كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي
أنكم معشر المالكية تبيحون للشامي يمر بالمدينة أن يتعدى ميقاتها إلى الجحفة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عين المواقيت لأهل الآفاق هن لهن ولمن مر عليهن من غير أهلهن وهذا قد مر على ذي الحليفة وليس من أهله فيكون له فقلت له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من غير أهلهن أي من غير أهل المواقيت وهذا سلب كلي وأنه غير صادق على هذا الفرد ضرورة صدق نقيضه وهو الإيجاب الجزئي عليه لأنه من بعض أهل المواقيت قطعا فلما لم يتناوله النصر رجعنا إلى القياس ولا شك أنه لا يلزم أحد أن يحرم قبل ميقاته وهو يمر عليه فوقعت من نفوس أهل البلد بسبب ذلك انتهى قلت الحديث صحيح خرجه البخاري ومسلم وأبو داود بلفظ هن لهم ولمن أتى عليهن من غير أهلهن وفي أكثر طرقه هن لهن والأول أصح
وفيها القاضي صدر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي ثم المصري الحنبلي الشيخ الإمام سمع من العماد بن الشيخ شمس الدين ابن العماد والتقي بن تمام وغيرهما وكان حسن الشكالة مع تواضع وحسن كتابة ولما كان والده قاضي الحنابلة بالديار المصرية رأى من الجاه والسعادة ما لم يره غيره من أولاد القضاة ويقال انه كان في اصطبله ما يزيد على خمسين رأسا وبسببه عزل والده من القضاء توفي المرتجم ليلة النصف من ذي القعدة
سنة اثنتين وستين وسبعمائة
استهلت والفناء بالديار المصرية فاش وحصل للسلطان مرض ثم عوفي ثم لما كان يوم الأربعاء تاسع جمادى الأولى وثب يلبغا الخاسكي وركب معه جماعة من الأمراء وباتوا تحت القلعة ثم هجموا على السلطان الناصر وقبضوا عليه ثم أحضروا صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي بن الناصر محمد وأجلسوه على الكرسي وحلفوا له ولقبوه الملك المنصور وعذبوا الناصر حتى هلك بعد أيام ودفنوه في مصطبة في داره وكانت مدة سلطنته الأولى ثلاث سنين وتسعة أشهر والثانية ست سنين وسبعة أشهر
وأيام ومات ولم يكمل ثلاثين سنة وخلف عشرة ذكور وست إناث وصار المتكلم في المملكة يلبغا وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن موسى الزرعي الشيخ الصالح المعمر الحنبلي أحد الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كان فيه أقدام على الملوك وأبطال مظالم كثيرة وصحب الشيخ تقي الدين دهرا وانتفع به وكان له وجاهة عند الخاص والعام ولديه تقشف وزهد توفي بمدينة حبراص في المحرم وفيها الحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحكري الحنفي صاحب التصانيف قال الصفدي سمع من التاج أحمد بن علي بن دقيق العيد أخي الشيخ تقي الدين ومن الواني والحسيني وغيرهما وأكثر جدا من القراءة والسماع وكتب الطباق وكان قد لازم الجلال القزويني فلما مات ابن سيد الناس تكلم له مع السلطان فولاه تدريس الحديث بالظاهرية فقام الناس بسبب ذلك وقعدوا وبالغوا في ذمه وهجوه فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائي لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في العشق تعرض فيه لذكر الصديقة عائشة رضي الله تعالى عنها فأنكر عليه ذلك ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي فاعتقله بعد أن عزره فانتصر له ابن البابا وخلصه وكان يحفظ الفصيح لثعلب ومن تصانيفه شرح البخاري وذيل المؤتلف والمختلف والزهر الباسم في السيرة النبوية قال الشهاب ابن رجب تصانيفه نحو المائة أو أزيد وله مآخذ على أهل اللغة وعلى كثير من المحدثين قال وأنشدني لنفسه في الواضح المبين شعرا يدل على استهتاره وضعفه في الدين وقال زين الدين بن رجب كان عارفا بالأنساب معرفة جيدة وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة وتصانيفه كثيرة جدا توفي في رابع عشر شعبان
سنة ثلاث وستين وسبعمائة
فيها توفي المعتضد بالله أبو الفتح أبو بكر بن المستكفي سلمان بن الحاكم أحمد العباسي بويع بالخلافة بعد موت أخيه في سنة ثلاث وخمسين بعهد منه وكان
خيرا متواضعا محبا لأهل العلم توفي في يوم الخميس ثاني عشرى جمادى الأولى بمصر وبويع بعده ولده محمد بعهد منه ولقب المتوكل وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عمر الأسنوي الشافعي الإمام ابن عم الشيخ جمال الدين قال ابن قاضي شهبة كان أحد العلماء العاملين اختصر الشفاء للقاضي عياض وشرح مختصر مسلم والألفية لابن مالك واشتغل قديما ببلده وغيرها ثم أقام ببلده ثم صار يجاور بمكة سنة وبالمدينة سنة قال له الشيخ عبد الله اليافعي أنت قطب الوقت في العلم والعمل توفي بمكة بعد الحج وفيها شمس الدين أبو امامة محمد بن علي بن عبد الواحد بن يحيى بن عبد الرحيم المغربي الأصل المصري المعروف بابن النقاش الشافعي مولده في رجب سنة عشرين وسبعمائة وحفظ الحاوي الصغير ويقال أنه أول من حفظه بالديار المصرية واشتغل على الشيخ شهاب الدين الأنصاري والتقي السبكي وأبي حيان وغيرهم وقرأ القراءات على البرهان الرشيدي ودرس وأفتى وتكلم على الناس وكان من الفقهاء المبرزين والفصحاء المشهورين وله نظم ونثر حسن وحصل له بمصر رياسة عظيمة وشاع ذكره في الناس ودرس بعدة مدارس وبعد صيته وخرج أحاديث الرافعي وسماه كاشف الغمة عن شافعية الأمة وسماه أيضا أمنية الألمعي في أحاديث الرافعي وورد الشام في أيام السبكي وجلس بالجامع ووعظ بجنان ثابت ولسان فصيح من غير تكلف فعكف الناس عليه ومن مصنفاته شرح العمدة في نحو ثمان مجلدات وشرح ألفية ابن مالك وكتاب النظاير والفروق وشرح التسهيل وله كتاب في التفسير مطول جدا التزم فيه ان لا ينقل فيه حرفا من كتاب من تفسير من تقدمه وهذا عجب عجيب وسماه اللاحق السابق وكان يقول الناس اليوم رافعية لا شافعية ونووية لا نبوية توفي في شهر ربيع الأول قاله ابن قاضي شهبة وفيها أبو عبد الله شمس الدين محمد بن عيسى بن حسين بن كثير الشيخ المسند الحنبلي البغدادي شيخ الزاوية جوار مسجد الحسين بالقاهرة روى عن غازي الحلاوي من المسند مواضع وتوفي بالقاهرة
وفيها أقضى القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج المقدسي ثم الصالحي الراميني الحنبلي الشيخ الإمام العالم العلامة وحيد دهره وفريد عصره شيخ الإسلام وأمد الأئمة الأعلام سمع من عيسى المطعم وغيره وتفقه وبرع ودرس وأفتى وناظر وحدث وأفاد وناب في الحكم عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وتزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكور وإناث وكان آية وغاية في نقل مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه قال عنه أبو البقاء السبكي ما رأت عيناي أحدا أفقه منه وكان ذا حظ من زهد وتعفف وصيانة وورع ودين متين وشكرت سيرته وأحكامه وذكره الذهبي في المعجم فقال شاب عالم له عمل ونظر في رجال السنن ناظر وسمع وكتب وتقدم ولم ير في زمانه في المذاهب الأربعة من له محفوظات أكثر منه فمن محفوظاته المنتقى في الأحكام وقال ابن القيم لقاضي القضاة موفق الدين الحجاوي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة ما تحت قبة الفلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح وحسبك بهذه الشهادة من مثل هذا وحضر عند الشيخ تقي الدين ونقل عنه كثيرا وكان يقول له ما أنت ابن مفلح بل أنت مفلح وكان أخبر الناس بمسائله واختياراته حتى أن ابن القيم كان يراجعه في ذلك وله مشايخ كثيرون منهم ابن مسلم والبرهان الزرعي والحجار والفويره والبخاري والمزي والذهبي ونقل عنهما كثيرا وكانا يعظمانه وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي يثني عليه كثيرا قال ابن كثير وجمع مصنفات منها على المقنع نحو ثلاثين مجلدا وعلى المنتقى مجلدين وكتاب الفروع أربع مجلدات قد اشتهر في الآفاق وهو من أجل الكتب وأنفعها وأجمعها للفوايد لكنه لم يبيضه كله ولم يقر عليه وله كتاب جليل في أصول الفقه حذا فيه حذو ابن الحاجب في مختصره وله الآداب الشرعية الكبرى مجلدان والوسطى مجلد والصغرى مجلد لطيف ونقل في كتابه الفروع في باب ذكر أصناف الزكاة أبياتا رويت عن يحيى بن خالد بن برمك في ذم السؤال وهي
( ما اعتاض باذل وجهه بسؤاله ** عوضا ولو نال الغنى بسؤال )
( وإذا بليت ببذل وجهك سائلا ** فابذله للمتكرم المفضال )
( وإذا السؤال مع النوال وزنته ** رجح السؤال وخف كل نوال )
توفي ليلة الخميس ثاني رجب بسكنه بالصالحية ودفن بالروضة بالقرب من الشيخ موفق الدين ولم يدفن بها حاكم قبله وله بضع وخمسون سنة
سنة أربع وستين وسبعمائة
فيها اشتد الوباء والطاعون بالبلاد الشامية والعربية وفيها خلع يلبغا وغيره من الأمراء السلطان صلاح الدين المنصور محمدا محتجين باختلال عقله خلعوه بحضرة الخليفة والقضاة ثم سجن بقلعة الجبل وبايعوا شعبان بن الامجد حسين بن الناصر محمد ولقب بالأشرف شعبان وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم البعلبكي ثم الدمشقي الشافعي المعروف بابن النقيب سمع بدمشق من ابن الشحنة والفزاري وابن العطار وغيرهم وبالقاهرة من جماعة وأخذ القراءات عن الشهاب الكفري والنحو عن أبي حيان والمجد التونسي والأصول عن الأصفهاني وولي عدة مدارس وإفتاء دار العدل وناب في الحكم عن ابن المجد قال ابن كثير كان بارعا في القراءات والنحو والتصريف وله يد في الفقه وغيره توفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة الصوفية وفيها شهاب الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد الشيرجي الزاهد الحنبلي المعيد بالمستنصرية ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها صلاح الدين أبو الصفا خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي مولده بصفد في سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة وسمع الكثير وقرأ الحديث وكتب بعض الطباق وأخذ عن القاضي بدر الدين بن جماعة وأبي الفتح بن سيد الناس والتقى السبكي والحافظين أبي الحجاج المزي وأبي عبد الله الذهبي وغيرهم وقرأ طرفا من الفقه وأخذ النحو عن أبي حيان والأدب عن ابن نباتة والشهاب محمود ولازمه ومهر في فن الأدب وكتب الخط المليح وقال النظم الرائق وألف المؤلفات الفائقة وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق ثم ولي كتابة
السر بحلب ثم وكالة بيت المال بالشام وتصدى للإفادة بالجامع الأموي وحدث بدمشق وحلب وغيرهما ذكره شيخه الذهبي في المعجم المختص فقال الإمام العالم الأديب البليغ إلا كمل طلب العلم وشارك في الفضائل وساد في علم الرسايل وقرأ الحديث وكتب المنسوب وجمع وصنف والله يمده بتوفيقه سمع مني وسمعت منه وله تآليف وكتب وبلاغة انتهى وذكر له السبكي في الطبقات الكبرى ترجمة مبسوطة مشتملة على فوايد ووقفت على ترجمة كتبها لنفسه نحو كراسين ذكر فيها أحواله ومشايخه وأسماء مصنفاته وهي نحو الخمسين مصنفا منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله قال وكتبت بيدي ما يقارب خمسمائة مجلد قال ولعل الذي كتبت في ديوان الإنشاء ضعفا ذلك وذكر جملة من شعره توفي بدمشق في شوال ودفن بالصوفية قاله ابن قاضي شهبة وفيها بهاء الدين عبد الوهاب بن عبد الولي بن عبد السلام المراغي المصري الأخميمي ثم الدمشقي الشافعي الزاهد القدوة مولده في حدود سنة سبعمائة اشتغل بالعلم وأشغل به وحفظ الحاوي الصغير وسمع الحديث قال ابن رافع وجمع كتابا في أصول الفقه والدين وقال ابن كثير كان له يد في أصول الدين والفقه وصنف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة وقال السبكي أخذ بالقاهرة عن الشيخ تقي الدين السبكي ولازم الشيخ علاء الدين القونوي ثم خرج إلى الشام واستوطنها وكان إماما بارعا في علم الكلام والأصول ذا قريحة صحيحة وذهن صحيح وذكاء مفرط وعنده دين كثير وتأله وعبادة ومراقبة وصبر على خشونة العيش وكان بيني وبينه صداقة وصحبة ومحبة ومراسلات كثيرة في مباحث جرت بيننا أصولا وكلاما وفقها وصنف في علم الكلام كتابا سماه المنقذ من الزلل في العلم والعمل وأحضره إلي لأقف عليه فوجدته قد سلك طريقا انفرد بها وفي كتابه مويضعات يسيرة لم أرتضها توفي في ذي القعدة مطعونا ودفن بتربته داخل البلد ومراغة بفتح الميم وكسرها قرية من الصعيد إليها ينسب المترجم ومراغة أيضا بلدة من بلاد أذربيجان خرج منها جماعة من الأئمة
والمحدثين وهي بفتح الميم ليس إلا وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن عيسى بن عمر الباريني الشافعي أحد مشايخ العلم بحلب ولد ببارين قرية من حماة سنة إحدى وسبعمائة وأخذ عن الشيخ شرف الدين البارزي وسمع من الحجار وغيره وسكن حلب وكان إماما عالما فاضلا فقيها فرضيا نحويا أديبا شاعرا بارعا ورعا زاهدا أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر درس بعدة مدارس وأخذ عنه الشيخ شمس الدين بن الركن وشمس الدين الببائي وشرف الدين الداديخي وغيرهم وألف في الفرائض والعربية وكتب المنسوب توفي بحلب في شوال ودفن خارج باب المقام وقال فيه ابن حبيب
( حلب تغير حالها لما اختفى ** من فضل زين الدين عنها ما ظهر )
( ومدارس الفقها بها قد أقفرت ** من بعد عامرها أبي حفص عمر )
وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن أبي بكر الحراني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الصالح سمع من ابن القواس والشرف بن عساكر وعيسى المطعم وغيرهم وسمع صحيح البخاري على اليونيني وحدث وسمع منه الحسيني وشهاب الدين بن رجب وذكراه في معجميها توفي في هذه السنة بدمشق ودفن بمقبرة السالف ظاهر دمشق وفيها عماد الدين محمد بن الحسن بن علي بن عمر القرشي الأموي الأسنائي المصري الشافعي ولد بأسنا في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة واشتغل بها على والده في الفقه والفرائض والحساب إلى أن مهر في ذلك ثم ارتحل إلى القاهرة وأخذ عن مشايخها وأخذ بحماة عن القاضي شرف الدين البارزي وسمع من جماعة ذكره أخوه في طبقاته فقال كان فقيها إماما في علم الأصلين والخلاف والجدل وعلم التصوف نظارا بحاثا فصيحا حسن التعبير عن الأشياء الدقيقة بالألفاظ الرشيقة دينا خيرا كثير البر والصدقة رقيق القلب طارحا للتكلف مؤثرا للتقشف برع في العلوم ولم يبق له في الأصلين والخلاف والجدل نظير ولا من يقاربه في ذلك
من أشياخه وغيرهم صنف مختصرا في علم الجدل سماه المعتبر في علم النظر ثم وضع عليه شرحا جيدا وصنف في التصوف كتابا سماه حياة القلوب وتصنيفا في الرد على النصارى وناب في الحكم في القاهرة وأضيف إليه نظر الأوقاف بها وأوصى أن يعاد إلى من بعده قدر ما تناوله من المعلوم توفي في شهر رجب ودفن بتربة أخيه بمقبرة الصوفية وفيها صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن بن شاكر بن هرون بن شاكر الكتبي الداراني ثم الدمشقي المؤرخ سمع من ابن الشحنة والمزي وغيرهما وكان فقيرا جدا ثم تعاني التجارة في الكتب فرزق منها مالا طائلا توفي في رمضان قاله في الدرر وفيها جمال الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف الدمشقي الشافعي الخطيب ولد سنة سبع وسبعمائة وسمع من جماعة وحفظ التعجيز لابن يونس وتفقه على عمه القاضي جمال الدين وتصدر بالجامع الأموي وأفتى ودرس بالظاهرية البرانية وناب في الحكم عن عمه يوما واحدا ثم ولي خطابة دمشق سنة تسع وأربعين وأعرض عن الجهات التي في يده واستمر في الخطابة إلى حين وفاته مواظبا على الأشغال والإفتاء والعبادة وكان معظما جاء إليه السلطان ويلبغا فلم يعبأ بهما وسلم عليهما وهو بالمحراب ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال شارك في الفضايل وعنى بالرجال ودرس وأشغل وتقدم مع الدين والتصوف وقال السبكي في الطبقات بعد ترجمة حسنة قل أن رأيت نظيره توفي في شهر رمضان ودفن بسفح قاسيون
سنة خمس وستين وسبعمائة
فيها توفي أبو جعفر أحمد بن عبد الحق بن محمد بن عبد الحق المالكي المالقي الجدلي النحوي يعرف بابن عبد الحق قال في تاريخ غرناطة من صدور أهل العلم متضلع من صناعة العربية حائز قصب السبق فيها عارف بالفروع والأحكام مشارك في الأصول والأدب والطب قائم على القراآت تصدر للأقراء ببلده وقضى ببلش
وغيرها فحسنت سيرته قرأ على أبي عبد الله بن بكر ولازمه وتلا على أبي محمد بن أيوب وروى عن أبي عبد الله الطلجاني وغيره مولده ثامن شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة ومات يوم الجمعة سابع عشرى رجب وفيها شهاب الدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سليمان السرحي البغدادي الحنبلي الشيخ الصالح العالم سمع من الشيخ عفيف الدين الدواليبي مسند الإمام أحمد ومن علي بن حصين وقرأ بالروايات واشتغل بالفقه وأعاد بالمستنصرية وكان فيه ديانة وزهد وخير وله شعر مدح به النبي صلى الله عليه وسلم توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي التتري لأن التتار أسروه وقال الحسيني لأن الفرنج أسروه سنة قازان سمع من سليمان بن حمزة وتفقه في مذهب الإمام أحمد وله مشايخ كثيرة وحدث وسمع منه الحسيني والمقري ابن رجب وذكراه في معجميهما وكان فاضلا متعبدا حسن الأخلاق والملتقى توفي بالصالحية يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة ودفن عند جده الشيخ أبي عمر
وفيها القاضي جمال الدين أبو حفص عمر بن إدريس الأنباري ثم البغدادي الحنبلي الشهيد الإمام الفاضل قرأ على البابصري وغيره وتفقه حتى مهر في المذهب ونصره وأقام السنة وقمع البدعة ببغداد وأزال المنكرات وكان إماما في الترسل والنظم وله نظم في مسائل الفرائض وارتفع حتى لم يكن في المذهب أجمل منه في زمانه فغضب عليه جماعة من الرافضة فظفروا به فعاقبوه مدة فصبر إلى أن مات شهيدا وتأسف عليه أهل بغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد بالمدرسة التي عمرها ثم أن أعداءه أهلكهم الله تعالى وانتقم منهم جميعا سريعا وفرح أهل بغداد بهلاكهم
وفيها القاضي جمال الدين عبد الصمد بن خليل الخضري الحنبلي محدث بغداد المدرس بالبشيرية كان يحدث ويملي التفسير الرسعني من حفظه ويحضره الخلق منهم المدرسون والأكابر وله ديوان شعر حسن وخطب ووعظ وقد مدح الشيخ تقي الدين الزريراتي ورثاه ورثى الشيخ تقي الدين بن تيمية أيضا توفي ببغداد ودفن بمقام
الإمام أحمد وفيها نور الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي الأصل الدمشقي الأصيل الفقيه الشافعي ولد في رمضان سنة سبع عشرة وسبعمائة وسمع من جماعة وتفقه ودرس وحدث قال ابن كثير كان من العلماء الفضلاء ودرس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه وبغيرها وتوفي في ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون بزاويتهم
وفيها القاضي تقي الدين أبو اليمن محمد بن أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر العمري المكي الشافعي الحوازي ولد بمكة سنة ست وسبعمائة وسمع بها كثيرا وتفقه على والده ورحل إلى القاضي شرف الدين البارزي وأجازه بالفتوى والتدريس وكان من الفضلاء وصار إليه أمر الفتيا والتدويس بمكة ثم ولي القضاء في سنة ستين ثم أضيف إليه الخطابة فباشرها نحو سنتين ثم عزل عن ذلك كله في سنة ثلاث وستين بأبي الفضل النويري فلزم بيته حتى مات لا يخرج منه إلا لحج أو صلاة غالبا وكان في قضائه عفيفا نزها وإنما عزل بسبب حكم نقم عليه أنه أخطأ فيه توفي بمكة في جمادى الأولى وفيها القاضي تاج الدين أبو عبد الله محمد بن إسحق بن إبرهيم بن عبد الرحمن السلمي المصري المناوي الشافعي سمع من جماعة وتفقه على عمه ضياء الدين المناوي وطبقته ودرس وأفتى وحدث وناب في الحكم عن القاضي عز الدين بن جماعة وكان إليه الأمر في غيبته وحضوره وولي قضاء العسكر ودرس بالمشهد الحسيني وجامع الأزهر وخطب بالجامع الحاكمي ذكره الأسنوي في طبقاته وقال كان محمود الخصال مشكور السيرة وقال غيره كان مهابا صارما لكنه قليل البضاعة في العلوم مع صرامته في القضاء والعمل بالحق والنصرة للعدل والدربة بالأحكام والاعتناء بالمستحقين من أهل العلم وغيرهم وكان القاضي عز الدين قد ألقى إليه مقاليد الأمور كلها حتى الأقاليم توفي في ربيع الآخر ودفن بتربته بظاهر باب تربة الشافعي وفيها السيد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله الحسيني الواسطي نزيل الشامية الجوانية الشافعي المؤرخ ولد سنة سبع
عشرة وسبعمائة واشتغل وفضل ودرس بالصارمية وأعاد بالشامية البرانية وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخطه الحسن فمن تصنيفه مختصر الحلية لأبي نعيم في مجلدات سماه مجمع الأحباب وتفسير كبير وشرح مختصر ابن الحاجب في ثلاث مجلدات وكتاب في أصول الدين مجلد وكتاب في الرد على الأسنوي في تناقضه وكان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا توفي في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم وفيها العارف بالله المحقق محمد بن محمد بن محمد المعروف بسيدي محمد وفا والد بني وفا المشهورين الأسكندري الأصل المالكي المذهب الشاذلي طريقة ولد بثغر الأسكندرية سنة اثنتين وسبعمائة ونشأ بها وسلك طريقة الشيخ أبي الحسن الشاذلي وتخرج على يد الأستاذ ابن باخل ثم رحل إلى أخميم وتزوج بها واشتهر هناك وصار له سمعة ومريدون وأتباع كثيرة ثم قدم مصر وسكن الروضة على شاطىء النيل وحصل له قبول من أعيان الدولة وغيرهم وكان له فضيلة ومشاركة حسنة ونظم ونثر ومعرفة بالأدب وكثر أصحابه وصاروا يبالغون في تعظيمه وكان لوعظه تأثير في القلوب ثم سكن القاهرة ولم يزل أمره يشتهر وذكره ينتشر مع جميل الطريقة وحسن السيرة إلى أن توفي يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار قاله في المنهل الصافي وفيها محب الدين محمد بن علي بن مسعود الطرابلسي المعروف بابن الملاح النحوي قال في الدرر كان عارفا بالعربية وافر الديانة جيد النظم والكتابة مات بطرابلس
وفيها فتح الدين أبو الحرم محمد بن محمد بن محمد بن أبي الحرم بن أبي الفتح القلانسي الحنبلي المسند ولد في ثالث عشر ذي الحجة سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع الكثير من ابن حمدان والأبرقوهي وغيرهما وحدث فسمع منه المقرىء ابن رجب وذكره في مشيخته وقال فيه صبر وتودد على التحدث سمعت عليه بالقاهرة أجزاء منها السباعيات والثمانيات توفي بالقاهرة في جمادى الأولى
وفيها تقي الدين محمد بن الشيخ الإمام المؤرخ قطب الدين موسى بن محمد بن
أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هكذا نقل هذا النسب والده المؤرخ قطب الدين الحنبلي سمع من أولاد عمه وأمة العزيز وفاطمة وزينب أولاد الشيخ شرف الدين اليونيني وكان رضي النفس قليل الكلام حسن الخلق كثير الأدب يحمل حاجته بنفسه توفي يوم الأحد ثالث ذي الحجة
سنة ست وستين وسبعمائة
فيها حصل بمكة والشام غلاء شديد وفيها توفي قطب الدين محمد وقيل محمود بن محمد الرازي القطب المعروف بالتحتاني تمييزا له عن قطب آخر كان ساكنا معه بأعلى المدرسة الظاهرية كان شافعيا إماما ماهرا في علوم المعقول أحد أئمتها اشتغل في بلاده بها فأتقنها وشارك في العلوم الشرعية وأخذ عن العضد وغيره بدمشق وشرح الحاوي والمطالع والإشارات وكتب على الكشاف حاشية وشرح الشمسية في المنطق قال السيوطي قال شيخنا الكافيجي السيد والقطب التحتاتي لم يذوقا علم العربية بل كانا حكيمين وقال السبكي في الطبقات الكبرى إمام مبرز في المعقولات اشتهر اسمه وبعد صيته ورد إلى دمشق سنة ثلاث وستين وسبعمائة وبحثنا معه فوجدناه إماما في المنطق والحكمة عارفا بالتفسير والمعاني والبيان مشاركا في النحو يتوقد ذكاءا وقال ابن كثير كان أحد المتكلمين العالمين بالمنطق وعلم الأوائل وله مال وثروة توفي في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون
وفيها الشيخ نور الدين محمد بن محمود الإمام الفقيه الحنبلي المقرىء البغدادي سمع وخرج وقرأ وأقرأ وتميز وولي الحديث بمسجد يانس بعد القاضي جمال الدين عبد الصمد المذكور قريبا توفي ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه
سنة سبع وستين وسبعمائة
في يوم الأربعاء ثاني عشر محرمها وصل فرنج أهل قبرس إلى الأسكندرية في سبعين قطعة فعاثوا ونهبوا وأفسدوا وقتلوا وأسروا ورجعوا إلى بلادهم فعندها شرعت الدولة في عمل مراكب وعمارة بقصد قبرس
وفيها توفي برهان الدين إبرهيم بن العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية الحنبلي سمع من ابن الشحنة وغيره واشتغل في أنواع العلوم وأفتى ودرس وناظر ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال تفقه بأبيه وشارك في العربية وسمع وقرأ وتنبه وأسمعه أبوه بالحجاز وطلب نفسه ودرس بالصدرية والتدمرية وله تصدير بجامع الأموي وشرح ألفية ابن مالك وسماه إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك وكان له أجوبة مسكتة انتهى توفي ببستانه بالمزة يوم الجمعة مستهل صفر وصلى عليه بجامعها ثم بجامع جراح ودفن عند والده بباب الصغير وبلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة وترك مالا كثيرا
وفيها ست العرب بنت محمد بن الفخر علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري الشيخة الصالحة الحنبلية المسندة المكثرة حضرت على جدها كثيرا وعلى عبد الرحمن بن الزين وغيرهما وحدثت وانتشر عنها حديث كثير وسمع منها الحافظان العراقي والهيثمي والمقري ابن رجب وذكرها في معجمه قال ابن قانع طال عمرها وانتفع بها توفيت بدمشق ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفنت بسفح قاسيون وتقدم ذكر ولدها شمس الدين محمد
وفيها قاضي القضاة عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل الدمشقي المولد المصري الشافعي ولد بدمشق في المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة ونشأ في طلب العلم وسمع الكثير وشيوخه سماعا وإجازة يزيدون على ألف وثلاثمائة قاله ابن قاضي شهبة وتفقه على والده
والوجيزي وغيرهما وأخذ الأصلين عن الباجي والنحو عن أبي حيان وولي قضاء الديار المصرية مدة طويلة وجعل الناصر إليه تعيين قضاة الشام وحدث وأفتى وصنف وكان كثير الحج والمجاورة وكان مع نائبه القاضي تاج الدين المناوي كالمحجور عليه له الاسم والمناوي هو القائم بأعباء المنصب فلما مات عجز القاضي عز الدين عن القيام به فاستعفى وكان يعاب بالإمساك ولم يحفظ عنه في دينه ما يشينه ذكره الذهبي في المعجم المختص وقد مات قبله بنحو عشرين سنة وقال فيه الإمام المفتي الفقيه المدرس المحدث قدم علينا بوالده طالب حديث في سنة خمس وعشرين فقرأ الكثير وسمع وكتب الطباق وعنى بهذا الشأن وكان خيرا صالحا حسن الأخلاق كثير الفضائل سمعت منه وسمع مني انتهى وكان يقول أشتهي أن أموت بأحد الحرمين معزولا عن القضاء فنال ما تمنى فإنه استعفى من القضاء في السنة التي قبلها وحج فمات في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن بعقبة باب المعلى إلى جانب قبر الفضيل بن عياض بينه وبين أبي القسم القشيري وفيها الملك المجاهد صاحب اليمن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول ولي السلطنة بعد أبيه في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وثار عليه ابن عمه الظاهر بن المنصور فغلبه وقبض عليه ثم استقرت بلاد اليمن بيد الظاهر وجعل تعز بيد المجاهد ثم حاصره فخربت من الحصار ثم كاتب المجاهد الناصر صاحب مصر فأرسل له عسكرا إلى أن آل أمره بعد قصص طويلة إلى أن استولى المجاهد على البلاد اليمنية جميعا وحج في سنة اثنتين وأربعين وكسا الكعبة وفرق هناك مالا كثيرا ولما رجع وجده ولده غلب على المملكة ولقب المؤيد فحاربه إلى أن قبض عليه وقتله ثم حج في سنة إحدى وخمسين فقدم بخيله على محمل المصريين فاختلفوا ووقع بينهم الحرب فأسر المجاهد وحمل إلى القاهرة فأكرمه السلطان الناصر وحل قيده وقرر عليه ما لا يحمله وخلع عليه وجهزه إلى بلاده واستمر إلى هذه السنة فمات وتسلطن بعده ولده الأفضل عباس
وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد القادر بن يوسف بن سعد الله بن مسعود الخليلي الحنبلي العدل سمع من سليمان بن حمزة وعيسى المطعم وغيرهما وحدث فسمع منه الحسيني وقال خرجت له مشيخة وجزءا من عواليه وتفقه وشهد على الحكام مع الصيانة والرياسة والتعفف وقد أجاز للشهاب بن حجي توفي يوم الأربعاء ثامن عشرى شوال ودفن بسقح قاسيون وفيها مجد الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن عيسى بن محمود بن عبد الضيف بن أبي عبد الله الأنصاري البعلبكي الشافعي قاضي بعلبك وابن قاضيها ولد سنة إحدى وسبعمائة في رجب واجتهد في الطلب ودأب وكان من الأئمة الحفاظ والعلماء والراسخين قاله العلامة ابن ناصر الدين
سنة ثمان وستين وسبعمائة
فيها كانت زلزلة هائلة بصفد وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عثمان بن أبي بكر بن بصيص أبو العباس الزبيدي قال الخزرجي كان وحيد دهره في النحو واللغة والعروض متفننا لوذعيا حسن السيرة سهل الأخلاق مبارك التدريس أخذ النحو عن جماعة وأخذ عنه أهل عصره وإليه انتهت الرياسة في النحو رحل الناس إليه من أقطار اليمن وشرح مقدمة ابن بابشاد شرحا جيدا لم يتم وله منظومة في القوافي والعروض وغير ذلك وكان بحرا لا ساحل له مات يوم الأحد حادي عشرى شعبان وفيها اقبغا الأحمدي الجلب قال في الدرر لا لا الملك الأشرف شعبان كان من خواص يلبغا ثم كان ممن اتفق على قتله واستقر بعده أميرا كبيرا ثم وقع بينه وبين استدمر فآل أمره إلى أن مات في سجن الأسكندرية في ذي القعدة وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان بن فلاح شيخ الحجاز اليافعي اليمني ثم المكي الشافعي ولد قبل السبعمائة بقليل
وكان من صغره تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللعب فلما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة بعث به إلى عدن فاشتغل بالعلم وأخذ عن العلامة أبي عبد الله البصال وغيره وعاد إلى بلاده وحببت إليه الخلوة والانقطاع والسياحة في الجبال وصحب الشيخ على الطواشي وهو الذي سلكه الطريق ثم لازم العلم وحفظ الحاوي الصغير والجمل للزجاجي ثم جاور بمكة وتزوج بها ذكره الأسنوي في طبقاته وختم به كتابه وذكر له ترجمة طويلة وقال كان إماما يسترشد بعلومه ويقتدي وعلما يستضاء بأنواره ويهتدي صنف تصانيفا كثيرة في أنواع العلوم إلا أن غالبها صغير الحجم معقود لمسائل مفردة وكثير من تصانيفه نظم فإنه كان يقول الشعر الحسن الكثير بغير كلفة ومن تصانيفه قصيدة مشتملة على قريب من عشرين علما إلا أن بعضها متداخل كالتصريف مع النحو والقوافي مع العروض ونحو ذلك وكان يصرف أوقاته في وجوه البر وأغلبها في العلم كثير الإيثار والصدقة مع الاحتياج متواضعا مع الفقر مترفعا عن أبناء الدنيا معرضا عما في أيديهم وكان نحيفا ربعة من الرجال مربيا للطلبة والمريدين ولهم به جمال وعزة فنعق بهم غراب التفريق وشتت شمل سالكي الطريق سكرت طباعه وبدت أوجاعه فشكا من رأسه ألما وجسمه سقما وأقام أياما قلائل وتوفي وهو إذ ذاك فضيل مكة وفاضلها وعالم الأبطح وعاملها يرتفع ببركة دعائه عنها الويل وينصب الوبل وتفتح أبواب السماء فيخص منها العالي ويسيل السافل انتهى وقال ابن رافع اشتهر ذكره وبعد صيته وصنف كتبا منها مرهم العلل المعظلة في أصول الدين والإرشاد والتطريز في التصوف وكتاب نشر المحاسن وكتاب نشر الروض العطر في حياة سيدنا أبي العباس الخضر وغير ذلك وكان يتعصب للأشعري وله كلام في ذم ابن تيمية ولذلك غمزه بعض من يتعصب لابن تيمية من الحنابلة وغيرهم ومن شعره
( وقائلة مالي أراك مجانبا ** أمورا وفيها للتجارة مربح )
( فقلت لها مالي بربحك حاجة ** فنحن أناس بالسلامة نفرح )
توفي بمكة في جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب المعلى جوار الفضيل بن عياض واليافعي نسبة إلى يافع بالياء والفاء والعين المهملة قبيلة من قبائل اليمن من حمير
وفيها نجم الدين عبد الجليل بن سالم بن عبد الرحمن الرويسوني الحنبلي الإمام الجليل القدوة اشتغل بالعلم وحفظ المحرر في الفقه وأعاد بالقبة البيبرسية وكان حسن الأخلاق متواضعا من أعيان الحنابلة بمصر توفي بالقاهرة يوم الخميس تاسع عشرى ربيع الأول ورويسون من أعمال نابلس
وفيها عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي الحنفي قال في الدرر ولد قبل الثلاثين وسبعمائة ومهر في الفقه والعربية والقراءات ودرس وولي قضاء حماة وكان مشكور السيرة ماهرا في الفقه والعربية ونظم قصيدة رائية من الطويل ألف بيت ضمنها غرائب المسائل في الفقه وشرحها وهي نظم متمكن مات في ذي الحجة
وفيها محي الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الشاعر المشهور المتقدم تعانى الأدب ونظم وسطا وكتب النسخ وقلم الحاشية والغبار وتكسب من ذلك بدمشق وقدم القاهرة بعد السبعين ومات بها بالقرب من ذلك كذا قال في الدرر وجزم مختصر ضوء السخاوي أنه توفي في هذه السنة
وفيها يلبغا بن عبد الله الخاصكي الناصري الأمير الكبير الشهير أول ما أمره الناصر حسن مقدم ألف بعد موت تنكز ثم كان يلبغا رأس من قام على أستاذه الناصر حسن حتى قتل وتسلطن المنصور محمد بن حاجي فاستقر أتابكه ثم خلعه في شعبان سنة أربع وستين وتسلطن الأشرف شعبان فتناهت إلى يلبغا الرياسة ولقب نظام الملك وصار إليه الأمر والنهي وهو السلطان في الباطن والأشرف بالاسم وارتقى إلى أن صار العدد الكثير من مماليكه نواب البلاد ومقدمي ألوف واستكثر من المماليك الجلبان وبالغ في الإحسان إليهم والإكرام حتى صاروا يلبسون الطرر الذهبية العريضة فإذا وقعت الشمس عليهم تكاد من شدة لمعانها تخطف البصر وبلغت عدة ممالكيه ثلاثة آلاف وكان يسكن الكبش بالقرب من قناطر السباع
وكان موكبه أعظم المواكب وأمنت في زمنه الطرقات من العربان والتركمان لقطعه أجنادهم وآثارهم وكان في زمنه وقعة الأسكندرية وأخذ الفرنج لها في أوائل سنة سبع وستين فقام أتم قيام ونزعها من أيديهم وصادر جميع النصارى والرهبان واستنقذ من جميع الديور ما بها من الأموال تحصل على شيء كثير جدا حتى يقال اجتمع عند اثنا عشر ألف صليب منها صليب ذهب زنته عشرة أرطال مصرية وكانت له صدقات كثيرة على طلبة العلم ومعروف كثير في بلاد الحجاز وهو الذي حط المكس عن الحجاج بمكة وعوض أمراءها بلدا بمصر وكان يتعصب للحنفية حتى كان يعطى لمن يتمذهب لأبي حنفية العطاء الجزيل ورتب لهم الجامكيات الزائدة فتحول جمع من الشافعية لأجل الدنيا حنفية وحاول في آخر عمره أن يجلس الحنفي فوق الشافعي فعاجله القتل وذلك أن مماليكه منهم اقبغا المتقدم ذكره في أول هذه السنة اجتمعوا على قتله ففر ثم جاء طائعا في عنقه منديل فأمر السلطان بحبسه ثم أذن في قتله وذلك في ربيع الآخر قاله في الدرر
سنة تسع وستين وسبعمائة
في ثاني عشرى محرمها طرق الفرنج طرابلس في مائة وثلاثين مركبا فقتلوا وأسروا وأفسدوا ونهبوا ورجعوا وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن لولو المصري الشافعي ولد سنة اثنتين وسبعمائة واشتغل بالعلم وله عشرون سنة فأخذ الفقه عن التقي السبكي والقطب السنباطي وغيرهما وأخذ النحو عن أبي حيان وبرع واشتغل بالعلم وانتفع به الناس وتخرج به فضلاء وحدث وصنف تصانيف نافعة منها مختصر الكفاية في ست مجلدات ونكت المنهاج في ثلاث مجلدات وهي كثيرة الفائدة وكتاب على المهذب في مجلدين وتهذيب التنبيه مختصر نفيس ذكره صاحبه الأسنوي فقال كان عالما بالفقه والقراءات والتفسير والأصول والنحو يستحضر من الأحاديث شيئا كثيرا أديبا شاعرا ذكيا فصيحا صالحا
ورعا متواضعا طارحا للتكلف متصوفا كثير البر والمروءة حسن الصوت بالقراءة كثير الحج والمجاورة بمكة والمدينة وافر العقل مواظبا على الاشتغال والاشغال والتصنيف لا أعلم في أهل العلم بعده من اشتمل على صفاته ولا على أكثرها ولم يكتب على فتوى تورعا ولم يل تدريسا وكان كثير الانبساط حلو النادرة فيه دعابة زائدة توفي في شهر رمضان بمصر ودفن بتربة الشيخ جمال الدين الأسنوي خارج باب النصر وفيها عز الدين أبو يعلى حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدارن الإمام العلامة الحنبلي المعروف بابن شيخ السلامية سمع من الحجار وتفقه على جماعة ودرس بالحنبلية وبمدرسة السلطان حسن بالقاهرة وأفتى وصنف تصانيف عدة منها على إجماع ابن حزم استدراكات جيدة وشرح على أحكام المجد بن تيمية وجمع على المنتقى في الأحكام عدة مجلدات وله كتاب نقض الإجماع واختار بيع الوقف للمصلحة موافقة لابن قاضي الجبل وغيره وصنف فيه مصنفا سماه رفع الماقلة في منع المناقلة وكان له اطلاع جيد ونقل مفيد على مذاهب العلماء المعتبرين واعتناء بنصوص أحمد وفتاوى الشيخ تقي الدين بن تيمية وله فيه اعتقاد صحيح وقبول لما يقوله وينصره ويوالي عليه ويعادي فيه ووقف درسا وكتبا بتربته بالصالحية وعين لذلك الشيخ زين الدين بن رجب توفي بالصالحية ليلة الأحد حادي عشرى ذي الحجة ودفن عند والده وجده عند جامع الأفرم
وفيها بهاء الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل الشافعي قال ابن شهبة رئيس العلماء وصدر الشافعية بالديار المصرية العقيلي الطالبي البالسي الحلبي ثم المصري ولد سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع الحديث وأخذ الفقه عن الزين بن الكناني وغيره وقرأ النحو على أبي حيان ولازمه في ذلك اثنتي عشرة سنة حتى قال أبو حيان ما تحت أديم السماء انحى من ابن عقيل وأخذ الأصول والفقه عن العلاء القونوي ولازمه وقرأ القراءات على التقي الصايغ واشتهر اسمه وعلا ذكره وناب في الحكم عن القاضي جلال الدين ثم عن العز بن جماعة ودرس
بزاوية الشافعي بمصر في آخر عمره وولي التفسير بالجامع الطولوني وختم به القرآن تفسيرا في مدة ثلاث وعشرين سنة ثم شرع بعد ذلك من أول القرآن فمات في أثناء ذلك وشرح الألفية شرحا متوسطا حسنا لكنه اختصر في النصف الثاني جدا وشرح التسهيل شرحا متوسطا سماه بالمساعد وشرع في تفسير مطول وصل فيه إلى اثناء النساء وله آخر لم يكمله سماه بالتعليق الوجيز على كتاب العزيز وقال ابن رافع كان قوي النفس تخضع له الدولة ولا يتردد إلى أحد وعنده حشمة بالغة وتنطع زائد في الملبس والمأكل وكان لا يبقى على شيء ومات وعليه دين قد ولي القضاء نحو ثمانين يوما وفرق على الطلبة والفقهاء في ولايته مع قصرها نحو ستين ألف درهم يكون أكثر من ثلاثة آلاف دينار وذكره الأسنوي في طبقاته ولم ينصفه وفي كلامه تحامل عليه وكان فيه لثغة وروى عنه سبطه جلال الدين والجمال بن ظهيرة والولي العراقي ومات بالقاهرة ليلة الأربعاء ثالث عشرى ربيع الأول ودفن بالقرب من الإمام الشافعي ومن شعره
( قسما بما أوليتم من فضلكم ** للعبد عند قوارع الأيام )
وفيها قاضي القضاة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الباقي الحجاوي الحنبلي الإمام العلامة قاضي القضاة بالديار المصرية سمع الحديث بالقاهرة من ابن الصواف وطبقته وحدث فسمع منه الحافظان الزين العراقي والهيثمي وتفقه وأفتى ودرس وباشر القضاء من سنة ثمان وثلاثين إلى أن توفي ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال عالم ذكي خير صاحب مروءة وديانة وأوصاف حميدة وله يد طولى في المذهب وقدم علينا وهو طالب حديث سنة سبع عشرة فسمع من ابن عبد الدايم وعيسى المطعم وعنى بالرواية وهو ممن أحبه الله وحمدت سيرته في القضاء وانتشر في أيامه مذهب أحمد بالديار المصرية وكثر فقهاء الحنابلة بها انتهى وأثنى عليه الأئمة منهم أبو زرعة بن العراقي وابن حبيب توفي نهار الخميس سابع عشرى المحرم بالقاهرة ودفن بتربته التي أنشأها خارج
باب النصر وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب بن سعد أخو شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي كان إماما قدوة سمع من ابن عبد الدايم وعيسى المطعم والحجار وحدث وذكره ابن رجب في مشيخته وقال سمعت عليه كتاب التوكل لابن أبي الدنيا بسماعه على الشهاب العابر وتفرد بالرواية عنه توفي ليلة الأحد ثامن عشرى ذي الحجة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالباب الصغير وفيها القاضي صدر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عياش بن عسكر المعروف بابن الخابوري الشافعي شيخ طرابلس وخطيبها ومفتيها أخذ عن البرهان الفزاري والزين بن الزملكاني ودخل مصر وأخذ عن علمائها وسمع وحدث واشتغل وأفاد وولي القضاء بصفد مدة وكانت تأتيه الفتاوى من البلاد البعيدة جاء رجل بفتوى إلى الشيخ فخر الدين المصري فقال له من أين أنت قال من صفد فقال عندكم مثل ابن الخابوري وتسألنا هو أعلم منا ورد الفتوى ثم نقل إلى قضاء طرابلس ثم عزل واستمر على الخطابة قال ابن كثير كان فقيها جيدا مستحضرا للمذهب له اعتناء جيد وقد أذن لجماعة بالإفتاء توفي بالمحرم وقد جاوز السبعين ووالده كان قاضي بعلبك قال ابن كثير كان أكبر أصحاب الشيخ تاج الدين الفزاري توفي بدمشق في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة عن سبعين سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن محمد بن يوسف بن قدامة الشيخ المسند المعمر الأصيل الحنبلي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة وحضر على ابن البخاري وتفرد عنه برواية جزء ابن نجيب وسمع منه الحافظان الزين العراقي والنور الهيثمي والشيخ شهاب الدين بن حجي توفي يوم الثلاثاء ثاني ذي الحجة بالصالحية ودفن بقاسيون وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عبد اللطيف الحراني ثم المصري الحنبلي الإمام القدوة سمع صحيح البخاري على الحجار وسمع أيضا على حسن الكردي وغيره وحدث فسمع منه أبو زرعة العراقي
توفي في رمضان بالقاهرة وفيها قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن التقي عبد الله بن محمد بن محمود الشيخ الإمام العلامة الصالح الخاشع شيخ الإسلام المرداوي الحنبلي ولد سنة سبعمائة تقريبا وسمع صحيح البخاري من ابن عبد الدايم وابن الشحنة ووزيرة وسمع من غيرهم وأخذ النحو عن القحفازي وولي قضاء الحنابلة بالشام سبع عشرة سنة بعد موت ابن المنجا بعد تمنع زائد وشروط شرطها عليهم واستمر إلى أن عزل في سنة سبع وستين بشرف الدين بن قاضي الجبل وذلك لخيره عند الله تعالى وكان يدعو أن لا يتوفاه الله قاضيا ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال الإمام المفتي الصالح أبو الفضل شاب خير إمام في المذهب وله اعتناء بالإسناد وقال الشهاب بن حجي كان عفيفا نزها ورعا صالحا ناسكا خاشعا ذا سمت حسن ووقار يركب الحمارة ويفصل الحكومات بسكون عارفا بالمذهب لم يكن فيهم مثله وشرح المقنع وجمع كتابا في الفقه سماه الانتصار ومصنفا سماه الواضح الجلي في نقض حكم ابن قاضي الجبل الحنبلي وذلك أنه اختار جواز بيع الوقف لمصلحة وحكم به وقال ابن حبيب في تاريخه عالم علمه زاهر وبرهان ورعه ظاهر وإمام تتبع طرائقه وتغتنم ساعاته ودقائقه كان لين الجانب متلطفا بالطالب رضي الأخلاق شديد الخوف والاشفاق عفيف اللسان كثير التواضع والإحسان لا يسلك في ملبسه سبيل أبناء الزمان ولا يركب حتى إلى دار الإمارة غير الاتان توفي يوم الثلاثاء ثامن ربيع الأول بالصالحية ودفن بتربة الموفق بسفح قاسيون
سنة سبعين وسبعمائة
في رجبها هلك صاحب قبرس الذي هجم على الأسكندرية وتولى ولده فأرسل بهدية وطلب الهدنة فوقع الصلح ولله الحمد وفيها توفي صاحب تونس إبراهيم بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم واستقر بعده ابنه أبو البقاء خالد
وفيها قاضي القضاة بدر الدين الحسن بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد
ابن أبي عمر الحنبلي الشيخ الإمام المقدسي الأصل ثم الدمشقي سمع من جده وعيسى المطعم وغيرهما وحدث ودرس بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون ودرس بالجوزية أيضا وكان بيده نصف تدريسها وناب في الحكم عن ابن قاضي الجبل وتوفي ليلة الخميس خامس ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون
وفيها رضي الدين أبو مدين شعيب بن محمد بن جعفر بن محمد التونسي النحوي قال في الدرر كان أحد أذكياء العالم ولد في شعبان سنة سبع وعشرين وسبعمائة وأخذ عن ابن عبد السلام وغيره وكان علامة في الفقه والنحو والفرائض والحساب والمنطق جيد القريحة وافر الفضل أتقن علوما عدة حتى الكتابة والتزميك وقدم القاهرة سنة سبع وخمسين ثم توطن حماة ومات بها
وفيها القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن خلف بن كامل بن عطاء الله الغزي ثم الدمشقي الشافعي مولده سنة ست عشرة وسبعمائة بغزة وأخذ بالقدس عن الشيخ تقي الدين القلقشندي وقدم دمشق واشتغل بها ثم رحل إلى القاضي شرف الدين البارزي فتفقه عليه وأذن له بالفتيا ثم عاد إلى دمشق وجد واجتهد وسمع الحديث ودرس وأعاد وناب للقاضي تاج الدين السبكي وترك له تدريس الناصرية الجوانية وألف كتاب ميدان الفرسان جمع فيه أبحاث الرافعي وابن الرفعة والسبكي وهو كتاب نفيس في خمس مجلدات توفي في شهر رجب ودفن بتربة السبكيين وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سمحان الوايلي البكري العلامة الشافعي الأصيل إمام أهل اللغة في عصره المعروف بابن الشريشي أخذ عن والده وقرأ النحو على أبي العباس الغساني وبرع في الفقه واللغة والغريب ونظم الشعر وكان يستحضر الفائق للزمخشري والصحاح والجمهرة والنهاية وغريب أبي عبيد والمنتهى في اللغة للبرمكي وهو أكثر من ثلاثين مجلدا وقد عقد له مجلس بحضرة أعيان علماء دمشق وامتحن في هذه الكتب في شعبان سنة ثلاث وستين ونزل له والده عن درس الاقبالية
وكان قليل الاختلاط بالناس منجمعا على طلب العلم وكان أخوه شرف الدين يقول أخي بدر الدين أزهد مني قال ابن حبيب في تاريخه توفي في ربيع الآخر عن ست وأربعين سنة ودفن عند والده وفيها أقضى القضاة صلاح الدين أبو البركات محمد بن محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد التنوخي المعري الحنبلي سمع الحجار وطبقته وحفظ المحرر ودرس بالمسمارية والصدرية وناب في الحكم لعمه قاضي القضاة علاء الدين ثم ناب للقاضي شرف الدين بن قاضي الجبل وكان من أولاد الرؤساء ذا دين وصيانة حدث ودرس وحج غير مرة وكان كريم النفس حسن الخلق والشكل ذا حشمة ورآسة على قاعدة أسلافه توفي ليلة الخميس رابع شهر ربيع الآخر وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بتربتهم بالصالحية وقد جاوز الخمسين
سنة إحدى وسبعين وسبعمائة
فيها توفي قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة الحنبلي الشيخ الإمام جمال الإسلام صدر الأئمة الأعلام شيخ الحنابلة المقدسي الأصل ثم الدمشقي المشهور بابن قاضي الجبل مولده على ما كتبه بخطه في الساعة الأولى من يوم الإثنين تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة وكان متفننا عالما بالحديث وعلله والنحو واللغة والأصاين والمنطق وله في الفروع القدم العالي قرأ على الشيخ تقي الدين بن تيمية عدة مصنفات في علوم شتى وأذن له في الافتاء فأفتى في شبيبته وسمع في الصغر من الفراء وابن الواسطي ثم طلب بنفسه بعد العشر وسبعمائة وأجازه والده والمنجا التنوخي وابن القواس وابن عساكر وفي مشايخه كثرة ودرس بعدة مدارس ثم طلب في آخر عمره إلى مصر ليدرس بمدرسة السلطان حسن وولي مشيخة سعيد السعداء وأقبل عليه أهل مصر وأخذوا عنه وأقام بها مدة يدرس ويشغل ويفتي ورأس على أقرانه إلى أن ولي القضاء بدمشق بعد جمال الدين المرداوي سنة سبع وستين وكان عنده مداراة وحب للمنصب
ووقع بينه وبين الحنابلة وباشر القضاء دون الأربع سنين إلى أن مات وهو قاض وذكره الذهبي في معجمه المختص والحسيني فقال فيه مفتي الفرق سيف المناظرين وبالغ ابن رافع وابن حبيب في مدحه ومن إنشاده وهو بالقاهرة
( الصاحلية جنة ** والصالحون بها أقاموا )
( فعلى الديار وأهلها ** مني التحية والسلام )
وله أيضا
( نبيي أحمد وكذا إمامي ** وشيخي أحمد كالبحر طامي )
( واسمي أحمد وبذاك أرجو ** شفاعة أشرف الرسل الكرام )
وله اختيارات في المذهب منها بيع الوقف للحاجة ومنها أن النزول تولية وله عدة مصنفات منها كتاب المناقلة في الأوقاف وما في ذلك من النزاع والخلاف وتبعه على ذلك جماعة وكلهم تبع للشيخ تقي الدين توفي بمنزله بالصالحية يوم الثلاثاء رابع عشر رجب ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشيخ الصالحي المسند الشيرازي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بزغنش بزاي مضمومة ثم غين معجمة ثم نون مضمومة ثم شين معجمة كذا ضبطه صاحب المبدع في كتابه المقصد الأرشد في ذكر أصحاب أحمد ويعرف أيضا بابن مهندس الحرم ولد سنة بضع وسبعين وستمائة وسمع على الفخر بن البخاري وحدث فسمع منه الحسيني وابن رجب وغيرهما وكان قيم الضيائية رجلا جيدا كثير التلاوة للقرآن من الأخيار الصالحين وطال عمره حتى رأى من أولاده وأحفاده مائة وهو جد المحدث شهاب الدين أحمد بن المهندس توفي يوم الأحد ثامن المحرم ودفن بتربة الموفق بالروضة وقد قارب المائة وفيها سرى الدين أبو الوليد إسمعيل بن محمد بن محمد بن علي بن عبد الله بن هاني الغرناطي المالكي ولد سنة ثمان وسبعمائة بغرناطة وأخذ عن جماعة من أهل بلده كابن جزى وقدم القاهرة فذاكر أبا حيان ثم قدم الشام وأقام بحماة واشتهر بالمهارة في العربية وولي قضاء المالكية
بحماة وهو أول مالكي ولي القضاء بها ثم قضاء الشام ثم أعيد إلى حماة ثم دخل مصر وأقام يسيرا وشرح تلقين أبي البقاء في النحو وقطعة من التسهيل وكان يحفظ من الشواهد كثيرا جدا ولم يكن من المالكية بالشام مثله في سعة علومه وبالغ ابن كثير في الثناء عليه قال وكان كثير العبادة وفي لسانه لثغة في حروف متعددة ولم يكن فنه ما يعاب إلا أنه استناب ولده وكان سيىء السيرة جدا وكان يحفظ الموطأ ويرويه عن ابن جزى وروى عنه ابن عساكر والجمال خطيب المنصورية وجماعة توفي في ربيع الآخر قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام السبكي الشافعي ولد بالقاهرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة وسمع بمصر من جماعة ثم قدم دمشق مع والده في جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسمع بها من جماعة واستغل على والده وغيره وقرأ على الحافظ المزي ولازم الذهبي وتخرج به وطلب بنفسه ودأب وأجازه شمس الدين بن النقيب بالإفتاء والتدريس ولما مات ابن النقيب كان عمره ثمان عشرة سنة وأفتى ودرس وصنف وأشغل وناب عن أبيه بعد وفاة أخيه القاضي حسين ثم اشتغل بالقضاء بسؤال والده في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين ثم عزل مدة لطيفة ثم أعيد ثم عزل بأخيه بهاء الدين وتوجه إلى مصر على وظائف أخيه ثم عاد إلى القضاء على عادته وولي الخطابة بعد وفاة ابن جملة ثم عزل وحصل له فتنة شديدة وسجن بالقلعة نحو ثمانين يوما ثم عاد إلى القضاء وقد درس بمصر والشام بمدارس كبار العزيزية والعادلية الكبرى والغزالية والعذراوية والشاميتين والناصرية والأمينية ومشيخة دار الحديث الأشرفية وتدريس الشافعي بمصر والشيخونية والميعاد بالجامع الطولوني وغير ذلك وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه وقال ابن كثير جرى عليه من المحن والشدائد ما لم يجر على قاض قبله وحصل له من المناصب ما لم يحصل لأحد قبله وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي خرج له ابن سعد مشيخة ومات قبل تكميلها وحصل فنونا من العلم من الفقه
والأصول وكان ماهرا فيه والحديث والأدب وبرع وشارك في العربية وكان له يد في النظم والنثر جيد البديهة ذا بلاغة وطلاقة لسان وجراءة جنان وذكاء مفرط وذهن وقاد صنف تصانيف عدة في فنون على صغر سنه وكثرة أشغاله قرئت عليه وانتشرت في حياته وبعد موته قال وانتهت إليه رياسة القضاء والمناصب بالشام وحصلت له محنة بسبب القضاء وأوذي فصبر وسجن فثبت وعقدت له مجالس فأبان عن شجاعة وأفحم خصومه مع تواطئهم عليه ثم عاد إلى مرتبته وعفا وصفح عمن قام عليه وكان سيدا جوادا كريما مهيبا تخضع له أرباب المناصب من القضاة وغيرهم توفي شهيدا بالطاعون في ذي الحجة خطب يوم الجمعة وطعن ليلة السبت رابعة ومات ليلة الثلاثاء ودفن بتربتهم بسفح قاسيون عن أربع وأربعين سنة ومن تصانيفه شرح مختصر ابن الحاجب في مجلدين سماه رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب وشرح منهاج البيضاوي والقواعد المشتملة على الأشباه والنظائر وطبقات الفقهاء الكبرى في ثلاثة أجزاء والوسطى مجلد ضخم والصغرى مجلد لطيف والترشيح في اختيارات والده والتوشيح على التنبيه والتصحيح والمنهاج وجمع الجوامع في أصول الفقه وشرحه بشرح سماه منع الموانع وجلب حلب جواب عن أسئلة سأل عنها الأذرعي وغير ذلك وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن محمد بن علي بن شداد الحميري اليمني قال الخزرجي كان فقيها عالما نحويا لغويا محدثا عارفا محققا في فنونه انتهت إليه الرياسة في اليمن في القراءات ورحل إليه الناس وانتشر ذكره مات ليلة الإثنين تاسع شوال وفيها أقضى القضاة بدر الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن عبد اللطيف أبي الفتح بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري الشافعي السبكي ولد بالقاهرة سنة أربع أو خمس أو ست وثلاثين وسبعمائة وسمع من جماعة بمصر والشام وكتب بعض الطباق وكان إماما عالما بارعا أوحد وحصل ودرس وأفتى وحدث بالركنية وعمره خمس عشرة سنة في حياة جده لأمه تقي الدين السبكي وناب في الحكم لخاله تاج الدين ثم ولي قضاء العسكر ولما ولي خاله بهاء الدين قضاء
الشام كان هو الذي يباشر عنه القضاء والشيخ بهاء الدين لا يباشر شيئا في الغالب ودرس بالشاميتين الجوانية أصالة والبرانية نيابة عن خاله تاج الدين قال ابن كثير وكان ينوب عن خاله في الخطابة وكان حسن الخطابة كثير الأدب والحشمة متوددا إلى الناس وهم مجمعون على محبته شابا حسن الشكالة توفي بالقدس في شوال ودفن بمقابر باب الرحمة
سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة
فيها ظهر في الشام وحمص وحلب بعد العشاء حمرة عظيمة كأنها الجمر وصارت في خلال النجوم كالعمد البيض حتى سدت الأفق ودام إلى الفجر وخفي بسببه ضوء القمر فتباكى الناس وضجوا بالدعاء وفي محرمها درس بدمشق بالمدرسة الأمينية تقي الدين علي بن تاج الدين عبد الوهاب السبكي وهو ابن سبع سنين وهذا من العجائب وفيها توفي القدوة بدر الدين الحسن بن محمد بن صالح بن محمد بن محمد بن عبد المحسن بن علي المجاور القرشي النابلسي الحنبلي طلب الحديث بنفسه وسمع من عبد الله بن محمد بن أحمد بنابلس ومن جماعة بمصر والأسكندرية ودمشق وولي إفتاء دار العدل بمصر ودرس بمدرسة السلطان الملك الأشرف ورحل إلى الثغر وذكر الذهبي أنه علق عنه وصنف البرق الوميض في ثواب العيادة والمريض وشمعة الأبرار ونزهة الأبصار وتوفي في رابع عشر جمادى الآخرة وفيها جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم القرشي الأموي الأسنوي المصري الشافعي الإمام العلامة منقح الألفاظ ومحقق المعاني ولد بأسنا في رجب سنة أربع وسبعمائة وقدم القاهرة سنة إحدى وعشرين وسمع الحديث واشتغل بأنواع العلوم وأخذ الفقه عن الزنكلوني والسنباطي والسبكي والقزويني والوجيزي وغيرهم والنحو عن أبي حيان والعلوم العقلية عن القونوي والتستري وغيرهما وانتصب للإقراء والإفادة من سنة سبع وعشرين
ودرس التفسير بجامع طولون وولي وكالة بيت المال ثم الحسبة ثم تركها وعزل من الوكالة وتصدى للأشغال والتصنيف ذكره تلميذه سراج الدين بن الملقن في طبقات الفقهاء فقال شيخ الشافعية ومفتيهم ومصنفهم ومدرسهم ذو الفنون الأصول والفقه والعربية وغير ذلك وقال غيره تخرج به خلق كثير وأكثر علماء الديار المصرية طلبته وكان حسن الشكل حسن التصنيف لين الجانب كثير الإحسان للطلبة ملازما للإفادة والتصنيف من تصانيفه كافي المحتاج في شرح المنهاج وصل فيه إلى المساقاة وهو أنفع شروح المنهاج والكوكب الدري في تخريج مسائل الفقه على النحو وتصحيح التنبيه وطبقات الشافعية وغير ذلك وقال السيوطي في طبقات النحاة انتهت إليه رياسة الشافعية وصار المشار إليه بالديار المصرية وكان ناصحا في التعليم مع البر والدين والتواضع والتودد يقرب الضعيف المستهان ويحرص على إيصال الفائدة للبليد ويذكر عنده المبتدىء الفائدة المطروقة فيصغي إليه كأنه لم يسمعها جبرا لخاطره مع فصاحة العبارة وحلاوة المحاضرة والمروءة البالغة توفي فجأة ليلة الأحد ثامن عشرى جمادى الأولى بمصر ودفن بتربة بقرب مقابر الصوفية
وفيها أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم النميري الحنبلي المعروف والده بابن الصقيل كان إماما مسندا جليلا تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة وأقام بها مدة وتوفي بقلعة الجبل بالقاهرة وفيها علاء الدين علي بن عمر بن أحمد بن عبد المؤمن الصوري الأصل الصالحي الحنبلي الشيخ المسند الخير الصالح ولد سنة اثنتين وتسعين وستمائة وسمع من جده أحمد بن عبد المؤمن والتقي سليمان بن حمزة وغيرهما وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس ولحقه صمم وكان يتلو القرآن كثيرا وسمع منه الشهاب بن حجي توفي في العشر الآخر من جمادى الآخرة بالصالحية ودفن بسفح قاسيون وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري الحنبلي الشيخ الإمام العلامة كان إماما في المذهب له تصانيف مفيدة أشهرها شرح الخرقي لم يسبق إلى مثله
وكلامه فيه يدل على فقه نفسي وتصرف في كلام الأصحاب أخذ الفقه عن قاضي القضاة موفق الدين عبد الله الحجاوي قاضي الديار المصرية وقال ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن أخبرني والدي أن عمره يعني عند وفاته نحو خمسين سنة وأن أصله من عرب بني مهنا الذين هم من جند الشام ناحية الرحبة توفي ليلة السبت رابع عشرى جمادى الأولى في حياة والدته الحاجة فقها ودفن بالقرافة الصغرى وتوفيت والدته في خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مالك بن مكنون بن نجم العجلوني الدمشقي الحنبلي خطيب بيت لهيا وابن خطيبها سمع وزيرة وأجاز له جماعة منهم القاسم بن عساكر وابن القواس وحدث فسمع منه شهاب الدين بن حجي ثلاثيات البخاري عن وزيرة توفي في جمادى الأولى ببيت لهيا ودفن هناك
وفيها الجلال أبو ذر محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي البعلبكي الحافظ ابن الخطيب المنعوت بالجلال ذكره ابن ناصر الدين في منظومته فقال
( محمد فتى الخطيب الثالث ** ذاك الجلال ذو علوم باحث )
وقال في شرحها مولده سنة تسع وسبعمائة بيقين وكان إماما حافظا من المتقنين فقيها كاتبا ذا عربية ولغة مع صلاح ودين انتهى وفيها أبو زكريا يحيى بن أحمد بن أحمد بن صفوان العييني المالكي النحوي المقرىء كان إماما عالما عارفا بالقراءات والعربية صالحا زاهدا سمع ببلده من عبد الله بن أيوب ومنه أبو حامد ابن طهيرة وجاور بمكة مدة وأم بمقام المالكية ومات بها قاله السيوطي
سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة
بها ابتدأ الحافظ ابن حجر كتابه أنباء الغمر بأنباء العمر فإنه ولد في شعبانها
وفيها أمر السلطان الملك الأشرف الأشراف أن يمتازوا عن الناس بعصايب خضر على العمايم ففعل ذلك بمصر والشام وغيرهما وفي ذلك يقول عبد الله بن جابر الأندلسي نزيل حلب
( جعلوا لأبناء الرسول علامة ** أن العلامة شأن من لم يشهر )
( نور النبوة في كريم وجوههم ** تغني الشريف عن الطراز الأخضر )
وقال محمد بن بركة الدمشقي المزين
( أطراف تيجان أتت من سندس ** خضر بأعلام على الأشراف )
( والأشرف السلطان خصهم بها ** شرفا ليفرقهم من الأطراف )
وفيها توفي الأصيل المسند نجم الدين أحمد بن إسمعيل بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المعروف بابن النجم الحنبلي ولد سنة اثنتين وثمانين وستمائة وروى عن ابن البخاري والتقي بن عساكر وغيرهما وحدث وعمر وتفرد وقال ابن حجي سمعنا منه مسموعه من مشيخة ابن البخاري وأمالي ابن سمعون توفي ليلة الجمعة ثالث جمادى الآخرة ودفن بمقبرة جده
وفيها شهاب الدين أحمد بن بلبان بن عبد الله الدمشقي المالكي الفقيه المفتي كاتب الحكم مات في صفر وخلف مالا كثيرا وفيها بهاء الدين أبو حامد أحمد بن علي بن عبد الكافي بن يحيى بن تمام السبكي ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة وكان اسمه أولا تماما ثم غيره أبوه بعد أن بلغ سن التمييز وحفظ القرآن صغيرا وتلا على التقي الصايغ وسمع من الحجار وغيره واشتغل بالعلوم فمهر فيها وأفتى ودرس وله عشرون سنة وولي وظائف أبيه بالقاهرة وله إحدى وعشرون سنة لما تحول والده إلى قضاء الشام قال ابن حبيب إمام علم زاخر اليم مقرون بالوفاء الجم وفضله مبذول لمن قصد وأم وقلم كم باب عدل فتح وكم شمل معروف منح وكان مواظبا على التلاوة والعبادة وهو القائل
( أتتني فآلتني الذي كنت طالبا ** وحيت فأحيت لي منى ومآربا )
( وقد كنت عبدا للكتابة أبتغي ** فرقت على رقي فصرت مكاتبا )
وقال فيه والده وقد حضر درسه
( دروس أحمد خير من دروس علي ** وذاك عند علي غاية الأمل )
فقال الصلاح الصفدي بديها
( لأن في الفرع ما في الأصل ثم له ** مزية وقياس الناس فيه جلي )
وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال له فضائل وعلم جيد وفيه أدب وتقوى ساد وهو ابن عشرين سنة ودرس في مناصب أبيه وأثنى على دروسه وقال غيره كان كثير الحج والمجاورة والأوراد والمروءة خبيرا بأمر دنياه وآخرته ونال من الجاه ما لم ينله غيره وولي إفتاء دار العدل وقضاء الشام وقضاء العسكر وحدث فسمع منه الحفاظ والأئمة وصنف عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح أبان فيه عن سعة دائرة في الفن وصنف غير ذلك توفي بمكة في رجب وله ست وخمسون سنة
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عثمان البكري بن المجد الشاعر كانت له قدرة على النظم وله مدايح في الأعيان ومن شعره قصيدة أولها
( رعاهم الله ولا روعوا ** ما لهم ساروا ولا ودعوا )
مات بمينة ابن خصيب في شهر رمضان وفيها أبو بكر بن رسلان بن نصر البلقيني أخو سراج الدين كان يتردد إلى أخيه وهو أسن منه بقليل وكان على طريقة والده قدم على أخيه في هذه السنة ليزوج ولده جعفر فمرض عند الشيخ ومات فأسف عليه لأنه مات في غربة وهو شقيقه فصار يقول ذهب أبو بكر سيذهب عمر فبينا هو في هذه الحال إذ سمع قارئا يقرأ { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } فعاش بعد أخيه اثنتين وثلاثين سنة وقد أنجب أبو بكر هذا أولادا نبغ منهم رسلان وجعفر وناصر الدين
وفيها تقي الدين أبو بكر محمد العراقي ثم المصري الحنبلي كان من فضلاء الحنابلة وتوفي في جمادى الأولى وفيها بدر الدين الحسن بن أحمد بن الحسن بن
عبد الله بن عبد الغني المقدسي سمع من سليمان بن حمزة وغيره وتفقه برع وأفتى وأم بمحراب الحنابلة بجامع دمشق توفي بالصالحية ثامن عشرى شعبان
وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الله الحيري المقرىء المؤدب نزيل مكة سمع بدمشق من المزي وبمكة من الوادي آشى والزين الطبري وغيرهم وحدث فسمع منه أبو حامد بن ظهيرة ومات في صفر وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر الصالحي الحنبلي الشيخ الإمام الخطيب الفرضي ولد في رجب سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من ابن حمزة وابن عبد الدايم وغيرهما وسمع منه شهاب الدين بن حجي وكان من خيار عباد الله وله يد طولى في الفرائض وله حلقة وخطابة بالجامع المظفري توفي يوم الأربعاء مستهل جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون
وفيها فخر الدين عثمان بن محمد بن أبي بكر بن حسن الحراني ثم الدمشقي ابن المغربل ويعرف قديما بابن سينا ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من القسم بن مظفر وابن الشيرازي وغيرهما وطلب بنفسه وحصل الكثير وحدث وحج كثيرا وذكره الذهبي في المختص مات بحلب في حادي عشر ذي القعدة أو ذي الحجة وفيها سراج الدين عمر بن إسحق بن أحمد الغزنوي الهندي قاضي الحنفية بالقاهرة تفقه على الوجيه الرازي بمدينة دلى بالهند والسراج الثقفي والركن اليداوي وغيرهم من علماء الهند وحج فسمع بمكة وقدم القاهرة نحو سنة أربعين فسمع بها وظهرت فضائله ثم ولي قضاء العسكر بعد أن كان ينوب عن الجمال التركماني ثم عزل ثم قويت شوكته لما مات علاء الدين التركماني وولي ولده جمال الدين فاستنابه ولم يستنب غيره فاستبد بجميع الأمور وعظمت منزلته عند السلطان حسن وقوي في قضاء الحنفية استقلالا سنة تسع وستين ومن تصانيفه شرح المغنى وشرح الهداية وشرح بديع ابن الساعاتي وتائية ابن الفارض قال ابن حجر كان واسع العلم كثير الإقدام والمهابة وكان يتعصب
للصوفية الاتحادية وعزر ابن أبي حجلة لكلامه في ابن الفارض مات في الليلة التي مات فيها البهاء السبكي سابع رجب وكان يكتب بخطه مولدي سنة أربع وسبعمائة انتهى وفيها زين الدين عمر بن عثمان بن موسى الجعفري الدمشقي قال ابن حجر تفقه وبرع ودرس بالجاروخية وخطب بجامع العقيبة مات في نصف المحرم راجعا من الحج وفيها أبو الفتح بن يوسف بن الحسن بن علي البحيري المكي الحنفي أمام مقام الحنفية بمكة صحب الشيخ أحمد الأهدل اليمني وتزهد ودار بمكة وفي عنقه زنبيل وفيها كمال الدين محمد بن فخر الدين أحمد بن كمال الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد بن حامد الهلالي الأسكندراني المالكي بن الربعي قاضي الأسكندرية وابن قاضيها ولد بها سنة ثلاث وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن مخلوف وغيره وسمع بمكة من عيسى المحجي وسمع منه الحافظ العراقي وهو الذي أرخه وفيها عز الدين محمد بن أبي بكر بن علي السوقي الصالحي أحد المسندين بدمشق ولد سنة إحدى أو اثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن القواس معجم ابن جميع ومن إسمعيل بن الفرا بعض سنن ابن ماجه وحدث وتفرد وهو أحد من أجاز عاما توفي بالصالحية في أحد الجمادين
وفيها جمال الدين أبو الغيث محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن عبد الخالق بن الصايغ الدمشقي سمع من الحجار وأسماء بنت صصرى وغيرهما وولي قضاء حمص وغزة ودرس بالعمادية بدمشق وأقام عند جده بحلب مدة وناب في الحكم بسرمين ومات في ذي الحجة عن نحو الأربعين سمنة قال ابن حجر وهو أخو شيخنا أبي اليسر أحمد وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن عيسى الأقصرائي الحنفي قدم دمشق وسمع على المزي وغيره ودرس بالعزية البرانية بالشرف الأعلى وخطب بها مات في ذي القعدة وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن يعقوب النابلسي ثم الدمشقي بن الحواسني الحنفي سمع من عيسى المطعم وابن عبد الدايم وغيرهما وعنى بالعلم وناب في الحكم توفي تاسع ربيع الآخر عن ستين
سنة وأشهر وفيها محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد اليحصبي اللوشي بفتح اللام وسكون الواو بعدها معجمة الغرناطي سمع من جعفر بن الزين سنن النسائي الكبرى والشفا والموطأ وأخذ عن فضل المعافري وكان عارفا بالحديث وضبط مشكله وبالقراءات وطرقها مشاركا في الفقه توفي في جمادى الآخرة
وفيها شرف الدين يحيى بن عبد الله الزرهوني نسبة إلى زرهون جبل قرب فاس الفقيه المالكي اشتغل ومهر ودرس بالشيخونية والحديث في الصرغتمشية وله تخاريج وتصانيف وتخرج به المصريون توفي في ثالث شوال وفيها يحيى بن محمد بن زكريا بن محمد بن يحيى العامري اليلدي الحموي ابن الخباز الشاعر الزجال تلميذ السراج المحار تمهر ونظم في الفنون وشارك في الآداب وكتب عنه الصفدي وغيره وكان يتشيع مات في ذي الحجة وقد عمر طويلا قال الصفدي سألته عن مولده فقال سنة سبع وتسعين وستمائة
سنة أربع وسبعين وسبعمائة
فيها كان الوباء الكثير بدمشق دام قدر ستة أشهر وبلغ العدد في كل يوم مائتي نفر وفيها كان الحريق بقلعة الجبل داخل الدور السلطانية استمر أياما وفسد منه شيء كثير ويقال أن أصله من صاعقة وقعت
وفيها توفي إبرهيم بن أحمد بن إسمعيل الجعفري الدمشقي الحنفي برع في الفقه وناب في الحكم ودرس وتوفي في المحرم وفيها إبرهيم بن محمد بن عيسى بن مطير اليمني كان عالما صالحا عارفا بالفقه درس وأفتى وحدث عن أبيه فكان مقيما بأبيات حسين من سواحل اليمن وكان يلقب ضياء الدين وسمع من الحجري وغيره وحدث قاله ابن حجر وفيها أحمد بن رجب بن حسين بن محمد بن مسعود البغدادي نزيل دمشق والد الحافظ زين الدين بن رجب الحنبلي ولد ببغداد ونشأ بها وقرأ بالروايات وسمع من مشايخها ورحل إلى دمشق بأولاده فأسمعهم بها وبالحجاز والقدس وجلس للإقراء بدمشق وانتفع به وكان ذا خير
ودين وعفاف وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الوارث البكري الفقيه الشافعي وهو والد الشيخ نور الدين الذي ولي الحسبة وأخو عبد الوارث المالكي وجد نجم الدين عبد الرحمن كان عارفا بالفقه والأصل والعربية منصفا في البحث اعتزل النال في آخر عمره وتوفي في رمضان وفيها الحافظ الكبير عماد الدين إسمعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع البصري ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ولد سنة سبعمائة وقدم دمشق وله سبع سنين سنة ست وسبعمائة مع أخيه بعد موت أبيه وحفظ التنبيه وعرضه سنة ثمان عشرة وحفظ مختصر ابن الحاجب وتفقه بالبرهان الفزاري والكمال بن قاضي شهبة ثم صاهر المزي وصحب ابن تيمية وقرأ في الأصول على الأصبهاني وألف في صغره أحكام التنبيه وكان كثير الاستحضار قليل النسيان جيد الفهم يشارك في العربية وينظم نظما وسطا ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال الإمام المحدث المفتي البارع ووصفه بحفظ المتون وكثرة الاستحضار جماعة منهم الحسيني والعراقي وغيرهما وسمع من الحجار والقسم بن عساكر وغيرهما ولازم الحافظ المزي وتزوج بابنته وسمع عليه أكثر تصانيفه وأخذ عن الشيخ تقي الدين بن تيمية فأكثر عنه وقال ابن حبيب فيه إمام روى التسبيح والتهليل وزعيم أرباب التأويل سمع وجمع وصنف وأطرب الأسماع بالفتوى وشنف وحدث وأفاد وطارت أوراق فتاويه إلى البلاد واشتهر بالضبط والتحرير وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير وهو القائل
( تمر بنا الأيام تتري وإنما ** نساق إلى الآجال والعين تنظر )
( فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ** ولا زائل هذا المشيب المكدر )
ومن مصنفاته التاريخ المسمى بالبداية والنهاية والتفسير وكتاب في جمع المسانيد العشرة واختصر تهذيب الكمال وأضاف إليه ما تأخر في الميزان سماه التكميل وطبقات الشافعية وله سيرة صغيرة وشرع في أحكام كثيرة حافلة كتب منها مجلدات إلى الحج وشرح قطعة من البخاري وغير ذلك وتلامذته كثيرة منهم ابن
حجي وقال فيه احفظ من أدركناه لمتون الأحاديث واعرفهم بجرحها ورجالها وصحيحها وسقيمها وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك وما أعرف أني اجتمعت به على كثرة ترددي إليه إلا واستفدت منه وقال غيره كما ذكره ابن قاضي شهبة في طبقاته كانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه وأتباع له في كثير من آرائه وكان يفتي برأيه في مسئلة الطلاق وامتحن بسبب ذلك وأوذي وتوفي في شعبان ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية انتهى وفيها أبو بكر بن محمد بن يعقوب الشقاني المعروف بابن أبي حرمة قال ابن حجر كان فقيها عارفا فاضلا زاهدا صاحب كرامات شهيرة ببلاده وهو من شقان بضم المعجمة وتشديد القاف وآخره نون من السواحل بين جدة وحلى انتهى وفيها رافع بن الفزاري الحنبلي نزيل مدرسة الشيخ أبي عمر تفقه وعنى بالحديث وكان يقول الشعر وولع بكتاب ابن عبد القوي النظم وزاد فيه وناقشه في بعض المواضع ونسخ وتوفي في ذي الحجة بالطاعون وفيها أبو قمر سليمان بن محمد بن حميد بن محاسن الحلبي ثم النيربي الصابوني ولد سنة إحدى وسبعمائة بمصر وأحضر على الحافظ الدمياطي وحدث عن ست الوزراء والحجار وذكره ابن رافع في معجمه وسمع منه البرهان محدث حلب وتوفي بالنيرب في شهر رمضان
وفيها عبد العزيز بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق أبو فارس المريني صاحب فاس لما مات أبوه أبو الحسن اعتقل ثم أخرجه الوزير عمر بن عبد الله وبايعه وسلطنه وذلك في شعبان سنة ثمان وستين ثم قال الوزير لما هم بخلعه واستولى على أمواله وتوجه من فاس إلى مراكش ونازل أبا الفضل وقتله ثم حارب عامر بن محمد المتغلب بفاس حتى هزمه ثم ظفر به فقتله وقتل تاشفين في سنة إحدى وسبعين ثم ملك تلمسان يوم عاشوراء سنة اثنتين وسبعين ثم المغرب الأوسط وثبتت قدمه ودفع الثوار والخوارج واستمال العرب ولم يزل إلى طرقه ما لا بد منه فمات بمعسكره من تلمسان في شهر ربيع الآخر وتسلطن بعده ولده السعيد محمد
وفيها أبو الحسن علي بن إبرهيم بن سعد الأنصاري بن معاذ قال ابن حجر كان يذكر أنه من ذرية سعد بن معاذ الأوسي وكان فاضلا مشاركا في عدة علوم متظاهرا بمذهب أهل الظاهر يناضل عنه ويجادل مع شدة بأس وقوة جنان وكان يعاشر أهل الدولة خصوصا القبط وكتب بخطه شيئا كثيرا خصوصا من كتب الكيمياء وقد سمع من ابن سيد الناس ولازمه مدة طويلة وسمع منه البرهان محدث حلب وأخذ عنه الشيخ أحمد القصير مذهب أهل الظاهر وكان يذكر لنا عنه فوائد ونوادر وعجائب توفي بمصر في رابع شوال وفيها علي بن الحسن بن قيس البابي الشافعي عنى بالعلم وأفتى وانتفع الناس به ودرس بالأسكندرية ومات في صفر وفيها عمر بن إبرهيم بن نصر بن إبراهيم الكناني الصالحي المعروف بابن الكفتي سمع من ابن القواس معجم ابن جميع وجزء ابن عبد الصمد وغير ذلك وتفرد بذلك ومات في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة
وفيها ولي الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبرهيم بن يوسف العثماني الديباجي المعروف بابن المنفلوطي الشافعي ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع من جماعة وتفقه وبرع في فنون العلم وأخذ عن النور الأردبيلي وحدث وأشغل وكان قد نشأ بدمشق ثم طلب إلى الديار المصرية في أيام الناصر حسن ودرس بالمدرسة التي أنشأها والتفسير بالمنصورية وغيرهما قال الولي العراقي لبرع في التفسير والفقه والأصول والتصوف وكان متمكنا من هذه العلوم قادرا على التصرف فيها فصيحا حلو العبارة حسن الوعظ كثير العبادة والتأله جمع وألف وأشغل وأفتى ووعظ وذكر وانتفع الناس به ولم يخلف في معناه مثله وقال الحافظ ابن حجي كان من ألطف الناس وأظرفهم شكلا وهيئة وله تآليف بديعة الترتيب توفي في ربيع الأول وذكر أنه لما حضرته الوفاة قال هؤلاء ملائكة ربي قد حضروا وبشروني بقصر في الجنة وشرع يردد السلام عليكم ثم قال انزعوا ثيابي عني فقد جاءوا بحلل من الجنة وظهر عليه السرور ومات في الحال وفيها شمس الدين أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الصمد بن مرجان الحنبلي الشيخ الصالح القدوة شيخ التلقين بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر روى عن التقي سليمان ويحيى بن سعد الكثير وحدث فسمع منه الحافظ ابن حجي وتوفي في عاشر شعبان
وفيها الحافظ تقي الدين أبو المعالي محمد بن جمال الدين رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السلامي بتشديد اللام العميدي المتقن المعمر الرحلة المصري المولد والمنشأ ثم الدمشقي الشافعي ولد في ذي القعدة سنة أربع وسبعمائة وأحضره والده على جماعة وأسمعه من آخرين واستجاز له الحافظ الدمياطي وغيره ورحل به والده إلى الشام سنة أربع عشرة وأسمعه من طائفة ورجع به وتوفي والده فطلب بنفسه بعد وفاته في حدود سنة إحدى وعشرين وتخرج في علم الحديث بالقطب الحلبي وابن سيد الناس وسمع وكتب ثم رحل إلى الشام أربع مرات وسمع بها من حفاظها المزي والبرزالي والذهبي وذهب إلى بلاد الشمال ثم قدم الشام خامسا صحبة القاضي السبكي واستوطنها ودرس بها بدار الحديث النورية وبالفاضلية وعمل لنفسه معجما في أربع مجلدات وهو في غاية الاتقان والضبط مشحون بالفضائل والفوائد مشتمل على أكثر من ألف شيخ وجمع وفيات ذيل بها على البرزالي وصنف ذيلا على تاريخ بغداد لابن النجار أربع مجلدات وقد عدم هو والمعجم في الفتن وتخرج به جماعة من الفضلاء وانتفعوا به وخرج له الذهبي جزءا من عواليه وحدث قديما وحديثا وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال فيه العالم المفيد الرحال المتقن إلى غير ذلك وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان متقنا محررا لما يكتبه ضابطا لما ينقله وعنه أخذت هذا العلم أي علم الحديث وقرأت عليه الكثير وعلقت عنه فوائد كثيرة وكان يحفظ المنهاج والألفية لابن مالك ويكرر عليهما وحصل له وسواس في الطهارة حتى انحل بدنه وفسدت ثيابه وهيئته ولم يزل مبتلى به إلى أن مات في جمادى الأولى بدمشق ودفن بباب الصغير وقال ابن حبيب إمام تقدم في علم الحديث ودراسته وتميز بمعرفة أسماء ذوي إسناده وروايته ورحل وطلب وسمع بمصر ودمشق وحلب وأضرم نار
التحصيل وأجج وقرأ وكتب وانتقى وخرج وعنى بما روي عن سيد البشر وجمع مسنده الذي يزيد على ألفي نفر وكان لا يعتني بملبس ولا مأكل ولا يدخل فيما أبهم عليه من أمر الدنيا أو أشكل ويختصر في الاجتماع بالناس وعنده في طهارة ثوبه وبدنه أي وسواس انتهى وفيها ظهير الدين أبو محمد محمد بن عبد الكريم بن محمد بن صالح بن قاسم بن العجمي الحلبي سمع صحيح البخاري وسنن ابن ماجه وغير ذلك ولد سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع منه العراقي وأرخه وابن عساكر وأبو إسحق سبط بن العجمي وهو أقدم شيخ له والبرهان آخر من روى عنه وآخرون وكتب الطباق والأجزاء ونسخ كثيرا من الكتب بالأجرة وكان يسترزق من الشهادة وإذا طلب منه السماع طلب الأجرة لما يفوته من الشهادة بقدر ما يكفيه من القوت قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن فخر الدين عثمان بن موسى بن علي بن الأقرب الحلبي الحنفي قال ابن حجر كان فاضلا متواضعا درس بالأتابكية والقليجية ومات في نيف وسبعين وقال ابن كثير كان من أحاسن الناس وفيه حشمة ورياسة وإحسان وأخوه شهاب الدين أحمد كان فاضلا رحل إلى مصر واشتغل بها ومهر في المعقول وولي قضاء عينتاب
وأخوهما علاء الدين تلمذ للقوام الأبزازي ومهر في الفتوى
وفيها ناصر الدين محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم البكري الفقيه الشافعي ولد سنة سبعمائة واشتغل كثيرا ثم ولي تدريس الفيوم مدة طويلة وكان عالما بالأصلين والفقه والعربية والهيئة وصنف تصانيف مفيدة وهو والد نور الدين البكري المعروف بابن قتيلة مات بدهروط في شهر رمضان وهو يصلي الصبح وفيها ناصر الدين محمد بن محمد بن أحمد بن الصفي بن العطار الدمشقي الحنفي الحاسب نشأ في طلب العلم وسمع الحديث ومهر في الفقه وبرع في الحساب وأتقن المساحة إلى أن صار له المنتهى في ذلك والمرجع إليه عند الاختلاف ولم يكن في دمشق من يدانيه في ذلك ثم ترك
ذلك بآخره واشتغل بالتلاوة وكان مأذونا له بالافتاء ولوالده ومن شعره
( حديثك لي أحلى من المن والسلوى ** وذكرك شغلي كان في السر والنجوى )
( سلبت فؤادي بالتجني وإنني ** صبرت لما ألقى وإن زادت البلوى )
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن رضوان الموصلي الشافعي نزيل دمشق ولد على رأس القرن وكتب الخط المنسوب ونظم الشعر فأجاد وكان أكثر مقامه بطرابلس ثم قدم دمشق وولي خطابة يلبغا واتجر في الكتب فترك تركة هائلة تبلغ ثلاثة آلاف دينار قال ابن حبيب عالم علت رتبته الشهيرة وبارع ظهرت في أفق المعارف شمسه المنيرة وبليغ تثنى على قلمه ألسنة الأدب وخطيت تهتز لفصاحته أعواد المنابر من الطرب كان ذا فضيلة مخطوبة وكتابة منسوبة وجرى في الفنون الأدبية ومعرفة بالفقه واللغة والعربية وله نظم المنهاج ونظم المطالع وعدة من القصايد النبوية وهو القائل في الذهبي لما اجتمع به
( مازلت بالطبع أهواكم وما ذكرت ** صفاتكم قط إلا همت من طربي )
( ولا عجيب إذا ما ملت نحوكم ** والناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب )
تصدر بالجامع الأموي وولي تدريس الفاضلية بعد ابن كثير
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الصالحي عرف بالمنبجي الحنبلي الشيخ الإمام العالم له مصنف في الطاعون وأحكامه جمعه في الطاعون الواقع سنة أربع وستين وفيه فوائد غريبة وفيها بدر الدين محمد بن شمس الدين محمد بن الشهاب محمود الحلبي ناظر الجيش والأوقاف بحلب سمع على الحجار ومحمد بن النحاس وغيرهما وحدث وولي عدة وظائف وأخذ عنه الحافظ العراقي وغيره وتوفي عن خمس وسبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن الصالح الدمشقي المالكي القفصي سمع من الشرف البارزي وغيره وولي مشيخة الحديث بالسامرية وناب في الحكم وتوفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة وفيها منكلي بغا بن عبد الله الشمس أتابك العساكر بعد قتل أستدمر وكان قبل نائب السلطنة بمصر
وولي إمرة دمشق وحلب وصفد وطرابلس وتزوج بنت الملك الناصر ثم بنت ابنه حسين أخت الملك الأشرف وكان مشكور السيرة قال ابن كثير أثر بدمشق آثارا حسنة وأحبه أهلها وهو الذي فتح باب كيسان وهو من عهد نور الدين الشهيد لم يفتح وجدد خطبة بمسجد الشهرزوري وبنى بحلب جامعا من أحسن الجوامع وعمر الخان عند جسر المجامع والخان بقرية سعسع وفيها شرف الدين يعقوب بن عبد الرحمن بن عثمان بن يعقوب بن خطيب القلعة الحموي أخذ عن ابن جرير وغيره ومهر في الفقه والعربية والقراءات إلى أن انتهت إليه رياسة العلم ببلده وأخذ عنه أكثر فضلائها وذكره ابن حبيب في تاريخه وأثنى عليه وقال انتهت إليه مشيخة بلده واشتهر بالعلم والدين والصلاح وكان خطيبا بليغا واعظا مذكرا
وفيها بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن محمد بن يوسف بن أحمد بن يحيى بن محمد بن علي بن الزكي القرشي الدمشقي الشافعي أجاز له في سنة خمس وتسعين وستمائة ابن عساكر والعتيمي والعز الفرا وآخرون وأجاز له الرشيد وابن وزيرة وابن الطبال وغيرهم من بغداد وعنى بالفقه والحساب وكان يحفظ التنبيه وباشر نظر الأسرى وغير ذلك وتوفي في ربيع الأول
سنة خمس وسبعين وسبعمائة
فيها توفي بدر الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان المخزومي المصري بن الخشاب الشافعي سمع على وزيرة والحجار وابن القيم وغيرهم وحدث وناب في الحكم بالقاهرة وكان فصيحا بصيرا بالأحكام عارفا بالمكاتبات ثم ولي قضاء حلب ثم قضاء المدينة المنورة وخرج منها بسبب مرض أصابه في أثناء هذه السنة فمات في الطريق قرب ينبع
وفيها أبو بكر بن عبد الله الدهروطي الفقيه الشافعي السليماني قال ابن حجر
كان يحفظ الكثير من الشامل لابن الصباغ مع الزهد والخير وكان لأهل بلده فيه اعتقاد زائد وكان يقول أنه تجاوز المائة ومات في شوال
وفيها محي الدين عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفا الحنفي القرشي ولد سنة ست وتسعين وستمائة وسمع وهو كبير وأقدم سماع له على ابن الصواف وسمع من الرشيد بن العلم ثلاثيات البخاري ومن حسين الكردي الموطأ ومن خلائق ولازم الاشتغال فبرع في الفقه ودرس وأفاد وصنف وشرح الهداية سماه العناية وشرح معاني الآثار للطحاوي وعمل الوفيات من سنة مولده إلى سنة ستين وصنف الجواهر المضية في طبقات الحنفية وغير ذلك وتوفي في ربيع الأول بعد أن تغير وأضر وفيها علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن الكلائي البغدادي الحنبلي المقرىء سبط الكمال عبد الحق ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة وأجاز له الدمياطي ومسعود الحارثي وعلي بن عيسى بن القيم وابن الصواف وغيرهم قال ابن حبيب كان كثير الخير والتلاوة وحج مرارا وجاور وخرج له ابن حبيب مشيخة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الناصح عبد الرحمن بن عياش بن حامد السوادي الأصل الدمشق الحنبلي المعروف بقاضي اللب كان من رؤساء الدمشقيين أفتى ودرس وحدث مع المروءة التامة والهيئة الحسنة وسمع منه ابن ظهيرة ومات في ذي الحجة
وفيها بدر الدين محمد بن عبد الله الأربلي الأديب المعمر ولد سنة ثمانين وستمائة ومهر في الآداب ودرس بمدرسة مرجان ببغداد ومات في جمادى الآخرة
وفيها تاج الدين محمد بن عبد الله الكركي كان قاضيا ببلده ثم بالمدينة النبوية ثم قدم القاهرة وولي نيابة الحكم بمصر عن ابن جماعة وكان منفردا بذلك فيها إلى أن مات في شعبان وكان فاضلا مستحضرا مشكور السيرة
وفيها محب الدين محمد بن عمر بن علي بن الحسيني القزويني ثم البغدادي جامع بغداد كان أبوه آخر المسندين بها حدث عن أبيه وغيره واشتغل بعد
كبر إلى أن صار مفيد البلد مع اللطافة والكياسة وحسن الخلق توفي عن نيف وستين سنة وفيها محمد بن عيسى اليافعي الفقيه الشافعي قاضي عدن قال ابن حجر كان فاضلا خيرا وهو والد صاحبنا الفقيه عمر قاضي عدن
وفيها صلاح الدين محمد بن مسعود المقرىء المالكي تلا بالسبع على التقي الصايغ وكان متصديا للإقراء حتى أن القاضي محب الدبن ناظر الجيش كان يقرأ عليه وفيها محمود بن قطلوشاه السرائي الحنفي بن عضد الدين قدم من بلاده وهو كبير فأقام بالشام مدة يشتغل وأفاد وتخرج به جماعة ثم أقدمه صرغتمش بعد وفاة القوام الأسنائي فولاه مدرسته فلم يزل بها إلى أن مات وكان غاية في العلوم العقلية والأصول والعربية والطب مع التودد والسكون والانجماع مع عظمة قدره عند أهل الدولة مات في رجب عن أزيد من ثمانين سنة قاله ابن حجر
سنة ست وسبعين وسبعمائة
فيها توفي كمال الدين إبرهيم بن أمين الدولة أحمد بن إبرهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن هبة الله الحلبي الحنفي كان وكيل بيت المال بحلب وولي بها عدة ولايات وكان كاتبا مجيدا سمع من سنقر الزيني البخاري ومشيخة تخريج الكاملي والذهبي ومن جماعات وحدث فسمع منه ابن ظهيرة بحلب ودمشق وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة وفيها أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن الرهاوي ثم المصري المعروف بطفيق سمع من الكردي والواني والدبوسي والحسيني وغيرهم وحدث وناب في الحسبة سقط من سلم فمات في ذي القعدة وفيها شرف الدين أحمد بن الحسن بن سليمان الدمشقي
الحنفي المعروف بابن الكفري أخذ عن أبيه وغيره وناب في الحكم مدة واشتغل وتقدم ثم استقل بالحكم مدة أولها سنة ثمان وخمسين ونزل عن القضاء لولده يوسف سنة ثلاث وستين وأقبل على الإفادة والعبادة وأقرأ القرآن بالروايات حتى مات عن خمس وثمانين سنة وقد كف بصره وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الأربدي الدمشقي تفقه على ابن خطيب يبرود وغيره وكان حنبليا ثم انتقل شافعيا فمهر في الفقه والأصول والأدب وكان محببا إلى الناس لطيف الأخلاق أخذ القضاء عن الفخر المصري وسمع من ابن عبد الدايم وكانت له أسئلة حسنه في فنون من العلم مات ليلة الجمعة تاسع عشر صفر
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن علي الأصبحي العنابي النحوي اشتغل في بلاده ورحل إلى أبي حيان فلازمه واشتهر بصحبته وبرع في زمنه ثم تحول بعده إلى دمشق فعظم قدره واشتهر ذكره وانتفع به الناس وصنف كتبا منها شرح التسهيل وشرح التقريب قال ابن حبيب إمام عالم حاز افنان الفنون الأدبية وفاضل ملك زمام العربية وقال ابن حجي كان حسن الخلق كريم النفس شافعي المذهب مات بدمشق في تاسع عشرى المحرم وقد جاوزو الستين
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد التلمساني المعروف بابن أبي حجلة نزيل دمشق ثم القاهرة قال ابن حجر ولد بزاوية جده بتلمسان سنة خمس وعشرين وسبعمائة واشتغل ثم قدم إلى الحج فلم يرجع ومهر في الأدب ونظم الكثير ونثر فأجاد وترسل ففاق وعمل المقامات وغيرها وكان حنفي المذهب حنبلي الاعتقاد كثير الحط على الاتحادية وصنف كتابا عارض به قصائد ابن الفارض كلها نبوية وكان يحط عليه وعلى نحلته ويرميه ومن يقول بمقالته بالعظائم وقد امتحن بسبب ذلك على يد السراج الهندي قرأت بخط ابن القطان وأجازنيه كان ابن أبي حجلة يبالغ في الحط على ابن الفارض حتى أنه أمر عند موته فيما أخبرني به صاحبه أبو زيد المغربي أن يوضع الكتاب الذي عارض
به ابن الفارض وحط عليه فيه في نعشه ويدفن معه في قبره ففعل به ذلك قال وكان يقول للشافعية إنه شافعي وللحنفية أنه حنفي وللمحدثين أنه على طريقهم قال وكان بارعا في الشعر مع أنه لا يحسن العروض قال وكان كثير العشرة للظلمة ومدمني الخمر قال وكان جده من الصالحين فأخبرني الشيخ شمس الدين بن مرزوق أنه سمي بأبي حجلة لأن حجلة أتت إليه وباضت على كمه وولي مشيخة الصهريج الذي بناه منجك وكان كثير النوادر والنكت ومكارم الأخلاق ومن نوادره أنه لقب ولده جناح الدين وجمع مجاميع حسنة منها ديوان الصبابة ومنطق الطير والسجع الجليل فيما جرى من النيل والسكردان والأدب الغض وأطيب الطيب ومواصل المقاطيع والنعمة الشاملة في العشرة الكاملة وحاطب ليل عمله كالتذكرة في مجلدات كثيرة ونحر أعداء البحر وعنوان السعادة ودليل الموت على الشهادة وبصيرات الجمال وهو القائل
( نظمي علا وأصبحت ** ألفاظه منمقه )
( فكل بيت قلته ** في سطح داري طبقه )
مات في مستهل ذي الحجة وله إحدى وخمسون سنة
وفيها إسمعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن جماعة الحموي الأصل المقدسي الشافعي أخو القاضي بدر الدين بن جماعة ولد سنة عشر وسبعمائة وسمع على ابن مزير وغيره وناب في تدريس الصلاحية وخطب في المسجد الأقصى وأفتى ودرس ومات في ربيع الأول وفيها أويس بن الشيخ حسين بن حسن بن اقبغا المغلي ثم التبريزي صاحب بغداد وتبريز وما معهما بويع بالسلطنة سنة ستين وكان محبا للخير والعدل شهما شجاعا خيرا عادلا دامت ولايته تسع عشرة سنة وقد خطب له بمكة عاش سبعا وثلاثين سنة قيل أنه رأى في النوم أنه يموت في وقت كذا فخلع نفسه من الملك وقرر ولده حسين وصار يتشاغل بالصيد ويكثر
العبادة فاتفق موته في ذلك الوقت بعينه وفيها بدر الدين حسن بن علاء الدين علي بن إسمعيل بن يوسف القونوي الشافعي ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وسمع الحجار وغيره وناب في الحكم وولي مشيخة سعيد السعداء ودرس بالشريفية واختصر الأحكام السلطانية فجوده وكتب شيئا على التنبيه ومات في شعبان عن خمس وخمسين سنة وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي مات هو وأخوه عبد العزيز وابن عمهم علي بن تاج الدين الثلاثة في يوم واحد خامس عشرى ذي القعدة بالطاعون وعمتهم ستيتة قبلهم بقليل
وفيها عبد الله بن عبد الرحمن القفصي المالكي كان مشهورا بالعلم منصوبا للفتوى وكان يوقع عند الحكام مات في ثالث رمضان
وفيها الشريف جمال الدين عبد الله بن محمد بن محمد الحسيني النيسابوري كان بارعا في الأصول والعربية وولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها وأقام بدمشق مدة وبالقاهرة مدة وولي مشيخة بعض الخوانق وكان يتشيع وكان أحد أئمة المعقول حسن الشيبة وهو القائل
( هذب النفس بالعلوم لترقى ** وترى الكل وهو للكل بيت )
( إنما النفس كالزجاجة والعقل ** سراج وحكمة الله زيت )
( فإذا أشرقت فإنك حي ** وإذا أظلمت فإنك ميت )
توفي في هذه السنة عن سبعين سنة وفيها علي بن عبد الوهاب بن علي السبكي ولي خطابة الجامع الأموي بعد أبيه وله عشر سنين ودرس في حياة أبيه بالأمينية وعمره سبع سنين ومات كما تقدم مع ولدي عمه في يوم واحد
وفيها علي بن عثمان بن أحمد بن عمر بن أحمد بن هرماس بن شرف التغلبي الزرعي ثم الدمشقي المعروف بابن شمرنوح ولد بعد الثمانين وستمائة ولم يرزق سماع الحديث بعلو وكانت له عناية بالعلم وولي قضاء عدة بلاد بحلب ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق ثم قضاء حلب مرتين ومن شعره
العلوم على اختلاف أنواعها ومصنفاته تخبر عن ذلك ولا ينبئك مثل خبير علم الرؤساء الأعلام الذي خدمته السيوف والأقلام وغنى بمشهور ذكره عن مسطور التعريف والأعلام واعترف له بالفضل أصحاب العقول الراجحة والأحلام عرف هو بنفسه آخر كتابه الإحاطة فقال يقول مؤلف هذا الديوان تغمد الله خطله في ساعات إضاعها وشهوة من شهوات اللسان إطاعها وأوقات للاشتغال بما لا يعنيه استبدل بها اللهو لما باعها أما بعد حمد الله الذي يغفر الخطية ويحث من النفس اللجوج المطية فتحرك ركابها البطية والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد ميسر سبل الخير الوطية والرضى عن آله وصحبه منتهى الفضل ومناخ الطية فإنني لما فرغت من تأليف هذا الكتاب الذي حمل فضل النشاط مع الالتزام لمراعاة السياسة السلطانية والارتباط والتفت إليه فراقني منه صوان درر ومطلع غزر قد تخلدت مآثرهم بعد ذهاب أعيانهم وانتشرت مفاخرهم بعد انطواء زمانهم نافستهم في اقتحام تلك الأبواب ولباس تلك الأثواب وقنعت باجتماع الشمل بهم ولو في الكتاب وحرصت على أن أنال منهم قربا وأخذت أعقابهم أدبا وحبا وكما قيل ساقي القوم آخرهم شربا فأجربت نفسي مجراهم في التعريف وحذوت بها حذوهم في بابي النسب والتصريف بقصد التشريف والله لا يعدمني وإياهم واقفا يترحم وركاب الاستغفار بمنكبه يزحم عندما ارتفعت وظائف الأعمال وانقطعت من التكسبات حبال الآمال ولم يبق إلا رحمة الله التي تنتاش النفوس وتخلصها وتعينها بميسم السعادة وتخصصها جعلنا الله ممن حسن ذكره ووقف على التماس ما لديه ذكره بمنه ثم ساق نسبه وأوليته بما يطول ذكره إلى أن قال ومع ذلك فلم أعدم الاستهداف للشرور والاستعراض للمحذور والنظر الشزر المنبعث من خزر العيون شيمة من ابتلاه الله بسياسة الدهماء ودعاية سخطة أرزاق السماء وقتلة الأنبياء وعبدة الأهواء ممن لا يجعل الله إرادة نافذة ولا مشيئة سابقة ولا يقبل معذرة ولا يجمل في الطلب ولا يتجمل مع الله بأدب ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا والحال إلى هذا العهد وهو منتصف عام خمسة وستين وسبعمائة ثم قال المقري وكان
رحمه الله مبتلى بداء الأرق لا ينام من الليل إلا اليسير جدا وقد قال في كتابه الوصول لحفظ الصحة في الفصول العجب مني مع تأليفي لهذا الكتاب الذي لم يؤلف مثله في الطب ومع ذلك لا أقدر على داء الأرق الذي بي ولذا يقال له ذو العمرين لأن الناس ينامون وهو ساهر ومؤلفاته ما كان يصنف غالبها إلا بالليل وقد سمعت بعض الرؤساء بالمغرب يقول لسان الدين ذو الوزارتين وذو العمرين وذو الميتتين وذو القبرين ثم قال المقري واعلم أن لسان الدين لما كانت الأيام له مسالمة لم يقدر أحد أن يواجهه بما يدنس معاليه أو يطمس معالمه فلما قلبت الأيام له ظهر مجنها وعاملته بمنعها بعد منحها ومنها أكثر أعداؤه في شأنه الكلام ونسبوه إلى الزندقة والانحلال من ربقة الاسلام بتنقص النبي عليه أفضل الصلاة والسلام والقول بالحلول والاتحاد والانخراط في سلك أهل الإلحاد وسلوك مذاهب الفلاسفة في الاعتقاد وغير ذلك مما أثاره الحقد والعداوة والانتقاد من مقالات نسبوها إليه خارجة عن السنن السوى وكلمات كدروا بها منهل علمه الروى لا يدين بها ويفوه إلا الضال والغوى والظن أن مقامه رحمه الله تعالى من لبسها برى وجنابه سامحه الله عن لبسها عرى وكان الذي تولى كبر محنته وقتله تلميذه أبو عبد الله بن زمرك الذي لم يزل مغمر الختلة مع أنه حلاه في الإحاطة أحسن الحلى وصدقه فيما انتحله من أوصاف العلى ومن أعدائه الذين باينوه بعد أن كانوا يسعون في مرضاته سعي العبيد القاضي أبو الحسن بن الحسن النباهي فكم قبل يده ثم جاهرك عند انتقال الحال وجد في أمره مع ابن زمرك حتى قتل وانقضت دولته فسبحان من لا يتحول ملكه ولا يبيد وذلك أن ابن زمرك قدم على السلطان أبي العباس وأحضر ابن الخطيب من السجن وعرض عليه بعض مقالات وكلمات وقعت له في كتاب المحبة فعظم النكير فيها فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد من ذلك الملأ ثم تلا إلى مجلسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وإفتاء بعض الفقهاء فيه فطوقوا عليه السجن ليلا وقتلوه خنقا وأخرجوا شلوه من الغد فدفن بمقبرة باب المحروق ثم أصبح من الغد على شفير قبره طربحا وقد جمعت
له أعواد وأضرمت عليه نار فاحترق شعره وأسود بشره فأعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته أي ولذلك سمي ذا القبرين وذا الميتتين وكان رحمه الله تعالى أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فتهجس هواتفه بالشعر يبكي نفسه ومما قال في ذلك
( بعدنا وإن جاورتنا البيوت ** وجئنا بوعظ ونحن صموت )
( وأنفسنا سكتت دفعة ** كجهر الصلاة تلاها القنوت )
( وكنا عظاما فصرنا عظاما ** وكنا نقوت فها نحن قوت )
( وكنا شموس سماء العلى ** غربن فناحت علينا السموت )
( فكم جدلت ذا الحسام الظبا ** وذو البخت كم جدلته البخوت )
( وكم سيق للقبر في خرقة ** في ملئت من كساه التخوت )
( فقل للعدا ذهب ابن الخطيب ** وفات ومن ذا الذي لا يفوت )
( ومن كان يفرح منهم به ** فقل يفرح اليوم من لا يموت )
هذا الصحيح كما ذكره ابن خلدون فلا يلتفت إلى غيره وقد رؤي بعد الموت فقيل له ما فعل الله بك فقال غفر لي ببيتين قلتهما وهما
( يا مصطفى من قبل نشأة آدم ** والكون لم تفتح له أغلاق )
( أيروم مخلوق ثناءك بعدما ** أثنى على أخلاقك الخلاق )
وقال ابن حجر ومن مصنفاته الإحاطة بتاريخ غرناطة وروضة التعريف بالحب الشريف والغيرة على أهل الحيرة وحمل الجمهور على السنن المشهور والتاج على طريقة يتيمة الدهر والإكليل الزاهر فيما ندر عن التاج من الجواهر كالذيل عليه وغائلة النضلة في التاريخ وغير ذلك انتهى وفيها أبو جابر محمد بن عبد الله الهاروني الفقيه المالكي مشهور بلقبه كان ماهرا في مذهبه كثير المخالفة في الفتوى كثير الاستحضار على هوج فيه قاله ابن حجر وفيها محمد بن عبد الله
الصفوي الهندي ثم الدمشقي الشافعي كان رومي الأصل أسمعه مولاه صفي الدين الهندي وحفظ التنبيه في صغره وألبسه الخرقة وكان يلبسها عن مولاه وأجاز له ابن القواس وعائشة بنت المجد وجماعة وكان حسن الشيبة يعرف شد المناكب ويجودها يضرب صنعته المثل أثنى عليه البرزالي وتوفي عن ثمان وسبعين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الزمردي بن الصايغ الحنفي النحوي ولد سنة ثمان وسبعمائة أو بعدها بقليل وسمع من الحجار والدبوسي وغيرهما واشتغل في عدة فنون ولازم أبا حيان ومهر في العربية وغيرها ودرس بجامع ابن طولون للحنفية وولي قضاء العسكر وكان فاضلا بارعا حسن النثر والنظم كثير الاستحضار قوي البادرة دمث الأخلاق وهو القائل
( لا تفخرن بما أوتيت من نعم ** على سواك وخف من كسر جبار )
( فأنت في الأصل بالفخار مشتبه ** ما أسرع الكسر في الدنيا لفخار )
ومن تصانيفه شرح الألفية مجلدين وشرح المشارق ست مجلدات والتذكرة النحوية والمباني في المعاني والمنهج القويم في القرآن العظيم والتمر الجني في الأدب السني والغمز على الكنز والاستدارك على مغنى ابن هشام استفتحه بقوله الحمد لله الذي لا مغني سواه ومن شعره أيضا
( بروحي أفدي خاله فوق خده ** ومن أنا في الدنيا فأفديه بالمال )
( تبارك من أخلى من الشعر خده ** وأسكن كل الحسن في ذلك الخال )
وقال هو ما أحسن قول ابن أبي حجلة
( تفرد الخال عن شعر بوجنته ** فليس في الخد غير الخال والخفر )
( يا حسن ذاك محيا ليس فيه سوى ** خال من المسك في خال من الشعر )
توفي صاحب الترجمة في شعبان وفيها شمس الدين أبو القسم محمد بن علي بن عبد الله اليمني أقام بمصر ملازما لعز الدين بن جماعة وكان فاضلا شافعيا ووقع بينه وبين الأكمل فنزح إلى الشام فأكرمه التاج السبكي وأنزله ببعض الخوانق
ثم ترك ذلك زهدا قال ابن حجي كان فاضلا مفتيا وقال ابن حجر وقفت له على عدة تصانيف لطاف تدل على اتساعه في العلم توفي مطعونا
وفيها محمد بن أبي محمد الشافعي قال ابن حجر قدم القاهرة من بلاد العجم وأخذ عن القطب التحتاني وبرع في المعقول وقرر له منكلي بغا معلوما على تدريس بالمارستان المنصوري ثم قرره في تدريس الفقه بالمنصورية ثم ولي تدريس جامع المارداني وأعاد تدريس الشافعي وشغل الناس كثيرا وانتفعوا به مات في مستهل ذي الحجة وفيها أبو موسى محمد بن محمود بن إسحق بن أحمد الحلبي ثم المقدسي المحدث الفاضل سمع من ابن الخباز وابن الحموي وغيرهما ولازم صلاح الدين العلائي وغيره وقدم دمشق فلازم ابن رافع وبرع في هذا الشأن وجمع تاريخ بيت المقدس وكان حنفيا فتحول شافعيا بعناية تاج الدين البلعبكي وله وفيات مختصرة إلى قرب هذه السنة توفي في رمضان وفيها جمال الدين أبو المظفر يوسف بن محمد بن مسعود بن محمد بن علي بن إبراهيم العبادي ثم العقيلي السرمري الحنبلي الشيخ العالم المفنن الحافظ ولد في رجب سنة ست وتسعين وستمائة وتفقه ببغداد على الشيخ صفي الدين عبد المؤمن وغيره ثم قدم دمشق وتوفي بها ومن تصانيفه نظم مختصر ابن رزين في الفقه ونظم الغريب في علوم الحديث لأبيه نحو من ألف بيت ونشر القلب الميت بفضل أهل البيت وغيث السحابة في فضل الصحابة والأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة وعقود اللآلي في الأمالي وعجائب الاتفاق والثمانيات قال ابن حجي رأيت بخطه ما صورته مؤلفاتي تزيد على مائة مصنف كبار وصغار في بضعة وعشرين علما ذكرتها على حرف المعجم في الروضة المورقة في الترجمة المونقة وقد أخذ عنه ابن رافع مع تقدمه عليه وحدث عنه وذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه توفي في جمادى الأولى
سنة سبع وسبعين وسبعمائة
فيها كان الغلاء بحلب حتى بيع المكوك بثلثمائة ثم زاد إلى أن بلغ الألف حتى أكلوا الميتة والقطاط والكلاب وباع كثير من المقلين أولادهم وافتقر خلق كثير ويقال أن بعضهم أكل بعضا حتى أكل بعضهم ولده ثم أعقب ذلك الوباء حتى فنى خلق كثير حتى كان يدفن العشرة والعشرون في القبر الواحد بغير غسل ولا صلاة ويقال أنه دام بتلك البلاد الشامية ثلاث سنين لكن أشده كان في الأولى
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن علم الدين محمد بن أبي بكر الأخنائي وكان شافعي المذهب وحفظ التنبيه ثم تحول مالكيا كعمه سمع على الحجار وغيره وولي الحسبة ونظر الخزانة وناب في الحكم ثم ولي القضاء استقلالا إلى أن مات وكان مهيبا صارما قوالا بالحق قائما بنصر الشرع رادعا للمفسدين وقد صنف مختصرا في الأحكام مات في رجب
وفيها أحمد بن عبد الكريم بن أبي بكر بن أبي الحسن البعلبكي الحنبلي الصوفي المسند سمع صحيح مسلم من زينب بنت كندي وسمع من اليونيني وغيره وأجاز له أبو الفضل بن عساكر وابن القواس وحدث بالكثير وارتحلوا إليه واستدعاه التاج السبكي سنة إحدى وسبعين إلى دمشق فقرأ عليه الصحيح قال ابن حجي كان خيرا حسنا أخرجت له جزءا توفي مناهزا للتسعين وفيها القاضي جمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن الياس بن الخضر الدمشقي المعروف بابن الرهاوي الشافعي أدرك الشيخ برهان الدين وحضر عنده وتفقه على جماعة من علماء العصر وقرأ بالروايات واشتغل بالعربة وقرأ الأصول والمنطق على الشمس الأصفهاني ودرس وأفتى وتعانى الحساب ودرس بالمسرورية والكلاسة وولي وكالة بيت المال وقام على القاضي تاج الدين وآذاه من حوله فمقته أكثر الناس لذلك وناب في الحكم عن البلقيني ودرس بالشامية البرانية ثم أخذت منه بعد شهر ودرس بالناصرية الجوانية ثم أخذت منه وأوذي وصودر بعد موت القاضي تاج الدين وحصل له خمول إلى أن توفي في ربيع الأول عن
سبع وسبعين سنة وفيها شهاب الدين أحمد بن يوسف بن فرج الله بن عبد الرحيم الشار مساحي نسبة إلى شار مساح بلد قرب دمياط الشافعي تققه على الشيخ جمال الدين الأسنوي وغيره وبرع في الفقه والأصول وولي قضاء المحلة ومنفلوط ودمياط وغيرها وكان موصوفا بالفضل والعقل وفيها شرف الدين الحسين ابن عمر بن الحسن بن عمر بن حبيب الحلبي رحل وجمع وأفاد وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال شاب متيقظ سمع وخرج وكتب عني الكاشف اعتنى به أبوه بحلب وسمع بنفسه من بنت صصرى وغيرها وكان مولده في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وأخذ عن والده وعبد الرحمن وإبراهيم ابني صالح وغيرهما انتهى وشرح الفهرست والمشيخة وأخذ عنه ابن أبي العشاير ووصفه بالفضل وكان يوقع على الحكم توفي بحلب في ذي الحجة
وفيها أبو يعلى حمزة بن علي بن محمد بن أبي بكر بن عمر بن عبد الله السبكي المالكي سمع من الدبوسي والواني وهذه الطبقة وكتب وطلب ودرس وناب في الحكم ووقع في الدست وفي الأحباس وله المام بالحديث مات راجعا من الحج ودفن برابع عن نحو ثمانين سنة وفيها ذو النون بن أحمد بن يوسف السرماري بضم السين المهملة وسكون الراء نسبة إلى سرمارى قرية ببخارى الحنفي يعرف بالفقيه أخذ عن مشايخ أذربيجان وديار بكر وغيرهم ونزل عنتاب في حدود الستين فأقام بها يشغل الطلبة وشرح مقدمة أبي الليث وقصيد البستي وتصدر بجامع النجار بجوار ميدان عنتاب وكان قائما بالأمر بالمعروف شديدا في ذلك إلى أن مات في رمضان قاله العيني في تاريخه
وفيها بهاء الدين عبد الله بن رضي الدين محمد بن أبي بكر بن خليل من ذرية عثمان بن عفان العسقلاني ثم المكي الشافعي نزيل الجامع الحاكمي بالقاهرة ولد آخر سنة أربع وتسعين وستمائة وطلب العلم صغيرا بمكة فسمع من الصفي والرضي الطبريين والتوزري وغيرهم وارتحل إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وتفقه بالعلاء القونوي والتبريزي والأصبهاني وأخذ عن أبي حيان وغيرهم وأخذ عن ابن الفركاح ورجع إلى مصر فاستوطنها وحفظ المحرر ومهر في الفقه والعربية واللغة والحديث وقد بالغ الذهبي في الثناء عليه في
بيان زغل العلم وغيره وقال في معجمه الكبير المحدث القدوة هو ثوب عجيب في الورع والدين والانقباض وحسن السمت وقال في المعجم المختص هو الإمام القدوة أتقن الحديث وعنى به ورحل فيه وقال الشيخ شهاب الدين بن النقيب بمكة رجلان صالحان أحدهما يؤثر الخمول وهو ابن خليل والآخر يؤثر الظهور وهو اليافعي وكان ابن خليل ربما عرضت له جذبة فيقول فيها أشياء وتصدى للأسماع في أواخر زمانه ومع ذلك فلم يحدث بجميع مسموعاته لكثرتها توفي بالقاهرة في جمادى الأولى ودفن بتربة تاج الدين بن عطا بالقرافة وشهد جنازته ما لا يحصى كثرة وفيها علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد بن الهمام بن محمد بن إبراهيم بن حسان الأنصاري الدمشقي بن الشاطر ويعرف أيضا بالمطعم الفلكي كان أوحد زمانه في ذلك مات أبوه وله ست سنين فكفله جده وأسلمه لزوج خالته وابن عم أبيه علي بن إبراهيم بن الشاطر فعلمه تطعيم العاج وتعلم علم الهيئة والحساب والهندسة ورحل بسبب ذلك إلى مصر والأسكندرية وكانت لا تنكر فضائله ولا يتصدى للتعليم ولا يفخر بعلومه وله ثروة ومباشرات ودار من أحسن الدور وضعا وأغربها وله الزيج المشهور والأوضاع الغريبة المشهورة التي منها البسيط الموضوع في منارة العروس بجامع دمشق يقال أن دمشق زينت عند وضعه وفيها علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن حجر العسقلاني ثم المصري الكناني الشافعي قال ولده الحافظ ابن حجر في أنباء الغمر بأنباء العمر ولد في حدود العشرين وسبعمائة وسمع من أبي الفتح بن سيد الناس واشتغل بالفقه والعربية ومهر في الآداب وقال الشعر فأجاد ووقع في الحكم وناب قليلا عن ابن عقيل ثم ترك لجفاء ناله من ابن جماعة وأقبل على شأنه وأكثر الحج والمجاورة وله عدة دواوين منها ديوان الحرم مدايح نبوية ومكية في مجلدة وكان موصوفا بالفضل والمعرفة والديانة والأمانة ومكارم الأخلاق ومن محفوظاته الحاوي وله استدراك على الأذكار للنووي فيه مباحث حسنة وهو القائل
( يا رب أعضاء السجود عتقتها ** من عبدك الجاني وأنت الواقي )
( والعتق يسري بالغنى ياذا الغنى ** فانعم على الفاني بعتق الباقي )
تركني لم أكمل أربع سنين وأنا الآن أعقله كالذي يخيل الشيء ولا يتحققه وتوفي يوم الأربعاء خامس عشرى رجب وأحفظ منه أنه قال كنية ولدي أحمد أبو الفضل انتهى ملخصا وفيها كمال الدين عمر بن إبرهيم بن عبد الله الحلبي بن العجمي الشافعي ولد سنة أربع وسبعمائة وسمع من الحجار والمزي وغيرهما وعنى بهذا الشأن وكتب الأجزاء والطباق ورحل إلى مصر والأسكندرية ودمشق وسمع من أعيان محدثيها وأفتى فانتهت إليه رياستها بحلب مع الشهاب الأذرعي وذكره الذهبي في معجمه المختص وأثنى عليه ابن حبيب وصنف في الفقه وغيره وتوفي بحلب في ربيع الأول ودفن بتربة جده خارج باب المقام
وفيها كليم بنت محمد بن محمود بن معبد البعلية روت عن الحجار وعنها ابن ردس وغيره وتوفيت في صفر وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عرية الربعي الأسكندراني سمع من ابن مخلوف وخلائق لا تحصى وعنى بهذا الفن وكتب العالي والنازل وخرج له بعض مشايخه وخرج له الكمال الأدفوي مشيخة حدث بها ومات قبله وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن سليمان بن خطيب يبرود الشافعي ولد في سنة سبعمائة أو في التي بعدها واشتغل بالعلم وعنى بالفقه والأصول والعربية وأخذ عن ابن الفركاح وابن الزملكاني وغيرهما وأفتى وولي تدريس أماكن كالشامية الكبرى بدمشق ومدرسة الشافعية بالقرافة قال ابن حجي كان من أحسن الناس القاءا للدرس ينقب ويحرر ويحقق وكان الغالب عليه الأصول وقال العثماني كان يضرب بتواضعه المثل وكان من أئمة المسلمين في كل فن مجمع على جلالته مسددا في فتاويه وولي قضاء المدينة وحدث عن الحجار وغيره توفي بدمشق في شوال ودفن بباب الصغير عند الشيخ حماد
وفيها بهاء الدين أبو البقاء محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي
الشافعي ولد كما قال ابن رافع سنة سبع وسبعمائة وتفقه على القطب السنباطي والمجد الزنكلوني وغيرهما ولازم أبا حيان والجلال القزويني وابن عم أبيه تقي الدين السبكي وغيرهم وسمع من وزيرة والحجار والواني وغيرهم وحدث عنهم وانتقل إلى دمشق سنة تسع وثلاثين عام ولي قريبه تقي الدين القضاء وناب عنه في الحكم بدمشق ثم ولي استقلالا بعد صرف تاج الدين السبكي مدة شهر واحد ثم ولي قضاء طرابلس ثم رجع إلى القاهرة فولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال ثم ولي قضاءها في سنة ست وستين بعد العز بن جماعة ثم ولي قضاء دمشق ومات بها وكان الأسنوي يقدمه ويفضله على أهل عصره وكان العماد الحسباني يشهد أنه يحفظ الروضة وكان هو يقول أعرف عشرين علما لم يسألني عنها بالقاهرة أحد ومع سعة علمه لم يصنف شيئا وكان يقول أقرأت الكشاف بعدد شعر رأسي وتقدم على شيوخ الشام وله بضع وثلاثون سنة وذكره الذهبي في المعجم المختص وأثنى عليه وقال ابن حبيب شيخ الإسلام وبهاؤه ومصباح أفق الحكم وضياؤه وشمس الشريعة وبدرها وحبر العلوم وبحرها كان إماما في المذهب طرازا لردائه المذهب رأسا لذوي الرياسة والرتب حجة في التفسير واللغة والنحو والأدب قدوة في الأصول والفروع رحلة لأرباب السجود والركوع مشهور في البلاد والأمصار سالك طريق من سلف من سالفة الأنصار درس وأفاد وهدى بفتاويه إلى سبيل الرشاد توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون بتربة السبكيين
وفيها شمس الدين محمد بن سالم بن عبد الرحمن بن عبد الجليل الشيخ الإمام العالم العامل المفتي الحنبلي الدمشقي ثم المصري كان مقيما بالشام فحصل له رمد ونزل بعينيه ماء فتوجه إلى مصر للتداوي ونزل في مدارس الحنابلة وحصل له تدريس مدرسة السلطان حسن وتوفي يوم السبت سادس عشرى شعبان بالقاهرة
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن اسباسلار البعلي الحنبلي الشيخ الإمام العلامة البارع الناقد المحقق أحد مشايخ المذهب له مختصر في الفقه
سماه التسهيل عبارته وجيزة مفيدة وفيه من الفوايد ما لم يوجد في غيره من المطولات أثنى عليه العلماء وفيها جمال الدين محمد بن عمر بن الحسن بن حبيب ولد سنة اثنتين وسبعمائة وأحضر على سنقر الزيني وسمع من بيبرس العديمي وجماعة وخرج له أخوه الحسين مشيخة وحدث بالكثير ببلده وبمكة وكان خيرا توفي في جمادى بالقاهرة فإنه كان رحل بولده ليسمعه فأسمعه بدمشق من ابن أميلة وغيره ثم توجه إلى مصر فأدركه أجله بها وكان عنده من سنقر عدة كنت منها السنن لابن الصباح سمعه منه محدث حلب الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي وفيها صلاح الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن علي بن صورة الشافعي تفقه بالتاج التبريزي والشمس الأصبهاني وبهاء الدين بن عقيل وناب عنه في الحكم بجامع الصالح وسمع الحديث من عبد الله بن هلال والمزي وغيرهما وكان من أعيان الشافعية
سنة ثمان وسبعين وسبعمائة
فيها كما قال ابن حجر ظهر بدمشق نجم كبير له ذؤابة طويلة من ناحية المغرب وقت العشاء وفي آخر الليل يظهر مثله في شرقي قاسيون
وفيها توفي فخر الدين إبرهيم بن إسحق بن يحيى بن إسحق الآمدي ثم الدمشقي ولد سنة خمس وتسعين وستمائة وسمع من ابن مشرف وابن الموازيني وخلق وأجيز من بغداد ودمشق والأسكندرية وخرج له صدر الدين بن إمام المشهد مشيخة وقد ولي نظر الإمام والأوقاف ثم نظر الجيش والجامع بدمشق وغير ذلك من المناصب الجليلة وكان مشكور السيرة معظما عند الناس وحدث له في آخره صمم وحدث بمصر ودمشق وتوفي في ربيع الأول
وفيها أحمد بن سالم بن ياقوت المكي المؤذن شهاب الدين ولد سنة ست أو سبع وتسعين وستمائة وسمع من الفخر التوزري وتفرد بالسماع منه وسمع من الصفي
والرضى الطبريين وغيرهما وكان إليه أمر زمزم وسقاية العباس
وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني المحدث ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة بدمشق من على الجزري والذهبي وغيرهما وبمصر من الميدومي وبالقدس من علي بن أيوب وغيره وحصل الكتب والأجزاء ودار على الشيوخ ورافق الشيخ زين الدين العراقي كثيرا وأسمع أولاده وصنف لغات مسلم وشرح الإلمام ودرس في الحديث بمدارس وناب في الحكم وكان محمود الخصال توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو البركات أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد سبعة في نسق سابعهم ابن أبي بكر بن جماعة الزهري بن النظام القوصي ثم المصري ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع من الواني والدبوسي والحجار وغيرهم وحدث وفيها عماد الدين إسمعيل بن خليفة بن عبد العالي النابلسي الأصل الحسباني الشافعي الإمام العلامة أبو الفداء أخذ بالقدس عن تقي الدين القلقشندي ولازمه حتى فضل وقدم دمشق فقرر فقيها بالشامية البرانية ولم يزل في نمو وازدياد واشتهر بالفضيلة وزلام الفخر المصري حتى أذن له بالإفتاء وأفتى ودرس وأفاد وقصد بالفتاوى من البلاد وناب في الحكم قال الحافظ ابن حجي أحد أئمة المذهب والمشار إليهم بجودة النظر وصحة الفهم وفقه النفس والذكاء وحسن المناظرة والبحث والعبارة وكانت له مشاركة في غير الفقه ونفسه قوية في العلم وقال غيره شرح المنهاج في عشرة أجزاء ولم يشتهر لأن ولده لم يمكن أحدا من كتابته فاحترق غالبه في الفتنة وكان الأذرعي ينقل منه كثيرا وكتب منه نسخة لنفسه توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بباب الصغير قبلي جراح
وفيها تقي الدين أبو الفدا إسمعيل بن علي بن الحسن بن سعيد بن صالح شيخ الفقهاء الشافعية القلقشندي المصري نزيل القدس وفقيهه ولد سنة اثنتين وسبعمائة بمصر وقرأ بها وحصل ثم قدم دمشق بعد الثلاثين فقرأ على الفخر المصري فأجازه بالإفتاء وسمع الحديث الكثير وحدث وأقام بالقدس مثابرا على نشر العلم والتصدي
لإقراء الفقه وشغل الطلبة وزوجه مدرس الصلاحية يومئذ الشيخ صلاح الدين العلائي ابنته وصار معيدا عنده بها وجاءه منها أولاد أذكياء علماء واشتهر أمره وبعد صيته بتلك البلاد ورحل إليه وكثرت تلامذته قال ابن حجي وممن تخرج به الإمام عماد الدين الحسباني وانتفع به أيضا حموه وكان حافظا للمذهب يستحضر الروضة دينا مثابرا على الخيرات توفي في جمادى الآخرة بالقدس وقال ابن حجر حدث بالصحيح لمسلم عن الشريف موسى وبالصحيح عن الحجار
وفيها عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول اليماني الملك الأفضل صاحب زبيد وتعز ولي سنة أربع وستين وقام في إزالة المتغلبين من بني منكال إلى أن استبد بالمملكة وكان يحب الفضل والفضلاء وألف كتابا سماه نزهة العيون وغير ذلك وله مدرسة بتعز وأخرى بمكة مات في ربيع الأول
وفيها جمال الدين عبد الله بن كمال الدين محمد بن إسمعيل بن أحمد بن سعيد الحلبي ثم المصري ابن الأثير ولد سنة ثمان وسبعمائة وسمع من الحجار ووزيرة وحدث بالصحيح وكان ماهرا في العربية وقد ولي كتابة السر بدمشق ثم انقطع للعبادة بالقاهرة ومات بها في جمادى الآخرة وفيها تقي الدين عبد الله بن محمد بن الصايغ ولد سنة ثلاث وسبعمائة وسمع من إسحق الآمدي والحجار وغيرهما وأجاز له ابن مكتوم وعلي بن هرون وغيرهما وكان أحد الرؤساء بدمشق منور الشيبة حسن الصورة مات في رجب وفيها فخر الدين عثمان بن أحمد بن عثمان الزرعي بن شمرنوح الشافعي قاضي حلب قال ابن حبيب حكم بطرابلس وحلب عشرين سنة وكان موصوفا بالرياسة والفضل والإحسان والتواضع والبر ومعرفة الأحوال وفيها علاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان بن أسعد ابن المنجا الشيخ الكبير الصالح الحنبلي سمع صحيح البخاري من وزيرة وسمع من عيسى المطعم وغيره وحدث فسمع منه الشيخ شهاب الدين بن حجي وقال هو من بيت كبير
ورجل جيد وهو أخو الشيخة فاطمة بنت المنجا شيخة ابن حجر العسقلاني التي أكثر عنها عاشت بعده بضعا وعشرين سنة حتى كانت خاتمة المسندين بدمشق توفي في ربيع الآخر عن ثمان وستين سنة وفيها عمر بن حسن بن يزيد بن أميلة بن جمعة بن عبد الله المراغي ثم المزي ولد سنة ثمانين وستمائة وقال البرزالي سنة اثنتين وثمانين وهو المعتمد وأسمع على الفخر بن البخاري جامع الترمذي وسنن أبي داود ومشيخته تخريج ابن الظاهري وذيلها للمزي والشمائل وتفرد بالسنن والجامع والذيل ورحل الناس إليه وكان صبورا على السماع وأم بجامع المزة مدة وحدث نحوا من خمسين سنة وسمع من جماعات وخرج له الناس في مشيخة لطيفة وقرأ القراءات على ابن بصخان وله شعر وسط منه
( ولي عصا من جريد النخل أحملها ** بها أقدم في نقل الخطا قدمي )
( ولي مآرب أخرى أن أهش بها ** على ثمانين عاما لا على غنمي )
توفي في ربيع الآخر عن مائة سنة وفيها عمر السلفي الشافعي من فقهاء المقادسة مات في رجب كذا ذكره ابن حجر وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن المظفر السبكي المصري ابن السكري المسند سمع من وزيرة مسند الشافعي وحدث به وله إجازة من جماعة من المصريين وقد ذكره البرزالي من مسندي مصر وفيها بدر الدين محمد بن علي بن منصور الحلبي ثم الدمشقي ابن قوالح ولد سنة خمس وتسعين وستمائة وأحضر على أبي الفضل بن عساكر فسمع منه صحيح مسلم وسمع صحيح البخاري من اليونيني ومن ابن القواس عمل اليوم والليلة لابن السني بفوت ودرس في العربية أكثر من ستين سنة حتى أن النجم القحفازي كان منزلا عنده ومات قبله بمدة طويلة وتفرد قاله ابن حجي وفيها نصير الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر هو ابن المؤرخ شمس الدين الجزري ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وأسمع من
المطعم والشيرازي وغيرهما ثم طلب بنفسه بعد الثلاثين فقرأ الكتب وسمع وكتب الأجزاء واشتغل بالفقه وربما كتب على الفتوى وكان السبكي فمن دونه يرجعون إلى قوله وولي مباشرة الأيتام وكان مشكور السيرة ذا همة عالية توفي في جمادى الآخرة
وفيها محب الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدايم الحلبي ناظر الجيش الشافعي ولد سنة سبع وتسعين وستمائة واشتغل ببلاده ثم قدم القاهرة ولازم أبا حيان والتاج التبريزي وغيرهما وحفظ المنهاج والألفية وبعض التسهيل وتلا بالسبع على الصايغ ومهر في العربية وغيرها ودرس فيها وفي الحاوي وسمع من الشريف موسى وست الوزراء وغيرهما وحدث وأفاد وخرج له الياسوفي مشيخة وشرح التسهيل إلا قليلا وشرح تلخيص المفتاح شرحا مفيدا وكانت له في الحساب يد طولى وولي نظر الجيش ونظر البيوت والديوان وكان عالي الهمة نافذ الكلمة كثير البذل والجود والرفد للطلبة والرفق بهم وكان من العجائب قال ابن حجر أنه مع فرط كرمه في غاية البخل على الطعام وكان كثير الظرف والنوادر وبلغت مرتباته في الشهر ثلاثة آلاف وكان من محاسن الدنيا مع الدين والصيانة توفي في ثاني عشر ذي الحجة وفيها قاضي القضاة شرف الدين أبو البركات موسى بن فياض بن عبد العزيز بن فياض الحنبلي الفندقي النابلسي الشيخ الإمام الحبر سمع من جماعة منهم أبو بكر بن عبد الدايم وعيسى المطعم وحدث وباشر حاكما رابعا ولي قضاء حلب سنة ثمان وأربعين وهو أول من ولي قضاء قضاة الحنابلة بها وكان طارحا للتكلف جزيل الديانة والتعفف مقبلا على العبادة وأجاز لجماعة منهم الشيخ شهاب الدين بن حجي توفي في ذي القعدة بحلب
وفيها جمال الدين يوسف بن أحمد بن سليمان المعروف بابن الطحان الحنبلي الشيخ الإمام الأوحد ذو الفنون قال شيخ الإسلام بن مفلح كان بارعا في الأصول أخذه عن الشيخ شهاب الدين الأخميمي وأخذ العربية عن العنائي وتفقه في المذهب على ابن مفلح صاحب الفروع وغيره وكان بارعا في المعاني والبيان صحيح
الذهن حسن الفهم جيد العبارة إماما نظارا مفتيا مدرسا حسن السيرة عنده أدب وتواضع وله ثروة توفي بالصالحية يوم السبت سادس عشرى شوال وله نحو أربعين سنة وفيها جمال الدين يوسف بن عبد الله بن حاتم بن محمد بن يوسف الشهير بابن الحبال الحنبلي قال العليمي هو المسند المعمر سمع من القاضي تاج الدين بن عبد الخالق وابن عبد السلام وغيرهما قال الشيخ شهاب الدين بن حجي سمعنا عليه مرارا مسند الشافعي رضي الله عنه توفي ببعلبك عشية يوم الخميس سابع رجب وصلى عليه من الغد عقب صلاة الجمعة ودفن بباب سطحا
سنة تسع وسبعين وسبعمائة
فيها توفي أحمد بن علي بن عبد الرحمن العسقلاني الأصل المصري المشهور بالبلبيسي الملقب سمكة كان بارعا في الفقه والعربية والقراءات وكان الأسنوي يعظمه وهو من أكابر من أخذ عنه واشتغل وبرع وأخذ عن علماء مصر وسمع من الميدومي وغيره قال ابن حجر ورافق شيخنا العراقي في سماع الحديث وقرأ بالروايات وكان خيرا متواضعا مات في المحرم وفيها أبو جعفر أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي الأندلسي رفيق محمد بن جابر الأعمى شارح الألفية وهما المشهوران بالأعمى والبصير قال في أنباء الغمر ارتحل إلى الحج فرافق أبا عبد الله بن جابر الأعمى تصاحبا وترافقا إلى أن صارا يعرفان بالأعميين وسمعا في الرحلة من أبي حيان وأحمد بن علي الجزري والحافظ المزي وغيرهم وكان أبو جعفر شاعرا ماهرا عارفا بفنون الأدب وكان رفيقه عالما بالعربية مقتدرا على النظم واستوطنا البيرة من عمل حلب وانتفع بهما أهل تلك البلاد وقال السيوطي في طبقات النحاة أقام أبو جعفر بحلب نحو ثلاثين سنة وكان عارفا بالنحو وفنون اللسان مقتدرا على النظم والنثر دينا حسن الخلق كثير التأليف في العربية وغيرها شرح بديعية رفيقه وأجاز لأبي حامد بن ظهيرة مولده بعد السبعمائة ومات منتصف رمضان ومن شعره
( لا تعادي الناس في أوطانهم ** قلما يرعى عريب الوطن )
( وإذا ما عشت عيشا بينهم ** خالق الناس بخلق حسن )
وفيها أحمد بن أبي الخير اليمني الصياد أحد المشهورين بالصلاح والكرامات من أهل اليمن كان محافظا على التقوى معظما في النفوس اجتمع هو ورجل من الزيدية فتوافقا على دخول الخلوة وإقامة أربعين يوما لا أكل ولا شرب فضج الزيدي من رابع يوم فأخرج وثبت ابن الصياد إلى آخر الأربعين فتاب الزيدي على يده هو وجميع من معه وتوفي في شوال وله أربعون سنة وفيها الأمير اقتمر الحنبلي الصالحي كان من مماليك الصالح إسمعيل وولي رأس نوبة في دولة المنصور بن المظفر ثم خازندارا في دولة الأشرف ثم تقدم في سنة سبعين ونفاه الجائي إلى الشام ثم أعيد بطالا ثم استقر رأس نوبة ثم نايب السلطنة بعد منجك ثم قرر في نيابة الشام إلى أن توفي بها في هذه السنة في رجبها وكان أولا يعرف بالصاحبي وكان يرجع إلى دين وعنده وسواس كثير في الطهارة وغيرها فلقب لذلك الحنبلي ثم ذكره الحنابلة في طبقاتهم وكان يحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وفيها زين الدين أبو بكر بن علي بن عبد الملك الماروني المالكي قاضي دمشق بعد موت المسلاتي ثم قاضي حلب ثم عزل واستمر بدمشق بعد ذلك إلى أن مات وكان سمع من ابن مشرف مشاركا في العلوم إلا أنه كان بذيء اللسان مع حسن صورته مات فجاءة في شوال بدمشق وبلغ السبعين قاله ابن حجر
وفيها أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطرسوسي القاضي الحنفي سمع من عمه العماد علي بن أحمد الطرسوسي الحنفي القاضي وأبي نصر الشيرازي وغيرهما وتوفي في شوال وكان يعرف بابن أخي القاضي وفيها الحسن بن أحمد بن هلال بن سعد بن فضل الله الصرخدي ثم الصالحي المعروف بابن هبل الطحان ولد سنة ثلاث وثمانين وستمائة وسمع من الفخر بن البخاري ومن التقي الواسطي وأجازا له وسمع بنفسه من التقي سليمان وأخيه وفاطمة بنت سليمان والدمشقي وعثمان
الحمصي وعيسى المغاري وغيرهم وحدث بالكثير ورحل إليه الناس وتوفي في صفر
وفيها بدر الدين أبو محمد الحسن بن عمر بن حسن بن عمر بن حبيب بن عمر بن سريح بن عمر الدمشقي الأصل الحلبي ولد بحلب سنة عشر وأحضر في الشهر العاشر من عمره على إبراهيم وعبد الرحمن ابني صالح بن العجمي وأحضر على بيبرس العديمي وغيره ورحل فسمع بالقاهرة من محمد بن معضاد ومحمد بن غالي وعبد المحسن ابن الصابوني ويحيى بن المصري وغيرهم واشتغل وبرع إلى أن صار رأسا في الأدب والشروط ثم انتقى وخرج وأرخ وتعانى في تأليفه السجع وناب في الحكم ووقع في الإنشاء وصنف فيها واشتهر بالأدب ونظم ونثر وجمع مجاميع مفيدة ثم لزم بيته بآخره مقبلا على التصيف فمنها درة الأسلاك في دولة الأتراك وتذكرة النبيه في أيام المنصور وبنيه وكان دمث الأخلاق حسن المحاضرة حميد المذاكرة مات ضحى يوم الجمعة حادي عشر ربيع الآخر بحلب عن تسع وستين سنة وهو والد الشيخ زين الدين طاهر وقد ذيل على تايخه وفيها زينة بنت أحمد بن عبد الخالق بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يونس الموصلية وسمعت من عيسى المطعم وابن النشو وغيرهما وحدث بالكثير وتوفيت في شعبان وفيها محمد بن عبد الله الطرابلسي الحلبي الشافعي الفروع الحنبلي الأصول صاحب ابن القيم حمل عنه الكثير وكان فاضلا مشهورا وذهنه جيد وله نظم حسن وكان قصيرا جدا ولم يعاشر الفقهاء ودرس بالظاهرية ومات في رمضان وفيها مجد الدين أبو سالم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة الحلبي جال في بلاد العجم ولقي العلماء بها واشتغل بالمعاني وغيرها وقال الشعر وكان يذكر أنه سمع المشارق من محمد بن محمد بن الحسين بن أبي العلاء الفيروزبادي بسماعه من محمد بن الحسين بن أحمد النيسابوري المعروف بالخليفة عن مؤلفه وحدث بشيء من ذلك بحلب ومن نظمه
( أبا سالم اعمل لنفسك صالحا ** فما كل من لاقي الحمام بسالم )
وفيها مجد الدين محمد بن محمد بن إبراهيم البلبيسي الأسكندراني الأصل موقع
الحكم سمع من الواني والمزي وغيرهما وتفقه بالمجد الزنكلوني وأخذ عن ابن هشام وعنى بالحساب فكان رأسا فيه وفي الشروط وانتهت إليه معرفة السجلات وكان يوقع عن المالكية وينوب عن الحنفية ومن مصنفاته حاشية على المعونة وشرحه للوسيلة عاش ستين سنة وفيها جمال الدين أبو بكر محمد بن الإمام العلامة كمال الدين أبي العباس أحمد بن الإمام جمال الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن سحمان الإمام العلامة الشافعي بقية السلف القاضي البكري الوائلي الشريشي الأصل الدمشقي مولده سنة أربع أو خمس وتسعين وستمائة وأحضر على جماعة وسمع من جماعة وأجاز له آخرون واشتغل في صباه وتفنن في العلوم واشتهر بالفضيلة ودرس في حياة والده ثم بعد وفاته بالرباط الناصري ثم بعدة مدارس وأفتى كل ذلك وهو في سن الشبيبة ثم ولاه القاضي علاء الدين القونوي قضاء حمص فنزح إلى هناك وأقام زمنا طويلا ثم قدم دمشق في أول ولاية السبكي فولي تدريس البادرائية في سنة إحدى وأربعين وأقام يشغل الناس في الجامع ويفتي ثم نزل عن البادرائية لولده شرف الدين سنة خمسين والإقبالية لولده بدر الدين وتوجه إلى مصر سنة تسع وسنتين فولاه البلقيني نيابة في الطريق ثم توجه هو إلى القاهرة وعاد المترجم إلى دمشق وباشر تدريس الشامية البرانية والحكم يوما واحدا ثم مرض ومات وحدث بمصر والشام واختصر الروضة وشرح المنهاج في أربعة أجزاء وله زوايد على المنهاج وكان حسن المحاضرة دمث الأخلاق وله خطب ونظم توفي في شوال ودفن بتربتهم في سفح قاسيون وفيها جمال الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن عبد الرحمن السامي نزيل المدينة تفقه بالعماد الحسباني وأخذ عن تقي الدين ابن رافع وغيره وسمع من ابن أميلة وغيره وتخرج بالعفيف المطري وسمع بمصر وغيرها وكان ترافق هو وعبد السلام الكازروني إلى مكة فيقال أنه دس عليهما سم بسبب من الأسباب فقتلهما فمات السامي في صفر والكازروني بعده بأيام وقد حدث باليسير ولم يكمل الأربعين وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن
علي بن الشمس أحمد بن ملكان الأربلي الأصل ثم الدمشقي ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة وسمع من الحجار وغيره وحدث عن الحنبلي بالمنتقى من النسفي ومات في ربيع الآخر وفيها شرف الدين محمد بن محمد بن مشرف بن منصور بن محمود الزرعي قاضي عجلون كان من الفضلاء حسن السيرة مات بدمشق في ربيع الأول قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن بدر الدين محمد بن يحيى بن عثمان بن رسلان البعلي السلاوي يعرف بابن شقرا ولد بعد السبعمائة وسمع سنة سبع وسبعمائة من شمس الدين بن أبي الفتح وبعد ذلك من القطب اليونيني وجماعة وحدث فأخذ عنه الياسوفي وابن حجر وغيرهما ومات في جمادى الأول وفيها بدر الدين محمد بن ميكال اليمني بن أمير حرس والمهجم وغيرهما من بلاد اليمن خرج على المجاهد وادعى أنه حسنى وخطب له بالسلطنة على المنابر ومات المجاهد في غضون ذلك فنهض الأفضل لحربه إلى أن فر فلجأ إلى الإمام الزيدي بصعدة فأقام عنده إلى أن مات في هذه السنة
وفيها محمود بن أحمد الحلبي الجندي قال ابن حجر إمام فارس اشتغل كثيرا بحلب ومهر وحفظ كتبا وبحث وقرأ ثم قدم دمشق فمات بها وهو شاب وله دون الأربعين وفي حدودها العلامة عز الدين يوسف الأردبيلي الشافعي صاحب كتاب الأنوار في الفقه ذكره العثماني في طبقاته فيمن هو باق إلى سنة خمس وسبعين وقال كبير القدر غزير العلم أناف على التسعين جمع كتابا في الفقه سماه الأنوار مجلدان لطيفان عظيم النفع اختصر به الروضة وغيرها وجعله خلاصة المذهب وهو باق بأردبيل أفاض الله عليه فضله الجزيل انتهى وله شرح مصابيح البغوي في ثلاثة أجزاء وفي حدودها أيضا الأمير الفاضل ناصر الدين محمد بن المقر الأشرف العالي الأمير البدري حسن كلي أحد الأمراء الكبار بالديار المصرية كان فقيها حنبليا فاضلا ذكيا له خط حسن إلى الغاية وشعره في غاية الحسن منه قوله
( قلب المتيم كاد أن يتفتتا ** فإلى متى هذا الصدود إلى متى )
( يا معرضين عن المشوق تلفتوا ** فعوايد الغزلان أن تتلفتا )
( كنا وكنتم والزمان مساعد ** عجبا لذاك الشمل كيف تشتتا )
( صد وبعد واشتياق دائم ** ما كل هذا الحال يحمله الفتى )
وفي حدودها أيضا الشيخ أبو طاهر إبرهيم بن يحيى بن غنام المعبر الحنبلي كان فاضلا عالما وله كتاب حسن في التعبير على حروف المعجم رحمه الله تعالى
سنة ثمانين وسبعمائة
فيها كان الحريق العظيم بمصر بدار التفاح ظاهر باب زويلة لولا أن السور منع النار النفوذ لاحترق أكثر المدينة وأقام الناس في شيل التراب أكثر من ثلاثة أشهر
وفيها برهان الدين إبرهيم بن عبد الله الحكري المصري قال ابن حجر ولي قضاء المدينة وكان عارفا بالعربية وشرح الألفية ثم رجع فمات بالقدس في جمادى الآخرة وقد ناب في الحكم عن البلقيني في الخليل والقدس وأم عنه نيابة في الجامع بدمشق وفيها أبو العباس أحمد بن سليمان بن محمد العدناني البرشكي بكسر الموحدة والراء وسكون المعجمة بعدها كاف قال ابن حجر ولد صاحبنا المحدث زين الدين عبد الرحمن روى عن الوادياشي والشريف المغربي واشتغل ومهر وله حواش على رياض الصالحين للنووي في مجلد وله تأليف روى عنه عبد الله بن مسعود بن علي بن القرشية وغيره من أهل تونس وفيها أحمد بن عبد الله العجمي المعروف بأبي ذر قدم مصر بعد أن صحب الشريف حيدر بن محمد فأقام مدة ثم رجع إلى القدس وبه مات واشتهر على ألسنة العوام باذار وكان يعرف علم الحرف ويدرس كتب ابن العربي وله اشتغال في المعقول وذكاء وكان كثير التقشف وللناس فيه اعتقاد مات في ذي الحجة وقد أضر وجاوز السبعين
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن ملك بن مكتوم العجلوني بن
خطيب بيت لهيا ولد سنة تسع وسبعمائة وسمع من الحجار وإسمعيل بن عمر الحموي وغيرهما وحدث وكان رئيسا وجيها وله عدة مشاركات مات في المحرم
وفيها أبو بكر بن الحافظ تقي الدين محمد بن رافع ولد في رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة وأسمعه أبوه من زينب بنت الكمال والجزري وغيرهما وحدث ودرس بالعزيزية بعد أبيه ومات في رجب وفيها الحسن بن سالار بن محمود الغزنوي ثم البغدادي الفقيه الشافعي رحل قديما فسمع من الحجار وغيره ثم رجع وحدث ببغداد صحيح البخاري عن الحجار وتلخيص المفتاح عن مصنفه الجلال القزويني وتوفي في شوال وفيها بهاء الدين داود بن إسمعيل القلقيني نسبة إلى قرية بين نابلس والرملة كان فاضلا شافعيا درس وأفتى وسكن في حلب ذكره القاضي علاء الدين في تاريخه وفيها ضياء الدين عبد الله بن سعد الله بن محمد بن عثمان القزويني القرمي ويسمى أيضا ضياء ويعرف بقاضي القرم العفيفي الشافعي أحد العلماء تفقه في بلاده وأخذ عن القاضي عضد الدين وغيره واشتغل على أبيه البدر التستري والخلخالي وتقدم في العلم حتى أن السعد التفتازاني قرأ عليه وحج قديما وسمع من العفيف المطري بالمدينة وكان اسمه عبيد الله فغيره لموافقته اسم عبيد الله بن زياد بن أبيه قاتل الحسين وكان يستحضر المذهبين ويفتي فيهما ويحسن إلى الطلبة بجاهه وماله مع الدين المتين والتواضع الزائد وكثرة الخير وعدم الشر وكانت لحيته طويلة جدا بحيث تصل إلى قدميه ولا ينام إلا وهي في كيس وكان إذا ركب يفرقها فرقتين وكان عوام مصر إذا رأوه قالوا سبحان الخالق فكان يقول عوام مصر مؤمنون حقا لأنهم يستدلون بالصنعة على الصانع ولما قدم القاهرة استقر في تدريس الشافعية بالشيخونية والبيبرسية وغير ذلك وكان لا يمل من الاشتغال حتى في حال مشيه وركوبه ويحل الكشاف والحاوي حلا إليه المنتهى حتى قيل أنه يحفظهما وكان يقول أنا حنفي الأصول شافعي الفروع وكان يدرس دائما بغير مطالعة وكتب إليه زين الدين طاهر بن الحسن بن حبيب
( قل لرب الندى ومن طلب العلم ** مجدا إلى سبيل السواء )
( إن أردت الخلاص من ظلمة الجهل ** فما تهتدي بغير ضياء )
فأجاب
( قل لمن يطلب الهداية مني ** خلت لمع السراب بركة ماء )
( ليس عندي من الضياء شعاع ** كيف يبغى الهدى من اسم الضياء )
توفي في ثالث ذي الحجة من هذه السنة كما جزم به ابن حجر بالقاهرة
وفيها عبد الله بن عبد الله الجبرتي صاحب الزاوية بالقرافة أحد من يعتقد بالقاهرة مات في سادس عشر المحرم وفيها عبد الله بن محمد بن سهل المرسي المغربي نزيل الاسكندرية ويعرف بالشيخ نهار كان أحد من يعتقد ببلده ويذكر عنه مكاشفات كثيرة مات في جمادى الأولى قاله ابن حجر
وفيها عز الدين عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم بن العجمي الحلبي سمع من أبي بكر أحمد بن العجمي وسمع منه ابن ظهيرة والبرهان المحدث وغيرهما وكان شيخا منقطعا عن الناس من بيت كبير مات راجعا من الحج في ثالث المحرم
وفيها محي الدين عبد الملك بن عبد الكريم بن يحيى بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى القرشي بن التركي الدمشقي كان من بيت كبير بدمشق وسمع من زينب الكمال وغيرها وطلب بنفسه واشتغل وحدث وناب في الحكم ودرس وكان من الرؤساء مات في ذي القعدة ولم يكمل الخمسين وفيها علي بن صالح بن أحمد بن خلف بن أبي بكر الطيبي ثم المصري سمع من الحجار ووزيرة وحدث عن ابن مخلوف بالسادس من الثقفيات سماعا وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة بالقاهرة ومات في سابع عشر المحرم وفيها صلاح الدين محمد بن تقي الدين أحمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي مسند الدنيا في عصره ولد سنة أربع وثمانين وستمائة وتفرد بالسماع من الفخر ابن البخاري سمع منه مشيخته وأكثر مسند أحمد والشمائل والمنتقى الكبير من
الغيلانيات وسمع من التقى الواسطي وأخيه محمد وأحمد بن عبد المؤمن الصوري وعيسى المغاري والحسن بن علي الخلال والعز الفراء والتقي بن مؤمن ونصر الله بن عباس في آخرين وأجاز له في سنة خمس وثمانين جماعة من أصحاب ابن طبرزد وخرج له الياسوفي مشيخة وحدث بالإجازة عن النجم بن المجاور وعبد الرحمن بن الزين وزينب بنت مكي وزينب بنت العلم واسمع الكثير ورحل الناس إليه وتزاحموا عليه وأكثروا عنه وكان دينا صالحا حسن الاسماع خاشعا غزير الدمعة لا يكاد يمسك دمعته إذا قرىء عليه الحديث أو ذكر صلى الله عليه وسلم أم بمدرسة جده واسمع الحديث أكثر من خمسين سنة وقد أجاز لأهل مصر خصوصا من عموم قال ابن حجر فدخلنا في ذلك مات في شوال عن ست وتسعين سنة وأشهر ونزل الناس بموته درجة ودفن بتربة جده بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن جابر الأندلسي الهواري المالكي النحوي الأعمى رفيق أبي جعفر الرعيني وهما المشهوران بالأعمى والبصير كان ابن جابر هذا يؤلف وينظم والرعيني يكتب ولم يزالا هكذا على طول عمرهما إلى أن اتفق أن ابن جابر تزوج فوقع بينه وبين رفيقه فتهاجروا ومات رفيقه في العام الماضي وكتب ابن فضل الله في المسالك عن ابن جابر شيئا من شعره ومات قبله بدهر وذكر أنه حرص على أن يجتمع به فلم يتفق ذلك وذكره الصلاح الصفدي في تاريخه ومات قبله بكثير ومن تصانيف ابن جابر شرح الألفية لابن مالك وهو كتاب مفيد جليل يعتني بإعراب الأبيات وله نظم الفصيح ونظم كفاية المتحفظ وبديعيه نظمها عال وله شرح على ألفية ابن معطي في ثلاث مجلدات وأجاز لمن أدرك حياته وفيها محمد بن إسمعيل بن أحمد الدمشقي العز الأشقر الملقب بالقزل سمع المزي وابن القرشية والبرزالي وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم وحدث وكان دمث الأخلاق يحب أصحاب الحديث وأصحاب ابن تيمية وحفظ القرآن على كبر وحفظه عليه جماعة توفي في ربيع الآخر
وفيها ضياء الدين محمد بن محمد بن سعيد بن عمر بن علي الهندي الصغاني نزيل
المدينة ثم مكة الفاضل الحنفي صاحب الفنون قال ابن حجر هو والد صاحبنا شهاب الدين بن الضياء قاضي الحنفية الآن بمكة وقد ادعى والده أنهم من ذرية الصغاني وأن الصغاني من ذرية عمر بن الخطاب وكان الضياء قد سمع على الجمال المطري والقطب بن مكرم والبدر الفارقي وكان سبب تحوله من المدينة أنه كان كثير المال فطلب منه جماز أميرها شيئا فامتنع فسجنه ثم أفرج عنه فاتفق أنهما اجتمعا بالمسجد فوقع من جماز كلام في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فكفره الضياء وقام من المجلس فتغيب وتوصل إلى ينبع واستجار بأميرها أبي الغيث فأرسله إلى مصر فشنع على جماز فأمر السلطان بقتله فقتل في الموسم فنهب آل جماز دار الضياء فتحول إلى مكة فتعصب له يلبغا فقرر له درسا للحنفية في سنة ثلاث وستين فاستمر مقيما بمكة إلى أن مات وكان عارفا بالفقه والعربية شديد التعصب للحنفية كثير الوقيعة في الشافعية
وفيها محمد بن محمد بن عثمان بن أبي بكر الطبري سمع من جده عثمان وجماعة بدمشق ومكة وحدث وأخذ عنه السراج الدمنهوري وغيره وكتب الكثير وتوجه إلى بلاد الهند سنة ثمان وخمسين فأقام بها إلى أن مات وفيها الأمير موسى بن محمد بن شهري بضم المعجمة وسكون الهاء التركماني أحد أكابر الأمراء والنواب في سيس وغيرها من البلاد الشمالية كان يحب العلم ويذاكر ويفهم كثيرا ويتمذهب للشافعي ويقال أن الباريني أذن له في الافتاء وكان ذلك في سنة وفاته وتوفي في رمضان وقد جاوز الأربعين
سنة إحدى وثمانين وسبعمائة
فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن شرف الدين عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن بحر بن سادن بن هلال الطائي القيراطي الشاعر المشهور ولد في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة وتفقه واشتغل وتعانى النظم ففاق فيه وله ديوان جمعه
لنفسه يشتمل على نثر ونظم في غاية الإجادة واشتهرت مرثيته في الشيخ تقي الدين السبكي وطارحه الصفدي بأبيات طائية أجاد القيراطي فيها غاية الإجادة وله في محب الدين ناظر الجيش وفي تاج الدين السبكي غرر المدائح ورسالته التي كتبها للشيخ جمال الدين بن نباته في غاية الحسن والطول وكان مع تعانيه النظم والنثر عابدا فاضلا درس بالفارسية وكان مشهورا بالوسوسة في الطهارة وقد حدث عن ابن شاهد الجيش بالصحيح وعن ابن ملوك وأحمد بن علي بن أيوب المستولي والحسن بن السديد الأربلي وشمس الدين بن السراج وحدث عنه من نظمه القاضي عز الدين بن جماعة والقاضي تقي الدين بن رافع وغيرهما ممن مات قبله وسمع منه جماعة ومن شعره
( كأن خديه ديناران قد وزنا ** فحرر الصيرفي الوزن واحتاطا )
( فشح بعضهما عن وزن صاحبه ** فزاده من فتيت المسك قيراطا )
توفي بمكة مجاورا في ربيع الآخر وله خمس وخمسون سنة إلا شهرا
وفيها شرف الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عسكر البغدادي المالكي نزيل القاهرة كان فاضلا قدم دمشق فولي قضاء المالكية بها ثم قدم القاهرة في دولة يلبغ فعظمه وولاه قضاء العسكر ونظر خزانة الخاص وقد ولي قضاء دمياط مدة وحدث عن أبيه وابن الحبال وغيرهما ولم يكن بيده وظيفة إلا نظر الخزانة فانتزعها منه علاء الدين بن عرب محتسب القاهرة فتألم من ذلك ولزم بيته إلى أن كف بصره فكان جماعة من تجار بغداد يقومون بأمره إلى أن مات في سادس عشر شعبان وله أربع وثمانون سنة قال ابن حجر سمع منه من شيوخنا جماعة ومن آخر من كان يروي عنه شمس الدين محمد بن البيطار الذي مات سنة خمس وعشرين وثمانمائة
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن سالم العجلوني العرجاني بن خطيب بيت لهيا ولد في رمضان سنة سبع وسبعمائة وسمع من الضياء إسمعيل بن عمر الحموي وابن الشحنة وحدث وكان من الرؤساء مات في المحرم وفيها عماد الدين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي غانم بن أبي الفتح الشيخ الجليل الحلبي الأصل
الدمشقي المولد الصالحي المنشأ المعروف بابن الحبال الحنبلي وكان والده يعرف بابن الصايغ حضر على هدية بنت عسكر وسمع من القاضي تقي الدين سليمان وعيسى المطعم وكان له ثروة ووقف أوقاف بر على جماعة الحنابلة وعنده فضيلة وقسم ماله قبل موته بين ورثته وانقطع لاسماع الحديث في بستانه بالزعيفرية وتوفي ليلة الثلاثاء ثالث ربيع الآخر ودفن بالروضة عند والده وفيها تقي الدين عبد الرحمن بن أحمد بن علي الواسطي نزيل مصر البغدادي شيخ القراء قدم القاهرة وتلا على التقي الصايغ وسمع من حسن سبط زيادة ووزيرة وتاج الدين بن دقيق العيد وجماعة خرج له عنهم أبو زرعة بن العراقي مشيخة وهو آخر من حدث عن سبط زيادة وتصدر للأقراء مدة وانتفع الناس به ودرس القراءات بجامع ابن طولون قال ابن حجر وقرأ عليه شيخنا العراقي بعض القراءات وشرح الشاطبية ونظم غاية الإحسان لشيخه أبي حيان أرجوزة وقرضها شيخه وتوفي في تاسع صفر عن تسع وسبعين سنة
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التلمساني المالكي العجيسي بفتح العين المهملة وكسر الجيم وتحتية ومهملة نسبة إلى عجيس قبيلة من البربر ولد بتلمسان سنة إحدى عشرة وسبعمائة وتقدم في بلاده وتمهر في العربية والأصول والأدب وسمع من منصور الشدالي وإبراهيم بن عبد الرفيع وأبي زيد بن الإمام وأخيه موسى ورحل إلى المشرق في كنف وحشمة فسمع بمكة من عيسى الحجي وغيره وبمصر من أبي الفتح من سيد الناس وأبي حيان وغيرهما وبدمشق من ابن الفركاح وغيره وبالمدينة من الحسن بن علي الواسطي خطيب المدينة وغيره واعتنى بذلك فبلغت شيوخه ألفي شيخ وكتب خطا حسنا وشرح الشفاء والعمدة قال في تاريخ غرناطة وكان مليح الترسل حسن اللقاء والحظ كثير التودد ممزوج الدعابة بالوقار والفكاهة بالتنسك غاص المنزل بالطلبة مشارك في الفنون اشتمل عليه السلطان أبو الحسن وأقبل عليه إقبالا عظيما فلما مات أفلت من النكبة في وسط سنة اثنتين وخمسين ودخل الأندلس فاشتمل عليه سلطانها وقلده الخطابة ثم وقعت له كائنة
بسبب قتيل اتهم بمصاحبته فانتهبت أمواله وأقطعت رباعه واصطفيت أم أولاده وتمادى به الاعتقال إلى أن وجد الفرصة فركب البحر إلى المشرق وتقدمه أهله وأولاده فوصل إلى تونس فأكرم إكراما عظيما وفوضت إليه الخطابة بجامع السلطان وتدريس أكثر المدارس ثم قدم القاهرة وأكرمه الأشرف شعبان ودرس بالشيخونية والصرغتمشية والنجمية وكان حسن الشكل جليل القدر وأجاز للجمال ابن ظهيرة وذكره في معجمه ومن شعره
( انظر إلى النوار في أغصانه ** يحكي النجوم إذا تبدت في الحلك )
( حيا أمير المسلمين قال وقد ** عميت بصيرة من بغيرك مثلك )
( يا يوسفا حزت الجمال بأسره ** فمحاسن الأيام تومىء هيت لك )
( أنت الذي صعدت به أوصافه ** فيقال فيه إذا مليك أو ملك )
توفي رحمه الله تعالى في ربيع الأول وفيها زين الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن محمود الجعفري الأسيوطي الشافعي تفقه على الدمنهوري وكتب الخط الحسن وشارك في الفضائل وولي قضاء بلده وكان صارما في أحكامه وبنى بأسيوط مدرسة تنسب إليه وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي مروان عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن محمد المرجاني التونسي الأصل الاسكندراني الدار نزيل مكة ولد سنة أربع وعشرين وكان خيرا صالحا صاحب عبادة وانجماع ومعرفة بالفقه وعناية بالتفسير وكان يعرف علم الحرف توفي في شوال وفيها ناصر الدين محمد بن يوسف بن علي بن إدريس الحراوي الطبر دار سبط العماد الدمياطي ولد بدمياط سنة ست وتسعين وستمائة وسمع كتاب الخيل تأليف الدمياطي منه وسمع عليه كتاب العلم للذهبي أيضا وتفرد بالرواية عنه بالسماع وحدث فرحلت الناس إليه مات في ربيع الأول أو رجب وفيها شرف الدين محمود بن أحمد بن صالح الصرخدي الفقيه الشافعي أخذ عن الشيخ فخر الدين المصري وسمع الحديث قال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان أحد الفقهاء الأخيار وكان يجلس بالجامع يقرىء الطلبة شرحا
وتصحيحا وعنده تبتل وخشوع وله أوراد وكان يصفر بالحناء نحيفا وانقطع بآخره عن حضور المدارس لضعف بصره قال لي والدي قدم علينا وهو شاب الشامية فكنا نشبه طريقته بطريقة النووي توفي في ذي القعدة وقد جاوز الخمسين
سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة
فيها كما قال السيوطي ورد كتاب من حلب يتضمن أن إماما قام يصلي وأن شخصا عبث به في صلاته فلم يقطع الإمام الصلاة حتى فرغ وحين سلم انقلب وجه العابث وجه خنزير وهرب إلى غابة هناك فعجب الناس من هذا الأمر وكتب بذلك محضر وفيها أمر برقوق ببناء جسر الشريعة بطريق الشام وجاء طوله مائة وعشرين ذراعا وانتفع الناس به وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن سالم بن داود بن محمد المنبجي بن الطحان وكان الطحان الذي نسب إليه زوج أمه فإن أباه كان إسكافا ومات وهو صغير فرباه زوج أمه فنسب إليه ولد أحمد هذا في محرم سنة ثلاث وسبعمائة وسمع البرزالي وابن السلعوس وغيرهما وأخذ القراءات عن الذهبي وغيره وكان حسن الصوت بالقرآن وكان الناس يقصدونه لسماع صوته بالتنكزية وكان إمامها وتوفي بدمشق في صفر ومن نظمه
( طالب الدنيا كظام ** لم يجد إلا أجاجا )
( فإذا أمعن فيه ** زاده وردا وهاجا )
وفيها شرف الدين أحمد بن علي بن منصور بن ناصر الحنفي الدمشقي المعروف بابن منصور ولد سنة سبع عشرة واشتغل إلى أن ولي قضاء دمشق عوضا عن صدر الدين ابن العز وكان طلب إلى مصر ليولى القضاء بعد موت ابن التركماني فقدمها فاتفق أن تولى نجم الدين بن العز فأقام بمصر مدة يدرس ثم ولي قضاءها في رمضان سنة
سبع وسبعين إلى رجب سنة ثمان وسبعين فتركه ورجع إلى دمشق واختصر المختار في الفقه وسماه التحرير ثم شرحه وكان عارفا بالأصول والفروع حسن الطريقة جميل السيرة له صيانة وتصمم في الأمور وكان سمع من محمد بن دوالة وعبد الرحمن بن تيمية وابنه والمزي والبرزالي وحبيبة بنت العز وغيرهم وتوفي في شعبان وله خمس وستون سنة وهو أصغر سنا من أخيه صدر الدين وأفقه وفيها عماد الدين أبو بكر بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي الشافعي الزاهد بن السراج ولد سنة عشر وسبعمائة وسمع الحجار والمزي وغيرهما وتفقه بالشرف البارزي وأذن له بالإفتاء وأثنى عليه الذهبي في المعجم المختص بالمحدثين وهو آخر من ترجم له في هذا المعجم وكان يعمل المواعيد ويجيد الخط ويقرأ البخاري في كل سنة بالجامع في رمضان ويجتمع عنده الجم الغفير وللناس فيه اعتقاد زائد توفي في شوال عن سبع وسبعين سنة وفيها علاء الدين حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي السعدي الحسباني الشافعي فقيه الشام وحافظ المذهب ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة واشتغل في صغره بالقدس وحفظ كتبا وأخذ عن الشيخ تقي الدين القلقشندي ثم قدم الشام في سنة أربع وثلاثين فقرأ على شيوخها وسمع الحديث من البرزالي وشيخه الذي أنهاه بالشامية البرانية شمس الدين ابن النقيب وغيرهما وحدث وأفتى وأعاد وقال ولده حافظ العصر أحد من اعتنى بالفقه وتحصيله وتقريره وحفظه وتحقيقه وتحريره كان كثير الاطلاع صحيح النقل عارفا بالدقائق والغوامض معروفا بحل المشكلات مع فهم صحيح وسرعة إدراك وقدرة على المناظرة برياضة وحسن خلق وانتهت إليه رياسة المذهب وكان يقال فقهاء المذهب ثلاثة هو أحدهم وخاتمتهم وكان فارغا عن طلب الرياسة في الدنيا ليس له شغل إلا الاشتغال في العلم والمطالعة ولا يتردد إلى أهل الدولة ولا يجمع مالا ولا يدخره وكان مع فهمه وذكائه لا يعرف صنجة عشرة من عشرين ولا درهم من درهمين ولا يحسن براية قلم ولا تكوير عمامة توفي في صفر ودفن بمقبرة الصوفية
بطرفها الغربي إلى جانب ابن الصلاح بينه وبين السهروردي مدرس القيمرية انتهى ملخصا وفيها شرف الدين عباس بن حسين بن بدر التميمي الشافعي كان ينفع الطلبة في الفقه والقراءات ودرس بالسابقية بالقاهرة وخطب بجامع أصلم مات في ذي الحجة وكان برجله داء الفيل قاله ابن حجر
وفيها أمين الدين عبد الوهاب بن يوسف بن إبراهيم بن بيرم بن بهرام بن السلار الدمشقي العلامة ولد في شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من الحجار والمزي والتقي الصايغ وأيوب الكحال وخلق بالشام ومصر وبغداد والبصرة وغيرها وتفرد بدمشق وأتقن الفرائض والعربية والقراءات وله فيها مؤلفات حسنة مفيدة وخرج له السرمريني مشيخة قرئت عليه وأخذ عنه جماعات منهم شمس الدين بن الجزري واستقر بعده في الاقراء بتربة أم الصالح قال ابن حجر وكان ثقة صحيح النقل وله نظم وألف مؤلفات محررة ومات في ثامن عشرى شعبان وعمره ثمانون سنة انتهى
وفيها نور الدين على بن أحمد بن إسمعيل بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن مهدي الفوي ثم المدني ثم المدلجي عنى بالحديث وجال في البلاد وسمع بالشام والعراق ومصر من ابن شاهد الجيش وأبي حيان وابن عالي والميدومي وخلق وحدث بالإجازة عن الرضى الطبري والحجار ومهر في العربية والحديث واتفق له وهو ببلاد العجم أن شخصا حدثه بحديث عن آخر عنه فقال له أنا الفوي أسمعه مني يعلو سندك وهو نظير ما اتفق للطبراني مع الجعابي وحدث ببغداد وأقام بالمدينة النبوية مدة ودرس بها وتوفي بالقاهرة في ربيع الآخر وسمع منه أبو حامد بن ظهيرة وفيها علاء الدين علي بن زيادة بن عبد الرحمن الحبكي بحاء مهملة وباء موحدة وكاف نسبة إلى قرية من قرى حوران الشافعي الإمام الجليل قدم دمشق فاشتغل علي ابن سلام وحجي ولازمه وتفقه به وحضر عند شيخ الشافعية ابن قاضي شهبة وغيره وقرأ في الأصول والعربية وكان الغالب عليه الفقه وكان يفتي بأجرة وعنده ديانة وتورع وملازمة لمباشرة وظائفه لا يترك الحضور بها وأن بطل المدرسون وعنده وسواس في الطهارة
مات في ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية بتربة القاضي شهاب الدين الزهري وكان صاحبه وفيها نور الدين علي بن عبد الصمد الحلاوي المالكي الفرائضي انتهت إليه رياسة الفقه وكان مشاركا في الفنون عارفا بالمعاني والبيان والحساب والهندسة وكان يدرس بغير مطالعة مع جودة القريحة وسيلان الذهن وانتفع به خلق وتوفي في العشر الأخير من ذي الحجة وفيها عمر بن عمرو بن يونس بن حمزة بن عباس العدوي الأربلي ثم الصالحي بن القطان نزيل صفد سمع من التقي سليمان والفخر عبد الدايم وابن الزراد وغيرهم وكان فاضلا مقرئا للسبع طلب الحديث وكتب الكثير وحدث وسمع منه ابن رافع وكتب عنه في معجمه ومات قبله بمدة وخرج له الياسوفي جزءا وعاش ستا وثمانين سنة سواء قاله ابن حجر وفيها جمال الدين محمد بن أبي بكر بن أحمد الدوالي الزبيدي الشافعي كان عارفا بالأدب مشاركا في غيره مع الصلاح والعبادة وآثاره سائرة باليمن قاله ابن حجر وفيها شمس الدين محمد بن نجم الدين عمر بن شرف الدين محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن قاضي شهبة الدمشقي الأسدي الشافعي جد الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة صاحب طبقات الشافعية قال تقي الدين المذكور في الطبقات المذكورة هو جدي مولده في ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وستمائة وتفقه بعمه الشيخ كمال الدين والشيخ برهان الدين الفزاري وأخذ النحو عن عمه المذكور ولما توفي عمه سنة ست وعشرين جلس مكانه يشغل إلى أن ضعف وانقطع بعد السبعين كل ذلك وهو منجمع عن الناس مقبل على العبادة وعدم الالتفات إلى أمور الدنيا راضيا بالعيش الخشن يخدم نفسه ويشتري الحاجة ويحملها وقد أخذ الناس عنه العلم طبقة بعد طبقة وممن أخذ عنه من كبار العلماء ابن خطيب يبرود وابن كثير والأذرعي وولي في آخره تدريس الشامية البرانية بغير سؤال فباشرها سنة وثلاثة أشهر ثم نزل عنها لضعفه وقد سمع من ابن الموازيني وغيره وحدث فسمع منه خلق من
الحفاظ والمحدثين منهم العراقي والهيثمي والقرشي وابن سند وابن حجي والحسباني والياسوفي وغيرهم قال ابن رافع كان ابن قاضي شهبة بالشام مثل مجد الدين الزنكاوني بالقاهرة وجميع الجماعة طلبته وقال ابن حجي كان عنده انجماع عن الناس وعدم معرفة بأمور الدنيا بمعزل عن طلب الرياسة والدخول في المناصب على أنه قد ولي نيابة الحكم باشارة الشيخ تقي الدين السبكي وكان لا يتصدى لذلك وكان علماء البلد والمشار إليهم فيها غالبهم تلاميذه وتلاميذ تلاميذه وتوفي في المحرم ودفن بباب الصغير إلى جانب عمه الشيخ كمال الدين
وفيها جلال الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمود قاضي الحنفية يلقب جار الله ويقال له الجار تقدم عند الأشرف بالطب وكان نائبا في الحكم عن صهره السراج الهندي وكان بارعا في العلوم العقلية كالطب وغيره وولي مشيخة سعيد السعدا ودرس في المنصورية وجامع ابن طولون وولي قضاء الحنفية استقلالا إلى أن مات في رجب وقد جاوز الثمانين وفيها شمس الدين محمد الحكري المقرىء قرأ على البرهان الحكري وناب في الحكم بجامع الصالح وولي قضاء القدس وغزة قال ابن حجر ذكر لي الشيخ برهان الدين بن رفاعة الغزي أنه قرأ عليه القراءات وأذن له في الأقراء توفي في ذي الحجة
وفيها يحيى الدين يحبى بن يوسف بن محمد بن يحيى المكي الشاعر الشافعي المعروف بالمبشر مدح أمراء مكة وكتب لهم الانشاء وكان غاية في الذكاء ويسر عليه الحفظ حفظ التنبيه في أربعة أشهر وكان سمع من نجم الدين الطبري وعيسى الحجي وغيرهما وعاش سبعين سنة وفيها أبو القسم بن أحمد بن عبد الصمد اليماني المقرىء نزيل مكة تصدى للقراءات وأتقنها وأقرأ الناس حتى يقال أن الجن كانوا يقرأون عليه قال ابن حجر
سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة
فيها توفي شهاب الدين أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد القادر بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي بفتح أوله والراء وسكون الذال المعجمة نسبة إلى أذرعات بكسر الراء ناحية بالشام الشافعي نزيل حلب ولد سنة سبع وسبعمائة وتفقه بدمشق قليلا وناب في بعض النواحي في الحكم ثم تحول إلى حلب فقطنها وناب في الحكم بها ثم ترك ذلك وأقبل على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس وجمع الكتب حتى اجتمع عنده منها ما لم يحصل لأهل عصره وذلك بين في تصانيفه وهو ثبت في النقل وبسيط في التصرفات قاصر في غير الفقه وسمع من طائفة وأجاز له القسم بن عساكر والحجار وغيرهما وكان اشتغاله على كبر وسبب همته في الاشتغال أنه رأى في المنام رجلا واقفا أمامه وهو ينشد
( كيف ترجو استجابة لدعاء ** قد سددنا طريقه بالذنوب )
قال فأنشدته
( كيف لا يستجيب ربي دعائي ** وهو سبحانه دعاني إليه )
( مع رجائي لفضله وابتهالي ** واتكالي في كل خطب عليه )
قال وانتبهت وأنا أحفظ الأبيات الثلاثة قال الحافظ ابن حجر اشتهرت فتاويه في البلاد الحلبية وكان سريع الكتابة صادق اللهجة شديد الخوف من الله تعالى وقدم القاهرة بعد موت الأسنوي وأخذ عنه بعض أهلها ثم رجع ورحل إليه فضلاء المصريين كالشيخ بدر الدين الزركشي والشيخ برهان الدين البيجوري وأذن بالافتاء لشرف الدين الأنصاري وشرف الدين الداديخي وقد بالغ ابن حبيب في الثناء عليه في ذيله على تاريخ ولده ومن تصانيفه القوت على المنهاج في عشر مجلدات والغنية أصغر من القوت والمتوسط والفتح بين الروضة والشرح في نحو عشرين مجلدا وغير ذلك وضعف بصره في آخر عمره وثقل سمعه جدا وسقط من سلم
فانكسرت رجله فصار ضعيف المشي وانتهت إليه رياسة العلم بحلب وتوفي بها في جمادى الآخرة ودفن خارج باب المقام تجاه تربة ابن الصاحب
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبرهيم بن غانم بن كتامة المحدث ابن المحدث سمع من القسم بن عساكر وأبي نصر بن الشيرازي وغيرهما وحدث وولي نيابة الحكم وتوفي بدمشق في رجب وفيها ركن الدين أحمد بن محمد بن عبد المؤمن الحنفي القرمي ويقال له أيضا قاضي قرم قدم القاهرة بعد أن حكم بقرم ثلاثين سنة فناب في الحكم وولي افتاء دا رالعدل ودرس بالجامع الأزهر وغيره وجمع شرحا على البخاري استمد فيه من شرح ابن الملقن قال العز بن جماعة ولما ولي ركن الدين التدريس قال لأذكرن لكم ما لم تسمعوه فعمل درسا حافلا فاتفق أنه وقع منه شيء فبادر جماعة وتعصبوا عليه وكفروه فبادر إلى الشيخ سراج الدين الهندي وكان قد استنابه في الحكم فادعى عليه عنده وحكم بإسلامه فاتفق أنه حضر درس السراج الهندي بعد ذلك ووقع من السراج شيء فبادر الركن وقال هذا كفر فضحك السراج حتى استلقى على قفاه وقال يا شيخ ركن الدين تكفر من حكم بإسلامك فأخجله توفي الركن في رجب
وفيها جمال الدين إسمعيل بن أبي البركات بن أبي العز بن صالح الحنفي المعروف بابن الكشك قاضي دمشق وليها بعد القاضي جمال الدين بن السراج فباشر دون السنة وتركه لولده نجم الدين ودرس بعدة مدارس بدمشق وكان جامعا بين العلم والعمل وكان مصمما في الأمور حسن السيرة توفي في شوال أو بعده بدمشق وقد جاوز التسعين وفيها أنس بن عبد الله الشركسي والد برقوق الملك كان كثير البر والشفقة لا يمر به مقيد إلا ويطلقه ولا سيما إذا رأى الذين يعمرون في المدرسة التي ابتدأ بعمارتها توفى في شوال ودفن بتربة يونس ثم نقل إلى المدرسة وأعطى ولده جلال الدين التباني ألف مثقال وستمائة مثقال ذهبا ليحج عنه ويقال أنه جاوز التسعين وكان مستقرا في خدمة قطلوبغا
وفيها عماد الدين أبو بكر بن يوسف بن عبد القادر الخليلي ثم الصالحي الحنبلي الشيخ الإمام أحد أعيان شهود الحكم العزيز بدمشق ولد بعد السبعمائة وسمع من الحجار وجماعة وحدث عن ابن الشحنة وغيره وكان من فضلاء المقادسة مليح الكتابة حسن الفهم له إلمام بالحديث سمع من جماعة وقرأ بنفسه قليلا وتوفي بدمشق يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون
وفيها أم الهنا جويرية بنت أحمد بن أحمد بن الحسن بن موسك الهكاري سمعت من ابن الصواف مسموعه من النسائي ومسند الحميدي ومن علي بن القيم ما عنده من صحيح الإسمعيلي وكانت خيرة دينة أكثر الطلبة عنها توفيت في صفر وفيها جمال الدين عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن حسن الأنصاري بن حديدة ولد سنة إحدى وعشرين وسبعمائة وسمع من ابن شاهد الجيش وإسمعيل التفليسي وابن الأخوة وغيرهم وعنى بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وسمع كتابا سماه المصباح المضيء وكان خازن الكتب بالخانقاه الصلاحية بالقاهرة وربما سمي محمدا وكان يذكر أنه سمع من الحجار ولم يظفروا له بذلك مع أنه حدث عنه بالثلاثيات توفي في شعبان
وفيها فاطمة بنت الشهاب أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر الحرازي المكية ثم المدنية سمعت على جدها لأبيها الرضى الطبري الكثير وسمعت على أخيه الصفي حضورا وأجاز لها الفخر التوزري والعفيف الدلاصي وأبو بكر الدشتي والمطعم وآخرون وكانت خيرة ماتت في شوال عن ثلاث وسبعين سنة
وفيها أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب وقيل ليث التغلبي الغرناطي قال في تاريخ غرناطة كان عارفا بالعربية واللغة مبرزا في التفسير قائما على القرارات مشاركا في الأصلين والفرائض والأدب جيد الحفظ والنظم والنثر قعد للتدريس ببلده على وفور الشيوخ وولي الخطابة بالجامع وكان معظما عند الخاصة والعامة قرأ على أبي الحسن القيجاطي والعربية على أبي عبد الله بن الفخار وروى عن محمد بن جابر
الوادياشي قال ابن حجر وصنف كتابا في الباء الموحدة وأخذ عنه شيخنا بالإجازة قاسم بن علي المالقي وفيها أمين الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الشماع الشافعي ولد سنة ثمان وتسعين وستمائة وسمع من وزيرة مسند الشافعي بفوت يسير وصحيح البخاري وسمع على التقي محمد بن عمر الحريري تفسير الكواشي بروايته عنه ودرس بالفقه وأذن له الشرف البارزي في الافتاء وناب عن عز الدين بن جماعة وولي قضاء القدس عن السبكي الكبير ثم ترك ذلك وجاور بمكة فمات بها في نصف صفر وفيها فخر الدين محمد بن عبد الله بن العماد إبراهيم بن النجم أحمد بن محمد بن خلف الحنبلي الحاسب سمع من التقي سليمان والحجار وطبقتها واشتغل بالفقه والفرائض والعربية وأفتى ودرس وكان حسن الخلق تام الخلق فيه دين ومروءة ولطف وسلامة باطن مهر في الفرائض والعربية وكان عارفا بالحساب وذكر لقضاء الحنابلة فلم يتم له ذلك مات راجعا من القدس بدمشق
وفيها محمد بن عثمان بن حسن بن علي الرقي ثم الصالحي المؤذن ولد سنة اثنتي أو ثلاث عشرة وسبعمائة وسمع صحيح البخاري على عيسى المطعم وأبي بكر بن عبد الدايم وغيرهما وحضر على التقي سليمان وسمع وهو كبير من المزي والجزري والسلاوي وغيرهم وأجاز له الدشتي وطبقته من دمشق وابن مخلوف وحسن الكردي وعلي بن عبد العظيم وابن المهتار والوداعي وابن مكتوم وغيرهم من مصر والأسكندرية وخرج له ابن حجي مشيخة وكان على طريقة السلف من السكون والتواضع والعفة وكف اللسان وكان عارفا بعلم الميقات ويقرىء الناس تبرعا مات في شعبان
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن نبهان بن عمر بن نبهان شيخ زاوية قرية جبرين سمع من عم أبيه صافي بن نبهان وحدث فسمع منه البرهان سبط ابن العجمي وأثنى عليه القاضي علاء الدين في تاريخ حلب وتوفي في صفر
وفيها محمد بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد بن محمود بن عبد الله الزريدي
الحنفي قاضي المدينة بعد أبيه كان فاضلا متواضعا يكنى أبا الفتح وهو بها أشهر
وفيها محمد بن عمر بن مشرف الأنصاري الشيرازي الملقب طقطق ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة وسمع من المزي وغيره وحدث وكان شيخا ظريفا يحفظ أشعارا ويذاكر بأشياء ويتردد إلى مدارس الشافعية مات في جمادى الآخرة قاله ابن حجر
وفيها أبو حامد وأبو المجد وأبو الفياض محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن رشيد الجمال السرائي الأصل الدمشقي ولد بسراي في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وسبعمائة وقدم الشام كبيرا وعنى بالحديث على كبر وطلبه فسمع من الميدومي وغيره وكتب بخطه الحسن ونظم الشعر المقبول وكتب عنه ابن سند وسبط ابن العجمي وغيرهما وكان دينا خيرا يكنى أبا حامد وأبا المجد وأبا الفياض وكان له ورع زائد ولم يكن يملك شيئا إلا ما هو لابسه وكان تارة يمشي بطاقية ولا يتكلف هيئة مع التواضع والبشاشة وحسن الخلق والخلق وكان العلماء يترددون إليه ولا يقوم لأحد وفيها يعقوب بن عبد الله المغربي المالكي قال ابن حجر كان عارفا بالفقه والأصول والعربية وانتفع الناس به ومات في صفر
وفيها ولي الدين يوسف بن ماجد بن أبي المجد بن عبد الخالق المرداوي الحنبلي كان فاضلا فقيها وامتحن مرارا بسبب فتياه بمسئلة ابن تيمية في الطلاق وكذا في عدة مسائل وحدث عن الحجار وابن الرضى والشرف بن الحافظ وغيرهم وكان شديد التعصب لمسائل ابن تيمية وسجن بسبب ذلك ولا يرجع حتى أنه بلغه أن الشيخ شهاب الدين بن المصري يحط في درسه على ابن تيمية في الجامع فجاء إليه وضربه بيده وأهانه مات في تاسع عشر صفر قاله ابن حجر
سنة أربع وثمانين وسبعمائة
فيها كان ابتداء دولة الجراكسة فإنه خلع الصالح القلاووني وتسلطن برقوق ولقب الظاهر وهو أول من تسلطن من الجراكسة وسيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى
وفيها وقع الطاعون بدمشق وتزايد في صفر ثم تناقص وفيها وقع
الغلاء الشديد بمصر ثم فرج الله تعالى وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن نجم بن عبد الوهاب الصالحي الحنبلي المعروف بابن الناصح الإمام العلامة ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع من القاضي تقي الدين سليمان وأبي بكر بن عبد الدايم وست الوزراء بنت منجا قال الشيخ شهاب الدين بن حجي حدث وسمعنا منه وكان يباشر في أوقاف الحنابلة وهو رجل جيد وبه صمم كأبيه توفي يوم الأربعاء ثالث المحرم ودفن بسفح قاسيون
وفيها همام الدين أمير غالب بن قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن العميد بن أمير غالب القاراني الأتقاني كان بزي الجند وله أقطاع ثم ولي الحسبة فبدت منه عجائب ثم ولي قضاء الحنفية سنة ثمانين وانتزع التدريس من علماء الحنفية وكان مع فرط جهله وقلة دينه سليم الصدر جوادا ويحكى عنه في أحكامه أشياء ما تحكى عن قراقوش وأطم حتى أنه حلف امرأة ادعت وحكم على المدعى عليه أن يدفع لها ما حلفت عليه وحكى ابن جماعة أنه قدمت إليه قصة فيها فلان له دعوى شرعية على شخص يسمى أسد فكتب إن كان وحشيا فلا يحضر مات في جمادى الأولى عن خمسين سنة قاله ابن حجر وفيها تقي الدين صالح بن إبراهيم بن صالح بن عبد الوهاب بن أحمد بن أبي الفتح بن سحنون التنوخي الحنفي بن خطيب النيرب ولد سنة عشرين أو قبلها وحضر على زينب بنت عبد السلام مسند أنس ثم سمعه عليها وعلى أبي بكر بن عسر من لفظ البرزالي وغيرهم وحدث وكان يشهد عند جامع تنكز وفيه انجماع وسكون مات مطعونا في جمادى الأولى وفيها عباس بن عبد المؤمن ابن عباس الكفرماوي الحازمي الشافعي قاضي جبة عسال ولد قبل العشرين وحضر عند الشيخ برهان الدين بن الفركاح واشتغل قديما وولاه السبكي الكبير قضاء الخليل وسمع من الجزري وابن النقيب وحدث وتولى عدة بلاد ثم ناب بدمشق عن ولي الدين بن أبي البقا ثم ولي قضاء صفد سنة ثمانين ومات في رجب
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن حمدان العيفناوي ولد بعيفنا من نابلس
وكان حنبليا فقدم الشام لطلب العلم وتفقه بابن مفلح وغيره وسمع من جماعة وتميز في الفقه واختصر الأحكام للمرداوي مع الدين والتعفف قاله ابن حجر
وفيها عز الدين عبد العزيز بن عبد المحي بن عبد الخالق الأسيوطي المصري الشافعي سمع على الدبوسي وغيره وعنى بالفقه ودرس في حياة ابن غيلان ويقال أن الشيخ سراج الدين قرأ عليه في بداية أمره وتفقه به جماعة ومات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين وفيها بدر الدين عبد الوهاب بن كمال الدين أحمد بن علم الدين محمد بن أبي بكر الأخنائي الشافعي ثم المالكي ولي القضاء وحدث عن صالح الأشمني وعبد الغفار السعدي وغيرهما وعزل سنة تسع وسبعين بالبساطي فأقام معزولا ثم حج وجاور في الرحبية سنة ثلاث وثمانين ثم رجع فتوعك إلى أن مات في سادس عشر رجب وفيها زين الدين عمر بن علي بن أبي بكر بن الفوى خطيب طرابلس ولد سنة نيف وعشرين وكان يقرأ الصحيح قراءة حسنة ويفهم الحديث وله عناية بضبط رجاله مات في المحرم بحماة
وفيها قيس بن يمن بن قيس الصالحي سمع من أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم ويحيى بن سعيد وجماعة وحدث ومات في ذي الحجة
وفيها شمس الدين محمد بن إبرهيم بن راضي الصلتي ولد سنة عشر واشتغل وقرأ كتبا وقدم دمشق فاشتغل بالشامية ثم دخل مصر بعد السبعين وولي القضاء بقوص وغيرها ثم رجع فمات بمصر في المحرم وفيها محمد بن إبرهيم الجرماني ثم الدمشقي الحنبلي ولد قبل الأربعين وسمع الحديث من جماعة وتفقه بابن مفلح وغيره حتى برع وأفتى وكان إماما في العربية مع العفة والصيانة والذكاء وحسن الأقراء ومات بدمشق قاله ابن حجر في أنباء الغمر وفيها شرف الدين محمد بن عبد الله الأرزكياني بالفتح فالسكون ففتح الزاي وكسر الكاف فتحتية فنون نسبة إلى أرزكيان رجل من بخارا أسلم على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال ابن حجر كان أحد فضلاء العجم شرح المشارق والكشاف وانتفع به أهل تلك
البلاد وكان قدم الشام قبل الثمانين أيام أبي البقا وقرىء عليه الكشاف وغيره وقد نقل عنه الشيخ شمس الدين بن الصايغ في شرحه للمشارق شيئا كثيرا انتهى
وفيها موفق الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن الحاسب الحنبلي الإمام العالم تفقه في المذهب وحفظ المقنع حفظا جيدا وكان يستحضره وله فضيلة وكان من النجباء الأخيار عنده حياء وتواضع وهو سبط الشيخ صلاح الدين بن أبي عمر وكان يؤم بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر توفي يوم الأحد ثاني عشرى صفر ولعله بلغ الثلاثين سنة وفيها جمال الدين محمد بن محمد بن علي بن يوسف النيسابوري الخطيب الشافعي القاضي الأسنوي قدم مصر سنة إحدى وعشرين وسمع على الحجار وتفقه على القطب السنباطي وابن القماح وابن عدلان وغيرهم وأخذ العربية عن والد سراج الدين بن الملقن ودرس وأفتى وشرح التعجيز في الفقه وناب في الحكم وكان عالما خيرا ذا مهابة وصيانة وعفاف قائما بالحق حتى أنه كتب على قصة سئل فيها أن يحضر يلبغا وهو إذ ذاك صاحب المملكة يحضر هو أو وكيله فلما وقف عليها يلبغا عظم قدره عنده ويقال أن ذلك كان بطريق الامتحان من يلبغا وأنه لما جاءه الرسول قال له قل له أني أصالح غريمي فقال له الرسول والله ما أقدر أن أروح إلا ومعي وكيل أو الغريم يقول قد رضيت فأعجبه ذلك ودفع للرسول ألف درهم وأرسل للقاضي ذهبا وبغلة فرد ذلك فاشتد اغتباطه به واعتقاده فيه وكان في سمعه ثقل في كبره ولذلك يقال له الأطروش مات في ثامن ربيع الأول
وفيها محمد بن محمد بن ناصر بن أبي الفضل الفراء الحمصي ثم الحلبي المعروف بابن رياح ويعرف أيضا بالقيم وبالفقيه ولد بحمص سنة ست وسبعمائة وكان يحفظ القرآن ويتعانى التجارة في الفراء وكان مشكورا في صناعته وحدث بصحيح البخاري عن ابن الشحنة وكان سماعه منه سنة سبع عشرة بحمص ومات في جمادى الآخرة
وفيها شرف الدين محمد بن محمد بن يوسف المرداوي الحنبلي سبط القاضي جمال الدين ولد قبل الأربعين وأخذ عن جده وتخرج بابن مفلح وسمع الحديث
من جماعة ولم يكن بالصين مات في ربيع الآخر قاله ابن حجر
وفيها جلال الدين محمد بن النظام محمود الشافعي إمام منكلى بغا كان عارفا بالفقه والأصول والعربية والنظم أخذ عن بهاء الدين الأخميمي وأبي البقاء وتصدر بالجامع وكان بزي الجند وكان يعرف قديما بابن صاحب شيراز وحفظ الحاوي الصغير وغير ذلك وتوفي في رمضان وفيها مفتاح الزيني السبكي مولى زين الدين عبد الكافي والد تقي الدين السبكي وكان تقي الدين يركن إليه وكلمته نافذة عنده وسمع من أولاده ومن زينب بنت الكمال وغيرها وحدث توفي في جمادى الآخرة
سنة خمس وثمانين وسبعمائة
فيها أحدث المؤذنون عقب الأذان الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بأمر نجم الدين الطنبذي المحتسب وفيها قبض برقوق على الخليفة المتوكل وخلعه وحبسه بقلعة الجبل وبويع بالخلافة محمد بن إبراهيم بن المستمسك بالله بن الحاكم العباس ولقب الواثق بالله وفي جمادى الآخرة منها أعيد الصالح حاجي إلى السلطنة وغير لقبه بالمنصور وحبس برقوق بالكرك ثم خرج من الحبس وعاد إلى ملكه وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الله التهامي قاضي الشرع بزبيد قضى بها نيفا وخمسين سنة وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها أبو بكر أحمد بن أبي القسم بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الكلبي ابن جزى أجاز له أبو عبد الله بن رشيد وابن الربيع وابن برطال ومن مصر الحجار وابن جماعة وسمع من الوادياشي وخلق وكان عالما بالفقه والفرائض والعربية والنظم وشرح الألفية وغيرها وولي الخطابة بغرناطة والقضاة بها ونظمه سائر كأبيه
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن الخضر بن مسلم الدمشقي الحنفي المعروف بابن خضر ولد سنة ست وسبعمائة وكان يدري الفقه والأصول ودرس بأماكن وسمع من عيسى المطعم والحجار وغيرهما وكان فاضلا حدث بدمشق
وولي إفتاء دار العدل بها وكان جلدا قويا وشرح الدرر للقونوي في مجلدات وتوفي بدمشق في رابع عشر رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن يحيى بن مخلوف بن سري بن فضل الله بن سعد بن ساعد الأعرج السعدي اشتغل بالعلم وتعانى بالأدب ونظم الشعر وهو صغير وأدب الأطفال ومن شعره
( وكيف يروم الرزق في مصر عاقل ** ومن دونه الأتراك بالسيف والترس )
( وقد جمعته القبط من كل وجهه ** لانفسهم بالربع والثمن والخمس )
( فللترك والسلطان ثلث خراجها ** وللقبط نصف والخلائق في السدس )
وفيها عماد الدين أبو الفدا إسمعيل بن محمد بن قيس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلي الحنبلي الحافظ الإمام ولد سنة عشرين وسبعمائة وسمع من والده قطب الدين اليونيني وطائفة وعنى بالحديث ورحل في طلبه إلى دمشق فأخذ عن مشايخها وقرأ بنفسه وكتب الكثير ونظم النهاية لابن الأثير في غريب الحديث ونظم طبقات الحفاظ للذهبي وخرج وألقى المواعيد وحدث وتخرج به جماعة وسمع منه ابنه الشيخ تاج الدين ومحمد بن نعمة الخطيب وغيرهما وكان أحد الحفاظ المكثرين المصنفين المفيدين حسن الخلق كثير الديانة لطيف البشرة توفي في العشر الآخر من شوال وفيها أمة العزيز بنت الحافظ شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي حضرت على عيسى المطعم وغيره وسمعت من الحجار وغيره وحدثت وفيها بدر الدين حسن بن منصور بن ناصر الزرعي الشافعي ناب في الحكم عن تاج الدين السبكي ومن بعده وكان أبوه قاضي نابلس فأرسله إلى القدس ليشتغل فأخذ عن تقي الدين القلقشندي وغيره ثم تنبه وولي القضاء في بعض البلاد ثم استوطن دمشق وناب في الحكم وكان عنده تصمم وقوة نفس بحيث كان يعزل نفسه أحيانا وباشر الأوقاف مباشرة حسنة وعين مرة لقضاء حلب وتوفي في صفر وفيها قطب الدين حيدر بن علي بن أبي بكر بن عمر الدهقلي الشيرازي نزيل دمشق قال ابن حجر سمع الكثير
وأسمع أولاده وكتب الطباق بخطه وأخذ عن أصحاب الفخر وغيرهم وسكن الهند ثم مات غريقا وهو والد شيخنا عبد الرحمن انتهى
وفيها علم الدين سليمان بن أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن القاضي الحنبلي الكناني العسقلاني المصري قدم من بلده نابلس صغيرا واشتغل بالقاهرة في المذهب وبرع فيه وصار من أعيان الجماعة وأفتى وتزوج بابنة قاضي القضاة موفق الدين وولي إعادات لدروس الحنابلة وولي نيابة الحكم بمصر وارتقى إلى أن صار أكبر النواب وتوفي يوم الإثنين ثالث عشرى جمادى الآخرة بالقاهرة ودفن بتربة القاضي موفق الدين خارج باب النصر وفيها ولي الدين أبو ذر عبد الله ابن أبي البقا بهاء الدين محمد بن عبد البر السبكي الشافعي ولد سنة خمس وعشرين بالقاهرة وأحضر على يحيى بن فضل الله ومحمد بن علي وأبي نعيم الأسعردي وغيرهم ثم سمع بدمشق من الجزري والمزي وبنت الكمال وغيرهم واشتغل بالعلم ومهر في الآداب وناب في الحكم عن أبيه بالقاهرة ودمشق وعن تاج الدين السبكي ثم استقل بالقضاء بعد أبيه وكان ينظم جيدا ويحفظ الحاوي ويذاكر به ويدرس منه كان يدرس في الكشاف وله مشاركة جيدة في العربية وكان قد باشر توقيع الدست وحج سنة ثلاث وخمسين وسنة ثلاث وستين وكان يجد الفهم فطنا عارفا بالأمور كثير المدارات لين العريكة بعيدا من الشر صبورا على الأذى كثير الإحسان للفقراء سرا وتوفي في شوال بدمشق ودفن عند أبيه بتربة السكين
وفيها فخر الدين عثمان بن محمد بن محمد بن الحسن بن الحافظ عبد الغني سمع من الحجار واشتغل في الفقه وقرأ على التاج المراكشي وسمع من ابن الرضى وبنت الكمال وحفظ التسهيل وحدث وأفاد وتوفي في رجب
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن صفر العنتابي الشافعي قاضي الأقضية بزبيد وليها في زمن المجاهد واستمر بضعا وثلاثين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان التستري ثم المدني سمع الشفا
على محمد بن محمد بن حريث وتفرد عنه به وتوفي في شعبان وله خمس وسبعون سنة وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الحسن المزي الصحراوي المعروف بابن قطليشا ولد سنة أربع عشرة وسمع من ابن الشيرازي وغيره وكان يشهد قسم الغلات بالمزة وحدث فروى عنه الياسوفي وابن حجي وابن الشرائحي وآخرون وتوفي في شعبان عن ثلاث وسبعين سنة
وفيها محمد بن صالح بن إسمعيل الكناني المدني سمع من أبي عبد الله الصصري وتلا عليه بالسبع وناب في الخطابة بالمدينة وكان خيرا وتوفي في تاسع المحرم عن اثنتين وثمانين سنة وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن داود بن أحمد بن يوسف المرداوي الحنبلي كان ذا عناية بالفرائض وقرأ الفقه ولازم ابن مفلح حتى فضل ودرس وتفقه أيضا بقاضي القضاة جمال الدين المرداوي قال ابن حجي كان يحفظ فروعا كثيرة وغرائب وله ميل إلى الشافعية وكان بشع الشكل جدا توفي في ذي القعدة وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمود الصالحي المنيحي قال ابن حجر كان من فضلاء الحنابلة سمع الحديث وحفظ المقنع وأفتى ودرس وكان يكتسب من حانوت له على طريق السلف مع الدين والتقشف والتعبد مات في رمضان وهو صاحب الجزء المشهور في الطاعون ذكر فيه فوائد كثيرة عمله في سنة أربع وستين انتهى وفيها محمود الصفدي الغرابي نسبة إلى غرابة بفتح المعجمة وتشديد الراء ثم موحدة من قرى صفد الشافعي اشتغل بدمشق على الشيخين تاج الدين المراكشي وفخر المصري وفضل وتنزل بالمدارس بدمشق ثم رجع إلى صفد فأقام بها يدرس إلى أن مات بها في صفر
وفيها شرف الدين أبو البركات موسى بن محمد بن محمد بن الشهاب محمود
أحد الفضلاء في الأدب والكتابة كتب في الإنشاء وفاق في حسن الخط والنثر والنظم وناب في الحكم وهو القائل وكتبها على مجموع
( ومجموع كعقد الدر نظما ** على تفضيله الاجماع يعقد )
( يطابق كل معنى فيه حسنا ** فمجموعا تراه وهو مفرد )
توفي بالرملة عن ثلاث وأربعين سنة
وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الرحمن بن سندي بن المصري العطار الرسام سمع من ابن الجزري والمزي وحدث وتوفي في المحرم
سنة ست وثمانين وسبعمائة
فيها توفي إبراهيم بن سرايا الكفرماوي الدمشقي الشافعي المعروف بالحازمي عرف بذلك لكونه ولي قضاءها اشتغل كثيرا وناب في الحكم عن ابن أبي البقاء قال ابن حجي كانت عنده فضيلة ويستحضر الحاوي الصغير وناب في عدة بلاد مات في ذي القعدة وفيها إبراهيم بن عيسى الحلبي أحد فقهاء الشافعية كان معيدا بالبادرائية وبذلك اشتهر قال ابن حجي كان على سمت السلف سليم الفطرة وخطه ضعيف لكنه ألف كثيرا ووقف كتبه ومات في رمضان بطرابلس
وفيها علم الدين أبو الربيع سليمان بن خالد بن نعيم بن مقدم بن محمد بن حسن بن تمام بن محمد الطائي البساطي المالكي أصله من شيرا بسيوف من الغربية فنزل عمه عثمان ببساط وأخوه خالد في كفالته فولد له سليمان هذا بها ثم قدم القاهرة فصار عريفا بمكتب للسبيل ثم ولي نيابة الحكم بجامع الصالح ثم استقل بالقضاء بعد أن اشتغل وتمهر وناب عن الأخنائي ثم سعى على بدر الدين بجاه قرطاي بعد قتل الأشرف حتى استقل بالقضاء سنة ثمان وسبعين وكان متقشفا مطرح التكلف وكان طعامه مبذولا لكل من دخل عليه قال ابن حجر وكان يدعي أنه يجتمع مع الخضر وله في ذلك أخبار كثيرة يستنكر بعضها وصرف عن القضاء في جمادى الأولى سنة
ثلاث وثمانين فلزم داره إلى أن مات في سادس عشر صفر
وفيها تقي الدين عبد الرحمن بن محمد بن يوسف الحلبي الأصل ابن ناظر الجيش ولد سنة ست وعشرين وسبعمائة واشتغل بالعلم وباشر كتابة الدست في حياة أبيه وتقدم في معرفة الفن وصنف فيه تصنيفا لطفيا عليه اعتماد الموقعين إلى هذه الغاية وكانت له عناية بالعلم وسمع الشفا على الدلاصي وغيره وولي نظر الجيش استقلالا بعد أبيه وتوفي في حادي عشر جمادى الأولى وفيها عماد الدين عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحيم بن الترجمان الحلبي سمع حضورا على العز إبراهيم بن صالح وسمع وهو كبير على غيره وكان ذا ثروة وبنى مكتبا للأيتام ووقف عليه وقفا وسمع منه برهان الدين المحدث وتوفي يوم عيد الفطر وفيها أوحد الدين عبد الواحد بن إسمعيل بن يس بن أبي حسن الأفريقي ثم المصري الحنفي سبط القاضي كمال الدين ابن التركماني اشتغل على مذهب الحنفية قليلا وباشر توقيع الحكم ثم اتصل ببرقوق أول ما تأمر والسبب في معرفته به أن شخصا يقال له يونس كان أميرا بطبلخاناه في حياة الأشرف وكان أوحد الدين شاهد ديوانه فادعى برقوق أنه ابن عمه عصبته فساعده أوحد الدين على ذلك إلى أن ثبت ذلك بالطريق الشرعي فلما قبض برقوق الميراث ممن وضع يده عليه وهو أحمد بن الملك مولى يونس الميت المذكور أعطى أوحد الدين منها ثلاثة آلاف درهم وهي إذ ذاك تساوي مائة وخمسين مثقالا ذهبا فامتنع من أخذها واعتذر بأنه ما ساعده إلا الله تعالى فحسن اعتقاد برقوق فيه فلما صار أمير طبلخاناه استخدمه شاهد ديوانه ثم لما تأمر جعله موقعا عنده فاستمر في خدمته وبالغ في نصحه واستقر موقع الدست مع ذلك إلى أن تسلطن فصيره كاتب سره وعزل بدر الدين بن فضل الله فباشرها أوحد الدين مباشرة حسنة مع حسن الخلق وكثرة السكون وجمال الهيئة وحسن الصورة والمعرفة التامة بالأمور وبلغ من الحرمة ونفاذ الكلمة أمرا عجيبا لكن لم تطل مدته وضعف ثم اشتد به الأمر حتى ذهبت منه شهوة الطعام وابتلى بالقيء فصار لا يستقر في جوفه شيء إلى أن مات في ذي الحجة
ولم يكمل الأربعين وفيها القاضي جمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القسم بن عبد الرحمن بن القسم بن عبد الله النويري نسبة إلى النويرة من عمل القاهرة الشافعي المكي كان ينسب إلى عقيل بن أبي طالب ولد في شعبان سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وسمع بدمشق من المزي وغيره وتفقه بدمشق على الشيخ شمس الدين بن النقيب والتقي السبكي والتاج المراكشي وغيرهم وبمكة من جماعة وصار قاضي مكة وخطيبها وأخذ العربية عن الجمال بن هشام وشارك في المعارف قال الحافظ ابن حجي كان رجلا عالما يستحضر الفقه وغيره بلغني أنه كان يستحضر شرح مسلم للنووي وكان منسوبا إلى كرم ونعمة وافرة وقال ابن حبيب في تاريخه أنه ولي قضاء مكة نيفا وعشرين سنة وقال ابن حجر كان فصيح العبارة لسنا جيد الخطبة متواضعا محبا للفقراء توفي وهو متوجه إلى الطائف في ثالث عشر رجب وحمل إلى مكة فدفن بها وخلف تركة وافرة
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد الهكاري ثم الصلتي الشافعي اشتغل على أبيه بالصلت وكان مدرسا ثم درس بعد أبيه ثم قدم دمشق فسمع بها وتنقل في قضاء البر ثم ولي قضاء حمص أخيرا وكان لا يمل من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد ولخص ميدان الفرسان في قدر نصفه في ثلاث مجلدات وهو اختصار عجيب وتوفي بحمص في رجب ولم يكمل الخمسين سنة
وفيها أمين الدين محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الأنفي بفتحات المالكي ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وعنى بالحديث وظهر له سماع من الحجار فحدث به وسمع من البندنيجي وأسماء بنت صصرى وغيرهما وكتب الكثير وسمع العالي والنازل وأخذ عن البرزالي والذهبي ونسخ كثيرا من مصنفاته وغيرها وولي قضاء حلب يسيرا وكان يفتي على مذهب مالك وولي مشيخة الحديث بالناصرية ومشيخة
الخانقاه النجمية وأقام في قضاء حلب أربع سنين ثم رجع إلى دمشق فناب عن الماروني ثم ترك قال ابن حجي كان حسن العشرة يقصده الناس لحسن محادثته وتطلبه الرؤساء لذلك ويحرصون على مجالسته لفكاهة فيه وقال الذهبي في المعجم المختص وكان يحفظ كثيرا من الفوائد الحديثية والأدبية انتهى توفي في شوال عن ثمانين سنة تقريبا وفيها محمد بن علي بن منصور بن ناصر الدمشقي الحنفي ولد سنة سبع وسبعمائة أو قبلها وأخذ عن أبيه والبرهان بن عبد الحق والنجم القحفازي والعلاء القونوي وغيرهم وسمع من الحجار والبندنيجي وغيرهما وحدث ودرس في أماكن وولي قضاء مصر في رمضان سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة ودرس بالصرغتمشية وغيرها وكان بارعا في الفقه صلبا في الحكم متواضعا لين الجانب توفي بمصر في ربيع الأول وفيها أكمل الدين محمد بن شمس الدين محمد بن كمال الدين محمود بن أحمد الرومي البابرتي الحنفي ولد سنة بضع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم ورجل إلى حلب فأنزله القاضي ناصر الدين بن العديم بالمدرسة السادحية فأقام بها مدة ثم قدم القاهرة بعد سنة أربعين فأخذ عن الشيخ شمس الدين الأصبهاني وأبي حيان وسمع من ابن عبد الهادي والدلاصي وغيرهما وصحب شيخون واختص به وقرره شيخا بالخانقاه التي أنشأها وفوض أمورها إليه فباشرها أحسن مباشرة وكان قوي النفس عظيم الهمة مهابا عفيفا في المباشرة عمر أوقافها وزاد معاليمها وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع وكان حسن المعرفة بالفقه والعربية والأصول وصنف شرح مشارق الأنوار وشرح البزدوي والهداية وعمل تفسيرا حسنا وشرح مختصر ابن الحاجب وشرح المنار والتلخيص وغير ذلك قال ابن حجر وما علمته حدث بشيء من مسموعاته وكانت رسالته لا ترد مع حسن البشر والقيام مع من يقصده والأنصاف والتواضع والتلطف في المعاشرة والتنزه عن الدخول في المناصب الكبار وكان أرباب المناصب على بابه قائمين بأوامره مسرعين إلى قضاء مآربه وكان الظاهر يبالغ في تعظيمه حتى أنه إذا اجتاز به لا يزال واقفا على باب الخانقاه إلى أن
يخرج فيركب معه ويتحدث معه في الطريق ولم يزل على ذلك إلى أن مات بمصر في ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان وحضر السلطان فمن دونه جنازته وصلى عليه عز الدين الرازي ودفن با لخانقاه المذكورة وفيها محمد بن مكي العراقي الرافضي كان عارفا بالأصول والعربية فشهد عليه بدمشق بانحلال العقيدة واعتقاد مذهب النصيرية واستحلال الخمر الصرف وغير ذلك من القبائح فضربت عنقه بدمشق في جمادى الأولى وضربت عنق رفيقه عرفة بطرابلس وكان على معتقده
وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف بن علي بن عبد الكريم الكرماني الشافعي نزيل بغداد ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع عشرة وسبعمائة واشتغل بالعلم فأخذ عن والده ثم حمل عن القاضي عضد الدين ولازمه اثنتي عشرة سنة وأخذ عن غيره ثم طاف البلاد ودخل مصر والشام والحجاز والعراق ثم استوطن بغداد وتصدى لنشر العلم بها نحو ثلاثين سنة وكان مقبلا على شأنه معرضا عن أبناء الدنيا قال ولده كان متواضعا بارا لأهل العلم وسقط من علية فكان لا يمش إلا على عصا منذ كان ابن أربع وثلاثين سنة وقال ابن حجي صنف شرحا حافلا على المختصر وشرحا مشهورا على البخاري وغير ذلك وحج غير مرة وسمع بالحرمين ودمشق والقاهرة وذكر انه سمع بجامع الأزهر على ناصر الدين الفارقي وذكر الشيخ ناصر الدين العراقي أنه اجتمع به في الحجاز وكان شريف النفس مقبلا على شأنه وشرح البخاري بالطائف وهو مجاور بمكة وأكمله ببغداد وتوفي راجعا من مكة بمنزلة تعرف بروض مهنا في سادس عشر المحرم ونقل إلى بغداد فدفن بها وكان اتخذ لنفسه قبرا بجوار الشيخ أبي إسحق الشيرازي وبنيت عليه قبة ومات عن تسع وستين سنة وفيها شرف الدين محمود بن عبد الله الأبطالي باللام الحنفي قدم دمشق فأقام بها إلى أن ولي مشيخة السميساطية فباشرها مدة ودرس بالعزية وتصدر بالجامع وكان من الصوفية البسطامية مات في رمضان وولي
بعده المشيخة القاضي برهان الدين بن جماعة
سنة سبع وثمانين وسبعمائة
فيها كان الطاعون العظيم بحلب بلغت عدة الموتى فيه في كل يوم ألف نفس وفيها كما قال ابن حجر أحضر إلى أحمد بن يلبغا صغيرة ميتة لها رأسان وصدر واحد ويدان فقط ومن تحت السرة صورة شخصين كاملين كل شخص بفرج أنثى ورجلين فشاهدها الناس وأمر بدفنها وفيها توفي جمال الدين إبراهيم بن ناصر الدين محمد بن كمال الدين عبد العزيز بن محمد بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي الحلبي المعروف بابن العديم الحنفي سمع من الحجار وحدث عنه وكان هينا لينا ناظرا إلى مصالح أصحابه ناب عن والده مدة بحلب ثم استقل بعد وفاته وكان يحفظ المختار ويطالع في شرحه قال البرهان المحدث ادعى عنده مدع على آخر بمبلغ فأنكر فأخرج المدعي وثيقة فيها أقر فلان ابن فلان فأنكر المدعى عليه أن الاسم المذكور في الوثيقة اسم أبيه قال له فما اسمك أنت قال فلان قال فما اسم أبيك قال فلان فسكت عنه القاضي وتشاغل بالحديث مع من كان عنده حتى طال ذلك وكان القارىء يقرأ عليه في صحيح البخاري فلما فرغ المجلس صاح القاضي يا ابن فلان فأجابه المدعى عليه مبادرا فقال له ادفع لغريمك حقه فاستحسن من حضر هذه الحيلة حيث استغفل المدعى عليه حتى التجأ للاعتراف وقال البرهان الحلبي أيضا كان من بقايا السلف وفيه مواظبة على الصلوات في الجامع الكبير لطيف اللسان وافر العقل طويل الصمت في غاية العفة مع المعرفة بالمكاتيب والشروط كبير القدر عند الملوك والأمراء كثير النظر في مصالح أصحابه توفي في سادس عشرى المحرم عن نيف وستين سنة وفيها أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الحضرمي الزبيدي الشافعي مفتي أهل اليمن في زمانه انتهت إليه الرياسة في ذلك مات في رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن محمد بن محمود
المرداوي نزيل حماة ولد بمردا وقدم دمشق للفقه فبرع في الفنون وتميز ثم ولي قضاء حماة فباشرها مدة ودرس وأفاد ولازمه علاء الدين بن مغلى وبه تميز
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الهادي بن أبي العباس الشاطر الدمنهوري المعروف بابن الشيخ ولد سنة ثلاث وثلاثين وتعانى الآداب فكان أحد الأذكياء وكان أديبا فاضلا أعجوية في حل المترجم وهو القائل
( نادى مناد لقرط ** فطاف سمع البرية )
( وشنف الاذن منه ** قرط أتى للرعية )
وكان لا يسمع شعرا ولا حكاية إلا ويخبر بعدد حروفها فلا يخطىء جرب ذلك عليه مرارا مات في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن عثمان بن عيسى بن حسن بن حسين بن عبد المحسن الياسوفي الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن الجابي ولد في آخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة وسمع الحديث وكتب بخطه طباقا والمشتبه للذهبي وأخذ الفقه عن المشايخ الثلاثة الغزي والحسباني وحجي وغيرهم وأخذ الأصول عن البهاء الأخميمي ودرس وأفتى واشتغل واشتهر اسمه وشاع ذكره وكان أولا فقيرا ثم تمول فإنه ورث هو وابنه مالا من جهة زوجته وكثر ماله ونما واتسعت عليه الدنيا وسافر إلى مصر في تجارة وحصل له وجاهة بالقاهرة بكاتب السر الأوحد وولي تدريس الظاهرية أخذها من ابن الشهيد وأعاد بالشامية الجوانية قال الحافظ ابن حجي برع في الفقه والأصول وكان يتوقد ذكاءا سريع الإدراك حسن المناظرة ما كان في أصحابنا مثله له الإقدام والجرأة في المحافل مع الكلام المتين وكان ينسب إلى جده في بحثه وربما خرج على من يباحثه ومع ذلك ما كنت أحب مناظرة أحد سواه ولا يعجبني مباحث غيره فإنه كان منصفا سريع التصور وإنما كان يحتد على من لا يجاريه في مضماره وقال ابن حجر يقال أنه سم مع أوحد الدين بمصر وتأخر عمل السم فيه إلى أن مات بدمشق بعد عوده في جمادى الأولى وقد جاوز الخمسين ودفن بمقبرة الصوفية
وفيها شاه شجاع بن محمد بن مظفر اليزدي كان جده مظفر صاحب درك يزد وكرمان في زمن أبي سعيد بن خربندا ثم كان ابنه محمد فقام مقامه وأمنت الطرقات في زمنه ولم يزل أمره يقوى حتى ملك كرمان عنوة انتزعها من شيخ بن محمود شاه ثم تزوج محمد بن مظفر امرأة من بنات الأكابر بكرمان فقاموا بنصره وفر شيخ إلى شيراز فحاصره محمد بن مظفر بها إلى أن ظفر به فقتله واستقل بعد موت أبي سعيد بملك العراق كله وأظهر العدل وكان له من الأولاد خمسة شاه ولي وشاه محمود وشاه شجاع وأحمد وأبو يزيد فاتفقوا على والدهم فكحلوه وسجنوه في قلعة من عمل شيراز وذاك سنة ست وسبعمائة فتولى شاه شجاع صاحب الترجمة شيراز وكرمان ويزد وتولى شاه محمود أصبهان وغيرها ومات شاه ولي واستمر أحمد وأبو زيد في كنف شاه شجاع ووقع الخلف بين شاه محمود وشاه شجاع فآل الأمر إلى انتصار شاه شجاع ومات شاه محمود فاستولى شاه شجاع على أذربيجان انتزعها من أويس وكان شاه شجاع ملكا عادلا عالما بفنون من العلم محبا للعلم والعلماء وكان يقرىء الكشاف والأصول والعربية وينظم الشعر بالعربي والفارسي ويكتب الخط الفائق مع سعة العلم والحلم والكرم وكان قد ابتلى بترك الشبع فكان لا يسير إلا والمأكول على البغال صحبته فلا يزال يأكل ولما مات استقر ولده زين العابدين بعده إلى أن خرج عليه اللنك فقتله وقتل أقاربه
وفيها شرف الدين حسن بن محمد بن أبي الحسن بن الشيخ الفقيه أبي عبد الله اليونيني البعلي ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وقرأ وسمع الحديث ورحل فيه وأفتى ودرس وأفاد وتوفي في رمضان وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن الزين أبي الطاهر محمد بن الجمال محمد بن المحب أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري ثم المكي الشافعي ولد في محرم سنة ثلاث وعشرين بمكة وسمع من والده وعيسى الحجي والأمين الاق شهري والوادي آشي وآخرين وأجاز له الدبوسي والحجار وغيرهما وقرأ على القطب بن مكرم وغيرهم
ودخل الهند وحدث بها ودرس في الفقه وخطب ثم رجع فولي قضاء بجيلة وما حولها مدة ومات بالمدينة المنورة وفيها عثمان بن فار بن مهنا بن عيسى أمير آل فضل كان شابا كريما شجاعا جميلا يحب اللهو والخلاعة ومات شابا قاله ابن حجر وفيها سعد الدين فضل الله بن إبرهيم بن عبد الله الشامكاني نسبة إلى شامكان بالشين قرية بنيسابور الفقيه الشافعي قرأ على القاضي عضد الدين وغيره وحدث عنه بشرح مختصر ابن الحاجب وبالمواقف وغير ذلك وصنف في الأصول والعربية ونظم في العلوم العقلية وتوفي في جمادى الأولى
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن شجرة بن محمد التدمري الأصل الدمشقي الشافعي الفقيه المفتي القاضي اشتغل وتقدم واشتهر وولي القضاء بمعاملة الشام وآخر ما ولي قضاء القدس في أيام البلقيني فشكاه أهل القدس وجاءت كتب أعيانهم مشحونة بثلبه والحط عليه فعزل فقدم دمشق وأقام بها يدرس بالمدرسة الموقوفة عليه وعلى أقاربه قال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان يفتي كثيرا ويكتب على الفتاوي خطا حسنا بعبارة حسنة إلا أنه كان سيء السيرة في قضائه وفتواه مشهورا بذلك كان يتحمل للمستفتي حتى يفتيه بما يوافق غرضه ويأخذ منه جعلا على ذلك حضر عندي مرة فأعجبني فهمه واستنباطه في الفقه وغوصه على استخراج المسائل الحوادث من أصولها وردها إلى القواعد ثم ذكر ابن حجي كلاما لا أحب ذكره توفي بدمشق في شهر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون وفيها زين الدين أو علم الدين محمد بن القاضي تقي الدين عبد الله ابن الإمام العلامة زين الدين محمد بن القاضي علم الدين عبد الله بن عمر بن مكي بن عبد الصمد بن أبي بكر عطية الدمياطي الأصل الدمشقي الشافعي سبط الشيخ تقي الدين السبكي مولده سنة سبع وأربعين وسبعمائة وحضر على جماعة قال ابن حجي سمع من جده عدة من مصنفاته وله تحقيق ودرس بالعذراوية سنة تسع وستين انتزعها من يد خاله القاضي تاج الدين وكان ينوب عنه وكان من خيار
الناس وأغزر خلق الله مروءة ما رأينا أحدا أكثر مروءة وتفضلا على أصحابه ومساعدة لمن يقصده ولا أشد تواضعا وأدبا ورياسة منه توفي في شوال ودفن بتربة خاله بسفح قاسيون وفيها أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن ميمون البلوي بفتح الموحدة واللام نسبة إلى بلى بن عمرو بن الحارث بن قضاعة الأندلسي قال ابن حجر تقدم في الفرايض والعربية وسمع بنفسه بالقاهرة ومصر من ابن أميلة وغيره ورافقه الشيخ أبو زرعة العراقي في السماع كثيرا
سنة ثمان وثمانين وسبعمائة
فيها تمت عمارة المدرسة البرقوقية بمصر بين القصرين وكان القائم في عمارتها جركس الخليلي وقال في ذلك ابن العطار
( قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسة ** فاقت على ارم مع سرعة العمل )
( يكفي الخليلي أن جاءت لخدمته ** شم الجبال لها تأتي على عجل )
ونزل إليها السلطان برقوق في ثاني عشر شهر رجب وقرر أمورها ومد بها سماطا عظيما ونقل أولاده ووالده من الأماكن التي دفنو بها إلى القبة التي أنشأها بها وقرر فيها علاء الدين السراي مدرس الحنفية بها وشيخ الصوفية فيها والشيخ أوحد الدين الرومي مدرس الشافعية والشيخ شمس الدين بن مكين مدرس المالكية والشيخ صلاح الدين بن الأعمى مدرس الحنابلة والشيخ أحمد زاده العجمي مدرس الحديث والشيخ فخر الدين الضرير إمام الجامع الأزهر مدرس القراءات فلم يكن فيهم من هو فائق في فنه على غيره من الموجودين غيره قاله ابن حجر
وفيها في شعبانها توفي أمير مكة الشهاب أحمد بن عجلان بن رميثة بن نمي الحسيني واستقر ولده محمد بن أحمد فعمد كبيش بن عجلان إلى أقاربه فكحلهم منهم أحمد بن ثقبة وولده وحسن بن ثقبة ومحمد بن عجلان ففر منه عفان بن معاقس إلى القاهرة فشكا إلى السلطان من صنيعه والتزم بتعمير مكة وسعى في امرتها فأجيب
إلى ذلك قال ابن حجر كان أحمد بن عجلان عظيم الرياسة والحشمة اقتنى من العقار والعبيد شيئا كثيرا إلى غير ذلك وفيها أحمد بن الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي كان أكبر إخوته وقد عين للسلطنة مرارا فلم يتفق له ذلك ومات في رابع عشر جمادى الآخرة
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن يوسف بن المرحل المصري نزيل حلب الشافعي سمع من حسن سبط زيادة وتفرد به وسمع منه شهاب الدين الذرابيبي المقرىء وغيره من الرحالة وأخذ عنه ابن عشائر والحلبيون وأكثر عنه المحدث برهان الدين
وفيها تاج الدين أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسين بن إسمعيل بن وهب بن محبوب المصري ثم البعلي ثم الدمشقي احضر على ابن الموازيني وست الأهل وسمع من ابن مشرف وابن النور والمطعم والرضى الطبري وغيرهم وله إجازة من سنقر الزيني وبيبرس العديمي والشرف الفزاري وإسحق النحاس والعماد النابلسي وغيرهم وكان يذاكر بفوائد وأصيب بآخره فاستولت عليه الغفلة ورأيت بخطه تذكرة في نحو الستين مجلدة وعبارته عامية وخطه رديء جدا مات في المحرم قاله ابن حجر وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد المعطي بن مكي بن طراد بن حسين بن مخلوف بن أبي الفوارس بن سيف الإسلام بن قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري المكي المالكي النحوي اشتغل كثيرا ومهر في العربية وشارك في الفقه وأخذ عن أبي حيان وغيره وانتفع به أهل مكة في العربية وكان بارعا ثقة ثبتا وله تأليف ونظم كثير سمع من عثمان بن الصفي وغيره وكان حسن الأخلاق مواظبا على العبادة وأخذ عنه بمكة المرجاني وابن ظهيرة وغيرهما وحدثتنا عنه بالسماع شيختنا أم هانىء بنت الهوريني وهو جد شيخنا نحوى مكة قاضي القضاة محي الدين عبد القادر بن أبي القسم مولده سنة تسع وسبعمائة وتوفي
في المحرم قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها بدر الدين أحمد بن شرف الدين محمد بن فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن حنا المصري المعروف بابن الصاحب قال ابن حجر تفقه ومهر في العلم ونظم ونثر وفاق أهل عصره في ذلك وفاق أيضا في معرفة لعب الشطرنج وكان جماعا للمال لطيف الذات كثير النوادر ألف تأليفا في الأدب وغيره وكتب الخط وكان يحسن الظن بتصانيف ابن العربي ويتعصب له ووقعت له محنة مع الشيخ سراج الدين البلقيني وكان يكثر الشطح ويتكلم بما لا يليق بأهل العلم من الفحش ويصرح بالاتحاد وهو القائل
( أميل لشطرنج أهل النهى ** وأشكوه من ناقل الباطل )
( وكم رمت تهذيب لعابها ** وتأبى الطباع على الناقل )
مات في تاسع عشرى جمادى الآخرة وله إحدى وسبعون سنة رأيته واجتمعت به وسمعت من تآليفه ونوادره انتهى كلام ابن حجر
وفيها إسمعيل بن عبد الله الناسخ المعروف بابن الزمكحل قال في أنباء الغمر كان أعجوبة دهره في كتابة قلم الغبار مع أنه لا يطمس واوا ولا ميما ويكتب آية الكرسي على أرزة وكذا سورة الإخلاص وكتب من المصاحف الحمايلية ما لا يحصى انتهى وفيها داود بن محمد بن داود بن عبد الله الحسني الحميري صاحب صنعاء من جبال اليمن حاربه الإمام صاحب صعدة فغلب على صنعاء وانتزعها منه ففر داود منه إلى الأشرف صاحب زبيد فأكرمه إلى أن مات في ذي القعدة وهو آخر من وليها من أهل بيته ودامت مملكتهم قريبا من خمسمائة سنة وفيها زين الدين سريجا بفتح المهملة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم مفتوحة بغير مد ابن بدر الدين محمد بن سريجا الملطي ثم الباوردي كان من أعيان تلك البلاد في زمانه في الفقه والقراءات والأدب وغير ذلك وله تصانيف منها شرح الأربعين النووية سماه نشر فوائد المربعين النبوية في نثر فوائد
الأربعين النووية وجنة الجازع وحبة الجارع صنعه عند موت والد له سنة إحدى وسد باب الضلال وصد باب الغلال في ترجمة الغزالي ونظم قصيدة في القراءات السبع بوزن الشاطبية أولها
( يقول سريجا قانتا متبهلا ** بدأت بحمدي ناظما ومبسملا )
ومن نظمه وأجاد
خذ بالحديث وكن به متمسكا ** فلطالما ظمئت به الأكباد )
( شد الرحال له الرجال إذا سعوا ** لاخطار ما صرت له الآساد )
مات بماردين في المحرم وله ثمان وستون سنة وأخذ عنه ولده عقيل الذي مات سنة أربع عشرة وثمانمائة وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الإمام الحنبلي ابن صاحب الفروع كان أصغر أولاده دأب واشتغل وحفظ المقنع في الفقه وكان شكلا حسنا بارعا مترفها توفي يوم الإثنين خامس جمادى الأولى ودفن بالروضة قريبا من والده وجده
وفيها قطب الدين عبد اللطيف بن عبد المحسن بن عبد الحميد بن يوسف السبكي نزيل دمشق ابن أخت التقي السبكي الشافعي حضر على ابن الصواف مسموعه من النسائي وتفرد به ومن أبي الحسن بن هرون من مشيخة جعفر الهمداني تخريج الزكي البرزالي وحدث وكان كثير التسري يقال أنه وطىء أزيد من ألف جارية وروى عنه العراقي وابن سند وابن حجي وغيرهم وفيها محي الدين عبد الوهاب بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن أسد الأسكندراني القروي سمع من عبد الرحمن بن مخلوف عدة كتب منها الدعاء للمحاملي ومن محمد بن عبد المجيد الصواف التوكل وسمع بمكة من الرضي الطبري مسلسلات ابن شاذان وسمع من غيرهم وحدث وقد خرج له الذهبي جزءا من حديثه وتوفي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة وفيها شرف الدين علي بن عبد القادر
المراغي الصوفي اشتغل في بلاده ومهر في الفقه والأصول والطب والنجوم وفاق في العلوم العقلية قال السيوطي كان فاضلا في العلوم العقلية والعربية ويقرىء الكشاف والمنهاج في الأصول بارعا في الطب والنجوم معتزليا ونسب إلى رفض فرفع إلى حاكم وعزر واستتيب وكان صوفيا بخانقاه السميساطية فأخرج منها وأنزل بخانقاه خاتون فاستمر إلى أن مات بها انتهى وقرأ عليه تقي الدين بن مفلح ونجم الدين بن حجي وغيرهما وتوفي في ربيع الآخر وقد جاوز الستين وفيها الواثق بالله عمر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن المعتصم بن الواثق بن المستمسك بن الحاكم العباسي ولي الخلافة بعد خلع المتوكل في رجب سنة خمس وثمانين وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشرى شوال واستقر بعده أخوه زكريا وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التركستاني الأصل القرمي نزيل بيت المقدس ولد بدمشق سنة عشرين وسبعمائة ثم تجرد وخرج منها سنة إحدى وأربعين فطاف البلاد ودخل الحجاز واليمن ثم أقام بالقدس وبنيت له زاوية وكان يقيم في الخلوة أربعين يوما لا يخرج إلا للجمعة وصار أحد أفراد الزمان عبادة وزهدا وورعا وقصد بالزيارة من الملوك بسرور منهم وله خلوات ومجاهدات وسمع بدمشق من الحجار وغيره وكان يتورع عن التحديث ثم انبسط وحدث وكان عجبا في كثرة العبادة وملازمة التلاوة حتى بلغ في اليوم ست ختمات وقيل بلغ ثمانية وسأله الشيخ عبد الله البسطامي فقال له أن الناس يذكرون عنك القول في سرعة التلاوة فما القول الذي نذكر عنك أنك قرأته في اليوم الواحد فقال اضبط أني قرأت من الصبح إلى العصر خمس ختمات ويذكر عنه كرامات كثيرة وخوارق مع سعة العلم ومحبة الانفراد وقهر النفس وانتفع به جماعة ومات في تاسع عشرى شهر رمضان قاله جميعه ابن حجر وكانت وفاته بالقدس الشريف بخلوته وصلى عليه بالمسجد الأقصى ثم رد إلى خلوته فدفن بها ومن شعره
( أسير وحدي بلا ماء ولا زاد ** إلى الحمى مستهاما ظامئا صادي )
( ولا رفيق ولا خل يؤانسني ** خلعت نعلي مني شاطىء الوادي )
( أدناني الحب منه ثم قربني ** كقاب قوسين أو أدنى وذا الهادي )
وله أيضا
( مازلت أقيم مذهب العشق زمان ** حتى ظهرت أدلة الحق وبان )
( مازلت أوحد الذي أعبده ** حتى ارتحل الشرك عن الحق وبان )
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشافعي الآصجي بمد وفتح المهملة بعدها جيم الشاعر الأديب نزل مكة وجاور بها عدة سنين وكان مكثرا أكثر عنه نجم الدين الجرجاني قاله ابن حجر
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن تقي الدين عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد بن عفان المرداوي الحنبلي أبو عبد الله ولد سنة أربع عشرة وسمع الكثير من جماعات كثيرة منهم الشهاب الصرخدي وتفقه وناب في القضاء ثم استقل به إلى أن مات وكان محمودا في ولايته إلا أنه في حال نيابته عن عمه كان كثير التصمم بخلافه لما استقل وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة وكان كيسا متواضعا قاضيا لحوائج من يقصده خبيرا بالأحكام ذاكرا للوقائع صبورا على الخصوم عارفا بالاثباتات وغيرها لا يلحق في ذلك وكان يركب الحمارة على طريقة عمه وقد خرج له ابن المحب الصامت أحاديث متباينة وحدث بمشيخة ابن عبد الدايم عن حفيده محمد بن أبي بكر عن جده سماعا وتوفي في رمضان عن أربع وأربعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن الشيخ المحدث محب الدين السعدي المقدسي المعروف بابن المحب الحافظ الحنبلي ولد سنة إحدى وثلاثين وسمع من ابن الرضى والجزري وبنت الكمال وغيرهم وأحضر على أسماء بنت صصرى وعائشة بنت مسلم وغيرهما وعنى بالحديث وكتب الأجزاء والطباق وعمل المواعيد وأخذ عن إبراهيم بن
قيم الجوزية وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا وكان شديد التعصب لابن تيمية وتوفي يوم الأربعاء سابع جمادى الأولى بالصالحية ودفن بالروضة
وفيها محمد بن محمد بن علي بن حزب الله المغربي قال ابن حجر قرأت بخط القاضي برهان الدين بن جماعة مات الإمام العالم الكاتب البليغ أبو عبد الله بن حزب الله بدمشق في خامس عشرى شعبان سنة ثمان وثمانين وله تآليف وفضائل قلت منها كتاب سماه عرف الطيب في وصف الخطيب صنفه للبرهان المذكور ومن نظمه قصيدة أولها
( لبريق أرض الأبرقين والنقا ** قد طار مني القلب إذ تألقا )
انتهى وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن الياس القونوي الحنفي نزيل المزة ولد سنة خمس عشرة أو في التي بعدها وقدم دمشق شابا وأخذ عن التبريزي وغيره وتنزه عن مباشرة الوظائف حتى المدارس وكان الشيخ تقي الدين السبكي يبالغ في تعظيمه وكان له حظ من عبادة وعلم وزهد وورع وكان شديد البأس على الحكام شديد الانكار للمنكر أمارا بالمعروف يحب الانفراد والانجماع قليل المهابة للأمراء والسلاطين يغلظ لهم كثيرا وكان قد أقبل على الاشتغال بالحديث بآخره والتزم أن لا ينظر في غيره وصارت له اختيارات يخالف فيها المذاهب الأربعة لما يظهر له من دليل الحديث قال ابن حجي كانت له وجاهة عظيمة وكان ينهى أولاده وأتباعه عن الدخول في الوظائف وكان ربما كتب شفاعة إلى النائب نصها إلى فلان المكاس أو الظالم أو نحو ذلك وهم لا يخالفون له أمرا ولا يردون له شفاعة وكان الكثير من الناس يتوقون الاجتماع به لغلظه في خطابه وكان مع ذلك يبالغ في تعظيم نفسه في العلم حتى قال مرة أنا أعلم من النووي وهو أزهد مني وكان يتعانى الفروسية وآلات الحرب ويحب من يتعانى ذلك ويتردد إلى صيدا وبيروت على نية الرباط وقد باشر القتال في نوبة بيروت وبنى برجا على الساحل وقد صنف كتابا في
فقه الأئمة الأربعة سماه الدرر وهو كتاب كبير على أسلوب غريب واختصر شرح مسلم للنووي وتعقب عليه مواضع وشرح مجمع البحرين في عشر مجلدات وقد قدم القاهرة وأقام بها مدة وأقام بالقدس مدة ثم رجع إلى دمشق وانقطع بزاويته بالربوة ثم انقطع بزاويته بالمزة إلى أن توفي بالطاعون في جمادى الآخرة
وفيها شرف الدين محمد بن كمال الدين يوسف بن شمس الدين محمد بن عمر بن قاضي شهبة الشافعي اشتغل على جده ثم على أبيه وتعانى الأدبيات وقال الشعر وكتب الخط الحسن قال ابن حجي كان جميل الشكل حسن الخلق وافر العقل كثير التودد ولي قضاء الزبداني مدة ثم تركه وتوفي عشر الأربعين في ربيع الآخر ووجد عليه أبوه وجدا كثيرا حتى مات بعده عن قرب وفيها إمام الدين محمد الأصبهاني قال ابن خجر كان عالما عابدا مشهورا بالفضل والكرامات وكان ينذر بوقوع البلاء على يد الللنك ويخبر أنه ما دام حيا لا يصيب أهل أصبهان أذى فاتفقت وفاته في طروق اللنك لهم في هذه السنة انتهى وفيها جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن المجد أبي المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن أبي القسم بن جعفر الأنصاري المعروف بابن الصيرفي ولد في رمضان سنة عشر وسبعمائة وأسمعه أبوه الكثير من أبي بكر الدشتي والقاضي سليمان وعيسى المطعم وغيرهم وحدث بالكثير وكان يزين في القبان ثم كبر وعجز وكان بآخره يأخذ الأجرة ويماكس في ذلك وآخر من حدث عنه الحافظ بركات الدين محدث حلب وكان له ثبت يشتمل على شيء كثير من الكتب والأجزاء توفي في ذي الحجة
سنة تسع وثمانين وسبعمائة
فيها كانت وفاة ميخائيل الأسلمي كان نصرانيا وأسلم في شعبان السنة التي قبلها بحضرة السلطان فأركب بغلة وعمل تاجر الخاص ثم قرر في نظر أسكندرية في محرم هذه السنة فلما كان ثالث عشر ربيع الآخر ضربت عنقه بالأسكندرية
بعد أن ثبت عليه أنه زنديق وشهد عليه بذلك خمسون إلا واحدا
وفيها ضربت الدراهم الظاهرية وجعل اسم السلطان في دائرة فتفاءلوا له من ذلك بالحبس فوقع عن قريب ووقع نظيره لولده الناصر فرج في الدنانير الناصرية
وفيها توفي خليل بن فرح بن سعيد الإسرائيلي القدسي ثم الدمشقي القلعي الشافعي أسلم ببيت المقدس وله تسع عشرة سنة وعنى بالعلم ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي وانتفع به وقرأ القرآن ولقب فخر الدين ومحب الدين وكان مولده في آخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وتفقه على مذهب الشافعي فمهر وصار من أكثر الناس مواظبة على الطاعة من قيام الليل وإدامة التلاوة والمطالعة وولي مشيخة القصاعين ثم تركها لولده وجاور في آخر عمره بمكة وقدم دمشق ممرضا فمات في حادي عشر صفر وفيها الحافظ صدر الدين سليمان بن يوسف بن مفلح بن أبي الوفاء الياسوفي الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وثلاثين تقريبا وسمع الكثير وعنى بالحديث واشتغل بالفنون وحدث وأفاد وخرج مع الخط الحسن والدين المتين والفهم القوي والمشاركة الكثيرة أوذي في فتنة الفقهاء القائمين على الملك الظاهر فسجن حتى مات في السجن مع أنه صنف في منع الخروج على الأمراء تصنيفا حسنا وكان مشهورا بالذكاء سريع الحفظ دأب في الاشتغال ولازم العماد الحسباني وغيره وفضل في مدة يسيرة وتنزل في المدارس ثم تركها وقرأ في الأصول على الأخميمي وترافق هو وبدر الدين بن خطيب الحديثة فتركا الوظائف وتزهدا وصارا يأمران بالمعروف وينهيان عن المنكر أوذيا بسبب ذلك مرارا ثم حبب إلى الصدر الحديث فصحب ابن رافع وجد في الطلب وأخذ عن ابن البخاري كثيرا ورحل إلى مصر وسمع بها من جماعة ودرس وأفتى واستمر على الاشتغال بالحديث يسمع ويفيد الطلبة القادمين وينوه بهم مع صحة الفهم وجودة الذهن قال ابن حجي وفي آخر أمره صار يسلك مسلك الاجتهاد ويصرح بتخطئة الكبار واتفق وصول أحمد الظاهري من بلاد الشرق فلازمه فمال إليه فلما كانت كائنة تدمر مع ابن الحمصي أمر بالقبض على أحمد
الظاهري ومن ينسب إليه فاتفق أنه وجد مع اثنين من طلبة الياسوفي فذكرا أنهما من طلبة الياسوفي فقبض على الياسوفي وسجن بالقلعة أحد عشر شهرا إلى أن مات في ثالث عشر شوال ومن شعر الياسوفي
( ليس الطريق سوى طريق محمد ** فهي الصراط المستقيم لمن سلك )
( من يمشي في طرقاته فقد اهتدى ** سبل الرشاد ومن يزغ عنها هلك )
وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السجلماسي المعروف بالحفيد ابن رشد المالكي كان بارعا في مذهبه وروى عن أبي البركات البلقيني والعفيف المطري والشيخ خليل وولي قضاء حلب ثم غزة ثم سكن بيت المقدس قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب كان فاضلا يستحضر لكن كلامه أكثر من علمه حتى كان يزعم أن ابن الحاجب لا يعرف مذهب مالك وأما من تأخر من أهل العلم فإنه كان لا يرفع بهم رأسا إلا ابن عبد السلام وابن دقيق العيد ووقع بينه وبين شهاب الدين بن أبي الرضا قاضي حلب الشافعي منافرة فكان كل منهما يقع في حق الآخر وأكثر الحلبيين مع ابن أبي الرضا لكثرة وقوع الحفيد في الإعراض وسافر في تجارة من حلب إلى بغداد ثم حج وعاد إلى القاهرة ومات عن ثلاث وسبعين سنة وهو معزول عن القضاء ولم يكن محمودا قاله ابن حجر
وفيها تاج الدين عبد الواحد بن عمر بن عباد المالكي بن الحكار برع في الفقه وشارك في غيره وفيها أبو الحسن علي بن عمر بن عبد الرحيم بن بدر الجزري الأصل الصالحي النساح المعروف بأبي الهول ولد سنة بضع وسبعمائة وسمع الكثير من التقى سليمان وغيره وحدث وكان سمحا بالتحديث ثم لحقه في أواخر عمره طرف صمم فكان لا يسمع إلا بمشقة وقد حدث بالكثير وسمع منه السكري وابن العجمي وابن حجي وآخرون وتوفي في ربيع الأول عن نحو تسعين سنة
وفيها شمس الدين أبو المجد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي الحسني نقيب الأشراف بحلب ذكره طاهر بن حبيب في ذيل تاريخ أبيه وأثنى عليه بالفضل
الوافر وحسن المجالسة وطيب المحاضرة ومات في الطاعون الكائن بحلب واتفق أنه قبضت روحه وهو يقرأ سورة يس وفيها الحافظ شمس الدين أبو بكر محمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله الصالحي المقدسي الحنبلي المعروف بالصامت الشيخ الإمام الحافظ الأصيل بقية المحدثين سمي بالصامت لكثرة سكوته ووقاره سمع من عيسى المطعم والقاضي تقي الدين وابن عبد الدائم والقسم بن عساكر وقرأ على خالته زينب بنت الكمال كثيرا وعلى أبيه والمزي والبرزالي والذهبي وذكره في معجمه المختص وقال فيه عقل وسكون وذهنه جيد وهمته عالية في التحصيل وأثنى عليه الأئمة وكان آخر من بقي من أئمة هذا الفن وحدث فسمع من خلق كثير منهم الشيخ شمس الدين بن عبد الهادي سمع منه في سنة ثلاثين قال ابن حجر كان كثير التقشف جدا بحيث يلبس الثوب أو العمامة فيتقطع قبل أن يبدلها أو يغسلها وربما مشى إلى البيت بقبقاب عتيق وإذا بعد عليه المكان أمسكه بيده ومشى حافيا وكان يمشي إلى الحلق التي تحت القلعة فيتفرج على أصحابها مع العامة ولم يتزوج قط وكانت إقامته بالضيائية وتوفي في خامس ذي القعدة وباع ابن أخيه كتبه بأبخس ثمن وبذر ثمنها بسرعة لأنه كان كثير الإسراف على نفسه
وفيها محمد بن علي بن عمر بن خالد بن الخشاب المصري سمع الصحيح من وزيرة والحجار وحدث به وولي نيابة الحسبة وأضر قبل موته توفى في شعبان
وفيها الحافظ ناصر الدين محمد بن علي بن محمد بن محمد بن هاشم بن عبد الواحد بن أبي المكارم بن حامد بن عشائر الشافعي الحلبي ولد سنة اثنتين وأربعين وسمع الكثير ببلده ودمشق والقاهرة وأخذ بدمشق عن ابن رافع وكان بارعا في الفقه والحديث والأدب حسن الخط جدا ذا ثروة وملك كثير جمع مجاميع جيدة وحدث وناظر وألف وأسمع ولده ولي الدين الكثير وشرع في تاريخ لحلب يذيل به على تاريخ ابن العديم رتبه على حروف المعجم وتممه في أربعة أسفار يذكر فيه من مات من أهل حلب أو دخلها أو دخل شيئا من معاملتها وكان رأسا ببلده ذكر لقضائها
وكان خطيبا بها ثم لما قدم القاهرة فاجأته الوفاة في ربيع الآخر فمات غريبا ويقال أنه مات مسموما وفيها محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الدمراقي الهندي الحنفي قدم مكة قديما وسمع من العز بن جماعة وهو عالم بارع وكان يعتمر في كل يوم ويقرأ كل يوم ختمة ويكتب العلم قال ابن حجر ولكنه كان شديد العصبية يقع في الشافعي ويرى ذلك عبادة نقلت ذلك من خط الشيخ تقي الدين المقريزي ومات وقد قارب المائة انتهى وفيها صلاح الدين محمد بن الملك الكامل محمد بن الملك السعيد عبد الملك بن صالح إسمعيل بن العادل بن أيوب الدمشقي كان أحد الأمراء بدمشق ومولده سنة عشر تقريبا وأجاز له الدشتي والقاضي وغيرهما وحدث وتوفي في رمضان وفيها محمود بن موسى بن أحمد الأذرعي التاجر أجاز له التقي سليمان وغيره وحدث وفيها منشا موسى بن ماري حاطه ابن منشا مغا بن منشا موسى ملك التكرور وليها بعد أبيه سنة خمس وسبعين وكان عادلا عاقلا قاله ابن حجر وفيها جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف بن قاضي شهبة الأسدي الشافعي عم صاحب الطبقات ولد سنة عشرين وسبعمائة وسمع الحديث من جماعة وتفقه على والده وعلى أهل عصره وأذن له والده في الافتاء وكان يثني على فهمه وتنقل في قضاء البر ثم ترك ذلك وأقام بدمشق على وظائف والده نزل له عنها في حياته وكان فاضلا في الفقه غير أنه حصل له ثقل في لسانه في مرضة مرضها فكان يعسر عليه الكلام وكان خيرا دينا منجما ساكنا حسن الشكل قال الحافظ برهان الدين الحلبي قال لي ما أعلم منذ وعيت إلى الآن أني خلوت ساعة من وجع توفي في شوال ودفن عند والده رحمهما الله تعالى
سنة تسعين وسبعمائة
فيها أصاب الحجاج في رجوعهم ليلة تاسع المحرم عند ثغر حامد سيل عظيم مات منه عدد كثير أغرق منهم مائة وسبعة وثلاثين نفسا وأما من لم يعرف
فكثير جدا وفيها كما قال ابن حجر هبت ريح عظيمة بمصر وتراب شديد إلى أن كاد يعمى المارة في الطرقات وكان ذلك صبيحة المولد الذي يعمله الشيخ إسمعيل بن يوسف الأنبابي فيجتمع فيه من الخلق من لا يحصى عددهم بحيث أنه وجد في صبيحته مائة وخمسين جرة من جرار الخمر فارغات إلى ما كان في تلك الليلة من الفساد من الزنا واللواط والتجاهر بذلك فأمر الشيخ إسمعيل بإبطال المولد بعد ذلك فيما يقال ومات في سلخ شعبان وكان نشأ على طريقة حسنة واشتغل بالعلم وانقطع بزاويته وصار يعمل عنده المولد كما يعلم بطنتدا ويحصل فيه من المفاسد والقبائخ ما لا يعبر عنه انتهى وفيها توفي برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الخطيب زين الدين أبي محمد عبد الرحيم بن قاضي مصر والشام بدر الدين محمد بن جماعة الكناني الحموي الأصل المقدسي الشافعي قاضي مصر والشام وخطيب الخطباء وشيخ الشيوخ وكبير طائفة الفقهاء وبقية رؤساء الزمان ولد بمصر في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وقدم دمشق صغيرا فنشأ عند أقاربه بالمزة وأحضر على جده وسمع من أبيه وعمه وطلب الحديث بنفسه وهو صغير في حدود الأربعين وسمع من شيوخ مصر والشام ولازم المزي والذهبي وأثنى على فضائله وحصل الأجزاء وتخرج على الشيوخ واشتغل في فنون العلم وتوفي والده سنة تسع وثلاثين وهو صغير فكتبت خطابة القدس باسمه واستنيب له ثم باشر بنفسه وهو صغير وانقطع ببيت المقدس ثم أضيف إليه تدريس الصالحية بعد وفاة العلائي ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية بعد عزل أبي البقا في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين وباشره بنزاهة وعفة ومهابة وحرمة وعزل نفسه فسأله السلطان وترضاه حتى عاد واستمر إلى أن عزل نفسه ثانيا في شعبان سنة سبع وسبعين وعاد إلى القدس على وظائفه ثم سئل في العود إلى القضاء فأعيد في صفر سنة إحدى وثمانين فباشرها ثلاث سنين إلى أن عزل نفسه في صفر سنة أربع وثمانين وعاد إلى القدس ثم خطب إلى قضاء دمشق والخطابة بعد موت القاضي ولي الدين في ذي القعدة سنة خمس وثمانين ثم أضيف
إلى مشيخة الشيوخ بعد سنة من ولايته وقام في أمور كبار تمت له قال الحافظ ابن حجر عزل نفسه في أثناء ولايته غير مرة ثم يسأل ويعاد وكان محببا إلى أناس وإليه انتهت رياسة العلماء في زمانه فلم يكن أحد يدانيه في سعة الصدر وكثرة البذل وقيامة الحرمة والصدع بالحق وقمع أهل الفساد مع المشاركة الجيدة في العلوم واقتنى من الكتب النفيسة بخطوط مصنفيها وغيرهم ما لم يتهيأ لغيره انتهى وجمع تفسيرا في عشر مجلدات وفيه غرائب وفوائد وتوفي شبه الفجأة في شعبان ودفن بتربة أقاربه بنى الرحبي بالمزة وفيها جمال الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد اللخمي الأسيوطي ثم المكي ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة وتفقه للشافعي بالزملكوني والتاج التبريزي والكمال النسائي ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي وصحب شهاب الدين بن الميلق وأخذ عنه في الأصول والتصوف وسمع صحيح البخاري من الحجار وسمع مسلم من الواني وحدث عنهما وعن الدبوسي ونحوه بالكثير وسمع بدمشق من الرضى والمزي وجماعة ومهر في الفنون وناب في الحكم ثم جاور بمكة مدة طويلة من سنة سبعين وتصدر للتدريس والتحديث وجمع بين الشرح الكبير والروضة والتهذيب بيض نصف الكتاب في سبع مجلدات وله شرح بانت سعاد وتوفي بمكة في ثالث رجب
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن القاضي نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن ذؤيب بن مشرف الأسدي الشافعي المعروف بابن قاضي شهبة وهو والد صاحب طبقات الشافعية قال ولده مولده في رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وحفظ التنبيه وعيره واشتغل على والده وأهل طبقته وأذن له والده بالافتاء واشتغل في الفرائض ومهر فيها وصنف فيها مصنفا ودرس وأعار وجلس للاشتغال بالجامع الأموي مدة وكان كريم النفس جدا كثير الإحسان إلى الطلبة والفقهاء والغرباء وإلى أقاربه وذوي رحمه ولم يكن ببلده في طائفته أكرم منه ومن الشيخ نجم الدين بن الجابي
توفي في ذي القعدة ودفن بالباب الصغير بمقبرة والده رحمهما الله تعالى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن غازي بن جاثم التركماني المعروف بابن الحجازي ولد سنة ثلاث عشرة وسبعمائة وحضر على أبي بكر بن أحمد بن عبد الدايم وغيره وأجاز له ابن المهتار وست الوزراء وغيرهما وهو جد أبيه لأمه وطلب بنفسه بعد الثلاثين وسمع من جماعة وأجاز له جماعة وكان فاضلا مشاركا أقرأ الناس القراءات ومات في رجب وفيها شجاع الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم السنجاري الحنبلي نزيل بغداد الشيخ الإمام المحدث كان فاضلا مسندا حدث بالكثير فمن ذلك جامع المسانيد ومسند الشافعي ورموز الكنوز في التفسير للرسعني وكتاب التوابين لشيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة وحدث عنه الشيخ نصر الله البغدادي وولده قاضي القضاة محب الدين وتوفي عن ثمانين سنة
وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن سليمان النيسابوري الأصل ثم المكي المعروف بالشاوري ولد سنة خمس وسبعمائة وقيل قبل ذلك وسمع من الرضى الطبري وأجاز له أخوه الصفي وحدث بالكثير قال ابن حجر العسقلاني سمعت عليه صحيح البخاري بمكة وتفرد عن الرضى بسماع الثقفيات وقد حضر إلى القاهرة في أواخر عمره وحدث ثم رجع إلى مكة وتغير قليلا ومات بها في ذي الحجة
وفيها عبد الواحد بن عبد الله المغربي المعروف بابن اللوز كان فاضلا ماهرا في الطب والهيئة وغير ذلك مات في شوال قاله ابن حجر
وفيها العلاء علاء الدين بن أحمد بن محمد بن أحمد السيرامي بمهملة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة قال في أنباء الغمر كان من كبار العلماء في المعقولات قدم من البلاد الشرقية بعد أن درس في تلك البلاد فأقام في ماردين مدة ثم فارقها لزيارة القدس فلزمه أهل حلب للإفادة وبلغ خبره الملك الظاهر فاستدعى به فقرره شيخا ومدرسا بمدرسته التي أنشأها بين القصرين وأفاد الناس في علوم عديدة وكان إليه المنتهى في فعل المعاني والبيان وكان متوددا إلى الناس محسنا إلى الطلبة
قائما في مصالحهم لا يلوي بشره عن أحد مع الدين المتين والعبادة الدائمة مات في ثالث جمادى الأولى وكانت جنازته حافلة وقد جاوز السبعين انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن يعقوب شيخ الوضوء الشافعي كان يقرىء بالسبع ويشارك في الفضائل وقيل له شيخ الوضوء لأنه كان يطوف على المطاهر فيعلم العامة الوضوء قال ابن حجي قدم من صفد وسمع على السادحي أحد أصحاب الفخر وتفقه بوالدي وغيره وأذن له ابن خطيب يبرود في الافتاء وكان التاج السبكي يثني عليه ويسلك مع ذلك طريق التصوف ودخل القاهرة واجتمع بالسلطان ورتب له راتبا على المارستان المنصوري وكان حسن الفهم جيد المناظرة يعتقد ابن عربي وأقام بالقاهرة تسع سنين وتوفي في جمادى الآخرة وقد جاوز السبعين انتهى وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن المنبجي الأسمري خطيب المزة سمع الكثير من التقي سليمان ووزيرة وابن مكتوم وغيرهم وتفرد بأشياء وأكثروا عنه وهو آخر من حدث عن ابن مكتوم بالموطأ وعن وزيرة بمسند الشافعي وولي بآخرة قضاء الزبداني وتوفي في ذي القعدة عن ست وثمانين سنة وفيها بدر الدين محمد بن إسمعيل الأربلي بن الكحال قال ابن حجر عنى بالفقه والأصول وكان جيد الفهم فقيرا ذا عيال وهو مع ذلك راض قانع جاوز السبعين انتهى وفيها عز الدين أبو اليمن محمد بن عبد اللطيف بن محمود بن أحمد الربعي بن الكويك أصله من تكريت ثم سكن سلفه الأسكندرية وكانوا تجارا بها وسمع بالأسكندرية من العتبي ووجيهة بنت الصعيدي وبدر الدين بن جماعة وعلي بن قريش وأبي حيان وغيرهم وكان رئيسا مسموع الكلمة عند القضاة توفي في جمادى الأولى عن خمس وسبعين سنة
سنة إحدى وتسعين وسبعمائة
توفي شهاب الدين أبو الخير أحمد بن عمر بن محمد بن أبي الرضا قاضي
القضاة الحموي الشافعي نزيل حلب اشتغل في الفقه وغيره وأخذ عن العلامة شرف الدين يعقوب خطيب قلعة حماة ورحل إلى الشام وقرأ على أهلها ورحل إلى القاهرة واشتغل بها وقدم حلب سنة بضع وسبعين قاضي العسكر ومفتي دار العدل فأقام بها يفتي ويفيد ثم تولى قضاء حلب فحمدت سيرته ذكره الحافظ برهان الدين الحلبي سبط ابن العجمي فقال فريد الشام ذكاءا ومعرفة ودهاءا وحفظا غير أنه كان له أناس يعادونه وما يصنعه يخرجونه في قوالب رديئة ويتكلمون فيه بأشياء ليست فيه ولكن الحسد حملهم على ذلك وكان أوحد العلماء متقنا متفننا أستاذا في القراءات وتوجيهها والتفسير والمعاني والبيان والبديع والعروض والنظم والنثر الفائق والإنشاء عالما بالفقه والأصلين ويحفظ جملة صالحة من الحديث وصناعته يكاد يحفظ شرح مسلم ومعالم السنن للخطابي وكان أستاذا في معرفة الطب والعلاج وهو رجل غريب في بابه وكان يحافظ على الجلوس في المسجد لا يكاد يخرج منه إلا لحاجته وعنده حشمة وله سياسة وكياسة يعظم العلم وأهله ولا يقدم عليهم أحدا لم أر بحلب أحدا بعده من أهلها أعلم منه ولا من غيرها إلا ما كان من شيخنا سراج الدين البلقيني إلى أن قال وله مؤلفات نفيسة منها كتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب في فنون القرآن مجلد ضخم ونظم غريب القرآن للعزيزي على قافية الشاطبية ووزنها وكتاب مفاخرة بين السيف والقلم وكتاب ليس فيه حرف معجم وغير ذلك ودخل بين الترك فأخذ وحبس بالقلعة ثم حمل مقيدا إلى قريب من خان شيخون وقتل هناك في ذي القعدة ثم نقل إلى حماه إلى مقبرة والده وأهله وقال العيني في تاريخه قتل شر قتلة وكان ذلك أقل جزائه فإن الظاهر هو الذي جعله من أعيان الناس وولاه القضاء من غير بذل ولا سعي فجازاه بأن أفتى في حقه بما أفتى وقام في نصر أعدائه بما قام وشهر السيف وركب بنفسه والمنادي ينادي بين يديه قوموا انصروا الدولة المنصورية بأنفسكم وأموالكم فإن الظاهر من المفسدين العصاة الخارجين فإن سلطنته ما صادفت محلا إلى غير ذلك وكان عنده بعض شيء من
العلم ولكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم وكان مولعا بثلب أعراض الكبار وكان باطنه رديئا وقلبه خبيثا قال وسمعت أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة انتهى كلام العيني ملخصا وفيها شهاب الدين أحمد بن زين الدين عمر بن الشهاب محمود بن سليمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بالقنبيط قال ابن حجر ولد سنة عشر أو نحوها وسمع من أمين الدين محمد بن أبي بكر بن النحاس وغيره ووقع في الدست فكان أكبرهم سنا وأقدمهم مات في ربيع الأول عن ثمانين سنة وزيادة ولم يحدث شيئا وهو الذي أراد صاحبنا شمس الدين بن الجزري بقوله
( باكر إلى دار عدل جلق يا ** طالب خير فالخير في البكر )
( فالدست قد طاب واستوى وغلى ** بالقرع والقنبيط والجزر )
وأشار بالقنبيط إلى هذا وبالجزر إلى نفسه وبالقرع إلى أبي بكر بن محمد الآتي ذكره سنة أربع وتسعين انتهى وفيها محب الدين أحمد بن محمد المعروف بالسبتي انقطع بمصلى حولان ظاهر مصر وكان معتقدا ويشار إليه بعلم الحرف والزايرجا ومات في عشرى صفر وقد جاوز الثمانين ظنا وكان حسن السمت
وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن علي المعروف بابن الوكيل عنى بالفقه والعربية وقال النظم فأجاد وكان سمع بمكة من الجمال بن عبد المعطي المكي وبدمشق من الصلاح بن أبي عمر ومن شيوخه في العلم صلاح الدين العفيفي ونجم الدين بن الجابي وجمال الدين الأسيوطي وشمس الدين الكرماني وكان يتوقد ذكاءا مات بالقاهرة في صفر وفيها شهاب الدين أحمد بن ركن الدين بن يزيد بن محمد السرائي الحنفي الشهير بمولانا زاده قال ابن حجر في أنباء الغمر كان والده كثير المراعاة للعلماء والتعهد للصالحين وكان السلاطين من بلاد سراي قد فوضوا إليه النظر على أوقافهم فكانت تحمل إليه الأموال من أقطار البلاد ولا يتناول لنفسه ولا لعياله شيئا وكان يقول أنا أتجنبه ليرزقني الله ولدا صالحا ثم
مات الشيخ سنة ثلاث وستين وخلف ولده هذا ابن تسع سنين وقد لاحت آثار النجابة عليه فلازم الاشتغال حتى أتقن كثيرا من العلوم وتقدم في التدريس والإفادة وهو دون العشرين ثم رحل من بلاده قلحا فما دخل بلدا إلا عظمه أهلوها لتقدمه في الفنون ولا سيما فقه الحنفية ودقائق العربية والمعاني وكانت له مع ذلك يد طولى في النظم والنثر ثم حبب إليه السلوك فبرع في طريق الصوفية وحج وجاور ورزق في الخلوات فتوحات عظيمة ثم دخل القاهرة ثم رجع إلى المدينة فجاور بها ثم رجع فأقام بخانقاه سعيد السعدا واستقر مدرسا للمحدثين بالظاهرية الجديدة أول ما فتحت بين القصرين وقرر مدرسا للصرغتمشية في الحديث أيضا ثم إن بعض الحسدة دس إليه سما فتناوله فطالت علته بسببه إلى أن مات في المحرم انتهى
وفيها صدر الدين أبو المعالي عبد الخالق ويقال له أيضا محمد بن محمد بن محمد الشعيبي بالمعجمة والموحدة مصغرا الإسفراييني ولد سنة أربع وثلاثين وكان عارفا بالفقه وحدث بكتاب المناسك تصنيف أبيه عنه وشرح منه قطعة وجمع هو كتابا في المناسك أيضا كثير الفائدة وكان مشهورا ببغداد مات بفند منصرفا من الحج في المحرم وفيها القاضي جمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سليمان الأسكندراني المالكي المعروف بابن خير سمع من ابن الصفي والوادي آشي وغيرهما وكان عافا بالفقه دينا خيرا ولي الحكم فحمدت سيرته قال ابن حجر قرأت عليه شيئا مات في سابع عشر رمضان واستقر بعده تاج الدين بهرام الدميري في قضاء المالكية بعناية الخليفة المتوكل انتهى
وفيها نجم الدين عبد الرحيم بن عبد الكريم بن عبد الرحيم بن رزين الحموي الأصل القاهرة قال ابن حجر سمع الصحيح من وزيرة والحجار وسمع من غيرهما وحدث سمعت عليه بمصر مات في جمادى الأولى وله إحدى وتسعون سنة انتهى
وفيها تقي الدين عبد الوهاب بن سبع البعلبكي عنى بالعلم وحصل ودرس وألف مختصرا في الأحكام وولي قضاء بعلبك فلم يحمد في القضاء مات بدمشق
وفيها فخر الدين علي بن أحمد بن محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد سنة أربعين وسمع الكثير ولازم ابن مفلح وتفقه عنده وخطب بالجامع المظفري وكان أديبا ناظما ناثرا منشئا له خطب حسان ونظم كثير وتعاليق في فنون وكان لطيف الشمائل توفي في جمادى الآخرة
وفيها علي بن الجمال محمد بن عيسى اليافعي كان عارفا بالنحو في بلاد اليمن مات بعدن في صفر قاله السيوطي في طبقات النحاة وفيها شرف الدين الأشقر عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح الكرادي الحنفي أصله من تركمان البلاد الشمالية واشتغل في بلاده ثم قدم القاهرة في دولة الأشرف فصحب الملك الظاهر قبل أن يتأمر وكانت له به معرفة من بلاده فلما كبر قرره إماما عنده وتقدم في دولته وولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية وكان حسن الهيئة مشاركا في الفضائل جيد المحاضرة مات في رابع عشرى ربيع الآخر عن نحو خمسين سنة وفيها محب الدين محمد بن بدر الدين عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المغربي ثم المدني المالكي كانت له عناية بالعلم وولي قضاء بلده ولم يجاوز الخمسين وفيها تقي الدين محمد بن عبد القادر بن علي بن سبع البعلي قال ابن حجر اشتغل ودرس مكان عمه أحمد في الأمينية وغيرها وأفتى ودرس وولي قضاء بعلبك وطرابلس ولم يكن مرضيا في سيرته وجمع كتابا في الفقه مع قصور فهمه وكان يكتب خطا حسنا ويقرأ في المحراب قراءة جيدة ويخطب بجامع رأس العين مات في المحرم انتهى وفيها بدر الدين أبو اليمن محمد بن سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير الكناني المصري البلقيني الشافعي سبط بهاء الدين بن عقيل قال ابن قاضي شهبة في طبقاته ولد في صفر سنة ست وقيل سنة سبع وخمسين وقدم دمشق مع والده سنة تسع وستين وهو مراهق وقد حفظ عدة كتب فعرضها
على مشايخ الشام إذ ذاك وأجاز له من أصحاب البخاري وابن القواس وغيرهم وأخذ عن والده وعن غيره من علماء عصره منهم جده الشيخ بهاء الدين وجمال الدين الأسنوي وتقدم وتميز وفاق أقرانه باجتهاده وجودة ذهنه ودرس واشتغل وأفتى ونزل له والده عن قضاء العسكر في شعبان سنة تسع وسبعين وكان حسن الذات مليح الصفات وكان يكثر البحث مع والده ويعارضه وكان والده يسر بذلك كثيرا وقد ذكر له الأديب زين الدين طاهر بن حبيب ترجمة حسنة وقال كان كلفا بالجود لا متكلفا مطبوعا على مكارم الأخلاق لا متطبعا وأخذ الفقه عن والده شيخ الإسلام وبرع فيه إلى أن روت عنه أفواه المحابر وألسنة الأقلام وشارك أهل العلوم فكان لهم منه أوفى نصيب وحامل أرباب الفنون فظهر لهم بكل معنى غريب ثم دون العلم الشريف وكرس وباشر الوظائف الجليلة وأفتى ودرس وتولى قضاء العسكر بالديار المصرية واستمر إلى أن تطاولت إليه يد القضاء القسرية فتوفي في شعبان بالقاهرة ودفن بمدرسة والده التي أنشأها بقرب جامع الحاكم وتألم والده عليه كثيرا وتوفي عن نيف وثلاثين سنة وفيها شمس الدين محمد بن محمود بن عبد الله النيسابوري ابن أخي جار الله الحنفي قدم القاهرة ولازم عمه وغيره في الاشتغال وولي إفتاء دار العدل ومشيخة سعيد السعداء وكان بشوشا حسن الأخلاق عالما بكثير من المعاني والبيان والتصوف ومات في ربيع الآخر ولم يكمل الخمسين وفيها سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله هكذا أثبته السيوطي في طبقات النحاة بلفظ مسعود وهو المشهور والذي أثبته ابن حجر في كتابيه الدرر الكامنة وأنباء الغمر بلفظ محمود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الإمام العلامة عالم النحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرهما قال ابن حجر ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بتفتازان بفتح الفوقيتين والزاي وسكون الفاء وبالنون قرية بنواحي
نسا وأخذ عن القطب والعضد وتقدم في الفنون واشتهر ذكره وطار صيته وانتفع الناس بتصانيفه وكان في لسانه لكنة وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق انتهى ملخصا وقال غيره فرغ من تأليف شرح الزنجاني حين بلغ ست عشرة سنة ومن شرح تلخيص المفتاح في صفر سنة ثمان وأربعين بهراة ومن اختصاره سنة ست وخمسين ومن شرح الرسالة الشمسية في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين بمزارجام ومن شرح التلويح في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين بكلستان تركستان ومن شرح العقائد في شعبان سنة ثمان وستين ومن حاشية شرح مختصر الأصول في ذي الحجة سنة سبعين ومن رسالة الإرشاد سنة أربع وسبعين كلها بخوارزم ومن مقاصد الكلام وشرحه في ذي القعدة سنة أربع وثمانين بسمرقند ومن تهذيب الكلام في رجب ومن شرح القسم الثالث من المفتاح في شوال كلها في سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند وشرع في تأليف فتاوى الحنفية يوم التاسع من ذي القعدة سنة تسع وستين ومن تأليفه مفتاح الفقه سنة اثنتين وسبعين ومن شرح تلخيص الجامع سنة ست وثمانين كلها بسرخس ومن شرح الكشاف في الثاني من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين بظاهر سمرقند ومن شعره
( إذا خاض في بحر التفكر خاطري ** على درة من معضلات المطالب )
( حقرت ملوك الأرض في نيل ما حووا ** ونلت المنى بالكتب لا بالكتائب )
ومنه أيضا
( فرق فرق الدرس وحصل مالا ** فالعمر مضى ولم ننل آمالا )
( لا ينفعك القياس والعكس ولا ** افعنلل يفعنلل افعنلالا )
ومنه
( طويت بأحراز العلوم وكسبها ** رداء شبابي والجنون فنون )
( فلما تحصلت العلوم ونلتها ** تبين لي أن الفنون جنون )
وحكى بعض الأفاضل أن الشيخ سعد الدين كان في ابتداء طلبه بعيد الفهم جدا ولم يكن في جماعة العضد أبلد منه ومع ذلك فكان كثير الاجتهاد ولم يؤيسه جمود فهمه من الطلب وكان العضد يضرب به المثل بين جماعته في البلادة فاتفق أن أتاه إلى خلوته رجل لا يعرفه فقال له قم يا سعد الدين لنذهب إلى السير فقال ما للسير خلقت أنا لا أفهم شيئا مع المطالعة فكيف إذا ذهبت إلى السير ولم أطالع فذهب وعاد وقال له قم بنا إلى السير فأجابه بالجواب الأول ولم يذهب معه فذهب الرجل وعاد وقال له مثل ما قال أولا فقال ما رأيت أبلد منك ألم أقل لك ما للسير خلقت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقام منزعجا ولم ينتعل بل خرج حافيا حتى وصل به إلى مكان خارج البلد به شجيرات فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه تحت تلك الشجيرات فتبسم له وقال له نرسل إليك المرة بعد المرة ولم تأت فقال يا رسول الله ما علمت أنك المرسل وأنت أعلم بما اعتذرت به من سوء فهمي وقلة حفظي وأشكو إليك ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افتح فمك وتفل له فيه ودعا له ثم أمره بالعود إلى منزله وبشره بالفتح فعاد وقد تضلع علما ونورا فلما كان من الغد أتى إلى مجلس العصد وجلس مكانه فأورد في أثناء جلوسه أشياء ظن رفقته من الطلبة أنها لا معنى لها لما يعهدون منه فلما سمعها العضد بكى وقال أمرك يا سعد الدين إلى فإنك اليوم غيرك فيما مضى ثم قام من مجلسه وأجلسه فيه وفخم أمره من يومئذ انتهى وتوفي رحمه الله بسمرقند وكان سبب موته ما ذكره في شقائق النعمان في ترجمة ابن الجزري أن تيمورلنك جمع بينه وبين السيد الشريف فأمر التيمور بتقديم السيد على السعد وقال لو فرضنا أنكما سيان في الفضل فله شرف النسب فاغتم لذلك العلامة التفتازاني وحزن حزنا شديدا فما لبث حتى مات رحمه الله تعالى وقد وقع ذلك بعد مباحثتهما عنده وكان الحكم بينهما نعمان الدين الخوارزمي المعتزلي فرجح كلام السيد الشريف على كلام
العلامة التفتازاني انتهى وفيها منهاج الدين الرومي الحنفي كان أعجوبة في قلة العلم والتلبيس على الترك في ذلك قدم القاهرة فولي تدريس الحنفية بمدرسة أم الأشرف قاله ابن حجر وقال قال شيخنا ناصر الدين بن الفرات حضرت درسه مرارا فكان لا ينطق في شيء من العلم بكلمة بل إذا قرأ القارىء شيئا استحسنه وربما تكلم بكلام لا يفهم منه شيء مات في رابع عشرى ربيع الأول
سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة
في صفرها أخرج برقوق الملك الظاهر من السجن وعاد إلى ملكه فاستمر إلى أن مات سنة إحدى وثمانمائة في شوالها كما سيأتي إن شاء الله تعالى
وفيها توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة بن محمد بن علي بن عليان بن هاشم بن مرزوق المخزومي المكي الشافعي القرشي قال ابن أخيه القاضي جمال الدين في معجم شيوخه الذي سماه ارشاد الطالبين إلى شيوخ ابن ظهيرة جمال الدين ما لفظه أبو العباس شهاب الدين أحمد بن ظهير الدين ظهيرة عمى الإمام الفقيه المفتي ولد بمكة في شهور سنة ثماني عشرة وسبعمائة وسمع بها من القاضي نجم الدين محمد بن الجمال بن المحب الطبري وأخيه الزين محمد وأحمد بن الرضى الطبري والأمين الأقشهري والجمال محمد بن أحمد بن خلف المطري وعيسى بن عبد العزيز الحجي سمع منه صحيح البخاري في آخرين وتفقه على جماعة منهم العلامة نجم الدين الأصفوني وبه تخرج وأخذ الحساب والفرائض وأخذ الأصول عن العلامة جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي وقرأ بالروايات على أبي إسحق إبراهيم بن مسعود المروزي وغيره وأذن له الحافظ أبو سعيد بن العلائي وغيره بالافتاء وتصدر للاشغال بالمسجد الحرام فانتفع به جماعة وناب في الحكم عن القاضيين تقي الدين وكمال الدين ثم ولي قضاء مكة وخطابتها بعد موت شيخنا القاضي أبي الفضل ثم عزل عن ذلك سنة ثمان وثمانين فلازم شغل الطلبة بالحرم الشريف إلى أن توفي ليلة السبت ثالث
عشرى ربيع الأول وصلى عليه من الغد بالمسجد الحرام ودفن بالمعلاة
وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن علي بن الحداد الزبيدي الحنفي كان عارفا بالفرائض فاضلا مات بزبيد في ذي الحجة قاله ابن حجر
وفيها شرف الدين إسمعيل بن حاجي الفروي بفتح الفاء وسكون الراء نسبة إلى فروة جد الفقيه الشافعي كان أحد علماء بغداد ثم قدم دمشق في حدود السبعين فأفاد بها في الجامع وغيره ودرس بالعيينية وغيرها وكان دينا خيرا تصدق بما يملكه في مرض موته ومات في صفر وفيها سرحان بن عبد الله الفقيه المالكي قال ابن حجر كان عارفا بمذهبه مات في ذي الحجة بالقاهرة وكان أكولا مشهورا بذلك وفيها عبد المؤمن بن أحمد بن عثمان المارداني ثم الدمشقي الشافعي قدم دمشق فاشتغل ومهر واستنابه التاج السبكي في إمامة الجامع والخطابة واستمر ينوب في ذلك إلى أن مات وكان دينا خيرا ملازما للجامع يشغل الطبلة مات في ربيع الآخر وفيها علاء الدين علي بن خلف بن خليل بن عطاء الله الشافعي الغزي قاضي غزة مولده سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وهو أخو القاضي شمس الدين الغزي وأسن منه قال الحافظ ابن حجي كان له قديم اشتغال بدمشق وسمع من ابن الشحنة وجماعة أجاز لي ولم أسمع منه انتهى وقال ابن قاضي شهبة بلغني أن أخاه والشيخ عماد الدين الحسباني قرأ عليه في أول أمرهما وأنه اجتمع بالشيخ سراج الدين البلقيني فسأله عن شيء يمتحنه به فقال تمتحني وأنا لي تلميذان أفتخر بهما على الناس الحسباني وأخي وولي قضاء غزة مدة ثم عزل بسبب سوء سيرة أولاده وأقام مدة بقرن الحارة منقطعا إلى العبادة ورأيت آخرا بخطه مختصر تاريخ الإسلام للذهبي وبلغني انه اختصر التاريخ جميعه توفي في ربيع الآخر أو جمادى الأولى بغزة انتهى وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر ابن بدر بن مسلم الكتاني بتشديد الفوقية وبالنون القرشي الملحي الدمشقي الإمام الفقيه الشافعي المحدث المفسر الواعظ قال ابن قاضي شهبة ولد في شعبان سنة أربع
وعشرين وسبعمائة وورد دمشق بعد الأربعين واشتغل في الفقه على خطيب جامع جراح شرف الدين قاسم وأخذ عن الشيخ علاء الدين بن حجي وأخذ الأصول عن البهاء الأخميمي واشتغل في الحديث وشرع في عمل المواعيد وكان يعمل مواعيد نافعة تفيد الخاصة والعامة وانتفع به خلق كثير من العوام وصار لديهم فضيلة وأفتى وتصدر للإفادة ودرس بالمسرورية ثم بالناصرية ووقع بينه وبين ابن جماعة بسببها وحصل له محنة ثم عوض عنها بالأتابكية ثم أخذت عنه فلما ولي ولده قضاء دمشق في سنة إحدى وتسعين ترك له الخطابة وتدريس الناصرية والأتابكية ثم فوض إليه دار الحديث الأشرفية فلما عادت دولة الظاهر أخذ واعتقل مع ابنه بالقلعة وجرت لهما محن وطلب منهما أموال فرهن الشيخ كثيرا من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما قال الحافظ ابن حجي برع في علم التفسير وأما علم الحديث فكان حافظا للمتون عارفا بالرجال وكان سمع الكثير من شيوخنا وله مشاركة في العربية انتهى وكان مشهورا بقوة الحفظ ودوامه إذا حفظ شيئا لا ينساه شجاعا مقداما كثير المساعدة لطلبة العلم يقول الحق على من كان من غير مداراة في الحق ولا محاباة وملك من نفائس الكتب شيئا كثيرا وكان كثير العمل والاشتغال لا يمل ولم يزل حاله على أحسن نظام إلى أن قدر الله عليه ما قدر فتوفي معتقلا بقلعة دمشق في ذي الحجة ودفن بالقبيبات وحضر جنازته من لا يحصي كثرة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي المصري المعروف بالرفا قال ابن حجر عني بالعلم قليلا وسمع الحديث فأكثر وسمع العالي والنازل وجاور كثيرا فكان يلقب حمامة الحرم وكان يسكن الناصرية بين القصرين صحبته قليلا ومات في جمادى الأولى
وفيها فخر الدين محمد بن مجد الدين أحمد بن عمر بن عبد الكريم بن محبوب سبط شرف الدين بن الحافظ سمع من يحيى بن سعيد وابن الشحنة والتقى بن تيمية وغيرهم وكان مكثرا من الحديث وقد تفقه على جده وأذن له في الافتاء وكان فاضلا ذكيا يتعانى كل شيء يراه حتى الخياطة والنجارة والبناء والموسيقا مع حسن الشكالة
ولطف المعاشرة ورقة النظم مات في ربيع الأول عن ثمان وثمانين سنة
وفيها محمد بن إسماعيل الأفلاقي نسبة إلى أفلاق قرية بالقرب من دمنهور المالكي كان فاضلا ينظم الشعر نظما وسطا توفي في سادس جمادى الأولى
وفيها جمال الدين محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي بكر الحثيثي بمهملة ومثلثتين مصغر الصردفي الريمي بفتح الراء بعدها تحتانية ساكنة نسبة إلى ريمة ناحية باليمن الشافعي اشتغل بالعلم وتقدم في الفقه فكانت إليه الرحلة في زمانه وصنف التصانيف النافعة منها شرح التنبيه في أربعة وعشرين سفرا أثابه الملك الأشرف على أهدائه إليه أربعة وعشرين ألف دينار ببلادهم يكون قدرها ببلادنا أربعة آلاف دينار وله المعاني الشريفة وبغية الناسك في المناسك وخلاصة الخواطر وغير ذلك ولي قضاء الأقضية بزبيد دهرا قال ابن حجر قال لي الجمال المصري كان الريمي كثير الازدراء بالنووي فرأيت لسانه في مرض موته قد انزلع واسود فجاءت هرة فخطفته فكان ذلك آية للناظرين انتهى توفي في أوائل المحرم وقيل في أول صفر بزبيد قاضيا بها وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان الصرخدي الشافعي الإمام العلامة المصنف الجامع بين أشتات العلوم أخذ العلوم عن مشايخها وممن أخذ عنه شمس الدين بن قاضي شهبة والعماد الحسباني وكان أجمع أهل البلد لفنون العلم أفنى ودرس وأشغل وصنف غير أن لسانه كان قاصرا وقلمه أحسن من لسانه وكان حظه من الدنيا قليلا لم يحصل له شيء من المناصب وإنما درس بالتقوية والكلاسة نيابة وله تصدر بالجامع وكان ينصر مذهب الأشعري كثيرا ويعادي الحنابلة وصنف شرح المختصر ثلاثة أجزاء واختصر أعراب السفاقسي واعترض عليهما في مواضع واختصر قواعد العلائي والتمهيد للأسنوي واعترض عليهما في مواضع واختصر المهمات وله غير ذلك وكتب الكثير بخطه واحترق غالب مصنفاته في الفتنة قبل تبييضها وكان فقيرا ذا عيال توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من معاوية رضي الله عنه
وفيها صدر الدين محمد بن علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي الصالحي اشتغل قديما ومهر ودرس وأفتى وخطب بحسبان مدة ثم ولي قضاء دمشق في المحرم سنة تسع وسبعين ثم ولي قضاء مصر بعد ابن عمه فأقام شهرا ثم استعفى ورجع إلى دمشق على وظائفه ثم بدت منه هفوة فاعتقل بسببها وأقام مدة مقترا خاملا إلى أن جاء الناصري فرفع إليه أمره فأمر برد وظائفه فلم تطل مدته بعد ذلك وتوفي في ذي القعدة وفيها شمس الدين محمد بن شرف الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح الأسكندراني ثم الدمشقي سمع الحجار وحدث وكان ينسب إلى غفلة قاله ابن حجر وفيها صلاح الدين محمد بن محمد بن عمر الأنصاري البلقيني نزيل مصر سمع صحيح مسلم على الشريف الموسوي موسى بن علي بن أبي طالب والعز محمد بن عبد الحميد وتفرد عنهما بالسماع وقد تأخر بعده رفيقه محمد بن يس لكنه كان حاضرا توفي في رمضان عن سبع وثمانين سنة وفيها الحافظ شمس الدين أبو العباس محمد بن موسى بن محمد بن سند بن تميم الإمام العالم الحافظ اللخمي المصري الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن سند ولد في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وسبعمائة وطلب الحديث في حدود الخمسين وسمع من جماعة بدمشق ومصر وقرأ الفقه على شرف الدين بن قاسم خطيب جامع جراح وقرأ الأصول بالديار المصرية على الجمال الأسنوي وأخذ العربية عن التاج المراكشي وأذن له في إقرائها وأخذ في القدس عن الحافظ صلاح الدين العلائي وأجازه بالفتوى والتدريس وصحب القاضي تاج الدين ولازمه وناب في الحكم عن القاضي سري الدين المالكي ثم عن القاضي ولي الدين ذكره الذهبي في المعجم المختص وهو آخر من ذكرهم فيه وفاة وقال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان من أحسن الناس قرائه للحديث كان يرجح على كل أحد لحسن قرائته وفصاحته وخرج لنفسه أربعين متباينة المتن والإسناد وخرج لغيره وتعين في الفن سمعنا بقراءته كثيرا وله محفوظات في الفقه والأصول والعربية وأجازه بالفتيا ابن كثير والقاضي تاج الدين وقال في أنباء الغمر ناب عن بعض
القضاة الشافعية كالتاج السبكي وكان شديد اللزوم له وقارئا لتصانيفه وناب عنه في مشيخة دار الحديث والأشرفية وغيرهما ثم تحول مالكيا فناب عن بعض المالكية ثم رجع فناب عن أبي البقاء ومات شافعيا عاشر صفر بدمشق ودفن بمقبرة الصوفية وهو القائل
( الحافظ الفرد أن أحببت رؤيته ** فانظر إلى تجدني ذاك منفردا )
( كفى لهذا دليل أنني رجل ** لولاي أضحى الورى لم يعرفوا سندا )
وقرأت بخط البرهان المحدث أنه اختلط قبل موته بسنة بسبب مرض طال به اختلاطا فاحشا وقرأت بخط ابن حجي أنه تغير في آخره تغيرا شديدا ونسي بعض القرآن فكان يقال أن ذلك لكثرة وقيعته في الناس انتهى ملخصا
وفيها شرف الدين يعقوب بن عيسى الأقصراي ثم الدمشقي ولد سنة عشرين وسمع من الحجار والمزي وغيرهما وحدث وخطب ودرس وناب في الحكم وكان رجلا خيرا مات في ذي الحجة
سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة
فيها توفي أحمد بن زيد التميمي الفقيه الشافعي أحد المعلمين في بلاد المحلا سخط عليه الإمام صلاح الدين بن علي في قضية جرت له فأمر بقتله فحمل المصحف مستجيرا به على رأسه فلم يغن ذلك عنه وقتل في تلك الحالة ثم أصيب الإمام بعد قليل فقيل كان ذلك سببه وفيها ولي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خير المالكي قاضي القضاة قرر في بعض وظائفه ابنه بعد موته منها درس الحديث بالشيخونية ومات شابا في جمادى الآخرة وفيها أحمد بن قطلو بغا العلائي الحلبي سمع من إبراهيم بن صالح بن العجمي شيئا من عشرة الحداد وحدث مات في شعبان وقد جاوز السبعين وفيها جلال بن أحمد بن يوسف ابن طوع رسلان الثيري بكسر المثلثة وسكون التحتانية بعدها راء الشيخ
العلامة جلال الدين التباني الحنفي وقيل اسمه رسول قدم القاهرة في آخر دولة الناصر فأقام بمسجد بالتبانة فغلب عليه نسبته إليها وكان يذكر أنه سمع صحيح البخاري على علاء الدين التركماني وتلمذ للشيخين جمال الدين بن هشام وبهاء الدين بن عقيل فبرع في العربية وصنف فيها وتفقه على القوام الأتقاني والقوام الكاسي وانتصب للإفادة مدة وشرح المنار ونظم في الفقه منظومة وشرحها في أربع مجلدات وعلق على البزدوي واختصر شرح البخاري لمغلطاي وعلق على المشارق والتلخيص وصنف في منع تجدد الجمعة وفي أن الإيمان يزيد وينقص وانتهت إليه رياسة الحنفية وعرض عليه القضاء مرارا فامتنع وأصر على الامتناع ومات بالقاهرة في ثالث عشر رجب وفيها صلاح بن علي بن محمد بن علي العلوي الزيدي الإمام ولي الإمامة بصعدة وحارب صاحب اليمن مرارا وكاد يتغلب على المملكة كلها فإنه ملك لحج وأبين وحاصر عدن وهدم أكثر سورها وحاصر زبيد فكاد أن يملكها ورحل عنها ثم هاداه الأشرف وصار يهاديه وكان مهابا فاضلا عالما عادلا سقط عن بغلته بسبب نفورها من طائر طار فتعلل حتى مات بعد ثلاثة أشهر في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها عائشة بنت السيف أبي بكر بن عيسى بن منصور بن قوالج الدمشقية بنت عم بدر الدين بن قوالح روت عن القاسم بن مظفر والحجار وغيرهما وحدثت وماتت في شوال وفيها عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن بهرام السروجي حفيد القاضي شمس الدين محمد بن بهرام قال في أنباء الغمر ولد سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وتفقه واشتغل وتعانى الشروط وصنف فيه وولي قضاء عين تاب وكان حسن الخط قدوة في فنه
وفيها شرف الدين أبو حاتم عبد القادر بن شمس الدين أبي عبد الله محمد الآتي ذكره ابن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي قاضي القضاة العلامة كان
من أهل العلم وبيته ورياسته تولى قضاء دمشق في حياة والده ولما دخل متوليا إليها في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة سلم له الموافق والمخالف في كثرة علومه وكان في مبدأ أمره يقف الصفان له في صغره يتأملون حسنه وحسن شكله توفي مسموما بدمشق في شهر رمضان ومات سائر من أكل معه وهو والد القاضي بدر الدين قاضي نابلس الآتي ذكره أيضا إن شاء الله تعالى ولما بلغ والده موته انزعج لذلك كثيرا واختلط عقله وما زال مختلطا إلى أن مات
وفيها صدر الدين عمر بن عبد المحسن بن عبد اللطيف بن رزين سمع الدبوسي والقطب الحلبي وغيرهما وأجاز له الحجار وابن الزراد وطائفة وحدث وناب في الحكم بصلابة ومهابة ودرس بأماكن وكانت بيده تدريس الحديث بالظاهرية البيبرسية وبالفاضلية واستقر فيهما بعده العزاقي وتوفي في المحرم
وفيها فاطمة بنت عمر بن يحيى المدنية وتعرف ببنت الأعمى أجاز لها الدشتي والقاضي والمطعم وحدثت بمصر مدة وماتت في آخر السنة وفيها فتح الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم بن محمد القاضي العالم المتفنن الأديب الكاتب الفقيه الشافعي النابلسي الأصل ثم الدمشقي المعروف بابن الشهيد كان كاتب السر بدمشق ولد سنة ثمان وعشرين واشتغل في العلوم وتفنن وفاق أقرانه في النظم والنثر والكتابة وولي كتابة السر ومشيخة الشيوخ في ذي القعدة سنة أربع وستين فباشر مدة ثلاث سنين ونصف ثم عزل ثم أعيد إلى الوظيفتين بعد أشهر واستمر أكثر من سبع سنين ثم عزل من كتابة السر وأعيد غير مرة ومدة ولايته خمس عشرة سنة وأشهر ودرس بالناصرية الجوانية والظاهرية الجوانية وولاه منطاش الخطابة وكان يخطب خطبا فصيحة بليغة لكن لم يكن عليها قبول وكان بينه وبين الأمير سيف الدين نائب الشام عداوة شديدة عندما يلي نيابة الشام يعزل المذكور ويصادر ويؤذي وتارة يختفي وفي بعض النوب في اختفائه منه نظم السيرة النبوية من عدة كتب ثلاث مجلدات في خمس وعشرين ألف بيت وسماه الفتح القريب في
سيرة الحبيب وضم إلى ذلك فوائد الروض مع زيادات وإشكالات تدل على طول باعه في العلم وحدث بها بدمشق وممن سمع ذلك الحافظ شهاب الدين بن حجي وحدث بها بالقاهرة أيضا وشرح مجلدة منها في اثنتي عشرة مجلدة وهو الثلث من المنظومة وكان الشيخ سراج الدين البلقيني يثني على فضائله توفي قتيلا بظاهر القاهرة لقيامه على الظاهر في شعبان قال ابن حجر لما آل الأمر إلى برقوق حقد عليه فأمر بالقبض عليه أي من الشام فحمل إلى القاهرة مقيدا وأودع السجن مع أهل الجرائم ثم أمر به فأخرج إلى ظاهر القاهرة فضربت عنقه بالقرب من القلعة وذلك قبل رمضان بيوم ودفن إلى جانب أخيه شمس الدين محمد بن إبراهيم لأنه كان مقيما بالقاهرة ومات قبل قتل أخيه في هذه السنة
وإلى جانب أخيه الآخر نجم الدين محمود بن إبراهيم أخو اللذين قبله تنقل في البلاد وولي كتابة السر بتنيس عشرين سنة ثم قدم القاهرة فمات بها بعد أخويه في ذي القعدة واتفق أن دفن الثلاثة في قبر واحد بعد الشتات الطويل
وفيها تقي الدين محمد بن عبد الرحمن الدمشقي ابن الظاهري سمع من الحجار ومحمد بن محمد بن عرب شاه وتفقه وتوفي في صفر وفيها تقي الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حاتم المصري بن إمام جامع ابن الرفعة قال ابن حجر ولد سنة سبع عشرة وسمع على الحجار والواني والدبوسي وغيرهم وكان عالما بالفقه درس بالشريفية ودرس للمحدثين بقبة بيبرس وحدث وأفاد ومات في ذي القعدة
وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد العسقلاني المقرىء إمام جامع طولون ولد سنة أربع وسبعمائة وتلا بالسبع على التقي الصائغ وسمع عليه الشاطبية فكان خاتمة أصحابه بالسماع وأقرأ الناس بآخره فتكاثروا عليه مات في المحرم وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي الوليد محمد بن أبي محمد القرطبي ثم الغرناطي نزيل دمشق أم بالجامع وكان فاضلا توفي في ذي الحجة
وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن مزهر الشافعي الدمشقي كاتب السر
وليها مرتين قدر عشر سنوات وكان قد تفقه على ابن قاضي شهبة وهو الذي قام معه في تدريس الشامية البرانية ونشأ على طريقة مثلى وباشر بعفة ونزاهة
وفيها أبو الحسن محمد بن أحمد بن موسى بن عيسى البطرقي الأنصاري سمع من والده كثيرا وأجاز له أبو جعفر بن الزين وقاضي فاس أبو بكر محمد بن محمد بن عيسى بن منتصر وتفرد بذلك وكان آخر المسندين ببلاد أفريقية وكان زاهدا مقبلا على القراءات والخير مات بتونس في ذي القعدة عن تسعين سنة وأشهر
وفيها محمد بن إسمعيل بن سراج الكفربطناوي حدث بالصحيح عن الحجار بمصر وغيرها وكان من فقهاء المدارس بدمشق وأذن له ابن النقيب وتوفي في إحدى الجمادين ببيسان راجعا من القاهرة وفيها شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن محمد اليونيني البعلي الحنبلي المعروف بابن اليونانية ولد سنة سبع وسبعمائة وسمع من الحجار وتفقه فصار شيخ الحنابلة على الإطلاق وسمع الكثير وتميز وولي قضاء بعلبك سنة تسع وثمانين عوضا عن ابن النجيب وسمع عليه ببعلبك القاضي تقي الدين بن الصدر قاضي طرابلس ولخص تفسير ابن كثير في أربع مجلدات وانتفع به وتوفي في شوال وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف الركراكي المالكي قال ابن حجر كان عالما بالأصول والمعقول وينسب لسوء الاعتقاد وسجن بسبب ذلك ونفي إلى الشام ثم تقدم عند الظاهر وولاه القضاء وسافر معه في هذه السنة فمات بحمص في رابع شوال ورثاه حجاج بن عيسى بقوله
( لهفي على قاضي القضاة محمد ** ألف العلوم الفارس الركراكي )
( قد كان رأسا في القضا فلاجل ذا ** أسفت عليه عصابة الأتراك )
ولما سمع شيخنا سراج الدين بموته قال لله در عقارب حمص وكانت هذه تعد في نوادر شيخنا إلى أن وجد في ربيع الأبرار أن أرض حمص لا يعيش فيها عقرب وإن أدخل فيها عقرب غريب ماتت من ساعتها
وفيها مراد بن أورخان ثالث ملوك بني عثمان ولي السلطنة بعد موت أبيه سنة إحدى وستين وسبعمائة وكان شديد البطش والفتك في الكفار وافتتح كثيرا من البلاد منها أدرنة ولما ضاق الكفار به ذرعا أظهر واحد من ملوكهم الطاعة له وقدم ليقبل يده فضرب السلطان بخنجر كان بيده فاستشهد رحمه الله تعالى
وفيها شرف الدين موسى بن عمر بن منصور اللوبياني الشامي ولد بعد سنة عشرين وسمع من الحجار وكان فقيها نبيها أذن له ابن النقيب في الإفتاء وكان يدرس ويفتي ويرتزق من الشهادة توفي في ربيع الأول
سنة أربع وتسعين وسبعمائة
في شعبانها كان الحريق العظيم بدمشق فاحترقت المأذنة الشرقية وسقطت واحترقت الصاغة والدهشة وتلف من الأموال ما لا يحصى وعمل في ذلك تقي الدين ابن حجة الحموي مقامة في نحو عشر أوراق من رائق النثر وفائق النظم وهي أعجوبة في فنها قاله ابن حجر وفيها ثار الغلاء المفرط بدمشق
وفيها رجع تمرلنك إلى بلاد العراق في جمع عظيم فملك أصبهان وكرمان وشيراز وفعل بها الأفاعيل المنكرة ثم قصد شيراز فتهيأ منصو رشاه لحربه فبلغ تمرلنك اختلاف من في سمرقند فرجع إليها فلم يأمن منصور من ذلك بل استمر على حذره ثم تحقق رجوع تمرلنك فأمن فبغته تمرلنك فجمع أمواله وتوجه إلى هرمز ثم انثنى عزمه وعزم على لقاء تمرلنك فالتقى بعسكره وصبروا صبر الأحرار لكن الكثرة غلبت الشجاعة فقتل منصور في المعركة ثم استدعى ملوك البلاد فأتوه طائعين فجمعهم في دعوة وقتلهم أجمعين وفيها توفي ناصر الدين إبراهيم ابن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن إسمعيل بن عمر بن مختار الصالحي المعروف بابن السلار ولد سنة أربع وسبعمائة وسمع من عبد الله بن أحمد بن تمام وابن الزراد وست الفقهاء بنت الواسطي وهو آخر من روى عن الدمياطي بالإجازة وكان له
نظم ونباهة ونوادر ومجاميع مشتملة على غرائب مستحسنة توفي في شعبان عن تسعين سنة وكان موت والده سنة ست عشرة وسبعمائة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الدنيسري بن العطار القاهري الشافعي ولد سنة ست وأربعين وقرأ القرآن واشتغل بالفقه ثم تولع بالأدب ونظم فأكثر وأجاد المقاطيع في الوقائع ومدائح الأكابر بالقصائد ونظم بديعية ولم يكن ماهرا في العربية فيوجد في شعره اللحن وقد تهاجى هو وعيسى بن حجاج وله نزهة الناظر في المثل السائر وكان حاد البادرة وله ديوان قصائد نبوية نظمها بمكة سماها فتوح مكة وديوان مدائح في ابن جماعة سماه قطع المناظر بالبرهان الحاضر والدر الثمين في التضمين وهو القائل
( أتى بعد الصبا شيبي وظهري ** رمى بعد اعتدال باعوجاج )
( كفى إن كان لي بصر حديد ** وقد صارت عيوني من زجاج )
توفي في ربيع الآخر وفيها عبد الله بن خليل بن عبد الرحمن بن جلال الدين البسطامي نزيل بيت المقدس صاحب الاتباع كان للناس فيه اعتقاد كثير وله زاوية في القدس معروفة وكان نشأ ببغداد وتفقه بمذهب الشافعي إلى أن عاد بالنظامية فاتفق قدوم الشيخ علاء الدين العشقي البسطامي فلازمه وانتفع به وصار من مريديه فسلكه وهذبه وتوجه معه لزيارة بيت المقدس فطاب للشيخ المقام بها فأقام وكثر أتباعه واستمر يتعانى المجاهدات وأنواع الرياضات إلى أن حضرت شيخه الوفاة فعهد إليه أن يقوم مقامه فقام أتم قيام ورزقه الله القبول وكثرت أتباعه وكان كثير التواضع مهيبا توفي بالقدس في المحرم وفيها عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي والد قاضي مكة وأخو قاضيها ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وسمع من عيسى الحجي وعيسى بن الملوك وغيرهما وكان دينا خيرا له نظم وعبادة توفي في ربيع الآخر وحدث عنه ولده
وفيها عبد الخالق بن علي بن الحسين بن الفرات المالكي موقع الحكم برع في الفقه وشرح مختصر الشيخ خليل وحمل عن الشيخ جمال الدين بن هشام وكتب
الخط المنسوب ودرس ووقع على القضاة راتبه مرارا وكان سمع من أبي الفتح الميدومي وحدث وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن مكانس الحنفي الكاتب الناظم الناثر المشهور ولي نظر الدولة مرارا وتنقل في الولايات وولي وزارة دمشق أخيرا ثم استدعى أخيرا إلى القاهرة ليستقر وزيرا بها فاغتيل بالسم في الطريق فدخل القاهرة ميتا وكان ماهرا في الكتابة عارفا بصناعة الحساب أعجوبة في الذكاء له الشعر الفائق والنظم الرائق قال ابن حجر ما طرق سمعي أحسن من قوله في الرسالة التي كتبها للبشتكي لما صاد السمكة وهي الرسالة الطويلة منها وقعد لصيد السمك بالمرصاد وأطاعه حرف النصر فكلما تلا لسان البحر نون تلا لسان العزم صاد وهو القائل
( علقتها معشوقة خالها ** قد عمها بالحسن بل خصصا )
( ما وصلها الغالي وما جسمها ** لله ما أغلى وما أرخصا )
سمعت من لفظه شيئا من الشعر وكانت بيننا مودة قال المقريزي بعد أن أثنى على أدبه وفضله إلا أنه كان لعراقة آبائه في النصرانية يستخف بالإسلام وأهله ويخرج ذلك في أساليب من سخفه وهزله من ذلك أنه سمع المؤذن يقول وأشهد أن محمدا رسول الله فقال هذا محضر له ثمانمائة سنة تؤدي فيه الشهادة وما ثبت ومات وله عدة بنات نصارى عامله الله بما يستحقه انتهى كلام المقريزي ومات في خامس عشر ذي الحجة وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن بهاء الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي الأصل ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي حضر على جد والده التقي سليمان وغيره قال الشيخ الشهاب بن حجي سمعت منه قديما وكان رجلا حسنا وقد بقي صدر بيت الشيخ أبي عمر وكان عنده كرم وسماحة كثير الضيافة للناس توفي ليلة السبت حادي عشرى شعبان وفيها علاء الدين على بن مجاهد الجدلي اشتغل
ببلده ثم قدم القدس فلازم التقي القلقشندي ثم قدم دمشق فاشتغل وقدم مصر سنة ثمانين فأخذ عن الضياء القرمي وعاد إلى دمشق وتصدر بالجامع وأشغل الناس واختص بالقاضي سري الدين وأضاف إليه قضاء المجدل ثم وقع بينهما فأخذت وظائفه ثم غرم مالا حتى استعادها وولي مشيخة النجيبية بآخره وسكنها وكان جيدا متوسطا في الفقه توفي في شهر رمضان قاله ابن حجر
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الله الحلبي بن مهاجر الحنفي ولد سنة ثمان وعشرين وكان فاضلا ورأس في الحنفية حتى كان يقصد للفتوى ثم ولي كتابة السر بحلب مدة ثم صرف سنة سبع وثمانين فدخل القاهرة وتحول فصار شافعيا وولي قضاء حماة ثم حلب ثم عزل بابن أبي الرضى وكان ذا فضيلة في النظم والنثر خيرا مهيبا حسن الخط أثنى عليه فتح الدين بن الشهيد وتوفي في ربيع الأول
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الإمام العلامة المصنف المحرر ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ عن الشيخين جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني ورحل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي وسمع الحديث بدمشق وغيرها وكان فقيها أصوليا أديبا فاضلا في جميع ذلك ودرس وأفتى وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى قال البرماوي كان منقطعا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشيء وله أقارب يكفونه أمر دنياه ومن تصانيفه تكملة شرح المنهاج للأسنوي ثم أكمله لنفسه وخادم الشرح والروضة وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة والنكت على البخاري والبحر في الأصول في ثلاثة أجزاء جمع فيه جمعا كثيرا لم يسبق إليه وشرح جمع الجوامع للسبكي في مجلدين ولقطة العجلان وبلة الظمآن وله غير ذلك وكان خطه ضعيفا جدا قل من يحسن استخراجه توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة بكتمر الساقي وفيها شمس الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات اللخمي الملقب بالقاضي ابن الشيرازي ولد في جمادى الأولى
سنة سبعمائة وسمع من جدته ست الفخر ابنة عبد الرحمن بن أبي نصر مشيخة كريمة بسماعها منها وتفرد بذلك وكان يذكر أنه سمع البخاري من ابن الشحنة بحضور ابن تيمية وكان من الرؤساء المعتبرين وله مال جزيل وثروة ووقف متسع أنفق ذلك على نفسه ومن يلوذ به قبل موته وتوفي في جمادى الآخرة في عشر المائة
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي الرشيد سمع القاضي والمطعم وابن سعد وغيرهم وحدث وتوفي في شوال عن أربع وثمانين سنة وفيها محمد بن قاسم بن محمد بن مخلوف الصقلي نزيل الحرمين كان خيرا سمع من الزيادي وابن أميلة وغيرهم ولازم قراءة الحديث بمكة توفي في شوال وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن إسماعيل بن أمين الدولة الحلبي الحنفي المرغياني ذكره ابن حبيب وقال سكن القاهرة وكان من فضلاء الحنفية وناب في الحكم وولي مشيخة خانقاه طقز دمر بالقرافة وتوفي في شوال وفيها جمال الدين محمد بن محمد بن النجيب نصر الله بن إسمعيل الأنصاري بن النحاس ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة سنة موت أبيه وسمع من ابن الشيرازي وابن عساكر والحجار وغيرهم وأحضر على والده من مشيخة قريبه العماد ابن النحاس واعتنى به أخوه فأسمعه الكثير وخرج له ابن الشرايحي مشيخة فمات قبل أن يحدث بها وتوفي في شوال وفيها بدر الدين محمد بن نصر الله ابن بصاقة الدمشقي سمع على أسماء بنت صصرى ولازم العنابي وابن هشام ومهر في العربية وأحسن الخط وتوفي في رمضان وفيها شرف الدين موسى ابن ناصر بن خليفة الباعوني أخو القاضي شهاب الدين قدم دمشق ونزل بالبادرائية وقرأ بالسبع على ابن اللبان وسمع من ابن أميلة وغيره وطلب بنفسه وكان أسن من أخيه فأسمع أخاه منه قليلا ولما ولي أخوه استنابه وقرر له بعض جهات مات غريبا في رمضان وفيها محي الدين يحيى بن يوسف بن يعقوب بن يحيى بن زعب الرحبي التاجر ولد سنة خمس عشرة وسمع الصحيح من الحجار والمزي
وحدث به وكان معتنيا بالعلم وله رياسة وحشمة وكان البرهان بن جماعة قد صاهره فكان له بذلك جاه كبير وقد أكثر عن الجزري وغيره ولازم ابن كثير وأخذ عنه فوائد حديثية وأخذ عن كثير من أصحاب ابن تيمية وكان تاجرا فلما كبر دفع ماله لولده محمد وأقبل على الأسماع وكان يقصد لسماع الصحيح وله به نسخة قد أتقنها وحج مرارا وأصيب في رجليه بالمفاصل وتوفي في شهر ربيع الأول والله أعلم
سنة خمس وتسعين وسبعمائة
فيها عاث تمرلنك بالعراق وخرب بغداد وتبريز وشيراز وغيرها واتصل شرر فتنته إلى الشام ووصل خبر ضرره إلى مصر فارتاع كل قلب لما يحكي عنه فإنه أوسع القتل والنهب والأسر ببغداد وما حولها وما داناها وعاد إلى البصرة والحلة وغيرها وأكثر النهب والتعذيب ثم توجه نحو الشمال فوصل إلى ديار بكر وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها من ذي الحجة إلى أن أخذها بالأمان في صفر سنة ست وتسعين وفيها في ربيع الآخر حصل بحلب سيل عظيم فساق جملة كثيرة من الوحوش والأفاعي فوجد ثعبان فمه يسع ابن آدم إذا بلعه وكان طوله أكثر من سبعة أذرع وفيها وقع الفناء بالأسكندرية فيقال مات في مدة يسيرة عشرة آلاف وفيها كان الطاعون الشديد بحلب بلغت عدة الموتى كل يوم خمسمائة نفس وأكثر وفيها اجتمع بالقدس أربعة من الرهبان ودعوا الفقهاء لمناظرتهم فلما اجتمعوا جهروا بالسوء من القول وصرحوا بذم الإسلام فثار الناس عليهم فأحرقوهم
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم الكتبي الصالحي الحنفي كان من فضلاء الحنفية مشاركا في الفنون أفتى وناظر ولازم أبا البقاء السبكي مدة وقرأ عليه الكشاف
وهو المشار إليه في كتابة السجلات وتوفي في رجب
وفيها شهاب الدين أحمد بن صالح بن أحمد بن الخطاب بن رقم البقاعي الدمشقي المعروف بالزهري الفقيه الشافعي ولد سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين وأخذ عن النور الأردبيلي والفخر المصري وابن قاضي شهبة وأبي البقاء السبكي والبهاء الأخميمي ومهر في الفقه وغيره وسمع الحديث من البرزالي وغيره ودرس كثيرا وأفتى وتخرج به البهاء وناب في الحكم عن البلقيني وغيره ودرس بالشامية والعادلية وغيرهما وولي إفتاء دار العدل واستقل بالقضاء في ولاية منطاش وأوذي بسبب ذلك وكانت مدة ولايته شهرا ونصفا وعد ذلك من زلات العقلاء قال ابن حجي كان مشهورا بحل المختصر في الأصول والتمييز في الفقه وله نظم وكان مشهورا له حظ من عبادة مع حفظ لسانه من الوقيعة في الناس مهيبا مقتصدا في معاشه كثير التلاوة وقد انتهت إليه رياسة الشافعية بدمشق وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه العمدة أخذ التنبيه وزاده التصحيح وشرح التنبيه في مجلدات ومصنفاته ليست على قدر علمه وكان شكلا حسنا مهيبا كأنما خلق للقضاء توفي في المحرم ودفن بمقبرة الصوفية
وفيها شهاب الدين أحمد بن عمر بن هلال الأسكندراني ثم الدمشقي الفقيه المالكي أخذ عن الأصفهاني وغيره وشرح ابن الحجاب في الفقه وأخذ عن أبي حيان وكان حسن الخط والعبارة ماهرا في الأصول فاضلا إلا أنه عيب عليه أنه كان يرتشي على الأذن في الإفتاء ويأذن لمن ليس بأهل وشاع عنه أنه قال في النزع قولوا لابن الشريشي يلبس ثيابه ويلاقينا إلى الدرس فمات ابن الشريشي عقب ذلك
وفيها شهاب الدين أحمد بن الضياء محمد بن إبراهيم بن إسحق المناوي الشافعي ابن عم القاضي صدر الدين ناب في الحكم وولي مشيخة الخانقاه الجاولية ومات في ربيع الأول وفيها ولي الدين أبو حامد أحمد بن الحافظ ناصر الدين محمد بن علي بن محمد بن عشاير خطيب حلب وابن خطيبها أسمعه أبوه الكثير بحلب
وغيره ورحل به إلى القاهرة واشتغل ومهر ونظم الشعر وخطب بعد أبيه مدة ومات في ذي الحجة بالطاعون شابا وفيها سليمان بن داود بن سليمان المزي بالزاي المعروف بالعاشق حضر على ابن الشيرازي وغيره وحدث وكان كثير الحج توفي مستهل صفر وفيها الحافظ زين الدين وجمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الإمام المقرىء المحدث شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام المحدث أبي أحمد رجب عبد الرحمن البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الشهير بابن رجب لقب جده عبد الرحمن الشيخ الإمام العالم العلامة الزاهد القدوة البركة الحافظ العمدة الثقة الحجة الحنبلي المذهب قدم من بغداد مع والده إلى دمشق وهو صغير سنة أربع وأربعين وسبعمائة وأجازه ابن النقيب والنووي وسمع بمكة على الفخر عثمان بن يوسف واشتغل بسماع الحديث باعتناء والده وحدث عن محمد بن الخباز وإبراهيم ابن داود العطار وأبي الحرم محمد بن القلانسي وسمع بمصر من صدر الدين أبي الفتح الميدومي ومن جماعة من أصحاب ابن البخاري ومن خلق من رواة الآثار وكانت مجالس تذكيره للقلوب صارعة وللناس عامة مباركة نافعة اجتمعت الفرق عليه ومالت القلوب بالمحبة إليه وله مصنفات مفيدة ومؤلفات عديدة منها شرح جامع أبي عيسى الترمذي وشرح أربعين النواوي وشرع في شرح البخاري فوصل إلى الجنايز سماه فتح الباري في شرح البخاري ينقل فيه كثيرا من كلام المتقدمين وكتاب اللطائف في الوعظ وأهوال القيامة والقواعد الفقهية تدل على معرفة تامة بالمذهب وتراجم أصحاب مذهبه رتبه على الوفيات ذيل بها على طبقات ابن أبي يعلى وله غير ذلك من المصنفات وكان لا يعرف شيئا من أمور الناس ولا يتردد إلى أحد من ذوي الولايات وكان يسكن بالمدرسة السكرية بالقصاعين قال ابن حجي أتقن الفن أي فن الحديث وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق وتخرج به غالب
أصحابنا الحنابلة بدمشق توفي رحمه الله ليلة الإثنين رابع شهر رمضان بأرض الخميرية ببستان كان استأجره وصلى عليه من الغد ودفن بالباب الصغير جوار قبر الشيخ الفقيه أبي الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي ثم المقدسي الدمشقي المتوفى في ذي الحجة سنة ست وثمانين وأربعمائة قال ابن ناصر الدين ولقد حدثني من حفر لحد ابن رجب أن الشيخ زين الدين بن رجب جاءه قبل أن يموت بأيام فقال لي احفر لي هاهنا لحدا وأشار إلى البقعة التي دفن فيها قال فحفرت له فلما فرغ نزل في القبر واضطجع فيه فأعجبه وقال هذا جيد ثم خرج قال فوالله ما شعرت بعد أيام إلا وقد أتى به ميتا محمولا في نعشه فوضعته في ذلك اللحد
وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي الحنبلي الإمام الزاهد المفتي سمع من إسمعيل بن الفراء وغيره وحدث وكان فاضلا متعبدا توفي في ثامن المحرم وفيها عبد الرحيم بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن الفصيح الهمداني الأصل ثم الكوفي ثم الدمشقي الحنفي قدم أبوه وعمه دمشق فأقام بها وأسمع أحمد أولاده من شيوخ العصر بعد الأربعين وقدم عبد الرحيم هذا القاهرة في هذه السنة فحدث عن أبي عمرو بن المرابط بالسنن الكبرى للنسائي بسماعه منه في ثبت كان معه وحدث عن محمد بن إسمعيل بن الخباز بمسند الإمام أحمد كله واعتماده على ثبته أيضا قال ابن حجر وسمع منه غالب أصحابنا ثم رجع إلى دمشق فمات بها في شوال هذه السنة وهو والد صاحبنا شهاب الدين بن الفصيح انتهى وفيها علي بن ايدغدي التركي الأصل الدمشقي الحنبلي البعلي كان يلقب حنبل سمع الكثير وطلب بنفسه وجمع معجم شيوخه وترجم لهم قال ابن حجي علقت من معجمه تراجم وفوائد قال ولا يعتمد على نقله مات في رجب
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عبد المعطي بن سالم المعروف بابن السبع بفتح المهملة وسكون الموحدة وبالعين المهملة قال ابن حجر حضر بعض البخاري على وزيرة الحجار وسمع من يحيى بن فضل الله والقاضي ومحمد بن غالي وغيرهم