كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
نزل الرملة في هذه السنة قالتقاه مفرج الطائي فأسره وقتله كهلا
وفيها أبو الطاهر الذهلي محمد بن أحمد بن عبد الله القاضي البغدادي ولي قضاء واسط ثم قضاء بعض بغداد ثم قضاء دمشق ثم قضاء الديار المصرية حدث عن بشر بن موسى وأبي مسلم الكجي وطبقتهما وكان مالكي المذهب فصيحا مفوها شاعرا إخباريا حاضر الجواب غزير الحفظ توفي وقد قارب التسعين
وفيها عمر بن بشران بن محمد بن بشر بن مهران أبو حفص السكري الحافظ الثقة الضابط وهو أخو جد أبي الحسين بن بشران روى عن أحمد بن الحسن الصوفي والبغوي قال الخطيب حدثنا عنه البرقاني وسألته عنه فقال ثقة ثقة كان حافظا عارفا كثير الحديث
وفيها ابن السليم قاضي الجماعة أبو بكر محمد بن إسحق بن منذر الأندلسي مولى بني أمية وله خمس وستون سنة وكان رأسا في الفقه رأسا في الزهد والعبادة سمع أحمد بن خالد وأبا سعيد بن الأعرابي الفقيه بمكة وتوفي في رمضان
وفيها ابن قريعة القاضي البغدادي أبو بكر محمد بن عبد الرحمن أخذ عن أبي بكر بن الأنباري وغيره وكان ظريفا مزاحا صاحب نوادر وسرعة جواب وكان نديما للوزير المهلبي ولي قضاء بعض الأعمال وقد نيف على الستين قال ابن خلكان كان قاضي السندية وغيرها من أعمال بغداد ولاه أبو السائب عتبة ابن عبيد الله القاضي وكان إحدى عجائب الدنيا في سرعة البديهة في الجواب عن جميع ما يسأل عنه في أفصح لفظ وأملح سجع وله مسائل وأجوبة مدونة في كتاب مشهور بأيدي الناس وكان رؤساء ذلك العصر وفضلاؤه يداعبونه ويكتبون إليه المسائل الغريبة المضحكة فيكتب الجواب من غير توقف ولا تلبث مطابقا لما سألوه وكان الوزير المهلبي يغري به جماعة يضعون له من الأسئلة الهزلية معان شتى من النوادر الظريفة ليجيب عنها بتلك الأجوبة فمن ذلك ما كتب إليه العباس بن المعلى الكاتب ما يقول القاضي وفقه الله تعالى في يهودي زنى
ببصرانية فولدت ولدا جسمه للبشر ووجهه للبقر وقد قبض عليهما فما يرى القاضي فيهما فكتب جوابه بديها هذا من أعدل الشهود على اليهود بأنهم أشربوا العجل في صدورهم حتى خرج من أمورهم وأرى أن يناط برأس اليهودي رأس العجل ويصلب على عنق النصرانية الساق مع الرجل ويسحبا على الأرض وينادي عليهما ظلمات بعضها فوق بعض والسلام ولما قدم الصاحب بن عباد إلى بغداد حضر مجلس الوزير أبي محمد المهلبي وكان في المجلس القاضي أبو بكر المذكور فرأى من ظرفه وسرعة أجوبته مع لطافتها ما عظم منه تعجبه فكتب الصاحب إلى أبي الفضل بن العميد كتابا يقول فيه وكان في المجلس شيخ خفيف الروح يعرف بالقاضي ابن قريعة جاراني في مسائل خفتها تمنع من ذكرها إلا أني سأطرفك من كلامه وقد سأله رجل بحضرة الوزير أبي محمد عن حد القفا فقال ما اشتمل عليه جربانك وأدبك فيه سلطانك وباسطك فيه غلمانك وجربان بضم الجيم والراء وتشديد الباء الموحدة وبعدها ألف ثم نون لينة وهي الخرقة العريضة التي فوق القب وهي التي تستر القفا والجربان لفظ فارسي معرب وجميع مسائله على هذا الأسلوب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وقال ابن حمدون في تذكرته كان ابن قريعة في مجلس المهلبي فوردت عليه رقعة فيها ما يقول القاضي أعزه الله في رجل دخل الحمام فجلس في الابزن لعلة كانت به فخرجت منه ريح فتحول الماء زيتا فتخاصم الحمامي والضارط وادعى كل واحد منهما أنه يستحق جميع الزيت لحقه فيه فكتب القاضي في الجواب قرأت هذه الفتيا الظريفة في هذه القصة السخيفة وأخلق بها أن تكون عبثا باطلا وكذبا ما حلا وإن كان ذلك كذلك فهو أعاجيب الزمان وبدائع الحدثان والجواب وبالله التوفيق أن للصافع نصف الزيت لحق وجعاته وللحمامي نصف الزيت لحق مائه وعليهما أن يصدقا المبتاع منهما عن خبث أصله وقبح فضله حتى يستعمله في مسرجته ولا يدخله في أغذيته انتهى
وقريعة بضم القاف وفتح الراء وسكون الياء التحتية
بعدها عين مهملة وهو لقب جده كذا حكاه السمعاني
وفيها أبو بكر بن القوطية بضم القاف وكسر الطاء وتشديد الياء المثناة من تحت نسبة إلى قوط بن حام بن نوح عليه السلام نسبت إليه جدة أبي بكر هذا وهي أم إبراهيم بن عيسى واسمها سارة بنت المنذر بن حطية من ملوك القوط بالأندلس وقوط أبو السودان والهند والسند أيضا واسم أبي بكر هذا محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن إبراهيم بن عيسى بن مزاحم الأندلسي الإشبيلي الأصل القرطبي المولد كان رأسا في اللغة والنحو حافظا للأخبار وأيام الناس فقيها محدثا متقنا كثير التصانيف صاحب عبادة ونسك كان أبو علي القالي يبالغ في تعظيمه توفي في شهر ربيع الأول وقد روى عن سعيد بن جابر وطاهر بن عبد العزيز وطبقتهما وسمع بإشبيلية من محمد بن عبيد الزبيدي وبقرطبة من أبي الوليد الأعرج وكان من أعلم أهل زمانه باللغة والعربية وأروى الناس للأشعار وأدركهم للآثار ولا يدرك شأوه ولا يشق غباره وكان مضطلعا بأخبار الأندلس مليئا برواية سير أمرائها وأحوال فقهائها وشعرائها عن ظهر قلب قال ابن خلكان وكان كتب اللغة أكثر ما تقرأ عليه وتؤخذ عنه ولم يكن بالضابط لروايته في الحديث والفقه ولا كانت له أصول يرجع إليها وكان ما يسمع عليه من ذلك إنما يحمل على المعنى لا على اللفظ وكان كثيرا ما يقرأ عليه ما لا رواية له به على جهة التصحيح وطال عمره فسمع الناس عنه طبقة بعد طبقة وروى عنه الشيوخ والكهول وكان قد لقي مشايخ عصره بالأندلس وأخذ عنهم وأكثر من النقل من فوائدهم وصنف الكتب المفيدة في اللغة منها كتاب تصاريف الأفعال وهو الذي فتح هذا الباب فجاء من بعده ابن القطاع وتبعه وله كتاب المقصور والممدود جمع فيه مالا يحد ولا يوصف ولقد أعجز من يأتي بعده وفاق من تقدمه وكان مع هذه الفضائل من العباد النساك وكان جيد الشعر صحيح الألفاظ واضح المعاني حسن المطالع والمقاطع إلا أنه ترك ذلك حكى الشاعر أبو بكر بن هذيل التميمي انه توجه يوما
إلى ضيعة له بسفح جبل قرطبة وهي من بقاع الأرض الطيبة المونقة فصادف أبا بكر بن القوطية المذكور صادرا عنها وكانت له أيضا هناك ضيعة قال فلما رآني عرج علي واستبشر بلقائي فقلت له على البديهة مداعبا له
( من أين أقبلت يا من لا شبيه له ** ومن هو الشمس والدنيا له فلك )
قال فتبسم وأجاب بسرعة
( من منزل تعجب النساك خلوته ** وفيه ستر عن الفتاك أن فتكوا )
قال فما تمالكت أن قبلت يده إذ كان شيخي ومجدته ودعوت له انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو الطاهر الوزير نصير الدولة محمد بن محمد بن بقية بن علي أحد الروساء والأجواد تنقلت به الأحوال ووزر لمعز الدولة بختيار وقد كان أبوه فلا حاثم عزل وسمل ولما تملك عضد الدولة قتله وصلبه في شوال ورثاه محمد بن عمر الأنباري بقوله
( علو في الحياة وفي الممات ** لحق أنت إحدى المعجزات )
( كان الناس حولك حين قاموا ** وفود نداك أيام الصلات )
( كأنك قائم فيهم خطيبا ** وكلهم قيام للصلاة )
( مددت يديك نحوهم احتفاءا ** كمدكها إليهم بالهبات )
( فلما ضاق بطن الأرض عن أن ** يضم علاك من بعد الممات )
( أصاروا الجو قبرك واستنابوا ** عن الأكفان ثوب السافيات )
( لعظمك في النفوس تبيت ترعى ** بحفاظ وحراس ثقات )
( وتشعل عندك النيران ليلا ** كذلك كنت أيام الحياة )
( ركبت مطية من قبل زيد ** علاها في السنين الماضيات )
( وتلك فضيلة فيها تأس ** تباعد عنك تعيير العداة )
( فلم أر قبل جذعك قط جذعا ** تمكن من عناق المكرمات )
( أسأت إلى النوائب فاستثارت ** فأنت قتيل ثأر النائبات )
وهي طويلة ولم يزل ابن بقية مصلوبا إلى أن توفي عضد الدولة فأنزل عن الخشبة ودفن في موضعه
قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق لما صنع أبو الحسن المرثية التائية كتبها ورماها في شوارع بغداد فتداولتها الأدباء إلى أن وصل الخبر إلى عضد الدولة فلما أنشدت بين يديه تمنى أن يكون هو المصلوب دونه وقال علي بهذا الرجل فطلب سنة كاملة واتصل الخبر بالصاحب بن عباد وهو بالري فكتب له الأمان فلما سمع أبو الحسن ذلك قصد حضرته فقال له أنت القائل هذه الأبيات قال نعم قال أنشدنيها من فيك فلما أنشد
( ولم أر قبل جذعك قط جذعا ** تمكن من عناق المكرمات )
قام إليه الصاحب وقبل فاه وأنفذه إلى عضد الدولة فلما مثل بين يديه قال ما الذي حملك على رثاء عدوي فقال حقوق سلفت وأياد مضت فقال هل يحضرك شيء في الشموع والشموع تزهر بين يديه فأنشأ يقول
( كأن الشموع وقد أظهرت ** من النار في كل رأس سنانا )
( أصابع أعدائك الخائفين ** تضرع تطلب منك الأمانا )
فلما سمعها خلع عليه وأعطاه فرسا ورده انتهى
وكان ابن بقية في أول أمره قد توصل إلى أن صار صاحب مطبخ معز الدولة والد عز الدولة ثم انتقل الى غيرها من الخدم ولما مات معز الدولة وأفضى الأمر الى عز الدولة حسنت حاله عنده ورعى له خدمته لأبيه وكان فيه توصل وسعة صدر وتقدم إلى أن استوزره عز الدولة يوم الاثنين سابع ذي القعدة اثنتين وستين وثلثمائة ثم أنه قبض عليه لسبب يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة سنة ست وستين بمدينة واسط وسمل عينيه ولزم بيته قال أبن الهمداني في كتابه عيون السير لما استوزر عز الدولة ابن بقية بعد أن كان يتولى أمر المطبخ قال الناس من الغضارة إلى الوزارة ولكن ستر كرمه عيوبه وخلع يوما عشرين ألف خلعة انتهى
وتقدم أنه كان راتبه من الشمع في كل شهر ألف من فكم يكون غيره مما تشتد الحاجة إليه
فسبحان المعز المذل وعاش ابن بقية نيفا وخمسين سنة
وفيها يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام يحيى بن يحيى الليثي القرطبي أبو عيسى الفقيه المالكي راوي الموطأ عاليا
سنة ثمان وستين وثلثمائة
فيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء أمر الطائع بأن تضرب الدبادب على باب عضد الدولة في وقت الصبح والمغرب والعشاء وان يخطب له على منابر الحضرة قال ابن الجوزي وهذان أمران لم يكونا من قبله ولا أطلقا لولاة العهود وما حظي عضد الدولة بذلك إلا لضعف الخلافة
وفيها توفي أبو بكر القطيعي أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك البغدادي مسند العراق وكان يسكن بقطيعة الدقيق فنسب إليها روى عن عبد الله بن الإمام أحمد المسند وسمع من الكديمي وإبراهيم الحربي والكبار توفي في ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة وكان شيخا صالحا
وفيها السيرافي أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان صاحب العربية كان أبوه مجوسيا وأسلم وسمى عبد الله سماه به ابنه المذكور وكان أولا اسمه بهزار تصدر أبو سعيد لاقراء القراءات والنحو واللغة والعروض والفقه والحساب وكان رأسا في النحو بصيرا بمذهب الإمام أبي حنيفة قرأ القرآن على ابن مجاهد وأخذ اللغة عن ابن دريد والنحو عن ابن السراج وكان ورعا يأكل من النسخ وكان ينسخ الكراس بعشرة دراهم لبراعة خطه ذكر عنه الاعتزال ولم يظهر عنه ومات في رجب عن أربع وثمانين سنة قال ابن خلكان أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي المعروف بالقاضي سكن بغداد وتولى القضاء بها نيابة عن أبي محمد بن معروف وكان من أعلم الناس بنحو البصريين وشرح كتاب سيبويه فأجاد فيه وله كتاب ألفات الوصل
والقطع وكتاب أخبار النحويين البصريين وكتاب الوقف والابتداء وكتاب صنعة الشعر والبلاغة وشرح مقصورة ابن دريد وكان الناس يشتغلون عليه بعدة فنون القرآن الكريم والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة والفقه والفرائض والحساب والكلام والشعر والعروض والقوافي وكان نزها عفيفا جميل الأمر حسن الأخلاق وكان معتزليا ولم يظهر منه شيء وكان كثيرا ما ينشد في مجالسه
( أسكن إلى سكن تسر به ** ذهب الزمان وأنت منفرد )
( ترجو غدا وغد كحاملة ** في الحي لا يدرون ما تلد )
وتوفي يوم الاثنين ثاني رجب ببغداد وعمره أربع وثمانون سنة ودفن بمقابر الخيزران وقال ولده أبو محمد يوسف أصل أبي من سيراف ومضى إلى عسكر مكرم وأقام عند أبي محمد بن عمر المتكلم وكان يقدمه ويفضله على جميع أصحابه ودخل بغداد وخلف القاضي أبا محمد بن معروف على قضاء الجانب الشرقي في الجانبين والسيرافي بكسر السين المهملة وبعد الراء والألف فاء نسبة إلى سيراف وهي من بلاد فارس على ساحل البحر مما يلي كرمان خرج منها جماعة من العلماء
وفيها أبو القاسم الآبندوني بألف ممدودة وفتح الباء الموحدة وسكون النون وضم المهملة نسبة إلى آبندون من قرى جرجان واسمه عبد الله بن إبراهيم بن يوسف الجرجاني الحافظ سكن بغداد وحدث عن أبي خليفة والحسن بن سفيان وطبقتهما وهو ثقة ثبت قال الحاكم كان أحد أركان الحديث وقال البرقاني كان محدثا زاهدا متقللا من الدنيا لم يكن يحدث غير واحد لسوء أدب الطلبة وحديثهم وقت السمع عاش خمسا وتسعين سنة وممن حدث عنه الرماني وأبو العلاء الواسطي
وفيها الرخجي بالضم وتشديد المعجمة المفتوحة وجيم نسبة إلى الرخجية
قرية ببغداد القاضي أبو الحسين عيسى بن حامد البغدادي الفقيه أحد تلامذة ابن جريج روى عن محمد بن جعفر القتات وطبقته ومات في ذي الحجة عن سن عالية
وفيها الحافظ النبيل أحمد بن موسى بن عيسى بن أحمد بن عبد الرحمن الوكيل الفرضي أبو الحسين بن أبي عمر الجرجاني كان حافظا نبيها غير أنه كان يضع الحديث نسأل الله العافية
وفيها أبو أحمد الجلودي بضمتين وقيل بفتح الجيم نسبة إلى الجلود محمد ابن عيسى بن عمرويه النيسابوري راوية صحيح مسلم عن ابن سفيان الفقيه سمع من جماعة ولم يرحل قال الحاكم هو من كبار عباد الصوفية وكان ينسخ بالأجرة ويعرف مذهب سفيان وينتحله توفي في ذي الحجة وله ثمانون سنة
وفيها أبو الحسين الحجاجي نسبة إلى جد محمد بن محمد بن يعقوب النيسابوري الحافظ الثقة المقرئ العبد الصالح الصدوق في ذي الحجة عن ثلاث وثمانين سنة قرأ على ابن مجاهد وسمع عمر بن أبي غيلان وابن خزيمة وهذه الطبقة بمصر والشام والعراق وخراسان وصنف العلل والشيوخ والأبواب قال الحاكم صحبته نيفا وعشرين سنة فلم أعلم أن الملك كتب عليه خطيئة وسمعت أبا علي الحافظ يقول ما في أصحابنا أفهم ولا أثبت منه وأنا ألقبه بعفان لثبته رحمه الله تعالى
وفيها هفتكين التركي الشرابي خرج عن بغداد خوفا من عضد الدولة ونزل الشام فتملك دمشق بإعانة أهلها في سنة أربع وستين ورد الدعوة العباسية ثم صار إلى صيدا وحارب المصريين فقدم لحربه القائد جوهر وحاصره بدمشق سبعة أشهر ثم ترحل عنه فساق وراء جوهر فالتقوا بعسقلان فهزم جوهرا وتحصن جوهر بعسقلان فحاصره هفتكين بها خمسة عشر شهرا
ثم أمنه فنزل وذهب إلى مصر فصادف العزيز صاحب مصر قد جاء في نجدته فرد معه فكانوا سبعين ألفا فالتقاهم هفتكين فأخذوه أسيرا في أول سنة ثمان هذه ثم من عليه العزيز وأعطاه إمرة فخاف منه ابن كلس الوزير وقتله سقاه سما وكان يضرب بشجاعته المثل
سنة تسع وستين وثلاثمائة
فيها ورد رسول العزيز صاحب مصر والشام إلى عضد الدولة ثم ورد رسول آخر فأجابه بما مضمونه صدق الطوية وحسن النية
وفيها توفي أحمد بن عطاء أبو عبد الله الزاهد شيخ الصوفية نزيل صفد روى عن أبي القاسم البغوي وطبقته قال القشيري كان شيخ الشام في وقته وضعفه بعضهم فإنه روى عن إسماعيل الصفار مناكير تفرد بها قاله في العبر
ومن كلامه ما من قبيح إلا وأقبح منه صوفي شحيح وقال الخشوع في الصلاة علامة فلاح المصلي { قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون } وقال مجالسة الأضداد ذوبان الروح ومجالسة الأشكال تلقيح العقول وقال الخطيب أقام ببغداد ونشأ بها وأقام ببغداد دهرا طويلا ثم انتقل فنزل صور من ساحل بلاد الروم وتوفي في قرية يقال لها منواث من عمل عكا وحمل إلى صفد فدفن بها
وفيها ابن شاقلا أبو إسحق إبراهيم بن أحمد البغدادي البزاز شيخ الحنابلة وتلميذ أبي بكر عبد العزيز توفي كهلا في رجب وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور
وفيها الجعل واسمه حسين بن علي البصري الحنفي العلامة صاحب التصانيف وله ثمانون سنة وكان رأس المعتزلة قاله أبو إسحق في طبقات الفقهاء
وفيها ابن ماسي المحدث أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي البزاز ببغداد في رجب وله خمس وتسعون سنة قال البرقاني وغيره ثقة
ثبت روى عن أبي مسلم الكجي وطائفة
وفيها الحسن بن محمد بن علي الأصفهاني أبو سعيد الحافظ المتقن روى عن أبي قاسم البغوي وأبي محمد بن صاعد وهذه الطبقة وعنه أبو نعيم وغيره ووصفه أبو نعيم بالمعرفة والإتقان
وفيها الإمام الحافظ الثبت الثقة أبو الشيخ وأبو محمد عبد الله بن محمد ابن جعفر ابن حبان الأصبهاني صاحب التصانيف في سلخ المحرم وله خمس وتسعون سنة وأول سماعه في سنة أربع وثمانين ومائتين من إبراهيم بن سعدان وابن أبي عاصم وطبقتهما ورحل في حدود الثلثمائة وروى عن أبي خليفة وأمثاله بالموصل وحران والحجاز والعراق وممن روى عنه أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي والماليني وأبو نعيم وابن مردويه وقال ابن مردويه هو ثقة مأمون وصنف التفسير والكتب الكثيرة في الأحكام وغير ذلك وقال الخطيب كان حافظا ثبتا متقنا وقال غيره كان صالحا عابدا قانتا لله كبير القدر
وفيها الإمام أبو سهل محمد بن سليمان العجلي الصعلوكي النيسابوري الحنفي نسبا والشافعي مذهبا الفقيه شيخ الشافعية بخراسان قال فيه الحاكم أبو سهل الصعلوكي الشافعي اللغوي المفسر النحوي المتكلم المفتي الصوفي خير زمانه وبقية أقرانه ولا سنة تسعين ومائتين اختلف إلى ابن خزيمة ثم إلى أبي علي الثقفي وناظر وبرع وسمع من أبي العباس السراج وطبقته وقال الصاحب بن عباد ما رأى أبو سهل مثل نفسه ولا رأينا مثله وهو صاحب وجه في المذهب وسئل أبو الوليد حسان بن محمد الفقيه عن أبي بكر القفال وأبي سهل الصعلوكي أيهما أرجح فقال ومن يقدر أن يكون مثل أبي سهل وعنه أخذ ابنه أبو الطيب وفقهاء نيسابور وقال أبو عبد الرحمن السلمي سمعته يقول ما عقدت على شيء قط وما كان لي قفل ولا مفتاح وما حرزت على فضة ولا على ذهب قط قال وسمعته يقول من قال لشيخه لم لا يفلح أبدا ومن غرائبه وجوب النية
لإزالة النجاسة وان من نوى غسل الجنابة والجماعة لا يجزئه لواحد منهما وتوفي في ذي القعدة
وفيها ابن أم شيبان قاضي القضاة أبو الحسن محمد بن صالح بن علي الهاشمي العباسي العيسوي الكوفي روى عن عبد الله بن بدران البجلي وجماعة وقدم بغداد مع أبيه فقرأ على ابن مجاهد وتزوج بابنة قاضي القضاة أبي عمر محمد ابن يوسف قال طلحة الشاهد هو رجل عظيم القدر واسع العلم كثير الطلب حسن التصنيف متوسط في مذهب مالك متفنن وقال ابن أبي الفوارس نهاية في الصدق نبيل فاضل ما رأينا في معناه مثله توفي فجأة في جمادى الأولى وله بضع وسبعون سنة قاله في العبر
وفيها النقاش المحدث لا المقرئ أبو بكر محمد بن علي بن الحسن المصري الحافظ نزيل تنيس وله سبع وثمانون سنة روى عن شيخ النسائي محمد بن جعفر الإمام ورحل فسمع من النسائي وأبي يعلى وعبدان وخلائق ورحل إليه الدارقطني وكان من الحفاظ والعلماء بهذا الشأن
وفيها أبو عمرو محمد بن محمد بن صابر البخاري المؤذن صاحب صالح جزرة الحافظ مسند أهل بخارى وعالمها
وفيها الباقرحي بفتح القاف وسكون الراء ثم مهملة نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد أبو علي مخلد بن جعفر الفارسي الدقاق صاحب المشيخة ببغداد في ذي الحجة روى عن يوسف بن يعقوب القاضي وطبقته ولم يكن يعرف شيئا من الحديث فأدخلوا عليه فأفسدوه قاله في العبر
سنة سبعين وثلثمائة
فيها رجع عضد الدولة من همذان فلما وصل إلى بغداد بعث إلى الطائع لله ليتلقاه فما وسعه التخلف ولم تجر عادة بذلك أبدا وأمر قبل دخوله أن من تكلم أو دعا له قتل
فما نطق مخلوق فأعجبه ذلك وكان عظيم الهيبة شديد العقوبة على الذنب الصغير
وفيها توفي الرازي أبو بكر أحمد بن علي الفقيه شيخ الحنفية ببغداد وصاحب أبي الحسن الكرخي في ذي الحجة وله خمس وستون سنة انتهت إليه رياسة المذهب وكان مشهورا بالزهد والدين عرض عليه قضاء القضاة فامتنع وله عدة مصنفات روى فيها عن الأصم وغيره
وفيها اليشكري أحمد بن منصور الدينوري الإخباري مؤدب الأمير حسن ابن عيسى بن المقتدر روى عن ابن دريد وطائفة وله أجزاء منسوبة إليه رواها الأمير حسن
وفيها أبو سهل بشر بن أحمد الأسفرايني الدهقان المحدث الجوال روى عن إبراهيم بن علي الذهلي وقرأ على الحسن بن سفيان مسنده ورحل إلى بغداد والموصل وأملى زمانا وتوفي في شوال عن نيف وتسعين سنة
وفيها أبو محمد السبيعي بفتح السين المهملة نسبة إلى سبيع بطن من همدان وهو الحافظ الحسن بن صالح الحلبي روى عن عبد الله بن ناجية وطبقته ومات في آخر السنة في الحمام وكان شرس الأخلاق قال ابن ناصر الدين كان على تشيع فيه ثقة
وفيها الحسن بن رشيق العسكري أبو محمد المصري الحافظ في جمادى الآخرة وله ثمان وثمانون سنة قال يحيى بن الطحان روى عن النسائي وأحمد بن حماد زغبة وخلق لا أستطيع ذكرهم ما رأيت عالما أكثر حديثا منه
وفيها ابن خالويه الأستاذ أبو عبد الله الحسين بن أحمد الهمذاني النحوي اللغوي صاحب التصانيف وشيخ أهل حلب أخذ عن ابن مجاهد وأبي بكر بن الأنباري وأبي عمر الزاهد قال ابن الأهدل انتقل عن بغداد إلى حلب فاستوطنها ومات بها وكان بنو حمدان يعظمونه دخل على سيف الدولة فقال له أقعد ولم يقل
اجلس فاتخذت فضيلة لسيف الدولة وذلك لأن القائم يقال له اقعد والنائم والساجد اجلس وله مواقف مع المتنبي في مجلس سيف الدولة ومن شعره
( إذا لم يكن صدر المجالس سيدا ** فلا خير فيمن صدرته المجالس )
( وكم قائل مالي رأيتك راجلا ** فقلت له من أجل أنك فارس )
انتهى
وفيها القتاب وهو الذي يعمل المحابر أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن فورك بن عطاء الأصبهاني المقرئ وله بضع وتسعون سنة قرأ على ابن شنبوذ وروى عن محمد بن إبراهيم الحيراني وعبد الله بن محمد بن النعمان والكبار وصار شيخ ناحيته توفي في ذي القعدة
وفيها الإمام الإسماعيلي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس أبو بكر الجرجاني أحد الحفاظ الأعيان كان شيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في المروءة والسخاء قاله ابن ناصر الدين
وفيها العلامة الأزهري أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي اللغوي النحوي الشافعي صاحب تهذيب اللغة وغيره من المصنفات الكبار الجليلة المقدار مات بهراة في شهر ربيع الآخر وله ثمان وثمانون سنة روى عن البغوي ونفطويه وأبي بكر بن السراج وترك الأخذ عن ابن دريد تورعا لأنه رآه سكران وقد بقي الأزهري في أسر القرامطة مدة طويلة قاله في العبر
وقال ابن قاضي شهبة ولد بهراة سنة اثنتين وثمانين ومائتين وكان فقيها صالحا غلب عليه علم اللغة وصنف فيه كتابه التهذيب الذي جمع فيه فأوعى في عشر مجلدات وصنف في التفسير كتابا سماه التقريب
انتهى ملخصا
وقال ابن خلكان وحكى بعض الأفاضل أنه رأى بخطه قال امتحنت بالأسر سنة عارضت القرامطة الحج بالهيبر وكان القوم الذين وقعت في سهمهم عربا نشأوا في
البادية يتتبعون مساقط الغيث أيام النجع ويرجعون إلى أعداد المياه في محاضرهم زمان القيظ ويرعون النعم ويعيشون بألبانها وكنا نشتي بالدهناء ونرتبع بالصمان ونقيظ بالستارين واستفدت من محاورتهم ومخاطبة بعضهم بعضا ألفاظا جمة ونوادر كثيرة أوقعت أكثرها في كتابي يعني التهذيب
انتهى
وفيها الحافظ الكبير أبو بكر غندر محمد بن جعفر البغدادي الوراق الثقة كان رحالا جوالا توفي بأطراف خراسان غريبا سمع بالشام والعراق ومصر والجزيرة روى عن الحسن بن شبيب المعمري ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما وعنه الحاكم وأبو نعيم وغيرهما قال الحاكم دخل إلى أرض الترك وكتب من الحديث ما لم يتقدمه فيه أحد كثرة
وفيها أبو زرعة اليمني الاستراباذي محمد بن إبراهيم الحافظ روى عن علي ابن الحسين بن معدان والسراج وأبي عروبة الحراني وعنه الإدريسي وحمزة السهمي وهو ثقة قاله بن برداس
وممن كان بعد الستين وثلاثمائة الرفا الشاعر أبو الحسن السري بن أحمد الكندي الموصلي صاحب الديوان المشهور مدح سيف الدولة والوزير المهلبي والكبار قال ابن خلكان كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل وهو مع ذلك يتولع بالأدب وينظم الشعر ولم يزل حتى جاد شعره ومهر فيه وقصد سيف الدولة بن حمدان بحلب وأقام عنده مدة ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وجماعة من رؤسائها ونفق شعره وراج وكان بينه وبين أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد بن هاشم الخالديين الموصليين الشاعرين المشهورين معاداة فادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره وكان السري مغرى بنسخ ديوان كشاجم الشاعر المشهور وهو إذ ذاك ريحان الأدب بتلك البلاد والسري في طريقه يذهب فكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر
الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه ويعلي شعره بذلك عليهما ويغض منهما فمن هذه الجهة وقفت في بعض النسخ من ديوان كشاجم على زيادات ليست في الأصول المشهورة وكان شاعرا مطبوعا عذب الألفاظ مليح المأخذ كثير الافتتان في الأوصاف ولم يكن له رواء ولا منظر ولا يحسن من العلوم غير قول الشعر ومن شعر السري المذكور
( وكانت الإبرة فيما مضى ** صائنة وجهي وأشعاري )
( فأصبح الرزق بها ضيقا ** كأنه من ثقبها جار )
ومن محاسن شعره في المديح قوله من جملة قصيدة
( يلقى الندى برقيق وجه مسفر ** فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا )
( رحب المنازل ما أقام فإن سرى ** في جحفل ترك الفضاء مضيقا )
وذكر له الثعالبي في كتابه المنتحل
( ألبستني نعما رأيت بها الدجى ** صبخا وكنت أرى الصباح يهما )
( فغدوت يحسدني الصديق وقبلها ** قد كان يلقاني العدو رحيما )
ومن غرر شعره في التشبيب
( بنفسي من أجود له بنفسي ** ويبخل بالتحية والسلام )
( وحتفي كامن في مقلتيه ** كمون الموت في حد الحسام )
وله كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب وكانت وفاته سنة نيف وستين وثلثمائة
انتهى ما أورده ابم خلكان ملخصا
وفاروق بن عبد الكبير أبو حفص الخطابي البصري محدث البصرة ومسندها روى عن الكجي وهشام بن السيرافي ومحمد بن يحيى القزاز وكان حيا في سنة إحدى وستين
وابن مجاهد المتكلم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري ذو التصانيف الكثيرة في الأصول قدم من 75
البصرة فسكن بغداد وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني وكان دينا صينا خيرا
والتقوى أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني آخر من روى في الدنيا عن إسحق بن إبراهيم رحل المحدثون إليه في سنة سبع وستين وثلثمائة
والنجيرمي بفتح النون والراء وكسر الجيم نسبة إلى نجيرم محلة بالبصرة أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري حدث في سنة خمس وستين عن أبي مسلم ومحمد بن حيان المازني
سنة إحدى وسبعين وثلثمائة
فيها كما قال ابن الجوزي في الشذور مات عضد الدولة والصحيح أنه مات في التي بعدها كما يأتي
وفيها الإسماعيلي الحبر الإمام الجامع أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الحافظ الفقيه الشافعي ذو التصانيف الكبار في الحديث والفقه يجرجان في غرة رجب وله أربع وتسعون وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي وإبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما وعنه الحاكم والبرقاني وحمزة اليمني قال الحاكم كان الإسماعيلي أوحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء
انتهى
وقال الذهبي كان ثقة حجة كثير العلم
انتهى
وفيها المطوعي أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المقرئ نزيل اصطخر وأسند من في الدنيا في القراءات قرأ القراءات على أصحاب الدوري وخلف وابن ذكوان والبزي وحدث عن أبي خليفة والحسن بن المثنى وضعفه ابن مردويه وقال أبو نعيم لين في روايته وقال في العبر عاش مائة سنة وسنتين قال الخزاعي كان أبوه سعيد واعظا محدثا
75
البصرة فسكن بغداد وعنه أخذ القاضي أبو بكر الباقلاني وكان دينا صينا خيرا
والتقوى أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصنعاني آخر من روى في الدنيا عن إسحق بن إبراهيم رحل المحدثون إليه في سنة سبع وستين وثلثمائة
والنجيرمي بفتح النون والراء وكسر الجيم نسبة إلى نجيرم محلة بالبصرة أبو يعقوب يوسف بن يعقوب البصري حدث في سنة خمس وستين عن أبي مسلم ومحمد بن حيان المازني
سنة إحدى وسبعين وثلثمائة
فيها كما قال ابن الجوزي في الشذور مات عضد الدولة والصحيح أنه مات في التي بعدها كما يأتي
وفيها الإسماعيلي الحبر الإمام الجامع أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل ابن العباس الجرجاني الحافظ الفقيه الشافعي ذو التصانيف الكبار في الحديث والفقه يجرجان في غرة رجب وله أربع وتسعون سنة اول سماعه في سنة تسع وثمانين ورحل في سنة أربع وتسعين وسمع من يوسف بن يعقوب القاضي وإبراهيم بن زهير الحلواني وطبقتهما وعنه الحاكم والبرقاني وحمزة اليمني قال الحاكم كان الإسماعيلي أوحد عصره وشيخ المحدثين والفقهاء وأجلهم في الرياسة والمروءة والسخاء
انتهى
وقال الذهبي كان ثقة حجة كثير العلم
انتهى
وفيها المطوعي أبو العباس الحسن بن سعيد بن جعفر العباداني المقرئ نزيل اصطخر وأسند من في الدنيا في القراءات قرأ القراءات على أصحاب الدوري وخلف وابن ذكوان والبزي وحدث عن أبي خليفة والحسن بن المثنى وضعفه ابن مردويه وقال أبو نعيم لين في روايته وقال في العبر عاش مائة سنة وسنتين قال الخزاعي كان أبوه سعيد واعظا محدثا
وفيها أبو محمد السبيعي واسمه الحسن بن أحمد بن صالح الهمداني الحلبي قال ابن ناصر الدين كان على تشيع فيه ثقة ومات في الحمام انتهى
وفيها الزينبي عبد الله بن إبراهيم بن جعفر أبو الحسين البغدادي البزار في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة روى عن الحسن بن علوية القطان والفريابي وطائفة
وفيها ابن التبان شيخ المالكية بالمغرب أبو محمد عبد الله بن إسحق القيرواني قال القاضي عياض ضربت إليه آباط الإبل من الأمصار وكان حافظا بعيدا من التصنع والرياء فصيحا
وفيها أبو زيد المروزي الإمام الشافعي الفاشاني بفاء وشين معجمة ونون نسبة إلى فاشان قرية من قرى مرو واسمه محمد بن أحمد بن عبد الله الزاهد حدث بالعراق ودمشق ومكة وروى الصحيح عن الفربري ومات بمرو في رجب وله سبعون سنة قال الحاكم كان من أحفظ الناس لمذهب الشافعي وأحسنهم نظرا وأزهدهم في الدنيا سمعت أبا بكر البزار يقول عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة انتهى
وقال الخطيب حدث بصحيح البخاري عن الفربري وأبو زيد أجل من روى ذلك الكتاب وعنه أخذ أبو بكر القفال المروزي وفقهاء مرو وكان من أزكى الناس قريحة جاور بمكة سبع سنين وقال ابن الأهدل كان أول أمره فقيرا ثم بسطت عليه الدنيا عند كبره وسقوط أسنانه وانقطاعه عن الجماع فقال مخاطبا لها لا أهلا بك ولا سهلا أقبلت حين لا ناب ولا نصاب ومات وله تسعون سنة انتهى
وفيها محمد بن خفيف أبو عبد الله الشيرازي شيخ إقليم فارس وصاحب الأحوال والمقامات روى عن حماد بن مدرك وجماعة قال السلمي هو اليوم شيخ المشايخ وتاريخ الزمان لم يبق للقوم أقدم منه سنا ولا أتم حالا متمسك
بالكتاب والسنة فقيه على مذهب الشافعي كان من أولاد الأمراء فتزهد توفي في ثالث رمضان عن خمس وتسعين سنة وقيل عاش مائة سنة وأربع سنين قاله في العبر قال ابن خفيف قدم علينا بعض أصحابنا فاعتل بعلة البطن فكنت أخدمه وآخذ من تحته الطست طول الليل فأغفلت عنه مرة فقال لي نمت لعنك الله فقيل له كيف وجدت نفسك عند قوله لعنك الله قال كقوله رحمك الله ومن كلامه التوكل الاكتفاء بضمانه وإسقاط التهمة عن قضائه وقال الأكل مع الفقراء قربة إلى الله عز وجل وقال أحمد بن يحيى الشيرازي ما أرى التصوف إلا يختم بأبي عبد الله بن خفيف وقال السبكي شيخ المشايخ وذو القدم الراسخ في العلم والدين كان سيدا جليلا وإماما حفيلا يستمطر الغيث بدعائه ويؤوب المصر بكلامه عن إغوائه من أعلم المشايخ بعلوم الظاهر وممن اتفقوا على عظيم تمسكه بالكتاب والسنة وكانت له أسفار وبدايات وأحوال عاليات ورياضات لقي من النساك شيوخا ومن السلاك طوائف رسخ قدمهم في الطريق رسوخا وصحب من أرباب الأحوال أحبارا وأخيارا وشرب من منهل الطريق كاسات كبارا وسافر مشرقا ومغربا وصابر النفس حتى انقادت له فأصبح مثنى الثناء عليها معربا ذا صبر على الطاعة لا يعصيه فيه قلبه واستمرار على المراقبة شهيد عليه ربه وجنب لا يدري القرار ونفس لا تعرف المأوى إلا البيداء ولا سكن إلا القفار وكان من أولاد الأمراء فتزهد حتى قال كنت أذهب وأجمع الخرق من المزابل وأغسلها وأصلح منها ما ألبسه وروى عنه القاضي أبو بكر بن الباقلاني وغيره ورحل إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري وأخذ عنه وهو من أعيان تلامذته وصنف من الكتب ما لم يصنفه أحد وعمر حتى عم نفعه البلدان وازدحم الناس على جنازته وصلى عليه نحو مائة مرة انتهى ملخصا
سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة
في شوالها مات عضد الدولة فناخسرو بن الملك ركن الدولة الحسن بن بويه ولي سلطنة فارس بعد عمه عماد الدولة علي ثم حارب ابن عمه عز الدولة كما تقدم واستولى على العراق والجزيرة ودانت له الأمم وهو أول من خوطب بشاه شاه في الإسلام وأول من خطب له على المنابر ببغداد بعد الخليفة وكان من جملة ألقابه تاج الملة وهو الذي أظهر قبر الإمام علي كرم الله وجهه بالكوفة وبنى عليه المشهد الذي هناك وعمر النواحي وحفر الأنهار وأصلح طريق مكة وهو الذي بنى على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم سورا وبنى المارستان العضدي ببغداد وأنفق عليه أموالا لا تحصى وكان أديبا مشاركا في فنون من العلم حازما لبيبا إلا أنه كان غاليا في التشيع وله صنف أبو علي الإيضاح والتكملة وقصده الشعراء من البلاد كالمتنبي وأبي الحسن السلامي وكان شهما مطاعا حازما ذكيا متيقظا مهيبا سفاكا للدماء له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية وليس في بني بويه مثله وكان قد طلب حساب ما يدخله في العام فإذا هو ثلثمائة ألف ألف وعشرون ألف ألف درهم وجدد مكوسا ومظالم قيل أنه أنشد أبياتا فلازمه الصرع بعدها إلى أن مات وهي
( ليس شرب الكاس إلا في المطر ** وغناء من جوار في السحر )
( غاليات سالبات للنهى ** ناغمات في تصانيف الوتر )
( عضد الدولة وابن ركنها ** ملك الأملاك غلاب القدر )
( سهل الله له بغيته ** في ملوك الأرض ما دار القمر )
( وأراه الخير في أولاده ** ليساس الملك منهم بالغرر )
ومات بعلة الصرع في شوال ولما نزل به الموت كان يقول { ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه } ويرددها إلى أن مات وأنشد في احتضاره قبل ترديده لهذه
الآية قول القاسم بن عبيد الله
( قتلت صناديد الرجال فلم أدع ** عدوا ولم أمهل على طيه خلقا )
( فلما بلغت النجم عزا ورفعة ** وصارت رقاب الخلق أجمع لي رقا )
( رماني الردى سهما فأخمد جمرتي ** فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ملقى )
( فأذهبت دنيائي وديني سفاهة ** فمن ذا الذي مني بمصرعه أشقى )
ومات عن سبع وأربعين سنة وأحد عشر شهرا ودفن في دار المملكة وكتم ذلك ثم حمل بعد ذلك إلى مشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وفيها النضروي أبو منصور العباس بن الفضل بن زكريا بن نضرويه بضاد معجمة مسند هراة روى عن أحمد بن نجدة ومحمد بن عبد الرحمن الشامي وطائفة ووثقه الخطيب ومات في شعبان
وفيها الغزي أبو بكر محمد بن العباس بن وصيف الذي يروي الموطأ عن الحسن بن الفرج الغزي صاحب يحيى بن بكير ورخه أبو القاسم بن منده
وفيها ابن بخيت أبو بكر محمد بن عبد الله بن خلف بن بخيت العكبري الدقاق ببغداد في ذي القعدة روى عن خلف العكبري والفريابي
وفيها ابن خميرويه العدل أبو الفضيل محمد بن عبد الله بن محمد بن خميرويه ابن سيار الهروي محدث هراة روى عن علي الحكاني وأحمد بن نجدة وجماعة
سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة
في المحرم أظهرت وفاة عضد الدولة وكانت أخفيت حتى أحضروا ولده صمصام الدولة فجلس للعزاء ولطموا عليه أياما في الأسواق وجاء الطائع إلى صمصام الدولة فعزاه ثم ولاه الملك وعقد له لواءين ولقبه شمس الدولة وبعد أيام جاء الخبر بموت مؤيد الدولة أخو عضد الدولة بجرجان وولي مملكته أخوه
فخر الدولة الذي وزر له إسماعيل بن عباد
وفيها كان القحط الشديد ببغداد وبلغ حساب الغرارة بأربعمائة درهم
وفيها توفي أبو بكر الشذائي أحمد بن نصر البصري المقرئ أحد القراء الكبار تلا على عمر بن محمد الكاغدي وابن شنبوذ وجماعة وتصدر وأقرأ والشذائي بفتح المعجمتين نسبة إلى شذا قرية بالبصرة
وفيها أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن إسحاق الأصبهاني العدل المعروف بالقصار نزيل نيسابور روى عن عبد الله بن سيرويه والسراج وعدة وكان ممن جاوز المائة
وفيها الأمير أبو الفتوح بلكين بضم الباء الموحدة واللام وتشديد الكاف المكسورة وسكون الياء المثناة من تحت وبعدها نون ابن زيري بكسر الزاي وسكون الياء المثناة من تحت وكسر الراء وبعدها ياء بن مناد الحميري الصنهاجي ويسمى أيضا يوسف لكن بلكين أشهر وهو الذي استخلفه المعز بن المنصور العبيدي على إفريقية عند توجهه إلى الديار المصرية وكان استخلافه إياه يوم الأربعاء ثالث عشرى ذي الحجة سنة إحدى وستين وثلاثمائة وأمر الناس بالسمع والطاعة له وسلمه البلاد وخرجت العمال وجباة الأموال باسمه وأوصاه المعز بأمور كثيرة وأكد عليه في فعلها ثم قال إن نسيت ما أوصيتك به فلا تنس ثلاثة أشياء إياك أن ترفع الجناية عن أهل البادية والسيف عن البربر ولا تول أحدا من إخوتك وبني عمك فإنهم يرون أنهم أحق بهذا الأمر منك وافعل مع أهل الحاضرة خيرا وفارقه على ذلك وعاد من وداعه وتصرف في الولاية ولم يزل حسن السيرة تام النظر في مصالح دولته ورعيته إلى أن توفي يوم الأحد لسبع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين بموضع يقال له واركلان مجاور إفريقية وكانت علته القولنج وقيل خرجت في يده بثرة فمات منها وكان له أربعمائة حظية حتى قيل أن البشائر وفدت عليه في يوم واحد
بولادة سبعة عشر ولدا
وفيها أبو علي الحسين بن محمد بن حبش الدينوري المقري صاحب موسى ابن جرير الرقي
وفيها أبو عثمان المغربي سعيد بن سالم الصوفي العارف بالله تعالى نزيل نيسابور قال السلمي لم نر مثله في علو الدرجة والحال وصون الوقت وقال ابن الأهدل سعيد بن سلما أو ابن سالم أو ابن سلام النيسابوري قال اليافعي لا أدري أنه الممدوح بقول الشاعر
( ألا قل لساري الليل لا تخش ظلمة ** سعيد بن سلما ضوء كل بلاد )
( لنا سيد أربى على كل سيد ** جواد حثا في وجه كل جواد )
يعني أنه سبق في الجود والسابق يحثو التراب بحافر فرسه في وجه المسبوق أو فرسه
وفيها أبو محمد بن السقا الحافظ عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي روى عن أبي خليفة وعبدان وطبقتهما وعنه الدارقطني وأبو نعيم وما حدث إلا من حفظه توفي في جمادى الآخرة وكان حافظا متقنا من كبراء أهل واسط وأولى الحشمة رحل به أبوه
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن كيسان الحربي أخو محمد وكانا توءمين روى عن يوسف القاضي وعاش نيفا وتسعين سنة فاحتيج إليه وكان جاهلا قال البرقاني أعطيته الكتاب ليحدثنا منه فلم يدر ما يقول فقلت له سبحان الله حدثكم يوسف القاضي فقال سبحان الله حدثكم يوسف القاضي قال الجوهري سمعت منه في سنة ثلاث ولم يؤرخ وفاته الخطيب ولا غيره وجزم في العبر أنه توفي في هذه السنة
وفيها الفضل بن جعفر أبو القاسم التميمي المؤذن الرجل الصالح بدمشق وهو راوي نسخة أبي مسهر عن عبد الرحمن بن القاسم الرواس وكان ثقة
وفيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن الأهدل أو فيما بعدها أبو عبد الله الخضري بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين ولكن لثقل هذا اللفظ قالوها بكسر الخاء وسكون الضاد وهي نسبة إلى جده قاله ابن قاضي شهبة واسم المترجم محمد بن أحمد أبو عبد الله الخضري المروزي كان هو وأبو زيد شيخي عصرهما بمرو وكثيرا ما يقول القفال سألت أبا زيد والخضري وممن نقل عنه القاضي حسين في باب استقبال القبلة في الكلام على تقليد الصبي قال ابن باطيس أخذ عن أبي بكر الفارسي وأقام بمرو ناشرا لفقه الشافعي رضي الله عنه مرغبا فيه وكان يضرب به المثل في قوة الحفظ وقلة النسيان وقال أنه كان موجودا في سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وقال ابن خلكان توفي في عشر الثمانين وثلثمائة ونقل عنه الرافعي في انغماس الجنب في الماء وفي النجاسات أنه خرج هو وأبو زيد قولا إن النار تؤثر في الطهارة كالشمس والريح وقال ابن الأهدل كان تحته بنت أبي علي الشابوري فسئل يوما عن قلامة ظفر المرأة هل هو عورة فتوقف فقالت له زوجته سمعت أبي يقول للأجنبي النظر إلى قلامة اليد دون الرجل ففرح الخضري وقال لو لم أستفد من الاتصال بأهل العلم إلا هذه المسألة لكانت كافية وقد قرر فتواها هذه كثير من العلماء لقوله تعالى { إلا ما ظهر منها } وهو مفسر بالوجه والكفين انتهى
وفيها أبو بكر محمد بن حيويه بن المؤمل بن أبي روضة الكرخي النحوي بهمذان وهو أحد المتروكين في الحديث ذكر أنه بلغ مائة واثنتي عشرة سنة وروى عن أسيد بن عاصم وإبراهيم بن ديزيل وإسحق بن إبراهيم الدبري
وفيها محمد بن محمد بن يوسف بن مكي أبو أحمد الجرجاني روى عن البغوي وطبقته وحدث بصحيح البخاري عن الفربري وتنقل في النواحي قال أبو نعيم ضعفوه وسمعت منه الصحيح
سنة أربع وسبعين وثلثمائة
فيها توفي إسحق بن أسعد بن الحافظ الحسن بن سفيان أبو يعقوب الفسوى بفتحتين نسبة إلى فسا مدينة بفارس روى عن جده وفي الرحلة عن محمد بن المجدر وطبقتهما
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن حكا العلامة أبو سعيد الحنفي الحاكم بنيسابور في شعبان وله اثنتان وتسعون سنة روى عن أبي يعلى الموصلي والبغداديين وولي قضاء ترمذ
وفيها أبو يحيى بن نباتة خطيب الخطباء عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل ابن نباتة الفارقي اللخمي العسقلاني المولد المصري الدار ولي خطابة حلب لسيف الدولة وفي خطبه دلالة على قوة علمه وسعته وقوة قريحته وأجمعوا على أنه ما عمل مثل خطبه قط وهو الذي حث سيف الدولة بخطبه في الجهاد على التوسع فيه وسمع على المتنبي بعض ديوانه وكان رجلا صالحا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في المقابر وقال له مرحبا بخطيب الخطباء وأدناه وتفل في فيه فلم تزل رائحة المسك توجد فيه إلى أن مات وأشار صلى الله عليه وسلم بيده إلى المقابر وقال كيف قلت يا خطيب قال قلت لا يخبرون بما إليه آلوا ولو قدروا على المقال لقالوا ثم أخذ يسوقها فاستيقظ وعلى وجهه نور وبهجة وعاش بعد ذلك ثمانيا وعشرين ليلة لا يستطعم طعاما ولا شرابا من أجل تلك التفلة وبركتها والخطبة التي فيها هذه الكلمات تعرف بالمنامية ومولده وموته بميافارقين قيل ومات وعمره دون الأربعين ورؤي بعد موته في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال دفع إلي رقعة فيها سطران بالأحمر وهما
( قد كان أمن لك من قبل ذا ** واليوم أضحى لك أمنان )
( والصفح لا يحسن عن محسن ** وإنما يحسن عن جان )
فاستيقظ الرائي وهو يحفظهما
وفيها علي بن النعمان بن محمد قاضي القضاة بالديار المصرية ولي بعد أبيه وكان شيعيا غاليا وشاعرا مجودا
وفيها الحافظ أبو الفتح الأزدي محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي نزيل بغداد صنف في علوم الحديث وفي الضعفاء وحدث عن أبي يعلى ومحمد بن جرير الطبري وطبقتهما وضعفه البرقاني
وفيها أبو بكر الربعي محمد بن سليمان الدمشقي البندار
روى عن أحمد ابن عامر ومحمد بن الفيض الغساني وطبقتهما وتوفي في ذي الحجة
سنة خمس وسبعين وثلثمائة
فيها كما قال ابن الأثير خرج من البحر طائر أكبر من الفيل بعمان وصاح بصوت عال قد قرب الأمر ثلاث مرات ثم غاص في البحر فعل ذلك ثلاث مرات ثم غاب فلم يعد انتهى
وفيها توفي أبو زرعة الرازي الصغير أحمد بن الحسين الحافظ رحل وطوف وجمع وصنف وسمع من أبي حامد بن بلال والقاضي المحاملي وطبقتهما قال الخطيب كان حافظا متقنا جمع الأبواب والتراجم
وفيها البحيري بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة نسبة إلى جده وهو أبو الحسن أحمد بن محمد بن جعفر النيسابوري سمع بن خزيمة ومحمد بن محمد الباغندي وطبقتهما واستملى عليه الحاكم
وفيها حسينك الحافظ أبو أحمد الحسين بن علي بن محمد بن يحيى التميمي النيسابوري روى عن ابن خزيمة والسراج وعمر بن أبي غيلان وعبد الله ابن زيدان والكبار ومنه الحاكم والبرقاني وكان ثقة حجة محتشما توفي في ربيع الآخر قال الحاكم صحبته حضرا وسفرا نحو ثلاثين سنة فما رأيته ترك قيام الليل وكان يقرأ كل ليلة سبعا وأخرج مرة عن نفسه عشرة إلى الغزو
وفيها العسكري أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبيد الدقاق روى عن محمد بن يحيى المروزي ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة وطبقتهما
وفيها أبو مسلم بن مهران الحافظ العابد العارف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران البغدادي روى عن البغوي وأبي عروبة وطبقتهما وعنه الدار قطني والحاكم وكان ثقة زاهدا رحل إلى خراسان والشام والجزيرة ثم دخل بخارى وأقام بتلك الديار نحوا من ثلاثين سنة وصنف المسند ثم تزهد وانقبض عن الناس وجاور بمكة وكان يجتهد أن لا يظهر للمحدثين ولا لغيرهم قال ابن أبي الفوارس صنف أشياء كثيرة وكان ثقة زاهدا ما رأينا مثله
وفيها الخرقي أبو القاسم عبد العزيز بن جعفر البغدادي روى عن أحمد ابن الحسن الصوفي والهيثم بن خلف الدوري وكان ثقة
وفيها أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز الداركي بفتح الراء نسبة إلى دارك من قرى أصبهان درس بنيسابور مدة ثم سكن بغداد وكانت له حلقة للفتوى وانتهت إليه رياسة المذهب ببغداد تفقه على أبي إسحق المروزي وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الإسفراييني بعد موت شيخه أبي الحسين بن المرزبان وقال ما رأيت أفقه منه وقال الخطيب كان ثقة أثنى عليه الدار قطني وقال ابن أبي الفوارس كان يتهم بالاعتزال انتهى
وهو صاحب وجه في المذهب وحدث عن جده لأمه الحسن بن محمد الداركي وتوفي في شوال وهو في عشر الثمانين
وفيها أبو حفص بن الزيات عمر بن محمد بن علي البغدادي قال ابن أبي الفوارس كان ثقة متقنا جمع أبوابا وشيوخا وقال البرقاني ثقة مصنف وروى عن إبراهيم بن شريك والفريابي وطبقتهما ومات في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة
وفيها الأبهري كالأحمدي نسبة إلى أبهر قرية قرب زنجان وقرية بأصبهان أيضا لم أدر من أيهما هذا وهو القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد التميمي
شيخ المالكية العراقيين وصاحب التصانيف توفي في شوال وهو في عشر التسعين وسمع الكثير بالشام والعراق والجزيرة وروى عن الباغندي وعبد الله بن بدران البجلي وطبقتهما وسئل أن يلي قضاء القضاة فامتنع
وفيها الميانجي بالفتح ومثناة تحتية وفتح النون وبالجيم نسبة إلى ميانج موضع بالشام القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الشافعي المحدث نزيل دمشق ناب في القضاء مدة عن قاضي بني عبيد أبي الحسن علي بن النعمان وحدث عن أبي خليفة الجمحي وعبدان وطبقتهما ورحل إلى الشام والجزيرة وخراسان والعراق وتوفي في شعبان وقد قارب التسعين
سنة ست وسبعين وثلثمائة
شرعت دولة بني بويه تضعف فمال العسكر عن صمصام الدولة إلى أخيه شرف الدولة فذل الصمصام وسافر إلى أخيه راضيا بما يعامله به فدخل وقبل الأرض مرات فقال له شرف الدولة كيف أنت أوحشتنا ثم اعتقله فوقع بين الديلم وكانوا تسعة عشر ألفا وبين الترك وكانوا ثلاثة آلاف فالتقوا فانهزمت الديلم وقتل منهم ثلاثة آلاف وحفت الترك بشرف الدولة وقدموا به بغداد فأتاه الطائع يهنئه ثم خفي خبر صمصام الدولة وأكحل فلم تطل لشرف الدولة مدة
وفيها توفي أبو إسحق المستملى إبراهيم بن أحمد البلخي سمع الكثير وخرج لنفسه معجما وحدث بصحيح البخاري مرات عن الفربري وكان ثقة صاحب حديث
وفيها أبو سعيد السمسار الحسن بن جعفر بن الوضاح البغدادي الحربي الخرقي حدث عن محمد بن يحيى المروزي وأبي شعيب الحراني وطبقتهما قال العقيقي فيه تساهل
وفيها أبو الحسن الجراحي علي بن الحسن البغدادي القاضي المحدث روى عن حامد بن شعيب والباغندي قال البرقاني اتهم في روايته عن حامد
وفيها أبو الحسن البكائي نسبة إلى البكا بطن من بني عامر بن صعصعة علي ابن عبد الرحمن الكوفي شيخ الكوفة روى عن مطين وأبي حصين الوادعي وطائفة وعاش أكثر من تسعين سنة
وفيها ابن شنبك أبو القاسم عمر بن محمد بن إبراهيم البجلي البغدادي القاضي روى عن محمد بن حبان والباغندي وجماعة وعاش خمسا وثمانين سنة
وفيها قسام الحارثي من أهل بلغينا بجبل سنبر كان ترابا ثم تنقلت الأحوال به وصار مقدم الأحداث والشباب بدمشق وكثرت أعوانه حتى غلب على دمشق حتى لم يبق للنائب معه أمر فسار جيش من مصر لقصده ولمحاربته فضعف أمر قسام واختفى ثم استأمن فقيدوه وبعث إلى مصر في هذا العام فعفى عنه وخمل أمره
وفيها أبو عمرو بن حمدان الحيري وهو محمد بن أحمد بن حمدان بن علي النيسابوري النحوي مسند خراسان توفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة سمع بنيسابور ونسا والموصل وجرجان وبغداد والبصرة روى عن الحسن بن سفيان وزكريا الساجي وعبدان وخلائق وكان مقرئا عارفا بالعربية له بصر بالحديث وقدم في العبادة كان المسجد فراشه ثلاثين سنة ثم لما ضعف وعمى حولوه
وفيها أبو بكر الرازي محمد بن عبد الله بن عبد العزيز شادان الصوفي الواعظ والد المحدث أبي مسعود أحمد بن محمد البجلي الرازي روى عن يوسف بن الحسين الرازي وابن عقدة وطائفة وهو صاحب مناكير وغرائب ولا سيما في حكايات الصوفية قاله في العبر وقال في المغنى طعن فيه الحاكم ولأبي عبد الرحمن السلمي عنه عجائب انتهى
وفيها ابن النحاس المصري واسمه أحمد بن محمد بن عيسى بن الجراح أبو العباس الحافظ نزيل نيسابور قال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المبرزين والثقات المجودين انتهى
سنة سبع وسبعين وثلثمائة
فيها رفع شرف الدولة عن العراق مظالم كثيرة فمن ذلك أنه رد على الشريف أبي الحسن محمد بن عمر جميع أملاكه وكان مغلها في العام ألفي ألف وخمسمائة ألف درهم وكان الغلاء ببغداد فوق الوصف
وفيها توفي أبيض بن محمد بن أبيض بن أسود الفهري المصري روى عن النسائي مجلسين وهو آخر من روى عنه
وفيها إسحاق بن المقتدر بالله توفي في ذي القعدة عن ستين سنة وصلى عليه ولده القادر بالله الذي ولى الخلافة بعد الطائع لله
وفيها أمة الواحد ابنة القاضي أبي عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي حفظت القرآن والفقه والنحو والفرائض والعلوم وبرعت في مذهب الشافعي وكانت تفتي مع أبي علي بن أبي هريرة
وفيها أبو علي الفارسي الحسن بن محمد بن عبد الغفار النحوي صاحب التصانيف ببغداد في ربيع الأول وله تسع وثمانون سنة وكان متهما بالاعتزال وقد فضله بعضهم على المبرد وكان عديم المثل قاله في العبر وقال ابن خلكان كان إمام وقته في علم النحو ودار البلاد وأقام بحلب عند سيف الدولة بن حمدان مدة وكان قدومه في سنة إحدى وأربعين وثلثمائة وجرت بينه وبين أبي الطيب المتنبي مجالس ثم انتقل إلى بلاد فارس وصحب عضد الدولة بن بويه وتقدم عنده وعلت منزلته حتى قال عضد الدولة أنا غلام أبي علي في النحو وصنف له كتاب الإيضاح والتكملة ويحكى أنه كان يوما في ميدان شيراز يساير عضد
الدولة فقال له لم انتصب المستثنى في قولنا قام القوم إلا زيدا فقال الشيخ بفعل مقدر فقال له كيف تقديره فقال أستثني زيدا فقال له عضد الدولة هلا رفعته وقدرت امتنع زيد فانقطع الشيخ وقال هذا الجواب ميداني ثم انه لما رجع إلى منزله وضع في ذلك كلاما وحمله إليه فاستحسنه وذكر في كتاب الإيضاح أنه بالفعل المتقدم بتقوية إلا وحكى أبو القسم بن أحمد الأندلسي قال جرى ذكر الشعر بحضرة أبي علي وأنا حاضر فقال إني لأغبطكم على قول الشعر فإن خاطري لا يوافقني على قوله مع تحقيقي العلوم التي هي من مواده فقال له رجل فما قلت قط شيئا منه قال ما أعلم أن لي شعرا إلا ثلاثة أبيات في المشيب وهي قولي
( خضبت الشيب لما كان عيبا ** وخضب الشيب أولى أن يعابا )
( ولم أخضب مخافة هجر خل ** ولا عيبا خشيت ولا عتابا )
( ولكن المشيب بدا ذميما ** فصيرت الخضاب له عقابا )
وقيل إن السبب في استشهاده في باب كان من كتاب الإيضاح ببيت أبي تمام الطائي وهو قوله
( من كان مرعى عزمه وهمومه ** روض الأماني لم يزل مهزولا )
لم يكن ذلك لأن أبا تمام يستشهد بشعره لكن عضد الدولة كان يحب هذا البيت وينشده كثيرا فلهذا استشهد به في كتابه ومن تصانيفه كتاب التذكرة وهو كبير وكتاب المقصور والممدود وكتاب الحجة في القراءات وكتاب الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني وكتاب العوامل المائة وكتاب المسائل الحلبيات وكتاب المسائل البغداديات وكتاب المسائل الشيرازيات وكتاب البصرية وكتاب المسائل المجلسيات وغير ذلك وكان مولده سنة ثمان وثمانين ومائتين وتوفي في يوم الأحد لسبع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر ببغداد ودفن بالشونيزية ويقال له أيضا الفسوى بفتح الفاء والسين المهملة وبعدها واو نسبة إلى مدينة فسا من أعمال فارس انتهى ملخصا
وفيها ابن لولو الوراق أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير الثقفي البغدادي الشيعي روى عن إبراهيم بن شريك وحمزة الكاتب والفريابي وطبقتهم توفي في المحرم وله ست وتسعون سنة وكان ثقة يحدث بالأجرة
وفيها أبو الحسن الأنطاكي علي بن محمد بن إسماعيل المقرئ الفقيه الشافعي قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق والأنطاكي بالروايات ودخل الأندلس ونشر بها العلم قال ابن الفرضي أدخل الأندلس علما جما وكان رأسا في القراءات لا يتقدمه فيها أحد مات بقرطبة في ربيع الأول وله ثمان وسبعون سنة قاله في العبر وقال الأسنوي ولد بأنطاكية سنة تسع وتسعين ومائتين ودخل الأندلس سنة اثنتين وخمسين وثلثمائة انتهى
وفيها أبو طاهر الأنطاكي محمد بن الحسن بن علي المقرئ المحقق قال أبو عمرو الداني هو أجل أصحاب إبراهيم بن عبد الرزاق وأضبطهم روى عنه القراءات جماعة من نظرائه قال ابن غلبون توفي قبل الثمانين بيسير
وفيها أبو أحمد الغطريفي بكسر أوله و الطاء آخره فاء نسبة إلى غطريف جد محمد بن أحمد بن الحسين بن القسم بن السرى الظريف الجرجاني الرباطي الحافظ توفي في رجب عن سن عالية روى عن أبي خليفة وعبد الله بن ناجية وابن خزيمة وطبقتهم وكان ثقة صواما قواما متقنا مصنفا صنف المسند الصحيح وغيره
وفيها محمد بن زيد بن علي بن جعفر بن مروان أبو عبد الله البغدادي نزيل الكوفة روى عن عبد الله بن ناجية وحامد بن شعيب
سنة ثمان وسبعين وثلثمائة
فيها أمر الملك شرف الدولة برصد الكواكب كما فعل المأمون وبنى لها هيكلا بدار السلطنة
وفيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء اشتد الغلاء ببغداد جدا وظهر الموت بها ولحق الناس بالبصرة حر وسموم تساقط الناس منه وجاءت ريح عظيمة بفم الصلح حرقت دجلة حتى ذكر أنه بانت أرضها وغرق كثير من السفن واحتملت زورقا منحدرا وفيه دواب وطرحت ذلك في أرض خوخى فشوهد بعد أيام انتهى
وفيها توفي بشر بن محمد بن محمد بن ياسين القاضي أبو القسم الباهلي النيسابوري توفي في رمضان وقد جلس وأملى عن السراج وابن خزيمة
وفيها تبوك بن الحسن بن الوليد أبو بكر الكلابي المعدل أخو عبد الوهاب روى عن سعيد بن عبد العزيز الحلبي وطبقته
وفيها الخليل بن أحمد بن محمد أبو سعيد السجزى القاضي الفقيه الحنفي الواعظ قاضي سمرقند وبها مات عن تسع وثمانين سنة روى عن السراج وأبي القسم البغوي وخلق
وفيها أبو نصر السراج عبد الله بن علي الطوسي الزاهد شيخ الصوفيه وصاحب كتاب اللمع في التصوف روى عن جعفر الخلدي وأبي بكر محمد ابن داود الدقي قال الذهبي كان المنظور إليه في ناحيته في الفتوة ولسان القوم مع الاستظهار بعلم الشريعة وقال السخاوي كان على طريقة السنة قال خرجت مع أبي عبد الله الروزباري لنلقى أنبليا الراهب بصور فتقدمنا إلى ديره وقلنا له ما الذي حبسك ههنا قال أسرتني حلاوة قول الناس لي يا راهب انتهى وتوفي في رجب
وفيها ابن الباجي الحافظ المحقق أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي الثقة الحجة سمع عمر بن لبابة وأسلم بن عبد العزيز وطبقتهما ومنه جماعة من الأقران ومات في رمضان وله سبع وثمانون سنة قال ابن الفرضي لم أجد أحدا أفضله عليه في الضبط رحلت إليه مرتين
وفيها أبو الفتح عبد الواحد بن أحمد بن مسرور البلخي الحافظ نزيل مصر توفي في ذي الحجة روى عن الحسين بن محمد المطبقي وأحمد بن سليمان بن زبان الكندي وطبقتهما وروى عنه الحافظ عبد الغني الأزدي وآخرون وهو من الثقات
وفيها أبو بكر المفيد محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بجرجرايا وكان يفهم ويحفظ ويذاكر وهو بين الضعف واتهمه بعضهم روى عن أبي شعيب الحراني وأقرانه وعاش أربعا وتسعين سنة
وفيها أبو بكر الوراق محمد بن إسماعيل بن العباس البغدادي المستملى اعتنى به أبوه وأسمعه من الحسن بن الطيب البلخي وعمر بن أبي غيلان وطبقتهما وعاش خمسا وثمانين سنة وكان صاحب حديث ثقة
وفيها محمد بن بشر أبو سعيد البصري ثم النيسابوري الكراييسي نسبة إلى بيع الكراييس وهي الثياب المحدث الفاضل روى عن أبي لبيد السامي وابن خزيمة والبغوي وكان ثقة صالحا
وفيها محمد بن العباس بن محمد أبو عبد الله بن أبي ذهل العصمي الضبي الهروي أحد الرؤساء الأجواد وكانت أعشار غلاته تبلغ ألف حمل وعرضت عليه ولايات جليلة فامتنع وكان ملك هراة من تحت أوامره سموه في قميص فمات شهيدا في صفر وله أربع وثمانون سنة روى عن يحيى بن صاعد وأقرانه وقال ابن ناصر الدين هو الفقيه الشافعي كان حافظا نبيلا من الأخيار وذوي الأقدار
العالية والبر والإشارة وكان يمون خمسة آلاف بيت ونيفا بهراة ولم نسمع بحصول ذلك لأحد من أمثاله سواه رحمه الله انتهى
وفيها أبو بكر محمد بن عبيد الله بن الشخير الصيرفي البغدادي ببغداد روى عن عبد الله بن إسحق المدايني والباغندي توفي في رجب وله بضع وثمانون سنة
وفيها أبو أحمد الحاكم محمد بن محمد بن أحمد بن إسحق النيسابوري الكراييسي الحافظ الثقة المأمون أحد أئمة الحديث وصاحب التصانيف روى عن ابن خزيمة والباغندي ومحمد بن المجدر وعبد الله بن زيدان البجلي ومحمد بن الفيض الغساني وطبقتهم وأكثر الترحال وكتب ما لا يوصف قال الحاكم بن البيع أبو أحمد الحافظ إمام عصره في الصنعة توفي في شهر ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة صنف على الصحيحين وعلى جامع الترمذي وألف كتاب الكنى وكتاب العلل وكتاب الشروط والمخرج على كتاب المزني وولي قضاء الشاش ثم قضاء طوس ثم قدم نيسابور ولزم مسجده وأقبل على العبادة والتصنيف وكف بصره قبل موته بسنتين وهذا غير صاحب المستدرك بل هو شيخ ذاك وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله تعالى
وفيها القسم بن الجلاب الفقيه المالكي صاحب القاضي أبي بكر الأبهري ألف كتاب التفريع وكتاب مسائل الخلاف وفي اسمه أقوال
وفيها الحافظ الكبير يحيى بن ملك بن عائذ الأندلسي أبو زكريا كان حافظا كبيرا عالما أحد الأعيان توفي بالأندلس في شعبان
وفيها ابن نبال أبو الحسن علي بن محمد بن نبال البغدادي الحافظ المشهور تعلم الخط كبيرا ورزق من الفهم والمعرفة شيئا كثيرا قاله ابن ناصر الدين
سنة تسع وسبعين وثلثمائة
فيها توفي أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد بن باكويه النيسابوري سمع محمد بن شاذل والسراج وجماعة وهو صدوق
وفيها علي بن أحمد بن عمر أبو الحسن السرخسي الثقة الضابط كان حافظا كتب الكثير ولم يحدث إلا بشيء يسير قاله ابن ناصر الدين
وفيها شرف الدولة سلطان بغداد ابن السلطان عضد الدولة الديلمي كان فيه خير وقلة ظلم مرض بالاستسقاء ومات في جمادى الآخرة وله تسع وعشرون سنة وتملك بغداد سنتين وثمانية أشهر وولي بعده أخوه أبو نصر
وفيها محمد بن أحمد بن العباس أبو جعفر الجوهري البغدادي نقاش الفضة كان من كبار المتكلمين وهو عالم الأشعرية في وقته وعنه أخذ أبو علي بن شاذان علم الكلام توفي في المحرم وله سبع وثمانون سنة روى عن محمد بن محمد الباغندي وجماعة
وفيها أبو بكر الزبيدي بضم الزاي وفتح الموحدة وبدال مهملة بعد الياء نسبة إلى زبيد واسمه منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج محمد بن الحسن ابن عبيد الله بن مذحج بضم الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة وبعدها جيم اسم أكمة حمراء باليمن ولد ولا عليها أد فسمي باسمها كان صاحب الترجمة شيخ الأندلس بل وغيرها في العربية قال ابن خلكان هو نزيل قرطبة وكان واحد عصره في علم النحو وحفظ اللغة وكان أخبر أهل زمانه بالإعراب والمعاني والنوادر أي علم السير والأخبار ولم يكن بالأندلس في فنه مثله في زمانه وله كتب تدل على وفور علمه منها مختصر كتاب العين وكتاب طبقات النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس من زمن أبي الأسود الدؤلي إلى زمن شيخه أبي عبد الله النحوي الرياحي وله كتاب هتك ستور الملحدين وكتاب
لحن العامة وكتاب الواضح في العربية وهو مفيد جدا وكتاب الأبنية في النحو ليس لأحد مثله واختاره الحكم المستنصر بالله صاحب الأندلس لتأديب ولده ولي عهده هشام المؤيد بالله فكان الذي علمه الحساب والعربية ونفعه نفعا كثيرا ونال أبو بكر الزبيدي به دنيا عريضة وتولى قضاء إشبيلية وخطة الشرطة وحصل له نعمة ضخمة لبسها بنوه من بعده زمانا وكان الزبيدي شاعرا كثير الشعر فمن ذلك قوله في أبي مسلم بن فهر
( أبا مسلم إن الفتى بجنانه ** ومقوله لا بالمراكب واللبس )
( وليس ثياب المرء تغنى قلامة ** إذا كان مقصورا على قصر النفس )
( وليس يفيد العلم والحلم والحجا ** أبا مسلم طول القعود على الكرسي )
وكان في صحبة الحكم المستنصر وترك جاريته بإشبيلية فاشتاق إليها واستأذنه في العود إليها يأذن له فكتب إليها
( ويحك يا سلم لا تراعي ** لا بد للبين من زماع )
( لا تحسبيني صبرت إلا ** كصبر ميت على النزاع )
( ما خلق الله من عذاب ** أشد من وقفة الوداع )
( ما بينها والحمام فرق ** لولا المنامات والنواعي )
( إن يفترق شملنا وشيكا ** من بعدما كان ذا اجتماع )
( فكل شمل إلى افتراق ** وكل شعب إلى انصداع )
( وكل قرب إلى وداع ** وكل وصل إلى انقطاع )
وكان كثيرا ماينشد
( الفقر في أوطاننا غربة ** والمال في الغربة أوطان )
( والأرض شيء كلها واحد ** والناس إخوان وجيران )
وفيها أبو سليمان بن زبر المحدث الحافظ الثقة الجليل محمد بن القاضي عبد الله بن أحمد بن ربيعة الربعي الدمشقي مات في جمادى الأولى روى عن
أبي القسم البغوي وجماهر الزملكاني ومحمد بن الربيع الجيزي وخلق وصنف التصانيف المفيدة وممن أخذ عنه تمام الرازي وعبد الغني بن سعيد ومحمد بن عوف المزني
وفيها محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو الحسين البغدادي وله ثلاث وتسعون سنة توفي في جمادى الأولى وكان من أعيان الحفاظ سمع من أحمد بن الحسن الصوفي وعبد الله بن زيدان ومحمد بن خريم وطبقتهم بالعراق والجزيرة والشام ومصر وكان يقول عندي من الباغندي مائة ألف حديث قال ابن ناصر الدين كان محدث العراق حافظا ثقة نبيلا مكثرا متقنا يميل إلى التشيع قليلا انتهى
وفيها غندر النجار أبو بكر محمد بن جعفر بن العباس روى عن ابن المجدر وابن صاعد وعنه الحسن بن محمد الخلال وكان يحفظ قاله ابن برداس
وفيها محمد بن النضر أبو الحسين الموصلي النحاس الذي روى ببغداد معجم أبي يعلى عنه عنه قال البرقاني واه لم يكن ثقة
سنة ثمانين وثلثمائة
فيها توفي أبو نصر أحمد بن الحسين بن مروان الضبي المرواني النيسابوري في شعبان روى عن السراج وابن خزيمة
وفيها أبو العباس الصندوقي أحمد بن محمد بن أحمد النيسابوري روى عن محمد بن شاذك وابن خزيمة وشاخ فتفرد بالرواية عن بضعة عشر شيخا
وفيها سهل بن أحمد الديباجي روى عن ابن خليفة وغيره لكنه رافضي كذاب
وفيها أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي أبو العباس أحد الحفاظ الرحالين ذكر الدارقطني أنه أدخل أحاديث على جماعة من الرواة لكن يحيى بن منده ذكر أن ذلك فعل آخر يقال له أحمد بن منصور سواه قاله ابن ناصر الدين
وفيها الحسن بن علي بن عمرو البصري أبو محمد غلام الزهري كان حافظا ناقدا مجودا قاله ابن ناصر الدين
وفيها طلحة بن محمد بن جعفر أبو القسم الشاهد المعدل المقرئ تلميذ ابن مجاهد روى عن أبي عمر بن غيلان وطبقته لكنه معتزلي
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى بن مفرج الأموي مولاهم القرطبي الحافظ الثقة محدث الأندلس رحل وسمع أبا سعيد بن الأعرابي وخيثمة وقاسم بن أصبغ وطبقتهم وكان وافر الحرمة عند صاحب الأندلس صنف له عدة كتب فولاه القضاء توفي في رجب وله ست وتسعون سنة قال الحميدي من تصانيفه فقه الحسن البصري في سبع مجلدات وفقه الزهري في أجزاء عديدة
وفيها يعقوب بن يوسف بن كلس الوزير الكامل أبو الفرج وزير صاحب مصر العزيز بالله وكان يهوديا بغداديا عجبا في الدهاء والفطنة والمكر وكان يتوكل للتجار بالرملة فانكسر وهرب إلى مصر فأسلم بها واتصل بالأستاذ كافور ثم دخل المغرب ونفق على المعز وتقدم عنده ولم يزل في ارتقاء إلى أن مات وله اثنتان وستون سنة وكان عظيم الهيئة وافر الحشمة عالي الهمة وكان معلومه على مخدومه في السنة مائة ألف دينار وقيل أنه خلف أربعة آلاف مملوك بيض وسود ويقال إنه حسن إسلامه قاله في العبر
سنة إحدى وثمانين وثلثمائة
فيها تم أمور هائلة وكان أبو نصر الذي ولى مملكة بغداد شابا حزما والطائع لله ضعيفا ولاه السلطنة ولقبه بهاء الدولة فلما كان في شعبان وأمر الخليفة الطائع بحبس أبي الحسين بن المعلم وكان من خواص بهاء الدولة فعظم على بهاء الدولة ذلك ثم دخل على الطائع للخدمة فلما قرب قبل الأرض وجلس على كرسي
فتقدم أصحابه فشحطوا الطائع من السرير بحمائل سيفه ولفوه في كساء وحمل إلى دار المملكة وكتب عليه بخلعه نفسه وتسليم الأمر إلى القادر فاختبطت بغداد وظن الأجناد أن القبض على بهاء الدولة من جهة الطائع فوقعوا في النهب ثم إن بهاء الدولة أمر بالنداء بخلافة القادر بالله وأنفذ إلى القادر بالله سجل بخلع الطائع لله وهو بالبطايح وأخذوا جميع ما في دار الخلافة حتى الرخام والأبواب ثم ابيحت للرعاع فقلعوا الشبابيك وأقبل القادر بالله أحمد بن الأمير إسحق بن المقتدر وله يومئذ أربع وأربعون سنة وكان أبيض كث اللحية كثير التهجد والخير والبر صاحب سنة وجماعة وكان من جملة من حضر إهانة الطائع وخلعه الشريف الرضي فأنشد
( أمسيت أرحم من قد كنت أغبطه ** لقد تقارب بين العز والهون )
( ومنظر كان بالسراء يضحكني ** يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني )
وفيها توفي أحمد بن الحسين بن مهران الأستاذ أبو بكر الأصبهاني ثم النيسابوري المقرئ العبد الصالح مجاب الدعوة ومصنف كتاب الغاية في القراءة قرأ بدمشق على أبي النضر الأخرم وببغداد على النقاش وأبي الحسن بن بويان وطائفة وسمع من السراج وابن خزيمة وطبقتهما قال الحاكم كان إمام عصره في القراءات وأعبد الناس ممن رأينا في الدنيا وكان مجاب الدعوة توفي في شوال وله ست وثمانون سنة وله كتاب الشامل في القراءات وهو كتاب كبير
وفيها جوهر القائد أبو الحسن الرومي مولى المعز بالله ومقدم جيشه وظهيره ومؤيد دولته وموطد الممالك له وكان عاقلا سايسا حسن السيرة في الرعية على دين مواليه ولم يزل عالي الرتبة نافذ الكلمة إلى أن مات وجرت له فصول في أخذ مصر يطول ذكرها من ذلك ما ذكره ابن خلكان أن القائد جوهر وصل إلى الجيزة وابتدأ في القتال في الحادي عشر من شعبان سنة ثمان وخمسين فأسرت رجال وأخذت خيل ومضى جوهر إلى مينة الصيادين وأخذ المخاضة بمينة شلقان
واستمال إلى جوهر جماعة من العسكر في مراكب وجعل أهل مصر على المخاضة من يحفظها فلما رأى ذلك جوهر قال لجعفر بن فلاح لهذا اليوم أرادك المعز فعبر عريانا في سراويل وهو في مركب ومعه الرجال خوضا حتى خرجوا إليهم ووقع القتال فقتل خلق من الأخشيدية وأتباعهم وانهزمت الجماعة في الليل ودخلوا مصر وأخذوا ما قدروا عليه من دورهم وخرج حرمهم مشاة ودخلن على الشريف أبي جعفر في مكاتبة القائد بإعادة الأمان فكتب إليه يهنيه بالفتح وسأله إعادة الأمان وجلس الناس عنده ينتظرون الجواب فعاد إليهم بأمانه وحضور رسوله ومعه بند أبيض وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب فهدأ البلد وفتحت الأسواق وسكن الناس كأن لم تكن فتنة فلما كان آخر النهار ورد رسوله إلى أبي جعفر بأن تعمل على لقائي يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شعبان بجماعة الأشراف والعلماء ووجوه البلد فانصرفوا متأهبين لذلك ثم خرجوا ومعهم الوزير جعفر وجماعة من الأعيان إلى الجيزة والتقوا القائد ونادى مناد ينزل الناس كلهم إلا الشريف والوزير فنزلوا وسلموا عليه واحدا واحدا والوزير عن شماله والشريف عن يمينه ولما فرغوا من السلام ابتدأوا في دخول البلد فدخلوا من زوال الشمس وعليهم السلاح والعدد ودخل جوهر بعد العصر وطبوله وبنوده بين يديه وعليه ثوب ديباج مثقل وتحته فرس أصفر وشق في مصر ونزل في مناخه موضع القاهرة اليوم واختط موضع القاهرة ولما أصبح المصريون حضروا إلى القائد للهناء فوجدوه قد حفر أساس القصر بالليل وكان فيه زورات جاءت غير معتدلة فلم تعجبه ثم قال حفرت في ساعة سعيدة فلا أغيرها وأقام عسكره يدخل البلد سبعة أيام أولها الثلاثاء المذكور وبادر جوهر بالكتاب إلى مولاه يبشره بالفتح وأنفذ إليه رءوس القتلى في الوقعة وقطع خطبة بني العباس عن منابر الديار المصرية وكذلك اسمهم من على السكة وعوض عن ذلك باسم مولاه المعز
وأزال الشعار الأسود وألبس الخطباء الثياب البيض وجعل يجلس بنفسه في كل يوم سبت للمظالم يحضره الوزير والقاضي وجماعة من أكابر الفقهاء وفي يوم الجمعة ثامن ذي القعدة أمر جوهر بالزيادة عقيب الخطبة اللهم صل على محمد المصطفى وعلى علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اللهم وصل على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين وفي يوم الجمعة ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة تسع وخمسين صلى القائد في جامع طولون بعسكر كثير وخطب عبد السميع بن عمر العباسي الخطيب وذكر أهل البيت وفضائلهم رضي الله عنهم ودعا للقائد جوهر وجهر القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم وقرأ سورة الجمعة والمنافقين في الصلاة وأذن بحي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر ثم أذن به في سائر المساجد وقنت الخطيب في صلاة الجمعة وفي جمادى الأولى من السنة المذكورة أذنوا في جامع مصر العتيق بحي على خير العمل وسر القائد جوهر بذلك وكتب إلى المعز يبشره بذلك ولما دعا الخطيب على المنبر للقائد جوهر أنكر عليه وقال ليس هذا رسم موالينا وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة وفرغ من بنائه في سابع شهر رمضان سنة إحدى وستين وجمع فيه الجمعة وأظن هذا الجامع المعروف بالأزهر انتهى ملخصا
وفيها سعد الدولة أبو المعالي شريف بن سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي صاحب حلب توفي في رمضان وقد نيف على الأربعين وولي بعده ابنه سعد فلما مات ابنه انقرض ملك سيف الدولة من ذريته
وفيها عبد الله بن أحمد بن حموية بن يوسف بن أعين أبو محمد السرخسي المحدث الثقة روى عن الفربري صحيح البخاري وروى عن عيسى بن عمر السمرقندي كتاب الدارمي وروى عن إبراهيم بن خريم مسند عبد بن حميد وتفسيره وتوفي في ذي الحجة وله ثمان وثمانون سنة
وفيها الجوهري أبو القسم عبد الرحمن بن عبد الله المصري المالكي الذي صنف مسند الموطأ توفي في رمضان
وفيها أبو عدي عبد العزيز بن علي بن محمد بن إسحاق المصري المقرئ الحاذق المعروف بابن الإمام قرأ على أبي بكر بن سيف صاحب أبي يعقوب الأزرق وكان محققا ضابطا لقراءة ورش وحدث عن محمد بن زبان وابن قديد وتوفي في شهر ربيع الأول
وفيها أبو محمد بن معروف قاضي القضاة عبد الله بن أحمد بن معروف البغدادي قال الخطيب كان من أجلاد الرجال وألبائهم مع تجربة وحنكة وفطنة وعزيمة ماضية وكان يجمع وسامة في منظره وظرفا في ملبسه وطلاقة في مجلسه وبلاغة في خطابه ونهضة بأعباء الأحكام وهيبة في القلوب وقال العتيقي كان مجردا في الاعتزال انتهى قال في العبر قلت ولد سنة ست وثلثمائة وسمع من يحيى بن صاعد وأبي حامد الحضرمي وجماعة وتوفي في صفر انتهى
وفيها أبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزهري العوفي البغدادي سمع إبراهيم بن شريك الأسدي والفريابي وعبد الله بن إسحق المدايني وطائفة ومات في أحد الربيعين وله إحدى وتسعون سنة قال عبد العزيز الأزجي هو شيخ ثقة مجاب الدعاء
وفيها ابن المقري أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الأصبهاني الحافظ الثقة صاحب الرحلة الواسعة أول سماعه بعد الثلثمائة فأدرك محمد بن نصير المديني ومحمد بن علي الفرقدي صاحبي إسماعيل بن عمرو البجلي ثم رحل ولقي أبا يعلى وعبدان وطبقتهما قال أبو نعيم الحافظ كان محدثا كبيرا ثقة صاحب مسانيد سمع ما لا يحصى كثرة وقال ابن ناصر الدين كان محدثا ثقة كبيرا من المكثرين وله المعجم الكبير وكتاب الأربعين انتهى توفي في شوال عن ست وتسعين سنة
وفيها قاضي الجماعة أبو بكر محمد بن يبقى بن زرب القرطبي المالكي
صاحب التصانيف وأحفظ أهل زمانه لمذهب مالك سمع قاسم بن أصبغ وجماعة وولى القضاء سنة سبع وستين وثلثمائة وإلى أن مات وكان المنصور بن أبي عامر يعظمه ويجلسه معه
وفيها ابن دوست أبو محمد بن يوسف العلاف ببغداد روى عن البغوي وجماعة
سنة اثنتين وثمانين وثلثمائة
كان أبو الحسن بن المعلم الكوكبي قد استولى على أمور السلطان بهاء الدولة كلها فمنع الرافضة من عمل المأتم يوم عاشوراء الذي كان يعمل نحوا من ثلاثين سنة وغلت الأسعار بالكرخ حتى بيع رطل من الخبز بأربعين درهما والجوزة بدرهم
وفيها شغبت الجند وعسكروا وبغثوا يطلبون من بهاء الدولة أن يسلم إليهم ابن المعلم وصمموا على ذلك إلى أن قال له رسولهم أيها الملك اختر بقاءه أو بقاءك فقبض حينئذ عليه وعلى أصحابه فما زالوا به حتى قتله رحمه الله وكذلك قتلت بقية أصحابه
وفيها توفي أبو أحمد العسكري بفتح العين المهملة وسكون السين المهملة وفتح الكاف بعدها راء نسبة إلى عسكر مكرم مدينة من كور الأهواز الحسن ابن عبد الله بن سعيد الأديب الأخباري العلامة صاحب التصانيف روى عن عبدان الأهوازي وأبي القسم البغوي وطبقتهما قال ابن خلكان وهو صاحب أخبار ونوادر وله رواية متسعة وله التصانيف المفيدة منها كتاب التصحيف وكتاب المختلف والمؤتلف وكتاب علم المنطق وكتاب الحكم والأمثال وكتاب الزواجر وغير ذلك وكان الصاحب بن عباد يود الاجتماع به ولا يجد إليه سبيلا فقال لمخدومه مؤيد الدولة بن بويه إن عسكر مكرم قد اختلف أحوالها
وأحتاج إلى كشفها بنفسي فأذن له في ذلك فلما أتاها توقع أن يزوره أبو أحمد المذكور فلم يزره فكتب الصاحب إليه
( ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ** ضعفنا فلم نقدر على الوجدان )
( أتيناكم من بعد أرض نزوركم ** وكم منزل بكر لنا وعوان )
( نسائلكم هل من قرى لنزيلكم ** بملء جفون لا بملء جفان )
وكتب مع هذه الأبيات شيئا من النثر فجاوبه أبو محمد عن النثر بنثر مثله وعن هذه الأبيات بالبيت المشهور
( أهم بأمر الحزم لو أستطيعه ** وقد حيل بين العير والنزوان )
فلما وقف الصاحب على الجواب عجب من اتفاق هذا البيت له وقال والله لو علمت أنه يقع له هذا البيت ما كتبت له على هذا الروي وهذا البيت لصخر ابن عمرو الشريد في الخنساء وهو من جملة أبيات مشهورة وكانت ولادة أبي أحمد المذكور يوم الخميس لست عشرة ليلة خلت من شوال وتوفي يوم الجمعة سابع ذي الحجة انتهى ملخصا
وفيها أبو القسم عبد الله بن أحمد بن محمد النسائي الفقيه الشافعي الذي روى عن الحسن بن سفيان مسنده وعن عبد الله بن شيرويه مسند إسحق قال الحاكم كان شيخ العدالة والعلم بنسا وبه ختمت الرواية عن الحسن بن سفيان عاش بضعا وتسعين سنة
وفيها أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي الرازي الصوفي الراوي عن محمد بن أيوب بن الضريس خرج في آخر عمره إلى بخارى فتوفي بها وله أربع وتسعون سنة قال الحاكم ولم يزل كالريحانة عند مشايخ التصوف ببلدنا
وفيها أبو العباس أحمد بن منصور بن ثابت الشيرازي كان أحد الحفاظ الرحالين كما ذكره ابن ناصر الدين
وفيها أبو عمرو بن حيويه المحدث الحجة محمد بن العباس بن محمد بن زكريا البغدادي الخزاز في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة روى عن الباغندي وعبد الله بن إسحق المدائني وطبقتهما قال الخطيب ثقة كتب طول عمره وروى المصنفات الكبار
وفيها محمد بن محمد بن سمعان أبو منصور النيسابوري المذكر نزيل هراة وشيخ أبي عمر المليحي روى عن السراج ومحمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني
سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة
فيها كما قال في شذور العقود تزوج القادر سكينة بنت بهاء الدولة بصداق مبلغه مائة ألف دينار وغلا السعر فبلغ الكر الحنطة ستة آلاف وستمائة درهم وابتاع سابور بن أزدشير وزير بهاء الدولة دارا في الكرخ بين السورين وعمرها وسماها دار العلم ووقفها ونقل إليها كتبا كثيرة ورد النظر في أمرها إلى أبي الحسين بن السنية وأبي عبد الله الضبي القاضي انتهى
وفيها توفي أبو بكر بن شاذان والدأبي علي وهو أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن محمد بن شاذان البغدادي البزاز المحدث المتقن وكان يتجر في البز إلى مصر وغيرها وتوفي في شوال عن ست وثمانين وروى عن البغوي وطبقته
وفيها إسحق بن حمشاد الزاهد الواعظ شيخ الكرامية ورأسهم بنيسابور قال الحاكم كان من العباد المجتهدين يقال أسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف ولم أر بنيسابور جمعا مثل جنازته انتهى
وفيها جعفر بن عبد الله بن فناكى أبو القسم الرازى الراوى عن محمد بن هرون الروياني مسنده انتهى
وفيها أبو محمد بن حزم القلعي الأندلسي الزاهد واسمه عبد الله بن محمد بن القاسم بن حزم رحل إلى الشام والعراق وسمع أبا القسم بن العقب وإبراهيم
ابن علي الهجيمي وطبقتهما قال ابن الفرضي كان جليلا زاهدا شجاعا مجاهدا ولاه المستنصر القضاء فاستعفاه فأعفاه وكان فقيها صلبا ورعا كانوا يشبهونه بسفيان الثوري في زمانه سمعت عليه علماء كثير وعاش ثلاثا وستين سنة انتهى
وفيها علي بن حسان أبو الحسن الجدلي الدممي ودمما قرية دون الفرات روى عن مطين وبه ختم حديثه
وفيها أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الشاعر المشهور ويقال له الطبرخي لأن أباه كان من خوارزم وأمه من طبرستان فركب له من الاسمين نسبة وهو ابن أخت أبي جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ وأبو بكر المذكور أحد الشعراء المجيدين الكبار المشاهير كان إماما في اللغة والأنساب أقام بالشام مدة وسكن بنواحي حلب وكان مشارا إليه في عصره ويحكى أنه قصد حضرة الصاحب بن عباد وهو بأرجان فلما وصل لبابه قال لأحد حجابه قل للصاحب على الباب أحد الأدباء وهو يستأذن في الدخول فدخل الحاجب وأعلمه فقال الصاحب قل له قد ألزمت نفسي أنه لا يدخل علي من الأدباء إلا من يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب فخرج إليه الحاجب وأعلمه بذلك فقال له أبو بكر ارجع إليه وقل له هذا القدر من شعر الرجال أم من شعر النساء فدخل عليه الحاجب فأعاد عليه ما قال فقال الصاحب هذا يؤيد أن يكون أبا بكر الخوارزمي فأذن له في الدخول عليه فعرفه وانبسط معه ولكنه لم يجزل له العطاء ففارقه غير راض وعمل فيه
( لا تحمدن ابن عباد وإن هطلت ** يداه بالجود حتى أخجل الديما )
( فإنها خطرات من وساوسه ** يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما )
فبلغ ذلك ابن عباد فلما بلغه خبر موته أنشد
( أقول لركب من خوارزم قافل ** أمات خوارزميكم قيل لي نعم )
( فقلت اكتبوا بالجص من فوق قبره ** ألا لعن الرحمن من كفر النعم )
ولأبي بكر المذكور ديوان رسائل وديوان شعر وقد ذكره الثعالبي في اليتيمة
وذكر قطعة من نثره ثم أعقبها بشيء من نظمه فمن ذلك قوله
( رأيتك إن أيسرت خيمت عندنا ** مقيما وإن أعسرت زرت لماما )
( فما أنت إلا البدر إن قل ضوءه ** أغب وإن زاد الضياء أقاما )
وملحه ونوادره كثيرة ولما رجع من الشام سكن نيسابور ومات بها في منتصف رمضان من هذه السنة وقال ابن الأثير في تاريخه مات سنة ثلاث وتسعين والله أعلم
وفيها أبو الفضل نصر بن محمد أحمد بن يعقوب العطار بن أبي نصر الطوسي كان حافظا ناقدا وكان ثقة رأسا في علم الصوفية قاله ابن ناصر الدين
سنة أربع وثمانين وثلثمائة
فيها اشتد البلاء بالعيارين ببغداد وقووا على الدولة وكان رأسهم عزيز البابصري التفت عليه خلق من المؤذين وطالبوا بضرائب الأمتعة وجبوا الأموال فنهض السلطان وتفرغ لهم فهربوا في الظاهر ولم يحج أحد إلا الركب المصري فقط
وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن هلال الصابئ المشرك الحراني الأديب صاحب الترسل وكاتب الإنشاء للملك عز الدولة بختيار ألح عليه عز الدولة أن يسلم فامتنع وكان يصوم رمضان ويحفظ القرآن وله النظم والنثر والترسل الفحل ولما مات عضد الدولة هم بقتله لأجل المكاتبات الفجة التي كان يرسلها عز الدولة بإنشائه إلى عضد الدولة ثم تركه لشفاعة وأمره أن يضع له كتابا في أخبار الدولة الديلمية فعمل الكتاب التاجي فقيل لعضد الدولة أن صديقا للصابئ دخل عليه فرآه في شغل شاغل من التعليق والتسويد والتبييض فسأله عما يعمل فقال أباطيل أنمقها وأكاذيب ألفقها فحركت ساكنه وهاجت حقده ولم يزل مبعدا في أيامه وكان له عبد أسود اسمه يمن وكان يهواه وله فيه المعاني البديعة
فمن جملة ما ذكره له الثعالبي في كتاب الغلمان قوله
( قد قال يمن وهو أسود للذي ** ببياضه استعلى علو الخاتن )
( ما فخر وجهك بالبياض وهل ترى ** أن قد أفدت به مزيد محاسن )
( لو أن مني فيه خالا زانه ** ولو أن منه في خالا شانني )
وذكر له فيه الثعالبي أيضا
( لك وجه كأن يمناي خطته ** بلفظ تمله آمالي )
( فيه معنى من البدور ولكن ** نفضت صبغها عليه الليالي )
( لم يشنك السواد بل زدت حسنا ** إنما يلبس السواد الموالي )
( فمالي أفديك إن لم تكن لي ** وبروحي أفديك إن كنت مالي )
وله أيضا وهو معنى بديع
( أيها اللائم الذي يتصدى ** بقبيح يقوله لجوابي )
( لا تؤمل أني أقول لك أخسأ ** لست أسخو بها لكل الكلاب )
وتوفي الصابئ يوم الاثنين وقيل الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال هذه السنة ببغداد وقيل سنة ثمانين وثلثمائة وعمره إحدى وسبعون سنة ودفن بالشونيزية ورثاه الشريف الرضي بقصيدته الدالية المشهورة التي أولها
( أرأيت من حملوا على الأعواد ** أرأيت كيف خبا ضياء النادي )
وعاتبه الناس لكونه شريفا يرثي صابئيا فقال إنما رثيت فضله وبالجملة فإنه كان أعجوبة من الأعاجيب لكن أضله الله على علم نعوذ برضاه من سخطه ونسأله العافية والصابئ بهمز آخره قيل نسبة إلى صابي بن متوشلخ بن إدريس عليه السلام وكان على الحنفية الأولى وقيل الصابئ بن ماري وكان في عصره الخليل عليه السلام وقيل الصابئ عند العرب من خرج عن دين
قومه وهو الأصح ولذلك كانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم صابئا لخروجه عن دين قومه قال حسن حلبي في حاشيته على المطول والصابئون بالهمز وبدونها أي الخارجون من صبأ إذا خرج وهم قوم خرجوا عن دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة
انتهى والصابئة ملة إدريس عليه السلام قال السيوطي في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ما لفظه ذكر أئمة التاريخ أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى لابنه شيث وكان فيه وفي بنيه النبوة والدين وأنزل عليه تسع وعشرون صحيفة وأنه جاء إلى أرض مصر وكانت تدعى بايلون فنزلها هو وأولاد أخيه فسكن شيث فوق الجبل وسكن أولاد قابيل أسفل الوادي واستخلف شيث ابنه أنوش واستخلف أنوش ابنه قونان واستخلف قونان ابنه مهلائيل واستخلف مهلائيل ابنه يرد ودفع الوصية إليه وعلمه جميع العلوم وأخبره بما يحدث في العالم ونظر في النجوم وفي الكتاب الذي أنزل على آدم عليه السلام وولد ليرد أخنوخ وهو هرمس وهو إدريس عليه السلام وكان الملك في ذلك الوقت محويل بن أخنوخ بن قابيل وتنبأ إدريس وهو ابن أربعين سنة وأراده الملك بسوء فعصمه الله وأنزل عليه ثلاثين صحيفة ودفع إليه أبوه وصية جده والعلوم التي عنده وولد بمصر وخرج منها وطاف الأرض كلها ورجع فدعا الخلق إلى الله فأجابوه حتى عمت ملته الأرض وكانت ملته الصابئة وهي توحيد الله والطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك من رسوم التعبدات وكان في رحلته إلى المشرق أطاعه جميع ملوكها وابتنى مائة وأربعين مدينة أصغرها الرهاثم عاد إلى مصر وأطاعه ملكها وآمن به فنظر في تدبير أمرها وكان النيل يأتيهم سيحا فينحازون عن سيله إلى أعالي الجبال والأرض العالية حتى ينقص فينزلون ويزرعون حيث وجدوا الأرض برية وكان يأتي في وقت الزراعة وفي غير وقتها فلما عاد إدريس جمع أهل مصر وصعد بهم إلى أول مسيل النيل إليها ودبر وزن
الأرض ووزن الماء على الأرض وأمرهم بإصلاح ما أراد من إصلاح المرتفع ورفع المنخفض وغير ذلك مما رأى في النجوم والهندسة والهيئة وكان أول من تكلم في هذه العلوم وأخرجها من القوة إلى الفعل ووضع فيها الكتب ورسم فيها التعليم ثم سار إلى بلاد الحبشة والنوبة وغيرها وجمع أهلها وزاد في جري النيل ونقص بحيث بطئه وسرعته في طريقه حتى عمل على حساب جريه ووصوله إلى أرض مصر في زمن الزراعة على ما هو عليه الآن فهو أول من دبر جري النيل إلى مصر ومات إدريس بمصر والصابئة تزعم أن هرمي مصر أحدهما قبر شيث والآخر قبر إدريس والأصح أنه ليس إدريس إنما هو مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام هذا كله كلام التيغاشي
انتهى ما قاله السيوطي بحروفه
وفيها صبح بن أحمد الحافظ أبو الفضل التميمي الأحنفي الهمذاني السمسار ويعرف أيضا بابن اللوملاذ محدث همذان روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وطبقته وهو الذي لما أملى الحديث باع طاحونا له بسبعمائة دينار ونثرها على المحدثين قال سيرويه كان ركنا من أركان الحديث دينا ورعا لا يخاف في الله لومة لائم وله عدة مصنفات توفي في شعبان والدعاء عند قبره مستجاب ولد سنة ثلاث وثلثمائة
وفيها الرماني شيخ العربية أبو الحسن علي بن عيسى النحوي ببغداد وله ثمان وثمانون سنة وكانت ولادته أيضا ببغداد في سنة ست وتسعين ومائتين وتوفي ليلة الأحد حادي عشر جمادى الأولى من هذه السنة على الصحيح وقيل سنة اثنتين وثمانين وأصله من سرمن رأى وهو أحد الأئمة المشاهير جمع بين علم الكلام والعربية وله قريب من مائة مصنف منها تفسير القرآن العظيم وكان متقنا لعلوم كثيرة منها القراءات والفقه والنحو و الكلام على مذهب المعتزلة والتفسير واللغة وأخذ عن ابن دريد وأبي بكر بن السراج وغيرهما
وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن أحمد بن صالح التميمي الأحنفي من ولد الأحنف بن قيس وهو المترجم بصبح قبل أسطر وكان حافظا ثقة دينا من الأبرار قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن حشيش الأصبهاني العدل مسند أصبهان في عصره روى عن إسحق بن إبراهيم بن جميل ويحيى بن صاعد وطبقتهما
وفيها محدث الكوفة أبو الحسن محمد بن أحمد بن حماد بن سفيان الكوفي الحافظ كان أحد المعمرين المشهورين أدرك أصحاب أبي كريب وأبي سعيد الأشج وجمع وألف
وفيها أبو الحسن محمد بن العباس بن أحمد بن الفرات البغدادي الحافظ سمع من أبي عبد الله المحاملي وطبقته وجمع ما لم يجمعه أحد في وقته قال الخطيب بلغني أنه كان عنده عن علي بن محمد المصري وجده ألف جزء وأنه كتب مائة تفسير ومائة تاريخ كبير وهو حجة ثقة
وفيها شيخ الشافعية أبو الحسن الماسرجسي محمد بن علي بن سهل النيسابوري سبط الحسن بن عيسى بن ماسرجس بفتح السين المهملة وسكون الراء وكسر الجيم روى عن أبي حامد بن الشرقي وطبقته ورحل بعد الثلاثين وكتب الكثير بالعراق والحجاز ومصر قال الحاكم كان أعرف الأصحاب بالمذهب وترتيبه صحب أبا إسحق المروزي مدة وصار ببغداد معيدا لأبي علي بن أبي هريرة وعاش ستا وسبعين سنة قال الأسنوي أخذ عن أبي إسحق وصحبه إلى مصر ولازمه إلى أن توفي فانصرف إلى بغداد ودرس بها وكان المجلس له بعد قيام ابن أبي هريرة وكان معيد درسه ثم انصرف إلى خراسان سنة أربع وأربعين وتوفي بها عشية الأربعاء ودفن عشية الخميس السادس من جمادى الآخرة وهو ابن ست وسبعين سنة نقل عنه الرافعي استحباب تطويل الركعة الأولى على الثانية
وحكى عنه في باب الديات أنه قال رأيت صيادا يرمي الصيد على فرسخين وكان له ولد اسمه محمد ويكنى أبا بكر درس الفقه على أبيه وسمع الحديث ببلاد كثيرة وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وثلثمائة عن أربع وثلاثين سنة ودفن بداره
انتهى ملخصا
وفيها أبو عبيد الله المرزباني محمد بن عمران بن موسى بن سعيد بن عبيد الله الكاتب الأخباري العلامة المعتزلي صنف أخبار المعتزلة وأخبار الشعراء وغير ذلك وحدث عن البغوي وابن دريد ومات في شوال وله ثمان وثمانون سنة قال ابن خلكان الخراساني الأصل البغدادي المولد صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة وكان راوية للآداب صاحب أخبار وتآليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ومائلا إلى التشيع في المذهب وهو أول من جمع ديوان يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي واعتنى به وهو صغير الحجم يدخل في مقدار ثلاث كراريس وقد جمعه من بعده جماعات وزادوا فيه أشياء ليست له وشعر يزيد مع قلته في غاية الحسن ومن لطيف شعره الأبيات العينية التي منها
( إذا رمت من ليلى على البعد نظرة ** فتطفي جوى بين الحشا والأضالع )
( تقول نساء الحي تطمع أن ترى ** محاسن ليلى مت بداء المطامع )
( وكيف ترى ليلى بعين ترى بها ** سواها وما طهرتها بالمدامع )
( وتلتذ منها بالحديث وقد جرى ** حديث سواها في خروق المسامع )
( أجلك يا ليلى عن العين إنما ** أراك بقلب خاشع لك خاضع )
وكانت ولادة المرزباني المذكور في جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين ومائتين وتوفي يوم الجمعة ثاني شوال سنة أربع وثمانين وقيل ثمان وسبعين والأول أصح ودفن بداره بشارع عمر الرومي ببغداد في الجانب الشرقي وروى عنه عبد الله الصيمري وأبو القسم التنوخي وأبو محمد الجوهري وغيرهم والمرزباني بفتح
الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء الموحدة وبعد الألف نون نسبة إلى بعض أجداده كان اسمه المرزبان وهذا الاسم لا يطلق عند العجم إلا على الرجل المقدم العظيم القدر وتفسيره بالعربية حافظ الحد انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا وجزم الذهبي في العبر أنه كان معتزليا وقال ابن الأهدل المرزباني البغدادي صاحب التصانيف المشهورة كان راوية في الأدب ثقة في الرواية انتهى
وفيها القاضي التنوخي أبو علي المحسن بن علي بن محمد بن داود بن إبراهيم ابن تميم الأديب الأخباري صاحب التصانيف ولد بالبصرة وسمع بها من أبي العباس الأثرم وطائفة وببغداد من الصولي وغيره وعاش سبعا وخمسين سنة وذكره الثعالبي وأباه في باب واحد وقدم ذكر أبيه ثم قال في حق أبي علي المذكور هلال ذاك القمر وغصن هاتيك الشجر والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله والفرع المسند لأصله والنائب عنه في حياته والقائم مقامه بعد مماته وله كتاب الفرج بعد الشدة ذكر في أوائل هذا الكتاب أنه كان على المعيار بدار الضرب بسوق الأهواز في سنة ست وأربعين وثلثمائة وذكر بعد ذلك بقليل أنه كان على القضاء بجزيرة ابن عمر وله ديوان شعر أكبر من ديوان أبيه وكتاب نشوان المحاضرة وله كتاب المستجاد من فعلات الأجواد ونزل ببغداد وأقام بها وحدث إلى حين وفاته وكان سماعه صحيحا وكان أول سماعه الحديث في سنة ست وثلاثين وثلثمائة وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله بالقصر وبابل وما والأهاسنة تسع وأربعين ثم ولاه الإمام المطيع لله القضاء بعسكر مكرم ورامهرمز وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في نواح مختلفة ومن شعره في بعض المشايخ وقد خرج ليستسقي وكان في السماء سحاب فلما دعا أصحت السماء فقال التنوخي
( خرجنا لنستسقي بفضل دعائه ** وقد كان هدب الفيم أن يبلغ الأرضا )
( فلما ابتدا يدعو تقشعت السما ** فما تم إلا والغمام قد انفضا )
ومن المنسوب إليه أيضا
( قل للمليحة في الخمار المذهب ** أفسدت نسك أخي التقي المترهب )
( نور الخمار ونور خدك تحته ** عجبا لوجهك كيف لم يتلهب )
( وجمعت بين المذهبين فلم يكن ** للحسن عن ذهبيهما من مذهب )
( فإذا أتت عيني لتسرق نظرة ** قال الشعاع لها اذهبي لا تذهبي )
وأما ولده أبو القسم علي بن المحسن بن علي التنوخي فكان أديبا فاضلا شاعرا راوية للشعر الكثير وكان يصحب أبا العلاء المعري وأخذ عنه كثيرا وكان من أهل بين كلهم فضلاء أدباء ظرفاء وكانت ولادة الولد المذكور في منتصف شعبان سنة خمس وستين وثلثمائة بالبصرة وتوفي يوم الأحد مستهل المحرم سنة سبع وأربعين وأربعمائة وكان بينه وبين الخطيب أبي زكريا التبريزي مؤانسة واتحاد بطريق أبي العلاء المعري وقال الخطيب البغدادي وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته ولم يزل على ذلك مقبولا إلى آخر عمره وكان مستحفظا في الشهادة محتاطا صدوقا في الحديث ونقله وتقلد قضاء نواح عدة منها المدائن وأعمالها وأذربيجان وإفريقية وغير ذلك وإليه كتب أبو العلاء قصيدته التي أولها
( هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ** )
سنة خمس وثمانين وثلاثمائة
فيها توفي أبو بكر بن المهندس أحمد بن محمد بن إسماعيل محدث ديار مصر كان ثقة تقيا روى عن البغوي ومحمد بن محمد الباهلي وطبقتهما
وفيها أبو القسم الصاحب بن عباد إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد بن أحمد ابن إدريس الطالقاني وزير مؤيد الدولة أبي منصور بن بويه وفخر
الدولة وصحب أبا الفضل الوزير بن العميد وأخذ عنه الأدب والشعر والترسل وبصحبته لقب بالصاحب وكان من رجال الدهر حزما وعزما وسؤددا ونبلا وسخاء وحشمة وأفضالا وعدلا قال الثعالبي في اليتيمة في حقه ليست تحضرني عبارة أرضاها للإفصاح عن علو محله في العلم والأدب وجلالة شأنه في الجود والكرم وتفرده بالغايات في المحاسن وجمعه أشتات المفاخر لأن همة قولي تنخفض عن بلوغ أدنى فضائله ومعاليه وجهد وصفي يقصر عن أيسر فواضله ومساعيه ثم شرع في وصف بعض محاسنه وطرف من أحواله وقال أبو بكر الخوارزمي في حقه الصاحب نشأ من الوزارة في حجزها ودب ودرج من وكرها ورضع أفاويق درها وورثها عن آبائه كما قال أبو سعيد الرستمي في حقه
( ورث الوزارة كابرا عن كابر ** موصولة الإسناد بالإسناد )
( يروي عن العباس عباد وزارته ** وإسماعيل عن عباد )
وأنشده أبو القسم الزعفراني يوما أبياتا نونية من جملتها
( أيا من عطاياه تهدي الغني ** إلى راحتي من نأى أو دنا )
( كسوت المقيمين والزائرين ** كسالم نخل مثلها ممكنا )
( وحاشية الدار يمشون في ** صنوف من الخز إلا أنا )
فقال الصاحب قرأت في أخبار معن بن زائدة الشيباني أن رجلا قال له احملني أيها الأمير فأمر له بناقة وفرس وبغل وحمار وجارية ثم قال لو علمت أن الله تعالى خلق مركوبا غير هذا لحملتك عليه وقد أمرنا لك من الخز بجبة وقميص وعمامة ودراعة وسراويل ومنديل ومطرف ورداء وكساء وجورب وكيس ولو علمنا لباسا آخر يتخذ من الخز لأعطيناكه واجتمع عنده من الشعراء ما لم يجتمع عند غيره ومدحوه بغرر المدائح وكان حسن الأجوبة كتب إليه بعضهم رقعة أغار فيها على رسائله وسرق جملة من ألفاظه فوقع فيها هذه بضاعتنا ردت إلينا وصنف في اللغة كتابا سماه المحيط في سبع مجلدات وكتاب الكافي في الرسائل
وكتاب الأعياد وفضائل النيروز وكتاب الإمامة يذكر فيه فضائل على رضى الله عنه ويثبت إمامته على من تقدمه لأنه كان شيعيا وله غير ذلك وله رسائل بديعة ونظم جيد فمنه قوله
( وشادن جماله ** تقصر عنه صفتي )
( أهوى لتقبيل يدي ** فقلت قبل شفتي )
وله في رقة الخمر
( رق الزجاج وراقت الخمر ** فتشابها وتشاكل الأمر )
( فكأنما خمر ولا قدح ** وكأنما قدح ولا خمر )
وحكى أبو الحسين محمد بن الحسين الفارسي النحوي أن نوح بن منصور أحد ملوك بني ساسان كتب إليه ورقة في السر يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير مملكته وكان من جملة أعذاره إليه أنه يحتاج في نقل كتبه خاصة إلى أربعمائة جمل فما الظن بما يليق بها من التجمل وكان مولده لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة ست وعشرين وثلثمائة باصطخر وقيل بالطالقان وتوفي ليلة الجمعة رابع عشرى صفر بالري ثم نقل إلى أصبهان ومن أخباره أنه لم يسعد أحد بعد وفاته كما كان في حياته غير الصاحب فإنه لما توفي أغلقت له مدينة الري واجتمع الناس على باب القصر ينتظرون خروج جنازته وحضر مخدومه فخر الدولة وسائر القواد وقد غيروا لباسهم فلما خرج نعشه من الباب صاح الناس بأجمعهم صيحة واحدة وقبلوا الأرض ومشى فخر الدولة أمام الجنازة مع الناس وقعد للعزاء أياما ورثاه أبو سعيد الرستمي بقوله
( أبعد ابن عباد يهش إلى السرى ** أخوامل أو يستماح جواد )
( أبى الله إلا أن يموتا بموته ** فما لهما حتى المعاد معاد )
قال ابن الأهدل ومن كلامه في وصف الأئمة الثلاثة المتعاصرين أصحاب أبي الحسن الأشعري الباقلاني نار محرق وابن فورك صل مطرق والاسفرائيني
بحر مغرق قال ابن عساكر كأن روح القدس نفث في روعه بحقيقة حالهم انتهى
وفيها أبو الحسن الأذني بفتحتين نسبة إلى أذنة بلد بساحل الشام عند طرسوس القاضي علي بن الحسين بن بندار المحدث نزيل مصر روى الكثير عن ابن فيل وأبي عروبة ومحمد بن الفيض الدمشقي وعلي الغضايري وتوفي في شهر ربيع الأول
وفيها الدارقطني بفتح الراء وضم القاف وسكون الطاء نسبة إلى دار القطن محلة ببغداد وهو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود البغدادي الإمام الحافظ الكبير شيخ الإسلام إليه النهاية في معرفة الحديث وعلومه وكان يدعى فيه أمير المؤمنين وقال في العبر الحافظ المشهور صاحب التصانيف توفي في ذي القعدة وله ثمانون سنة روى عن البغوي وطبقته ذكره الحاكم فقال صار أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع إماما في القراءات والنحو صادفته فوق ما وصف لي وله مصنفات يطول ذكرها وقال الخطيب كان فريد عصره وقريع دهره ونسيج وحده وإمام وقته انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بالعلل وأسماء الرجال مع الصدق وصحة الاعتقاد والاضطلاع من علوم سوى علم الحديث منها القراءات وقد صنف فيها مصنفا ومنها المعرفة بمذاهب الفقهاء وبلغني أنه درس فقه الشافعي على أبي سعيد الاصطخري ومنها المعرفة بالأدب والشعر فقيل أنه كان يحفظ دواوين جماعة وقال أبو ذر الهروي قلت للحاكم هل رأيت مثل الدارقطني فقال هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا وقال البرقاني كان الدارقطني يملي على العلل من حفظه وقال القاضي أبو الطيب الطبري الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث
انتهى كلام العبر وقال ابن قاضي شهبة قال الحاكم صار أوحد أهل عصره في الحفظ والفهم والورع وإماما في النحو والقراءة وأشهد أنه لم يخلف على أديم الأرض مثله توفي ببغداد ودفن
قريبا من معروف الكرخي قال ابن ماكولا رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة فقيل لي ذاك يدعى في الجنة بالإمام
انتهى ملخصا
وفيها أبو حفص بن شاهين عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب البغدادي الواعظ المفسر الحافظ صاحب التصانيف وأحد أوعية العلم توفي بعد الدارقطني بشهر وكان أكبر من الدارقطني بتسع سنين سمع من الباغندي ومحمد بن المجدر والكبار ورحل إلى الشام والبصرة وفارس قال أبو الحسين بن المهتدي بالله قال لنا ابن شاهين صنفت ثلثمائة وثلاثين مصنفا منها التفسير الكبير ألف جزء والمسند ألف وثلثمائة جزء والتاريخ مائة وخمسون جزءا قال ابن أبي الفوارس ابن شاهين ثقة مأمون جمع وصنف ما لم يصنفه أحد وقال محمد بن عمر الداودي كان ثقة بحاثا وكان لا يعرف الفقه ويقول أنا محمدي المذهب
انتهى وممن أخذ عنه الماليني والبرقاني وخلق كثير وقال السيوطي في كتابه مشتهى العقول ومنتهى النقول منتهى التفاسير لابن شاهين ألف مجلد والمسند له ألف وخمسمائة مجلد ومداد تصانيفه انتهى إلى ثمانية وعشرين قنطارا قال ابن الجوزي قلت هذا من طي الزمان
انتهى كلام السيوطي
وفيها أبو بكر الكبشاني محمد بن إبراهيم النيسابوري الأديب الذي روى صحيح مسلم عن إبراهيم بن سفين الفقيه توفي ليلة عيد النحر ضعفه الحاكم لتسميعه الكتاب بقوله من غير أصل وقال في المغني غمزه الحاكم روى الصحيح من غير أصل
انتهى
وفيها أبو الحسن بن سكرة محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي الشاعر المشهور العباسي المفلق ولا سيما في المجون والمزاح وكان هو وابن حجاج يشبهان في وقتهما بجرير والفرزدق ويقال أن ديوان ابن سكرة يزيد على خمسين ألف بيت قال الثعالبي في ترجمته هو شاعر متسع الباع في أنواع الإبداع فائق في قول
الظرف والملح على الفحول والأفراد جار في ميدان المجون والسخف ما أراد وكان يقال أن زمانا جاد بمثل ابن سكرة وابن حجاج لسخي جدا ومن بديع تشبيهه ما قاله في غلام في يده غصن مزهر
( غصن بان بدا وفي اليد منه ** غصن فيه لؤلؤ منظوم )
( فتحيرت بين غصنين في ذا ** قمر طالع وفي ذا نجوم )
وله في غلام أعرج
( قالوا بليب بأعرج فأجبتهم ** العيب يحدث في غصون البان )
( أني أحب حديثه وأريده ** للنوم لا للجري في الميدان )
وله أيضا
( أنا والله هالك ** آيس من سلامتي )
( أو أرى القامة التي ** قد أقامت قيامتي )
وله
( قيل ما أعددت للبرد ** فقد جاء بشده )
( قلت دراعة عرى ** تحتها جبة رعدة )
وله البيتان اللذان ذكرهما الحريري في مقاماته وهما
( جاء الشتاء وعندي من حوائجه ** سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا )
( كن وكيس وكانون وكاس طلا ** مع الكباب وكل ناعم وكسا )
ومحاسن شعره كثيرة وتوفي يوم الأربعاء حادي عشر شهر ربيع الآخر
وفيها الفقيه العلامة الورع الزاهد الخاشع البكاء المتواضع أبو بكر الأودني بالضم وفتح المهملة والنون نسبة إلى أودنة قرية من قرى بخارى شيخ الشافعية ببخارا وما وراء النهر أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن نصير كان علامة زاهدا ورعا خاشعا ومن غرائب وجوهه في المذهب أن الربا حرام في كل شيء فلا يجوز بيع شيء بجنسه روى عن الهيثم بن كليب الشاشي وطائفة ومات في شهر
ربيع الآخر وقد دخل في سن الشيخوخة ومن تلامذته المستغفري قال ابن قاضي شهبة قال الحاكم كان من أزهد الفقهاء وأورعهم وأعبدهم وأبكاهم على تقصيره وأشدهم تواضعا وإنابة وقال الإمام في النهاية وكان من دأبه أن يضن بالفقه على من لا يستحقه وإن ظهر بسببه أثر الانقطاع عليه في المناظرة توفي ببخارى انتهى ملخصا
وفيها أبو الفتح القواس يوسف بن عمر بن مسرور البغدادي الزاهد المجاب الدعوة في ربيع الآخر وله خمس وثمانون سنة روى عن البغوي وطبقته قال البرقاني كان من الإبدال
سنة ست وثمانين وثلثمائة
فيها توفي أبو حامد النعيمي أحمد بن عبد الله بن نعيم السرخسي نزيل هراة في ربيع الأول روى الصحيح عن الفربري وسمع من الدغولي وجماعة
وفيها أبو أحمد السامري بفتح الميم وتشديد الراء نسبة إلى سر من رأى عبد الله بن الحسين بن حسون البغدادي المقرئ شيخ الإقراء بالديار المصرية مات في المحرم وله إحدى وتسعون سنة قرأ القرآن في الصغر فذكر أنه قرأ على أحمد بن سهل الأشناني وأبي عمران الرقي وابن شنبوذ وابن مجاهد وحدث عن أبي العلا محمد بن أحمد الوكيعي فاتهمه الحافظ عبد الغني المصري في لقيه وقال لا أسلم على من يكذب في الحديث وفي العنوان أن السامري قرأ على محمد ابن يحيى الكسائي وهذا وهم من صاحب العنوان لأن محمد بن يحيى توفي قبل مولد السامري بخمس عشرة سنة أو هو عمد ابن السامري ويدل عليه قول محمد بن علي الصوري قد ذكر أبو أحمد أنه قرأ على الكسائي الصغير فكتب في ذلك إلى بغداد يسأل عن وفاة الكسائي فكان الأمر من ذلك بعيدا قال
في العبر قلت ثم أمسك أبو أحمد عن هذا القول وروى عن ابن مجاهد عن الكسائي انتهى
وفيها عبيد الله بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم بن محمد بن جميل أبو أحمد الأصبهاني روى مسند أحمد بن منيع عن جده ومات في شعبان
وفيها الحربي أبو الحسن علي بن عمر الحميري البغدادي ويعرف أيضا بالسكري وبالصيرفي وبالكيال روى عن أحمد بن الصوفي وعباد بن علي السيريني والباغندي وطبقتهم ولد سنة ست وتسعين ومائتين وسمع سنة ثلاث وثلثمائة باعتناء أخيه وتوفي في شوال
وفيها أبو عبد الله الختن الشافعي محمد بن الحسن الاستراباذي بكسر أوله والفوقية وسكون السين وفتح الراء و الموحدة بعدها معجمة نسبى إلى استراباذ من بلاد مازندران بين سارية وجرجان وهو ختن أبي بكر الإسماعيلي وهو صاحب وجه في المذهب وله مصنفات عاش خمسا وسبعين سنة وكان أديبا بارعا مفسرا مناظرا روى عن عبد الملك بن عدي الجرجاني وتوفي في يوم عرفة قال الأسنوي نقل عنه الرافعي في كتاب الجنايات قبيل العاقلة بقليل أن السحر لا حقيقة له وإنما هو تخييل لظاهر الآية انتهى
وفيها أبو طالب صاحب القوت محمد بن عطية الحارثي العجمي ثم المكي نشأ بمكة وتزهد وسلك ولقي الصوفية وصنف ووعظ وكان صاحب رياضة ومجاهدة وكان على نحلة أبي الحسن بن سالم البصري شيخ السالمية روى عن علي بن أحمد المصيصي وغيره قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو طالب محمد بن علي بن عطية الحارثي صاحب كتاب قوت القلوب كان رجلا صالحا مجتهدا في العبادة ويتكلم في الجامع وله مصنفات في التوحيد لم يكن من أهل مكة وإنما كان من أهل الجبل وسكن مكة فنسب إليها وكان يستعمل الرياضة كثيرا حتى قيل أنه هجر الطعام زمانا واقتصر على أكل الحشائش المباحة فاخضر جلده
من كثرة تناولها ولقي جماعة من المشايخ في الحديث وعلم الطريقة وأخذ عنهم ودخل البصرة بعد وفاة أبي الحسن بن سالم فانتهى إلى مقالته وقدم بغداد فوعظ الناس وخلط في كلامه فهجروه وتركوه قال محمد بن طاهر المقدسي في كتاب الأنساب أن أبا طالب المكي لما دخل بغداد واجتمع الناس عليه في مجلس الوعظ خلط في كلامه وحفظ عنه أنه قال ليس على المخلوقين أضر من الخالق فبعده الناس وهجروه وامتنع من الكلام بعد ذلك وله كتب في التوحيد وتوفي سادس جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة الملكية بالجانب الشرقي وقبره هناك يزار رحمه الله انتهى بحروفه
وفيها العزيز بالله أبو منصور نزار بن المعز معد بن المنصور إسماعيل بن القائم بالله محمد بن المهدي العبيدي الباطني صاحب مصر والشام وولى الأمر بعد أبيه وعاش العزيز اثنتين وأربعين سنة وكان شجاعا جوادا حليما وكان أسمر أصهب أعين أشهل حسن الخلق قريبا من الناس لا يحب سفك الدماء له أدب وشعر وكان مغرى بالصيد وقام بعده ابنه الحاكم وهو الذي اختط جامع مصر القاهرة وبنى قصر البحر وقصر الذهب وجامع القرافة قيل أنه كتب إلى صاحب الأندلس المرواني يهجوه ويذم نسبه فكتب إليه المرواني عرفتنا فهجوتنا ولو عرفناك لهجوناك وأجبناك والسلام فاشتد ذلك عليه وأفحمه لأن أكثر الناس لا يسلمون للعييديين نسبتهم إلى أهل البيت ووجد العزيز يوما رقعة على منبر الخطبة فيها
( إنا سمعنا نسبا منكرا ** يتلى على المنبر بالجامع )
( إن كنت فيما تدعي صادقا ** فانسب أبا بعد الأب الرابع )
( وإن ترد تحقيق ما قلته ** فانسب لنا نفسك كالطابع )
( أو فدع الأشياء مستورة ** وادخل بنا في النسب الواسع )
سنة سبع وثمانين وثلثمائة
فيها توفي أبو القسم بن الثلاج عبد الله بن محمد البغدادي الشاهد في ربيع الأول وله ثمانون سنة روى عن البغوي وطائفة واتهم بالوضع
وفيها أبو القسم عبيد الله بن محمد بن خلف بن سهل المصري البزار ويعرف بابن أبي غالب روى عن محمد بن محمد الباهلي وعلي بن أحمد بن علان وطائفة وكان من كبراء المصريين ومتموليهم
وفيها وقيل في التي قبلها وبه جزم ابن ناصر الدين في بديعته فقال
( ابن أبي الليث النصيبي المصري ** فاضلهم في شأننا وشعر ) وهو أحمد بن أبي الليث نصر بن محمد النصيبيني المصري أبو العباس كان من الحفاظ الأيقاظ آية في الحفظ
وفيها الإمام الكبير الحافظ ابن بطة أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد ابن حمدان بن بطة العكبري الفقيه الحنبلي العبد الصالح توفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة قال في العبر كان صاحب حديث ولكنه ضعيف من قبل حفظه روى عن البغوي وأبي ذر بن الباغندي وخلق وصنف كتابا كبيرا في السنة قال العتيقي كان مستجاب الدعوة انتهى كلام العبر وقال ابن ناصر الدين كان أحد المحدثين العلماء الزهاد ومن مصنفاته الإبانة في أصول الديانة انتهى وقال ابن أبي يعلى في طبقاته سمع من خلائق لا يحصون فإنه سافر الكثير إلى مكة والثغور والبصرة وغير ذلك وصحبه جماعة من شيوخ المذهب منهم أبو حفص البرمكي وأبو عبد الله بن حامد وأبو إسحق البرمكي في آخرين ولما رجع من الرحلة لازم بيته أربعين سنة فلم ير في سوق ولا رؤي مفطرا إلا في يوم الفطر والأضحى وأيام التشريق وقال عبد الواحد بن علي العكبري لم أر في شيوخ أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة وكان أمارا بالمعروف
ولم يبلغه خبر منكر إلا غيره وقال أبو محمد الجوهري سمعت أخي أبا عبد الله يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله أي المذاهب خير وقال قلت على أي المذاهب أكون فقال ابن بطة ابن بطة ابن بطة فخرجت من بغداد إلى عكبرا فصادف دخولي يوم جمعة فقصدت الشيخ أبا عبد الله بن بطة إلى الجامع فلما رآني قال لي ابتداء صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبد الله بن بطة ولدت يوم الاثنين لأربع خلون من شوال سنة أربع وثلثمائة وولد ابن منيع رحمه الله سنة أربع عشرة ومائتين ومات يوم الفطر سنة سبع عشرة وثلثمائة وقرأت عليه معجمه في نفر خاص في مدة عشرة أيام أو أقل أو أكثر وذلك في آخر سنة خمس عشرة وأول سنة ست عشرة وكان بعين ابن بطة ناصور وقد وصف له ترك العشاء فكان يجعل عشاءه قبل الفجر بيسير ولا ينام حتى يصبح وكان عالما بمنازل النيرين واجتاز ابن بطة بالأحنف العكبري فقام له فشق ذلك عليه فأنشأ الأحنف
( لا تلمني على القيام فحقي ** حين تبدو أن لا أمل القياما )
( أنت من أكرم البرية عندي ** ومن الحق أن أجل الكراما )
فقال ابن بطة متكلفا له الجواب
( أنت إن كنت لأعدمتك ترعى ** لي حقا وتظهر الاعظاما )
( فلك الفضل في التقدم والعلم ** ولسنا نحب منك احتشاما )
( فاعفني الآن من قيامك أولا ** فسأجزيك بالقيام قياما )
( وأنا كاره لذلك جدا ** أن فيه تملقا وآثاما )
( لا تكلف أخاك أن يتلقاك ** بما يستحل فيه الحراما )
( وإذا صحت الضمائر منا ** اكتفينا أن نتعب الأجساما )
( كلنا واثق بود أخيه ** ففيم انزعاجنا وعلام )
ويقال أنه أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة ومصنفاته تزيد على مائة رحمه الله تعالى
وفيها ابن مردك أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن مردك البرذعي البزاز ببغداد حدث عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وجماعة ووثقه الخطيب وتوفي في المحرم وكان عبدا صالحا
وفيها فخر الدولة علي بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي سلطان الري وبلاد الجبل وزر له الصاحب بن عباد وكان ملكا شجاعا مطاعا جماعا للأموال واسع الممالك عاش ستا وأربعين سنة وكانت أيامه أربع عشرة سنة لقبه الطائع ملك الأمة وكان أجل من بقي من ملوك بني بويه وكان يقول قد جمعت لولدي ما يكفيهم ويكفي عسكرهم خمس عشرة سنة قال ابن الجوزي في كتابه شذور العقود توفي في قلعة بالري وكانت مفاتيح خزائنها مع ولده ولم يحضر فلم يوجد له كفن فابتيع من قيم الجامع الذي تحت القلعة ثوب فلف فيه واختلف الجند فاشتغلوا عنه حتى أراح فلم يمكنهم القرب منه فشد بالحبال وجر على درج القلعة من بعد حتى تقطع وكان قد ترك ألفي ألف دينار وثمانمائة وخمسة وستين ألفا وكان في خزانته من الجوهر والياقوت واللؤلؤ والبلخش والماس أربعة عشر ألفا وخمسمائة قطعة قيمتها ألف ألف دينار ومن أواني الفضة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف من ومن الأثاث ثلاثة آلاف حمل ومن السلاح ألفا حمل ومن الفرش ألفان وخمسمائة حمل
انتهى ما ذكره ابن الجوزي
وفيها أبو ذر عمار بن محمد بن مخلد التميمي نزيل بخارى روى عن يحيى صاعد وجماعة ومات في صفر وروى عنه عبد الواحد الزبيري الذي عاش بعده مائة وثمان سنين وهذا معدوم النظير
وفيها أبو الحسين بن سمعون الإمام القدوة الناطق بالحكمة محمد بن أحمد
ابن إسماعيل البغدادي الواعظ صاحب الأحوال والمقامات روى عن أبي بكر ابن أبي داود وجماعة وأملى عدة مجالس ولد سنة ثلثمائة ومات في نصف ذي القعدة ولم يخلف ببغداد مثله قال ابن خلكان كان وحيد دهره في الكلام على الخواطر وحسن الوعظ وحلاوة الإشارة ولطف العبارة أدرك جماعة من المشايخ وروى عنهم منهم الشيخ أبو بكر الشبلي رحمه الله وأنظاره ومن كلامه ما رواه الصاحب بن عباد قال سمعت ابن سمعون يوما وهو على الكرسي في مجلس وعظه يقول سبحان من أنطق باللحم وبصر بالشحم واسمع بالعظم إشارة إلى اللسان والعين والأذن وهذه من لطائف الإشارات ومن كلامه أيضا رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة فاستحالت ديانة وله كل معنى لطيف كان لأهل العراق فيه اعتقاد كثير ولهم به غرام شديد وإياه عنى الحريري صاحب المقامات في المقامة الحادية والعشرين وهي الرازية بقوله رأيت بها بكره زمرة أثر زمرة وهم منتشرون انتشار الجراد ومستنون استنان الجياد ومتواصفون واعظا يقصدونه ويحلون ابن سمعون دونه ولم يأت في الوعاظ مثله دفن في داره بشارع العباس ثم نقل يوم الخميس حادي عشر رجب سنة ست وعشرين وأربعمائة ودفن بباب حرب وقيل أن أكفانه لهم تكن بليت بعد رحمه الله تعالى انتهى ملخصا
وقال ابن الأهدل هو لسان الوقت المرجوع إليه في آداب الظاهر يذهب إلى أسد المذاهب مع ما يرجع إليه من صحة الاعتقاد وصحبة الفقراء وكان الباقلاني والاسفرائيني يقبلان يده ويجلانه وكان أول أمره ينسخ بالأجرة ويبر أمه فأراد الحج فمنعته أمه ثم رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول دعيه يحج فإن الخيرة له في حجه في الآخرة والأولى فخرج مع الحاج فأخذهم العرب وسلبوه فاستمر حتى ورد مكة قال فدعوت في البيت فقلت اللهم أنك بعلمك غني عن أعلامي بحالي اللهم ارزقني معيشة أشتغل بها عن سؤال الناس قال فسمعت قائلا يقول اللهم انه ما يحسن يدعوك اللهم ارزقه عيشا
بلا مشقة فأعدت ثلاثا وهو يعيد ولا أرى أحدا وروى الخطيب أن ابن سمعون خرج من المدينة الشريفة إلى بيت الله ومعه تمر صيحاني فاشتهى الرطب فلما كان وقت الإفطار إذا التمر رطب فلم يأكله فعاد إليه من الغد فإذا هو تمر فأكله انتهى ملخصا أيضا
وفيها أبو الطيب التيملي بفتح الفوقية وسكون التحتية وضم الميم ولام نسبة إلى تيم الله بن ثعلبة قبيلة وتيم اللات بطن من كلب لا أدري إلى أيهما ينسب صاحب الترجمة محمد بن الحسين الكوفي سمع عبد الله بن زيدان البجلي وجماعة وكان ثقة
وفيها أبو الفضل الشيباني محمد بن عبد الله الكوفي حدث ببغداد عن محمد ابن جرير الطبري والكبار لكنه كان يضع الحديث للرافضة فترك
وفيها أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري روى الكثير عن جده وأبي العباس السراج وخلق واختلط قبل موته بثلاثة أعوام فتجنبوه
وفيها محمد بن المسيب الأمير أبو الذواد العقيلي من أجل أمراء العرب تملك الموصل وغلب عليها في سنة ثمانين وثلاثمائة وصاهر بني بويه وتملك بعده أخوه حسام الدولة مقلد بن المسيب
وفيها أبو القسم السراج موسى بن عيسى البغدادي وقد نيف على التسعين روى عن الباغندي وجماعة ووثقه عبيد الله الأزهري
وفيها نوح بن الملك منصور بن الملك نوح بن الملك نصر بن الملك أحمد ابن الملك إسماعيل الساماني أبو القسم سلطان بخارى وسمرقند وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة وولي بعده ابنه منصور ثم بعد عامين توثب عليه أخوه عبد الملك بن نوح الذي هزمه السلطان محمد بن سبكتكين وانقرضت الدولة السامانية قال ابن الفرات استولى أبو القسم محمود بن ناصر الدولة سبكتكين
وأخذ الملك من مجد الدولة وأسره وأنفذه مقيدا إلى خراسان وكتب إلى القادر بالله يعلمه بذلك فكتب إليه القادر عهدا على خراسان والجبال والسند والهند وطبرستان وسجستان ولقبه يمين الدولة وناصر الملة نظام الدين ناصر الحق نصير أمير المؤمنين قيل وكان قبل ذلك يلقب بمولى أمير المؤمنين ولقب بالسلطان وجلس على التخت ولبس التاج ودخل عليه البديع الهمذاني وامتدحه بأبيات يقول فيها
( أظلت شمس محمود ** على أنجم سامان )
( وأضحى آل بهرام ** عبيدا لابن خاقان )
انتهى
سنة ثمان وثمانين وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور كان البرد زائدا حتى جمدت جوب الحمامات وبول الدواب
انتهى
وفيها توفي أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الحافظ كان من كبار المحدثين سأله حمزة السهمي عن الجرح والتعديل وعمر دهرا روى عن الباغندي والكبار وأول سماعه سنة أربع وثلثمائة توفي في صفر بالأهواز وكان يقال له الباز الأبيض قال ابن ناصر الدين كان واحد الثقات الحفاظ
وفيها الحافظ المتقن أحمد بن عبد البصير القرطبي المتقن المجود قال ابن ناصر الدين معدود في حفاظ بلاده مذكور في محدثيه ونقاده انتهى
وفيها حمد بن إبراهيم بن خطاب الخطابي البستي بضم الموحدة وسكون السين المهملة وبالفوقية نسبة إلى بست مدينة من بلاد كابل أبو
سليمان كان أحد أوعية العلم في زمانه حافظا فقيها مبرزا على أقرانه وقال ابن الأهدل أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي الشافعي صاحب التصانيف النافعة الجامعة منها معالم السنن وغريب الحديث وإصلاح غلط المحدثين وغيرها روى عن جماعة من الأكابر وروى عنه الحاكم وغيره ومن شعره
( وما غربة الإنسان في شقة النوى ** ولكنها والله في عدم الشكل )
( وإني غريب بين بست وأهلها ** وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي )
ومنه
( فسامح ولا تستوف حقك دائما ** وأفضل فلم يستوف قط كريم )
( ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ** كلا طرفي قصد الأمور ذميم )
ومنه
( ما دمت حيا فدار الناس كلهم ** فإنما أنت في دار المداراة )
( ولا تعلق بغير الله في نوب ** إن المهيمن كافيك المهمات )
وسئل عن اسمه أحمد أو حمد فقال سميت بحمد وكتب الناس أحمد فتركته انتهى
وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادي الصيرفي الحافظ روى عن إسماعيل الصفار وطبقته وكان عجبا في حفظ الحديث وسرده وروى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدمه وتوفي في ربيع الآخر عن إحدى وستين سنة وكان ثقة غمزه بعضهم قاله في العبر
وفيها أبو الفضل الفامي عبيد الله بن محمد النيسابوري روى عن أبي العباس السراج وغيره
وفيها أبو العلاء بن ماهان عبد الوهاب بن عيسى البغدادي ثم المصري روى صحيح مسلم عن أبي بكر أحمد بن محمد الأشقر سوى ثلاثة أجزاء
من أجزاء الكتاب يرويها عن الجلودي
وفيها أبو حفص عمر بن محمد بن عراك المصري المقرئ المجود القيم بقراءة ورش توفي يوم عاشوراء وقرأ على أصحاب إسماعيل النحاس
وفيها أبو الفرج الشنبوذي محمد بن أحمد بن إبراهيم المقرئ غلام ابن شنبوذ قرأ عليه القراءات وعلي ابن مجاهد وجماعة واعتنى بهذا الشأن وتصدر للإقراء وكان عارفا بالتفسير وكان يقول احفظ خمسين ألف بيت من الشعر شواهد للقرآن تكلم فيه الدارقطني
وفيها أبو بكر الاشتيخني بكسر أوله والفوقية وسكون المعجمة والتحتية ثم خاء معجمة مفتوحة ونون نسبة إلى اشتيخن من قرى الصغد محمد بن أحمد ابن مت الراوي صحيح البخاري عن الفربري توفي في رجب بما وراء النهر
وفيها أبو علي الحاتمي محمد بن الحسن بن مظفر البغدادي اللغوي الكاتب أحد الأعلام المشاهير المكثرين أخذ الأدب عن أبي عمر الزاهد غلام ثعلب وروى عنه أخبارا وأملاها في مجالس الأدب وروى عن غيره أيضا وأخذ عنه جماعة من النبلاء منهم القاضي التنوخي وغيره وله الرسالة الحاتمية التي شرح فيها ما جرى بينه وبين أبي الطيب المتنبي من إظهار سرقاته وإبانة عيوب شعره ولقد دلت على غزارة مادته وتوافر إطلاعه وذكر الحاتمي أنه اعتل فتأخر عن مجلس شيخه أبي عمر الزاهد فسأل عنه فقيل له أنه مريض فجاءه يعوده فوجده قد خرج إلى الحمام فكتب على بابه باسفيداج
( وأعجب شيء سمعنا به ** عليل يزار فلا يوجد )
وفيها أبو بكر الجوزقي بالجيم والزاي نسبة إلى جوزق كجعفر قرية بنيسابور وأخرى بهراة محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا الشيباني الحافظ المعدل شيخ نيسابور ومحدثها ومصنف الصحيح روى عن السراج وأبي حامد بن الشرقي
وطبقتهما ورحل إلى أبي العباس الدغولي وإلى ابن الأعرابي وإسماعيل الصفار قال الحاكم انتقيت له فوائد في عشرين جزءا ثم ظهر بعدها سماعه من السراج واعتنى به خاله المزكي وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة وقال ابن ناصر الدين من مصنفاته كتاب الصحيح المخرج على كتاب مسلم وكتاب المتفق والمفترق الكبير في نحو ثلثمائة جزء خطير انتهى
وفيها أبو بكر الأدفوي محمد بن علي بن أحمد المصري المقرئ المفسر النحوي وأدفو بضم الهمزة وسكون المهملة وضم الفاء قرية بصعيد مصر قرب أسوان وكان خشابا أخذ عن أبي علي جعفر النحاس فأكثر وأتقن رواية ورش على أبي غانم المظفر بن أحمد وألف التفسير في مائة وعشرين مجلدا وكان شيخ الديار المصرية وعالمها وكانت له حلقة كبيرة للعلم وتوفي في ربيع الأول
سنة تسع وثمانين وثلثمائة
تمادت الشيعة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء باللطم والعويل وبنضب القباب والزينة وشعار الأعياد يوم الغدير فعمدت غالية السنة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير يوم الغار وجعلوه بعد ثمانية أيام من يوم الغدير وهو السادس والعشرون من ذي الحجة وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر اختفيا حينئذ في الغار وهذا جهل وغلط فإن أيام الغار إنما كانت بيقين في صفر وفي أول شهر ربيع الأول وجعلوا بإزاء يوم عاشوراء بعده بثمانية أيام يوم مصرع مصعب بن الزبير وزارو قبره يومئذ بمسكن وبكوا عليه ونظروه بالحسين لكونه صبر وقاتل حتى قتل ولأن أباه ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وحواريه وفارس الإسلام كما أن أبا الحسين ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وفارس الإسلام فنعوذ بالله من الهوى والفتن ودامت السنة على هذا الشعار القبيح مدة سنين قاله في العبر
وفيها توفي أحمد بن محمد بن عابد بالموحدة الأسدي الأندلسي القرطبي أبو عمر مات كهلا لم يبلغ التعمير وكان عنده حفظ وتحرير قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو محمد المخلدي بفتح أوله واللام نسبة إلى جده مخلد الذي سيذكر الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن مخلد النيسابوري المحدث شيخ العدالة وبقية أهل البيوتات توفي في رجب وروى عن السراج وزنجويه اللباد وطبقتهما
وفيها أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي الفقيه الشافعي أحد الأئمة في ربيع الآخر وله ست وتسعون سنة روى عن أبي لبيد السامي والبغوي وطبقتهما قال الحاكم شيخ عصره بخراسان وكان قد قرأ على ابن مجاهد وتفقه على أبي إسحق المروزي وتأدب على ابن الأنباري وأخذ علم الكلام عن الأشعري وعمر دهرا وقال ابن قاضي شهبة كان يقول عند الموت لعن الله المعتزلة موهوا ومخرقوا ومات وله ست وتسعون سنة
وفيها أبو محمد بن أبي زيد القيرواني المالكي عبد الله بن أبي زيد شيخ المغرب أليه انتهت رياسة المذهب قال القاضي عياض حاز رياسة الدين والدنيا ورحل إليه من الأقطار ونجب أصحابه وكثر الآخذون عنه وهو الذي لخص المذهب وملأ البلاد من تآليفه حج وسمع من أبي سعيد بن الأعرابي وغيره وكان يسمى مالكا الأصغر قال الحبال توفي للنصف من شعبان
وفيها أبو الطيب بن غلبون عبد المنعم بن عبد الله بن غلبون الحلبي المقرئ الشافعي صاحب الكتب في القراءات قرأ على جماعة كثيرة وروى الحديث وكان ثقة محققا بعيد الصيت توفي بمصر في جمادى الأولى وله ثمانون سنة واخذ عنه خلق كثير قال السيوطي في حسن المحاضرة قرأ على إبراهيم بن عبد الرزاق وقرأ عليه ولده وبكر بن أبي طالب وابو عمر الطلمنكى وكان حافظا للقراءة ضابطا ذا عفاف ونسك وفضل وحسن تصنيف ولد في رجب سنة تسع وثلاثين ومات بمصر في جمادى الأولى انتهى
وفيها أبو القسم بن حبابة المحدث عبيد الله بن محمد بن اسحق البغدادي البزاز المتوثي - بفتح الميم وضم التاء المثناة من فوق المشددة آخره مثلثة نسبة الى متوث بلدبين قرقوب والاهواز - وهو راوى الجعديات عن البغوى توفي في ربيع الآخر
وفيها أبو الهيثم الكشميهني بالضم والسكون والكسر وتحتية وفتح الهاء نسبة إلى كشميهن قرية بمرو محمد بن مكي المروزي راوية البخاري عن الفربري توفي يوم عرفة وكان ثقة وله رسائل أنيقة
وفيها قاضي القضاة لصاحب لصاحب مصر أبو عبد الله محمد بن النعمان بن محمد ابن منصور الشيعي في الظاهر الباطني في الباطن ولد قاضي القوم وأخو قاضيهم قال ابن زولاق لم نشاهد بمصر لقاض من الرياسة ما شاهدناه له ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق ووافق ذلك استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة والهيبة وإقامة الحق وقد ارتفعت اتبته حتى أن العزيز أجلس معه يوم الأضحى على المنبر وزادت عظمته في دولة الحاكم ثم تعلل وتنقرس ومات في صفر وله تسع وأربعون سنة وولي القضاء بعده ابن أخيه الحسين بن علي الذي ضربت عنقه في سنة أربع وتسعين
سنة تسعين وثلثمائة
فيها توفيت أمة السلام بنت القاضي أحمد بن كامل بن شجرة البغدادية كانت دينة فاضلة روت عن محمد بن إسماعيل البصلاني وغيره
وفيها ابن فارس اللغوي أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب الرازي اللغوي كان إماما في علوم شتى خصوصا اللغة فإنه أتقنها وألف كتابه المجمل في اللغة وهو على اختصاره جمع شيئا كثيرا وله كتاب حلية الفقهاء وله رسائل أنيقة
ومنه اقتبس الحريري صاحب المقامات ذلك
الأسلوب ووضع المسائل الفقهية في المقامة الطيبية وهي مائة مسئلة وكان مقيما بهمذان وعليه اشتغل بديع الزمان الهمذاني صاحب المقامات وله أشعار جيدة فمنها قوله
( مرت بنا هيفاء مجدولة ** تركية تنمى لتركي )
( ترنو بطرف فاتر فاتن ** أضعف من حجة نحوي )
وله أيضا
( اسمع مقالة ناصح ** جمع النصيحة والمقه )
( إياك وأحذر أن تبيت ** من الثقات على ثقة )
وله أيضا
( إذا كنت في حاجة مرسلا ** وأنت بها كلف مغرم )
( فأرسل حكيما ولا توصه ** وذاك الحكيم هو الدرهم )
وله أيضا
( سقى همذان الغيث لست بقائل ** سوى ذا وفي الأحشاء نار تضرم )
( ومالي لا أصفى الدعاء لبلدة ** أفدت بها نسيان ما كنت أعلم )
( نسيت الذي أحسنته غير أنني ** مدين وما في جوف بيتي درهم )
وله أشعار كثيرة حسنة توفي بالري ودفن مقابل مشهد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني ومن شعره أيضا
( وقالوا كيف حالك قلت خير ** تقضي حاجة وتفوت حاج )
( إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا ** عسى يوم يكون به انفراج )
( نديمي هرتي وأنيس نفسي ** دفاتر لي ومعشوقي السراج )
وفيها حبيش بن محمد بن صمصامة القائد أبو الفتح الكتامي ولي أمرة دمشق ثلاث مرات لصاحب مصر وكان جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء وكثر ابتهال أهل دمشق إلى الله في هلاكه حتى هلك بالجذام في هذه السنة
وفيها أبو حفص الكتاني عمر بن إبراهيم البغدادي المقرئ صاحب ابن مجاهد قرأ عليه وسمع منه كتابه في القراءات وحدث عن البغوي وطائفة توفي في رجب وله تسعون سنة وكان ثقة
وفيها ابن أخي ميمي الدقاق أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين البغدادي روى عن البغوي وجماعة وله أجزاء مشهورة وتوفي في رجب
وفيها أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى العلوي الحسيني الرندي الكوفي رئيس العلوية بالعراق ولد سنة خمس عشرة وثلثمائة وروى عن هناد بن السري الصغير وغيره صادره عضد الدولة وحبسه وأخذ أمواله ثم أخرجه شرف الدولة لما تملك وعظم شأنه في دولته فيقال أنه كان من أكثر علوي مالا وقد أخذ منه عضد الدولة ألف ألف دينار
وفيها أبو زرعة الكشي محمد بن يوسف الجرجاني وكش قرية قريبة من جرجان سمع من أبي نعيم بن عدي وأبي العباس الدغولي وطبقتهما بنيسابور وبغداد وهمذان والحجاز وجمع وصنف الأبواب والمشايخ وجاور بمكة سنوات وبها توفي
وفيها المعافى بن زكريا القاضي أبو الفرج النهرواني الجريري نسبة إلى مذهب ابن جرير الطبري لأنه تفقه عليه ويعرف أيضا بابن طرارا سمع من البغوي وطبقته فأكثر وجمع فأوعى وبرع في عدة علوم قال الخطيب كان من أعلم الناس في وقته بالفقه والنحو واللغة وأصناف الآداب وولي القضاء بباب الطاق وبلغنا عن الفقيه أبي محمد الباقي أنه كان يقول إذا حضر القاضي أبو الفرج فقد حضرت العلوم كلها ولو أوصى رجل بشيء أن يدفع إلى أعلم الناس لوجب أن يدفع إليه وقال البرقاني كان المعافى أعلم الناس وقال ابن ناصر الدين كان حافظا علامة ذا فنون من الثقات ومن مصنفاته التفسير الكبير وكتاب الجليس والأنيس انتهى
ومن شعره
( الأقل لمن كان لي حاسدا ** أتدري على من أسأت الأدب )
( أسأت على الله في ملكه ** بأنك لم ترض لي ما وهب )
( فجازاك عني بأن زادني ** وسد عليك وجوه الطلب )
وتوفي بالنهروان في ذي الحجة وله خمس وثمانون سنة وكان قانعا متعففا
سنة إحدى وتسعين وثلثمائة
فيها توفي أحمد بن عبد الله بن حميد بن زريق البغدادي أبو الحسن نزيل مصر كان من الثقات الأثبات روى عن المحاملي ومحمد بن مخلد وجماعة وكان صاحب حديث رحل إلى دمشق والرقة
وفيها أحمد بن يوسف الخشاب أبو بكر الثقفي المؤذن بأصبهان روى عن الحسن بن دكه وجماعة كثيرة
وفيها جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن موسى بن الفرات أبو الفضل ابن حنزابة البغدادي وزير الديار المصرية وابن وزير المقتدر أبي الفتح حدث عن محمد بن هرون الحضرمي والحسن بن محمد الداركي وخلق وكان صاحب حديث ولد سنة ثمان وثلثمائة ومات في ربيع الأول قال الحافظ السلفي كان ابن حنزابة من الحفاظ الثقات يملي في حال وزارته ولا يختار على العلم وأهله شيئا وكذا قال ابن ناصر الدين وقال غيرهما كان له عبادة وتهجد وصدقات عظيمة إلى الغاية توفي بمصر ونقل فدفن في دار اشتراها من الأشراف بالمدينة من أقرب شيء إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق وأورد من شعره
( من أخمل النفس أحياها وروحها ** ولم يبت طاويا منها على ضجر )
( إن الرياح إذا اشتدت عواصفها ** فليس ترمي سوى العالي من الشجر )
وقال كان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين واشترى بالمدينة دارا بالقرب من المسجد ليس بينها وبين الضريح النبوي على ساكنه أفضل الصلاة والسلام
سوى جدار واحد وأوصى أن يدفن فيها وقرر مع الأشراف ذلك ولما مات حمل تابوته من مصر إلى الحرمين وخرجت الأشراف إلى لقائه وفاءا بما أحسن إليهم فحجوا به وطافوا ووقفوا بعرفة ثم ردوه إلى المدينة ودفنوه بالدار المذكورة انتهى كلام ابن عساكر ويقال أن بعضهم أنشد
( سرى نعشه فوق الرقاب وطالما ** سرى جوده فوق السحاب ونائله )
( يمر على الوادي فتثنى رماله ** عليه وبالنادي فتبكي أرامله )
رحمه الله تعالى وحنزابه بكسر الحاء المهملة وسكون النون وفتح الزاي وبعد الألف موحدة ثم هاء ساكنة هي أم أبيه الفضل بن جعفر والحنزابه في اللغة المرأة القصيرة الغليظة
وفيها ابن حجاج الأديب أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر ابن الحجاج البغدادي الشيعي المحتسب الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره كان فرد زمانه في فنه فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه وسلامة شعره من التكلف ويقال أنه في الشعر في درجة امرئ القيس وأنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد منهما مخترع طريقة وله ديوان كبير يبلغ عشر مجلدات الغالب عليه الهزل والمجون والهجو والرفث وكان شيعيا غاليا انتهى ومن جيد شعره وجده
( يا صاحبي استيقظا من رقدة ** تزري على عقل اللبيب الأكيس )
( هذي المجرة والنجوم كأنها ** نهر تدفق في حديقة نرجس )
( وأرى الصباقد غلست بنسيمها ** فعلام شرب الراح غير مغلس )
( قوما أسقياني قهوة رومية ** من عهد قيصر دنها لم يمسس )
( صرفا تضيف إذا تسلط حكمها ** موت العقول إلى حياة الأنفس )
ومن شعره أيضا
( قال قوم لزمت حضرة أحمد ** وتجنبت سائر الرؤساء )
( قلت ما قاله الذي أحرز المعنى ** قديما قبلي من الشعراء )
( يسقط الطير حيث يلقتط الحب ** ويغشى منازل الكرماء )
وهذا البيت الثالث لبشار بن برد وتوفي يوم الثلاثاء سابع عشرى جمادى الآخرة بالنيل وحمل إلى بغداد ودفن عنه مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنه وكان أوصى أن يدفن عند رجليه ويكتب على قبره { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } ورآه بعد موته بعض أصحابه في المنام فسأله عن حاله فأنشد
( أفسد سوء مذهبي ** في الشعر حسن مذهبي )
( لم يرض مولاي على ** سبي لأصحاب النبي )
ورثاه الشريف الرضي بقصيدة من جملتها
( نعوه على حسن ظني به ** فلله ماذا نعى الناعيان )
( رضيع ولاء له شعبة ** من القلب مثل رضيع اللبان )
( وما كنت أحسب أن الزمان ** يفل مضارب ذاك اللسان )
( بكيتك للشرد السائرات ** تفتق ألفاظها بالمعاني )
( ليبك الزمان طويلا عليك ** فقد كنت خفة روح الزمان )
والنيل التي مات بها على وزن نهر مصر بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة خرج منها جماعة من العلماء والأصل فيه نهر حفره الحجاج بن يوسف في هذا المكان آخذ من الفرات وسماه باسم نيل مصر وعليه قرى كثيرة
وفيها أبو الحسن الجزري عبد العزيز بن أحمد الفقيه إمام أهل الظاهر في عصره أخذ عن القاضي بشر بن الحسين وقدم من شيراز في صحبة الملك عضد الدولة فاشتغل عليه فقهاء بغداد قال أبو عبد الله الصيمري ما رأيت فقيها أنظر منه ومن أبي حامد الأسفرائيني الشافعي
وفيها أبو القسم عيسى بن الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب المنشئ ولد سنة اثنتين وثلثمائة وتوفي في أول ربيع الأول
قال ابن أبي الفوارس كان يرمي بشيء من مذهب الفلاسفة وقال في العبر روى عن البغوي وطبقته وله أمال سمعنا منها انتهى
وفيها حسام الدولة مقلد بن المسيب بن رافع العقيلي صاحب الموصل تملكها بعد أخيه أبي الذواد فكانت مدة الأخوين إحدى عشرة سنة وقد بعث القادر إلى مقلد خلع السلطنة واستخدم هو نحو ثلاثة آلاف من الترك والديلم ودانت له عرب خفاجة وله شعر حسن وهو رافضي قتله غلام له في مجلس أنس ودفن على الفرات بمكان يقال له شقبا بين الأنبار وهيت وحكي أن قاتله سمعه وهو يقول لرجل ودعه يريد الحج إذا جئت ضريح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقف عنده وقل له عني لولا صاحباك لزرتك ولما مات رثاه جماعة من الشعراء منهم الشريف الرضي
وكان ولده معتمد الدولة أبو المنيع قرواش غائبا عنه ثم تقلد الأمر من بعده وكان له بلاد الموصل والكوفة والمدائن وشقى الفرات وخطب في بلاده للحاكم العبيدي ثم رجع عن ذلك فوصلت الغز إلى الموصل ونهبوا دار قرواش وأخذوا منها ما يزيد على مائتي ألف دينار فاستنجد بنور الدولة أبي الأغردبيس ابن صدقة فأنجده واجتمعوا على محاربة الغز فنصرا عليهم وقتلوا منهم الكثير ومدحه أبو علي بن الشبل البغدادي الشاعر المشهور بقصيدة ذكر فيها هذه الواقعة منها قوله
( نزهت أرضك عن قبور جسومهم ** فغدت قبورهم بطون الأنسر )
( من بعد ما وطئوا البلاد وظفروا ** من هذه الدنيا بكل مظفر )
( فطووا رياح السد عن يأجوجه ** ولقوا ببابك سطوة الإسكندر )
وكان قرواش المذكور يلقب مجد الدين وهو ابن أخت الأمير أبي الهيجاء صاحب أربل وكان أديبا شاعرا ظريفا وله أشعار سائرة فمن ذلك ما أورده أبو الحسن الباخرزي في كتابه دمية القصر
( لله در النائبات فإنها ** صدأ اللئام وصيقل الأحرار )
( ما كنت إلا زبرة فطبعتني ** سيفا وأطلق صرفهن غراري )
وأورد له أيضا
( من كان يحمد أو يذم مورثا ** للمال من آبائه وجدوده )
( فأنا امرؤ لله أشكر وحده ** شكرا كثيرا جالبا لمزيده )
( لي أشقر مثل الغياث مغاور ** يعطيك ما يرضيك من مجهوده )
( ومهند عضب إذا جردته ** خلت البروق تموج في تجريده )
( ومثقف لدن اللسان كأنما ** أم المنايا ركبت في عوده )
( وبذا حويت المال إلا أنني ** سلطت جود يدي على تبديده )
ما أحسن هذا الشعر وأمتنه وكان قرواش كريما نهابا وهابا جاريا على سنن العرب قيل أنه جمع بين أختين في النكاح فلامته العرب على ذلك فقال أخبروني ما الذي نستعمله مما تبيحه الشريعة وكان يقول ما في رقبتي غير خمسة من أهل البادية قتلتهم وأما الحاضرة فلا يعبأ الله بهم ودامت إمرته خمسين سنة فوقع بينه وبين ابن أخيه بركة بن المقلد وكانا خارج البلد فقبض بركة عليه في سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وحبسه في الخارجية إحدى قلاع الموصل وتولى مكانه ولقب بزعيم الدولة وأقام في الإمارة سنتين وتوفي سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة في ذي الحجة فقام مقامه ابن أخيه أبو المعالي قريش بن أبي الفضل بدران بن المقلد فأول ما فعل قتل عمه قرواش المذكور في حبسه في مستهل رجب سنة أربع وأربعين وأربعمائة ودفن بتل توبة شرقي الموصل
سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة
فيها توفي الحاجبي أبو علي إسماعيل بن محمد بن أحمد صاحب الكشاني السمرقندي سمع الصحيح من الفربري ومات في هذه السنة أو في التي قبلها
وفيها أبو محمد الضراب الحسن بن إسماعيل المصري المحدث راوي المجالسة عن الدينوري توفي في ربيع الآخر وله تسع وسبعون سنة
وفيها الأصيلي الفقيه أبو محمد عبد الله بن إبراهيم المغربي الأندلسي القاضي أخذ عن وهب بن ميسرة وكتب بمصر عن أبي الطاهر الذهلي وطبقته وبمكة عن الآجري وببغداد عن أبي علي بن الصواف وكان حافظا عالما بالحديث رأسا في الفقه قال الدارقطني لم أر مثله وقال غيره كان نظير أبي محمد بن أبي زيد بالقيروان وعلى طريقته وهديه
وفيها عبد الرحمن بن أبي شريح أبو محمد الأنصاري محدث هراة روى عن البغوي والكبار ورحلت إليه الطلبة وآخر من روى عنه عاليا أبو المنجا بن اللتي وتوفي في صفر
وفيها أبو الفتح بن جني عثمان بن جني الموصلي النحوي صاحب التصانيف وكان أبوه مملوكا روميا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي وإلى هذا أشار بقوله
( فإن اصبح بلا نسب ** فعلمي في الورى نسبي )
( على أني أؤول إلى ** قروم سادة نجب )
( قياصرة إذا نطقوا ** ازم الدهر ذو الخطب )
( أولاك دعا النبي لهم ** كفى شرفا دعاء نبي )
وله أشعار حسنة ويقال أنه أعور وأخذ عن أبي علي الفارسي ولازمه وله تصانيف مفيدة منها كتاب الخصائص وسر الصناعة والكافي في شرح القوافي والمذكر والمؤنث والمقصور والممدود والتذكرة الأصبهانية وغير ذلك ويقال أن الشيخ أبا إسحق الشيرازي أخذ منه أسماء كتبه وشرح ابن جني أيضا ديوان المتنبي شرحا كبيرا سماه النشز وكان قد قرأ الديوان على
صاحبه وكان المتنبي يقول ابن جني أعرف بشعري مني وكانت ولادة ابن جني بالموصل قبل الثلثمائة وتوفي يوم الجمعة ثامن عشرى صفر ببغداد قال ابن خلكان وجني بكسر الجيم وتشديد النون وبعدها ياء
وفيها الوليد بن بكر الغمري الأندلسي السرقسطي بفتحتين وضم القاف وسكون المهملة نسبة إلى سرقسطة مدينة بالأندلس أبو العباس الحافظ رحل بعد الستين وثلثمائة وروى عن الحسن بن رشيق وعلي بن الخصيب وخلق قال ابن الفرضي كان إماما في الفقه والحديث عالما باللغة والعربية لقي في الرحلة أزيد من ألف شيخ وقال غيره له شعر فائق وتوفي بالدينور وقال ابن ناصر الدين قال الحافظ عبد الرحيم الوليد هذا عمري أي بالعين المهملة ولكن دخل إفريقية فكان ينقط العين حتى سلم وقال إذا رجعت إلى الأندلس جعلت النقطة التي على العين ضمة وأراني خطه انتهى
سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة
فيها أمر نائب دمشق الأسود الحاكمي بمغربي فطيف به على حمار ونودي عليه هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم ضرب عنقه رحمه الله ولا رحم قاتله ولا أستاذه الحاكم قاله في تاريخ الخلفاء
ومات فيها كما قال ابن الأهدل وكيع الشاعر المتقدم في زمانه على أقرانه ومن شعره
( لقد قنعت همتي بالخمول ** فصدت عن الرتب العالية )
( وما جهلت طعم طيب العلا ** ولكنها تؤثر العافية )
ونظم أبو الفتح االقضاعي المدرس بتربة الشافعي بالقرافة في هذا المعنى فقال
( بقدر الصعود يكون الهبوط ** فإياك والرتب العالية )
( وكن بمكان إذا ما سقطت ** تقوم ورجلاك في عافية )
لكن المتنبي أخذ بعلو همته في نقض ما قالوا فقال
( إذا غامرت في شرف مروم ** فلا تقنع بما دون النجوم )
( فطعم الموت في أمر حقير ** كطعم الموت في أمر عظيم )
انتهى
وفيها أبو حفص أحمد بن محمد بن المرزبان الأبهري أبهر أصبهان سمع جزء لوين من محمد بن إبراهيم الحزوري سنة خمس وثلثمائة وكان أديبا فاضلا
وفيها أبو إسحق الطبري إبراهيم بن أحمد المقرئ الفقيه المالكي المعدل أحد الرؤساء والعلماء ببغداد قرأ القرآن على ابن بويان وأبي عيسى بكار وطبقتهما وحدث عن إسماعيل الصفار وطبقته وكانت داره مجمع أهل القرآن والحديث وأفضاله زائد على أهل العلم وكان ثقة
وفيها الجوهري صاحب الصحاح أبو نصر إسماعيل بن حماد التركي اللغوي أحد أئمة اللسان وكان في جودة الحفظ في طبقة ابن مقلة ومهلهل أكثر الترحال ثم سكن بنيسابور قال القفطي أنه مات مترديا من سطح جامع نيسابور في هذا العام قال وقيل مات في حدود الأربعمائة وقيل أنه تسودن وعمل له شبه جناحين وقال أريد أن أطير فأهلك نفسه رحمه الله قاله في العبر وقال السيوطي في طبقات النحاة قال ياقوت كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما وأصله من فاراب من بلاد الترك وكان إماما في اللغة والأدب وكان يؤثر السفر على الحضر ويطوف الآفاق دخل العراق فقرأ العربية على أبي علي الفارسي والسيرافي وسافر إلى الحجاز وشافه باللغة العرب العاربة وطاف بلاد ربيعة ومضر ثم عاد إلى خراسان ثم أقام بنيسابور ملازما للتدريس والتأليف وكتابة المصاحف والدفاتر حتى مضى لسبيله عن آثار جميلة
وصنف كتابا في العروض ومقدمة في النحو والصحاح في اللغة مع تصحيف فيه في مواضع عدة تتبعها عليه المحققون قيل أن سببه أنه لما صنفه سمع عليه إلى باب الضاد المعجمة وعرض عليه وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم بنيسابور فصعد سطحه وقال أيها الناس إني عملت في الدنيا شيئا لم أسبق إليه فسأعمل للآخرة أمرا لم يسبق إليه وضم إلى جنبيه مصراعي باب وتأبطهما بحبل وصعد مكانا عاليا وزعم أنه يطير فوقع فمات وبقي سائر الكتاب مسودة غير منقح ولا مبيض فبيضه تلميذه إبراهيم بن صالح الوراق فغلط فيه في مواضع انتهى كلام السيوطي ملخصا
وفيها الطائع لله أبو بكر عبد الكريم بن المطيع لله الفضل بن المقتدر جعفر ابن المعتضد أحمد الموفق العباسي دخل عليه بهاء الدولة وكان حنق عليه لسبب فقبل الأرض ووقف ثم أومأ إلى جماعة من أصحابه كان واطأهم على فعل ما سنذكره فجذبوا الطائع لله من سريره ولفوه في كساء وأخرجوه من الباب المعروف بباب بدر وحملوه إلى دار المملكة ملفوفا على قفا فراش ثم أشهد عليه بخلع نفسه وسملت عيناه وقطع قطعة من إحدى أذنيه وكان بهاء الدولة قبض عليه في يوم السبت تاسع عشر شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وفي ليلة الأحد ثالث رجب سنة إحدى وثمانين وثلثمائة سلم الطايع لله إلى القادر بالله فأنزله حجرة من حجر خاصته ووكل به من يحفظه من ثقات خدمه وأحسن ضيافته ومراعاة أموره غير أنه تقدم بجذع أنفه فقطع يسير من مارن أنفه مع ما كان قطع أولا من أذنه وتوفي الطائع لله يوم الثلاثاء سلخ شهر رمضان وكانت دولته أربعا وعشرين سنة وكان مربوعا أبيض أشقر مجدور الوجه كبير الأنف أبخر الفم شديد القوى في خلقه حدة واستمر مكرما محترما في دار عند القادر بالله إلى أن مات وله ثلاث وسبعون سنة وصلى عليه القادر بالله وشيعه الأكابر ورثاه الشريف الرضي
وفيها المنصور الحاجب أبو عامر محمد بن عبد الله بن أبي عامر القحطاني
المعافري بالفتح وكسر الفاء وراء نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الأندلسي مدبر دولة المؤيد بالله هشام بن المستنصر بالله الحكم بن عبد الرحمن الأموي لأن المؤيد بايعوه بعد أبيه وله تسع سنين وبقي صورة وأبو عامر هو الكل وكان حازما بطلا شجاعا غزاءا عادلا سايسا افتتح فتوحا كثيرة وأثر آثارا حميدة وكان لا يمكن المؤيد من الركوب ولا من الاجتماع بأحد إلا بجواريه
وفيها المخلص أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن بن العباس البغدادي الذهبي مسند وقته سمع أبا القسم البغوي وطبقته وكان ثقة توفي في رمضان وله ثمان وثمانون سنة
وفيها أبو القسم خلف بن القسم بن سهل الأندلسي الحافظ وهو إمام مقرئ مصنف ناقد قال ابن ناصر الدين في بديعته
( ثم فتى دباغ بن قاسم ** شاع صلاح جمعه فلازم )
سنة أربع وتسعين وثلثمائة
فيها توفي أبو عمر عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السلمي بالضم والفتح نسبة إلى سليم قبيلة مشهورة منها العباس بن مرداس والعرباض بن سارية الأصبهاني المقرئ روى عن عبد الله بن محمد الزهري ابن أخي رسته وكتب الكثير وتوفي في ذي القعدة
وفيها أبو الفتح إبراهيم بن علي بن سيبخت نزل مصر وحدث عن البغوي وأبي بكر بن أبي داود قال الخطيب كان سيئ الحال في الرواية توفي بمصر
وفيها محمد بن عبد الملك بن صيفون أبو عبد الله اللخمي القرطبي الحداد
سمع عبد الله بن يونس القبري وقاسم بن أصبغ وبمكة من أبي سعيد بن الأعرابي قال ابن الفرضي لم يكن ضابطا اضطرب في أشياء قاله في العبر وقال في المغني سمع ابن الأعرابي قال ابن الفرضي عدل صالح واضطرب في أشياء قرئت عليه لم يسمعها ولم يكن ضابطا انتهى
وفيها يحيى بن إسماعيل الحربي المزكي أبو زكريا بنيسابور في ذي الحجة وكان رئيسا أديبا إخباريا متفننا سمع من مكي بن عبدان وجماعة
سنة خمس وتسعين وثلثمائة
فيها توفي التاهرتي بفتح الهاء وسكون الراء وفوقيه نسبة إلى تاهرت موضع بإفريقية أبو الفضل أحمد بن القسم بن عبد الرحمن التميمي البزاز العبد الصالح سمع بالأندلس من قاسم بن أصبغ وطبقته وهو من كبار شيوخ ابن عبد البر
وفيها أبو الحسن الخفاف أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد النيسابوري مسند خراسان توفي في ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وهو آخر من حدث عن أبي العباس السراج
وفيها الأخميمي بالكسر والسكون نسبة إلى أخميم بلد بصعيد مصر أبو الحسين محمد بن أحمد بن العباس المصري روى عن محمد بن ريان بن حبيب وعلي بن أحمد بن علان وطائفة
وفيها أبو نصر الملاحمي محمد بن أحمد بن محمد البخاري راوي كتاب قراءة خلف الإمام وكتاب رفع الأيدي تأليف البخاري رواهما عن محمود بن إسحق وكان حافظا ثقة عاش ثلاثا وثمانين سنة
وفيها عبد الوارث بن سفين أبو القسم القرطبي الحافظ ويعرف بالحبيب
أكثر عن القسم بن أصبغ وكان من أوثق الناس فيه توفي لخمس بقين من ذى الحجة حمل عنه أبو عمر بن عبد البر الكبير
وفيها أبو عبد الله بن منده الحافظ العلم محمد بن اسحق بن محمد بن يحيى العبدى الاصبهانى الجوال صاحب التصانيف طوف الدنيا وجمع وكتب مالا ينحصر وسمع من ألف وسبعمائة شيخ وأول سماعه ببلده في سنة ثمان عشرة وثلثمائة ومات في سلخ ذى القعدة وبقى في الرحلة بضعا وثلاثين سنة قال أبو اسحق بن حمزة الحافظ ما رأيت مثله وقال عبد الرحمن بن منده كتب أبى عن أبى سعيد بن الأعرابي ألف جزء وعن خيثمة ألف جزء وعن الأصم ألف جزء وعن الهيثم الشاشي ألف جزء وقال شيخ الإسلام الأنصاري أبو عبد الله ابن منده سيد أهل زمانه قاله جميعه في العبر وقال ابن ناصر الدين أبو عبد الله الإمام أحد شيوخ الإسلام وهو إمام حافظ جبل من الجبال ولما رجع من رحلته كانت كتبه أربعين حملا على الجمال حتى قيل أن أحدا من الحفاظ لم يسمع ما سمع ولا جمع ما جمع
انتهى وقال ابن خلكان أبو عبد الله محمد بن يحيى بن منده العبدي الحافظ المشهور صاحب كتاب تاريخ أصبهان كان أوحد الحفاظ الثقات وهم أهل بيت كبير خرج منهم جماعة من العلماء ولم يكونوا عبديين وإنما أم الحافظ أبو عبد الله المذكور واسمها برة بنت محمد كانت من بني عبد ياليل فنسب إلى أخواله
انتهى ملخصا
وفيها الملاحمي أبو نصر محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن جعفر البخاري أبو نصر حدث عنه أبو الحسن الدارقطني وغيره وكان من الحفاظ المشهورين قاله ابن ناصر الدين
سنة ست وتسعين وثلثمائة
فيها توفي أبو عمر الباجي أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي اللخمي الإشبيلي الحافظ العلم المشهور في المحرم وله ثلاث وستون سنة وكان يحفظ عدة مصنفات وكان إماما في الأصول والفروع
وفيها أبو الحسن بن الجندي أحمد بن محمد بن عمران البغدادي ولد سنة ست وثلثمائة وروى عن البغوي وابن صاعد وهو ضعيف شيعي
وفيها أبو سعد بن الإسماعيلي شيخ الشافعية وابن شيخهم إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الفقيه وقد روى عن الأصم ونحوه وكان صاحب فنون وتصانيف توفي ليلة الجمعة وهو يقرأ في صلاة المغرب { إياك نعبد وإياك نستعين } ففاضت نفسه وله ثلاث وستون سنة رحمه الله قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة العلامة أبو سعد بن الإمام أبي بكر الإسماعيلي الجرجاني شيخ الشافعية بها أخذ العلم عن أبيه قال فيه حمزة السهمي كان إمام زمانه مقدما في الفقه والأصول والعربية والكتابة والشروط والكلام صنف في أصول الفقه كتابا كبيرا وتخرج على يده جماعة مع الورع والمجاهدة والنصح للإسلام والسخاء وحسن الخلق قال القاضي أبو الطيب ورد بغداد فأقام بها سنة ثم حج وعقد له الفقهاء مجلسين تولى أحدهما أبو حامد الإسفرائيني والآخر أبو محمد الباني وقال الشيخ أبو إسحق جمع بين رياسة الدين والدنيا بجرجان انتهى
وفيها أبو الحسين الكلابي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد محدث دمشق ويعرف بأخي تبوك ولد سنة ست وثلثمائة وروى عن محمد بن خريم وسعيد ابن عبد العزيز الحلبي وطبقتهما قال عبد العزيز الكتاني كان ثقة نبيلا مأمونا توفي في ربيع الأول
وفيها أبو الحسين الحلبي علي بن محمد بن إسحق القاضي الشافعي نزيل مصر
روى عن علي بن عبد الحميد الغضايري ومحمد بن إبراهيم بن نيروز وطبقتهما ورحل إلى العراق ومصر وعاش مائة سنة
وفيها البحيري صاحب الأربعين المروية أبو عمرو محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري المزكي الحافظ الثقة روى عن يحيى بن منصور القاضي وطبقته قال الحاكم كان من حفاظ الحديث المبرزين في المذاكرة توفي في شعبان وله ثلاث وستون سنة
وفيها ابن المأمون أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل العباسي الثقة المشهور روى عن أبي بكر بن زياد النيسابوري وطائفة وهو جد أبي الغنائم عبد الصمد بن المأمون
وفيها ابن زنبور أبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الوراق ببغداد في صفر روى عن البغوي وابن صاعد وابن أبي داود قال الخطيب ضعيف جدا
سنة سبع وتسعين وثلثمائة
فيها كان ظهور أبي ركوة وهو أموي من ذرية هشام بن عبد الملك كان يحمل الركوة في السفر ويتزهد ولقي المشايخ وكتب الحديث ودخل الشام واليمن وهو في خلال ذلك يدعو إلى القائم من بني أمية ويأخذ البيعة على من يستجيب له ثم جلس مؤدبا واجتمع عنده أولاد العرب فاستولى على عقولهم وأسرا إليهم أنه الإمام ولقب نفسه الثائر بأمر الله وكان يخبر بالمغيبات ويمخرق عليهم ثم أنه حارب متولي تلك الناحية من المغرب وظفر به وقوى بما حواه من العسكر ونزل ببرقة فأخذ من يهودي بها مائتي ألف دينار وجمع له أهلها مائتي ألف دينار أخرى وضرب السكة باسمه ولعن الحاكم فجهز لحربه ستة عشر ألفا وظفروا به وأتوا به إلى الحاكم فقتله ثم قتل قائد الجيش الذين ظفروا به
وفيها توفي أصبغ بن الفرج الطائي الأندلسي المالكي مفتي قرطبة وقاضي بطليوس وأخو حامد الزاهد
وفيها أبو الحسن بن القصار علي بن عمر البغدادي الفقيه المالكي صاحب كتاب مسائل الخلاف قال أبو إسحق الشيرازي لا أعرف كتابا في الخلاف أحسن منه وقال أبو ذر الهروي هو أفقه من لقيت من المالكية
وفيها أبو الحسن بن القصار علي بن محمد بن عمر الرازي الفقيه الشافعي قال الخليلي هو أفضل من لقيناه بالري كان مفتيها قريبا من ستين سنة أكثر عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وجماعة وكان له في كل علم حظ وعاش قريبا من مائة سنة
وفيها ابن واصل الأمير أبو العباس أحمد كان يخدم بالكرخ وهم يسخرون منه ويقول بعضهم إن ملكت فاستخدمني فتنقلت به الأحوال وخرج وحارب وملك سيراف بالبصرة ثم قصد الأهواز وكثر جيشه والتقى السلطان بهاء الدولة وهزمه ثم أخذ البطائح وأخذ خزائن متوليها مهذب الدولة فسار لحربه فخرج الملك أبو غالب فعجز ابن واصل عنه واستجار بحسان الخفاجي ثم قصد نزار ابن حسنونة فقتل بواسط في صفر من هذه السنة
سنة ثمان وتسعين وثلثمائة
فيها كانت فتنة هائلة ببغداد قصد رجل شيخ الشيعة ابن المعلم وهو الشيخ المفيد وأسمعه ما يكره فثار تلامذته وقاموا واستنفروا الرافضة وأتوا دار قاضي القضاة أبا محمد بن الأكفاني والشيخ أبا حامد بن الأسفرائيني فسبوهما وحميت الفتنة ثم إن السنة أخذوا مصحفا قيل أنه على قراءة ابن مسعود فيه خلاف كثير فأمر الشيخ أبو حامد والفقهاء بتحريقه فأحضر بمحضر منهم فقام ليلة النصف رافضي وشتم من أحرق المصحف فأخذ وقتل فثارت الشيعة ووقع القتال بينهم وبين السنة واختفى أبو حامد واستظهرت الروافض وصاحوا الحاكم يا منصور
فغضب القادر بالله وبعث خيلا لمعاونة السنة فانهزمت الرافضة وأحرقت بعض دورهم وذلوا وأمر عميد الجيوش بإخراج ابن المعلم من بغداد فأخرج وحبس جماعة ومنع القصاص مدة
وفيها زلزلت الدينور فهلك تحت الردم أكثر من عشرة آلاف وزلزلت سيراف والسبب وغرق عدة مراكب ووقع برد عظيم وزن أكبر ما وجد منه فكانت مائة وستة دراهم
وفيها هدم الحاكم العبيدي كنيسة القيامة بالقدس لكونهم يبالغون في إظهار شعارهم ثم هدم الكنائس التي في مملكته ونادى من أسلم وإلا فليخرج من مملكتي أو يلتزم بما آمر ثم أمر بتعليق صلبان كبار على صدورهم وزن الصليب أربعة أرطال بالمصري وبتعليق خشبة كيد المكمدة وزنها ستة أرطال في عنق اليهودي إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه فقيل كانت الخشبة على تمثال رأس عجل وبقي هذا سنوات ثم رخص لهم الردة لكونهم مكرهين وقال ننزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام قاله في العبر
وفيها توفي البديع الهمذاني أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد الحافظ المعروف ببديع الزمان صاحب المقامات المشهورة والرسائل الرائقة كان فصيحا مفوها وشاعرا مفلقا روى عن أبي الحسين أحمد بن فارس صاحب المجمل وعن غيره ومن رسائله المال إذا طال مكثه ظهر خبثه وإذا سكن متنه تحرك نتنه وكذلك الضيف يسمج لقاؤه إذا طال ثواؤه ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام ومن رسائله حضرته التى هى كعبة المحتاج لا كعبة الحجاج ومشعر الكرم لا مشعر الحرم ومني الضيف لا مني الخيف وقبلة الصلات لا قبلة الصلاة ومن شعره من جملة قصيدة طويلة
( وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ** لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا )
( والدهر لو لم يخفف والشمس لو نطقت ** والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا )
وله كل معنى حسن من نظم ونثر وكانت وفاته بمدينة هراة مسموما وقال الحاكم أبو سعيد عبد الرحمن بن دوست جامع رسائل البديع توفي البديع رحمه الله تعالى يوم الجمعة حادي عشر جمادى الآخرة قال الحاكم المذكور وسمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة وعجل دفنه فأفاق في قبره وسمع صوته بالليل وأنه نبش عنه فوجدوه قد قبض على لحيته ومات من هول القبر انتهى
والحريري به اقتدى في مقاماته وإياه عني بإنشاده
( ولو قبل مبكاها بكيت صبابة ** بسعدى شفيت النفس قبل التندم )
( ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ** بكاها فقلت الفضل للمتقدم )
وفيها ابن لآل الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد الهمذاني قال شيرويه كان ثقة أو حد زمانه مفتي همذان له مصنفات في علوم الحديث غير أنه كان مشهورا بالفقه له كتاب السنن ومعجم الصحابة وعاش تسعين سنة والدعاء عند قبره مستجاب قاله في العبر وقال الأسنوي ابن لال بلامين بينهما ألف معناه أخرس أخذ عن أبي إسحق المروزي وابن أبي هريرة وكان ورعا متعبدا أخذ عنه فقهاء همذان ونقل عنه الرافعي قولا أن الأخوة للأبوين ساقطون في مسئلة المشركة ولد سنة سبع وثلثمائة
انتهى ملخصا
وفيها أبو نصر الكلاباذي نسبة إلى كلاباذ محلة ببخارى الحافظ المشهور أحمد بن محمد بن الحسين أخذ عن الهيثم بن كليب الشاشي وعبد المؤمن بن خلف النسفي وطبقتهما وعنه المستغفري وقال هو أحفظ من بما وراء النهر اليوم ووثقه الدارقطني وصنف رجال صحيح البخاري وغيره وعاش خمسا وسبعين سنة
وفيها القاضي الضبي أبو عبد الله الحسين بن هرون البغدادي ولي قضاء مدينة المنصور وقضاء الكوفة وأملى الكثير عن المحاملي وابن عقدة وطبقتهما قال الدارقطني وهو غاية في الفضل والدين عالم بالأقضية عالم بصناعة المحاضر والترسل موفق في أحواله كلها رحمه الله
وفيها البافي بالموحدة والفاء نسبة إلى باف قرية من قرى خوارزم أبو محمد عبد الله بن محمد البخاري الخوارزمي نزيل بغداد الفقيه الشافعي العلامة تفقه على أبي علي بن أبي هريرة وأبي إسحق المروزي وهو من أصحاب الوجوه قال ابن قاضي شهبة كان ماهرا في العربية وتفقه به جماعة منهم أبو الطيب والماوردي قال الخطيب كان من أفقه أهل وقته في المذهب بليغ العبارة يعمل الخطب ويكتب الكتب الطويلة من غير روية وقال الشيخ أبو إسحق كان فقيها أديبا شاعرا مترسلا كريما درس ببغداد بعد الداركي وتوفي في المحرم
انتهى ملخصا
وفيها الببغاء الشاعر المشهور أبو الفرج عبد الواحد بن نصر المخزومي النصيبيني مدح سيف الدولة والكبار ولقبوه بالببغاء لفصاحته وثيل للثغة في لسانه ذكره الثعالبي في يتيمة الدهر وقال هو من أهل نصيبين وبالغ في الثناء عليه وذكر جملة من رسائله ونظمه ومن شعره
( يا سادتي هذه روحي تودعكم ** إذ كان لا الصبر يسليها ولا الجزع )
( قد كنت أطمع في روحي الحياة لها ** والآن إذ بنتم لم يبق لي طمع )
( لا عذب الله روحي بالبقاء فما ** أظنها بعدكم بالعيش تنتفع )
وله أيضا
( ومهفهف لما اكتست وجناته ** خلع الملاحة طرزت بعذاره )
( لما انتصرت على أليم جفائه ** بالقلب كان القلب من أنصاره )
( كملت محاسن وجهه فكأنما اقتبس ** الهلال النور من أنواره )
( وإذا ألح القلب في هجرانه ** قال الهوى لا بد منه فداره )
وله وهو معنى بديع
( وكأنما نقشت حوافر خيله ** للناظرين أهلة في الجلمد )
( وكأن طرف الشمس مطروف وقد ** جعل الغبار له مكان الأثمد )
وأكثر شعر الببغاء جيد ومقاصده فيه جميلة وكان قد خدم سيف الدولة ابن حمدان مدة وبعد وفاته تنقل في البلاد وتوفي يوم السبت سلخ شعبان وقال الخطيب في تاريخه توفي ليلة السبت سابع عشرى شعبان وقال الثعالبي سمعت الأمير أبا الفضل الميكالي يقول عند صدوره من الحج وحصوله ببغداد سنة تسعين وثلثمائة رأيت بها أبا الفرج الببغاء شيخا عالي السن متطاول الأمد قد أخذت الأيام من جسمه وقوته ولم تأخذ من ظرفه وأدبه انتهى
والببغاء بفتح الباء الأولى وتشديد الثانية وفتح الغين المعجمة وبعدها ألف ووجد بخط أبي الفتح بن جني النحوي الففغا بفاءين والله أعلم
وفيها أبو القسم بن الصيدلاني نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير عبد الله بن أحمد بن علي روى مجلسين عن ابن صاعد وهو آخر الثقات من أصحابه وروى عن جماعة وتوفي في رجب ببغداد
سنة تسع وتسعين وثلثمائة
فيها كما قال ابن الجوزي في المنتظم أخذ بنو زغب الهلاليون لركب البصرة ما قيمته ألف ألف دينار
وفيها توفي أحمد بن أبي عمران أبو الفضل الهروي الزاهد القدوة نزيل مكة روى عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي وخيثمة الأطرابلسي وطائفة وصحب محمد بن داود الرقي وروى عنه خلق كثير
وفيها أبو العباس البصير أحمد بن محمد بن الحسين الرازي الحافظ البارع الثقة روى عن عبد الرحمن بن أبي حاتم وإسماعيل عليه وسمع بنيسابور من أبي حامد بن بلال وطائفة وكان من أركان الحديث وقد ولد أعمى
وفيها النامي الشاعر البليغ أبو العباس أحمد بن محمد الدارمي المصيصي كان من الشعراء المفلقين ومن فحول شعراء عصره وخواص مداح سيف الدولة
ابن حمدان وكان عنده تلو أبي الطيب المتنبي في الرتبة وكان فاضلا أديبا مقدما في اللغة عارفا بالأدب وله أمال أملاها بحلب وروى عن أبي الحسين علي بن سليمان الأخفش وابن درستويه وأبي عبد الله الكرماني وأبي بكر الصولي وعنه أبو القسم الحسين بن علي بن أبي أسامة الحلبي وأخوه أبو الحسين أحمد وأبو الفرج الببغا والقاضي أبو طاهر وصالح بن جعفر الهاشمي ومن محاسن شعره قوله فيه من جملة قصيدة
( أمير العلى أن العوالي كواسب ** علاءك في الدنيا وفي جنة الخلد )
( يمر عليك الحول سيفك في الطلى ** وطرفك ما بين الشكيمة واللبد )
( ويمضي عليك الدهر فعلك للعلى ** وقولك للتقوى وكفك للرفد )
ومن شعره أيضا
( أحقا أن قاتلتي زرود ** وأن عهودها تلك العهود )
( وقفت وقد فقدت الصبر حتى ** تبين موقفي أني الفقيد )
( وشكت في عذالي فقالوا ** لرسم الدار أيكما العميد )
وله مع المتنبي وقائع ومعارضات في الأناشيد وحكى أبو الخطاب بن غون الحريري النحوي الشاعر أنه دخل على أبي العباس النامي قال فوجدته جالسا ورأسه كالثغامة بياضا وفيه شعرة واحدة سوداء فقلت له يا سيدي في رأسك شعرة سوداء فقال نعم هذه بقية شبابي وأنا أفرح بها ولي فيها شعر فقلت أنشدنيه فأنشد
( رأيت في الرأس شعرة بقيت ** سوداء تهوى العيون رؤيتها )
( فقلت للبيض إذ تروعها ** بالله إلا رحمت غربتها )
( فقل لبث السوداء في وطن ** تكون فيه البيضاء ضرتها )
ثم قال يا أبا الخطاب بيضاء واحدة تروع ألف سوداء فكيف حال سوداء بين ألف بيضاء
وفيها أبو الرقعمق بفتح الراء والقاف وسكون العين المهملة وفتح الميم وبعدها قاف لقب له الشاعر المفلق صاحب المجون والنوادر أبو حامد أحمد ابن محمد الأنطاكي قال فيه الثعالبي في اليتيمة هو نادرة الزمان وجملة الإحسان وممن تصرف بالشعر في أنواع الهزل والجد وأحرز قصب السبق وهو أحد الشعراء المجيدين وهو في الشام كابن حجاج بالعراق فمن غرر محاسنه قوله يمدح ابن كلس وزير العزيز العبيدي صاحب مصر
( قد سمعنا مقاله واعتذاره ** وأقلنا ذنوبه وعثاره )
( والمعاني لمن عنيت ولكن ** بك عرضت فاسمعي يا جاره )
( من تراديه أنه أبد الدهر ** تراه محللا أزراره )
( عالم أنه عذاب من الله ** متاح لأعين النظاره )
( هتك الله ستره فلكم هتك ** من ذي تستر أستاره )
( سحرتني ألحاظه وكذا كل ** مليح ألحاظه سحاره )
( ما على مؤثر التباعد والأعراض ** لو آثر الرضا والزياره )
( وعلى أنني وإن كان قد عذب ** بالهجر مؤثر إيثاره )
( لم أزل لا عدمته من حبيب ** أشتهي قربه وآبي نفاره )
ومن مديحها
( لم يدع للعزيز في سائر الأرض ** عدوا إلا وأخمد ناره )
( كل يوم له على نوب الدهر ** وكثر الخطوب بالبذل غاره )
( ذويد شأنها الفرار من البخل ** وفي حومة الندى كراره )
( هي فلت عن العزيز عداه ** بالعطايا وكثرت أنصاره )
( هكذا كل فاضل يده تمسي ** وتضحي نفاعة ضراره )
وأكثر شعره جيد وهو على أسلوب شعر صريع الدلاء القصار البصري وأقام بمصر زمانا طويلا وأكثر شعره في ملوكها ورؤسائها وتوفي يوم الجمعة ثاني
عشرى شهر رمضان وقيل في شهر ربيع الآخر بمصر على قول
وفيها خلف بن أحمد بن محمد بن الليث البخاري صاحب بخارى وابن صاحبها كان عالما جليلا مفضلا على العلماء عاش بضعا وسبعين سنة وروى عن عبد الله بن محمد الفاكهي وطبقته مات شهيدا في الحبس ببلاد الهند
وفيها أبو مسلم الكاتب محمد بن أحمد بن علي البغدادي بمصر في ذي القعدة كان آخر من روى عن البغوي وابن صاعد وابن أبي داود روى كتاب السبعة لابن مجاهد عنه وسمع بالجزيرة والشام والقيروان وكان سماعه صحيحا من البغوي في جزء واحد وما عداه مفسود وقال في المغني هو آخر أصحاب البغوي ضعف قال الصوري بعض أصوله عن البغوي وغيره جياد وقال أبو الحسن المحدث العطار ما رأيت في أصول ابن مسلم عن البغوي صحيحا غير خبر واحد وما عداه مفسود انتهى
وفيها ابن أبي زمنين الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسى المريى الأندلسي الالبيري نزيل قرطبة وشيخها ومفتيها وصاحب التصانيف الكثيرة في الفقه والحديث والزهد سمع من سعيد بن فحلون ومحمد بن معويه القرشي وطائفة وكان راسخا في العلم متفننا في الآداب مقتفيا لآثار السلف صاحب عبارة وإنابة وتقوى عاش خمسا وسبعين سنة وتوفي في ربيع الآخر ومن كتبه اختصار المدونة ليس لأحد مثله
وفيها أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي بضم الصاد المهملة المنجم صاحب الزيج المصري الحاتمي المشهور وزيجه يعرف بزيج ابن يونس وهو زيج كبير في أربع مجلدات بسط فيه القول والعمل عمله للعزيز العبيدي صاحب مصر وكان أبله مغفلا رث الهيئة إذا ركب ضحك
منه الناس لطوله وسوء حالته وله إصابة بديعة في النجامة لا يشاركه فيها أحد وأفنى عمره في النجوم والتسيير والتوليد وله شعر رائق قال الأمير المختار في كتابه تاريخ مصر بلغني أنه طلع إلى الجبل المقطم وقد وقف للزهرة فنزع ثوبه وعمامته ولبس ثوبا أحمر ومقنعة حمراء تقنع بها وأخرج عودا فضرب به والبخور بين يديه فكان عجبا من العجب وقال المختار أيضا كان ابن يونس المذكور مغفلا يعتم على طرطور طويل ويجعل رداءه فوق العمامة وكان طويلا وإذا ركب ضحك الناس منه لشهرته وسوء حاله ورثاثة ثيابه وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النجامة لا يشاركه فيها أحد كان أحد الشهود وكان متفننا في علوم كثيرة وكان يضرب بالعود على جهة التأدب به وله شعر حسن منه قوله
( احمل نشر الريح عند هبوبه ** رسالة مشتاق لوجه حبيبه )
( بنفسي من تحيا النفوس بقربه ** ومن طابت الدنيا به وبطيبه )
( وجدد وجدى طارق منه في الكرى ** سرى موهنا في خفية من رقيبه )
( لعمري لقد عطلت كأسي لبعده ** وغيبتها عني لطول مغيبه )
قال الحاكم العبيدي صاحب مصر وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفله دخل إلى عندي يوما ومداسه في يده فقبل الأرض وجلس وترك المداس إلى جانبه وأنا أراه وأراها وهو بالقرب مني فلما أن أراد أن ينصرف قبل الأرض وقدم المداس ولبسه وانصرف وإنما ذكر هذا في معرض غفلته وبلهه قال المسبحي وكانت وفاته يوم الاثنين ثالث شوال فجأة وخلف ولدا متخلعا باع كتبه وجميع تصنيفاته بالأرطال في الصابونيين
سنة أربعمائة
فيها أقبل الحاكم قاتله الله على التأله والدين وأمر بإنشاد دار العلم بمصر وأحضر فيها الفقهاء والمحدثين وعمر الجامع الحاكمي بالقاهرة وكثر الدعاء له فبقي كذلك ثلاث سنين ثم أخذ يقتل أهل العلم وأغلق تلك الدار ومنع من فعل كثير من الخير
وفيها توفي ابن خرشيد قوله أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن خرشيد قوله الأصبهاني التاجر في المحرم وله ثلاث وتسعون سنة دخل بغداد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وسمع من ابن زياد النيسابوري وابن عقدة والمحاملي وكان أسند من بقي بأصبهان رحمه الله تعالى
وفيها أبو مسعود الدمشقي إبراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ مؤلف أطراف الصحيحين روى عن عبد الله بن محمد بن السقا وأبي بكر بن المقرئ وطبقتهما وكان عارفا بهذا الشأن ومات كهلا فلم ينشر حديثه توفي في رجب
وفيها الفقيه الزاهد السيد الجليل الصالح الورع جعفر بن عبد الرحيم اليمني من نواحي الجند سأله وإليها الإقامة عندهم فقال بشرطين أحدهما الاعفاء عن الحكم والثاني أن لا يأكل من طعام الوالي شيئا فاتفق يوما أنه حضر عقدا عند الوالي فقال الوالي هذا الموز أهداه لي فلان وذكر رجلا من أهل الحل فأكل جعفر اثنتين ثم تقأيهما في الدهليز ولما تولاها الصليحي سأله تولية القضاء فقال لا أصلح لها فغضب وخرج من عنده فأمر جنده أن يلحقوه ويقتلوه فضربوه بسيوفهم فلم تقطع شيئا مع تكرير الضرب فأعلموا الصليحي فأمرهم بالكتمان وسئل الفقيه عن حاله حين الضرب فقال كنت أقرأ يس فلم أشعر بذلك قاله ابن الأهدل
وفيها ابن ميمون الطليطلي بالضم والفتح والسكون وكسر الطاء الثانية ولام
نسبة إلى طليطلة مدينة بالأندلس أحمد بن محمد بن محمد بن عبيدة الأموي أبو جعفر بن ميمون كان أحد الحفاظ المتقنين والعلماء المتقين والفقهاء الورعين المتزهدين قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو محمد القصار عبد الوهاب بن أبي محمد عبد الرحيم بن هبة الله القصار كان حافظا متقنا
وفيها أبو نعيم الاسفرائيني عبد الملك بن الحسن راوي المسند الصحيح عن خال أبيه أبي عوانة الحافظ وكان ثقة صالحا ولد في ربيع الأول سنة عشر وثلثمائة واعتنى به أبو عوانة وأسمعه كتابه وعمر فازدحم عليه الطلبة وأحضروه إلى نيسابور
وفيها وقيل في التي بعدها أبو الفتح البستي الشاعر المفلق علي بن محمد الكاتب شاعر وقته وأديب ناحيته صاحب الطريقة الأنيقة في التجنيس الأنيس البديع التأسيس فمن ألفاظه البديعة قوله من أصلح فاسده أرغم حاسده من أطاع غضبه أضاع أدبه عادات السادات سادات العادات من سعادة جدك وقوفك عند حدك الرشوة رشاء الحاجات أجمل الناس من كان للأخوان مولى الفهم شجاع العقل المنية تضحك الأمنية حد العفاف الرضا بالكفاف ومن نادر شعره
( إن هز أقلامه يوما ليعملها ** أنساك كل كمي هز دابله )
( وإن أقر على رق أنامله ** أقر بالرق كتاب الأنام له )
وله
( إذا تحدثت في قوم لتؤنسهم ** بما تحدث من ماض ومن آت )
( فلا تعيدن حديثا إن طبعهم ** موكل بمعاداة المعادات )
وله
( تحمل أخاك على ما به ** فما في استقامته مطمع )
( وإني له خلق واحد ** وفيه طبائعه الاربع )
وله حين تغير عليه السلطان :
( قل للامير ادام ربى عزه ** وانا له من فضله مكنونه )
( انى جنيت ولم تزل أهل النهى ** يهبون للخدام ما يجنونه )
( ولقد جمعت من الذنوب فنونها ** فاجمع من العفو الكريم فنونه )
( من كان يرجو عفو من هو فوقه ** عن ذنبه فليعف عمن دونه ) وله أيضا :
( اذا أحسست في فهمى فتورا ** وحفظى والبلاغة والبيان )
( فلا ترتب بفهمى ان رقصى ** على مقدار إيقاع الزمان ) وبالجملة فمحاسنه كثيرة وشعره في غاية اللطافة رحمه الله تعالى
سنة احدى واربعمائة
فيها أقام صاحب الموصل الدعوة ببلده للحاكم أحد خلفاء الباطنية لأن رسل الحاكم تكررت إلى صاحب الموصل قرواش بن مقلد فأفسدوه ثم سار قرواش إلى الكوفة فأقام بها الخطبة للحاكم وبالمدائن وأمر خطيب الأنبار بذلك فهرب وأبدى قرواش صفحة الخلاف وعاث وأفسد فقلق القادر بالله وأرسل إلى الملك بهاء الدولة مع ابن الباقلاني المتكلم فقال قد كاتبنا أبا علي عميد الجيوش في ذلك ورسمنا بأن ينفق في العسكر مائة ألف دينار فإن دعت الحاجة إلى مجيئنا قدمنا ثم أن قرواش بن مقلد خاف الغلبة فأرسل يتعذر وأعاد الخطبة العباسية ولم يحج ركب العراق لفساد الوقت
وفيها توفي أبو علي عميد الجيوش الحسين بن أبي جعفر وله إحدى وخمسون سنة كان أبوه من حجاب عضد الدولة فخدم أبو علي بهاء الدولة وترقت حاله فولاه بهاء الدولة نائبا عنه بالعراق فأحسن سياستها وحميت أيامه
وبقي عليها ثمانية أعوام وسبعة أشهر فأبطل عاشوراء الرافضة وأباد الحرامية والشطار وقد جاء في عدله وهيبته حكايات
وفيها أبو عمر بن المكوى أحمد بن عبد الملك الإشبيلي المالكي انتهت إليه رياسة العلم بالأندلس في زمانه مع الورع والصيانة دعى إلى القضاء بقرطبة مرتين فامتنع وصنف كتاب الاستيعاب في مذهب مالك في عشر مجلدات توفي فجأة عن سبع وسبعين سنة
وفيها أبو عمر بن الجسور أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الأموي مولاهم القرطبي روى عن قاسم بن أصبغ وخلق ومات في ذي القعدة وهو أكبر شيخ لابن حزم
وفيها أبو عبيد الهروي أحمد بن محمد بن محمد صاحب الغريبين وهو الكتاب المشهور جمع فيه بين غريب القرآن وغريب الحديث وهو من الكتب النافعة السائرة في الآفاق قال الأسنوي ذكره ابن الصلاح في طبقاته ولم يوضح حاله وقد أوضحه ابن خلكان فقال كان من العلماء الأكابر صحب أبا منصور الأزهري وبه انتفع وكان ينسب إلى تعاطي الخمر توفي في رجب سنة إحدى وأربعمائة سامحه الله تعالى انتهى كلام الأسنوي
وفيها أبو بكر الحنائي نسبة إلى الحناء المعروف عبد الله بن محمد بن هلال البغدادي الأديب نزيل دمشق روى عن يعقوب الجصاص وجماعة وكان ثقة
وفيها عبد العزيز بن محمد بن النعمان بن محمد بن منصور قاضي القضاة للعبيديين وابن قاضيهم وحفيده قاضيهم قتله الحاكم
وقتل معه قائد القواد حسين بن القائد جوهر وبعث من حمل إليه رأس قاضي أطرابلس أبي الحسين علي بن عبد الواحد البري لكونه سلم عزاز إلى متولي حلب
وفيها أبو مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي كان حافظا صدوقا دينا من الفهماء قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو الحسن العلوي الحسني النيسابوري محمد بن الحسين بن داود شيخ شيخ الأشراف سمع أبا حامد بن الشرقي ومحمد بن إسماعيل المروزي صاحب علي بن حجر وطبقتهما وكان سيدا نبيلا صالحا قال الحاكم عقدت له مجلس الإملاء وانتقيت له ألف حديث وكان يعد في مجلسه ألف محبرة توفي فجأة في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى
وفيها أبو علي الخالدي الذهلي منصور بن عبد الله الهروي روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وطائفة قال أبو سعيد الإدريسي هو كذاب
سنة اثنتين وأربعمائة
فيها كتب محضر ببغداد في قدح النسب الذي تدعيه خلفاء مصر والقدح في عقائدهم وأنهم زنادقة وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرمي أخوان الكافرين شهادة يتقرب بها إلى الله شهدوا جميعا أن الناجم بمصر وهو منصور ابن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار إلى أن قال فإنه صار يعني المهدي إلى المغرب وتسمى بعبيد الله وتلقب بالمهدي وهو ومن تقدمه من سلف الأنجاس أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد علي رضي الله عنهم ولا يعلمون أن أحدا من الطالبيين توقف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج لأنهم أدعياء وقد كان هذا الإنكار شائعا بالحرمين وأن هذا الناجم بمصر وسيلة كفار وفساق لمذهب الثنوية والمجوسية معتدون قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية وكتب في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعمائة وكتب خلق في المحضر منهم الشريف المرتضي وأخوه الشريف الرضي وجماعة من كبار العلوية والقاضي أبو محمد الأكفاني
والإمام أبو حامد الإسفرائيني والإمام أبو الحسين القدوري وخلق
وفيها عمل يوم الغدير ويوم الغار لكن بسكينة
وفيها توفي الوزير أحمد بن سعيد بن حزم أبو عمرو الأندلسي والد العلامة أبي محمد كان كاتبا مفتيا لغويا متبحرا في علم اللسان
وفيها أبو الحسين السوسنجردي بالضم وفتح السين المهملة الثانية وسكون النون والراء وكسر الجيم آخره مهملة نسبة إلى سوسنجرد قرية ببغداد أحمد ابن عبد الله بن الخضر البغدادي المعدل روى عن ابن البحيري وجماعة وكان ثقة صاحب سنة
وفيها قاضي الجماعة أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن فطيس الأندلسي القرطبي صاحب التصانيف الطنانة منها كتاب أسباب النزول في مائة جزء وكتاب فضائل الصحابة والتابعين في مائتين وخمسين جزءا وكان من جهابذة الحفاظ والمحدثين جمع ما لم يجمعه أحد من أهل عصره بالأندلس وكان يملي من حفظه وقيل أن كتبه بيعت بأربعين ألف دينار قاسمية وولي القضاء والخطابة سنة أربع وتسعين وثلثمائة وعزل بعد تسعة أشهر وقد ولي الوزارة أيضا وتوفي في ذي القعدة وله أربع وخمسون سنة وسمع من أحمد بن عون وطبقته
وفيها الحسين بن علي بن العباس بن الفضل بن زكريا بن النضر بن شميل ابن سويد النضري الهروي كان حافظا مشهورا عمدة قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن حسين بن شنظير الأموي أبو إسحق كان حافظا ذا ورع وصيام وقيام كثير قاله ابن ناصر الدين أيضا
وفيها أبو عمرو وعثمان الباقلاء نسبة إلى بيع الباقلا البغدادي الزاهد كان عابد أهل بغداد في زمانه رحمه الله تعالى
وفيها أبو الحسن الداراني علي بن داود القطان المقرئ حدث عن خيثمة وقرأ على أبي النضر الأخرم وولي إمامة جامع دمشق قال رشا بن نظيف لم ألق مثله حذقا وإتقانا في رواية ابن عامر وهو الذي طلع كبراء دمشق وطلبوه لإمامة الجامع فوثب أهل داريا بالسلاح فمانعوهم وقالوا لا ندع لكم إمامنا حتى يقدم أبو محمد بن أبي نصر فقال أما ترضون أن يسمع الناس في البلاد أن أهل دمشق احتاجوا إليكم في إمام فقالوا رضينا فقدمت له بغلة القاضي فأبى وركب حماره وسكن في المنارة وكان لا يأخذ على الصلاة ولا الإقراء أجرا ويقتات من أرض له
وفيها أبو الفتح فارس بن أحمد الحمصي المقرئ الضرير أحد أعلام القرآن أقرأ بمصر عن عبد الباقي بن السقا والسامري وجماعة وصنف المنشافي القراءات وعاش ثمانيا وستين سنة
وفيها ابن جميع أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الغساني الصيداوي صاحب المعجم المروي رحل وكتب الكثير بالشام والعراق ومصر وفارس روى عن أبي روق الهزاني والمحاملي وطبقتهما ومات في رجب وله سبع وتسعون سنة وسرد الصوم وله ثمان عشرة سنة إلى أن مات ووثقه الخطيب
وفيها ابن النجار أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد بن هرون التميمي الكوفي النحوي المقري آخر من حدث في الدنيا عن محمد بن الحسين الأشناني وابن دريد قال العتيقي هو ثقة توفي بالكوفة في جمادى الأولى وقال الأزهري كان مولده في سنة ثلاث وثلثمائة في المحرم
وفيها ابن اللبان الفرضي العلامة أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن البصري روى سنن أبي داود عن ابن داسه وسمعها منه القاضي أبو الطيب الطبري قال الخطيب انتهى إليه علم الفرائض وصنف فيها كتبا
انتهى وكان يقول ليس في الأرض فرضي إلا من أصحابي وأصحاب أصحابي أو لا يحسن
شيئا قال الأسنوي نقل عنه الرافعي في مواضع منها أن زكاة الفطر لا تجب وكذا قال ابن قاضي شهبة وقال أيضا انتهى إليه علم الفرائض وصنف فيه كتبا منها كتاب الإيجاز مجلد نفيس وكتبا كثيرة ليس لأحد مثلها ولديه علوم أخر وبنيت له مدرسة ببغداد وكان يدرس بها قال الشيخ أبو إسحق كان إماما في الفقه والفرائض وعنه أخذ الناس الفرائض وممن أخذ عنه أبو أحمد بن أبي مسلم الفرضي أستاذ أبي حامد الاسفرائيني في الفرائض
انتهى ملخصا
وفيها أبو عبد الله الجعفي محمد بن عبد الله بن الحسين الكوفي القاضي المعروف بالهرواني نسبة إلى هراة مدينة بخراسان أحد الأئمة الأعلام في مذهب الإمام أبي حنيفة روى عن محمد بن القسم المحاربي وجماعة قال الخطيب قال من عاصره بالكوفة لم يكن بالكوفة من زمن ابن مسعود رضي الله عنه إلى وقته أفقه منه وقال لي العتيقي ما رأيت مثله بالكوفة وقال في العبر ولد سنة خمس وثلثمائة وقد قرأ عليه أبو علي غلام الهراس
وفيها منتجب الدولة لولو الشراوي ولي نيابة دمشق للحاكم وعزل بعد ستة أشهر ولما هموا بالقبض عليه من دار العقيقي وكان نازلا بها عبأ أصحابه ووقع القتال بالبلد بين الفريقين إلى العتمة وقتل جماعة ثم طلع لولو من سطح فاختفى فنودي عليه في البلد من جاء به فله ألف دينار فدل عليه رجل وحبس فجاء أمر الحاكم بقتله فقتل
وفيها ابن وجه الجنة أبو بكر يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود القرطبي الخزاز شيخ ابن حزم روى عن قاسم بن أصبغ وطائفة وكان عدلا صالحا
سنة ثلاث وأربعمائة
فيها سبق رجل بدوي اسمه فليتة بن القرى الحاج إلى واقصة في ستمائة
إنسان من بني خفاجة قبيلته فغور المياه وطرح الحنظل في مصانع البرمكي والريان وغورهما فلما جاء الركب إلى العقبة حبسهم ومنعهم العبور إلا بخمسين ألف دينار فخافوا وضعفوا وعطشوا فهجم الملعون عليهم فلم تكن عندهم منعة وسلموا أنفسهم فاحتوى على الجمال بالأحمال فاستاقها وهلك الركب إلا القليل فقيل أنه هلك خمسة عشر ألف إنسان فأمر فخر الدولة الوزير علي بن مزيد فسار فأدركهم بناحية البصرة فظفر بهم وقتل طائفة كثيرة وأسر والد فليتة والاشتر وأربعة عشر رجلا ووجد أموال الناس قد تمزعت فانتزع ما أمكنه فعطشوا الأسرى على جانب دجلة يرون الماء ولا يسقون حتى هلكوا
وفيها توفي أبو القسم إسماعيل بن الحسن الصرصري بفتح الصادين المهملتين نسبة إلى صرصر قرية على فرسخين من بغداد سمع أبا عبد الله المحاملي وابن عقدة قال البرقاني ثقة صدوق
وفيها بهاء الدولة السلطان أبو نصر بن السلطان عضد الدولة بن ركن الدولة ابن بويه الديلمي صاحب العراق وفارس توفي بأرجان في جمادى الأولى وله اثنتان وأربعون سنة وكانت أيامه بضعا وعشرين سنة ومات بعلة الصرع وولي بعده ابنه سلطان الدولة فبقي في الملك اثني عشر عاما
وفيها الحسن بن حامد بن علي بن مروان أبو عبد الله البغدادي إمام الحنبلية في زمانه ومدرسهم ومفتيهم قال القاضي أبو يعلى كان ابن حامد مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه وله المصنفات العظيمة منها كتاب الجامع نحو أربعمائة جزء في اختلاف العلماء وكان معظما مقدما عند الدولة وغيرهم وقال غيره روى عن النجاد وغيره وتفقه على أبي بكر عبد العزيز وكان قانعا يأكل من النسخ ويكثر الحج فلما كان في هذا العام حج وعدم فيمن عدم إذ أخذ الركب قاله في العبر وقال القاضي حسين في طبقاته له المصنفات في العلوم المختلفات منها الجامع في المذهب نحو من أربعمائة جزء وله شرح الخرقي
وشرح أصول الدين وأصول الفقه سمع أبا بكر بن مالك وأبا بكر الشافعي وأبا بكر النجاد وأبا علي بن الصواف وأحمد بن سلم الحنبلي في آخرين وقال أبو عبد الله بن حامد أعلم عصمنا الله وإياك من كل زلل أن الناقلين عن أبي عبد الله رضي الله عنه ممن سميناهم وغيرهم إثبات فيما نقلوه وأمناء فيما دونوه وواجب تقبل كل ما نقلوه وإعطاء كل رواية حظها على موجبها ولا تعل رواية وإن انفردت ولا ينسب إليه في مسئلة رجوع إلا ما وجد ذلك عنه نصا بالصريح وإن نقل كنت أقول به وتركناه فإن عرى عن حد الصريح في الترك والرجوع أقر على موجبه واعتبر حال الدليل فيه لا اعتقاده بمثابة ما اشتهر من روايته وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يلين القول في كتاب إسحق بن منصور ويقول أنه يقال أن أبا عبد الله رجع عنه وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب إذ لا أعلم أن أحدا من أصحابنا قال بما ذكره ولا أشار إليه وكتاب ابن منصور أصل بذاته حاله يطابق نهاية شأنه إذ هو في بدايته سؤالات محفوظة ونهايته أنه عرض على أبي عبد الله فاضطرب لأنه لم يكن يقدر أنه لما سأله عنه مدون فما أنكر عليه من ذلك حرفا ولا رد عليه من جواباته جوابا بل أقره على ما نقله واشتهر في حياة أبي عبد الله ذلك بين أصحابه فاتخذه الناس أصلا إلى آخر أوانه ولابن حامد المقام المشهود في أيام القادر وقد ناظر ابا حامد الاسفرائيني في وجوب الصيام ليلة الغمام في دار القادر بالله بحيث سمع الخليفة الكلام فخرجت الجائزة السنية له من أمير المؤمنين فردها مع حاجته إلى بعضها فضلا عن جميعها تعففا وتنزها
انتهى ما قاله القاضي حسين ملخصا
وفيها القاضي أبو عبد الله الحليمي الحسين بن الحسن بن محمد بن حليم البخاري الفقيه الشافعي صاحب التصانيف أخذ عن أبي بكر القفال الشاشي
وهو صاحب وجه في المذهب قال ابن قاضي شهبة قال الحاكم أوحد الشافعيين بما وراء النهر وأنظرهم وآدبهم بعد أستاذيه أبوي بكر القفال والأودني وكان مفننا فاضلا له مصنفات مفيدة نقل منها الحافظ أبو بكر البيهقي كثيرا وقال في النهاية كان الحليمي رجلا عظيم القدر لا يحيط بكنه علمه الأغواص ولد سنة ثمان وثلاثين وثلثمائة ومات في جمادى وقيل في ربيع الأول ومن تصانيفه شعب الإيمان كتاب جليل في نحو ثلاث مجلدات وآيات الساعة وأحوال القيامة فيه معان غريبة لا توجد في غيره
انتهى ما قاله ابن قاضي شهبة ملخصا
وفيها أبو علي الروذباري الحسين بن محمد الطوسي راوي السنن عن ابن داسة توفي في ربيع الأول وأكثر عنه البيهقي
وفيها أبو الوليد الفرضي عبد الله بن محمد بن يوسف القرطبي الحافظ مؤلف تاريخ الأندلس قال ابن عبد البر كان فقيها عالما في جميع فنون العلم في الحديث والرجال قتلته البربر في داره وقال أبو مروان بن حبان وممن قتل يوم فتح قرطبة الفقيه الأديب الفصيح ابن الفرضي وواروه من غير غسل ولا كفن ولا صلاة ولم ير مثله بقرطبة في سعة الرواية وحفظ الحديث والافتنان في العلوم والأدب البارع ولي قضاء بلنسية وكان حسن البلاغة والحظ وروي أنه تعلق بأستار الكعبة وسأل الله الشهادة قال في العبر وعاش اثنتين وخمسين سنة وقال ابن ناصر الدين كان حافظا من الثقات
وفيها أبو الحسن القابسي علي بن محمد بن خلف المعافري القيرواني الفقيه شيخ المالكية أخذ عن ابن مسرور الدباغ وفي الرحلة عن حمزة الكتاني وطائفة وصنف تصانيف فائقة في الأصول والفروع وكان مع تقدمه في العلوم حافظا صالحا تقيا ورعا حافظا للحديث وعلله منقطع القرين وكان ضريرا
وفيها ابن الباقلاني القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر
البصري المالكي الأصولي المتكلم صاحب المصنفات وأوحد وقته في فنه روى عن أبي بكر القطيعي وأخذ علم النظر عن أبي عبد الله بن مجاهد الطائي صاحب الأشعري وكانت له بجامع المنصور حلقة عظيمة قال الخطيب كان ورده في الليل عشرين ترويحة في الحضر والسفر فإذا فرغ منها كتب خمسا وثلاثين ورقة من تصنيفه قاله في العبر وقال ابن الأهدل سيف السنة القاضي أبو بكر محمد ابن الطيب المشهور بابن الباقلاني الأصولي الأشعري المالكي مجدد الدين على رأس المائة الرابعة على الصحيح وقيل جدد بأبي سهل الصعلوكي صنف ابن الباقلاني تصانيف واسعة في الرد على الفرق الضالة حكي أن ابن المعلم متكلم الرافضة قال لأصحابه يوما وقد أقبل ابن الباقلاني جاءكم الشيطان فلما جلس ابن الباقلاني قال قال الله تعالى { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا } وكان ورعا لم تحفظ عنه زلة ولا نقيصة وكان باطنه معمورا بالعبادة والديانة والصيانة وقال الطائي رأيته في النوم بعد موته وعليه ثياب حسنة في رياض خضرة نضرة وسمعته يقرأ { في عيشة راضية في جنة عالية } ورأيت قبل ذلك حسن حالهم فقلت من أين جئتم فقالوا من الجنة من زيارة القاضي أبي بكر انتهى ملخصا وقال ابن تيمية القاضي أبو بكر محمد بن الخطيب الباقلاني المتكلم وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده قال في كتاب الإبانة تصنيفه فإن قال قائل فما الدليل على أن لله وجها ويدا قيل له { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله تعالى { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } فأثبت لنفسه وجها ويدا فإن قال فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة قلنا لا يجب هذا كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم بذلك على الله سبحانه وتعالى وكما لا يجب في كل شيء كان قائما بذاته أن يكون جوهرا لأنا وإياكم لا نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك وكذلك الجواب لهم إن قالوا فيجب أن يكون علمه وحياته وسمعه وبصره
وسائر صفاته عرضا واعتلوا بالوجود قال فإن قال فهل تقولون أنه في كل مكان قيل له معاذ الله بل هو مستو على عرشه كما أخبر في كتابه فقال { الرحمن على العرش استوى } وقال تعالى { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } وقال تعالى { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض } { أم أمنتم من في السماء } قال ولو كان في كل مكان لكان في بطن الإنسان وفمه والحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها ولوجب أن يزيد بزيادة الأمكنة وينقص بنقصانها انتهى ملخصا فرحمه الله تعالى ورضي عنه
وفيها أبو بكر الخوارزمي محمد بن موسى شيخ الحنفية ومن انتهت إليه رياسة المذهب في الآفاق أخذ عن أبي بكر أحمد بن علي الرازي وسمع من أبي بكر الشافعي قال البرقاني سمعته يقول ديننا دين العجايز ولسنا من الكلام في شيء وقال القاضي الصيمري ما شاهد الناس مثل شيخنا أبي بكر الخوارزمي في حسن الفتوى وحسن التدريس دعي إلى القضاء مرة فامتنع وتوفي في جمادى الأولى قاله في العبر
وفيها أبو رماد الرمادي شاعر الأندلس يوسف بن هرون القرطبي الكندي الأديب أخذ عن أبي علي القالي وغيره وكان فقيرا معدما ومنهم من يلقبه بأبي حنيش قال الحميدي في كتاب جذوة المقتبس أظن أحد آبائه كان من أهل رمادة موضع بالمغرب وهو شاعر قرطبي كثير الشعر سريع القول مشهور عند الخاصة والعامة هنالك لسلوكه في فنون كثيرة من المنظوم مسالك نفق عند الكل حتى كان كثير من شيوخ الأدب في وقته يقولون فتح الشعر بكندة وختم بكندة يعنون امرأ القيس ويوسف بن هرون والمتنبي وكانا متعاصرين وصنف كتابا في الطير وسجن مدة ومدح أبا إسماعيل القالي عند دخوله الأندلس في سنة ثلاثين وثلثمائة بقصيدة طنانة منها
( من حاكم بيني وبين عذولي ** الشجو شجوي والعويل عويلي )
( في أي جارحة أصون معذبي ** سلمت من التعذيب والتنكيل )
( إن قلت في بصري فثم مدامعي ** أو قلت في كبدي فثم غليلي )
( وثلاث شيبات نزلن بمفرقي ** فعلمت أن نزولهن رحيلي )
( طلعت ثلاث في نزول ثلاثة ** واش ووجه مراقب وثقيل )
( فعزلنني عن صبوتي فلئن ذللت ** لقد سمعت بذلة المعزول )
ومنها في المديح
( روض تعاهده السحاب كأنه ** متعاهد من عهد إسماعيل )
( قسه إلى الأعراب تعلم أنه ** أولى من الأعراب بالتفضيل )
( حازت قبائلهم لغات فرقت ** فيهم وحاز لغات كل قبيل )
( فالشرق خال بعده فكأنما ** نزل الخراب بربعه المأهول )
( فكأنه شمس بدت في غربنا ** وتغيبت عن شرقهم بأفول )
( يا سيدي هذا ثنائي لم أقل ** زورا ولا عرضت بالتنويل )
( من كان يأمل نائلا فأنا امرؤ ** لم أرج غير القرب من تأميلي )
وله في غلام ألثغ من جملة أبيات قوله
( لا الراء تطمع في الوصال ولا أنا ** الهجر يجمعنا فنحن سواء )
( فإذا خلوت كتبتها في راحتي ** وبكيت منتحبا أنا والراء )
وله فيه أيضا
( أعد لثغة في الراء لو أن واصلا ** تسمعها ما أسقط الراء واصل )
وقال ابن بشكوال في كتاب الصلة يوسف بن هرون الرمادي الشاعر من أهل قرطبة يكنى أبا عمر كان شاعر أهل الأندلس المشهور المقدم ذكره على الشعراء روى عن أبي علي البغدادي يعني القالي كتاب النوادر من تأليفه وقد أخذ عنه أبو عمر بن عبد البر قطعة من شعره رواها عنه وضمنها بعض تآليفه قال
ابن حبان وتوفي يوم العنصرة فقيرا معدما ودفن بمقبرة كلع
انتهى كلامه ويوم العنصرة رابع عشرى حزيران وهو موسم للنصارى مشهور ببلاد الأندلس وفي هذا اليوم حبس الله الشمس على يوشع بن نون عليه السلام وفيه ولد يحيى بن زكرياء عليهما السلام
سنة أربع وأربعمائة
فيها توفي أبو الفضل السليماني الحافظ وهو أحمد بن علي بن عمر البيكندي نسبة إلى بيكند بلد على مرحلة من بخارى البخاري محدث تلك الديار طوف وسمع الكثير وأكثر عن علي بن إسحق المادراني والأصم وطبقتهما وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا من الثقات وتوفي في ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة
وفيها أبو الطيب الصعلوكي سهل بن الإمام أبي سهل محمد بن سليمان العجلي النيسابوري الشافعي مفتي خراسان ومجدد القرن الرابع على قول روى عن الأصم وجماعة قال الحاكم هو أنظر من رأينا وقال ابن خلكان كان أبو الطيب المذكور مفتي نيسابور وابن مفتيها أخذ الفقه عن أبيه أبي سهل الصعلوكي وكان في وقته يقال له الإمام وهو متفق عليه عديم المثل في علمه وديانته وسمع أباه ومحمد بن يعقوب الأصم وابن مسطور وأقرانهم وكان فقيها أديبا متكلما خرجت له الفوائد من سماعاته وقيل أنه وضع له في المجلس أكثر من خمسمائة محبرة وجمع رياسة الدنيا والآخرة وأخذ عنه فقهاء نيسابور وتوفي في المحرم قال عبد الواحد اللخمي أصاب سهل الصعلوكي رمد فكان الناس يدخلون عليه وينشدونه من النظم ويروون من الآثار ما جرت العادة به فدخل الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي وقال أيها الإمام لو أن عينيك رأتا وجهك لما رمدت فقال له الشيخ سهل ما سمعت بأحسن من هذا الكلام وسر به ولمامات والده كتب إليه أبو النصر عبد الجبار يعزيه في والده رحمه الله تعالى
( من مبلغ شيخ أهل العلم قاطبة ** عني رسالة محزون وأواه )
( أولى البرايا بحسن الصبر ممتحنا ** من كان فتياه توقيعا عن الله )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن قاضي شهبة نقل عنه الرافعي وعن والده أنهما قالا أن طلاق السكران لا يقع وسئل سهل عن الشطرنج فقال إذا سلم المال من الخسران والصلاة من النسيان فذلك أنس بين الأخوان وكتبه سهل بن محمد بن سليمان وله ألفاظ حسنة منها من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه وقوله انما يحتاج الى اخوان العشرة لزمان العسرة انتهى ملخصا ايضا
وفيها ابو الفرج النهرواني مقرىء بغداد عبد الملك بن بكران أخذ القراءة عن زيد بن أبي بلال وعبد الواحد بن أبي هاشم وطائفة وسمع من أبي بكر النجاد وجماعة وصنف في القراءات وتصدر مدة قاله في العبر
سنة خمس واربعمائة
فيها منع الحاكم بمصر النساء من الخروج من بيوتهن ابدا ومن دخول الحمامات وأبطل صنعة الخفاف لهن وقتل عدة نسوة خالفن أمره وغرق جماعة من العجايز
وفيها توفي أبو الحسن العبقسي _ نسبه إلى عبد القيس أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن فراس المكي العطار مسند الحجاز في وقته وله ثلاث وتسعون سنة تفرد بالسماع عن محمد بن إبراهيم الديبلي وغيره
وفيها كما قال ابن الجوزي في شذور العقود بدر بن حسنويه الكردي من أمراء الجبل لقبه القادر ناصر الدولة وعقد له لواءا وكان يبر العلماء والزهاد والأيتام وكان يتصدق كل جمعة بعشرة آلاف درهم ويصرف إلى الأساكفة والحذائين بين همذان وبغداد ليقيموا للمنقطعين من الحاج الأحذية ثلاثة
آلاف دينار ويصرف إلى أكفان الموتى كل شهر عشرين ألف درهم واستحدث في أعماله ثلاثة آلاف مسجد وخان للغرباء وكان ينقل للحرمين كل سنة مصالح الطريق مائة ألف دينار ثم يرتفع إلى خزانته بعد المؤن والصدقات عشرون ألف ألف درهم انتهى
وفيها بكر بن شاذان أبو القسم البغدادي الواعظ الزاهد قرأ على زيد ابن أبي بلال الكوفي وجماعة وحدث عن ابن قانع وجماعة قال الخطيب كان عبدا صالحا توفي في شوال قال الذهبي وقرأ عليه جماعة
وفيها أبو علي بن خمكان الحسن بن الحسين بن حمكان بحاء مهملة بعدها ميم مفتوحتان وكاف الهمداني الفقيه الشافعي نزيل بغداد روى عن عبد الرحمن ابن حمدان الجلاب وجعفر الخلدي وطبقتهما وعنى بالحديث والفقه قال ابن قاضي شهبة روى عنه أنه قال كتبت بالبصرة عن أربعمائة وسبعين شيخا وروى عنه أبو القسم الأزهري وكان يضعفه ويقول ليس بشيء في الحديث قال ابن كثير له كتاب في مناقب الشافعي ذكر فيه مذاهب كثيرة وأشياء تفرد بها وكنت قد كتبت منه شيئا في ترجمة الإمام فلما قرأتها على شيخنا أبي الحجاج المزي أمرني أن أضرب على أكثرها لضعف ابن حمكان انتهى
وفيها أبو الحسن المجبر أحمد بن محمد بن موسى بن القسم بن الصلت البغدادي روى عن إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي وأبي بكر بن الأنباري وجماعة كثيرة ضعفه البرقاني وغيره وتوفي في رجب وله إحدى وتسعون سنة
وفيها أبو محمد بن الأكفاني قاضي القضاة عبد الله بن محمد الأسدي البغدادي حدث عن المحاملي وابن عقدة وخلق قال أبو إسحق إبراهيم بن أحمد الطبري من قال أن أحدا أنفق على أهل العلم مثله فقد كذب أنفق على أهل العلم مائة ألف دينار وقال الذهبي ولي قضاء العراق سنة ست وتسعين وعاش تسعا وثمانين سنة
وفيها الإدريسي الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد الاستراباذي نزيل سمرقند ومحدثها ومؤرخها سمع الأصم فمن بعده والف الأبواب والشيوخ وقال ابن ناصر الدين هو عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن ابن منوبه أبو سعد الاستراباذي محدث سمرقند ومصنف تاريخها وتاريخ بلده كان حافظا متقنا راسخا مؤلفا انتهى
وفيها أبو علي الحسن بن أحمد بن محمد بن الليث أبو علي الشيرازي الكشي المقري الفقيه الشافعي كان حافظا ناقدا قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو نصر بن نباتة التميمي السعدي عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد ابن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجاج بن مطر بن خالد بن عمرو بن رباح بن سعد كان شاعرا مجيدا جمع بين حسن السبك وجودة المعنى وكان يعاب يعاب بكبر فيه طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء وله في سيف الدولة غرر القصائد ونخب المدائح وكان قد أعطاه فرسا أدهم أغر محجلا فكتب إليه
( يا أيها الملك الذي أخلاقه ** من خلقه ورواؤه من رأيه )
( قد جاء بالطرف الذي أهديته ** هاديه يعقد أرضه بسمائه )
( أولاية أوليتها فبعثته ** رمحا سبيب العرف عقد لوائه )
( نحتل منه على أغر محجل ** ماء الدجنة قطرة من مائه )
( وكأنما لطم الصباح جبينه ** فاقتص منه فخاض في أحشائه )
( متمهلا والبرق في أسمائه ** متبرقعا والحسن من أكفائه )
( ما كانت النيران يكمن جرها ** لو كان للنيران بعض ذكائه )
( لا تغلق الألحاظ في إعطافه ** إلا إذا كفكفت من غلوائه )
( لا يكمل الطرف المحاسن كلها ** حتى يكون الطرف من اسرائه )
وله فيه أيضا من قصيدة
( قد جدت لي باللها حتى ضجرت بها ** وكدت من ضجري أثني على البخل )
( إن كنت ترغب في أخذ النوال لنا ** فاخلق لنا رغبة أولا فلا تنل )
( لم يبق جودك لي شيئا أؤمله ** تركتني أصحب الدنيا بلا أمل )
ومعظم شعره جيد وله ديوان كبير وجرى له مع ابن العميد أشياء تقدم ذكر شيء منها في ترجمته وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس ثالث شوال ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وقال أبو الحسن محمد بن نصر البغدادي عدت ابن نباتة في اليوم الذي توفي فيه فأنشدني
( متع لحاظك من خل تودعه ** فما أخالك بعد اليوم بالواري )
وودعته وانصرفت فأخبرت في طريقي أنه توفي وقال أبو علي محمد بن وشاح سمعت ابن نباتة يقول كنت يوما قائلا في دهليزي فدق على الباب فقلت من فقال رجل من أهل الشرق فقلت ما حاجتك فقال أنت القائل
( ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ** تنوعت الأسباب والداء واحد )
فقلت نعم فقال أرويه عنك فقلت نعم فمضى فلما كان آخر النهار دق على الباب فقلت من فقال رجل من أهل تاهرت من المغرب فقلت ما حاجتك فقال أنت القائل ومن لم يمت بالسيف البيت فقلت نعم وعجبت كيف وصل شعري إلى الشرق والغرب
وفيها أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدون بن نعيم بن البيع الضبي الطهماني النيسابوري الحافظ الكبير ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة واعتنى به أبوه فسمعه في صغره ثم هو بنفسه وكتب عن نحو ألفي شيخ وحدث عن الأصم وعثمان بن السماك وطبقتهما وقرأ القراءات على جماعة وبرع في معرفة الحديث وفنونه وصنف التصانيف الكثيرة وانتهت إليه رياسة الفن بخراسان لا بل بالدنيا وكان فيه تشيع وحط على معوية وهو ثقة حجة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين له مصنفات كثيرة منها المستدرك على
الصحيحين وهو صدوق من الإثبات لكن فيه تشيع وتصحيح واهيات انتهى وقال ابن قاضي شهبة طلب العلم في صغره وأول سماعه سنة ثلاثين ورحل في طلب الحديث وسمع على شيوخ يزيدون على ألفي شيخ وتفقه على ابن أبي هريرة وأبي سهل الصعلوكي وغيرهم أخذ عنه الحافظ أبو بكر البيهقي فأكثر عنه وبكتبه تفقه وتخرج ومن بحره استمد وعلى منواله مشى وبلغت تصانيفه ألفا وخمسمائة جزء قال الخطيب البغدادي كان ثقة وكان يميل إلى التشيع قال الذهبي هو معظم للشيخين بيقين ولذي النورين وإنما تكلم في معاوية فأوذي قال وفي المستدرك جملة وافرة على شرطهما وجملة وافرة على شرط أحدهما لكن مجموع ذلك نصف الكتاب وفيه نحو الربع مما صح سنده وفيه بعض الشيء معلل وما بقي وهو الربع مناكير وواهيات لا تصح وفي ذلك بعض موضوعات قد علمت عليها لما اختصرته توفي فجاءة بعد خروجه من الحمام في صفر وقد أطنب عبد الغافر في مدحه وذكر فضائله وفوائده ومحاسنه إلى أن قال مضى إلى رحمة الله ولم يخلف بعده مثله وقد ترجمه الحافظ أبو موسى المديني في مصنف مفرد انتهى كلام ابن شهبة ملخصا وقال ابن خلكان والبيع بفتح الباء الموحدة وكسر الياء المثناة من تحتها وتشديدها وبعدها عين مهملة وإنما عرف بالحاكم لتقليده القضاء انتهى
وفيها ابن كج القاضي أبو القسم يوسف بن أحمد بن كج بفتح الكاف وتشديد الجيم وهو في اللغة اسم للجص الذي يبيض به الحيطان الكجي نسبة إلى جده هذا الدينوري صاحب الإمام أبي الحسين بن القطان وحضر مجلس الداركي ومجلس القاضي أبي حامد المروزي انتهت إليه الرياسة ببلده في المذهب ورحل الناس إليه رغبة في علمه وجوده وكان يضرب به المثل في حفظ المذهب وحكى السمعاني أن الشيخ أبا علي السبخي انصرف من عند الشيخ أبي حامد
واجتاز به فرأى علمه وفضله فقال له يا أستاذ الاسم لأبي حامد والعلم لك فقال ذاك رفعته بغداد وحطتني الدينور قتله العيارون ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وكان يضرب به المثل في حفظ مذهب الشافعي وكان أيضا محتشما جوادا ممدحا وهو صاحب وجه ومن تصانيفه التجريد قال في المهمات وهو مطول وقد وقف عليه الرافعي
سنة ست وأربعمائة
فيها توفي الشيخ أبو حامد الاسفرائيني أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الفقيه شيخ العراق وإمام الشافعية ومن إليه انتهت رياسة المذهب قدم بغداد صبيا فتفقه على ابن المرزبان وأبي القسم الداركي وصنف التصانيف وطبق الأرض بالأصحاب وتعليقته في نحو خمسين مجلدا وكان يحضر درسه سبعمائة فقيه توفي في شوال وله اثنتان وستون سنة وقد حدث عن أبي أحمد بن عدي وجماعة قاله في العير وقال ابن شهبة ولد سنة أربع وأربعين وثلثمائة واشتغل بالعلم قال سليم وكان يحرس في درب وكان يطالع الدرس على زيت الحرس وأفتى وهو ابن سبع عشرة سنة وقدم بغداد سنة أربع وستين فتفقه على ابن المرزباني والداركي وروى الحديث عن الدار قطني وأبي بكر الإسماعيلي وأبي أحمد بن عدي وجماعة وأخذ عن الفقهاء والأئمة ببغداد وشرح المختصر في تعليقته التي هي في خمسين مجلدا ذكر فيها خلاف العلماء وأقوالهم ومآخذهم ومناظراتهم حتى كان يقال له الشافعي وله كتاب في أصول الفقه قال الشيخ أبو إسحق انتهت إليه رياسة الدين والدنيا ببغداد وجمع مجلسه ثلثمائة متفقه واتفق الموافق والمخالف على تفضيله وتقديمه في جودة الفقه وحسن النظر ونظافة العلم وقال الخطيب أبو بكر حدثونا عنه وكان ثقة وقد رأيته وحضرت تدريسه وسمعت من يذكر أنه كان يحضر درسه سبعمائة فقيه وكان الناس يقولون
لو رآه الشافعي لفرح به توفي في شوال ودفن في داره ثم نقل سنة عشر وأربعمائة إلى باب حرب
انتهى ما أورده ابن شهبة ملخصا
وفيها أبو مناد باديس بن منصور بن بلكين بن زيري بن مناد الحميري الصنهاجي المغربي الملك متولي إفريقية للحاكم العبيدي وكان ملكا حازما شديد البأس إذا هز رمحا كسره ومات فجأة وقام بعده ابنه المعز قال ابن خلكان وكانت ولايته بعد أبيه المنصور وكان مولده ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين وثلثمائة بأشير ولم يزل على ولايته وأموره جارية على السداد ولما كان يوم الثلاثاء تاسع عشرى ذي القعدة سنة ست وأربعمائة أمر جنوده بالعرض فعرضوا بين يديه وهو في قبة الإسلام جالس إلى وقت الظهر وسره حسن عسكره وبهجة زينتهم وما كانوا عليه وانصرف إلى قصره ثم ركب عشية ذلك النهار في أجمل مركوب ولعب الجيش بين يديه ثم رجع إلى قصره شديد السرور بما رآه من كمال حاله وقدم السماط فأكل مع خاصته وحاضري مائدته ثم انصرفوا عنه وقد رأوا من سروره ما لم يروه منه قط فلما مضى مقدار نصف الليل من ليلة الأربعاء سلخ القعدة قضى نحبه رحمه الله تعالى فأخفوا أمره ورتبوا أخاه كرامة بن المنصور ظاهرا حتى وصلوا إلى ولده المعز فولوه وتم له الأمر وذكر في كتاب الدول المنقطعة أن سبب موته أنه قصد طرابلس ولم يزل على قرب منها عازما على قتالها وحلف أن لا يرحل عنها إلى أن يعيدها فدنا للزراعة فاجتمع أهل البلد إلى المؤدب محرز وقالوا يا ولي الله قد بلغك ما قاله باديس فادع الله أن يزيل عنا بأسه فرفع يديه إلى السماء وقال يا رب باديس اكفنا باديس فهلك في ليلته بالذبحة والصنهاجي بضم الصاد المهملة وكسرها وسكون النون وبعد الألف جيم نسبة إلى صنهاجة قبيلة مشهورة من حمير وهي بالمغرب قال ابن دريد صنهاجة بضم الصاد لا يجوز غير ذلك انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو علي الدقاق الحسن بن علي النيسابوري الزاهد العارف شيخ الصوفية توفي في ذي الحجة وقد روى عن ابن حمدان وغيره قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في كتابه الكواكب الدرية في تراجم الصوفية ما ملخصه الحسن بن علي الأستاذ أبو علي الدقاق النيسابوري الشافعي لسان وقته وإمام عصره كان فارها في العلم متوسطا في الحلم محمود السيرة مجهود السريرة جنيدي الطريقة سري الحقيقة أخذ مذهب الشافعي عن القفال والحصري وغيرهما وبرع في الأصول وفي الفقه وفي العربية حتى شدت إليه الرحال في ذلك ثم أخذ في العمل وسلك طريق التصوف وأخذ عن النصراباذي قال ابن شهبة وزاد عليه حالا ومقالا وعنه القشيري صاحب الرسالة وله كرامات ظاهرة ومكاشفات باهرة قيل له لم زهدت في الدنيا قال لما زهد في أكثرها أنفت عن الرغبة في أقلها قال الغزالي وكان زاهد زمانه وعالم أوانه وأتاه بعض أكابر الأمراء فقعد على ركبتيه بين يديه وقال عظني فقال أسألك عن مسئلة وأريد الجواب بغير نفاق فقال نعم فقال أيما أحب إليك المال أو العدو قال المال قال كيف تترك ما تحبه بعدك وتستصحب العدو الذي لا تحبه معك فبكى وقال نعم الموعظة هذه ومن كلامه من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس وقال من علامة الشوق تمني الموت على بساط العوافي كيوسف لما ألقي في الجب ولما أدخل السجن لم يقل توفني ولما تم له الملك والنعمة قال توفني
وكان كثيرا ما ينشد
( أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت ** ولم تخف شر ما يأتي به القدر )
( وسالمتك الليالي فاغتررت بها ** وعند صفو الليالي يحدث الكدر )
وقال صاحب الحزن يقطع من الطريق في شهر ما لا يقطعه غيره في عام وقال السماع حرام على العوام لبقاء نفوسهم مباح للزهاد لحصول مجاهداتهم مستحب لأصحابنا لحياة قلوبهم وقال لو أن وليا لله مر ببلدة للحق أهلها بركة
مروره حتى يغفر لجاهلهم وقال قال رجل لسهل أريد أن أصحبك قال إذا مات أحدنا فمن يصحب الباقي قال الله قال فاصحبه الآن انتهى ما أورده المناوي
وفيها أبو القسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري المفسر صنف فى علوم القرآن والآداب وله كتاب عقلاء المجانين سمع من الأصم وجماعة
وفيها أبو يعلي المهلبي حمزة بن عبد العزيز بن محمد النيسابورى الطيب روى عن محمد بن أحمد بن دلويه صاحب البخاري وأبي حامد بن بلال وجماعة وتفرد بالسماع من غير واحد توفي يوم النحر عن سن عالية
وفيها أبو أحمد الفرضي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم المقرئ شيخ بغداد قرأ على أحمد بن بويان وسمع من يوسف البهلول الأزرق والمحاملي قال الخطيب كان ثقة ورعا دينا وقال العتيقي ما رأينا في معناه مثله وقال الأزهري إمام من الأئمة وقال الذهبي عاش اثنتين وثمانين سنة
وفيها أبو الهيثم عتبة بن خيثمة التميمي النيسابوري القاضي شيخ الحنفية بخراسان كان عديم النظير في الفقه والفتوى تفقه على أبي الحسين قاضي الحرمين وأبي العباس التبال وسمع لما حج من أبي بكر الشافعي وجماعة وولي نيسابور تسع سنين
وفيها الإمام أبو بكر بن فورك بضم الفاء وفتح الراء الأستاذ محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم صاحب التصانيف في الأصول والعلم روى مسند الطيالسي عن أبي محمد بن فارس وتصدر للإفادة بنيسابور وكان ذا زهد وعبادة وتوسع في الأدب والكلام والوعظ والنحو قال الأسنوي في طبقاته أقام بالعراق مدة يدرس ثم توجه إلى الري فسمعت به المبتدعة فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه إليهم ففعل وورد نيسابور فبنى له بها مدرسة دار فأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم وظهرت بركته على المتفقهة وبلغت
مصنفاته قريبا من مائة تصنيف ثم دعي إلى مدينة غزنة من الهند وجرت له بها مناظرات عظيمة فلما رجع إلى نيسابور رسم في الطريق فمات فنقل إلى نيسابور فدفن بها ونقل عن ابن حزم أن السلطان محمود بن سبكتكين قتله لقوله أن نبينا صلى الله عليه وسلم ليس هو رسول الله اليوم لكنه كان رسول الله
انتهى كلام الأسنوي ملخصا
وفيها الشريف الرضي نقيب العلويين أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد الحسيني الموسوي البغدادي الشيعي الشاعر المفلق الذي يقال أنه أشعر قريش ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة وابتدأ بنظم الشعر وله عشر سنين وكان مفرط الذكاء له ديوان في أربع مجلدات وقيل أنه حضر مجلس أبي سعيد السيرافي فسأله ما علامة النصب في عمر فقال بغض على فعجبوا من حدة ذهنه ومات أبوه في سنة أربعمائة أو بعدها وقد نيف على التسعين وأما أخوه الشريف المرتضى فتأخر قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكره الثعالبي في اليتيمة فقال ابتدأ بقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل وهو اليوم أبدع أبناء الزمان وأنجب سادات العراق يتحلى مع محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظه من جميع المحاسن وافر ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت أنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق ويشهد بما أخبرته شاهد عدل من شعره العالي القدح الممتنع عن القدح الذي يجمع إلى السلامة متانة وإلى السهولة رصانة ويشتمل على معان يقرب جناها ويبعد مداها وكان أبوه يتولى قديما نقابة الطالبيين ويحكم فيهم أجمعين والنظر في المظالم والحج بالناس ثم ردت هذه الأعمال كلها إلى ولده المذكور في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وأبوه حي ومن غرر شعره ما كتبه إلى الإمام القادر بالله من جملة قصيدة
( عطفا أمير المؤمنين فإننا ** في دوحة العلياء لا نتفرق )
( ما بيننا يوم الفخار تفاوت ** أبدا كلانا في المعالي معرق )
( إلا الخلافة بينتك فإنني ** أنا عاطل منها وأنت مطوق )
ومن قوله أيضا
( رمت المعالي فامتنعن ولم يزل ** أبدا يمانع عاشقا معشوق )
( فصبرت حتى نلتهن ولم أقل ** ضجرا دواء الفارك التطليق )
وله من جملة أبيات
( يا صاحبي قفالي واقضيا وطرا ** وحدثاني عن نجد بأخبار )
( هل روضت قاعة الوعساء أم مطرت ** خميلة الطلح ذات البان والغار )
( أم هل أبيت ودار دون كاظمة ** داري وسمار ذاك الحي سماري )
( تضوع أرواح نجد من ثيابهم ** عند القدوم لقرب العهد بالدار )
وذكر ابن جني أنه تلقن القرآن بعد أن دخل في السن فحفظه في مدة يسيرة وصنف كتابا في معاني القرآن يتعذر وجود مثله دل على توسعه فى علم النحو واللغة وصنف كتابا في مجازات القرآن فجاء نادرا في بابه وقد عنى بجمع ديوانه جماعة وأجود ما جمع الذي جمعه أبو حكيم الحيري وحكى أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي بسر من أرى وهو لا يعرفها وقد أخنى عليها الزمان وذهبت بهجتها وأخلقت ديباجتها وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة وحسن البشارة فوقف عليها متعجبا من صروف الزمان وطوارق الحدثان وتمثل بقول الشريف الرضي المذكور
( ولقد وقفت على ربوعهم ** وطلولها بيد البلى نهب )
( فبكيت حتى ضج من لغب ** نضوى وعج بعذلي الركب )
( وتلفتت عيني فمذ خفيت ** عنها الطلول تلفت القلب )
فمر به شخص فسمعه ينشد الأبيات فقال هل تعرف هذه الدار لمن قال لا قال هذه الدار لقائل هذه الأبيات الشريف الرضي فتعجب من حسن الاتفاق وكانت ولادة الرضي سنة تسع وخمسين وثلثمائة ببغداد وتوفي بكرة يوم الخميس سادس المحرم وقيل صفر سنة ست وأربعمائة ببغداد ودفن في داره بخط مسجد الأنباريين بالكرخ وخربت الدار ودثر القبر ومضى أخوه المرتضى أبو القسم علي إلى مشهد موسى بن جعفر لأنه لا يستطيع أن ينظر إلى تابوته وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة كثيرة
انتهى ما أورد ابن خلكان ملخصا
وفيها كما قال ابن ناصر الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الاسفرائيني كان حافظا زائدا بالحفظ على أقرانه قال في بديعة البيان
( محمد بن أحمد ذاك أبو ** بكر وفا تحفظا فقربوا )
سنة سبع وأربعمائة
فيها كما قال في الشذور ورد الخبر بتشعث الركن اليماني من البيت الحرام وسقوط حائط بين يدي قبر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوع القبة الكبير التي على الصخرة ببيت المقدس
وفيها توفي أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن الحافظ مصنف كتاب الألقاب كان أحد من عني بهذا الشأن وأكثر الترحال في البلدان ووصل بلاد الترك وسمع من الطبراني وطبقته قال عبد الرحمن بن منده مات في شوال
وفيها أبو سعيد الخركوشي بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء وضم الكاف آخره معجمة نسبة إلى خركوش سكة بنيسابور عبد الملك بن أبي عثمان النيسابوري الواعظ القدوة صنف كتاب الزهد وكتاب دلائل النبوة وغير ذلك قال الحاكم لم أر أجمع منه علما وزهدا وتواضعا وإرشادا إلى اله زاده الله
توفيقا وأسعدنا بأيامه وقال الذهبي روى عن حامد الرفا وطبقته وتوفي في جمادى الأولى
وفيها أبو الفضل الفلكي علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن بن القسم بن الحسن بن علي الهمداني كان حافظا بارعا متقنا لهذا الشأن له كتاب المنتهى في الكمال في معرفة الرجال كتبه في ألف جزء ولم يبيضه فيما يقال قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن شاكر القطان مؤلف فضائل الشافعي توفي في المحرم روى عن عبد الله بن الورد وطائفة
وفيها أبو الحسين المحاملي محمد بن أحمد بن القسم بن إسماعيل الضبي البغدادي الفقيه الشافعي الفرضي شيخ سليم الرازي روى عن إسماعيل الصفار وطائفة
وفيها الوزير فخر الملك أبو غالب بن الصيرفي محمد بن علي بن خلف وزير بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بن بويه وبعد وفاته وزر لولده سلطان الدولة أبي شجاع فناخسرو ولد فخر الملك بواسط يوم الخميس ثاني عشرى شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلثمائة وكان من أعظم وزراء آل بويه على الإطلاق بعد ابن العميد والصاحب بن عباد وكان أبوه صيرفيا وكان هو واسع النعمة فسيح مجال الهمة جم الفضائل والأفعال جزيل العطايا والنوال قصده جماعة من أعيان الشعراء ومدحوه بنخب المدائح منهم مهيار الديلمي وأبو نصر بن نباتة السعدي له فيه قصائد مختارة منها قصيدته النونية التي من جملتها
( لكل فتى قرين حين يسمو ** وفخر الملك ليس له قرين )
( أنخ بجنابه واحكم عليه ** بما أملته وأنا الضمين )
قال بعض علماء الأدب مدح بعض الشعراء فخر الملك بعد هذه القصيدة فأجازه إجازة لم يرضها فجاء إلى ابن نباتة وقال أنت غريتني وأنا ما مدحته إلا ثقة بضمانك
فأعطني ما يليق بقصدي فأعطاه من عنده شيئا رضي به فبلغ ذلك فخر الملك فسير لابن نباتة جملة مستكثرة لهذا السبب ومدائح فخر الملك مستكثرة ولأجله صنف أبو بكر محمد بن الحاسب الكرجي كتاب الفخري في الجبر والمقابلة وكتاب الكافي في الحساب ورفع إليه رجل شيخ رقعة يسعى فيها بهلاك شخص فكتب فخر الملك في ظهرها السعاية قبيحة وإن كانت صحيحة فإن كنت أجريتها مجرى النصح فخسرانك فيها أكثر من الربح ومعاذ الله أن نقبل من مهتوك في مستور ولولا أنك في خفارة من شيبك لقابلناك بما يشبه مقالك ونردع به أمثالك فاكتم هذا العيب واتق من يعلم الغيب والسلام ومحاسن فخر الملك كثيرة ولم يزل في عزه وجاهه وحرمته إلى أن نقم عليه مخدومه سلطان الدولة لسبب اقتضى ذلك فحبسه ثم قتله بسفح جبل قريب من الأهواز يوم السبت سابع عشرى ربيع الأول وقيل آخره ودفن هناك ولم يستقص دفنه فنبشت الكلاب قبره وأكلته ثم أعيد دفن رمته فشفع فيه بعض أصحابه فنقلت عظامه إلى مشهد هناك فدفنت في السنة التي بعدها
سنة ثمان واربعمائة
فيها وقعت فتنة عظيمة بين السنة والشيعة وتفاقمت وقتل طائفة من الفريقين وعجز صاحب الشرطة عنهم وقاتلوه فأطلق النيران في سوق نهر الدجاج
وفيها اسستاب القادر بالله - وكان صاحب سنة - طائفة من المعتزلة والرافضة وأخذ خطوطهم بالتوبة وبعث الى السلطان محمود بن سبكتكين يأمره ببث السنة بخراسان ففعل ذلك وبالغ وقتل جماعة ونفى جماعة كثيرة من المعتزلة والرافضة والاسمعيلية والجهمية والمشبهة وأمر بلعنهم على المنابر
وفيها قتل الدورى وقطع لكونه ادعى ربوبية الحاكم
وفيها توفي ابن ثرثال
أبو الحسن أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التيمي البغدادي في ذي القعدة بمصر وله إحدى وتسعون سنة روى عن المحاملي ومحمد بن مخلد وله جزء واحد رواه عنه الصوري والحبال
وفيها عطية بن سعيد الأندلسي القفصي بفتح القاف وسكون الفاء نسبة إلى قفصة بلدة في طرف إفريقية كنيته أبو محمد كان حافظا صوفيا زاهدا علامة مكثرا خيرا قاله ابن ناصر الدين
وفيها ابن البيع أبو محمد عبد الله بن عبيد الله بن يحيى البغدادي المؤدب صاحب المحاملي وثقه الخطيب ومات في رجب
وفيها اليزدي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني محدث أصبهان روى عن محمد بن الحسين القطان والأصم وطبقتهما وتوفي في رجب
وفيها أبو الفضل الخزاعي محمد بن محمد بن جعفر بن عبد الكريم الجرجاني المقرئ مصنف كتاب الواضح وكان كثير التطواف في طلب القراءات أخذ عن الحسن بن سعيد المطوعي وطبقته وكان غير ثقة ولا صادق قاله في العبر
وفيها أبو عمر البسطامي محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم الفقيه الشافعي قاضي نيسابور وشيخ الشافعية بها رحل وسمع الكثير ودرس المذهب وأملى على الطبراني وطبقته قال ابن شهبة سمع بالعراق والأهواز وأصبهان وسجستان وأملى وحدث وأقرأ المذهب وكان في ابتداء أمره يعقد مجلس الوعظ والتذكير ثم تركه وأقبل على التدريس والمناظرة والفتوى ثم ولي قضاء نيسابور سنة ثمان وثمانين وثلثمائة فأظهر أهل الحديث من الفرح والاستبشار ما يطول شرحه وكان نظير سهل الصعلوكي حشمة وجاها وعلما فصاهره سهل وجاء بينهما جماعة سادة فضلاء توفي في ذي القعدة سنة ثمان وقيل سبع وأربعمائة انتهى
سنة تسع وأربعمائة
فيها قرئ في الموكب كتاب بمذاهب السنة وقيل فيه من قال أن القرآن مخلوق فهو كافر حلال الدم قاله في الشذور
وفيها توفي أبو الحسين بن المتيم أحمد بن محمد بن أحمد بن حماد البغدادي الواعظ في جمادى الآخرة له جزء مشهور روى عن المحاملي وجماعة
وفيها ابن الصلت الأهوازي أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن هرون بن الصلت ولد سنة أربع وعشرين وثلثمائة وسمع من المحاملي وابن عقدة وجماعة وهو ثقة
وفيها عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مامويه الشيخ أبو محمد المعروف بالأصبهاني وإنما هو أردستاني بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح المهملة فسكون المهملة ففتح الفوقية نسبة إلى أردستان بلد قرب أصفهان وقيل هو بكسر الهمزة نزل نيسابور وكان من كبار الصوفية وثقات المحدثين الرحالة روى عن أبي سعيد بن الأعرابي ومحمد بن الحسين القطان وجماعة وتوفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة
وفيها عبد الغني بن سعيد بن علي بن سعيد بن بشر بن مروان الأزدي المصري السمرقندي صاحب التصانيف كان ثقة صاحب سنة حافظا علامة من تآليفه كتاب المؤتلف والمختلف مات في سابع صفر وله سبع وسبعون سنة روى عن عثمان بن محمد السمرقندي وإسماعيل بن الجراب والدار قطني وطبقتهم ورحل إلى الشام فسمع من الميانجي وطبقته وكان الدارقطني يفخم أمره ويرفع ذكره ويقول كأنه شعلة نار وكان منصور الطرسوسي خرجنا نودع الدارقطني بمصر فبكينا فقال تبكون وعندكم عبد الغني وفيه الخلف وقال البرقاني ما رأيت بعد الدار قطني أحفظ من عبد الغني وقال ابن خلكان انتفع به خلق كثير وكانت بينه وبين أبي أسامة جنادة اللغوي وأبي علي المقري
الأنطاكي مودة أكيدة واجتماع في دار الكتب ومذاكرات فلما قتلهما الحاكم صاحب مصر استتر بسبب ذلك الحافظ عبد الغني خوفا أن يلحق بهما لاتهامه بمعاشرتهما وأقام مستخفيا مدة حتى حصل له الأمن فظهر وقال أبو الحسن علي بن بقا كاتب الحافظ عبد الغني سمعت الحافظ عبد الغني يقول رجلان جليلان لزمهما لقبان قبيحان معاوية بن عبد الكريم الضال لم يكن ضالا وإنما ضل في طريق مكة وعبد الله بن محمد الضعيف كان ضعيفا في جسمه لا في حديثه انتهى ملخصا
وفيها القسم بن أبي المنذر الخطيب أبو طلحة القزويني راوي سنن ابن ماجه عن أبي الحسن القطان عنه توفي في هذا العام أو في الذي بعده
سنة عشر وأربعمائة
فيها كما قال في الشذور ورد إلى القادر كتاب من عين الدولة محمود بن سبكتكين يذكر ما افتتحه من بلاد الهند فيه أني فتحت قلاعا وحصونا وأسلم زهاء عشرين ألفا من عباد الأوثان وسلموا قدر ألف ألف درهم من الورق وبلغ عدد الهالكين منهم خمسين ألفا ووافى العبد مدينة لهم عاين فيها زهاء ألف قصر مشيد وألف بيت للأصنام ومبلغ ما في الصنم ثمانية وتسعون ألف مثقال وثلثمائة مثقال وقلع من الأصنام الفضة زيادة على ألف صنم فحصل منهم عشرون ألف ألف درهم وأفرد خمس الرقيق فبلغ ثلاثة وخمسين ألفا واستعرض ثلثمائة وستة وخمسين فيلا
انتهى
وقال الذهبي وكان جيشه ثلاثين ألف فارس سوى الرجالة والمطوعة وقال ابن الأهدل فتح ما لم يبلغه أحد في الإسلام وبنى فيها أي الهند مساجد وكسر الصنم المشهور بسر منات وهو عند كفرة الهند يحيى ويميت ويقصدونه لأنواع العلل ومن لم يشف منهم احتج بالذنب وعدم الإخلاص ويزعمون أن الأرواح إذا فارقت
الأجساد اجتمعت إليه على مذهب أهل التناسخ ويتركها فيمن شاء وإن مد البحر وجزره عبادة له ويتحفه كل ملوك الهند والسند بخواص ما عندهم حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية وخدمه من البراهمة ألف رجل وثلثمائة يحلقون رءوسهم ولحاهم عند الورود وثلثمائة امرأة يغنون ويضربون عند بابه وبين قلعة الصنم وبلاد المسلمين مسيرة شهر مفازة قليلة الماء صعبة المسلك لا تهتدي طرقها فأنفق محمود ما لا يحصى في طلبها حتى وصلها وفتحها في ثلاثة أيام ودخل بيت الصنم وحوله أصنام كثيرة من الذهب المرصع بالجوهر محيطة بعرشه يزعمون أنها الملائكة فأحرق الصنم ووجد في أذنه نيفا وثلاثين حلقة فسألهم محمود عن تلك الحلق فقالوا كل حلقة عبادة ألف سنة كلما عبدوه ألف سنة علقوا في أذنه حلقة ولهم فيه أخبار طويلة انتهى
وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصبهاني صاحب التفسير والتاريخ والتصانيف التي منها المستخرج على صحيح البخاري لست بقين من رمضان وقد قارب التسعين سمع بأصبهان والعراق وروى عن أبي سهل بن زياد القطان وطبقته وعنه عبد الرحمن بن منده وأخوه عبد الوهاب وخلق كثير وكان إماما في الحديث بصيرا بهذا الشأن
وفيها الحافظ أبو بكر الشيرازي أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي الجوال صاحب كتاب ألقاب الرجال كان حافظا صدوقا متقنا ذكره ابن ناصر الدين في بديعته وأثنى عليه وعده من الحفاظ لكن جزم بموته في السنة التي بعدها
وفيها أبو القسم الشيباني عبد الرحمن بن عمر بن نصر الدمشقي المؤدب في رجب روى عن خيثمة وطبقته واتهموه في لقي أبي إسحق بن أبي ثابت ويذكر عنه الاعتزال قاله في العبر
وفيها أبن بالويه المزكي أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن
بالويه النيسابوري آخر من روى عن محمد بن الحسين القطان وكان ثقة نبيلا وجيها توفي فجاءة في شعبان وكان يملي في داره
وفيها ابن بابك الشاعر المشهور عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك أحد الشعراء المجيدين المكثرين ديوانه في ثلاث مجلدات وله أسلوب رائق في نظم الشعر وجاب البلاد ومدح الرؤساء وبابك بفتح الموحدتين قال له الصاحب ابن عباد أنت ابن بابك فقال ابن بابك فأعجب به غاية الإعجاب ومن شعره
( وأغيد معسول الشمائل زارني ** على فرق والنجم حيران طالع )
( فلما جلى صبح الدجى قلت حاجب ** من الصبح أو قرن من الشمس لامع )
( إلى أن دنا والسحر رائد طرفه ** كما ريع ظبي بالصريمة راتع )
( فنازعته الصهباء والليل دامس ** رقيق حواشي البرد والنسر واقع )
( عقارا عليها من دم الصب بعضه ** ومن عبرات المستهام فواقع )
( تذر إذا شحت عيونا كأنها ** عيون العذارى شق عنها البراقع )
( معودة غصب العقول كأنها ** لها عند ألباب الرجال ودائع )
( فبتنا وظل الوصل دان وسرنا ** مصون ومكتوم الصبابة ذائع )
( إلى أن سلا عن ورده فارط الغطا ** ولاذت بأطراف الغصون السواجع )
( قولي أسير السكر يكبو لسانه ** فتنطق عنه بالوداع الأصابع )
وله أيضا
( يا صاحبي امزجا كأس المدام لنا ** كيما يضيء لنا من نورها الغسق )
( خمرا إذا ما نديمي هم يشربها ** أخشى عليه من اللالاء يحترق )
( لو رام يحلف أن الشمس ما غربت ** في فيه كذبه في وجهه الشفق )
وله بيت من قصيدة وهو الغاية رقة
( ومر بي النسيم فرق حتى ** كأني قد شكوت إليه ما بي )
وتوفي ببغداد رحمه الله تعالى
وفيها أبو عمر بن مهدي عبد الواحد بن محمد بن عبد الله الفارسي ثم البغدادي البزازآخر أصحاب المحاملي وإبن مخلد وإبن عقدة قال الخطيب ثقة توفي في رجب وله إثنتان وتسعون سنة
وفيها القاضي أبو منصور الأزدي محمد بن محمد بن عبد الله الفقيه شيخ الشافعية بهراة ومسند البلد رحل وسمع ببغداد من احمد بن عثمان الأدمي وبالكوفة من إبن دحيم وطائفة توفي فجاءة في المحرم
وفيها أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش بميم مفتوحة وحاء مهملة ساكنة بعدها ميم مكسورة ثم شين معجمة إبن علي بن داود بن أيوب الأستاذ الزيادي الفقيه الشافعي عالم نيسابور ومسندها ولد سنة سبع عشر ة وثلثمائة وسمع سنة خمس وعشرين من أبي حامد بن بلال و محمد بن الحسين القطان وعبد الله بن يعقوب الكرماني وخلق وأملى ودرس وكان قانعا متعففا له مصنف في علم الشروط وروى عنه الحاكم مع تقدمه عليه وأثنى عليه وعرف بالزيادي لأنه كان يسكن ميدان زياد بن عبد الرحمن وقال ابن السمعاني إنما سمي بذلك نسبة إلى بعض أجداده
وفيها هبة الله سلامة بن أبي القسم البغدادي المفسر مؤلف كتاب الناسخ والمنسوخ وجد رزق الله التميمي لأمه كان من أحفظ الأئمة للتفسير وكان ضريرا له حلقة بجامع المنصور
سنة إحدى عشر وأربعمائة
فيهاكان الغلاء المفرط بالعراق حتى أكلوا الكلاب والحمر
وفيها توفي أبو نصر النرسي أحمد بن محمد بن أحمد بن حسنون البغدادي الصدوق الصالح روى عن ابن البختري وعلي بن إدريس الستوري
وفيها الحاكم بأمر الله أبو علي منصور بن عبد العزيز نزار بن المعز العبيدي
صاحب مصر والشام والحجاز والمغرب فقد في شوال وله ست وثلاثون سنة قتلته أخته ست الملك بعد أن كتب إليها ما أوحشها وخوفها واتهمها بالزنا فدست من قتله وهو طليب بن دواس المتهم بها ولم يوجد من جسده شيء وأقامت بعده ولده ثم قتلت طليبا وكل من اطلع على أمر أخيها وكان الحاكم شيطانا مريدا خبيث النفس متلون الاعتقاد سمحا جوادا سفاكا للدماء قتل عددا كثيرا من كبراء دولته صبرا وأمر بشتم الصحابة وكتبه على أبواب المساجد وأمر بقتل الكلاب حتى لم يبق في مملكته منها إلا القليل وأبطل الفقاع والملوخية والسمك الذي لافلوس له وأتى بمن باع ذلك سرا فقتلهم ونهى عن بيع الرطب ثم جمع منه شيئا عظيما وحرقه وأباد أكثر الكروم وشدد في الخمر وألزم الذمة بحمل الصلبان والقرامى في أعناقهم كما قدمناه وأمرهم بلبس العمائم السود وهدم الكنائس ونهى عن تقبيل الأرض له ديانة منه وأمر بالسلام فقط وأمر الفقهاء ببث ذلك واتخذ له مالكيين يفقهانه ثم ذبحهما صبرا ثم نفى المنجمين من بلاده وحرم على النساء الخروج فما زلن ممنوعات سبع سنين وسبعة أشهر حتى قتل ثم تزهد وتأله ولبس الصوف وبقي يركب حمارا ويمر وحده في الأسواق ويقيم الحسبة بنفسه ويقال أنه أراد يدعى الآلهية كفرعون وشرع في ذلك فخوفه خواصه من زوال دولته فانتهى وكان المسلمون والذمة في ويل وبلاء شديد معه قال ابن خلكان والحاكم المذكور هو الذي بنى الجامع الكبير بالقاهرة بعد أن شرع فيه والده فأكمله هو وبنى جامع راشدة بظاهر مصر وكان المتولي بناءه الحافظ عبد الغني بن سعيد والمصحح لقبلته ابن يونس المنجم وأنشأ عدة مساجد بالقرافة وحمل إلى الجامع من المصاحف والآلات الفضية والستور والحصر ما له قيمة طائلة وكان يفعل الشيء وينقصه وكان الحاكم المذكور سيء الاعتقاد كثير التنقل من حال إلى
حال ابتدأ أمره بالتزيي بزي آبائه وهو الثياب المذهبة والفاخرة والعمائم المنظومة بالجواهر النفيسة وركوب السروج الثقيلة المصوغة ثم بدا له بعد ذلك وتركه على تدريج بأن انتقل منه إلى المعلم غير المذهب ثم زاد الأمر به حتى لبس الصوف وركب الحمر وأكثر من طلب أخبار الناس والوقوف على أحوالهم وبعث المتجسسين من الرجال والنساء فلم يكن يخفى عليه رجل ولا امرأة من حواشيه ورعيته وكان مؤاخذا بيسير الذنب لا يملك نفسه عند الغضب فأفنى رجالا وأباد أجيالا وأقام هيبة عظيمة وناموسا وكان يقتل خاصته وأقرب الناس إليه وربما أمر بإحراق بعضهم وربما أمر بحمل بعضهم وتكفينه ودفنه وبناء تربة عليه وألزم كافة الخواص بملازمة قبره والمبيت عنده وأشياء من هذا الجنس يموه بها على أصحاب العقول السخيفة فيعتقدون أن له في ذلك أغراضا صحيحة ومع هذا القتل العظيم والطغيان المستمر يركب وحده منفردا تارة وفي الموكب أخرى وفي المدينة طورا وفي البرية آونة والناس كافة على غاية الهيبة والخوف منه والوجل لرؤيته وهو بينهم كالأسد الضاري فاستمر أمره كذلك مدة ملكه وهو نحو إحدى وعشرين سنة حتى عن له أن يدعى الآلهية ويصرح بالحلول والتناسخ ويحمل الناس عليه وألزم الناس بالسجود مرة إذا ذكر فلم يكن يذكر في محفل ولا مسجد ولا على طريق إلا سجد من يسمع ذكره وقبل الأرض إجلالا له ثم لم يرضه ذلك حتى كان في شهر رجب سنة تسع وأربعمائة ظهر رجل يقال له حسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم يرى حلول الآله في الحاكم ويدعو إلى ذلك ويتكلم في إبطال الثواب وتأول جميع ما ورد في الشريعة فاستدعاه الحاكم وقد كثر تبعه وخلع عليه خلعا سنية وحمله على فرس مسرج في موكبه وذلك في ثاني رمضان منها فبينما هو يسير في بعض الأيام تقدم إليه رجل من الكرخ على جسر طريق المقياس وهو في الموكب فألقاه عن فرسه ووالى العرب عليه حتى قتله فارتج الموكب وأمسك الكرخي فأمر به فقتل
في وقته ونهب الناس دار الأخرم بالقاهرة وأخذ جميع ما كان له فكان بين الخلع عليه وقتله ثمانية أيام وحمل الأخرم في تابوت وكفن بأكفان حسنة وحمل أهل السنة الكرخي ودفنوه وبنوا على قبره ولازم الناس زيارته ليلا ونهارا فلما كان بعد عشرة أيام أصبح الناس فوجدوا القبر منبوشا وقد أخذت جثته ولم يعلم ما فعل بها
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها القاضي أبو القسم الحسن بن الحسين بن المنذر البغدادي قاضي ميافارقين ببغداد في شعبان وله ثمانون سنة كان صدوقا علامة بالفرائض روى عن ابن البختري وإسماعيل الصفار وجماعة
وفيها أبو القسم الخزاعي علي بن أحمد بن محمد البلخي راوي مسند الهيثم ابن كليب الشاشي عنه وقد روى عنه جماعة كثيرة وحدث ببلخ وبخارى وسمرقند ومات في صفر ببخارى عن بضع وثمانين سنة
سنة اثنتي عشرة وأربعمائة
فيها توفي أبو سعد الماليني نسبة إلى مالين قرية مجتمعة من أعمال هراة أحمد ابن محمد بن أحمد بن عبد الله الهروي الصوفي الحافظ الثقة المتقن طاووس الفقراء قال الخطيب كان ثقة متقنا صالحا وقال غيره سمع بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر وحدث عن أبي أحمد بن عدي وطبقته وكتب الكتب الطوال وأكثر التطواف إلى أن مات وتوفي بمصر في سابع عشر شوال
وفيها الحسن بن عمر بن برهان الغزال أبو عبد الله البغدادي الثقة حدث عن ابن البختري وطبقته
وفيها أبو محمد الجراحي عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزباني المروزي روى جامع الترمذي عن المحبوبي سكن هراة وروى بها
الكتاب قال أبو سعد السمعاني هو ثقة صالح إن شاء الله تعالى توفي سنة اثنتي عشرة قاله في العبر
وفيها غنجار الحافظ صاحب تاريخ بخارى محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان ابن كامل أبو عبد الله البخاري روى عن خلف الخيام وطبقته قال ابن ناصر الدين كان حافظا ثقة مصنفا
وفيها ابن رزقويه الحافظ أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البغدادي البزاز روى عن ابن البختري ومحمد بن يحيى الطائي وطبقتهما قال الخطيب كان ثقة كثير السماع والكتابة حسن الاعتقاد مديما للتلاوة أملى بجامع المدينة مدة سنين وكف بصره بآخره ولد سنة خمس وعشرين وثلثمائة وقال الأزهري أرسل بعض الوزراء إلى ابن رزقويه بمال فرده تورعا توفي في جمادى الأولى
وفيها الحافظ أبو الفتح بن أبي الفوارس محمد بن أحمد بن محمد بن فارس البغدادي المصنف الثقة في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة سمع من جعفر الخلدي وطبقته قال الخطيب كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة مشهورا بالصلاح والانتخاب على المشايخ وكان يملي في جامع الرصافة
وفيها أبو عبد الرحمن السلمي محمد بن الحسين بن موسى النيسابوري الصوفي الحافظ شيخ الصوفية صحب جده أبا عمر بن نجيد وسمع الأصم وطبقته وصنف التفسير والتاريخ وغير ذلك وبلغت تصانيفه مائة قال محمد ابن يوسف النيسابوري القطان كان يضع للصوفية وقال الخطيب قدر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل وكان مع ذلك مجودا صاحب حديث وله بنيسابور دويرة للصوفية توفي في شعبان قاله جميعه في العبر وقال ابن ناصر
الدين حدث عنه أبو القسم القشيري والبيهقي وغيرهما وهو حافظ زاهد لكن ليس بعمدة وله في حقائق التفسير تخريف كثير انتهى
وفيها صريع الدلاء قتيل الغواشي محمد بن عبد الواحد البصري الشاعر الماجن صاحب المقصورة المشهورة
( قلقل أحشائي تباريح الجوى ** )
قال ابن خلكان هو علي بن عبد الواحد أبو الحسن وقيل أبو الحسن محمد ابن عبد الله بن عبد الواحد القصار البصري الشاعر المشهور ذكره الرشيد أحمد بن الزبير في كتاب الجنان فقال كان يسلك مسلك أبي الرقعمق وله قصيدة في المجون ختمها ببيت لو لم يكن له فى الجد سواه لبلغ درجة الفضل وأحرز معه قصب السبق وهو
( من فاته العلم وأخطاه الغنى ** فذاك والكلب على حال سوا )
وكانت وفاته في رجب فجأة من شرقة لحقته عند الشريف الطحاوي وغالب ظني أنه توفي بمصر وفيه قال أبو العلاء المعري
( دعيت بصارع فتداركته ** مبالغة فرد إلى فعيل )
كان طلب منه شرابا وما يليق به فسير إليه قليل نفقة واعتذر بهذه الأبيات
انتهى ملخصا
وفيها أبو العباس منير بن أحمد بن الحسن بن منير الخشاب المصري المعدل شيخ الخلعي روى عن علي بن عبد الله بن أبي مطر وجماعة قال الحبال كان ثقة لا يجوز عليه تدليس توفي في ذي القعدة
سنة ثلاث عشرة وأربعمائة
فيها تقدم بعض الباطنية من المصريين فضرب الحجر الأسود بدبوس ثلاث
مرات وقال إلى متى يعبد الحجر ولا محمد ولا علي أفيمنعني محمد مما أفعله فإني اليوم أهدم هذا البيت فاتقاه أكثر الحاضرين وكاد يفلت وكان أحمر أشقر جسيما طويلا وكان على باب المسجد عشرة فوارس ينصرونه فاحتسب رجل فوجأه بخنجر ثم تكاثروا عليه فهلك وأحرق وقتل جماعة ممن اتهم بمعاونته واختبط الوفد ومال الناس على ركب المصريين بالنهب وتخشن وجه الحجر وتساقط منه شظايا يسيرة وتشقق وظهر مكسوره أسمر يضرب إلى صفرة محببا مثل حب الخشخاش فعجن الفتات بالمسك واللك وحشيت الشقوق وطليت فهو يبين لمن تأمله
وفيها توفي بشيراز سلطان الدولة أبو شجاع بن بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة الديلمي صاحب العراق وفارس ولي السلطنة بعد أبيه وهو صبي وأرسل إليه القادر بالله خلع الملك إلى شيراز وقد قدم بغداد في وسط سلطنته وكانت دولته ضعيفة متماسكة وعاش اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر
وفيها أبو القسم صدقة بن محمد بن أحمد بن محمد بن القسم بن الدلم القرشي الدمشقي الثقة الأمين محدث دمشق ومسندها روى عن أبي سعيد بن الأعرابي وأبي الطيب بن عبادل وطائفة ومات في جمادى الآخرة
وفيها أبو المطرف القنازعي الفقيه عبد الرحمن بن مروان القرطبي المالكي ولد سنة إحدى وأربعين وثلثمائة وسمع من أبي عيسى الليثي وطبقته وقرأ القراءات على جماعة منهم علي بن محمد الأنطاكي ورحل فأكثر عن الحسن ابن رشيق وعن أبي محمد بن أبي زيد ورجع فأقبل على الزهد والانقباض ونشر العلم والإقراء والعبادة والأوراد والمطالعة والتصنيف فشرح الموطأ وصنف كتابا في الشروط وكان أقرأ من بقي بالأندلس
وفيها أبو القسم عبد العزيز بن جعفر بن خواشتي أبو القسم الفارسي ثم البغدادي المقرئ المحدث مسند أهل الأندلس في زمانه ولد سنة عشرين
وثلثمائة وسمع من إسماعيل الصفار وابن داسه وطبقتهما وقرأ بالروايات على أبي بكر النقاش وعبد الواحد بن أبي هاشم وكان تاجرا توفي في ربيع الأول وقد أكثر عنه أبو عمرو الداني
وفيها علي بن هلال أبو الحسن بن البواب صاحب الخط المنسوب كتب على محمد بن أسد وأخذ العربية عن ابن جني وكان في شبيبته مزوقا دهانا في السقوف ثم صار يذهب الختم وغيرها فبرع في ذلك ثم عني بالكتابة ففاق فيها الأوائل والأواخر ووعظ وعبر الرؤيا وقال النظم والنثر ونادم فخر الملك أبا غالب الوزير ولم يعرف الناس قدر خطه إلا بعد موته لأنه كتب ورقة إلى كبير يشفع فيها في مساعدة إنسان بشيء لا يساوي دينارين وقد بسط القول فيها فلما كان بعد موته بمدة بيعت تلك الورقة بسبعة عشر دينارا قال الخطيب كان رجلا دينا لا أعلمه روى شيئا وقال ابن خيرون كان من أهل السنة توفي في جمادى الأولى ودفن جوار الإمام أحمد بن حنبل ورثاه بعضهم بقوله
( استشعر الكتاب فقدك سالفا ** وقضت بصحة ذلك الأيام )
( فلذاك سودت الدوى كآبة ** أسفا عليك وشقت الأقلام )
وفيها أبو الفضل الجارودي محمد بن أحمد بن محمد الهروي الحافظ في شوال روى عن حامد الرفا والطبراني وطبقتهم وكان شيخ الاسلام اذا روى عنه قال حدثنا إمام أهل المشرق الجارودي وقال أبو النصر الفامي كان عديم النظير في العلوم خصوصا في علم الحفظ والتحديث وفي التقلل من الدنيا والاكتفاء بالقوت وحيدا في الورع قاله في العبر
وفيها المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان البغدادي الكرخي ويعرف أيضا بابن المعلم عالم الشيعة وإمام الرافضة وصاحب التصانيف الكثيرة قال ابن أبي طي في تاريخ الإمامية هو شيخ مشايخ الصوفية ولسان الإمامية رئيس
الكلام والفقه والجدل وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة العظيمة في الدولة البويهية قال وكان كثير الصدقات عظيم الخشوع كثير الصلاة والصوم حسن اللباس وقال غيره كان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد وكان شيخا ربعة نحيفا أسمر عاش ستا وسبعين سنة وله أكثر من مائتي مصنف كانت جنازته مشهورة شيعه ثمانون ألفا من الرافضة والشيعة وأراح الله منه وكان موته في رمضان رحمه الله قاله في العبر
سنة أربع عشرة وأربعمائة
فيها توفي أبو القسم تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر البجلي الرازي ثم الدمشقي الحافظ ولد الحافظ أبي الحسين في ثالث المحرم وله أربع وثمانون سنة روى عن خيثمة وأبي علي الحضايري وطبقتهما قال الكتاني كان ثقة لم أر أحفظ منه في حديث الشاميين وقال أبو علي الأهوازي ما رأيت مثله في معناه قال أبو بكر الحداد ما رأينا مثل تمام في الحفظ والخير
وفيها أبو عبد الله الغضايري الحسين بن الحسن بن محمد بن حليس المخزومي البغدادي روى عن الصولي والصفار وجماعة قال الخطيب كتبنا عنه وكان ثقة فاضلا مات في المحرم
وفيها الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسحق بن أبي كامل الاطرابلسي العدل روى عن خال أبيه خيثمة وطائفة بدمشق ومصر
وفيها أبو عبد الله بن فتحويه الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي الدينوري بنيسابور في ربيع الآخر وكان ثقة مصنفا روى عن أبي بكر السني وعيسى ا 4 بن حامد الرخجي وطبقتهما وحصل له خشمة ومال
وفيها أبو الحسن بن جهضم علي بن عبد الله بن الحسن بن جهضم الهمذاني شيخ الصوفية بالحرم ومؤلف كتاب بهجة الأسرار في التصوف روى عن
أبي سلمة القطان وأحمد بن عثمان الأدمي وعلي بن أبي العقب وطبقتهم وأكثر الناس عنه وطال عمره قال ابن خيرون قيل أنه يكذب وقال غيره اتهموه بوضع الحديث
وفيها الإمام أبو الحسن بن ماشاذه علي بن محمد بن أحمد بن ميله الأصفهاني الفقيه الفرضي الزاهد روى عن أحمد بن حكيم وأبي علي المصاحفي وعبد الله بن جعفر بن فارس وطائفة وأملى عدة مجالس قال أبو نعيم وبه ختم كتاب الحلية ختم المتحقق بطريقة الصوفية بأبي الحسن لما أولاه الله من فنون العلم والسخاء والفتوة كان عارفا بالله فقيها عاملا له الحظ الجزيل من الأدب وقال أبو نعيم أيضا كانت لا تأخذه في الله لومة لائم كان ينكر على المشبهة بالصوفية وغيرهم فساد مقالتهم في الحلول والإباحة والتشبيه
وفيها أبو عمر الهاشمي القسم بن سعد بن عبد الواحد العباسي البصري الشريف القاضي من ولد الأمير جعفر بن سليمان ولد سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة وسمع من اللؤلؤي سنن أبي داود ومن أبي العباس الأثرم وعلي بن إسحق المادراي وطائفة قال الخطيب كان ثقة أمينا ولى قضاء البصرة ومات بها في ذي القعدة
وفيها الحافظ أبو سعيد النقاش محمد بن علي بن عمر بن مهدي الأصبهاني الحنبلي صاحب التصانيف في رمضان روى عن ابن فارس وإبراهيم الجهمي وأبي بكر الشافعي وطبقتهم وكان ثقة صالحا قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين كان حافظا إماما ذا إتقان رحل وطوف وصنف مع الصدق والأمانة والتحرير
وفيها أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان الحفار ببغداد وله اثنتان وتسعون سنة روى عن ابن عياش القطان وابن البختري وطائفة قال الخطيب صدوق كتبنا عنه
وفيها أبو زكريا المزكي يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري شيخ العدالة ببلده كان صالحا زاهدا ورعا صاحب حديث كأبيه أبي إسحق المزكي روى عن الأصم وأقرانه ولقى ببغداد النجاد وطبقته وأملى عدة مجالس ومات في ذي الحجة
سنة خمس عشرة وأربعمائة
فيها توفي أبو الحسن المحاملي شيخ الشافعية أحمد بن محمد بن أحمد بن القسم ابن إسماعيل الضبي تفقه على والده أبي الحسين وعلى الشيخ أبي حامد الاسفرائيني ورحل به أبوه فأسمعه بالكوفة من أبي السر البكائي ومات في ربيع الآخر عن سبع وأربعين سنة وكان عديم النظير في الذكاء والفطنة صنف عدة كتب قال الشيخ أبو حامد هو اليوم أحفظ للفقه مني وحكى ابن الصلاح عن الفقيه سليم أن المحاملي لما صنف كتبه المقنع والمجرد وغير ذلك من كتب أستاذه أبي حامد ووقف عليها قال نثر كتبي نثر الله عمره فما عاش إلا يسيرا حتى مات ونفذت فيه دعوة الشيخ أبي حامد ومن تصانيفه المجموع قريب من حجم الروضة مشتمل على نصوص كثيرة وكتاب رؤس المسائل مجلدان وكتاب عدة المسافر وغير ذلك
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن الحاج بن يحيى الإشبيلي المعدل بمصر في صفر سمع عثمان بن محمد السمرقندي وأبا الفوارس الصابوني وطبقتهما بمصر والشام وانتقى عليه أبو نصر السجزي
وفيها القاضي عبد الجبار بن أحمد أبو الحسن الهمذاني الاستراباذي المعتزلي صاحب التصانيف عمر دهرا في غير السنة وروى عن أبي الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان وعبد الله بن جعفر بن فارس وطبقتهما قال ابن قاضي شهبة في طبقاته عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن الخليلي القاضي
أبو الحسن الهمداني قاضي الري وأعمالها وكان شافعي المذهب وهو مع ذلك شيخ الاعتزال وله المصنفات الكثيرة في طريقم وفي أصول الفقه قال ابن كثير في طبقاته ومن أجل مصنفاته وأعظمها كتاب دلائل النبوة في مجلدين أبان فيه عن علم وبصيرة جيدة وقد طال عمره ورحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا به مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربعمائة
انتهى كلام ابن شهبة بحروفه
وفيها العيسوي أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي العباسي البغدادي قاضي مدينة المنصور مات في رجب وحدث عن أبي جعفر بن البحتري وطائفة
وفيها أبو الحسين بن بشران علي بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي البغدادي المعدل سمع ابن البختري وطبقته قال الخطيب كان صدوقا ثبتا تام المروءة ظاهر الديانة ولد في سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وتوفي في شعبان كتبنا عنه
وفيها الجرجرائي بفتح الجيمين والراء الثانية نسبة إلى جرجرايا بلد بين بغداد وواسط محمد بن إدريس بن الحسن بن ذئب نزيل بخارا وبها مات كان من الحفاظ الأثبات ودفن ببيكند أبو حفص عمر بن محمد النسفي في كتابه القند في حفاظ سمرقند وذكره ابن ناصر الدين في الحفاظ ولكن جزم بوفاته في السنة التي قبلها قال في بديعته
( الجرجرائي فتى إدريس ** دار يروم تحفة النفوس )
وفيها أبو الحسين القطان محمد بن الحسين بن محمد بن الفضل الأزرق البغدادي الثقة ولد سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وتوفي في رمضان روى عن إسماعيل الصفار ومحمد بن يحيى بن علي بن حرب وطبقتهما وكان مكثرا
وفيها أبو عبد الله القيرواني محمد بن سفين صاحب كتاب الهادي في
القراءات تفقه على أبي الحسن القابسي ورحل فأخذ القراءات عن ابن غلبون وغيره قال أبو عمرو الداني كان ذا فهم وحفظ وعفاف
سنة ست عشرة وأربعمائة
فيها مات السلطان شرف الدولة ونهبت خزائنه وتسلطن جلال الدولة أبو طاهر ولد بهاء الدولة بن عضد الدولة وهو يومئذ بالبصرة فخلع على وزيره علم الدين شرف الملك أبي سعيد بن ماكولا ثم أن الجند عدلوا إلى الملك أبي كاليجار ونوهوا باسمه وكان ولي عهد أبيه سلطان الدولة فخطب لهذا ببغداد واختبط الناس وأخذت العيارون الناس جهارا وكانوا يمشون بالليل بالشمع والمشاعل ويكبسون البيت ويأخذون صاحبه ويعذبونه إلى أن يقر لهم بذخائره وأحرقوا دار الشريف المرتضى ولم يخرج ركب من بغداد
وفيها توفي الحصيب بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن الحصيب أبو الحسين القاضي المصري حدث عن أبيه وعثمان بن السمرقندي وطائفة
وفيها أبو محمد النحاس عبد الرحمن بن عمر المصري البزاز في عاشر صفر وكان مسند الديار المصرية ومحدثها عاش بضعا وتسعين سنة وسمع بمكة من ابن الأعرابي وبمصر من أبي الطاهر المديني وعلي بن عبد الله بن أبي مطر وطبقتهما وأول سماعه في سنة إحدى وثلاثين وثلثمائة
وفيها أبو الحسن التهامي علي بن محمد الشاعر له ديوان مشهور دخل مصر يكتب من حسان بن مفرج فظفروا به وقتلوه سرا في جمادى الأولى قال ابن بسام الأندلسي في كتاب الذخيرة في حقه كان متميز الإحسان ذرب اللسان مخلى بينه وبين ضروب البيان يدل شعره على فوز القدح دلالة النسيم
على الصبح ويعرب عن مكانه من العلوم إعراب الدمع عن سر الهوى المكتوم وقال ابن خلكان له ديوان شعر صغير أكثره نخب ومن لطيف نظمه قوله من جملة قصيدة طويلة يمدح بها الوزير أبا القسم
( قلت لخلي وثغور الربا ** مبتسمات وثغور الملاح )
( أيهما أحلى ترى منظرا ** فقال لا أعلم كل أقاح )
وله مرثية في ولده وكان قد مات صغيرا وهي في غاية الحسن ولم يمنعني من الإتيان بها إلا أن الناس يقولون هي محذورة فتركتها ولكن من جملتها بيتان في الحساد ومعناهما غريب
( إني لأرحم حاسدي لحرما ** ضمت صدورهم من الأوغار )
( نظروا صنيع الله بي فعيونهم ** في جنة وقلوبهم في نار )
ومنها في ذم الدنيا الدنيا
( جبلت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الأقذاء والأكدار )
( ومكلف الأيام ضد طباعها ** متطلب في الماء جذوة نار )
( وإذا رجوت المستحيل فإنما ** تبني الرجاء على شفير هار )
ومنها
( جاورت أعدائي وجاور ربه ** شتان بين جواره وجواري )
( وتلهب الأحشاء شيب مفرقي ** هذا الشعاع شواظ تلك النار )
وله بيت بديع من قصيدة وهو
( وإذا جفاك الدهر وهو أبو الورى ** طرا فلا تعتب على أولاده )
ورآه بعض أصحابه بعد موته في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي قال بأي الأعمال قال بقولي في مرثية ولدي
( جاورت أعدائي وجاور ربه ** شتان بين جواره وجواري )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو بكر القطان محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الطائي الداراني المعروف أيضا بابن الخلال كان زاهدا صالحا ثقة روى عن خيثمة وجماعة كثيرة
وفيها أبو عبد الله بن الحذاء القرطبي محمد بن يحيى التميمي المالكي المحدث عاش ثمانين سنة وروى عن أبي عيسى الليثي وأحمد بن ثابت وطبقتهما وحج فأخذ عن أبي القسم عبد الرحمن الجوهري وأبي بكر المهندس وطبقتهما وتفقه على أبي محمد الأصيلي وألف في تعبير الرؤيا كتاب البشرى في عشرة أسفار وولي قضاء إشبيلية وغيرها
وفيها مشرف الدولة السلطان أبو علي بن السلطان بهاء الدولة بن السلطان عضد الدولة الديلمي ولي مملكة بغداد وكان يرجع إلى دين وتصوف وحياء عاش ثلاثا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وكان مدة ملكه خمسة أعوام وخطب بعده لجلال الدولة بن بويه ثم نودي بعد أيام بشعار أبي كاليجار
سنة سبع عشرة وأربعمائة
فيها توفي قاضي العراق ابن أبي الشوارب أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن العباس بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي قال الخطيب كان نزها عفيفا سمع من عبد الباقي بن قانع ولم يحدث وعاش ثمانيا وثمانين سنة قد ولي القضاء أربعة وعشرون نفسا من أولاد محمد بن عبد الملك ابن أبي الشوارب منهم ثمانية ولوا قضاء القضاة هذا آخرهم
وفيها أبو العلاء صاعد بن الحسن الربعي البغدادي اللغوي الأديب نزل الأندلس وصنف الكتب وروى عن أبي بكر القطيعي وطائفة قال ابن بشكوال كان يتهم بالكذب وقال ابن خلكان صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللغوي صاحب كتاب الفصوص روى بالمشرق عن أبي سعيد
السيرافي وأبي علي الفارسي وأبي سليمان الخطابي ودخل الأندلس في أيام هشام بن الحكم وولاية المنصور بن عامر في حدود ثمانين وثلثمائة وأصله من بلاد الموصل ودخل بغداد وكان عالما باللغة والأدب والأخبار سريع الجواب حسن الشعر طيب المعاشرة فأكرمه المنصور وزاد في الإحسان إليه والأفضال عليه وكان مع ذلك محسنا للسؤال حاذقا في استخراج الأموال وجمع كتاب الفصوص نحا فيه منحى القالي في أماليه وأثابه عليه خمسة آلاف دينار وكان يتهم بالكذب في نقله فلهذا رفض الناس كتابه ولما دخل مدينة دانية وحضر مجلس الموفق مجاهد بن عبد الله العامري أمين البلد وكان في المجلس أديب يقال له بشار وكان أعمى يا أبا العلاء فقال لبيك فقال ما الجر نفل في كلام العرب فعرف أبو العلاء أنه وضع هذه الكلمة وليس لها أصل في اللغة فقال له بعد أن أطرق ساعة هو الذي يفعل بنساء العميان ولا يفعل بغيرهن ولا يكون الجرنفل جرنفلا حتى لا يتعداهن إلى غيرهن فخجل بشار وضحك من كان حاضرا وتوفي صاعد بصقلية ولما ظهر للمنصور كذبه في النقل وعدم تثبته رمى كتاب الفصوص في البحر لأنه قيل له جميع ما فيه لا صحة له فعمل فيه بعض شعراء عصره
( قد غاص في البحر كتاب الفصوص ** وهكذا كل ثقيل يغوص )
فلما سمع صاعد هذا البيت أنشد
( عاد إلى عنصره إنما ** يخرج من قعر البحور الفصوص )
وله أخبار كثيرة في الامتحان انتهى ملخصا
وفيها أبو بكر القفال المروزي عبد الله بن أحمد شيخ الشافعية بخراسان صار إمام الخراسانيين كما أن القفال الكبير الشاشي شيخ طريقة العراقيين لكن المروزي أكثر ذكرا في كتب الفقه ويذكر مطلقا وإذا ذكر الكبير قيد بالشاشي قال ابن قاضي شهبة عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي الإمام
الجليل أبو بكر القفال الصغير شيخ طريقة خراسان وإنما قيل له القفال لأنه كان يعمل الاقفال في ابتداء أمره وبرع في صناعتها حتى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات فلما كان ابن ثلاثين سنة أحس من نفسه ذكاء فأقبل على الفقه فاشتغل به على الشيخ أبي زيد وغيره وصار إماما يقتدى به فيه وتفقه عليه خلق من أهل خراسان وسمع الحديث وحدث وأملى قال الفقيه ناصر العمرى لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه ولا يكون بعده مثله وكنا نقول انه ملك في صورة إنسان وقال الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه أبو بكر القفال وحيذر زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه امتن طريقة وأكثرها تحقيقا رحل إليه الفقهاء من البلاد وتخرج به أئمة وذكر القاضي الحسين أن أبا بكر القفال كان في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء في الدرس ثم يرفع رأسه فيقول ما أغفلنا عما يراد بنا وقال الشيخ أبو محمد اخرج القفال يده فإذا على كفه آثار فقال هذا أثار عمل في ابتداء شبيبتي وكان مصابا بإحدى عينيه انتهى ما أورده ابن ملخصا
وفيها الحافظ أبو حازم عمرو بن أحمد المسعودي الهذلي النيسابوري الأعرج يوم عيد الفطر وكان صدوقا كتب عن عشرة أنفس عشرة آلاف جزء قاله ابن الاهدل وقال الخطيب كان ثقة صادقا حافظا عارفا انتهى
وفيها أبو محمد السكري عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار البغدادي صدوق مشهور روى عن اسماعيل الصفار وجماعة وتوفي في صفر
وفيها أبو الحسن الحمامي مقرئ العراق علي ابن أحمد بن عمر البغدادي قرأ القراءات على النقاش وعبد الواحد بن أبي هاشم وبكار وزيد بن أبي بلال وطائفة وبرع فيها سمع من عثمان بن السماك وطبقته وانتهى إليه علو الإسناد في القرآن وعاش تسعا وثمانين سنة وتوفي في شعبان
وفيها أبو حفص العكبري عمر بن احمد بن عثمان البزاز روى عن محمد ابن يحيى الطائي وجماعة وعاش سبعا وتسعين سنة ووثقه الخطيب
وفيها ابو نصر بن الجندي محمد بن أحمد بن هرون الغساني الدمشقي إمام الجامع ونائب الحكم ومحدث البلد روى عن خيثمة وعلى بن أبي العقب وجماعة قال الكتاني كان ثقة مأمونا توفي في صفر
سنة ثمان عشرة وأربعمائة
قال في الشذور جاء فيها برد وزن البردة رطلان وأكثر
وفيها اجتمعت الحاشية ببغداد وصمموا على الخليفة حتى عزل أبا كاليجار وأعيدت الخطبة لجلال الدولة أبي طاهر
وفيها ورد كتاب الملك محمود بن سبكتكين بما فتحه من بلاد الهند وكسره صنم سومنات وانهم فتنوا به وكانوا يأتونه من كل فج عميق ويقربون له القرابين حتى بلغت أوقافه عشرة آلاف قرية وامتلأت خزانة الصنم بالأموال وله ألف نفس يخدمونه وثلثمائة يلحقون حجاجه وثلثمائة يغنون فاستخار العبد في الانتداب له ونهض في شعبان سنة ست عشرة وأربعمائة في ثلاثين ألف فارس سوى المطوعة ووصلنا إلى بلد الصنم وملكنا الصنم والبلد وأوقدت النيران على الصنم حتى تقطع وقتلنا خمسين ألفا من أهل البلد وتقدم طرف من ذلك في سنة عشر
وفيها توفي أبو اسحق الإسفرائيني إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران الأصولي المتكلم الشافعي أحد الأعلام وصاحب التصانيف روى عن دعلج وطبقته وأملى مجالس وكان شيخ خراسان في زمانه توفي يوم عاشوراء وقد نيف على الثمانين وهو شيخ خراسان يقال انه بلغ رتبة الاجتهاد وله المصنفات الكثيرة منها الجامع في أصول الدين خمس مجلدات وتعليقة في أصول الفقه
وغير ذلك وخرج له ابو عبد الله الحاكم عشرة أجزاء وذكره في تاريخه لجلالته وقد مات الحاكم قبله قال في حقه قد أقر له العلماء بالتقدم قال وبنى له مدرسة لم يبن مثلها فدرس بها وبه تفقه القاضي أبو الطيب الطبري والقشيري والبيهقي وكان يقول أشتهى أن أموت بنيسابور ليصلي على جميع أهلها فتوفي بها يوم عاشوراء ثم نقل إلى بلده إسفرائين ودفن في مشهده المعروف
وفيها أبو القسم بن المغربي الوزير واسمه حسين بن علي الشيعي لما قتل الحاكم بمصر أباه وعمه واخوته هرب وقصد حسان بن مفرج الطائي ومدحه فاكرم مورده ثم وزر لصاحب ميافارقين احمد بن مروان الكردي وله شعر رائق وعدة تآليف عاش ثمانيا وأربعين سنة وكان من ادهى البشر وأذكاهم
وفيها أبو القسم السراج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله القرشي النيسابوري الفقيه روى عن الأصم وجماعة وكان من جلة العلماء توفي في صفر
وفيها عبد الوهاب بن الميداني محدث دمشق وهو ابو الحسين بن جعفر ابن علي روى عن أبي على بن هرون واتهم في روايته عنه وروى عن أبي عبد الله بن مروان وخلق قال الكتاني ذكر أبو الحسين أنه كتب بقنطار حبر وكان فيه تساهل
وفيها أبو بكر النسائي محمد بن زهير شيخ الشافعية بنسا وخطيب البلد روى عن الأصم وأبي سهل بن زياد القطان وطبقتهما
وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن أحمد بن الروزبهان البغدادي وروى عن الستوري وابن السماك وجماعة وتوفي في رجب قال الخطيب
صدوق
وفيها معمر بن أحمد بن محمد بن زياد أبو منصور الأصبهاني الزاهد شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان روى عن الطبراني وأبى شيخ ومات في رمضان
وفيها مكى بن محمد بن الغمر أبو الحسن التميمي الدمشقي المؤدب مستملي القاضي الميانجى أكثر عنه وعن أحمد بن البرامى وهذه الطبقة ورحل إلى بغداد فلقي القطيعي وكان ثقة
وفيها أبو القسم اللالكائي هبة الله بن الحسن الطبري الحافظ الفقيه الشافعي محدث بغداد تفقه على الشيخ أبي حامد وسمع من المخلص وطبقته وبالري من جعفر بن فناكى قال الخطيب كان يحفظ ويفهم صنف كتابا في شرح السنة في مجلدين وكتاب رجال الصحيحين ثم خرج في آخر أيامه إلى الدينور فمات بها في رمضان كهلا
سنة تسع عشرة وأربعمائة
فيها توفي ابن العالى أبو الحسين احمد بن محمد بن منصور البوشنجي خطيب بوشنج روى عن محمد بن أحمد بن دسيم وأبى أحمد بن عدي وطبقتهما بهراة وجرجان ونيسابور توفي في رمضان
وفيها عبد المحسن بن محمد الصوري شاعر محسن بديع القول قال ابن خلكان أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب الصورى الشاعر المشهور أحد المتقنين الفضلاء المجيدين الأدباء شعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام من محاسن أهل الشام له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان فمن محاسنه
( أترى بثأر أم بدين ** علقت محاسنها بعيني )
( في لحظها وقوامها ** ما في المهند والرديني )
( وبوجهها ماء الشباب ** خليط نار الوجنتين )
( بكرت علي وقالت أختر ** خصلة من خصلتين )
( أما الصدود أو الفراق ** فليس عندي غير ذين )
( فأجبتها ومدامعى ** تنهل فوق الوجنتين )
( لا تفعلى أن حال صد ** ك أو فراقك حان حيني )
( وكأنما قلت انهضي ** فمضت مسارعة بيني )
( ثم استقلت أين حلت ** عيسها رميت بأين )
( ونوائب أظهرن أيامي إلى بصورتين ** )
( سودتها و أطلتها ** فرأيت يوما ليلتين )
ومنها
( هل بعد ذلك من يعرفني ** النضار من اللجين )
( فلقد جهلتهما لبعد ** العهد بينهما وبيني )
( متكسبا بالشعر يا ** بئس البضاعة في اليدين )
( كانت كذلك قبل أن ** يأتي علي بن الحسين )
( فاليوم حال الشعر ثالثة ** كحال الشعرتين )
( أغنى وأعفى مدحه ** العافين عن كذب ومين )
وهذه القصيدة عملها عبد المحسن في علي بن الحسين والد الوزير أبي القسم المغربي ولها حكاية ظريفة وهي أنه كان بمدينة عسقلان رئيس يقال له ذو المنقبتين فجاء بعض الشعراء وامتدحه بهذه القصيدة وجاء في مديحها
( ولك المناقب كلها ** فلم اقتصرت على اثنتين )
فأصغى الرئيس إلى إنشاده واستحسنها وأجزل جائزته فلما خرج من عنده قال له بعض الحاضرين هذه القصيدة لعبد المحسن فقال أعلم هذا وأحفظ القصيدة
ثم أنشدها فقيل له كيف عملت معه هذا العمل من الإقبال عليه والجائزة السنية فقال لم افعل ذلك إلا لأجل البيت الذي ضمنها وهو قوله
( ولك المناقب كلها ** فلم اقتصرت على اثنتين )
فإن هذا البيت ليس لعبد المحسن وأنا ذو المنقبتين فاعلم قطعا أن هذا البيت ما عمل إلا في وهو في نهاية الحسن واجتاز الصورى يوما بقبر صديق له فأنشد
( عجبا لي وقد مررت على قبرك ** كيف اهتديت قصد الطريق )
( أتراني نسيت عهدك يوما ** صدقوا ما لميت من صديق )
انتهى ملخصا ومن شعره
( بالذي ألهم تعذيبي ** ثناياك العذابا )
( ما الذي قالته عينا ك ** لقلبي فأجابا )
وفيها أبو الحسن الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن داود البغدادي توفي في ربيع الآخر وله أربع وثمانون سنة روى عن أبي عمرو بن السماك وطبقته وقرأ على أبي بكر بن مقسم قال الخطيب كان كثير السماع والشيوخ والى الصدق ما هو
وفيها أبو بكر الذاكوني محمد بن أبي علي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الهمذاني الأصبهاني المعدل المحدث الصدوق عاش ستا وثمانين سنة ورحل إلى البصرة والكوفة والأهواز والرى والنواحي وروى عن أبي محمد بن فارس وأبي احمد القاضي العسال وفاروق الخطابي وطبقتهم وله معجم وتوفي في شعبان
وفيها أبو عبد الله بن الفخار محمد بن عمر بن يوسف القرطبي الحافظ شيخ المالكية وعالم أهل الأندلس روى عن أبي عيسى الليثي وطائفة وكان زاهدا عابدا متألها عارفا بمذاهب العلماء واسع الدائرة حافظا للمدونة عن ظهر قلب
والنوادر لابن أبي زيد مجاب الدعوة قال القاضي عياض كان احفظ الناس واحضرهم علما وأسرعهم جوابا وأوقفهم على اختلاف العلماء وترجيح المذاهب حافظا للأثر مائلا إلى الحجة والنظر وقال الذهبي عاش ستا وسبعين سنة
وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد البزاز ببغداد في ربيع الأول وله تسعون سنة وهو آخر من حدث عن الصفار وابن البختري وعمر الأشناني قال الخطيب كان صدوقا جميل الطريقة له أنسة بالعلم والفقه على مذهب أبي حنيفة والله أعلم
سنة عشرين وأربعمائة
فيها وقع برد عظام إلى الغاية كل واحدة رطل وأكثر حتى قيل أن بردة وجدت تزيد على قنطار وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع فكانت كالثور البارك وذلك بالنعمانية من العراق وهبت ريح لم يسمع بمثلها قلعت الأصول العاتية من الزيتون والنخيل
وفيها توفي أبو بكر المنقي أحمد بن طلحة البغدادي في ذي الحجة وكان ثقة روى عن النجاد وعبد الصمد الطستي
وفيا أبو الحسن بن البادا أحمد بن علي بن الحسن بن الهيثم البغدادي في ذي الحجة روى عن ابي سهل بن زياد وابن قانع وطائفة قال الخطيب كان ثقة من أهل القرآن والأدب والفقه على مذهب مالك
وفيها صالح بن مرداس أسد الدولة الكلابي كان من أمراء العرب قال ابن خلكان كان من عرب البادية وقصد مدينة حلب وبها مرتضى الدولة بن الجراح غلام أبي الفضائل أبي نصر بن سيف الدولة نيابة عن الظاهر بن
الحاكم العبيدي صاحب مصرفا فاستولى عليها وانتزعها منه وكان ذا بأس وعزيمة وأهل وعشيرة وشوكة وكان تملكه لها في ثالث عشر ذي الحجة سنة سبع عشرة وأربعمائة واستقر بها ورتب أمورها فجهز إليه الظاهر المذكور أمير الجيوش أنوشكين الدزبري في عسكر كثيف والدز برى بكسر الدال المهملة والباء الموحدة وبينهما زاي وفي الآخر راء نسبة إلى دزبر بن دويتم الديلمي وهو بالدال و الياء أيضا وكان بدمشق نائبا عن ظاهر وكان ذا شهامة وتقدمة ومعرفة بأسباب الحرب فخرج متوجها إليه فلما سمع صالح الخبر خرج إليه وتقدم حتى تلاقيا على الأقحوانة فتصافا وجرت بينهما مقتلة انجلت عن قتل صالح المذكور في جمادى الأولى وهو أول ملوك بني مرداس المتملكين بحلب والأقحوانة بضم الهمزة بلدة بالشام من أعمال فلسطين بالقرب من طبرية انتهى ملخصا
وفيها الحسين بن علي بن محمد البرذعي الهمداني سكن سمرقند وكان أحد محدثيها وكان سنوطا والسنوط الذي لا لحية له أصلا قال ابن ناصر الدين لم يكن للبرذغي في وجهه شعرة سوى حاجبيه وأشفار عينيه
وفيها أبو القسم الطرسوسى عبد الجبار بن أحمد شيخ الأقراء بالديار المصرية واستاذ مصنف العنوان قرأ على أبي أحمد السامرى وجماعة وألف كتاب المجتبي في القراءات وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو محمد التميمي عبد الرحمن بن أبي نصر عثمان بن القسم بن معروف الدمشقي رئيس البلد ويعرف بالشيخ العفيف روى عن إبراهيم بن أبي ثابت وخيثمة وطبقتهما وعاش ثلاثا وتسعين سنة قال أبو الوليد الدربندي كان خيرا من ألف مثله اسنادا واتقانا وزهدا مع تقدمه وقال رشا بن نظيف شاهدت سادات فما رأيت مثل أبي محمد بن أبي نصر كان قرة عين وقال عبد العزيز الكتاني توفي في جمادى الآخرة فلم أر أعظم من جنازته حضرها جميع
أهل البلد حتى اليهود والنصارى وكان عدلا مأمونا ثقة لم ألق شيخا مثله زهدا وورعا وعبادة ورياسة رحمه الله تعالى
وفيها ابن العجوز عبد الرحيم بن أحمد الكتامي المالكي قال القاضي عياض كان من كبار قومه واليه كانت الرحلة بالمغرب وعليه دارت الفتوى وفي عقبة أئمة نجباء أخذ عن ابن أبي زيد وأبى محمد الأصيلي وغيرهما
وفيها عبد الرحمن بن أحمد الشير نخشيري وشير نخشير من قرى مرو قاله ابن الأهدل أيضا
وفيها أبو الحسن الربعي على بن عيسى البغدادي شيخ النحو ببغداد أخذ عن أبي سعيد السيرافي وأبي علي الفارسي وصنف شرح الإيضاح لأبي علي وشرح مختصر الجرمى ونيف على التسعين وقيل أن أبا علي قال قولوا لعلي البغدادي لو سرت من المشرق إلى المغرب لم تجد أحدا أنحى منك وكان قد لازمه بضع عشرة سنة
وفيها أبو نصر العكبري محمد بن أحمد بن الحسين البقال والد أبي منصور محمد بن محمد روى عن أبي علي بن الصواف وجماعة وهو ثقة
وفيها أبو بكر الرباطي محمد بن عبد الله بن أحمد روى عن أبي أحمد العسال والجعابي وطائفة وأملى مجالس وتوفي في شعبان
وفيها المسجي الأمير المختار عبد الملك بن محمد بن عبيد الله بن احمد الحراني الأديب العلامة صاحب التآليف وكان رافضيا جاهلا له كتاب القضايا الصائبة في التنجيم في ثلاثة آلاف ورقة وكتاب الأديان والعبادات في ثلاثة آلاف وخمسمائة ورقة وكتاب التلويح والتصريح في الشعر ثلاث مجلدات وكتاب تاريخ مصر وكتاب أنواع الجماع في أربع مجلدات وعاش أربعا
وخمسين سنة قاله في العبر
سنة إحدى وعشرين وأربعمائة
فيها توفي القاضي أو بكر الحيري أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص الحرسي النيسابوري الشافعي في رمضان وله ست وتسعون سنة وكان رئيسا محتشما أماما في الفقه انتهى إليه علو الإسناد فروى عن أبي علي الميداني والأصم وطبقتهما وأخذ ببغداد عن أبي سهل القطان وبمكة عن الفاكهى وبالكوفة وجرجان وتفقه على أبي الوليد الفقيه وحذق في الأصول والكلام وولي قضاء نيسابور روى عنه الحاكم في تاريخه وآخر من حدث عنه الشيروي وقد صم بآخره حتى بقي يسمع شيئا ووافق شيخه الأصم وصنف في الأصول والحديث
وفيها أبو الحسين السليطي بفتح المهملة وكسر اللام نسبة إلى سليط جد أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري العدل النحوي في جمادي الأولى روى عن الأصم وغيره
وفيها أبو عمر بن دراج أحمد بن محمد بن العاص بن أحمد بن سليمان بن عيسى بن دراج الأندلسي القسطلى بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الطاء وتشديد اللام نسبة إلى قسطلة مدينة بالأندلس يقال لها قسطلة دراج الشاعر الكاتب الأديب شاعر الأندلس الذي قال فيه ابن حزم لو لم يكن لنا من فحول الشعراء إلا أحمد بن دراج لما تأخر عن شأو حبيب والمتنبي وكان من كتاب الإنشاء في أيام المنصور بن أبي عامر وقال الثعالبي كان مصقع الأندلس كالمتنبي مصقع الشام ومن نظمه قصيدته الرائية التي عارض بها أبا نواس
وأول قصيدة ابن دراج
( ألم تعلمي أن الثواء هو النوى ** وان بيوت العاجزين قبور )
( تخوفني طول السفار وأنه ** لتقبيل كف العامري سفير )
( دعيني أرد ماء المفاوز آجنا ** إلى حيث ماء المكرمات نمير )
( فإن خطيرات المهالك ضمن ** لراكبها أن الجزاء خطير )
ومنها في وصف وداعه لزوجته وولده الصغير
( ولما تدانت للوداع وقد هفا ** بصبري منها أنة وزفير )
( تناشدني عهد المودة والهوى ** وفي المهد مبغوم النداء صغير )
( عي بمرجوع الخطاب ولحظه ** بموقع أهواء النفوس خبير )
( تبوأ ممنوع القلوب ومهدت ** له أذرع محفوفة ونحور )
( فكل مفداة الترائب مرضع ** وكل محياة المحاسن ظير )
( عصيت شفيع النفس فيه وقادني ** رواح لتدآب الثرى وبكور )
( وطار جناح البين بي وهفت بها ** جوانح من ذعر الفراق تطير )
( لئن ودعت مني غيورا فأنني ** على عزمتي من شجوها لغيور )
( ولو شاهدتني والهواجر تلتظي ** علي ورقراق السراب يمور )
( اسلط حر الهاجرات إذا سطا ** على حر وجهي والأصيل هجير )
( وأستنشق النكباء وهي لوافح ** واستوطئ الرمضاء وهي تفور )
( وللموت في عين الجبان تلون ** وللذعر في سمع الجرئ صفير )
( لبان لها إني من البين جازع ** وإني على مض الخطوب صبور )
( أمير على غول النتايف ماله ** إذا ريع إلا المشرفي وزير )
( ولو بصرت بي والسرى جل عزمتي ** وجرسى لجنان الفلاة سمير )
( ودارت نجوم القطب حتى كأنها ** كؤوس مهى والي بهن مدير )
( وقد خليت طرق المجرة إنها ** على مفرق الليل البهيم قتير )
( وثاقب عزمى والظلام مروع ** وقد غض أجفان النجوم فتور )
( لقد أيقنت لن المنى طوع همتي ** وإني بعطف العامري جدير )
وهي طويلة وغالب شعره مستحسن وديوانه في مجلدين وكانت ولادته في المحرم سنة سبع وأربعين وثلثمائة ومات ليلة الأحد لست عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة
وفيها أبو إبراهيم إسمعيل بن ينال المروزى المحبوبي نسبة إلى جده محبوب سمع جامع الترمذي من أستاذهم محمد بن أحمد بن محبوب وهو آخر من حدث عنه توفي في صفر عن سبع وثمانين سنة قال أبو بكر السمعاني كان ثقة عالما أدركت نفرا من أصحابه
وفيها أبو عبد الله المعاذى الحسن بن أحمد بن محمد بن يحيى النيسابورى الأصم - والمعاذي بضم الميم وبالذال المعجمة نسبة إلى معاذ جد سمع من أبي العباس الأصم مجلسين فقط ومات في جمادى الأولى قاله الذهبي وقع لنا حديثه من طريق شيخ الإسلام
وفيها أبو عبد الله الحمال الحسين بن إبراهيم الأصبهاني روى عن أبي محمد ابن فارس وجماعة ومات في ربيع الأول وله جزء معروف
وفيها أبو علي البجاني بجانة الأندلس الحسين بن عبد الله بن الحسين ابن يعقوب المالكي وله خمس وتسعون سنة حمل عنه ابن عبد البر وأبو إسماعيل العباس العذري والكبار وكان أسند من بقي بالمغرب في رواية الواضحة لعبد الملك بن حبيب سمعها من سعيد بن فحلون في سنة ست وأربعين وثلثمائة عن يوسف المغامي عن المؤلف