كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
وفيها حمام بن أحمد القاضي أبو بكر القرطبي قال ابن حزم كان واحد عصره في البلاغة وسعة الرواية ضابطا أكثر عن أبي محمد الباجي وأبي عبد الله بن مفرج وولي قضاء يابرة وتوفي في رجب وله أربع وستون سنة
وفيها أبو سعيد الصيرفي محمد بن موسى بن الفضل النيسابوري كان ينفق على ألأصم ويخدمه بماله فاعتنى به الأصم وسمعه الكثير وسمع أيضا من جماعة وكان ثقة توفي في ذي الحجة
وفيها السلطان محمود بن سبكتكين سيف الدولة أبو القسم بن الأمير ناصر الدولة أبي منصور كان أبوه أميرا للغزاة الذين يغيرون من بلاد ما وراء النهر على أطراف الهند فأخذ عدة حصون وقلاع وافتتح ناحية بست وكان كراميا وأما محمود فافتتح غزنة ثم بلاد ما وراء النهر ثم استولى على سائر خراسان وعظم ملكه ودانت له الأمم وفرض على نفسه غزو الهند كل سنة فافتتح منه بلادا واسعة وكان ذا عزم وصدق في الجهاد قال عبد الغافر الفارسي كان صادق النية في إعلاء كلمة الله تعالى مظفرا في غزواته ما خلت سنة من سني ملكه عن غزوة أو سفرة وكان ذكيا بعيد الغور موفق الرأي وكان مجلسه مورد العلماء قال ابن خلكان وملك بلاد خراسان وانقطعت الدولة السامانية منها وذلك في سنة تسع وثمانين وثلثمائة واستثبت له الملك وسير له الامام القادر بالله خلعة السلطنة ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة وتبوأ سرير المملكة وقام بين يديه أمراء خراسان سماطين مقيمين برسم الخدمة وملتزمين حكم الهيبة وأجلسهم بعد الآذن العام على مجلس الأنس وأمر لكل واحد منهم وحاشيته من الخلع والصلات ونفائس الأمتعة ما لم يسمع بمثله وإتسقت
الأمور عن آخرها في كنف إيالته واستوثقت الأعمال في ضمن كفالته ثم أنه ملك سجستان في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة بدخول قوادها وولاة أمورها في طاعته من غير قتال ولم يزل يفتح بلاد الهند إلى أن انتهى إلى حيث لم تبلغه في الإسلام راية ولم تتل به سورة قط ولا آية فدحض عنها أدناس الشرك وبنى بها مساجد وجوامع وتفصيل حاله يطول شرحه وذكر شيخنا ابن الأثير في تاريخه أن بعض الملوك بقلاع الهند أهدى له هدايا كثيرة من جملتها طائر على هيئة القمري من خاصيته انه إذا حضر الطعام وفيه سم دمعت عيناه وجرى منها ماء وتحجر فإذا حل ووضع على الجراحات الواسعة ألحمها وذلك في سنة أربع عشرة وأربعمائة وذكر أمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني في كتابه الذي سماه مغيث الخلق في اختيار الأحق أن السطان محمود المذكور كان على مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه وكان مولعا بعلم الحديث وكانوا يسمعون الحديث من الشيوخ بين يديه وهو يسمع وكان يستفسر الأحاديث فوجد أكثرها موافقا لمذهب الشافعي رضي الله عنه فوقع في خلده حكمة ذلك فصار شافعيا وذكر قصة القفال في الصلاة بين يديه على كل من المذهبين وبالجملة فمناقبه كثيرة وسيرته أحسن السير ومولده ليلة عاشوراء سنة إحدى وستين وثلثمائة وتوفي بغرنة وقبره بها يزار ويدعى عنده وقد صنف في حركاته وسكناته وأحواله لحظة لحظة رحمه الله تعالى وتوفي في جمادي الأولى
سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة
فيها توفي القادر بالله الخليفة أبو العباس أحمد بن الأمير اسحق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي توفي ليلة الحادي عشر من ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة وكانت خلافته إحدى ورأبعين سنة وثلاثة أشهر وكان أبيض كث اللحية طويلها يخضب شيبه قال الخطيب كان من الديانة وأدامة
التهجيد وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه صنف كتابا في الأصول فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم وتكفير المعتزلة القائلين بخلق القرآن فكان يقرأ كل جمعة ويحضره الناس مدة وقال أبو الحسن الأبهري أرسلني بهاء الدولة إلى القادر بالله فسمعته ينشد
( سبق القضاء بكل ما هو كائن ** والله يا هذا لرزقك ضامن )
( تعنى بما يفنى وتترك ما به ** تغنى كأنك للحوادث آمن )
( أو ما ترى الدنيا ومصرع أهلها ** فاعمل ليوم فراقها يا خائن )
( واعلم بأنك لا أبالك في الذى ** أصبحت تجمعه لغيرك خازن )
( يا عامر الدنيا أتعمر منزلا ** لم يبق فيه مع المنية ساكن )
( الموت شيء أنت تعلم أنه ** حق وأنت بذكره متهاون )
( أن المنية لا تؤامر من أتت ** في نفسه يوما ولا تستأذن )
فقلت الحمد الله الذي وفق أمير المؤمنين لإنشاد مثل هذه الأبيات فقال بل لله المنة إذا ألهمنا لذكره ووفقنا لشكره ألم تسمع قول الحسن البصري في أهل المعاصي هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء قال الذهبي كان في هذا العصر رأس الأشعرية أبو إسحق الإسفرائيني ورأس والمعتزلة القاضي عبد الجبار ورأس الرافضة الشيخ المفيد ورأس الكرامية محمد بن الهيضم ورأس القراء أبو الحسن الحمامى ورأس المحدثين الحافظ عبد الغني بن سعيد ورأس الصوفية أبو عبد الرحمن السلمى ورأس الشعراء أبو عمر ابن دراج ورأس المجودين ابن البواب ورأس الملوك السلطان محمود بن سبكتكين قلت ويضم إلى هذا رأس الزنادقة الحاكم بأمر الله ورأس اللغويين الجوهري ورأس النجاة ابن جني ورأس البلغاء البديع ورأس الخطباء ابن نباتة ورأس المفسرين أبو القسم بن حبيب النيسابوري ورأس الخلفاء القادر فإنه من أعلامهم تفقه وصنف وناهيك بأن الشيخ تقي الدين بن الصلاح عدة من الفقهاء الشافعية
وأورده في طبقاتهم ومدته في الخلافة من أطول المدد انتهى ما أورده السيوطي وقال الذهبي لما مات القادر بالله استخلف ابنه القائم بأمر الله وله احدى وثلاثون سنة فبايعه الشريف المرتضى ثم إن الأمير حسن بن عيسى بن المقتدر قام وقامت الأتراك على القائم بالرسم الذي للبيعة فقال إن القادر لم يخلف مالا وصدق لأنه كان من أفقر الخلفاء وصالحهم على ثلاثة آلاف دينار ليس إلا وعرض القائم خانا وبستانا للبيع وصغر دست الخلافة إلى هذا الحد انتهى
وفيها أبو القسم الكتاني طلحة بن علي بن الصقر البغدادي كان ثقة صالحا مشهورا عاش ستا وثمانين سنة ومات في ذي القعدة وروى عن النجاد وأحمد ابن عثمان الأدمى ودعلج وجماعة
وفيها أبو المطرف بن الحصار قاضي الجماعة بالأندلس عبد الرحمن بن أحمد ابن سعيد بن غرسية مات في آخر الكهولة وكان عالما بارعا ذكيا متفننا فقيه النفس حاضر الحجة صاحب سنة توفي في شعبان
وفيها القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر أبو محمد البغدادي المالكي أحد الأعلام سمع من عمر بن سنبك وجماعة وتفقه على ابن القصار وابن الجلاب ورأى أبا بكر الابهري وانتهت إليه رياسة المذهب قال الخطيب لم ألق في المالكية أفقه منه ولي قضاء بادرايا وتحول في آخر أيامه إلى مصر فمات بها في شعبان وقد ساق القاضي ابن خلكان نسب القاضي عبد الوهاب إلى مالك بن طوق الثعلبي صاحب الرحبة قاله في العبر وقال أبو إسحق الشيرازي سمعت كلامه في النظر وكان فقيها متأدبا شاعرا له كتب كثيرة في كل فن وعاش ستين سنة وذكره ابن بسام في كتاب الذخيرة فقال كان فقيه الناس ولسان أصحاب القياس وقد وجدت له شعرا معانيه أجلى من الصبح وألفاظه أحلى من الظفر بالنجح ونبت به بغداد كعادة البلاد بذوي فضلها وكحكم الأيام في محسني أهلها فودع ماءها وظلها وحدثت أنه شيعه يوم فصل عنها من أكابرها وأصحاب
محابرها جملة موفروة وطوائف كثيرة وأنه قال لهم لو وجدت بين ظهرانيكم رغيفين كل غداة وعشية ما عدلت ببلد بلوغ أمنية وفي ذلك يقول
( سلام على بغداد في كل موطن ** وحق لها مني سلام مضاعف )
( فوالله ما فارقتها عن قلي لها ** وإني بشطي جانبيها لعارف )
( ولكنها ضاقت علي بأسرها ** ولم تكن إلا رزاق فيها تساعف )
( وكانت كخل كنت أهوى دنوه ** وأخلاقه تنأى به وتخالف )
واجتاز بطريقه بمعرة النعمان وكان قاصدا مصر وبالمعرة يومئذ أبو العلاء فأضافه وفي ذلك يقول من أبيات
( والمالكي ابن نصر زار في سفر ** بلادنا فحمدنا النأي والسفرا )
( إذا تفقه أحيا مالكا جدلا ** وينشر الملك الضليل أن شعرا )
ثم توجه إلى مصر فحمل لواءها وملأ أرضها وسماءها وأمتع سادتها وكبراءها وتناهت إليه الغرائب وإنثالت في يديه الرغائب فمات لأول ما وصلها من أكلة اشتهاها فأكلها وزعموا أنه قال وهو يتقلب ونفسه تتصعد وتتصوب لا اله إلا الله إذا عشنا متناوله أشعار رائقة ظريفة فمن ذلك قوله
( ونائمة قبلتها فتنبهت ** فقالت تعالوا فاطلبوا اللص بالحد )
( فقلت لها إني فديتك غاصب ** وما حكموا في غاصب بسوي الرد )
( خذيها وكفي عن أثيم ظلامة ** وإن أنت لم ترضي فألفا على العد )
( فقالت قصاص يشهد العقل أنه ** على كبد الجاني ألذ من الشهد )
( فباتت يميني وهي هميان خصرها ** وباتت يساري وهي واسطة العقد )
( فقالت ألم أخبر بأنك زاهد ** فقلت بلى ما زلت أزهد في الزهد )
وكانت ولادته ببغداد يوم الخميس سابع شوال سنة اثنتين وستين وثلثمائة توفي ليلة الاثنين رابع عشر صفر بمصر ودفن بالقرافة الصغرى فيما بين قبة الشافعي رضي الله عنه وباب القرافة وكان أبوه من أعيان الشهود ببغداد
وكان أخوه أبو الحسن محمد بن علي بن نصر أديبا فاضلا صنف كتاب المفاوضة للملك العزيز جلال الدولة أبي منصور بن أبي طاهر بن بويه جمع فيه ما شاهده وهو من الكتب الممتعة في ثلاثين كراسة وله رسائل ومولده ببغداد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وتوفي يوم الأحد سابع عشرى شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربعمائة بواسط وكان قد أصعد إليها من البصرة فمات بها
وتوفي أبوهما أبو الحسن على يوم السبت ثاني شهر رمضان سنة إحدى وتسعين وثلثمائة قاله ابن خلكان
وفيها أبو الحسن الطرازي على بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي ثم النيسابوري الأديب روى عن الأصم وأبي حامد بن حسنويه وجماعة وبه ختم حديث الأصم توفي في الرابع والعشرين من ذي الحجة
وفيها أبو الحسن بن عبد كويه علي بن يحيى بن جعفر أمام جامع أصبهان في المحرم حج وسمع باصبهان والعراق والحجاز وحدث عن أحمد بن بندار الشعار وفاروق الخطابي وطبقتهما وأملى عدة مجالس
وفيها محمد بن مروان بن زاهر أبو بكر الأبادي الإشبيلي المالكي أحد أركان المذهب كان واسع الرواية عالي الإسناد عاش ستا وثمانين سنة وحدث عن محمد ابن معوية القرشي وأبي علي القالي وطائفة وهو والد الطبيب عبد الملك وجد الطبيب العلامة الرئيس أبي العلاء زهر
وفيها محمد بن يوسف القطان الحافظ أبو أحمد الأعرج النيسابوري مات كهلا ولم ينشر حديثه روى عن أبي عبد الله الحاكم وطبقته ورحل إلى العراق والشام ومصر
وفيها أبو نصر المفسر منصور بن الحسين بنيسابور مات قبل الطرازي وحدث عن الأصم وغيره
وفيها يحيى بن عمار الإمام أبو زكريا الشيباني السجستاني الواعظ نزيل هراة روى عن حامد الرفا وطبقته وكان له القبول التام بتلك الديار لفصاحته وحسن موعظته وبراعته في التفسير والسنة وخلف أموالا كثيرة ومات في ذي القعدة وله تسعون سنة
سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
فيها سار الملك المسعود بن محمود بن سبكتكين فدخل أصبهان بالسيف وقتل عالما لا يحصون وفعل مالا تفعله الكفرة
وفيها توفي أبو القسم الحرقي عبد الرحمن بن عبيد الحربي المحدث قال الخطيب كان صدوقا غير أن سماعه في بعض ما رواه عن النجاد كان مضطربا مات في شوال وله سبع وثمانون سنة
وفيها أبو الحسن النعيمي علي بن أحمد بن الحسن بن محمد البصري الحافظ روى عن طائفة ومات كهلا قال الخطيب كان حافظا حاذقا متكلما شاعرا وقال ابن ناصر الدين كان شديد العصبية في السنة والديانة وإتهم بوضع حديث في صباه ثم تاب ولازم الثقة والصيانة
وفيها أبو الفضل الكاغدي منصور بن نصر السمرقندي مسند ما وراء النهر روى عن الهيثم الشاشي ومحمد بن عبد الله بن حمزة توفي بسمرقندي في ذي القعدة وقد قارب المائة
سنة أربع وعشرين وأربعمائة
فيها كما قال في العبر اشتد الخطب ببغداد بأمر الحرامية وأخذوا أموال الناس عيانا وقتلوا صاحب الشرطة وأخذوت لتاجر ما قيمته عشرة آلاف دينار
وبقي الناس لا يجسرون إن يقولوا فعل البرجمي فوفا منه بل يقولوا عنه القائد أبو علي وإشتهر عنه إنه لا يتعرض لامرأة ولا يدع أحدا يأخذ شيئا عليها
وفيها توفي أبو علي الفشيذيزجي بفتح الفاء وكسر المعجمة وتحتيتين ساكنتين وفتح المهملة بينهما والزاي وجيم نسبة إلى فشيديزة بلد الحسين ابن الخضر البخاري قاضي بخارا وشيخ الحنفية في عصره روى عن محمد بن محمد بن صابر وجماعة توفي في شعبان وقد خرج له عدة أصحاب
وفيها أبو طاهر الدقاق حمزة بن محمد بن طاهر الحافظ أحد أصحاب الدارقطني كان البرقاني يخضع لمعرفته وعلمه
وفيها الأمام أبو محمد بن ذنين عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان الصدفي الطليطلي روى عن أبي جعفر بن عون الله وطبقته وأكثر عن أبي محمد بن أبي زيد القيرواني وعن أبي بكر المهندس وأبي الطيب بن غلبون بمصر وكان زاهدا عابدا خاشعا مجاب الدعوة منقطع القرين عديم النظر مقبلا على الأثر والسنة أمارا بالمعروف لا تأخذه في الله لومة لائم مع الهيبة والعزة وكان يعمل كرمه بنفسه
وفيها أبو بكر الأردستاني بفتح الهمزة فسكون الراء ففتح المهملة فسكون المهملة ففتح الفوقية نسبة إلى إردستان بلد قرب إصبهان وقيل بكسر الهمزة والدال محمد بن إبراهيم الحافظ العبد الصالح روى صحيح البخاري عن إسماعيل بن حاجب وروى عن أبي حفص بن شاهين وهذه الطبقة
سنة خمس وعشرين وأربعمائة
فيها كما قال في الشذور هبت ريح سوداء بنصيبين فقلعت من بساتينها كثيرا ورمت قصرا مبنيا بآخر وحجارة وكلس ووقع هناك برد في أشكال الأكف والنامرد والأصابع وزلزلت الرملة فهدم نحو من نصفها وخسف بقرى وسقط بعض حائط بيت المقدس وسقطت منارة جامع عسقلان وجزر البحر نحو ثلاثة فراسخ فخرج الناس يتتبعون السمك والصدف فعاد الماء فأخذ قوما منهم انتهى
وفيها الحافظ الكبير الثقة البرقاني بالفتح نسبة إلى برقان قرية بخوارزم أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمى الفقيه الشافعي مولده بخوارزم سنة ست وثلاثين وثلثمائة وسمع بها بعد الخمسين من أبي العباس بن حمدان وجماعة وببغداد من أبي علي بن الصواف وطبقته وبهراة وبنيسابور وجرجان ومصر ودمشق قال الخطيب كان ثبتا ورعا لم ير في شيوخنا أثبت منه عارفا بالفقه كثير التصنيف ذا حظ من علم العربية صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان وجمع حديث الثورى وحديث شعبة وطائفة وكان حريصا على العلم منصرف الهمة إليه وقال أبو محمد الخلال كان البرقاني نسيج وحدة وقال الاسنوي كان المذكور إماما حافظا ورعا مجتهدا في العبادة حافظا للقرآن قال الشيخ في طبقاته تفقه في صباه وصنف في الفقه ثم اشتغل بعلم الحديث فصار فيه إماما وقال ابن الصلاح كان حريصا على العلم منصرف الهمة إليه لم يقطع التصنيف إلى حين وفاته قال وعاده الصورى في آخر جمادى الآخرة فقال له سألت الله أن يؤخر وفاتي حتى يهل رجب فقد روى أن فيه لله تعالى عتقاء من النار فعسى أن أكون منهم فاستجيب له انتهى كلام الأسنوي
وفيها أبو علي بن شاذان البزار الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن
الحسن بن محمد بن شاذان البغدادي ولد سنة تسع وثلاثين وثلثمائة وسمعه أبوه من أبي عمرو بن السماك وأبي سهل بن زياد والعباداني وطبقتهم فاكثر وطال عمره وصار مسند العراق قال الخطيب كان صدوقا صحيح السماع يفهم الكلام على مذهب ألاشعري سمعت أبا القسم الأزهري يقول أبو علي أوثق من برأ الله في الحديث وتوفي في آخر يوم من السنة ودفن من الغد في أول سنة ست وعشرين
وفيها ابن شبانة العدل أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الهمذاني روى عن أبي القسم عبد الرحمن بن عبيد وطائفة وكان صدوقا
وفيها أبو الحسن الجوبري بفتح الجيم والموحدة نسبة إلى جوبر قرية بدمشق عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر التميمي الدمشقي كان أبوه محدثا فأسمعه الكثير من علي بن أبي العقب وطائفة وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب
وفيها عبد الوهاب بن عبد الله بن عمر أبو نصر المري الدمشقي بن الحبان الشروطي الحافظ روى عن أبي عمر بن فضالة وطبقته وصنف كتبا كثيرة قاله الكتاني ومات في شوال
وفيها أبو الفضل الهروى الزاهد عمر بن إبراهيم روى عن أبي بكر الإسماعيلي وبشر بن أحمد الإسفرائيني وطبقتهما وكان فقيها عالما ذا زاهد وصدق وورع وتبتل
وفيها أبو بكر بن مصعب التاجر محمد بن علي بن إبراهيم الأصبهاني روى عن ابن فارس وأحمد بن جعفر السمسار وجماعة وتوفي في ربيع الأول
سنة ست وعشرين وأربعمائة
فيها زاد بلاء الحرامية وجاهروا بأخذ الأموال وبإظهار الفسق والفجور
والفطر في رمضان حتى تملكوا بغداد في المعنى
وفيها أبو عامر بن شهيد أحمد بن عبد الملك بن مروان بن ذي الوزارتين أحمد بن عبد الملك بن عمر بن شهيد الأشجعي القرطبي الشاعر حامل لواء البلاغة والشعر بالأندلس قال ابن حزم توفي في جمادي الأولى وصلى عليه أبو الحرم جمهور ولم يخلف له نظيرا في الشعر والبلاغة وكان سمحا جوادا عاش بضعا وأربعين سنة
وفيها أبو محمد بن الشقاق عبد الله بن سعيد كبير المالكية بقرطبة ورأس القراء توفي في رمضان وله ثمانون سنة أخذ عن أبي عمر بن المكوى وطائفة
وفيها أبو بكر المنيني محمد بن رزق الله بن أبي عمرو الاسود خطيب منين روى عن علي بن أبي العقب والحسين بن أحمد بن أبي ثابت وجماعة قال أبو الوليد الداربندي لم يكن بالشام من يكنى بأبي بكر غيره وكان ثقة وقال الكتاني توفي في جمادي الأولى وله أربع وثمانون سنة وكان يحفظ القرآن بأحرف
وفيها أبو عمرو الرزجاهي بفتح الراء والجيم وسكون الزاي نسبة إلى رزجاه قرية ببسطام محمد بن عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه الأديب المحدث تفقه على أبي سعد الصعلوكي وأكثر عن ابن عدي وطبقته ومات في ربيع الأول وله خمس وثمانون سنة وكان يقرئ العربية قاله في العبر والله تعالى أعلم
سنة وسبع وعشرين وأربعمائة
فيها توفي أبو إسحق الثعالي أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري المفسر روى عن أبي محمد المخلدي وطبقته من أصحاب السراج وكان حافظا واعظا رأسا في التفسير والعربية متين والديانة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان أو حد زمانه في علم التفسير وصنف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء وغير ذلك ذكره السمعاني وقال يقال له
الثعلبي والثعالبي وهو لقب له وليس بنسب قاله بعض العلماء وقال أبو القسم القشيري رأيت رب العزة عز وجل في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في إثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه أقبل الرجل الصالح فالتفت فإذا أحمد الثعالبي مقبل
انتهى ما قاله ابن خلكان مختصرا
وفيها أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد المصري الكاتب روى عن أبي أحمد بن الناصح وجماعة توفي في ربيع الآخر بمصر وله خمس وثمانون سنة
وفيها أبو القسم السهمي حمزة بن يوسف الجرجاني الثقة الحافظ من ذرية هشام بن العاص سمع سنة أربع وخمسين من محمد بن أحمد بن إسمعيل الصرام صاحب محمد بن الضريس ورحل إلى العراق سنة ثمان وستين فأدرك أبن ماسي وهو مكثر عن ابن عدي الإسماعيلي وكان من أئمة الحديث حفظا ومعرفة واتقانا
وفيها أبو الفضل الفلكي علي بن الحسين الهمداني الحافظ رحل الكثير وروى عن أبي الحسين بن بشران وأبي بكر الحيري وطبقتهما ومات شابا قبل أوان الرواية ولو عاش لما تقدمه أحد في الحفظ والمعرفة لفرط ذكائه وشدة اعتنائه وقد صنف كتاب المنتهى في الكمال في معرفة الرجال ألف جزء لم يبيضه قال شيخ الإسلام الأنصاري ما أريت أحدا أحفظ من أبي الفضل ابن الفلكي ومات بنيسابور وكان جده يلقب بالفلكي لبراعته في الهيئة والحساب
وفيها أبو علي الجياني الحسين بن محمد الغساني الأندلسي المحدث له كتاب تقييد المهمل إجاد فيه وأحسن وكان من أفراد الحفاظ مع معرفة الغريب والشعر والنسب وحسن الحظ وجيان بلدة كبيرة بالأندلس وجيان أيضا من أعمال الري قاله ابن الأهدل
وفيها الظاهر لإعزاز دين الله علي بن الحاكم منصور بن العزيز العبيدي
المصري صاحب مصر والشام بويع بعد أبيه وشرعت دولتهم في انحطاط منذ ولي وتغلب حسان بن مفرج الطائي على أكثر الشام وأخذ صالح بن مرداس حلب وقوي نائبهم على القيروان وقد وزر للظاهر الوزير نجيب الدولة على بن أحمد الجرجراي وكان هذا اقطع اليدين من المرفقين قطعهما الحاكم في سنة أربع وأربعمائة فكان يكتب العلامة عنه القاضي القضاعي قال ابن خلكان قطعت يداه في شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعمائة على باب القصر البحري بالقاهرة وحمل إلى داره وكان يتولى بعض الدواوين فظهرت عليه خيانة فقطع بسببها ثم بعد ذلك ولي ديوان النفقات سنة تسع وأربعمائة ثم وزر للظاهر في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة وهذا كله بعد أن انتقل في الخدم بالأرياف والصعيد وكانت علامته في الكتابة الحمد لله شكرا لنعمته واستعمل العفاف والأمانة الزائدة من الاحتراز والتحفظ وفي ذلك يقول جاسوس الملك
( يا احمقا اسمع وقل ** ودع الرقابة والتحامق )
( أأقمت نفسك في الثقات ** وهبك فيما قلت صادق )
( فمن الأمانة والتقي ** قطعت يداك من المرافق )
وهو منسوب إلى جرجرايا بفتح الجيمين قرية من ارض العراق وكانت ولادة الظاهر يوم الأربعاء عاشر شهر رمضان سنة خمس وتسعين وثلثمائة بالقاهرة وكانت ولايته بعد فقد أبيه بمدة لأن أباه لما فقد كان الناس يرجون ظهوره ويتتبعون آثاره إلى أن تحقق عدمه فأقاموا ولده المذكور وتوفي ليلة الأحد منتصف شعبان بالمقص بالموضع المعروف بالدكة من القاهرة وتوفي وزيره الجرجراي سنة ست وثلاثين في سابع شهر رمضان وكانت وزارته للظاهر ولولده المستنصر سبع عشرة سنة وثمانية أشهر عشر يوما ولما توفي الظاهر بايعوا بعده ولده المستنصر وهو صبي
وفيها محمد بن المزكي أبي إسحق إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو عبد الله النيسابوري مسند نيسابور في زمانه روى عن أبيه وحامد الرفا ويحيى بن منصور القاضي وأبي بكر بن الهيثم الأنباري وطبقتهم وسمع منه الشيروي
سنة ثمان وعشرين وأربعمائة
فيها توفي أبو بكر الأصبهاني اليزدي أحمد بن علي بن محمد بن منجويه الحافظ نزيل نيسابور ومحدثها صنف التصانيف الكثيرة ورحل ووصل إلى بخارا وحدث عن أبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر بن المقرئ وطبقتهما روى عنه شيخ الإسلام وقال هو احفظ من رأيت من البشر قاله في العبر وتوفي في المحرم وله إحدى وثمانون سنة وقال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المجودين ومن أهل الورع والدين ثقة من الإثبات صنف على الصحيحين وجامع الترمذي وسنن أبي داود مصنفات انتهى
وفيها أبو بكر بن النمط أحمد بن محمد بن الصقر البغدادي المقرئ الثقة العابد روى عن أبي بكر الشافعي وفاروق وطبقتهما
وفيها أبو الحسين القدوري أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان البغدادي الفقيه شيخ الحنفية بالعراق انتهت إليه رياسة المذهب وعظم جاهه وبعد صيته وكان حسن العبارة في النظم وسمع الحديث وروى عنه أبو بكر الخطيب صاحب التاريخ وصنف في المذهب المختصر المشهور وغيره وكان يناظر الشيخ أبا حامد الإسفرائيني الفقيه الشافعي ويبالغ في تعظيمه بحيث حكى عنه ابن خلكان انه كان يفضل الإسفرائيني على الشافعي وهذا عجب عجاب وكانت ولادة القدورى سنة اثنتين وستين وثلثمائة وتوفي يوم الأحد خامس رجب من هذه السنة ببغداد ودفن من يومه بداره في درب أبي خلف ثم نقل إلى تربة في شارع المنصور فدفن بجانب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي
وفيها أبو علي بن سينا الرئيس الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا صاحب التصانيف الكثيرة في الفلسفة والطب وله من الذكاء الخارق والذهن الثاقب ما فاق به غيره وأصله بلخى ومولده ببخارا وكان أبوه من دعاة الإسماعيلية فأشغله في الصغر وحصل عدة علوم قبل أن يحتلم وتنقل في مدائن خراسان والجبال وجرجان ونال حشمة وجاها وعاش ثلاثا وخمسين سنة قال ابن خلكان في ترجمة ابن سينا اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم وأعتق مماليك وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم مات بهمذان يوم الجمعة في شهر رمضان قاله جميعه في العبر وقال ابن خلكان كان أبوه من العمال الكفاة تولى العمل بقرية من ضياع بخارا يقال لها خرميثن من أمهات قراها وولد الرئيس أبو علي وكذلك أخوه بها واسم أمه ستارة وهي من قرية يقال لها أفشنة بالقرب من خرميثن ثم انتقلوا إلى بخارا وتنقل الرئيس بعد ذلك في البلاد واشتغل بالفنون وحصل العلوم والفنون ولما بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهند والجبر والمقابلة ثم توجه نحوهم الحكيم أبو عبد الله الناتلي فأنزله أبو الرئيس عنده فابتدأ أبو علي يقرأ عليه كتاب ايساغوجي وأحكم عليه علم المنطق واقليدس والمجسطي وفاقه أضعافا كثيرة حتى أوضح له رموزه وفهمه اشكالات لم يكن الناتلي يدريها وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسمعيل الزاهد يقرأ ويبحث ويناظر ونظر في الفصوص والشروح وفتح الله تعالى عليه أبواب العلوم ثم رغب بعد ذلك في علم الطب وتأمل الكتب المصنفة فيه وعالج تأدبا لا تكسبا وعلمه حتى فاق فيه على الأوائل والأواخر في أقل مدة
وأصبح فيه عديم القرين فقيد المثيل واختلف إليه فضلاء هذا الفن يقرءون عليه أنواعه والمعالجات المقتبسة من التجربة وسنة إذ ذاك نحو ست عشرة سنه وفي مدة اشتغاله لم ينم ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة وكان إذا أشكلت عليه مسئلة توضأ وقصد المسجد الجامع وصلى ودعا الله عز وجل أن يسهلها عليه ويفتح مغلقها له وذكر عند الأمير نوح الساماني صاحب خراسان في مرضه فأحضره وعالجه حتى برئ واتصل به وقرب منه ودخل دار كتبه وكانت عديمة المثل فيها من كل فن الكتب المشهورة بأيدي الناس وغبرها وحصل نخب فرائدها واطلع على أكثر علومها واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة فتفرد أبو علي بما حصله من علومها وكان يقال ان ابا على توصل الى احراقها ليتفرد بمعرفة ما حصله منها وينسبه إلى نفسه ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها وتوفي أبوه وسن أبي علي اثنتان وعشرون سنة وكان يتصرف هو ووالده في الأحوال ويتقلدون للسلطان الأعمال وسار إلى همذان وتولى الوزارة لشمس الدولة ثم تشوش العسكر عليه فأغاروا على داره ونهبوها وقبضوا عليه وسألوا شمس الدولة قتله فامتنع ثم أطلق فتواري ثم مرض شمس الدولة بالقولنج فأحضره لمداواته وأعاده وزيرا ثم مات شمس الدولة وتولى تاج الدولة فلم يستوزره فتوجه إلى أصبهان وبها علاء الدولة بن كاكويه فأحسن إليه وكان أبو علي قوي المزاج وتغلب عليه قوة الجماع حتى أنهكته ملازمته وأضعفته ولم يكن يداوي مزاجه فعرض له قولنج فحقن نفسه في يوم واحد ثمان مرات فقرح بعض أمعائه وظهر له سحج واتفق سفره مع علاء الدولة فحدث له الصرع الحادث عقيب القولنج فأمر باتخاذ دانقين من كرفس في جملة ما يحقن به فجعل الطبيب الذي يعالجه فيه خمسة دراهم فازداد السحج
به من حدة الكرفس وطرح بعض غلمانه في بعض أدويته شيئا كثيرا من الأفيون وكان سببه أن غلمانه خانوه في شيء فخافوا عاقبة آمره عند برئه وكان منذ حصل له الألم يتحامل ويجلس مرة بعد أخرى ولا يحتمى ويجامع فكان يصلح أسبوعا ويمرض أسبوعا ثم قصد علاء الدولة همذان ومعه الرئيس فحصل له القولنج في الطريق ووصل إلى همذان وقد ضعف جدا وأشرفت قوته على السقوط فأهمل المداواة وقال المدبر الذي في بدني قد عجز عن تدبيره فلا تنفعني المعالجة ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء ورد المظالم على من عرفه وأعتق مماليكه وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة ثم مات في التاريخ المذكور وكان نادرة عصره في معرفته وذكائه وتصانيفه وصنف كتاب الشفاء في الحكمة والنجاة والإشارات والقانون وغير ذلك ما يقارب مائة مصنف ما بين مطول ورسالة في فنون شتى وله رسائل بديعة منها رسالة حي بن يقظان ورسالة سلامان ورسالة الطير وغيرها وانتفع الناس بكتبه وهو أحد فلاسفة المسلمين ومن شعره قوله في النفس
( هبطت إليك من المحل الأرفع ** ورقاء ذات تعزز وتمنع )
( محجوبة عن كل مقلة عارف ** وهي التي سفرت ولم تتبرقع )
( وصلت على كره إليك وربما ** كرهت فراقك وهي ذات تفجع )
( انفت وما ألفت فلما واصلت ** ألفت مجاورة الخراب البلقع )
( وأظنها نسيت عهودا بالحمى ** ومنازلا بفراقها لم تقنع )
( حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها ** من ميم مركزها بذات الأجرع )
( علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت ** بين المعالم والطلول الخضع )
( تبكي وقد ذكرت عهودا بالحمى ** بمدامع تهمى ولم تتقطع )
( حتى اذا قرب المسير الى الحمى ** ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع )
وغدت تغرد فوق ذروة شاهق ** والعلم يرفع كل من لم يرفع )
( وتعود عالمة بكل خفية ** في العالمين فخرقها لم يرقع )
( فهبوطها إذا كان ضربة لازم ** لتكون سامعة لما لم تسمع )
( فلأي شيء أهبطت من شاهق ** سام إلى قعر الحضيض الأوضع )
( إن كان أهبطها الإلة لحكمة ** طويت عن الفطن اللبيب الأروع )
( إذ عاقها الشرك الكثيف فصدها ** قفص عن الأوج الفسيح الأرفع )
( فكأنها برق تألق بالحمى ** ثم إنطفى فكأنه لم يلمع )
ومن المنسوب إليه قوله
( اجعل غذاءك كل يوم مرة ** واحذر طعاما قبل هضم طعام )
( واحفظ منيك ما استطعت فانه ** ماء الحياة يراق في الأرحام )
وفضائله كثيرة مشهورة وكانت ولادته في سنة سبعين وثلثمائة في شهر صفر وتوفي بهمذان يوم الجمعة من شهر رمضان ودفن بها وكان الشيخ كمال الدين بن يونس رحمه الله يقول أن مخدومه سخط عليه واعتقله فمات في السجن وكان يقول
( رأيت ابن سينا يداوي الرجال ** وفي السجن مات أخس الممات )
( فلم يشف ما نابه بالشفا ** ولم ينج من موته بالنجاة )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن الأهدل قال اليافعي طالعت كتابه الشفا وما اجدره بقلب الفاء قافا لاشتماله على فلسفة لا ينشرح لها قلب متدين والله أعلم بخاتمته وصحة توبته وقد كفره الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال وقال ابن الصلاح لم يكن من علماء الإسلام بل كان شيطانا من شياطين الأنس وأثنى عليه ابن خلكان انتهى كلام ابن الأهدل أيضا وقد تقدم ذكره مع ترجمة الفارابي فليراجع
وفيها ذو القرنين أبو المطاع المطاع بن الحسن بن عبد الله بن حمدان وجيه الدولة بن ناصر الدولة الموصلي الأديب الشاعر الأمير ولي إمرة دمشق سنة إحدى وأربعمائة وعزل بعد أشهر من جهة الحاكم ثم وليها لابنه الظاهر سنة اثنتي عشرة وعزل ثم وليها ثالثا سنة خمس عشرة فبقى إلى سنة تسع عشرة وله شعر فائق منه قوله
( إني لأحسد لا في أسطر الصحف ** إذا رأيت عناق اللام للألف )
( وما أظنها طال اعتناقها ** إلا لما لقيا من شدة الشغف )
وتوفي في صفر
وفيها أبو طاهر البغدادي عبد الغفار بن محمد المؤدب روى عن أبي بكر الشافعي وأبي علي الصواف وعاش ثلاثا وثمانين سنة
وفيها أبو عمرو البغدادي عثمان بن محمد بن يوسف بن دوست صدوق روى عن النجاد وعبد الله بن إسحق الخراساني وتوفي في صفر
وفيها أبو الحسن الحنائي علي بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المقرئ المحدث الحافظ الناقد الزاهد روى عن عبد الوهاب الكلابي وخلق ورحل إلى مصر خرج لنفسه معجما كبيرا قال الكتاني توفي شيخنا وأستاذنا أبو الحسن في ربيع الأول وكنا من العباد وكانت له جنازة عظيمة ما رأيت مثلها وعاش ثمانيا وخمسين سنة
وفيها أبو علي الهاشمي الحنبلي محمد بن أحمد بن أبي موسى البغدادي صاحب التصانيف ومن إليه انتهت رياسة المذهب اخذ عن أبي الحسن التميمي وغيره وحدث عن ابن المظفر وكان رئيسا رفيع القدر بعيد الصيت قال ابن أن أبي يعلى في طبقاته كان سامي الذكر له القدم العالي والحظ الوافر عند الأمامين القادر بالله والقائم بأمر الله صنف الإرشاد في المذهب وشرح كتاب الخرقي وكانت حلقته بجامع المنصور يفتي ويشهد قرأت على المبارك بن عبد الجبار
من أصله في حلقتنا بجامع المنصور قلت له حدثك القاضي الشريف أبو علي قال باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب الديانات حقيقة الإيمان عند أهل الأديان الاعتقاد بالقلب والنطق باللسان إن الله عز وجل واحد أحد فرد صمد لا يغيره الأبد ليس له والد ولا ولد وإنه سميع بصير بديع قدير حكيم خبير علي كبير ولي نصير قوي مجير ليس له شبه ولا نظير ولا عون ولا ظهير ولا شريك ولا وزير ولا ند ولا مشير سبق الاشياء فهو قديم قدمها وعلم كون وجودها في نهاية عدمها لم تملكه الخواطر فتكفيه ولم تدركه الأبصار فتصفه ولم يخل من علمه مكان فيقع به التأيين ولم يعدمه زمان فينطلق عليه التأوين ولم يتقدمه دهر ولا حين ولا كان قبله كون ولا تكوين ولا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال ولا يدخل في الأمثال والأشكال صفاته كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمبتدعاته أو يضاف إلى مصنوعاته ليس كمثله شيء وهو السميع البصير أراد ما العالم فاعلوه ولم عصمهم لما خالفوه ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه خلق الخلائق وأفعالهم وقدر أرزاقهم وآجالهم لا سمي له في أرضه وسمواته على العرش استوى وعلى الملك احتوى وعلمه محيط بالأشياء كذلك سئل أحمد ابن محمد بن حنبل عن قوله عز وجل { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا } فقال علمه القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته غير محدث ولا مخلوق كلام رب العالمين في صدور الحافظين وعلى ألسن الناطقين وفي أسماع السامعين وبأكف الكاتبين و بملاحظة الناظرين برهانه ظاهر وحكمه قاهر ومعجزه باهر وان الله تعالى كلم موسى تكليما وتجلى للجبل فجعله دكا هشيما وإنه خلق النفوس وسواها وألهمها فجورها وتقواها والإيمان بالقدر خيره وشره وحلوه ومره وإن مع كل عبد رقيبا وعتيدا وحفيظا وشهيدا يكتبان
حسناته ويحصيان سيئاته وإن كل مؤمن وكافر وبر وفاجر يعاين عمله عند حضور منيته ويعلم مصيره قبل ميتته وان منكرا ونكيرا إلى كل أحد ينزلان سوى النبيين فيسألان ويمتحنان عما يعتقده من الإيمان وإن المؤمن يحبر في قبره بالنعيم والكافر يعذب بالعذاب الأليم وإنه لا محيص لمخلوق من القدر المقدور ولن يتجاوز ما خط في اللوح المسطور وإن الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور وإن الله جل اسمه يعيد خلقه كما بدأهم ويحشرهم كما ابتدأهم من صفايح القبور وبطون الحيتان في تخوم البحور وأجواف السباع وحواصل النسور وإن الله تعالى يتجلى في القيامة لعباده الأبرار فيرونه بالعيون والأبصار وأنه يخرج أقواما من النار فيسكنهم دار القرار وأنه يقبل شفاعة محمد المختار في أهل الكبائر والأوزار وإن الميزان حق توضع فيه اعمال العباد فمن ثقلت موازينه نجا من النار وان الصراط حق تجوزه الأبرار وإن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم حق يرده المؤمنون ويذاد عنه الكفار وإن الإيمان غير مخلوق وهو قول باللسان واخلاص بالجنان وعمل بالاركان يزيد بالطاعة وينقص بالاوزار وان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وافضل المرسلين وامته خير الأمم أجمعين وافضلهم القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وافضل القرن الذين صحبوه أربع عشرة مائة بايعوه بيعة الرضوان وأفضلهم أهل بدر نصروه وأفضلهم أربعون في الدار كنفوه وأفضلهم عشرة عزروه ووقروه شهد لهم بالجنة وقبض وهو عنهم راض وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون المهديون الأربعة الأخيار وأفضل الاربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم الرضوان وأفضل القرون بعدهم القرن الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يتبعونهم وإن نتوالى أصحاب محمد عليه السلام بأسرهم ولا نبحث عن اختلافهم في أمرهم ونمسك عن الخوض في ذكرهم إلا بأحسن الذكر لهم وإن نتوالى أهل القبلة ممن ولي حرب المسلمين على
ما كان منهم من علي وطلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضوان الله عليهم ولا ندخل فيما شجر بينهم اتباعا لقول رب العالمين { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } وذكر أبو علي بن شوكة قال اجتمعنا جماعة من الفقهاء فدخلنا على القاضي أبي علي بن أبي موسى الهاشمي فذكرنا له فقرنا وشدة ضرنا فقال لنا اصبروا فإن الله سيرزقكم ويوسع عليكم وأحدثكم في مثل هذا ما تطيب به قلوبكم اذكر سنة من السنين وقد ضاق بي الأمر شيء عظيم حتى بعت رجلا دارى ونفذ جميعه ونقضت الطبقة الوسطى من داري وبعت أخشابها وتقوت بثمنها وقعدت في البيت لم أخرج وبقيت سنة فلما كان بعد سنة قالت لي المرأة الباب يدق فقلت افتحي له الباب ففعلت فدخل رجل فسلم علي فلما رأى حالي لم يجلس حتى أنشدني وهو قائم
( ليس من شدة تصيبك إلا ** سوف تمضي وسوف تكشف كشفا )
( لا يضق ذرعك الرحيب فان النار ** يعلو لهيبها ثم تطفا )
( قد رأينا من كان أشفى على الهلك ** فراته نجاته حين أشفى )
ثم خرج عني ولم يقعد فتفاءلت بقوله فلم يخرج اليوم حتى جاءني رسول القادر بالله ومعه ثياب ودنانير وبغلة بمركب ثم قال لي أجب أمير المؤمنين وسلم إلي الدنانير والثياب والبغلة فغيرت من حالي ودخلت الحمام وصرت إلى القادر بالله فرد إلي قضاء الكوفة وأعمالها وأثر حالي أو كما قال مولده في ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلثمائة ووفاته في ربيع الآخر ودفن بقرب قبر أمامنا
انتهى ما قاله ابن أبي يعلى ملخصا
وفيها أبو علي العكبري الحسن بن شهاب بن الحسن بن علي بن شهاب الفقيه الثقة الأمين ولد بعكبرا في محرم سنة خمس وثلاثين وثلثمائة وقيل سنة إحدى وثلاثين وسمع الحديث على كبر السن من ابن الصواف وطبقته ولازم أبا
عبد الله بن بطة إلى حين وفاته وله اليد الطولى في الفقه والأدب والأقراء والحديث والشعر والفتيا وقال الخطيب سمعت البرقاني وذكر بحضرته ابن شهاب فقال ثقة أمين وقال ابن شهاب كسبت في الوراقة خمسة وعشرين ألف درهم راضية وكنت أشتري كاغدا بخمسة دراهم فا كتب فيه ديوان المتنبي في ثلاث ليال وأبيعه بمائتي درهم وأقله بمائة وخمسين درهما وقال ابن شهاب أقام أخي أبو الخطاب معي في الدار عشرين سنة ما كلمته وأشار إلى أنه كان ينسب إلى الرفض وصنف أبو علي المصنفات في الفقه والفرائض والنحو وتوفي في رجب ودفن بعكبرا وقال الأزهري اخذ السلطان من تركة ابن شهاب ما قدره ألف دينار سوى ما خلفه من الكروم والعقار وكان أوصى بثلث ماله لمتفقهة الحنابلة ولم يعطوا شيئا وقيل انه صلى سبعين سنة التراويح
وفيها ابن باكويه الأمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبيد الله الشيرازي الصوفي أحد المشايخ الكبار وصاحب محمد بن خفيف رحل وعني بالحديث وكتب بفارس والبصرة وجرجان وخراسان وبخاري ودمشق والكوفة واصبهان فأكثر وحدث عن أبي أحمد بن عدي والقطيعي وطبقتهما قال أبو صالح المؤذن نظرت في أجزائه فلم أجد عليها آثار السماع وأحسن ما سمعت عليه الحكايات قاله في العبر
وفيها مهيار بن مرزويه الديلمي أبو الحسن الكاتب الشاعر المشهور كان مجوسيا فأسلم على يد أستاذه في الأدب الشريف الرضي فقال له ابن برهان يا مهيار انتقلت من زواية إلى زواية في النار فإنك كنت مجوسيا ثم صرت سبابا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا مجيدا مقدما على شعراء عصره وديوانه في ثلاث مجلدات ذكر ابن الأثير في تاريخه أن إسلامه كان سنة أربع وتسعين وثلثمائة قال وكان شاعرا جزل القول مقدما على أهل وقته وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده وذكره أبو بكر الخطيب
في تاريخ بغداد وأثنى عليه وأثنى عليه الباخرزي في كتابه دمية القصر فقال في حقه هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر وكاتب تحلى تحت كل كلمتين من كلماته كاعب وما في قصيدة من قصائده بيت يتحكم عليه بلو وليت فهي مصبوبة في قوالب القلوب وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب وذكره أبو الحسن علي بن بسام في كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئا من شعره ومن غرر قصائده قصيدته التي مطلعها
( بكر العارض تحدوه النعامي ** وسقيت الري يا دار أماما )
ومن ذلك قصيدته المشهورة التي أولها
( سقى دارها بالرقمتين وحياها ** ) وكذلك قوله من قصيدته الطنانة السائرة
( بطرفك والمسحور يقسم بالسحر ** أعمدا رماني أم أصاب ولا يدري )
( تعرض بي في القانصين مسددا ** إشارة مدلول السهام على النحر )
( رنا اللحظة الأولى فقلت مجرب ** وكررها أخرى فأحسست بالشر )
( فهل ظن ما قد حرم الله من دمي ** مباحا له أم نام قومي عن الوتر )
وهي طويلة حسنة في بابها ومن نظمه الحسن قصيدته التي أولها وهو من مطلع البدور
( بكى النار سترا على الموقد ** وغار مغالطة المنجد )
إلى غير ذلك من نظمه اللطيف
سنة تسع وعشرين وأربعمائة
فيها توفي أبو عمر الطلمنكي بفتحات وسكون النون نسبة إلى طلمنكة مدينة بالأندلس أحمد بن محمد بن عبد الله بن عيسى المعافرى بالفتح وكسر الفاء وراء نسبة إلى المعافر بطن من قحطان الأندلسي المقرئ المحدث الحافظ
عالم أهل قرطبة صاحب التصانيف وله تسعون سنة روى عن أبي عيسى الليثي وأحمد بن عون الله وحج فأخذ بمصر عن أبي بكر الأدفوي وأبي بكر المهندس وخلق كثير وكان خبيرا في علوم القرآن تفسيره وقراءاته واعرابه وأحكامه ومعانيه وكان ثقة صاحب سنة واتباع ومعرفة بأصول الديانة قال ابن بشكوال كان سيفا مجردا على أهل الاهواء والبدع قامعا لهم غيورا على الشريعة شديدا في ذات الله تعالى
وفيها أبو يعقوب القراب اسحق بن إبراهيم بن محمد السرخسي ثم الهروى الحافظ محدث هراة وله سبع وسبعون سنة روى عن زاهر بن أحمد السرخسي وخلق كثير وزاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس وصنف تصانيف كثيرة وكان زاهدا صالحا مقلا من الدنيا
وفيها يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث قاضي الجماعة بقرطبة أبو الوليد ويعرف بابن الصفار وله إحدى وتسعون سنة روى عن محمد بن معوية القرشي وأبي عيسى الليثي والكبار وتفقه على أبي بكر بن ذرب وولي القضاء مع الخطابة والوزارة ونال رياسة الدين والدنيا وكان فقيها صالحا عدلا حجة علامة في اللغة والعربية والشعر فصيحا مفوها كثير المحاسن له مصنفات في الزهد وغيره توفي في رجب قاله في العبر
سنة ثلاثين وأربعمائة
فيها قويت شوكة الغز وتملك بنو سلجوق خراسان وأخذوا البلاد من السلطان مسعود
وفيها لقب أبو منصور بن السلطان جلال الدولة بالملك العزيز وهو أول من لقب بهذا النوع من ألقاب ملوك زماننا في العبر
وفيها توفي أبو نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ الصوفي الأحول الشافعي سبط الزاهد محمد بن يوسف البنا بأصبهان في المحرم وله أربع وتسعون سنة اعتنى به أبوه وسمعه في سنة أربع وأربعين وثلثمائة وبعدها وتفرد في الدنيا بعلو الإسناد مع الحفظ والاستبحار من الحديث وفنونه روى عن ابن فارس والعسال وأحمد بن معبد السمسار وأبي علي بن الصواف وأبي بكر بن خلاد وطبقتهم بالعراق والحجاز وخراسان وصنف التصانيف الكبار المشهورة في الأقطار منها كتاب حلية الأولياء قال ابن ناصر الدين ولما صنف كتاب الحلية حملوه إلى نيسابور فبيع بأربعمائة دينار ولا يلتفت إلى قول من تكلم فيه لأنه صدوق عمدة كما لا يسمع قول أبي نعيم في ابن مندة وكلام كل منهما في الآخرة غير مقبول
انتهى وقال ابن النجار هو تاج المحدثين وأحد أعلام الدين
وفيها أبو بكر الاصبهاني أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحرث التميمي المقرئ النحوي سكن نيسابور وتصدر للحديث ولإقراء العربية وروى عن أبي الشيخ وجماعة وروى السنن عن الدار قطني وتوفي في ربيع الأول وله إحدى وثمانون سنة
وفيها أبو عبد الرحمن الجيزي إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير المفسر روى عن زاهر السرخسي وطبقته وصنف التصانيف في القراءات والتفسير والوعظ والحديث وكان أحد الأئمة قال الخطيب قدم علينا حاجا ونعم الشيخ كان علما وأمانة وصدقا وخلقا ولد سنة إحدى وستين وثلثمائة وكان معه صحيح البخاري فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس وقال عبد الغافر كان من العلماء العاملين نفاعا للخلق مباركا
وفيها أبو زيد الدبوسي بفتح الدال المهملة وضم الموحدة المخففة ومهملة
إلى دبوسية بلد بين بخارا وسمرقند عبد الله بن عمر بن عيسى الحنفي القاضي العلامة كان أحد من يضرب به المثل في النظر واستخراج الحجج وهو أول من أبرز علم الخلاف إلى الوجود وكان شيخ تلك الديار توفي ببخاري
وفيها أبو القسم بن بشران عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران بن محمد الأموي مولاهم البغدادي الواعظ المحدث مسند وقته ببغداد في ربيع الآخر وله إحدى وتسعون سنة سمع النجاد وأبا سهل القطان وحمزة الدهقان وطبقتهم قال الخطيب كان ثقة ثبتا وكان الجمع في جنازته يتجاوز الحد ويفوت الاحصاء رحمه الله تعالى
وفيها أبو منصور الثعالبي عبد الملك بن محمد بن اسمعيل النيسابوري الأديب الشاعر صاحب التصانيف الاديبة السائرة في الدنيا عاش ثمانين سنة قال ابن بسام صاحب الذخيرة كان في وقته راعي بليغات العلم وجامع أشتات النثر والنظم رأس المؤلفين في زمانه وأمام المصنفين بحكم أقرانه سار ذكره سير المثل وضربت إليه آباط الإبل وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب وتآليفه أشهر مواضع وأبهر مطالع وأكثر راو لها وجامع من أن يستوفيها حد أو وصف أو يوفيها حقوقها نظم أو رصف وذكر له طرفا من النثر وأورد شيئا من نظمه فمن ذلك ما كتبه إلى الأمير أبي الفضل الميكالي
( لك في المفاخر معجزات جمة ** أبدا لغيرك في الورى لم تجمع )
( بحران بحر في البلاغة شانه ** شعر الوليد وحسن لفظ الأصمعي )
( كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو ** كالوشي في برد عليه موشع )
( شكرا فكم من فقرة لك كالغني ** وافي الكريم بعيد فقر مدقع )
( وإذا تبين نور شعرك ناضرا ** فالحسن بين مرصع ومصرع )
( ارجلت فرسان الكلام ورضت ** أفراس البديع وأنت أمجد مبدع )
( ونقشت في فص الزمان بدائعا ** تزرى بآثار الربيع الممرع )
وله من التآليف يتيمة الدهر في محاسن اهل العصر وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها وفيها يقول ابن قلاقس
( أبيات أشعار اليتيمه ** أبكار أفكار قديمه )
( ماتوا وعاشت بعدهم ** فلذاك سميت اليتيمه )
وله أيضا كتاب فقه اللغة وسحر البلاغة وسر البراعة وفي كتبه دلالة على كثرة اطلاعه وله أشعار كثيرة وكانت ولادته سنة خمسين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة أو التي قبلها ونسبته إلى خياطة جلود الثعالب وعملها قيل له ذلك لانه كان فراء
وفيها الحوفي أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سعيد صاحب اعراب القرآن في عشر مجلدات كان أماما في العربية والنحو والأدب وله تصانيف كثيرة قال في العبر هو تلميذ الأدفوى انتفع به أهل مصر وتخرجوا به في النحو انتهى
وقال السيوطي في حسن المحاضرة هو من قرية يقال لها شبرا من أعمال الشرقية انتهى
وقال أيضا في لباب الأنساب والحوفي بالفاء نسبة إلى حوف وكنت أظن أنها قرية بمصر حتى رأيت في تاريخ البخاري أنها من عمان قلت بل هي ناحية بمصر كبيرة معروفة فيها قرى كثيرة وجزم به ياقوت رحمه الله تعالى وغيره انتهى
وفيها أبو عمران الفاسي موسى بن عيسى بن أبي حاج البربري الغفجومى نسبة إلى غفجوم بطن من زناتة قبيلة من البربر بالمغرب شيخ المالكية بالقيروان وتلميذ أبي الحسن القابسي دخل الأندلس وأخذ عن عبد الوارث
ابن سفيان وطائفة وحج مرات وأخذ علم الكلام ببغداد عن ابن البلاقاني قرأ على الحمامي وكان أماما في القراءات بصيرا بالحديث رأسا في الفقه تخرج به خلق في المذهب ومات في شهر رمضان وله اثنتان وستون سنة
سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو الحسن بشرى بن عبد الله الرومي القاضي ببغداد يوم الفطر وكان صالحا صدوقا روى عن أبي بكر بن الهيثم الانباري وخلق
وفيها ابن دوما أبو علي الحسن بن الحسين النعالي ببغداد ضعيف ألحق نفسه في طباق روى عن أبي بكر الشافعي وطائفة
وفيها أبو العلاء الاستوائي صاعد بن محمد بن أحمد النيسابوري الحنفي قاضي نيسابور ورئيس الحنفية وعالمهم توفي في آخر السنة روى عن اسمعيل بن نجيد وجماعة وعاش سبعا وثمانين سنة
وفيها ابن الطبيز أبو القسم عبد الرحمن بن عبد العزيز الحلبي السراج الرامي نزيل دمشق وله مائة سنة روى عن محمد بن عيسى العلاف وابن الجعابي وجماعة تفرد في الدنيا عنهم وهو ثقة توفي في جمادى الأولى وفيه تشيع آخر من روى عنه الفقيه نصر المقدسي
وفيها أبو عمرو القسطاني بالضم نسبة إلى قسطانة قرية بين الري وساوة عثمان بن أحمد القرطبي نزيل إشبيلية سمعه أبوه الموطأ من أبي عيسى الليثي وسمع من أبي بكر بن السليم وابن القوطي وجماعة وكان خيرا ثقة توفي في صفر وله ثمانون سنة
وفيها أبو بكر وأبو حامد أحمد بن علي كان من الحفاظ الإيقاظ والمحدثين قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو العلاء الواسطي محمد بن علي بن أحمد بن يعقوب القاضي المقرئ المحدث قرأ بالروايات على جماعة كثيرة جرد العناية لها وأخذ بالدينور عن الحسين بن محمد بن حبش روى عن القطيعي ونحوه حكى عنه الخطيب أشياء توجب ضعفه ومات في جمادى الآخرة وله اثنتان وثمانون سنة
وفيها ابو الحسن محمد بن عوف المزنى الدمشقى وكانت كنيته الاصلية أبا بكر فلما منعت الدولة الباطنية من التكنى بأبى بكر تكنى بأبى الحسن روى عن ابى على الحسن بن منير والميانجى وطائفة قال الكتاني كان ثقة نبيلا مأمونا توفى في ربيع الآخر
وفيها محمد بن الفضل بن نظيف بن عبد الله المصرى الفراء مسند الديار المصرية سمع ابا الفوارس الصابونى والعباس بن محمد الرافعى وطبقتهما وأم بمسجد عبد الله سبعين سنة وكان شافعيا عمر تسعين سنة وشهرين وتوفى في ربيع الآخر
وفيها المسدد بن علي أبو المعمر الاملوكي بضم أوله واللام نسبة إلى املوك بطن من ردمان قبيلة من رعين كان خطيب حمص سمع الميانجي وجماعة ثم سكن دمشق وأم بمسجد سوق الأحد قال الكتاني فيه تساهل
وفيها المفضل بن اسمعيل بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني المعمر الشافعي مفتي جرجان ورئيسها ومسندها كان من أذكياء زمانه روى عن جده وطائفة كثيرة وتوفي في ذي الحجة
سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي المستغفري الحافظ أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن المستغفر ابن الفتح النسفي صاحب التصانيف الكثيرة روى عن زاهر السرخسي وطبقته عاش ثمانين سنة وكان محدث ما وراء النهر في زمانه قال ابن ناصر الدين كان
حافظا مصنفا ثقة مبرزا على أقرانه لكنه يروي الموضوعات من غير تبيين
وفيها أبو القسم الطحان عبد الباقي بن محمد البغدادي الثقة عاش ثمانيا وثمانين سنة وروي عن ابن الصواف وغيره
وفيها أبو حسان المزكي محمد بن أحمد بن جعفر شيخ التزكية والحشمة بنيسابور وكان فقيها ثقة صالحا خيرا حدث عن محمد بن اسحق الضبعي وابن نجيد وطبقتهما
وفيها أبو طاهر الغباري محمد بن أحمد بن محمد الحنبلي له النبل والفضل صحب جماعة منهم أبو الحسن الجزري وكانت له حلقتان أحداهما بجامع المنصور والاخرى بجامع الخليفة وتوفي في ذي القعدة وله ثمانون سنة
وفيها محمد بن عمر بن نكير النجار أبو بكر البغدادي المقرئ عن ست وثمانين سنة روى عن أبي بحر البر بهاري وابن خلاد النصيبيني وطائفة
سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو نصر الكسار القاضي أحمد بن الحسين الدينوري سمع سنن النسائي من ابن السني وحدث به في شوال من السنة
وفيها أبو الحسين بن فاذشاه الرئيس أحمد بن محمد بن الحسين الاصبهاني الثاني الرئيس راوي المعجم الكبير عن الطبراني توفي في صفر وقد رمى بالتشيع والاعتزال
وفيها أبو عثمان القرشي سعيد بن العباس الهروي المزكي الرئيس في المحرم وله أربع وثمانون سنة روى عن أبي حامد الرفا وأبي الفضل بن حميرويه وطائفة وتفرد بالرواية عن جماعة
وفيها أبو سعيد النصروي عبد الرحمن بن حمدان النيسابوري مسند وقته
وراوي مسند اسحق بن راهويه عن السمذي روى عن ابن نجيد وأبي بكر القطيعي وهذه الطبقة توفي في صفر وهو منسوب إلى جده نصرويه
وفيها أبو القسم الزيدي الحراني علي بن محمد بن علي العلوي الحسيني الحنبلي المقرئ في شوال بحران وهو آخر من روى عن النقاش القراءات والتفسير وهو ضعيف قال عبد العزيز الكتاني وقد سئل عن شيء ما يكفي علي بن محمد الزيدي أن يكذب حتى يكذب عليه قال في العبر وكان صالحا ربانيا
انتهى
وفيها مات الفقيه المشهور سالم بن عبد الله الهروي المعروف بغويلة تصغير غول وهو معدود في طبقة الشيخ أبي محمد وهو الذي قيل أنه ما عبر جسر بغداد مثله قاله ابن الأهدل
وفيها عالم همذان عبد الله بن عبدان حكى عنه شيرويه في كتابه المنامات انه قال رأيت الحق في النوم فقال ما يدل على أنه يخاف على الإعجاب قاله ابن الأهدل أيضا فانظر إلى هذا واضعافه مما وقع لكبراء الأمة كالإمام الأعظم والإمام أحمد والإمام القشيري وصاحب هذه الترجمة وأضعافهم من أخبارهم برؤيته تعالى في المنام وقول المتكلمين بجوازها حتى قال اللقاني في شرح الجوهرة وأما رؤيته تعالى مناما فجائزة اتفاقا وهي حق فان الشيطان لا يتمثل به تعالى كما لا يتمثل بالأنبياء والى قول بعض الحنفية رضي الله تعالى عنهم ويكفر من قال رأيت الله في المنام انتهى ولكن لا ينبغي إطلاق اللسان بالتكفير في مثل هذا قال التمر تاشي في شرح تنوير الأبصار في أول باب المرتد ما لفظه وفي فتح القدير ومن هزل بلفظ كفر ارتد وان لم يعتقد للاستخفاف فهو ككفر العناد والألفاظ التي يكفر بها تعرف في الفتاوي انتهى
وقد أعرضنا عن ذكرها هنا لأنها أفردت بالتأليف وأكثر من ايرادها أصحاب الفتاوى
مع أنه لا يفتي بشيء منها بالكفر إلا فيما اتفق المشايخ عليه لا تفاق كلمتهم في الفتاوي وغيرها أنه لا يفتي بتكفير
مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة قال شيخنا وهو الذي تحرر من كلامهم ثم قال فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتي بالتكفير بها وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها انتهى كلام التمر تاشي بحروفه
وفيها أبو الحسن بن السمسار علي بن موسى الدمشقي حدث عن أبيه وأخويه محمد وأحمد وعلي بن أبي العقب وأبي عبد الله بن مروان والكبار وروى عن البخاري عن أبي زيد المروزي وانتهى إليه علو الإسناد بالشام قال الكتاني كان فيه تساهل ويذهب إلى التشيع توفي في صفر وقد كمل التسعين
وفيها أبو القسم المعتمد بن عباد القاضي محمد بن إسمعيل بن عباد بن قريش اللخمي الإشبيلي الذي ملكه أهل اشبيلية عليهم عند ما قصدهم الظالم يحيى بن علي الادريسي الملقب بالمستعلي وكانت لصاحب الترجمة اخبار ومناقب وسيرة عالية قال ابن خلكان كان المعتمد المذكور صاحب قرطبة واشبيلية وما والاهما من جزيرة الأندلس وفيه وفي أبيه المعتضد يقول بعض الشعراء
( من نبي المنذرين وهو انتساب ** زاد في فخره بنو عباد )
( فتيه لم تلد سواها المعالي ** والمعالي قليلة الأولاد )
وكان من بلاد الشرق من أهل العريش المدينة القديمة الفاصلة بين الشام ومصر في أول الرمل من جهة الشام فتوجه به أبوه إلى المغرب فاستوطناقرية تومين من إقليم طشاتة من ارض اشبيلية ومحمد هذا أول من نبغ في تلك البلاد وتقدم بإشبيلية إلى أن ولى القضاء بها فأحسن السياسة مع الرعية وتلطف بهم فومقته القلوب وكان يحيى المستعلي صاحب قرطبة مذموم السيرة فتوجه إلى إشبيلية محاصرا لها فلما نزل عليها اجتمع رؤساء إشبيلية وأعيانها وأتو القاضي محمد
المذكور وقالوا له ترى ما حل بنا من هذا الظالم وما أفسد من أموال الناس فقم بنا نخرج إليه ونملكك ونجعل الأمر لك ففعل ووثبوا علي يحيى فركب إليهم وهو سكران فقتل وتم الأمر لمحمد ثم ملك وبعد ذلك قرطبة وغيرها ثم قيل له بعد تملكه واستيلائه على البلاد أن هشام بن الحكم في مسجد بقلعة رباح فأرسل إليه من أحضره وفوض الأمر إليه وجعل نفسه كالوزير بين يديه وفي هذه الواقعة يقول الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهري في كتابه نقط العروس أعجوبة لم يقع في الدهر مثلها فإنه ظهر رجل يقال له خلف الحضري بعد نيف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم المنعوت بالمؤيد وادعي انه هشام فبويع وخطب له على جميع منابر الأندلس في أوقات شتى وسفك الدماء وتصادمت الجيوش في أمره وأقام المدعي أنه هشام نيفا وعشرين سنة والقاضي محمد بن إسمعيل في رتبة الوزير بين يديه والأمر إليه ولم يزل كذلك إلى أن توفي المدعو هشام فاستبد القاضي محمد بالأمر بعده وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول ولم يزل ملكا مستقلا إلى أن توفي يوم الأحد تاسع عشرى جمادى الأولى ودفن بقصر إشبيلية وقيل أنه عاش إلى قريب خمسين وأربعمائة واختلف أيضا في مبدأ استيلائه فقيل سنة أربع عشرة وهو الذي ذكره العماد الكاتب في الخريدة وقيل سنة أربع وعشرين ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله عباد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها السلطان مسعود بن السلطان محمود بن سبكتكين تملك بعد أبيه خراسان والهند وغزته وجرت له حروب وخطوب مع بنى سلجوق وظهروا على ممالكه وضعف أمره فقتله امراؤه
سنة أربع وثلاثين وأربعمائة
فيها كانت الزلزلة العظمي بتبريز فهدمت أسوارها وأحصى من هلك تحت
الردم فكانوا أكثر من أربعين ألفا
وفيها توفي أبو ذر الهروي عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن غفير الأنصاري الحافظ الثقة الفقيه المالكي نزيل مكة روى عن أبي الفضل بن حميرويه وأبي عمر بن حيويه وطبقتهما وروى الصحيح عن ثلاثة من أصحاب الفر برى وجمع لنفسه معجما وعاش ثمانيا وسبعين سنة وكان ثقة متقنا دينا عابدا ورعا بصيرا بالفقه والأصول أخذ علم الكلام عن ابن البلاقاني وصنف مستخرجا على الصحيحين وكان شيخ الحرم في عصره ثم أنه تزوج بالسروات وبقي يحج كل عام ويرجع
وفيها أبو محمد الهمذاني عبد الله بن غالب بن تمام المالكي مفتي أهل سبتة وزاهدهم وعالمهم دخل الأندلس وأخذ عن أبي بكر الزبيدي وأبي محمد الاصيلي ورحل إلى القيروان فروى عن أبي محمد بن أبي زيد بمصر عن أبي بكر المهندس وكان علامة متيقظا ذكيا متبحرا في العلوم فصيحا مفوها قليل النظير توفي في صفر عن سن عالية
سنة خمس وثلاثين وأربعمائة
فيها استولى طغر لبك السلجوقي على الري وخسر بها عسكره بالقتل والنهب حتى لم يبق بها إلا نحو ثلاثة آلاف نفس وجاءت رسل طغر لبك إلى بغداد فأرسل القاضي الماوردي إليه بذم مما صنع في البلاد ويأمره بالإحسان إلى الرعية فتلقاه طغر لبك واحترمه إجلالا لرسالة الخليفة
واتفق موت جلال الدولة السلطان ببغداد بالخوانيق وكان ابنه الملك العزيز بواسط وكان جلال الدولة ملكا جليلا سليم الباطن ضعيف السلطنة مصرا على اللهو والشرب مهملا لأمر الرعية عاش اثنتين وخمسين سنة وكانت دولته سبع عشرة سنة وخلف عشرين ولدا بنين وبنات ودفن بدار
السلطنة ببغداد ثم نقل
وفيها توفي أبو الحزم جهور بن محمد بن جهور أمير قرطبة ورئيسها وصاحبها ساس البلد أحسن سياسة وكان من رجال الدهر حزما وعزما ودعاء ورأيا ولم يتسم بالملك وقال أنا أدبر الناس إلى أن يقوم لهم من يصلح فجعل ارتفاع الأموال بأيدي الاكابر وديعة وصير العوام جندا وأعطاهم أموالا مضاربة وقرر عليهم السلاح والعدة وكان يشهد الجنائز ويعوج المرضي وهو بزي الصالحين لم يتحول من داره الى دار السلطنة وتوفي في المحرم عن إحدى وسبعين سنة وولى بعده ابنه أبو الوليد
وفيها أبو القسم الازهري عبيد الله بن أحمد بن عثمان البغدادي الصيرفي الحافظ كتب الكثير وعنى بالحديث وروى عن القطيعي وطبقته توفي في صفر عن ثمانين سنة
وفيها جلال الدولة سلطان بغداد أبو طاهر فيروز جرد بن بهاء الدولة أبي نصر بن الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة بن بويه الديلمي وولى بعده ابنه الملك العزيز أبو منصور فضعف وخاف وكاتب ابن عمه ابا كاليجار مرزبان بن سلطان الدولة فوعده بالجميل وخطب للاثنين معا
وفيها أبو بكر الميماسي محمد بن جعفر بن علي الذي روى الموطأ عن يحيى بن بكير عن ابن وصيف توفي في شوال وهو من كبار شيوخ نصر المقدسي
وفيها أبو الحسين محمد بن عبد الواحد بن رزمة البغدادي البزاز روى عن أبي بكر بن خلاد وجماعة قال الخطيب صدوق كثير السماع مات في جمادي الأولى
وفيها أبو القسم المهلب أحمد بن أبي صفرة الاندلسي الأسدي قاضي المرية اخذ عن أبي محمد الأصيلي وأبي الحسن القابسي وطائفة وكان من أهل الذكاء المفرط والاعتناء التام بالعلوم وقد شرح صحيح البخاري وتوفي في
شوال في سن الشيخوخة
سنة ست وثلاثين وأربعمائة
فيها دخل السلطان أبو كاليجار بغداد وضربت له الطبول في أوقات الصلوات الخمس ولم تضرب لأحد قبله إلا ثلاث مرات
وفيها توفي في تمام بن غالب أبو غالب بن التيان القرطبي لغوي الأندلس بمرسية له مصنف بديع في اللغة وكان علامة ثقة في نقله ولقد أرسل إليه صاحب مرسية الأمير أبو الجيش مجاهد ألف دينار على أن يزيد في خطبة هذا الكتاب انه ألفه لأجله فامتنع تورعا وقال ما صنفته إلا مطلقا
وفيها أبو عبد الله الصيمري بفتح الصاد المهملة والميم وسكون الياء وراء آخره نسبه إلى صيمر نهر بالبصرة عليه عدة قرى الحسين بن علي الفقيه أحد الأئمة الحنفية ببغداد روى عن أبي الفضل الزهري وطبقته وولى قضاء ربع الكرخ وكان ثقة صاحب حديث مات في شوال وله خمس وثمانون سنة
وفيها الشريف المرتضى نقيب الطالبيين وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق أبو طالب علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الحسيني الموسوى وله إحدى وثمانون سنة وكان إماما في التشيع والكلام والشعر والبلاغة كثير التصانيف متبحرا في فنون العلم أخذ عن الشيخ المفيد وروى الحديث عن سهل الديباجي الكذاب وولى النقابة بعده ابن أخيه عدنان بن الشريف الرضي قال ابن خلكان كان إماما في علم الكلام والشعر والأدب وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين وله ديوان شعر إذا وصف الطيف أجاد فيه وقد أستعمله
في كثير من المواضع وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضى وقد قيل انه ليس من كلام علي وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم وله الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهو في مجالس أملاها تشتمل على فنون في معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع في الاطلاع على العلوم وذكره ابن بسام في آخر كتاب الذخيرة فقال كان الشريف أمام ائمة العراق على الاختلاف والاتفاق إليه فزع علماؤها وعنه أخذ عظماؤها صاحب مدارسها وحمى سالكها وآنسها ممن سارت أخباره وعرفت به أشعاره وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره إلى تواليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين مما يشهد له أنه فرع تلك الأصول ومن ذاك البيت الجليل وأورد له عدة مقاطيع فمن ذلك قوله
( ضن عني بالنز إذانا يقظا ** ن وأعطى كثيره في المنام )
( والتقينا كما اشتهينا ولا عيب سوى أن ذاك في الأحلام ** )
( وإذا كانت الملاقاة ليلا ** فالليالي خير من الأيام )
ومن ذلك أيضا
( يا خليلي من ذؤابة قيس ** في التصابي رياضة الأخلاق )
( عللاني بذكركم تطرباني ** واسقياني دمعي بكأس دهاق 9
( وخذا النوم عن جفوني فإني ** قد خلعت الكرى على العشاق )
فما وصلت هذه الأبيات إلى البصري الشاعر قال المرتضي خلع ما لا يملك على من لا يقبل ومن شعره أيضا
ولما تفرقنا كما شاءت النوى ** تبين ود خالص وتودد )
( كأني وقد سار الخليط عشية ** اخوجنة مما أقوم وأقعد )
وله
( قل لمن خده من اللحظ دام ** رق لي من جوانح فيك تدمى )
( يا سقيم الجفون من غير سقم ** لا تلمني أن مت فيهن سقما )
( انا خاطرت في هواك بقلب ركب البحر فيك إما وإما )
وحكى الخطيب أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي ابن احمد بن سلك الفالي بالفاء نسبة إلى فالة بلدة بخوزستان - الأديب كانت له نسخة كتاب الجمهرة لابن دريد فى غاية الجودة فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها واشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا وتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط الفالي وهي
( انست بها عشرين حولا وبعتها ** لقد طال وجدي بعدها وحنيني )
( وما كان ظني إنني سأبيعها ** ولو خلدتني في السجون ديوني )
( ولكن لضعف وافتقار وصبية ** صغار عليهم تستهل عيوني )
( فقلت ولم أملك سوابق عبرة ** مقالة مكوى الفؤاد حزين )
( وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ** كرائم من مولى بهن خنين )
فيقال أنه بعث بها إليه وملح المرتضي وفضائله كثيرة وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلثمائة وتوفي يوم الأحد خامس عشرى شهر ربيع الأول ببغداد ودفن في داره عشية ذلك النهار رحمه الله تعالى انتهى ملخصا
وفيها أبو عبد الرحمن النيلي محمد بن عبد العزيز بن عبد الله شيخ الشافعية بخراسان وله ثمانون سنة روى عن أبي عمرو بن حمدان وجماعة قال الاسنوي كان إماما في المذهب أديبا شاعرا صالحا زاهدا ورعا سمع وحدث وأملى وطال عمره ولد سنة سبع وخمسين وثلثمائة وله ديوان شعر ومنه
( ما حال من أسر الهوى ألبابه ** ما حال من كسر التصابي نابه )
( نادى الهوى أسماعه فأجابه ** حتى إذا ما جاز أغلق بابه )
( أهوى لتمزيق الفؤاد فلم يجد ** في صدره قلبا فشق ثيابه )
انتهى ملخصا
وفيها أبو الحسين البصري محمد بن علي بن الطيب شيخ المعتزلة وصاحب التصانيف الكلامية وكان من أذكياء زمانه توفي ببغداد في ربيع الآخر وكان يقرئ الاعتزال ببغداد وله حلقة كبيرة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان جيد الكلام مليح العبارة غزير المادة إمام وقته وله التصانيف الفائقة في الأصول منها المعتمد وهو كتاب كبير ومنه اخذ فخر الدين الرازي كتاب المحصول وله تصفح الأدلة في مجلدين وغرر الأدلة في مجلد كبير وشرح الأصول الخمسة وكتاب في الامامة وأصول الدين وانتفع الناس بكتبه وسكن بغداد وتوفي بها يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر ودفن بمقبرة الشونيز وصلى عليه القاضي أبو عبد الله الصيمري انتهى ملخصا
سنة سبع وثلاثين أربعمائة
فيها وقيل في التي قبلها وبه حزم ابن ناصر الدين توفي أبو حامد أحمد بن محمد بن أحيد بن عبد الله بن ماما الاصبهاني كان حافظا بصيرا بالآثار وله ذيل على تاريخ بخارا لغنجار
وفيها أبو نصر المنازى أحمد بن يوسف السليكي الكاتب كان من أعيان الفضلاء وأماثل الشعراء وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ميا فارقين وديار بكر أرسله إلى القسطنطينية مرارا وجمع كتبا كثيرة ثم وقفها على جامع ميا فارقين وجامع آمد وهي موجودة بخزائن الجامعين ومعروفة بكتب المنازي وكان قد اجتمع بأبي العلاء المعري بمعرة النعمان فشكا أبو العلاء إليه حاله وأنه منقطع عن الناس وهم يؤذونه فقال ما لهم ولك وقد تركت لهم الدنيا والآخرة فقال أبو العلاء والآخرة أيضا والآخرة أيضا وجعل يكررها ويتألم لذلك وأطرق فلم يكلمه إلى أن قام وكان قد اجتاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا فأعجبه حسنه وما هو عليه فعمل فيه هذه الأبيات
وقانا لفحة الرمضاء واد ** وقاه مضاعف الغيث العميم )
( نزلنا دوحه فحنا علينا ** حنو المرضعات على الفطيم )
( يصد الشمس أني واجهتنا ** فيحجبها ويأذن للنسيم )
( يروع حصاه حالية العذارى ** فتلمس جانب العقد النظيم )
ذكر أنه عرض هذا القصيد في جماعة من الشعراء على أبي العلاء المعري فقال له أنت أشعر من بالشام ثم بعد خمس عشرة سنة عرض عليه مع جماعة من الشعراء قوله
( لقد عرض الحمام لنا بسجع ** إذا أصغى له ركب تلاحى )
( شجى قلب الخلى فقيل غنى ** وبرج بالشجى فقيل ناحا )
( وكم للشوق في أحشاء صب ** إذا اندملت اجدها جراحا )
( ضعيف الصبر عنك وإن تقاوي ** وسكران الفؤاد وإن تصاحا )
( كذلك بنو الهدى سكرى صحاة ** كاحداق المها مرضى صحاحا )
( فقال أبو العلاء من بالعراق عطفا على قوله السابق أنت أشعر من بالشام ومن شعره أيضا
( ولي غلام طال في دقة ** كخط اقليدس لا عرض له )
( وقد تناهى عقله خفة ** فصار كالنقطة لا جزء له )
والمنازي بفتح الميم والنون نسبة إلى مناز جرد بزيادة مكسورة وهي مدينة عند خرت برت وهي غير مناز كرد القلعة التي من أعمال خلاط
وفيها أبو محمد القيسي مكي بن أبي طالب حموش بن حمد بن مختار القيسي المقرئ أصله من القيروان وانتقل إلى الأندلس وسكن قرطبة وهو من أهل التبحر في العلوم خصوصا القران كثير التصنيف والتصانيف عاش اثنتين وثمانين سنة ورحل غير مرة وحج وجاور وتوسع في الرواية وبعد صيته وقصده النالس من النواحي لعلمه ودينه وولى خطابة قرطبة لأبي الزم جهور وكان
( مشهورا بالصلاح واجابة الدعوة حسن الفهم والخلق جيد الدين والعقل وحج أربع حجج متوالية ثم رجع من مكة إلى مصر ثم القيروان ثم ارتحل إلى الأندلس ثم صنف التصانيف الكثيرة منها الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه وهو سبعون جزءا وكتاب التبصرة في القراءات في خمسة أجزاء وهو من أشهر تآليفه وكتاب المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره عشرة أجزاء وكتاب مشكل المعاني والتفسير خمسة عشر جزءا ومصنفاته تفوت العد كثيرة ومن نظمه قوله من قصدة
( عليك باقلال الزيارة إنها ** إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا )
( ألم ترأن الغيث يسأم دائما ** ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا )
سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي البغدادي الحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي مصنف المروضة في القراءات العشر
وفيها أبو محمد الجويني نسبة إلى جوين ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية بمثناتين تحت أولادهما مضمومة مشددة والثانية مفتوحة شيخ الشافعية ووالد أما الحرمين قال ابن شبهة في طبقاته كان يلقب ركن الإسلام اصله من قبيلة من العرب قرأ الدب بناحية جوين على والده والفقه على أبي يعقوب الابيوردى ثم خرج إلى نيسابور فلازم أبا الطيب الصعلوكي ثم رحل إلى مرو لقصده القفال فلازمه حتى برع عليه خلافا ومذهبا وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة وقعد للتدريس والفتوى وكان إمما في التفسير والفقه والأدب مجتهدا في العبادة ورعا مهيبا صاحب جد ووقار قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني لو كان
( مشهورا بالصلاح واجابة الدعوة حسن الفهم والخلق جيد الدين والعقل وحج أربع حجج متوالية ثم رجع من مكة إلى مصر ثم الى القيروان ثم ارتحل إلى الأندلس ثم صنف التصانيف الكثيرة منها الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن الكريم وتفسيره وأنواع علومه وهو سبعون جزءا وكتاب التبصرة في القراءات في خمسة أجزاء وهو من أشهر تآليفه وكتاب المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره عشرة أجزاء وكتاب مشكل المعاني والتفسير خمسة عشر جزءا ومصنفاته تفوت العد كثيرة ومن نظمه قوله من قصدة
( عليك باقلال الزيارة إنها ** إذا كثرت كانت إلى الهجر مسلكا )
( ألم ترأن الغيث يسأم دائما ** ويطلب بالأيدي إذا هو أمسكا )
سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي البغدادي الحسن بن محمد بن إبراهيم المالكي مصنف المروضة في القراءات العشر
وفيها أبو محمد الجويني نسبة إلى جوين ناحية كبيرة من نواحي نيسابور تشتمل على قرى كثيرة عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيوية بمثناتين تحت أولاهما مضمومة مشددة والثانية مفتوحة شيخ الشافعية ووالد أمام الحرمين قال ابن شهبة في طبقاته كان يلقب ركن الإسلام اصله من قبيلة من العرب قرأ الأدب بناحية جوين على والده والفقه على أبي يعقوب الابيوردى ثم خرج إلى نيسابور فلازم أبا الطيب الصعلوكي ثم رحل إلى مرو لقصده القفال فلازمه حتى برع عليه خلافا ومذهبا وعاد إلى نيسابور سنة سبع وأربعمائة وقعد للتدريس والفتوى وكان إماما في التفسير والفقه والأدب مجتهدا في العبادة ورعا مهيبا صاحب جد ووقار قال شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني لو كان
الشيخ أبو محمد في بني إسرائيل لنقلت إلينا أوصافه وافتخروا به وقال أبو سعيد عبد الواحد بن أبي القسم القشيري صاحب الرسالة أن المحققين من أصحابنا يعتقدون فيه من الكمال انه لو جاز أن يبعث الله تعالى نبيا في عصره لما كان إلا هو توفي بنيسابور في ذي القعدة قال الحافظ أبو صالح المؤذن غسلته فلما لفقته في الاكفان رأيت يده اليمنى إلى الابط منيرة كلون القمر فتحيرت وقلت هذه بركة فتاويه وصنف تفسيرا كبيرا يشتمل على عشرة أنواع من العلوم في كل آية وله تعليقه في الفقه متوسطه والفروق مجلد ضخم والسلسلة مجلد وكتاب المختصر وهو مختصر مختصر المزني وكتاب التبصرة مجلد لطيف غالبه في العبادات وغير ذلك انتهى كلام ابن شهبة
وقال الأسنوي وكان له أخ فاضل يقال له أبو الحسن على رحل وسمع الكثير وعقد له مجلس الإملاء بخراسان وكان يعرف بشيخ الحجاز غلب عليه التصوف وصنف فيه كتابا حسنا سماه كتاب السلوة مات في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وأربعمائة انتهى
سنة تسع وثلاثين وأربعمائة
فيها توفي أبو محمد الخلال الحسن بن محمد بن الحسن البغدادي الحافظ في جمادي الأولى وله سبع وثمانون سنة روى عن القطيعي وأبي سعيد الحرقي وطبقتهما قال الخطيب كان ثقة له معرفة خرج المسند على الصحيحين وجمع أبوابا وتراجم كثيرة قال في العبر آخر من روى عنه أبو سعد أحمد بن الطيوري
وفيها على بن منير بن أحمد الخلال أبو الحسن المصري الشاهد في ذي القعدة روى عن الذهلي وأبي احمد بن الناصح
وفيها النذير الواعظ أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي روى عن اسمعيل ابن حاجب الكشاني وجماعة ووعظ ببغداد فازدحموا عليه وشغفوا به و رزق
قبولا لم يرزقه أحد وصار يظهر الزهد ثم انه تنعم قبل الصلات فأقبلت الدنيا عليه وكثر مريدوه ثم انه حض على الجهاد فسارع إليه الخلق من الاقطار واستجمع له جيش من المطوعة فعسكر بظاهر بغداد وضرب له الطبل وسار بهم إلى الموصل واستفحل أمره فصار إلى اذربيجان وضاهي أمير تلك الناحية ثم خمد سوقه وتراجع عامة أصحابه ثم مات قاله في العبر
وفيها محمد بن عبد الله بن عابد ابو عبد الله المعافرى محدث قرطبة روى عن ابى عبد الله بن مفرح وطبقته ورحل فسمع من ابى محمد بن ابى زيد وابى بكر ابن المهندس وطائفة وكان ثقة عالما جيد المشاركة في الفضائل توفى فى جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة وهو آخر من حدث عن الأصيلى
وفيها محمد بن حامد المعروف بابن خيار الحنبلى وكان ينزل باسكاف وله قدم في انواع العلوم والآداب والفقه وكان يشار اليه بالصلاح والزهد
وفيها هبة الله بن احمد ابو الغنائم بن البغدادي أنفذه والده أبو طاهر إلى أبي يعلي فدرس عليه وانجب وأفتى وناظر وجلس بعد موت أبيه في حلقته
سنة أربعين وأربعمائة
فيها مات السلطان أبو كاليجار واسمه مرزبان بن سلطان الدولة بن بهاء الدولة الديلمي البويهي نسبة إلى بويه مات بطريق كرمان وقصدوه في يوم ثلاث مرات وكان معه نحو أربعة آلاف من الترك والديلم فنهبت خزائنه وخريمه وجواريه وطلبوا شيراز فسلطنوا ابنه الملك الرحيم أبا نصر وكانت مدة أبي كاليجار أربع سنين وكان مولده بالبصرة سنة تسع وتسعين وثلثمائة سامحه الله
وفيها أقام المعز بن باديس الدعوة بالمغرب للقائم بأمر الله العباسي وخلع طاعة المستنصر العبيدي فبعث المستنصر جيشا من العرب يحاربونه فذلك أول دخول العربان إلى إفريقية وهم بنو رياح وبنو زغبة وتمت لهم أمور يطول شرحها
وفيها توفي في الحليمي أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن نصر المصري الوراق يوم الاضحى وله إحدى وثمانون سنة روى عن أبي الطاهر الذهلي وغيره
وفيها الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله جعفر بن المعتضد الأمير أبو محمد العباسي روى عن مؤدبه أحمد اليشكري وكان رئيسا دينا حافظا لأخبار الخلفاء توفي في شعبان وله نيف وتسعون سنة
وفيها أبو القسم عبيد الله بن أبي حفص عمر بن شاهين روى عن أبيه وأبي بحر البر بهاري والقطيعي وكان صدوقا عالي الإسناد توفي في ربيع الأول
وفيها أبو طالب أحمد بن عبد الله بن سهل المعروف بابن البقال الحنبلي صاحب الفتيا والنظر والمعرفة والبيان والإفصاح واللسان سمع أبا العباس عبد الله بن موسى الهاشمي وأبا بكر بن شاذان في آخرين ودرس الفقه على أبي عبد الله بن حامد وكانت له حلقة بجامع المنصور وله المقامات المشهوده بدار الخلافة من ذلك قوله بالديوان والوزير يومئذ حاجب النعمان الخلافة بيضة والحنبليون حضانها ولئن انفقست البيضة عن مح فاسد الخلافة خيمة والحنبليون طنابها ولئن سقطت الطنب لتهوين الخيمة وغير ذلك وتوفي في شهر ربيع الأول ودفن بمقبرة امامنا
وفيها على بن ربيعة أبو الحسن التميمي المصري البزار رواية الحس بن رشيق توفي في صفر
وفيها أبو ذر محمد بن إبراهيم بن علي الصالحاني بسكون اللام نسبة إلى صالحان محلة باصبهان الاصبهاني الواعظ روى عن أبي الشيخ ومات في ربيع الأول
وفيها أبو عبد الله الكارزيني بن محمد بن الحسين الفارسي المقرئ نزيل الحرم ومسند القراء توفي فيها أو بعدها وقد قرأ القراءات على المطوعي قرأ عليه جماعة كثيرة وكان من أبناء التسعين قال الذهبي ما علمت فيه جرحا
وفيها مسند أصبهان أبو بكر بن ريذة محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني التاجر راوية أبي القسم الطبراني توفي في رمضان وله أربع وتسعون سنة قال يحيى بن منده ثقة أمين كان أحد وجوه الناس وافر العقل كامل الفضل مكرما لأهل العلم حسن الخط يعرف طرفا من النحو واللغة
وفيها مسند العراق أبو طالب بن غيلان محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان الهمداني البغدادي البزار سمع من أبى بكر الشافعي أحد عشر جزءا وتعرف بالغيلانيات لتفرده بها قال الخطيب كان صدوقا صالحا دينا وقال الذهبي مات في شوال وله أربع وتسعون سنة
وفيها أبو منصور السواق محمد بن محمد بن عثمان البغدادي البندار وثقه الخطيب ومات في آخر العام عن ثمانين سنة روى عن القطيعي ومخلد بن جعفر
سنة إحدى واربعين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي أحمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القسم بن أبي نصر التميمي الدمشقي المعدل أحد الأكابر بدمشق روى عن يوسف الميانجي وجماعة
وفيها أبو الحسن العتيقي أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي التاجر السفار المحدث روى عن علي بن محمد بن سعيد الرزاز واسحق بن سعد النسوي وطبقتهما وجمع وخرج على الصحيحين وكان ثقة فهما توفي في صفر
وفيها أبو العباس البرمكي احمد بن عمر بن أحمد بن إبراهيم بن اسمعيل الحنبلي سمع أبا حفص بن شاهين وأبا القسم بن حبابة قال الخطيب كتبت عنه وكان صدوقا
سألته عن مولده فقال في ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ومات في ليلة الخميس الثالث والعشرين من جمادي الآخرة ودفن في مقبرة أمامنا أحمد وصحب أباه وقرأ على أبي عبد الله بن حامد
وفيها أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد بن مزداد الواسطى العطار راوي مسند مسدد عن ابن السقا توفي في شعبان
وفيها أبو القسم الافليلي وافليل قرية بالشام ثم القرطبي إبراهيم ابن محمد بن زكريا الزهري الوقاصي توفي في ذي القعدة بقرطبة وله تسع وثمانون سنة روى عن أبي عيسى الليثي وأبي بكر الزبيدي وطائفة وولى الوزارة لبعض أمراء الأندلس وكان رأسا في اللغة والشعر أخبار يا علامة صادق اللهجة حسن الغيب صافي الضمير عنى بكتب جمة وشرح ديوان المتنبي شرحا جيدا وهو مشهور
وفيها أبو الحسن بن سختام الفقيه على بن إبراهيم بن نصرويه بن سختام ابن هرثمة الغزني الحنفي السمر قندي المفتي رحل ليحج وحدث ببغداد ودمشق عن أبيه ومحمد بن أحمد بن مت الأشتيخني وجماعة وحدث في هذا العام وتوفي فيه أو بعده في عشر الثمانين
وفيها أبو حمصه أبو الحسن علي بن عمر الحراني ثم المصري الصواف عنده مجلس واحد حمزة الكتاني يعرف بمجلس البطاقة توفي في رجب قاله في العبر
وفيها قرواش بن مقلد بن المسيب الأمير أبو المنيع معتمد الدولة العقيلي صاحب الموصل كانت دولته خمسين سنة وكان أديبا شاعرا نهابا وهابا على دين الأعراب وجاهليتهم وتقدم الكلام عليه
وفيها أبو الفضل السعدي محمد بن أحمد بن عيسى البغدادي الفقيه الشافعي تلميذ أبي حامد الاسفرائيني وراوي معجم الصحابة للبغوي عن ابن بطة توفي في شعبان وقد روى عن جماعة كثيرة بالعراق والشام ومصر
وفيها أبو عبد الله الصوري محمد بن علي بن عبد الله بن رحيم الساحلي الحافظ أحد أركان الحديث توفي ببغداد في جمادي الآخرة وقد نيف على الستين روى عن ابن جميع والحافظ عبد الغني المصري ولزمه مدة وأكثر عن المصريين والشاميين ثم رحل إلى بغداد فلقى بها ابن مخلد صاحب الصفار وهذه الطبقة قال الخطيب كان من أحرص الناس على الحديث وأكثرهم كتبا له وأحسنهم معرفة لم يقدم علينا أفهم منه وكان دقيق الخط يكتب ثمانين سطرا في ثمن الكاغد الخراساني وكان يسرد الصوم وقال أبو الوليد الباجي هو أحفظ من رأيناه وقال أبو الحسين بن الطيوري ما رأيت أحفظ من الصوري وكان بفردعين وكان متفننا يعرف من كل علم وقوله حجة وعنه أخذ الخطيب علم الحديث وله شعر فائق وقال ابن ناصر الدين كان آية في الإتقان مع حسن خلق ومزاح مع الطالبين وكان خطه دقيقا مع التحرير والمعرفة الزائدة كتب صحيح البخاري في سبعة أطباق من الورق البغدادي
وفيها السلطان مودود صاحب غزته بن السلطان مسعود بن محمود بن سبكتكين وكانت دولته عشر سنين ومات في رجب وله تسع وعشرون سنة واقاموا بعده ولده وهو صبي صغير ثم خلعوه
سنة اثنتين واربعين وأربعمائة
فيها عبن ابن النسوي لشرطة بغداد فاتفقت الكلمة من السنة والشيعة انه متى ولى نزحوا عن البلد ووقع الصلح بهذا السبب بين الفريقين وصار أهل الكرخ يترحمون على الصحابة وصلوا في مساجد السنة
وخرجوا كلهم إلى زيارة المشاهد وتحابوا وتواددوا وهذا شيء لم يعهد من دهر قاله في العبر
وفيها أبو الحسين الثوري أحمد بن علي البغدادي المحتسب روى عن ابن لولو وطبقته وكان ثقة صاحب حديث
وفيها الملك العزيز أبو منصور بن الملك جلال الدولة بن بويه توفي بظاهر ميافارقين وكانت مدته سبع سنين وكان أديبا فاضلا له شعر حسن
وفيها أبو الحسن بن القزويني على بن عمر الحربي الزاهد القدوة شيخ العراق روى عن أبي عمر بن حيوية وطبقته قال الخطيب كان أحد الزهاد ومن عباد الله الصالحين يقرئ ويحدث ولا يخرج إلا إلى الصلاة وعاش اثنتين وثمانين سنة توفي في شعبان وغلقت جميع بغداد يوم دفنه ولم أر جمعا أعظم من ذلك الجمع وقال المناوي في طبقات الأولياء أخذ النحو عن أبن جنى وكان شافعيا تفقه على الداركي وسمع حديثا كثيرا ومن كراماته أنه سمع الشاة تذكر الله تعالى تقلو لا اله إلا الله وكان يتوظأ للعصر فقال لجماعته لا تخرج هذه الشاة غدا للمرعى فأصبحت ميتة وقال بعضهم مضيت لزيارة قبره فحصل ما يذكر الناس عنه من الكرامات فقلت ترى ايش منزلته عند الله وعلى قبره مصحف ففتحته فإذا في أول ورقة منه { وجيها في الدنيا والآخرة } وقال الماوردي صليت خلفه وعليه ثوب مطرز فقلت في قلبي أين المطرز من الزهد فلما قضى صلاته قال سبحان الله المطرز لا ينقص أحكام الزهد وكرره ثلاثا وقال ابن هبة صليت خلفه العشاء بالحربية فخرج وأنا معه بالقنديل بين يديه فإذا أنا بموضع أطوف به مع جماعة ثم عدنا إلى الحربية قبل الفجر فأقسمت عليه أين كنا قال أن هو إلا عبد أنعمنا عليه ذلك البيت اكرام وله حكايات كثيرة تدل على أن الله أكرمه بطى الأرض وقال ابن الدلال كنت أقرأ على ابن فضلان فقال وقد جرى ذكر كرامات القزويني
لا تعتقد أن أحدا يعلم ما في قلبك فخرجت فدخلت على القزويني فقال سبحان الله مقاومة معارضه روى عن المصطفى انه قال أن تحت العرش ريح هفافة تهب إلى قلوب العارفين وروى عنه كان فيمن مضى قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر وقال بعضهم أصابتني ريح المفاصل حتى زمنت لأجلها فأمر القزويني يده عليها من وراء كمه فقمت من ساعتي معافي وقال ابن طاهر أدركت سفرا وكنت خائفا فدخلت للقزويني أسأله الدعاء فقال قبل أن أسأله من أراد سفرا ففزع من عدو أو وحش فليقرأ لإيلاف قريش فإنها أمان من كل سوء فقراتها فلم يعرض لي عارض حتى الآن ولما مات أغلقت البلد لمشهده ولم ير في الإسلام بعد جنازة أحمد بن حنبل أعظم من جنازته
انتهى ما أورده الشيخ عبد الرءوف المناوي ملخصا
وفيها أبو القسم الثمانيني بلفظ العدد نسبة إلى ثمانين قرية بالموصل وهي أول قرية بنيت بعد الطوفان سميت بعدد الجماعة الذين خرجوا من السفينة مع نوح عليه السلام فأنهم كانوا ثمانين وهي عند الجبل الجودي عمر بن ثابت الضرير النحوي أحد أئمة العربية بالعراق أخذ النحو عن أبي الفتح بن جنى وأخذ عنه الشريف أبو المعمر يحيى بن محمد بن طباطبا العلوي الحسني وكان هو وأبو القسم بن برهان والعوام يقرءون على الثمانيني وتوفي في ذي القعدة انتهى ملخصا
وفيها محمد بن عبد الواحد بن زوج الحرة أبو الحسن أخو أبي يعلي وأبي عبد الله وكان أوسط الثلاثة روى عن ابن لولو وطائفة
وفيها أبو طاهر بن العلاف محمد بن علي بن محمد البغدادي الواعظ روى عن القطيعي وجماعة وكان نبيلا وقورا له حلقة للعلم بجامع المنصور
سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة
فيها على ما قاله في الشذور ظهر كوكب له ذؤابة غلب نوره على نور الشمس وسار سيرا بطيئا ثم انقض
وفيها كما قال في العبر في صفر زال الأنس بين السنة والشيعة وعادوا إلى أشد ما كانوا عليه وأحكموا الرافضة سوق الكرخ وكتبوا على الأبراج محمد وعلى خير البشر فمن رضى فقد شكر ومن أبى فقد كفر واضطرمت الفتنة وأخذت ثياب الناس في الطرق وغلقت الأسواق واجتمع للسنة جمع لم ير مثله وهجموا دار الخلافة فوعدوا بالخير وثار أهل الكرخ والتقى الجمعان وقتل جماعة ونبشت عدة قبور للشيعة مثل العونى والناسى والجذوعى وطرحوا النيران في التراب وتم على الرافضة خزى عظيم فعمدوا إلى خان الحنفية فأحرقوه
وقتلوا مدرسهم أبا سعد السرخسي رحمه الله وقال الوزير إن وأخذنا الكل خربت البلد انتهى
وفيها توفي أبو علي الشاموخي بضم الميم وخاء معجمة نسبة إلى شاموخ قرية بنواحي البصرة الحسن بن علي المقرئ بالبصرة وله جزء مشهور روى فيه عن احمد بن محمد بن العباس صاحب أبي خليفة
وفيها علي بن شجاع الشيباني أبو الحسن المصقلى بفتح أوله والقاف نسبة إلى مصقله جد الاصبهاني الصوفي في ربيع الأول روى عن الدارقطني وطبقته وأسمع ولديه كثيرا
وفيها أبو القسم الفارسي علي بن محمد بن علي مسند الديار المصرية أكثر عن احمد بن الناصح والذهلي وابن رشيق وتوفي في شوال
وفيها محمد بن عبد السلام بن سعدان أبو عبد الله الدمشقي روى عن جمح بن القسم وأبي عمر بن فضالة وجماعة وتوفي يوم عرفة وعنده ستة أجزاء
وفيها أبو الحسن بن صخر الأزدي القاضي محمد بن علي بن محمد البصري بزبيد في جمادي الآخرة عن سن عالية أملى مجالس كثيرة عن أحمد بن جعفر وخلق
سنة أربع واربعين وأربعمائة
فيها كما قال في الشذور كانت بأرجان والأهواز وتلك النواحي زلازل انقلعت منها الحيطان فحكى من يعتمد على قوله انه كان قاعدا في إيوان داره فانفرج حتى رأى السماء من وسطه ثم رجع إلى حاله
وفيها توفي أبو غانم الكراعي أحمد بن علي بن الحسين النضري صاحب الحرث بن أبي أسامة وكان حافظ خراسان ومسندها في وقته آخر من روى عنه حفيده
وفيها أبو علي بن المذهب الحسن بن علي بن محمد التميمي البغدادي الواعظ راوية المسند لأحمد قال الخطيب كان سماعه للمسند من القطيعي صحيحا إلا في أجزاء فإنه ألحق اسمه فيها وعاش تسعا وثمانين سنة قال ابن نقطة لو بين الخطيب في أي مسند هي لأتى بالفائدة وقال الذهبي توفى في تاسع عشرى ربيع الآخر
وفيها رشأ بن نظيف بن ما شاء الله أبو الحسن الدمشقي المقرئ المحدث قرأ بدمشق ومصر وبغداد بالروايات ورى عن أبي مسلم الكاتب وعبد الوهاب الكلابي وطبقتهما قال الكتاني توفي في المحرم وكان ثقة مأمونا انتهت إليه الرياسة في قراءة ابن عامر
وفيها المحدث أبو القسم الازجي عبد العزيز بن علي الخياط روى عن ابن عبيد العسكري وعلي بن لولو وطبقتهما فاكثر توفي في شعبان وله ثمان وثمانون سنة وكان صاحب حديث وسنة
وفيها أبو نصر السجزي نسبة إلى سجستان الحافظ عبيد الله بن سعيد بن
حاتم الوائلي البكري نزيل مصر توفي بمكة في المحرم وكان متقنا مكثرا بصيرا بالحديث والحجاز والسنة واسع الرواية رجل بعد الأربعمائة فسمع بخراسان والعراق والحجاز ومصر وروى عن الحاكم وأبي أحمد الفرضي وطبقتهما قال الحافظ ابن طاهر سألت الحبال عن الصوري والسجزي أيهما احفظ فقال السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري وله كتاب الابانة في القران
وفيها أبو عمرو الداني عثمان بن سعيد القرطبي بن الصير في الحافظ المقرئ أحد الأعلام صاحب المصنفات الكثيرة منها التيسير توفي بدانية في شوال وله ثلاث وسبعون سنة قال ابتدأت بطلب العلم سنة ست وثمانين وثلثمائة ورحلت إلى المشرق سنة سبع وتسعين فكتبت بالقيروان ومصر قال الذهبي سمع من أبي مسلم الكاتب وبمكة من احمد بن فراس وبالمغرب من أبي الحسن القابسي وقرأ القراءات على عبد العزيز بن جعفر الفارسي وخلف بن خاقان وطاهر بن غلبون وجماعة وقال ابن بشكوال كان أحد الأئمة في علم القران روايته وتفسيره ومعانيه وطرقه واعرابه وله معرفة بالحديث وطرقه ورجاله وكان جيد الضبط من أهل الحفظ والذكاء واليقين دينا ورعا سنيا وقال غيره كان مجاب الدعوة مالكي المذهب
وفيها أبو الفتح القرشي ناصر بن الحسين العمري المروزي الشافعي مفتي أهل مرو تفقه على أبي بكر القفال وأبي الطيب الصعلوكي وروى عن أبي سعيد عبد الله الرازي صاحب ابن الضريس وعبد الرحمن بن أبي شريح وعليه تفقه البيهقي وكان فقيرا متعففا متواضعا قال ابن شهبة صار عليه مدار الفتوي والتدريس والمناظرة وصنف كتبا كثيرة توفي بنيسابور في ذي القعدة
سنة خمس واربعين وأربعمائة
فيها توفي في تاج الأئمة مقرئ الديار المصرية أبو العباس أحمد بن علي بن
هاشم المصري قرأ علي عمر بن عراك وأبي عدي وجماعة ثم رحل وقرأ علي أبي الحسن الحمامي وتوفي في شوال في عشر التسعين قال السيوطي في حسن المحاضرة أقرأ الناس دهرا طويلا بمصر وحدث عنه أبو عبد الله محمد بن أحمد الرازي في مشيخته
وفيها أبو اسحق البرمكي إبراهيم بن عمر البغدادي الحنبلي روى عن القطيعي وابن ماسي وطائفة قال الخطيب كان صدوقا دينا فيها على مذهب أحمد له حلقة للفتوى توفي يوم التروية وله أربع وثمانون سنة وقال ابن أبي يعلي في طبقاته له إجازة من أبي بكر عبد العزيز وصحب ابن بطة وابن حامد قال ابراهيم البرمكى أخبرنا على بن عبد العزيز بن مردك قال حدثنا عبد الرحمن ابن أبي حاتم قال حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال وذكر عنده يعني أبيه رجل فقال يا بني الفائز من فاز غدا ولم يكن لأحد عنده تبعة ولد البرمكي في شهر رمضان سنة إحدى وستين وثلثمائة وتوفي في ذي الحجة ودفن في مقبرة أمامنا وكانت حلقته بجامع المنصور انتهى ملخصا
وفيها أبو سعد السمان اسمعيل بن علي الرازي الحافظ سمع بالعراق ومكة ومصر والشام وروى عن المخلص وطبقته قال الكتاني كان من الحفاظ الكبار زاهدا عابدا يذهب إلى الاعتزال وقال الذهبي كان متبحرا في العلوم وهو القائل من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة والإسلام وله تصانيف كثيرة يقال انه سمع من ثلاثة آلاف شيخ وكان رأسا في القراءات والحديث والفقه بصيرا بمذهبي أبي حنيفة والشافعي لكنه من رؤوس المعتزلة انتهى كلام الذهبي
وفيها أبو طاهر الكاتب محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الرحيم مسند اصبهان وراوية أبي الشيخ توفي في ربيع الآخر وهو في عشر التسعين وكان ثقة صاحب رحلة إلى أبي الفضل الزهري وطبقته
وفيها أبو عبد الله العلوي محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الكوفي مسند الكوفة في ربيع الأول روى عن المكاي وطائفة
سنة ست وأربعين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي الأهوازي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ المحدث مقرئ أهل الشام وصاحب التصانيف ولد سنه اثنتين وستين وثلثمائة وعنى بالقراءات ولقي فيها الكبار كابى الفرج الشنبوذي وعلي بن الحسين الغضايري وقرأ بالأهواز لقالون في سنة ثمان وسبعين وثلثمائة وروى الحديث عن نصر المرجي والمعافي الجريري وطبقتهما وهو ضعيف أتهم في لقي بعض الشيوخ توفي في ذي الحجة
وفيها أبو يعلي الخليلي الخليل بن عبد الله بن أحمد القزويني الحافظ أحد ائمة الحديث روى عن علي بن أحمد بن صالح القزويني وأبى حفص الكتاني وطبقتهما وكان أحد من رحل وتعب وبرع في الحديث قال ابن ناصر الدين أبو يعلي القاضي كان إماما حافظا من المصنفين وله كتاب الإرشاد في معرفة المحدثين
وفيها أبو محمد بن اللبان التيمي عبد الله بن محمد الاصبهاني قال الخطيب كان أحد أوعية العلم سمع أبا بكر بن المقرئ وأبا طاهر المخلص وطبقتهما وكان ثقة صحب ابن الباقلاني ودرس عليه الأصول وتفقه على أبي حامد الاسفرائيني وقرا القراءات وله مصنفات كثيرة سمعته يقول حفظت القرآن ولي خمس سنين مات باصبهان في جمادى الآخرة
وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن أبي نصر أبو الحسين التميمي المعدل الرئيس مسند دمشق وابن مسندها سمع أبا بكر الميانجي وأبا سليمان بن زبر وتوفي في رجب
سنة سبع وأربعين وأربعمائة
فيها توفي أبو عبد الله القادسي الحسين بن أحمد بن محمد بن حبيب البغدادي البزاز روى عن أبي بكر القطيعي وغيره ضعفه الخطيب وفيه أيضا رفض توفي في ذي القعدة
وفيها قاضي القضاة أبو عبد الله بن ماكولا الحسين بن علي بن جعفر العجلي الجربا ذقاني بفتح الجيم والموحدة والقاف وسكون الراء والذال المعجمة نسبة إلى جرباذقاني بلد بين جرجان واستراباذ واخرى بين أصبهان والكرج لا أدري إلى أيهما ينسب كان شافعي المذهب قال الأسنوي هو من ولد الأمير أبي دلف العجلي ويعرف بابن ما كولا وهو الأمير أبو نصر مصنف الاكمال في أسماء الرجال تولى أبو عبد الله المذكور قضاء القضاة ببغداد سنة عشرين وأربعمائة قال الخطيب كان عارفا بمذهب الشافعي وسمع من ابن منده باصبهان قال ولم نر قاضيا أعظم نزاهة منه ولد سنة ثمان وستين وثلثمائة ومات في شوال وهو على قضائه انتهى ما قاله الأسنوي
وفيها حكم بن محمد بن حكم أبو العاص الجذامي نسبة إلى جذام قبيلة باليمن القرطبي مسند الأندلس حج فسمع من أبي محمد بن أبي زيد وإبراهيم بن علي التمار وأبي بكر بن المهندس وقرأ على عبد المنعم بن غلبون وكان صالحا ثقة ورعا صلبا في السنة مقلا زاهدا توفي في ربيع الآخر بضع وتسعين سنة
وفيها أبو الفتح سليم بن أيوب بن سليم بالتصغير فيهما الرازي الشافعي المفسر صاحب التصانيف والتفسير وتلميذ أبي حامد الأسفرائيني روى عن أحمد بن محمد النصير وطائفة كثيرة وكان رأسا في العلم والعمل غرق في بحر القلزم في صفر بعد قضاء حجه قال ابن قاضي شهبة تفقه وهو كبير لأنه كان اشتغل في صدر عمره باللغة والنحو والتفسير والمعاني ثم لازم الشيخ
أبا حامد وعلق عنه التعليق ولما توفي الشيخ أبو حامد جلس مكانه ثم انه سافر إلى الشام وأقام بثغر صور مرابطا ينشر العلم فتخرج عليه أئمة منهم الشيخ نصر المقدسي وكان ورعا زاهدا يحاسب نفسه على الأوقات لا يدع وفتا يمضي بغير فائدة قال الشيخ أبو اسحق انه كان فقيها أصوليا وقال أبو القسم بن عساكر بلغني أن سليما تفقه بعد أن جاوز الأربعين وغرق في بحر القلزم عند ساحل جدة بعد الحج في صفر ومن تصانيفه كتاب التفسير سماه ضياء القلوب وغير ذلك من الكتب النافعة وسئل ما الفرق بين مصنفاتك ومصنفات رفيقك المحاملي يعرض السائل بأن تلك أشهر فقال الفرق أن تلك صنفت بالعراق ومصنفاتي صنفت بالشام انتهى
وفيها أبو سعيد اسمعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه الرازي كان حافظا علامة تاريخ الزمان وهو معتزلي المذهب وهو أمام في عدة علوم ومن كلامه من لم يكتب الحديث لم يتغرغر بحلاوة الإسلام قاله ابن ناصر الدين وجزم انه توفي في هذه السنة وقد تقدم الكلام عليه في سنة خمس وأربعين قريبا
وفيها عبد الوهاب بن الحسين بن برهان أبو الفرج البغدادي الغزال روى عن أبي عبد الله العسكري واسحق بن سعد وخلق وسكن صور وبها مات في شوال عن خمس وثمانين سنة
وفيها أبو أحمد الغندجاني بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح المهملة وجيم نسبة إلى غندجان مدينة بالأهواز عبد الوهاب بن علي بن محمد بن موسى روى تاريخ البخاري عن أحمد بن عبدان الشيرازي
وفيها أبو القسم التنوخي علي بن أبي علي المحسن بن علي البغدادي روى عن علي بن محمد بن كيسان والحسين بن محمد العسكري وخلق كثير وأول سماعه في سنة سبعين قال الخطيب صدوق متحفظ في الشهادة ولي قضاء المدائن ونحوها قال ابن خيرون قيل كان راية الرفض والاعتزال مات في ثاني المحرم قاله في العبر
وفيها ذخيرة الدين ولي العهد محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بأمر الله أحمد توفي في ذي القعدة وله ست عشرة سنة وكان قد ختم القرآن وحفظ الفقه والنحو والفرائض وخلف سرية حاملا فولدت ولد اسماه جده عبد الله فهو المقتدي الذي ولى الخلافة بعد جده
وفيها محمد بن علي بن يحيى بن سلوان المازني ما عنده سوى نسخة أبي مسهر وما معها توفي في ذي الحجة وهو ثقة قاله في العبر
سنة ثمان وأربعين وأربعمائة
فيها تزوج القائم بأمر الله بأخت طغرلبك وتمكن القائم وعظمت الخلافة بسلطنة طغرلبك
وفيها كان القحط الشديد بديار مصر والوباء المفرط وكانت العراق تموج بالفتن والخوف والنهب من جماعة طغرلبك ومن الأعراب ومن البساسيري قال ابن الجوزي في الشذور ثم وقع الغلاء والوباء في الناس وفسد الهواء وكثر الذباب واشتد الجوع حتى أكلوا الميتة وبلغ المكوك من بزر البقلة سبعة دنانير والسفرجلة والرمانة دينار والخيارة واللينوفرة دينار وعم الغلاء والوباء جميع البلاد وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا دارا فوجودا عند الصباح موتى أحدهم على باب البيت والثاني على رأس الدرجة والثالث على الثياب المكوره انتهى
وفيها توفي عبد الله بن الوليد بن سعيد أبو محمد الأنصاري الاندلسي الفقيه المالكي حمل عن أبي محمد بن أبي زيد وخلق وعاش ثمانيا وثمانين سنة وسكن مصر وتوفي بالشام في رمضان
وفيها أبو الحسين عبد الغافر بن محمد بن عبد الغافر الفارسي ثم النيسابوري
راوي صحيح مسلم عن أبي عمرويه وغريب عن الخطابي المؤلف كمل خمسا وتسعين سنة ومات في خامس شوال وكان عدلا جليل القدر
وفيها أبو الحسن القالي نسبة إلى قالي قلا من ديار بكر علي بن أحمد بن علي المؤدب الثقة روى عن أبي عمر الهاشمي وطبقته
وفيها أبو الحسن الباقلاني علي بن إبراهيم بن عيسى البغدادي روى عن القطيعي وغيره قال الخطيب لا بأس به
وفيها أبو حفص بن مسرور عمر بن أحمد بن عمر النيسابوري الزاهد روى عن ابن نجيد وبشر الاسفرائيني وأبي سهل الصعلوكي وطائفة قال عبد الغافر هو أبو حفص القاص الماوردى الزاهد الفقيه كان كثير العبادة والمجاهدة كانوا يتبركون بدعائه وعاش تسعين سنة ومات في ذي القعدة
وفيها أبو الطفال أبو الحسن محمد بن الحسين بن محمد النيسابوري ثم المصري المقرئ البزاز التاجر ولد سنة تسع وخمسين وثلثمائة وروى عن ابن حيوية وابن رشيق وطبقتهما
وفيها ابن الترجمان محمد بن الحسين بن علي الغزى شيخ الصوفية بديار مصر روى عن محمد بن أحمد الحيدرى وعبد الوهاب الكلابي وطائفة ومات في جمادي الأولى بمصر وله خمس وتسعون سنة وكان صدوقا قاله في العبر
وفيها أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران الأموي البغدادي راوي السنن عن الدارقطني توفي في جمادي الأولى وكان ثقة حسن الأصول
وفيها أبو الحسين هلال بن المحسن بن أبي اسحق إبراهيم بن زهرون بن حيون الصابي الحراني الكاتب وهو حفيد أبي اسحق الصابي صاحب الرسائل المشهورة سمع هلال المذكور ربا علي الفارسي النحوي وعلي بن عيسى الرماني
وغيرهم وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وقال كتبنا عنه وكان صدوقا وكان أبوه المحسن صابئا على دين جده إبراهيم واسلم هلال المذكور في آخر عمره وسمع العلماء في حال كفره لأنه كان يطلب الأدب وله كتاب الأماثل والأعيان ومبتدى العواطف والاحسان وهو مجلد وكان ولده غرس النعمة ابو الحسن محمد بن هلال ذا فضائل وتواليف نافعة منها التاريخ الكبير ومنها الكتاب الذي سماه الهفوات النادرة من المغفلين الملحوظين والسقطات البادرة من المغفلين المحظوظين وكانت ولادة هلال المذكور في شوال سنة تسع وخمسين وثلثمائة وتوفي ليلة الخميس سابع عشر رمضان رحمه الله
سنة تسع وأربعين وأربعمائة
فيها كما قال في الشذور بلغت كارة الخشكار أي النخالة عشرة دنانير ومات من الجوع خلق كثير وأكلت الكلاب وورد كتاب من بخاري انه وقع في تلك الديار وباء حتى أخرج في يوم ثمانية عشر ألف جنازة وأحصى من مات إلى تاريخ هذا الكتاب ألف ألف وستمائة وخمسون آلفا وبقيت الأسواق فارغة والبيوت خالية ووقع الوباء باذربيجان وأعمالها والأهواز وأعمالها وواسط والكوفة وطبق الأرض حتى كان يحفر للعشرين والثلاثين زبية فيلقون فيها وكان سببه الجوع وباع رجل أرضا له بخمسة أرطال خبز فأكلها ومات في الحال وتاب الناس كلهم وأراقوا الخمور وكسروا المعازف وتصدقوا بمعظم أموالهم ولزموا المساجد وكان كل من اجتمع بامرأة حراما ماتا من ساعتهما ودخلوا على مريض قد طال نزعه سبعة أيام فأشار بأصبعه إلى بيت في الدار فإذا بجانبه خمر فقلبوها فمات وتوفي رجل كان مقيما بمسجد فخلف خمسين الف درهم فلم يقبلها احد ورميت في المسجد فدخل أربعة أنفس ليلا إلى المجسد فماتوا ودخل رجل على ميت مسجي بلحاف فاجتذبه عنه فمات
وطرفه في يده انتهى
وفيها توفي أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي اللغوي الشاعر صاحب التصانيف المشهورة والزندقة المأثورة والذكاء المفرط والزهد الفلسفي وله ست وثمانون سنة جدر وهو ابن ثلاث سنين فذهب بصره ولعله مات على الإسلام وتاب من كفرياته وزال عنه الشك قاله في العبر وقال ابن خلكان الشاعر اللغوي كان متضلعا من فنون الأدب قرأ النحو واللغة على أبيه بالمعرة وعلى محمد بن عبد الله بن سعد النحوي بحلب وله التصانيف الكثيرة المشهورة واالرسائل المأثورة وله من النظم لزوم مالا يلزم وهو كبير يقع في خمس مجلدات أو ما يقاربها وله سقط الزند أيضا وشرحه بنفسه وسماه ضوء السقط وله كتاب الهمزة والردف أكثر من مائة مجلد وله غير ذلك وأخذ عنه أبو القسم بن المحسن التنوخي والخطيب أبو زكريا التبريزي وغيرهما وكانت ولادته يوم الجمعة عند مغيب الشمس سابع عشرى شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة بالمعرة وعمى من الجدري أول سنة سبع وستين غشى يمني عينيه بياض وذهبت اليسرى جملة قال الحافظ السلفي أخبرني أبو محمد عبد الله بن الوليد بن غريب الايادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره فرآه قاعدا على سجاده لبد وهو شيخ قال فدعا لي ومسح على رأسي وكان صبيا قال وكأني انظر إليه الآن والى عينيه إحداهما نادرة والاخرى غائرة جدا وهو مجدر الوجه نحيف الجسم وكان يقول كأنما نظر المتنبي إلي بلحظ الغيب حيث يقول
( أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبى ** وأسمعت كلماتي من به صمم )
وشرح ديوان أبي تمام وسماه ذكرى حبيب وديوان البحتري وسماه عبث الوليد وديوان المتنبي وسماه معجز أحمد وتكلم على غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عليهم وتولى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع
عليهم والتوجيه في أماكن لخطئهم ودخل بغداد سنة ثمان وتسعين وثلثمائة ودخلها ثانيا سنة تسع وتسعين وأقام بها سنة وسبعة أشهر ثم رجع إلى المعرة ولزم منزله وشرع في التصنيف وأخذ عنه الناس وسار إليه الطلبة من الآفاق وكاتبه العلماء والوزراء أهل الاقدار وسمى نفسه رهن الحبسين للزومه منزله ولذهاب عينيه ومكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم تدينا لأنه كان يرى رأى الحكماء المتقدمين وهم لا يأكلونه كيلا يذبحون الحيوان ففيه تعذيب له وهم لا يرون إيلام جميع الحيوانات وعمل الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ومن شعره في اللزوم
( لا تطلبن بآلة لك رفعة ** قلم البليغ بغير جد مغزل )
( سكن السما كان السماء كلاهما ** هذا له رمح وهذا أعزل )
وتوفي ليلة الجمعة ثالث وقيل ثاني شهر ربيع الأول وقيل ثالث عشره وبلغني انه أوصى أن يكتب على قبره
( هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد ** )
وهو أيضا متعلق باعتقاد الحكماء فأنهم يقولون إيجاد الولد واخراجه إلى هذا العالم جناية عليه لأنه يتعرض لحوادث والآفات وكان مرضه ثلاثة أيام ومات في اليوم الرابع ولم يكن عنده غير بني عمه فقال لهم في اليوم الثالث اكتبوا عني فتناولوا الدواة والأقلام فأملى عليهم غير الصواب فقال القاضي أبو محمد التنوخي أحسن الله عزاءكم في الشيخ فأنه ميت فمات ثاني يوم والمعري نسبة إلى معرة النعمان بلدة صغيرة بالشام بالقرب من حماة وشيزر وهى منسوبة الى النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن الأهدل حضر مرة مجلس الشريف المرتضي ببغداد وكان الشريف يغض من المتنبي والمعري يثني عليه فقال المعري لو لم يكن من شعره إلا قوله
( لك يا منازل في القلوب منازل ** لكفاه فأمر الشريف بإخراجه )
وقال ما أراد القصيدة فأنها ليست من غرر قصائده وإنما أراد البيت الذي فيها وهو قوله
( وإذا أتتك مذمتي من ناقص ** فهي الشهادة لي بأني كامل )
انتهى وقال غيره قيل ولد أعمى وترك أكل البيض واللبن واللحم وحرم اتلاف الحيوان وكان فاسد العقيدة يظهر الكفر ويزعم أن له باطنا وانه مسلم في الباطن وأشعاره والدالة على كفره كثيرة منها
( أتى عيسى فأبطل شرع موسى ** وجاء محمد بصلاة خمس )
( وقالوا لا نبي بعد هذا ** فضل القوم بين غد وأمس )
( ومهما عشت في دنياك هذي ** فما يخليك من قمر وشمس )
( إذا قلت المحال رفعت صوتي ** وإن قلت الصحيح أطلت همسي )
وقال ( تاه النصاري والحنيفة ما اهتدت ** ويهود بطرى والمجوسي مضله )
( قسم الورى قسمين هذا عاقل ** لا دين فيه ودين لا عقل له )
انتهى
وفيها أبو مسعود البجلي أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز الرازي الحافظ وله سبع وثمانون سنة توفي في المحرم ببخارا وكان كثير الترحال طوف وجمع وصنف الأبواب وروى عن أبي عمرو بن حمدون وحسينك التميمي وطبقتهما وهو ثقة قال ابن ناصر الدين كان حافظا صدوقا بين الأصحاب تاجرا تقيا صنف على الأبواب
وفيها أبو عثمان الصابوني شيخ الإسلام اسمعيل بن عبد الرحمن النيسابوري الشافعي الواعظ المفسر المصنف أحد الاعلام روى عن زاهر السرخسي وطبقته وتوفي في صفر وله سبع وسبعون سنة وأول ما جلس للوعظ وله عشر سنين قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا عمدة مقدما في الوعظ والأدب وغيرهما من العلوم وحفظه للحديث وتفسير القرآن معلوم ومن مصنفاته كتاب الفصول في الأصول وقال الذهبي كان شيخ خراسان في زمانه وقال ابن قاضي شهبة
فتوفي ولولده هذه سنين فأجلس مكانه وحضر أول مجلس أئمة الوقت في بلده كالشيخ أبي الطيب الصعلوكي والأستاذ أبى بكر بن فورك والأستاذ أبي اسحق الاسفرائيني ثم كانوا يلازمون مجلسه ويتعجبون من فصاحته وكمال ذكائه وحسن إيراده وقال عبد الغافر الفارسي كان أوحد وقته في طريقه وعظ المسلمين سبعين سنة وخطب وصلى في الجامع نحوا من عشرين سنة وكان حافظا كثير السماع والتصنيف حريصا على العلم سمع الكثير ورحل وزرق العزة والجاه في الدين والدنيا وكان جمالا في البلد مقبولا عند الموافق والمخالف مجمعا على أنه عديم النظير وكان سيف السنة وأفعى أهل البدعة وقد طول عبد الغافر في ترجمته واطنب في وصفه وقال الحافظ أبو بكر البهيقي شيخ الإسلام صدقا وامام المسلمين حقا أبو عثمان الصابوني انتهى ملخصا
وفيها ابن بطال مؤلف شرح البخاري أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال القرطبي روى عن أبي المطرف القنازعي ويونس بن عبد الله القاضي وتوفي في صفر
وفيها أبو عبد الله الخبازي محمد بن علي بن محمد النيسابوري المقرئ عن سبع وسبعين سنة روى عن أبيه القراءات وتصدر وصنف فيها وحدث عن أبي محمد الخلدي وطبقته وكان كبير الشأن وافر الحرمة مجاب الدعوة آخر من روى عن الفراوي
وفيها أبو الفتح الكراجكي أي الخيمى رأس الشيعة وصاحب التصانيف محمد بن علي مات بصور في ربيع الآخر وكان نحويا لغويا منجما طبيبا متكلما متفننا من كبار أصحاب الشريف المرتضي وهو مؤلف كتاب تلقين أولاد المؤمنين
سنة خمسين وأربعمائة
فيها توفي الونى صاحب الفرائض استشهد في فتنة البساسيري وهو أبو
عبد الله طاهر بن عبد الله بن طاهر القاضي الشافعي أحد الأعلام روى عن أبي أحمد الغطريفي وجماعة وتفقه بنيسابور على أبي الحسن الماسرجسي وسكن بغداد وعمر مائة وسنتين قال الخطيب كان عارفا بالأصول والفروع محققا صحيح المذهب قال الشيخ أبو اسحق الشيرازي في الطبقات ومنهم
شيخنا وأستاذنا أبو الطيب الطبري توفي عن مائة وسنتين ولم يختل عقله ولا تغير فهمه يفتى مع الفقهاء ويستدرك عليهم الخطأ ويقضي ويشهد ويحضر المواكب إلى أن مات تفقه بآمل على الزجاجي صاحب ابن القاص وقرأ على أبي سعيد الإسماعيلي وأبي القسم بن كج بجرجان ثم ارتحل إلى نيسابور وأدرك ابا الحسن الماسرجسى وصحبه اربع سنين ثم ارتحل الى بغداد وعلق عن أبي محمد البافي صاحب الداركي وحضر مجلس أبي حامد ولم أر ممن رأيت أكمل اجتهادا وأشد تحقيقا وأجود نظرا منه شرح مختصر المزني وصنف في الخلاف والمذهب والأصول والجدل كتبا كثيرة ليس لأحد مثلها ولازمت مجلسه بضع عشرة سنة ودرست أصحابه في مجلسه بأذنه ورتبني في حلقته وسألني أن أجلس في مجلسه للتدريس ففعلت في سنة ثلاثين وأربعمائة أحسن الله عني حزاءه ورضى عنه وقال الخطيب البغدادي كان أبو الطيب ورعا عارفا بالأصول والفروع محققا حسن الخلق صحيح المذهب اختلفت إليه وعلقت عنه الفقه سنين وقال سمعت أبا بكر محمد بن محمد المؤدب سمعت أبا محمد الباقي يقول أبو الطيب أفقه من أبي حامد الأسفرائيني وسمعت أبا حامد يقول أبو الطيب أفقه من أبي محمد البافي وعن القاضي أبي الطيب انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له يا فقيه وانه كان يفرح بذلك ويقول سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيها وقال القاضي أبو بكر الشامي قلت للقاضي أبي الطيب وقد عمر لقد متعت بجوارحك أيها الشيخ فقال ولما لا وما عصيت الله بواحدة منها قط أو كما قال وقال ابن الأهدل بلغ أبو الطيب مبلغا في العلم
والديانة وسلامة الصدر وحسن السمت والخلق وعليه تفقه الشيخ أبو اسحق الشيرازي وولي القضاء ببغداد بربع الكرج دهرا طويلا وعاش مائة وسنتين ويقال وعشرين ولم يضعف جسده ولا عقله حتى حكى انه اجتاز بنهر يحتاج إلى وثبة عظيمة فوثب وقال أعظما حفظها الله في صغرها فقواها في كبرها وكان يحضر المواكب في دار الخلافة ويقول الشعر ومن شعره ما ألغز به على أبي العلاء المعري
( وما ذات در لا يحل لحالب ** تناولها واللحم منها محلل )
في أبيات في هذا المعنى فأجابه المعري ارتجالا
( جوابان عن هذا السؤال كلاهما ** صواب وبعض القائلين مضلل )
( فمن ظنه كرما فليس بكاذب ** ومن طنه نخلا فليس يجهل )
( يكلفني القاضي انحلال مسائل ** هي البحر قدرا با أعز وأطول )
فأجابه القاضي يثنى عليه وعلى علمه وبديهيه فأجابه المعري أيضا
( فؤادك معمور من العلم آهل ** وجدك في كل المسائل مقبل )
( فان كنت بين الناس غير ممول ** فأنت من الفهم المصون ممول )
( كأنك من في الشافعي مخاطب ** ومن قلبه تملى فما تتمهل )
( وكيف يرى علم ابن إدريس دارسا ** وأنت بايضاح الهدى متكفل )
( تجملت الدنيا بأنك فوقها ** ومثلك حقا من به يتجمل )
وفيها أبو الفتح بن شيطا مقرئ العراق ومصنف التذكار في القراءات العشر عبد الواحد بن الحسين بن أحمد أخذ عن الحمامي وطائفة وحدث عن محمد بن إسماعيل البراق وجماعة وتوفي في صفر وله ثمانون سنة
وفيها أبو الحسين علي بن بقا المصري الوراق الناسخ محدث ديار مصر روى عن القاضي أبي الحسن الحلبي وطائفة وكتب الكثير
وفيها الماوردي أقضي القضاة أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري
الشافعي مصنف الحاوي والاقناع وأدب الدنيا والدين وكان أماما في الفقه والأصول والتفسير بصيرا بالعربية ولي قضاء بلاد كثيرة ثم سكن بغداد وعاش ستا وثمانين سنة تفقه على أبي القسم الصيمري بالبصرة وعلى أبي حامد ببغداد وحدث عن الحسن الجيلي صاحب أبي خليفة الجمحي وجماعة وآخر من روى عنه أبو العز بن كادش قال ابن قاضي شهبة هو أحد أئمة أصحاب الوجوه قال الخطيب كان ثقة من وجوه الفقهاء الشافعين وله تصانيف عدة في أصول الفقه وفروعه وفي غير ذلك وكان ثقة ولي قضاء بلدان شتى ثم سكن بغداد وقال ابن خيرون كان رجلا عظيم القدر متقدما عند السلطان أحد الأئمة له التصانيف الحسان في كل فن من العلم وذكره ابن الصلاح في طبقاته واتهم بالاعتزال في بعض المسائل بحسب ما فهم عنه في تفسيره في موافقة المعتزلة فيها ولا يوافقهم في جميع أصولهم ومما خالفهم فيه أن الجنة مخلوقة نعم يوافقهم في القول في القدر وهي بلية على البصريين توفي في ربيع الأول سنة خمسين بعد موت أبي الطيب بأحد عشر يوما عن ست وثمانين سنة وذكر ابن خلكان في الوفيات انه لم يكن أبرز شيئا من مصنفاته في حياته وإنما أوصى رجلا من أصحابه إذا حضره الموت أن يضع يده في يده فان رآه قبض على يده فلا يخرج من مصنفاته شيئا وان رآه بسط يده أي علامة فبولها فليخرجها ومن تصانيفه الحاوي قال الأسنوي ولم يصنف مثله و كتاب الأحكام السلطانية وهو تصنيف عجيب مجلد والإقناع مختصر يشتمل على غرائب والتفسير ثلاث مجلدات وأدب الدين والدنيا وغير ذلك
انتهى ما ذكره ابن شهبة ملخصا وقال ابن الأهدل لما خرج الماوردي من بغداد إلى البصرة أنشد أبيات ابن الأحنف
( أقمنا كارهين لها فلما ** الفناها خرجنا مكرهينا )
( وما حب البلاد بنا ولكن ** أمر العيش فرقة من هوينا )
( خرجت أقر ما كانت لعيني ** وخلفت الفؤاد بها رهينا )
وهو منسوب إلى بيع الماورد انتهى
وفيها أبو القسم الخفاف عمر بن الحسين البغدادي صاحب المشيخة روى عن ابن المظفر وطبقته
وفيها أبو منصور السمعاني محمد بن عبد الجبار القاضي المروزي الحنفي والد العلامة أبي المظفر السمعاني مات بمرو في شوال وكان أماما ورعا نحويا لغويا علامة له مصنفات
وفيها منصور بن الحسين الثاني بالنون نسبة إلى التنائية وهي الدهقنة ويقال لصاحب الضياع والعقار أبو الفتح الاصبهاني المحدث صاحب ابن المقرى كان من أروى الناس عنه توفي في ذي الحجة وكان ثقة
وفيها الملك الرحيم أبو نصر بن الملك أبي كاليجار بن الملك سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي آخر ملوك الديلم مات محبوسا بقلعة الري في اعتقال طفرلبك
سنة إحدى وخمسين وأربعمائة
فيها توفي ابن سميق أبو عمر أحمد بن يحيى بن أحمد بن سميق القرطبي نزيل طليطلة ومحدث وقته روى عن أبي المطرف بن فطيس وابن أبي زمنين وطبقتهما وكان قوي المشاركة في عدة علوم حتى في الطب مع العبادة والجلالة وعاش ثمانين سنة
وفيها الأمير المظفر أبو الحرث أرسلان بن عبد الله البساسيري التركي مقدم الاتراك ببغداد يقال انه كان مملوك بهاء الدولة بن بويه وهو الذي خرج على الأمام القائم بأمر الله ببغداد وكان قدمه على جميع الأتراك وقلده الأمور بأسرها وخطب له على منابر العراق وخوزستان فعظم آمره وهابته الملوك ثم
0
خرج على الأمام القائم بأمر الله من بغداد وخطب للمستنصر العبيدي صاحب مصر فراح الإمام القائم إلى أمير العرب محي الدين أبي الحرث مهارش بن المجلي العقيلي صاحب الحديثة وأعانه فآواه وقام بجميع ما يحتاج إليه مدة سنة كاملة حتى جاء طغرلبك السلجوقي وقاتل الساسيري المذكور وقتله وعاد القائم الى بغداد وكان دخوله اليها في مثل اليوم الذي خرج منها بعد حول كامل وكان ذلك من غريب الاتفاق وقصته مشهورة قتله عسكر السلطان طغرلبك السلجوقي ببغداد يوم الخميس منتصف ذي الحجة وطيف برأسه في بغداد وصلب قبالة باب النوبي والبساسيري بفتح الباء الموحدة والسين المهملة وبعد الألف سين مكسورة ثم ياء ساكنة مثناة من تحتها وبعدها راء هذه النسبة إلى بلدة بفارس يقال لها بسا وبالعربية فسا والنسبة إليها بالعربية فسوي ومنها الشيخ أبو علي الفارسي النحوي أهل فارس يقولون في النسبة إليها البساسيري وهي نسبة شاذة على خلاف الأصل وكان سيد أرسلان المذكور من بسافنسب إليه الملوك وأشتهر بالبساسيري قاله ابن خلكان
وفيها أبو عثمان النجيرمي بفتح النون والراء وكسر الجيم نسبة الى نجيرم محلة بالبصرة سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد النيسابوري محدث خراسان ومسندها روى عن جده أبي الحسين وأبي عمرو بن حمدان وطبقتهما ورحل إلى مرو واسفرائين وبغداد وجرجان وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو المظفر عبدالله بن شبيب الضبي مقرئ أصبهان وخطيبها وواعظها وشيخها وزاهدها أخذ القراءات عن أبي الفضل الخزاعي وسمع من أبي عبد الله بن مندة وغيره وتوفي في صفر
وفيها أبو الحسن الزوزني بفتح الزايين وسكون الواو نسبة إلى زوزن بلد بين هراة ونيسابور على بن محمود بن ماخرة شيخ الصوفية ببغداد في رمضان عن خمس وثمانين سنة وكان كثير الأسفار سمع بدمشق من عبد الوهاب
الكلابي وجماعة
وفيها أبو طالب العشاري محمد بن علي بن الفتح الحرني الصالح روى عن الدارقطني وطبقته وعاش خمسا وثمانين سنة وكان جسده طويلا فلقبوه العشاري وكان فقيها حنبليا تخرج على أبي حامد وقبله على ابن بطة وكان خيرا عالما زاهدا قال ابن أبي يعلي في طبقات الحنابلة كان العشارى من الزهاد صحب أبا عبد الله بن بطة وأبا حفص البرمكي وأبا عبد الله بن حامد وقال ابن الطيوري قال لي بعض أهل البادية أنا إذا قحطنا استسقينا بابن العشاري فنسقي وقال لما قدم عسكر طغرلبك لقي بعضهم ابن العشاري في يوم الجمعة فقال له إيش معك يا شيخ قال ما معى شيء ونسي أن في جيبه نفقة ثم ذكر فنادى بذلك القائل له وأخرج ما في جيبه وتركه بيده وقال هذا معي فهابه ذلك الشخص وعظمه ولم يأخذه وله كرامات كثيرة مولده سنة ستين وثلثمائة وموته يوم الثلاثاء تاسع عشرى جمادي الأولى سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ودفن في مقبرة أمامنا بجنب أبي عبد الله بن طاهر وكان كل واحد منهما زوجا لأخت الآخر انتهى ملخصا
سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة
فيها توفي الماهر أبو الفتح أحمد بن عبيد بن فضال الحلبي الموازيني الشاعر المفلق بالشام
وفيها علي بن حميد أبو الحسن الذهلي إمام جامع همذان وركن السنة والحديث بها روى عن أبي بكر بن لال وطبقته وقبره يزار ويتبرك به
وفيها القزويني محمد بن أحمد بن علي المقرئ شيخ الاقراء بمصر أخذ عن طاهر بن غلبون وسمع من أبي الطيب والد طاهر وعبد الوهاب الكلابي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر قال في حسن المحاضرة وقرأ عليه يحيى الخشاب وعلى بن بليمة انتهى
وفيها ابن عمروس أبو الفضل محمد بن عبيد الله البغدادي الفقيه المالكي قال الخطيب انتهت إليه الفتوى ببغداد وكان من القراء المجودين حدث عن ابن شاهين وجماعة وعاش ثمانين سنة
سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة
فيها توفي أبو العباس بن نفيس شيخ القراء أحمد بن سعيد بن أحمد بن نفيس المصري في رجب وقد نيف على التسعين وهو أكبر شيخ لابن الفحام قرأ على السامرى وأبي عدى عبد العزيز وسمع من أبي القسم الجوهري وطائفة وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات وقصد من الآفاق
وفيها صاحب ميافارقين وديار بكر نصر الدولة أحمد بن مروان بن دوستك الكردي أبو نصر كان عاقلا حازما عادلا لم يفته الصبح مع أنهما كه على اللذات وكان له ثلثمائة وستون سرية يخلو كل ليلة بواحدة وكانت دولته إحدى وخمسين سنة وعاش سبعا وسبعين سنة وقام بعده ولده نصر قال ابن خلكان ملك البلاد بعد أن قتل أخوه أبو سعيد منصور بن مروان في قلعة الهتاخ ليلة الخميس خامس جمادي الأولى سنة إحدى وأربعمائة وكان رجلا مسعودا عالى الهمة حسن السياسة كثير الحزم قضى من اللذات وبلغ من السعادة ما يقصر الوصف عن شرحه وكان قد قسم أوقاته فمنها ما ينظر فيه في مصالح دولته ومنها ما يتوفر فيه على لذاته والاجتماع بأهله وخلف أولادا كثيرة وقصده شعراء عصره ومدحوه وخلدوا مدائحه في دواوينهم ومن جملة سعاداته انه وزر له وزير أن كانا وزيري خليفتين أحدهما أبو القسم الحسين ابن علي المعروف بابن المغربي صاحب الديوان الشعر والرسائل والتصانيف المشهورة كان وزير خليفة مصر وانفصل عنه وقدم على الأمير أبي نصر المذكور فوز له مرتين والآخر فخر الدولة أبو نصر بن جهير كان وزيره ثم انتقل إلى وزارة بغداد ولم يزل على سعادته وقضاء أوطاره إلى أن توفي
تاسع عشرى شوال انتهى ملخصا
وفيها أبو مسلم عبد الرحمن بن غزو النهاوندي العطار حدث عن أحمد بن فراس العبقسي وخلق وكان ثقة صدوقا
وفيها أبو أحمد المعلم عبد الواحد بن احمد الأصبهاني راوي مسند أحمد بن منيع عن عبيد الله بن جميل وروى عن جماعة وتوفي في صفر
وفيها علي بن رضوان أبو الحسن المصري الفيلسوف صاحب التصانيف كان رأسا في الطب وفي التنجيم من أذكياء زمانه بديار مصر
وفيها أبو القسم السميساطي واقف الخانكاة قرب جامع بني أمية بدمشق وسميساط بضم السين المهملة الأولى وفتح الميم والسين الثانية بينهما مثناة تحتية وآخره طاء مهملة بلد بالشام علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي روى عن عبد الوهاب الكلابي وغيره وكان بارعا في الهندسة والهيئة صاحب حشمة وثروة واسعة عاش ثمانين سنة قال في القاموس سميساط كطريبال بسينين بلد بشاطئ الفرات منه الشيخ أبو القسم علي بن محمد بن يحيى السلمي الدمشقي السميساطي من أكابر الرؤساء والمحدثين بدمشق وواقف الخانقاه بها انتهى
وفيها قريش بن بدران بن مقلد بن المسيب العقيلي أبو المعالي صاحب الموصل وليها عشر سنين وذبح عمه قرواش بن مقلد صبرا ومات بالطاعون عن إحدى وخمسين سنة وقام بعده ابنه شرف الدولة مسلم الذي استولى على ديار ربيعة ومصر وحلب وحاصر دمشق فكاد أن يملكها وأخذ الحمل من بلاد الروم
وفيها أبو سعد الكنجرودي بفتح الكاف والجيم بينهما جيم ساكنة وآخره دال مهملة نسبة إلى كنجرود قرية بنيسابور ويقال لها جنزروذ محمد
ابن عبد الرحمن بن محمد النيسابوري الفقيه النحوي الطبيب الفارس قال عبد الغافر له قدم في الطب والفروسية وأدب السلاح وكان بارع وقته لاستجماعه فنون العلم حدث عن أبي عمرو بن حمدان وطبقته وكان مسند خراسان في عصره وتوفي في صفر
سنة أربع وخمسين وأربعمائة
فيها زادت دجلة أحدا وعشرين ذراعا وغرقت بغداد وبلاد
وفيها التقى صاحب حلب معز الدولة ثمال بن صالح الكلابي وملك الروم علي ارتاح من أعمال حلب وانتصر المسلمون وغنموا وسبوا حتى بيعت السرية الحسناء بمائة درهم وبعدها بيسير توفي ثمال بحلب
وفيها توفي أبو سعد بن أبي شمس النيسابوري أحمد بن إبراهيم بن موسى المقرئ المجود الرئيس الكامل توفي في شعبان وهو في عشر التسعين روى عن أبي محمد المخلدي وجماعة وروى الغاية في القراءات عن ابن مهران المصر
وفيها أبو محمد الجوهري الحسن بن علي الشيرازي ثم البغدادي المقنعي لأنه كان يتطيلس ويلفها من تحت حنكة انتهى إليه علو الرواية في الدنيا وأملى مجالس كثيرة وكان صاحب حديث روى عن أبي بكر القطيعي وأبي عبد الله العسكري وعلي بن لولو وطبقتهم وعاش نيفا وتسعين سنة وتوفي في سابع ذي القعدة
وفيها أبو نصر زهير بن الحسن السرخسي الفقيه السافعي مفتى خراسان اخذ ببغداد عن أبي حامد الاسفراييني ولزمه وعلق عنه تعليقة مليحة وروى عن زاهر السرخسي والمخلص وجماعة وتوفي بسرخس وقيل توفي سنة خمس وخمسين قاله في العبر وقال الأسنوي ولد بسرخس بعد السبعين وثلثمائة
وتفقه على الشيخ أبي حامد وبرع في الفقه وسمع الكثير من جماعة منهم زاهر السرخسي ورجع إلى سرخس ودرس بها واسمع إلى زمان سنة خمس وخمسين وأربعمائة انتهى
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بن بندار العجلي أبو الفضل الرازي الأمام المقرئ الزاهد أحد العلماء العاملين قال أبو سعد السمعاني كان مقرئا كثير التصانيف زاهدا خشن العيش قانعا منفردا عن الناس يسافر وحده ويدخل البراري سمع بمكة من ابن فراس وبالري من جعفر بن فناكي وبنيسابور من السلمي وبنسا من محمد بن زهير النسوي وبجرجان من أبي نصر بن الاسمعيلي وبأصبهان من ابن منده الحافظ وببغداد والبصرة والكوفة وحران وفارس ودمشق ومصر وكان من أفراد الدهر قاله في العبر
وفيها أبو حفص الزهراوي عمر بن عبيد الله الذهلي القرطبي محدث الأندلس مع ابن عبد البر توفي في صفر عن ثلاث وتسعين سنة روى عن عبد الوارث بن سفيان وأبي محمد بن أسد والكبار ولحقته في آخر عمره فاقة فكان يستعطى وتغير ذهنه
وفيها القضاعي القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي بن حكمون المصري الفقيه الشافعي قاضي الديار المصرية ومصنف كتاب الشهاب و كتاب مناقب الأمام الشافعي وأخباره و كتاب الأنباء عن الأنبياء وتواريخ الخلفاء و كتاب خطط مصر قال ابن ماكولا كان متفننا في عدة علوم لم أر بمصر من يجري مجراه وقال في العبر روى عن أبي مسلم الكاتب فمن بعده وذكر السمعاني في الذيل في ترجمة الخطيب البغدادي انه حج سنة خمس وأربعين وأربعمائة وحج تلك السنة القضاعي المذكور وسمع منه الحديث انتهى وتوفي يمصر في ذي الحجة وصلى عليه يوم جمعة بعد العصر
وفيها المعز بن باديس بن منصور بن بلكين الحميري الصنهاجي صاحب المغرب وكان الحاكم العبيدي قد لقبه شرف الدولة وأرسل له الخلعة والتقليد في سنة سبع وأربعمائة وله تسعة أعوام وكان ملكا جليلا عالي الهمة محبا للعلماء جوادا ممدحا أصيلا في الامرة حسن الديانة حمل أهل مملكته على الاشتغال بمذهب مالك وخلع طاعة العبيديين في أثناء أيامه وخطب لخليفة العراق فجهز المستنصر لحربه جيشا وطال حربهم له وخربوا حصون برقة وافرايقية وتوفي في شعبان بالبرص وله ست وخمسون سنة قاله في العبر وقال ابن خلكان كان واسطة عقد أهل بيته وكانت حضرته محط الآمال وكان مذهب أي حنيفة رضي الله عنه بأفريقية أظهر المذاهب فحمل المعز المذكور جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب مالك بن أنس رضي الله عنه وحسم مادة الخلاف في المذاهب واستمر الحال في ذلك إلى الآن وكان المعز يوما جالسا في مجلسه وعنده جماعة من الأدباء وبين يديه أترجة ذات أصابع فأمرهم المعز أن يعملوا فيها شيئا فعمل أبو الحسن بن رشيق القيرواني الشاعر المشهور بيتين
( أترجه سبطة الأطراف ناعمة ** تلقي العيون بحسن غير منحوس )
( كأنما بسطت كفا لخالقها ** تدعو بطول بقاء لابن باديس )
انتهى ملخصا
سنة خمس وخمسين وأربعمائة
فيها دخل السلطان أبو طالب محمد بن ميكال سلطان الغز المعروف بطغرلبك بغداد فنزلوا في دور الناس وتعرضوا لحرمهم حتى أن قوما من الاتراك صعدوا إلى جامات الحمامات ففتحوها ثم نزلوا فهجموا عليهن وأخذوا من أرادوا منهن وخرج الباقيات عراة ثم في ليلة الاثنين خامس عشر صفر زفت ابنة القائم بأمر الله إلى طغرلبك وضربت لها سرادق من دجلة إلى الدار وضربت البوقات
عند دخولها إلى الدار فجلست على سرير ملبس بالذهب ودخل السلطان فقبل الأرض وخرج من غير أن يجلس ولم تقم له ولا كشفت برقعها ولا أبصرته وانفذ لها عقدين فاخرين وقطعة ياقوت حمراء ودخل من الغد فقبل الأرض أيضا وجلس على سرير ملبس بالفضة بإزائها ساعة ثم خرج وأنفذ لها جواهر كثيرة وفرجية مكللة بالحب ثم أخرجها معه من بغداد على كره إلى الري قال في العبر وهو أول ملوك السلجوقية وأصلهم من أعمال بخارا وهم أهل عمود أول ما ملك هذا الري ثم نيسابور ثم أخذ أخوه داود بلخ وغيرهما واقتسما الممالك وملك طغرلبك العراق وقمع الرافضة وزال به شعارهم وكان عادلا في الجملة حليما كريما محافظا على الصلوات يصوم الخميس والاثنين ويعمر المساجد ودخل بابنة القائم وله سبعون سنة وعاش عقيما ما بشر بولد ومات بالري وحملواتا بوته فدفنوه بمرو عند قبر أخيه داود بن جعفر بيك انتهى وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء وفي سنة أربع وخمسين زوج الخليفة بنته بطغرلبك بعد أن دافع بكل ممكن وانزعج واستعفى ثم لان الملك برغم منه وهذا أمر لم ينله أحد من ملوك بني بويه مع قهرهم للخلفاء وتحكمهم فيه قلت والآن زوج خليفة عصرنا ابنته من واحد من مماليك السلطان فضلا عن السلطان فانا لله وأنا إليه راجعون ثم قدم طغرلبك في سنة خمس فدخل بابنة الخليفة وأعاد المواريث والمكوس وضمن بغداد بمائة وخمسين ألف دينار ثم رجع إلى الري فمات بها في رمضان فلا عفا الله عنه وأقيم في السلطنة بعده ابن أخيه عضد الدولة الب أرسلان صاحب خراسان وبعث إليه القائم بالخلع والتقليد قال الذهبي هو أول من ذكر بالسلطان على منابر بغداد وبلغ ما لم يبلغه أحد من الملوك وافتتح بلادا كثيرة من بلاد النصاري واستوزر نظام الملك فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية فانتصر للشافعية وأكرم إمام الحرمين وأبا القسم القشيري وبنى النظامية قيل وهي أول مدرسة بنيت
للفقاء انتهى كلام السيوطي وطفرلبك بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة وضم الراء وسكون اللام وفتح الموحدة وبعدها كاف هو اسم تركي مركب من طغرل وهو بلغة الترك علم لطائر معروف عندهم وبه سمى الرجل وبك معناه أمير
وفيها أحمد بن محمود أبو طاهر الثقفي الأصبهاني المؤدب سمع كتاب العظمة من أبى الشيخ وما ظهر سماعه منه إلا بعد موته وكان صالحا ثقة سنيا كثير الحديث توفي في ربيع الأول وله خمس وتسعون سنة روى عن أبي بكر بن المقرى وجماعة
وفيها سبط بحرويه أبو القسم إبراهيم بن منصور السلمي الكيراني الاصبهاني صالح ثقة عفيف روى مسند ابي يعلى عن ابن ابي المقرى ومات في ربيع الأول وله ثلاثة وتسعون سنة
وفيها ابو يعلى الصابوني اسحق بن عبد الرحمن النيسابورى اخو شيخ الاسلام ابى عثمان روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي وأبي محمد المخلدي وطبقتهما وكان صوفيا مطبوعا ينوب عن أخيه في الوعظ توفي في ربيع الآخر وقد جاوز الثمانين
وفيها محمد بن محمد بن حمدون السلمي أبو بكر النيسابوري آخر من روى عن أبي عمرو بن حمدان توفي في المحرم
سنة ست وخمسين وأربعمائة
فيها على ما قاله في الشذور غزا السلطان أبو الفتح ملكشاه الروم ودخل بلدا لهم فيه سبعمائة ألف دار والف بيعة ودير فقتل مالا يحصى وأسر خمسمائة ألف
وفيها نازل الب أرسلان هراة فأخذها من عمه ولم يؤذه وتسلم الري وسار إلى أذربيجان وجمع الجيوش وغزا الروم فافتتح عدة حصون وهابته الملوك
وعظم سلطانه وبعد صيته وتوفر الدعاء له لكثرة ما افتتح من بلاد النصاري ثم رجع إلى أصبهان ومنها إلى كرمان وزوج ابنه ملكشاه بابنة خاقان صاحب ما وراء النهر وابنه أرسلان شاه بابنة صاحب غزته فوقع الائتلاف واتفقت الكلمة والله الحمد
وفيها توفي الحافظ عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم الاستغداديزي بضم أوله والفوقية وسكون السين المهملة و الغين المعجمة ثم مهملتين بينهما ألف ثم تحتية وزاي نسبة إلى استغداديزة من قرى نسف النخشبي ونخشب هي نسف روى عن جعفر المستغفري وابن غيلان وطبقتهما بخراسان وأصبهان والعراق والشام ومات كهلا وكان من كبار الحفاظ الرحالين والأئمة المخرجين المصنفين
وفيها أبو القسم عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري النحوي صاحب التصانيف قال الخطيب كان مضطلعا بعلوم كثيرة منها النحو واللغة والنسب وأيام العرب والمتقدمين وله أنس شديد بعلم الحديث وقال ابن ماكولا سمع من ابن بطة وذهب بموته علم العربية من بغداد وكان أحد من يعرف الأنساب لم أر مثله وكان فقيها حنفيا أخذ علم الكلام عن أبي الحسين البصري وتقدم فيه وقال ابن الأثير له اختيار في الفقه وكان يمشي في الأسواق مكشوف الرأس ولا يقبل من أحد شيئا مات في جمادي الآخرة وقد جاوز الثمانين وكان يميل إلى أرجاء المعتزلة ويعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار قاله في العبر
وفيها ابن رشيق القيرواني أبو علي الحسن بن رشيق أحد الأفاضل البلغاء له التصانيف الحسنة منها كتاب العمدة في صناعة الشعر ونقده وعيوبه و كتاب الأنموذج والرسائل الفائقة والنظم الجيد قال ابن بسام في كتاب الذخيرة بلغني انه ولد بالمسيلة وتأدب بها قليلا ثم ارتحل إلى القيروان سنة ست وأربعمائة
وقال غيره ولد بالمهدية سنة وتسعين وثلثمائة وأبوه مملوك رومى من موالى الازد وكانت صنعة أبيه في بلده المحمدية الصياغة فعلمه أبوه صنعته وقرأ الأدب بالمحمدية وقال الشعر وتاقت نفسه إلى التزيد منه وملاقاة أهل الأدب فرحل إلى القيروان واشتهر بها ومدح صاحبها واتصل بخدمته ولم يزل بها إلى أن هجم العرب القيروان وقتلوا أهلها وأخربوها فانتقل إلى جزيرة صقلية واقام بها إلى أن مات ومات في هذه السنة وقيل سنة ثلاث وستين وأربعمائة وهو الأصح ومن شعره
( احب أخي وان أعرضت عنه ** وقل على مسامعه كلامي )
( ولي في وجهه تقطيب راض ** كما قطبت في وجه المدام )
( ورب تقطب من غير بغض ** وبغض كان من تحت ابتسام )
ومن شعره
( يا رب لا اقوى على دفع الأذى ** وبك استعنت على الضعيف المؤذي )
( مالي بعثت إلى ألف بعوضة ** وبعثت واحدة إلى نمروذ )
ومن شعره ما حكاه ابن بسام
( أسلمني حب سليمانكم ** إلى هوى أيسره القتل )
( قالت لنا جند ملاحاته ** لما بدا ما قالت النمل )
( قوموا ادخلوا مسكنكم قبل أن ** تحطمكم أعينه النجل )
ومن لطيف شعره ما نقله الدميري
( فكرت ليلة وصلها في صدها ** فجرت بقايا أدمعي كالعندم )
( فطفقت أمسح مقلتي في نحرها ** إذ عادة الكافور أمساك الدم )
ومن تصانيفه أيضا قراضة الذهب وهو كتاب لطيف الجرم الكبير الفائدة رحمه الله تعالى
وفيها أبو شاكر عبد الواحد بن محمد التجيبي القنبري نزيل بلنسية أجاز له
أبو محمد بن أبي زيد وسمع من أبي محمد الأصيلي وأبي حفص بن بابك وولى القضاء والخطابة ببلنسية وعمر
وفيها أبو محمد بن حزم العلامة على بن احمد بن سعيد بن حزم بن غالب ابن صالح الأموي مولاهم الفارسي الأصل الاندلسي القرطبي الظاهري صاحب المصنفات مات مشردا عن بلده من قبل الدولة ببادية لبلة بفتح اللامين وبينهما موحدة بلدة بالأندلس بقرية له ليومين بقيا من شعبان عن اثنتين وسبعين سنة روى عن أبي عمر بن الجسور ويحيى بن مسعود وخلق وأول سماعة سنة تسع وتسعين وثلثمائة وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر مع الصدق والديانة والحشمة والسودد والرياسة والثروة وكثرة الكتب قال الغزالي وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه وقال ابن صاعد في تاريخه كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار اخبرني ابنه الفضل انه اجتمع عنده بخط أبيه من تآليفه نحو أربعمائة مجلد قاله في العبر وقال ابن خلكان كان حافظا عالما بعلوم الحديث مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة بعد أن كان شافعي المذهب فانتقل إلى مذهب أهل الظاهر وكان متفننا في علوم جمة عاملا بعلمه زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة وتدبير الملك متواضعا ذا فضائل وتآليف كثيرة وجمع من الكتب في علم الحديث والمصنفات والمسندات شيئا كثيرا وسمع سماعا جما وألف في فقه الحديث كتابا سماه كتاب الإيصال إلى الفهم و كتاب الخصال الجامعة نحل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام والسنة والإجماع أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين
رضي الله عنهم أجمعين وله كتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض وكتاب إظهار تبديل اليهود والنصاري التوراة والانجيل وبيان ناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل وهذا معنى لم يسبق إليه وكتاب التقريب بحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة وكان له كتاب صغير سماه نقط العروس جمع فيه كل غريبة ونادرة وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن فتوح ما رأينا مثله مما اجتمع له مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه قال أنشدني لنفسه
( لئن أصبحت مرتحلا بجسمي ** فروحي عندكم أبدا مقيم )
( ولكن للعيان لطيف معنى ** له سأل المعاينة الكليم )
وله
( وذو عذل فيمن سباني بحسنه ** يطيل ملامي في الهوى ويقول )
( أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ** ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل )
( فقلت له أسرفت في اللوم ظالما ** وعندي رد لو أردت طويل )
( ألم تر أني ظاهري وأنني ** على ما بدا حتى يقوم دليل )
وروى له الحافظ الحميدي
( أقمنا ساعة ثم ارتحلنا ** وما يغني المشوق وقوف ساعه )
( كان الشمل لم يك ذا اجتماع ** إذا ما شتت البين اجتماعه )
وكان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء المتقدمين لا يكاد أحد يسلم من لسانه فنفرت عنه القلوب واستملل من فقهاء وقته فمالوا على بغضه وردوا قوله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا عوامهم عن الدنوا إليه والأخذ فأقصته الملوك وشردته عن بلاده وقال ابن العريف كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها ابن النرسي أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد حسنون البغدادي في صفر عن تسع وثمانين سنة روى في مشيخته عن محمد بن اسمعيل الوراق وطبقته
وفيها قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق الملك شهاب الدولة وابن عم السلطان طغرلبك كانت له قلاع وحصون بعراق العجم فعصى على قرابته السلطان الب أرسلان ووافقه فقتل في المعركة وهو جد سلاطين الروم السلجوقية وكان بطلا شجاعا
وفيها أبو الوليد الدربندي نسبة إلى دربند وهو باب الأبواب الحسن بن محمد بن علي بن محمد البلخي طوف البلاد وحصل الإسناد وهو حافظ صدوق من المكثرين لكنه ردئ الحفظ بين المحدثين قاله ابن ناصر الدين
وفيها المطرز صاحب المقدمة اللطيفة محمد بن علي بن محمد بن صالح السلمي الدمشقي أبو عبد الله النحوي المقرئ في ربيع الأول روى عن تمام وجماعة وآخر من حدث عنه النسيب في فوائده
وفيها أبو سعيد الخشاب محمد بن علي بن محمد النيسابوري المحدث خادم أبي عبد الرحمن السلمي روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف وطائفة
وفيها عميد الملك الوزير أبو نصر محمد بن منصور الكندري وزير السلطان طغرلبك وكان من رجال العالم حزما ورأيا وشهامة وكرما وقد جب مذاكيره لأمر ثم قتله ألب أرسلان بمرو الروذ في آخر العام وحمل رأسه إلى نيسابور قاله في العبر وقال ابن خلكان أستوزره السلطان طغرلبك السلجوقي ونال عنده الرتبة العالية والمنزلة الجليلة ولم يكن لأحد من أصحابه معه كلام وهو أول وزير كان لهذه الدولة ولو لم تكن له منقبة إلا صحبة إمام الحرمين أبي المعالي الشافعي على ما ذكره ابن السمعاني في ترجمه أبي المعالي المذكور في كتاب الذيل فأنه قال عبد الأطناب في وصف إمام الحرمين وذكر تنقله في
البلاد ثم قال وخرج إلى بغداد وصحب العميد الكندري أبا نصر مدة يطوف معه ويلتقي في حضرته بالأكابر من العلماء ويناظرهم حتى تهذب في النظر وشاع ذكره قال ابن خلكان وهذا خلاف ما ذكره شيخنا ابن الأثير في تاريخه في سنة ست وخمسين وأربعمائة فأنه قال ان الوزير المذكور كان شديد التعصب على الشافعية كثير الوقيعة في الشافعي رضي الله عنه حتى بلغ في تعصبه انه خاطب السلطان الب أرسلان السلجوقي في لعن الرافضة على منابر خراسان فأذن له في ذلك فأمر بلعنهم وأضاف إليهم الأشعرية فأنف من ذلك أئمة خراسان منهم أبو القسم القشيري وأمام الحرمين الجويني وغيرهما ففارقوا خراسان وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين يدرس ويفتي فلهذا قيل له أمام الحرمين فلما جاءت الدولة النظامية أحضر من انتزح منهم وأكرمهم وأحسن إليهم وقتل انه تاب عن الوقيعة في الشافعي رحمه الله فإن صح فقد أفلح وكان عميد الملك ممدحا مقصدا للشعراء مدحه جماعة من أكابر شعراء عصره منهم الباخرزي وصردر وفيه يقول قصيدته النونية
( أكذا يجازي ود كل قرين ** أم هذه شيم الظباء العين )
( قصوا على حديث من قتل الهوى ** أن التأسى روح كل حزين )
( ولئن كتمتم مشفقين لقد درى ** بمصارع العذرى والمجنون )
ومنها
( ووراء ذياك المقبل مورد ** حصباؤه من لؤلؤ مكنون )
( أما بيوت النحل بين شفاههم ** منضودة أو حانة الزرجون )
ومنها
( وخشيت من قلبي الفرار عليهم ** حتى لقد طالبته بضمين )
ومنها
( يا عين مثل قذاك رؤية معشر ** عار على دنياهم والدين )
( لم يشبهوا الإنسان إلا انهم ** متكونون من الحما المسنون )
( نجس العيون فان رأتهم مقلتي ** طهرتها ونزحت ماء جفوني )
( أنا أن هم حسبوا الذخائر دونهم ** وهم إذا عدوا الفضائل دوني )
( لا يشمت الحساد أن مطامعي ** عادت إلى بصفقة المغبون )
( لا يستدير البدر إلا بعدما ** أبصرته في الضيم كالعرجون )
( فإذا عميد الملك حلى ربعه ** ظفرا بفأل الطائر الميمون )
وهي طويلة طنانة آخرها
( شهدت علاه أن عنصر ذاته ** مسك وعنصر غيره من طين )
ولما قام بالمملكة ألب أرسلان أفره على حاله وزاد في إكرامه ورتبته ثم أنه سيره إلى خوارزم شاه ليخطب له ابنته فارجف اعداؤه انه خطبها لنفسه وشاع ذلك بين الناس فبلغ عميد الملك الخبر فخاف تغير قلب مخدومه عليه فعمد إلى لحيته فحلقها والى مذاكيره فجبها فكان ذلك سبب سلامته من ألب أرسلان وقيل أن السلطان خصاه ثم أن الب ارسلان عزله ونقله إلى مرو الروذ وحبسه في دار وكان في حجرة تلك الدار عياله وكانت له بنت واحدة لا غير فلما احس بالقتل دخل الحجرة وأخرج كفنه وودع عياله وأغلق باب الحجرة وأغتسل وصلى ركعتين وأعطى الذي هم بقتله مائة دينار نيسابورية وقال حقي عليك أن تكفنني في هذا الثوب الذي غسلته بماء زمزم وقال لجلاده قل للوزير نظام الملك بئس ما فعلت علمت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب الديوان ومن حفر مهواة وقع فيها ومن سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ورضى بقضاء الله المحتوم وقتل يوم الأربعاء سادس عشرى ذي الحجة وعمره يومئذ نيف وأربعون سنة ومن العجائب انه دفنت مذاكيره بخوارزم وأريق دمه بمرو الروذ ودفن جسده بقرية كندر وجمجمته ودماغه بنيسابور وحشيت جثته بالتبن ونقلت إلى كرمان وفي ذلك عبرة لمن اعتبروا كندر قرية من قرى
طرثيت من نواحي نيسابور انتهى ملخصا
سنة سبع وخمسين وأربعمائة
فيها دخل السلطان الب أرسلان إلى ما وراء النهر فنازل جند وجده سلجوق مدفون بها فنزل صاحبها إلى خدمته فأحسن إليه واقرة بها
وفيها توفي أحمد بن محمد بن نعيم ابو عثمان النيسابروي الصوفي روى صحيح البخاري عن محمد بن عمر بن شبة وروى عن أبي طاهر بن خزيمة والمخلدي والكبار وانتقى عليه البيهقي وتوفي بغزنه في ربيع الأول وله مائة سنة وزيادة وقد رحل بنفسه في الحديث سنة ثمان وسبعين وثلثمائة
سنة ثمان وخمسين وأربعمائة
فيها كما قال ابن الأثير وابن الجوزي والذهبي والسيوطي ولدت بنت لها رأسان ورقبتان ووجهان على بدن واحد ببغداد بباب الأزح وماتت
وفيها كما قال في الشذور ظهر كوكب عظيم كبير له ذؤابة عرضها نحو ثلاثة أذرع وطوله أذرع كثيرة ولبث ليال كثيرة ثم غاب ثم ظهر وقد اشتد نوره كالقمر وبقي عشرة أيام حتى اضمحل ووردت كتب التجار بأنه في الليلة الاخيرة من طلوع هذا الكوكب غرقت ستة وعشرون مركبا وهلك فيها نحو من ثمانية عشر ألف إنسان وكان من جملة المتاع الذي فيها عشرة آلاف طبلة كافور وكانت الزلزلة بخراسان ولبثت أياما فتصدعت منها الجبال وخسف بعدة قرى انتهى
وفيها توفي البيهقي الأمام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي الخسروجردى بضم الخاء المعجمة وسكون السين المهملة وفتح الراء الأولى وكسر الجيم آخره مهملة نسبة إلى خسروجرد قرية ببيهق الشافعي الحافظ صاحب التصانيف قال ابن ناصر الدين كان واحد زمانه وفرد أقرانه حفظا واتقانا وثقة وعمدة وهو
شيخ خراسان وله السنن الكبرى والصغرى والمعارف وكتاب الأسماء والصفات ودلائل النبوة والآداب والدعوات والترغيب والترهيب والزهد وغير ذلك
انتهى وقال في العبر توفي في عاشر جمادى الأولى بنيسابور ونقل تابوته إلى بيهق وعاش أربعا وسبعين سنة لزم الحاكم مدة وأكثر عن أبي الحسن العلوي وهو أكبر شيوخه وسمع ببغداد من هلال الحفار وبمكة والكوفة وبلغت تصانيفه ألف جزء ونفع الله بها المسلمين شرقا وغربا بالأمانة الرجل ودينه وفضله وإتقانه فالله يرحمه
انتهى وقال ابن قاضي شهبه قال عبد الغافر في الدلائل كان علي سيرة العلماء قانعا من الدنيا باليسير متجملا في زهده وورعه وذكر غيره انه سرد الصوم ثلاثين سنة وقال إمام الحرمين ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منة إلا البيهقي فان له على الشافعي منه لتصانيفه في نصرة مذهبه ومن تصانيفه المبسوط في جميع نصوص الشافعي و كتاب الخلاف وكتاب دلائل النبوة و كتاب البعث والنشور ومناقب الشافعي ومناقب أحمد و كتاب الاعتقاد مجلد وغير ذلك من المصنفات الجامعة المفيدة
انتهى ملخصا وقال ابن خلكان وهو أول من جمع نصوص الشافعي في عشر مجلدات وكان أكثر الناس نصرا لمذهب الشافعي وطلب إلى نيسابور لنشر العلم فأجاب وانتقل إليها
انتهى ملخصا أيضا
وفيها عبد الرزاق بن عمر بن شماسة أبو الطيب الأصفهاني التاجر روى عن ابن المقرى
وفيها أبو الحسن بن سيدة علي بن إسماعيل المرسي العلامة صاحب المحكم في اللغة وكان أعمى ابن أعمى رأسا في العربية حجة في نقلها قال أبو عمر الطلمنكي أتوني بمرسية ليسمعوا مني غريب المصنف فقلت أنظروا من يقرأ لكم فأتوني برجل أعمى هو ابن سيدة فقرأه من حفظه فعجبت قال ابن خلكان كان إماما في اللغة والعربية حافظا لهما وقد جمع في ذلك جموعا من ذلك كتاب
المحكم في اللغة وهو كتاب كبير جامع مشتمل على أنواع اللغة وله كتاب المخصص في اللغة أيضا وهو كبير وكتاب الانيق في شرح الحماسة في ست مجلدات وغير ذلك من المصنفات وكان ضريرا وأبوه ضريرا وكان أبوه أيضا قيما بعلم اللغة وعليه اشتغل ولده في أول أمره ثم على أبي العلاء صاعد البغدادي وقرأ على أبي عمر الطلمنكي وتوفي بحضرة دانية عشية يوم الأحد سادس عشرى جمادي الآخرة وعمره ستون سنة أو نحوها رأيت على ظهر مجلد بخط بعض فضلاء الأندلس ان ابن سيده المذكور كان يوم الجمعة قبل يوم الأحد المذكور صحيحا سويا إلى وقت صلاة المغرب فدخل المتوضأ فأخرج منه وقد سقط لسانه وانقطع كلامه فبقى على تلك الحال إلى العصر من يوم الأحد ثم توفي رحمه الله وسيده بكسر السين المهملة وسكون التحتية وفتح الدال المهملة وبعدها هاء ساكنة والمرسى بضم الميم وسكون الراء وبعدها سين مهملة نسبة إلى مرسية حديثه في شرق الأندلس انتهى ملخصا
وفيها العبادي القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله ابن عباد الهروي شيخ الشافعية وصاحب التصانيف تفقه على القاضي أبي منصور الازدي وبنيسابور على أبي عمر البسطامي وكان دقيق النظر أماما واسع العلم له المبسوط وأدب القاضي والهادي و كتاب المياه و كتاب الأطعمة و كتاب الزيادات وزيادات الزيادات و كتاب طبقات الفقهاء وأخذ عنه أبو سعيد الهروي وولده أبو الحسن العبادي وغيرهما قال أبو سعد السمعاني كان إماما ثبتا مناظرا دقيق النظر سمع الكثير وتفقه وصنف كتبا في الفقه مات في شوال
وفيها أبو يعلي بن الفراء شيخ الحنابلة القاضي الحبر محمد بن الحسين بن محمد ابن خلف البغدادي صاحب التصانيف وفقيه العصر كان إماما لا يدرك قراره ولا يشق غباره عاش ثمانيا وسبعين سنة وحدث عن أبي الحربي والمخلص وطبقتهما وأملى عدة مجالس وولى قضاء الحريم وتوفي في تاسع عشر رمضان
وتفقه على أبي عبد الله بن حامد وغيره وجميع الطائفة معترفون بفضله ومغترفون من بحره قاله في العبر
سنة تسع وخمسين وأربعمائة
في ذي القعد منها فرغت المدرسه النظامية التي أنشأها نظام الملك ببغداد وقرر لتدريسها الشيخ أبا اسحق واجتمع الناس فلم يحضر لأنه لقيه صبي فقال كيف تدرس في مكان مغصوب فاختفى فلما أيسوا من حضوره درس ابن الصباغ مصنف الشامل فلما وصل الخبر إلى الوزير أقام القيامة على العميد أبي سعيد فلم يزل يرفق بأبي اسحق حتى درس بها ولكنه كان يصلي في غيرها لعلمه أن أكثر آلاتها غصب
وفيها توفي ابن طوق أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن الحسن الموصلي الراوي عن نصر المرجي صاحب أبي يعلي توفي بالموصل في رمضان وله سبع وسبعون سنة
وفيها أبو بكر أحمد بن منصور بن خلف المغربي ثم النيسابوري روى عن أبي الفضل بن خزيمة وطائفة وتوفي في رمضان وكان بزازا
وفيها أبو القسم الحنائي صاحب الأجزاء الحنائيات الحسين بن محمد بن إبراهيم الدمشقي المعدل الصالح وله ثمانون سنة روى عن عبد الوهاب الكلابي والحسن بن محمد بن درستويه وطائفة
وفيها أبو مسلم الأصبهاني الأديب المفسر المعتزلي محمد بن علي بن محمد آخر أصحاب ابن المقرئ مو تاله تفسير في عشرين مجلدا توفي في جمادي الآخرة وله ثلاث وتسعون سنة قاله في العبر
سنة ستين وأربعمائة
فيها على ما قال ابن الأثير وابن الجوزى واللفظ له كانت زلزلة بفلسطين وغيرها أهلكت من أهل الرملة خمسة عشر آلفا ووقعت شرافتان من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وانشقت الأرض عن كنوز من المال وانشقت صخرة بيت المقدس ثم عادت فالتأمت وغار البحر من الساحل مسيرة يوم وساح في البر ودخل الناس إلى أرضه يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقا كثيرا منهم وبلغت هذه الزلزلة إلى الرحبة والكوفة
وفيها توفي الباطرقاني بكسر الطاء المهملة وسكون الراء و بالقاف نسبة إلى باطرقان من قرى أصبهان أبو بكر أحمد بن الفضل الأصبهاني المقرئ الأستاذ توفي في صفر عن ثمان وثمانين سنة وله مصنفات في القراءات وكان صاحب حديث وحفظ روى عن أبي عبد الله بن منده وطبقته
وفيها ابن القطان أبو عمر أحمد بن محمد بن عيسى القرطبي المالكي رئيس المفتين بالأندلس وله سبعون سنة روى عن يونس بن عبد الله القاضي وجماعة
وفيها خديجة بنت محمد بن علي الشاهجانية الواعظة ببغداد كتبت بخطها عن جماعة وتوفيت في المحرم عن أربع وثمانين سنة
وفيها عائشة بنت الحسن الموركانية الأصبهانية روت عن أبي عبد الله ابن منده
وفيها عبد الدائم بن الحسين الهلالي الحوراني ثم الدمشقي آخر أصحاب عبد الوهاب الكلابي عن ثمانين سنة
سنة إحدى وستين وأربعمائة
في نصف شعبان منها احترق جامع دمشق كله من حرب وقع بين الدولة
فضربوا بالنار دارا مجاورة للجامع فقضى الأمر واشتد الخطب وأتى الحريق على سائره ودثرت محاسنه وانقضت مدة ملاحته قال في العبر
وفيها توفي الفوراني أبو القسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران بالضم المروزي شيخ الشافعية وتلميذ القفال وذو التصانيف الكثيرة وعنه أخذ أبو سعيد المتولي صاحب التتمة وكان صاحب النهاية يحط على الفوراني بلا حجة قال الأسنوي تفقه على القفال وبرع حتى صار شيخ الشافعية وصنف الإبانة وهو كتاب معروف كثير الوجود والعميد وهو غريب عزيز الوجود انتهى ملخصا
وفيها عبد الرحيم التميمي بن أحمد البخاري الحافظ أبو زكريا ذو الرحلة الواسعة سمع ببخارا من الحليمي وبخراسان من أبي يعلي المهلبي وبدمشق من تمام وبمصر من عبد الغني وببغداد من أبي عمر بن مهدي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الثقات والرحالين الإثبات انتهى وعاش تسعا وسبعين سنة
وفيها أبو الحسين محمد بن مكي بن عثمان الأزدي المصري روى بمصر ودمشق عن أبي الحسن الحلبي ومحمد بن أحمد الأخميمي وطبقتهما وتوفي في جمادي الأولى بمصر وله ست وسبعون سنة ووثقه الكتاني وغيره
وفيها مقرئ مصر أبو الحسين نصر بن عبد العزيز الفارسي الشيرازي شيخ ابن الفحام قرأ القراءات على السوسنجردى وابن الحمامي وجماعة وروى الحديث عن أبي الحسين بن بشران وحدث عنه دوزبة بن موسى
سنة اثنتين وستين وأربعمائة
فيها كما قال في الشذور كانت زلزلة بالرملة فذهب أكثرها وعم ذلك بيت المقدس وانخسفت إيلة كلها وانجفل البحر وقت الزلزلة حتى انكشفت أرضه ثم عاد انتهى
وفيها كما قال في العبر نزلت جيوش الروم فنزلوا على منبج واستباحوها وأسرعوا الكرة لفرط القحط ابيع فيهم رطل الخبز بدينار
وفيها أقيمت الخطبة العباسية بالحجاز وقطعت خطبة المصريين لاشتغالهم بماهم فيه من القحط والوباء الذي لم يسمع في الدهور بمثله وكاد الخراب يستولي على وادي مصر حتى أن صاحب مرآة الزمان نقل أن امرأة خرجت وبيدها مدجوهر فقالت من يأخذه بمد بر فلم يلتفت إليها أحد فألقته في الطريق وقالت هذا ما نفعني وقت الحاجة فلا أريده فلم يلتفت أحد إليه
وفيها توفي القاضي الحسين بن محمد بن أحمد أبو علي المروزي المروروذي شيخ الشافعية في زمانه واحد أصحاب الوجوه تفقه على أبي بكر القفال وهو والشيخ أبو علي أنجب تلامذته وروى عن أبي نعيم الاسفراييني قال عبد الغافر كان فقيه خراسان وكان عصره تاريخا به وقال الرافعي في التذنيب انه كان كبيرا غواصا في الدقائق من الأصحاب الغر الميامين وكان يلقب بحبر الأمة وقال النووي في تهذيبه وله التغليق الكبير وما أجزل فوائده وأكثر فروعه المستفادة وله الفتاوي المشهورة و كتاب أسرار الفقه وغير ذلك وممن أخذ عنه أبو سعيد المتولي والبغوي قال ويقال أن أبا المعالي تفقه عليه أيضا ومتى أطلق القاضي في كتب متأخري المراوزة فالمراد المذكور وقال ابن الأهدل متى أطلق القاضي في فروع الشافعية فهو هو وفي كتب أصول اهل السنة فهو الباقلاني وإذا قالوا القاضيان فهو هو وعبد الجبار المعتزلي وإذا قالوا الشيخ فهو أبو الحسن الأشعري وإذا أطلقته الفقهاء فهو أبو محمد الجويني والد امام الحرمين انتهى
وفيها ابو غالب بن بشران الواسطى صاحب اللغة محمد بن أحمد بن سهل المعدل الحنفى ويعرف بابن الخالة وله اثنتان وثمانون سنة ولم يكن بالعراق أعلم منه باللغة روى عن أحمد بن عبيد بن بيري وطبقته
وفيها شعبة النسفي الحافظ أبو الليث أحمد بن جعفر بن مدني بن عيسى بن عدنان بن محمود النسفي الكائني الملقب شعبة ختن الأمام جعفر المستغفري وهو الذي بشعبة لقبه لما رأى من حذقه وحفظه وأعجبه سمع وهو شاب بسمرقند الكثير وحدث بها وهو شيخ كبير وذكره في حفاظ سمرقند أبو حفص النسفي في كتابه القند قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو عبد الله محمد بن عتاب الجذامي مولاهم المالكي مفتي قرطبة وعالمها ومحدثها وورعها توفي في صفر ومشي في جنازته احمد بن عباد وله تسع وسبعون سنة روى عن أبي المطرف القنازعي وخلق
سنة ثلاث وستين وأربعمائة
فيها كما قال ابن الأهدل خرج أرمانوس الرومي في مائتي ألف فارس من الروم والفرنج والكرج بالزاي والجيم وأرسل إليه السلطان ألب أرسلان يريد المهادنة فأبى فاستعد للشهادة وعهد إلى ولده ملكشاه ثم حمل عليهم في خمسة عشر ألف فارس فأعطاه الله النصر وقتل ما لا يحصى وأسر كثيرا وجيء بملكهم إلى بين يديه فضربه بيده ثم فاداه بألف ألف وخمسمائه الف دينار وبكل اسير معهم من المسلمين ولما اطلقه خلع عليه وهادنه خمسين سنة وزوده عشرة آلاف دينار انتهى
وفيها توفي أبو حامد الأزهري أحمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن الأزهر النيسابوري الشروطي الثقة روى عن محمد المخلدي وجماعة ومات في رجب عن تسع وثمانين سنة وآخر أصحابه وجيه
وفيها أبو بكر الخطيب أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي الحافظ أحد الأئمة الأعلام وصاحب التآليف المنتشرة في الإسلام ولد في جمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة وسمع أول سنة ثلاث وأربعمائة وتفقه في
مذهب الشافعي على القاضي أبي الطيب الطبري وأبي الحسن المحاملى وغيرهما وروى عن أبي عمر بن مهدي وابن الصلت الأهوازي وطبقتهما قال ابن ماكولا كان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظا واثباتا وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفننا في علله وأسانيده وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره قال ولم يكن للبغداديين بعد الدارقطني مثله وقال ابن السمعاني كان مهيبا وقروا ثقة متحريا حجة حسن الخط كثير الضبط فصيحا ختم به الحفاظ وقال غيره كان يتلو في كل يوم وليلة ختمه وكان حسن القراءة جهورى الصوت وله تاريخ بغداد الذي لم يصنف مثله وقال ابن الأهدل تصانيفه قريب من مائة مصنف في اللغة وبرع فيه ثم غلب عليه الحديث والتاريخ وكان الشيخ أبو اسحق يراجعه في الحديث ويعمل بقوله وحمل نعشه يوم مات وكان أبو بكر بن أزهر الصوفي قد أعد لنفسه قبرا إلى جانب قبر بشر الحافي وكان يبيت فيه في الاسبوع مرة ويقرأ فيه القرآن كله وكان الخطيب قد أوصى أن يدفن إلى جانب بشر الحافي فسأل المحدثون ابن أزهر أن يؤثرهم بقبره للخطيب فامتنع فألح عليه الشيخ أبو سعيد الصوفي فسمح فدفن فيه الخطيب وكان قد تصدق بجميع ماله وهو مائتا دينار على العلماء والفقراء وأوصى أن يتصدق بثيابه ووقف كتبه على المسلمين ولم يكن له عقب انتهى
وفيها ابن زيدون شاعر الأندلس أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزومي الأندلسي القرطبي الشاعر المشهور قال ابن بسام صاحب الذخيرة في حقه كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم وخاتمة شعراء بني مخزوم أحد من جر الأيام جرا وفات الأنام طرا وصرف السلطان نفعا وضرا ووسع البيان نظما ونثرا إلى أدب ليس للبحر تدفقه ولا للبدر تألقه وشعر ليس للسحر بيانه ولا للنجوم الزهر اقترانه وخط من النثر غريب المباني شعري الألفاظ والمعاني وكان من أبناء وجوه الفقهاء بقرطبة وبرع أدبه وجاد
شعره وعلا شأنه وأنطلق لسانه ثم انتقل من قرطبة إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية سنة إحدى وأربعين وأربعمائة فجعله من خواصه يجالسه في خلواته ويركن إلى إشاراته وكان معه في صورة وزير وذكر له شيئا كثيرا من الرسائل والنظم فمن ذلك قوله
( بيني وبينك ما لو شئت لم يضع ** سر إذا ذاعت الأسرار لم يذع )
( يا بايعا حظه مني ولو بذلت ** لي الحياة بحظى منه لم أبع )
( يكفيك أنك أن حملت قلبي ما ** لا تستطيع قلوب الناس يستطع )
( ته واحتمل واستطل اصبر وعزاهن ** وول أقبل وقل اسمع ومر أطع )
ومن شعره
( ودع الصبر محب ودعك ** ذائع من سره ما استودعك )
( يقرع السن على أن لم يكن ** زاد في تلك الخطا إذا شيعك )
( يا أخا البدر سناء وسنا ** حفظ الله زمانا أطلعك )
( أن يطل بعدك ليلى فلكم ** بت أشكو قصر الليل معك )
وله القصائد الطنانة ومن بديع قصائده القصيدة النونية التي منها
( نكاد حين تناجيكم ضمائرنا ** يقضي علينا الأسى لولا تأسينا )
( حالت لبعدكم أيامنا فغدت ** سودا وكانت بكم بيضا ليالينا )
( بالأمس كنا ولا نخشى تفرقنا ** واليوم نحن وما يرجي تلاقينا )
وهو طويلة كل أبياتها نخب وله في ولادة الرسالة الطنانة وكذا الرسالة الجهورية وشرح كل من رسالتيه هاتين وما جرياته مع ابن جهور لما حبسه وفر منه بعد أن استعطفه بكل ممكن فلم يطلقه مشهورة فلا نطيل بها
وفيها أبو علي حسان بن سعيد المنيعي نسبة إلى منيع جد كان حسان هذا رئيس مرو الروذ الذي عم خراسان ببره وافضاله وأنشأ الجامع المنيعي وكان يكسي في العام نحو ألف نفس وكان أعظم من وزير رحمه الله روى عن أبي
طاهر بن محمش وجماعة وكان خطيب جامعه أمام الحرمين واصل ماله من التجارة حتى قال السلطان في مملكتي من لا يخافني وإنما يخاف الله عز وجل يعنيه وكان على قدم من الجد والاجتهاد والمعرفة روى عنه البغوي وجماعة قال الاسنائي هو من ذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه
وفيها أبو عمر المليجي بالفتح والتحتية نسبة إلى مليج بلد بمصر عبد الواحد ابن أحمد بن أبي القسم الهروي المحدث راوي الصحيح عن النعيمي في جمادي الآخرة وله ست وتسعون سنة سمع بنيسابور من المخلدي وأبي الحسين الخفاف وجماعة وكان صالحا أكثر عنه محي السنة
وفيها كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم أم الكرام المروزية المجاورة بمكة روت الصحيح عن الكشميهني وروت عن زاهر السرخسي وكانت تضبط كتابها وتقابل بنسخها لها فهم ونباهة وما تزوجت قط وقيل إنها بلغت المائة قاله في العبر وعدها ابن الأهدل من الحفاظ
وفيها أبو العنايم بن الدجاجي محمد بن علي البغدادي روى عن علي بن عمر الحربي وابن معروف وجماعة توفي في شعبان وله ثلاث وثمانون سنة
وفيها أبو علي محمد بن وشاح الزينبي روى عن أبي حفص بن شاهين وجماعة قال الخطيب كان معتزليا وقال في العبر توفي في رجب
وفيها العلامة العلم الحافظ أبو عمر بن عبد البر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي أحد الأعلام وصاحب التصانيف توفي في سلخ ربيع الآخر وله خمس وتسعون سنة وخمسة أيام روى عن سعيد ابن نصر وعبد الله بن أسد وابن صيفون وأجاز له من مصر أبو الفتح بن سيبخت الذي يروي عن أبي القسم البغوي وليس لأهل المغرب أحفظ منه مع
الثقة والدين والنزاهة والتبحر في الفقه والعربية والأخبار قاله في العبر وقال ابن خلكان إمام عصره في الحديث والاثر وما يتعلق بهما روى بقرطبة عن أبي القسم خلف بن القسم الحافظ وأبي عمر الباجي وأبي عمر الطلمنكي وأضعافهم وكتب إليه من أهل المشرق أبو القسم السقطي المكي وعبد الغني بن سعيد الحافظ وأبو ذر الهروي وغيرهم قال القاضي علي بن سكرة سمعت شيخنا القاضي أبا الوليد الباجي يقول لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر بن عبد البرفي الحديث قال الباجي أيضا أبو عمرا احفظ اهل المغرب وقال أبو علي الحسين الغساني الأندلسي ابن عبد البر شيخنا من أهل قرطبة بها طلب العلم وتفقه ولزم أبا عمر وأحمد بن عبد الملك الفقيه الإشبيلي وكتب بين يديه ولزم أبا الوليد بن الفرضي الحافظ وعنه أخذ كثيرا من علم الحديث ودأب في طلب العلم وتفنن فيه وبرع براعة فاق فيها من تقدمه من رجال الأندلس وألف في الموطأ كتبا مفيدة منها كتاب التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ورتب أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى مثله وهو سبعون جزءا قال أبو محمد بن حزم لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه ثم وضع كتاب الأستذكار لمذاهب علماء الامصار فيما تضمنه الموطأ من المعاني والآثار شرح فيه الموطأ على وجهه ونسق أبوابه وجمع في أسماء الصحابة كتابا جليلا مفيدا سماه الاستيعاب وله كتاب جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله و كتاب الدرر في اختصار المغازي والسير و كتاب العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم وكتاب صغير في قبائل العرب وأنسابهم وغير ذلك وكان موفقا في التأليف معانا عليه ونفع الله به وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره في الفقه ومعاني الحديث له بسطة كبيرة في علم النسب وفارق قرطبة وجال في غرب الأندلس وسكن دانية من
بلادها وبلنسية وشاطبة في أوقات مختلفة وتولى قضاء الأشبون وشنترين في أيام ملكها المظفر بن الأفطس وصنف كتاب بهجة المجالس وأنس المجالس في ثلاثة أسفار جمع فيه أشياء مستحسنة تصلح للمذاكرة والمحاضرة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وذكر ابن عبد البر المذكور والده أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد البر وأنه توفي في شهر ربيع الآخر سنة ثمانين وثلثمائة رحمه الله
وكان ولده أبو محمد عبد الله بن يوسف من أهل الأدب البارع والبلاغة وله رسائل وشعر فمن شعره
( لا تكثرن تأملا ** وأحبس عليك عنان طرفك )
( فلربما أرسلته ** فرماك في ميدان حتفك )
قيل انه مات سنة ثمان وخمسين وأربعمائة
سنة أربع وستين وأربعمائة
فيها توفي أبو الحسين جابر بن يس البغدادي الحنائي روى عن أبي حفص الكتاني والمخلص
وفيها المعتضد بالله أبو عمرو عباد بن القاضي محمد بن اسمعيل بن عباد اللخمي صاحب إشبيلية ولى بعد أبيه وكان شهما مهيبا صارما ذا هيبة مقداما جرى على سنن أبيه ثم تلقب بأمير المؤمنين وقتل جماعة صبرا وصادر آخرين ودانت له الملوك قاله في العبر وقال ابن خلكان قال أبو الحسن علي بن بسام صاحب الذخيرة في حقه ثم افضى الأمر بعد محمد القاضي إلى عباد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتسمى أولا بفخر الدولة ثم بالمعتضد قطب رحى الفتنة ومنتهى غاية المحنة ناهيك من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد ولا سلم منه قريب ولا بعيد جبار أبرم الأمر وهو متناقض وأسد فرس الطلا وهو رابض مشهور
يتحاماه الدهاه وجبار لا تأمنه الكماه متعسف اهتدى ومنبت قطع فما أبقى ضبط شأنه بين قائم وقاعد حتى طالت يده واتسع بلده وكثر عديده وعدده وكان قد أوتى أيضا من جمال الصورة وتمام الخلقة وفخامة الهيئة وسباطه البنان وثقوب الذهن وحضور الخاطر وصدق الحدس ما فاق على نظرائه ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان أدنى نظر بأذكى طبع حصل لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا أمعان في غمارها ولا أكثار من مطالعتها ولا منافسة في اقتناء صحائفها أعطته سجيته على ذلك ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطعا من الشعر وهي في معان أمدته فيها الطبيعة وبلغ فيها الإرادة واكتتبها الأدباء للبراعة جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كف بارى السحاب بها وأخبار المعتضد في جميع انحائه وضروب أفعاله بديعة وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهن وخلط في أجناسهن فانتهى في ذلك إلى مدى لم يبلغه أحد من نظرائه ففشا نسله لتوسعته في النكاح وقوته عليه فذكر انه كان له من الولد نحو العشرين ذكورا ومن الإناث مثلهم واورد له عدة مقاطيع فمن ذلك قوله
( شربنا وجفن الليل يغسل كحله ** بماء صباح والنسيم رقيق )
( معتقة كالتبر أما بخارها ** فضخم واما جسمها فدقيق )
ولولده المعتمد فيه من جملة أبيات
( سميدع يهب الآلاف مبتديا ** ويستقل عطاياه ويعتذر )
( له يد كل جبار يقبلها ** لولا نداها لقلنا إنها الحجر )
ولم يزل في عز سلطانه واغتنام مساره حتى أصابته علة الذبحة فلم تطل مدتها ولما أحس بتداني حمامه استدعى مغنيا يغنيه ليجعل ما يبدأ به فألا فأول ما غنى
( نطوي الليالي علما أن ستطوينا ** فشعشعيها بماء المزن واسقينا )
فتطير من ذلك ولم يعش بعده سوى خمسة أيام وقبل انه ما غنى منها إلا خمسة
آبيات وتوفي يوم الاثنين غرة جمادي الآخرة ودفن ثاني يوم بمدينة إشبيلية وقام بالمملكة بعده ولده أبو القسم محمد انتهى ملخصا
وفيها ابن حيدر أبو منصور بكر بن محمد بن محمد بن علي بن حيدر النيسابوري التاجر ويلقب بالشيخ المؤتمن روى عن أبي الحسين الخفاف وجماعة وكان ثقة حدث بخراسان والعراق وتوفي في صفر
سنة خمس وستين وأربعمائة
فيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء اشتد الغلاء بمصر حتى أكلت امرأة رغيفا بألف دينار انتهى
وفيها قتل أبو شجاع محمد بن جعرى بك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق الملقب عضد الدولة ألب أرسلان وهو ابن أخي السلطان طغربك وتقدم ذكره واستولى ألب أرسلان على الممالك بعد عمه طغربك وعظمت مملكته ورهبت سطوته وفتح من البلاد ما لم يكن لعمه مع سعة ملك عمه فقصد هذا بلاد الشام فانتهى إلى مدينة حلب وصاحبها يومئذ محمود بن نصر بن صالح بن برداس الكلابي فحاصره مدة ثم جرت المصالحة بينهما فقال ألب أرسلان لا بد له من دوس بساطى فخرج إليه محمود ذليلا ومعه أمه فتلقاهما بالجميل وخلع عليهما وأعادهما إلى البلد ورحل عنهما قال المأموني في تاريخه قيل انه لم يعبر الفرات في قديم الزمان ولا حديثه في الإسلام ملك تركي قبل ألب أرسلان فانه أول من عبرها من ملوك الترك ولما عاد عزم على قصد بلاد الترك وقد كمل عسكره مائتي ألف فارس أو يزيدون فمر على جيحون النهر المشهور جسرا واقام العسكر يعبر عليه شهرا وعبر هو بنفسه ايضا ومد السماط في بليدة يقال لها فربر ولتلك البليدة حصن على شاطئ جيحون في سادس ربيع الأول من هذه السنة فاحضر إليه أصحابه مستحفظ القلعة يقال له يوسف الخوارزمي كان
قد ارتكب جريمة في أمر الحصن فحمل مقيدا فلما قرب منه أمر أن تضرب له أربعة أوتاد لتشد أطرافه الأربعة إليها ويعذبه ثم يقتله فقال له يوسف يا مخنث مثلي يقتل هذه القتلة فاحتد السلطان وأخذ القوس والنشابة وقال حلوه من قيوده فحل فرماه فأخطأه وكان مدلا برميه قلما يخطئ فيه وكان جالسا على سريره فنزل فعثر ووقع على وجهه فبادره يوسف المذكور وضربه بسكين كانت معه في خاصرته فوثب عليه فارس أرمني فضربه في رأسه بمرزبة فقتله فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحا وأحضر وزيره نظام الملك وأوصى به إليه وجعل ولده ملكشاه أبو شجاع محمد ولي عهده ثم توفي يوم السبت عاشر الشهر المذكور وكانت ولادته سنة أربع وعشرين وأربعمائة وكانت مدة مملكته تسع سنين واشهر ونقل إلى مرو ودفن عند قبر أبيه داود وعمه طغرلبك ولم يدخل بغداد ولا رآها مع إنها كانت داخلة في مملكته وهو الذي بنى على قبر الأمام أبي حنيفة رضي الله عنه القبة وبني ببغداد مدرسة أنفق عليها أموالا عظيمة وألب أرسلان بفتح الهمزة وسكون اللام وبعدها باء موحدة اسم تركي معناه شجاع أسد فالب شجاع وأرسلان أسد وقال في العبر كان ألب أرسلان في آخر دولته من أعدل الناس وأحسنهم سيرة وأرغبهم في الجهاد وفي نصر الإسلام وكان أهل سمر قند قد خافوه وابتهلوا إلى الله وقرأوا الختم ليكفيهم أمر ألب أرسلان فكفوا انتهى ملخصا
وفيها ابن المأمون أبو الغنائم عبد الصمد بن علي بن محمد الهاشمي العباسي البغدادي في شوال وله تسع وثمانون سنة سمع جده أبا الفضل بن المأمون والدار قطني وجماعة قال أبو سعد السمعاني كان ثقة نبيلا مهيبا تعلوه سكينة ووقار رحمه الله
وفيها أبو القسم القشيري عبد الكريم بن هوازن النيسابوري الصوفي
الزاهد شيخ خراسان وأستاذ الجماعة ومصنف الرسالة توفي في ربيع الآخر وله تسعون سنة روى عن أبي الحسين الخفاف وأبي نعيم وطائفة قال أبو سعد السمعاني لم ير أبو القسم مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين الشريعة والحقيقة رحمه الله قاله في العبر وقال السخاوي عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك ابن طلحة بن محمد القشيري أبو القسم المفسر المحدث الفقيه الشافعي المتكلم الأصولي الأديب النحوي الكاتب الشاعر الصوفي لسان عصره وسيد وقته سيد لم ير مثل نفسه في كماله وبراعته جمع بين علمي الشريعة والحقيقة وصنف التفسير الكبير قبل العشر والاربعمائة وخرج في رفقه إلى الحج فيها الإمام أبو محمد الجويني وأحمد بن الحسين البيهقي الأمام وكان أملح خلق الله وأظرفهم شمائل ولد سنة ست وسبعين وثلثمائة في ربيع الأول وتوفي في صبيحة يوم الأحد قبل طلوع الشمس سادس عشر ربيع الآخر ودفن في المدرسة بجانب شيخه أبي علي الدقاق ولامس أحد ثيابه ولا كتبه ولا دخل بيته إلا بعد سنين احتراما وتعظيما له قال السبكي ومن تصانيفه التفسير الكبير وهو من أجود التفاسير وأوضحها والرسالة المشهورة المباركة التي قل ما تكون في بيت وينكب والتحبير في التذكير وأدب الصوفية ولطائف الاشارات و كتاب الجواهر وعيون الأجوبة في أصول الأسئلة و كتاب المناجاه وكتاب نكت أولى النهى و كتاب أحكام السماع وغير ذلك ومن شعره
( لا تدع خدمة الأكابر وأعلم ** أن في عشرة الصغار الصغارا )
( وابغ من في يمينه لك يمن ** وترى في اليسار منه اليسارا )
انتهى ملخصا وقال ابن خلكان توفي أبوه وهو صغير وقرأ الأدب في صباه وكانت له قرية مثقلة الخراج بنواحي استوا فرأى من الرأي أن يحضر إلى نيسابور يتعلم طرفا من الحساب ليتولى الاستيفاء ويحمي القرية من الخراج فحضر نيسابور على هذا العزم فاتفق حضوره مجلس الشيخ أبي علي الحسين
ابن علي النيسابوري المعروف بالدقاق وأقبل عليه وتفرس فيه النجابة وجذبه بهمته وأشار عليه بالأشتغال بالعلم فخرج إلى درس أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي وشرع في الفقه حتى فرغ من تعليقه ثم اختلف إلى الأستاذ أبي اسحق الاسفرائيني وقعد يسمع درسه أياما فقال له الأستاذ هذا العلم لا يحصل بالسماع ولا بد من الضبط بالكتابه فاعاد عليه جميع ما سمعه في تلك الأيام فعجب منه وعرف محله فأكرمه وقال له ما تحتاج إلى درس بل يكفيك أن تطالع مصنفاتي فقعد وجمع بين طريقته وطريقة ابن فورك ثم نظر في كتب القاضي أبي بكر الباقلاني وهو مع ذلك يحضر مجلس أبي علي الدقاق وزوجة ابنته مع كثره أقاربها وبعد وفاة أبي علي سلك مسلك المجاهدة والتجريد وأخذ في التصنيف وسمع من جماعة مشاهير الحديث ببغداد والحجاز وكان له في الفروسية واستعمال السلاح يد بيضاء واما مجالس الوعظ والتذكير فهو أمامها وعقد لنفسه مجلس الإملاء في الحديث سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وذكره الباخرزي في كتاب دميه لقصر فقال لو قرع الصخر بسوط تحذيره لذاب ولو ربط إبليس في مجلسه لتاب وذكره الخطيب في تاريخه وقال قدم علينا يعنى إلى بغداد في سنة ثمان وأربعين وحدث ببغداد وكتبنا عنه وكان ثقة وكان يقص وكان حسن الموعظة مليح الإشارة وكان يعرف الأصول على مذهب ألاشعري والفروع على مذهب الشافعي ومن شعره
( سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم ** وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك )
( أقمنا زمانا والعيون قريرة ** وأصبحت يوما والجفون سوافك )
وفي رسالته بيتان حسنان وهما
( ومن كان في طول الهوى ذاق سلوة ** فأني من ليلى لها غير ذائق )
( وأكثر شيء نلته من وصالها ** أماني لم تصدق كخطفة بارق )
وكان والده أبو نصر عبد الرحيم إماما كبيرا أشبه أباه في علومه ومجالسه
ثم واظب درس إمام الحرمين أبى المعالي حتى وصل طريقه في المذهب والخلاف ثم خرج للجم فوصل إلى بغداد وعقد بها مجلس وعظ وحصل له قبول عظيم وحضر الشيخ أبو اسحق الشيرازي مجلسه وأطبق علماء بغداد أنهم لم يروا مثله وجرى له مع الحنابلة خصام بسبب الاعتقاد لأنه تعصب للاشاعرة وانتهى الأمر إلى فتنة قتل فيها جماعة من الفريقين وتوفي بنيسابور ضحوة نهار الجمعة سابع عشرى جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وخمسمائة ودفن بالمشهد المعروف بهم والقشيري بالضم والفتح نسبة إلى قشير بن كعب قبيلة كبيرة
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها صردر الشاعر صاحب الديوان أبو منصور علي بن الحسن بن علي بن الفضل الكاتب الشاعر المشهور أحد نجباء شعراء عصره جمع بين جودة السبك وحسن المعنى وعلى شعره حلاوة رائقة وبهجة فائقة وله ديوان شعر وهو صغير وما ألطف قوله من جملة قصيدة
( نسائل عن ثمامات بحزوى ** وباب الرمل يعلم ما عنينا )
( وقد كشف الغطاء فما نبالي ** أصرحنا بذكرك أم كنينا )
( الا الله طيف طيف منك يسعى ** بكاسات الكرى زورا ومينا )
( مطيته طوال الليل جفنى ** فكيف شكا إليك وحافينا )
( فأمسينا كأنا ما افترقنا ** وأصبحنا كأنا ما التقينا )
وقوله في الشيب
( لم أبك أن رحل الشباب وإنما ** أبكي لأن يتقارب الميعاد )
( شعر الفتى أوراقه فإذا ذوى ** جفت على آثاره الأعواد )
وله في جارية سوداء وهو معنى حسن
( علقتها سوداء مصقولة ** سواد قلبي صفة فيها )
( ما انكسف البدر على تمه ** ونوره إلا ليحكيها )
( لأجلها الأزمان أوقاتها ** منزوجات بلياليها )
وإنما قيل له صردر لأن أباه كان يلقب صر بعر لشحه فلما نبغ ولده المذكور وأجاد في الشعر قيل له صردر وقد هجاه البياضي الشاعر فقال
( لئن لقب الناس قدما أبا ** ك وسموه من شحه صربعرا )
( فأنك تنشر ما صره ** عقوقا له وتسميه شعرا )
ولعمري ما أنصف هذا الهاجي فان شعره بارد وإنما العدو لا يبالي بما يقول وكانت وفاته في صفر في قرية بطريق خراسان وكانت ولادته قبل الأربعمائة قاله ابن خلكان
وفيها أبو سعد السكري علي بن موسى بن عبد الله بن عمر النيسابوري السكري كان حافظا مفيدا من حفاظ خراسان قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو جعفر بن المسلمة محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن الحسن السلمي البغدادي كان ثقة نبيلا عالي الإسناد كثير السماع متين الديانة توفي في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة وهو آخر من روى عن أبي الفضل الزهري وأبي محمد بن معروف
وفيها أبو الحسن الآمدي علي بن محمد بن عبد الرحمن الحنبلي ويعرف قديما بالبغدادي نزل ثغر آمد وأخذ عن اكابر أصحاب القاضي أبي يعلي قال ابن عقيل فيه بلغ من النظر الغاية وكان له مروءة يحضر عنده الشيخ أبو اسحق الشيرازي وأبو الحسن الدامغاني وكانا فقيهين فيضيفهما بالأطعمة الحسنة ويتكلم معهما إلى أن يمضي من الليل أكثره وكان هو المتقدم على جميع أصحاب القاضي أبي يعلي وقال القاضي الحسين وتبعه ابن السمعاني أحد الفقهاء الفضلاء والمناظرين الأذكياء وسمع من أبي القسم بن بشران وأبي اسحق البرمكي وابن المذهب وغيرهم وجلس في حلقه النظر والفتوى بجامع المنصور في موضع ابن حامد ولم يزل يدرس ويفتي ويناظر إلى أن خرج من بغداد ولم يحدث
ببغداد بشيء لأنه خرج منها في فتنة البساسيري في سنة خمسبن وأربعمائة إلى آمد وسكن بها واستوطن ودرس الفقه إلى أن مات بها في هذه السنة والصحيح انه توفي سنة سبع وستين أو ثمان وستين كما جزم به ابن رجب وله كتاب عمدة الحاضر وكفاية المسافر وهو كتاب جليل يقول فيه ذكر شيخنا ابن أبي موسى فالظاهر انه تفقه عليه أيضا
وفيها ابن الغريق الخطيب أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن محمد بن الخليفة المهتدي بالله محمد بن الواثق العباسي سيد بني العباس في زمانه وشيخهم مات في ذي الحجة وله خمس وتسعون سنة وهو آخر من حدث عن ابن شاهين والدار قطني وكان ثقة نبيلا صالحا متبتلا كان يقال له راهب بني هاشم لدينه وعبادته وسرده الصوم
وفيها هناد بن إبراهيم أبو المظفر النسفي صاحب مناكير وعجائب روى عن القاضي أبي عمر الهاشمي وغنجار وطبقتهما وعدة ابن ناصر الدين من الحفاظ وقال في حقه هناد بن إبراهيم بن محمد بن نصر أبو المظفر النسفي القاضي كان من المحدثين المكثرين والحفاظ المشهورين لكنه ضعيف مكثر من رواية الموضوعات
وفيها أبو القسم الهذلي يوسف بن علي بن جبارة المغربي المتكلم النحوي صاحب كتاب الكامل في القراءات وكان كثير الترحال حتى وصل إلى بلاد الترك في طلب القراءات المشهورة والشاذة
سنة ست وستين وأربعمائة
**فيها كان الغرق الكثير ببغداد فهلك خلق تحت الردم وأقيمت الجمعة في الطيار على ظهر الماء وكان الموج كالجبال وبعض المحال بالكلية وبقيت
كأن لم تكن وقيل أن ارتفاع الماء بلغ ثلاثين ذراعا
وفها توفي أبو سهل الحفصي محمد بن أحمد بن عبيد الله المروزي راوي الصحيح عن الكشميهني كان رجلا عاميا مباركا سمع منه نظام الملك وأكرمه وأجزل صلته قاله في العبر
وفيها أوفى التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبه طاهر بن عبد الله أبو الربيع الايلاقي بالكسر والتحتية نسبة إلى ايلاق ناحية من بلاد الشاش التركي قال ابن شهبه من أصحابنا أصحاب الوجوه تفقه بمرو على القفال وببخارى على الحليمي وبنيسابور على الزيادي وأخذ الأصول عن أبي اسحق الاسفراييني وتفقه عليه أهل الشاش وكان إمام بلاده
وفيها أبو محمد الكتاني عبد العزيز بن أحمد التميمي الدمشقي الصوفي الحافظ روى عن تمام المرادي وطبقته ورحل سنة سبع عشرة وأربعمائة إلى العراق والجزيرة قال ابن ماكولا مكثر متقن وقال الذهبي توفي في جمادى الآخرة
وفيها أبو بكر العطار محمد بن إبراهيم بن علي الحافظ الأصبهاني مستملى الحافظ أبي نعيم روى عن ابن مردويه والقاضي أبي عمر الهاشمي وطبقتهما قال الدقاق كان من الحفاظ يملى من حفظه توفي في صفر
وفيها ابن حيوس الفقيه أبو المكارم محمد بن سلطان الغنوي الدمشقي الفرضي روى عن خاله أبي نصر الجندي وعبد الرحمن بن أبي نصر وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو بكر يعقوب بن احمد الصيرفي النيسابوري المعد ل روى عن أبي محمد المخلدي والخفاف توفي في ربيع الأول
سنة سبع وستين وأربعمائة
فيها عمل السلطان ملكشاه الرصد وانفق عليه أموالا عظيمة قال
السيوطي فيها جمع نظام الملك المنجمين وجعلوا النيروز أول نقطة من الحمل وكان قبل ذلك عند دخول الشمس نصف الحوت وصار ما فعله النظام مبدأ التقاويم انتهى
وفيها توفي أبو عمر بن الحذاء محدث الأندلسى أحمد بن محمد بن يحيى القرطبي مولى بني أمية حضه أبوه على الطلب في صغره فكتب عن عبد الله ابن أسد وعبد الوارث وسعيد بن نصر والكبار في سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة وانتهى إليه علو الإسناد بقطرة وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وثمانين سنة
وفيها القائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله أحمد بن اسحق بن المقتدر العباسي توفي في شعبان وله ست وسبعون سنة وبقى في الخلافة أربعا وأربعين سنة وتسعة أشهر وأمه أرمنية كان ابيض مليح الوجه مشربا حمرة ورعا دينا كثير الصدقة له علم وفضل من خير الخلائف ولا سيما بعد عوده إلى الخلافة في نوبة البساسيري فأنه صار يكثر الصيام والتجهد غسله الشريف أبو جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة وبويع حفيده المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم قاله في العبر وقال ابن الفرات أول من بايعه الشريف أبو القسم المرتضى وأنشده
( فأما مضى جبل وانقضى ** فمنك لنا جبل قد رسا )
( وأما فجعنا ببدر التما ** م فقد بقيت منه شمس الضحى )
( فكم حزن في محل السرو ** روكم ضحك في خلال البكى )
وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ولد القائم في نصف ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وثلثمائة وأمه أم ولد أرمنية اسمها بدر الدجى وقيل قطر الندى ولى الخلافة بعد موت أبيه سنة اثنتين وعشرين وكان ولى عهده في الحياة وهو الذي لقبه بالقائم بأمر الله قال ابن الاثير كان جميلا مليح الوجه ورعا دينا زاهدا عالما قوى اليقين بالله كثير الصدقة والصبر له عناية بالأدب ومعرفة حسنة بالكتابة
مؤثرا للعدل والإحسان وقضاء الحوائج لا يرى المنع من شيء طلب منه ولم يزل أمره مستقيما إلى أن قبض عليه في سنة خمسين وسجنه البساسيري في عانة فكتب وهو في السجن قصة وأنفذها إلى مكة فعلقت في الكعبة فيها إلى الله العظيم من المسكين عبده اللهم انك العالم بالسرائر المطلع على الضمائر اللهم انك غني بعلمك وإطلاعك على خلقك عن أعلامى هذا عبد قد كفر نعمك وما شكرها وألغى العواقب وما ذكرها أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا وأساء إلينا عتوا وعدوا اللهم قل الناصر وإغتر الظالم وأنت المطلع العالم المنصف الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب من يديه فقد تعزر علينا بالمخلوقين ونحن نعتز بك قد حاكمنا إليك وتوكلنا في إنصافنا منه عليك ورفعنا ظلامتنا هذه إلى حرمك ووثقنا في كشفها بكرمك فأحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين ومات القائم ليلة الخميس الثالث عشر من شعبان وذلك أنه إفتصد فإنحل موضع الفصد وخرج منه دم كثير فإستيقظ وقد إنحلت قوته فطلب حفيده ولي عهده عبد الله بن محمد ووصاه ثم توفى
انتهى ملخصا
وفيها أبو الحسن الداودي جمال الإسلام عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن المظفر البوشنجي شيخ خراسان علما وفضلا وجلالة وسندا روى الكثير عن أبي محمد بن حموية وهو آخر من حدث عنه وتفقه على القفال المروزي وأبي الطيب الصعلوكي وأبي حامد الإسفراييني توفي في شوال وله أربع وتسعون سنة وصحب أبا علي الدقاق وأبا عبد الرحمن السلمي ثم استقر ببوشنج للتصنيف والتدريس والفتوى والتذكير وصار وجه مشايخ خراسان بقي أربعين سنة لا يأكل اللحم لما نهب التركمان تلك الناحية وبقي يأكل السمك فحكي له أن بعض الأمراء أكل على حافة النهر الذي يصاد منه السمك ونفض في النهر ما فضل فلم يأكل السمك بعد ذلك ومن شعره
( كان في الاجتماع من قبل نور ** فمضى النور وأدلهم الطلام )
( فسد الناس والزمان جميعا ** فعلى الناس والزمان السلام )
وفيها أبو الحسن الباخرزي الرئيس الأديب علي بن الحسن بن أبي الطيب
مؤلف كتاب دمية القصر كان رأسا في الكتابة والانشاء والشعر والفضل والحائر القصب في نظمه ونثره وكان في شبابه مشتغلا بالفقه على مذهب الأمام الشافعي رضي الله عنه واختص بملازمة درس أبي محمد الجويني ثم شرع في فن الكتابة واختلف إلى ديوان الرسائل فارتفعت به الأحوال وانخفضت ورأى من الدهر العجائب سفرا وحضرا وغلب أدبه على فقهه فاشتهر بالأدب وعمل الشعر وسمع الحديث وصنف كتاب دمية القصر وعصره أهل العصر وهو ذيل يتيمة الدهر للثعالبي وجمع فيها خلقا كثيرا وقد وضع على هذا الكتاب أبو الحسن علي بن زيد كتابا سماه وشاح الدمية وهو كالذيل لها وكالذي سماه السمعاني الذيل وللباخرزي ديوان شعر مجلد كبير والغالب عليه الجودة فمن معانية الغريبة قوله
( وإني لأشكو لسع أصداغك التي ** عقاربها في وجنتيك تحوم )
( وأبكى لدر الثغر منك ولى أب ** فكيف يديم الضحك وهو يتيم )
وقوله في شدة البرد
( كم مؤمن قرصته أظفارالشتا ** فغدا لسكان الجحيم حسودا )
( وترى طيور الماء في وكناتها ** تختار حر النار والسفودا )
( وإذا رميت بفضل كأسك في الهوى ** عادت عليك من العقيق عقودا )
( يا صاحب العودين لا تهملهما ** حرق لنا عودا وحرك عودا )
وقوله من جملة أبيات
( يا فالق الصبح من لألاء غرته ** وجاعل الليل من أصداغه سكنا )
( بصورة الوثن استعبدتني وبها ** فتنتني وقديما هجت لي شجنا )
( لا غروان أحرقت نار الهوى كبدي ** فالنار حق على من يبعد الوثنا )
وقتل الباخرزي في الأندلس وذهب دمه هدرا وباخرز بالباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة وبعد الراء زاي ناحية من نواحي نيسابور تشتمل على قرى
ومزارع خرج منها جماعة من الفضلاء
وفيها أبو الحسن بن صصري علي بن الحسين بن أحمد بن محمد الثعلبي الدمشقي المعدل روى عن تمام الرازي وجماعة وتوفي في المحرم
وفيها أبو بكر الخياط مقرئ العراق محمد بن علي بن محمد بن موسى الحنبلي الرجل الصالح سمع من اسمعيل بن الحسن الصرصري وأبي الحسن المحبر وقرأ علي أبي أحمد الفرضي وأبي الحسن السوسنجردي وجماعة قال ابن الجوزي ما يوجد في عصره في القراءات مثله وكان ثقة صالحا وقال المؤتمن الساجي كان شيخا ثقة في الحديث والقراءة صالحا صبورا على الفقر وقال أبو ياسر البرداني كان من البكائين عند الذكر أثرت الدموع في خديه وقال ابن النجار كان شيخ القراء في وقته مفردا بروايات وكان عالما ورعا متدينا وذكر الذهبي في طبقات القراء فقال كان كبير القدر عديم النظير بصيرا بالقرآن صالحا عابدا ورعا ناسكا بكاء قانتا خشن العيش فقيرا متعففا ثقة فقيها على مذهب أحمد وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الكرم الشهرزورى وقال ابن الجوزي توفي ليلة الخميس ثالث جمادى الأولى سنة ثمان وستين
وفيها محمود بن نصر بن صالح بن مرداس الأمير عز الدولة الكلابي صاحب حلب ملكها عشرة أعوام وكان شجاعا فارسا جوادا ممدحا بداري المصريين والعباسيين لتوسط داره بينهما وولى بعده ابنه نصر فقتله بعض الأتراك بعد سنة
سنة ثمان وستين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي غلام الهراس مقرئ واسط الحسن بن القسم الواسطي ويعرف أيضا بإمام الحرمين كان أحد من عنى بالقراءات ورحل فيها إلى البلاد
وصنف فيها قرأ علي أبي الحسن السوسنجردي والحمامي وطبقتهما ورحل القراء إليه من الآفاق وفيه لين قاله في العبر
وفيها عبد الجبار بن عبد الله بن إبراهيم بن برزة أبو الفتح الرازي الواعظ الجوهري التاجر روى عن علي بن محمد القصار وطائفة وعاش تسعين سنة وآخر من حدث عنه اسمعيل الحمامي
وفيها أبو نصر التاجر عبد الرحمن بن علي النيسابوري المزكي روى عن يحيى بن اسمعيل الحربي النيسابوري وجماعة
وفيها أبو الحسن الواحدي المفسر علي بن أحمد النيسابوري تلميذ أبي اسحق الثعلبي وأحد من برع في العلم وكان شافعي المذهب روى في كتبه عن أبن محمش وأبي بكر الحيري وطائفة وكان رأسا في اللغة والعربية توفي في جمادي الآخرة وكان من أبناء السبعين قال ابن قاضي شهبه كان فقيها أماما في النحو واللغة وغيرهما شاعرا وأما التفسير فهو إمام عصره فيه أخذ التفسير عن أبي اسحق الثعلبي واللغة عن أبي الفضل العروضي صاحب أبي منصور الأزهري والنحو عن أبي الحسن القهندزي بضم القاف والهاء وسكون النون وفي آخره زاي الضرير صنف الواحدي البسيط في نحو ستة عشر مجلدا والوسيط في أربع مجلدات والوجيز ومنه أخذ الغزالي هذه الأسماء وأسباب النزول و كتاب نفي التحريف عن القرآن الشريف و كتاب الدعوات و كتاب تفسير أسماء النبي صلى الله عليه وسلم و كتاب المغازي و كتاب الأغراب في الأعراب وشرح ديوان المتنبي وأصله من ساوة من أولاد التجار وولد بنيسابور ومات بها بعد مرض طويل في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين ونقل عنه في الروضة في مواضع من كتاب السير في الكلام على الإسلام
وفيها ابن عليك أبو القسم علي بن عبد الرحمن بن الحسن النيسابوري روى عن أبي نعيم الاسفراييني وجماعة وقال ابن نقطة حدث عن أبي الحسين الخفاف
ومات في رجب بتفليس
وفيها أبو بكر الصفار محمد بن القاسم بن حبيب بن عبدوس النيسابوري الشافعي أحد الكبار المتقنين تفقه على أبي محمد الجويني وجلس بعده في حلقته وروى عن أبي نعيم الاسفراييني وطائفة وتوفي في ربيع الآخر قال الاسنوي وهو جد الفقهاء المعروفين في نيسابور بالصفارين كان إماما فاضلا دينا خيرا سليم الجانب محمود الطريقه مكثرا من الحديث والاملاء حسن الاعتقاد والخلق بهي المنظر متجملا مع قلة ذات اليد وكان من أبناء المشايخ والبيوتات والمياسير انتهى
وفيها على بن الحسين بن أحمد بن إبراهيم بن جدا أبو الحسن العكبري ذكره ابن شافع في تاريخه فقال هو الشيخ الزاهد الفقيه الامار بالمعروف والنهاء عن المنكر سمع أبا علي بن شاذان والبرقاني وأبا القسم الخرقي وابن بشران وغيرهم وكان فاضلا خيرا ثقة صينا شديدا في السنة على مذهب أحمد وقال القاضي الحسين وابن السمعاني كان شيخا صالحا كثير الصلاة حسن التلاوة للقرآن إذا لسن وفصاحة في المجالس والمحافل وله في ذلك كلام منثور وتصنيف مذكور مشهور
وفيها أبو القسم المهرواني يوسف بن محمد الهمداني الصوفي العبد الصالح الذي خرج له الخطيب خمسة أجزاء روى عن أبي أحمد الفرضي وأبي عمر ابن مهدي ومات في ذي الحجة
وفيها يوسف بن محمد بن يوسف أبو القسم الخطيب محدث همذان وزاهدها روى عن أبي بكر بن لال وأبي أحمد الفرضي وأبي عمر بن مهدي وطبقتهم وجمع ورحل وعاش سبعا وثمانين سنة
وفيها البياض الشاعر أبو جعفر مسعود بن عبد العزيز بن المحسن بن
الحسن بن عبد الرزاق المشهور وهو من الشعراء المجيدين في المتأخرين وديوان شعره صغير وهو في غاية الرقة وليس فيه من المديح إلا اليسير فمن أحسن شعره قصيدته القافية التي أولها
( أن غاض دمعك والركاب تساق ** مع ما بقلبك فهو منك نفاق )
( لا تحبسن ماء الجفون فإنه ** لك يا لديغ هواهم درياق )
( وأحذر مصاحبة العذول فأنه ** مغر فظاهر عذله اشفاق )
( لا يبعدن زمن مضت أيامه ** وعلى متون غصونها أوراق )
( أيام نرجسنا العيون ووردنا ** حمر الخدود وخمرنا الأرياق )
( ولنا بزوراء العراق مواسم ** كانت تقام لطيبها أسواق )
( فلئن بكت عيني دما شوقا إلى ** ذاك الزمان فمثله يشتاق )
( أن الأغيلمة الأولى لولاهم ** ما كان طعم هوى الملاح يذاق )
( وكأنما أرماحهم بأكفهم ** أجسامهم ونصولها الأحداق )
( شنوا الإغارة في القلوب بأعين ** لا يرتجى لأسيرها إطلاق )
( واستعذبوا ماء الجفون فعذبوا آلأسرار حتى ذرت الآماق )
( ونمى الحديث بأنهم نذر وآدمى ** أولى دم يوم الفراق يراق )
وشعره كله على هذا الاسلوب وقيل له البياضي لأن أحد أجداده كان في مجلس بعض الخلفاء مع جماعة من العباسيين وكانوا قد لبسوا سوادا ما عداه فأنه لبس بياضا فقال الخليفة من ذلك البياضي فثبت الاسم عليه واشتهر به
وفيها ابن حابارمكى بن عبد الله الدينوري أبو بكر اجتهد في هذا الشأن وهو حافظ قاله ابن ناصر الدين
سنة تسع وستين وأربعمائة
فيها توفي أبو الحسن احمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد السلمي أحد
رؤساء دمشق وعدولها روى عن جده أبي بكر محمد بن أحمد بن عثمان وجماعة وسمع بمكة من ابن جهضم توفي في ربيع الأول في عشر التسعين قاله في العبر
وفيها حاتم بن محمد بن الطرابلسي أبو القسم التميمي القرطبي المحدث المتقن مسند الأندلس في ذي القعدة وله إحدى وتسعون سنة روى عن عثمان بن نابل وأبي المطرف بن فطيس وطبقتهما ورحل فأكثر عن أبي الحسن القابسي وسمع بمكة من ابن فراس العبقسي وكان فقيها مفتيا
وفيها حيان بن خلف بن حسين بن حيان أبو مروان القرطبي الأديب مؤرخ الأندلس ومسندها توفي في ربيع الأول وله اثنتان وتسعون سنة سمع من عمر بن نايل وله كتاب المبين في تاريخ الأندلس ستون مجلدا و كتاب المقتبس في عشر مجلدات وقد رؤى في النوم فسئل عن التاريخ الذي عمله فقال لقد ندمت عليه إلا أن الله غفر لي بلطفه واقالني وقال ابن خلكان ذكره أبو علي الغساني فقال كان عالي السن قوي المعرفة متبحرا في الآداب بارعا فيها صاحب لواء التاريخ بالأندلس أفضح الناس فيه وأحسنهم نظما له لزم ابن الحباب النحوي وصاعد الربعي وأخذ عنه كتابه المسمى بالفصوص وسمع الحديث وسمعته يقول التهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة والتعزية بعد ثلاث اغراء بالمصيبة وتوفي في يوم الأحد لثلاث بقين من ربيع الأول ووصفه الغساني بالصدق فيما حكاه في تاريخه
انتهى ملخصا
وفيها حيدرة بن علي الأنطاكي أبو المنجا المعبر حدث بدمشق عن عبد الرحمن ابن أبي نصر وجماعة قال ابن الأكفاني كان يذكر انه يحفظ في علم التعبير عشرة آلاف ورقة وأكثر
وفيها أبو الحسن طاهر بن أحمد بن بابشاد المصري الجوهري النحوي صاحب التصانيف دخل بغداد تاجرا في الجوهر وأخذ عن علمائها وخدم بمصر في ديوان الإنشاء وكان كتاب الإنشاء لا يتقدمون بكتبهم حتى تعرض
عليه وله مرتب على ذلك ثم تزهد ورغب عن الخدمة واستغنى بالله ولزم بيته فكان ملطوفا به حتى مات وسببه انه شاهد سنورا أعمى في سطح الجامع يرقى إليه بقوته سنور آخر ويخدمه فكان له فيه عبرة ومن تصانيفه المقدمة وشرحها وشرح الجمل وشرح كتاب الأصول لابن السراج ومسودات توفي قبل تمامها قريب من خمسة عشر مجلدا قيل انه مات مترديا من غرفة واصله من الديلم وبابشاد كلمة أعجمية يتضمن معناها السرور والفرح
وفيها وجزم بن ناصر الدين في التي قبلها عمر بن علي بن أحمد بن الليث الليثي البخاري أبو مسلم الحافظ الجوال تكلم يحيى بن مندة فيه وكان فيه تدليس وعجب بنفسه وتيه
وفيها أوفي التي قبلها وهو الصحيح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زكريا الجرجاني الزنجي كان حافظا ثقة قاله ابن ناصرالدين
وفيها كركان الزاهد القدوة أبو القسم عبد الله بن علي الطوسي شيخ الصوفية وصاحب الدويرة والأصحاب روى عن حمزة المهلبي وجماعة ومات في ربيع الأول
وفيها أبو محمد الصريفيني عبد الله بن محمد بن عبد الله بن هرامرد المحدث خطيب صريفين توفي في جمادي الآخرة عن خمس وثمانين سنة روى عن أبي القسم ابن حبابة وأبي حفص الكتاني وكان ثقة
وفيها عبيد الله بن لحسين الفراء أبو القسم بن القاضي أبي يعلى ذكر أخوه في الطبقات وانه ولد يوم السبت سابع شعبان سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة وقرأ بالروايات علي أبي بكر الخياط وابن البنا وأبي الخطاب الصوفي وغيرهم وسمع الحديث من والده وجده لامه جابر بن يس وغيرهم ورحل في طلب الحديث والعلم إلى واسط والبصرة والكوفة وعكبرا والموصل والجزيرة وآمد وغير ذلك وكان يتكلم مع شيوخ عصره وكان والده يأتم به في صلاة التراويح
إلى أن توفي وكان أكبر أولاد القاضي أبي يعلي وكان ذا عفة وديانة وصيانة حسن التلاوة للفراءة كثير الدرس له معرفة بعلومه وله معرفة بالجرح والتعديل وأسماء الرجال والكنى وغير ذلك من علوم الحديث وله خط حسن ولما وقعت فتنة ابن القشيري خرج إلى مكة فتوفي في مضيه إليها بموضع يعرف بمعدن البقرة أواخر ذي القعدة وله ست وعشرون سنة وثلاثة أشهر ونيف وعشرون يوما تقريبا رحمه الله تعالى
وفيها أبو الحسن البرداني محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي بن الحسين ابن هرون الفرضي الآمين والد الحافظ أبي علي ولد بالبردان وسمع الكثير من ابن رزقويه وابن بشران وابن شاذان والبرقاني وخلق وروى عنه ولداه أبو علي وأبو ياسر قال ابن النجار كان رجلا صالحا صدوقا حافظا لكتاب الله تعالى عالما بالفرائض وقسمة التركات كتب بخطه الكثير وخرج تخاريج وجمع فنونا من الأحاديث وغيرها وقال ابن الجوزى كان ثقة عالما صالحا أمينا توفي يوم الخميس تاسع عشرى ذي القعده وله كتاب فضيلة الذكر والدعاء
سنة سبعين وأربعمائة
فيها توفي أبو صالح المؤذن أحمد بن عبد الملك بن علي النيسابوري الحافظ محدث خراسان في زمانه روى عن أبي نعيم الاسفراييني وأبي الحسن العلوي والحاكم وخلق ورحل إلى أصبهان وبغداد ودمشق في حدود الثلاثين وأربعمائة وله ألف حديث عن ألف شيخ وثقة الخطيب وغيره ومات في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة وله تصانيف ومسودات
وفيها أبو الحسين بن النقور أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي البزار المحدث الصدوق روى عن علي الحربي وأبي القسم بن حبابة وطائفة وكان يأخذ على نسخة طالوت دينارا أفناه بذلك الشيخ أبو اسحق لأن الطلبة كانوا يفوتونه
الكسب لعياله مات في رجب عن تسعين سنة
وفيها أبو نصر بن طلاب الخطيب الحسين بن أحمد بن محمد القرشي مولاهم الدمشقي خطيب دمشق روى عن ابن جميع مجمعه وعن أبي بكر بن أبي الحديث وكان صاحب مال وأملاك وفيه عدالة وديانة توفي في صفر وله إحدى وتسعون سنة
وفيها عبد الله بن الحلال أبو القسم بن الحافظ أبي محمد الحسن بن محمد البغدادي سمعه أبوه من أبي حفص الكتاني والمخلص ومات في صفر عن خمس وثمانين سنة قال الخطيب كان صدوقا
وفيها أبو جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة عبد الخالق بن عيسى بن أحمد كان ورعا زاهدا علامة كثير الفنون رأسا في الفقه شديدا على المبتدعه نافذ الكلمة روى عن أبي القسم بن بشران وقد أخذ في فتنة ابن القشيري وحبس أياما قاله في العبر وقال ابن السمعاني كان إمام الحنابلة في عصره بلا مدافعة مليح التدريس حسن الكلام في المناظرة ورعا زاهدا متقنا عالما بأحكام القرآن والفرائض مرضى الطريقة وقال ابن عقيل كان يفوق الجماعة من مذهبه وغيرهم في علم الفرائض وكان عند الإمام يعني الخليفة معظما حتى أنه وصى عند موته بأن يغسله تبركابه وكان حول الخليفة ما لو كان غيره لأخذه وكان ذلك كفاية عمرة فوالله ما التفت الي شيء منه بل خرج ونسى مئزره حتى حمل إليه قال ولم يشهد منه انه شرب ماء في حلقته مع شدة الحر ولا غمس يده في طعام أحد من أبناء الدنيا وقال ابن رجب له تصانيف عدة منها رءوس المسائل وشرح المذهب وله جزة في أدب الفقه وفي فضائل أحمد وترجيح مذهبه وتفقه عليه طائفة من أكابر المذهب كالحلواني والقاضي أبي الحسين وغيرهم وكان معظما عند الخاصة والعامة زاهدا في الدنيا إلى الغاية قائما في إنكار المنكرات بيده ولسانه مجتهدا في ذلك وتوفي
رحمه الله ليلة الخميس سحرا خامس شهر صفر وصلى عليه يوم الجمعة ضحى بجامع المنصور وأم الناس أخوه الشريف أبو الفضل ولم يسع الجامع الخلق ولم يتهيأ لكثير منهم الصلاة ولم يبق رئيس ولا مرءوس إلا حضره إلا من شاء الله ودفنوه في قبر الأمام احمد وما قدر أجد أن يقول للعوام لا تنبشوا قبر الأمام أحمد وادفنوه بجنبه فقال أبو محمد التميمي من بين الجماعة كيف تدفنونه في قبر الأمام أحمد وبنت أحمد مدفونة معه فأن جاز دفنه مع الأمام لا يجوز دفنه مع بنته فقال بعض العوام اسكت فقد زوجنا بنت أحمد من الشريف فسكت التميمي ولزم الناس قبره فكانوا يبيتون عنده كل ليلة اربعاء ويختمون الختمات فيقال انه قرىء على قبره تلك الأيام عشرة آلاف ختمة ورآه بعضهم في المنام فقال له ما فعل الله بك قال لما وضعت في قبري رأيت قبة من درة بيضاء لها ثلاثة أبواب وقائل يقول هذه لك أدخل من أي أبوابها شئت
وفيها أبو القسم بن منده عبد الرحمن بن محمد بن اسحق بن محمد بن يحيى ابن إبراهيم بن الوليد بن منده بن بطة بن استندار واسمه الفيرزان بن جهان بخت العبدي الاصبهاني الأمام الحافظ ابن الحافظ الكبير أبي عبد الله بن منده ومنده لقب إبراهيم جده الأعلى ذكره ابن الجوزى في طبقات الحنابلة وترجمه في تاريخه فقال ولد سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة وسمع أباه وأبا بكر بن مردويه وخلقا كثيرا وكان كثير السماع كبير الشأن سافر البلاد وصنف التصانيف وخرج التخاريج وكان ذا وقار وسمت وأتباع فيهم كثرة وكان متمسكا بالسنة معرضا عن أهل البدع آمر بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يخاف في الله لومة لائم وقال ابن السمعاني كان كبير الشأن جليل القدر كثير السماع واسع الرواية سافر إلى الحجاز وبغداد وهمذان وخراسان وصنف التصانيف وقال سعد بن محمد الزنجاني حفظ الله الإسلام برجلين أحدهما بأصبهان والآخر بهراة عبد الرحمن بن منده وعبد الله الأنصاري وقال يحيى بن منده كان عمي سيفا علي
أهل البدع وهو أكبر من أن ينبه عليه مثلى كان والله آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وفي الغدو والآصال ذاكرا ولنفسه في المصالح قاهرا أعقب الله من ذكره بالشر الندامة وكان عظيم الحلم كبير العلم قرأت عليه قول شعبة من كتبت عنه حديثا فأنا له عبد فقال من كتب عني حديثا فأنا له عبد وقال ابن تيمية وكان أبو القسم بن منده من الأصحاب وكان يذهب إلى الجهر بالبسملة في الصلاة وقال ابن منده في كتابه الرد على الجهمية التأويل عند أصحاب الحديث نوع من الكذب وقال في العبر كان ذا سمت ووقار وله أصحاب وأتباع وفيه تسنن مفرط أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده وتوهموا فيه التجسيم وهو برئ منه فيما علمت ولكن لو قصر من شأنه لكان أولى به أجاز له زاهر ابن أحمد السرخسي وروى الكثير عن أبيه وأبي جعفر الابهري وطبقتهما وسمع بنيسابور من أصحاب الأصم وبمكة من ابن جهضم وبهمذان والدينور وشيراز وبغداد وعاش تسعا وثمانين سنة انتهى كلام العبر
وفيها أبو بكر بن حمدويه أحمد بن محمد بن أحمد بن يعقوب الرزاز المقرئ الزاهد ذكره ابن الجوزى في الطبقات والتاريخ ولد يوم الأربعاء لثمان عشرة ليلة خلت من صفر سنة إحدى وثمانين وثلثمائة وحدث عن خلق كثير منهم ابن بشران وابن القواس وهو آخر من حدث عن أبي الحسين بن سمعون وتفقه على القاضي أبي يعلي وكان ثقة زاهدا متعبدا حسن الطريقة وحدث عنه الخطيب في تاريخه وتوفي يوم السبت رابع عشرى ذي الحجة قال ابن نقطة حمدويه بضم الحاء والميم المشددة أيضا وبالياء
سنة إحدى وسبعين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي بن البنا الفقيه الزاهد الحسن بن أحمد بن عبد الله الحنبلي
البغدادي الأمام المقرئ المحدث الفقيه الواعظ صاحب التصانيف ولد سنة ست وتسعين وثلثمائة وقرأ القراءات السبع على أبي الحسن الحمامي وغيره وسمع الحديث على القاضي أبي يعلى وهو من قدماء أصحابه وحضر عند ابن أبي موسى وناظر في مجلسه وتفقه أيضا علي أبي الفضل التميمي وأخيه أبي الفرج وقرأ عليه القرآن جماعة مثل عبد الله البارع وأبى العز القلانسى وغيرهما وسمع منه الحديث خلق كثير وقرأ عليه الحافظ الحميدي كثيرا ودرس الفقه كثيرا وأفتى زمانا طويلا وصنف كتبا في الفقه والحديث والفرائض وأصول الدين وفي علوم مختلفات قال ابن الجوزى ذكر عنه انه قال صنفت خمسمائة مصنف وتراجم كتبه مسجوعة وقال ابن شافع كتبت الحديث عن نحو من ثلثمائة شيخ ما رأيت فيهم من كتب بخطه اكثر من ابن البنا قال وقال لي هو رحمه الله ما رأيت بعيني من كتب أكثر مني قال وكان طاهر الأخلاق حسن الوجه والشيبه محبا لأهل العلم مكرما لهم وتوفي رحمه الله ليلة السبت خامس رجب ودفن بباب حرب رحمه الله
وفيها أبو يعلى حمزة بن الكيال البغدادي الفقيه الحنبلي ذكره ابن أبي يعلى في طبقاته وانه ممن تردد إلى والده زمانا مواصلا وسمع منه علما واسعا وكان عبدا صالحا وقيل انه كان يحفظ الاسم الأعظم وقال ابن شافع في تاريخه كان رجلا صالحا ملازما لبيته ومسجده حافظا للسانه معتزلا عن الفتن توفي يوم الأربعاء سابع عشرى شهر رمضان ودفن بمقبرة باب الدير
وفيها أبو علي الوخشي بالفتح والسكون نسبة إلى وخش بلد بنواحي بلخ الحسن بن علي البلخي الحافظ الثقة المكثر الكبير رحل وطوف وجمع وصنف وعاش ستا وثمانين سنة روى عن تمام الرازي وأبي عمر بن مهدي وطبقتهما بالشام والعراق ومصر وخراسان وكان من الثقات
وفيها أبو القسم الزنجاني سعد بن علي بن محمد بن علي بن الحسين شيخ الحرم
والحفاظ كان حافظا قدوة علما ثقة زاهدا نزيل الحرم وجار بيت الله روى عن أبي عبد الله بن نظيف الفراء وعبد الرحمن بن ياسر وخلق سئل محمد بن طاهر المقدسي عن أفضل من رأى فقال سعد الزنجاني وشيخ الإسلام الأنصاري فقيل له أيهما أفضل فقال الأنصاري كان متفننا وأما الزنجاني فكان أعرف بالحديث منه وسئل اسمعيل التيمي عنه فقال أمام كبير عارف بالسنة وقال ابن الاهدل كان صاحب كرامات وآيات يزدحم الناس عليه عند الطواف كازدحامهم على الحجر وقال غيره توفي في أول سنة إحدى وسبعين أو في آخر سنة سبعين عن تسعين سنة
وفيها عبد الباقي بن محمد بن غالب أبو منصور الازجي العطار وكيل القائم والمقتدي صدوق جليل روى عن المخلص وغيره وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو القسم عبد العزيز بن علي الانماطي ابن بنت السكري روى عن المخلص قال عبد الوهاب الانماطي هو ثقة وآخر من روى عنه ابن الطلاية الزاهد وتوفي في رجب
وفيها عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني أبو بكر النحوي صاحب التصانيف منها المغني في شرح الايضاح ثلاثون مجلدا وكان شافعيا أشعريا قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبه كان شافعي المذهب متكلما على طريقة ألاشعري وفيه دين وله فضيلة تامة في النحو وصنف كتبا كثيرة فمن أشهرها كتاب الجمل وشرحه و كتاب العمدة في التصريف و كتاب المفتاح وشرح الفاتحة في مجلد وغير ذلك أخذ النحو يجرجان عن أبي الحسين محمد بن الحسن الفارسي ابن أخت الشيخ أبي علي الفارسي وأخذ عنه علي بن أبي زيد الفصيحي وذكره السلفي في معجمه فقال دخل عليه لص وهو في الصلاة فأخذ جميع ما وجد والجرجاني ينظر إليه ولم يقطع صلاته وله نظم فمنه
( كبر على العقل لا ترضه ** ومل إلى الجهل ميل هائم )
( وعش حمارا تعش سعيدا ** فالسعد في طالع البهائم )
انتهى ملخصا
وفيها أبو عاصم الفضيلي الفقيه الفضيل بن يحيى الهروي شيخ أبى الوقت توفي في جمادي وله ثمان وثمانون سنة قاله في العبر وقال الاسنوي في ترجمة والد هذا أبو محمد اسمعيل بن الفضيل الهروى المعروف بالفضيلي نسبة إلى جد له يسمى الفضيل تصغير الفضل ذكره ابو نصر عبد الرحمن الهروى في تاريخ هراة فقال هو الفحل المقدم والإمام المقدم في فنون الفضل وأنواع العلم توفي سنة ثمان وثمانين وأربعمائة قال وهو والد الأمام أبي عاصم الصغير الهروي كذا نقله ابن الصلاح في طبقاته وانشد له
( تعود آيها المسكين صما ** فنعم جواب من آذاك ذاكا )
( وان عوفيت مما عبت فافتح ** بحمد للذي عافاك فاكا )
وذكر الذهبي أن أبا عاصم الفصيلى الفقيه واسمه الفضيل ممن توفي سنة إحدى وسبعين فإن كان كذلك فيكون الابن قد مات قبل والدة بنحو العشرين انتهى كلام الاسنوي قلت وعلى هذا فالأب جاوز المائة بلا ريب والله أعلم
وفيها أبو الفضل القومساني نسبه إلى قومسان من نواحي همذان محمد بن عثمان بن زبرك شيخ عصره بهمذان فضلا وعلما وجلالة وزهادة وتفننا في العلوم مات عن بضع وسبعين سنة روى عن علي بن أحمد بن عبدان وجماعة
وفيها محمد بن أبي عمران أبو الخير المرندي بفتحتين وسكون النون ومهملة نسبة إلى مرند بلد باذربيجان الصغار آخر أصحاب الكشميهني ومن به ختم سماع البخاري عاليا ضعفه ابن طاهر
سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة
فيها توفي أبو علي الحسن بن عبد الرحمن لشافعي المكي الحناط المعدل روى عن احمد بن فراس العبقسي وعبيد الله بن أحمد السفطي وتوفي في ذي القعدة
وفيها محمد بن أبي مسعود عبد العزيز بن محمد أبو عبد الله الفارسي ثم الهروي روى جزء أبي الجهم وغير ذلك عن أبي محمد السريجي في شوال
وفيها أبو منصور العكبري محمد بن محمد بن أحمد الأخباري النديم عن تسعين سنة وهو صدوق روى عن محمد بن عبد الله الجعفي وهلال الحفار وطائفة وتوفي في شهر رمضان
وفيها هياج بن عبيد الزاهد القدوة أبو محمد الحطيني نسبة إلى جدكان حطيبا قال هبة الله الشيرازي أما هياج الزاهد الفقيه ما رأت عيناي مثله في الزهد والورع وقال ابن طاهر بلغ من زهده انه يوالي ثلاثة أيام لكن يفطر على ماء زمزم فإذا كان اليوم الثالث من أتاه بشيء أكله وكان قد نيف على الثمانين وكان يعتمر في كل يوم ثلاث عمر على رجليه ويدرس عدة دروس لأصحابه وكان يزور النبي صلى الله عليه وسلم في كل سنة من مكة حافيا ذاهبا وراجعا روى عن أبي ذر الهروي وطائفة وقال السخاوي في طبقاته هياج ابن عبيد بن الحسين أبو محمد الفقيه الحطيني الزاهد المقيم بالحرم كان أوحد عصره في الزهد والورع وكان يصوم ويفطر بعد ثلاث ولم يكن يدخر شيئا ولا يملك غير ثوب واحد وكان يزور النبي صلى الله عليه وسلم في كل سنة
ماشيا حافيا وكذلك عبد الله بن عباس بالطائف ويأكل بمكة أكله وبالطائف أخرى ولم يلبس نعلا منذ دخل الحرم وأقام بالحرم نحو أربعين سنة لم يحدث بالحرم وإنما كان يحدث بالحل حين يخرج للأحرام بالعمرة وكان قد ناف على مائة سنة إستشهد بمكه في وقعة وقعت بين أهل السنة والرافضة فحمله أميرها محمد بن هاشم وضربه ضربا شديدا على كبر السن ثم حمل إلى منزله بمكه فمات قيل انه مات يوم الأربعاء بين الصلاتين انتهى ملخصا
سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة
فيها توفي أبو القسم الفضل بن عبد الله المحب الواعظ النيسابوري آخر أصحاب أبي الحسن الخفاف موتا روى عن العلوي وغيره
وفيها أبو الفتيان بن حيوس الأمير مصطفى الدولة محمد بن سلطان بن محمد بن حيوس بن محمد بن المرتضى بن محمد بن القسم بن عثمان اللغوي الشاعر المشهور كان يدعى بالأمير لأن أباه كان من أمراء العرب وهو من فحول الشعراء الشاميين المجيدين له ديوان شعر كبير لقى جماعة من الملوك والأكابر ومدحهم وأخذ جوائزهم وكان منقطعا إلى بني مرداس أصحاب حلب وله فيهم قصائد نفيسة وكان قد أثرى وحصلت له نعمة ضخمة من بني مرداس فبنى دارا بمدينة حلب وكتب على بابها من شعره
( دار بنيناها وعشنا بها ** في نعمة من آل مرداس )
( قوم نفوا بؤسي ولم يتركوا ** على للأيام من باس )
( قل لبني الدنيا ألا هكذا ** فليصنع الناس مع الناس )
ومن غرر قصائده السائرة قوله من قصيدة
( هو ذاك ربع المالكية فاربع ** وأسأل مصيفا عافيا عن مربع )
( واستسق للأمن الخوالي بالحمى ** غر السحائب واعتذر عن أدمعي )
( فلقد فنين أمام دان هاجر ** في قربه ووراء ناء مزمع )
( لو تخبر الركبان عني حدثوا ** عن مقلة عبري وقلب موجع )
( ردى لنا زمن الكثيب فأنه ** زمن متى يرجع وصالك يرجع )
( لو كنت عالمة بأدنى لوعة ** لرددت أقصى نيلك المسترجع )
( بل لو قنعت من الغرام بمظهر ** عن مضمر بين الحشا والأضلع )
( أغنيت أثر تعتب ووصلت عقب تجنب وبذلت بعد تمنع ** )
( ولو إنني أنصفت نفسي صنتها ** عن أن أكون كطالب لم ينجع )
( إني دعوت ندى الكرام فلم يجب ** فلأشكرن ندى أجاب وما دعى )
( ومن العجائب والعجائب جمة ** شكرى بطئ عن ندى متسرع )
وله بيت مفرد في شرف الدولة سالم بن قريش
( أنت الذي نفق الثناء بسوقه ** وجرى الندى بعروقه قبل الدم )
ولما وصل ابن الخياط الشاعر إلى حلب كتب لأبي الفتيان المذكور
( لم يبق عندي ما يباع بدرهم ** كفاك مني منظري عن مخبري )
( إلا بقية ماء وجه صنتها ** عن أن تباع وقد وجدتك مشتري )
( فقيل له لو قال وأنت نعم المشتري كان أحسن وكانت ولادة ابن حيوس يوم السبت سلخ صفر سنة أربع وسبعين وثلثمائة فيكون عمر تسعة وتسعين سنة وهو شيخ ابن الخياط الشاعر المشهور وحيوس بالحاء المهملة والياء التحتية المشددة وفي شعراء المغاربة ابن حبوس بالباء الموحدة
سنة أربع وسبعين وأربعمائة
فيها توفي أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجيبي القرطبي بالمرية في رجب عن إحدى وسبعين سنة روى عن يونس بن عبد الله بن مغيث ومكى بن أبي طالب وجاور ثلاثة أعوام ولازم أبا ذر الهروي وكان يمضي معه إلى السراة ثم رحل إلى بغداد والى دمشق وروى عن عبد الرحمن
ابن الطيوري وطبقته بدمشق وابن غيلان وطبقته ببغداد وتفقه علي أبي الطيب الطبري وجماعة وأخذ الكلام بالموصل عن أبي جعفر السمناني وسمع الكثير وبرع في الحديث والفقه والأصول والنظر ورد إلى وطنه بعد ثلاث عشرة سنة بعلم جم مع الفقر والقناعة كان يضرب ورق الذهب للغزل ويعقد الوثائق ثم فتحت عليه الدنيا وأجزلت صلاته وولى قضاء أماكن وصنف التصانيف الكثيرة قال أبو علي بن سكرة ما رأيت أحدا على سمته وهيئته وتوقير مجلسه قاله في العبر وقال ابن خلكان كان من علماء الأندلس وحفاظها سكن شرق الأندلس ورحل إلى المشرق سنة ست وعشرين وأربعمائة فأقام بمكة مع أبي ذر الهروى ثلاثة أعوام وحج فيها أربع حجج ثم رحل إلى بغداد وأقام بها ثلاثة أعوام يدرس الفقه ويملي الحديث ولقى بها سادة من العلماء كأبي الطيب الطبري وأبي إسحق الشيرازي وأقام بالموصل مع أبي جعفر السمناني عاما يدرس عليه الفقه وكان مقامه بالمشرق نحو ثلاثة أعوام وروى عن الحافظ أبي بكر الخطيب وروى الخطيب أيضا عنه وقال أنشدني أبو الوليد الباجي لنفسه
( إذا كنت أعلم علما يقينا ** بأن جميع حياتي كساعه )
( فلم لا أكون ضنينا بها ** واجعلها في صلاح وطاعه )
وصنف كتبا كثيرة منها التعديل والتجريح فيمن روى عنه البخاري في الصحيح وغير ذلك وممن أخذ عنه أبو عمر بن عبد البر صاحب الاستيعاب وبينه وبين ابن حزم الظاهري مناظرات ومجالس
انتهى ملخصا وقال ابن ناصر الدين أنكروا عليه في قصة حديثه الكتابة وشنعوا عليه ذلك وقبحوا عند العامة جوابه وقال قائلهم
( برئت ممن شرى دنيا بآخرة ** وقال أن رسول الله قد كتبا )
انتهى
وفيها أبو القسم بن البسري علي بن أحمد البغدادي البندار قال أبو سعد السمعاني كان صالحا ثقة فهما ورعا مخلصا عالما سمع المخلص وجماعة وأجاز له ابن بطة ونصر المرجى وكان متواضعا حسن الأخلاق ذا هيبة ووقار توفي في سادس رمضان
وفيها وجزم ابن رجب انه توفي في التي قبلها علي بن محمد بن الفرج بن إبراهيم البزار الحنبلي المعروف بابن أخي نصر العكبري ذكره ابن الجوزى في الطبقات وقال سمع من أبي علي بن بابشاد والحسن بن شهاب العكبري وكان له تقدم في القرآن والحديث والفقه والفرائض وجمع إلى ذلك النسك والورع وذكر ابن السمعاني نحو ذلك ثم قال كان فقيه الحنابلة بعكبرا والمفتي بها وكان خيرا ورعا متزهدا ناسكا كثير العبادة وكان له ذكر شائع في الخير ومحل رفيع عند أهل بلده وروى عنه إسماعيل بن السمرقندي وأخوه وغيرهما
وفيها أبو بكر محمد بن المزكي أبي زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد النيسابوري المزكي المحدث من كبار الطلبة كتب عن خمسمائة نفس وأكثر عن أبيه وأبي عبد الرحمن السلمي والحاكم وروى عنه الخطيب مع تقدمه وتوفي في رجب رحمه الله
وفيها وجزم ابن خلكان وابن الأهدل انه في التي قبلها قال ابن الأهدل وفي سنة ثلاث وسبعين أبو الحسن علي بن محمد الصليحي القائم باليمن كان أبوه قاضيا باليمن سيء العقيدة وكان الداعي عامر بن عبد الله الرواحي يتردد إليه لرياسته وصلاحه فاستمال الداعي ولده المذكور وهو دون البلوغ قيل انه رأى حليته في كتاب الصور وتنقل حاله وما يؤول إليه وهو عندهم من الذخائر القديمة المظنونة فاطلعه على ذلك وكتمه عن أبيه وأهله ومات الرواحي على القرب من ذلك وأوصى له بكتبه فعكف على درسها مع فطنته فلم يبلغ الحلم حتى تضلع من علوم الباطنية الضلالية الأوهامية الإسمعيلية متبصرا في علم التأويل
المخالف لمفهوم التنزيل ثم صار يحج بالناس دليلا في طريق السررات والطائف خمس عشرة سنة وشاع في الناس أنه يملك اليمن بأسره وكان يكره من يقول له ذلك فلما كان سنة تسع وعشرين وأربعمائة ارتقى جبل مسور وهو أعلى جبال اليمن ذروة ومعه ستون رجلا قد حالفهم بمكة على الموت فلما صعده لم ينتصف النهار حتى أحاط به عشرون ألف ضارب وقالوا أن نزلت وألا قتلناك بالجوع فقال لهم لم أفعل ذلك إلا خشية أن يركبه غيرنا ويملكونكم فإن تركتموني وإلا نزلت فانصرفوا عنه فبنى فيه بعد هذا واستعد بأنواع العدة واستفحل أمره وكان يدعو للمنتصر العبيدي الباطني صاحب مصر خفية ويخاف من نجاح صاحب تهامة اليمن ويداريه حتى قتله بالسم مع جارية جميلة أهداها له بالكدراء ثم استأذن المنتصر في إظهار الدعوة فأذن له فطوى البلاد وافتتح الحصون سريعا وقال في خطبته في جامع الجند في مثل هذا اليوم يخطب على منبر عدن ولم يكن ملكها بعد فقال بعض من حضر سبوح قدوس فالله أعلم قالها استهزاءا أو تعظيما وكلا الأمرين لا ينبغي وان كان أحدهما أهون من الآخر فكان كما قال فقام ذلك الإنسان وغلا في القول ودخل في بيعته ومذهبه واستقر ملكه في صنعاءوولى حصون اليمن غير أهلها وحلف أن لا يولى تهامة الامن وزن له مائة ألف دينار فوزنتها زوجته أسماء بنت شهاب عن أخيها سعد بن شهاب فولاه وقال يا مولاتنا أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فتبسم وقال هذه بضاعتنا ردت إلينا وعزم على الحج في سنة ثلاث وسبعين في ألفي فارس منهم من آل الصليحي مائة وستون شخصا واستخلف ولده أحمد المكرم فنزل بقرب المهجم بضيعة تسمى أم البهم وبئر أم معبد فهجمه سعيد الاحول بن نجاح الذي كان قتله بالسم ولم يشعر عسكره ونواحي جيشه إلا وقد قتل فانزعوا وفزعوا وكان أصحاب الأحول سبعين رجلا رجالة بيد كل واحد منهم جريدة في رأسها مسمار حديد تركوا جادة الطريق وسلكوا
الساحل فوصلوا في ثلاثة أيام وكان الصليحي قد سمع بهم وأرصد لهم نحو خمسة آلاف من الحبشة فاختلف طريقهم ولما رآهم الصليحي مع ما هم فيه من التعب والجوع والحفاء ظن أنهم من جملة عسكره فقال له أخوه اركب فهذا والله الأحول فلم يبرح الصليحي من مكانه حتى وصل إليه الأحول فقتله وقتل أخاه وسائر الصليحيين وصالح بقية العسكر وقال إنما أخذت بثأرى ثم رفع راس الصليحي على رأس عود المظلمة وقرأ القارئ { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء } الآية ورجع الأحول إلى زبيد سالما غانما وكان قد قام بالدعوة الباطنية قبل الصليحي علي بن فضل من ولد جنفر بن سبأ سنة سبعين ومائتين وملك تهامة وجبالها وطرد الناصر بن الهادي والله أعلم انتهى ما أورده ابن الأهدل اليمنى في تاريخه
وفيها قتيبة العثماني أبو رجا النسفي قتيبة بن محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان كان حافظا مشهورا قاله ابن ناصر الدين
سنة خمس وسبعين وأربعمائة
فيها توفي محدث أصبهان ومسندها عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد ابن اسحق بن مندة أبو عمرو والعبدي الاصبهاني الثقة المكثر سمع أباه وأبا خرشيد قوله وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها محمد بن أحمد بن علي السمسار أبو بكر الأصبهاني روى عن إبراهيم ابن خرشيد قوله وجماعة ومات في شوال وله مائة سنة وروى عنه خلق كثير
وفيها أبو الفضل المطهر بن عبد الواحد البراني الاصبهاني توفي فيها أوفى حدودها روى عن ابن المرزبان الابهري جزء لوين وعن ابن منده وابن خرشيد قوله
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن ثابت النابتي الخرقي منسوب إلى خرق بخاء معجمة مفتوحة ثم راء ساكنة بعدها قاف قرية من قرى فرد المعروف بمفتي الحرمين تفقه أولا بمرو على البوراني ثم بمرو الروذ على القاضي الحسين ثم ببخارا على أبي سهل الابيوردى ثم ببغداد على الشيخ أبي اسحق الشيرازي وسمع الحديث وأسمع ثم حج وجاور بمكة سنة ثم رجع إلى وطنه وسكن قريته واشتغل بالزهد والفتوى إلى أن مات في شهر ربيع الأول
سنة ست وسبعين وأربعمائة
فيها عزم أهل حران وقاضيهم ابن جلبة الحنبلي على تسليم حران إلى جنق أمير التركمان لكونه سنيا وعصوا على مسلم بن قريش صاحب الموصل لكونه رافضيا ولكونه مشغولا بمحاصرة دمشق مع المصريين كانوا يحاصرون بها تاج الدولة تنش فأسرع إلى حران ورماها بالمجانيق وأخذها وذبح القاضي وولديه رحمهم الله تعالى قاله في العبر
وفيها توفي الشيخ أبو اسحق الشيرازي إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزا باذى الشافعي جمال الدين أحد الأعلام وله ثلاث وثمانون سنة تفقه بشيراز وقدم بغداد وله اثنتان وعشرون سنة فاستوطنها ولزم القاضي أبا الطيب إلى أن صار معيده في حلقته وكان انظر أهل زمانه وأفصحهم وأورعهم وأكثرهم تواضعا وبشرا وانتهت إليه رياسة المذهب في الدنيا روى عن أبي علي بن شاذان والبرقاني ورحل إليه الفقهاء من الاقطار وتخرج به أئمة كبار ولم يحج ولا وجب عليه لأنه كان فقيرا متعففا قانعا باليسير ودرس بالنظامية وله شعر حسن توفي في الحادي والعشرين من جمادى الآخرة قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبه قال الشيخ أبو اسحق كنت أعيد كل قياس ألف مرة فإذا فرغت أخذت قياسا آخر على هذا وكنت أعيد كل درس مائة مرة وإذا كان
في المسئلة بيت يستشهد به حفظت القصيدة التي فيها البيت وكانت الطلبة ترحل من الشرق والغرب إليه والفتاوي تحمل من البر والبحر إلى بين يديه قال رحمه الله لما خرجت في رسالة الخليفة إلى خراسان لم أدخل بلدا ولا قرية إلا وجدت قاضيها أو خطيبها أو مفتيها من تلامذتي وبنيت له النظامية ودرس بها إلى حين وفاته ومع هذا فكان لا يملك شيئا من الدنيا بلغ به الفقر حتى كان لا يجد في بعض الأوقات قوتا ولا لباسا وكان طلق الوجه دائم البشر كثير البسط حسن المجالسة يحفظ كثيرا من الحكايات الحسنة والأشعار وله شعر حسن قال أبو بكر الشاشي الشيخ أبو اسحق حجة الله تعالى على أئمة العصر وقال ابن السمعاني أن الشيخ أبا اسحق قال كنت نائما ببغداد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر فقلت يا رسول الله بلغني عنك أحاديث كثيرة عن ناقلي الأخبار وأريد أن أسمع منك خبرا أتشرف به في الدنيا وأجعله ذخيرة للآخرة فقال لي يا شيخ وسماني شيخا وخاطبني به وكان يفرح بهذا ثم قال قل عني من أراد السلامة فليطلبها في سلامة غيره وقد أخذ هذا المعنى بعضهم فنظمه في أبيات هي كالشرح لهذا الخبر فقال
( إذا شئت أن تحيا ودينك سالم ** وحظك موفور وعرضك صين )
( لسانك لا تذكر به عورة امرئ ** فعندك عورات وللناس ألسن )
( وعينك أن أبدت إليك معايبا ** لقوم فقل يا عين للناس أعين )
( وصاحب بمعروف وجانب من اعتدى ** وفارق ولكن بالتي هي أحسن )
وقال ابن الأهدل لما قدم الشيخ نيسابور رسولا من جهة المقتدر تلقاه الناس وحمل إمام الحرمين الغاشية بين يديه وناظره فغلبه الشيخ بقوة الجدل قيل له ما غلبتني إلا بصلاحك ولما شافهه المقتدر بالرسالة قال له وما يدريني أنك الخليفة ولم أرك قبلها فتبسم وطلب من عرفه به وتراكب الناس عليه في بلاد العجم حتى تمسحوا بأطراف ثيابه وتراب نعليه ومن شعره رضي الله عنه
( سألت الناس عن خل وفي ** فقالوا ما إلى هذا سبيل )
( تمسك أن ظفرت بود حر ** فإن الحر في الدنيا قليل )
وذكر النووي في تهذيبه أن الشيخ أبا اسحق كان طارحا للتكلف وروى انه جىء بسؤال وهو عند دكان خباز أو بقال فأخذ قلمه ودواته وأجاب على السؤال ثم مسح بالقلم ثوبه وعلى الجملة فأنه ممن أطبق الناس على فضله وسعة علمه وحسن سمته وصلاحه مع القبول التام من الخاص والعام وقد أثنى عليه علماء وقته بما يطول شرحه وقال فيه عاصم بن الحسين
( تراه من الذكاء نحيف جسم ** عليه من توجده دليل )
( إذا كان الفتى ضخم المعاني ** فليس يضره الجسم النحيل )
وله مؤلفات كثيرة شهيرة نافعه رحمه الله تعالى
وفيها أبو الوفاء طاهر بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن القواس البغدادي الفقيه الحنبلي الزاهد الورع ولد سنة تسعين وثلثمائة وقرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وسمح الحديث من هلال الحفار وأبي الحسين بن بشران وغيرهم وتفقه أولا على القاضي أبي الطيب الطبري الشافعي ثم تركه وتفقه على القاضي أبي يعلى ولازمه حتى برع في الفقه وأفتى ودرس وكانت له حلقة بجامع المنصور للفتوى والمناظرة وكان يلقي المختصرات من تصانيف شيخة القاضي أبي يعلي ويلقى مسائل الخلاف درسا وكان إليه المنتهى في العبادة والزهد والورع وذكره ابن السمعاني في تاريخه فقال من أعيان فقهاء الحنابله وزهادهم كان قد أجهد نفسه في الطاعة والعبادة واعتكف في بيت الله خمسين سنة وكان يواصل الطاعة ليله بنهاره وكان قارئا للقرآن فقيها ورعا خشن العيش
انتهى وكانت له كرامات ظاهرة ذكر ابن شافع في ترجمة صاحبه أبي الفضل ابن العالمة الاسكاف المقرئ انه كان يحكي من كرامات الشيخ أبي الوفاء أشياء عجيبة منها أنه قال كنت أحمل معي رغيفين كل يوم فأعبر يعني في السفينة
برغيف وأمشي إلى مسجد الشيخ فأقرأ ثم اعود ماشيا إلى ذلك الموضع فأنزل بالرغيف الآخر فلما كان يوم من الأيام أعطيت الملاح الرغيف فرمى به واستقله فألقيت إليه الرغيف الآخر وتشوش قلبي لما جرى وجئت إلى الشيخ فقرأت عليه عادتي وقمت على العادة فقال لي قف ولم تجر عادته قط بذلك ثم أخرج من تحت وطائه قرصا فقال أعبر بهذا
وفيها عبد الله بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة البغدادي ثم الحراني الخراز أبو الفتح قاضي حران اشتغل ببغداد وتفقه بها على القاضي أبي يعلى وسمع الحديث من البرقاني وأبي طالب العشاري وأبي علي بن شاذان وغيرهم ثم استوطن حران وصحب بها الشريف أبا القسم الزيدي وأخذ عنه وتولى بها القضاء قال عنه ابن السمعاني كان فقيها واعظا فصيحا وقال ابن أبي يعلى كان يلي قضاء حران من قبل الوالد كتب له عهدا بولاية القضاء بحران وكان ناشر للمذهب داعيا إليه وكان مفتي حران وواعظها وخطيبها ومدرسها وقال ابن رجب له تصانيف كثيرة وسمع منه جماعة منهم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي ومكي الدميلي وغيرهما وفي زمانه كانت حران لمسلم بن قريش صاحب الموصل وكان رافضيا فعزم القاضي أبو الفتج على تسليم حران إلى حبق أمير التركمان لكونه سنيا فأسرع ابن قريش إلى حران وحصرها ورماها بالمجانيق وهدم سورها وأخذها ثم قتل القاضي أبا الفتح وولديه وجماعة من أصحابه وصلبهم على السور وقبورهم بحران تزار رحمه الله عليهم وذكر ابن تيميه في شرح العمدة أن أبا الفتح بن جلبة كان يختار استحباب مسح الأذنين بماء جديد بعد مسحهما بماء الرأس وهو غريب جدا
وفيها أبو محمد عبد الله بن عطاء بن عبد الله بن أبي منصور بن الحسن ابن إبراهيم الإبراهيمي الهروي المحدث الحافظ أحد الحفاظ المشهورين الرحالين سمع بهراة من عبد الواحد المليحي وشيخ الإسلام الأنصاري
وبيوشنج من أبي الحسن الداودي وبنيسابور من أبي القسم القشيري وجماعة وببغداد من ابن النقور وطبقته وبأصبهان من عبد الوهاب وعبد الرحمن ابني منده وجماعة وكتب بخطه الكثير وخرج التاريخ للشيوخ وحدث وروى عنه أبو محمد سبط الخياط وابن الزعفراني وآخر من روى عنه أبو المعالي بن النحاس ووثقة طائفة منهم المؤتمن الساجي وقال شهردار الديلمي عنه كان صدوقا حافظا متقنا واعظا حسن التذكير وقد تكلم فيه هبة الله السقطي والسقطي مجروح لا يقبل قوله وقد رد قوله ابن السمعاني وابن الجوزى وغيرهما وتوفي في طريق مكة بعد عوده منها على يومين من البصرة
وفيها أبو الخطاب علي بن أحمد بن عبد الله المقرئ الصوفي المؤدب البغدادي ولد سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة وقرأ علي أبي الحسن الحمامي وغيره بالسبع وقرأ عليه خلق كثير منهم أبو الفضل بن المهتدي وروى عنه الحديث أبو بكر بن عبد الباقي وغيره وله مصنف في السبعة وقصيدة في السنة وقصيدة في عدد الآي وكان من شيوخ الاقراء ببغداد المشهورين ومن حنابلتها المجتهدين وكان سابقا شافعيا ثم رأى الأمام أحمد وسأله عن أشياء وأصبح وقد تحنبل وصنف في معتقدهم
وفيها أبو حليم الخبري نسبة إلى خبر بنواحي شيراز كان فقيها صالحا وكان يكتب في مصحف فألقى القلم من يده واستند وقال والله أن هذا هو موت هنى طيب ثم مات رحمه الله تعالى قاله ابن الأهدل
وفيها البكري أبو بكر المقرئ الواعظ م دعاة الأشعرية وفد على نظام الملك بخراسان فنفق عليه وكتب له سجلا أن يجلس بجوامع بغداد فقدم وجلس ووعظ ونال من الحنابلة سبا وتكفيرا ونالوا منه ولم تطل مدته قاله في العبر
وفيها أبو طاهر محمد بن أحمد بن محمد أبي الصقر اللخمي الانباري الخطيب في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة سمع بالحجاز والشام ومصر وأكبر مشايخه ابن أبي نصر التميمي
وفيها مقرئ الأندلس في زمانه أبو عبد الله محمد بن شريج الرعيني الاشبيلي المقرئ مصنف كتاب الكافي و كتاب التذكير توفي في شوال وله أربع وثمانون سنة وقد حج وسمع من أبي ذر الهروي وجماعة
سنة سبع وسبعين وأربعمائة
فيها توفي إسماعيل بن مسعدة بن إسماعيل بن الأمام أبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي الجرجاني أبو القسم صدر عالم نبيل وافر له يد في النظم والنثر روى عن حمزة السهمي وجماعة وعاش سبعين سنة وروى الكامل لابن عدي
وفيها بيي بنت عبد الصمد بن علي أم الفضل وأم عربي الهرثمية الهروية لها جزء مشهور ترويه عن عبد الرحمن بن أبي شريح توفيت في هذه السنة اوفي التي بعدها وقد استكملت تسعين سنة
وفيها أبو سعد عبد الله بن الأمام عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري أكبر الاخوة في ذي القعدة وله أربع وستون سنة روى عن القاضي أبي بكر الحيري وجماعة وعاشت أمه فاطمة بنت أبي علي الدقاق بعده أربعة أعوام قال ابن لأهدل الأمام الكبير البارع أبو سعيد كانت فيه أوصاف قل أن يحتويها إنسان أو يعبر عنها لسان وكان أبوه يحترمه ويعامله معاملة الأقران لما ظهر له منه
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن عفيف البوشنجي آخر أصحاب عبد الرحمن ابن أبي شريح موتا وهو من كبار شيوخ أبي الوقت
وفيها أبو نصر بن الصباغ عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي الشافعي أحد الأئمة ومؤلف الشامل كان نظير الشيخ أبي اسحق ومنهم من يقدمه على أبي اسحق في نقل المذهب وكان ثبتا حجة دينا خيرا ولي النظامية بعد أبي اسحق ثم كف بصره وروى عن محمد بن الحسين القطان وأبي علي بن شاذان وكان مولده في سنة أربعمائة توفي في جمادى الأولى ببغداد ودفن في داره قاله في العبر وقال ابن شهبة كان ورعا نزها ثبتا صالحا زاهدا فقيها أصوليا محققا قال ابن عقيل كملت له شرائط الاجتهاد المطلق وقال ابن خلكان كان ثبتا صالحا له كتاب الشامل وهو من أصح كتب أصحابنا وأتقنها أدلة قال ابن كثير وكان من أكابر أصحاب الوجوه ومن تصانيفه كتاب الكامل في الخلاف بيننا وبين الحنفية و كتاب الطريق السالم والعمدة في أصول الفقه
وفيها أبو علي الفارمذي بفتح الفاء والراء والميم ومعجمة نسبة إلى فارمذ قرية بطوس الفضل بن محمد الزاهد شيح خراسان قال ابن عبد الغافر هو شيخ الشيوخ في عصره المنفرد بطريقته في التذكير التي لم يسبق إليها في عبارته وتهذيبه وحسن آدابه ومليح إستعارته ورقة الفاظه دخل نيسابور وصحب القشيري وأخذ في الاجتهاد البالغ إلى أن قال وحصل له عند نظام الملك خارج عن الحد روى عن أبي عبد الله بن باكويه وجماعة وعاش سبعين سنة توفي في ربيع الآخر قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقات الأولياء كان عالما شافعيا عارفا بمذاهب السلف ذا خبرة بمناهج الخلف وأما التصوف فذاك عشه الذي منه درج وغابه الذي ألفه ليثه ودخل وخرج تفقه على الغزالي الكبير وأبي عثمان الصابوني وغيرهما وأخذ عنه حجة الإسلام وجد واجتهد وكان ملحوظا من القشيري بعين العناية موفرا عليه منه طريق الهداية حتى فتح عليه لوامع من أنواع المجاهدة وصار من مذكورى الزمان ومشهورى المشايخ وكان لسان الوقت وقال السمعاني كان لسان خراسان وشيخها وصاحب
الطريقة الحسنة في تربية المريدين وكان مجلس وعظه روضة ذات أزهار
وفيها محمد بن عمار أبو بكر المهري ذو الوزارتين شاعر الأندلس كان هو وابن زيدون كفرسي رهان وكان ابن عمار قد اشتمل عليه المعتمد وبلغ الغاية إلى أن استوزره ثم جعله نائبا على مرسية فخرج عليه ثم ظفر به المعتمد فقتله قال ابن خلكان وكانت ملوك الأندلس تخاف ابن عمار لبذاءة لسانه وبراعة احسانه لا سيما حين اشتمل عليه المعتمد على الله بن عباد صاحب غرب الأندلس وأنهضه جليسا وسميرا وقدمه وزيرا ومشيرا ثم رجع إليه خاتم الملك ووجهه أميرا وقداتي عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا فتبعته المواكب والمضارب والجنائب والنجائب والكتائب وضربت خلفه الطبول ونشرت على رأسه الرايات والبنود فملك مدينة تدمير واصبح راقي منبر وسرير مع ما كان فيه من عدم السياسة وسوء التدبير ثم وثب على مالك رقة ومستوجب شكره ومستحقه فبادر إلى عقوقه وغش حقوقه فتحيل المعتمد عليه وسدد سهام المكايد إليه حتى حصل في يده قنيصا وأصبح لا يجد له محيطا إلى أن قتله المعتمد بيده ليلا في قصره بمدينة إشبيلية وكانت ولادته في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة ولما قتله المعتمد رثاه صاحبه ابن وهبون الأندلسي بقوله من جملة قصيدة
( عجبا له ابكيه ملء مدامعي ** وأقول لا شلت يمين القاتل )
ومن مشاهير قصائد ابن عمار
( ادر الزجاجة فالنسيم قد انبرى ** والنجم قد صرف العنان عن السرى )
( والصبح قد أهدى لنا كافوره ** لما استرد الليل منا العنبرا )
ومن مديحها وهي في المعتمد بن عباد
( ملك إذا ازدحم الملوك بمورد ** ونحاه لا يردون حتى يصدرا )
( اندى على الأكباد من قطر الندى ** وألذ في الأجفان من سنة الكرى )
( قداح زند المجد لا ينفك عن ** نار الوغى إلا إلى نار القوى )
ومن جملة ذنوبه عند المعتمد بيتان هجاه وهجا ابنه المعتضد بهما وهما
( مما يقبح عندي ذكر أندلس ** سماع معتضد فيها ومعتمد )
( أسماء مملكة في غير موضعها ** كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد )
وكان أقوى الأسباب على قتله انه هجاه بشعر ذكر فيه أم بنيه المعروفة بالرميكية منها
( تخيرها من بنات الهجان ** رميكية لا تساوي عقالا )
( فجاءت بكل قصير الذراع ** لئيم النجادين عما وخالا )
وهذه الرميكية كانت سرية المعتمد اشتراها من رميك بن حجاج فنسبت إليه وكان قد اشتراها في أيام أبيه المعتضد وأفرط في الميل إليها وغلبت عليه وأسمها اعتماد وهي التي أغرت المعتمد على قتل ابن عمار لكونه هجاها
وفيها مسعود بن ناصر الشحري أبو سعيد الركاب الحافظ رحل وصنف وحدث عن أبي حسان المزكي وعلي بن بشر بن الليثي وطبقتهما ورحل إلى بغداد وأصبهان قال الدقاق ولم أر أجود اتقانا ولا أحسن ضبطا منه توفي بنيسابور في جمادى الأولى
سنة ثمان وسبعين وأربعمائة
فيها أخذ الأدقيش لعنه الله مدينة طليطلة من الأندلس بعد حصار سبع سنين فطغى وتمرد وحملت إليه ملوك الأندلس الضريبة حتى المعتمد بن عباد ثم استعان المعتمد على حربه بالملثمين وأدخلهم الأندلس
وفيها توفي أبو العباس العذري احمد بن عمر بن أنس بن دلهاث الاندلسي الدلائي ودلايه من عمل المرية كان حافظا محدثا متقنا مات في شعبان وله خمس وثمانون سنة حج سنة ثمان وأربعمائة مع أبويه فجاوروا ثمانية أعوام
وصحب هو أبا ذر فتخرج به وروى عن أبي الحسن بن جهضم وطائفة ومن جلالته أن امامي الأندلس ابن عبد البر وابن حزم رويا عنه وله كتاب دلائل النبوة
وفيها أبو سعد المتولي عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري شيخ الشافعية وتلميذ القاضي الحسين وهو صاحب التتمة تمم به الإبانة لشيخه أبي القسم الفوراني تفقه بمرو علي الفوراني وبمرو الروذ علي القاضي حسين وببخارا علي أبي سهل الابيوردي وبرع في الفقه والأصول والخلاف قال الذهبي كان فقيها محققا وحبرا مدققا وقال ابن كثير هو أحد أصحاب الوجوه في المذهب وصنف التتمة ولم يكمله وصل فيه إلى القضاء وأكمله غير واحد ولم يقع شيء من تكملتهم على نسبته وصنف كتابا في أصول الدين و كتابا في الخلاف ومختصرا في الفرائض ومولده بنيسابور سنة ست وقيل سبع وعشرين وأربعمائة وتوفي ببغداد في شوال قال ابن خلكان ولم أقف على المعنى الذي سمى به المتولى
وفيها أبو المعالي أحمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني الحنبلي المحدث سمع الكثير وطلب بنفسه وكتب بخطه قال أبو علي البرداني كان همته جمع الحديث وطلبه حدث باليسير عن أحمد بن عمر بن الأحصر وأبي الحسين العكبري وغيرهم وروى عنه البرداني وقال انه مات ليلة الثلاثاء مستهل المحرم
وفيها أبو معشر الطبري عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان المقرئ نزيل مكة وصاحب كتاب التلخيص صلى الله عليه وسلم وغيره قرأ بحران على أبي القسم الزيدي وبمكة على الكارزيني وبمصر على جماعة وروى عن أبي عبد الله ابن نظيف وجلس للأقراء بمكة
وفيها إمام الحرمين أبو المعالي الجويني عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الفقيه الشافعي ضياء الدين أحد الأئمة الأعلام قال ابن الأهدل تفقه على والده في صباه واشتغل به مدته فلما توفي والده أتى على جميع مصنفاته
ونقلها ظهرا لبطن وتصرف فيها وخرج المسائل بعضها على بعض ولم يرض بتقليد والده من كل وجه حتى أخذ في تحقيق المذهب والخلاف وسلك طريق المباحثة والمناظرة وجمع الطرق بالمطالعة حتى أربى على المتقدمين وأنسى مصنفات الأولين توفي والده وهو دون العشرين سنة فأقعد مكانه للتدريس وكان يتردد إلى المشايخ في أنواع العلوم حتى ظهرت براعته ولما ظهر التعصب بين الأشعرية والمبتدعة خرج مع المشايخ الى بغداد فلقى الأكابر وناظر فظهرت فطنته وشاع ذكره ثم خرج إلى مكة فجاور بها أربع سنين ينشر العلم ولهذا قيل له إمام الحرمين ثم رجع بعد مضى نوبة التعصب إلى نيسابور في ولاية ألب أرسلان السلجوقي ثم قدم بغداد فتولى تدريس النظامية والخطابة والتذكير والإمامة وهجرت له المجالس وانغمر ذكر غيره من العلماء وشاعت مصنفاته وبركاته وكان يقعد بين يديه كل يوم نحو ثلثمائة رجل من الطلبة والائمة وأولاد الصدور وحصل له من القبول عند السلطان ما هو لائق بمنصبه بحيث لا يذكر غيره والمقبول من انتمى إليه وقرأ عليه وصنف النظامي والغياثي فقوبل بمل يليق به من الشكر والخلع الفائقة والمراكب الثمينة ثم قلد رعاية الأصحاب ورياسة الطائفة وفوض إليه أمر الأوقاف وسار إلى أصبهان بسبب مخالفة الأصحاب فقابله نظام الملك بما هو لائق بمنصبه وعاد إلى نيسابور وصار أكثر عنايته بنهاية المطلب في دراية المذهب وأودعه من التدقيق والتحقيق ما تعلم به مكانته من العلم والفهم واعترف أهل وقته بأنه لم يصنف في المذهب مثله وصنف الشامل في أصول الدين والإرشاد والعقيدة النظامية وغياث الأمم في الإمامة ومغيث الخلق في اختيار الأحق والبرهان في أصول الفقه وغيرها وكان مع رفعة قدره وجلالته له حظ وافر من التواضع فمن ذلك انه لما قدم عليه أبو الحسن المجاشعي تلمذ له وقرأ عليه كتاب اكسير الذهب في صناعة الأدب من تصنيفه وقد تقدم انه حمل بين يدي
الشيخ أبي اسحق الغاشية وقد أثنى عليه علماء وقته بما يطول شرحه من ذلك قول الشيخ أبي اسحق تمتعوا بهذا الأمام فأنه نزهة هذا الزمان وقال له في أثناء كلامه با مفيد أهل المشرق والمغرب أنت إمام الأئمة اليوم وقال المجاشعي ما رأيت عاشقا للعلم في أي فن كان مثل هذا الأمام وكان لا يستصغر أحدا حتى يسمع كلامه ولا يستنكف أن يغدو الفائدة إلى قائلها ويقول استفدتها من فلان وإذا لم يرض كلامه زيفه ولو كان اباه وقال في اعتراض على والده وهذه زلة من الشيخ رحمه الله وكان إذا شرع في حكايات الأحوال وعلوم الصوفية ومجلس الوعظ والتذكير بكى طويلا حتى يبكي غيره لبكائه وربما زعق ولحقه الاحتراق العظيم لا سيما إذا أخذ في التفكر وسمع الحديث من جماعة كثيرة وأجاز له أبو نعيم صاحب الحلية وسمع سنن الدار قطني من ابن عليك وكان يعتمد تلك الأحاديث في مسائل الخلاف ويذكر الجرح والتعديل في الرواية وروى أن والده في ابتداء أمره كان ينسخ بالأجرة حتى اجتمع له شيء فاشترى به جارية صالحة ووطئها فلما وضعت أمام الحرمين أوصاها أن لا ترضعه من غيرها فأرضعته يوما جارة لهم فاجتهد الشيخ في تقييئها حتى تقايأها وكان ربما لحقته فترة بعد إمامته فيقول لعل هذه من بقايا تلك الرضعة ولما مات لحق الناس عليه ما لا يعهد لغيره وغلقت أبواب البلد وكشفت الرءوس حتى ما اجترأ أحد من الأعيان يغطى رأسه وصلى عليه ولده أبو القسم بعد جهد عظيم من الزحام ودفن في داره بنيسابور ثم نقل بعد سنين إلى مقبرة الحسين وكسر منبره في الجامع وقعد الناس للعزاء أياما وكان طلبته نحو أربعمائة يطوفون في البلد نائحين عليه وكان عمره تسعا وخمسين سنة وآثاره في الدين باقية وان انقطع نسله ظاهرا فنشر علمه يقوم مقام كل نسب ومن كلامه في كتابه الرسالة النظامية اختلف مسالك العلماء
في هذه الظواهر فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في أي الكتاب وما يصح من السنن وذهب أئمة السلف إلى الاكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على موادرها وتفويض معانيها إلى الرب قال والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند الشريعة وقد درج صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام والمستقلون بأعباء الشريعة وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها فلو كان تأويل هذه الظواهر مشروعا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصرهم على الاضراب عن التأويل كان ذلك هو الوجه المتبع فحق على كل ذي دين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدثين ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها إلى الرب فليجر آية الاستواء والمجيء وقوله { لما خلقت بيدي } { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } وقوله { تجري بأعيننا } وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا انتهى بحروفه ومن شعر أبي المعالي
( نهاية أقدام العقول عقال ** وغاية آراء الرجال ضلال )
( وأرواحنا في وحشة من جسومنا ** وغاية دنيانا أذى ووبال )
وذكر المناوي في شرحه على الجامع الصغير ما نصه وقال السمعاني في الذيل عن الهمداني سمعت أبا المعالي يعني إمام الحرمين يقول قرأت خمسين آلفا في خمسين آلفا ثم حلبت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الظاهرة وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه كل ذلك في طلب الحق وهو يأمن التقليد والآن رجعت من العمل إلى كلمة الحق عليكم بدين العجائز فإن لم يدركني الحق بلطفه وأموت على دين العجائز وتختم عاقبة أمري على
الحق وكلمة الإخلاص وألا فالويل لابن الجويني انتهى بحروفه فرحمه الله ورضى عنه
وفيها أبو علي بن الوليد شيخ المعتزلة محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد الكرخي وله اثنتان وثمانون سنة أخذ عن أبي الحسين البصري وغيره وبه انحرف ابن عقيل عن السنة قليلا وكان ذا زاهد وورع وقناعة وتعبد وله عدة تصانيف ولما افتقر جعل ينقض داره ويبيع خشبها ويتقوت وكانت من حسان الدور ببغداد قاله في العبر
وفيها قاضي القضاة أبو عبد الله الدامغاني محمد بن علي بن محمد الحنفي تفقه بخراسان ثم ببغداد على القدورى وسمع من الصورى وجماعة وعاش ثمانين سنة وكان نظير القاضي أبي يوسف في الجاه والحشمة والسؤدد وبقي في القضاء دهرا ودفن في القبة إلى جانب الأمام أبي حنيفة رحمهما الله تعالى
وفيها مسلم الملك شرف الدولة أبو المكارم بن الملك أبي المعالي قريش بن بدران بن مقلد العقيلي صاحب الجزيرة وخلب وكان رافضيا اتسعت ممالكه ودانت له العرب وطمع في الاستيلاء على بغداد عند موت طفرلبك وكان شجاعا فاتكا مهيبا ذاهبية ماكرا التقي هو والملك سلمان بن قتلمش السلجوقي صاحب الروم على باب إنطاكية فقتل في المصاف
سنة تسع وسبعين وأربعمائة
فيها كانت وقعة الزلاقة بين الأدفوش والمعتمد بن عباد ومعه الملثمون فأتوا الزلاقة من عمل بطليوس فالتقى الجمعان فوقعت الهزيمة على الملاعين وكانت ملحمة عظيمة في أول جمعة من رمضان وجرح المعتمد عدة جراحات سليمة وطابت للملثمين فعمل أميرهم ابن تاشفين على ملكها
وفيها أعيدت الخطبة العباسية بالحرمين وقطعت خطبة العبيديين
وفيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء أرسل يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش إلى المعتمد أن يسلطنه وان يقلده ما بيده من البلاد فبعث إليه الخلع والاعلام والتقليد ولقبه بأمير المؤمنين ففرح بذلك وسربه فقهاء المغرب وهو الذي انشأ مدينة مراكش
وفيها توفي أبو سعد النيسابوري شيخ الشيوخ ببغداد أحمد بن محمد بن دوست كان كبير الحرمة في الدولة له رباط مشهور ومريدون وكان نظام الملك يعظمه
وفيها أبو القاسم اسمعيل بن زاهر النوقاني بالفتح والسكون كما قال السيوطي وبالضم كما قال الاسنوي نسبة إلى نوقان مدينة بطوس النيسابوري الشافعي الفقيه وله اثنتان وثمانون سنة روى عن أبي الحسن العلوي وعبد الله بن يوسف وابن محمش وطائفة ولقى ببغداد أبا الحسن بن بشران وطبقته وأملى وأفاد
وفيها طاهر بن محمد أبو عبد الرحمن الشحامي المستملى والدزاهرروى عن الحيري وطائفة وكان فقيها صالحا ومحدثا عارفا له بصر تام بالشروط توفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة
وفيها أبو علي التستري علي بن أحمد بن علي البصري السقطي راوي السنن عن أبي عمر الهاشمي
وفيها أبو الحسن علي بن فضال المجاشعي القيرواني صاحب المصنفات في العربية والتفسير توفي في ربيع الأول وكان من أوعية العلم تنقل بخراسان وصحب نظام الملك
وفيها أبو الفضل محمد بن عبيد الله الصرام النيسابوري الرجل الصالح روى عن أبي نعيم الاسفراييني وأبي الحسن العلوي وطبقتهما وتوفي في شعبان
وفيها مسند العراق أبو نصر الزبيني محمد بن محمد بن علي الهاشمي العباسي آخر أصحاب المخلص ومحمد بن عمر الوراق توفي في جمادى الآخرة وله اثنتان وتسعون سنة وأربعة أشهر وكان ثقة خيرا
وفيها القاضي أبو علي ناصر بن إسماعيل النوقاني الحاكم قال عبد الغافر كان فاضلا كبيرا من وجوه أصحاب الشافعي حسن الكلام في المناظرة درس سنين بنوقان وأجرى بها القضاء على وجهه وقتل بها شهيدا قاله الأسنوي
سنة ثمانين وأربعمائة
فيها توفي مقرئ الأندلس عبد الله بن سهل الأنصاري المرسي اخذ القراءات عن أبي عمر الطلمنكي وأبي عبد الله محمد بن سفيان ومكي وجماعة
وفيها شافع بن صالح بن حاتم بن أبي عبد الله الجيلي أبو محمد قدم بغداد بعد الثلاثين وأربعمائة وسمع من أبي علي بن المذهب والعشارى وابن غيلان والقاضي أبي يعلى وعليه تفقه وكتب معظم تصانيفه في الأصول والفروع ودرس الفقه بمسجد الشريف أبي جعفر وخلفه أولاده من بعده في ذلك حتى عرف المسجد بهم قال ابن الجوزي كان متعففا متقشفا ذا صلاح وقال ابن السمعاني كتب التصانيف في مذهب الأمام احمد كلها ودرس الفقه وتوفي يوم الثلاثاء سادس عشرى صفر
وفيها عبد الله بن نصر الحجازي أبو محمد الزاهد قال ابن الجوزى سمع الحديث وصحب الزهاد وتفقه على مذهب أحمد وكان خشن العيش متعبدا وحج على قدميه بضع عشرة حجة وتوفي في ربيع الأول
وفي آخر يوم من هذه السنة وهو يوم الأحد سلخ ذي الحجة أبو بكر محمد ابن علي بن الحسين بن القيم الحزار الحريمي الحنبلي ودفن بباب حرب طلب الحديث وسمع من أبي الغنايم بن المأمون والعشارى وغيرهما وكتب بخطه
الحديث والفقه وحدث باليسير وسمع منه أبو طاهر بن الرحبي القطان وأبو المكارم الظاهري
وفيها فاطمة بنت الشيخ أبي علي الحسن بن علي الدقاق الزاهد زوجة القشيري كانت كبيرة القدر عالية الإسناد من عوابد زمانها روت عن أبي نعيم الاسفراييني والعلوي والحاكم وطائفة توفيت في ذي القعدة عن تسعين سنة
وفيها فاطمة بنت الحسن بن علي الاقرع أم الفضل البغدادية الكاتبة التي جودوا على خطها وكانت تنقل طريقة ابن البواب حكت أنها كتبت ورقة للوزير الكندري فأعطاها ألف دينار وقدروت عن أبي عمر بن مهدي الفارسي
وفيها السيد المرتضي ذو الشرفين أبو المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي الحسيني الحافظ قتله الخاقان بما وراء النهر مظلوما وله خمس وسبعون سنة روى عن أبي علي بن شاذان وخلق وتخرج بالخطيب ولازمه وصنف التصانيف وحدث بسمر قند وأصبهان وبغداد وكان متمولا معظما وافر الحشمة كان يفرق في العام نحو العشرة آلاف دينارا ويقول هذه زكاة مالي
سنة إحدى وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أبو بكر الغورجي بالضم وفتح الراء وجيم إلى غورة قرية بهراة أحمد بن عبد الصمد الهروي راوي جامع الترمذي عن الجراحي توفي في ذي الحجة
وفيها أبو اسحق الطيان إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الاصبهاني القفال صاحب ابراهيم بن خورشيد قوله توفي في صفر
وفيها أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام عبد الله بن محمد بن علي الهروي الصوفي القدوة الحنبلي الحافظ أحد الأعلام توفي في ذي الحجة وله ثمانون سنة وأشهر سمع من عبد الجبار الجراحي وأبي منصور محمد بن محمد الأزدي وخلق
كثير وبنيسابور من أبي سعيد الصيرفي وأحمد السليطي صاحبي الأصم وكان قذى في أعين المبتدعة وسيفا على الجهميه وقد امتحن مرات وصنف عدة مصنفات وكان شيخ خراسان في زمانه غير مدافع قاله في العبر ومن شعره
( سبحان من أجمل الحسنى لطالبها ** حتى إذا ظهرت في عبده مدحا )
( ليس الكريم الذي يعطي ليمدحه ** أن الكريم الذي يثنى بما منحا )
وفيها عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمى كالمرمي نسبة إلى محم جد أبو عمرو المزكي بنيسابور في صفر روى عن أبي نعيم الاسفراييني والحاكم
وفيها ابن ماجه الابهري أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسن الاصبهاني وابهر أصبهان قرية وأما أبهر زنجان فمدينة عاش خمسا وتسعين سنة وتفرد في الدنيا بجزء لوين عن ابن المرزبان الابهري
سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أحمد بن محمد بن صاعد بن محمد أبو نصر الحنفي رئيس نيسابور وقاضيها وكبيرها روى عن جده والقاضي أبي الحرى وطائفة وكان يقال له شيخ الإسلام وكان مبالغا في التعصب في المذهب فأغرى بعضا ببعض حتى لعنت الخطباء أكثر الطوائف في دولة طغرلبك فلما مات طغر لبك خمد هذا ولزم بيته مدة ثم ولى القضاء
وفيها أبو اسحق الحبال الحافظ إبراهيم بن سعيد النعماني مولاهم المصري عن تسعين سنة سمع أحمد بن بريال والحافظ عبد الغني ومنير بن أحمد وطبقتهم وكان يتجر في الكتب وكانت بنو عبيد قد منعوه من التحديث في أواخر عمره وكان ثقة صالحا حجة ورعا كبير القدر
وفيها الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان بن الوليد بن أبي الحديد أبو عبد الله السلمي الدمشقي الخطيب
نائب الحكم بدمشق روى عن عبد الرحمن بن الطيير وطائفة وعاش ستا وستين سنة
وفيها القاضي أبو منصور بن سمكويه محمد بن أحمد بن علي الأصبهاني الحافظ المكثر توفي في شعبان له تسع وثمانون سنه وهو آخر من روى عن أبي علي البغدادي وابن خرشيد قوله ورحل واخذ بالبصرة من أبي عمر الهاشمي بعض السنن أو كله وفيه ضعف
وفيها أبو الخير محمد بن أحمد بن عبد الله بن زر الاصبهاني روى عن عثمان البرجي وطبقته وكان واعظا زاهدا وأم مدة بجامع أصبهان
وفيها الطبسي بفتح الطاء المهملة والموحدة التحتية ومهملة نسبة إلى طبس مدينة بين نيسابور وأصبهان وكرمان محمد بن أحمد بن أبي جعفر المحدث مؤلف كتاب بستان العارفين روى عن الحاكم وطائفة توفي في شهر رمضان وكان صوفيا عابدا ثقة صاحب حديث وسنة
سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة
فيها كانت فتنة هائلة لم يسمع بمثلها بين السنة والرافضة وقتل بينهم عدد كثير وعجز والى البلد واستظهرت السنة بكثرة من معهم من أعوان الخليفة واستكانت الشيعة وذلوا ولزموا التقية وأجابوا إلى أن كتبوا على مساجد الكرخ خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر
وفيها توفي خواهر زاده الحنفي شيخ الطائفة بما وراء النهر وهو أبو بكر محمد بن الحسين البخاري القديدي مصغرا نسبة إلى قديد بين مكة والمدينة شرفهما الله تعالى روى عن منصور الكاغدى وطائفة وبرع في المذهب وفاق الأقران وطريقته أبسط طريقة للأصحاب وكان يحفظها وتوفي في جمادى
الأولى ببخاري
وفيها عاصم بن الحسن أبو الحسين العاصمي الكرخي الشاعر المشهور روى عن ابن المتيم وعن أبي عمر بن مهدي وكان شاعرا محسنا ظريفا صاحب ملح ونوادر مع الصلاح والعفة والصدق مرض في آخر عمره فغسل ديوان شعره ومات في جمادى الآخرة عن ست وثمانين سنة
وفيها أبو نصر الترياقي عبد العزيز بن محمد الهروي راوي الترمذي سوى آخر جزء منه عن الجراحي كان ثقة أديبا عاش أربعا وتسعين سنة وترياق من قرى هراة
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين الطبري الروياني نزل بخارا وبها مات وكان حافظا مكثرا أحد النقاد قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو بكر التفلسي بفتح فسكون وبعد اللام سين مهملة نسبة إلى تفلس بلد بأذر بيجان محمد بن إسماعيل بن محمد النيسابوري المولد الصوفي المقرئ روى عن حمزة المهلبي وعبد الله بن يوسف الاصبهاني وطائفة ومات في شوال
وفيها العلامة أبو بكر الخجندي بخاء معجمة مضمومة ثم جيم مفتوحة وسكون النون ومهملة نسبة إلى خجندة مدينة بطرف سيحون محمد بن ثابت ابن الحسن الشافعي الواعظ نزيل أصبهان ومدرس نظاميتها وشيخ الشافعية بها ورئيسها كان إليه المنتهى في الوعط توفي في ذي القعدة قال الاسنوي له يد باطشة في النظر والأصول انتشر علمه في الآفاق وتخرج به وبكلامه جماعة وتفقه على أبي سهل الابيوردي وسمع الحديث من جماعة وحدث عنهم وكان حسن السيرة من رؤساء الأئمة ذا حشمة ونعمة
وكان له ولد يقال له أبو سعيد أحمد تفقه على والده حتى برع في المذهب وسمع وحدث ولما مات أبوه فوض تدريس النظامية إلى غيره فلزم بيته إلى أن مات في شعبان سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة عن ثمان وثمانين سنة
قاله ابن السمعاني
وفيها أبو نصر محمد بن سهل السراج الشاذياخي بشين معجمة وسكون الذال المعجمة وتحتية وخاء معجمة نسبة إلى قرية بنيسابور أو إلى شاذخ ببلخ آخر أصحاب أبي نعيم عبد الملك الاسفراييني روى عن جماعة وكان ظريفا نظيفا لطيفا توفي في صفر عن تسعين سنة
وفيها أبو الغنايم بن أبي عثمان محمد بن علي بن حسن بغدادي متميز صدوق روى عن أبي عمر بن مهدي وجماعة
وفيها فخر الدولة بن جهير الوزير أبو نصر محمد بن محمد بن جهير الثعلبي ولي نظر حلب ثم وزر لصاحب ميافارقين ثم وزر للقائم بأمر الله مدة وكان من رجال العالم ودهاة بني آدم وكان رئيسا جليلا خرج من بيتهم جماعة من الوزراء والرؤساء ومدحهم أعيان الشعراء فمنهم صردر المتقدم ذكر وهي من غرر قصائده ومشاهيرها وأولها
( لجاجة قلب ما يفيق غرورها ** وحاجة نفس ليس يقضي يسيرها )
( وقفنا صفوفا في الديار كأنها ** صحفية ملقاة ونحن سطورها )
( يقول خليلي والظباء سوانح ** أهذا الذي تهوى فقلت نظيرها )
( لئن شابهت أجيادها وعيونها ** لقد خالفت أعجازها وصدورها )
( فيا عجبا منها يصيد أنيسها ** ويدنو على ذعر إلينا نفورها )
( وما ذاك إلا أن غزلان عامر ** تيقن أن الزائرين صقورها )
( ألم يكفها ما قد جنته شموسها ** على القلب حتى ساعدتها بدورها )
( نكصنا على الأعقاب خوف إناثها ** فما بالها تدعو نزال ذكورها )
( ووالله ما أدري غداة نظرننا ** أتلك سهام أم كؤوس تديرها )
( فإن كن من نبل فأين حفيفها ** وإن كن من خمر فأين سرورها )
( أيا صاحبي استأذنا لي خمارها ** فقد آذنت لي في الوصول خدورها )
( فلا تحسبا قلبي طليقا فأنما ** لها الصدر سجن وهو فيه أسيرها )
( أراك آلحمى قل لي بأي وسيلة ** توسلت حتى قبلتك ثغورها )
( أعدت إلى جسم الوزارة روحه ** وما كان يرجى بعثها ونشورها )
( أقامت زمانا عند غيرك ضامنا ** وهذا رعاك الله وقت طهورها )
( من الحق أن يحيا بها مستحقها ** وينزعها مردوده مستعيرها )
( إذا ملك الحسناء من ليس كفأها ** أشار عليها بالطلاق مشيرها )
وكانت ولادة فخر الدولة المذكور سنة ثلاث وتسعين وثلثمائة بالموصل وتوفي بها في رجب وقيل في المحرم ودفن في تل توبة وهو تل قبالة الموصل يفصل بينهما عرض الشط
واما ولده عميد الدولة فقد ذكره محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه فقال انتشر عنه الوقار والهيبة والعفة وجودة الرأي وخدم ثلاثة من الخلفاء ووزر لاثنين منهم وكان عليه رسوم كثيرة وصلات جماعة وكان نظام الملك يصفه دائما بالأوصاف العظيمة ويشاهده بعين المكافي الشهم ويأخذ رأيه في أهم الأمور ويقدمه على الكفاة والصدور ولم يكن يعاب بأشد من الكبر الزائد فإن كلماته كانت محفوظة مع ضنه بها ومن كلمة بكلمة قامت عنده مقام بلوغ الأمل فمن جملة ذلك أنه قال لولد الشيخ الأمام أبي نصر بن الصباغ اشتغل وادأب وألا كنت صباغا بغير أب انتهى كلام ابن الهمداني وكان نظام الملك قد زوجه بنته زبيدة وكان قد عزل من الوزارة ثم أعيد إليها بسبب المصاهرة وفي ذلك يقول الشريف أبو يعلى بن الهبارية
( قل للوزير ولا تفزعك هيبته ** وإن تعاظم واستولى لمنصبه )
( لولا ابنة الشيخ ما استوزرت ثانية ** فاشكر حراصرت مولانا الوزير به )
ولعميد الدولة شعر ذكره في الخمريدة لكنه غير مرضى وذكره ابن السمعاني في كتاب الذيل ومدحه خلق كثير من شعراء عصره وفيه يقول صردر قصيدته
العينية المشهورة التي أولها
( قد بان عذرك والخليط مودع ** وهوى النفوس مع الهوادج يرفع )
( لك حيثما شمت الركائب لفته ** أترى البدور بكل واد تطلع )
( في الظاعنين من الحمى بدر له ال ** أحشاء مرعى والاماقي مكرع )
( ممنوع أطراف الجمال رقيبة ** حذرا عليه من العيون البرقع )
( عهد الحبائل صائدات شبهة ** فارتاع فهو لكل حبل يقطع )
( لم يدر حامي سر به أني إذا ** حرم الكلام له لساني الأصبع )
( وإذا الطيوف إلى المضاجع أرسلت ** بتحية منه فعيني تسمع )
وهي طويلة ومن غرر الشعر وعزل عميد الدولة عن الوزارة في شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة وجهير بفتح الجيم وكسر الهاء وقال ابن السمعاني بضم الجيم وهو غلط يقال رجل جهير بين الجهارة أي ذو منظر ويقال رجل جهير الصوت بمعنى جهوري الصوت قاله ابن خلكان
سنة أربع وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أبو الحسين أحمد بن عبد الرحمن الذكواني الأصبهاني يوم عرفة وله تسعون سنة روى عن جده ابن أبي علي وعثمان البرجي وطبقتهما وكان ثقة
وفيها أبو الحسن ظاهر بن منور المعافري الشاطبي تلميذ أبي عمر بن عبد البر كان من أئمة هذا الشأن مع الورع والتقي والاستبحار في العلم وعده ابن ناصر الدين من الحفاظ المكثرين الضابطين وقال هو أخو عبد الله زاهد زمانه وتوفي ظاهر في شعبان وله خمس وخمسون سنة
وفيها عبد الملك بن علي بن شغبة أبو القسم الأنصاري البصري الحافظ الراهد استشهد بالبصرة وكان يروي جملة من سنن أبي داود عن أبي عمر الهاشمي
أملى عدة مجالس وكان من العبادة والخشوع بمحل
وفيها أبو طاهر بن دات عبد الرحمن بن أحمد بن علك بن دات بدال مهمله يليها ألف ثم مثناة فوق الشاوي الحافظ إمام أهل الحديث بسمر قندي في زمانه قال ابن ناصر الدين
وفيها أبو نصر الكركانجي بالضم والسكون آخره جيم نسبة إلى كركانج وهي مدينة خوارزم محمد بن أحمد بن علي شيخ المقرئين بمرو ومسند الآفاق توفي في ذي الحجة وله أربع وتسعون سنة وكان إماما في علوم القرآن كثير التصانيف متين الديانة انتهى إليه علو الإسناد قرأ ببغداد علي أبي الحسن الحمامي وبحران على الشريف الزيدي وبمصر على إسماعيل بن عمر الحداد ودمشق والموصل وخراسان
وفيها أبو منصور المقومي بالضم والفتح وكسر الواو المشددة محمد بن الحسين بن الهيثم القزويني راوي سنن ابن ماجه عن القسم بن المنذر توفي فيها أو بعدها عن بضع وثمانين سنة
وفي رجب قاضي القضاة الناصمي محمد بن عبد الله بن الحسين النيسابوري روى عن أبي بكر الحيري وجماعة قال عبد الغافر هو أفضل عصره في أصحاب أبي حنيفة وأعرفهم بالمذهب وأوجههم في المناظرة مع حظ وافر من الأدب والطب ولم تحمد سيرته في القضاء قاله في العبر
وفيها المعتصم محمد بن معن بن محمد بن صمادح أبو يحيى التجيبي الأندلسي صاحب المرية توفي وجيش ابن تاشقين محاصرون له قال ابن بسام في الذخيرة كانت بين المعتصم وبين الله عند الحمام يد مشكورة فمات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلا أيام يسيرة في سلطانه وبلده وبين أهله وولده حدثني من لا أرد خبره عن اروى بعض حظايا أبيه قالت أني لعنده وهو يوصي بشأنه وقد غلب على أكثر يده ولسانه ومعسكر أمير المؤمنين يعني يوسف بن تاشفين يومئذ
بحيث نعد خيامهم ونسمع اختلاط أصواتهم إذ سمعت وجبة من وجباتهم فقال لا آله الا الله نغص علينا كل شيء حتى الموت قالت أروى فدمعت عيني فدمعت عيني فلا انسى طرفا إلى يرفعه وإنشاده لي بصوت لا أكاد أسمعه
( ترفق بدمعك لاتفنه ** فبين يديك بكاء طويل )
انتهى كلام ابن بسام ومات المعتصم في أثر ذلك عند طلوع الشمس يوم الخميس ثاني عشرى ربيع الأول بالمرية ودفن في تربة له عند باب الخوخة .
سنة خمس وثمانين وأربعمائة
فيها توفي أبو الفضل جعفر بن يحيى الحكاك محدث مكة وكان متقنا حجة صالحا روى عن أبي ذر الهروي وطائفة وعاش سبعين سنة
وفيها نظام الملك الوزير أبو علي الحسن بن علي بن اسحق الطوسي قوام الدين كان من جلة الوزراء ذكره ابن السمعاني فقال كعبة المجد ومنبع الجود وكان مجلسه عامرا بالقراء والفقهاء أنشأ المدارس بالأمصار ورغب في العلم وأملى وحدث عاش ثمانيا وسبعين سنة أتاه شاب صوفي الشكل من الباطنية ليلة عاشر رمضان فناوله قصة ثم ضربه بسكين في صدره فقضى عليه فيقال أن ملكشاه دس عليه هذا والله أعلم
وقال ابن السمعاني أيضا في كتاب الأنساب في ترجمة الراذ كان إنها بليدة صغيرة بنواحي طوس قيل نظام الملك كان من نواحيها
وكان من أولاد الدهاقين واشتغل بالحديث والفقه ثم اتصل بخدمة علي بن شاذان المعتمد عليه بمدينة بلخ وكان يكتب له فكان يصادره في كل سنة فهرب منه وقصد داود بن ميكائيل بن سلجوق والد السلطان ألب أرسلان وظهر له منه النصح والمحبة فسلمه إلى ولده ألب أرسلان وقال اتخذه والدا لا تخالفه فيما يشير به فلما ملك ألب ارسلان دبر أمره فأحسن التدبير وبقى في خدمته عشر سنين فلما مات ألب أرسلان وطد المملكة لولده ملكشاه فصار الأمر
كله لنظام الملك وليس للسلطان إلا التخت والصيد وأقام على هذا عشر سنين ودخل على الأمام المقتدى بالله فأذن له بالجلوس بين يديه وقال له يا حسن رضي الله عنك برضى أمير المؤمنين عنك وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والصوفية كثير الأنعام على الصوفية وسئل عن سبب ذلك فقال أتاني صوفي وأنا في خدمة بعض الأمراء فوعظني وقال اخدم من تنفعك خدمته ولا تشتغل بمن تأكله الكلاب غدا فلم أعلم معنى قوله فشرب ذلك الأمير من الغد وكانت له كلاب كالسباع تفترس الغرباء بالليل فغلبه السكر فخرج وحده فلم تعرفه الكلاب فمزقته فعلمت أن الرجل كوشف بذل فأنا أخدم الصوفية لعلي اظفر بمثل ذلك وكان إذا سمع الاذان امسك عن جميع ما هو فيه وكان إذا قدم عليه إمام الحرمين والإمام القشيري بالغ في اكرامهما وأجلسهما في مستنده وبنى المساجد والربط وهو أول من أنشأ المدارس فاقتدى الناس به وسمع نظام الملك الحديث وأسمعه وكان يقول أني أعلم أني لست أهلا لذلك ولكني أريد اربط نفسي في قطار النقلة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويروي له من الشعر قوله
( بعد الثمانين ليس قوة ** قد ذهبت شرة الصبوة )
( كأنني والعصا بكفى ** موسى ولكن بلا نبوة )
وكانت ولادة نظام الملك يوم الجمعة حادي عشرى ذي القعدة سنة ثمان وأربعمائة بنوقان إحدى مدينتى طوس و توجه صحبة ملكشاه إلى اصبهان فلما كانت ليلة السبت عاشر رمضان افطر وركب في محفته فلما بلغ إلى قرية قريبة من نهاوند يقال لها سحنة قال هذا الموضع قتل فيه خلق كثير من الصحابة زمن عمر ابن الخطاب فطوبى لمن كان منهم فاعترضه صبي ديلمي على هيئة الصوفية معه قصة فدعا له وسأله تناولها في يده فمد يده ليأخذها فضربه بسكين في فؤاده فحمل إلى مضربه فمات وقتل القاتل في الحال بعد أن هرب فعثر في طنب
حيمة فوقع وركب السلطان إلى معسكره فسكنهم وعزاهم وحمل إلى اصبهان فدفن بها وقيل أن السلطان دس عليه من قتله فإنه سئم طول حياته واستكثر ما بيده من الاقطاعات ولم يعش السلطان بعده سوى خمسة وثلاثين يوما فرحمه الله فلقد كان من حسنات الدهر ورثاه أبو الهيجاء البكري وكانت ختنه لان نظام الملك زوجة ابنته فقال
( كان الوزير نظام الملك لؤلؤة ** نفيسة صاغها الرحمن من شرف )
( عزت فلم تعرف الأيام قيمتها ** فردها غيرة منه إلى الصدف ) وقد قيل أنه قتل بسبب تاج الملك أبي الغنايم المرزبان بن خسرو فيروز المعروف بابن دارست فإنه كان عدو نظام الملك وكان كبير المنزله عند مخدومه ملكشاه فلما قتل رتبه موضعه في الوزارة ثم أن غلمان نظام الملك وثبوا عليه فقتلوه وقطعوه اربا اربا في ليلة الثلاثاء ثاني عشر المحرم سنة ست وثمانين وأربعمائة وعمزه سبع وأربعون سنة وهو الذي بنى على قبر الشيخ أبي اسحق الشيرازي قاله ابن خلكان
وفيها أبو عبد الله بن المرابط قاضي المرية وعالمها محمد بن خلف بن سعيد الاندلسي روى عن المهلب بن أبي صفرة وجماعة وصنف شرحا للبخاري وكان رأسا في مذهب مالك ارتحل الناس إليه توفي في شوال قاله في العبر
وفيها أبو بكر الشاشي محمد بن علي بن حامد شيخ الشافعية وصاحب الطريقة المشهورة والمصنفات المليحة درس مدة بغزنة ثم بهراة ونيسابور وحدث عن منصور الكاغدي وتفقه ببلاده على أبي بكر السنجي وعاش نيفا وتسعين سنة وتوفي بهراة قال ابن قاضي شهبة ولد سنة سبع وتسعين وثلثمائة وتفقه في بلاده على السنجي وكان من انظر أهل زمانه استوطن غزنة وهي في أوائل الهند فأقبلوا عليه واكرموه وبعد صيته وحدث وصنف تصانيف كثيرة ثم استدعاه نظام الملك إلى هراة فشق على أهل غزنة مفارقته ولكن لم يجدوا أبدا من ذلك فجهزوه فولاه تدريس النظامية وتوفي في شوال انتهى
وفيها محمد بن عيسى بن فرح أبو عبد الله التجيبي المغامي بالضم نسبة إلى مغامة مدينة بالأندلس الطليطلي مقرئ الأندلس أخذ عن أبي عمرو الداني ومكى بن أبي طالب وجماعة واقرأ الناس مدة
وفيها أبو عبد الله البانياسي مالك بن أحمد بن علي بن الفراء البغدادي احترق في الحريق العظيم الذي وقع في هذه السنة ببغداد واحترق فيه من الناس عدد كثير وكان في جمادى الآخرة وتوفي وله سبع وثمانون سنة وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن الصلت المجبر وسمع من جماعة
وفيها السلطان ملكشاه أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود السلجوقي التركي تملك بلاد ما وراء النهر وبلاد الهياطلة وبلاد الروم والجزيرة والشام والعراق وخراسان وغير ذلك قال في العبر ملك من مدينة كاشغر الترك إلى بيت المقدس طولا ومن القسطنطينية وبلاد الخزر إلى نهر الهند عرضا وكان حسن السيرة محسنا إلى الرعية وكانوا يلقبونه بالسلطان العادل وكان ذا غرام بالعمائر والصيد مات في شوال بعد وزيره النظام بشهر فقيل انه سم في خلال ونقل في تابوت فدفن بأصبهان في مدرسة كبيرة له وقال ابن الأهدل كان مغرما بالصيد حتى قيل انه صاد بيده عشرة آلاف أو أكثر حتى بنى من حوافر الحمر وقرون الظباء منارة على طريق الحاج تعرف بمنارة القرون وتصدق عن كل نسمة صادها بدينار وقال إني أخاف الله سبحانه وتعالى من إزهاق النفوس بغير فائدة ولا مأكلة وكان المقتدر قد تزوج بابنته وكان السفير في زواجها الشيخ أبو اسحق وزفت إليه سنة ثمانين ورزق منها ولديه ولما مات السلطان لم يفعل به كسائر السلاطين ولم يحضر جنازته أحد ظاهرا ولم تقطع أذناب الخيل لأجله ولما مات ملكشاه سار أخوه تتش بتاءين فوقيتين وشين معجمة من الشام فالتقاه إبراهيم العقيلي في ثلاثين آلفا فأسر إبراهيم وقتل صبرا وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء وفي سنة أربع وثمانين
قدم السلطان ملكشاه بغداد وأمر بعمل جامع كبير بها وعمل الأمراء حوله دورا ينزلونها ثم رجع إلى أصبهان وعاد إلى بغداد في سنة خمس وثمانين عازما على الشر وأرسل إلى الخليفة يقول لا بد أن تترك لي بغداد وتذهب إلى أي بلد شئت فانزعج الخليفة وقال أمهلني ولو شهرا قال ولا ساعة واحدة فأرسل الخليفة إلى وزراء السلطان يطلب المهلة عشرة أيام فاتفق مرض السلطان وموته وعد ذلك كرامة للخليفة وقيل أن الخليفة جعل يصوم فإذا أفطر جلس على الرماد ودعا على ملكشاه فاستجاب الله دعاءه وذهب إلى حيث ألقت ولما مات كتمت زوجته تركان موته وأرسلت إلى الأمراء سرا فاستحلفتهم لولده محمود وهو ابن خمس سنين فحلفوا له وأرسلت إلى المقتدي في أن يسلطنه فأجاب ولقبه ناصر الدنيا والدين ثم خرج عليه أخوه بركياروق بن ملكشاه فقلده الخليفة ولقبه بركن الدين وذلك في محرم سنة سبع وثمانين وعلم الخليفة على تقليده ثم مات الخليفة من الغد فجأة انتهى كلام السيوطي
سنة ست وثمانين وأربعمائة
فيها توفي حمد بن أحمد بن الحسن أبو الفضل الاصبهاني الحداد روى ببغداد وأصبهان عن علي بن ماشاذه وطائفة وروى الحلية ببغداد وتوفي في جمادي الأولى
وفيها الملنجي بالكسر نسبة إلى ملنجة بلد بأصبهان سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني الحافظ قال السمعاني جمع وصنف وخرج على الصحيحين وروى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني وأبي بكر بن مردويه وخلق ولقى ببغداد أبا بكر المنقي وطبقته وتكلم فيه ابن منده وهو مقبول لأنه قد قبله عدة وقال ابن ناصر الدين في بديعته
( الأصبهاني ذا الملنجي المكثر ** تكلموا فيه وقوى الأكثر )