الدين هذا أن جده ربى يتيما وأنه سافر مع ابن عمه إلى العراق ليخدمه ويشتغل معه وهو ابن ثلاث عشرة سنة فكان يبيت عنده فيسمعه مسائل الخلاف فيحفظه المسألة فقال الفخر سمعيل ايش حفظ هذه الصغير فبدر وعرض ما حفظه في الحال فبهت فيه الفخر وقال لابن عمه هذا يجيء منه شيء وحرصه على الاشتغال قال فشيخه في الخلاف الفخر إسماعيل وعرض عليه مصنفه جنة الناظر وكتب له عليه عرض على الفقيه الإمام العالم أوحد الفضلاء وهو ابن ست عشرة عاما قال الذهبي وقال لي شيخنا أبو العباس كان الشيخ جمال الدين بن مالك يقول ألين للشيخ المجد الفقه كما ألين الحديد لداود وقال الشيخ نجم الدين بن حمدان مصنف الرعاية
في تراجم شيوخ حران صحبت المجد صحبته بعد قدومي من دمشق ولم أسمع منه شيئا وسمعت بقراءته على ابن عمه كثيرا وولى التفسير والتدريس بعد ابن عمه وكان رجلا فاضلا في مذهبه وغيره وجرى لي معه مباحث كثيرة ومناظرات عديدة وقال الحافظ عز الدين الشريف حدث بالحجاز والعراق والشام وبلده حران وصنف ودرس وكان من أعيان العلماء وأكابر الفضلاء وقال الذهبي قال شيخنا كان جدنا عجبا في حفظ الأحاديث وسردها وحفظ مذاهب الناس بلا كلفة وقال الذهبي وكان الشيخ مجد الدين معدوم النظير في زمانه رأسا في الفقه وأصوله بارعا في الحديث ومعانيه له اليد الطولى في معرفة القراءات والتفسير صنف التصانيف واشتهر اسمه وبعد صيته وكان فرد زمانه في معرفة المذهب مفرط الذكاء متين الديانة كبير الشأن وللصرصري من قصيدة يمدحه بها
( وإن لنا في وقتنا وفتوره ** لإخوان صدق بغية المتوصل )
( يذبون عن دين الهدى ذب ناصر ** شديد القوى لم يستكينوا لمبطل )
( فمنهم بحران الفقيه النبيه ذو الفوائد ** والتصنيف في المذهب الجلي )
( هو المجد ذو التقوى ابن تيمية الرضا ** أبو البركات العالم الحجة الملي )
( محرره في الفقه حرر فقهنا ** واحكم بالأحكام علم المبجل )
( جزاهم خيرا ربهم عن نبيهم ** وسنته آلوا به خير موئل )
ومن مصنفاته أطراف أحاديث التفسير رتبها على السور الأحكام الكبرى في عدة مجلدات المنتقى من أحاديث الأحكام وهو الكتاب المشهور المحرر في الفقه منتهى الغاية في شرح الهداية وغير ذلك قال ابن رجب في طبقاته كان المجد يفتى أحيانا أن الطلاق الثلاث المجموعة إنما يقع منها واحدة فقد وتوفي رحمه الله تعالى يوم عيد الفطر بعد صلاة الجمعة منه بحران ودفن بظاهرها وتوفيت ابنة عمه زوجته بدرة بنت فخر الدين بن تيمية قبله بيوم واحد روت بالإجازة عن
ضياء بن الخريف وتكنى أم البدر وفيها أبو علي أحمد بن أحمد بن أبي الحسن بن دويرة البصري المقرىء الزاهد شيخ الحنابلة بالبصرة ورئيسهم ومدرسهم اشتغل عليه أمم وختم عليه القرآن أزيد من ألف إنسان وكان صالحا زاهدا ورعا وحدث بجامع الترمذي بإجازته من الحافظ أبي محمد بن الأخضر سمعه منه الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن عمر البصري وهو أحد تلامذته وعليه ختم القرآن وحفظ الخرقي عنده بمدرسته بالبصرة وتوفي الشيخ أبو علي في هذه السنة بالبصرة وولي بعده التدريس بمدرسته تلميذه الشيخ نور الدين المذكور وخلع عليه ببغداد في عشر جمادى الآخرة من هذه السنة
وفيها أبو الفضل عيسى بن سلامة بن سالم الحراني الخياط ولد في آخر شوال سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وسمع من أحمد بن أبي الوفا الصايغ وأجاز له ابن البطي وأبو بكر بن النقور ومحمد بن محمد بن السكن وجماعة وانفرد بالرواية عنهم توفي في آخر هذه السنة وفيها الناصح فرج بن عبد الله الحبشي الخادم مولى أبي جعفر القرطبي وعتيق المجد البهنسي سمع الكثير من الخشوعي والقسم وعدة وكان صالحا كيسا متيقظا وقف كتبه وعاش قريبا من ثمانين سنة وتوفي في شوال وفيها الكمال محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن كمال الدين أبو سالم القرشي العدوي النصيبي الشافعي المفتي الرحال مصنف كتاب العقد الفريد وأحد الصدور والرؤساء المعظمين ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وسمع بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية وتفقه فبرع في الفقه والأصول والخلاف وترسل عن الملوك وساد وتقدم وحدث ببلاد كثيرة وفي سنة ثمان وأربعين وستمائة كتب تقليده بالوزارة فاعتذر وتنصل فلم يقبل منه فتولاها يومين ثم انسل خفية وترك الأموال والموجود ولبس ثوبا قطنيا وذهب فلم يدر أين ذهب وقد نسب إلى الاشتغال بعلم الحروف والأوفاق وأنه يستخرج أشياء من المغيبات وقيل أنه رجع
ويؤيد ذلك قوله في المنجم
( إذا حكم المنجم في القضايا ** بحكم حازم فاردد عليه )
( فليس بعالم ما الله قاض ** فقدلني ولا تركن إليه )
وله
( لا تركنن إلى مقال منجم ** وكل الأمور إلى الآله وسلم )
( واعلم بأنك إن جعلت لكوكب ** تدبير حادثة فلست بمسلم )
وله كتاب الدر المنظم في اسم الله الأعظم وتولى ابتداء القضاء بنصيبين ثم ولي خطابة دمشق ثم لما زهد في الدنيا حج فلما رجع أقام بدمشق قليلا ثم سار إلى حلب فتوفي بها في رجب وفيها أبو البقاء محمد بن علي بن بقاء بن السباك البغدادي سمع من أبي الفتح بن شاتيل ونصر الله القزاز وجماعة وتوفي في شعبان وفيها السديد بن مكي بن المسلم بن مكي بن خلف ابن علان القيسي الدمشقي المعدل آخر أصحاب الحافظ أبي القسم بن عساكر وفاة وتفرد أيضا عن أبي الفهم عبد الرحمن بن أبي العجايز وأبي المعالي ابن خلدون وتوفي في عشرى صفر عن تسع وثمانين سنة
سنة ثلاث وخمسين وستمائة
فيها جاء سيل بدمشق فبلغ السيل بسوق الفاكهة من صالحية دمشق ستة أذرع وفيها توفي الشهاب القوصي أبو المحامد وأبو العرب وأبو الفداء وأبو الطاهر إسمعيل بن حامد بن عبد الرحمن بن المرجا بن المؤمل بن محمد بن علي بن إبراهيم بن نفيس بن سعد بن سعد بن عبادة بن الصامت الرئيس الفقيه الشافعي الأنصاري الخزرجي القوصي وكيل بيت المال بالشام وواقف الحلقة القوصية بالجامع ولد بقوص في المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ورحل إلى مصر القاهرة سنة تسعين ثم قدم إلى دمشق سنة إحدى
وتسعين واستوطنها وسمع الكثير ببلاد متعددة واتصل بالصاحب صفي الدين بن شكر وروى عن إسمعيل بن يس والأرتاحي والخشوعي وخلق كثير وخرج لنفسه معجما في أربع مجلدات كبار قال الذهبي فيه غلط كثير وكان أديبا إخباريا فصيحا مفوها بصيرا بالفقه وترسل إلى البلاد وولي وكالة بيت المال وتقدم عند الملوك ودرس بحلقته بجامع دمشق وكان يلبس الطيلسان المحنك والبزة الجميلة ويركب البغلة وتوفي بدمشق في ربيع الأول ودفن بداره التي وقفها دار حديث وفيها إقبال الشرابي بنى مدرسة بواسط وإلى جانبها جامعا وبنى ببغداد مدرسة في سوق السلطان وجدد بمكة الرباط الذي اشتهر به وعين عرفة التي في الموقف وأجرى ماءها لانتفاع الحج به وأوقف على ذلك أوقافا سنية وفيها سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس القيمري صاحب المارستان بصالحية دمشق كان من جلة الأمراء وأبطالهم المذكورين وصلحائهم المشهورين وهو ابن أخت صاحب قيمر توفي بنابلس ونقل فدفن بقبته التي بقرب مارستانه بالصالحية والدعاء عند قبره مستجاب وفيها ضياء الدين أبو محمد صقر بن يحيى بن سالم بن يحيى بن عيسى بن صقر المفتي الإمام المعمر الكلبي الحلبي الشافعي ولد قبل الستين وخمسمائة وروى عن يحيى الثقفي وجماعة وتوفي في صفر بحلب وفيها النظام البلخي محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الحنفي نزيل حلب ولد ببغداد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وتفقه بخراسان وسمع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي وكان فقيها مفتيا بصيرا بالمذهب توفي بحلب في جمادى الآخرة وفيها النور البلخي أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أحمد بن خلف المقرىء بالألحان ولد بدمشق سنة سبع وخمسين وخمسمائة وسمع بالقاهرة من التاج المسعودي واجتمع بالسلفي وأجاز له وسمع بالأسكندرية في سنة خمس وسبعين وسمع من المطهر الشحامي وتوفي في الرابع والعشرين
من ربيع الآخر وكان صالحا خيرا معمرا وفيها أبو الحجاج يوسف بن محمد بن إبراهيم الأنصاري البياسي بفتح الباء الموحدة والياء المثناة من تحت المشددة نسبة إلى بياسة مدينة كبيرة من كورجيان ولد يوم الخميس الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وهو أحد فضلاء الأندلس وحفاظها المتقنين كان أديبا بارعا فاضلا مطلعا على أقسام كلام العالم من النظم والنثر وراويا لوقائعها وحروبها وأيامها قال ابن خلكان بلغني أنه كان يحفظ كتاب الحماسة تأليف أبي تمام وديوان المتنبىء وسقط الزند وغير ذلك من الأشعار وتنقل في بلاد الأندلس وطاف أكثرها وألف لصاحب إفريقية كتابا سماه الأعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام ابتدأه بقتل عمر بن الخطاب وختمه بخروج الوليد بن طريف الشاري على هرون الرشيد وهو في مجلدين وله كتاب الحماسة في مجلدين أيضا ذكر فيه أشياء حسنة منها قول المجنون
( وعلقت ليلى وهي غر صغيرة ** ولم يبد للأتراب من ثديها حجم )
( صغيرين نرعى البهم ياليت إننا ** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم )
ومنها قول الوأواء الدمشقي
( وزائر راع كل الناس منطره ** أحلى من الأمن عند الخائف الوجل )
( ألقى على الليل ليلا من ذوائبه ** فهابه الصبح أن يبدو من الخجل )
( أراد بالهجر قتلي فاستجرت به ** فاستل بالوصل روحي من يدي أجلي )
( وصرت فيه أمير العاشقين وقد ** صارت ولاية أهل العشق من قبل )
ومنها قول علي بن عطية البلنسي الزقاق
( ومرتجة الأعطاف أما قوامها ** فلدن وأما ردفها فرداح )
( ألمت فبات الليل من قصر بها ** يطير وما غير السرور جناح )
( وبت وقد زارت لنا نعم ليله ** تعانقني حتى الصباح صباح )
( على عاتقي من ساعديها خمائل ** وفي خصرها من ساعدي وشاح )
وتوفي رحمه الله تعالى يوم الأحد الرابع من ذي القعدة بمدينة تونس
سنة أربع وخمسين وستمائة
فيها كان ظهور النار بظاهر المدينة النبوية على ساكنها الصلاة والسلام وكانت مصداق قوله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى وبقيت أياما قيل ثلاثة أشهر وكان نساء المدينة يغزلن على ضوئها وظن أهل المدينة أنها القيامة ظهرت من وادي أحيلين في الحرة الشرقية تدب دبيب النمل إلى جهة الشمال تأكل ما أتت عليه من أحجار وجبال ولا تأكل الشجر حتى أن صاحب المدينة الشريفة منيف بن شبحة أرسل اثنين ليأتياه بخبرها فدنيا منها فلم يجدا لها حرا فأخذ أحدهما سهما ومد به إليها فأكلت النصل دون العود ثم قلبه ومد بالطرف الآخر فأكلت الريش دون العود وكانت تذيب وتسبك ما مرت عليه من الجبال فسدت وادي شطاه بالحجر المسبوك بالنار سدا ولا كسد ذي القرنين واحتبس الماء خلفه فصار بحرا مد البصر طولا وعرضا كأنه نيل مصر عند زيادته ثم خرقه الماء سنة تسعين وستمائة فجرى الماء من الخرق سنة كاملة يملأ ما بين جنبتي الوادي ثم انسد ثم انخرق ثانية في العشر الأول بعد السبعمائة فجرى سنة وأزيد ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وفيها احترق المسجد النبوي ليلة الجمعة أول ليلة من رمضان بعد صلاة التراويح على يد الفراش أبي بكر المراغي بسقوط ذبالة من يده فأتت النار على جميع سقوفه ووقعت بعض السواري وذاب الرصاص وذلك قبل أن ينام الناس واحترق سقف الحجرة ووقع بعضه في الحجرة الشريفة وقال بعض الناس في ذلك
( لم يحترق حرم النبي لريبة ** تخشى عليه ولا دهاه العار )
( لكنما أيدي الروافض لامست ** ذاك الجناب فطهرته النار )
وقال ابن تولو المغربي
( قل للروافض بالمدينة مالكم ** يقتادكم للذم كل سفيه )
( ما أصبح الحرم الشريف محرقا ** إلا لذمكم الصحابة فيه )
وفيها غرقت بغداد الغرق الذي لم يسمع بمثله زادت دجلة زيادة ما رأى مثلها وغرق خلق كثير ووقع شيء كثير من الدور على أهلها وأشرف الناس على الهلاك وبقيت المراكب تمر في أزفة بغداد وركب الخليفة في مركب وابتهل الناس إلى الله تعالى بالدعاء وفيها تواترت الأخبار بوصول عساكر هلاكو إلى بلاد أذربيجان قاصدة بلاد الشام فوردت قصاد الخليفة بأن يصطلح الملك الناصر مع الملك العزيز صاحب مصر ويتفقا على قتال التتار فأجاب إلى ذلك وعاد إلى الشام وفيها توفي ابن وثيق شيخ القراء أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الأموي الأشبيلي المجود الحاذق ولد سنة سبع وستين وخمسمائة وذكر أنه قرأ القراآت السبع بغزة وغيرها سنة خمس وتسعين على غير واحد من أصحاب أبي الحسن شريح وأن أبا عبد الله ابن زرقون أجاز له فروى عنه التيسير بالإجازة وأقرأ بالموصل والشام ومصر وكان عالي الإسناد توفي بالأسكندرية في ربيع الآخر
وفيها الأمير مجاهد الدين إبراهيم بن ادنبا الذي بنى الخانقاة المجاهدية بدمشق على الشرف القبلي وكان والي دمشق عاقلا فاضلا ومن نظمه
( أشبهك الغصن في خصال ** القد واللين والتثني )
( لكن تجنيك ما حكاه ** الغصن يجنى وأنت تجني )
وله في مليح اسمه مالك
( ومليح قلت ما الاسم ** حبيبي قال مالك )
( قلت صف لي وجهك الزاهي ** وصف حسن اعتدالك )
( قال كالغصن وكالبدر ** وما أشبه ذلك )
توفي بدمشق ودفن بخانقاته المذكورة وفيها بشارة بن عبد الله الأرمني الكاتب مولى شبل الدولة المعظمي كان يكتب خطا حسنا دفن بسفح قاسيون وذريته يدعون النظر على الذرية وعلى الخانقاة الشبلية
وفيها الحافظ ابن شاهاور عبد الله بن محمد بن شاهاور بن أنوشروان بن أبي النجيب الرازي كان حافظا فاضلا غزير العلم صاحب مقامات وكرامات وآثار وفيها العماد بن النحاس الأصم أبو بكر عبد الله بن أبي المجد الحسن بن الحسين بن علي الأنصاري الدمشقي ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وسمع من أبي سعد بن أبي عصرون وكان آخر من روى عنه ومن الفضل بن البانياسي ويحيى الثقفي وجماعة وسمع بنيسابور من منصور الفراوي وبأصبهان من علي بن منصور الثقفي وكان ثقة خيرا نبيلا به صمم مفرط سمع الناس من لفظه ومات في الثاني والعشرين من صفر
وفيها شمس الدين عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي مدرس الرواحية وأجل أصحاب ابن الصلاح وأعرفهم بالمذهب توفي في ربيع الآخر وقد تفقه به جماعة وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن قرناص الحموي أحد الأعيان العلماء الفضلاء في الفقه والأدب تزهد في صباه وامتنع من قول الشعر إلا في الزهد ومدح النبي صلى الله عليه وسلم ومن شعره
( يا من غدا وجهه روض العيون لما ** أعاره الحسن من أنواع أزهار )
( نعمت طرفي وأودعت الحشا حرقا ** فالطرف في جنة والقلب في نار )
وله أشياء مستحسنة جدا وفيها زكي الدين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر المصري وعرف بابن أبي الأصبع صنف كتاب تحرير التحبير في البديع لم يصنف مثله ومن شعره المستجاد
( تبسم لما أن بكيت من الهجر ** فقلت ترى دمعي فقال ترى ثغري )
( فديتك لما أن بكيت تنظمت ** بفيك لآلي الدمع عقدا من الدر )
( فلا تدعي يا شاعر الثغر صنعه ** فكانت دموعي قال ذا النظم من ثغري )
وفيها الصوري أبو الحسن علي بن يوسف الدمشقي التاجر السفار سمع من المؤيد الطوسي وجماعة وكان ذا بر وصدقة توفي في المحرم
وفيها الشيخ الكبير عيسى بن أحمد بن الياس اليونيني الزاهد صاحب الشيخ عبد الله كان عابدا زاهدا صواما قواما خائفا قانتا لله تعالى متبتلا منقطع القرين صاحب أحوال وإخلاص إلا أنه كان حاد النفس ولذلك قيل له سلاب الأحوال وكان خشن العيش في ملبسه ومأكله توفي في ذي القعدة ودفن بزاويته بيونين وفيها ابن المقدسية العدل شرف الدين أبو بكر محمد بن الحسن بن عبد السلام التميمي السفاقسي الأصل الأسكندراني المالكي ولد في أول سنة ثلاث وسبعين وأحضره خاله الحافظ بن المفضل قراءة المسلسل بالاولية عند السلفي واستجازه له ثم أسمعه من أحمد بن عبد الرحمن الحضرمي وغيره توفي في جمادى الأولى وله مشيخة خرجها منصور بن سليم الحافظ وفيها الكمال بن الشعار أبو البركات المبارك بن أبي بكر بن حمدان الموصلي مؤلف عقود الجمان في شعراء الزمان توفي بحلب
وفيها مجير الدين يعقوب بن الملك العادل ويلقب هو بالملك المعز كان فاضلا أجاز له أبو روح الهروي وطائفة وتوفي في ذي القعدة ودفن بالتربة عند أبيه وفيها سبط ابن الجوزي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن فرغلي التركي ثم البغدادي الهبيري الحنفي سبط
الشيخ أبي الفرج بن الجوزي أسمعه جده منه ومن ابن كليب وجماعة وقدم دمشق سنة بضع وستمائة فوعظ بها وحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبة وعظه وله تفسير في تسع وعشرين مجلدا وشرح الجامع الكبير وكتاب مرآة الزمان وهو كتاب كاسمه وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليا وكان وافر الحرمة عند الملوك نقله الملك المعظم إلى مذهب أبي حنيفة فانتقد عليه ذلك كثير من الناس حتى قال له بعض أرباب الأحوال وهو على المنبر إذا كان للرجل كبير ما يرجع عنه إلا بعيب ظهر له فيه فأي شيء ظهر لك في الإمام أحمد حتى رجعت عنه فقال له اسكت فقال الفقير أما أنا فسكت وأما أنت فتكلم فرام الكلام فلم يستطع فنزل عن المنبر ولو لم يكن له إلا كتابه مرآة الزمان لكفاه شرفا فإنه سلك في جمعه مسلكا غريبا ابتدأه من أول الزمان إلى أوائل سنة أربع وخمسين وستمائة التي توفي فيها مات رحمه الله ليلة الثلاثاء العشرين من ذي الحجة بمنزله بجبل الصالحية ودفن هناك وحضر دفنه الملك الناصر سلطان الشام رحمه الله تعالى رحمة واسعة
سنة خمس وخمسين وستمائة
فيها شاع الخبر أن الملك المعز صاحب مصر يتزوج بابنة صاحب الموصل فعظم ذلك على زوجته شجرة الدر وعزمت على الفتك به واتفقت مع جماعة من الخدم ووعدتهم بأموال عظيمة فركب المعز للعب الكرة وجاء تعبان فدخل الحمام يغتسل فلما صار عريانا رمته الخدام إلى الأرض وخنقوه ليلا ولم يدر به أحد فأصبح الناس من الأمراء والكبراء على عادتهم للخدمة فإذا هو ميت فاختبطت المدينة ثم سلطنوا بعده ابنه الملك المنصور عليا
وفيها وصلت التتار إلى الموصل وخربوا بلادها
وفيها توفي العلامة ابن باطيش بالشين المعجمة عماد الدين أبو المجد إسماعيل
ابن هبة الله بن سعيد بن هبة الله بن محمد الموصلي الشافعي ولد في محرم سنة خمس وسبعين وخمسمائة ودخل بغداد فتفقه بها وسمع بها من ابن الجوزي وغيره وبحلب من حنبل وبدمشق من جماعة وخرج لنفسه أحاديث عن شيوخه ودرس وأفتى وصنف تصانيف حسنة منها طبقات الشافعية وكتاب المغني في غريب المهذب وكان من أعيان الأئمة عارفا بالأصول قوي المشاركة في العلوم لكن في كتابه المغنى أوهام كثيرة نبه النووي في تهذيبه على كثير منها توفي في حلب في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى
وفيها المعز عز الدين أيبك التركماني الصالحي صاحب مصر جهاشنكير الملك الصالح كان ذا عقل ودين وترك للمسكن تملك في ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ثم أقاموا معه باسم السلطنة الأشرف يوسف بن الناصر يوسف بن أقسيس وله عشر سنين وبقي المعز أتابكه وهذا بعد خمسة أيام من سلطنة المعز فكان يخرج التوقيع وصورته رسم بالأمر العالي السلطاني الأشرفي والملكي المعزي ثم بطل أمر الأشرف بعد مديدة وجرت لأيبك أمور إلى أن خطب ابنة صاحب الموصل فغارت أم خليل شجرة الدر وقتلته في الحمام فقتلوها وملكوا ولده عليا وله خمس عشرة سنة وكان أيبك عفيفا طاهر الذيل لا يمنع أحدا حاجة ولا يشرب مسكرا كثير المداراة للأمراء وبنى المدرسة المعزية على النيل ووقف عليها وقفا جيدا وفيها شجرة الدر أم خليل كانت بارعة الحسن ذات ذكاء وعقل ودهاء فأحبها الملك الصالح ولما توفي أخفت موته وكانت تعلم بخطها علامته ونالت من السعادة أعلى الرتب بحيث أنها خطب لها على المنابر وملكوها عليهم أياما فلم يتم ذلك وتملك المعز أيبك فتزوج بها وكانت ربما تحكم عليه وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة وآل أمرها إلى أن قتلت وألقيت تحت قلعة مصر مسلوبة ولم يدر قاتلها ثم دفنت بتربتها
وفيها البدرائي العلامة نجم الدين أبو محمد عبد الله بن أبي الوفاء محمد بن الحسن الشافعي الفرضي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع من جماعة وتفقه وبرع في المذهب ودرس بالنظامية وترسل غير مرة وحدث بحلب ودمشق ومصر وبغداد وبنى بدمشق المدرسة الكبيرة المشهورة به وتعرف بالبدرائية قال الذهبي كان فقيها عالما دينا صدرا محتشما جليل القدر وافر الحرمة متواضعا دمث الأخلاق منبسطا وقد ولي القضاء ببغداد على كره وتوفي بعد خمسة عشر يوما في ذي القعدة وعافاه الله تعالى من كائنة التتار وقال السيوطي في لباب الأنساب البادرائي بفتح الموحدة والدال والراء المهملتين نسبة إلى بادرايا قرية من عمل واسط وفيها اليلداني المحدث المسند تقي الدين عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي أبو محمد اليلداني الشافعي كان من الحفاظ المكثرين والأثبات المصنفين ولد بيلدا قرية من قرى دمشق في أول سنة ثمان وستين وخمسمائة وطلب الحديث وقد كبر ورحل وسمع من ابن كليب وابن بوش وطبقتهما وكتب الكثير وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في النوم أنت رجل جيد توفي بقريته وكان خطيبها في ثامن ربيع الأول وفيها المرسي العلامة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الفضل السلمي الأندلسي المحدث المفسر النحوي ولد سنة سبعين وخمسمائة في أولها وسمع الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله ورحل إلى أن وصل إلى أقصى خراسان وسمع الكثير من منصور الفراوي وأبي روح والكبار وكان كثير الأسفار والتطواف جماعة لفنون العلم ذكيا ثاقب الذهن له تصانيف كثيرة مع زهد وورع وفقر وتعفف سئل عنه الحافظ الضياء فقال فقيه مناظر نحوي من أهل السنة صحبنا وما رأينا منه إلا خيرا وقال الذهبي توفي في نصف ربيع الأول في الطريق ودفن بتل الزعقة رحمه الله تعالى
سنة ست وخمسين وستمائة
فيها قتل المستعصم بالله أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله أبي جعفر منصور بن الظاهر محمد بن الناصر العباسي آخر الخلفاء العراقيين وكانت دولتهم خمسمائة سنة وأربعا وعشرين سنة ولد أبو أحمد هذا سنة تسع وستمائة في خلافة جد أبيه وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وسمع من علي ابن النيار الذي لقنه الختمة وروى عنه محي الدين بن الجوزي ونجم الدين البادراي بالإجازة واستخلف في جمادى الأولى سنة أربعين وكان حليما كريما سليم الباطن قليل الرأي حسن الديانة مبغضا للبدعة في الجملة ختم له بخير فإن الكافر هلاكو أمر به وبولده فرفسا حتى ماتا وذلك في آخر المحرم وكان الأمر أشغل من أن يوجد مؤرخ لموته أو مواراة جسده وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين وكان سبب قتلهما أن المؤيد العلقمي الوزير قاتله الله كاتب التتار وحرضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي فظن المخذول أن الأمر يتم له وأنه يقيم خليفة علويا فأرسل أخاه ومملوكه إلى هلاكو وسهل عليه أخذ بغداد وطلب أن يكون نائبا له عليها فوعدوه بالأماني وساروا فأخذ لولو صاحب الموصل يهيىء للتتار الإقامات ويكاتب الخليفة سرا فكان ابن العلقمي قبحه الله لا يدع تلك المكاتبات تصل إلى الخليفة مع أنها لو وصلت لما أجدت لأن الخليفة كان يرد الأمر إليه فلما تحقق الأمر بعث ولد محي الدين بن الخوارزمي رسولا إلى هلاكو يعده بالأموال والغنائم فركب هلاكو في مائتي ألف من التتار والكرج ومدد من صاحب الموصل مع ولده الصالح إسمعيل فخرج ركن الدين الدوادار فالتقى بأخوايين وكان على مقدمة هلاكو فانكسر المسلمون ثم سارباجو فنزل من غربي بغداد ونزل هلاكو من شرقيها
فأشار ابن العلقمي على المستعصم بالله أن اخرج إليهم في تقرير الصلح فخرج الخبيث وتوثق لنفسه ورجع فقال أن الملك قد رغب أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكروان تكون الطاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية ثم يترحل فخرج إليه المستعصم في أعيان الدولة ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه فخرجوا فضربت رقاب الجميع وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة وتضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع ثم دخلت حينئذ التتار بغداد وبذلوا السيف واستمر القتل والسبي نحو أربعين يوما ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة وقتل الخليفة رفسا ويقال ان هلاكو أمر بعد القتلى فبلغوا ألف ألف وثمانمائة ألف وكسر فعند ذلك نودي بالأمان ثم أمر هلاكو بأخوايين فضربت عنقه لأنه بلغه أنه كاتب الخليفة وكانت بلية لم يصب الإسلام بمثلها وعملت الشعراء قصائد في مراثي بغداد وأهلها وتمثل بقول سبط التعاويذي
( بادت وأهلوها معا فبيوتهم ** ببقاء مولانا الوزير خراب )
وقال بعضهم
( يا عصبة الإسلام نوحي واندبي ** حزنا على ما تم للمستعصم )
( دست الوزارة كان قبل زمانه ** لابن الفرات فصار لابن العلقمي )
وكان آخر خطبة خطبت ببغداد أن قال الخطيب في أولها الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار وحكم بالفناء على أهل هذه الدار وقال تقي الدين بن أبي اليسر قصيدته في بغداد وهي
( لسائل الدمع عن بغداد أخبار ** فما وقوفك والأحباب قد ساروا )
( يا زائرين إلى الزوراء لا تفدوا ** فما بذاك الحمى والدار ديار )
( تاج الخلافة والربع الذي شرفت ** به المعالم قد عفاه أقفار )
( أضحى لعطف البلى في ربعه أثر ** وللدموع على الآثار آثار )
( يا نار قلبي من نار لحرب وغى ** شبت عليه ووافى الربع إعصار )
( علا الصليب على أعلى منابرها ** وقام بالأمر من يحويه زنار )
( وكم حريم سبته الترك غاصبة ** وكان من دون ذاك الستر أستار )
( وكم بدور على البدرية انخسفت ** ولم يعد لبدور منه أبدار )
( وكم ذخائر أضحت وهي شائعة ** من النهاب وقد حازته كفار )
( وكم حدود أقيمت من سيوفهم ** على الرقاب وحطت فيه أوزار )
( ناديت والسبي مهتوك تجرهم ** إلى السفاح من الأعداء ذعار )
ولما فرغ هلاكو من قتل الخليفة وأهل بغداد أقام على العراق نوابه وكان ابن العلقمي حسن لهم أن يقيموا خليفة علويا فلم يوافقوه وأطرحوه وصار معهم في صورة بعض الغلمان ومات كمدا لا رحمه الله
وهو مؤيد الدين محمد بن أحمد وزير الإمام المستعصم بالله كان فاضلا متغاليا في التشيع إلى غاية ما يكون عامل التتار ليظفر ببغيته فلم ينل منهم ذلك وكان ينشد وهو في حالة الهوان وجرى القضاء بعكس ما أملته ثم أرسل هلاكو إلى الناصر صاحب دمشق كتابا صورته يعلم سلطان مصر ناصر طال بقاؤه أنا لما توجهنا إلى العراق وخرج إلينا جنودهم فقتلناهم بسيف الله ثم خرج إلينا رؤساء البلد ومقدموها فكان قصارى كلامهم سببا لهلاك نفوس تستحق الإهلاك وأما ما كان من صاحب البلد فإنه خرج إلى خدمتنا ودخل تحت عبودتنا فسألناه عن أشياء كذبنا فيها فاستحق الإعدام وكان كذبه ظاهرا ووجدوا ما عملوا حاضرا أجب ملك البسيطة ولا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات ولقد بلغنا أن شذرة من العسكر التجأت إليك هاربة وإلى جنابك لائذة
( أين المفر ولا مفر لهارب ** ولنا البسيطان الثرى والماء )
فساعة وقوفك على كتابنا تجعل قلاع الشام سماءها أرضها وطولها عرضها
والسلام ثم أرسل له كتابا ثانيا يقول فيه خدمة ملك ناصر أطال عمره أما بعد فإنا فتحنا بغداد واستأصلنا ملكها وملكها إلى هنا وكان ظن وقد ضن بالأموال ولم ينافس الرجال أن ملكه يبقى على ذلك الحال وقد علا ذكره ونما قدره فخسف في الكمال بدره
( إذا تم أمر بدا نقصه ** توقع زوالا إذا قيل تم )
ونحن في طلب الإزدياد على ممر الآباد فلا تكن كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم وأبد ما في نفسك إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان أجب دعوة ملك البسيطة تأمن شره وتنال بره واسع إليه برجالك وأموالك ولا تعوق رسولنا والسلام ثم أرسل كتابا ثالثا يقول فيه أما بعد فنحن جنود الله بنا ينتقم ممن عتا وتجبر وطغى وتكبر وبأمر الله ما ائتمر أن عوتب تنمر وأن روجع استمر وتجبر ونحن قد أهلكنا البلاد وأبدنا العباد وقتلنا النسوان والأولاد فأيها الباقون أنتم بمن مضى لاحقون ويا أيها الغافلون أنتم إليهم تساقون ونحن جيوش الهلكة لا جيوش المملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لا يرام ونزيلنا لا يضام وعدلنا في ملكنا قد اشتهر ومن سيوفنا أين المفر
( أين المفر ولا مفر لهارب ** ولنا البسيطان الثرى والماء )
( ذلت لهيبتنا الأسود فأصبحت ** في قبضتي الأمراء والخلفاء )
ونحن إليكم صائرون ولكم طالبون ولكم الهرب وعلينا الطلب
( ستعلم ليلى أي دين تداينت ** وأي غريم بالتقاضي غريمها )
دمرنا البلاد وأيتمنا الأولاد وأهلكنا العباد وأذقناهم العذاب وجعلنا عظيمهم صغيرا وأميرهم أسيرا أتحسبون أنكم منا ناجون أو متخلصون وعن قليل سوف تعلمون على ما تقدمون وقد أعذر من أنذر والسلام
وفيها توفي أبو العباس القرطبي أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري
المالكي المحدث الشاهد نزيل الأسكندرية كان من كبار الأئمة ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة وسمع بالمغرب من جماعة واختصر الصحيحين وصنف كتاب المفهم في شرح مختصر مسلم وتوفي في ذي القعدة
وفيها ابن الحلاوي شرف الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن أبي الوفا الهزبر له فضيلة تامة وشعره في غاية الجودة والرقة فمن ذلك قوله
( وافى يطوف بها الغزال الأغيد ** حمراء من وجناته تتوقد )
( مالت به وأماله سكر الصبا ** فنديمها كمديرها يتأود )
( ثقلت مآزره وأرهف لحظه ** فالقائلان مثقل ومحدد )
( فإذا انثنى وإذا رنا فقوامه ** واللحظ منه مثقف ومهند )
ومدح الملوك والكبار وعاش ثلاثا وخمسين سنة وكان في خدمة صاحب الموصل وفيها الزعبي بفتح الزاي نسبة إلى زعب بطن من سليم أبو إسحق إبراهيم بن أبي بكر بن إسمعيل بن علي الحمامي روى كتاب الشكر عن ابن شاتيل ومات في المحرم ببغداد وفيها الصدر البكري أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك التيمي النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي الحافظ ولد سنة أربع وسبعين وخمسمائة وسمع بمكة من عمر المبانشي وبدمشق من ابن طبرزد وبخراسان من أبي روح وبأصبهان من أبي الفتوح وابن الجنيد وكتب الكثير وعنى بهذا الشأن أتم عناية وجمع وصنف وشرع في موسدة ذيل على تاريخ ابن عساكر وولى مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق وعظم في دولة المعظم ثم فتر سوقه وابتلي بالفالج قبل موته بأعوام ثم تحول إلى مصر فمات بها في حادي عشر ذي الحجة ضعفه بعضهم وقال الزكي البرزالي كان كثير التخليط وفيها الشرف الأربلي العلامة أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الهدناني الشافعي اللغوي ولد سنة ثمان وستين وخمسمائة بأربل وسمع بدمشق من الخشوعي وطائفة وحفظ على الكندي خطب
ابن نباتة وديوان المتنبي ومقامات الحريري وكان يعرف اللغة ويقرئها توفي في ثاني ذي القعدة وفيها العماد داود بن عمر بن يوسف أبو المعالي الزبيدي المقدسي الشافعي الدمشقي الأباري خطيب بيت الآبار ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي والقسم وطائفة وكان فصيحا خطيبا بليغا لا يكاد يسمع موعظة أحد إلا يبكي ولي خطابة دمشق وتدريس الغزالية بعد ابن عبد السلام ثم عزل بعد ست سنين وعاد إلى خطابة القرية وبها توفي في شعبان ودفن هناك وفيها الملك الناصر داود بن المعظم بن العادل صاحب الكرك صلاح الدين أبو المفاخر ولد سنة ثلاث وستمائة وأجاز له المؤيد الطوسي وسمع ببغداد من القطيعي وكان حنفيا فاضلا مناظرا ذكيا بصيرا بالأدب بديع النظم كثير المحاسن ملك دمشق بعد أبيه ثم أخذها منه عمه الأشرف فتحول إلى مدينة الكرك فملكها إحدى عشرة سنة ثم عمل عليه ابنه وسلمها إلى صاحب مصر الصالح وزالت مملكته وكان جوادا ممدحا ومن شعره يفضل الجارية على الغلام
( أحب الغادة الحسناء ترنو ** بمقلة جؤذر فيها فتور )
( ولا أصبو إلى رشأ غرير ** وإن فتن الورى الرشأ الغرير )
( وأنى يستوي شمس وبدر ** ومنها يستمد ويستنير )
( وهل تبدو الغزالة في سماء ** فيظهر عندها للبدر نور )
وله
( قلبي وطرفك قاتل وشهيد ** ودمي على خديك منه شهود )
( يا أيها الرشأ الذي لحظاته ** كم دونهن صوارم وأسود )
( ومن العجائب أن قلبك لم يلن ** لي والحديد ألانه داود )
توفي رحمه الله بظاهر دمشق بقرية البويضاء ودفن عند والده الملك المعظم في جمادى الأولى وكانت أمه خوارزمية عاشت بعده مدة
وفيها بهاء الدين زهير بن محمد بن علي بن يحيى الصاحب المنشىء أبو الفضل وأبو العلاء الأزدي المهلبي المكي ثم القوصي الكاتب له ديوان مشهور ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وكتب الإنشاء للملك الصالح نجم الدين ببلاد المشرق فلما تسلطن بلغه أعلى المراتب ونفذه رسولا ولما مرض بالمنصورة تغير عليه وأبعده لأنه كان سريع التخيل والغضب والمعاقبة على الوهم ثم اتصل البهاء زهير بالناصر صاحب الشام وله فيه مدائح وكان ذا مروءة ومكارم ومن شعره
( يطيب لقلبي أن يطيب غرامه ** وأيسر ما يلقاه منه حمامه )
( وأعجب منه كيف يقنع بالمنى ** ويرضيه من طيف الخيال لمامه )
ومنها
( وما الغصن إلا ما حوته بروده ** وما البدر إلا ما حواه لثامه )
( خذوا لي من البدر الذمام فإنه ** أخوه لعلي نافع لي ذمامه )
ومن شعره أيضا
( أنا زهيرك ليس إلا ** جود كفك لي مزينه )
( أهوى جميل الذكر عنك ** كأنما هو لي بثينه )
( فاسأل ضميرك عن وداد ** إنه فيه جهينه )
ومنه أيضا
( بروحي من أسميتها بستي ** فترمقني النحاة بعين مقت )
( يظنوا أنني قد قلت لحنا ** وكيف وأنني لزهير وقتي )
( وقد ملكت جهاتي الست طرا ** فلا عجب إذا ما قلت ستي )
قال ابن خلكان وشعره كله لطيف وهو كما يقال السهل الممتنع وأجازني رواية ديوانه وهو كثير الوجود بأيدي الناس قال وكان مسه ألم فأقام به أياما ثم توفي قبل المغرب يوم الأحد رابع ذي القعدة ودفن من الغد بعد
صلاة الظهر بتربة بالقرافة الصغرى بالقرب من قبة الإمام الشافعي رضي الله عنه في جهتها القبلية ولم يتفق لي الصلاة عليه لاشتغالي بالمرض
وفيها الكفر طابي أبو الفضل عبد العزيز بن عبد الوهاب بن بيان القواس الرامي الأستاذ ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع الكثير من يحيى الثقفي وعمر دهرا وتوفي في الحادي والعشرين من شوال بدمشق
وفيها أبو العز بن صديق عبد العزيز بن محمد بن أحمد الحراني وهو بكنيته أشهر ولهذا سماه بعضهم ثابتا سمع من عبد الوهاب بن أبي حبة وحدث بدمشق وبها توفي في جمادى الأولى وفيها الحافظ الكبير زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة المنذري الشامي ثم المصري الشافعي صاحب التصانيف ولد سنة إحدى وثمانين خمسمائة وسمع من الأرتاحي وأبي الجود وابن طبرزد وخلق وتخرج بأبي الحسن علي بن المفضل ولزمه مدة وله معجم كبير مروي ولي مشيخة الكاملية مدة وانقطع بها نحوا من عشرين سنة مكبا على العلم والإفادة قال ابن ناصر الدين كان حافظا كبيرا حجة ثقة عمدة له كتاب الترغيب والترهيب والتكملة لوفيات النقلة انتهى وقال ابن شهبة برع في العربية والفقه وسمع الحديث بمكة ودمشق وحران والرها والأسكندرية وروى عنه الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وأبو الحسين اليونيني وخلق وتخرج به العلماء في فنون من العلم وبه تخرج الدمياطي وابن دقيق العيد والشريف عز الدين وطائفة في علوم الحديث قال الشريف عز الدين كان عديم النظير في معرفة علم الحديث على اختلاف فنونه عالما بصحيحه وسقيمه ومعلوله وطرقه متبحرا في معرفة أحكامه ومعانيه ومشكلة قيما بمعرفة غريبه وإعرابه واختلاف ألفاظه ماهرا في معرفة رواته وجرحهم وتعديلهم ووفياتهم ومواليدهم
وأخبارهم إماما حجة ثبتا ورعا متحريا فيما يقوله متثبتا فيما يرويه وقال الذهبي لم يكن في زمانه أحفظ منه ومن تصانيفه مختصر مسلم ومختصر سنن أبي داود وله عليه حواش مفيدة وكتاب الترغيب والترهيب في مجلدين وهو كتاب نفيس توفي رحمه الله تعالى في رابع ذي القعدة ودفن بسفح المقطم
وفيها جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي المحدث ولد يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع بالقدس من أبي عبد الله ابن البنا وحدث بنابلس قال الشريف عز الدين كان له سعة وفيه فضل توفي في ذي القعدة بنابلس وفيها موفق الدين أبو محمد عبد القاهر بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبد العزيز بن الفوطي البغدادي الحنبلي الأديب قال ابن الساعي كان إماما ثقة أديبا فاضلا حافظا للقرآن عالما بالعربية واللغة والنجوم كاتبا شاعرا صاحب أمثال وكان فقيرا ذا عيال ولم يوافق نفسه على خيانة ولي كتابة ديوان العرض وقتل صبرا في الواقعة ببغداد
وفيها ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي الأسدي الدمشقي الناسخ كان له إجازة من السلفي فروى بها الكثير وتوفي في ثالث ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة وفيها الشاذلي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية سكن الأسكندرية وصحبه بها جماعة وله في التصوف مشكلة توهم ويتكلف له في الاعتذار عنها وعنه أخذ الشيخ أبو العباس المرسي قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقات الأولياء علي أبو الحسن الشاذلي السيد الشريف من ذرية محمد بن الحسن زعيم الطائفة الشاذلية نسبة إلى شاذلة قرية بأفريقية نشأ ببلده فاشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها وصار يناظر عليها مع كونه ضريرا ثم سلك منهاج التصوف وجد واجتهد حتى ظهر صلاحه
وخيره وطار في فضاء الفضائل طيره وحمد في طريق القوم سراه وسيره نظم فرقق ولطف وتكلم على الناس فقرط الأسماع وشنف وطاف وجال ولقي الرجال وقدم إلى أسكندرية من المغرب وصار يلازم ثغرها من الفجر إلى المغرب وينتفع الناس بحديثه الحسن وكلامه المطرب وتحول إلى الديار المصرية وأظهر فيها طريقته المرضية ونشر سيرته السرية وله أحزاب محفوظة وأحوال بعين العناية ملحوظة قيل له من شيخك فقال أما فيما مضى فعبد السلام بن بشيش وأما الآن فإني أسقي من عشرة أبحر خمسة سماوية وخمسة أرضية ولما قدم أسكندرية كان بها أبو الفتح الواسطي فوقف بظاهرها واستأذنه فقال طاقية لا تسع رأسين فمات أبو الفتح في تلك الليلة وذلك لأن من دخل بلدا على فقير بغير إذنه فمهما كان أحدهما أعلى سلبه أو قتله ولذلك ندبوا الاستئذان وحج مرارا ومات قاصدا الحج في طريقه قال ابن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله منه ومع ذلك آذوه وأخرجوه بجماعته من المغرب وكتبوا إلى نائب أسكندرية أنه يقدم عليكم مغربي زنديق وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه فدخل أسكندرية فآذوه فظهرت له كرامات أوجبت اعتقاده ومن كلامه كل علم تسبق إليك فيه الخواطر وتميل النفس وتلتذ به فارم به وخذ بالكتاب والسنة وكان إذا ركب تمشى أكابر الفقراء وأهل الدينا حوله وتنشر الأعلام على رأسه وتضرب الكوسات بين يديه وينادي النقيب أمامه بأمره له من أراد القطب الغوث فعليه بالشاذلي قال الحنفي اطلعت على مقام الجيلاني والشاذلي فإذا مقام الشاذلي أرفع ومن كلام الشاذلي لولا لجام الشريعة على لساني لأخبرتكم بما يحدث في غد وما بعده إلى يوم القيامة وقد أفرد التاج بن عطاء الله مولفا حافلا لترجمته وكلامه مات رحمه الله تعالى بصحراء عيذاب قاصدا للحج في أواخر ذي القعدة ودفن هناك انتهى ملخصا
وفيها سيف الدين بن المشد سلطان الشعراء صاحب الديوان المشهور الأمير أبو الحسن علي بن عمر بن قزل التركماني ولد سنة اثنتين وستمائة بمصر وكان فاضلا كثير الخير والصدقات ذا مروءة ومن شعره
( بشرى لأهل الهوى عاشوا به سعدا ** وإن يموتوا فهم من جملة الشهدا )
( شعارهم رقة الشكوى ومذهبهم ** أن الضلالة تيه في الغرام هدى )
( عيونهم في ظلام الليل ساهرة ** عبرى وأنفاسهم تحت الدجى صعدا )
( تجرعوا كأس خمر الحب مترعة ** ظلوا سكارى فظنوا غيهم رشدا )
( وعاسل القد معسول مقبله ** كالغصن لما انثنى والبدر حين بدا )
( نادمته وثغور البرق باسمة ** والغيث ينزل منحلا ومنعقدا )
( كأن جلق حيا الله ساكنها ** أهدت إلى النور من أزهارها مددا )
( فاسترسل الجو منهلا يزيد على ** ثورا ويعقد محلول الندى بردا )
ومن شعره أيضا
( بين الجفون مصارع العشاق ** فخذوا حذاركم من الأحداق )
( فهي السهام بل السيوف وإنها ** أمضى وأنكى في حشا المشتاق )
توفي رحمه الله في تاسع المحرم بدمشق ودفن بقاسيون
وفيها النشبي المحدث شمس الدين أبو الحسن علي بن المظفر بن القسم الربعي النشبي الدمشقي نائب الحسبة سمع الكثير من الخشوعي والقسم بن عساكر وخلق وكان فصيحا طيب الصوت بالقراءة كتب الكثير وكان يؤدب ثم صار شاهدا توفي في ربيع الأول وقد جاوز التسعين
وفيها الشيخ علي الخباز الزاهد أحد مشايخ العراق له زاوية واتباع وأحوال وكرامات وفيها ابن عوه أبو حفص عمر بن أبي نصر بن أبي الفتح الجزري التاجر السفار العدل حدث بدمشق عن البوصيري وتوفي في ذي الحجة وكان صالحا وفيها الموفق بن أبي الحديد أبو المعالي
القسم بن هبة الله بن محمد بن محمد المدايني المتكلم الأشعري الكاتب المنشىء البليغ كان فقيها أديبا شاعرا محسنا مشاركا في أكثر العلوم فمن شعره
( استر لثامك حتى يستر اللعس ** وقف ليبعد عن أعطافك الميس )
( إني أخاف على حسن حبيت به ** إصابة العين أن العين تختلس )
( يا غاصب الخشف أوصافا مكملة ** لم يبق للخشف إلا السوق والخنس )
( وفاضح البدران البدر مقتبس ** من التي هي من خديك تقتبس )
( معدل الخلق لا طول ولا قصر ** مكمل الخلق لا هين ولا شرس )
( حموه عن كل ما يشفي العليل به ** حتى على طيفه من شكله حرس )
( قد كنت أبصر صبحا في محبته ** فعاد وهو بعيني كله غلس )
توفي ببغداد في رجب وفيها الإمام شعلة أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسين الموصلي الحنبلي المقرىء العلامة شارخ الشاطبية قرأ القرآن على أبي الحسن علي بن عبد العزيز الأربلي وغيره وتفقه وقرأ العربية وبرع في الأدب والقراءات وصنف تصانيف كثيرة ونظم الشعر الحسن قال الذهبي كان شابا فاضلا ومقرئا محققا ذا ذكاء مفرط وفهم ثاقب ومعرفة تامة بالعربية واللغة وشعره في غاية الجودة نظم في الفقه وفي التاريخ وغيره ونظم كتاب الشمعة في القراءات السبعة وكان مع فرط ذكائه صالحا زاهدا متواضعا كان شيخنا التقى المقصاتي يصف شمائله وفضائله ويثني عليه وكان قد حضر بحوثه وقال ابن رجب له تصانيف كثيرة أكثرها في القراءات منها شرح الشاطبية وكتاب الناسخ والمنسوخ وكلامه فيه يدل على تحقيقه وعلمه وله كتاب فضائل الأئمة الأربعة ومن نظمه قوله
( دع عنك ذكر فلانة وفلان ** واجنب لما يلهي عن الرحمن )
( واعلم بأن الموت يأتي بغتة ** وجميع ما فوق البسيطة فان )
( فإلى متى تلهو وقلبك غافل ** عن ذكر يوم الحشر والميزان )
( أتراك لم تك سامعا ما قد أتى ** في النص بالآيات والقرآن )
( فانظر بعين الاعتبار ولا تكن ** ذا غفلة عن طاعة الديان )
( واقصد لمذهب أحمد بن محمد ** أعني ابن حنبل الفتى الشيباني )
( فهو الإمام مقيم دين المصطفى ** من بعد درس معالم الإيمان )
( أحيا الهدى وأقام في أحيائه ** متجردا للضرب غير جبان )
( تعلوه أسياط الأعادي وهو لا ** ينفك عن حق إلى بهتان )
( وعزلت عن قول النبي وصحبه ** وجميع من تبعوه بالإحسان )
( أترون أني خائف من ضربكم ** لا والإله الواحد المنان )
( كن حنبليا ما حييت فإنني ** أوصيك خير وصية الإخوان )
( ولقد نصحتك إن قبلت فاحمد ** زين التقاة وسيد الفتيان )
( ماذا أقام وقد أقام إمامنا ** متجردا من غير ما أعوان )
( مستعذبا للمرفى نصر الهدى ** متجرعا لمضاضة السلطان )
( وسلا بمهجته وبايع ربه ** أن لا يطيع أئمة العدوان )
( وأقام تحت الضرب حتى أنه ** دحض الضلال وفتنة الفتان )
( وأتى برمح الحق يطعن في العدا ** أهل الضلال وشرعة الشيطان )
( من ذا لقي ما قد لقيه من الأذى ** في ربه من ساكني البلدان )
( فعلى ابن حنبل السلام وصحبه ** ما ناحت الورقاء في الأغصان )
( إني لأرجو أن أفوز بحبه ** وأنال في بعث رضا الرحمن )
( حمدا لربي إذ هداني دينه ** وعلى شريعة أحمد أنشاني )
( واختار مذهب أحمد لي مذهبا ** ومن الهوى والغي قد أنجاني )
( من ذا يقوم من العباد بشكر ما ** أولاه سيده من الإحسان )
قال الذهبي توفي في صفر بالموصل وله ثلاث وثلاثون سنة رحمه الله تعالى
وفيها الأديب الفاضل سعد الدين محمد بن الشيخ محي الدين محمد بن العربي الحاتمي الطائي ولد بملطية وسمع الحديث ودرس وله ديوان مشهور وناب بدمشق ومن شعره في مليح رآه في الزيادة
( يا خليلي في الزيادة ظبي ** سلبت مقلتاه جفني رقاده )
( كيف أرجو السلو عنه وطرفي ** ناظر حسن وجهه في الزيادة )
وله
( سهري من المحبوب أصبح مرسلا ** وأراه متصلا بفيض مدامعي )
( قال الحبيب بأن ربعي نافع ** فاسمع رواية مالك عن نافع )
وله
( أشكو إلى الله علام الخفيات ** من جور ألحاظك المرضى الصحيحات )
( إن أنكرت هذه الأجفان ما صنعت ** سل عن دمي الوجنات العندميات )
( روت لواحظها عن بابل خبرا ** ويلاه من سقم هاتيك الروايات )
( فيا جليسي بدا ما كنت أكتمه ** إن المجالس فاعلم بالأمانات )
( لله سرب ظباء من بني أسد ** حررت معهن أرباب المسرات )
( حلقت أحداقها بعدي وأوجهها ** كم من عيون تركناها وجنات ) توفى رحمه الله تعالى بدمشق ودفن عند قبر أبيه بتربة بني الزكي بقاسيون
وفيها ابن الجرح أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الأنصاري التلمساني المالكي نزيل الثغر كان من صلحاء العلماء سمع بسبتة الموطأ من أبي محمد بن عبيد الله الحجري وتوفي في ذي القعدة عن ثنتين وتسعين سنة
وفيها خطيب مردا الفقيه أبو عبد الله محمد بن إسمعل بن أحمد بن أبي الفتح المقدسي النابلسي الحنبلي ولد بمردا سنة ست وستين وخمسمائة ظنا وتفقه بدمشق وسمع من يحيى الثقفي وأحمد بن الموازيني وبمصر من البوصيري وغير واحد وتوفي بمردا في أوائل ذي الحجة وفيها الفاسي الإمام
أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن يوسف المغربي المقرىء مصنف شرح الشاطبية قرأ على رجلين قرآ على الشاطبي وكان فقيها بارعا متفننا متين الديانة جليل القدر تصدر للاقراء بحلب مدة وتوفي في ربيع الآخر
وفيها الفقيه الزاهد محي الدين أبو نصر محمد بن نصر بن عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الحنبلي البغدادي قاضي القضاة عماد الدين سمع من والده ومن الحسن بن علي بن المرتضى العلوي وغيرهما وطلب بنفسه وقرأ وتفقه وكان عالما ورعا زاهدا يدرس بمدرسة جده ويلازم الاشتغال بالعلم إلى أن توفي ولما ولي أبوه قضاء القضاة ولاه القضاء والحكم بدار الخلافة فجلس في مجلس الحكم مجلسا واحدا وحكم ثم عزل نفسه ونهض إلى مدرستهم بباب الأزج ولم يعد إلى ذلك تنزها عن القضاء وتورعا وسمع منه الدمياطي الحافظ وحدث عنه وذكره في معجمه وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر شوال ببغداد ودفن إلى جنب جده الشيخ عبد القادر بمدرسته وكانت وفاته بعد انقضاء الواقعة وفيها ابن صلايا الصاحب تاج الدين أبو المكارم محمد بن نصر بن يحيى الهاشمي العلوي نائب الخليفة بأربل كان من رجال الدهر عقلا ورأيا وهيبة وعزما وجودا وسؤددا قتله هلاكو في ربيع الآخر بقرب تبريز وفيها الفاضل الأديب نور الدين محمد بن محمد بن رستم الأسعردي الشاعر المشهور كان قاضي القضاة ابن سنى الدولة أجلسه تحت الساعات شاهدا فحضر يوما عند السلطان صلاح الدين يوسف فأعجبته عبارته فجعله نديما وخلع عليه القباء والعمامة المذهبة فأتى ثاني يوم بالعمامة المذهبة والقباء وجلس تحت الساعات بين الشهود وكان الغالب عليه المجون وأفرد هزلياته في كتاب سماه سلافة الزرجون في الخلاعة والمجون
وفيها فتح الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد الله بن حيدرة السلمي عرف بابن العدل أحد الصدور الأماثل ولي حسبه دمشق إلى حين وفاته وكان
موصوفا بالعفاف وجده محي الدين هو باني المدرسة بالزبداني وكان كثير البر والصدقة له الأملاك الكثيرة ودفن بسفح قاسيون
وفيها ابن شقير الشيخ عفيف الدين أبو الفضل المرجي بن الحسن بن هبة الله بن عزال الواسطي المقرىء التاجر السفار ولد سنة إحدى وستين وخمسمائة بواسط وقرأ القراءات على أبي بكر بن الباقلاني وأتقنها وتفقه وكان آخر من روى وحدث عن أبي طالب الكتاني وذكر الفاروي أنه عاش إلى حدود هذه السنة وفيها ابن الشقيشقة المحدث نجيب الدين أبو الفتح نصر الله بن أبي العز مظفر بن عقيل الشيباني الدمشقي الصفار ولد بعد الثمانين وخمسمائة وسمع من حنبل وابن طبرزد وخلق كثير وروى مسند أحمد وكان أديبا ظريفا عارفا بشيوخ دمشق ومروياتهم لكن رماه أبو شامة بالكذب ورقة الدين وكان جعله قاضي القضاة ابن سنى الدولة عاقدا تحت الساعات فقال فيه البهاء بن الدجاجية
( جلس الشقيشقة الشقي ليشهدا ** بأبيكما ماذا عدا فيما بدا )
( هل زلزل الزلزال أم قد أخرج الدجال ** أم عدموا الرجال أولى الهدى )
( عجبا لمحلول العقيدة جاهل ** بالشرع قد أذنوا له أن يعقدا )
ولابن الشقيشقة لغز في الواو والميم والنون وهو
( أوله آخره ** وبعضه جميعه )
( ثلاثة حروفه ** وواحد مجموعه )
( إن شئت أن تعكسه ** فلست تستطيعه )
توفي في جمادى الآخرة ووقف داره بدمشق دار حديث
وفيها الصرصري الشيخ العلامة القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف بن يحيى الصرصري الأصل نسبة إلى صرصر بفتح الصادين المهملتين قرية على فرسخين من بغداد كان إليه المنتهى في معرفة اللغة وحسن الشعر وديوانه
ومدائحه سائرة وكان حسان وقته ولد سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وقرأ القرآن بالروايات على أصحاب ابن عساكر البطائحي وسمع الحديث من الشيخ على ابن إدريس اليعقوبي الزاهد صاحبه الشيخ عبد القادر وصحبه وتسلك به ولبس منه الخرقة وأجاز له الشيخ عبد المغيث الحربي وغيره وحفظ الفقه واللغة ويقال أنه كان يحفظ صحاح الجوهري بكمالها وكان يتوقد ذكاء ويقال أن مدائحه في النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ عشرين مجلدا وقد نظم في الفقه مختصر الخرقي وزوايد الكافي ونظم في العربية وفي فنون شتى وكان صالحا قدوة كثير التلاوة عظيم الاجتهاد صبورا قنوعا محبا لطريقة الفقراء ومخالطتهم وكان يحضر معهم السماع ويرخص في ذلك وكان شديدا في السنة منحرفا على المخالفين لها وشعره مملوء بذكر أصول السنة ومدح أهلها وذم مخالفيها قال ابن رجب وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وبشره بالموت على السنة ونظم في ذلك قصيدة طويلة معروفة وسمع منه الحافظ الدمياطي وحدث عنه وذكره في معجمه ولما دخل التتار بغداد كان الشيخ بها فلما دخلوا عليه قاتلهم وقتل منهم بعكازه نحو اثني عشر نفسا ثم قتلوه شهيدا برباط الشيخ علي الخباز وحمل إلى صرصر فدفن بها وفيها محي الدين بن الجوزي الصاحب العلامة سفير الخلافة أبو المحاسن يوسف بن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد التيمي البكري البغدادي الحنبلي أستاذ دار المستعصم بالله ولد سنة ثمانين وخمسمائة وسمع من أبيه وذاكر بن كامل وابن بوش وطائفة وقرأ القرآن بواسط على ابن الباقلاني وكان كثير المحفوظ قوي المشاركة في العلوم وافر الحشمة قال ابن رجب قرأ القرآن بالروايات العشر على ابن الباقلاني وقد جاوز العشر سنين من عمره ولبس الخرقة من الشيخ ضياء الدين بن سكينة واشتغل بالفقه والخلاف والأصول وبرع في ذلك وكان أشهر فيه من أبيه ووعظ من صغره على قاعدة أبيه وعلا أمره وعظم
شأنه وولي الولايات الجليلة ثم عزل عن جميع ذلك وانقطع في داره يعظ ويفتي ويدرس ثم أعيد إلى الحسبة وقال ابن الساعي ظهرت عليه آثار العناية الإلهية مذ كان طفلا فعنى به والده فأسمعه لحديث ودربه في الوعظ وبورك له في ذلك وبانت عليه آثار السعادة وتوفي والده وعمره سبع عشرة سنة فكفلته والدة الإمام الناصر وتقدمت له بالجلوس للوعظ على عادة والده عند تربتها بعد أن خلعت عليه فتكلم بما بهر به الحاضرين ولم يزل في ترق وعلو كامل الفضائل معدوم الرذائل أرسله الخليفة إلى ملوك الأطراف فاكتسب مالا كثيرا وأنشأ مدرسة بدمشق وهي المعروفة بالجوزية ووقف عليها أوقافا كثيرة ولم يزل في ترق إلى أن قتل صبرا بسيف الكفار شهيدا عند دخول هلاكو إلى بغداد بظاهر سور كلواذا وقتل معه أولاده الثلاثة الشيخ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن وكان فاضلا بارعا واعظا له تصانيف قتل وقد جاوز الخمسين وشرف الدين عبد الله ولي الحسبة أيضا ثم تزهد عنها ودرس وتاج الدين عبد الكريم ولي الحسبة أيضا لما تركها أخوه ودرس وقتل ولم يبلغ عشرين سنة ومن مصنفات يوسف المذكور معادن الأبريز في تفسير الكتاب العزيز والمذهب الأحمد في مذهب أحمد والإيضاح في الجدل وسمع منهم خلق منهم الحافظ الدمياطي
سنة سبع وخمسين وستمائة
فيها دخل هلاكو ديار بكر قاصدا حلب ونزل على آمد وأرسل يطلب الملك السعيد صاحب ماردين فسير إليه ولده وقاضي البلد مهذب الدين محمد بن مجلي بهدية واعتذر أنه ضعيف فلم يقبل منه وقبض على ولده وسير إلى الملك يستحثه فعظمت الأراجيف وعدوا الفرات وخرج أهل الشام جافلين منهم وخرج الملك الناصر بعساكره لملتقى التتار فنزل على برزة واجتمع إليه أمم
عظيمة من عرب وعجم وأكراد مطوعة وكان هلاكو قد قدم في خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى فنزل على حران وسير ولده أشموط إلى الشام فوصل إلى حلب وبها بوران شاه بن السلطان صلاح الدين وكانت في غاية التحصين فنزل التتار على السلمية وامتدوا إلى جيلان فخرج عسكر حلب ومعهم خلق فولت التتار منهم مكرا وخديعة فتبعهم العسكر والعوام فرجعوا عليهم فانكسر المسلمون وتبعوهم إلى أبواب حلب يقتلون ويأسرون ونزل التتار بظاهر حلب وهي مغلقة الأبواب وفيها توفي نجم الدين أبو إسحق وأبو طاهر إبراهيم بن محاسن بن عبد الملك بن علي بن منجا التنوخي الحموي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الأديب الكاتب سمع من ابن طبرزد والكندي وغيرهما توفي في العشر الأواخر من محرم بتل ناشر من أعمال حلب ودفن به رحمه الله
وفيها الشيخ مجد الدين أبو العباس أحمد بن علي بن أبي غالب الأربلي النحوي الحنبلي المعدل سمع بأربل من محمد بن هبة الله وسكن دمشق وحدث بها واشتغل مدة في العربية بالجامع وقرأ عليه جماعة من الأصحاب وغيرهم منهم الفخر البعلبكي وابن الفركاح وتوفي في نصف صفر بدمشق
وفيها الرئيس صدر الدين أبو الفتح أسعد بن عثمان بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي واقف المدرسة الصدرية بدمشق ودفن بها ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة بدمشق وسمع بها من حنبل وابن طبرزد وحدث وكان أحد المعدلين ذوي الأموال والثروة والصدقات وولي نظر الجامع مدة وثمر له أموالا كثيرة واستجد في ولايته أمورا توفي في تاسع عشر شهر رمضان
وفيها ابن تاميت أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن اللواتي الفاسي المحدث المعمر نزيل القاهرة كان صالحا عالما خيرا روى بالإجازة العامة عن أبي الوقت قال الشريف عز الدين مولده فيما بلغنا في المحرم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة
وتوفي في رابع المحرم رحمه الله وفيها أبو الحسين بن السراج المحدث الكبير مسند المغرب أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الأشبيلي ولد سنة ستين وخمسمائة وسمع من ابن بشكوال وعبد الله بن زرقون وطائفة وتفرد في زمانه وكانت الرحلة إليه بالمغرب وتوفي في سابع صفر
وفيها ابن اللمط شمس الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الجذامي المصري رحل مع ابن دحية وسمع من أبي جعفر الصيدلاني وعبد الوهاب بن سكينة وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة وفيها صاحب الموصل الملك الرحيم بدر الدين لولو الأرمني الأتابكي مملوك نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود صاحب الموصل كان مدبر دولة أستاذه ودولة ولده القاهر مسعود فلما مات القاهر سنة خمس عشرة وستمائة أقام بدر الدين ولد القاهر صورة وبقي أتابكه مدة ثم استقل بالسلطنة وكان صارما شجاعا مدبرا خبيرا توفي في شعبان وقد نيف على الثمانين وانخرط نظام بلده من بعده
وفيها ابن الشيرجى الصدر نجم الدين مظفر بن محمد بن الياس الانصاري الدمشقي ولي تدريس العصرونية والوكالة وحدث عن الخشوعي وجماعة وولى أيضا الحسبة ونظر الجامع وتوفي في آخر السنة
وفيها العدل بهاء الدين محمد بن مكي القرشى الصالحي عرف بابن الدجاجية كان فاضلا وله نظم جيد
وفيها الشيخ يوسف القميني الموله قال الذهبي في العبر الذي تعتقده العامة أنه ولي الله وحجتهم الكشف والكلام على الخواطر وهذا شيء يقع من الكاهن والراهب والمجنون الذي له قرين من الجن وقد كثر هذا في عصرنا والله المستعان وكان يوسف يتنجس ببوله ويمشي حافيا ويأوي اقميم حمام نور الدين ولا يصلي انتهى وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان يأوي القمامين والمزابل وغالب إقامته باقميم حمام نور الدين بسوق القمح وكان يلبس ثيابا طوالا تكنس الأرض ولا يلتفت إلى أحد والناس يعتقدون فيه الصلاح
ويحكون عنه عجائب وغرائب ودفن بتربة المولهين بسفح قاسيون ولم يتخلف عن جنازته إلا القليل انتهى
سنة ثمان وخمسين وستمائة
في المحرم قطع هلاكو الفرات ونهب نواحي حلب وأرسل متوليها بوران شاه بن السلطان صلاح الدين بأنكم تضعفون عنا ونحن نقصد سلطانكم الناصر فاجعلوا لنا عندكم شحنة بالقلعة وشحنة بالبلد فإن انتصر علينا الناصر فاقتلوا الشحنتين أو أبقوهما وإن انتصرنا فحلب والبلاد لنا وتكونون آمنين فأبى عليه بوران شاه فنزل على حلب في ثاني صفر فلم يصبح عليهم الصباح إلا وقد حفروا عليهم خندقا عمق قامة وعرض أربعة أذرع وبنوا حائطا ارتفاع خمسة أذرع ونصبوا عشرين منجنيقا وألحوا بالرمي وشرعوا في نقب السور وفي تاسع صفر ركبوا للأسوار ووضعوا السيف يومهم ومن الغد واحتمى في حلب أماكن فيها نحو خمسين ألفا واستتر خلق وقتل أمم لا يحصون وبقي القتل والسبي خمسة أيام ثم نودي برفع السيف وأذن المؤذن يومئذ يوم الجمعة بالجامع وأقيمت الجمعة بأناس ثم أحاطوا بالقعلة وحاصروها ووصل الخبر يوم السبت إلى دمشق فهرب الناصر ودخلت يومئذ رسل هلاكو وقرىء الفرمان بامان دمشق ثم وصل نائب هلاكو فتلقاه الكبراء وحملت أيضا مفاتيح حماة إلى هلاكو وسار صاحبها والناصر إلى نحو غزة وعصت قلعة دمشق فحاصرتها التتار وألحوا بعشرين منجنيقا على برج الطارمة فتشقق وطلب أهلها الأمان فأمنهم وسكنها النائب كتبغا وتسلموا بعلبك وقلعتها وأخذوا نابلس ونواحيها بالسيف ثم ظفروا بالملك وأخذوه بالأمان وساروا به إلى هلاكو فرعى له مجيئه وبقي في خدمته أشهرا ثم قطع الفرات راجعا وترك بالشام فرقة من التتار وأما المصريون فتأهبوا وشرعوا في المسير من نصف شعبان
وثارت النصارى بدمشق ورفعت رؤوسها ورفعوا الصليب ومروا به وألزموا الناس بالقيام له من حوانيتهم في الثاني والعشرين من رمضان ووصل جيش الإسلام وعليهم الملك المظفر وعلى مقدمته ركن الدين البندقداري فالتقى الجمعان على عين جالوت غربي بيسان ونصر الله دينه وقتل في المصاف مقدم التتار كتبغا وطائفة من أمراء المغول ووقع بدمشق النهب والقتل في النصارى وأحرقت كنيسة مريم وعيد المسلمون على خير عظيم وساق البندقداري وراء التتار إلى حلب وخلت من القوم الشام وطمع البندقداري في أخذ حلب وكان وعده بها المظفر ثم رجع فتأثر وأضمن الشر فلما رجع المظفر بعد شهر إلى مصر مضمرا للبندقداري الشر فوافق ركن الدين على مراده عدة أمراء وكان الذي ضربه بالسيف فحل كتفه بكتوت الجوكندار المغربي ثم رماه بهادر المغربي بسهم قضى عليه وذلك يوم سادس عشر ذي القعدة بقرب قطية وتسلطن ركن الدين البندقداري الملك الظاهر بيبرس وفي آخر السنة كرت التتار على حلب واندفع عسكرها بين أيديهم فدخلوا إليها وأخرجوا من بها ووضعوا فيهم السيف وفيها توفي ابن سنى الدولة قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن الدمشقي الشافعي ولد سنة تسعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وجماعة وتفقه على أبيه قاضي القضاة شمس الدين وعلى فخر الدين بن عساكر وقل من نشأ مثله في صيانته وديانته واشتغاله ناب عن أبيه وولي وكالة بيت المال ودرس بالإقبالية وغيرها ثم استقل بمنصب القضاء مدة ثم عزل واستمر على تدريس الإقبالية والجاروخية وقد درس بالعادلية الكبيرة والناصرية وهو أول من درس بها وخرج له الحافظ الدمياطي معجما قال الذهبي وكان مشكور السيرة في القضاء لين الجانب حسن المداراة والاحتمال رجع من عند هلاكو متمرضا فأدركه الموت ببعلبك في جمادى الآخرة وله ثمان وستون
سنة وفيها نجيب الدين أبو إسحق إبراهيم بن خليل الدمشقي الأدمي ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمعه أخوه من عبد الرحمن الخرقي ويحيى الثقفي وجماعة وحدث بدمشق وحلب وعدم بها في صفر
وفيها أبو طالب تمام السروري بن أبي بكر بن أبي طالب الدمشقي الجندي ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وتوفي في رجب وفيها الملك المعظم أبو المفاخر صلاح الدين توران شاه ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة الحراني وأجاز له عبد الله بن بري وكان كبير البيت الأيوبي وكان السلطان يجله ويتأدب معه سلم قلعة حلب لما عجز بالأمان وأدركه الموت أثر ذلك فتوفي في ربيع الأول وله ثمانون سنة
وفيها الملك السعيد حسن بن العزيز عثمان بن العادل صاحب الصبيبة وبانياس تملك سنة إحدى وثلاثين بعد أخيه الملك الظاهر إلى سنة بضع وأربعين فأخذ الصبيبة منه الملك الصالح وأعطاه إمرة مصر فلما قتل المعظم ابن الصالح ساق إلى غزة وأخذ ما فيها وأخذ الصبيبة فتسلمها فلما تملك الملك الناصر دمشق قبض عليه وسجنه بالبيرة فلما أخذ هلاكو البيرة أحضر إليه بقيوده فأطلقه وخلع عليه وسلم إليه الصبيبة وبقي في خدمة كتبغا بدمشق وكان بطلا شجاعا قاتل يوم عين جالوت فلما انهزمت التتار جيء به إلى الملك المظفر فضرب عنقه وفيها المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي المحدث مفيد الجبل روى عن الشيخ الموفق وابن البن وابن الزبيدي ورحل إلى بغداد فسمع من القبيطي وابن الفخار وطبقتها وكتب الكثير وعنى بالحديث أتم عناية وأكثر السماع والكتابة وتوفي في ثاني عشرى جمادى الآخرة وله أربعون سنة وفيها ابن الخشوعي أبو محمد عبد الله بن بركات بن إبراهيم
الدمشقي سمع من يحيى الثقفي وأبيه وعبد الرزاق النجار وأجاز له السلفي وطائفة وتوفي في أواخر صفر وفيها العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف المقدسي الجماعيلي الحنبلي الصالحي المؤدب سمع من يحيى الثقفي وأحمد بن الوازيني وجماعة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن العجمي أبو طالب عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن بن الحسن الحلبي الشافعي روى عن يحيى الثقفي وابن طبرزد ودرس وأفتى عذبه التتار على المال حتى هلك في الرابع والعشرين من صفر وفيها الملك المظفر سيف الدين قطز أحد مماليك المعز أيبك التركماني صاحب مصر كان بطلا شجاعا حازما كسر التتار كسرة جبر بها الإسلام فجزاه الله عن الإسلام خيرا ولم يخلف ولدا ذكرا حكى الأمير البردجاني قال كان المظفر خشداشي عند الهيجاوي وكان عليه قمل كثير فكنت أسرحه وكلما قتلت قملة آخذ منه فلسا أو أصفعه فبينا أنا أسرحه ذات يوم قلت والله أشتهي إمرة خمسين فقال لي طيب قلبك أنا أعطيك أمرة خمسين فصفعته وقلت ويلك أنت تعطيني أمرة خمسين قال نعم فصفعته فقال لي إيش عليك لك إلا أمرة خمسين وأنا والله أعطيك ذلك فقلت له وكيف ذلك قال أنا أملك الديار المصرية وأكسر التتار وأعطيك الذي طلبت فقلت له أنت مجنون بقملك تملك الديار المصرية قال نعم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي أنت تملك مصر وتكسر التتار وقول صلى الله عليه وسلم حق لا شك فيه وجرى ذلك وقال له منجم بمصر وللملك الظاهر بيبرس بعد أن اختبر نجم كل واحد منهما فقال للملك المظفر أنت تملك مصر وتكسر التتار فاستهزءوا به وقال للملك الظاهر وأنت أيضا تملك الديار المصرية وغيرها فاستهزءوا به فكان كما قال وهذا من عجيب الاتفاق وكان المظفر بطلا شجاعا دينا مجاهدا انكسرت التتار على يديه واستعاد منهم الشام وكان أتابك الملك المنصور على ولد أستاذه فلما
رآه لا يغني شيئا عزله وقام في السلطنة وكان شابا أشقر وافر اللحية ذكر أنه قال أنا محمود بن ممدود ابن أخت السلطان خوارزم شاه وأنه كان مملوكا لتاجر في القصاعين بمصر وفيها شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني الحنبلي الحافظ ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بيونين ولبس الخرقة من الشيخ عبد الله البطائحي عن الشيخ عبد القادر ورباه الشيخ عبد الله اليونيني وتفقه على الشيخ الموفق وسمع من الخشوعي وحنبل وكان يكرر على الجمع بين الصحيحين وعلى أكثر مسند أحمد ونال من الحرمة والتقدم ما لم ينله أحد وكانت الملوك تقبل يده وتقدم مداسه وكان إماما علامة زاهدا خاشعا لله قانتا له عظيم الهيبة منور الشيبة مليح الصورة حسن السمت والوقار صاحب كرامات وأحوال قال ولده موسى قطب الدين صاحب التاريخ المشهور حفظ والدي الجمع بين الصحيحين وأكثر مسند الإمام أحمد وحفظ صحيح مسلم في أربعة أشهر وحفظ سورة الأنعام في يوم واحد وحفظ ثلث مقامات الحريري في بعض يوم وقال عمر ابن الحاجب الحافظ لم ير في زمانه مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين الشريعة والحقيقة وكان حسن الخلق والخلق نفاعا مطرحا للتكلف وكان يحفظ في الجلسة الواحدة ما يزيد على سبعين حديثا وكان لا يرى إظهار الكرامات ويقول كما أوجب الله تعالى على الأنبياء إظهار المعجزات أوجب على الأولياء إخفاء الكرامات ويروي عن الشيخ عثمان شيخ دير ناعس وكان من أهل الأحوال قال قطب الشيخ الفقيه ثمان عشرة سنة وتزوج ابنة الشيخ عبد الله اليونيني وهي أول زوجاته وروى عنه ابناه أبو الحسين الحافظ والقطب المؤرخ وغيرهما وتوفي ليلة تاسع عشر رمضان ببعلبك ودفن عند شيخه عبد الله اليونيني رحمة الله عليهما وفيها الأكال الشيخ محمد بن خليل الحوراني ثم الدمشقي عاش ثمانيا وخمسين سنة وكان صالحا خيرا مؤثرا
لا يأكل لأحد شيئا إلا بأجرة وله في ذلك حكايات
وفيها ابن الأبار الحافظ العلامة أبو عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي الأندلسي البلنسي الكاتب الأديب أحد أئمة الحديث قرأ القراءات وعنى بالأثر وبرع في البلاغة والنظم والنثر وكان ذا جلالة ورياسة قتله صاحب تونس ظلما في العشرين من المحرم وله ثلاث وستون سنة
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الحنبلي سمع من محمد بن حمزة بن أبي الصقر وعبد الرزاق النجار ويحيى الثقفي وغيرهم وكان آخر من روى بالإجازة عن شهدة وهو شيخ صالح متعفف تال لكتاب الله تعالى يؤم بمسجد ساوية من عمل نابلس فاستشهد على يد التتار في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين قاله الذهبي
وفيها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل صاحب ميافارقين ملك سنة خمس وأربعين وستمائة وكان عالما فاضلا شجاعا عادلا محسنا إلى الرعية ذا عبادة وورع ولم يكن في بيته من يضاهيه حاصرته التتار عشرين شهرا حتى فنى أهل البلد بالوباء والقحط ثم دخلوا وأسروه فضرب هلاكو عنقه بعد أخذ حلب وطيف برأسه ثم علق على باب الفراديس ثم دفنه المسلمون بمسجد الرأس داخل الباب قال الذهبي بلغني أن التتار دخلوا البلد أي ميافارقين فوجدوا به سبعين نفسا بعد ألوف كثيرة وفيها الضياء القزويني الصوفي أبو عبد الله محمد ابن أبي القسم بن محمد ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة بحلب وروى عن يحيى الثقفي وفيها الشيخ الزاهد الكبير أبو بكر بن قوام بن علي ابن قوام البالسي كان زاهدا عابدا قدوة صاحب حال وكشف وكرامات وله زاوية وأتباع ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وتوفي في سلخ رجب من هذه السنة ببلاد حلب ثم نقل تابوته ودفن بجبل قاسيون في أول سنة سبعين
وستمائة وقبره ظاهر يزار قاله الذهبي وقال غيره كان شافعي المذهب أشعري العقيدة ولد بمشهد صفين ثم انتقل إلى مدينة بالس وصفين وبالس غربي الفرات وببالس نشأ وقد ألف حفيده الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ أبي بكر المذكور في مناقبه مؤلفا حسنا فمن أراد استقصاء محاسنه وكراماته فليراجعه
وفيها حسام الدين الهدناني أبو علي محمد بن علي الكردي من كبار الدولة وأجلائها كان له اختصاص زائد بالملك الصالح نجم الدين وناب في سلطنة دمشق له ثم في سلطنة مصر وحج سنة تسع وأربعين ثم أصابه في آخر عمره صرع وتزايد به حتى مات ولد بحلب سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وله شعر جيد وفيها أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم بن قاسم الأنصاري الأرتاحي ثم المصري الحنبلي اللبان سمع من عم جده عبد الله الأرتاحي وتفرد بالإجازة من المبارك وكان صالحا متعففا روى عنه الزكي عبد العظيم مع تقدمه توفي بمصر في جمادى الآخرة
سنة تسع وخمسين وستمائة
في محرمها اجتمع خلق من التتار الذين نجوا من يوم عين جالوت والذين كانوا بالجزيرة فأغاروا على حلب ثم ساقوا إلى حمص لما بلغهم مصرع الملك المظفر فصادفوا على حمص حسام الدين الجو كندار والمنصور صاحب حماة والأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة والتتار في ستة آلاف فالتقوهم وحمل المسلمون حملة صادقة فكان النصر ووضعوا السيف في الكفار قتلا حتى أبادوا أكثرهم وهرب مقدمهم بندرا بأسوأ حال ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وأما دمشق فإن الحلبي دخل القلعة فنازله عسكر مصر وبرز إليهم وقاتلهم ثم رد فلما كان في الليل هرب وقصد قلعة بعلبك فعصى بها فقدم علاء الدين طبرس الوزيري وقبض على الحلبي من
بعلبك وقيده فحبسه الملك الظاهر بيبرس مدة طويلة وفي رجب بويع بمصر المستنصر بالله أحمد بن الظاهر محمد بن الناصر لدين الله العباسي الأسود وفوض الأمور إلى الملك الظاهر بيبرس ثم قدما دمشق فعزل عن القضاء نجم الدين بن سني بن خلكان ثم سار المستنصر ليأخذ بغداد ويقيم بها وكان في آخر العام مصاف بينه وبين التتار الذين بالعراق فعدم المستنصر في الوقعة وانهزم الحاكم قبجا والمستنصر هو أمير المؤمنين أبو القسم أحمد بن الظاهر بأمر الله بن الناصر لدين الله كان محبسوا ببغداد حبسه التتار فلما أطلقوه التجأ لعرب العراق فأحضروه إلى مصر فتلقاه السلطان بيبرس والمسلمون واليهود والنصارى ودخل من باب النصر وكان يوما مشهودا وقرىء نسبه بحضرة القضاة وشهد بصحته وحكم به وبويع بايعه القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز ثم بايعه الملك الظاهر بيبرس والشيخ عز الدين ابن عبد السلام ثم الكبار على مراتبهم وذلك في ثالث عشر رجب ونقش اسمه على السكة وخطب له ولقب بلقب أخيه وكان شديد القوى عنده شجاعة وإقدام وهو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس رحمه الله تعالى
وفيها توفي الأرتاحي أبو العباس أحمد بن حاتم بن أحمد بن أحمد الأنصاري المقرىء الحنبلي قرأ القراءات على والده وسمع من جده لأمه أبي عبد الله الأرتاحي وابن يس والبوصيري ولازم الحافظ عبد الغني فأكثر عنه وتوفي في رجب
وفيها إبراهيم بن سهل الأشبيلي اليهودي شاعر زمانه بالأندلس غرق في البحر وفيها الصفي بن مرزوق إبراهيم بن عبد الله بن هبة الله العسقلاني الكاتب ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وكان متمولا وافر الحرمة وزر مرة وتوفي بمصر في ذي القعدة وفيها مخلص الدين إسمعيل بن قرناص الحموي كان فقيها عالما فاضلا شاعرا من شعره
( أما والله لو شقت قلوب ** ليعلم ما بها من فرط حبي )
( لأرضاك الذي لك في فؤادي ** وأرضاني ورضاك بشق قلبي )
وفيها شرف الدين أبو محمد حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وستمائة وسمع الكثير من أبي اليمن الكندي وجماعة بعده وتفقه على الشيخ الموفق وبرع وأفتى ودرس بالجوزية مدة قال أبو شامة كان رجلا خيرا توفي ليلة ثامن المحرم بدمشق ودفن بالجبل وفيها الباخزرزي بالموحدة وفتح الخاء المعجمة وسكون الراء ثم زاي نسبة إلى باخرز من نواحي نيسابور الإمام القدوة الحافظ العارف سيف الدين أبو المعالي سعيد بن المطهر صاحب الشيخ نجم الدين الكبار كان إماما في السنة رأسا في التصوف روى عن نجم الدين بن الحباب وعلي بن محمد الموصلي ورشيد الغزالي وخرج أربعين حديثا
وفيها الشارعي العالم الواعظ جمال الدين عثمان بن مكي بن عثمان بن إسمعيل السعدي الشافعي سمع الكثير من قاسم بن إبراهيم المقدسي والبوصيري وطبقتها وكان صالحا متفننا جليلا مشهورا توفي في ربيع الآخر
وفيها صاحب صهيون مظفر الدين عثمان بن منكروس تملك صهيون بعد والده ثلاثا وثلاثين سنة وكان حازما سايسا مهيبا عمر تسعين سنة ودفن بقلعة صهيون وتملك بعده ابنه سيف الدين محمد وفيها الملك الظاهر غازي شقيق السلطان الملك الناصر يوسف وأمهما تركية كان مليح الصورة شجاعا جوادا قتل مع أخيه بين يدي هولاكو وفيها ابن سيد الناس الخطيب الحافظ أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد اليعمري الأشبيلي ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وعني بالحديث فأكثر وحصل الأصول
لنفسه وختم به معرفة الحديث بالمغرب توفي بتونس في رجب
وفيها الصاين النعال أبو الحسن محمد بن الأنجب بن أبي عبد الله البغدادي الصوفي ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من جده لأمه هبة الله بن رمضان وظاعن الزبيري وأجاز له وفاء بن اليمني وابن شاتيل وطائفة وله مشيخة توفي في رجب وفيها المتيجي بفتح الميم وكسر التاء المثناة فوق المشددة وتحتية وجيم نسبة إلى متيجة من ناحية بجاية محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عيسى ضياء الدين الأسكندراني الفقيه المالكي المحدث الرجل الصالح أحد من عنى بالحديث وروى عن عبد الرحمن بن موقا فمن بعده وكتب الكثير وتوفي في جمادى الآخرة وفيها ابن درباس القاضي كمال الدين أبو حامد محمد بن قاضي القضاة صدر الدين عبد الملك الماراني المصري الشافعي الضرير ولد سنة ست وسبعين وخمسمائة فأجاز له السلفي وسمع من البوصيري والقسم ابن عساكر ودرس وأفتى واشتغل وجالس الملوك وتوفي في شوال
وفيها مكي بن عبد الرزاق بن يحيى بن عمر بن كامل أبو الحرم الزبيدي المقدسي ثم العقرباني أجاز له عبد الرزاق النجار وسمع من الخشوعي وغيره ومات في شوال وفيها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين صاحب الشام ولد سنة سبع وعشرين وستمائة وسلطنوه بعد أبيه سنة أربع وثلاثين ودبر المملكة شمس الدين لولو والأمر كله راجع إلى جدته الصاحبة صفية ابنة العادل ولهذا سكت الملك الكامل لأنها أخته فلما ماتت سنة أربعين اشتد الناصر واشتغل عنه الكامل لعمه الصالح ثم فتح عسكره له حمص سنة ست وأربعين ثم سار هو وتملك دمشق بلا قتال سنة ثمان وأربعين فوليها عشر سنين وفي سنة اثنتين دخل بابنة السلطان علاء الدين صاحب الروم وهي بنت خالة أبيه العزيز وكان حليما جوادا موطأ الأكناف حسن الأخلاق محببا إلى الرعية فيه عدل في
الجملة وقلة جور وصفح وكان الناس معه في بلهنية من العيش لكن مع إدارة الخمر والفواحش وكان للشعراء دولة بأيامه لأنه كان يقول بالشعر ويجيز عليه ومجلسه مجلس ندماء وأدباء خدع وعمل عليه حتى وقع في قبضة التتار فذهبوا به إلى هلاكو فأكرمه فلما بلغه كسرة جيشه على عين جالوت غضب وتنمر وأمر بقتله فتذلل له وقال ما ذنبي فأمسك عن قتله فلما بلغه كسرة بندرا على حمص استشاط غضبا وأمر بقتله وقتل أخيه الظاهر وقيل بل قتله في الخامس والعشرين من شوال سنة ثمانية وكان أبيض حسن الشكل قاله الذهبي وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام قتل معه جميع أتباعه وأقاربه ومن جملتهم أخوه الملك الظاهر غازي وولده العزيز وهو أي الناصر آخر ملوك بني أيوب وبنى بدمشق داخل باب الفراديس مدرسة في غاية الحسن ووقف عليها أوقافا جليلة وبنى بجبل الصالحية رباطا وتربة وهي عمارة عظيمة ما عمر مثلها أحضر لها من حلب من الرخام والأحجار شيئا كثيرا وغرم عليها أموالا عظيمة ونهر يزيد جار فيها وفيها توفي نور الدولة علي بن أبي المكارم المصري العطار الأديب الفاضل الشاعر المجيد من نظمه لغز في كوز الزير
( وذي أذن بلا سمع ** له جسم بلا قلب )
( إذا استولى على صب ** فقل ما شئت في الصب )
سنة ستين وستمائة
في أوائل رمضان أخذت التتار الموصل بخديعة بعد حصار أشهر وطمنوا الناس وخربوا السور ثم بذلوا السيف تسعة أيام وأبقوا صاحبها الملك الصالح إسمعيل أياما ثم قتلوه وقتلوا ولده علاء الدين الملك
وفيها وقع الخلف بين بركة صاحب دست القفجاق وابن عمه هلاكو
وفيها توفي أحمد بن عبد المحسن بن محمد الأنصاري أخو شيخ الشيوخ
صاحب حماة روى عن عبد الله بن أبي المجد وغيره وفيها العز الضرير الفيلسوف الرافضي حسين بن محمد بن أحمد بن نجا الأربلي كان بصيرا بالعربية رأسا في العقليات كان يقرىء المسلمين والذمة بمنزله وله حرمة وهيبة مع فساد عقيدته وتركه الصلوات ووساخة هيئته قاله الذهبي وقال غيره كان الناس يقرءون عليه علم الأوائل وتتردد إليه أهل الملك جميعها مسلمها ومبتدعها والشيعة واليهود والنصارى والسامرة وكان ذكيا فصيحا أديبا فضلا في سائر العلوم وكان الملك الناصر يكرمه ولا يرد شفاعته ومن نظمه في السلوان
( ذهبت بشاشة ما عهدت من الجوى ** وتغيرت أحواله وتنكرا )
( وسلوت حتى لو سرى من نحوكم ** طيف لما حياه طيفي في الكرى )
وله
( توهم واشينا قليل مزاره ** فهم ليسعى بيننا بالتباعد )
( فعانقته حتى اتحدنا تعانقا ** فلما أتانا ما رأى غير واحد )
قال ابن العديم لما سمع هذين البيتين مسكه مسكة أعمى توفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وفيها عز الدين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القسم بن الحسن الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلماء السلمي الدمشقي ثم المصري الشافعي ولد سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة وحضر حمزة بن الموازيني وسمع من عبد اللطيف بن أبي سعد والقسم بن عساكر وجماعة وتفقه على فخر الدين بن عساكر والقاضي جمال الدين بن الحرستاني وقرأ الأصول على الآمدي وبرع في الفقه والأصول والعربية وفاق الأقران والأضراب وجمع بين فنون العلم من التفسير والحديث والفقه واختلاف أقوال الناس ومآخذهم وبلغ رتبة الاجتهاد ورحل إليه الطلبة من سائر البلاد وصنف التصانيف المفيدة وروى عنه الدمياطي وخرج له أربعين حديثا وابن دقيق العيد وهو الذي لقبه سلطان العلماء وخلق غيرهما
ورحل إلى بغداد فأقام بها أشهرا هذا مع الزهد والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلابة في الدين وقد ولي الخطابة بدمشق فأزال كثيرا من بدع الخطباء ولم يلبس سوادا ولا سجع خطبته كان يقولها مترسلا واجتنب الثناء على الملوك بل كان يدعو لهم وأبطل صلاة الرغائب والنصف فوقع بينه وبين ابن الصلاح بسبب ذلك ولما سلم الصالح إسمعيل قلعة الشقيف وصفد للفرنج نال منه الشيخ على المنبر ولم يدع له فغضب الملك من ذلك وعزله وسجنه ثم أطلقه فتوجه إلى مصر فتلقاه صاحب مصر الصالح أيوب وأكرمه وفوض إليه قضاء مصر دون القاهرة والوجه القبلي مع خطابة جامع مصر فأقام بالمنصب أتم قيام وتمكن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم عزل نفسه من القضاء وعزله السلطان من الخطابة فلزم بيته يشغل الناس ويدرس وأخذ في التفسير في دروسه وهو أول من أخذه في الدروس وقال الشيخ قطب الدين اليونيني كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار وقال الشريف عز الدين كان علم عصره في العلم جامعا لفنون متعددة مضافا إلى ما جبل عليه من ترك التكلف مع الصلابة في الدين وشهرته تغنى عن الأطناب في وصفه وقال ابن شهبة ترجمة الشيخ طويلة وحكاياته في قيامه على الظلمة وردعهم كثيرة مشهورة وله مكاشفات وقال الذهبي كان يحضر السماع ويرقص توفي بمصر في جمادى الأولى من السنة وحضر جنازته الخاص والعام السلطان فمن دونه ودفن بالقرافة في آخرها ولما بلغ السلطان خبر موته قال لم يستقر ملكي إلا الساعة لأنه لو أمر الناس في بما أراد لبادروا إلى امتثال أمره وفيها التاج عبد الوهاب بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن الدمشقي بن عساكر سمع الكثير من الخشوعي وطبقته وولي مشيخة النورية بعد والده وحج فزار ولده أمين الدين عبد الصمد وجاور قليلا ثم توفي في جمادى الأولى بمكة
وفيها نقيب الأشراف بهاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن محمد الحسيني بن أبي الجن سمع حضورا وله أربع سنين من يحيى الثقفي وابن صدقة وتوفي في رجب وفيها ابن العديم الصاحب العلامة كمال الدين أبو القسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي من بيت القضاء والحشمة ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة وسمع من ابن طبرزد وبدمشق من الكندي وببغداد والقدس والنواحي وأجاز له المؤيد وخلق وكان قليل المثل عديم النظير فضلا ونبلا ورأيا وحزما وذكاء وبهاء وكتابة وبلاغة درس وأفتى وصنف وجمع تاريخا لحلب في نحو ثلاثين مجلدا وولي خمسة من أيامه على نسق القضاء وقد ناب في سلطنة دمشق وعلم عن الملك الناصر وكان خطه في غاية الحسن باع الناس منه شيئا كثيرا على أنه خط ابن البواب وكانت له معرفة تامة بالحديث والتاريخ وأيام الناس وكان حسن الظن بالفقراء والصالحين ومن شعره من أبيات
( فيا عجبا من ريقه وهو طاهر ** حلال وقد أضحى علي محرما )
( هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ** ولذته مع أنني لم أذقهما )
( سألزم نفسي الصفح عن كل من جنى ** علي وأعفو عفة وتكرما )
( وأجعل مالي دون عرضي وقاية ** ولو لم يغادر ذاك عندي درهما )
( وقائلة يابن العديم إلى متى ** تجود بما تحوي ستصبح معدما )
( فقلت لها عنى إليك فإنني ** رأيت خيار الناس من كان منعما )
( أبى اللؤم لي أصل كريم وأسرة ** عقيلته سنو الندى والتكرما )
توفي رحمه الله تعالى بمصر في العشرين من جمادى الأولى ودفن بسفح المقطم
وفيها الضياء عيسى بن سليمان بن رمضان أبو الروح التغلبي المصري القرافي الشافعي آخر من روى صحيح البخاري عن منجب المرشدي مولى مرشد الدين توفي في رمضان عن تسعين سنة وفيها الشمس الصقلي
أبو عبد الله محمد بن سليمان بن أبي الفضل الدمشقي الدلال في الأملاك سمع من ابن صدقة الحراني وأبي الفتح المندلي وقرأ الختمة على أبي الجود ولد سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وتوفي في أواخر صفر
وفيها ابن عرق الموت أبو بكر محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الهمداني الأسكندراني سمع من التاج المسعودي وابن موقا وأجازه أبو سعد بن أبي عصرون والكبار وتفرد عن جماعة توفي في جمادى الأولى
وفيها ابن زيلاق الشاعر المشهور الأجل محي الدين محمد بن يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة الموصلي العباسي الكاتب كان شاعرا مجيدا حسن المعاني من شعره
( بعثت لنا من سحر مقلتك الوسنا ** سهادا يذود الجفن أن يألف الجفنا )
( وأبرزت وجها أخجل البدر طالعا ** ومست بقد علم الهيف الغصنا )
( وأبصر جسمي حسن خصرك ناحلا ** فحاكاه لكن زاد في دقة المعنى )
قتلته التتار بالموصل حين تملكوها وفيها أبو بكر بن علي بن مكارم بن فتيان الأنصاري المصري روى عن البوصيري وجماعة وتوفي في المحرم
سنة إحدى وستين وستمائة
في ثامن المحرم عقد مجلس عظيم للبيعة وجلس الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن الأمير أبي علي بن أبي بكر بن الخليفة المسترشد بالله بن المستظهر العباسي فأقبل عليه الملك الظاهر بيبرس البندقداري ومد يده إليه وبايعه بالخلافة ثم بايعه الأعيان وقلد حينئذ السلطنة للملك الظاهر بيبرس فلما كان من الغد خطب بالناس خطبة حسنة أولها الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركنا وظهيرا ثم كتب بدعوته وإمامته إلى الأقطار وبقي في
الخلافة أربعين سنة وأشهرا وهو التاسع والثلاثون من بني العباس
وفيها خرج الظاهر إلى الشام وتحيل على صاحب الكرك الملك المغيث حتى نزل إليه فكان آخر العهد به لأنه كان كاتب هلاكو على أن يأخذ له مصر وطلب منه عشرين ألف فارس وأخرج كتبه بمصر وقرأها على العلماء فافتوا بعدم إبقاء من هذا فعله وفيها وصل كرمون المقدم في طائفة كبيرة من التتار قد أسلموا فأنعم عليهم الملك الظاهر
وفيها راسل بركة الملك الظاهر ثم كانت وقعة هائلة بين بركة وبين ابن عمه هلاكو فانهزم هلاكو ولله الحمد وقتل خلق من رجاله وغرق خلق
وفيها توفي الحسن بن علي بن منتصر أبو علي الفاسي ثم الأسكندراني الكتبي آخر أصحاب عبد المجيد بن دليل توفي في ربيع الآخر
وفيها أبو الربيع سليمان بن خليل العسقلاني الفقيه الشافعي خطيب الحرم سبط عمر بن عبد المجيد الميانسي روى عن زاهر بن رستم وغيره وتوفي في المحرم وفيها الرسعني بفتح الراء والعين المهملة وسكون السين المهملة نسبة إلى رأس عين مدينة بالجزيرة العلامة عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر المحدث المفسر الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وسمع بدمشق من الكندي وببغداد من ابن منينا وصنف تفسيرا جيدا وكان شيخ الجزيرة في زمانه علما وفضلا وجلالة قاله في العبر وقال ابن رجب ولد برأس عين الخابور وسمع بالبلدان المتعددة وتفقه على الشيخ موفق الدين وحفظ كتابه المقنع وتفنن في العلوم العقلية والنقلية وعده الذهبي من الحفاظ وولى مشيخة دار الحديث بالموصل وكانت له حرمة وافرة عند صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة وصنف تفسيرا حسنا في أربع مجلدات ضخمة سماه رموز الكنوز وكتاب مصرع الحسين ألزمه بتصنيفه صاحب الموصل فكتب فيه ما صح من المقتل دون غيره وكان
متمسكا بالسنة والآثار وله نظم حسن منه
( وكنت أظن في مصر بحارا ** إذا أنا جئتها أجد الورودا )
( فما ألفيتها إلا سرابا ** فحينئذ تيممت الصعيدا )
وقال الذهبي توفي بسنجار ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر من هذه السنة
وفيها عز الدين أبو محمد وأبو القاسم وأبو الفرج الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن شرف المقدسي المحدث الحنبلي ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستمائة وحضر على أبي حفص بن طبرزد وسمع من الكندي وطبقته وارتحل إلى بغداد فسمع من الفتح بن عبد السلام وطائفة ثم إلى مصر وكتب الكثير وعنى بالحديث وتفقه على الشيخ الموفق وكان فاضلا صالحا ثقة انتفع به جماعة وحدث توفي في نصف ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون وفيها الناشري المقرىء البارع تقي الدين عبد الرحمن بن مرهف المصري قرأ القراءات على أبي الجود وتصدر للإقراء وبعد صيته وتوفي في شوال عن نيف وثمانين سنة
وفيها ابن بنين أثير الدين عبد الغني بن سليمان بن بنين المصري الشافعي القباني الناسخ ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وسمع من عشير الجبل فكان آخر أصحابه وسمع من طائفة غيره وأجاز له عبد الله بن بري وعبد الرحمن الشيبي وانتهى إليه علو الإسناد بمصر مع صلاح وسكون توفي في ثالث ربيع الآخر وفيها علي بن إسمعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي روى عن الخشوعي وغيره وتوفي في رجب وكان مباركا خيرا قاله في العبر وفيها الكمال الضرير شيخ القراء أبو الحسن علي بن شجاع بن سالم بن علي الهاشمي العباسي المصري الشافعي صاحب الشاطبي وزوج بنته ولد سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات على الشاطبي وشجاع المدلجي وأبي الجود وسمع من البوصيري وطائفة وتصدر للإقراء
دهرا وانتهت إليه رياسة الأقراء وكان إماما يجري في فنون من العلم وفيه تودد وتواضع ولين ومروءة تامة توفي في سابع ذي الحجة
وفيها العلم أبو القاسم والأصح أبو محمد القسم بن أحمد بن موفق بن جعفر المرسي اللورقي بفتحتين وسكون الراء نسبة إلى لورقة بلدة بالأندلس المقرىء النحوي المتكلم شيخ القراء بالشام ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات على ثلاثة من أصحاب ابن هذيل ثم قرأها على أبي الجود ثم على الكندي وسمع ببغداد من ابن الأخضر وكان عارفا بالكلام والأصلين والعربية أقرأ واشتغل مدة وصنف التصانيف ودرس بالعزيرية نيابة وولي مشيخة الأقراء والنحو بالعادلية وتوفي في سابع رجب وقد شرح الشاطبية قاله في العبر
سنة اثنتين وستين وستمائة
فيها انتهت عمارة المدرسة الظاهرية بين القصرين بمصر ورتب في تدريس الإيوان القبلي القاضي تقي الدين محمد بن رزين وفي الإيوان الشمالي مجد الدين بن العديم وفي الإيوان الشرقي فخر الدين الدمياطي في تدريس الحديث وفي الغربي كمال الدين المحلي وفي جمادى الآخرة وصل الخبر بأن امرأة عجوزا من الحسينية عندها امرأتان تجيب لهم شبابا فيثور عليهم رجال عندها فيقتلونهم ويعطوهم لوقاد الحمام يحرقهم وإذا كثر القتلى يعطوهم لملاح يغرقهم وكان والي الحسينية شريكهم فحسب الذين قتلوا فكانوا خمسمائة نسمة فأمر السلطان أن يسمروا جميعا في الحسينية
وفيها اشتد الغلاء بالقاهرة حتى أبيع الأردب القمح بمائة وخمسين دينارا ففرق الملك الظاهر الصعاليك على الأغنياء والأمراء وألزمهم بإطعامهم
وفيها أحضر إلى بين يدي الظاهر طفل ميت له رأسان وأربعة أعين
وأربعة أيدي وأربعة أرجل وذكر محي الدين بن عبد الظاهر أن بعض أهل قوص وجد في حفرة فلوسا كثيرة وعلى كل فلس منها صورة ملك واقف في يده اليمنى ميزان وفي يده اليسرى سيف وعلى الوجه الثاني رأس مصور بآذان وعيون كثيرة مفتوحة وبداير الفلوس سطور واتفق حضور جماعة من الرهبان فيهم راهب عالم بلسان اليونان فقرأ ما على الفلس فكان تاريخه إلى ذلك الوقت ألفي سنة وثلثمائة سنة وكتابته أنا غلياث الملك ميزان العدل والكرم في يميني لمن أطاع والسيف في شمالي لمن عصى وفي الوجه الآخر أنا غلياث الملك أذني مفتوحة لسماع كلمة المظلوم وعيني مفتوحة أنظر بها مصالح ملكي
وفيها توفي قاضي حلب كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة زين الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن الأستاذ الأسدي الشافعي المعروف بابن الأستاذ وهو لقب جد والده عبد الله بن علوان ولد سنة إحدى عشرة وستمائة وسمع من جماعة واشتغل في المذهب وبرع في العلوم والحديث وأفتى ودرس وولي القضاء بحلب في الدولتين الناصرية والظاهرية قال الذهبي وكان صدرا معظما وافر الحرمة مجموع الفضائل صاحب رياسة ومكارم وأفضال وسؤدد وولي القضاة مدة فحمدت سيرته وروى عنه أبو محمد الدمياطي وكان يدعو له لما أولاه من الإحسان انتهى ومن تصانيفه شرح الوسيط في نحو عشر مجلدات لكن عز وجود شيء منه والظاهر أنه عدم في فتنة التتار بحلب فإنه أصيب بماله وأهله فيها ثم أعيد إلى دولته في الدولة الظاهرية وقال السبكي وله حواشي على فتاوى ابن الصلاح تدل على فضل كثير واستحضار للمذهب جيد توفي في نصف شوال وفيها أبو الطاهر الكتاني إسمعيل بن سالم الخياط العسقلاني ثم المصري روى عن البوصيري وابن ياسين وتوفي في جمادى الأولى وفيها الزين الحافظي سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني الطبيب طب الملك الحافظ صاحب جعبر فنسب إليه ثم خدم الملك
الناصر يوسف فعظم عنده وبعثه رسولا إلى التتار فباطنهم ونصح لهم فأمره هلاكو وصار تتريا خائنا للمسلمين فسلط الله عليه مخدومه فقتل بين يديه لكونه كاتب الملك الظاهر وقتل معه أقاربه وخاصته وكانوا خمسين
وفيها شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي ثم الحموي الشافعي الأديب كان أبوه قاضي حماة ويعرف بابن الرفا ولد هو بدمشق سنة ست وثمانين وخمسمائة وكان مفرط الذكاء ورحل به أبوه فسمع من ابن كليب جزء ابن عرفة ومن أبي المجد المسند كله وله محفوظات كثيرة وفضائل شهيرة وحرمة وجلالة ولين جانب يكرم من يعرف ومن لا يعرف مات بحماة ودفن بظاهرها في ثامن رمضان بتربة كان أعدها له ومن شعره قوله
( سبى فؤادي فتان الجمال إذا ** طلبت شبها له في الناس لم أصب )
( قرأت خط عذاريه فأطمعني ** بواو عطف ووصل منه عن كثب )
( وأعربت لي نون الصدغ معجمة ** بالحال عن نجح مقصودي ومطلبي )
( حتى رنا فسبت قلبي لواحظه ** والسيف أصدق أنباء من الكتب )
( لم أنس ليلة طافت بي عواطفه ** فزارني طيفه صدقا بلا كذب )
( حيى بما شئت من ورد بوجنته ** نهبته بابتسامي وهو منتهبي )
( نشوان اسأل عن قلبي فينكره ** تيها ويسأل عني وهو أعرف بي )
( وكلما قال ممن أنت قلت له ** ممن إذا عشقوا جاءوك بالعجب )
( لا تسألوا حبكم عن حبه فله ** من الإضافة ما يغني عن السبب )
( وراقبوا منه حالا غير حائلة ** عما عهدتم وقلبا غير منقلب )
وفيها العماد بن الحرستاني أبو الفضائل عبد الكريم بن القاضي جمال الدين عبد الصمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الشافعي ولد في رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي والقسم وتفقه على أبيه وأفتى
وناظر وولي قضاء الشام بعد أبيه قليلا ثم عزل ودرس بالغزالية مدة وخطب بدمشق وكان من جلة العلماء له سمت ووقار وتواضع وولي الدار الأشرفية بعد ابن الصلاح ووليها بعده أبو شامة وتوفي في جمادى الأولى
وفيها الضياء بن البانسي أبو الحسن علي بن محمد بن علي المحدث الخطيب العدل الشروطي ولد سنة خمس وستمائة وسمع من ابن البن وأجاز له الكندي وعنى بهذا الشأن وكتب الكثير وتوفي في صفر
وفيها الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الملك الكامل بن العادل جلس بعد موت عمه الصالح بالكرك فلما قتلوا ابن عمه المعظم أخرجه معتمد الكرك الطواشي وسلطنه بالكرك وكان كريما مبذرا للأموال فقل ما عنده حتى سلم الكرك إلى صاحب مصر ونزل إليه فخنقه وكذلك خنق عمه أباه وعاش كل منهما نحوا من ثلاثين سنة وقال ابن شهبة في سبب موته أن الظاهر بيبرس أمر أيدمر الحلى نائب القاهرة أن يقتله سرا ولا يظهر ذلك ويدفع لقاتله ألف دينار فطلب أيدمر رجلا شريرا عنده شهامة وأطلعه على ذلك فدخل إليه فخنقه وأخذ الألف دينار وجعل يشرب الخمر في بيته على بركة الفيل فأخرج من الذهب فقال له ندماؤه من أين لك هذا الذهب فأخبرهم في حال سكره أنه قتل الملك المغيث وأعطى ألف دينار فشاع ذلك بين الناس فبلغ الملك الظاهر فعظم عليه ذلك وأنكر على أيدمر وطلب الرجل فاستعاد منه ذلك الذهب وقتله وفيها الباب شرقي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري التاجر بجيرون روى عن الخشوعي وطائفة وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن سراقة الإمام محي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الشاطبي شيخ دار الحديث الكاملية بالقاهرة ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وسمع من أبي القسم أحمد بن بقي وبالعراق من أبي علي بن الجواليقي وطبقته وله مؤلفات في التصوف وكان أحد الأئمة
المشهورين بغزارة العلم ومن شعره
( وصاحب كالزلال يمحو ** صفاؤه الشك باليقين )
( لم يحص إلا الجميل حتى ** كأنه كاتب اليمين )
وهذا عكس قول المنازي
( وصاحب خلته خليلا ** وما جرى غدره ببالي )
( لم يحص إلا القبيح حتى ** كأنه كاتب الشمال )
وفيها الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن المنصور إبراهيم بن المجاهد أسد الدين شيركوه صاحب حمص ولد سنة سبع وعشرين وستمائة وتملك حمص سنة أربع وأربعين فأخذت منه سنة ست ثم ملك الرحبة ثم سار إلى هلاكو فأكرمه وأقره على حمص وولاه نيابة الشام مع كتبغا فلما قلع الله التتار وأرسل الملك المظفر فأمنه وأقره على حمص فغسل هناته بيوم حمص وكسر التتار ونبل قدره وكان ذا حزم ودهاء وشجاعة وعقل مقداما شجاعا كسر التتار وكانوا في ستة آلاف وكان هو في ألف وخمسمائة وقتل أكثر التتار ولم ينج منهم إلا القليل ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد وكان عفيفا يحب العلم وأهله توفي بحمص في صفر فيقال سقي وتسلم الظاهر بلده وحواصله وفيها الجوكندار العزيز بن حسام الدين لاجين من أكبر أمراء دمشق كان محبا للفقراء مؤثرا لراحتهم يجمعهم على السماعات والسماطات التي يضرب بها المثل ويخدمهم بنفسه توفي في المحرم كهلا قاله في العبر وفيها الرشيد العطار الحافظ أبو الحسين يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج القرشي الأموي النابلسي ثم المصري المالكي ولد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وسمع من البوصيري وإسمعيل بن يس والكبار فأكثر وأطاب وجمع المعجم وحصل الأصول وتقدم في الحديث وولي مشيخة الكاملية سنة ستين وتوفي في ثاني جمادى الأولى
وفيها القيادي أبو القسم بن منصور الاسكندراني الزاهد كان صالحا قانتا مخلصا منقطع القرين في الورع كان له بستان يعمله ويتبلغ منه وله ترجمة مفردة جمعها ناصر الدين بن المنير توفي في سادس شعبان
سنة ثلاث وستين وستمائة
فيها كانت ملحمة عظمى بالأندلس التقى الفنش لعنه الله وأبو عبد الله ابن الأحمر غير مرة ثم انهزمت الملاعين وأسر الفنش ثم أفلت وحشد وجيش ونازل غرناطة فخرج ابن الأحمر فكسرهم وأسر منهم عشرة آلاف وقتل المسلمون فوق الأربعين ألفا وجمعوا كوما هائلا من رؤس الفرنج وأذن عليه المسلمون واستعادوا عدة مداين من الفرنج ولله الحمد
وفيها نازلت التتار البيرة فساق سم الموت والحمدى وطائفة وكشفوهم عنها وفيها قدم السلطان بيبرس فحاصر قيسارية وافتتحها عنوة وعصت القلعة أياما ثم أخذت ثم نازل أرسوف وأخذها بالسيف في رجب ثم رجع فسلطن ابنه الملك السعيد في شوال وأركبه بابهة الملك وله خمس سنين ثم عمل طهوره بعد أيام وفيها جدد بديار مصر أربعة حكام من المذاهب لأجل توقف تاج الدين بن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من القضايا فتعطلت الأمور فأشار بهذا كمال الدين ايدغدي العزيزي فأعجب السلطان وفعله في آخر السنة ثم فعل ذلك بدمشق
وفيها ابتدىء بعمارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ففرغ في أربع سنين وفيها حجب الخليفة الحاكم بقلعة الجبل
وفيها توفي المعين القرشي المحدث المتقن أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن القاضي الزكي علي بن محمد بن يحيى كتب عن ابن صباح وابن اللتي وكريمة فأكثر وكتب الكثير توفي فجأة في ربيع
الأول وفيها الزين خالد بن يوسف بن سعد الحافظ اللغوي أبو البقاء النابلسي ثم الدمشقي ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة وسمع من القسم ومحمد بن الحصيب وابن طبرزد وببغداد من ابن الأخضر وطبقته وحصل الأصول وتقدم في الحديث وكان فهما يقظا حلو النوادر توفي في سلخ جمادى الأولى
وفيها النظام بن البانياسي عبد الله بن يحيى بن الفضل بن الحسين سمع من الخشوعي وجماعة وكان دينا فاضلا توفي في صفر وفيها النجيب أبو العشاير فراس بن علي بن زيد الكناني العسقلاني ثم الدمشقي التاجر المعدل روى عن الخشوعي والقسم وجماعة وفيها ابن مسدى الحافظ أبو بكر محمد بن يوسف الأزدي الغرناطي الأندلسي المهلبي روى عن محمد ابن عماد وجماعة كثيرة وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين كان حافظا علامة ذا رحلة واسعة ودراية شاع عنه التشيع جاور بمكة وقتل فيها غيلة انتهى وقال الذهبي توفي بمكة في شوال وقد خرج لنفسه معجما
وفيها جمال الدين بن يغمور الباروقي موسى ولد بالصعيد سنة تسع وتسعين وخمسمائة وكان من جلة الأمراء ولي نيابة مصر ونيابة الشام وتوفي في شعبان وفيها بدر الدين السنجاري الشافعي قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزراري بالضم ومهملتين نسبة إلى زرارة جد كان صدرا معظما وجوادا ممدحا ولي قضاء بعلبك وغيرها قبل الثلاثين ثم عاد إلى سنجار فنفق على الصالح نجم الدين فلما ملك الديار المصرية وفد عليه فولاه مصر والوجه القبلي ثم ولي قضاء القضاة بعد الأشرف بن عين الدولة وباشر الوزارة وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله ولم يزل في ارتقاء إلى أوائل الدولة الظاهرية فعزل ولزم بيته توفي في رجب وقيل كان يرتشي ويظلم قاله في العبر
وفيها أبو القسم بن يوسف بن أبي القسم بن عبد السلام الأموي الحواري العوفي الزاهد المشهور الحنبلي صاحب الزاوية بحواري كان خيرا صالحا له اتباع
وأصحاب ومريدون في كثير من قرى حوران في الجبل والبثنية ولا يحضرون سماعا بالدف توفي ببلده حوارى في آخر السنة وصلى عليه يوم عيد النحر ببيت المقدس صلاة الغايب وصلى عليه بدمشق تاسع عشر ذي الحجة
وقام مقامه بعده ولده عبد الله وكان عنده تفقه وزهادة وله أصحاب وكان مقصودا يزار ببلده وعمر حتى بلغ التسعين خرج ليودع بعض أهله إلى ناحية الكرك من جهة الحجاز فأدركه أجله هناك في أول ذي القعدة سنة ثلاثين وسبعمائة رحمهما الله تعالى
سنة أربع وستين وستمائة
فيها غزا الملك الظاهر وبث جيوشه بالسواحل فأغاروا على بلاد عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد ثم نزل على صفد في ثامن رمضان وأخذت في أربعين يوما بخديعة ثم ضربت رقاب مائتين من فرسانهم وقد استشهد عليها خلق كثير وفيها استباح المسلمون قارة وسبى منها ألف نفس وجعلت كنيستها جامعا وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي نزيل دمشق فقير متزهد محقق للعربية اشتغل بالناصرية وبمقصورة الحنفية مدة وتوفي في شوال وفيها أبو العباس أحمد بن صالح السينكي بالسين المهملة وتحتية ونون نسبة إلى سينكة بلد بمصر كان كاتب عماير جامع دمشق وكان فاضلا أديبا كثير التواضع ومن شعره
( للوزز زهر حسنه ** يصلي إلى زمن التصابي )
( شكت الغصون من الشتا ** فأعارها بيض الثياب )
( فكأنه عشق الربيع ** فشاب من قبل الشباب )
وله في السيف عامل القماير
( ربع المصالح داتر ** لم يبق منه طائل )
( هيهات تعمر بعقة ** والسيف فيها عامل )
رتب ناظرا بدار الضرب فجاء إليه شخص وسأله أن يترك عنده صندوقا وديعة إلى أن يقدم من الحجاز فأحضر إليه الصندوق ولا يعرف ما فيه وبعد أيام كتب إلى الأمير طيبرس الوزيري نائب البلدان الشهاب السينكي ناظر دار الضرب عنده صندوق فيه سكك لعمل الزغل فكبس بيته فوجدوا الصندوق فلم يقبل قوله في الاعتذار فاشتهر في دمشق على صورة قبيحة وأنفى منها فأرسل من الطريق إلى رفيق له
( بلادي وإن جارت على عزيزة ** ولو أنني أعرى بها وأجوع )
( وما أنا إلا المسك في غير أرضكم ** يضوع وأما عندكم فيضيع )
وفيها ابن شعيب الإمام جمال الدين أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي الصقلي ثم الدمشقي المقرىء الأديب الذهبي ولد سنة تسعين وخمسمائة ولزم السخاوي مدة وأتقن القراءات وسمع من القسم بن عساكر وطائفة وقرأ الكثير على السخاوي وطبقته وتوفي في جمادى الأول قاله في العبر
وفيها ابن البرهان العدل الصدر رضي الدين إبراهيم بن عمر بن مضر بن فارس المصري الواسطي التاجر السفار ولد سنة ثلاث وتسعين وسمع صحيح مسلم من منصور الفراوي وسمع منه خلق بدمشق ومصر والثغر واليمن وتوفي في حادي عشر رجب وفيها أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن هرون المرادي السبتي الحافظ ابن الكماد كان حافظ زمانه لم يكن له في عصره مثيل وكانت معيشته من تفقدات أهل الخير وهداياهم إلى أن مات قاله ابن ناصر الدين وفيها ابن الدرجي الفقيه صفي الدين إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى بن علوي القرشي الدمشقي الحنفي ولد سنة اثنتين وسبعن وسمع من عبد الرحمن بن علي الخرقي ومنصور الطبري وطائفة وتوفي في السادس والعشرين من ربيع الأول وفيها أيدغدى الأمير الكبير
كمال الدين كان كبير القدر شجاعا مقداما عاقلا محتشما كثير الصدقات حسن الديانة من جلة الأمراء ومتميزيهم حبسه المعز مدة ثم أخرجوه يوم عين جالوت وكان الملك الظاهر يحترمه ويتأدب معه جهزه في هذه السنة فأغار على بلاد سيس ثم خرج على صفد فتمرض وتوفي في ليلة عرفة بدمشق
وفيها ابن صصرى الصدر العدل بهاء الدين الحسن بن سالم بن الحافظ أبي المواهب التغلبي الدمشقي أحد أكابر البلد روى عن ابن طبرزد وطائفة وتوفي في صفر عن ست وستين سنة وولي هو وأخوه شرف الدين المناصب الكبار ونظر الدواوين وسمع أخوه المذكور عبد الرحمن بن سالم من حنبل وابن طبرزد أيضا ومات في شعبان من هذه السنة عن تسع وستين سنة وفيها الموقاني بضم الميم وقاف ونون نسبة إلى موقان مدينة بدر بند المحدث جمال الدين محمد بن عبد الجليل المقدسي نزيل دمشق سمع من أبي القسم الحرستاني وخلق وعنى بالحديث والأدب وله مجاميع مفيدة وتوفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وفيها ابن فار اللبن معين الدين أبو الفضل عبد الله بن محمد بن عبد الوارث الأنصاري المصري آخر من قرأ الشاطبية على مؤلفها وقرأها عليه جماعة منهم البدر التاذفي
وفيها هلاكو قولى بن جنكز خان المغلى مقدم التتار وقائدهم إلى النار الذي أباد البلاد والعباد بعثه ابن عمه القان الكبير على جيش المغل فطوى الممالك وأخذ الحصون الأسمعيلية وأذربيجان والروم والعراق والجزيرة والشام وكان ذا سطوة ومهابة وعقل وغور وحزم ودهاء وخبرة بالحروب وشجاعة ظاهرة وكرم مفرط ومحبة لعلوم الأوائل من غير أن يفهمها مات على كفره في هذه السنة بعلة الصرع فإنه اعتراه منذ قتل الشهيد صاحب ميافارقين الملك الكامل محمد غازي حتى كان يصرع في اليوم مرتين مات بمراغة
ونقلوه إلى قلعة تلا وبنوا عليه قبة وخلف سبعة عشر ولدا تملك بعده ابنه أبغا
سنة خمس وستين وستمائة
فيها كما قال ابن خلكان بلغنا من جماعة يوثق بهم وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى أن عندهم قرية يقال لها دير أبي سلامة كان بها رجل من العربان فيه استهتار زائد وجهل فجرى يوما ذكر السواك وما فيه من الفضيلة فقال والله ما أستاك إلا من المخرج فأخذ سواكا وتركه في دبره فآلمه تلك الليلة ثم مضى عليه تسعة أشهر وهو يشكو من ألم البطن والمخرج ثم أصابه مثل طلق الحامل ووضع حيوانا على هيئة الجرذون ورأسه مثل رأس السمكة وله أربع أنياب بارزة وذنب طويل مثل شبر وأربع أصابع وله دبر مثل دبر الأرنب ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات فقامت ابنة ذلك الرجل فشجت رأسه فمات وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات وهو يقول هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك الناحية وخطيب المكان وفيها توفي خطيب القدس كمال الدين أحمد بن أحمد بن أحمد النابلسي الشافعي ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة وسمع بدمشق من القسم بن عساكر وحنبل وكان صالحا متعبدا متزهدا توفي بدمشق في ذي القعدة وفيها إسمعيل الكوراني بالضم وراء نسبة إلى كوران قرية بأسفرايين القدوة الزاهد شيخ كبير القدر مقصود بالزيادة صاحب ورع وصدق وتفتيش عن دينه أدركه أجله بغزة في رجب قاله الذهبي
وفيها بركة بن قولى بن جنكزخان المغلى سلطان مملكة التفجاق الذي أسلم وراسل الملك الظاهر وكسر ابن عمه هلاكو توفي وهو في عشر الستين وتملك بعده ابن أخيه منكوتمر وفيها الأمير مقدم الجيوش ناصر
الدين حسين بن عزيز الذي أنشأ المدرسة بدمشق شرقي جامع بني أمية والآن تعرف تلك المحلة بالقيمرية تسمية لها باسم المدرسة كان بطلا شجاعا رئيسا عادلا جوادا وهو الذي ملك دمشق للناصر توفي مرابطا بالساحل في ربيع الأول
وفيها أبو شامة العلامة المجتهد شهاب الدين أبو القسم عبد الرحمن بن إسمعيل بن إبراهيم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي المقرىء النحوي المؤرخ صاحب التصانيف ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة في أحد ربيعيها بدمشق وسمى بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر وختم القرآن وله دون عشر سنين وأتقن فن القراءة على السخاوي وله ست عشرة سنة وسمع الكثير حتى عد في الحفاظ وسمع من الموفق وطائفة وأخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال الذهبي كتب الكثير من العلوم وأتقن الفقه ودرس وأفتى وبرع في فن العربية وذكر أنه حصل له الشيب وهو ابن خمس وعشرين سنة وولي مشيخة القراءة بالتربة الأشرفية ومشيخة الحديث بالدار الأشرفية وكان مع كثرة فضائله متواضعا مطرحا للتكلف وربما ركب الحمار بين المداوير وقرأ عليه القراءة جماعة ومن تصانيفه شرح الشاطبية ومختصرا تاريخ دمشق أحدهما في خمسة عشر مجلدا والآخر في خمس مجلدات وشرح نونية السخاوي في مجلد وله كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية وكتاب الذيل عليهما وكتاب ضوء الساري إلى معرفة رؤية الباري وكتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث وكتاب السواك وكتاب كشف حال بني عبيد ومفردات القراء ومقدمة في النحو وشرح مفصل الزمخشري وشرح البيهقي وله غير ذلك وأكثر تصانيفه لم يفرغها ومن نظمه قوله
( أيا لائمي مالي سوى البيت موضع ** أرى فيه عزا أنه لي أنفع )
( فراشي ونطعي فروتي ثم جبتي ** لحافي وأكلي ما يسد ويشبع )
( ومركوبي الآن الأتان ونجلها ** لا خلاق أهل العلم والدين أتبع )
( وقد يسر الله الكريم بفضله ** غنى النفس مع عيش به أتقنع )
( وما دمت أرضى باليسير فإنني ** غني أرى هولا لغيري أخضع )
ووقف كتبه بخزانة العادلية وشرط أن لا تخرج فاحترقت جملة وقال ابن ناصر الدين كان شيخ الأقراء وحافظ العلماء حافظا ثقة علامة مجتهدا وقال الأسنوي وجرت له محنة في سابع جمادى الآخرة سنة خمس وستين وستمائة وهو أنه كان في داره بطواحين الأشنان فدخل عليه رجلان جليلان في صورة مستفتيين ثم ضرباه ضربا مبرحا إلى أن عيل صبره ولم يغثه أحد ثم توفي رحمه الله في تاسع عشر رمضان من ذلك العام وأنشد في ذلك لنفسه
( قلت لمن قال أما تشتكي ** ما قد جرى فهو عظيم جليل )
( يقيض الله تعالى لنا ** من يأخذ الحق ويشفي الغليل )
( إذا توكلنا عليه كفى ** فحسبنا الله ونعم الوكيل )
ومن شعره
( قال النبي المصطفى أن سبعة ** يظلهم الله العظيم بظله )
( محب عفيف ناشيء متصدق ** وباك مصل والإمام بعدله )
انتهى وفيها ابن بنت الأعز قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد عبد الوهاب بن خلف بن بدر العلامي المصري الشافعي قاضي القضاة صدر الديار المصرية ورئيسها كان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وعقل ونزاهة وتثبت في الأحكام روى عن جعفر الهمداني وولي القضاء بتعيين الشيخ عز الدين بن عبد السلام وولي الوزارة ونظر الدواوين وتدريس الشافعي والصالحية ومشيخة الشيوخ والخطابة ولم تجتمع هذه المناصب لأحد قبله قرأ على الشيخ زكي الدين المنذري سنن أبي داود وحدث عن غيره أيضا قال القطب اليونيني كان إماما فاضلا متبحرا وتقدم في الدولة وكانت له الحرمة
الوافرة عند الملك الظاهر وكان ذا ذهن ثاقب وحدس صائب وجد وسعد وحزم وعزم مع النزاهة المفرطة وحسن الطريقة والصلابة في الدين والتثبت في الأحكام وتولية الأكفاء لا يراعى أحدا ولا يداهنه ولا يقبل شهادة مريب وقال السبكي وعن ابن دقيق العيد أنه قال لو تفرغ ابن بنت الأعز للعلم لفاق ابن عبد السلام وكان يقال أنه آخر قضاة العدل وفي أيامه قبل موته بيسير جعلت القضاة أربعة بمصر في سنة ثلاث وستين وفي الشام في سنة أربع وستين توفي رحمه الله تعالى في السابع والعشرين من رجب ودفن بسفح المقطم
وفيها ابن القسطلاني الشيخ تاج الدين علي بن الزاهد أبي العباس أحمد بن علي القيسي المصري المالكي المفتي العدل سمع بمكة من زاهر بن رستم ويونس الهاشمي وطائفة ودرس بمصر ثم ولي مشيخة الكاملية إلى أن توفي في سابع شوال وله سبع وسبعون سنة وفيها أبو الحسن الدهان علي بن موسى السعدي المصري المقرىء الزاهد ولد سنة سبع وتسعين وخمسمائة وقرأ القراءات على جعفر الهمداني وغيره وتصدر بالفاضلية للأقراء وكان ذا علم وعمل توفي في رجب وفيها صاحب المغرب المرتضى أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم القيسي المؤمني ولي الملك بعد ابن عمه المعتضد علي وامتدت أيامه فلما كان في المحرم من هذا العام دخل ابن عمه أبو دبوس الملقب بالواثق بالله إدريس بن أبي عبد الله بن يوسف مراكش فهرب المرتضى فظفر به عامل الواثق وقتله بأمر الواثق في ربيع الآخر وأقام الواثق ثلاثة أعوام ثم قامت دولة بني مرين وزالت دولة آل عبد المؤمن وفيها القاضي صدر الدين موهوب بن عمر الجزري ثم المصري الشافعي ولد بالجزيرة في جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة وأخذ عن السخاوي وابن عبد السلام وغيرهما وكان إماما عالما عابدا قال الذهبي تفقه وبرع في المذهب والأصول والنحو
ودرس وأفتى وتخرج به جماعة وكان من فضلاء زمانه وولي القضاء بمصر وأعمالها دون القاهرة مدة وقال غيره تخرجت به الطلبة وجمعت عنه الفتاوى المشهورة به وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام ولي نيابة الحكم عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام فلما عزل نفسه استقل بها وكانت له أموال كثيرة اكتسبها من المتجر حكى هو قال جاءني شخص من خواص الملك المعظم صاحب الجزيرة وقال الليلة السلطان يريد القبض عليك وكان ي سبعون ألف درهم فأخذتها وتركتها في قماقم الماء الورد وخرجت من البلد بعد صلاة العصر وقصدت المقابر فوجدت قبرا مفتوحا فدخلت فيه وأقمت فيه ثلاثة أيام فبينا أنا جالس وإذا جنازة أحضرت إلى ذلك القبر الذي أنا فيه ففتحوا الطاقة وأنزلوا الميت وسدوا الطاقة فلما انصرفوا جلس الميت فنظرت إليه والماء يقطر من ذقنه وبقي ساعة يتكلم بكلام لا أعرفه ثم استلقى على قفاه فحصل عندي غاية الخوف ثم خربت الطاقة وخرجت وجلا مما شاهدت فوجدت أكرادا قاصدين حلب فصحبتهم وأقمت بها مدة ثم قصدت الديار المصرية وفي ليلة تغيبت كبسوا داري فلم يجدوني ونادوا على من يحضرني ولقد رأيت الجند غائرين يفتشون علي توفي رحمه الله تعالى بمصر فجأة وخلف من العين ثلاثين ألف دينار وفيها ابن خطيب بيت الآبار ضياء الدين أبو الطاهر يوسف بن عمر بن يوسف بن يحيى الزبيدي سمع من الخشوعي وغيره وناب في خطابة دمشق من العادل وتوفي يوم الجمعة يوم الأضحى وفيها يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي سمع شمس الدين والد المعمر صدر الدين وروى عنه زكي الدين البرزالي مع تقدمه وتوفي في ربيع الأولى عن إحدى وثمانين سنة
سنة ست وستين وستمائة
في جمادى الأولى افتتح الظاهر بيبرس يافا بالسيف وقلعتها بالأمان ثم
هدمها ثم حاصر الشقيف عشرة أيام وأخذها بالأمان ثم أغار على عمال طرابلس وقطع أشجارها وغور أنهارها ثم نزل تحت حصن الأكراد فخضعوا له فترحل إلى حماة ثم إلى فامية ثم ساق وطلب أنطاكية فأخذها في أربعة أيام وحصر من قتل بها فكانوا أكثر من أربعين ألفا
وفيها توفي المجد بن الحلوانية المحدث الجليل أبو العباس أحمد بن المسلم بن حماد الأزدي الدمشقي التاجر ولد سنة أربع وستمائة وسمع من أبي القسم ابن الحرستاني فمن بعده وكتب العالي والنازل ورحل إلى بغداد ومصر والأسكندرية وخرج المعجم وتوفي في حادي عشر ربيع الأول
وفيها الشيخ العز خطيب الجبل أبو إسحق إبراهيم بن الخطيب شرف الدين عبد الله بن أبي عمر الزاهد المقدسي الحنبلي ولد سنة ست وستمائة وسمع من العماد والشيخ موفق الدين وأبي النمر الكندي وأبي القسم بن الحرستاني وخلق وأجاز له القسم الصفار وجماعة وكان إماما في العلم والعمل بصيرا بالمذهب صالحا عابدا زاهدا مخلصا صاحب أحوال وكرامات وأمر بالمعروف قوالا بالحق وقد جمع المحدث أبو الفداء بن الخباز سيرته في مجلد وحدث وسمع منه جماعة منهم أبو العباس الحيري وهو آخر أصحابه توفي في تاسع عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وهو والد الإمامين عز الدين الفرائضي وعز الدين محمد خطيب الجامع المظفري رحمهم الله تعالى وفيها بولص الراهب الكاتب المعروف بالحبيس أقام بمغارة بجبل حلوان بقرب القاهرة فقيل أنه وقع بكنز الحاكم صاحب مصر فواسى منه الفقراء والمستورين من كل ملة واشتهر أمره وشاع ذكره وقام عن المصادرين بجمل عظيمة مبلغها ستمائة ألف دينار وذلك خارجا عما كان يصرفه للفقراء طلبه السلطان فأحضره وتلطف به وطلب منه المال فجعل يغالطه ويراوغه فلما أعياه ضيق عليه وعذبه إلى أن مات ولم يقر بشيء فأخرج من القلعة ميتا ورمى على باب القرافة وكان
لا يأكل من هذا المال شيئا ولا يلبس ولا ظهر منه شيء في تركته قال الذهبي وقد أفتى غير واحد بقتله خوفا على ضعفاء الإيمان من المسلمين أن يضلهم ويغويهم وفيها عز الدين عبد العزيز بن منصور بن محمد بن وداعة الحلبي كان خطيبا بجبلة من أعمال الساحل ثم اتصل بصلاح الدين فصار من خواصه فلما ملك دمشق ولاه شد الدواوين وكان يظهر النسك وله حرمة وافرة ا تولى الظاهر ولاه الوزارة وتولى جمال الدين أقش النجيبي نيابة الشام فحصل بينهما وحشة وكان النجيبي يكرهه لتشيعه وكان النجيبي مغاليا في السنة وعند عز الدين تشيع فكتب عز الدين إلى الظاهر أن الأموال تنكسر وتحتاج الشام إلى مشد تركي شديد المهابة تكون أمور الولايات وأموالها راجعة إليه لا يعارض وقصد بذلك رفع يد النائب فجهر الظاهر علاء الدين كشتغدي الشقيري فلم يلبث أن وقع بينهما لأن الشقيري كان يهينه غاية الهوان فإذا اشتكى إلى النائب لا يشتكيه ويقول أنت طلبت مشدا تركيا فكتب الشقيري إلى الظاهر في حقه فورد الجواب بمصادرته فأخذ خطه بجمله يقصر عنها ماله وضربه وعصره وعلقه فكان كالباحث عن حتفه بظلفه وكانت له دار حسنة باعها في المصادرة ثم طلب إلى مصر فتوفي بها عقب وصوله ودفن بالقرافة الصغرى قريبا من قبلة الشافعي ولم يخلف ولدا ولا رزقه الله في عمره ولدا فإنه لم يتزوج إلا امرأة واحدة في صباه ثم فارقها بعد أيام قلائل وبنى بجبل قاسيون تربة ومسجدا وعمارة حسنة وله وقف على وجوه البر
وفيها صاحب الروم السلطان زكي الدين قيقباد بن السلطان غياث الدين كيخسرو بن السلطان كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق السلجوقي كان هو
وأبوه مقهورين مع التتار له الاسم ولهم التصرف فقتلوه في هذه السنة وله ثمان وعشرون سنة لأن بعضهم نم عليه بأنه يكاتب الظاهر فقتلوه خنقا وأظهروا أن فرسه رماه ثم أجلسوا في الملك ولده كيخسرو وله عشر سنين
سنة سبع وستين وستمائة
فيها هبت ريح شديدة بالديار المصرية غرقت مائتي مركب وهلك منها خلق كثير وفيها أمر السلطان بإراقة الخمور وتبطيل المفسدات والخواطىء بالديار المصرية وكتب بذلك إلى جميع بلاده وأمسك كاتبا يقال له ابن الكازروني وهو سكران فصلبه وفي عنقه جرة الخمر فقال الحكيم ابن دانيال
( وقد كان حد السكر من قبل صلبه ** خفيف الأذى إذ كان في شرعنا جلدا )
( فلما بدا المصلوب قلت لصاحبي ** ألا تب فإن الحد قد جاوز الحدا )
وفيها أخليت حران ووصل منها خطيبها ابن تيمية وغيره
وفيها توفي زين الدين أبو الطاهر إسمعيل بن عبد القوي بن عزون الأنصاري المصري الشافعي سمع الكثير من البوصيري وابن ياسين وطائفة وكان صالحا خيرا توفي في المحرم وفيها الروذراوري بضم الراء المهملة وسكون الواو والمعجمة وفتح الراء والواو الثانية ثم راء نسبة إلى روذراور بلد بهمذان مجد الدين عبد المجيد بن أبي الفرج اللغوي نزيل دمشق كانت له حلقة اشتغال بالحائط الشمالي وكان فصيحا مفوها حفظة لأشعار العرب توفي في صفر
وفيها علي بن وهب بن مطيع العلامة مجد الدين بن دقيق العيد القشيري المالكي شيخ أهل الصعيد ونزيل قوص كان جامعا لفنون العلم موصوفا
بالصلاح والتأله معظما في النفوس روى عن أبي المفضل وغيره وتوفي في المحرم عن ست وثمانين سنة وفيها الأبيوردي بفتح الهمزة والواو وسكون التحتية وكسر الباء الموحدة وسكون الراء نسبة إلى أبي ورد بليدة بخراسان الحافظ زين الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن أبي بكر الصوفي الشافعي سمع وهو ابن أربعين سنة من كريمة وابن قميرة فمن بعدهما حتى كتب عن أصحاب محمد بن عماد وشرع في المعجم وحرص وبالغ فما أفاق من الطلب إلا والمنية قد فجأته وكان ذا دين وورع مكثرا لكنه قلما روى توفي بالقاهرة بخانقاة سعيد السعداء في جمادى الأولى وله شعر وفيها التاج مظفر بن عبد الكريم بن نجم بن عبد الوهاب بن عبد الواحد بن الحنبلي أبو منصور الدمشقي الحنبلي مدرس مدرسة جدهم شرف الإسلام وهي المسمارية ولد بدمشق في سابع عشرى ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع بها من الخشوعي وابن طبرزد وحنبل وغيرهم وأفتى وناظر وتفقه وحدث بمصر والشام وروى عنه جماعة منهم الحافظ الدمياطي وتوفي في ثالث صفر فجأة بدمشق ودفن بسفح قاسيون
سنة ثمان وستين وستمائة
فيها تسلم الملك الظاهر حصون الإسمعيلية وقرر على زعيمهم نجم الدين حسن بن الشعراني أن يحمل كل سنة مائة ألف وعشرين ألفا وولاه على الإسمعيلية قاله في العبر وفيها توفي زين الدين أبو العباس أحمد بن عبد الدايم بن نعمة بن أحمد بن محمد بن إبراهيم مسند الشام وفقيهها ومحدثها الحنبلي المذهب الناسخ ولد سنة خمس وسبعين وخمسمائة وأجاز له خطيب الموصل وابن الفراوي وابن شاتيل وخلق وسمع من يحيى الثقفي وابن صدقة وابن الموازيني وعبد الرحمن الخرقي وغيرهم وانفرد في الدنيا
بالرواية عنهم ودخل بغداد فسمع بها من ابن كليب وابن المعطوس وأبي الفرج بن الجوزي وأبي الفتح بن المنى وابن سكينة وغيرهم وسمع بحران من خطيبها الشيخ فخر الدين بن تيمية وعنى بالحديث وتفقه بالشيخ موفق الدين وخرج لنفسه مشيخة وجمع تاريخا لنفسه وكان فاضلا متنبها وولي الخطابة بكفر بطنا بضع عشرة سنة وكان يكتب بسرعة خطا حسنا فكتب ما لا يوصف كثرة يكتب في اليوم الكراسين والثلاثة إلى التسعة وكتب تاريخ دمشق لابن عساكر مرتين والمغنى للموفق مرات وذكر أنه كتب بيده ألفي مجلدة وكان حسن الخلق والخلق متواضعا دينا حدث بالكثير بضعا وخمسين سنة وانتهى إليه علو الإسناد وكانت الرحلة إليه من أقطار البلاد وخرج له ابن الظاهري مشيخة وابن الخباز أخرى وسمع منه الحفاظ المتقدمون كالحافظ ضياء الدين والزكي البرزالي وعمر بن الحاجب وغيرهم وروى عنه الأئمة الكبار والحفاظ المتقدمون والمتأخرون منهم الشيخ محي الدين النووي والشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن دقيق العيد وابن تيمية وخلق آخرهم ابن الخباز وتوفي يوم الإثنين سابع رجب ودفن بسفح قاسيون
وفيها ضياء الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي الأندلسي ثم المصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي الإمام الحافظ المتقن المحقق الضابط الزاهد الورع شيخ النووي ذكره فيما ألحقه في طبقات ابن الصلاح فقال ولم ترعيني في وقته مثله وكان رضي الله عنه بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه لا سيما الصحيحان ذا عناية باللغة والنحو والفقه ومعارف الصوفية حسن المذاكرة فيها وكان عندي من كبار السالكين في طرائق الحقائق حسن التعليم صحبته نحو عشر سنين فلم أر منه شيئا يكره وكان من السماحة بمحل عال على قدر وجده وأما الشفقة على المسلمين ونصيحتهم فقل نظيره فيهما توفي بمصر في أوائل سنة ثمان وستين وستمائة انتهى كلام النووي
وفيها أبو دبوس صاحب المغرب الواثق بالله أبو العلاء إدريس بن عبد الله المؤمني آخر ملوك بني عبد المؤمن جمع الجيوش وتوثب على مراكش وقتل ابن عمه صاحبها أبا حفص وكان بطلا شجاعا مقداما مهيبا خرج عليه زعيم آل مرين يعقوب بن عبد الحق المريني وتمت بينهما حروب إلى أن قتل أبو دبوس بظاهر مراكش في المصاف واستولى يعقوب على المغرب
وفيها أحمد بن القسم بن خليفة الحكيم عرف بابن أبي أصيبعة كان عالما بالأدب والطب والتاريخ له مصنفات عدة منها عيون الأنباء في طبقات الأطباء وفيها شيخ الأطباء وكبيرهم علي بن يوسف بن حيدرة اشتغل بالأدب وفاق أهل زمانه وكان يقول لأصحابه بعد قليل يموت عند قران الكوكبين ثم يقول قولوا للناس حتى يعلموا مقدار علمي في حياتي بوقت موتي
وفيها العلامة المجيد نجم الدين عبد الغفار بن عبد الكريم بن عبد الغفار القزويني الشافعي أحد الأئمة الأعلام وفقهاء الإسلام قال اليافعي سلك في حاويه مسلكا لم يلحقه أحد ولا قاربه قال ابن شهبة هو صاحب الحاوي الصغير واللباب والعجاب قال السبكي كان أحد الأئمة الأعلام له اليد الطولى في الفقه والحساب وحسن الاختصار وقيل أنه كان إذا كتب في الليل يضيء له نور يكتب عليه توفي في المحرم سنة خمس وستين وستمائة انتهى وجزم اليافعي وابن الأهدل بوفاته في هذه السنة وفيها الكرماني الواعظ المعمر بدر الدين عمر بن محمد بن أبي سعد التاجر ولد بنيسابور سنة سبعين وخمسمائة وسمع في الكهولة من القسم الصفار وروى الكثير بدمشق وبها توفي في شعبان وفيها محي الدين قاضي القضاة أبو الفضل يحيى ابن قاضي القضاة محي الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين أبي الحسن علي بن قاضي القضاة منتخب الدين أبي المعالي القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة وروى عن حنبل وابن طبرزد
وتفقه على الفخر بن عساكر وولي قضاء دمشق مرتين فلم تطل أيامه وكان صدرا معظما معرفا في القضاء له في العربي عقيدة تتجاوز الوصف وكان شيعيا يفضل عليا على عثمان مع كونه ادعى نسبا إلى عثمان وهو القائل
( أدين بما دان الوصي ولا أرى ** سواه وإن كانت أمية محتدى )
( ولو شهدت صفين خيلي لأعذرت ** وساء بني حرب هنالك مشهدي )
وسار إلى خدمة هلاكو فأكرمه وولاه قضاء الشام وخلع عليه خلعة سوداء مذهبة فلما تملك الملك الظاهر أبعده إلى مصر وألزمه بالمقام بها وتوفي بمصر في سابع عشر رجب قاله في العبر
سنة تسع وستين وستمائة
في شعبانها افتتح السلطان حصن الأكراد بالسيف ثم نازل حصن عكا وأخذه بالأمان فتذلل له صاحب طرابلس وبذل له ما أراد وهادنه عشر سنين وفي شوالها جاء سيل بدمشق في بحبوحة الصيف وذلك بالنهار والشمس طالعة فغلقت أبواب البلد وطغا الماء وارتفع وأخذ البيوت والأموال وارتفع عند باب الفرج ثمانية أذرع حتى طلع الماء فوق أسطحة عديدة وضج الخلق وابتهلوا إلى الله تعالى وكان وقتا مشهودا أشرف الناس فيه على التلف ولو ارتفع ذراعا آخر لغرق نصف دمشق
وفيها توفي ابن البارزي قاضي حماة شمس الدين إبراهيم بن المسلم بن هبة الله الحموي الشافعي تفقه بدمشق بالفخر بن عساكر وأعاد له ودرس بالرواحية وولي تدريس معرة النعمان ثم تحول إلى حماة ودرس بها وأفتى وولي قضاءها فحمدت سيرته وكان ذا علم ودين وتوفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة وفيها الشيخ حسن بن أبي عبد الله بن صدقة الأزدي الصقلي المقرىء الرجل الصالح قرأ القراءات على السخاوي وسمع الكثير
وأجاز له المؤيد الطوسي وتوفي في ربيع الآخر وكان صالحا ورعا مخلصا متقللا من الدنيا منقطع القرين عاش تسعا وسبعين سنة
وفيها ابن قرقول صاحب كتاب مطالع الأنوار إبراهيم بن يوسف الحموي كان من الفضلاء الصلحاء صحب علماء الأندلس وكتابه ضاهى به مشارق الأنوار للقاضي عياض صلى الجمعة في الجامع ثم حضرته الوفاة فتلا سورة الإخلاص وكررها بسرعة ثم تشهد ثلاث مرات وسقط على وجهه ميتا ساجدا رحمه الله تعالى وفيها ابن سبعين الشيخ قطب الدين أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر الأشبيلي المرسي الرقوطي الأصل الصوفي المشهور قال الذهبي كان من زهاد الفلاسفة ومن القائلين بوحدة الوجود له تصانيف واتباع يقدمهم يوم القيامة انتهى وقال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته درس العربية والآداب بالأندلس ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف على قاعدة زهد الفلاسفة وتصرفهم وعكف على مطالعة كتبه وجد واجتهد وجال في بلاد المغرب ثم رحل إلى المشرق وحج حججا كثيرة وشاع ذكره وعظم صيته وكثرت أتباعه على رأي أهل الوحدة المطلقة وأملى عليهم كلاما في العرفان على رأي الاتحادية وصنف في ذلك أوضاعا كثيرة وتلقوها عنه وبثوها في البلاد شرقا وغربا وقد ترجمه ابن حبيب فقال صوفي متفلسف متزهد متعبد مثقشف يتكلم على طريق أصحابه ويدخل البيت لكن من غير أبوابه شاع أمره واشتهر ذكره وله تصانيف واتباع وأقوال تميل إليها بعض القلوب وينكرها بعض الأسماع وقال لأبي الحسن الششتري عند ما لقيه وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت وإن كنت تريد رب الجنة فهلم إلينا وأما ما نسب إليه من آثار السيمايا والتصويف فكثير جدا ومن نظمه
( كم ذا تموه بالشعبين فالعلم ** والأمر أوضح من نار على علم )
( أصبحت تسأل عن نجد وساكنها ** وعن تهامة هذا فعل متهم )
وقال البسطامي كان له سلوك عجيب على طريق أهل الوحدة وله في علم الحروف والأسماء اليد الطولى وألف تصانيف منها كتاب الحروف الوضعية في الصور الفلكية وشرح كتاب إدريس عليه السلام الذي وضعه في علم الحرف وهو نفيس ومن وصاياه لتلامذته وأتباعه عليكم بالاستقامة على الطريق وقدموا فرض الشريعة على الحقيقة ولا تفرقوا بينهما فإنهما من الأسماء المترادفة واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا وقولوا عليها وعلى أهلها اللعنة انتهى وأغراض الناس متباينة بعيدة عن الاعتدال فمنهم المرهق المكفر ومنهم المقلد ومما شنع عليه به أنه ذكر في كتاب البدان صاحب الإرشاد إمام الحرمين إذا ذكر أبو جهل وهامان فهو ثالث الرجلين وأنه قال في شأن الغزالي إدراكه في العلوم أضعف من خيط العنكبوت فإن صحت نسبة ذلك إليه فهو من أعداء الشريعة المطهرة بلا ريب وقد حكى عن قاضي القضاة ابن دقيق العيد أنه قال جلست معه من ضحوة إلى قريب الظهر وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تفهم مركباته والله أعلم بسريرة حاله وقد أخذ عن جماعة منهم الحراني والبوني مات بمكة انتهى كلام المناوي بحروفه
وفيها أبو الحسن بن عصفور علي بن مؤمن بن محمد بن علي النحوي الحضرمي الأشبيلي حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس قال ابن الزبير أخذ عن الدباج والشلوبين ولازمه مدة ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة وتصدر للاشتغال مدة بعدة بلاد وجال بالأندلس وأقبل عليه الطلبة وكان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك ولم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو ولا تأهل لغير ذلك قال الصفدي ولم يكن عنده ورع وجلس في مجلس شراب فلم يزل يرجم بالنارنج إلى أن مات في رابع عشرى ذي القعدة ومولده سنة سبع وسبعين
وخمسمائة وصنف الممتع في التصريف كان أبو حيان لا يفارقه المقرب شرحه لم يتم شرح الجزولية مختصر المحتسب ثلاث شروح على الجمل شرح الأشعار الستة وغير ذلك ومن شعره
( لما تدنست بالتفريط في كبرى ** وصرت مغرى بشرب الراح واللعس )
( أيقنت أن خضاب الشيب استرلى ** أن البياض قليل الحمل للدنس )
ورثاه القاضي ناصر الدين بن المنير قال ذلك السيوطي في كتابه بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة وفيها المجد بن عساكر محمد بن إسمعيل بن عثمان بن مظفر بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين الدمشقي المعدل سمع من الخشوعي والقسم وجماعة وتوفي في ذي القعدة
سنة سبعين وستمائة
في رمضان حولت التتار من تبقى من أهل خراسان إلى المشرق وخربت ودثرت بالكلية وفيها توفي معين الدين أحمد بن قاضي الديار المصرية علي بن العلامة أبي المحاسن يوسف بن عبد الله بن بندار الدمشقي ثم المصري ولد سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع من البوصيري وابن يس وطائفة وتوفي في رجب وفيها الملك الأمجد حسن بن الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أيوب كان من الفضلاء عنده مشاركة جيدة في كثير من العلوم وله معرفة تامة بالأدب وتزهد وصحب المشايخ وكان لا يدخر عنهم شيئا وكان كثير المروءة والاحتمال مات بدمشق ودفن بتربة جده الملك المعظم بسفح قاسيون وفيها الكمال سلار بن الحسن بن عمر بن سعيد الأربلي الشافعي الإمام العلامة مفتي الشام ومفيده أبو الفضائل صاحب ابن الصلاح شيخ الأصحاب ومفيد الطلاب تفقه على ابن الصلاح حتى برع في المذهب وتقدم وساد واحتاج الناس إليه وكان معيدا
بالبادرائية عينه لها واقفها فباشرها إلى أن توفي يفيد ويعيد ويصنف ويعلق ويؤلف ويجمع وينشر المذهب ولم يزدد منصبا آخر وقد اختصر البحر للروياني في مجلدات عدة وانتفع به جماعة من الأصحاب منهم الشيخ محي الدين النووي وأثنى عليه ثناء حسنا قال وتفقه على جماعة منهم أبو بكر الماهياني والماهياني على ابن البرزي وقال الشريف عز الدين وكان عليه مدار الفتوى بالشام في وقته ولم يترك في بلاد الشام مثله توفي في جمادى الآخرة في عشر التسعين أو نيف عليها ودفن بباب الصغير وفيها الجمال البغدادي عبد الرحمن بن سلمان بن سعد بن سلمان البغدادي الأصل الحراني المولد الفقيه الحنبلي أبو محمد نزيل دمشق ولد سنة خمس وثمانين وخمسمائة في أحد ربيعيها وسمع من عبد القادر الحافظ وحنبل وحماد الحراني وغيرهم وتفقه بالشيخ الموفق وبرع وأفتى وانتفع به جماعة وحدث وروى عنه طائفة منهم ابن الخباز وكان إماما بحلقة الحنابلة بالجامع توفي في رابع شعبان ودفن بسفح قاسيون
وفيها ابن يونس تاج الدين العلامة عبد الرحيم بن الفقيه رضي الدين محمد بن يونس بن منعة الموصلي الشافعي مصنف التعجيز كان من بيت الفقه والعلم بالموصل ولد بها سنة ثمان وتسعين وخمسمائة واشتغل بها وأفاد وصنف ثم دخل بغداد بعد استيلاء التتار عليها في رمضان هذه السنة وولي قضاء الجانب الغربي بها وتدريس البشيرية قال الأسنوي كان فقيها أصوليا فاضلا توفي في شوال سنة إحدى وسبعين وستمائة ودفن عند قبة الديلم بالمشهد الفاطمي وجزم ابن خلكان وصاحب العبر بوفاته في هذه السنة وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن محمد بن إبراهيم بن سعد المقدسي الصحراوي روى عن الخشوعي ومحمد بن الحصيب وتوفي في رمضان عن ثمانين سنة وفيها القاضي الرئيس عماد الدين محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب الثعلبي الدمشقي والد قاضي القضاة نجم الدين
ولد بعد الستمائة وسمع من الكندي وجماعة وكان كامل السؤدد متين الديانة وافر الحرمة توفي في العشرين من ذي القعدة عن تسعين سنة قاله في العبر
وفيها الوجيه بن سويد التكريتي محمد بن علي بن أبي طالب التاجر كان واسع الأموال والمتاجر عظيم الحرمة مبسوط اليد في الدولة الناصرية والظاهرية توفي في ذي القعدة عن نيف وستين سنة ولم يرو شيئا
وفيها الحافظ محمد بن الحافظ العلم علي الصابوني بن محمود بن أحمد بن علي المحمودي أبو حامد المنعوت بالجمال كان إماما حافظا مفيدا اختلط قبل موته بسنة أو أكثر قال ابن ناصر الدين في بديعته
( محمد بن العلم الصابوني ** خبرته فائقة الفنون )
وفيها أبو بكر البشتي نسبة إلى بشت قرية بنيسابور محمد بن المحدث علي بن المظفر بن القسم الدمشقي المولد المؤذن ولد في المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وطائفة كثيرة توقف بعض المحدثين في السماع منه لأنه كان جنائزيا
سنة إحدى وسبعين وستمائة
فيها وصلت التتار إلى حافة الفرات ونازلوا البيرة وكان السلطان بدمشق فأسرع السير وأمر الأمراء بخوض الفرات فخاض سيف الدين قلاوون وبيسرى والسلطان أولا ثم تبعهم العسكر ووقعوا على التتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا مائتين ولله الحمد وأنشد في ذلك الموفق الطبيب
( الملك الظاهر سلطاننا ** نفديه بالأموال والأهل )
( اقتحم الماء ليطفى به ** حرارة القلب من المغل )
وفيها توفي أبو البركات أحمد بن عبد الله بن محمد الأنصاري المالكي
الأسكندراني ابن النحاس سمع من عبد الرحمن بن موقا وغيره وتوفي في جمادى الأولى وفيها أحمد بن هبة الله بن أحمد السلمي الكهفي روى عن ابن طبرزد وغيره وتوفي في رجب وفيها أبو الفتح عبد الهادي بن عبد الكريم بن علي القيسي المصري المقرىء الشافعي خطيب جامع المقياس ولد سنة سبع وسبعين وخمسمائة وقرأ القراءات بالسبعة على أبي الجود وسمع من قاسم بن إبراهيم المقدسي وجماعة وأجاز له أبو طالب أحمد بن المسلم اللخمي وأبو طالب بن عوف وجماعة وتفرد بالرواية عنهم وكان صالحا كثير التلاوة وتوفي في شعبان وفيها أبو الفرج فخر الدين عبد القاهر بن أبي محمد بن أبي القسم بن تيمية الحراني الحنبلي ولد بحران سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من جده وابن اللتي وحدث بدمشق وخطب بجامع حران وتوفي في حادي عشر شوال بدمشق ودفن من الغد بمقابر الصوفية
وفيها ابن هامل المحدث شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن عمار بن هامل بن موهوب الحراني الحنبلي المحدث الرحال نزيل دمشق ولد بحران سنة ثلاث وستمائة وسمع ببغداد من القطيعي وغيره وبدمشق من القاضي أبي نصر الشيرازي وغيره وبالاسكندرية من الصفراوي وغيره وبالقاهرة من ابن الصابوني وغيره وكتب بخطه وطلب بنفسه وكان أحد المعروفين بالفضل والإفادة قال الذهبي عنى بالحديث عناية كلية وكتب الكثير وتعب وحصل وأسمع الحديث وفيه دين وحسن عشرة أقام بدمشق ووقف كتبه وأجزاءه بالضيائية وقال الدمياطي في حقه الإمام الحافظ وسمع منه جماعة من الأكابر منهم الحافظ الدمياطي وابن الخباز وتوفي ليلة الأربعاء ثامن شهر رمضان بالمارستان الصغير بدمشق ودفن من الغد بسفح قاسيون
والمارستان الصغير بدمشق أقدم من المارستان النوري كان مكانه في قبلة
مطهرة الجامع الأموي وأول من عمره بيتا وخرب رسوم المارستان منه أبو الفضل الأخنائي ثم ملكه بعده أخوه البرهان الأخنائي وهو تحت المأذنة الغربية بالجامع الأموي من جهة المغرب وينسب إلى أنه عمارة معاوية أو ابنه
وفيها العدل شرف الدين علي بن عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن الأسكاف كان من كبار أهل دمشق وكان قد عاهد الله تعالى أنه مهما كسب يتصدق بثلثه بنى رباطا بجبل قاسيون وأوقف عليه وقف كبيرا وشرط أن يقيم فيه عشرة شيوخ عمركل شيخ منهم فوق الخمسين ولكل واحد في الشهر عشرة دراهم مات بدمشق ودفن برباطه
وفيها الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي القرطبي صاحب كتاب التذكرة بأمور الآخرة والتفسير الجامع لأحكام القرآن الحاكي مذاهب السلف كلها وما أكثر فوائده وكان إماما علما من الغواصين على معاني الحديث حسن التصنيف جيد النقل توفي بمينة بني خصيب من صعيد مصر رحمه الله تعالى وفيها صاحب صهيون سيف الدين محمد بن مظفر الدين عثمان بن منكورس ملك صهيون بعد أبيه اثنتي عشرة سنة وتوفي بها في عشر السبعين وملك بعده ولده سابق الدين ثم جاء إلى خدمة الملك الظاهر مختارا غير مكره وسلم الحصن إليه فأعطاه إمرة وأعطى أقاربه أخبازا قاله في العبر
وفيها الشرف بن النابلسي الحافظ أبو المظفر يوسف بن الحسن بن بدر الدمشقي ولد بعد الستمائة وسمع من ابن البن وطبقته وفي الرحلة من ابن عبد السلام الداهري وعمر بن كرم وطبقتهما وكتب الحديث وكان فهما يقظا حسن الحفظ مليح النظم ولي مشيخة دار الحديث النورية وتوفي في حادي عشر المحرم
سنة اثنتين وسبعين وستمائة
فيها توفي الكمال المحلى أحمد بن علي الضرير شيخ القراء بالقاهرة انتفع به جماعة ومات في ربيع الآخر عن إحدى وخمسين سنة
وفيها المؤيد بن القلانسي رئيس دمشق أبو المعالي أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد التميمي سمع من ابن طبرزد وحدث بمصر ودمشق وتوفي في المحرم وفيها الأتابك الأمير الكبير فارس الدين أقطاي الصالحي المستعرب أمره أستاذه الملك الصالح ثم ولي نيابة السلطنة للمظفر قطز فلما قتل قام مع الملك الظاهر ثم اعتراه طرف جذام فلزم بيته إلى أن توفي في جمادى الأولى بمصر وقد شارف السبعين
وفيها النجيب أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل الحراني الحنبلي التاجر مسند الديار المصرية ولد بحران سنة سبع وثمانين وخمسمائة ورحل به أبوه فأسمعه الكثير من ابن كليب وابن المعطوس وابن الجوزي وولي مشيخة دار الحديث الكاملية وتوفي في أول صفر وله خمس وثمانون سنة وفيها الحافظ الإمام نجم الدين علي بن عبد الكافي الربعي الدمشقي أحد من عنى بالحديث مع الذكاء المفرط ولو عاش لما تقدمه أحد في الفقه والحديث بل توفي في ربيع الآخر ولم يبلغ الثلاثين
وفيها كمال الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد وضاح بن أبي سعيد محمد بن وضاح نزيل بغداد الفقيه الحنبلي النحوي الزاهد الكاتب ولد في رجب سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وسمع صحيح مسلم من المروري وببغداد من ابن القطيعي وابن روزبة صحيح البخاري عن أبي الوقت ومن عمر بن
كرم جامع الترمذي ومن عبد اللطيف بن القطيعي سنن الدارقطني وسمع من الشيخ العارف علي بن إدريس اليعقوبي ولبس منه الخرقة وانتفع به ورحل وطاف وسمع الكثير من الكثير وتفقه وبرع في العربية وكان صديقا للشيخ محي الدين الصرصري قال ابن رجب كان سمح النفس صحب المشايخ والصالحين وكان عالما بالفقه والفرائض والأحاديث ورتب عقب الواقعة مدرسا بالمجاهدية وهو أحد المكثرين وخرج وصنف ومن مصنفاته كتاب الدليل الواضح اقتفاء نهج السلف الصالح وكتاب الرد على أهل الإلحاد وغير ذلك وله إجازات من جماعات كثيرة منهم من دمشق الشيخ موفق الدين بن قدامة وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة ثالث صفر ودفن بحضرة قبر الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه عند رجليه وفيها شمس الدين أبو الحسن علي بن عثمان بن عبد القادر بن محمود بن يوسف بن الوجوهي البغدادي الصوفي المقرىء الفقيه الحنبلي الزاهد أحد أعيان أهل بغداد في زمنه ولد في الحجة سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي صاحب ابن سعدون القرطبي وسمع الحديث من ابن روزبة وغيره وكان دينا خيرا صالحا خازنا بدار الوزير وكان شيخ رباط ابن الأمير وله كتاب بلغة المستفيد في القراءات العشر وروى عنه جماعات وتوفي في ثالث جمادى ببغداد ودفن بباب حرب ورؤى بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال نزلا علي وأجلساني وسألاني فقلت لمثل ابن الوجوهي يقال ذلك فأضجعاني ومضيا وفيها كمال الدين التفليسي أبو الفتح عمر بن بندار بن عمر بن عمر الشافعي أبو حفص ولد بتفليس سنة اثنتين وستمائة تقريبا وتفقه وبرع في المذهب والأصلين وغير ذلك ودرس وأفتى وأشغل وجالس أبا عمرو
ابن الصلاح وممن أخذ عنه الأصول الشيخ محي الدين النووي وولي القضاء بدمشق نيابة وكان محمود السيرة ولما تملك التتار جاءه التقليد من هلاكو بقضاء الشام والجزيرة والموصل فباشره مدة يسيرة وأحسن إلى الناس بكل ممكن وذب عن الرعية وكان نافذ الكلمة عزيز المنزلة عند التتار لا يخالفونه في شيء قال القطب اليونيني فبالغ في الإحسان وسعى في حقن الدماء ولم يتدنس في تلك المدة بشيء من الدنيا مع فقره وكثرة عياله ولا استصفى لنفسه مدرسة ولا استأثر بشيء وكان مدرس العادلية وسار محي الدين ابن الزكي فجاء بالقضاء عن الشام من جهة هلاكو وتوجه كمال الدين إلى قضاء حلب وأعمالها ولما عادت الدولة المصرية غضبوا عليه ونسبت إليه أشياء برأه الله منها وعصمه ممن أراد ضرره وكان نهاية ما نالوا منه أنهم ألزموه بالسفر إلى الديار المصرية فسافر وأفاد أهل مصر وأقام بالقاهرة مدة يشغل الطلبة بعلوم عدة في غالب أوقاته فوجد به الناس نفعا كثيرا وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول ودفن بسفح المقطم
وفيها مسند الشام ابن أبي اليسر تقي الدين أبو محمد إسمعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله التنوخي الدمشقي الكاتب المنشيء ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وروى عن الخشوعي فمن بعده وله شعر جيد وبلاغة وفيه خير وعدالة توفي في السادس والعشرين من صفر
وفيها ابن علاق أبو عيسى عبد الله بن عبد الواحد بن محمد بن علاق الأنصاري المصري الرزاز المعروف بابن الحجاج سمع من البوصيري وابن يس وكان آخر من حدث عنهما توفي في أول ربيع الأول وله ست وثمانون سنة
وفيها الكمال بن عبد السيد أبو نصر عبد العزيز بن عبد المنعم بن الفقيه أبي البركات الخضر بن شبل الحارثي الدمشقي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من الخشوعي وغيره وتوفي في شعبان
وفيها ابن مالك العلامة حجة العرب جمال الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني بفتح الجيم وتشديد التحتية ونون نسبة إلى جيان بلد بالأندلس نزيل دمشق ولد سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وسمع من جماعة وأخذ العربية عن غير واحد وجالس بحلب ابن عمرون وغيره وتصدر لإقراء العربية ثم انتقل إلى دمشق وأقام بها يشغل ويصنف وتخرج به جماعة كثيرة وخالف المغاربة في حسن الخلق والسخاء والمذهب فإنه كان شافعي المذهب قال الذهبي صرف همته إلى إتقان لسان العرب حتى بلغ فيه الغاية وحاز قصب السبق وأربى على المتقدمين وكان إماما في القراءات وعللها وصنف فيها قصيدة دالية مرموزة في مقدار الشاطبية وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى وأما إشعار العرب التي يستشهد بها على اللغة والنحو فكانت الأئمة الأعلام يتحيرون منه ويتعجبون من أين يأتي بها وكان ينظم الشعر سهلا عليه هذا مع ما هو عليه من الدين المتين وصدق اللهجة وكثرة النوافل وحسن السمت ورقة القلب وكمال العقل والوقار والتؤدة وروى عنه النووي وغيره ونقل عنه في شرح مسلم أشياء توفي بدمشق في شعبان ودفن بالروضة قرب الموفق ومن تصانيفه كتاب تسهيل الفوائد في النحو وكتاب الضرب في معرفة لسان العرب وكتاب الكافية الشافية وكتاب الخلاصة وكتاب العمدة وشرحها وكتاب سبك المنظوم وفك المختوم وكتاب إكمال الأعلام بتثليث الكلام وغير ذلك
وفيها أبو عبد الله نصير الدين محمد بن محمد بن حسن كان رأسا في علم الأوائل ذا منزلة من هلاكو قال العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان ما لفظه لما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر
والإلحاد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هلاكو شفى نفسه من اتباع الرسول وأهل دينهم فعرضهم على السيف حتى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين واستبقى الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين والسحرة ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم وجعلهم خاصته وأولياءه ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الرب جل جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره واتخذ للملاحدة مدارس ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن فلم يقدر على ذلك فقال هي قرآن الخواص وذلك قرآن العوام ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين فلم يتم له الأمر وتعلم السحر في آخر الأمر فكان ساحرا يعبد الأصنام انتهى بلفظه توفي في ذي الحجة ببغداد وقد نيف على الثمانين وفيها الشيخ سيف الدين يحيى بن الناصح عبد الرحمن بن النجم بن الحنبلي كان مولده سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وقيل سنة تسعين وهو آخر من حدث بالسماع عن الخشوعي وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وغيرهم بدمشق والموصل وبغداد وحدث بمصر ودمشق وسمع منه العلامة تاج الدين الفزاري وأخوه الخطيب شرف الدين والحافظ الدمياطي وذكره في معجمة توفي سابع عشر شوال
سنة ثلاث وسبعين وستمائة
في رمضان غزا السلطان الظاهر بلاد دسيس المصيصة وأدنة وبانياس ورجع الجيش بشيء عظيم وغنائم لا تحصى وفيها قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطا الأوزاعي الحنفي كان المشار إليه في مذهبه مع الدين والصيانة والتعفف والتواضع اشتغل عليه جماعة وروى عن ابن طبرزد وجماعة وولي قضاء دمشق وتوفي في جمادى وقد قارب الثمانين
وفيها تقي الدين عمر بن يعقوب بن عثمان الأربلي الصوفي روى بالإجازة عن المؤيد وزينب وجماعة وسمع الكثير وتوفي يوم الأضحى
وفيها وجيه الدين منصور بن سليم بن منصور بن فتوح المحدث الحافظ ابن العمادية الهمداني بسكون الميم نسبة إلى القبيلة المشهورة الاسكندراني الشافعي محتسب الثغر ولد في صفر سنة سبع وستمائة ورحل وسمع الكثير من أصحاب السلفي ورحل إلى الشام والعراق وخرج واعتنى بالحديث والرجال والتاريخ والفقه وغير ذلك وخرج تاريخا للاسكندرية وأربعين حديثا بلدية ودرس وجمع لنفسه معجما وكان دينا خيرا حميد الطريقة كثير المروءة محسنا إلى الرحالة كتب عنه الدمياطي والشريف عز الدين وتوفي في شوال ولم يخلف ببلده مثله
وفيها شرف الدين نصر الله بن عبد المنعم بن حواري التنوخي الحنبلي كان أديبا فاضلا عمر في آخر عمره مسجدا بدمشق عند طواحين الأشنان تأنق في عمارته وصنف كتاب إيقاظ الوسنان في تفضيل دمشق على سائر البلدان وكانت إقامته بالعادلية الصغرى ولما ولي ابن خلكان دمشق طلب الحساب من أربابه ومن شرف الدين هذا عن وقف العادلية فعمل الحساب وكتب ورقة
( ولم أعمل لمخلوق حسابا ** وها أنا قد عملت لك الحسابا )
فقال القاضي خذ أوراقك ولا تعمل لنا حسابا ولا نعمل لك ومن شعره
( ما كنت أول مستهام مدنف ** كلف بممشوق القوام مهفهف )
( تزري لواحظه بكل مهند ** ماض وعطفاه بكل مثقف )
( مستعذب الألفاظ يفعل طرفه ** في قلب من يهواه فعل المشرفي )
( أنا واله دنف بورد خدوده ** وبفض نرجس مقلتيه المضعف )
( يا جائرا أبدا بعادل قده ** ما حيلتي في الحب أن لم تنصف )
( ديوان حسنك لم يزل مستوفيا ** وجدي وأشواقي بحسن تصرف )
( لك ناظر فتان بالعشاق قد ** أضحى على الهلكات أعجل مشرف )
( ورشيق قدك عامل في مهجتي ** من غير حاصل أدمعي لم يصرف )
( وإذا طلائع عارضيه بدت فقل ** قف يا عذار بخده واستوقف )
( لا شيء أعذب من تهتك عاشق ** في عشق معسول المراشف أهيف )
( يا من يعنف في دمشق ووصفها ** لو كنت تعقل كنت غير معنف )
( هي جنة المأوى ويكفي ميزة ** وفضيلة أوصافها في المصحف )
سنة أربع وسبعين وستمائة
فيها نزل التتار على البيرة ونصبوا المناجيق وكانوا ثلاثين ألف فارس ونصبوا على القلعة منجنيقا وكان راميه مسلما فنصب أهل القلعة عليه منجنيقا ورموا به على منجانيق التتار فجاء عاليا عليه فقال رامي التتار لو قطع الله من يدك ذراعا كان أهل البيرة يستريحون منك لقلة معرفتك ففطن إشارته وقطع من رجل المنجنيق ذراعا ورمى به فأصاب منجنيق التتار فكسره وخرج أهل البيرة فقتلوا خلقا ونهبوا وأحرقوا المناجيق
وفيها توفي سعد الدين شيخ الشيوخ الخضر بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن شيخ الشيوخ أبي الفتح عمر بن علي بن ابن القدوة الزاهد ابن حموية الجويني ثم الدمشقي عمل الجندية مدة ثم لزم الخانقاه وله تاريخ مفيد وشعره متوسط سمع من ابن طبرزد وجماعة وأجاز له ابن كليب والكبار وتوفي في ذي الحجة وقد نيف على الثمانين وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن أبي غالب بن علي بن غيلان البغدادي الأزجي القطيعي الحنبلي الفرضي المعدل ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة وسمع من ابن المني وأجاز له غير واحد وتفقه وقرأ الفرائض وشهد عند قاضي القضاة ابن اللمعاني
وكان من أعيان العدول خيرا كثير التلاوة حدث وأجاز لجماعة منهم عبد المؤمن بن عبد الحق وتوفي يوم السبت ثالث شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها عثمان بن موسى بن عبد الله الطائي الأربلي الآمدي الفقيه الحنبلي إمام الحنابلة بالحرم الشريف تجاه الكعبة كان شيخا جليلا إماما عالما فاضلا زاهدا عابدا ورعا متدينا ربانيا متألها منعكفا على العبادة والخير والاشتغال بالله تعالى في جميع أوقاته أقام بمكة نحو خمسين سنة ذكره القطب اليونيني وقال كنت أود رؤيته وأتشوق إلى ذلك فاتفق أني حججت سنة ثلاث وسبعين وزرته وتمليت برؤيته وحصل لي نصيب وافر من إقباله ودعائه وقال الذهبي سمع بمكة من يعقوب الحكاك ومحمد بن أبي البركات بن حمد وروي عنه شيخنا الدمياطي وابن العطار في معجميهما وكتب إلينا بمروياته انتهى وتوفي بمكة ضحى يوم الخميس ثاني عشرى المحرم رحمه الله تعالى وفيها أبو الفتح عثمان بن هبة الله بن عبد الرحمن بن مكي بن إسماعيل بن عوف الزهري العوفي الأسكندراني آخر أصحاب عبد الرحمن بن موقاوفاة وفيها المكين الحصني المحدث أبو الحسن مكين الدين بن عبد العظيم بن أبي الحسن بن أحمد المصري ولد سنة ستمائة وسمع الكثير وقرأ وتعب وبالغ واجتهد وما أبقى ممكنا وكان فاضلا جيد القراءة متميزا توفي في تاسع عشر رجب وفيها سعد الدين وقال أبو الفضل محمد بن مهلهل بن بدران الأنصاري سمع الأرتاحي والحافظ عبد الغني وتوفي في ربيع الأول وفيها ابن الساعي أبو طالب علي بن أنجب بن عثمان بن عبيد الله البغدادي السلامي خازن كتب المستنصرية كان إماما حافظا مبرزا على أقرانه ذكره ابن ناصر الدين وقال الذهبي وقد أورد الكازروني في ترجمة ابن الساعي أسماء التصانيف التي صنفها وهي كثيرة جدا لعلها وقر بعير منها مشيخته بالسماع والإجازة
في عشر مجلدات وقرأ على ابن النجار تاريخه الكبير ببغداد وقد تكلم فيه فالله أعلم وله أوهام انتهى قلت وهو شافعي المذهب قال ابن شهبة في طبقاته المؤرخ الكبير كان فقيها بارعا قارئا بالسبع محدثا مؤرخا شاعرا لطيفا كريما له مصنفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والتاريخ منها تاريخ في ستة وعشرين مجلدا انتهى وفيها التاج الصرخدي محمود بن عابد التميمي الحنفي الشاعر المحسن كان قانعا زاهدا معمرا قاله في العبر
وفيها ظهير الدين أبو الثناء محمود بن عبيد الله الزنجاني الشافعي المفتي أحد مشايخ الصوفية كان إمام التقوية وغالب نهاره بها صحب الشيخ شهاب الدين السهروردي وروي عنه وعن أبي المعالي صاعد وله تصانيف منها الرسالة المنقذة من الجمر في الحاق الأنبذة بالخمر وتوفي في رمضان وله سبع وسبعون سنة وفيها تقي الدين مبارك بن حامد بن أبي الفرج الحداد كان من كبار علماء الشيعة عارفا بمذهبهم وله صيت عظيم بالحلة والكوفة وعنده دين وأمانة وفيها عبد الملك بن العجمي الحلبي كان فاضلا ومن شعره في مليح في عنقه شامة واسمه العز
( العز بدر ولكن إن شامته ** مسروقة من دجى صدغيه والغسق )
( وإنما حبة القلب التي احترقت ** في حبه علقت للظلم في العنق )
وفيها عماد الدين عبد الرحمن بن أبي الحسن بن يحيى الدمنهوري الشافعي كان فقيها فاضلا إماما تولى إعادة المدرسة الصالحية بالقاهرة وصنف كتابه المشهور في الاعتراض على التنبيه وقد أساء التعبير في مواضع منه ولد بدمنهور الوحش من أعمال الديار المصرية في ذي القعدة سنة ست وستمائة وتوفي في شهر رمضان قاله الأسنوي في طبقاته
سنة خمس وسبعين وستمائة
فيها توفي الشيخ قطب الدين أبو المعالي أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الأمينية والعصرونية بدمشق ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وختم القرآن سنة تسع وتسعين وأجاز له ابن كليب وطائفة وسمع من ابن طبرزد والكندي وتوفي في جمادى الآخرة بحلب وفيها السيد الجليل الشيخ أحمد بن علي بن محمد بن أبي بكر البدوي الشريف الحسيب النسيب قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته أصله من بني بري قبيلة من غرب الشام ثم سكن والده المغرب فولد له صاحب الترجمة بفاس سنة ست وتسعين وخمسمائة ونشأ بها وحفظ القرآن وقرأ شيئا من فقه الشافعي وحج أبوه به وبأخويه سنة ست وستمائة وأقاموا بمكة ومات أبوه سنة سبع وعشرين وستمائة ودفن بالمعلى وعرف بالبدوي للزومه اللثام لأنه كان يلبس لثامين ولا يفارقهما ولم يتزوج قط واشتهر بالعطاب لكثرة عطب من يؤذيه وكان عظيم الفتوة قال المتبولي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في أولياء مصر بعد محمد بن إدريس أكبر فتوة منه ثم نفيسة ثم شرف الدين الكردي ثم المنوفي انتهى وكان يمكث أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وأكثر أوقاته شاخصا ببصره نحو السماء وعيناه كالجمرتين ثم سمع هاتفا يقول ثلاثا قم واطلب مطلع الشمس فإذا وصلته فاطلب مغربها وسر إلى طندتا فإن فيها مقامك أيها الفتى فسار إلى العراق فتلقاه العارفان الكيلاني والرفاعي أي بروحانيتهما فقالا يا أحمد مفاتيح العراق والهند واليمن والمشرق والمغرب بيدنا فاختر أيها شئت فقال لا آخذ المفاتيح إلا من الفتاح ثم رحل إلى مصر فتلقاه الظاهر بيبرس بعسكره وأكرمه وعظمه ودخلها سنة أربع وثلاثين وكان من القوم الذين تشقى بهم البلاد وتسعد وإذا قربوا
من مكان هرب منه الشيطان وأبعد وإذا باشروا المعالي كانوا أسعد الناس وأصعد فأقام بطندتا على سطح دار لا يفارقه ليلا ولا نهارا اثنتي عشرة سنة وإذا عرض له الحال صاح صياحا عظيما وتبعه جمع منهم عبد العال وعبد المجيد وكان عبد العال يأتيه بالرجل أو الطفل فينظر إليه نظرة واحدة فيملأه مددا ويقول لعبد العال اذهب به إلى بلد كذا أو محل كذا فلا تمكن مخالفته ولما دخل طندتا كان بها جمع من الأولياء فمنهم من خرج منها هيبة له كالشيخ حسن الأخنائي فسكن اخنا حتى مات وضريحه بها ظاهر يزار ومنهم من مكث كالشيخ سالم المغربي وسالم الشيخ البدوي فأقره على حاله حتى مات بطندتا وقبره بها مشهور ومنهم من أنكر عليه كصاحب الايدوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر كان وليا كبيرا فندر به الحسد فسلبه ومحله الآن بطندتا مأوى الكلاب وليس فيه رائحة صلاح ولا مدد وكان الشيخ إذا لبس ثوبا أو عمامة لا يخلعها لغسل ولا غيره حتى تبلى فتبدل وكان لا يكشف اللثام عن وجهه فقال له عبد المجيد أرني وجهك قال كل نظرة برجل قال أرنيه ولو مت فكشفه فمات حالا وله كرامات شهيرة منها قصة المرأة التي أسر ولدها الفرنج فلاذت به فأحضره في قيوده ومنها أنه اجتمع به ابن دقيق العيد فقال له إنك لا تصلي وما هذا سنن الصالحين فقال اسكت وإلا أغبر دقيقك ودفعه فإذا هو بجزيرة عظيمة جدا فضاق خاطره حتى كاد يهلك فرأى الخضر فقال لا بأس عليك أن مثل البدوي لا يعترض عليه لكن اذهب إلى هذه القبة وقف ببابها فإنه يأتي عند دخول وقت العصر ليصلي بالناس فتعلق بأذياله لعله أن يعفو عنك ففعل فدفعه فإذا هو بباب بيته ومات رضي الله عنه في هذه السنة ودفن بطندتا وجعلوا على قبره مقاما واشتهرت كراماته وكثرت النذور إليه واستخلف الشيخ عبد العال فعمر طويلا إلى أن مات سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واشتهرت أصحابه
بالسطوحية وحدث لهم بعد مدة عمل المولد وصار يقصد من بلاد بعيدة وقام بعض العلماء والأمراء بإبطاله فلم يتهيأ لهم ذلك إلا في سنة واحدة وأنكر عليه ابن اللبان ووقع فيه فسلب القرآن والعلم فصار يستغيث بالأولياء حتى أغاثه ياقوت العرشي وشفع فيه انتهى كلام الشيخ عبد الرؤف المناوي باختصار وفيها الشيخ الزاهد جندل بن محمد العجمي قال القطب اليونيني في ذيله على مختصر المرآة له الشيخ الصالح العارف كان زاهدا عابدا منقطعا صاحب كرامات وأحوال ظاهرة وباطنة وله جد واجتهاد ومعرفة بطريق القوم انتهى وكان الشيخ تاج الدين عبد الرحمن بن الفركاح الفزاري يتردد إليه في كثير من الأوقات وله به اختصاص قال ولده الشيخ برهان الدين كنت أروح مع والدي إلى زيارته بمنين ورأيته يجلس بين يديه في جمع كثير ويستغرق في وقته في الكلام مغربا لا يفهمه أحد من الحاضرين بألفاظ غريبة وقال الشيخ تاج الدين المذكور الشيخ جندل من أهل الطريق وعلماء التحقيق اجتمعت به في سنة إحدى وستين وستمائة فأخبرني أنه بلغ من العمر خمسا وتسعين سنة وكان يقول طريق القوم واحد وإنما يثبت عليه ذوو العقول الثابتة وقال الموله منفى ويعتقد أنه واصل ولو علم أنه منفى لرجع عما هو عليه وقال ما تقرب أحد إلى الله عز وجل بمثل الذل والتضرع والانكسار وقال ابن كثير كانت له عبادة وزهادة وأعمال صالحة وكان الناس يترددون إلى زيارته وزاره الملك الظاهر بيبرس مرات وكذلك الأمراء بمنين وكان يقول السماع وظيفة أهل البطالة توفي في رمضان ودفن بزاويته المشهورة بقرية منين ومات وله من العمر مائة وتسع سنين رحمه الله
وفيها ابن الفويره بدر الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد السلمي الدمشقي الحنفي أحد الأذكياء الموصوفين درس وأفتى وبرع في الفقه والأصول والعربية ونظم الشعر الفائق الرائق منه قوله
( عاينت حبة خاله ** في روضة من جلنار )
( فغدا فؤادي طائرا ** فاصطاده شرك العذار )
وله في أصيل الذهبيات
( ورياض كلما انعطفت ** نترت أوراقها ذهبا )
( تحسب الأغصان حين شذا ** فوقها القمري وانتحبا )
( ذكرت عصر الشباب وقد ** لبست أثوابه قشبا )
( فانثنت في الدوح راقصة ** ورمت أثوابها طربا )
توفي رحمه الله في جمادى الأولى قبل الكهولة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن منصور الحراني الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر ولد بحران في حدود العشر والستمائة وتفقه بها على الشيخ مجد الدين بن تيمية ولازمه حتى برع وقرأ الأصول والخلاف على القاضي نجم الدين بن المقدسي الشافعي وسافر إلى الديار المصرية وأقام بها مدة يحضر درس الشيخ عز الدين بن عبد السلام وولي القضاء ببعض البلاد المصرية وهو أول حنبلي حكم بالديا رالمصرية ثم ترك ذلك ورجع إلى دمشق وأقام بها مدة سنين إلى حين وفاته يدرس الفقه بحلقة له بالجامع ويكتب على الفتاوي وباشر الإمامة بمحراب الحنابلة من جامع دمشق قال القطب اليونيني كان فقيها إماما عالما عارفا بعلم الأصول والخلاف وحسن العبارة طويل النفس في البحث كثير التحقيق غزير الدمعة رقيق القلب وافر الديانة كثير العبادة حسن النظم منه قوله
( طار قلبي يوم ساروا فرقا ** وسواء فاض دمعي أو رقا )
( صار في سقمي من بعدهم ** كل من في الحي داوى أو رقى )
( بعدهم لا ظل وادي المنحنى ** وكذا بأن الحمى لا أورقا )
وابتلى بالفالج قبل موته بأربعة أشهر وبطل شفه الأيسر وثقل لسانه وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين لست خلون من جمادى الأولى ودفن بمقابر باب
الصغير ونيف على الستين وفيها صاحب تونس أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الواحد الهنتاتي بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالغرب كان ملكا سايسا عالي الهمة شديد البأس جوادا ممدحا تزف إليه كل ليلة جارية تملك تونس سنة سبع وأربعين بعد أبيه ثم قتل عميه وقتل جماعة من الخوارج وتوطد له الملك وتوفي في آخر العام عن نيف وخمسين سنة وفيها الشهاب التلعفري بفتح أوله واللام المشددة والفاء وسكون المهملة وراء نسبة إلى التل الأعفر موضع بنواحي الموصل صاحب الديوان المشهور شهاب الدين محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الشيباني الأديب الشاعر المفلق مدح الملوك والكبراء وسار شعره في الآفاق فمنه
( حظ قلبي في هواك الوله ** وعذولي فيك مالي وله )
( باسم عن برد منتظم ** لم يفز إلا فتى قبله )
( جائر الألحاظ يثني قامة ** قده المائل ما أعدله )
ومنها
( كم أداري فيك لوامي ومن ** يعذل المشتاق ما أجهله )
توفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة
سنة ست وسبعين وستمائة
في أولها ولي مملكة تونس أبو زكريا يحيى بن محمد الهنتاتي بعد أبيه
وفي سابع المحرم قدم السلطان الملك الظاهر فنزل بجوسقه الأبلق ثم مرض في نصف المحرم وتوفي بعد ثلاثة عشر يوما فأخفى موته وسار نائبه بيلبك بمحفة يوهم أن السلطان فيها مريض إلى أن دخل بالجيش إلى مصر
فأظهر موته وعمل العزاء وحلفت الأمراء لولده الملك السعيد وكان عهد له في حياته
والملك الظاهر هو السلطان الكبير ركن الدين أبو الفتوح بيبرس التركي البندقداري ثم الصالحي صاحب مصر والشام ولد في حدود العشرين وستمائة واشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي فقبض الملك الصالح على البندقداري وأخذ ركن الدين منه فكان من جملة مماليكه ثم طلع ركن الدين شجاعا فارسا مقداما إلى أن بهر أمره وبعد صيته وشهد وقعة المنصورة بدمياط ثم كان أميرا في الدولة المعزية وتنقلت به الأحوال وصار من أعيان البحرية وولي السلطنة في سابع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وكان ملكا سريا غازيا مجاهدا مؤيدا عظيم الهيبة خليقا للملك يضرب بشجاعته المثل له أيام بيض في الإسلام وفتوحات مشهورة ومواقف مشهودة ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحايين لعد من الملوك العادلين قاله في العبر وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام توفي بقصره الأبلق بمرجة دمشق جوار الميدان وغسلوه وصبروه وعلقوه في البحيرة إلى أن فرغ من الظاهرية فنقلوه إليها وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق وتبنى عليه قبة فابتاع له ولده الملك السعيد دار العقيقي بسبعين ألف درهم وبناها مدرسة للشافعية والحنفية ونقله إليها ووقف عليها أوقافا كثيرة وفتح بيبرس من البلاد أربعين حصنا كانت مع الفرنج افتتحها بالسيف عنوة انتهى ملخصا وقال الذهبي انتقل إلى عفو الله ومغفرته يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم بقصره بدمشق وخلف من الأولاد الذكور الملك السعيد محمد ولي السلطنة وعمره ثماني عشرة سنة والخضر وسلامش وسبع بنات ودفن بتربة أنشأها ابنه انتهى وفيها إبراهيم الدسوقي الهاشمي الشافعي القرشي شيخ الخرقة البرهامية وصاحب المحاضرات القدسية والعلوم اللدنية والأسرار العرفانية أحد الأئمة الذين أظهر الله لهم المغيبات وخرق
لهم العادات ذو الباع الطويل في التصرف النافذ واليد البيضاء في أحكام الولاية والقدم الراسخ في درجات النهاية انتهت إليه رياسة الكلام على خواطر الأنام وكان يتكلم بجميع اللغات من عجمي وسرياني وغيرهما وذكر عنه أنه كان يعرف لغات الوحش والطير وأنه صام في المهد وأنه رأى في اللوح المحفوظ وهو ابن سبع سنين وأنه فك طلسم السبع المثاني وأن قدمه لم تسعه الدنيا وأنه ينقل اسم مريده من الشقاوة إلى السعادة وأن الدنيا جعلت في يده كخاتم وقال توليت القطبانية فرأيت المشرقين والمغربين وما تحت التخوم وصافحت جبريل ومن كلامه لا تكليف على من غاب بقلبه في حضرة ربه ما دام فيها فإذا رد له عقله صار مكلفا وقال عليك بالعمل بالشرع وإياك وشقشقة اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها قاله الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته وفيها الكمال بن فارس أبو إسحق إبراهيم بن الوزير نجيب الدين أحمد بن إسمعيل بن فارس التميمي الأسكندراني المقرىء الكاتب آخر من قرأ بالروايات على الكندي ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة وتوفي في صفر وكان فيه خير وتدين ترك بعض الناس الأخذ عنه لتوليه نظر بيت المال وفيها بيلبك الخزندار الظاهري نائب سلطنة مولاه كان نبيلا عالي الهمة وافر العقل محببا إلى الناس ينطوي على دين ومروءة ومحبة للعلماء والصلحاء والزهاد ونظر في العلوم والتواريخ رقاه أستاذه إلى أعلى الرتب واعتمد عليه في مهماته قيل أن شمس الدين الفارقاني الذي ولي نيابة السلطة سقاء السم باتفاق مع أم الملك السعيد فأخذه قولنج عظيم وبقي به أياما وتوفي بمصر في سابع ربيع الأول
وفيها الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني بالكسر والسكون نسبة إلى مهران جد العدوي شيخ الملك الظاهر كان له حال وكشف ونفس مؤثرة مع سفه فم ومزاح تغير عليه السلطان بعد شدة خضوعه له وانقياده لأوامره وإرادته
لأنه كان يخبره بأمور قبل وقوعها فتقع على ما يخبره منها أنه لما توجه الظاهر إلى الروم سأله قشتمر العجمي فقال له الشيخ خضر يظفر على الروم ويرجع إلى الشام فيموت بها بعد أن أموت أنا بعشرين يوما فكان كما قال وكان سبب تغير السلطان عليه أنه نقل بعض أصحاب الشيخ خضر أمورا لا تليق به فأحضره ليحاققوه فأنكر فاستشار الأمراء في أمره فأشاروا عليه بقتله فقال الشيخ خضر وهو بعيد عنهم اسمع ما أقول لك لك أنا أجلي قريب من أجلك من مات قبل صاحبه لحقه الآخر فوجم السلطان ورأى أن يحبسه فحبسه في القلعة وأجرى عليه المآكل المفتخرة وبنى له زاوية بخط الجامع الظاهري في الحسينية فمات سادس المحرم ودفن بزاويته في الحسينية وفيها أبو أحمد زكي بن الحسن البيلقاني بفتح الموحدة واللام والقاف وسكون التحتية آخره نون نسبة إلى البيلقان مدينة بالدربند كان شافعيا فقيها بارعا مناظرا متقدما في الأصلين والكلام أخذ عن فخر الدين الرازي وسمع من المؤيد الطوسي وكان صاحب ثروة وتجارة عمر دهرا وسكن اليمن وتوفي بعدن وفيها البرواناه الصاحب معين الدين سليمان بن علي وزر أبوه لصاحب الروم وعلاء الدين كيقباد ولولده فلما مات ولي الوزارة بعده معين الدين هذا سنة بضع وأربعين وستمائة فلما غلبت التتار على الروم ساس الأمور وصانع التتار وتمكن من الممالك بقوى إقدامه وقوة دهائه إلى أن دخل المسلمون وحكموا على مملكة الروم ونسب إلى البرواناه مكاتيبهم فقتله أبغا في المحرم وفيها عز الدين عبد السلام بن صالح البصري عرف بابن الكبوش الشاعر المشهور وشعره في غاية الرقة فمنه
( أدر ما بيننا كأس الحميا ** بكف مقرطق طلق المحيا )
( يحور ولا يجوز على الندامى ** كما جارت لواحظه عليا )
( غزال لو رأى غيلان مي ** شمائله سلا غيلان ميا )
( سقاني من مراشفه شمولا ** فأنساني حمياء الحميا )
إلى أن قال
( الام به تلوم ولست أصغي ** لقد أسمعت لو ناديت حيا )
وفيها مجد الدين أبو أحمد وأبو الخير عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن عبد الله البغدادي المقرىء النحوي اللغوي الفقيه الحنبلي الخطيب الواعظ الزاهد شيخ بغداد وخطيبها سبط الشيخ أبي زيد الحموي ولد في محرم سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة ببغداد وقرأ بالروايات على الفخر الموصلي وغيره وعنى بالقراءات وسمع كثيرا من كتبها وسمع الحديث من الداهري وابن الناقد وغيرهما مما لا يحصى وجمع أسماء شيوخه بالسماع والإجازة فكانوا فوق خمسمائة وخمسين شيخا قال الجعبري قرأ كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة واللمع على الكندي وهو غير صحيح ولعله على العكبري وانتهت إليه مشيخة القراءات والحديث وله ديوان خطب في سبع مجلدات وقال الذهبي قرأ عليه الشيخ إبراهيم الرقي الزاهد والمقصاتي وابن خروف وجماعة وكان إماما محققا بصيرا بالقراءات وعللها وغريبها صالحا زاهدا كبير القدر بعيد الصيت انتهى وممن روى عنه الدمياطي في معجمه وأحمد بن القلانسي وتوفي يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول ودفن بحضرة الإمام أحمد
وفيها الواعظ نجم الدين علي بن علي بن اسفنديار البغدادي ولد سنة ست عشرة وستمائة وقرأ وسمع من ابن اللتي والحسين بن رئيس الرؤساء ووعظ بدمشق فازدحم عليه الخلق وانتهت إليه رياسة الوعظ لحسن إيراده ولطف شمائله وبهجة محاسنه وتوفي في رجب وفيها شمس الدين أبو بكر وأبو عبد الله محمد بن الشيخ العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن شرف الدين علي بن سرور المقدسي نزيل مصر قاضي قضاة الحنابلة وشيخ الشيوخ ولد يوم السبت رابع عشر صفر سنة ثلاث وستمائة بدمشق وحضر بها علي ابن
طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني وغيرهما وتفقه على الشيخ موفق الدين ثم رحل إلى بغداد وأقام بها مدة وسمع بها من جماعة وتفقه أيضا به وتفنن في علوم شتى وتزوج بها وولد له ثم انتقل إلى مصر وسكنها إلى أن مات بها وعظم شأنه بها وصار شيخ المذهب علما وصلاحا وديانة ورياسة وانتفع به الناس وولي بها مشيخة خانقاه سعيد السعداء وتدريس المدرسة الصالحية ثم ولي قضاء القضاة مدة ثم عزل منه واعتقل مدة ثم أطلق فأقام بمنزله يدرس بالصالحية ويفتي ويقرىء العلم إلى أن توفي قال القطب اليونيني كان من أحسن المشايخ صورة مع الفضائل الكثيرة التامة والديانة المفرطة والكرم وسعة الصدر وهو أول من درس بالمدرسة الصالحية للحنابلة وأول من ولي قضاء القضاة بالديار المصرية وكان كامل الآداب سيدا صدرا من صدور الإسلام متبحرا في العلوم مع الزهد الخارج عن الحد واحتقار الدنيا وعدم الالتفات إليها وكان الصاحب بهاء الدين يعني ابن حنا يتحامل عليه ويغري الملك الظاهر به لما عنده من الأهلية لكل شيء من أمور الدنيا والآخرة ولا يلتفت إليه ولا يخضع له حدث بالكثير وسمع منه الكبار منهم الدمياطي والحارثي والأسعردي وغيرهم وتوفي يوم السبت ثاني عشر المحرم ودفن من الغد بالقرافة عند عمه الحافظ عبد الغني انتهى
وفيها الشيخ يحيى المنبجي المقرىء المتصدر بجامع دمشق لقن كثيرا من الناس وكان من أصحاب أبي عبد الله الفاسي وتوفي في المحرم
وفيها شيخ الإسلام محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام الفقيه الشافعي الحافظ الزاهد أحد الأعلام النواوي بحذف الألف ويجوز إثباتها الدمشقي ولد في محرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة وقرأ القرآن ببلده وقدم دمشق بعد تسع عشرة سنة من عمره قدم به والده فسكن بالمدرسة الرواحية قال هو وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى
الأرض وكان قوتي فيها جراية المدرسة لا غير وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف قال وبقيت أكثر من شهرين أو أقل لما قرأت ويجب الغسل من إيلاج الحشفة في الفرج اعتقد أن ذلك قرقرة البطن وكنت أستحم بالماء البارد كلما قرقر بطني قال وقرأت وحفظت ربع المهذب في باقي السنة وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا كمال الدين إسحق المغربي ولازمته فأعجب بي وأحبني وجعلني أعيد لأكثر جماعته فلما كانت سنة إحدى وخمسين حججت مع والدي وكانت وقفة الجمعة وكان رجبيا من أول رجب فأقمنا بالمدينة نحوا من شهر ونصف وذكر والده قال لما توجهنا من نوى أخذته الحمى فلم تفارقه إلى يوم عرفة ولم يتأوه قط قال وذكر لي الشيخ أنه كان يقرأ كل يوم اثنى عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا درسين في الوسيط ودرسا في المهذب ودرسا في الجمع بين الصحيحين ودرسا في صحيح مسلم ودرسا في اللمع لابن جنى ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكيت ودرسا في التصريف ودرسا في أصول الفقه تارة في اللمع لأبي إسحق وتارة في المنتخب لفخر الدين ودرسا في أسماء الرجال ودرسا في أصول الدين وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح عبارة وضبط لغة وبارك الله لي في وقتي وخطر لي الاشتغالي في علم الطب فاشتريت كتاب القانون فيه وعزمت على الاشتغال فيه فأظلم على قلبي وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء ففكرت في أمري ومن أين دخل على الداخل فألهمني الله أن سببه اشتغال بالطب فبعت القانون في الحال واستنار قلبي وقال الذهبي لزم الاشتغال ليلا ونهارا نحو عشرين سنة حتى فاق الأقران وتقدم على جميع الطلبة وحاز قصب السبق في العلم والعمل ثم أخذ في التصنيف من حدود الستين وستمائة إلى أن مات وسمع الكثير من الرضى بن البرهان والزين خالد وشيخ الشيوخ عبد العزيز الحموي وأقرانهم وكان مع تبحره في العلم وسعة معرفته بالحديث والفقه واللغة وغير ذلك
مما قد سارت به الركبان رأسا في الزهد وقدوة في الورع عديم المثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قانعا باليسير راضيا عن الله والله راض عنه مقتصدا إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه تعلوه سكينة وهيبة فالله يرحمه ويسكنه الجنة بمنه ولي مشيخة دار الحديث بعد الشيخ شهاب الدين أبي شامة وكان لا يتناول من معلومها شيئا بل يتقنع بالقليل مما يبعثه إليه أبوه انتهى وقال ابن العطار كان قد صرف أوقاته كلها في أنواع العلم والعمل بالعلم وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر ولم يتزوج ومن تصانيفه الروضة والمنهاج وشرح المهذب وصل فيه إلى أثناء الربا سماه المجموع والمنهاج في شرح مسلم وكتاب الأذكار وكتاب رياض الصالحين وكتاب الإيضاح في المناسك والإيجاز في المناسك وله أربع مناسك أخر والخلاصة في الحديث لخص فيه الأحاديث المذكورة في شرح المهذب وكتاب الإرشاد في علم الحديث وكتاب التقريب والتيسير في مختصر الإرشاد وكتاب التبيان في آداب حملة القرآن وكتاب المبهمات وكتاب تحرير ألفاظ التنبيه والعمدة في تصحيح التنبيه وهما من أوائل ما صنف وغير ذلك من المصنفات الحسنة وقال ابن ناصر الدين هو الحافظ القدوة الإمام شيخ الإسلام كان فقيه الأمة وعلم الأئمة وقال الأسنوي كان في لحيته شعرات بيض وعليه سكينة ووقار في البحث مع الفقهاء وفي غيره لم يزل على ذلك إلى أن سافر إلى بلده وزار القدس والخليل ثم عاد إليها فمرض بها عند أبويه وتوفي ليلة الأربعاء رابع عشرى رجب ودفن ببلده رحمه الله ورضي عنه وعنا به
سنة سبع وسبعين وستمائة
فيها توفي الشهاب بن الجزري أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الأنصاري