كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي
فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَكَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي .
رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا شَيْئًا غَائِبًا بِنَاجِزٍ } وَهُوَ مِنْ أَصَحِّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّقْدَيْنِ ، وَمَنْعَ النَّسِيئَةِ مُطْلَقًا أَيْ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَفِي الصِّنْفَيْنِ وَلَمْ يَأْخُذُوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِوَجْهَيْنِ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ لَفْظَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إجَازَةُ التَّفَاضُلِ إلَّا مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا إذَا عَارَضَهُ النَّصُّ ( وَثَانِيهمَا ) أَنَّهُ قَالَ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ ، وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَا النَّسِيئَةَ ، فَلَيْسَ بِرِبًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي الْأَكْثَرِ وَالنَّصُّ إذَا عَارَضَهُ الْمُحْتَمَلُ وَجَبَ تَأْوِيلُ الْمُحْتَمَلِ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا لَكِنَّهُ قَوْلٌ بِالْمُوجِبِ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ السَّبَبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { سُئِلَ عَنْ مُبَادَلَةِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ فَقَالَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ وَلَا يَحْرُمُ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنْ يَتَأَخَّرَ } فَسَمِعَ الرَّاوِي الْجَوَابَ دُونَ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا فَالْقَاعِدَةُ فِي أُصُولِ الْفَقِيهِ أَنَّ الْعَامَّ فِي الْأَشْخَاصِ مُطْلَقٌ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ
وَالْبِقَاعِ وَالْمُتَعَلِّقَاتِ فَهَذَا عَامٌّ فِي أَفْرَادِ الرِّبَا مُطْلَقٌ فِيمَا يَقَعُ فِيهِ فَيُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْجِنْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْمُطْلَقُ إذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهِ فِيمَا عَدَاهَا وَجَوَازُ التَّفَاضُلِ فِي الصِّنْفَيْنِ مِنْ تِلْكَ السِّتَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ كَامْتِنَاعِ النَّسَاءِ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُ قَالَ إذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفَانِ جَازَ التَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ مَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فَقَالَ قَوْمٌ مِنْهُمْ أَهْلُ الظَّاهِرِ النَّسَاءُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ اتَّفَقَتْ الْأَصْنَافُ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَالتَّفَاضُلِ فِي صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ السِّتَّةِ فَقَطْ وَلَا يَمْتَنِعُ التَّفَاضُلُ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ مِمَّا عَدَّهَا كَالنَّسَاءِ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الْعَامِّ الَّذِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنْ جِهَتَيْنِ ( الْجِهَةُ الْأُولَى ) جِهَةُ مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فَقَدْ حَكَى الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةَ مَذَاهِبَ خَمْسَةٌ مِنْهَا خَارِجُ مَذْهَبِنَا ( أَحَدُهُمَا ) تَعْلِيلُهُ بِالْجِنْسِ لِابْنِ سِيرِينَ قَالَ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ هُوَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ كَانَ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِذِكْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَجْنَاسًا لَا تَجْمَعُهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الْجِنْسِيَّةُ ؛ وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَقْتَضِي الْمُقَابَلَةَ وَفِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يَكُونُ الزَّائِدُ لَا مُقَابِلَ لَهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ
مُوجِبُ الْعَقْدِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يُفِيدُ مَقْصُودُهُ يَبْطُلُ ( وَيُرَدُّ ) عَلَيْهِ أَوْ لَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إلَيْهِ عَبْدٌ فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ مِنْ سَيِّدِهِ } وَقَضَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْأَسْمَاءِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسِيَّةَ لَكَانَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لَا تَبِيعُوا جِنْسًا وَاحِدًا بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَثَانِيًا أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ تَتْبَعُ غَرَضَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَقَدْ يَقْصِدُ جَعَلَ قُبَالَهُ الْجُمْلَةَ فَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ عَنْ الْمُقَابَلَةِ ( وَثَانِيهَا ) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ زَكَوِيًّا لِرَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الضَّابِطُ وَالْعِلَّةُ فِي مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يُبَاعُ بَعِيرٌ بِبَعِيرٍ ( وَيُرَدُّ عَلَيْهِ ) وُرُودُ النَّصِّ فِي الْمِلْحِ ، وَلَيْسَ بِزَكَوِيٍّ ( وَثَالِثُهَا ) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْقَدِيمِ قَالَ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ وَالْحُكْمِ الْمُشْتَرِكُ تَكُونُ عِلَّتُهُ مُشْتَرِكَةً ( وَرَابِعًا ) تَعْلِيلُهُ بِالطَّعَامِ لِلْآدَمِيِّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَدِيدِ قَالَ فَيُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيمَا كَانَ قُوتًا أَوْ إدَامًا أَوْ فَاكِهَةً أَوْ دَوَاءً لِلْآدَمِيِّينَ دُونَ مَا تَأْكُلُهُ الْبَهَائِمُ فَإِنْ أَكَلَهُ الْآدَمِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ رُوعِيَ الْأَغْلَبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَعَامًا لِلْآدَمِيِّينَ كَالْوَرْدِ وَالرَّيَاحِينِ وَنَوَى التَّمْرَ لَمْ يَدْخُلْهُ الرِّبَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } حَيْثُ رَتَّبَ مَنْعَ التَّفَاضُلِ عَلَى اسْمِ الطَّعَامِ وَالْقَاعِدَةُ فِي الْأُصُولِ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ
لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوَ { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا } { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا } .
( وَيُرَدُّ عَلَيْهِ ) فِيهَا أَنَّهُ أَهْمَلَ أَفْضَلَ أَوْصَافِ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ كَمَا سَيَتَّضِحُ
( وَخَامِسُهَا ) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ ، وَلَوْ تُرَابًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَكِيلَاتٌ ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ ، وَكَذَا كُلُّ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ وَالْأَشْهَرُ عَنْ إمَامِنَا وَمُخْتَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ وَفِي الْأَعْيَانِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلَاتِ جِنْسٍ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونِ جِنْسٍ ا هـ مِنْهُ بِلَفْظِهِ ( وَيُرَدُّ عَلَيْهِمَا ) أَنَّهُمَا وَإِنْ اعْتَبَرَا الْوَصْفَ الطَّرْدِيَّ إلَّا أَنَّهُمَا أَهْمَلَا الْمُنَاسِبَ الْمُقَدَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ الِاقْتِيَاتُ وَخَمْسَةٌ مِنْهَا لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ( الْأَوَّلُ ) تَعْلِيلُهُ بِالْمَالِيَّةِ ( وَالثَّانِي ) تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ الْغَلَبَةِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ ، وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ التَّعْلِيلُ بِالْمَالِيَّةِ ، وَقِيلَ بِالِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ مَعَ كَوْنِهِ غَالِبَ الْعَيْشِ ا هـ .
( وَالثَّالِثُ ) تَعْلِيلُهُ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَيَجْرِي الرِّبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَيَخْتَلِفُ فِيمَا يَقِلُّ ادِّخَارُهُ كَالْخَوْخِ وَالرُّمَّانِ فَأَجْرَى ابْنُ نَافِعٍ فِيهِ الرِّبَا نَظَرًا لِجِنْسِهِ وَإِجَازَةُ مَالِكٍ فِي الْكِتَابِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ ( وَالرَّابِعُ ) تَعْلِيلُهُ بِالِاقْتِيَاتِ ( وَالْخَامِسُ ) تَعْلِيلُهُ بِكَوْنِهِ مُقْتَاتًا مُدَّخَرًا قَالَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ قَالَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ وَجَمَاعَةُ الْعِلَّةِ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا فَيَمْتَنِعُ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ وَالْبَيْضِ دُونَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَهُوَ جَارٍ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الِادِّخَارُ
مَعَ الِاقْتِيَاتِ فَلَا رِبَا فِي الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ كَاللَّوْزِ وَالْجَوْزِ وَلَا فِي الْبَيْضِ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ قَالَ وَقَالَ الْبَاجِيَّ هُوَ أَجْرَى عَلَى الْمَذْهَبِ ا هـ وَفِي الْجَوَاهِرِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ مَجْمُوعُ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ ا هـ .
وَلِأَصْحَابِنَا فِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ فَمِنْهُمْ مَنْ عَلَّلَهُ بِالِاقْتِيَاتِ وَصَلَاحِ الْقُوتِ فَأَلْحَقُوا بِهِ التَّوَابِلَ ، وَقِيلَ بِالْأَكْلِ وَالِادِّخَارِ ، وَقِيلَ بِكَوْنِهِ إدَامًا فَلَا يُلْحَقُ بِهِ الْفِلْفِلُ وَنَحْوُهُ ، وَلَيْسَ فِي الْمَذْهَبِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِصْلَاحِ حَتَّى يَرُدُّ إلْزَامُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَيْهِ جَرَيَانَ الرِّبَا فِي الْأَحْطَابِ وَالنِّيرَانِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِمَّا يُصْلِحُ الْأَقْوَاتَ .
وَأَمَّا إلْزَامُهُمْ لَنَا جَرَيَانَ الرِّبَا فِي الْأَقَاوِيَّةِ فَنَحْنُ نَلْتَزِمُهُ نَعَمْ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ عَلَّلَ الْبُرَّ بِالْقُوتِ غَالِبًا وَالشَّعِيرَ بِالْقُوتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالتَّمْرُ بِالتَّفَكُّهِ غَالِبًا وَالْمِلْحُ بِإِصْلَاحِ الْقُوتِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلَانِ هَلْ الْعِلَّةُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ أَوْ مُتَعَدِّدَةٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ أَيْضًا هَلْ اتِّحَادُ الْجِنْسِ جُزْءُ عِلَّةٍ لِلتَّوَقُّفِ عَلَيْهِ أَوْ شَرْطٌ فِي اعْتِبَارِ الْعِلَّةِ لِعَرْوِهِ عَنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَزَادَ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ عَلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي لِمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مَذْهَبَانِ حَيْثُ قَالَ ، وَقَدْ قِيلَ إنَّ سَبَبَ مَنْعِ التَّفَاضُلِ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ الْمُدَّخَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَاتًا وَمِنْ شَرْطِ الِادِّخَارِ عِنْدَهُمْ أَيْ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَكْثَرِ ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الرِّبَا فِي الصِّنْفِ الْمُدَّخَرِ وَإِنْ كَانَ نَادِرَ الِادِّخَارِ ا هـ .
وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي سَبَبٍ مِنْهُ التَّفَاضُلُ فِي الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ عِنْدَهُمْ فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَهُوَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ أَيْضًا مَعَ كَوْنِهِمَا
رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ قَالَ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ هِيَ الَّتِي تُعْرَفُ عِنْدَهُمْ بِالْقَاصِرَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ وَوَافَقَ الشَّافِعِيُّ مَالِكًا فِي عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُمَا رُءُوسًا لِلْأَثْمَانِ وَقِيَمًا لِلْمُتْلَفَاتِ إذَا اتَّفَقَ الصِّنْفُ .
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعِلَّةُ مَنْعِ التَّفَاضُلِ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ السِّتَّةِ وَاحِدَةٌ وَهُوَ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ اتِّفَاقِ الصِّنْفِ ا هـ الْمُحْتَاجُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ .
وَأَمَّا مَفْهُومُ عِلَّةِ مَنْعِ النَّسَاءِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيهَا النَّسِيئَةُ قِسْمَانِ مَا لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَمَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا التَّفَاضُلُ فَعِلَّةُ امْتِنَاعِ النَّسِيئَةِ فِيهَا هُوَ الطَّعْمُ وَالِادِّخَارُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالطَّعْمُ فَقَطْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَطْعُومَاتُ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالطَّعْمِ اتِّفَاقُ الصِّنْفِ حَرُمَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، وَإِذَا اقْتَرَنَ وَصْفٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الِادِّخَارُ حَرُمَ التَّفَاضُلُ عِنْدَ مَالِكٍ ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الصِّنْفُ جَازَ التَّفَاضُلُ وَحَرُمَتْ النَّسِيئَةُ .
وَأَمَّا الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا فَهِيَ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفَانِ مَطْعُومَةٌ وَغَيْرُ مَطْعُومَةٍ فَأَمَّا الْمَطْعُومَةُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ النَّسَاءُ فِيهَا وَعِلَّةُ الْمَنْعِ الطَّعْمُ .
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَطْعُومَةِ فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ مَا اتَّفَقَتْ مَنَافِعُهُ مِنْهَا لَا يَجُوزُ فِيهِ مَعَ التَّفَاضُلِ النَّسَاءُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ وَاحِدَةٌ بِشَاتَيْنِ إلَى أَجَلٍ وَمَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ مِنْهَا يَجُوزُ فِيهِ مَعَ التَّفَاضُلِ النَّسَاءُ فَيَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ حَلُوبَةٌ بِشَاتَيْنِ أَكُولَةٍ مَثَلًا إلَى أَجَلٍ ، وَقِيلَ إنَّهُ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ دُونَ
التَّفَاضُلِ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُورُ عِنْدَهُ شَاةٌ حَلُوبَةٌ بِشَاةٍ حَلُوبَةٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَنَافِعُ فَالتَّفَاضُلُ وَالنَّسِيئَةُ عِنْدَهُ جَائِزَانِ وَإِنْ كَانَ الصِّنْفُ وَاحِدًا ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مَعَ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ وَالْأَشْهَرُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ أَيْ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا ، وَقَدْ قِيلَ يُعْتَبَرُ أَيْ اتِّفَاقُ الْأَسْمَاءِ مُطْلَقًا .
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَالْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ فِي مَنْعِ النَّسَاءِ فِيمَا عَدَا الَّتِي لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ فِيهَا التَّفَاضُلُ هُوَ اتِّفَاقُ الصِّنْفِ اتَّفَقَتْ الْمَنَافِعُ أَوْ اخْتَلَفَتْ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ شَاةٌ بِشَاةٍ وَلَا بِشَاتَيْنِ نَسِيئَةً وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهَا ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكُلُّ مَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عِنْدَهُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ فِيهِ النَّسَاءُ فَيُجِيزُ شَاةً بِشَاتَيْنِ نَسِيئَةً وَنَقْدًا ، وَكَذَلِكَ شَاةٌ بِشَاةٍ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَعَارُضُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إلَى الصَّدَقَةِ مَعَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ فَكَانَ الشَّافِعِيُّ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَصْحَابُهُ .
وَفِيهِ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَعَ النَّسَاءِ وَالْحَنَفِيَّةُ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ مَعَ التَّأْوِيلِ لَهُ ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ الْحَيَوَانُ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً اتَّفَقَ أَوْ اخْتَلَفَ ، بَلْ قَدْ قِيلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَكَانَ مَالِكًا ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ فَحَمَلَ حَدِيثَ سَمُرَةَ عَلَى اتِّفَاقِ الْأَغْرَاضِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَلَكِنْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَشْهَدُ لِمَالِكٍ مَا .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحَيَوَانُ اثْنَانِ وَاحِدٌ لَا يَصْلُحُ لِنَسَاءٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ يَدًا بِيَدٍ } .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ وَاشْتَرَى جَارِيَةً بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ } وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَكُونُ بَيْعُ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ لَا مِنْ قِبَلِ سَدِّ ذَرِيعَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ نَسَاءً هَلْ مِنْ شَرْطِهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي سَائِرِ الرِّبَوِيَّاتِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْمُصَارَفَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ } فَمَنْ شَرَطَ فِيهَا التَّقَابُضَ فِي الْمَجْلِسِ شَبَّهَهَا بِالصَّرْفِ ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ قَالَ إنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْبُيُوعِ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَلَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الصَّرْفِ فَقَطْ بَقِيَتْ سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ عَلَى الْأَصْلِ ا هـ .
بِتَلْخِيصٍ وَإِصْلَاحٍ قَالَ .
وَأَمَّا مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا ، وَعِنْدَ مَالِكٍ مَا لَمْ يَكُنْ رِبَوِيًّا وَلَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا مُتَمَاثِلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا بِإِطْلَاقِ فَمَالِكٌ يَعْتَبِرُ فِي الصِّنْفِ الْمُؤَثِّرِ فِي التَّفَاضُلِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَفِي النَّسَاءِ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ اتِّفَاقُ الْمَنَافِعِ وَاخْتِلَافِهَا فَإِذَا اخْتَلَفَ جَعَلَهَا صِنْفَيْنِ وَإِنْ كَانَ الِاسْمُ وَاحِدًا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَعْتَبِرُ الِاسْمَ ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ الصِّنْفُ عِنْدَهُ مُؤَثِّرًا إلَّا فِي الرِّبَوِيَّاتِ فَقَطْ أَعْنِي أَنَّهُ يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ فِيهِ ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ عِلَّةَ النَّسَاءِ أَصْلًا ا هـ .
الْمُحْتَاجُ مِنْهُ وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ مَا حَاصِلُهُ مَعَ الْمَتْنِ إنَّ
رِبَا النَّسَاءِ يَحْرُمُ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ مِنْ جِنْسٍ أَوْ جِنْسَيْنِ بِشَرْطَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً ( وَثَانِيهِمَا ) أَنْ تَتَّحِدَ عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيهِمَا كَمَكِيلٍ بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ بَاعَ مُدَّ بُرٍّ بِجِنْسِهِ أَيْ بِبُرٍّ أَوْ بِشَعِيرٍ وَنَحْوِهِ وَمَوْزُونٌ بِمَوْزُونٍ بِأَنْ بَاعَ رِطْلَ حَدِيدٍ بِجِنْسِهِ أَيْ بِحَدِيدٍ أَوْ بِنُحَاسٍ وَنَحْوِهِ فَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ الْحُلُولُ وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذُكِرَ ، ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ اُعْتُبِرَ التَّمَاثُلُ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاضُلُ وَيَجُوزُ النَّسَاءُ بَيْنَ كُلِّ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَاخْتَلَفَ عِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِيهِمَا وَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِتَأْخِيرِ الْقَبْضِ فَيَجُوزُ النَّسَاءُ فِي صَرْفِ فُلُوسٍ نَافِقَةٍ بِنَقْدٍ كَمَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ كَابْنِ عَقِيلٍ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ رِوَايَةً قَالَ فِي الرِّعَايَةِ إنْ قُلْنَا هِيَ عَرْضٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا خِلَافًا لِمَا فِي التَّنْقِيحِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ فِي صَرْفِ نَقْدٍ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ وَاَلَّذِي قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ قَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
وَذَكَرَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ ا هـ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَيَجُوزُ النَّسَاءُ أَيْضًا فِي بَيْعِ مَكِيلٍ بِمَوْزُونٍ وَفِي بَيْعِ مَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ كَثِيَابٍ وَحَيَوَانٍ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَسَاوِيًا أَوْ مُتَفَاضِلًا { لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ أَيْ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ ، وَإِذَا جَازَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَفِي الْجِنْسَيْنِ أَوْلَى ا هـ .
هَذَا وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَفْهُومِ عِلَّةِ مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ فِي السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا قَالَ الْأَصْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةِ تَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا وَرَدَ مَقْرُونًا بِأَوْصَافٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مُنَاسِبَةً كَانَ الْجَمِيعُ عِلَّةً أَوْ بَعْضُهَا كَانَ الْمُنَاسِبُ عِلَّةً وَاحِدَةً فَأَسْعَدُ النَّاسِ أَرْجَحُهُمْ تَخْرِيجًا وَعِلَّةُ مَالِكٍ أَرْجَحُ لِسَبْعَةِ أَوْجُهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّهَا صِفَةٌ ثَابِتَةٌ وَالْكَيْلُ عَارَضَهَا ( وَثَانِيهَا ) أَنَّهَا صِفَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِالْكَيْلِ وَغَيْرُهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ عَادَةً مِنْ هَذَا الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ كَذَلِكَ ( وَرَابِعُهَا ) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسِبَةِ كُلِّهَا ( وَخَامِسُهَا ) أَنَّهَا سَابِقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَالْكَيْلُ لَاحِقٌ مُخَلَّصٌ مِنْ الرِّبَا كَالْقَبْضِ لَا أَنَّهُ عِلَّتُهُ ( وَسَادِسُهَا ) أَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ كَمَا فِي النَّقْدَيْنِ وَالْكَيْلُ يَمْتَنِعُ فِي التَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الْحَفِيدُ وَالْحَنَفِيَّةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ قَدْرًا يَتَأَتَّى فِيهِ الْكَيْلُ ا هـ ( وَسَابِعُهَا ) أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الرِّبَا دُونَ حَالَةِ كَوْنِ الْحُبُوبِ حَشِيشًا ابْتِدَاءً وَرَمَادًا انْتِهَاءً وَالْكَيْلُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ فَحُجَّةُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَائِمَةٌ عَلَى الْفِرَقِ كُلِّهَا ( أَمَّا أَوَّلًا ) فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ التَّحْرِيمَ أَصْلًا فِي الْحَدِيثِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْجِنْسِ لِاخْتِلَافِ صِفَاتِهِ وَلَا فِي الزَّكَوِيَّةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهَا فِي الْمِلْحِ فَتَعَيَّنَ الْمِقْدَارُ وَلَمَّا كَانَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ ( وَأَمَّا ثَانِيًا ) فَلِأَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَصَّ النَّقْدَيْنِ لِشَرَفِهِمَا بِأَنَّهُمَا رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ الْمُنَاسِبُ لَأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ فِي الْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ فَشَدَّدَ فِيهِمَا فَشَرْطُ التَّسَاوِي وَالْحُضُورِ وَالتَّنَاجُزِ فِي الْقَبْضِ وَاخْتَصَّ تِلْكَ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ أَيْ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَهِيَ أَقْوَاتُهُمْ بِالْحِجَازِ لِاشْتِرَاكِهِمَا كُلِّهَا فِي الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَالطَّعْمِ وَهِيَ صِفَاتُ شَرَفٍ تُنَاسِبُ أَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ مِنْ مَوْصُوفِهَا بِالْقَلِيلِ ( وَأَمَّا ثَالِثًا ) فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَمْ يَكْتَفِ بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى الطَّعْمِ وَحْدَهُ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ .
بَلْ ذَكَرَ تِلْكَ الْأَصْنَافَ كُلَّهَا عُلِمَ أَنَّهُ قَصَدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا التَّنْبِيهَ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ فَنَبَّهَ بِالْبُرِّ عَلَى قُوتِ الرَّفَاهِيَةِ وَبِالشَّعِيرِ عَلَى قُوتِ الشِّدَّةِ مِنْ أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالتَّمْرِ عَلَى الْمُقْتَاتِ مِنْ الْحَلَاوَاتِ الْمُدَّخَرَةِ كَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَبِالْمِلْحِ عَلَى مَصَالِحِ الْأَقْوَاتِ مِنْ جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ وَأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَجْمَعُهَا مِنْ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ لَا الطَّعْمُ وَحْدَهُ فَلِذَا زَادَ مَالِكٌ عَلَى الطَّعْمِ صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الِادِّخَارُ كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ أَوْ صِنْفَيْنِ وَهُمَا الِادِّخَارُ وَالِاقْتِيَاتُ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ جَمِيعُ الْبَغْدَادِيِّينَ ( وَأَمَّا رَابِعُهَا ) فَلِأَنَّ الشَّرَفَ لَمَّا كَانَ يَقْتَضِي كَثْرَةَ الشُّرُوطِ وَتَمْيِيزَهُ عَلَى الْخَسِيسِ أَلَا تَرَى تَمْيِيزَ النِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ بِالشُّرُوطِ كَالْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالصَّدَاقِ وَالْإِعْلَانِ وَإِنَّ الْمُلُوكَ لَا تَكْثُرُ الْحُرَّاسُ إلَّا عَلَى الْخَزَائِنِ النَّفِيسَةِ فَكُلَّمَا عَظُمَ شَرَفُ الشَّيْءِ عَظُمَ خَطَرُهُ عَقْلًا وَشَرْعًا وَعَادَةً وَكَانَ لِلطَّعَامِ مَزِيَّةٌ عَلَى
غَيْرِهِ وَلِلْمُقْتَاتِ مِنْهُ شَرَفٌ عَلَى غَيْرِ الْمُقْتَاتِ لِعِظَمِ مَصْلَحَتِهِ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ إذْ هُوَ سَبَبُ بَقَاءِ الْأَبْنِيَةِ الشَّرِيفَةِ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ طُولِ الْأَزْمَانِ نَاسَبَ ذَلِكَ لِلصَّوْنِ عَنْ الضَّيَاعِ بِأَنْ لَا يُبْذَلَ الْكَثِيرُ بِالْقَلِيلِ فَيَضِيعُ الزَّائِدُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسَيْنِ وَإِهْدَارُ الزَّائِدِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَفْقُودِ وَامْتَنَعَ النَّسَاءُ إظْهَارًا لِشَرَفِ الطَّعَامِ ( وَأَمَّا خَامِسُهَا ) فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْكَيْلِ وَإِنْ كَانَ طَرْدِيًّا إلَّا أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمُنَاسِبُ نَعَمْ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ إذَا تُؤُمِّلَ الْأَمْرُ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى ظَهَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ عِلَّةَ الْحَنَفِيَّةِ أَوْلَى الْعِلَلِ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَظْهَرُ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا إنَّمَا هُوَ لِمَكَانِ الْغَبْنِ الْكَثِيرِ الَّذِي فِيهِ وَأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ إنَّمَا هُوَ مُقَارَبَةُ التَّسَاوِي وَلِذَلِكَ لَمَّا عَسُرَ إدْرَاكُ التَّسَاوِي فِي الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ الذَّوَاتِ جَعَلَ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ لِتَقْوِيمِهَا أَعْنِي تَقْدِيرَهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ الذَّوَاتِ أَعْنِي غَيْرَ الْمَوْزُونَةِ وَالْمَكِيلَةِ الْعَدْلِ فِيهَا إنَّمَا هُوَ فِي وُجُودِ النِّسْبَةِ أَعْنِي أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلَى جِنْسِهِ نِسْبَةَ قِيمَةِ الشَّيْءِ الْآخَرِ إلَى جِنْسِهِ مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ فِيمَا إذَا بَاعَ إنْسَانٌ فَرَسًا بِثِيَابٍ هُوَ أَنْ تَكُونَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الْفَرَسِ إلَى الْأَفْرَاسِ هِيَ نِسْبَةُ قِيمَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ إلَى الثِّيَابِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَسُ قِيمَته خَمْسُونَ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الثِّيَابُ قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَلْيَكُنْ مَثَلًا الَّذِي يُسَاوِي هَذَا الْقَدْرَ عَدَدُهَا وَهُوَ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ فَحِينَئِذٍ اخْتِلَافُ الْمَبِيعَاتِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فِي الْعَدَدِ وَاجِبٌ فِي الْمُعَامَلَةِ الْعِدْلَةِ
أَعْنِي أَنْ يَكُونَ عَدِيلُ فَرَسٍ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي الْمِثْلِ وَالْأَشْيَاءُ الْمَكِيلَةُ وَالْمَوْزُونَةُ لَمَّا كَانَتْ لَا تَخْتَلِفُ كُلَّ الِاخْتِلَافِ وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا مُتَقَارِبَةً وَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا صِنْفٌ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ بِذَلِكَ الصِّنْفِ بِعَيْنِهِ إلَّا عَلَى جِهَةِ السَّرَفِ كَانَ الْعَدْلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ فِيهَا تَعَامُلٌ لِكَوْنِ مَنَافِعِهَا غَيْرَ مُخْتَلِفَةٍ وَالتَّعَامُلُ إنَّمَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ فِي الْمَنَافِعِ الْمُخْتَلِفَةِ فَحِينَئِذٍ مُنِعَ التَّفَاضُلُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي الْمَكِيلَةَ وَالْمَوْزُونَةَ لَهُ عِلَّتَانِ إحْدَاهُمَا وُجُودُ الْعَدْلِ فِيهَا وَالثَّانِيَةُ مَنْعُ الْمُعَامَلَةِ إذْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مِنْ بَابِ السَّرَفِ .
وَأَمَّا الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ فَعِلَّةُ الْمَنْعِ فِيهَا أَظْهَرُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الرِّبْحَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَهَا مَنَافِعُ ضَرُورِيَّةٌ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْكَيْلَ وَالطَّعْمَ وَهُوَ مَعْنًى جَيِّدٌ لِكَوْنِ الطَّعْمِ ضَرُورِيًّا فِي أَقْوَاتِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حِفْظُ الْعَيْنِ وَحِفْظُ السَّرَفِ فِيمَا هُوَ قُوتٌ أَهَمُّ مِنْهُ فِيمَا لَيْسَ هُوَ قُوتًا ا هـ .
لَكِنْ لَا يَخْفَاك أَنَّ الْكَيْلَ لَيْسَ بِصِفَةٍ ثَابِتَةٍ ، بَلْ عَارِضٍ ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مُخْتَصَّةٍ ، بَلْ غَيْرُ مُخْتَصٍّ ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ مَقْصُودَةٍ عَادَةً مِنْ هَذِهِ الْأَعْيَانِ ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ جَامِعَةٍ لِلْأَوْصَافِ الْمُنَاسَبَةِ كُلِّهَا ، بَلْ لَيْسَ هُوَ بِصِفَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا هُوَ لَاحِقٌ مُلَخَّصٌ مِنْ الرَّبَّا كَالْقَبْضِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِلَّتُهُ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الْقَلِيلِ كَالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ عِلَّةِ مَالِكٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَعَمْ لَوْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ الَّتِي رُبَّمَا احْتَجَّ بِهَا الْأَحْنَافُ ؛ لِأَنَّ
فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورَةً تَنْبِيهًا قَوِيًّا عَلَى اعْتِبَارِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ مِنْهَا أَنَّهُمْ رَوَوْا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ الْمُسَمَّيَاتِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ زِيَادَةً وَهِيَ كَذَلِكَ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَفِي بَعْضِهَا .
وَكَذَلِكَ الْمِكْيَالُ وَالْمِيزَانُ لَكَانَ نَصًّا فِي ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذَاهِبُ اثْنَا عَشَرَ عَشَرَةٌ مِنْهَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَمَذْهَبَانِ لَا تَعْلِيلَ فِيهِمَا وَهُمَا قَصْرُ مَنْعِ رِبَا الْفَضْلِ وَالنَّسَاءِ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَقَصْرُ مَنْعِ الرِّبَا عَلَى النَّسَاءِ وَإِبَاحَةِ التَّفَاضُلِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ ) جِهَةُ كَوْنِ الْمَعْنَى الْعَامِّ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الَّتِي وَقَعَ التَّنْبِيهُ بِهَا عَلَيْهَا لِيَتَأَدَّى بِهِ إلْحَاقُ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِهَا فِي مَنْعِ التَّفَاضُلِ وَالنَّسَاءِ هَلْ يُؤَدِّي إلَى قِيَاسِ الشَّبَهِ أَوْ قِيَاسِ الْعِلَّةِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ جَمِيعٌ مِنْ الْحَقِّ الْمَسْكُوتِ هَاهُنَا بِالْمَنْطُوقِ بِهِ إنَّمَا أَلْحَقَهُ بِقِيَاسِ الشَّبَهِ لَا بِقِيَاسِ الْعِلَّةِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي ذَلِكَ الْمَالِيَّةِ ، وَقَالَ عِلَّةُ مَنْعِ الرِّبَا إنَّمَا هِيَ حِيَاطَةُ الْأَمْوَالِ يُرِيدُ مَنْعَ الْعَيْنِ قَالَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَائِسِينَ دَلِيلٌ فِي اسْتِنْبَاطِ الشَّبَهِ الَّذِي اعْتَبَرَهُ فِي إلْحَاقِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ بِالْمَنْطُوقِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي تَثْبِيتِ عِلَّتِهِمْ الشَّبَهِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي اُشْتُقَّ مِنْهُ الِاسْمُ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ ، وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } فَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ الطَّعْمَ هُوَ الَّذِي عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ ، وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَزَادُوا عَلَى الطَّعْمِ إمَّا صِفَةً وَاحِدَةً وَهُوَ الِادِّخَارُ عَلَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَإِمَّا صِفَتَيْنِ وَهُوَ الِادِّخَارُ وَالِاقْتِيَاتُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْبَغْدَادِيِّينَ وَتَمَسَّكُوا فِي اسْتِنْبَاطِ هَذِهِ الْعِلَّةِ ( أَوَّلًا ) بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الطَّعْمَ وَحْدَهُ لَاكْتَفَى بِالتَّنْبِيهِ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِوَاحِدٍ مِنْهَا ، بَلْ ذَكَرَهَا كُلَّهَا لِيُنَبِّهَ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ عَلَى أَصْنَافِ الْحُبُوبِ الْمُدَّخَرَةِ وَبِالتَّمْرِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْحَلَاوَاتِ
الْمُدَّخَرَةِ وَبِالْمِلْحِ عَلَى جَمِيعِ التَّوَابِلِ الْمُدَّخَرَةِ لِإِصْلَاحِ الطَّعَامِ ( وَثَانِيًا ) بِأَنَّ مَعْقُولَ الْمَعْنَى فِي الرِّبَا لَمَّا كَانَ إنَّمَا هُوَ أَنْ لَا يَغْبِنَ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا وَأَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُصُولِ الْمَعَايِشِ وَهِيَ الْأَقْوَاتُ ، وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَلَّقَ التَّحْلِيلَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاتِّفَاقِ الْقَدْرِ وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِاتِّفَاقِ الصِّنْفِ وَاخْتِلَافِ الصِّنْفِ فِي { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَامِلِهِ بِخَيْبَرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ يَدًا بِيَدٍ } رَأَوْا أَنَّ التَّقْدِيرَ أَعْنِي الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ كَتَأْثِيرِ الصِّنْفِ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ مِنْهُ مُلَخَّصًا .
وَقَالَ الْأَصْلُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ قِيَاسَ الشَّبَهِ إمَّا فِي الْحُكْمِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى وُجُوبٍ فِي التَّيَمُّمِ النِّيَّةُ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ .
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى الدُّهْنِ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ اتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا وَقِيَاسُ الْعِلَّةِ لَا يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ إلَّا وَصْفًا مُنَاسِبًا وَضَابِطُ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَكَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ أَيْ الْمُنَاسَبَةُ الْحَاصِلَةُ هُنَا مِنْ كَوْنِ الْأَعْيَانِ شَرِيفَةً بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسُ الْأَمْوَالِ وَقِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ هِيَ أَظْهَرُ فِي أَنْ يُتَوَقَّعَ
مِنْ تَرْتِيبِ مَنْعِ الرِّبَا عَلَيْهَا حُصُولُ مَصْلَحَةِ صَوْنِ الشَّرِيفِ عَنْ الْغَبْنِ بِذَهَابِ الزَّائِدِ هَدَرًا وَتَمْيِيزُهُ عَنْ الْخَسِيسِ بِكَثْرَةِ الشُّرُوطِ مِنْ أَنْ يُقَالَ هَذَا شَبَهٌ فِي مَقْصِدٍ لَمْ نَطَّلِعْ أَنَّهُ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا فَافْهَمْ هَذَا تَوْضِيحُ خِلَافِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَعْيَانِ هَذِهِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ .
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُتَعَلِّقَ بِهَا مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَقَصَرُوا الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْقَوَاعِدِ هُمْ إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ أَيْ اسْتِنْبَاطِ الْعِلَلِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً وَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسٍ لَا فَارِقٍ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَهُوَ نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ قِيَاسَيْ الشَّبَهِ وَالْعِلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ فِي تَشْطِيرٍ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } لَمْ يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا لِحُصُولِ الْجَامِعِ ، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ } إلَخْ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْرِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ قِيَاسَ الْمَعْنَى إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا فِيهِ الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لِيَحْصُلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى
جَمِيعِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( تَنْبِيهٌ ) الْقِيَاسُ فِي الرِّبَوِيَّاتِ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ هُوَ قِيَاسُ شَبَهٍ أَوْ قِيَاسُ عِلَّةٍ فَقِيَاسُ الْعِلَّةِ يَكُونُ الْجَامِعُ فِيهِ وَصْفًا مُنَاسِبًا كَالْإِسْكَارِ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالنَّبِيذِ فَإِنَّ فَسَادَ الْعَقْلِ مُنَاسِبٌ لِلتَّحْرِيمِ لِعِظَمِ الْمَفْسَدَةِ فِيهِ وَقِيَاسِ الشَّبَهِ أَمَّا فِي شَبَهِ الْحُكْمِ كَقِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي وُجُوبِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ ، وَالطَّهَارَةُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ أَوْ الشَّبَهُ فِي الصُّورَةِ كَقِيَاسِ الْخَلِّ عَلَى الدُّهْنِ فِي مَنْعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ كَقِيَاسِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ اتِّحَادِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا عَادَةً وَإِنْ لَمْ نَطَّلِعْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَقْصِدَ يُنَاسِبُ مَنْعَ الرِّبَا فَإِنَّ ضَابِطَ الْمُنَاسِبِ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ حُصُولُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ كَتَرْتِيبِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِسْكَارِ لِدَرْءِ مَفْسَدَةِ ذَهَابِ الْعَقْلِ وَإِيجَابِ الْقِصَاصِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ حِفْظِ النَّفْسِ فَهَلْ الْمُنَاسَبَةُ حَاصِلَةٌ مِنْ كَوْنِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ شَرِيفَةٌ بِالْقُوتِ أَوْ رُءُوسِ الْأَمْوَالِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُبَدَّلَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِاثْنَيْنِ .
وَيُنَاسِبُ أَيْضًا تَكْثِيرَ الشُّرُوطِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَوْ يُقَالُ هَذَا شَبَهٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ قِيَاسِ الْعِلَّةِ لَا مِنْ بَابِ قِيَاسِ الشَّبَهِ ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْقَوَاعِدِ الَّذِينَ قَصَرُوا الرِّبَا عَلَى السِّتَّةِ إمَّا مُنْكِرُو الْقِيَاسِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ أَوْ مُنْكِرُو قِيَاسِ الشَّبَهِ خَاصَّةً وَأَنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَبَهٌ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَهُوَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ فَلَا جَرَمَ لَمْ يُلْحَقْ بِمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ إلَّا الزَّبِيبُ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ لَا فَارِقَ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْعِلَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ إلْحَاقِ الذُّكُورِ بِالْإِنَاثِ مِنْ الرَّقِيقِ فِي تَشْطِيرِ
الْحُدُودِ ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } لَمْ يَتَنَاوَلْ الذُّكُورَ فَأُلْحِقُوا بِهِنَّ لِعَدَمِ الْفَارِقِ خَاصَّةً لَا لِحُصُولِ الْجَامِعِ ، وَكَذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْعَبْدِ الْأَمَةُ فِي التَّقْوِيمِ فِي الْعِتْقِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ } فَلَحِقَ بِهِ الْأَمَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَارِقَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا نَوْعٌ آخَرُ غَيْرُ قِيَاسِ الشَّبَهِ وَقِيَاسِ الْمَعْنَى لَمْ يُجِزْهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَّا بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ دُونَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا فِيهِ الرِّبَا وَقَاعِدَةِ مَا لَا رِبَا فِيهِ وَحِكَايَةُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ وَمَدَارِكُهَا لِيَحْصُلَ الِاطِّلَاعُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ
( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ تَعَدُّدِهِ ) اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً لِلْآخِرَةِ وَمَطِيَّةً لِلسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَمَا عَدَاهُ فَمَعْزُولٌ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي الشَّرَائِعِ فَلِذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ مَا هُوَ عِمَادُ الْأَقْوَاتِ وَحَافِظُ قَانُونِ الْحَيَاةِ وَمُقِيمُ بِنْيَةِ الْأَشْبَاحِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ الْأَرْوَاحِ إلَى دَارِ الْقَرَارِ وَيُلْغَى تَفَاوُتُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ السَّرَفِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِلتَّرَفِ فَلَوْ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ اعْتِبَارِهِ وَمِنْهَا عَلَى رِفْعَةِ قَدْرِهِ وَمَنَارِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَانُونِ الْحُكْمِيِّ فَلِذَلِكَ تَسَاوَتْ الْأَلْوَانُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ فِي الْجِنْسِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَتَسَاوَتْ الْأَخْبَازُ ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَنَى الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اتِّحَادَ الْأَجْنَاسِ وَاخْتِلَافَهُمَا وَإِنْ كَثُرَتْ فُرُوعُ هَذَا الْبَابِ وَانْتَشَرَتْ فَهِيَ رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَمِنْهَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى فِي الْفَرْقِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الصِّفَةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ وَتُنْقِصُ الْمِقْدَارَ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْ جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ أَوْ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ لَا تُنْقِصُ الْمِقْدَارَ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ وَطَالَ الزَّمَانُ
فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ ، وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَالتَّقَارُبِ فِيهَا .
( الْفَرْقُ الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَاعِدَةِ تَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ تَعَدُّدِهِ ) وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ مِنْ الدُّنْيَا أَنْ تَكُونَ مَزْرَعَةَ الْآخِرَةِ وَمَطِيَّةَ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَمَعْزُولٌ عَنْ مَقْصِدِ الشَّارِعِ فِي الشَّرَائِعِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ إلَّا مَا هُوَ عِمَادُ الْأَقْوَاتِ وَحَافِظُ قَانُونِ الْحَيَاةِ وَمُقِيمُ بِنْيَةِ الْأَشْبَاحِ الَّتِي هِيَ مَرَاكِبُ الْأَرْوَاحِ إلَى دَارِ الْقَرَارِ وَيُلْغَى فِي نَظَرِهِ تَفَاوُتُ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ ؛ لِأَنَّهُ دَاعِيَةُ السَّرَفِ وَلَا يُقْصَدُ إلَّا لِلتَّرَفِ فَلَوْ رَتَّبَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَحْكَامَهُ لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ اعْتِبَارِهِ وَمُنَبِّهًا عَلَى رِفْعَةِ قَدْرِهِ وَمَنَارِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَانُونِ الْحُكْمِيِّ فَفُرُوعُ بَابِ اتِّحَادِ الْأَجْنَاسِ وَاخْتِلَافُهَا وَإِنْ كَثُرَتْ وَانْتَشَرَتْ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَعَلَيْهَا بَنَى تِلْكَ الْفُرُوعَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( فَمِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ ) أَنَّ السُّلْتَ وَالشَّعِيرَ عِنْدَ مَالِكٍ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً إلَّا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمُتَّفِقَةُ الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا بِاتِّفَاقٍ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ قَوْمًا ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمْدَةُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَمِلَ سُلْفَةً بِالْمَدِينَةِ وَعُمْدَةُ أَصْحَابِهِ فِيهِ أَوَّلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّعَامُ مِثْلًا بِمِثْلٍ } وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَثَانِيًا أَنَّهُمْ عَدَّدُوا كَثِيرًا مِنْ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَنَافِعِ وَالْمُتَّفِقَةُ الْمَنَافِعِ لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا
بِاتِّفَاقٍ وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُمَا صِنْفَانِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعُمْدَتُهُمْ أَوَّلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ } فَجَعَلَهُمَا صِنْفَيْنِ لَا سِيَّمَا وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ { وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ } ذَكَرَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَوَكِيعٌ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَصَحَّحَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ التِّرْمِذِيُّ وَثَانِيًا قِيَاسُهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا شَيْئَانِ اخْتَلَفَتْ أَسْمَاؤُهُمَا وَمَنَافِعُهُمَا عَلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الِاسْمِ وَالْمَنْفَعَةِ فَكَمَا وَجَبَ كَوْنُ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَنَحْوِهِمَا بِذَلِكَ صِنْفَيْنِ كَذَلِكَ وَجَبَ كَوْنُ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِذَلِكَ صِنْفَيْنِ .
( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْقُطْنِيَّةَ وَهِيَ الْعَدَسُ وَاللُّوبِيَا وَالْحِمَّصُ وَالْفُولُ وَالتُّرْمُسُ وَالْجُلُبَّانُ وَالْبِسِلَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْمُجَانَسَةُ الْقَبْلِيَّةُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهَا تَقَارُبُ الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَيْنُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ أَلَا تَرَى أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي الزَّكَاةِ وَهُمَا جِنْسَانِ فِي الْبَيْعِ ، وَعَنْهُ فِي الْبُيُوعِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا قَوْلُهُ الثَّانِي أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَالْأُخْرَى قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهَا أَصْنَافٌ وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ اتِّفَاقِ الْمَنَافِعِ فِيهَا وَاخْتِلَافُ أَعْيَانِهَا فَمَنْ غَلَّبَ الِاتِّفَاقَ قَالَ صِنْفٌ وَاحِدٌ ، وَمَنْ غَلَّبَ الِاخْتِلَافَ قَالَ صِنْفَانِ أَوْ أَصْنَافٌ قَالَ الْحَطَّابُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُتَبَايِنَةٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لِاخْتِلَافِ صُوَرِهَا
وَأَسْمَائِهَا الْخَاصَّةِ بِهَا وَمَنَافِعِهَا وَعَدَمِ اسْتِحَالَةِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي اخْتِلَافِ الْأَجْنَاسِ إلَى الْعُرْفِ وَهِيَ فِي الْعُرْفِ أَجْنَاسٌ ، وَقِيلَ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الثَّانِي فِي الْبُيُوعِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْأَرُزَّ وَالدُّخْنَ وَالذُّرَةَ عِنْدَ مَالِكٍ صِنْفٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْبِدَايَةِ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا أَجْنَاسٌ يَجُوزُ الْفَضْلُ بَيْنَهَا ( وَمِنْهَا ) أَنَّ التَّمْرَ بِأَصْنَافِهِ كُلِّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ بِلَا خِلَافٍ ، وَكَذَلِكَ الزَّيْتُ بِأَصْنَافِهِ كُلِّهَا ( وَمِنْهَا ) أَنَّ اللُّحُومَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ كُلَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَقَوْلُهُ الْآخَرُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا إلَّا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ .
وَقَالَ مَالِكٌ اللُّحُومُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مُخْتَلِفَةٍ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ فِي الصِّنْفِ الْوَاحِدِ مِنْهَا فَلَحْمُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ ذَوَاتِ الْمَاءِ صِنْفٌ وَاحِدٌ وَلَحْمُ الطَّيْرِ كُلُّهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَبَيْعُ الْغَنَمِ لَحْمٌ بِالْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ أَبُو حَنِيفَةَ دُونَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَبَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بِلَحْمِ الْغَنَمِ مُتَفَاضِلًا يُجِيزُهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ دُونَ الشَّافِعِيِّ وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلًا بِمِثْلٍ } ؛ وَلِأَنَّهَا إذَا فَارَقَتْهَا الْحَيَاةُ زَالَتْ الصِّفَاتُ الَّتِي بِهَا تَخْتَلِفُ وَتَنَاوُلُهَا اسْمَ اللَّحْمِ تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُخْتَلِفَةَ الْأَلْوَانِ إلَّا أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الْإِدَامُ وَعُمْدَةُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَحْمُهَا مُخْتَلِفًا وَالْحَنَفِيَّةُ تَعْتَبِرُ الِاخْتِلَافَ الَّذِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ هَذِهِ وَتَقُولُ إنَّ الِاخْتِلَافَ الَّذِي بَيْنَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي فِي الْحَيَوَانِ
أَعْنِي فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ كَالطَّائِرِ وَهُوَ وِزَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيْنَ التَّمْرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ ( وَمِنْهَا ) أَنَّ الْأَخْبَازَ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْجِنْسِيَّةِ ؛ لِأَنَّ مُهِمَّهَا الِاغْتِذَاءُ ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ الضَّعَةُ إذَا كَثُرَتْ أَوْ بَعُدَ الزَّمَانُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ وَإِنْ قَلَّتْ وَقَرُبَ الزَّمَانُ لَمْ تُصَيِّرْهُ عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى هَذَا فَالصِّنَاعَةُ فِي الْجِنْسِ إمَّا بِنَارٍ وَإِمَّا بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ كَانَتْ بِنَارٍ فَإِمَّا أَنْ تُنْقِصْ الْمِقْدَارَ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ صَيَّرَتْ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ كَقَلْيِ الْقَمْحِ وَالْخُبْزِ وَإِنْ نَقَصَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ بِإِضَافَةِ شَيْءٍ إلَيْهِ صَيَّرَتْهُ جِنْسَيْنِ كَتَخْفِيفِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ وَالطَّبْخِ بِالْمَرَقَةِ .
وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إضَافَةِ شَيْءٍ لَمْ تُصَيِّرْهُ جِنْسَيْنِ كَشَيِّ اللَّحْمِ وَتَجْفِيفِهِ بِلَا إبْرَازٍ وَطَبْخِهِ مِنْ غَيْرِ مَرَقَةٍ وَمِنْهُ تَجْفِيفُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ الصِّنَاعَةُ بِغَيْرِ نَارٍ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ تَأْثِيرُهَا كَخَلِّ التَّمْرِ وَخَلِّ الزَّبِيبِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ فَالْمَشْهُورُ عَدَمُ التَّأْثِيرِ وَالشَّاذُّ التَّأْثِيرُ كَالنَّبِيذِ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى الْأَغْرَاضِ فِي التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ وَالتَّقَارُبِ فِيهَا هَذَا مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْبِدَايَةِ لِلْحَفِيدِ وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِيمَا تَدْخُلُهُ الصَّنْعَةُ مِمَّا أَصْلُهُ مَنْعُ الرِّبَا فِيهِ مِثْلُ الْخُبْزِ بِالْخُبْزِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ ذَلِكَ مُتَفَاضِلًا وَمُتَمَاثِلًا لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالصَّنْعَةِ عَنْ الْجِنْسِ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا فَضْلًا عَنْ مُتَفَاضِلٍ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَيَّرَتْهُ الصَّنْعَةُ تَغَيُّرًا جُهِلَتْ بِهِ مَقَادِيرُهُ الَّتِي تُعْتَبَرُ
فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ حَبٍّ بِدَقِيقِهِ وَلَا بِسَوِيقِهِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَكِيلٌ وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَكِيلِ بِجِنْسِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْحَبِّ تَنْتَشِرُ بِالطَّحْنِ وَالنَّارِ أُخِذَتْ مِنْ السَّوِيقِ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ مِنْهُ فَانْظُرْهُ .
وَأَمَّا مَالِكٌ فَالْأَشْهَرُ فِي الْخُبْزِ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ مُتَمَاثِلًا ، وَقَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالتَّسَاوِي وَسَبَبُ الْخِلَافِ خِلَافُهُمْ هَلْ الصَّنْعَةُ تَنْقُلُهُ مِنْ جِنْسِ الرِّبَوِيَّاتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ لَا تَنْقُلُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَخِلَافُ مَنْ قَالَ بِهَذَا هَلْ تُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ حِينَئِذٍ فِيهِ أَوْ لَا تُمْكِنُ فَكَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِالتَّقْدِيرِ وَالْحِرْزِ فَضْلًا عَنْ الْوَزْنِ أَيْ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الرِّبَوِيَّيْنِ لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ وَالْآخَرُ قَدْ دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى فِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّ الصَّنْعَةَ تَنْقُلُهُ مِنْ الْجِنْسِ أَعْنِي مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيُجِيزُ فِيهَا التَّفَاضُلَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَرَى ذَلِكَ وَتَفْصِيلُ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ عَسِيرُ الِانْفِصَالِ فَاللَّحْمُ الْمَشْوِيُّ وَالْمَطْبُوخُ عِنْدَهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْحِنْطَةُ الْمَقْلُوَّةُ عِنْدَهُ وَغَيْرُ الْمَقْلُوَّةِ جِنْسَانِ ، وَقَدْ رَامَ أَصْحَابُهُ التَّفْصِيلَ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ عَنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ قَانُونٌ مِنْ قَوْلٍ حَتَّى يَنْحَصِرَ فِيهِ قَوْلُهُ فِيهَا ، وَقَدْ رَامَ حَصْرَهَا الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا يَعْسُرُ حَصْرُ الْمَنَافِعِ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ الِاتِّفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّعَامُلُ وَتَمْيِيزُهَا مِنْ الَّتِي لَا تُوجِبُ ذَلِكَ أَعْنِي فِي الْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنَّبَاتِ وَسَبَبِ الْعُسْرِ أَنَّ
الْإِنْسَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ أَشْيَاءَ مُتَشَابِهَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَانُونٌ يَعْمَلُ عَلَيْهِ فِي تَمْيِيزِهَا إلَّا مَا يُعْطِيهِ بَادِي النَّظَرِ فِي الْحَالِ جَاوَبَ فِيهَا بِجَوَابَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِذَا جَاءَ مَنْ بَعْدَهُ أَحَدٌ فَرَامَ أَنْ يُجْرِيَ تِلْكَ الْأَجْوِبَةَ عَلَى قَانُونٍ وَاحِدٍ وَأَصْلٍ وَاحِدٍ عَسُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ تَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِهِمْ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ مِنْ الْبِدَايَةِ بِزِيَادَةٍ .
وَاَلَّذِي رَامَهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى مَنْ حَصَرَهَا هُوَ مَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ الْأَصْلُ فِي تَبْيِينِ الْمَنَافِعِ الْمَقْصُودَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا مَعْنَى الْجِنْسِ أَنَّ مَعْنَى الْجِنْسِ عِنْدَنَا فِي الْبَابِ أَيْ بَابِ الْبَيْعِ مَا انْفَرَدَ بِالْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّيْئَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُمَا كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَإِنْ سُمِّيَا بِاسْمٍ وَاحِدٍ ، وَإِذَا اتَّفَقَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَافْتَرَقَا فِي الِاسْمِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ أَنْ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُمَا أَيْ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ جِنْسَانِ الِاعْتِبَارُ أَيْضًا بِالْأَسْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ إنَّنَا إنَّمَا مَنَعْنَا التَّفَاضُلَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لِلزِّيَادَةِ فِي السَّلَفِ وَأَجَزْنَاهُ فِي الْجِنْسَيْنِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْ الْعَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَنْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ فِي السَّلَفِ فَإِنَّمَا يَطْلُبُهَا مَعَ اسْتِرْجَاعِ مَا سَلَفَ وَبَقَاءِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ فَإِذَا اسْتَرْجَعَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ أُخْرَى بِغَيْرِ مَنْفَعَةِ الْعَيْنِ الَّتِي سَلَفَ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَفِ وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا التَّفَاضُلَ بَيْنَ التَّمْرِ الْعَرَبِيِّ وَالتَّمْرِ الْهِنْدِيِّ أَيْ الْمَعْرُوفِ الْآنَ بِالْجَمْرِ وَبَيْنَ الْجَوْزِ الْهِنْدِيِّ وَاَلَّذِي لَيْسَ
بِهِنْدِيٍّ وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا ثَلَاثَةَ مَطَالِبَ ( الْمَطْلَبُ الْأَوَّلُ ) إنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ فِي الْجِنْسِ يَكُونُ عَلَى ضَرْبَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ تَخْتَلِفَ لِلصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ( وَالثَّانِي ) أَنْ تَخْتَلِفَ لِلتَّنَاهِي فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَعَدَمِ التَّنَاهِي فَأَمَّا الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَبَنِي آدَمَ أَوْ يَكُونُ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ فَفِي الْوَاضِحَةِ أَنَّ الرَّقِيقَ صِنْفٌ وَاحِدٌ ذُكُورُهُ وَإِنَاثُهُ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ عَجَمِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ قَالَ الْبَاجِيَّ وَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ صَغِيرُهُ جِنْسًا مُخَالِفًا لِكَبِيرِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ الَّتِي يَتَمَيَّزُ بِهَا الْجِنْسُ مِنْ التِّجَارَةِ وَالصَّنَائِعِ لَا تَصِحُّ مِنْ الصَّغِيرِ ( وَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّانِي ) أَيْ مِمَّا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْأَكْلُ أَوْ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ كَانَ صِغَارُهَا جِنْسًا مُخَالِفًا لِكِبَارِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِبَارِهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ صِغَارِهَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ الْأَكْلُ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالطَّيْرِ كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ ( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ أَيْ قَصْدِ الْأَكْلِ عَمَلٌ مَقْصُودٌ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ صِغَارَهُ مُخَالِفٌ لِكِبَارِهِ ( وَالْقِسْمُ الثَّانِي ) أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ مَقْصُودٌ وَلَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ صِغَارَهُ مِنْ جِنْسِ كِبَارِهِ كَالْحَجَلِ وَالْيَمَامِ ( وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ ) أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ مَقْصُودٌ ، وَلَكِنْ يَكُونُ مَعَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ مِنْ لُبْسٍ وَنَحْوِهِ كَالْغَنَمِ وَفِي هَذَا رَوَى
ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ ( إحْدَاهُمَا ) لَا يَخْتَلِفُ جِنْسُهَا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْحَيَوَانِ الْأَكْلُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ صِغَارُهُ وَكِبَارُهُ ( وَالثَّانِيَةُ ) يَخْتَلِفُ جِنْسُهَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ كِبَارِ الْغَنَمِ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ كَالْعَمَلِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ ، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كُلُّهَا صِنْفٌ ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا ، وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يُسْلَمُ فِي بَعْضٍ إلَّا الدَّجَاجُ ذَاتُ الْبَيْضِ فَإِنَّهَا صِنْفٌ تُسْلَمُ الدَّجَاجَةُ الْبَيُوضُ أَوْ الَّتِي فِيهَا بَيْضٌ فِي الدِّيكَيْنِ ( الْمَطْلَبُ الثَّانِي ) السِّنّ الَّذِي هُوَ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الِانْتِفَاعِ بِهَا الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهَا وَفِيمَا تَصِحُّ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ كَالرَّقِيقِ إنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ مَا يُطِيقُ التَّكَسُّبَ بِعَمَلِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ وَذَلِكَ عِنْدَ الْبَاجِيَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً وَنَحْوَهَا أَوْ الِاحْتِلَامُ وَفِي الْإِبِلِ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا خَيْرَ فِي ابْنَتَيْ مَخَاضٍ فِي حِقَّةٍ وَلَا حِقَّةٍ فِي جَذَعَتَيْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنَعَ ابْنَتَيْ مَخَاضٍ فِي حِقَّةٍ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِنِّ الصِّغَرِ وَمَنَعَ حِقَّةً فِي جَذَعَتَيْنِ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ صَغِيرًا فِي كَبِيرٍ فَإِنَّ الْجَذَعَ أَوَّلُ أَسْنَانِ الْكَبِيرِ فِي الْإِبِلِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ فِي حِقَّةٍ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ مَنَعَ صَغِيرَيْنِ فِي كَبِيرٍ وَمَنَعَ حِقَّةً فِي جَذَعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ سِنِّ الْكِبَرِ فَتَكُونُ الْحِقَّةُ فِي حَيِّزِ الْكَبِيرِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سِنٌّ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ وَهُوَ الْحَمْلُ وَفِي ذُكُورِ الْبَقَرِ أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْحَرْثِ وَفِي إنَاثِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنْ يَبْلُغَ سِنَّ الْوَضْعِ وَاللَّبَنِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ
الْبَقَرِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ ؛ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ الَّذِي تُتَّخَذُ لَهُ وَلَا خِلَافَ فِي ذُكُورِهَا .
وَأَمَّا إنَاثُهَا فَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الذُّكُورِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إنَاثِ الْبَقَرِ وَإِنَاثِ الْغَنَمِ أَنَّ إنَاثَ الْبَقَرِ لَهَا مَنْفَعَةٌ لَا تُخَصُّ بِذُكُورِهَا ، بَلْ تُوجَدُ أَيْضًا فِي إنَاثِهَا وَإِنَاثُ الْغَنَمِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ جَازَ تَسْلِيمُ الْبَقَرَةِ الْكَثِيرَةِ اللَّبَنِ .
وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى الْحَرْثِ فِي الثَّوْرِ ، وَأَمَّا الْغَنَمُ فَمَعْزٌ وَضَأْنٌ فَالْمَعْزُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا إنْ فَرَّقْنَا بَيْنَ صِغَارِهَا وَكِبَارِهَا حَدُّ الْكَبِيرِ أَنْ يَضَعَ مِثْلَهَا وَيَكُونُ فِيهَا اللَّبَنُ وَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ذُكُورُهَا مِنْ جِنْسِ صِغَارِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ اللَّحْمِ إلَّا النَّزْوُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَالْخَيْلِ وَالْحُمُرِ وَالضَّأْنِ فِيهَا رِوَايَةُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ كَثْرَةَ اللَّبَنِ لَا يَكَادُ يَتَبَايَنُ إلَّا فِي الْمَاعِزِ .
وَأَمَّا الضَّأْنُ فَمُتَقَارِبَةٌ فِي اللَّبَنِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ اللَّبَنَ مُعْتَبَرٌ فِي الْغَنَمِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ ذُو لَبَنٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْعَمَلُ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ جِنْسُهُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتُهُ كَالْمَاعِزِ فَافْهَمْ ، وَأَمَّا الطَّيْرُ فَضَرْبَانِ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ وَمَا لَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ ذُكُورُهُ وَإِنَاثُهُ وَصِغَارُهُ وَكِبَارُهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَمَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْبَيْضُ كَالدَّجَاجِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْجِنْسُ لِوَجْهَيْنِ ( الْأَوَّلُ ) أَنَّ الْبَيْضَ فِي الدَّجَاجِ لَيْسَ مِمَّا يُقْصَدُ بِالِاقْتِنَاءِ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ
بِاللَّحْمِ وَذَلِكَ مُتَسَاوٍ فِي جَمِيعِهَا ( وَالثَّانِي ) أَنَّ هَذِهِ وِلَادَةٌ وَالْوِلَادَةُ لَا يُعْتَبَرُ بِهَا فِي الْجِنْسِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ كَسَائِرِ الْحَيَوَانِ ، وَقَالَ أَصْبَغُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْجِنْسُ وَوَجْهُ أَنَّ الْبَيْضَ مَعْنًى مَقْصُودٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَاللَّبَنِ فِي الْغَنَمِ ( الْمَطْلَبُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى التَّكَسُّبِ بِمَعْنَى يُسْتَفَادُ فِي التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ شَائِعًا فِي الْجِنْسِ كَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ فَالتِّجَارَةُ وَالصِّنَاعَةُ كَالْجِزَارَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ مَعَ الْفَصَاحَةِ وَالْحِسَابِ جِنْسٌ مَقْصُودٌ كَذَلِكَ وَالْكِتَابَةُ وَالْقِرَاءَةُ إذَا تَقَدَّمَهَا نَفَاذٌ يُمْكِنُهُ التَّكَسُّبُ بِهَا وَهَكَذَا مَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى .
وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَعْمَالُ الْمُعْتَادَةُ الَّتِي يَعْمَلُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ كَالْحَرْثِ وَالْحَصَادِ فِي الرِّجَالِ وَالْغَزْلِ فِي النِّسَاءِ ، فَلَيْسَ مَنْ يَعْمَلُهَا بِجِنْسٍ يُبَايِنُ بِهِ مَنْ لَا يَعْمَلُ ذَلِكَ الْعَمَلَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هَذَا الْعَمَلُ مُعْتَادًا يُمْكِنُ أَكْثَرُ هَذَا الْجِنْسِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ الْمُعْتَادِ .
وَأَمَّا الصِّنَاعَةُ فِي الْإِمَاءِ فَكَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَالرَّقْمِ وَالنَّسْجِ وَكُلُّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ إلَّا الطَّبْخُ وَالْخَبْزُ فَإِنَّهُ صِنَاعَةٌ وَاحِدَةٌ وَجِنْسٌ وَاحِدٌ ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ وَرَوَى عِيسَى عَنْهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فَائِقَةً فِيهَا إنَّهُ جِنْسٌ تَبَيَّنَ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي كَوْنِهِمَا قَوْلًا وَاحِدًا بِحَمْلِهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّفَاذَ فِي ذَلِكَ وَالتَّقَدُّمُ حَتَّى يُمْكِنُ التَّكَسُّبُ بِهِ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَإِنَّ الْكِتَابَةَ الْيَسِيرَةَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِاكْتِسَابُ بِهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ مَقْصُودٍ أَوْ قَوْلَيْنِ بِحَمْلِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنْسٍ فِي الْإِمَاءِ مَعَ
النَّفَاذِ بِخِلَافِ الْعَبِيدِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ حُكْمَ الْإِمَاءِ فِي الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبِيدِ وَجْهَانِ وَرَوَى عِيسَى أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَنَّ الْجِمَالَ لَيْسَ بِجِنْسٍ وَوَجْهٌ أَنَّهُ مَعْنَى لَا يَتَكَسَّبُ بِهِ الْإِمَاءُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ جِنْسٌ مَقْصُودٌ وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْقَرَوِيِّينَ يَحْكِي أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ .
رَوَاهُ وَوَجْهُهُ مِنْ أَنَّ الْأَثْمَانَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ وَتَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهِ ، وَلَيْسَ الْغَزْلُ وَلَا عَمَلُ الطِّيبِ بِجِنْسٍ ؛ لِأَنَّ الْغَزْلَ مُعْتَادٌ فِي النِّسَاءِ شَامِلٌ وَعَمَلُ الطِّيبِ لَيْسَ مِمَّا يَكَادُ أَنْ تَنْفَرِدَ بِالتَّكَسُّبِ بِهِ ، بَلْ ذَلِكَ شَائِعٌ فِي جَمِيعِ النِّسَاءِ ، وَهَذَا مَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخَيْلِ السَّبْقُ وَالْجَوْدَةُ ؛ لِأَنَّهَا بِهَا تُبَايِنُ سَائِرَ الْحَيَوَانِ الْمُتَّحِدِ فَإِذَا كَانَ سَابِقًا فَائِقًا ، فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا لَيْسَ بِسَابِقٍ مِنْ الْخَيْلِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْإِبِلِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَايِنُ غَيْرَهَا فِي الْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ ، وَلَيْسَ السَّبْقُ بِمَقْصُودٍ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا تُرَادُ لِلسَّبْقِ ، وَكَذَلِكَ لَا يُسْهَمُ لَهَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا يُسَاقُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ أَفْضَلَ هَذَا الْجِنْسِ وَأَغْلَبِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ الْخَيْلِ مَا تَكُونُ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يُتَّخَذُ لِذَلِكَ وَلَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فِي الْجِنْسِ عَمَّا لَيْسَ بِقَوِيٍّ عَلَى الْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ أَفْضَلِ هَذَا الْجِنْسِ وَلَا أَكْثَرَ .
وَأَمَّا الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنَّ الْبِغَالَ كُلَّهَا مَعَ الْحُمُرِ الْمِصْرِيَّةِ جِنْسٌ مُخَالِفٌ لِلْأَعْرَابِيَّةِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالسَّيْرِ وَالْقِيَمِ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الرُّكُوبُ لِلْجِمَالِ وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ فِيهِ ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ
تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ ؛ لِأَنَّ السَّيْرَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ تَخْتَلِفَ بِاخْتِلَافِهِ قَالَ فَأَبَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ بِهَا ، فَلَمَّا اتَّفَقَتْ فِي الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا وَإِنْ لَمْ يَشْمَلْهَا اسْمٌ وَاحِدٌ .
وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ الْخَاصَّةِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى اخْتِلَافُ الْمَنَافِعِ وَاتِّفَاقُهَا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذُكُورِ الْبَقَرِ الْقُوَّةُ عَلَى الْحَرْثِ وَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ فِي إنَاثِهَا أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا كَثْرَةُ اللَّبَنِ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَعْزِ كَثْرَةُ اللَّبَنِ وَفِي كَوْنِ الضَّأْنِ كَذَلِكَ أَوَّلًا رِوَايَتَا سَحْنُونٌ وَيَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الطَّيْرِ اللَّحْمُ فَقَطْ وَفِي كَوْنِ الْبَيْضِ كَالدَّجَاجِ مَعْنًى مَقْصُودًا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مِنْ الْحَيَوَانِ أَوَّلًا قَوْلُ أَصْبَغَ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ا هـ .
مُلَخَّصًا مَعَ إصْلَاحٍ .
وَلَا يَخْفَاك أَنَّ مَا بَنَى الْأَصْلُ عَلَيْهِ الْفَرْقَ بَيْنَ قَاعِدَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَتَعَدُّدِهِ فِي بَابِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْبَاجِيَّ فِي الْمُنْتَقَى هُوَ الْقَانُونُ الَّذِي يَنْحَصِرُ فِيهِ أَقْوَالُ مَالِكٍ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَتَنْحَصِرُ فِيهِ الْمَنَافِعُ الَّتِي تُوجِبُ عِنْدَهُ الِاتِّفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّعَامُلُ كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالنَّبَاتِ وَيَحْصُلُ بِهِ تَفْصِيلُ الْأَقْوَالِ وَتَمَيُّزُ تِلْكَ الْمَنَافِعِ مِنْ الَّتِي لَا تُوجِبُ ذَلِكَ الِاتِّفَاقَ بِدُونِ أَدْنَى عُسْرٍ وَيَتَّحِدُ الْجَوَابُ فِي تَمْيِيزِهَا فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ هَذَا وَالْجِنْسُ الَّذِي يَمْتَنِعُ فِي أَنْوَاعِهِ التَّفَاضُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَمَا الْإِقْنَاعِ وَشَرْحِهِ كَشَّافِ الْقِنَاعِ لِلشَّيْخِ مَنْصُورِ
بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ هُوَ مَا لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا أَيْ الْجِنْسُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَنْوَاعِهَا وَالنَّوْعُ هُوَ الشَّامِلُ لِأَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْخَاصِهَا فَكُلُّ نَوْعَيْنِ اجْتَمَعَا فِي اسْمٍ خَاصٍّ فَهُوَ جِنْسٌ كَذَهَبٍ وَأَنْوَاعُهُ الْمَغْرِبِيُّ وَالدَّكْرُورِيُّ وَفِضَّةٍ وَأَنْوَاعُهَا الرِّيَالُ وَالْبَنَادِقَةُ وَنَحْوُهَا وَبُرٍّ وَأَنْوَاعُهُ الْبُحَيْرِيُّ وَالصَّعِيدِيُّ أَيْ وَالْبَطْرَاوِيُّ وَشَعِيرٍ كَذَلِكَ وَتَمْرٍ وَأَنْوَاعُهُ الْبَرْنِيُّ وَالْمَعْقِلِيُّ وَالصَّيْحَانِيُّ وَغَيْرُهَا وَمِلْحٍ وَأَنْوَاعُهُ الْمَنْزَلَاوِيُّ وَالدِّمْيَاطِيُّ وَكُلُّ شَيْئَيْنِ فَأَكْثَرَ أَصْلُهُمَا وَاحِدٌ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَقَاصِدُهُمَا كَدُهْنِ وَرْدٍ وَدُهْنِ بَنَفْسَجٍ وَدُهْنِ زَنْبَقٍ وَدُهْنِ يَاسَمِينٍ وَدُهْنِ بَانٍ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ دُهْنٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْرَجِ فَهِيَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ أَصْلِهَا وَإِنَّمَا طُيِّبَتْ بِهَذِهِ الرَّيَاحِينِ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ أَجْنَاسًا ، وَقَدْ يَكُونُ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ مُشْتَمِلًا عَلَى جِنْسَيْنِ كَالتَّمْرِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّوَى وَمَا عَلَيْهِ وَهُمَا جِنْسَانِ بَعْدَ النَّزْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعًا وَكَاللَّبَنِ يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَخِيضِ وَالزُّبْدِ وَهُمَا جِنْسَانِ لِمَا تَقَدَّمَ فَمَا دَامَ التَّمْرُ وَالنَّوَى أَوْ الْمَخِيضُ وَالزُّبْدُ مُتَّصِلَيْنِ اتِّصَالَ خِلْقَةٍ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَإِذْ مُيِّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ صَارَا جِنْسَيْنِ .
وَلَوْ خُلِطَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَفُرُوعُ الْأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ كَأَدِقَّةٍ وَأَخْبَازٍ وَأَدْهَانٍ وَخُلُولٍ ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ أَصْلَهُ ، فَلَمَّا كَانَتْ أُصُولُ هَذِهِ أَجْنَاسًا كَانَتْ هَذِهِ أَجْنَاسًا إلْحَاقًا لِلْفُرُوعِ بِأُصُولِهَا فَعَلَى هَذَا دَقِيقُ الْحِنْطَةِ جِنْسٌ وَخُبْزُهَا جِنْسٌ وَدَقِيقُ الشَّعِيرِ جِنْسٌ وَخُبْزُهُ جِنْسٌ وَدُهْنُ السِّمْسِمِ جِنْسٌ وَدُهْنُ الزَّيْتُونِ جِنْسٌ وَخَلُّ التَّمْرِ جِنْسٌ وَخَلُّ الْعِنَبِ
جِنْسٌ وَهَكَذَا فَعَسَلُ النَّحْلِ وَعَسَلُ الْقَصَبِ جِنْسَانِ وَاللُّحُومُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهَا ؛ لِأَنَّهَا فُرُوعُ أُصُولِهَا وَهِيَ أَجْنَاسٌ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَالْأَخْبَازِ ، وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ أَجْنَاسًا بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ فَضَأْنٌ وَمَعْزٌ نَوْعَا جِنْسٍ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ، وَكَذَا الْبَقَرُ وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَخَاتِيُّ وَالْعِرَابُ وَسَمِينُ ظَهْرٍ وَسَمِينُ جَنْبٍ وَلَحْمٌ أَحْمَرُ جِنْسٌ وَاحِدٌ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالرِّئَةِ وَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ وَالدِّمَاغِ وَالْكَرِشِ وَالْمَعْيِ وَالْقَلْبِ وَالْجُلُودِ وَالْأَصْوَافِ وَالْعِظَامِ وَنَحْوِهَا أَجْنَاسٌ ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ فَكَانَتْ أَجْنَاسًا كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَا يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ أَجْنَاسِهَا ، وَلَوْ شَحْمًا بِلَحْمٍ ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ كَالنَّقْدَيْنِ ا هـ .
الْمُحْتَاجُ مِنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا شَرْعِيًّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَمَا لَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا ) الضَّابِطُ فِي الْمُمَاثَلَةِ فِي الْحُبُوبِ الْجَافَّةِ مَا اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْبُرُّ بِصِيغَةِ الْكَيْلِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْأَوْسُقِ وَصَرَّحَ فِي النَّقْدَيْنِ بِالْوَزْنِ لِقَوْلِهِ : عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْفِضَّةِ صَدَقَةٌ } وَمَا لَيْسَ فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ الْعَامَّةُ هَلْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فَعَادَةُ الْبَلَدِ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْوَجْهَيْنِ خُيِّرَ فِيهِمَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِالْحِجَازِ اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ } فَذَكَرَ أَحَدَ الْبَلَدَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى الْآخَرِ لِيَرُدَّ الْبِلَادَ إلَيْهِمَا وَمَا تَعَذَّرَ كَيْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوَجْهَانِ أُلْحِقَ بِمُشَابِهِهِ فِي الْحِجَازِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ شَابَهُ أَمْرَيْنِ نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قِيلَ يُغَلَّبُ الْوَزْنُ ؛ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ نَظَرًا لِلتَّسَاوِي ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ لِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهَا فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ وَبِاعْتِبَارِهِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا فَإِنَّ عَادَةَ الْقَمْحِ الْكَيْلُ فَاعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِالْوَزْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، بَلْ ذَلِكَ سَبَبُ الرِّبَا فَإِنَّ الْقَمْحَ الرَّزِينَ يَقِلُّ كَيْلُهُ وَيَكْثُرُ وَزْنُهُ وَالْخَفِيفُ بِالْعَكْسِ ،
وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَقِيَّةَ فُرُوعِهَا وَلَا تَخْرُجْ عَنْهَا .
( الْفَرْقُ الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا شَرْعِيًّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُعَدُّ تَمَاثُلًا فِيهِ ) وَهُوَ عِنْدَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهِمَا وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ ضَابِطَ تَمَاثُلِ الْحُبُوبِ الْجَافَّةِ وَالنَّقْدِ هُوَ أَنَّ مَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا اعْتَبَرَهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ مَثَلًا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْبُرُّ بِصِيغَةِ الْكَيْلِ فِي الْبَيْعِ وَفِي الزَّكَاةِ بِالْأَوْسُقِ وَصَرَّحَ فِي النَّقْدَيْنِ بِالْوَزْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْفِضَّةِ صَدَقَةٌ } ، فَيَكُونُ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ مَا اعْتَبَرَهُ وَمَا لَيْسَ فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ الْعَادَةُ الْعَامَّةُ هَلْ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَوَائِدُ فَعَادَةُ الْبَلَدِ فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْوَجْهَيْنِ خُيِّرَ فِيهِمَا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ قَالَ وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْفَرْقِ يَظْهَرُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ جَوَّزَ بَيْعَ الْقَمْحِ بِالدَّقِيقِ وَزْنًا فَإِنَّ عَادَةَ الْقَمْحِ الْكَيْلُ فَاعْتِبَارُ التَّمَاثُلِ فِيهِ بِالْوَزْنِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ، بَلْ ذَلِكَ سَبَبُ الرِّبَا فَإِنَّ الْقَمْحَ الرَّزِينَ يَقِلُّ كَيْلُهُ وَيَكْثُرُ وَزْنُهُ وَالْخَفِيفُ بِالْعَكْسِ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ بَقِيَّةَ فُرُوعِهَا وَلَا نَخْرُجُ عَنْهَا ا هـ .
وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَعَلَيْهِ فَمُعْتَمَدُ مَذْهَبِنَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَنْعِ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَكِيلٌ وَالْآخَرَ مَوْزُونٌ وَلَا يَظْهَرُ قَوْلُ الْحَفِيدِ فِي الْبِدَايَةِ الْأَشْهَرُ عَنْ مَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِ الدَّقِيقِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَيْ وَأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ يُعَلِّلَانِ بِتَعَذُّرِ التَّمَاثُلِ بِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَيْسَ هُوَ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَإِنَّمَا رِوَايَةُ الْمَنْعِ إذَا كَانَ اعْتِبَارُ الْمِثْلِيَّةِ بِالْكَيْلِ ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ إذَا صَارَ دَقِيقًا اخْتَلَفَ كَيْلُهُ وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ إذَا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْوَزْنِ ؛ لِأَنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ الْكَيْلَ أَوْ الْوَزْنَ وَالْعَدَدَ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ ا هـ بِزِيَادَةٍ فَافْهَمْ .
وَأَمَّا الْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَفِي الْأَصْلِ مَا كَانَ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بِالْحِجَازِ اُعْتُبِرَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ } فَذَكَرَ أَحَدَ الْبَلَدَيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى الْآخَرِ لِيَرُدَّ الْبِلَادَ إلَيْهِمَا وَمَا تَعَذَّرَ كَيْلُهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْوَزْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ الْوَجْهَانِ أُلْحِقَ بِمُشَابِهِهِ فِي الْحِجَازِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ فَإِنْ شَابَهُ أَمْرَيْنِ نُظِرَ إلَى الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا قِيلَ يُغَلَّبُ الْوَزْنُ لِأَنَّهُ أَحْصَرُ ، وَقِيلَ يَجُوزُ الْوَجْهَانِ نَظَرًا لِلتَّسَاوِي ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ نَظَرًا لِتَعَذُّرِ التَّرْجِيحِ هَذَا فَإِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَنَا أَنَّ لَفْظَ الشَّرْعِ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ حَكَمَتْ فِيهِ الْعَوَائِدُ كَالْأَيْمَانِ وَالْوَصَايَا وَغَيْرِهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ فَيَسْتَعْمِلُونَ إحْدَاهُمَا مَوْضِعَ الْأُخْرَى وَأَصْلُ الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَى هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ .
وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْمَجْهُولُ كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا لَكِنْ لَا يُدْرَى أَيُّ شَيْءٍ هُوَ فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ وَبِدُونِهِ أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ الْإِبَاقِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا ، وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ كَشِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لَا يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلَا غَرَرَ ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ .
وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَجْهُولِ الصِّفَةِ قَبْلَ الْإِبَاقِ ، ثُمَّ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ فِي الْوُجُودِ كَالْآبِقِ قَبْلَ الْإِبَاقِ ، وَالْحُصُولُ إنْ عُلِمَ الْوُجُودُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَفِي الْجِنْسِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا وَفِي النَّوْعِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ وَفِي الْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ وَفِي التَّعْيِينِ كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِي الْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغُرُورِ وَالْجَهَالَةِ ، ثُمَّ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إجْمَاعًا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَقَلِيلٌ جَائِزٌ إجْمَاعًا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَمُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَلِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْقَلِيلِ أُلْحِقَ بِالْكَثِيرِ
وَلِانْحِطَاطِهِ عَنْ الْكَثِيرِ أُلْحِقَ بِالْقَلِيلِ ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فُرُوعِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ ( فَائِدَةٌ ) أَصْلُ الْغَرَرِ لُغَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدُّنْيَا مَتَاعَ الْغُرُورِ قَالَ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْغِرَارَةِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْغِرُّ بِكَسْرِ الْغَيْنِ لِلْخِدَاعِ وَيُقَالُ لِلْمَخْدُوعِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ } .
( الْفَرْقُ الثَّالِثُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُولِ وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ ) الْغَرَرُ لُغَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ الدُّنْيَا مَتَاعَ الْغُرُورِ قَالَ ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْغِرَارَةِ وَهِيَ الْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ الرَّجُلُ الْغِرُّ بِكَسْرٍ الْغَيْرَةُ لِلْخِدَاعِ وَيُقَالُ لِلْمَخْدُوعِ أَيْضًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ } ا هـ .
وَالْمَجْهُولُ لُغَةً ضِدُّ الْمَعْلُومِ كَمَا فِي الْمُخْتَارِ وَالْغَرَرُ اصْطِلَاحًا مَا لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا جُهِلَتْ صِفَتُهُ أَمْ لَا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْمَجْهُولُ اصْطِلَاحًا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ كَبَيْعِ الشَّخْصِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُلُ قَطْعًا لَكِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هُوَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمَجْهُولِ اصْطِلَاحًا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيَجْتَمِعَانِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَجْهُولِ قَبْلَ إبَاقِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ وَغَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَحْصُلُ أَمْ لَا وَيُوجَدُ الْغَرَرُ بِدُونِ الْجَهَالَةِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْلَ إبَاحَةِ صِفَتِهِ فَهُوَ مَعْلُومٌ قَبْلَ الْإِبَاقِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَحْصُلُ أَمْ لَا وَتُوجَدُ الْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ فِي نَحْوِ شِرَاءِ حَجَرٍ يَرَاهُ لَا يَدْرِي أَهُوَ زُجَاجٌ أَمْ يَاقُوتٌ فَمُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلَا غَرَرَ وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ نَعَمْ قَدْ يَتَوَسَّعُ الْعُلَمَاءُ فِيهِمَا فَيَسْتَعْمِلُونَ أَحَدَهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْغَرَرَ يُوجَدُ فِي الْمَبِيعَاتِ مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ بِأَحَدِ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ ( الْأَوَّلُ ) الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْعَقْدِ أَيْ الْجَهْلُ بِوُجُودِ الْمَعْقُودِ بِهِ عَلَيْهِ كَالْآبِقِ قَبْلَ الْإِبَاقِ ( وَالثَّانِي ) الْجَهْلُ بِتَعْيِينِ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهِ كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ( وَالثَّالِثُ ) الْجَهْلُ بِجِنْسِهِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا ( وَالرَّابِعُ ) الْجَهْلُ بِنَوْعِهِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ ( الْخَامِسُ ) الْجَهْلُ بِالْحُصُولِ إنْ عُلِمَ الْوُجُودُ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّادِسُ الْجَهْلُ بِالْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ وَالسَّابِعُ الْجَهْلُ بِالْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وَبَقِيَ الْجَهْلُ بِالْأَجَلِيِّ إنْ كَانَ هُنَاكَ أَجَلٌ وَالْجَهْلُ بِالصِّفَةِ فَهَذِهِ تِسْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغَرَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ لِلْغَرَرِ مِنْ جِهَةِ الْجَهَالَةِ ( الْأَوَّلُ ) كَثِيرٌ مُمْتَنِعٌ إجْمَاعًا كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَمِنْ ذَلِكَ جَمِيعُ الْبُيُوعِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعٍ يُؤَجِّلُونَهُ إلَى أَنْ تُنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ، ثُمَّ يُنْتَجُ مَا فِي بَطْنِهَا وَالْغَرَرُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ جَهْلِ الْأَجَلِ بَيِّنٌ وَإِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ جَنِينِ النَّاقَةِ ، وَهَذَا مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَالْمَضَامِينِ هِيَ مَا فِي بُطُونِ الْحَوَامِلِ وَالْمَلَاقِيحُ مَا فِي ظُهُورِ الْفُحُولِ وَكَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَبَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَكَانَتْ صُورَتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ وَلَا يَنْشُرُهُ أَوْ يَبْتَاعُهُ لَيْلًا وَلَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ وَسَبَبُ تَحْرِيمِهِ الْجَهْلُ بِالصِّفَةِ وَكَبَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ الثَّوْبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّ هَذَا بِهَذَا ، بَلْ كَانُوا يَجْعَلُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى الِاتِّفَاقِ وَكَبَيْعِ الْحَصَاةِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي ، وَقِيلَ أَيْضًا إنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا وَقَعَتْ الْحَصَاةُ مِنْ يَدِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ .
وَهَذَا قِمَارٌ فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا كُلُّهَا
بُيُوعٌ جَاهِلِيَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِكَثِيرِ الْغَرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ جِهَاتِ الْجَهَالَةِ الْمَذْكُورَةِ ( وَالْقِسْمُ الثَّانِي ) قَلِيلٌ جَائِزٌ إجْمَاعًا كَأَسَاسِ الدَّارِ وَقُطْنِ الْجُبَّةِ وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مُتَوَسِّطٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ هُوَ يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَلِارْتِفَاعِهِ عَنْ الْقَلِيلِ أُلْحِقَ بِالْكَثِيرِ وَلِانْحِطَاطِهِ عَنْ الْكَثِيرِ أُلْحِقَ بِالْقَلِيلِ .
وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي فُرُوعِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ بِزِيَادَةٍ مِنْ بِدَايَةِ الْحَفِيدِ قَالَ وَمِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الضُّرُوبُ مِنْ الْغَرَرِ بُيُوعٌ مَنْطُوقٌ بِهَا وَبُيُوعٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا وَالْمَنْطُوقُ بِهِ أَكْثَرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَبَعْضُهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ { النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَالْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ } وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا دُونَ السُّنْبُلِ ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ تُعْلَمْ صِفَتُهُ وَلَا كَثْرَتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيْعِ السُّنْبُلِ نَفْسِهِ مَعَ الْحَبِّ فَجَوَّزَ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السُّنْبُلِ نَفْسِهِ وَإِنْ اشْتَدَّ فَإِنَّهُ مِنْ بَابِ الْغَرَرِ وَقِيَاسًا عَلَى بَيْعِهِ مَخْلُوطًا بِتِبْنِهِ بَعْدَ الدَّرْسِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخِيلِ حَتَّى تُزْهِيَ ، وَعَنْ السُّنْبُلِ حَتَّى تَبْيَضَّ وَتُؤْمَنُ الْعَاهَةُ } نُهِيَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا .
رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَالزِّيَادَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَتْهُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ قِيَاسٌ مَعَ وُجُودِ الْحَدِيثِ .
ثُمَّ قَالَ ، وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْمَسْكُوتُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فَكَثِيرَةٌ لَكِنْ نَذْكُرُ مِنْهَا أَشَرَّهَا لِتَكُونَ كَالْقَانُونِ لِلْمُجْتَهِدِ النَّظَّارِ وَهِيَ خَمْسَةُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) الْمَبِيعَاتُ نَوْعَانِ مَبِيعٌ حَاضِرٌ مَرْئِيٌّ فَهَذَا لَا خِلَافَ فِي بَيْعِهِ وَمَبِيعٌ غَائِبٌ أَوْ مُتَعَذِّرُ الرُّؤْيَةِ فَهُنَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ قَوْمٌ بَيْعُ الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا وُصِفَ وَلَا لَمْ يُوصَفْ ، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ أَعْنِي أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُجَوِّزُ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ إذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ مِمَّا يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ صِفَتُهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْغَائِبَةِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ ، ثُمَّ لَهُ إذَا رَآهَا الْخِيَارَ فَإِنْ شَاءَ نَفَّذَ الْبَيْعَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ ، وَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ شَرْطِهِ عِنْدَهُمْ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَإِنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ ، وَعِنْدَ مَالِكٍ إنَّهُ إنْ جَاءَ عَلَى الصِّفَةِ فَهُوَ لَازِمٌ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَصْلًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ بَيْعُ الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَنْكَرَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ ، وَقَالَ هُوَ مُخَالِفٌ لِأُصُولِنَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ نُقْصَانُ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقُ بِالصِّفَةِ عَنْ الْعِلْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْحِسِّ هُوَ جَهْلٌ مُؤَثِّرٌ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ ، فَيَكُونُ مِنْ الْغَرَرِ الْكَثِيرِ أَمْ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ وَإِنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ .
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ رَأَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ إنَّهُ لَا غَرَرَ هُنَاكَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رُؤْيَةٌ ، وَأَمَّا
مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ الْجَهْلَ الْمُقْتَرِنَ بِعَدَمِ الصِّفَةِ مُؤَثِّرٌ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَلَا خِلَافَ عِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا تَنُوبُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لِمَكَانِ غَيْبَةِ الْمَبِيعِ أَوْ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الَّتِي فِي نَشْرِهِ وَمَا يُخَافُ أَنْ يَلْحَقَهُ مِنْ الْفَسَادِ بِتَكْرَارِ النَّشْرِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى الْبَرْنَامَجِ عَلَى الصِّفَةِ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ بَيْعُ السِّلَاحِ فِي جِرَابِهِ وَلَا الثَّوْبُ الْمَطْوِيُّ فِي طَيِّهِ حَتَّى يُنْشَرَ أَوْ يُنْظَرَ إلَى مَا فِي جِرَابِهَا وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ إنَّهُ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِدْنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَبَايَعَا حَتَّى نَعْلَمَ أَيَّهمَا أَعْظَمَ جِدًّا فِي التِّجَارَةِ فَاشْتَرَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَرَسًا بِأَرْضٍ لَهُ أُخْرَى بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا أَوْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ فَذَكَرَ تَمَامَ الْخَبَرِ وَفِيهِ بَيْعُ الْغَائِبِ مُطْلَقًا وَلَا بُدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ اشْتِرَاطِ الْجِنْسِ وَيَدْخُلُ الْبَيْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَوْ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَائِبٌ غَرَرٌ آخَرُ وَهُوَ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ مَعْدُومٌ وَلِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْغَيْبَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُونًا كَالْعَقَارِ وَمِنْ هَاهُنَا أَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ الشَّيْءِ بِرُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ أَعْنِي إذَا كَانَ مِنْ الْقُرْبِ بِحَيْثُ يُؤْمَنُ أَنْ تَتَغَيَّرَ فِيهِ فَاعْلَمْهُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَعْيَانِ إلَى أَجَلٍ وَإِنَّ مِنْ شَرْطِهَا تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إلَى الْمُبْتَاعِ بِأَثَرِ عَقْدِ الصِّفَةِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا وَرَبِيعَةَ وَطَائِفَةً مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَجَازُوا بَيْعَ الْجَارِيَةِ الرَّفِيعَةِ عَلَى شَرْطِ الْمُوَاضَعَةِ وَلَمْ يُجِيزُوا فِيهَا كَمَا لَمْ يُجِزْهُ مَالِكٌ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ وَإِنَّمَا مَنَعَ ذَلِكَ الْجُمْهُورُ لِمَا يَدْخُلُهُ مِنْ الدَّيْنِ
بِالدَّيْنِ وَمِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَعْنِي لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَرَرِ مِنْ عَدَمِ التَّسْلِيمِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لَا مِنْ بَابِ الرِّبَا وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا كَانَ يَرَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ غَرِيمِهِ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ ثَمَرًا قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ وَيَرَاهُ مِنْ بَابِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَكَانَ أَشْهَبُ يَجْتَزُّ ذَلِكَ وَيَقُولُ إنَّمَا الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي قَبْضِ شَيْءٍ مِنْهُ أَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ مِنْ الْأَثْمَانِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْأَوَاخِرِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِكِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) أَجْمَعَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى بَيْعِ التَّمْرِ الَّذِي يُثْمِرُ بَطْنًا وَاحِدًا يَطِيبُ بَعْضُهُ وَإِنْ لَمْ تَطِبْ جُمْلَتُهُ مَعًا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُثْمِرُ بُطُونًا مُخْتَلِفَةً وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبُطُونَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا تَخْلُو أَنْ تَتَّصِلَ أَوْ لَا تَتَّصِلَ فَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ لَمْ يَكُنْ بَيْعٌ مَا لَمْ يَخْلُقْ مِنْهَا دَاخِلًا فِيمَا خَلْقٌ كَشَجَرِ التِّينِ يُوجَدُ فِيهِ الْبَاكُورُ وَالْعَصِيرُ ، ثُمَّ إنْ اتَّصَلَتْ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَتَمَيَّزَ الْبُطُونُ أَوْ لَا تَتَمَيَّزُ فَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ جَزُّ الْقَصِيلِ الَّذِي يُجَزُّ مُدَّةً بَعْدَ مُدَّةٍ وَمِثَالُ الْمُتَمَيِّزِ الْمَبَاطِخُ وَالْمَقَاثِي وَالْبَاذِنْجَانُ وَالْقَرْعُ فَفِي الَّذِي يَتَمَيَّزُ عَنْهُ وَيَنْفَصِلُ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا الْجَوَازُ وَالْأُخْرَى الْمَنْعُ وَفِي الَّذِي يَتَّصِلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ قَوْلٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْجَوَازُ وَخَالَفَهُ الْكُوفِيُّونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي هَذَا كُلِّهِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَطْنٍ مِنْهَا بِشَرْطٍ آخَرَ وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِيمَا لَا يَتَمَيَّزُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَبْسُ أَوَّلِهِ عَلَى آخِرِهِ فَجَازَ أَنْ يُبَاعَ مَا لَمْ يُخْلَقْ مِنْهَا مَعَ مَا خَالَقَ وَبَدَا صَلَاحُهُ
أَصْلُهُ جَوَازُ بَيْعِ مَا لَمْ يَطِبْ مِنْ الثَّمَرِ مَعَ مَا طَابَ ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الصِّفَةِ شَبَّهَهُ بِالْغَرَرِ فِي عَيْنِ الشَّيْءِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الرُّخْصَةَ هَاهُنَا يَجِبُ أَنْ تُقَاسَ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي بَيْعِ الثِّمَارِ أَعْنِي مَا طَابَ مَعَ مَا لَمْ يَطِبْ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ مِنْ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ لِمَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلِذَلِكَ مُنِعَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَهُ بَيْعُ الْقَصِيلِ بَطْنًا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَاكَ إذَا كَانَ مُتَمَيِّزًا ، وَأَمَّا وَجْهُ الْجَوَازِ فِي الْقَصِيلِ فَتَشْبِيهًا لَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَمِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ مُعَاوَمَةً ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) بَيْعُ اللُّفْتِ وَالْجَزَرِ وَالْكُرُنْبِ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا بَدَا صَلَاحُهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُهُ لِلْأَكْلِ وَلَمْ يُقْلَعْ وَلَمْ يُجِزْهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا مَقْلُوعًا لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْمُغَيَّبِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّا فِي قِشْرِهِ أَجَازَهُ مَالِكٌ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هَلْ هُوَ مِنْ الْغَرَرِ الْمُؤَثِّرِ فِي الْبُيُوعِ أَمْ لَيْسَ مِنْ الْمُؤَثِّرِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْغَرَرَ يَنْقَسِمُ بِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَإِنَّ غَيْرَ الْمُؤَثِّرِ هُوَ الْيَسِيرُ الَّذِي تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ أَوْ مَا جَمَعَ الْأَمْرَيْنِ ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) اخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْغَدِيرِ أَوْ الْبِرْكَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا أَحْسَبُ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِي أُصُولُهُ وَمِنْ ذَلِكَ الْآبِقُ أَجَازَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ وَمِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ .
وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ مَعْلُومَ الصِّفَةِ مَعْلُومَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَازَ وَأَظُنُّهُ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْإِبَاقِ
وَيَتَوَاضَعَانِ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَقْبِضُهُ الْبَائِعُ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ يَتَرَدَّدُ عِنْدَ الْعَقْدِ بَيْنَ بَيْعٍ وَسَلَفٍ ، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِهِ يُمْنَعُ بِهِ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْمُوَاضَعَةِ وَفِي بَيْعِ الْغَائِبِ غَيْرُ الْمَأْمُونِ وَفِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَمِمَّنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ وَالشَّارِدِ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالْحُجَّةُ لِلشَّافِعِيِّ حَدِيثُ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الْآبِقِ .
وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْإِمَاءِ حَتَّى تَضَعَ ، وَعَنْ شِرَاءِ مَا فِي ضُرُوعِهَا ، وَعَنْ شِرَاءِ الْغَنَائِمِ حَتَّى تُقْسَمَ } وَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ لَبَنِ الْغَنَمِ أَيَّامًا مَعْدُودَةً إذَا كَانَ مَا يُحْلَبُ مِنْهَا مَعْرُوفًا فِي الْعَادَةِ وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ .
وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ بَعْدَ الْحَلْبِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَنَعَ مَالِكٌ بَيْعَ اللَّحْمِ فِي جِلْدِهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ الْمَرِيضِ أَجَازَهُ مَالِكٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْئُوسًا مِنْهُ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْهُ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ بَيْعُ تُرَابِ الْمَعْدِنِ وَالصَّوَّاغِينَ فَأَجَازَ مَالِكٌ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعْدِنِ بِنَقْدٍ يُخَالِفُهُ أَوْ يَعْرِضُ وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعَ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَأَجَازَهُ قَوْمٌ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ا هـ .
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْ الْبِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهُمَا ) اعْلَمْ أَنَّ الذَّرِيعَةَ هِيَ الْوَسِيلَةُ لِلشَّيْءِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى سَدِّهِ وَمِنْهَا مَا أَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ وَمِنْهَا مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَالْمُجْمَعُ عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالتَّجَاوُرِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَا فَلَمْ يُمْنَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ وَسِيلَةً لِلْمُحَرَّمِ ، وَمَا أُجْمِعَ عَلَى سَدِّهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ ، وَكَحَفْرِ الْآبَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ وُقُوعَهُمْ فِيهَا أَوْ ظَنَّ وَإِلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَتِهِمْ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهَا فَيَهْلَكُونَ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ كَالنَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلزِّنَا ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ مَعَهَا وَمِنْهَا بُيُوعُ الْآجَالِ عِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُحْكَى عَنْ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ اخْتِصَاصُهُ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ مِنْهَا مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ عَدَمُ فَائِدَةِ اسْتِدْلَالِ الْأَصْحَابِ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { : وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ } فَذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَذَرَّعُوا لِلصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الصَّيْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } وَبِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مُفْتَرِقَيْنِ وَتَحْرِيمُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ لِذَرِيعَةِ الرِّبَا ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَةَ خَصْمٍ
وَلَا ظَنِينٍ } خَشْيَةَ الشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَمَنَعَ شَهَادَةَ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْعَكْسَ ، فَهَذِهِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا وَهِيَ لَا تُفِيدُ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّرْعِ سَدَّ الذَّرَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الذَّرَائِعِ خَاصَّةً وَهِيَ بُيُوعُ الْآجَالِ وَنَحْوِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تُذْكَرَ أَدِلَّةٌ خَاصَّةٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ وَإِلَّا فَهَذِهِ لَا تُفِيدُ وَإِنْ قَصَدُوا الْقِيَاسَ عَلَى هَذِهِ الذَّرَائِعِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّتُهُمْ الْقِيَاسَ خَاصَّةً وَيَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِمْ إبْدَاءُ الْجَامِعِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ الْخَصْمُ لِدَفْعِهِ بِالْفَارِقِ وَيَكُونُ دَلِيلُهُمْ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُدْرِكَهُمْ هَذِهِ النُّصُوصُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ، بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَذْكُرُوا نُصُوصًا أُخَرَ خَاصَّةً بِذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ خَاصَّةً وَيَقْتَصِرُونَ عَلَيْهَا ، نَحْوُ مَا فِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ أُمَّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَبْدًا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ وَاشْتَرَيْته بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِئْسَ مَا شَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَخْبِرِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَالَتْ أَرَأَيْتنِي إنْ أَخَذْته بِرَأْسِ مَالِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ } فَهَذِهِ هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ ، وَهَذَا التَّغْلِيظُ الْعَظِيمُ لَا تَقُولُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الذَّرَائِعُ وَاجِبَةَ السَّدِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ( سُؤَالٌ ) زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ سَادَةٌ أَتْقِيَاءُ فَكَيْفَ
يَلِيقُ بِهِ فِعْلُ مَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ ( جَوَابُهُ ) قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمُبَايَعَةُ كَانَتْ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَتَخَرَّجُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَعَلَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي زَيْدٍ أَنَّهُ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى شِرَاءِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ ( سُؤَالٌ ) إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ عَلَى رَأْيِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَا مَعْنَى إحْبَاطِ الْجِهَادِ وَإِحْبَاطُ الْأَعْمَالِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالشِّرْكِ ( جَوَابُهُ ) أَنَّ الْإِحْبَاطَ إحْبَاطَانِ إحْبَاطُ إسْقَاطٍ وَهُوَ إحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا يُفِيدُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَهُ وَإِحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ وَهُوَ وَزْنُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِالسَّيِّئِ فَإِنْ رَجَحَ السَّيِّئُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَالصَّالِحُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ كِلَاهُمَا مُعْتَبَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا عِبْرَةَ أَلْبَتَّةَ فَالْإِحْبَاطُ فِي الْأَثَرِ إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ بَقِيَ كَيْفَ يُحْبِطُ هَذَا الْفِعْلُ جُمْلَةَ ثَوَابِ الْجِهَادِ قُلْت لَهُ مَعْنَيَانِ ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ لَا التَّحْقِيقُ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّوَابِ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْجِهَادِ لَيْسَ بَاقِيًا بَعْدَ هَذِهِ السَّبَبِيَّةِ ، بَلْ بَعْضُهُ ، فَيَكُونُ الْإِحْبَاطُ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ وَظَاهِرُ الْإِحْبَاطِ وَالتَّوْبَةِ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ أَمَّا يَتْرُكُ التَّعَلُّمَ لِحَالِ هَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ اجْتَهَدَ فِيهِ وَرَأَتْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ مِمَّا يَجِبُ نَقْضُهُ وَعَدَمُ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ أَوْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَخَشِيَتْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ فَيَنْفَتِحَ بَابُ
الرِّبَا بِسَبَبِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَتِهِ فَيَعْظُمُ الْإِحْبَاطُ فِي حَقِّهِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْإِحْبَاطِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } أَيْ بِالْمُوَازَنَةِ وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَإِنْ خَالَفَنَا فِي تَفْصِيلِ بَعْضِهَا .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مِنْ أَبِ الْبَائِعِ بِمَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَبِمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُتِيَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرُ كُلُّهُ هَكَذَا فَقَالُوا إنَّا نَبْتَاعُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَفْعَلُوا هَذَا ، وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا } فَهُوَ بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعَيْنِ وَإِنَّمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الدَّرَاهِمِ فَأُبِيحَ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ عَامٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ ، وَعَنْ الثَّانِي إنَّا إنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الثَّانِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ إذَا تَقَابَضَا فِيهِ ضَعُفَتْ التُّهْمَةُ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ حَيْثُ تَقْوَى وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَقْدَ الْمُقْتَضِيَ لِلْفَسَادِ لَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا صَحَّتْ أَرْكَانُهُ كَبَيْعِ السَّيْفِ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعِنَبِ مِنْ الْخَمَّارِ مَعَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَسَادَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْقَصْدِ بِالذَّاتِ بِخِلَافِ عُقُودِ صُوَرِ النِّزَاعِ فَإِنَّ تِلْكَ الْأَعْرَاضَ الْفَاسِدَةَ هِيَ الْبَاعِثَةُ
عَلَى الْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا وَالْبَيْعُ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ وَعَمَلِ الْخَمْرِ .
( الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُسَدُّ مِنْ الذَّرَائِعِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُسَدُّ مِنْهَا ) الذَّرِيعَةُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ مَا تَأْلَفُهُ النَّاقَةُ الشَّارِدَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ لِتُضْبَطَ بِهِ ، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْبَيْعِ الْجَائِزِ صُورَةً الْمُتَخَيَّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ السَّلَفُ الْجَارُّ نَفْعًا ، وَكَذَا غَيْرُ الْبَيْعِ عَلَى وَجْهِ التَّخَيُّلِ بِهِ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ مَا عَدَا الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ كَأَنْ يُكْرِمَ بَائِعٌ مَنْ أُرِيدَ الشِّرَاءُ مِنْهُ لِأَجْلِ أَنْ يَغُرَّهُ بِالْبَيْعِ لَهُ بِثَمَنٍ مُرْتَفِعٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ التَّصْرِيحِيَّةِ بِتَشْبِيهِ كُلِّ شَيْءٍ كَانَ وَسِيلَةً لِشَيْءٍ غَيْرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِجَامِعِ مُطْلَقِ التَّوَسُّلِ فِي كُلٍّ ، ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَانْقَسَمَتْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) مَا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ سَدِّهِ أَيْ عَلَى إلْغَاءِ حُكْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ زِرَاعَةِ الْعِنَبِ خَشْيَةَ الْخَمْرِ وَالْمَنْعِ مِنْ التَّجَاوُرِ فِي الْبُيُوتِ خَشْيَةَ الزِّنَى فَلَمْ يُمْنَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَ وَسِيلَةً وَسَبَبًا لِلْمُحَرَّمِ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مَا أَجْمَعُوا عَلَى سَدِّهِ أَيْ إعْمَالِ حُكْمِهِ كَالْمَنْعِ مِنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَئِذٍ وَالْمَنْعُ مِنْ حَفْرِ الْآبَارِ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ وُقُوعَهُمْ فِيهَا أَوْ ظَنَّ وَالْمَنْعُ مِنْ إلْقَاءِ السُّمِّ فِي أَطْعِمَةِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَهَا فَيَهْلَكُونَ وَالْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ وَالسَّلَفِ مُجْتَمِعَيْنِ خَشْيَةَ الرِّبَا وَحِوَارُهُمَا مُفْتَرِقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } وقَوْله تَعَالَى { وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ
فِي السَّبْتِ } حَيْثُ ذَمَّهُمْ لِكَوْنِهِمْ تَذَرَّعُوا لِلصَّيْدِ يَوْمَ السَّبْتِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ بِحَبْسِ الصَّيْدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حَرُمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا } .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَهَادَةَ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ } خَشْيَةَ الشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ وَمَنَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَةَ الْآبَاءِ لِلْأَبْنَاءِ وَالْعَكْسَ فَقَدْ اعْتَبَرَ الشَّرْعُ سَدَّ الذَّرَائِعِ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَيْسَ الْمَذْهَبُ الْمَالِكِيُّ مُخْتَصًّا بِسَدِّهَا كَمَا يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَالنَّظَرِ إلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ ذَرِيعَةٌ لِلزِّنَى قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَى الْخَرَشِيِّ أَيْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَمَالِكٌ يُجِيزُهُ وَغَيْرُهُ يَمْنَعُهُ أَمَّا بِشَهْوَةٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ ا هـ .
وَكَالتَّحَدُّثِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ مَا ذُكِرَ قَالَ الْعَدَوِيُّ أَيْضًا فَمَذْهَبُنَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ إنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ ا هـ .
أَيْ شُرَّاح خَلِيلٍ وَكَبُيُوعِ الْآجَالِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ مَنْعُهَا بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْبَيْعَةُ الْأُولَى لِأَجَلٍ ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا هُوَ الْبَائِعُ أَوْ لَا أَوْ مَنْ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ ثَانِيًا هُوَ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا أَوْ مَنْ تَنْزِلُ مَنْزِلَتَهُ وَالْمُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ كُلِّ وَاحِدٍ وَكِيلُهُ سَوَاءٌ عَلِمَ الْوَكِيلُ أَوْ الْمُوَكِّلُ بَيْعَ الْآخَرِ وَشِرَاءَهُ أَوْ جَهْلًا وَعَبْدُ كُلٍّ إنْ كَانَ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ وَهُوَ يَتَّجِرُ لِلسَّيِّدِ كَوَكِيلِهِ وَرَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا هُوَ الْمَبِيعُ أَوَّلًا وَخَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ الثَّانِي مِنْ صِفَةِ ثَمَنِهِ الَّذِي بَاعَ بِهِ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ
عَلَى صُورَةِ بَيْعٍ جَائِزٌ فِي الظَّاهِرِ إلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ قَصْدُ النَّاسِ التَّوَصُّلَ إلَى مَمْنُوعٍ فِي الْبَاطِنِ كَبَيْعٍ بِسُلَفٍ وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ مُنِعَتْ قِيَاسًا عَلَى الذَّرَائِعِ الْمُجْمَعِ عَلَى مَنْعِهَا بِجَامِعِ أَنَّ الْأَغْرَاضَ الْفَاسِدَةَ فِي كُلٍّ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى عَقْدِهَا ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَصِّلُ لَهَا بِخِلَافِ نَحْوِ بَيْعِ السَّيْفِ مِنْ نَحْوِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُحَصِّلًا لِقَطْعِ الطَّرِيقِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ إذْ الْفَسَادُ لَيْسَ مَقْصُودًا مِنْ الْبَيْعِ بِالذَّاتِ حَتَّى يَكُونَ بَاعِثًا عَلَى عَقْدِهِ كَصُورَةِ النِّزَاعِ فَافْهَمْ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَالصُّوَرُ الَّتِي يَعْتَبِرُهَا مَالِكٌ فِي الذَّرَائِعِ فِي هَذِهِ الْبُيُوعِ هِيَ أَنْ يَتَذَرَّعَ مِنْهَا إلَى أَنْظِرْنِي أَزِدْك أَوْ إلَى بَيْعِ مَا لَا يَجُوزُ مُتَفَاضِلًا أَوْ بَيْعِ مَا لَا يَجُوزُ نَسَاءً أَوْ إلَى بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَوْ إلَى ذَهَبٍ وَعَرْضٍ بِذَهَبٍ أَوْلَى ضَعْ وَتَعَجَّلْ أَوْ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى أَوْ بَيْعٍ وَصَرْفٍ قَالَ هَذِهِ هِيَ أُصُولُ الرِّبَا ا هـ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ صُورَةِ النِّزَاعِ حَدِيثُ الْعَالِيَةِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعَتْهَا ، وَقَدْ قَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدٍ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةٍ فَاحْتَاجَ إلَى ثَمَنِهِ فَاشْتَرَيْته مِنْ قِبَلِ مَحَلِّ الْأَجَلِ بِسِتِّمِائَةٍ أَيْ نَقْدًا فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اشْتَرَيْت أَبْلَغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَتْ أَرَأَيْت إنْ تَرَكْت وَأَخَذْت السِّتَّمِائَةِ دِينَارٍ قَالَتْ نَعَمْ وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ قَالَتْ أَرَأَيْتنِي إنْ أَخَذْته بِرَأْسِ مَالِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ
رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ } فَهَذَا التَّغْلِيظُ الْعَظِيمُ لَا تَقُولُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ فَتَكُونُ هَذِهِ الذَّرَائِعُ وَاجِبَةُ السَّدِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمُبَايَعَةُ كَانَتْ بَيْنَ أُمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَمَوْلَاهَا قَبْلَ الْعِتْقِ فَيَتَخَرَّجُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ هَذِهِ الذَّرَائِعِ وَلَعَلَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الرِّبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ قَالَ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ فِي زَيْدٍ أَنَّهُ وَاطَأَ أُمَّ وَلَدِهِ عَلَى شِرَاءِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ ا هـ .
فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ كَيْفَ يَلِيقُ بِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَهُوَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ فِعْلُ مَا يُقَالُ فِيهِ ذَلِكَ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُدُولٌ سَادَةٌ أَتْقِيَاءٌ وَالْإِحْبَاطُ إحْبَاطٌ إنَّ أَحَدَهُمَا إحْبَاطُ إسْقَاطٍ وَهُوَ إحْبَاطُ الْكُفْرِ لِلْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا يُفِيدُ شَيْءٌ مِنْهَا مَعَهُ وَثَانِيهَا إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ وَهُوَ وَزْنُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ السَّيِّئَ فَإِنْ رَجَحَ السَّيِّئُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ أَوْ الصَّالِحُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ كِلَاهُمَا مُعْتَبَرٌ غَيْرَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا عِبْرَةَ أَلْبَتَّةَ وَالْإِحْبَاطُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إحْبَاطُ مُوَازَنَةٍ كَالْإِحْبَاطِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { مِنْ تَرْكِ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ } أَيْ بِالْمُوَازَنَةِ وَمُرَادُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إمَّا الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِنْكَارِ لَا التَّحْقِيقُ .
وَأَمَّا الْإِحْبَاطُ فِي مَجْمُوعِ الْمُتَحَصِّلِ مِنْ الْجِهَادِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ ، فَيَكُونُ الْبَاقِي بَعْدَ هَذِهِ السَّيِّئَةِ بَعْضُهُ وَظَاهِرُ الْإِحْبَاطِ وَالتَّوْبَةِ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ إمَّا بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ لِحَالِ هَذَا الْعَقْدِ قَبْلَ الْقُدُومِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ
اجْتَهَدَ فِيهِ رَأَتْ أَنَّ اجْتِهَادَهُ مِمَّا يَجِبُ نَقْضُهُ وَعَدَمُ إقْرَارِهِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً لَهُ أَوْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَخَشِيت أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ فَيَنْفَتِحَ بَابُ الرِّبَا بِسَبَبِهِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ فِي صَحِيفَتِهِ فَيَعْظُمُ الْإِحْبَاطُ فِي حَقِّهِ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ أَبُو الْفَرَجِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الرِّبَا .
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ : بَلْ سَدًّا لِذَرَائِعِ الرِّبَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ حُمِلَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا أُمْضِيَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْعَادَةُ مُنِعَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ زَيْدًا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَصْدِ الرِّبَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ كَانَا يَقْصِدَانِ إظْهَارَ مَا يَجُوزُ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إذَا كَثُرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمَذْهَبِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ إلَيْهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ ضَمَانٌ وَأَخْذِ الْأَقَلِّ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ مَا يُبْرِئُ مِنْ التُّهْمَةِ لَكِنْ فِيهِ صُورَةُ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ وَتَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ بِتَعْجِيلِ الْأَكْثَرِ فَجَائِزٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُنْظَرَ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَمَا خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنْ جَازَ التَّعَامُلُ بِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُمَا ، بَلْ أَفْعَالُهُمَا فَقَطْ فَهَذَا هُوَ تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّرَائِعِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا وَالذَّرَائِعِ الَّتِي لَا يَجِبُ سَدُّهَا وَالْخِلَافُ فِيهِ وَالْوِفَاقُ وَالْمُدْرِكُ فِي ذَلِكَ .
قَالَ اللَّخْمِيُّ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْمَنْعِ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الرِّبَا .
وَقَالَ ابْنُ مَسْلَمَةَ ، بَلْ سَدًّا لِذَرَائِعِ الرِّبَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ تَعَمُّدُ الْفَسَادِ حُمِلَ عَقْدُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا أُمْضِيَ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْعَادَةُ مُنِعَ الْجَمِيعُ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَإِنَّ زَيْدًا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ قَصْدِ الرِّبَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَضَابِطُ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إنْ كَانَا يَقْصِدَانِ إظْهَارَ مَا يَجُوزُ لِيَتَوَصَّلَا بِهِ إلَى مَا لَا يَجُوزُ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ إذَا كَثُرَ الْقَصْدُ إلَيْهِ اتِّفَاقًا مِنْ الْمَذْهَبِ كَبَيْعٍ وَسَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَإِنْ بَعُدَتْ التُّهْمَةُ بَعْضَ الْبُعْدِ وَأَمْكَنَ الْقَصْدُ بِهِ كَدَفْعِ الْأَكْثَرِ مِمَّا فِيهِ ضَمَانٌ وَأُخِذَ الْأَقَلُّ إلَى أَجَلٍ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فَأَمَّا مَعَ ظُهُورِ مَا يُبَرِّئُ مِنْ التُّهْمَةِ لَكِنَّ فِيهِ صُورَةَ الْمُتَّهَمِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ تَصَوَّرَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ غَيْرَ يَدٍ بِيَدٍ وَتَظْهَرُ الْبَرَاءَةُ بِتَعْجِيلِ الْأَكْثَرِ فَجَائِزٌ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ ، وَقِيلَ يَمْتَنِعُ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ وَالْأَصْلُ أَنْ يُنْظَرَ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَمَا خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنْ جَاءَ الْعَامِلُ بِهِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَلَا تُعْتَبَرُ أَقْوَالُهُمَا ، بَلْ أَفْعَالُهُمَا فَقَطْ ا هـ .
وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي سَدِّ ذَرَائِعِ بُيُوعِ الْآجَالِ الَّتِي هِيَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَإِنْ خَالَفَنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَفْصِيلِ الْبَعْضِ ، وَقَالَ يَمْتَنِعُ بَيْعُ السِّلْعَةِ مِنْ أَبٍ الْبَائِعِ بِمَا تَمْتَنِعُ بِهِ مِنْ الْبَائِعِ وَفِي الْإِقْنَاعِ مِنْ شَرْحِهِ .
وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِنَسِيئَةٍ أَيْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ أَوْ بِثَمَنٍ حَالٍّ لَمْ يَقْبِضْهُ صَحَّ الشِّرَاءُ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَحَرُمَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى بَائِعِهَا شِرَاؤُهَا وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا نَصًّا بِنَفْسِهِ أَوْ
بِوَكِيلِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ أَقَلَّ مِمَّا بَاعَهَا بِهِ بِنَقْدٍ أَيْ حَالٍ أَوْ نَسِيئَتِهِ ، وَلَوْ بَعْدَ حَلِّ أَجَلِهَا أَيْ أَجَلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ نَصًّا نَقَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَنَدٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ الْعَالِيَةِ قَالَتْ دَخَلْت أَنَا وَأُمُّ وَلَدِ ابْنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى عَائِشَةَ إلَخْ ؛ وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّبَا لِيَسْتَبِيحَ بَيْعَ أَلْفٍ بِنَحْوِ خَمْسِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ وَالذَّرَائِعُ مُعْتَبَرَةٌ فِي الشَّرْعِ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَاتِلِ مِنْ الْإِرْثِ بِهَا إلَّا أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهَا لِمَا يُنْقِصُهَا كَعَبْدٍ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ يُقْبَضُ ثَمَنُهَا بِأَنْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَقَبَضَ ثَمَنَهَا ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَيَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا تَوَسُّلَ بِهِ إلَى الرِّبَا وَإِنْ اشْتَرَاهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَنَحْوُهُمَا كَغُلَامِهِ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ وَلَا حِيلَةَ جَازَ وَصَحَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشِّرَاءِ أَوْ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا مِنْ غَيْرِ مُشْتَرِيهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ وَارِثِهِ أَوْ مِمَّنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْهُ بِتَبِيعٍ أَوْ نَحْوِهِ جَازَ لِعَدَمِ الْمَانِعِ أَوْ اشْتَرَاهَا بَائِعُهَا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِنَقْدٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا بِعِوَضٍ أَوْ بَاعَهَا بِعِوَضٍ ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يَحْرُمْ لِانْتِفَاءِ الرِّبَا الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ بِهِ وَإِنْ قُصِدَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ الْعَقْدُ الثَّانِي بَطَلَا أَيْ الْعَقْدَانِ قَالَهُ الشَّيْخُ .
وَقَالَ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ مُرَادُ مَنْ أَطْلَقَ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا بَطَلَ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ ذَرِيعَةً لِلرِّبَا مَوْجُودَةٌ إذَنْ فِي الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُسَمَّى مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ ؛ لِأَنَّ مُشْتَرِيَ السِّلْعَةِ إلَى أَجَلٍ يَأْخُذُ بِهَا عَيْنًا أَيْ نَقْدًا حَاضِرًا قَالَ الشَّاعِرُ : أَنَعْتَانِ أَمْ
نِدَّانِ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا فَتًى مِثْلُ نَقْلِ السَّيْفِ مُيِّزَتْ مَضَارِبُهُ وَمَعْنَى نَعْتَانِ نَشْتَرِي عِينَةً كَمَا وَصَفْنَا .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { إذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى دِينِكُمْ } ا هـ .
وَخَالَفَنَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ زَيْدًا قَدْ خَالَفَهَا ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فَمَذْهَبُنَا الْقِيَاسُ وَاحْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ ( أَحَدُهَا ) قَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا عَامٌّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ ( الْأَمْرُ الثَّانِي ) مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَتَى بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ أَتَمْرُ خَيْبَرُ كُلُّهُ هَكَذَا فَقَالُوا إنَّا نَبْتَاعُ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنْ تَمْرِ الْجَمْعِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا تَفْعَلُوا هَذَا ، وَلَكِنْ بِيعُوا تَمْرَ الْجَمْعِ بِالدَّرَاهِمِ وَاشْتَرُوا بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا } فَهُوَ بَيْعُ صَاعٍ بِصَاعَيْنِ وَإِنَّمَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ الدَّرَاهِمِ فَأُبِيحَ وَجَوَابُهُ إنَّا إنَّمَا نَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الثَّانِي مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ مَعَ أَنَّ بَيْعَ النَّقْدِ إذْ تَقَابَضَا فِيهِ ضَعْفُ التُّهْمَةِ وَإِنَّمَا الْمَنْعُ حَيْثُ تَقْوَى ( الْأَمْرُ الثَّالِثُ ) إنَّ الْعَقْدَ الْمُقْتَضِي لِلْفَسَادِ لَا يَكُونُ فَاسِدًا إذَا صَحَّتْ أَرْكَانُهُ كَبَيْعِ السَّيْفِ مِنْ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَالْعِنَبِ مِنْ الْخِمَارِ مَعَ أَنَّ الْفَسَادَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ أَعْظَمُ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ ذَهَابِ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ هِيَ
الْبَاعِثَةُ عَلَى الْعَقْدِ وَإِلَّا مُنِعَ كَمَا فِي عُقُودِ صُوَرِ النِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ا هـ .
هَذَا تَوْضِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الذَّرَائِعِ الَّتِي يَجِبُ سَدُّهَا وَالذَّرَائِعُ الَّتِي لَا يَجِبُ سَدُّهَا وَالْخِلَافُ فِيهِ وَالْوِفَاقُ وَالْمَدَارِكُ فِي ذَلِكَ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْخَرَشِيِّ وَحَاشِيَتِهِ وَالْبِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ صَاحِبَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْقَرَافِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَيْ قَاعِدَةَ سَدِّ الذَّرَائِعِ عَلَى أَعَمَّ مِنْهَا ، ثُمَّ زَعَمَ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَقُولُ بِبَعْضِهَا مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْهَا كَمَا سَيَتَّضِحُ وَأَنَّ مَا ذُكِرَ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شَيْءٍ نَعَمْ حَاوَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ الْأُمِّ عِنْدَ النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ الْمَاءِ أَيُمْنَعُ بِهِ الْكَلَأُ إنْ كَانَ ذَرِيعَةً إلَى مَنْعِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَمْ يَحِلَّ ، وَكَذَا مَا كَانَ ذَرِيعَةً إلَى إحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ا هـ فَقَالَ فِي هَذَا مَا يُثْبِتُ أَنَّ الذَّرَائِعَ إلَى الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ تُشْبِهُ مَعَانِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ا هـ .
وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْوَالِدُ يَعْنِي وَالِدَهُ تَقِيَّ الدِّينِ السُّبْكِيّ ، وَقَالَ إنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْوَسَائِلِ لَا سَدَّ الذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلُ تَسْتَلْزِمُ الْمُتَوَسَّلَ إلَيْهِ وَمِنْ هَذَا مَنْعُ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَ الْكَلَأِ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ وَنَحْنُ لَا نُنَازِعُ فِيمَا يَسْتَلْزِمُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَلِذَلِكَ نَقُولُ مَنْ حَبَسَ شَخْصًا وَمَنَعَهُ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُ وَمَا هَذَا مِنْ سَدِّ الذَّرَائِعِ فِي شَيْءٍ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ
وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي نَفْيِ الذَّرَائِعِ لَا فِي سَدِّهَا وَأَصْلُ النِّزَاعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَالِكِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي سَدِّهَا ا هـ .
فَتَنَبَّهْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَسْخِ وَقَاعِدَةِ الِانْفِسَاخِ ) فَالْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَالِانْفِسَاخُ انْقِلَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَالْأَوَّلُ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْحَاكِمِ إذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ فَالْأَوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَهَذَانِ فَرْعَانِ فَالْأَوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْصُوفَاتِ وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ وَبِتَحْرِيمِ هَذَا الْفَرْقِ رَدَدْنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَعْلِ الْخُلْعِ فَسْخًا لِعَدَمِ تَعْيِينِ انْقِلَابِ الصَّدَاقِ لِبَاذِلِهِ ، بَلْ يَجُوزُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ إجْمَاعًا فَحَقِيقَةُ الْفَسْخِ مُنْتَفِيَةٌ .
( الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْفَسْخِ وَقَاعِدَةِ الِانْفِسَاخِ ) وَهُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ الْجِهَةُ ( الْأُولَى ) أَنَّ الْفَسْخَ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ الْحَاكِمِ إذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ وَالِانْفِسَاخُ صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ ( الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ الْفَسْخَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالِانْفِسَاخُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُسَبَّبٌ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَسْخَ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ وَالِانْفِسَاخُ انْقِلَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَالْأَوَّلُ مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ وَالثَّانِي مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَبِتَحْرِيرِ هَذَا الْفَرْقِ يُعْلَمُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْفَسْخِ مُنْتَفِيَةٌ عَنْ الْخُلْعِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ انْقِلَابِ الصَّدَاقِ لِبَاذِلِهِ ، بَلْ يَجُوزُ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ إجْمَاعًا وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ وَجْهُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْخُلْعَ فَسْخًا كَمَا فِي الْأَصْلِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ قَالَ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَتِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَسْخٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَمِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَانَ طَلَاقًا وَإِلَّا كَانَ فَسْخًا ، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ طَلَاقٌ وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي التَّطْلِيقَاتِ أَمْ لَا وَجُمْهُورُ مَنْ رَأَى أَنَّهُ طَلَاقٌ يَجْعَلُهُ بَائِنًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلزَّوْجِ فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لِافْتِدَائِهَا مَعْنًى ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ احْتَجَّ مَنْ جَعَلَهُ طَلَاقًا بِأَنَّ الْفُسُوخَ إنَّمَا هِيَ الَّتِي تَقْتَضِي الْفُرْقَةَ الْغَالِبَةَ لِلزَّوْجِ فِي الْفِرَاقِ مِمَّا لَيْسَ يَرْجِعُ إلَى اخْتِيَارِهِ .
وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى
اخْتِيَارٍ ، فَلَيْسَ بِفَسْخٍ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ طَلَاقًا بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الطَّلَاقَ فَقَالَ { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الِافْتِدَاءَ ثُمَّ قَالَ { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } فَلَوْ كَانَ الِافْتِدَاءُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ هُوَ الطَّلَاقُ الرَّابِعُ ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ إنَّ الْفُسُوخَ تَقَعُ بِالتَّرَاضِي قِيَاسًا عَلَى فُسُوخِ الْبَيْعِ أَعْنِي الْإِقَالَةَ ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ أَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا تَضَمَّنَتْ حُكْمَ الِافْتِدَاءِ عَلَى أَنَّهُ شَيْءٌ يَلْحَقُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الطَّلَاقِ لَا أَنَّهُ شَيْءٌ غَيْرُ الطَّلَاقِ فَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ هَلْ اقْتِرَانُ الْعِوَضِ بِهَذِهِ الْفُرْقَةِ يُخْرِجُهَا مِنْ نَوْعِ فُرْقَةِ الطَّلَاقِ إلَى نَوْعِ فُرْقَةِ الْفَسْخِ أَمْ لَيْسَ يُخْرِجُهَا ا هـ .
كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ الْإِخْرَاجِ إذْ الْإِخْرَاجُ يُنَافِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهِ بِغَيْرِ الصَّدَاقِ فَافْهَمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ ) الْمَجْلِسُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِهِ هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ ، بَلْ هُوَ مِنْ اللُّزُومِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَارِضٌ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ وَيَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْأَعْيَانِ ، وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا وَخِيَارُ الْمَجْلِسِ عِنْدَنَا بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ لَازِمٌ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ تَفَرُّقًا أَمْ لَا ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِعَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَخْتَارَ الْإِمْضَاءَ وَحَكَاهُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَّا ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ وَالصَّرْفُ وَالسَّلَمُ وَالصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ وَهُوَ حَطِيطَةٌ لَا بَيْعٌ ، وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَاعْتَمَدَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } وَلَنَا عَنْهُ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ ( الْأَوَّلُ ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ مَجَازًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَقْوَالِ ( الثَّانِي ) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ لَنَا إنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى حَالَةِ الْمُبَايَعَةِ كَانَ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَصْدُقُ حَقِيقَةَ الْإِحَاطَةِ الْمُلَابِسَةِ وَبِكَوْنِ
الْمَجَازِ فِي الِافْتِرَاقِ فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ } ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي } ، الْحَدِيثَ .
أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَانَ مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً ، ثُمَّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُمْكِنُنَا الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ وَنَقُولُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَلَنَا تَرْجِيحُ الْمَجَازِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ .
( الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ { الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ } فَلَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ وَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ .
الرَّابِعُ الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَدْرِي مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ ( الْخَامِسُ ) قَوْله تَعَالَى { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ ( السَّادِسُ ) لَوْ صَحَّ
خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَتَعَذَّرَ تَوَلِّي وَاحِدٍ طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَعَلَى قَوْلِنَا لَا يَلْزَمُ كَذَلِكَ يَلْزَمُ فِيمَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ ( السَّابِعُ ) أَنْ نَقُولَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ فَيَبْطُلُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ فَإِنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ ، وَقَدْ يَطُولُ ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَمِثْلُ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ ( الثَّامِنُ ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ ( التَّاسِعُ ) يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَاذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ { أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءَ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرِدْ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ( الْعَاشِرُ ) عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ ، فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ دَلَالَةٍ قَاطِعَةٍ وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَوْجُهٍ تُسْقِطُ
دَلَالَةَ الْخَبَرِ ثُمَّ نَذْكُرُ وَجْهًا حَادِي عَشَرَ يَقْتَضِي الدَّلَالَةَ بِالْخَبَرِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ : ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ تَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةُ الْمَعْلُولِ لِعَدَمِ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ هُوَ كَثِيرٌ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ فَنَقُولُ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا عَلَى ثُبُوتِهِ بَيَانُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةً فِي حَالَةِ الْمُلَابَسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَوَصْفُ الْمُبَايَعَةِ هُوَ عِلَّةُ عَدَمِ الْخِيَارِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَصْوَاتُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْقَطَعَتْ الْمُبَايَعَةُ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ قَدْ عُدِمَتْ فَيُعْدَمُ الْخِيَارُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فَلَا يَبْقَى خِيَارٌ بَعْدَهُ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَهَذِهِ الْقَوَاعِدُ كَمَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُمَا عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ فَإِنَّ الْخِيَارَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَنْقَطِعُ بَعْدَهَا وَهُوَ يُؤَكِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهَذِهِ نُبْذَةٌ حَسَنَةٌ فِي هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ جِهَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ خِيَارُ
الْمَجْلِسِ مِنْ الْغَرَرِ وَمُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ ( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ ) قُلْت مَا قَالَهُ حِكَايَةُ قَوْلٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إلَى قَوْلِهِ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ إلَّا بِالتَّخْيِيرِ وَاللُّزُومِ ) قُلْت يُقَالُ بِمُوجِبِ ذَلِكَ الْأَصْلِ بَعْدَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا قَبْلَهُ قَالَ ( وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ إلَى قَوْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ ) قُلْت تِلْكَ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ وَالْعَادَةُ غَالِبًا أَنْ لَا يَطُولَ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يَفُوتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ قَالَ ( وَلَنَا عَنْهُ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَشَاغِلَيْنِ بِالْبَيْعِ مَجَازًا إلَى آخِرِهِ ) قُلْت يَأْتِي جَوَابُهُ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ قَالَ ( الثَّانِي أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ إلَى قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يُصَدِّقُ حَقِيقَةَ الْإِحَالَةِ الْمُلَابِسَةِ ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ لَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ قَالَ ( وَيَكُونُ الْمَجَازُ فِي الِافْتِرَاقِ ) قُلْت ذَلِكَ مَذْهَبُهُ قَالَ ( فَإِنَّ أَصْلَهُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ ) قُلْت ذَلِكَ مُسَلَّمٌ قَالَ ( وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْأَقْوَالِ إلَى قَوْلِهِ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ ) قُلْت الْآيَةُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَقْوَالُ كَمَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الْأَفْعَالُ التَّابِعَةُ
لِتِلْكَ الْأَقْوَالِ .
قَالَ ( وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَانَ مَجَازًا كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودٌ بِالْقِيَاسِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا عِنْدَ الْمُلَابَسَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةٌ فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ قَالَ ( الثَّالِثُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ { الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ } فَلَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِقَالَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ ) قُلْت لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ .
وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ
التَّأَكُّدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى التَّأْسِيسِ إذَا احْتَمَلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُعْتَادَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةُ الْكَلَامِ وَاسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ ( الرَّابِعُ الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ إلَى آخِرِهِ ) قُلْت هَذَا مِنْ الْغَرَرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ فِي غَالِبِ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ قَالَ ( الْخَامِسُ قَوْله تَعَالَى { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } إلَى آخِرِهِ ) قُلْت الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ قَالَ ( السَّادِسُ لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَتَعَذَّرَ تَوَلِّي طَرْفَيْ الْعَقْدِ إلَى آخِرِهِ ) قُلْت إنَّمَا خُرِّجَ كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ قَالَ ( السَّابِعُ أَنْ نَقُولَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إلَى آخِرِهِ ) قُلْت هُوَ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نُظِرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ لِمَجْهُولِ الزَّمَانِ قَالَ ( الثَّامِنُ عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ
كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ ) قُلْت هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ قَالَ ( التَّاسِعُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْنِي فَيَقُولُ بِعْتُك إلَى آخِرِهِ ) قُلْت لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ قَالَ ( الْعَاشِرُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إلَى آخِرِهِ ) قُلْت لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ ( ثُمَّ نَذْكُرُ وَجْهًا حَادِي عَشَرَ إلَى آخِرِهِ مَا قَالَ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَجَمِيعُ مَا قَالَ فِي الثَّلَاثَةِ الْفُرُوقِ بَعْدَهُ صَحِيحٌ
( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَقَاعِدَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ ) أَمَّا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَحَكَاهُ أَبُو الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَّا فَهُوَ أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مِنْ خَوَاصِّ عَقْدِ الْبَيْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالصُّلْحِ عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الْحَقِّ وَهُوَ حَطِيطَةٌ لَا بَيْعٌ وَكَالْقِسْمَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَمِنْ اللَّوَازِمِ لَهُ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَخِيَارُ الشَّرْطِ عَارِضٌ يَحْصُلُ عِنْدَ اشْتِرَاطِهِ وَيُنْفَى عِنْدَ انْتِفَاءِ الِاشْتِرَاطِ .
وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهُوَ إنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْغَرَرِ وَمُخَالَفَةُ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَخِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَمَّا اشْتِمَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَرَرِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْ الْأَعْوَاضِ فَإِنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ إلَّا لِحَاجَةٍ إذْ الْعُقُودُ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالْأَصْلُ تَرْتِيبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا حَتَّى تَنْدَفِعَ بِذَلِكَ الْحَاجَةُ ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْدَفِعُ بِالتَّخْيِيرِ وَلِلُزُومِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إذْ لَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فَيَحْصُلُ الْغَرَرُ وَلَا تَنْدَفِعُ الْحَاجَةُ فَافْهَمْ .
وَأَمَّا اشْتِمَالُهُ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْأَدِلَّةِ فَهُوَ أَنَّ مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا بِبَيْعِ الْخِيَارِ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } وَإِنْ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِظَاهِرِهِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَى ثَلَاثِ قَوَاعِدَ
أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا تَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ ( الْقَاعِدَةُ الْأُولَى ) أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ مَجَازٌ إذَا مَضَى مَعْنَاهُ عَلَى الْأَصَحِّ ( الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ ) أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ ذَلِكَ الْوَصْفَ لِذَلِكَ الْحُكْمِ نَحْوُ اُقْتُلُوا الْكَافِرَ وَارْجُمُوا الزَّانِيَ وَاقْطَعُوا السَّارِقَ وَنَحْوَهَا فَإِنَّ تَرْتِيبَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْصَافِ يَقْتَضِي عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَوْصَافَ الْمُتَقَدِّمَةَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ ( الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ عَدَمَ الْعِلَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِ فَعَدَمُ الْإِسْكَارِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْكُفْرِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ إبَاحَةِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَعَدَمُ الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي حَالَةِ الْمُلَابَسَةِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَوَصْفُ الْمُبَايَعَةِ هُوَ عِلَّةُ عَدَمِ الْخِيَارِ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا انْقَطَعَتْ أَصْوَاتُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْقَطَعَتْ الْمُبَايَعَةُ فَتَكُونُ الْعِلَّةُ قَدْ عُدِمَتْ فَيُعْدَمُ الْخِيَار الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا فَلَا يَبْقَى خِيَارٌ بَعْدَهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ عَلَى أَنَّ لَنَا عَشَرَةَ أَوْجُهٍ تَسْقُطُ دَلَالَةُ الْخَبَرِ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) حَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَفَاعِلَيْنِ بِالْبَيْعِ أَيْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ مَجَازًا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَوَاعِدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى عَدَمِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْخِيَارَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيَنْقَطِعُ بَعْدَهَا وَيَكُونُ الِافْتِرَاقُ الْأَقْوَالَ مَجَازًا أَيْضًا ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) أَنَّ أَحَدَ الْمَجَازَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَازِمٌ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا لَمْ يُحْمَلَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ
الْمَذْكُورِ ، بَلْ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ حَالَةُ الْمُبَايَعَةِ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ حَالَةَ الْمُلَابَسَةِ لَزِمَ حَمْلُ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَقْوَالِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { افْتَرَقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي } الْحَدِيثَ أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الِافْتِرَاقُ فِي الْأَجْسَامِ نَحْوُ افْتِرَاقِ الْخَشَبَةِ وَفَرْقِ الْبَحْرِ ، وَإِذَا حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ الْمَذْكُورِ أَعْنِي مَنْ تَقَدَّمَ مِنْهُ الْبَيْعُ كَتَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نُطْفَةً لَزِمَ كَوْنُ الِافْتِرَاقِ فِي الْأَجْسَامِ حَقِيقَةً وَحِينَئِذٍ فَإِمَّا أَنْ نَقُولَ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ، فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مُجْمَلًا فَيَسْقُطُ بِهِ الِاسْتِدْلَال وَإِمَّا أَنْ تُرَجِّحَ الْمَجَازَ الْأَوَّلَ أَعْنِي فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ لِكَوْنِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فِي أَبِي دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ { الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبُهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ } فَلَوْ كَانَ الْمَجْلِسُ مَشْرُوعًا لَمْ يَحْتَجْ لِلْإِقَالَةِ فَإِنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ نَفْسُهُ يَخْتَارُ الْفَسْخَ ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِمَا يَقْتَضِي احْتِيَاجَهُ لِلْآخَرِ وَهُوَ الْإِقَالَةُ دَلَّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْعَقْدِ وَأَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ هُمَا الْمُتَشَاغِلَانِ بِالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا دَلِيلُ ذَلِكَ الْمَجَازِ أَيْضًا ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) الْمُعَارَضَةُ بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ، وَهَذَا مِنْ الْغَرَرِ كَمَا
عَلِمْت ( الْوَجْهُ الْخَامِسُ ) قَوْله تَعَالَى { أَوْفُوا بِالْعُقُودِ } وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ الْمُنَافِي لِلْخِيَارِ ( الْوَجْهُ السَّادِسُ ) لَوْ صَحَّ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِتَعَذُّرِ تَوَلِّي طَرَفَيْ الْعَقْدِ كَشِرَاءِ الْأَبِ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ لَكِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَذِّرٍ ، بَلْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ عَلَى صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالدَّلِيلِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى الصِّحَّةِ ذَلِكَ فِيمَا يَسْرُعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ كَالْهَرَائِسِ وَالْكَنَائِفِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِهَا فِيهِ ذَلِكَ ( الْوَجْهُ السَّابِعُ ) أَنَّ خِيَارَ الْمَجْلِسِ مَجْهُولُ الْعَاقِبَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ إلَّا الِافْتِرَاقُ ، وَقَدْ يَطُولُ ، وَقَدْ يَقْصُرُ وَكُلُّ مَجْهُولِ الْعَاقِبَةِ أَوْ النِّهَايَةِ فِي الزَّمَانِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ مُجْمَعٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقْتَضِيَ بُطْلَانَ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْعَقْدِ مِنْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ ( الْوَجْهُ الثَّامِنُ ) عَقْدٌ وَقَعَ الرِّضَى بِهِ فَيَبْطُلُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِيهِ كَمَا بَعْدَ الْإِمْضَاءِ ( الْوَجْهُ ) التَّاسِعُ أَنَّ الْحَدِيثَ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْنِي فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ لَهُ الْخِيَارُ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ وَهَذِهِ صُورَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَهُمْ اشْتَرَيْت وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَدْعَى الْبَيْعَ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْبُخَارِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ { أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } أَيْ اخْتَرْ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِيجَابِ أَوْ الِاسْتِدْعَاءِ وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى اخْتِيَارِ شَرْطِ الْخِيَارِ ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا فَلَا خِيَارَ أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ فَلَا تَنْفَعُ الْفُرْقَةُ وَلِذَلِكَ لَمْ يُرْوَ إلَّا بَيْعُ الْخِيَارِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ ( الْوَجْهُ الْعَاشِرُ )
عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَكَرَّرَ الْبَيْعُ عِنْدَهُمْ مَعَ الْأَنْفَاسِ فَعَدَمُ الْمَجْلِسِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً وَالْقَطْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّنِّ هَذَا مَا رَجَّحَ بِهِ الْأَصْلُ قَوْلَ مَالِكٍ ، وَمَنْ وَافَقَهُ بِعَدَمِ صِحَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الشَّاطِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْعَشَرَةِ فِي إسْقَاطِ دَلَالَةِ الْخَبَرِ إلَّا الْعَاشِرَ فَقَدْ قَالَ لَيْسَ لِلْمَالِكِيَّةِ كَلَامٌ يَقْوَى غَيْرَ هَذَا أَيْ الْوَجْهِ الْعَاشِرِ فَإِذَا ثَبَتَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُجِّحَ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ قَالَ .
وَأَمَّا كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ إلَخْ فَيُقَالُ بِمُوجِبِهِ بَعْدَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَا قَبْلَهُ وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ قَوِيٌّ وَالْعَادَةُ غَالِبًا لَا يَطُولُ مَجْلِسُ الْمُتَبَايِعَيْنِ طُولًا يُفَوِّتُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِوَضَيْنِ كَيْفَ ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ } أَيْ اخْتَرْ الْإِمْضَاءَ وَيَأْتِي جَوَابُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عِنْدَ ذِكْرِ دَلِيلِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي صَحِيحٌ إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُلَابِسًا لِمَا صَدَرَ مِنْهُ أَوْ وُصِفَ بِهِ لَا إذَا أُرِيدَ بِالْحَقِيقَةِ كَوْنُ لَفْظِ مُتَبَايِعَيْنِ مَوْضُوعًا لِمُحَاوِلِي الْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ حَقِيقَةً إلَّا فِي حَالِ الْمُلَابَسَةِ ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ حَمَلْنَا الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْبَيْعِ إلَى قَوْلِهِ مَعْضُودًا بِالْقِيَاسِ وَالْقَوَاعِدِ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَزْمَانِ الثَّلَاثَةِ فِي اللِّسَانِ .
وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى
خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُهُ غَيْرَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ تَلْزَمُ الْحَقِيقَةَ الْوُجُودِيَّةَ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ اللُّغَوِيَّةَ الْمُرَادُ بِهَا أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمُعَيَّنِ لَا لِعَلَاقَةٍ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَمَعْنًى آخَرَ وُضِعَ لَهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ قَبْلَ هَذَا وَالْحَقِيقَةُ الْوُجُودِيَّةُ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنُ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَوْجُودَةً فَالْمَعْنَيَانِ مُتَغَايِرَانِ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ ا هـ .
قُلْت وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي آيَاتِهِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّقِيِّ السُّبْكِيّ هُوَ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَاهِرِ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ مَدْلُولِ الْوَصْفِ كَاسْمِ الْفَاعِلِ ذَاتُ مَا مُتَّصِفَةٌ بِمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ زَمَانٍ أَوْ حُدُوثٍ فِي ذَلِكَ الْمَدْلُولِ فَإِذَا أُطْلِقَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ كَانَ مُتَنَاوِلًا حِينَ الْإِطْلَاقِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لِكُلِّ ذَاتٍ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ تِلْكَ الصِّفَةِ بِالذَّاتِ بِالْفِعْلِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الِاتِّصَافُ عَنْ الْإِطْلَاقِ أَوْ تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي مَدْلُولِهِ وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ أَيْ حِينَ الْإِطْلَاقِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ ثُبُوتِهِ لَهَا وَإِنْ سَبَقَ الِاتِّصَافُ الْإِطْلَاقَ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَالْمُرَادُ لَا يَتَنَاوَلُهَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ .
وَإِنْ تَنَاوَلَهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ أَوْ يَكُونُ إنْ ثَبَتَ لَهَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا أَوْ لَاحِقًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي عَلَيْهِ الْحَدُّ كَانَ تَعَلُّقُ وُجُوبِ الْحَدِّ بِكُلِّ ذَاتٍ اتَّصَفَتْ بِالزِّنَى بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهَا بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ اتِّصَافُهَا بِهِ عَنْ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ زَيْدٌ الْمُتَّصِفُ بِالزِّنَى حَالَ
النُّطْقِ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ الْآنَ وَالْمُتَّصِفُ بِهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ بِهِ السَّابِقِ أَوْ اللَّاحِقِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِمْ اسْمُ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَالِ إنَّهُ حَقِيقَةٌ بِاعْتِبَارِ حَالِ التَّلَبُّسِ أَيْ الِاتِّصَافِ بِالْوَصْفِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الِاتِّصَافُ سَابِقًا عَلَى التَّلَفُّظِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ أَوْ لَاحِقًا وَلَا يَتَنَاوَلُ ذَاتًا لَمْ تَتَّصِفْ بِهِ حَالَ النُّطْقِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ حَقِيقَةً ، بَلْ إذَا لُوحِظَ نَحْوُ زَيْدٍ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ حِينَ النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَجَعَلَ الْإِطْلَاقَ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى سَابِقَةٍ أَوْ لَاحِقَةٍ كَانَ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ أَوْ مَا يَكُونُ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا لُوحِظَ زَيْدٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمَاضِي وَجَعْلُ الْإِطْلَاقِ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ الْآنَ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ .
فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةٍ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا لُوحِظَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ اتِّصَافِهِ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَجُعِلَ الْإِطْلَاقُ بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ لَكِنْ بِسَبَبِ أَنَّهُ ذُو حَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ اتِّصَافُهُ بِهِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ ، فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا كَانَ وَإِنَّمَا كَانَ مَا ذُكِرَ مَجَازًا لِعَلَاقَةِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ السَّبْقَ وَاللُّحُوقَ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَجَازِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ بِالنَّظَرِ إلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمَنْسُوبِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّلْوِيح وَمُقْتَضَى كَلَامِ عُلَمَاءِ النَّحْوِ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَنَحْوَهُ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ أَيْ حُدُوثُ مَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ مِنْ تِلْكَ الذَّاتِ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ بِالْوَضْعِ كَالْفِعْلِ يَجُوزُ قَصْدُ الْحُدُوثِ
بِالْقَرَائِنِ ؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْوَضْعِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الثُّبُوتِ أَيْ الْحُصُولِ دُونَ الْحُدُوثِ وَبِاعْتِبَارِ الْقَرَائِنِ لَا يُقْصَدُ بِهَا إلَّا مُجَرَّدُ الدَّوَامِ مَعَ الثُّبُوتِ دُونَ الْحُدُوثِ .
وَلَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْحُدُوثُ مَعَ الْقَرَائِنِ فَإِذَا أُطْلِقَ اسْمُ الْفَاعِلِ وَنَحْوُهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الْحُدُوثُ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ كَانَ الزَّمَانُ مَلْحُوظًا فِيهِ وَمَدْلُولًا لَهُ الْتِزَامًا فَإِذَا قِيلَ الزَّانِي وَجَبَ حَدُّهُ فَإِنْ أُرِيدَ الَّذِي حَدَثَ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لَمْ يَتَنَاوَلْ لَفْظًا مَنْ لَمْ يَحْدُثْ زِنَاهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَلَوْ بِاعْتِبَارِ اتِّصَافِهِ فَالزِّنَا فِي غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ ، وَكَذَا يُقَالُ إذَا أُرِيدَ الَّذِي حَدَثُ زِنَاهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ السُّبْكِيّ مِمَّا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ الْوَصْفُ فِي الزَّمَانِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا هَذَا الْوَصْفُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا نُرِيدُهَا غَدًا أَوْ أَمْسِ إذَا أُرِيدَ بِضَارِبِ ذَاتٍ يَقَعُ مِنْهَا الضَّرْبُ غَدًا أَوْ وَقَعَ مِنْهَا الضَّرْبُ أَمْسِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْوَصْفُ الْآنَ أَيْ مُتَّصِفَةٌ الْآنَ بِهَذَا الْوَصْفِ الَّذِي سَيَقَعُ أَوْ وَقَعَ كَانَ مَجَازًا هُوَ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا الْآنَ وُقُوعُ الْحَدَثِ مِنْهَا فِي الِاسْتِقْبَالِ أَوْ فِي الْمَاضِي كَمَا إذَا قِيلَ زَيْدٌ ضَارِبٌ الْآنَ وَأُرِيدَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ الْآنَ بِأَنَّهُ يَضْرِبُ غَدًا أَوْ ضَرَبَ أَمْسِ وَهُوَ غَيْرُ ضَارِبٍ الْآنَ كَانَ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهُ الْحَدَثُ الْآنَ إذْ وَصْفُ الذَّاتِ فِي هَذَا الزَّمَنِ الْحَالِّ بِوُقُوعِ الْحَدَثِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ أَوْ مَا كَانَ وَمِثْلُ هَذَا مَا إذَا أُرِيدَ بِالْوَصْفِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي
الْمَاضِي وُقُوعُ الْحَدَثِ الْآنَ أَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَكُونُ وَمَا إذَا أُرِيدَ بِهِ ذَاتٌ ثَبَتَ لَهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وُقُوعُ الْحَدَثِ فِي الْمَاضِي أَوْ الْآنَ فَإِنَّهُ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ والأنبابي عَلَيْهَا قَالَ الأنبابي وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مُقْتَضَى كَلَامَيْ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي وَعُلَمَاءِ النَّحْوِ بِأَنَّ لِلْوَصْفِ اسْتِعْمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْأَكْثَرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْمَعَانِي .
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَقَلُّ مَا قَالَهُ أَهْلُ النَّحْوِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُ السَّيِّدِ ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْحُدُوثُ بِمَعُونَةِ الْقَرَائِنِ انْتَهَتْ بِاخْتِصَارٍ لَكِنْ فِي كَلَامِ الرِّضَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مَوْضُوعٌ لِلْحُدُوثِ وَالْحُدُوثُ فِيهِ أَغْلَبُ قَالَ وَلِهَذَا اطَّرَدَ تَحْوِيلُ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إنْ قُصِدَ بِهَا الْحُدُوثُ إلَى صِيغَتِهِ كَحَاسِنٍ وَضَائِفٍ إلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ أُخِذَ بِظَاهِرِ كَلَامِ مُصَنِّفِهِ ابْنُ الْحَاجِبِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ كَوْنُهُ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ فَقَالَ اسْمُ الْفَاعِلِ مَا اُشْتُقَّ مِنْ فِعْلٍ لِمَنْ قَامَ بِهِ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
فَإِذَا عَلِمْت هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ كَلَامَ الْأَصْلِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَكْثَرِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ لِلْقَرَائِنِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الْأَقَلِّ الْمُفْتَقِرِ لِلْقَرَائِنِ وَلَا يَتِمُّ قَوْلُهُ بِفَسَادِ الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي قَالَ الْأَصْلُ إنَّ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ عَلَيْهَا أَنَّ حَدِيثَ { الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا } يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَكْسُ مَا يَدَّعِيهِ الشَّافِعِيَّةُ فَيَسْقُطُ ا هـ .
قَوْلُ ابْنِ الشَّاطِّ أَنَّ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَاسِدَةٌ فَكُلُّ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا فَاسِدٌ ا هـ .
وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ مَا نَصُّهُ لَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ إنَّمَا هِيَ بِالضِّمْنِ لَا بِالصَّرِيحِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْإِقَالَةِ حَقِيقَةٌ لَا مَجَازٌ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ مُخَالَفَةُ آخِرِ الْكَلَامِ أَوَّلَهُ فَإِنَّ أَوَّلَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي صَرِيحًا ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ التَّأْكِيدُ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ بِالْخِيَارِ وَذَلِكَ مَرْجُوحٌ فَإِنَّ حَمْلَ كَلَامِ الشَّارِعِ عَنْ التَّأْسِيسِ إذَا تَحَمَّلَهُ أَوْلَى وَيَلْزَمُ عَنْ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمُ الْفَائِدَةِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَسَاوِمَيْنِ أَوْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِلْبَيْعِ وَالِابْتِيَاعِ مَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا الْعَقْدُ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِهِمَا وَفِي صَفْقَةِ الْخِيَارِ وَغَيْرِهَا وَبِالْجُمْلَةِ فَفِي حَمْلِ لَفْظِ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمَجَازِ وَحَمْلِ لَفْظِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ ضُرُوبٌ مِنْ ضَعْفِ الْكَلَامِ وَتَعَارُضِهِ وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِفَصَاحَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَفِي حَمْلِ الْإِقَالَةِ عَلَى الْمَجَازِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا اخْتِيَارُ الْفَسْخِ وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ قُوَّةً لِلْكَلَامِ أَوْ اسْتِقَامَتُهُ وَثُبُوتُ فَائِدَتِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ا هـ بِلَفْظِهِ .
وَقَالَ فِي جَوَابِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ أَنَّ الْغَرَرَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَعْظُمُ فَإِنَّ الْمَجْلِسَ وَغَالِبَ الْعَادَةِ لَا يَطُولُ طُولًا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الْخَامِسِ الْآيَةُ مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ الْخِيَارِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّادِسِ إنَّمَا خَرَجَ
كَلَامُ الشَّارِعِ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عَلَى الْغَائِبِ .
وَحَيْثُ لَا يَتَعَذَّرُ أَيْ لَا مُطْلَقًا حَتَّى يُرَدَّ هَذَا الْوَجْهُ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ السَّابِعِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ مَضْبُوطٌ بِالِاعْتِبَارِ وَمَا يَلْزَمُهُ غَالِبًا مِنْ التَّفَاوُتِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ الْمَجْهُولِ الزَّمَانِ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ الثَّامِنِ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدُ الْوَضْعِ فَإِنَّهُ فِي مُعَارَضَةِ النَّصِّ وَفِي جَوَابِ الْوَجْهِ التَّاسِعِ لَا خَفَاءَ بِضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ وُجُوهٍ أَيْسَرُهَا كَوْنُهُ بُنِيَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ ا هـ .
قُلْت وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ الْمُوَافِقِ لِلْمَذْهَبِ فِي أَصْلِ الدَّعْوَى مِنْ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجَعْلِ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ بُطْلَانِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا مِنْ جِهَةِ مَذْهَبِنَا لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا فَافْهَمْ
( وَصْلٌ ) يَتَعَلَّقُ بِالنَّظَرِ فِي أُصُولِ بَابِ الْخِيَارِ أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ سَبْعُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ فِي جَوَازِهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَعَلَى الْجَوَازِ الْجُمْهُورُ وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ وَفِيهِ { وَلَك الْخِيَارُ ثَلَاثًا } وَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ } وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي شُبْرُمَةَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ غَرَرٌ وَأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللُّزُومُ فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ قَالُوا وَحَدِيثُ حِبَّانَ إمَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِمَّا أَنَّهُ لَمَّا شُكِيَ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ قَالُوا ، وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ، وَقَوْلُهُ فِيهِ { إلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ } فَقَدْ فَسَّرَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ ا هـ .
.
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَ مَنْ قَالُوا بِجَوَازِهِ خِلَافٌ فَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ فِي نَفْسِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى اخْتِلَافِ الْمَبِيعَاتِ وَذَلِكَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعَاتِ قَالَ فَمِثْلُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فِي اخْتِيَارِ الثَّوْبِ وَالْجُمُعَةِ وَالْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ فِي اخْتِيَارِ الْجَارِيَةِ وَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ فِي اخْتِيَارِ الدَّارِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْأَجَلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِيهِ فَضْلٌ عَنْ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَلُ الْخِيَارِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ الْخِيَارُ لِأَيِّ مُدَّةٍ اُشْتُرِطَتْ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاخْتَلَفُوا فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ دُونَ الْمُقَيَّدِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ جِنِّي وَجَمَاعَةٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ أَبَدًا ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ وَلَكِنَّ السُّلْطَانَ يَضْرِبُ فِيهِ أَجَلَ مِثْلِهِ وَعُمْدَةُ أَصْحَابِهِ هُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِيَارُ الْمَبِيعِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إمْكَانِ اخْتِيَارِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَبِيعٍ فَكَانَ النَّصُّ إنَّمَا وَرَدَ عِنْدَهُمْ تَنْبِيهًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بِحَالِ الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ وَيَفْسُدُ الْمَبِيعُ .
وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إنْ وَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ جَازَ وَإِنْ مَضَتْ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ فَسَدَ الْبَيْعُ وَعُمْدَتُهُ هُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يَجُوزَ الْخِيَارُ فَلَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ فِي حَدِيثِ مُنْقِذِ بْنِ حِبَّانَ أَوْ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ
الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَذَلِكَ كَسَائِرِ الرُّخْصِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ الْأُصُولِ مِثْلُ اسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا مِنْ الْمُزَابَنَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالُوا ، وَقَدْ جَاءَ تَحْدِيدُ الْخِيَارِ بِالثَّلَاثِ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ } .
وَأَمَّا حَدِيثُ مُنْقِذٍ فَأَشْبَهَ طُرُقُهُ الْمُتَّصِلَةُ مَا .
رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَالَ لِمُنْقِذٍ وَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْمَبِيعِ إذَا بِعْت فَقُلْ لَا خِلَابَةَ وَأَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا } ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ، بَلْ هُوَ فَاسِدٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَدَلِيلُهُ مَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ هِيَ أَقَاوِيلُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَحَاصِلُهَا هَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا وَإِنْ جَازَ مُقَيَّدًا فَكَمْ مِقْدَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا فَهَلْ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَقَعَ الْخِيَارُ فِي الثَّلَاثِ أَمْ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ وَإِنْ وَقَعَ فِي الثَّلَاثِ ا هـ
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ النَّقْدِ فِيهِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بَعْدَ الْجَوَازِ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ لِتَرَدُّدِهِ عِنْدَهُمْ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْبَيْعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِي ضَمَانِ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مِمَّنْ يَكُونُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ مُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَمِينٌ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَعُمْدَتُهُمْ أَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ عَنْ الْبَائِعِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك وَلَمْ يَقُلْ الْمُشْتَرِي قَبِلْت ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّهُ إنْ كَانَ هَلَكَ بِيَدِ الْبَائِعِ فَلَا خِلَافَ فِي ضَمَانِهِ إيَّاهُ وَإِنْ كَانَ هَلَكَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَالْحُكْمُ كَالْحُكْمِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ كَانَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ شَرْطُ الْخِيَارِ لِكِلَيْهِمَا أَوْ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ فَضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشْتَرِطُ وَحْدَهُ وَمَعَ الْمُشْتَرِي .
وَأَمَّا إنْ كَانَ شَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَقِيَ مُعَلَّقًا حَتَّى يَنْقَضِيَ بِالْخِيَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ خِيَارًا كَانَ خَارِجًا عَنْ مِلْكِهِ وَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي رَدِّ الْآخَرِ لَهُ وَلَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُمَانِعُ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُصِيبَةً مِنْ أَحَدِهِمَا ، وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنُ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ عِنْدَهُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِطُ فَقَطْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ صَرَفَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَأَبَانَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّ الضَّمَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي لِأَيِّهِمَا كَانَ الْخِيَارُ تَشْبِيهًا لِبَيْعِ الْخِيَارِ بِالْبَيْعِ اللَّازِمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِقِيَاسِهِ مَوْضِعَ الْخِلَافِ عَلَى مَوْضِعِ الِاتِّفَاقِ ، وَهَذَا
الْخِلَافُ آيِلٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ هَلْ هُوَ مُشْتَرَطٌ لِإِيقَاعِ الْفَسْخِ فِي الْبَيْعِ أَوْ لِتَتْمِيمِ الْبَيْعِ فَإِذَا قُلْنَا بِفَسْخِ الْبَيْعِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ، وَإِذَا قُلْنَا بِتَتْمِيمِهِ فَهُوَ فِي ضَمَانِهِ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا هَلْ يُورَثُ خِيَارُ الْبَيْعِ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا يُورَثُ وَإِنَّهُ إذَا مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فَلِوَرَثَتِهِ مِنْ الْخِيَارِ مِثْلُ مَا كَانَ لَهُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَهَكَذَا عِنْدَهُ خِيَارُ الشُّفْعَةِ وَخِيَارُ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَسَلَّمَ لَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ أَعْنِي أَنَّهُ قَالَ يُورَثُ .
وَكَذَلِكَ خِيَارُ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ وَخِيَارُ الْقِصَاصِ وَخِيَارُ الرَّهْنِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَالِكٌ خِيَارَ رَدِّ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ أَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ مِنْ الْخِيَارِ فِي رَدِّ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ لَهُ أَيْ لِلْأَبِ الْمَيِّتِ ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ وَمَعْنَى خِيَارِ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِرَجُلٍ آخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الرَّجُلُ الْمَجْعُولُ لَهُ الْخِيَارُ فَإِنَّ وَرَثَتَهُ لَا يَتَنَزَّلُونَ مَنْزِلَتَهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ مَا سَلَّمَتْ الْمَالِكِيَّةُ لِلْحَنَفِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْخِيَارَاتِ وَسَلَّمَ زَائِدَ خِيَار الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ قَالَ لَا يُورَثَانِ وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ هَلْ الْأَصْلُ أَنْ تُورَثَ الْحُقُوقُ كَالْأَمْوَالِ أَوْ أَنْ تُورَثَ الْأَمْوَالُ دُونَ الْحُقُوقِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ يُشْبِهُ مِنْ هَذَا مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ لَهُ خَصْمُهُ مِنْهَا بِمَا يُسَلِّمُهُ مِنْهَا لَهُ وَيَحْتَجُّ عَلَى خَصْمِهِ فَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ تَحْتَجُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وِرَاثَةَ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَيُشْبِهُ سَائِرَ الْخِيَارَاتِ الَّتِي يُورَثُهَا بِهِ وَالْحَنَفِيَّةُ تَحْتَجُّ أَيْضًا عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِمَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَرُومُ أَنْ يُعْطِيَ فَارِقًا يَخْتَلِفُ فِيهِ .
قَوْلُهُ وَمُشَابِهًا فِيمَا يَتَّفِقُ فِيهِ قَوْلُهُ
وَيَرُومُ فِي قَوْلِهِ خَصْمُهُ بِالضِّدِّ أَعْنِي أَنْ يُعْطِيَ فَارِقًا فِيمَا يَمْنَعُهُ الْخَصْمُ مُتَّفِقًا وَيُعْطِي اتِّفَاقًا فِيمَا يَضَعُهُ الْخَصْمُ مُتَبَايِنًا مَثَلًا تَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ إنَّمَا قُلْنَا إنَّ خِيَارَ الْأَبِ فِي رَدِّ هِبَتِهِ لَا يُورَثُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِيَارٌ رَاجِعٌ إلَى صِفَةٍ فِي الْأَبِ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُورَثَ إلَى لَا صِفَةَ فِي الْعَقْدِ ، وَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي خِيَارٍ أَعْنِي : أَنَّهُ مَنْ انْقَدَحَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَقْدِ وَرِثَهُ ، وَمَنْ انْقَدَحَ لَهُ أَنَّهُ صِفَةٌ خَاصَّةٌ بِذِي الْخِيَارِ لَمْ يُوَرَّثْهُ هُوَ سَيَأْتِي تَوْضِيحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي تِلْوُ هَذَا الْفَرْقِ فَتَرَقَّبْ
( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اتَّفَقُوا عَلَى صِحَّةِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ خِيَارِ الْأَجْنَبِيِّ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُوَكِّلَهُ الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاتَّفَقَ الْمَذْهَبُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لِلْأَجْنَبِيِّ إذَا جَعَلَهُ اخْتَلَفَ لَهُ الْمُتَبَايِعَانِ وَإِنَّ قَوْلَهُ لَازِمٌ لَهُمَا وَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ إذَا جَعَلَهُ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَ الْبَائِعُ ، وَمَنْ جَعَلَ لَهُ الْبَائِعُ الْخِيَارَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي ، وَمَنْ جَعَلَ لَهُ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فَقِيلَ الْقَوْلُ فِي الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ قَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ خِيَارَهُ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي .
وَقَالَ عَكْسُ هَذَا الْقَوْلِ مَنْ جَعَلَ خِيَارَهُ هُنَا كَالْمَشُورَةِ ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَيْ إنَّ الْقَوْلَ فِي الْإِمْضَاءِ وَالرَّدِّ قَوْلُ الْبَائِعِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَقَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ دُونَ الْمُشْتَرِي إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ ، وَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمَا الْإِمْضَاءَ فَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ الْإِمْضَاءَ وَأَرَادَ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي اشْتَرَطَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ الرَّدُّ وَوَافَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ الرَّدُّ وَأَرَادَ الْأَجْنَبِيُّ الْمَذْكُورُ الْإِمْضَاءَ وَوَافَقَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ فِي هَذَا بَيْنِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَيْ إنْ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أَرَادَ الْإِمْضَاءَ مِنْهُمَا وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ، وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) قَالَ الْحَفِيدُ أَيْضًا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ اشْتَرَطَ مِنْ الْخِيَارِ مَا لَا يَجُوزُ مِثْل أَنْ يَشْتَرِطَ أَجَلًا مَجْهُولًا أَوْ خِيَارًا فَوْقَ الثَّلَاثِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ الْخِيَارَ فَوْقَ الثَّلَاثِ أَوْ خِيَارَ رَجُلٍ بَعِيدِ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ أَعْنِي أَجْنَبِيًّا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَ إسْقَاطِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فَأَصْلُ الْخِلَافِ هُوَ الْفَسَادُ الْوَاقِعُ فِي الْبَيْعِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْطِ يَتَعَدَّى إلَى الْعَقْدِ أَمْ لَا يَتَعَدَّى وَإِنَّمَا هُوَ فِي الشَّرْطِ فَقَطْ فَمَنْ قَالَ يَتَعَدَّى أَبْطَلَ الْبَيْعَ وَإِنْ أَسْقَطَهُ ، وَمَنْ قَالَ لَا يَتَعَدَّى قَالَ الْبَيْعُ يَصِحُّ إذَا أَسْقَطَ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَقَّى الْعَقْدُ صَحِيحًا ا هـ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْأَحْكَامِ ) اعْلَمْ أَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ } ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ، بَلْ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ وَمِنْهَا مَا لَا يَنْتَقِلُ فَمِنْ حَقِّ الْإِنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا ، وَإِذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ لَهُ الْخِيَارَ فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَمْلِكَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا وَفَسْخَهُ وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَغَيْرِهِمَا وَكَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةً لِلْمُوَرِّثِ ، بَلْ الضَّابِطُ لِمَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ وَمَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمُوَرِّثِ وَعَقْلِهِ وَشَهَوَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَالَ فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ وَلَا يَرِثُونَ عَقْلَهُ وَلَا شَهْوَتَهُ وَلَا نَفْسَهُ فَلَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَمَا لَا يُورَثُ لَا يَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، فَاللِّعَانُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ يَعْتَقِدُهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا وَالِاعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ وَالْفَيْئَةُ شَهْوَتُهُ وَالْعَوْدُ إرَادَتُهُ وَاخْتِيَارُ الْأُخْتَيْنِ وَالنِّسْوَةِ إرَبُهُ وَمَيْلُهُ وَقَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلُهُ وَفِكْرَتُهُ وَرَأْيُهُ وَمَنَاصِبُهُ وَوِلَايَاتُهُ وَآرَاؤُهُ
وَاجْتِهَادَاتُهُ وَأَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ فَهُوَ دِينُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنِدَهُ وَأَصْلَهُ ، وَانْتَقَلَ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعَاتِ .
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَيَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ خِيَارُ الشُّفْعَةِ عِنْدَنَا وَخِيَارُ التَّعْيِينِ إذَا اشْتَرَى مُوَرِّثُهُ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ ، وَخِيَارُ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَخِيَارُ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِزَيْدٍ فَلِوَارِثِهِ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ .
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِعَشَرَةٍ فَغُلَامِي لَهُ فَمَتَى جَاءَ أَحَدٌ بِذَلِكَ إلَى شَهْرَيْنِ لَزِمَهُ وَخِيَارُ الْهِبَةِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ خِيَارَ الشُّفْعَةِ وَسَلَّمَ خِيَارَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارَ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحَقُّ الْقِصَاصِ وَحَقُّ الرَّهْنِ وَحَبْسُ الْمَبِيعِ وَخِيَارُ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَوَافَقْنَاهُ نَحْنُ عَلَى خِيَارِ الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَاللِّعَانِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلَّقْت امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَسَلَّمَ الشَّافِعِيُّ جَمِيعَ مَا سَلَّمْنَاهُ وَسَلَّمَ خِيَارَ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ وَمَدَارِكَ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ عِنْدَنَا صِفَةٌ لِلْعَقْدِ فَيَنْتَقِلُ مَعَ الْعَقْدِ فَإِنَّ آثَارَ الْعَقْدِ انْتَقَلَتْ لِلْوَارِثِ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ ؛ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِرُ صِفَاتِهِ ؛ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ ؛ وَلِأَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ وَأَنْتُمْ تُثْبِتُونَهُ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ
اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ .
( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ ) أَنَّ اخْتِيَارَهُ صِفَتُهُ ، وَلَكِنْ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَإِنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ يَنْتَقِلُ تَبَعًا لِلْمَالِ ( وَعَنْ الثَّانِي ) أَنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ ، وَالْوَارِثُ لَا مُطَالَبَةَ عَلَيْهِ ، بَلْ هُوَ صِفَةٌ لِلدَّيْنِ لَا جَرَمَ لِمَا انْتَقَلَ الدَّيْنُ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا ، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا تَنْتَقِلُ الصِّفَةُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ فَهَذَا تَلْخِيصُ مُدْرِكِ الْخِلَافِ وَيَعْضُدُنَا فِي مَوْطِنِ الْخِلَافِ قَوْله تَعَالَى { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ } وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحُقُوقِ فَيَتَنَاوَلُهُ صُورَةُ النِّزَاعِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إلَّا صُورَتَانِ فِيمَا عَلِمْت حَدُّ الْقَذْفِ وَقِصَاصُ الْأَطْرَافِ وَالْجَرْحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْأَعْضَاءِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ وَهُمَا لَيْسَتَا بِمَالٍ لِأَجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِ الْوَارِثِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا قِصَاصُ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَا يُورَثُ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زُهُوقِ النَّفْسِ فَلَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافِ فِيهِ .
( الْفَرَقُ السَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَنْتَقِلُ إلَى الْأَقَارِبِ مِنْ الْأَحْكَامِ غَيْرِ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَنْتَقِلُ مِنْ الْأَحْكَامِ ) قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْحَفِيدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ مَسَائِلِ خِيَارِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي انْتِقَالِ الْأَمْوَالِ إلَى الْأَقَارِبِ وَمِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْحُقُوقِ وَذَلِكَ أَنَّهُ .
وَإِنْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ مَاتَ عَنْ حَقٍّ فَلِوَرَثَتِهِ } إلَّا أَنَّ الْحُقُوقَ لَمَّا لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، بَلْ مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ كَخِيَارِ الشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ فِي الْبِيَاعَاتِ وَخِيَارِ الرَّدِّ فِي الْبَيْعِ وَخِيَارِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَخِيَارِ التَّعْيِينِ كَأَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدًا مِنْ عَبْدَيْنِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ وَخِيَارُ الْوَصِيَّةِ إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَخِيَارِ الْإِقَالَةِ وَالْقَبُولِ وَمِنْهَا مَا يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ كَحَدِّ الْقَذْفِ وَقِصَاصِ الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْأَعْضَاءِ وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْمَوْرُوثِ وَعَقْلِهِ وَشَهْوَتِهِ كَالْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالْأَمَانَةِ وَالْوَكَالَةِ وَاللِّعَانِ وَالْفَيْئَةِ وَالْعَوْدِ وَاخْتِيَارِ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُبْقُوا لَفْظَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى عُمُومِهِ ، بَلْ خَصُّوهُ بِمَا يَنْتَقِلُ مِنْهَا لِلْوَارِثِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَالِ أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا عَنْ الْوَارِثِ فِي عِرْضِهِ بِتَخْفِيفِ أَلَمِهِ .
وَأَمَّا مَا لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مِنْهَا فَلَا يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَضَابِطُهُ أَنَّهُ كُلُّ مَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِ الْمَوْرُوثِ وَالسِّرُّ فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَرِثُونَ الْمَالَ فَيَرِثُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَبَعًا لَهُ وَلَا يَرِثُونَ عَقْلَ مُوَرِّثِهِمْ وَلَا شَهْوَتَهُ وَلَا نَفْسَهُ فَلَا يَرِثُونَ مَا
يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ضَرُورَةً أَنَّ مَا لَا يُورَثُ لَا يُورَثُ كَمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لَحْمًا أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ كُلَّ مَا يَخْرُجُ عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ إلَّا صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْقَذْفُ وَثَانِيَتهَا قِصَاصُ الْأَطْرَافِ وَالْجِرَاحِ وَالْمَنَافِعِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ خَرَجَتَا عَنْ حُقُوقِ الْأَمْوَالِ تَنْتَقِلَانِ لِلْوَارِثِ لِأَجْلِ شِفَاءِ غَلِيلِهِ بِمَا دَخَلَ عَلَى عِرْضِهِ مِنْ قَذْفِ مُوَرِّثِهِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ قِصَاصُ النَّفْسِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فَرْعُ زُهُوقِ النَّفْسِ لَمْ يَكُنْ قِصَاصُ النَّفْسِ مِمَّا يَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا لِلْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ فَمِنْ هُنَا لَمَّا كَانَ اللِّعَانُ يَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ يَعْنِي الْمَوْرُوثَ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ غَالِبًا وَالِاعْتِقَادَاتُ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمَالِ وَكَانَتْ الْفَيْئَةُ شَهْوَتَهُ وَالْعَوْدُ إرَادَتَهُ .
وَكَانَ اخْتِيَارُ نَحْوِ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ مُتَعَلِّقًا بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ إرَبُهُ وَمَيْلُهُ وَكَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ عَقْلَهُ وَفِكْرَتَهُ وَرَأْيَهُ ، وَكَذَا سَائِرُ مَنَاصِبِهِ وَوِلَايَاتِهِ وَآرَائِهِ وَاجْتِهَادَاتِهِ وَكَانَتْ أَفْعَالُهُ الدِّينِيَّةُ هِيَ دِينُهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَوْرُوثِ بِمُنْتَقِلٍ لِوَارِثِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إذْ مِنْ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُلَاعِنَ عِنْدَ سَبَبِ اللِّعَانِ وَأَنْ يَفِيءَ بَعْدَ الْإِيلَاءِ وَأَنْ يَعُودَ بَعْدَ الظِّهَارِ وَأَنْ يَخْتَارَ مِنْ نِسْوَةٍ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِنَّ وَهُنَّ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَنْ يَخْتَارَ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ إذَا أَسْلَمَ عَلَيْهِمَا وَمِنْ حَقِّهِ إذَا جَعَلَ الْمُتَبَايِعَانِ لَهُ الْخِيَارَ أَنْ يَمْلِكَ إمْضَاءَ الْبَيْعِ عَلَيْهِمَا وَفَسْخَهُ وَمِنْ حَقِّهِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْمَنَاصِبِ كَالْقِصَاصِ وَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْرِهَا وَكَالْأَمَانَةِ
وَالْوَكَالَةِ وَمِنْ حَقِّهِ جَمِيعُ أَفْعَالِهِ الدِّينِيَّةِ فَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِثْ مُسْتَنِدَهُ وَأَصْلَهُ ، وَكَذَلِكَ خِيَارُ الْهِبَةِ فِي الْأَبِ لِلِابْنِ بِالِاعْتِصَارِ وَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالطَّلَاقِ بِأَنْ يَقُولَ طَلِّقْ امْرَأَتِي مَتَى شِئْت فَيَمُوتُ الْمَقُولُ لَهُ وَلَمَّا كَانَ نَحْوُ خِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَخِيَارِ تَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ وَحَقِّ الْقِصَاصِ وَحَقِّ الرَّهْنِ وَحَبْسِ الْمَبِيعِ وَخِيَارِ مَا وُجِدَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ رَبُّهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ أَخْذَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ حُقُوقِ الْمَوْرُوثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ قَطْعًا كَانَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُنْتَقِلَةِ لِلْوَارِثِ قَطْعِيًّا وَلَمَّا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعَاتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَرَدَّدُ بَيْنَ كَوْنِهِ صِفَةً لِلْعَقْدِ أَوْ صِفَةً لِلْعَاقِدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي انْتِقَالِهِ لِلْوَارِثِ وَعَدَمِ انْتِقَالِهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى انْتِقَالِهِ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْعَقْدِ وَأَثَرٌ مِنْ آثَارِهِ فَيَنْتَقِلُ مَعَهُ لِلْوَارِثِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إلَى عَدَمِ انْتِقَالِهِ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ ( الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ) أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْعَاقِدِ لِأَنَّهَا مَشِيئَتُهُ وَاخْتِيَارُهُ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِهِ كَمَا تَبْطُلُ سَائِر صِفَاتِهِ وَجَوَابُهُ إنَّ اخْتِيَارَهُ وَإِنْ كَانَتْ صِفَتُهُ إلَّا أَنَّهَا صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَالِ كَاخْتِيَارِهِ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَأَنْوَاعَ الِانْتِفَاعِ فِي الْمَالِ فَيَنْتَقِلُ كَمَا يَنْتَقِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْمَالِ ( الْوَجْهُ الثَّانِي ) إنَّ الْأَجَلَ فِي الثَّمَنِ لَا يُورَثُ فَكَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ وَجَوَابُهُ إنَّ الْأَجَلَ مَعْنَاهُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ وَتَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ صِفَةً لِلدَّيْنِ فَلَا جَرَمَ أَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا انْتَقَلَ لِلْوَارِثِ انْتَقَلَ مُؤَجَّلًا ضَرُورَةَ أَنَّ الصِّفَةَ تَنْتَقِلُ لِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَوْصُوفُ ،
وَكَذَلِكَ هَاهُنَا فَهَذَا لَنَا لَا عَلَيْنَا ( الْوَجْهُ الثَّالِثُ ) أَنَّ الْبَائِعَ رَضِيَ بِخِيَارٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ تُثْبِتُونَهُ أَنْتُمْ لِجَمَاعَةٍ لَمْ يَرْضَ بِهِمْ وَهُمْ الْوَرَثَةُ مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى الْخِيَارُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ كَمَا لَا يَتَعَدَّى الْأَجَلُ مَنْ اُشْتُرِطَ لَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِخِيَارِ التَّعْيِينِ وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ لَلْأَجْنَبِيّ ، وَقَدْ أَثْبَتُوهُ لِلْوَارِثِ وَبِمَا إذَا جَنَى فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْوَلِيِّ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ الْبَائِعُ هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ هَذَا الْفَرْقِ بِبَيَانِ سِرِّهِ وَمَدَارِكِهِ وَالْخِلَافُ فِيهِ وَسَلَّمَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا الْبَيْعُ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الصَّحِيحِ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } فَيَمْتَنِعُ فِيمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إلَّا فِي غَيْرِ الْمُعَارَضَةِ كَالْقَرْضِ أَوْ الْبَدَلِ ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ قَبْلَ النَّقْلِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَالْمَشْهُورُ اخْتِصَاصُ الْمَنْعِ بِالطَّعَامِ وَتَعْمِيمُهُ فِيهِ يَتَعَدَّى لِمَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ { لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ } خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ الْعَقَارَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَوَافَقَ الْمَشْهُورَ ابْنُ حَنْبَلٍ .
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا
وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الطَّعَامِ ( وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي ) أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي } ، فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَمَا يَتَنَاوَلُ الْحَدِيثُ مَحَلُّ النِّزَاعِ ( وَعَنْ الثَّالِثِ ) الْفَرْقُ بِأَنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبِنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ ، فَشَدَّدَ الشَّرْعُ عَلَى عَادَاتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرَطَ فِي الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِمَفْهُومِ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وقَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } ( فَإِنْ قُلْت ) أَدِلَّةُ الْخُصُومِ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ، وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ فَالْحَدِيثُ الْخَاصُّ بِالطَّعَامِ لَا يُخَصِّصُ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصَّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَالْقَاعِدَةُ أَيْضًا أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ وقَوْله تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } عَامٌّ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ خَاصَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْآيَةِ وَالِاعْتِمَادُ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَسْتَقِيمُ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسَلَّمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ تَخْصِيصِ الْأَدِلَّةِ .
( قُلْت ) أَسْئِلَةٌ صَحِيحَةٌ مُتَّجِهَةُ الْإِيرَادِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهَا جَوَابٌ نَظَائِرُ : قَالَ الْعَبْدُ يَجُوزُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي خَمْسَةِ
مَوَاضِعَ : الْهِبَةُ وَالْمِيرَاثُ عَلَى اخْتِلَافٍ وَالِاسْتِهْلَاكُ وَالْقَرْضُ وَالصُّكُوكُ ، وَهِيَ أُعْطِيَاتُ النَّاسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي طَعَامِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَوَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ تَنْزِيلًا لِلثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْعَقْدَانِ فِي أَجَلٍ أَوْ مِقْدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْمُكَايَسَةِ ، وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْجَمِيعَ نَظَرًا لِلنَّقْلِ وَالْمُعَاوَضَةِ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ يَتَحَصَّلُ فِي اشْتِرَاطِ قَبْضِ الْمَبِيعِ ، وَمَنْعِ الْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ ( الْأَوَّلُ وَالثَّانِي ) رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَشْهَرُهُمَا اشْتِرَاطُهُ فِي الطَّعَامِ بِإِطْلَاقٍ فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اشْتِرَاطُهُ فِي الرِّبَوِيِّ فَقَطْ فَيَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِ الرِّبَوِيِّ مِنْ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ ( الثَّالِثُ ) لِأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ اشْتِرَاطُهُ فِي الطَّعَامِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ أَيْ وَالْمَعْدُودِ ( الرَّابِعُ ) لِأَبِي حَنِيفَةَ اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْقَلُ أَمَّا الْمَبِيعَاتُ الَّتِي لَا تَنْتَقِلُ وَلَا تُحَوَّلُ وَهِيَ الدُّورُ وَالْعَقَارُ فَيَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ ( الْخَامِسُ ) لِلشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ اشْتِرَاطُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ .
( السَّادِسُ ) لِأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ ( السَّابِعُ ) لِابْنِ حَبِيبٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَرَبِيعَةَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ ا هـ .
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ نَعَمْ يُؤْخَذُ تَقْيِيدُ أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ بِمَا إذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدُ وَرَخَّصَ مَالِكٌ فِيمَا بِيعَ مِنْ الطَّعَامِ جُزَافًا أَنْ يُبَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَجَازَهُ ا هـ .
فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَيْنَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ لِابْنِ حَنْبَلٍ وَتَكُونُ الْأَقْوَالُ سِتَّةً لَا سَبْعَةً وَبِالتَّقْيِيدِ وَمُوَافَقَةُ قَوْلِ ابْنِ حَنْبَلٍ صَرَّحَ الْأَصْلُ حَيْثُ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ يَمْتَنِعُ أَيْ فِي مَشْهُورِ مَالِكٍ بَيْعُ الطَّعَامِ
قَبْلَ قَبْضِهِ إذَا كَانَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الصَّحِيحِ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ } فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ هَذَا الطَّعَامُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ .
وَأَمَّا مَا بِيعَ جُزَافًا فَيَجُوزُ أَيْ لِمُبْتَاعِهِ بَيْعُهُ قَبْلَ نَقْلِهِ إذَا خَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ وَوَافَقَ مَشْهُورَ مَالِكٍ هَذَا ابْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَيْعَهُ قَبْلَ نَقْلِهِ وَاحْتَجَّا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { كُنَّا نَبْتَاعُ الطَّعَامَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِنَقْلِهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي نَبْتَاعُهُ فِيهِ إلَى مَكَان سِوَاهُ } وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا إذَا ابْتَعْنَا الطَّعَامَ جُزَافًا لَمْ نَبِعْهُ حَتَّى نُحَوِّلَهُ مِنْ مَكَانِهِ وَجَوَابُهُ وَأَنَّ مَالِكًا رَوَى حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْجُزَافِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي حِفْظِ حَدِيثِ نَافِعٍ عَلَى غَيْرِهِ فَرِوَايَةُ جَمَاعَةٍ وُجُودَ الْجُزَافِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ لَا تَرِدُ عَلَى مَذْهَبِهِ عَلَى أَنَّ الْجُزَافَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَهُوَ عِنْدَهُمْ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ نَعَمْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ الْمَظْنُونِ لِلْعِلَّةِ فَافْهَمْ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَمْتَنِعُ التَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اسْتَثْنَى الْعَقَارَ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ بِهَلَاكِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاحْتَجَّا أَوَّلًا بِأَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ ( أَحَدُهَا ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَلَا رِبْحَ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَلَا بَيْعَ مَا لَيْسَ عِنْدَك } ( وَثَانِيهَا ) حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ { قُلْت يَا
رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إذَا اشْتَرَيْت بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ } قَالَ أَبُو عُمَرَ وَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ .
رَوَاهُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ وَيُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ لَا أَعْرِفُ لَهُمَا جُرْحَةً إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَإِنْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ ( وَثَالِثُهَا ) مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ { نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ } ( وَرَابِعُهَا ) مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُمْ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يَقْبِضُوا أَوْ رِبْحِ مَا لَمْ يَضْمَنُوا } ( وَثَانِيًا ) بِقِيَاسِ غَيْرِ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ وَجَوَابُ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُرَادُ بِهَا نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك فَيُنْهَى الْإِنْسَانُ عَنْ بَيْعِ مِلْكِ غَيْرِهِ وَيَضْمَنُ تَخْلِيصَهُ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي } .
فَيَكُونُ الضَّمَانُ مِنْهُ فَمَا بَاعَ إلَّا مَضْمُونًا فَلَمْ يَتَنَاوَلْ الْحَدِيثُ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ الطَّعَامَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبَ قِيَامِ الْبُنْيَةِ وَعِمَادَ الْحَيَاةِ فَشَدَّدَ فِيهِ النِّزَاعَ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْثِيرِ الشُّرُوطِ فِيمَا عَظُمَ شَرَفُهُ كَاشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ وَالصَّدَاقِ وَالشُّهُودِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ دُونَ عَقْدِ الْبَيْعِ وَشَرْطِهِ فِي مَنْصِبِ الْقَضَاءِ مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ قِيلَ وَيَتَأَكَّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَاشِرَ الْمَالِكِيَّةِ بِمَفْهُومِ { نَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى } فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ غَيْرَ الطَّعَامِ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْتَوْفَى وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } لَكِنْ يُرَدُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَدِيثَ خَاصٌّ بِالطَّعَامِ وَالْأَحَادِيثُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْخُصُومُ أَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ وَالْأَحْنَافَ عَامَّةٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ لَا يُخَصَّصُ بِذِكْرِ بَعْضِهِ إذْ مِنْ شَرْطِ الْمُخَصِّصِ أَنْ يَكُونَ مُنَافِيًا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ وَلَا يَسْتَقِيمُ الِاعْتِمَادُ فِي تَخْصِيصِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ عَلَى عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَا يُسْلَمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِلْأَدِلَّةِ وَيُرَدُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ بِالْآيَةِ أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ الْخَاصَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ قَالَ الْأَصْلُ وَهُمَا إيرَادَانِ صَحِيحَانِ مُتَّجَهَانِ لَا يَحْضُرُنِي عَنْهُمَا جَوَابٌ فَتَأَمَّلْ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِي خُصُوصِ الْبَيْعِ .
وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ فَقَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ لَا يَتَوَقَّفُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى الْقَبْضِ إلَّا الْبَيْعُ ا هـ .
وَقَالَ الْعَبْدِيُّ يَجُوزُ الطَّعَامُ قَبْلَ قَبْضِهِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ الْهِبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَالْقَرْضِ وَالصُّكُوكِ وَهِيَ أُعْطِيَاتُ النَّاسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاخْتُلِفَ فِي طَعَامِ أَهْلِ الصُّلْحِ وَوَقَعَتْ الرُّخْصَةُ فِي الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَالْإِقَالَةِ وَالتَّوْلِيَةِ تَنْزِيلًا لِلثَّانِي مَنْزِلَةَ الْأَوَّلِ الْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْعَقْدَانِ فِي أَجَلٍ أَوْ مِقْدَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِالْمُكَايَسَةِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ الْجَمِيعَ نَظَرًا لِلنَّقْلِ وَالْمُعَاوَضَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ وَالْعُقُودُ تَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَكُونُ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ وَقِسْمٌ يَكُونُ بِمُعَاوَضَةٍ وَهُوَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ ( أَحَدُهَا ) يَخْتَصُّ بِقَصْدِ الْمُغَابَنَةِ وَالْمُكَايَسَةِ وَهِيَ الْبُيُوعُ وَالْإِجَارَاتُ وَالْمُهُورُ وَالصُّلْحُ وَالْمَالُ الْمَضْمُونُ بِالتَّعَدِّي وَغَيْرِهِ ( وَالْقِسْمُ الثَّانِي ) لَا يَخْتَصُّ بِقَصْدِ الْمُغَابَنَةِ وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الرِّفْقِ وَهُوَ الْقَرْضُ ( وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مَا يَصِحُّ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا أَعْنِي عَلَى قَصْدِ الْمُغَابَنَةِ وَعَلَى قَصْدِ الرِّفْقِ كَالشَّرِكَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالْبَتُولِيَّةِ وَتَحْصِيلِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَنَّ مَا كَانَ بَيْعًا وَبِعِوَضٍ فَلَا خِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ ، وَذَلِكَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَشْتَرِطُ فِيهِ الْقَبْضَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ مَا كَانَ خَالِصًا لِلرِّفْقِ أَعْنِي الْقَرْضَ فَلَا خِلَافَ أَيْضًا أَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ شَرْطًا فِي بَيْعِهِ أَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَ الْقَرْضَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَاسْتَثْنَى أَبُو حَنِيفَةَ مِمَّا يَكُونُ بِعِوَضِ الْمَهْرِ وَالْخُلْعِ وَالْجُعْلِ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي تَتَرَدَّدُ بَيْنَ قَصْدِ الرِّفْقِ وَالْمُغَابَنَةِ وَهِيَ التَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ وَالْإِقَالَةُ إذَا وَقَعَتْ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ الْإِقَالَةُ أَوْ التَّوْلِيَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَلَا خِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَلَا التَّوْلِيَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَتَجُوزُ الْإِقَالَةُ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخُ بَيْعٍ لَا بَيْعٌ فَعُمْدَةُ مَنْ اشْتَرَطَ الْقَبْضَ فِي جَمِيعِ الْمُعَاوَضَاتِ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى
مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ التَّوْلِيَةَ وَالْإِقَالَةَ وَالشَّرِكَةَ لِلْأَثَرِ وَالْمَعْنَى أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا .
رَوَاهُ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ إلَّا مَا كَانَ مِنْ شَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ } .
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَإِنَّ هَذِهِ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا الرِّفْقُ لَا الْمُغَابَنَةُ مَا لَمْ تَدْخُلْهَا زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ الصَّدَاقَ وَالْخُلْعَ وَالْجُعْلَ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ بَيِّنًا إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا ا هـ .
هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَبَيَانِ الْخِلَافِ وَمَدَارِكِهِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
.
( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتْبَعُهُ ) قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ أَشْرَكْتُك مَعِي فِي السِّلْعَةِ يُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ وَبَيْعُ الْأَرْضِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ دُونَ الزَّرْعِ الظَّاهِرِ كَمَا بَوَّرَ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ كَامِنًا فِي الْأَرْضِ انْدَرَجَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا تَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا دُونَ الْمَدْفُونَةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ الْكَثِيرُ وَلَا الْغَرْسُ ، وَعِنْدَنَا يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ الدَّارِ الْخَشَبُ الْمُسَمَّرُ وَالسُّلَّمُ الْمُسْتَقِلُّ ، وَيَنْدَرِجُ الْمَعْدِنُ فِي لَفْظِ الْأَرْضِ دُونَ الْكَنْزِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ .
وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ وَفِي لَفْظِ الدَّارِ الْأَبْوَابُ وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةُ وَالرُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ وَمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهَا دُونَ الْحَجَرِ الْمَدْفُونِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَتَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا وَالْمَعْدِنُ دُونَ الْكَنْزِ ، وَعِنْدَنَا إذَا بَاعَ الْبِنَاءَ يَنْدَرِجُ فِيهِ الْأَرْضُ كَمَا انْدَرَجَ فِي لَفْظِ الدَّارِ التَّوَابِيتُ وَمَرَافِقُ الْبِنَاءِ كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالسُّلَّمِ الْمُثَبَّتِ دُونَ الْمَنْقُولَاتِ وَلَفْظُ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ إذَا أَشْبَهَتْ مِهْنَتَهُ دُونَ مَالِهِ وَلَفْظُ الشَّجَرِ تَتْبَعُهُ الْأَرْضُ وَاسْتِحْقَاقُ الْبِنَاءِ مَغْرُوسًا وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُوَبَّرَةِ دُونَ الْمُوَبَّرَةِ ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تَنْدَرِجُ الْأَرْضُ فِي لَفْظِ الشَّجَرِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الثِّمَارِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ
أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ } ، وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا إذَا لَمْ تُوَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ الْإِبَارِ فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَشْرُوطُ فَالْأَوَّلُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالثَّانِي مَفْهُومُ الشَّرْطِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَرَوْنَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهِ ، بَلْ نَقِيسُ الثَّمَرَةَ عَلَى الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ لَمْ يَتْبَعْ وَإِلَّا اتَّبَعَ أَوْ نَقِيسُهَا عَلَى اللَّبَنِ قَبْلَ الْحِلَابِ ، وَاسْتِتَارُ الثِّمَارِ فِي الْأَكْمَامِ كَاسْتِتَارِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ وَاللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ أَوْ نَقِيسُهَا عَلَى الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَنَوَى التَّمْرِ .
وَهَذِهِ الْأَقْيِسَةُ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِكَثِيرٍ لِقُوَّةِ جَامِعِهَا ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ غَيْرَ الْمُؤَبَّرِ عَلَى الْمُؤَبَّرِ فَفَارِقُهُ ظَاهِرٌ وَجَامِعُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُ إطْلَاقِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَقْتَضِي عِنْدَنَا التَّبْقِيَةَ بَعْدَ الزَّهْوِ .
وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُعَارَضٌ بِالْعَادَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَقْدَحُ فِي الْعُقُودِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ زَمَانًا طَوِيلًا لِقَبْضِهِ وَتَحْوِيلِهِ وَيَبِيعُ الدَّارَ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ الْكَثِيرَةُ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا إلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ وَلَفْظُ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَنَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ قَائِمَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِمَادِ وَالطَّرْزِ وَالْفَتْلِ وَالْغَسْلِ يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يُسَمَّى السِّلْعَةُ ذَاتًا وَلَا سُوقًا لَا يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّي هَذَا الطَّرْزِ وَالصَّبْغِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُحْسَبْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ
وَصَفَ ثَمَنًا عَلَى سِلْعَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ عِنْدَنَا تَتْبَعُ قَوْلَهُ بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِوَضِيعَةٍ لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ يَقُولُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ وَصِيغَةٌ أَوْ مُرَابَحَةٌ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ إذَا قَالَ لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ أَيْ يَنْقُصُ السُّدُسُ فِي الْوَضِيعَةِ أَوْ يَزِيدُ السُّدُسُ فِي الزِّيَادَةِ ؛ لِأَنَّ اثْنَيْنِ سُدُسٌ اثْنَيْ عَشَرَ وَلِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ مَعْنَاهُ يُضَافُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ ، فَيَكُونُ الزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ عَشَرَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ مُحَالٌ ، وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ بَقِيَّةِ تَفَارِيعِ هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا مَا يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ رِبْحُهُ وَعَكْسُهُ .
وَلَوْلَا الْعَوَائِدُ لَكَانَ هَذَا تَحَكُّمًا صِرْفًا وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ جَائِزٌ إجْمَاعًا ، وَلَوْ أُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظُ فِي زَمَانِنَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ بَيْعٌ لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهَذِهِ الْأَبْوَابِ الَّتِي سَرَدْتهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ غَيْرَ مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ بِسَبَبِ أَنَّ مُدْرِكَهَا النَّصُّ وَالْقِيَاسُ وَمَا عَدَاهَا مُدْرِكَةُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ أَوْ بَطَلَتْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَحَرُمَتْ الْفَتْوَى بِهَا لِعَدَمِ مُدْرِكِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ، بَلْ تَتْبَعُ الْفَتَاوَى هَذِهِ الْعَوَائِدَ كَيْفَمَا تَقَلَّبَتْ كَمَا تَتْبَعُ النُّقُودَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَحِينٍ وَتَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا سَكَتَ عَنْهَا فَتَنْصَرِفُ بِالْعَادَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا عَادَةً لِعَدَمِ اللُّغَةِ فِي الْبَابَيْنِ وَكُلُّ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَاقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعَوَائِدِ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَاهُ فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذَا الْفَرْقِ ، وَقَدْ اشْتَمَلَ عَلَى سِتَّةِ أَلْفَاظٍ لَفْظِ
الشَّرِكَةِ وَلَفْظِ الْأَرْضِ وَلَفْظِ الْبِنَاءِ وَلَفْظِ الدَّارِ وَلَفْظِ الْمُرَابَحَةِ وَلَفْظِ الثِّمَارِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا حَكَمَتْ فِيهَا الْعَوَائِدُ
( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالتِّسْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَتْبَعُ الْعَقْدَ عُرْفًا وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَتْبَعُهُ ) وَهُوَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي حَكَمَتْ الْعَوَائِدُ بِأَنَّهَا تَتْبَعُ بِشَيْءٍ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ لَفْظُ الشَّرِكَةِ وَلَفْظُ الْأَرْضِ وَلَفْظُ الْبِنَاءِ وَلَفْظُ الدَّارِ وَلَفْظُ الْمُرَابَحَةِ وَلَفْظُ الشَّجَرِ وَلَفْظُ الثِّمَارِ وَلَفْظُ الْعَبْدِ وَيَتَعَلَّقُ بِبَيَانِ مَا يَتْبَعُهَا وَالْخِلَافُ فِي الْبَعْضِ ثَمَانِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) لَفْظُ الشَّرِكَةِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ أَشْرَكْتُك مَعِي فِي السِّلْعَةِ يُحْمَلُ عَلَى النِّصْفِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) لَفْظُ الْأَرْضِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ بَيْعُ الْأَرْضِ يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الْأَشْجَارُ وَالْبِنَاءُ دُونَ الزَّرْعِ الظَّاهِرُ كَمَأْبُورِ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ كَامِنًا فِي الْأَرْضِ انْدَرَجَ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا تَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا دُونَ الْمَدْفُونَةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَ ظَاهِرَ الْأَرْضِ مَلَكَ بَاطِنَهَا ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ الْكَثِيرُ وَلَا الْغَرْسُ ، وَعِنْدَنَا يَنْدَرِجُ الْمَعْدِنُ فِي لَفْظِ الْأَرْضِ دُونَ الْكَنْزِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنَ مِنْ الْأَجْزَاءِ ، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَنْدَرِجُ فِي الْأَرْضِ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) لَفْظُ الْبِنَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ إذَا بَاعَ الْبِنَاءَ يَنْدَرِجُ فِيهِ عِنْدَنَا الْأَرْضُ ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) لَفْظُ الدَّارِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ الدَّارِ عِنْدَنَا الْخَشَبُ الْمُسَمَّرُ وَالتَّوَابِيتُ وَمَرَافِقُ الْبِنَاءِ كَالْأَبْوَابِ وَالرُّفُوفِ وَالسُّلَّمِ الْمُثَبَّتِ دُونَ الْمَنْقُولَاتِ ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ يَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ الدَّارِ الْأَبْوَابُ وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةُ وَالرُّفُوفُ الْمُسَمَّرَةُ وَمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهَا دُونَ الْحَجَرِ
الْمَدْفُونِ ؛ لِأَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ وَتَنْدَرِجُ الْحِجَارَةُ الْمَخْلُوقَةُ فِيهَا وَالْمَعْدِنُ دُونَ الْكَنْزِ ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) لَفْظُ الْمُرَابَحَةِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ الْمُرَابَحَةِ عِنْدَنَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَنْعَةٍ قَائِمَةٍ كَالصَّبْغِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْكِمَادِ وَالطَّرْزِ وَالْفَتْلِ وَالْغُسْلِ يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ وَصَفَ ثَمَنًا عَلَى سِلْعَةٍ بِاجْتِهَادِهِ وَمَا لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ قَائِمَةٌ وَلَا يُسَمَّى السِّلْعَةُ ذَاتًا وَلَا سَوْمًا لَا يُحْسَبُ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ رِبْحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُقَابَلُ بِشَيْءٍ فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ عِنْدَنَا تَتْبَعُ قَوْلَهُ بِعْتُك هَذِهِ السِّلْعَةَ مُرَابَحَةً لِلْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَةَ أَوْ بِوَضِيعَةٍ لِلْعَشَرَةِ أَوْ عَشَرَةٍ يَقُولُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ وَضِيعَةً أَوْ مُرَابَحَةً فَإِذَا قَالَ لِلْعَشَرَةِ اثْنَا عَشَرَ كَانَ مَعْنَاهُ فِي الْوَضِيعَةِ يَنْقُصُ السُّدُسُ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَزِيدُ السُّدُسُ ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ سُدُسٌ اثْنَيْ عَشَرَ ، وَإِذَا قَالَ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ كَانَ مَعْنَاهُ يُضَافُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةٌ ، فَيَكُونُ الزِّيَادَةُ أَوْ النُّقْصَانُ النِّصْفَ ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَ عَشَرَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ مُحَالٌ قَالَ الْأَصْلُ ، وَهَذَا الْكَلَامُ مَعَ بَقِيَّةِ تَفَارِيعِ هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ أَيْ الْقَدِيمِ وَإِلَّا فَمِنْ أَيْنَ لَنَا مَا يُحْسَبُ وَيُحْسَبُ رِبْحُهُ وَعَكْسُهُ ، وَلَوْلَا الْعَوَائِدُ الْقَدِيمَةُ لَكَانَ هَذَا تَحَكُّمًا صِرْفًا وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ وَالْغَرَرِ فِي الثَّمَنِ غَيْرُ جَائِزٍ إجْمَاعًا فَلِذَا لَوْ أُطْلِقَ هَذَا اللَّفْظُ فِي زَمَانِنَا لَمْ يَصِحَّ بِهِ بَيْعٌ لِعَدَمِ فَهْمِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ لُغَةً وَلَا عُرْفًا ( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) لَفْظُ الشَّجَرِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ الشَّجَرِ تَتْبَعُهُ الْأَرْضُ وَاسْتِحْقَاقُ الْبِنَاءِ مَغْرُوسًا وَالثَّمَرَةُ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ
دُونَ الْمُؤَبَّرَةِ ، وَقَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ لَا تَنْدَرِجُ الْأَرْضُ فِي لَفْظِ الشَّجَرِ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي الثِّمَارِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ لِلْبَائِعِ مُطْلَقًا وَفِي الْمُوَطَّإِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ } وَمَفْهُومُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا لَمْ تُؤَبَّرْ لِلْمُبْتَاعِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا جَعَلَهَا لِلْبَائِعِ بِشَرْطِ الْإِبَارِ فَإِذَا انْتَفَى الشَّرْطُ انْتَفَى الْمَشْرُوطُ فَالْأَوَّلُ مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالثَّانِي مَفْهُومُ الشَّرْطِ ، وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَا يَرَوْنَ الْمَفْهُومَ حُجَّةً فَلَا يُحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِهِ ، بَلْ نَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِقِيَاسِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْجَنِينِ إذَا خَرَجَ لَمْ يَتْبَعْ وَإِلَّا اتَّبَعَ وَثَانِيًا بِقِيَاسِ الثَّمَرَةِ عَلَى اللَّبَنِ قَبْلَ الْحِلَابِ فَإِنَّ اسْتِتَارَ الثِّمَارِ فِي الْأَكْمَامِ كَاسْتِتَارِ الْأَجِنَّةِ فِي الْأَرْحَامِ وَاللَّبَنِ فِي الضُّرُوعِ وَثَالِثًا بِقِيَاسِ الثَّمَرَةِ عَلَى الْأَغْصَانِ وَالْوَرَقِ وَنَوَى التَّمْرِ فَهَذِهِ الْأَقْيِسَةُ أَقْوَى مِنْ قِيَاسِهِمْ بِكَثِيرٍ لِقُوَّةِ جَامِعِهَا ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَى الْمُؤَبَّرَةِ فَفَارِقُهُ ظَاهِرٌ وَجَامِعُهُ ضَعِيفٌ وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا فِيهَا ثَمَرٌ قَبْلَ أَنْ يُؤَبَّرَ فَإِنَّ الثَّمَرَ لِلْمُشْتَرِي ، وَإِذَا كَانَ الْبَيْعُ بَعْدَ الْإِبَارِ فَالثَّمَرُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إلَّا وَالثِّمَارُ كُلُّهَا فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي مَعْنَى النَّخِيلِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ هِيَ لِلْبَائِعِ قَبْلَ الْإِبَارِ وَبَعْدَهُ ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سَوَاءٌ أُبِّرَ أَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ إذَا بِيعَ الْأَصْلُ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهَا أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ ، وَمَنْ قَالَ
بِقَوْلِهِمْ مُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْخِطَابِ لِدَلِيلِ مَفْهُومِ الْأُخْرَى وَالْأَوْلَى وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى فَحْوَى الْخِطَابِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ } إلَخْ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ لَمَّا حَكَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثَّمَرِ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْإِبَارِ عَلِمْنَا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَيْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي قَبْلَ الْإِبَارِ بِلَا شَرْطٍ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إذَا وَجَبَتْ لِلْبَائِعِ بَعْدَ الْإِبَارِ فَهِيَ بِالْأَحْرَى أَنْ تَجِبَ لَهُ قَبْلَ الْإِبَارِ وَشَبَّهُوا خُرُوجَ الثَّمَرِ بِالْوِلَادَةِ قَالُوا فَكَمَا أَنَّ مَنْ بَاعَ أَمَةً لَهَا وَلَدٌ فَوَلَدُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ كَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي الثَّمَرِ لَكِنَّ مَفْهُومَ الْأَحْرَى هَاهُنَا ضَعِيفٌ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ ، وَأَمَّا سَبَبُ مُخَالَفَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُمْ فَمُعَارَضَةُ الْقِيَاسِ لِلسَّمَاعِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الثَّمَرَ جُزْءٌ مِنْ الْمَبِيعِ فَرَدَّ الْحَدِيثَ بِالْقِيَاسِ وَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْحَدِيثُ هَذَا وَالْإِبَارُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُجْعَلَ طَلْعُ ذُكُورِ النَّخْلِ فِي طَلْعِ إنَاثِهَا وَفِي سَائِرِ الشَّجَرِ أَنْ تُنَوَّرَ وَتُعْقَدَ وَالتَّذْكِيرُ فِي شَجَرِ التِّينِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي مَعْنَى الْإِبَارِ وَإِبَارُ الزَّرْعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ إبَارَهُ أَنْ يُفْرَكَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الثَّمَرِ وَهَلْ الْمُوجِبُ لِهَذَا الْحُكْمِ هُوَ الْإِبَارُ أَوْ وَقْتُ الْإِبَارِ قِيلَ الْوَقْتُ ، وَقِيلَ الْإِبَارُ وَعَلَى هَذَا يَنْبَنِي الِاخْتِلَافُ إذَا أُبِّرَ بَعْضُ النَّخْلِ وَلَمْ يُؤَبَّرْ الْبَعْضُ هَلْ يَتْبَعُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مَا أُبِّرَ أَوْ لَا يَتْبَعُهُ وَاتَّفَقُوا فِيمَا أَحْسَبُهُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بِيعَ ثَمَرٌ ، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُ الْإِبَارِ فَلَمْ يُؤَبَّرْ
أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُؤَبَّرِ ا هـ .
بِتَلْخِيصٍ ( الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ ) لَفْظُ الثِّمَارِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ إطْلَاقِ الثِّمَارِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ يَقْتَضِي عِنْدَنَا التَّبْقِيَةُ بَعْدَ الزَّهْوِ ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْتَضِي الْقَطْعَ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ وَلَمَّا فِيهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُعَارَضٌ بِالْعَادَةِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَقْدَحُ فِي الْعُقُودِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا كَثِيرًا فَإِنَّهُ يُؤَخِّرُهُ زَمَانًا طَوِيلًا لِقَبْضِهِ وَتَحْوِيلِهِ وَكَبَيْعِ الدَّارِ فِيهَا الْأَمْتِعَةُ الْكَثِيرَةُ لَا يُمْكِنُ خُلُوُّهَا إلَّا فِي زَمَانٍ طَوِيلٍ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ ) لَفْظُ الْعَبْدِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ لَفْظُ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ ثِيَابُهُ الَّتِي عَلَيْهِ إذَا أَشْبَهَتْ مِهْنَتَهُ دُونَ مَالِهِ ا هـ .
وَفِي بِدَايَةِ الْحَفِيدِ فِي كَوْنِ مَالِ الْعَبْدِ يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ ( أَحَدُهَا ) لِلشَّافِعِيِّ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّ مَالَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ لِسَيِّدِهِ ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ ( وَالثَّانِي ) لِمَالِكٍ وَاللَّيْثِ أَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الْعِتْقِ لَا فِي الْبَيْعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ أَيْ الْمُشْتَرِي فَوَافَقَ الْأَوَّلَ فِي الْبَيْعِ وَحُجَّتُهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَشْهُورُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ } وَخَالَفَهُ فِي الْعِتْقِ حَيْثُ جَعَلَهُ فِيهِ تَابِعًا لِلْعَبْدِ تَغْلِيبًا لِلْقِيَاسِ عَلَى السَّمَاعِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { مَنْ أُعْتِقَ فَمَالُهُ لَهُ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهُ } وَجَعَلَهُ الْأَوَّلُ فِيهِ لِلسَّيِّدِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ كَمَا خَالَفَهُ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ مَالَهُ الْمُشْتَرِي فَقَالَ فِي الْمُوَطَّإِ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُبْتَاعَ إذَا
اشْتَرَطَ مَالَ الْعَبْدِ فَهُوَ لَهُ نَقْدًا كَانَ أَوْ عَرْضًا أَوْ دَيْنًا فَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ وَمَالَهُ بِدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ مَالُ الْعَبْدِ دَرَاهِمَ أَوْ فِيهِ دَرَاهِمُ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ مَالُ الْعَبْدِ نَقْدًا ، وَقَالُوا الْعَبْدُ وَمَالُهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ شَيْئَيْنِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ نَعَمْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي لِبَعْضِ مَالِ الْعَبْدِ فِي صَفْقَةِ الْبَيْعِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ وَوَجْهُهُ تَشْبِيهُهُ بِثَمَرِ النَّخْلِ بَعْدَ الْإِبَارِ ، وَقَالَ أَشْهَبُ جَائِزٌ أَنْ يُشْتَرَطَ بَعْضُهُ وَوَجْهُهُ تَشْبِيهُهُ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إنْ كَانَ مَا اُشْتُرِيَ بِهِ الْعَبْدُ عَيْنًا وَفِي مَالِ الْعَبْدِ عَيْنٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ دَرَاهِمُ بِعَرْضٍ وَدَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ مَا اُشْتُرِيَ بِهِ عُرُوضًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْعَبْدِ دَرَاهِمُ جَازَ ( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) لِدَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ مَالِكًا عِنْدَهُمْ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا أَعْنِي هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَوْ لَا يَمْلِكُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ إنَّمَا غَلَّبُوا الْقِيَاسَ عَلَى السَّمَاعِ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ هُوَ حَدِيثٌ خَالَفَ فِيهِ نَافِعٌ سَالِمًا ؛ لِأَنَّ نَافِعًا .
رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَسَالِمٍ .
رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ا هـ .
بِتَلْخِيصٍ قَالَ الْأَصْلُ فَجَمِيعُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهَذِهِ الْأَبْوَابُ الَّتِي سَرَدْتهَا مَا عَدَا مَسْأَلَةَ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعَوَائِدِ فَمُدْرِكُهَا الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ فَإِذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ أَوْ بَطَلَتْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْفَتَاوَى وَحَرُمَتْ الْفَتْوَى بِهَا لِعَدَمِ مُدْرِكِهَا ، بَلْ تَتْبَعُ الْفَتَاوَى هَذِهِ الْعَوَائِدَ
كَيْفَمَا تُقُبِّلَتْ كَمَا تَتْبَعُ النُّقُودُ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَحِينَ وَتَعْيِينُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا سَكَتَ عَنْهَا فَتَنْصَرِفُ بِالْعَادَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهَا عَادَةً لِعَدَمِ اللُّغَةِ فِي الْبَابَيْنِ .
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ وَغَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ فَبِسَبَبِ أَنَّ مُدْرِكَهَا النَّصُّ وَالْقِيَاسُ لَا تَتْبَعُ الْعَوَائِدَ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَاهُ كَكُلِّ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَاقْتَضَتْهُ اللُّغَةُ هَذَا تَنْقِيحُ مَا فِي الْأَصْلِ مِنْ تَلْخِيصِ هَذَا الْفَرْقِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ الْبِدَايَةِ .
( تَتِمَّةٌ ) قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ مِنْ مَشْهُورِ مَسَائِلِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ اللَّذَانِ يَقَعَانِ فِي الثَّمَنِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بَعْدَ الْبَيْعِ مِمَّا يَرْضَى بِهِ الْمُتَبَايِعَانِ أَعْنِي أَنْ يَزِيدَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ يَحُطَّ مِنْهُ الْبَائِعُ هَلْ يَتْبَعُ حُكْمَ الثَّمَنِ أَمْ لَا وَفَائِدَةُ الْفَرْقِ أَنَّ مَنْ قَالَ هِيَ مِنْ الثَّمَنِ أَوْجَبَ رَدَّهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَأَيْضًا مَنْ جَعَلَهَا فِي حُكْمِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً فَسَدَ الْبَيْعُ ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنْ الثَّمَنِ أَعْنِي الزِّيَادَةَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا تَثْبُتُ الزِّيَادَةُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَا فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ، بَلْ الْحُكْمُ لِلثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ بِالثَّمَنِ أَصْلًا وَهُوَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَلْحَقَ الزِّيَادَةَ بِالثَّمَنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } قَالُوا ، وَإِذَا لَحِقَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَاقِ لَحِقَتْ فِي الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ فِي الشُّفْعَةِ وَبِالْجُمْلَةِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ قَدْ تَقَرَّرَ قَالَ الزِّيَادَةُ هِبَةٌ ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا فَسْخٌ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَعَقْدٌ ثَانٍ عَدَّهَا مِنْ الثَّمَنِ ا هـ .
بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ ) السَّلَمُ الْجَائِزُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَرْطًا ( الْأَوَّلُ ) تَسْلِيمُ جَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ حَذَرًا مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ( الثَّانِي ) السَّلَامَةُ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ فَلَا تُسَلَّمُ شَاةٌ فِي شَاتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْ الْمَنْفَعَةِ ( الثَّالِثُ ) السَّلَامَةُ مِنْ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ فَلَا يُسَلَّمُ جَذَعٌ فِي نِصْفِ جَذَعٍ مِنْ جِنْسِهِ ( الرَّابِعُ ) السَّلَامَةُ مِنْ النَّسَاءِ فِي الرِّبَوِيِّ فَلَا يُسَلَّمُ النَّقْدَانِ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ ( الْخَامِسُ ) أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالصِّفَاتِ فَيَمْتَنِعُ سَلَمُ خَشَبَةٍ فِي تُرَابِ الْمَعَادِنِ ( السَّادِسُ ) أَنْ يَقْبَلَ النَّقْلَ حَتَّى يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الدُّورِ ( السَّابِعُ ) أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي الْجُزَافِ ( الثَّامِنُ ) ضَبْطُ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَخْتَلِفُ الْمَالِيَّةُ بِاخْتِلَافِهَا نَفْيًا لِلْغَرَرِ ( التَّاسِعُ ) أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا فَيَمْتَنِعُ السَّلَمُ الْحَالُّ ( الْعَاشِرُ ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا نَفْيًا لِلْغَرَرِ ( الْحَادِي عَشَرَ ) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ زَمَنَ وُجُودِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي فَاكِهَةِ الصَّيْفِ لِيَأْخُذَهَا فِي الشِّتَاءِ ( الثَّانِي عَشَرَ ) أَنْ يَكُونَ مَأْمُونَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الْأَجَلِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ ( الثَّالِثَ عَشَرَ ) أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُسَلَّمُ فِي مُعَيَّنٍ ؛ لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَهُوَ غَرَرٌ ( الرَّابِعَ عَشَرَ ) تَعْيِينُ مَكَانِ الْقَبْضِ بِاللَّفْظِ أَوْ الْعَادَةِ نَفْيًا لِلْغَرَرِ فَمَتَى انْخَرَمَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَهُوَ السَّلَمُ الْمَمْنُوعُ وَبِضَبْطِهَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا وَصَلَهَا لِلْعَشَرَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ كَمَا تَرَى وَفُرُوعُ الْمُدَوَّنَةِ شَاهِدَةٌ لَهَا وَفِي الشُّرُوطِ سِتُّ مَسَائِلَ .
قَالَ ( الْفَرْقُ الْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ وَفِي الشُّرُوطِ سِتُّ مَسَائِلَ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .
( الْفَرْقُ الْمِائَتَانِ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَجُوزُ مِنْ السَّلَمِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يَجُوزُ مِنْهُ ) وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ شُرُوطُ الْجَوَازِ وَيَمْتَنِعُ إذَا انْخَرَمَ فِيهِ شَرْطٌ مِنْهَا وَشُرُوطُ جَوَازِهِ أَوْصَلَهَا الْأَصْلُ إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَةَ ، وَقَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْصَلَهَا لِلْعَشَرَةِ وَسَلَّمَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) الْحَذَرُ مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَأَصْلُهُ { نَهْيُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ } وَهَا هُنَا قَاعِدَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَطْلُوبَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ حَتَّى بَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَحَابُّوا } ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى شَغْلِ الذِّمَّتَيْنِ تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ فَمَنَعَ الشَّرْعُ مَا يَقْضِي لِذَلِكَ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ( فَائِدَةٌ ) الْكَالِئُ مِنْ الْكِلَاءَةِ الَّتِي هِيَ الْحِرَاسَةُ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ إمَّا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَوَاقِبُ صَاحِبِهِ وَيَحْفَظُهُ لِأَجْلِ مَالِهِ عِنْدَهُ ، فَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ حَذْفُ تَقْدِيرِهِ نَهْيٌ عَنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِلْمَدِينَيْنِ ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْفَلَسِ عَنْ الضَّيَاعِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ أَوْ يَكُونُ اسْمُ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْمَاءِ الدَّافِقِ بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ وَيُسْتَغْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَجَازٌ ؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ ، وَوَرَدَ النَّهْيُ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ ؛ لِأَنَّ لَنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ضَرُورِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَاجِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ وَتَمَامِيَّةً كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَقَارِبِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَالرُّتْبَةُ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَ
التَّعَارُضِ ، وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالسَّلَمُ مِنْ الْمَصَالِحِ التَّمَامِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ ، وَكَذَلِكَ مِنْ الْمُسَاقَاتِ وَبَيْعِ الْغَائِبِ .
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( فَائِدَةٌ إلَى قَوْلِهِ وَوُرُودُ النَّهْيِ قَبْلَ الْوُقُوعِ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ مَجَازٌ ؛ لِأَنَّهُ أُطْلِقَ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةً فِي حَالِ الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَمَا قَالَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، بَلْ تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَتَسْتَمِرُّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ سَبَبُهَا وَالْمُسَبَّبُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ قَالَ ( فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي السَّلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قَالَتْ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ السَّلَمَ مِنْ الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدِي كَيْفَ ، وَقَدْ قَالَ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَاشُ كُلُّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ فَإِطْلَاقُهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مِنْ التَّمَامِيَّاتِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
قَالَ ( الشَّرْطُ الْأَوَّلُ ) تَسْلِيمُ جَمِيعِ رَأْسِ الْمَالِ حَذَرًا مِنْ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ قَالَ الْحَفِيدُ فِي الْبِدَايَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ نَقْدِ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ الْكَثِيرَةِ مُطْلَقًا لَا بِاشْتِرَاطٍ وَلَا بِدُونِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ تَأْخِيرِ نَقْدِهِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَأَجَازَ مَالِكٌ كَمَا أَجَازَ تَأْخِيرَهُ بِلَا شَرْطٍ أَيْ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ كَالصَّرْفِ ا هـ .
نَعَمْ قَالَ عبق عَلَى الْمُخْتَصَرِ مَعَ الْمَتْنِ وَجَازَ السَّلَمُ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مُلْتَبِسًا بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ كَسُكْنَى دَارٍ وَقُبِضَتْ ، وَلَوْ تَأَخَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا عَنْ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْأَوَائِلِ كَقَبْضِ الْأَوَاخِرِ ا هـ .
قَالَ الرَّهُونِيُّ يَعْنِي ، وَلَوْ تَأَخَّرَ عَنْ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَعْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ إذْ هَذَا هُوَ الْمُتَوَهَّمُ وَبِهِ يُلْغَزُ قَالَ الْمَوَّاقُ ، وَعِنْدَ الْقِرَاءَة عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْشَدَنِي بَعْضُ الْحَاضِرِينَ لِنَفْسِهِ : وَمَا سَلَمٌ قَبْضُ الْمُسَلَّمِ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّي الَّذِي يُعْطِي الْمُسَلِّمُ جَائِزُ أَجِبْ إنَّ عِلْمَ الْفِقْه رَوْضٌ وَدَوْحَةٌ جَنَى ذَاكَ فِي الْأَوْرَاقِ ذُخْرٌ وَنَاجِزُ قَالَ الرَّهُونِيُّ وَالْأَحْسَنُ فِي جَوَابِهِ إذَا نَفْعُ دَارٍ شَهْرًا أُسْلِمَ فِي كَذَا لِأَدْنَى فَمُعْطَى ذَاكَ بِالْقَبْضِ فَائِزُ فَهَذَا جَوَابُ مَا سَأَلْت وَقِسْ تُصِبْ وَأَخْلِصْ فَبِالْإِخْلَاصِ يُغْبَطُ حَائِزُ .
وَالْأَصْلُ فِي مَنْعِ بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ نَهْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَسِرُّهُ قَاعِدَةُ أَنَّ مَطْلُوبَ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَاحُ ذَاتِ الْعَيْنِ الْبَيْنِ وَحَسْمُ مَادَّةِ الْفَسَادِ وَالْفِتَنِ حَتَّى بَالَغَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَحَابُّوا } ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الْمُعَامَلَةُ عَلَى شُغْلِ الذِّمَّتَيْنِ تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ
مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَثْرَةِ الْخُصُومَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ فَمَنَعَ الشَّرْعُ مَا يُفْضِي لِذَلِكَ وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْن بِالدَّيْنِ وَالْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فِي الْحَدِيثِ .
أَمَّا اسْمُ فَاعِلٍ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ الْكِلَاءَةِ الَّتِي هِيَ الْحِرَاسَةُ ، فَيَكُونُ إمَّا رَاجِعًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَالِ الْكَالِئِ بِمَالِ الْكَالِئِ ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَيْنِ لَا يُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ، بَلْ يُرَاقِبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لِأَجْلِ مَا لَهُ عِنْدَهُ وَإِمَّا رَاجِعًا لِلدَّيْنَيْنِ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلَّ دَيْنٍ يَحْفَظُ صَاحِبَهُ عِنْدَ الْفَلَسِ عَنْ الضَّيَاعِ فَيُسْتَغْنَى حِينَئِذٍ عَنْ الْحَذْفِ لِقَبُولِهِمَا الْبَيْعَ وَإِمَّا اسْمُ فَاعِلٍ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْمَاءِ الدَّافِقِ بِمَعْنَى الْمَدْفُوقِ وَحِينَئِذٍ يُسْتَثْنَى عَنْ الْحَذْفِ أَيْضًا وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ فَفِي كَوْنِ الْوَصْفِ مَجَازًا ؛ لِأَنَّهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِالْحَدَثِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَلِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ الْكِلَاءَةَ لَا تَحْصُلُ حَالَةَ الْعَقْدِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ وُرُودَ النَّهْيِ قَبْلَ الْوُقُوعِ فَإِذَا حَصَلَ الدَّيْنُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ فَقَطْ جَازَ بِشُرُوطِهِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّ لَنَا قَاعِدَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَصَالِحَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ضَرُورِيَّةٌ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَاجِيَّةٍ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى زَوْجَاتِهِ وَتَمَامِيَّةٍ كَنَفَقَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى أَقَارِبِهِ ؛ لِأَنَّهَا تَتِمَّةُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالرُّتْبَةُ الْأُولَى مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّانِيَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَالثَّانِيَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالسَّلَمُ مِنْ الْمَصَالِحِ التَّمَامِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ ، وَكَذَلِكَ الْمُسَاقَاةُ وَبَيْعُ الْغَائِبِ وَفِي كَوْنِهِ أَيْ وَصْفُ كَالِئٍ فِي الْحَدِيثِ حَقِيقَةً ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ حَقِيقَةٌ فِي حَالِ
الْمَاضِي وَالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْكِلَاءَةَ تَحْصُلُ حَالَ الْعَقْدِ وَتَسْتَمِرُّ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ هُوَ سَبَبُهَا وَالْمُسَبَّبُ يَحْصُلُ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ وَأَنَّ السَّلَمَ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْمَعَاشِ إلَّا أَنَّ الْمَعَاشَ كُلَّهُ لِلْإِنْسَانِ ابْتِدَاؤُهُ وَتَمَامُهُ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَمِنْ الْحَاجِيَّاتِ فِي حَقِّ عِيَالِهِ وَمِنْ التَّمَامِيَّاتِ فِي حَقِّ أَقَارِبِهِ فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ التَّمَامِيَّاتِ قَوْلَانِ لِلْأَصْلِ وَابْنِ الشَّاطِّ فَافْهَمْ .
.
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ جَرِّ السَّلَفِ النَّفْعَ لِلْمُسْلِفِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَرَعَ السَّلَفَ قُرْبَةً لِلْمَعْرُوفِ وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَاهُ مِنْ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ فَيَجُوزُ دَفْعُ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ عِوَضَهُ دِينَارًا إلَى أَجَلٍ قَرْضًا تَرْجِيحًا لِمَصْلَحَةِ الْإِحْسَانِ عَلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا ، وَهَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي قَدَّمَ الشَّرْعُ فِيهَا الْمَنْدُوبَاتِ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَمِنْ الصُّوَرِ الَّتِي مَصْلَحَتُهَا تَقْتَضِي الْإِيجَابَ لَكِنْ تَرَكَ الشَّرْعُ تَرْتِيبَ الْإِيجَابِ عَلَيْهَا رِفْقًا بِالْعِبَادِ كَمَصْلَحَةِ السِّوَاكِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ } ، وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْيَوَاقِيتِ فِي أَحْكَامِ الْمَوَاقِيتِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ نُبْذَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ يَدُلُّك عَلَى أَنَّ مَصْلَحَةَ السَّلَفِ تَقْتَضِي الْوُجُوبَ مُعَارَضَتُهَا لِلْمُحَرَّمِ ، وَمُعَارَضَةُ مَفْسَدَةِ التَّحْرِيمِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَةَ إيجَابٍ ، بَلْ أَعْظَمَ مِنْ أَصْلِ الْإِيجَابِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَاجِبِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى الصَّحِيحِ فَتَقْدِيمُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ يَقْتَضِي عِظَمَهَا عَلَى أَصْلِ الْوُجُوبِ فَإِذَا وَقَعَ الْقَرْضُ لِيَجُرَّ نَفْعًا بَطَلَتْ مَصْلَحَةُ الْإِحْسَانِ بِالْمُكَايَسَةِ فَتَبْقَى مَفْسَدَةُ الرِّبَا سَلِيمَةً عَنْ الْمُعَارِضِ فِيمَا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا التَّحْرِيمُ ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُمَا خَالَفَا مَقْصُودَ الشَّارِعِ وَوَاقِعًا مَا لِلَّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ وَجْهُ تَحْرِيمِ مَا لَا رِبَا فِيهِ كَالْعُرُوضِ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي التَّحْرِيمِ .