كتاب : أنوار البروق في أنواع الفروق
المؤلف : أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس المالكي الشهير بالقرافي
لَا نَجِدُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَيَلْزَمُ أَيْضًا إذَا وُجِدَ هَذَا الْعُرْفُ وَهَذَا النَّقْلُ أَنْ يُرَاقِبَ فِيهِ اخْتِلَافَ الْأَزْمِنَةِ وَاخْتِلَافَ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ فَكُلُّ زَمَانٍ تَغَيَّرَ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ بَطَلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ وَكُلُّ بَلَدٍ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذَا الْعُرْفُ لَا يَلْزَمُ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَهُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ أَمَّا الْفُتْيَا بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَغَيْرُ مُتَّجَهٍ أَصْلًا وَلَعَلَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ لِمَنْ سَأَلَ أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ أَوْ كَانَ عُرْفُ زَمَانِهِ يَتَقَاضَى ذَلِكَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ فَإِنَّ الْفُتْيَا .
لَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى نِيَّةٍ لَذُكِرَتْ مَعَ الْحُكْمِ فِي الْفُتْيَا .
التَّنْبِيهُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَفَالَةٌ مُضَافَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةِ حَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ كَقَوْلِ أَحَدِ حَامِلِي الْخَشَبَةِ شِلْ طَرَفَك وَقَوْلِنَا حِجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ تَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ مِنْ الْكَفَالَةِ أَحَدُهَا الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْوَعْدُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ وَثَانِيهَا كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي هِيَ الْتِزَامُهُ اللَّفْظِيُّ الْمُنَزَّلُ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالُّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيَّ الَّذِي هُوَ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَهَذِهِ الْكَفَالَةُ الْحَادِثَةُ لَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا كَفَّارَةً وَثَالِثُهَا كَفَالَةُ خَلْقِهِ الَّتِي هِيَ ضَمَانُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِنَا وَقَوْلِنَا وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَهِيَ تُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ }
تَعَالَى أَيْ الَّتِي شَرَعَهَا وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا أَدَاءَهَا فَأَضَافَهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى شَاهِدٌ وَلَا شُهُودَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْكَفَالَةُ الْمَنْدُوبُ إلَيْهَا تَصِحُّ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ إذَا كَانَتْ الْكَفَالَةُ الَّتِي يُمْكِنُ إضَافَتُهَا إلَيْهِ تَعَالَى ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مُتَبَايِنَةٍ قَدِيمَةٍ وَحَادِثَتَانِ .
وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ هُوَ الْمَوْجُودُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَلَا يَكُونُ لِقَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ إشْعَارٌ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ نَوْعَهَا أَخَصُّ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَلْبَتَّةَ بَلْ إمَّا بِجِهَةِ النَّذْرِ أَوْ بِجِهَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ ، التَّنْبِيهُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ إذَا لَمْ يَقُلْ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ ، وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ الْقَسَمِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ الْقَسَمُ بِوَضْعِهِ مُسْتَغْنٍ عَنْ النِّيَّةِ وَالْعُرْفِ وَالنَّقْلِ يَلْزَمُهُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ أَصْرَحَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَنْ نِيَّةِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ احْتِمَالُ الْإِضَافَةِ لِلْحَادِثِ وَالْقَدِيمِ مَوْجُودًا فِيهِ غَيْرَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَأُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ التَّنْبِيهُ الرَّابِعُ أَنَّ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ السَّبْعِ يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَوِيَ فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ لُزُومِهَا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ وَشَأْنُ أَحَدِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَرَادِفَةِ أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الْآخَرِ فِي لُزُومِ الْحُكْمِ وَسُقُوطِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ أَذَانَتِهِ وَزَعَامَتِهِ
وَضَمَانِهِ وَقَبَالَتِهِ وَجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إذَا أَتَى بِصِيغَةِ الْقَسَمِ تَشْمَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدًا لِأَنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ فَهِيَ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ
قَالَ ( اللَّفْظُ الْخَامِسُ كَفَالَةُ اللَّهِ ) قُلْت وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَمَا اشْتَغَلَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ مُرَادِفَاتِهِ وَاشْتِقَاقِهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ ( وَهُنَا أَرْبَعُ تَنْبِيهَاتٍ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهَا ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عَرْفًا شَرْعِيًّا فَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَأَمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
( اللَّفْظُ الْخَامِسُ ) قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ ضَمَانَةُ اللَّهِ أَوْ حَمَالَةُ اللَّهِ أَوْ أَذَانَةُ اللَّهِ أَوْ زَعَامَةُ اللَّهِ أَوْ قَبَالَةُ اللَّهِ أَوْ صَبْرُ اللَّهِ أَوْ عَذَارَةُ اللَّهِ أَوْ كَدَانَةُ اللَّهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ التِّسْعَةُ مُتَرَادِفَةٌ لُغَةً عَلَى الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى الضَّمَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمِيلُ وَالزَّعِيمُ وَالْكَفِيلُ وَالْقَبِيلُ وَالْأَذِينُ وَالصَّبِيرُ وَالضَّامِنُ سَبْعَةُ أَلْفَاظٍ مُتَرَادِفَةٍ يُقَالُ حَمَلَ يَحْمِلُ حَمَالَةً فَهُوَ حَمِيلٌ وَزَعَمَ يَزْعُمُ زَعَامَةً فَهُوَ زَعِيمٌ وَكَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً فَهُوَ كَفِيلٌ وَقِبَلَ يَقْبَلُ قَبَالَةً فَهُوَ قَبِيلٌ وَأَذِنَ يَأْذَنُ أَذَانَةً فَهُوَ أَذِينٌ وَصَبَرَ يَصْبِرُ صَبْرًا فَهُوَ صَبِيرٌ وَضَمِنَ يَضْمَنُ ضَمَانَةً فَهُوَ ضَامِنٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ إلَّا الْجِهَادُ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ إلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ } وَالْأَذَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّك لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } أَيْ الْتَزَمَ ذَلِكَ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ وَأَصْلُ الْأَذَانَةِ وَالْأَذَانِ وَالْأَذِينِ وَالْإِذْنِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْإِعْلَامُ وَالْكَفِيلُ مُعْلِمٌ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحَمَالَةِ { وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ } ا هـ .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَبَالَةِ { أَوْ تَأْتِيَ بِاَللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا } أَيْ ضَامِنًا وَقَالَ تَعَالَى فِي الزَّعَامَةِ حِكَايَةً عَنْ مُنَادِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ } وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي
التَّنْبِيهَاتِ وَمِثْلُ حَمِيلٍ عَذِيرٌ وكدين قَالَ وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ قَالَ وَالْكَفَالَةُ اشْتِقَاقُهَا مِنْ الْكِفْلِ وَهُوَ الْكِسَاءُ الَّذِي يُحَزَّمُ حَوْلَ سَنَامِ الْبَعِيرِ لِيُحْفَظَ بِهِ الرَّاكِبُ وَالْكَفِيلُ حَافِظٌ لِمَا الْتَزَمَهُ وَالضَّامِنُ مِنْ الضِّمْنِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَكُلُّ شَيْءٍ أَحْرَزْته فِي شَيْءٍ فَقَدْ ضَمَّنْته إيَّاهُ وَالْقَبَالَةُ الْقُوَّةُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَالِي بِهَذَا الْأَمْرِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَالْقَبِيلُ قُوَّةٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ وَالزَّعَامَةُ السِّيَادَةُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا تَكَفَّلَ بِهِ صَارَ لَهُ عَلَيْهِ سِيَادَةٌ وَحُكْمٌ عَلَيْهِ وَالصَّبِيرُ مِنْ الصَّبْرِ وَهُوَ الثَّبَاتُ وَالْحَبْسُ وَمِنْهُ الْمَصْبُورَةُ وَهِيَ الْمَحْبُوسَةُ لِلرَّمْيِ بِالسِّهَامِ وَمِنْهُ قَتَلَهُ صَبْرًا أَيْ حَبَسَهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا وَالضَّامِنُ حَبَسَ نَفْسَهُ لِأَدَاءِ الْحَقِّ وَالْكَدِينُ مِنْ كَدَنْت لَك بِكَذَا وَكَذَا وَقَالُوا عَذِيرُك أَيْ كَفِيلُك وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْكَفَالَةُ أَصْلُهَا الضَّمُّ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْخَشَبَةُ الَّتِي تُعْمَلُ فِي الْحَائِطِ كِفْلًا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا } أَيْ ضَمَّهَا لِنَفْسِهِ وَالْكَفَالَةُ هِيَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فَصَدَقَ الْمَعْنَى ا هـ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ إذَا قَالَ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ ا هـ .
أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عُرْفًا فِي زَمَانِهِ أَوْ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا زَمَانِيًّا فَإِنَّهُ إذًا تَغَيَّرَ الْحُكْمُ وَإِمَّا إنْ كَانَ عُرْفًا شَرْعِيًّا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَلَفْظُ الْكَفَالَةِ كَلَفْظِ الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ا هـ .
يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ خَبَرٌ بِالْتِزَامِ مَا لَا يُنْذَرُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ وَهِيَ وَعْدُهُ تَعَالَى بِكَلَامِهِ النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ وَبَيْنَ الْحَادِثَةِ
وَهِيَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا وَعْدُهُ تَعَالَى بِالْكَلَامِ اللَّفْظِيِّ الْحَادِثِ الْمُنَزَّلِ فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الدَّالِّ عَلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ فَهُوَ كَفَالَةٌ حَادِثَةٌ دَالَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْكِفَايَةِ الْقَدِيمَةِ كَمَا أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّفْظِيِّ الَّذِي هُوَ { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } دَلِيلُ أَمْرِهِ النَّفْسِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ وَالْأَخْبَارِ وَثَانِيهِمَا الَّتِي نَدَبَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لِخَلْقِهِ مِنْ ضَمَانِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الَّتِي هِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةٌ تَشْرِيعِيَّةٌ لِعِبَادِهِ إذْ الْإِنْسَانُ إنَّمَا يَلْتَزِمُ فِعْلًا مِنْ كَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثَيْنِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَوْ نَوَى خُصُوصَ الْقَدِيمِ لَكَانَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَبْعُدُ فِي الْفِقْهِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ بِهَذَا كَفَّارَةٌ إذْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَا حِنْثٍ لَا تَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ لِأَنَّ لُزُومَ الْمُسَبَّبِ بِدُونِ سَبَبِهِ غَيْرُ وَاقِعٍ شَرْعًا وَجَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ مَا إذَا قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَّارَاتٍ أَوْ مَوَاثِيقَ أَوْ نُذُورٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَزِمَهُ عَدَدُ مَا ذَكَرَ كَفَّارَاتٍ ا هـ .
غَايَتُهُ تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْكَفَّارَةِ مَجَازًا لَا تَصْحِيحُ كَوْنِهِ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ وَالْأَيْمَانِ فِي شَيْءٍ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ إلَّا إذَا جَرَى الْعُرْفُ الزَّمَانِيُّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِالْكَفَالَةِ الْقَدِيمَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ الِاسْتِعْمَالُ عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ اللَّفْظُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ بِغَيْرِ قَرِينَةٍ نَعَمْ ذَلِكَ وَإِنْ وُجِدَ فِي زَمَانِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُوجَدْ فِي زَمَانِنَا فَحِينَئِذٍ لَا تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ
ضَرُورَةً تَغَيَّرَ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ الزَّمَانِيِّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَرَى جَرَيَانَ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ بِنَقْلِهِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إلَى الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ وَفِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فَحِينَئِذٍ تُتَّجَهُ الْفُتْيَا فِيهِ بِلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي عَلَيَّ ضَمَانُ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ سَائِرِ الْمُرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِقَوْلِهِ وَكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْقَسَمِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ النَّقْلُ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ مَجَازًا أَوْ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ عُرْفًا فِي الْإِنْشَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ أَصْرَحُ مِنْهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَسَمٌ مُسْتَغْنٍ عَمَّا ذُكِرَ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي احْتِمَالِ الْكَفَالَةِ الْحَادِثَةِ وَكَوْنِ إضَافَتِهَا إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ا هـ .
وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ أَيْ الْتِزَامِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْتِزَامِهِ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ الثَّوَابِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ا هـ .
وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَضَمَانِ اللَّهِ أَوْ أُقْسِمُ بِضَمَانِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الصِّيَغِ الْمَوْضُوعَةِ فِي سَائِرِ الْمُتَرَادِفَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَافْهَمْ .
اللَّفْظُ السَّادِسُ الْمِيثَاقُ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَالْمِيثَاقُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَهْدِ وَالْيَمِينِ أَمَّا الْيَمِينُ فَهُوَ الْقَسَمُ وَأَمَّا الْعَهْدُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الِالْتِزَامُ وَالْمِيثَاقُ هُوَ الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ فَيَكُونُ الْمِيثَاقُ مُرَكَّبًا مِنْ الْعَهْدِ وَالْيَمِينِ مَعًا كَذَا كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَنْقُلُهُ عَنْ اللُّغَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنَى الْمِيثَاقِ وَالْعَهْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَالْقَسَمُ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ وَإِذَا كَانَا مَعًا يَرْجِعَانِ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ فَالْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَرْكَبَاتِ تَابِعَةٌ لِلْمُفْرَدَاتِ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى الْمِيثَاقِ يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْكَلَامِ وَرَدَ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ الْوَارِدُ مِنْ لَفْظِ عَلَيَّ وَكَيْفَ يَصِحُّ الْتِزَامُ مِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعَهْدِ وَالْكَفَالَةِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ بِهِ لَيْسَ مِنْ بَابِ صَرِيحِ اللُّغَةِ بَلْ ذَلِكَ إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ الْعُرْفِ أَوْ النَّقْلِ وَأَنَّ الْإِضَافَةَ مُحْتَمِلَةٌ لِمِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ كَلَامٌ نَفْسِيٌّ وَمِيثَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ كَلَامٌ لَفْظِيٌّ لِسَانِيٌّ حَادِثٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } فَإِنَّ هَذَا الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْقَسَمِ بِقَوْلِهِ وَرَبِّي فَيَكُونُ مِيثَاقًا وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } إلَى قَوْلِهِ { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } الْتَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مَنْ دَسَّاهَا أَيْ
دَسَّهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً .
وَأَكَّدَ هَذَا الِالْتِزَامَ بِالْقَسَمِ السَّابِقِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } إلَى قَوْلِهِ { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } فَهَذَا كُلُّهُ قَسَمٌ مُؤَكِّدٌ لِذَلِكَ الِالْتِزَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَثِيرٌ مِنْ الِالْتِزَامَاتِ لِتَوَكُّدَةِ بِالْحَلِفِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا مِيثَاقُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي شَرَعَهُ لَنَا فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَلْتَزِمَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِالْأَيْمَانِ وَالتَّأْكِيدِ فِي ذَلِكَ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ فَهَذَا الْمِيثَاقُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَفَالَةِ وَالشَّهَادَةِ فِي { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } .
وَإِذَا احْتَمَلَ الْمِيثَاقُ الْمُضَافُ إلَيْهِ تَعَالَى هَذِهِ الْمَوَاثِيقَ الثَّلَاثَةَ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي أَيْ ذَلِكَ وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا صَارَ اللَّفْظُ دَائِرًا بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ وَهُمَا الْقِسْمَانِ الْآخَرَانِ الْحَادِثَانِ الْمِيثَاقُ اللَّفْظِيُّ الدَّالُّ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ الْقَدِيمِ وَالْمِيثَاقُ الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّنَا لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ هَذَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ وَارِدَةً عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ حَالَةَ كَوْنِهَا مُفْرَدَةً فَإِذَا جُمِعَتْ وَقِيلَ كَفَالَاتُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَوَاثِيقُهُ فَالْأَسْئِلَةُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا .
وَيَرِدُ عَلَى الْجَمْعِ مَا يَرِدُ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ وَوَافَقَ مَالِكًا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ وَقَوْلُنَا وَحَقِّ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادَهِ وَكَذَلِكَ الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْحَوَادِثُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَاَلَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَّجَهٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَالتَّقَارِيرِ .
قَالَ ( اللَّفْظُ السَّادِسُ الْمِيثَاقُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِيهِ ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ قَوْلِهِ وَالْقَسَمُ أَيْضًا يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ فَإِنَّ الْمُقْسِمَ لَيْسَ خَبَرًا عَنْ تَعْظِيمِ الْمُقْسَمِ بِهِ بَلْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ
( اللَّفْظُ السَّادِسُ ) قَوْلُهُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ بِهِ إذَا حَنِثَ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَعَلَيَّ كَفَالَةُ اللَّهِ وَلَا يُتَّجَهُ إلَّا إذَا جَرَى بِنَقْلِهِ مِنْ الْإِخْبَارِ بِالِالْتِزَامِ الْمُؤَكَّدِ إلَى إنْشَاءِ الْقَسَمِ إمَّا عُرْفٌ زَمَانِيٌّ وَحِينَئِذٍ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِتَغَيُّرِ الْعُرْفِ وَإِمَّا عُرْفٌ شَرْعِيٌّ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ وَإِنْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمِيثَاقَ لُغَةً الْعَهْدُ الْمُوَثَّقُ بِالْيَمِينِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِنْشَاءِ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّوَثُّقِ وَهُوَ التَّقْوِيَةُ وَهُوَ أَنَّ الْعَهْدَ لُغَةً الِالْتِزَامُ فَمِيثَاقُ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْتِزَامِهِ تَعَالَى الْمُقَوَّى بِالْقَسَمِ فَيَصْدُقُ بِالْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَهُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى النَّفْسِيِّ الْقَدِيمِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ الْأَتِيَّةِ وَبَيْنَ الْحَادِثَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلْفَاظُ الْمَوَاثِيقِ الْقُرْآنِيَّةِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } وقَوْله تَعَالَى { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } إلَى قَوْلِهِ { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } مِنْ الِالْتِزَامَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الْكَثِيرَةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْحَلِفِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلُهُ وَرَبِّي وَالثَّانِي الْتِزَامٌ لَفْظِيٌّ مُؤَكَّدٌ بِالْحَلِفِ أَيْ قَوْلِهِ السَّابِقِ { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } إلَى قَوْلِهِ { وَنَفْسٍ وَمَا سِوَاهَا } دَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ الْتَزَمَ الْتِزَامًا مُؤَكَّدًا بِأَنَّ مَنْ زَكَّى نَفْسَهُ فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى فَلَاحًا وَأَنَّ مِنْ دَسَّا لَهَا أَيْ دَسَّسَهَا بِالْمَعَاصِي فَأُبْدِلَتْ إحْدَى السِّينَيْنِ أَلِفًا فَإِنَّهُ يَجِدُ عِنْدَهُ تَعَالَى خَيْبَةً ( وَثَانِيهِمَا ) مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِأَنَّ مِنْ أَمْرِهِ
لَنَا تُلْتَزَمُ الْحُقُوقُ الْوَاجِبَةُ عَلَيْنَا لِلْعِبَادِ وَأَنْ نُزِيلَ الرِّيبَةَ مِنْ صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَصْحَابُ تِلْكَ الْحُقُوقِ بِتَأْكِيدِ ذَلِكَ بِالْإِيمَانِ النَّافِي لِتِلْكَ الرِّيبَةِ أُضِيفَ إلَيْهِ تَعَالَى لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَهِيَ مُلَابَسَةُ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ } كَمَا مَرَّ فَلَفْظُ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ دَائِرٌ بَيْنَ مَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ مَا هُوَ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لَهَا وَهُمَا الْمِيثَاقَانِ الْحَادِثَانِ أَعْنِي اللَّفْظِيَّ وَالْمَشْرُوعَ فِي حَقِّنَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَيِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَعَ أَوْ كَانَ مُرَادًا وَالدَّائِرُ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُوجِبُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا فَمِنْ هُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَهْدُ وَالْكَفَالَةُ وَالْمِيثَاقُ كِنَايَاتٌ لَا صَرَائِحُ لِتَرَدُّدِهَا بَيْنَ الْمَعَانِي الْقَدِيمَةِ وَبَيْنَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَةَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِكَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ا هـ .
وَيَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَجْمُوعَةً كَعَلَيَّ عُهُودُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ كَفَالَاتُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ مَوَاثِيقُ اللَّهِ مَا جَرَى فِيهَا مُفْرَدَةً .
اللَّفْظُ السَّابِعُ ايْمُنُ اللَّهِ قَالَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَنْمِيَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } وَ { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } أَيْ كَثُرَ جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَا .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ وَيُقَالُ ايْمُنُ اللَّهِ وَأَيْمُ اللَّهِ وَمَنْ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ ثُمَّ عَلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ إشْكَالٌ أَيْضًا بِسَبَبِ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ فَحَلَفَ بِالْحَلِفِ يَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ أَيْضًا فَإِنَّ حَلِفَ الْخَلْقِ مُحْدَثٌ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَلِكَ يَرِدُ الْإِشْكَالُ عَلَى مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ قَالَ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْقَسَمَ فَقَدْ حَلَفَ بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ مُوجِبَاتِ الْأَيْمَانِ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مُسَبِّبَاتٌ لِأَسْبَابِهَا وَأَسْبَابُهَا لَمْ تُوجَدْ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّ لُزُومَ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الشَّرِيعَةِ بَلْ الشَّرِيعَةُ تُنْكِرُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ عَلَى سَبِيلِ النَّذْرِ فَيَفْتَقِرُ ذَلِكَ إلَى نِيَّةِ النَّذْرِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً فِي الْفِقْهِ الْمَنْذُورِ بَلْ هِيَ أَخْبَارٌ وَقَسَمٌ وَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ بِلُزُومِ هَذِهِ الْأُمُورِ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّهَا مِنْ بَابِ النُّذُورِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الْقَسَمِ وَالْحَلِفِ .
قَالَ ( اللَّفْظُ السَّابِعُ أَيْمُنُ اللَّهِ ) قُلْت مَا حَكَاهُ مِنْ الِاشْتِقَاقِ وَغَيْرِهِ لَا كَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ نَقْلٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَنَّهُ حَالِفٌ بِمُحْدَثٍ لِأَنَّ أَيْمَانَ الْمُسْلِمِينَ حَلِفُهُمْ وَهُوَ مُحْدَثٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ إنَّمَا يَقُولُهُ فِي حَالٍ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ خَبَرِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ قَوْلَهُ ذَلِكَ إلَى قَصْدِهِ إلَى مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الْخَبَرَ شَرْعًا أَوْ إلَى مَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ جَمْعُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ فَإِذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ يَمِينٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِدُونِ أَسْبَابِهَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ الْكَفَّارَاتِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ أَوْ الْقَائِلِينَ بِلُزُومِ جَمِيعِ مَا يَلْزَمُ شَرْعًا بِالْتِزَامِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ قَائِلَ : أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي لَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِلَفْظِ الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ وَلَا بِالْمُلْتَزَمِ الشَّرْعِيِّ وَلَكِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْقَرَائِنِ أَنَّهُ عَنِيَ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ أَوْ الْمُلْتَزَمَ الشَّرْعِيَّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ عَدَمُ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ فَلُزُومٌ بِمُقْتَضَى الْيَمِينِ الشَّرْعِيِّ أَوْ الْمُلْتَزَمَاتِ الشَّرْعِيَّةِ جَارٍ عَلَى مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( اللَّفْظُ السَّابِعُ ) قَوْلُنَا وَحَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الرَّحْمَنِ وَحَقِّ الرَّحِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْجَبَّارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا الصَّرَائِحِ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَقِّ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُمْ وَهِيَ حَادِثَةٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَدِيمَ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ النَّفْسَانِيُّ الْمُوَظَّفُ عَلَى عِبَادِهِ وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِحَقِّ اللَّهِ أَيْ اسْتِحْقَاقِهِ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْحُقُوقُ الَّتِي عَلَى الْعِبَادِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ا هـ .
وَفِي كنون عَلَى عبق وَحَقِّ اللَّهِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ قَالَهُ فِي الْبَيَانِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْقَابِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَصُّهُ فِي جَوَابٍ لِلْوَنْشَرِيسِيِّ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَفَّارَةٌ لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ أَيْ أَنْ يُطِيعُوهُ وَلَا يُخَالِفُوهُ وَأَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْيَمِينَ فَيَجْرِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ ا هـ .
( اللَّفْظُ الثَّامِنُ ) ايْمُنُ اللَّهِ بِلُغَاتِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي فِي قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ ( : هَمْزَ أَيْمُ أَيْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرَا وَأُمْ قُلْ أَوْ قُلْ أَوْ مُنُ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شُكِلَا وَأَيْمَنُ اخْتِمْ بِهِ وَاَللَّهُ كُلًّا أَضِفْ إلَيْهِ فِي قَسَمٍ تُسَوَّفْ مَا نُقِلَا ) وَايَمَنُ الْأَخِيرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي الرَّهُونِيِّ عَلَى عبق وَلِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَا نَصُّهُ أَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَلَا إشْكَالَ فِي أَنَّهَا يَمِينٌ لِأَنَّ اَيْمُ اللَّهِ أَوْ ايْمُنُ اللَّهِ أَوْ مُنُ اللَّهِ كُلَّهَا جَاءَتْ لِلْعَرَبِ فِي الْقَسَمِ فَمِنْ النُّحَاةِ مَنْ ذَهَبَ إلَى
أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا عِنْدَهُمْ أَيْمُنُ جَمْعُ يَمِينٍ ثُمَّ حَذَفُوا عَلَى عَادَتِهِمْ فِي الْحَذْفِ لِأَكْثَرِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَقَالُوا اَيْمُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَمَا قَالُوا يَمِينُ اللَّهِ لَا فَعَلْت أَوْ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ الشَّاعِرُ : فَقُلْت يَمِينُ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ أَلِفَ ايْمُنُ اللَّهِ أَلِفُ وَصْلٍ وَإِنَّمَا فُتِحَتْ لِدُخُولِهَا عَلَى اسْمٍ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ ا هـ .
بِلَفْظِهِ وَقَوْلُ عبق وَارِدٌ بِالْبَرَكَةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ قَالَ ح هُوَ إرَادَةُ الْبَرَكَةِ ا هـ .
وَفِي مَجْمُوعِ الْأَمِيرِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِاَيْمِ اللَّهِ أَيْ بَرَكَتِهِ وَبَقِيَّةُ لُغَاتِهَا كَذَلِكَ إنْ لَمْ يَنْوِ حَادِثًا أَيْ بَرَكَةَ الذَّرَّةِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ا هـ .
وَفِي الْأَصْلِ قَالَ سِيبَوَيْهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمُحْدَثِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْأَرْزَاقِ وَالْأَخْلَاقِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ الَّذِي هُوَ جَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتُهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } وَ { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ } أَيْ كَثُرَ جَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَصِفَاتُهُ الْعُلَى وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ كِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمُحْدَثِ وَبَيْنَ الْقَدِيمِ أَيْ فَإِنْ نَوَى الْقَدِيمَ وَحَنِثَ لَزِمَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ جَمْعُ يَمِينٍ فَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ ا هـ .
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالشَّخْصُ إنَّمَا يَقُولُ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمُنِي أَوْ عَلَيَّ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَالٍ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ خَبَرِهِ الَّذِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ قَوْلَهُ ذَلِكَ إمَّا إلَى مَا يُؤَكِّدُ بِهِ الْخَبَرَ شَرْعًا فَيَلْزَمُهُ جَمْعُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْيَمِينُ الشَّرْعِيُّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ فَإِذَا
حَنِثَ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ .
وَأَمَّا إلَى مَا يَلْزَمُ مُقْتَضَاهُ شَرْعًا فَيَلْزَمُهُ كُلُّ مَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا مِنْ يَمِينٍ وَنَذْرٍ وَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَقَدْ قِيلَ بِذَلِكَ فَهُوَ عَلَى كُلٍّ مِنْ بَابِ لُزُومِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا لَا مِنْ بَابِ لُزُومِهَا بِدُونِ أَسْبَابِهَا كَمَا قِيلَ نَعَمْ لُزُومُ مَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ أَنَّ الْقَرَائِنَ تُفْهِمُ أَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ عَنِي الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّ أَوْ الْمُلْتَزَمَ الشَّرْعِيَّ إنَّمَا يَجْرِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ مُعَيَّنَاتِ الْأَلْفَاظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
( اللَّفْظُ التَّاسِعُ ) الْمُصْحَفُ أَوْ الْقُرْآنُ أَوْ كَلِمَةٌ مِنْهُ تَخُصُّهُ كَ { الم } لَا نَحْوُ قَالَ : قَالَ كنون حَاصِلُ مَا لعبق وَالْبَنَّانِيِّ أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ الْأَزَلِيِّ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الْعِبَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الْمَسْمُوعَةِ لَنَا وَعَلَى نُقُوشِ الْكِتَابَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَبَقِيَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَحْفُوظِ فِي الصُّدُورِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ كَمَا يُقَالُ حَفِظْت الْقُرْآنَ فَكَلَامُ اللَّهِ يُطْلَقُ بِالِاعْتِبَارَاتِ الْأَرْبَعَةِ وَالْقَدِيمُ مِنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ الْعَزِيزُ قِرَاءَةُ الْخَلْقِ صِفَاتٌ لَهُمْ فَوَاجِبٌ حُدُوثُهَا مِثْلَهُمْ .
وَقَوْلُهُ : الْمَعْدُودُ مِنْ صِفَاتِهِ فَوَاجِبٌ قِدَمُهُ كَذَاتِهِ وَهَذِهِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ دَلَائِلٌ عَلَيْهِ مَوْضُوعَاتُ وَإِيضَاحُ قَوْلِهِ دَلَائِلٌ عَلَيْهِ بِالْمِثَالِ أَنْ يُنَزِّلَ كَلَامَهُ مَنْزِلَةَ رَجُلٍ فَيَكْتُبُ الرَّجُلُ وَيَذْكُرُ بِاللِّسَانِ وَيَسْتَحْضِرُ فِي الذِّهْنِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ غَيْرُ حَالٍّ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ كَلَامُهُ تَعَالَى الْقَدِيمُ يُلْفَظُ وَيُسْمَعُ بِالنَّظْمِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَيُحْفَظُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُتَخَيَّلَةِ فِي الذِّهْنِ وَيُكْتَبُ بِأَشْكَالِ الْحُرُوفِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ حَالٍّ فِي ذَلِكَ وَكَمَا يُقَالُ النَّارُ جَوْهَرٌ مُحْرِقٌ فَيُذْكَرُ بِاللَّفْظِ وَيُسْمَعُ
بِالْآذَانِ وَيُعْرَفُ بِالْقَلْبِ وَيُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ حَقِيقَةٍ النَّارِ حَالَّةً فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ لِلشَّيْءِ وُجُودًا فِي الْأَعْيَانِ وَوُجُودًا فِي الْأَذْهَانِ وَوُجُودًا فِي الْعِبَارَةِ وَوُجُودًا فِي الْكِتَابَةِ فَالْكِتَابَةُ تَدُلُّ عَلَى الْعِبَارَةِ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْأَذْهَانِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْأَعْيَانِ فَحَيْثُ يُوصَفُ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِنَا الْقُرْآنُ أَوْ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَالْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ أَعْنِي الْمَعْنَى النَّفْسِيَّ الْقَائِمَ بِالذَّاتِ الْعَلِيَّةِ وَحَدِيثٌ يُوصَفُ بِمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْمَخْلُوقَاتِ وَالْمُحْدَثَاتِ يُرَادُ بِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَنْطُوقَةُ الْمَسْمُوعَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ { مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ التَّرَنُّمِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ } أَوْ الْمُخَيِّلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمِ } وَكَحَدِيثِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ { مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ } أَوْ الْأَشْكَالِ الْمَنْقُوشَةِ كَحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ { لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ } .
وَقَدْ ذَكَرَ السَّعْدُ عَنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يُقَالُ الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ لِئَلَّا يَسْبِقَ إلَى الْفَهْمِ أَنَّ الْمُؤَلَّفَ مِنْ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ قَدِيمٌ وَكَانَ السَّلَفُ يَمْنَعُونَ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ اللَّفْظُ إلَخْ دَفْعًا لِإِيهَامِ خَلْقِ الْمَعْنَى الْقَائِمِ لِلذَّاتِ الْعَلِيَّةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ وَعَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَالْأَكْثَرُ ، أَوْ لَا ؟ وَعَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَفِي حَاشِيَةِ الرِّسَالَةِ للح قَالَ فِي رَسْمِ أَوْصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ النُّذُورِ إنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ وَأَرَادَ
الْمُصْحَفَ نَفْسَهُ دُونَ الْمَفْهُومِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } ا هـ .
وَفِي الْمَجْمُوعِ وَشَرْحِهِ انْعِقَادُ الْيَمِينِ بِالْمُصْحَفِ وَأَوْلَى الْقُرْآنُ أَوْ كَلِمَةٌ مِنْهُ تَخُصُّهُ عُرْفًا كَ { الم } لَا نَحْوُ قَالَ إنْ لَمْ يَنْوِ مَعْنًى حَادِثًا أَيْ الْمَكْتُوبَ أَوْ اللَّفْظَ الْمُنَزَّلَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْقَدِيمِ بِأَنْ نَوَى قَدِيمًا أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا ا هـ .
وَفِي الْأَصْلِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِالْقُرْآنِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ أَوْ الزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَحَنِثَ وَهُوَ لِمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَهُ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ النَّفْسِيِّ أَمْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا حَلَفَ بِذَلِكَ وَحَنِثَ وَهُوَ مَا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّا لَا نَفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ الْقُرْآنَ ، وَهُوَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ أَوْ يَكْتُبُ الْقُرْآنَ إلَّا هَذِهِ الْأَصْوَاتَ وَالرُّقُومَ الْمَكْتُوبَةَ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ نَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُسَافَرَةَ مُتَعَذِّرَةٌ بِالْقَدِيمِ ا هـ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِي ضَوْءِ الشُّمُوعِ سِتَّةَ أَلْفَاظٍ ( اللَّفْظُ الْعَاشِرُ ) قَوْلُهُ وَالِاسْمُ الْأَعْظَمُ قَالَ الْأَمِيرُ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْأَعْظَمَ مِنْ اسْمَيْنِ لِشَخْصٍ ( اللَّفْظُ الْحَادِي عَشَرَ ) قَوْلُهُ وَدِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْأَمِيرُ إنْ أَرَادَ بِهِ الْأَحْكَامَ الْإِلَهِيَّةِ انْعَقَدَ لِأَنَّهَا تَرْجِعُ لِكَلَامِهِ وَخِطَابِهِ وَإِنْ أَرَادَ تَدَيُّنَ الْعِبَادِ وَطَاعَتَهُمْ لَمْ يَلْزَمْ ( اللَّفْظُ الثَّانِي عَشَرَ ) قَوْلُهُ
وَخَاتَمِ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى فَمِ الْعِبَادِ قَالَ الْأَمِيرُ لَا يَلْزَمُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْحُكْمَ الْآلِهِيَّ بِهِ فَيَلْزَمُ كَمَا إذَا قَالَ وَاَلَّذِي خَاتَمُهُ عَلَى فَمِي وَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ ( اللَّفْظُ الثَّالِثَ عَشَرَ ) قَوْلُهُ وَالْعِلْمِ الشَّرِيفِ قَالَ الْأَمِيرُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الْعُلُومُ الْمُدَوَّنَةُ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَحْكَامَهُ عَلَى مَا سَبَقَ ( اللَّفْظُ الرَّابِعَ عَشَرَ ) وَالْمَوْجُودِ وَالشَّيْءِ قَالَ الْأَمِيرُ وَيَنْعَقِدُ بِالْمَوْجُودِ وَبِالشَّيْءِ إذَا أُرِيدَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا فِي ابْنِ شَاسٍ وَفِي الْقُرْآنِ { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ } وَمَا فِي عبق مِنْ عَدَمِ الِانْعِقَادِ بِالْمَوْجُودِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي بِذَاتِهَا لِلْقَسَمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إرَادَةٍ فَالنَّفْسِيَّةُ تَنْعَقِدُ بِهَا لَا بِالِاسْمِ الْمُشْتَقِّ مِنْهَا عَكْسُ الْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ وَوُجُودِ اللَّهِ كَانَ صَرِيحًا فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْوُجُودَ عَيْنُ الْمَوْجُودِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا قِيلَ وَالْوُجُودِ مُعَرَّفًا بِأَلْ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ جَرَى فِيهِ مَا جَرَى فِي الْمَوْجُودِ بِالْمِيمِ ( اللَّفْظُ الْخَامِسَ عَشَرَ ) مَا تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَجُمْلَةُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَلْفَاظِ هَذَا الْقِسْمِ أَعْنِي مَا لَمْ يُعْلَمْ قِدَمُ مَدْلُولِهِ وَلَا حُدُوثِهِ خَمْسَةَ عَشَرْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَرْقِ الَّذِي عَقِبَ هَذَا الْفَرْقِ عَنْ الْأَصْلِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ) صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةُ أَقْسَامٍ مَعْنَوِيَّةٌ وَذَاتِيَّةٌ وَسَلْبِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ وَمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهِيَ الصِّفَاتُ الْمَعْنَوِيَّةُ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ فَهَذِهِ كُلُّهَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةَ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا ابْتِدَاءً هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ وَمُسْتَنَدُ الْمَشْهُورِ مَا تَقَدَّمَ مِمَّا حَكَاهُ { رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك وَلَكِنْ لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك } وَفِي هَذَا الْقَسَمِ مَسَائِلُ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إذَا حَلَفَ بِهِ قُلْنَا نَحْنُ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكَلَامِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ فَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ هَلْ فِيهِ عُرْفٌ أَمْ لَا وَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ } لَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ إلَّا الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ وَإِذَا قِيلَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ الْقُرْآنُ إنَّمَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ الْكَلَامُ الْعَرَبِيُّ الْمُعْجِزُ وَالْعَرَبِيُّ الْمُعْجِزُ مُحْدَثٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ حَمْلًا لِلْقُرْآنِ عَلَى
الْقَدِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ ابْنُ زَرْبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَيُلْحَقُ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ أَوْ بِالْإِنْجِيلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ أَيْضًا ظَاهِرَةٌ فِي الْعُرْفِ الْمُحْدَثِ فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ الْمُصْحَفِ إلَّا الْأَوْرَاقَ الْمَرْقُومَةَ الْمُجَلَّدَةَ بِالْجِلْدِ وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ وَكَذَلِكَ التَّنْزِيلُ وَالْإِنْزَالُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي الْحَادِثِ فَإِنَّ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةَ لَا تُفَارِقُ مَوْصُوفَهَا وَمَا يَسْتَحِيلُ مُفَارَقَتُهُ يَسْتَحِيلُ نُزُولُهُ وَطُلُوعُهُ وَمُطْلَقُ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ فَهُمَا كَلَفْظِ الْقُرْآنِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُمَا إلَّا الْكَلِمَاتُ الْخَاصَّةُ الَّتِي نَزَلَتْ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ وَمَا يُوصَفُ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةِ فَهُوَ مُحْدَثٌ بِالصُّورَةِ وَكَذَلِكَ قُلْنَا الْقُرْآنُ لِكَوْنِهِ مَوْصُوفًا بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا فِي قَوْله تَعَالَى { إنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا } مُحْدَثٌ فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ وَالْعَجَمِيَّةَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ كَانَ قَدِيمًا أَوْ مُحْدَثًا لَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَلَا عَجَمِيًّا : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلَتْ اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلَتْ .
وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُرُوفَ الْقَسَمِ قَدْ تُحْذَفُ فَهُوَ كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَإِنْ أَرَادَهُ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ
وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ إنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لِذَلِكَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فُتِحَتْ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا لِلْعُمُومِ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا عِنْدَهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } فَهَذِهِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ فَهَذَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا اُسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهَا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْعُمُومِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْخُصُوصِ الَّذِي هُوَ الْعَهْدُ فَيَكُونُ مَجَازًا فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَقَالَ الْقَائِلُ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ فَأَصْلُهَا فِي الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ فَتَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ كَانَ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا فَيَجْتَمِعُ فِي أَفْرَادِ هَذَا الْعُمُومِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَهُوَ مُوجِبٌ وَالْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَهُوَ غَيْرُ مُوجِبٍ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ تَرَتَّبَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُوجِبِ وَوُجُودُ غَيْرِ الْمُوجِبِ لَا يَقْدَحُ وَلَا يُعَارِضُ الْمُوجِبَ كَمَنْ وُجِدَ مِنْهُ شُرْبُ الْخَمْرِ وَشُرْبُ الْمَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَجْلِ الْمُوجِبِ .
وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْمُوجِبِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ حِينَئِذٍ انْدَرَجَ فِي كَلَامِهِ مَا يُسَوِّغُ الْحَلِفَ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَمَا يُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهِ تَحْرِيمًا أَوْ
كَرَاهَةً وَهُوَ الْعِلْمُ الْمُحْدَثُ وَالْمُرَكَّبُ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَتَكُونُ يَمِينُهُ هَذِهِ مَنْهِيًّا عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ هَذَا إذَا اسْتَعْمَلْنَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعُمُومِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا لِلْعَهْدِ أَوْ قَرِينَةُ الْحَلِفِ تَصْرِفُهَا لِلْعَهْدِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ الْمُرَادُ مَا عُهِدَ الْحَلِفُ بِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ الْحَالِفِينَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَلْخِيصِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الصِّفَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَإِنْ أُضِيفَتْ وَقَالَ الْحَالِفُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْدَرَجَ فِي الْمُضَافِ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ وَالْمُحْدَثُ وَكَذَلِكَ كُلُّ صِفَةٍ تُضَافُ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } فَعَمَّ جَمِيعَ مِيَاهِ الْبَحْرِ وَمَيْتَاتِهِ وَلِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْإِضَافَةُ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَالْمُحْدَثَاتُ مِنْ الصِّفَاتِ وَالْمَوْصُوفَاتِ تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ خَلَقَهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ الَّتِي بَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَالْخَالِقِ .
وَلِذَلِكَ قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا } إنَّهُ تَعَالَى نَفَخَ فِيهِ رُوحًا مِنْ أَرْوَاحِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ أَرْوَاحَ الْخَلَائِقِ كُلَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَأَنَّ رُوحَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا فَأَضَافَهَا اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ إلَى الْخَالِقِ فَإِذَا وَضَحَ أَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فَإِنْ أَبْقَيْنَاهَا عَلَى عُمُومِهَا شَمِلَتْ الْمُوجِبَ وَغَيْرَ الْمُوجِبِ وَالْمَأْذُونَ فِيهِ وَالْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكَلَامُ حِينَئِذٍ فِي الْإِضَافَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عُمُومِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَإِنْ لَمْ نَحْمِلْهَا عَلَى
عُمُومِهَا وَقُلْنَا بِالْعَهْدِ فَهُوَ فِي الْإِضَافَةِ قَلِيلٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَسْطُورٌ لِلنُّحَاةِ فِي الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ هَاهُنَا إنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْحَالِفِ وَالْحَلِفِ أَنَّ هَذَا الْعَامَّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ خَاصَّةً فَيَقُومُ هَذَا التَّخْصِيصُ مَقَامَ الْعَهْدِ فِي لَامِ التَّعْرِيفِ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَتَكُونُ الْيَمِينُ مُلْزِمَةً لِلْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ نَهْيٍ وَقَدْ نَقَلَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ قَالَ إنْ أَرَادَ الْحَالِفُ بِقَوْلِهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ أَوْ الْمُحْدَثَ لَمْ تَجِبْ .
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ } وَ { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَالْقَدِيمُ لَا يَكُونُ مَرْبُوبًا وَلَا مَأْمُورًا بِهِ إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ يَكْفِي فِيهَا أَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَيَكُونُ اللَّفْظُ حَقِيقَةً وَأَنَّ الْعِزَّةَ الْحَادِثَةَ لِلْعِبَادِ يُمْكِنُ أَنْ تُضَافَ إلَيْهِ إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ وَلِأَجْلِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ وَالتَّرَدُّدَاتِ خَالَفْنَا جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ فَقَالُوا إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهَا كَانَتْ يَمِينًا وَإِنْ لَمْ تَتَعَارَفْ النَّاسُ بِهَا لَمْ تَكُنْ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الصِّفَاتُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ أَوْ صِفَاتِ الْفِعْلِ فَاشْتَرَطُوا الشُّهْرَةَ دُونَنَا وَسَوَّوْا بَيْنَ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ وَسَبَبُ اشْتِرَاطِهِمْ الشُّهْرَةَ أَنَّ الشُّهْرَةَ تُصَيِّرُ ذَلِكَ اللَّفْظَ الْمَشْهُورَ مَوْضُوعًا لِخُصُوصِ الْقَدِيمِ الَّذِي يَحْلِفُ بِهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَقَبْلَ النَّقْلِ وَالشُّهْرَةِ يَكُونُ اللَّفْظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَمِمَّا يُعَضِّدُ هَذَا التَّرَدُّدَ أَنَّ النَّكِرَاتِ قِسْمَانِ مِنْهُمَا مَا يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَقَوْلِنَا مَاءٌ وَمَالٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ فَيُقَالُ لِلْكَثِيرِ مِنْ
جَمِيعِ ذَلِكَ مَاءٌ وَذَهَبٌ وَفِضَّةٌ وَكَذَلِكَ الْقَلِيلُ وَمِنْ النَّكِرَاتِ مَا لَا يَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُ كَقَوْلِنَا رَجُلٌ وَعَبْدٌ وَدِرْهَمٌ وَدِينَارٌ فَلَا يُقَالُ لِلرِّجَالِ الْكَثِيرَةِ رَجُلٌ وَلِلْعَبِيدِ عَبْدٌ وَلَا لِلْفِضَّةِ وَالدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ دِرْهَمٌ وَلَا لِلذَّهَبِ الْكَثِيرِ وَالدَّنَانِيرِ دِينَارٌ .
وَإِنْ قِيلَ لَهُ الذَّهَبُ بَلْ لَا تَصْدُقُ هَذِهِ النَّكِرَاتُ إلَّا عَلَى هَذَا الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَصَارَتْ أَسْمَاءُ الْأَجْنَاسِ مِنْهَا مَا يَصْلُحُ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَمِنْهَا مَا لَا يَصْلُحُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ إنَّمَا نَقُولُهُ فِي أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ الَّتِي تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَّا الَّتِي لَا تَصْدُقُ إلَّا عَلَى الْجِنْسِ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ فَإِنَّ إضَافَتَهَا لَا تُوجِبُ تَعْمِيمًا وَلِذَلِكَ يُفْهَمُ الْعُمُومُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ مَالِي صَدَقَةٌ وَلَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَبْدِي حُرٌّ وَلَا امْرَأَتِي طَالِقٌ بَلْ لَا يُفْهَمُ مَعَ الْإِضَافَةِ إلَّا فَرْدٌ وَاحِدٌ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَهُوَ عَبْدٌ وَاحِدٌ وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُحْمَلُ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ إنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ عَلَى اسْمِ الْجِنْسِ إذَا كَانَ يَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ بِدَلِيلِ مَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ غَايَةَ الِاتِّجَاهِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَقَدْ نَبَّهْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحْصُولِ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْنًى صَحِيحًا يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ فَقَوْلُنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَصْدُقُ عَلَى الْكَثِيرِ أَمَانَةٌ بَلْ أَمَانَاتٌ وَلَا أَنْوَاعُ الْعِزَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّهَا عِزَّةٌ بَلْ عِزَّاتٌ وَكَذَلِكَ الْقُدْرَةُ الْكَثِيرَةُ وَلَا يُقَالُ لَهَا قُدْرَةٌ بَلْ قُدُرَاتٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا هُوَ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ أَنْ يَكُونَ لِلْوَاحِدِ نَحْوُ تَمْرَةٌ وَبُرْمَةٌ وَضَرْبَةٌ وَجُرْحَةٌ وَإِقَامَةٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَالَةُ الْإِضَافَةِ
تَتَنَاوَلُ إلَّا الْوَاحِدَ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِضَافَةِ وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا عُمُومَ فِيهِ حَتَّى يَشْمَلَ الْقَدِيمَ وَالْمُحْدَثَ فَيَبْقَى مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْقَدِيمُ وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُوجِبِ الَّذِي هُوَ الْمُحْدَثُ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حَتَّى تَحْصُلَ شُهْرَةٌ وَنَقْلٌ عُرْفِيٌّ فِي الْقَدِيمِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ حِينَئِذٍ وَهَذَا حَسَنٌ مُتَّجَهٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ الْكَثِيرَ يُسَمَّى عِلْمًا بِخِلَافِ الْإِرَادَةِ وَكَذَلِكَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ بِخِلَافِ الْحَيَاةِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مَبَاحِثُ حَسَنَةٌ يُمْكِنُ الْجُنُوحُ إلَيْهَا فِي مَجَالِ النَّظَرِ وَتَحْقِيقِ الْفِقْهِ .
قَالَ ( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ) إلَى قَوْلِهِ وَفِي هَذَا الْقِسْمِ مَسَائِلُ قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ خِلَافَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا هُوَ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ وَهُوَ هَلْ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ عُرْفٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ أَمْ لَا لَيْسَ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا زَعَمَ بَلْ الْعُرْفُ فِي الِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَادِثُ وَذَلِكَ مُسْتَنَدُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنْ قَرِينَةُ الْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَذَلِكَ مُسْتَنَدُ مَالِكٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
فَخِلَافُهُمَا فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذُكِرَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهَا الْعُمُومُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِالْعُمُومِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) .
قُلْت الصَّحِيحُ عِنْدِي فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ ذَلِكَ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ عَيَّنَتْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ
سَوَاءٌ كَانَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَمْ مُضَافًا لَيْسَ اشْتِمَالُهُ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ وَكُلُّ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ فَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِالْحَلِفِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذَا حَنِثَ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَلِفَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ ) صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى خَمْسَةٌ لِأَنَّهَا إمَّا ذَاتِيَّةٌ لَا تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ وَلَا عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ وَلَا عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا مَعْنَوِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى مَوْجُودٍ قَدِيمٍ قَائِمٍ بِالذَّاتِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا وَإِمَّا سَلْبِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى سَلْبِ نَقِيصَةٍ عَنْ الذَّاتِ وَإِمَّا فِعْلِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الذَّاتِ وَإِمَّا أَنْ تَشْمَلَ الْجَمِيعَ ( فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةَ هِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَحْكَامٌ لِلذَّاتِ لَا مَعَانٍ قَائِمَةٌ بِالذَّاتِ نَظِيرُ جَمْعِ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقِهِ فِي الْبَيَاضِ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْأَحْوَالِ وَأَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ أَمَّا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَهِيَ بِجُمْلَتِهَا صِفَاتٌ سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ لَا وُجُودَ فِي الْأَعْيَانِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ مِنْهَا .
فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ كَالْقِدَمِ مِنْ صِفَاتِ السُّلُوبِ مَعْنَاهُ نَفْيُ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ وَكَوْنُ النَّفْيِ عَلَى طَرِيقَةِ الِامْتِنَاعِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ بَقَاءِ الذَّاتِ وَاجِبًا كَمَا أَنَّ مَعْنَى الْقِدَمِ امْتِنَاعُ سَبْقِيَّةِ الْعَدَمِ لِلذَّاتِ فَلَا وُجُودَ لِمَعْنَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْأَعْيَانِ أَنَّهُ كَذَلِكَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مَعَ الْحِنْثِ إذَا قَالَ الْحَالِفُ وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ وَأَبَدِيَّتِهِ إذْ لَا فَرْقَ سِيَّمَا وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْقِدَمَ نَفْسِيًّا زَاعِمًا أَنَّهُ الْوُجُودُ
الْأَزَلِيُّ وَكَذَا الْبَقَاءُ أَيْ الْوُجُودُ الْمُسْتَمِرُّ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ نَعَمْ قَدْ جَعَلَ بَعْضُهُمْ الْقِدَمَ وَالْبَقَاءَ مِنْ الْمَعَانِي وَرُدَّ بِأَنَّهُمَا ثَابِتَانِ لِصِفَاتِهِ أَيْضًا فَيَلْزَمُ قِيَامُ الْمَعْنَى بِالْمَعْنَى مِنْ الدَّوْرِ أَوْ التَّسَلْسُلِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْأَمِيرِ أَيْضًا هَذَا تَحْقِيقُ الْمَقَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ لَيْسَتْ مَعَانِيهَا مَوْجُودَةً قَائِمَةً بِالذَّاتِ وَلَا هِيَ سَلْبُ نَقِيصَةٍ كَقَوْلِنَا لَيْسَ بِجِسْمٍ بَلْ صِفَاتُ ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ لِتِلْكَ الذَّاتِ كَمَا نَقُولُ فِي السَّوَادِ إنَّهُ جَامِعٌ لِلْبَصَرِ وَالْبَيَاضِ إنَّهُ مُفَرِّقٌ لِلْبَصَرِ وَتَصِفُهُ بِذَلِكَ لَا بِمَعْنَى أَنَّ جَمْعَ الْبَصَرِ فِي السَّوَادِ وَتَفْرِيقَهُ فِي الْبَيَاضِ صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَحْكَامٌ ثَابِتَةٌ لِتِلْكَ الْحَقَائِقِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ صِفَةً مَعْنَوِيَّةً زَائِدَةً عَلَى الذَّاتِ سَمَّاهَا الْعُلَمَاءُ صِفَاتٍ ذَاتِيَّةً فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا .
وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ : عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْمُقَارَنَةُ نِسْبَةٌ لَا وُجُودَ لَهَا فِي الْأَعْيَانِ فَقَدْ اعْتَبَرَ النِّسْبَةَ وَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ الصِّفَةِ الْوُجُودِيَّةِ فَلَعَلَّهُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ كَذَلِكَ وَيُوجِبُ بِهَا الْكَفَّارَةَ إذَا قَالَ الْحَالِفُ : وَأَزَلِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ وُجُودِهِ وَأَبَدِيَّتِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا غَيْرَ مَا ذَكَرْته لَك مِنْ التَّخْرِيجِ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْأَبَدِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَالْأَزَلِيَّةُ اقْتِرَانُ الْوُجُودِ بِجَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ مِنْ جِهَةِ الْأَزَلِ فَالْأَزَلُ وَالْأَبَدُ مُتَنَافِيَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ .
وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ فَعَلَى
هَذَا لَا يَكُونُ الْأَبَدُ إلَّا مُتَجَدِّدًا بَعْدَ الْأَزَلِ فَإِنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَدِيمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَلِفُ بِأَبَدِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَجَدُّدِهَا بَعْدَ الْأَزَلِ ثُمَّ إنْ جَعَلْتُمْ الْحَلِفَ بِالْقَدِيمِ كَيْفَ كَانَ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا يَلْزَمُكُمْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِعَدَمِ الْعَامِّ أَنْ يَكُونَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت مُسَلَّمٌ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ لَا تَكُونُ أَزَلِيَّةً وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ بَعْدَ الْأَزَلِيَّةِ غَيْرَ أَنَّ أَبَدِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى تَرْجِعُ إلَى وُجُودِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ كَالْبَقَاءِ وَعَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَعَ أَنَّ الْبَقَاءَ لَا يُعْقَلُ فِي الْمُحْدَثَاتِ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ فَهُوَ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي التَّأْخِيرَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ عَنْ أَصْلِ الْوُجُودِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَبَرَهُ وَلَمْ يُلَاحِظْ هَذَا الْمَعْنَى وَمُقْتَضَى ذَلِكَ اعْتِبَارُ الْأَبَدِيَّةِ وَالْمَقْصُودُ التَّخْرِيجُ عَلَى الْمَذْهَبِ لَا إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهَذَا التَّخْرِيجُ صَحِيحٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ وَمَا لَا يَكُونُ فِي الْأَزَلِ يَكُونُ حَادِثًا قَطْعًا وَأَمَّا الْبَقَاءُ فَوَاقِعٌ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْوُجُودِ كَمَا حَصَلَ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ حَصَلَ بِالْأَزَلِ وَفِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ حُدُوثٌ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ وَأَمَّا عَدَمُ الْعَالَمِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ لَا نَعْتَبِرَ الْقَدِيمَ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ عُدِمَ الْعَالَمُ بَلْ عُدِمَ كُلُّ حَادِثٍ قَدِيمٍ .
وَلَا يَصِحُّ الْحَلِفُ بِهِ بَلْ يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ الْمُتَعَلِّقُ بِذَاتِ اللَّهِ وَوُجُودِهِ وَصِفَاتِهِ الْعُلَا وَعَدَمُ الْعَالَمِ وَالْحَوَادِثِ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَمْ تُشْرَعْ بِهِ يَمِينٌ ( فَائِدَةٌ ) اُخْتُلِفَ فِي الْقِدَمِ هَلْ هُوَ صِفَةٌ ثُبُوتِيَّةٌ وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ بِقِدَمٍ كَالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ أَوْ هُوَ صِفَةٌ نِسْبِيَّةٌ لَا
زَائِدَةٌ عَلَى ذَاتِهِ تَعَالَى بَلْ قِدَمُهُ اسْتِمْرَارُ وُجُودِهِ مَعَ جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ الْمُحَقَّقَةِ وَالْمُتَوَهَّمَةِ الِاسْتِمْرَارِ نِسْبَةً بَيْنَ الْوُجُودِ وَالذَّاتِ وَكَذَلِكَ جَرَى الْخِلَافُ فِي الْبَقَاءِ هَلْ هُوَ وُجُودِيٌّ أَمْ لَا .
قَالَ ( الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الصِّفَاتِ الصِّفَاتُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهُ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا وَاجِبَ الْوُجُودِ إلَى قَوْلِهِ فَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُهَا ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْأَزَلِيَّةَ إنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ وُجُودَهُ لَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَالْأَبَدِيَّةُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ عَدَمٌ وَوُجُودُ الْوُجُودِ نَفْيُ تَبَدُّلِهِ فَهَذِهِ الصِّفَاتُ بِجُمْلَتِهَا سَلْبِيَّةٌ لَا ثُبُوتِيَّةٌ هَذَا عَلَى إنْكَارِ الْأَحْوَالِ أَوْ إمَّا عَلَى إثْبَاتِهَا فَذَلِكَ مُتَّجَهٌ عَلَى أَنَّهَا أَحْوَالٌ نَفْسِيَّةٌ لَا مَعْنَوِيَّةٌ قَالَ ( وَأَمَّا حُكْمُهَا فِي الشَّرِيعَةِ إذَا حَلَفَ بِهَا فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ عَمْرُ اللَّهِ يَمِينِي يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّ الْعَمْرَ هُوَ الْبَقَاءُ وَالْبَقَاءُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ إلَى قَوْلِهِ مِنْ التَّخْرِيجِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْبَقَاءِ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى مُقَارَنَةِ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِالْبَقَاءِ سَوَاءٌ وُجِدَ زَمَانٌ أَوْ لَمْ يُوجَدْ فَإِنَّ الزَّمَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ قَالَ فَإِنْ قُلْت الْأَبَدِيَّةُ لَا تَكُونُ فِي الْأَزَلِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّةَ لَا تَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إلَى قَوْلِهِ فَمَعَ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ التَّخْرِيجُ قُلْت السُّؤَالُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَجَوَابُهُ كَذَلِكَ أَمَّا عَدَمُ صِحَّةِ السُّؤَالِ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى وَجَمِيعَ صِفَاتِهِ لَا يَلْحَقُهَا الزَّمَانُ وَالْأَزَلِيَّةُ وَالْأَبَدِيَّةُ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا بِالسَّلْبِ فَكَيْفَ يَقُولُ السَّائِلُ إنَّهُمَا لَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْآخَرُ وَهَلْ الْكَوْنُ إلَّا مِنْ لَوَاحِقِ الْوُجُودِ أَوْ هُوَ هُوَ فَمَا أَلْزَمُ مِنْ أَنَّ الْأَبَدَ لَا يَكُونُ إلَّا مُتَجَدِّدًا لَا يَلْزَمُ وَمَا قَالَهُ هُوَ فِي الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي الْمُحْدَثَاتِ لَا يُعْقَلُ إلَّا بَعْدَ الْحُدُوثِ مُسَلَّمٌ وَلَا
يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا بُنِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَالِكًا اعْتَبَرَ الْبَقَاءَ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ ثَانِيًا عَنْ الْحُدُوثِ وَمَتَى يَصِحُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ بَقَاؤُهُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ حَتَّى يَلْزَمَ أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ فَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَبَدِيَّةِ مَعَ تَسْلِيمِ تَجَدُّدِهَا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ لَا يُفَوَّهُ بِمِثْلِهِ مَنْ حَصَّلَ شَيْئًا مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ وَمَا قَالَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَوْ حِكَايَةُ خِلَافٍ وَلَا كَلَامَ فِيهِ .
( وَالْقِسْمُ الثَّانِي ) مِنْهَا أَعْنِي الْمَعْنَوِيَّةَ نِسْبَةً لِلْمَعَانِي الْوُجُودِيَّةِ الْقَائِمَةِ بِالذَّاتِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ وَالْوَاحِدُ اُذْكُرْ نَاسِبًا لِلْجَمْعِ مَا لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا فِي الْوَضْعِ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُنَا وَافَقَ وَاحِدًا فِي الْوَضْعِ فَإِذَا عَبَّرَ عُلَمَاءُ الْكَلَامِ عَنْ هَذَا الْقِسْمِ بِصِفَاتِ الْمَعَانِي وَقَالَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْوُسْطَى الْإِضَافَةُ فِي صِفَاتِ الْمَعَانِي لِلْبَيَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الصِّفَاتُ الَّتِي هِيَ نَفْسُ الْمَعَانِي يَعْنُونَ بِهَا الْمَعَانِي الْوُجُودِيَّةَ كَالْعِلْمِ مَثَلًا وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ أَنَّهُ بِتَقْدِيرِ مِنْ كَثَوْبِ خَزٍّ ا هـ .
وَلَمْ يُعَبِّرُوا بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ فَهِيَ سَبْعَةٌ الْعِلْمُ وَالْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْحَيَاةُ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِهَا ابْتِدَاءً وَأَنَّ الْحَلِفَ بِهَا مَعَ الْحِنْثِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ { أَنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ بَلَى وَعِزَّتِك لَا غِنَى لِي عَنْ بَرَكَتِك } كَمَا مَرَّ وَقِيلَ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ } وَلَفْظُ اللَّهِ مَخْصُوصٌ بِالذَّاتِ فَانْدَرَجَتْ الصِّفَاتُ فِي الْمَأْمُورِ بِالصَّمْتِ بِهِ لَكِنْ قَدْ مَرَّ عَنْ حَفِيدِ بْنِ رُشْدٍ قَالَ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَتَعْلِيقُ الْحُكْمِ فِي الْحَدِيثِ بِالِاسْمِ فَقَطْ أَيْ دُونَ أَنْ يُعَدَّى إلَى الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ جُمُودٌ كَثِيرٌ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مَرْوِيًّا فِي الْمَذْهَبِ حَكَاهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ ا هـ .
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) مَذْهَبُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ تَجِبُ بِهِ مَعَ الْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَمُسْتَنَدُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ
الْمُرَادَ بِهِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ الْحَادِثِ وَمُسْتَنَدُ مَالِكٍ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْعُرْفِ الْحَادِثِ إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ صَرَفَتْ اللَّفْظَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَسْوِيَةُ مَالِكٍ بَيْنَ لَفْظِ الْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ وَالتَّنْزِيلِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَعَ أَنَّ الْعُرْفَ فِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْمُحْدَثُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ إذَا قَالَ عَلِمَ اللَّهُ لَا فَعَلْت اسْتَحَبَّ لَهُ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ احْتِيَاطًا تَنْزِيلًا لِلَفْظِ عَلِمَ اللَّهُ الَّذِي هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ مَنْزِلَةَ عِلْمِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَعِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ أَرَادَ الْحَلِفَ بِعِلْمِ اللَّهِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ الْقَسَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْ الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ وَحَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِعَدَمِ فِعْلِهِ فَلَيْسَ بِحَلِفٍ تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَفْظُ عِلْمِ اللَّهِ لَا فَعَلْت كِنَايَةٌ تَحْتَمِلُ الْقَسَمَ وَالْإِخْبَارَ ا هـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ الْأَظْهَرُ نَظَرًا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَلِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْكَفَّارَةَ وَلَمْ يُوجِبْهَا ا هـ .
وَقَالَ الْأَصْلُ وَقَوْلُ سَحْنُونٍ مُتَّجَهٌ فِي قَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَقَدْ وَقَعَ لِبَعْضِ النُّحَاةِ جَوَازُ فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْقَسَمَ قَدْ يَقَعُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَكُونُ أَنَّ مَعْمُولَةً لَهُ نَحْوُ عَلِمَ اللَّهُ وَشَهِدَ اللَّهُ أَنَّ زَيْدًا لَمُنْطَلِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ مَظِنَّةَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي فَتَجِبُ تَنْزِيلًا لِلْمَظْنُونِ مَنْزِلَةَ الْمُحَقَّقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَقَلَهَا لُغَةً عَنْ الْعَرَبِ فِي فَتْحِ أَنَّ بَعْدَ الْقَسَمِ وَالْجَادَّةُ عَلَى كَسْرِهَا بَعْدَ الْقَسَمِ ا هـ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) الصَّحِيحُ أَنَّ قَرِينَةَ الْقَسَمِ فِي
قَوْلِ الْقَائِلِ وَالْعِلْمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَقَوْلُهُ وَعِلْمِ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ مُرَادَهُ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَانَ مُضَافًا أَمْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لَيْسَ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِي الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ أَصْلَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَكَذَا الْإِضَافَةُ فِي اللُّغَةِ لِلْعُمُومِ وَقَدْ تَكُونُ لِلْعَهْدِ مَجَازًا مُرْسَلًا مِنْ إطْلَاقِ الْعَامِّ وَإِرَادَةِ الْخَاصِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَمَا أَرْسَلْنَا إلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ } أَيْ عَصَى الرَّسُولَ الْمَعْهُودَ ذِكْرُهُ الْآنَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْمُعَمِّمُونَ بَلْ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ فِيهِ مِنْ بَابِ تَعْمِيمِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ وَالْقَوْلُ بِهِ مَرْدُودٌ فَكُلُّ مَا قَالَهُ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ كَمَا زَعَمَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .
( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَةٌ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ وَسَلْبُ الشَّرِيكِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ وَسَلْبُ الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ السُّلُوبِ نَحْوُ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَفْوِهِ وَحِلْمِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَقْدِيسِهِ فَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فَالْوَحْدَانِيَّةُ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَالْعَفْوُ إسْقَاطُ الْعُقُوبَةِ وَالْحِلْمُ تَأْخِيرُهَا فَهَذِهِ السُّلُوبُ مِنْهَا قَدِيمٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ السُّلُوبُ قَدِيمَةٌ هِيَ أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لِأَنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ الْإِضَافَةُ فِي اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَنْ يَقُولَ وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى تُبْعِدُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ وَمِنْهَا سُلُوبٌ مُحْدَثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ .
وَكَذَلِكَ حِلْمُهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ فَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْحَادِثِ حَادِثٌ فَهِيَ سُلُوبٌ حَادِثَةٌ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مِنْ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ السَّلْبِ وَالْحُدُوثِ فِيهَا فَبَعُدَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِخِلَافِ السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ إنَّمَا
بَعُدَتْ مِنْ حَيْثُ السَّلْبُ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ الثُّبُوتِيَّةِ يَقُولُ هَاهُنَا بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَلَّذِي يَقُولُ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَاهُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنِّي حَرَّكْت مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالتَّخْرِيجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْفَقِيهُ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا ( فَائِدَةٌ ) السَّلْبُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَلَبَانِ سَلْبُ نَقِيصَةٍ نَحْوُ سَلْبِ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَلْبُ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ فَاعْلَمْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا .
قَالَ ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ السَّلْبِيَّةُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْقِسْمِ ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ غَيْرُ مَا قَالَهُ فِي الْحِلْمِ إنَّهُ تَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ فَإِنَّ هَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْحِلْمَ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ وَالْعَفْوُ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مِنْهَا أَعْنِي السَّلْبِيَّةَ قَالَ الْأَمِيرُ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا مُنْحَصِرَةً أَوَّلًا لَفْظِيٌّ وَأَنَّ الْأُصُولَ الْكُلِّيَّةَ كَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَوَادِثِ تَحْتَهُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ جَوْهَرًا وَلَا عَرَضًا إلَخْ مُنْحَصِرَةٌ وَأَنَّ الْجُزْئِيَّاتِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ ا هـ .
وَهِيَ كَقَوْلِنَا إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا جَوْهَرٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا فِي حَيِّزٍ وَلَا فِي جِهَةٍ وَلَا يُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } فَهَذِهِ الصِّفَاتُ هِيَ نِسْبَتُهُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمُورٌ مُسْتَحِيلَةٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلْبَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى سَلْبَانِ سَلْبُ نَقِيصَةٍ نَحْوُ سَلْبِ الْجِهَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَسَلْبُ الْمُشَارِكِ فِي الْكَمَالِ وَهُوَ سَلْبُ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ نَقْلًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِالسَّلْبِيَّةِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهِ غَيْرَ أَنِّي حَرَّكْت مِنْ وُجُوهِ النَّظَرِ وَالتَّخْرِيجِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَمِدَ الْفَقِيهُ عَلَيْهِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ السُّلُوبَ مِنْهَا سُلُوبٌ قَدِيمَةٌ نَحْوُ سَلْبِ الشَّرِيكِ وَهُوَ الْوَحْدَانِيَّةُ وَسَلْبِ الْجِسْمِيَّةِ وَالْعَرَضِيَّةِ وَالْجَوْهَرِيَّةِ وَالْأَيْنِيَّةِ وَسَلْبِ جَمِيعِ الْمُسْتَحِيلَاتِ عَلَيْهِ تَعَالَى فَهَذِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا قَدِيمَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَقْرَبُ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ بِهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ بِإِضَافَةِ اللَّفْظِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ بِإِضَافَةِ اللَّفْظِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا وَسَلْبِ الْجِسْمِ وَسَلْبِ الشَّرِيكِ فَإِنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِهَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ
كَوْنِهَا سُلُوبًا وَمِنْهَا سُلُوبٌ حَادِثَةٌ نَحْوُ عَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِلْمِهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْعَفْوَ تَرْكُ الْمُعَاقَبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْحِلْمُ تَرْكُ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مِنْ الْعِبَادِ حَادِثَةٌ وَالْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْحَادِثِ حَادِثٌ فَهِيَ أَبْعَدُ عَنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ مِنْ انْعِقَادِهِ بِالسُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ لِاجْتِمَاعِ الْحُدُوثِ فِيهَا مَعَ السَّلْبِ وَانْفِرَادِ السَّلْبِ فِي السُّلُوبِ الْقَدِيمَةِ فَاَلَّذِي يَقُولُ لَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ يَقُولُ هَا هُنَا بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاَلَّذِي يَقُولُ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِالصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَقُولَ بِعَدَمِ الِانْعِقَادِ هَا هُنَا لِأَجْلِ السَّلْبِ فَهَذَا مَوْضِعٌ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ بِانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَبِعَدَمِ انْعِقَادِهَا وَيَحْتَمِلُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَالصَّحِيحُ الْأُمُورُ الْمُضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ إثْبَاتًا أَوْ سَلْبًا مِثْلُ قَبْلِيَّةِ اللَّهِ وَمَعِيَّتِه وَبَعْدِيَّتِهِ مَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ وَمَتَى عُنِيَ بِهَا أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَقَصْدُ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ بِهَا هُوَ عُرْفُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ ا هـ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَحْدُثْ عُرْفٌ يُنَاقِضُهُ إلَخْ فَلَا تَغْفُلْ .
( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلُ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا : " مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ " وَقِيلَ : مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ إنَّ لَفْظَ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى فَإِنَّ مَعَادًا مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ اسْمُ مَكَانِ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ } فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَعَادِ وَالْمَرْجِعِ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَهِيَ كِنَايَةٌ إذَا أُرِيدَ بِهَا الْمَجَازُ كَانَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ كَانَ مُنْصَرِفًا لِحَقِيقَتِهِ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ فَيَكُونُ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا أَرَادَ بِهِ الْحَلِفَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَنْصِبَهُ أَوْ يَرْفَعَهُ أَوْ يَخْفِضَهُ .
فَإِنْ نَصَبَهُ كَانَ التَّقْدِيرُ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَيَكُونُ الْإِلْزَامُ هَاهُنَا إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَكَفَالَةُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ هَاتَيْنِ النِّيَّتَيْنِ وَأَمَّا إنْ رَفَعَ فَتَقْدِيرُهُ مَعَادُ اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْإِنْشَاءِ لِلْقَسَمِ بِهَا إمَّا
بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَلْزَمْ بِهِ شَيْءٌ فَإِنَّ كُلَّ قَسَمٍ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِنْشَاءِ فَمَتَى عُدِمَ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَكُنْ قَسَمًا لِأَنَّ الْخَبَرَ بِمَا هُوَ خَبَرٌ لَا يُوجِبُ كَفَّارَةً وَلَا هُوَ قَسَمٌ وَكَذَلِكَ إذَا قُلْت أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ هُوَ جُمْلَةٌ إنْشَائِيَّةٌ وَلِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ وَإِنْ خَفَضَ كَانَ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ مِنْ الْقَسَمِ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا حَاشَا لِلَّهِ فَمَعْنَاهُ بَرَاءَةٌ لِلَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَيُحْتَمَلُ هَذَا أَيْضًا أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَلَامُ الْقَدِيمُ وَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ وَذَلِكَ التَّبَرُّؤ قَدِيمٌ وَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَإِنْ وُجِدَتْ نِيَّةٌ لِذَلِكَ رُتْبَةٌ أُخْرَى فِي الْقَسَمِ بِهِ أَوْ عُرْفٌ يَقُومُ مَقَامَهَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ فَهُوَ كِنَايَةٌ كَمَا مَرَّ فِي مِثْلِ مَعَادَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ أَبِي يُونُسَ لَمْ يَنْقُلْ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ مَعَ النِّيَّةِ إلَّا فِي مَعَادَ اللَّهِ خَاصَّةً : الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وَكَذَلِكَ بُغْضُهُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ }
وَكَذَلِكَ رَأْفَتُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي حَقَائِقُهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ وَلَمَّا اسْتَحَالَتْ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا وَإِرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَفِي الثَّانِي الْعِقَابُ نَفْسُهُ فَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الشَّيْخِ إرَادَتُهُ الْعِقَابَ وَعِنْدَ الْقَاضِي الْعِقَابُ وَكَذَلِكَ الرَّحْمَةُ هَلْ هِيَ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَرِضَاهُ تَعَالَى إرَادَةُ الْإِحْسَانِ أَوْ يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاضِي فَيُحْسِنُ إلَيْهِمْ أَيْ يَفْعَلُ بِهِمْ ذَلِكَ وَمَحَبَّتُهُ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ فِي قَوْله تَعَالَى { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } وَالْإِحْسَانُ نَفْسُهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الرِّضَى بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } أَيْ لَا يَشْرَعُهُ دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ الْقَدِيمُ وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { رَبَّنَا وَسِعْت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا } فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا اقْتِرَانُهَا
بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ .
وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى { هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي } إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ إحْسَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } يَحْتَمِلُ فِي الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْإِحْسَانَ أَوْ الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ يَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ وَمَذْهَبُ الشَّيْخِ أَقْرَبُ مِنْ مَذْهَبِ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ .
وَإِذَا رَقَّ طَبْعُك عَلَى إنْسَانٍ فَإِنْ هَذِهِ الرِّقَّةَ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ اللُّزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ فَلِذَلِكَ تَجَوَّزَ الْعُلَمَاءُ إلَيْهَا غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ الْإِرَادَةُ فَإِنْ قُلْنَا بِمَذْهَبِ الشَّيْخِ كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ قَدِيمَةً يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَا وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ أَوْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي كَانَتْ مُحْدَثَةً لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ فَتَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا يَقُلْهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً .
وَإِنَّمَا حُمِلَتْ عَلَى هَذِهِ الْإِرَادَةِ الْقَدِيمَةِ مَجَازًا وَلَمْ تَشْتَهِرْ فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي الْإِرَادَةِ بَلْ مَجَازٌ خَفِيٌّ دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَإِلْزَامُ الْكَفَّارَةِ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) إذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَخَرِّجْ جَوَابَكَ فِي
جَمِيعِ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ تَقُولُ قَائِمَانِ بِذَاتِهِ وَاجِبَا الْوُجُودِ أَزَلِيَّانِ صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي تَقُولُ لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ حَادِثَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ .
وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يَرِدُ مِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَإِنَّ الْمُدْرَكَ هُنَاكَ إنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَهَا لِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فِي زَمَانِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَارَ النُّطْقُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا بِالْحَلِفِ لِأَنَّهُ هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ عَلَيَّ فَإِنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي النَّذْرِ وَنَحْوِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ إجْمَاعًا بَلْ مِنْ حُرُوفِ اللُّزُومِ وَالنَّذْرِ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَصَدَقَةُ دِينَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ هُنَا إذَا وُجِدَ عُرْفٌ فِي رِزْقِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَأَنَّهُ صَارَ قَوْلُهُ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِبَعْضِ خَلْقِهِ مِنْ نَبَاتٍ أَوْ جَمَادٍ أَوْ حَيَوَانٍ مِمَّا يُسَوِّغُ التَّصَدُّقَ بِهِ كَالْبَقَرَةِ وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا وَأَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنْ وُجِدَ فِي الْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِهِمَا لِلنَّذْرِ لَزِمَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْعُرْفُ النَّاقِلُ لِلنَّذْرِ لَمْ يَلْزَمْ وَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ عُرْفٌ يُوجِبُ النَّقْلَ لِنَذْرِ غَيْرِ الْكَفَّارَةِ يَجِبُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي نَقَلَ الْعُرْفُ اللَّفْظَ إلَيْهِ فَيَجِبُ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بَلْ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ وَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ النِّيَّةَ
فَتَصِحُّ أَيْضًا فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَرِزْقِهِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِمَا إرَادَةَ الْخَلْقِ وَإِرَادَةَ الرِّزْقِ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ إنْ كَانَ نَوَى الْحَلِفَ أَوْ النَّذْرَ إنْ كَانَ نَوَى بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ .
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الْعُرْفَ النَّاقِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ فِي لَفْظَةِ عَلَيَّ إلَى الْقَسَمِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ لَهَا نَقْلًا عُرْفِيًّا وَيَكُونُ مَجَازًا رَابِحًا مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالسَّبَبِ عَنْ الْمُسَبَّبِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَلَى الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وَمَتَى فُقِدَ النَّقْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ الصَّارِفَةِ لِلنَّذْرِ أَوْ الْحَلِفِ بِالصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ وَاسْتِعْمَالُ عَلَيَّ مَجَازٌ وَمَتَى فُقِدَ الْعُرْفُ وَالنِّيَّةُ تَعَيَّنَ أَنْ لَا يَجِبَ بِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ شَيْءٌ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ عِلْمُ اللَّهِ وَعَلَيَّ سَمْعُ اللَّهِ وَبَصَرُهُ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَنَقْلٍ عُرْفِيٍّ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ .
قَالَ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْفِعْلِيَّةُ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلُ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَتْ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ قُلْت مَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) هَاهُنَا أَلْفَاظٌ اُخْتُلِفَ فِي مَدْلُولِهَا هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَتَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ هُوَ مُحْدَثٌ فَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُ بِهِ الْكَفَّارَةُ تَخْرِيجًا عَلَى قَوَاعِدِهِمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ هِيَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتُهُ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتُهُ وَمَقْتُهُ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَمْتَنِعُ حَقَائِقُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ لَكِنْ عَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ ( فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إلَى قَوْلِهِ وَبَقِيَّةُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ ) قُلْت مَا قَالَهُ وَحَكَاهُ صَحِيحٌ قَالَ ( وَقَدْ رَدَّ الْقَاضِي
بِمَعْنًى ثَالِثٍ يَرْجِعُ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } أَيْ لَا يَشْرَعُهُ تَعَالَى دِينًا لِلْعِبَادِ وَشَرْعُهُ تَعَالَى كَلَامُهُ ) قُلْت لَيْسَ شَرْعُ اللَّهِ تَعَالَى كَلَامَهُ بَلْ شَرْعُهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ وَهُوَ الْأَحْكَامُ وَهِيَ الَّتِي يَلْحَقُهَا النَّسْخُ إلَى بَدَلٍ وَإِلَى غَيْرِ بَدَلٍ وَكَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ صِفَةُ ذَاتِهِ لَا يَصِحُّ نَسْخُهُ لَا لِبَدَلٍ وَلَا لِغَيْرِ بَدَلٍ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ } لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( وَفِي الْقُرْآنِ مَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ وَمَوَاضِعُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الْقَاضِي وَمَوَاضِعُ تَحْتَمِلُ الْمَذْهَبَيْنِ فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبَّنَا وَسِعْت كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَهَذَا ظَاهِرُهُ فِي الْإِرَادَةِ لِأَنَّ الْوُسْعَ عِبَارَةٌ عَنْ عُمُومِ التَّعَلُّقِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ اقْتِرَانُهَا بِالْعِلْمِ وَإِنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ ) قُلْت لَيْسَ كَلَامُهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ قَالَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَعَيَّنُ فِيهَا مَذْهَبُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْإِرَادَةِ وَالظَّاهِرُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا حَيْثُ يَسُوغُ اسْتِعْمَالُ الظَّوَاهِرِ وَذَلِكَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا وَقَالَ إنَّ وُسْعَ الرَّحْمَةِ كَوُسْعِ الْعِلْمِ بَعْدَ تَفْسِيرِ الْوُسْعِ بِعُمُومِ التَّعَلُّقِ وَلَيْسَ تَعَلُّقُ الْإِرَادَةِ كَتَعَلُّقِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْعِلْمَ يَتَعَلَّقُ بِالْوَاجِبِ وَالْجَائِزِ وَالْمُحَالِ وَالْإِرَادَةُ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْجَائِزِ قَالَ ( وَأَمَّا مَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَذْهَبُ الْقَاضِي فَقَوْلُهُ تَعَالَى { هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي } إشَارَةٌ إلَى السَّدِّ وَهُوَ الْإِحْسَانُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا إرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمَةُ ) قُلْت وَكَلَامُهُ هُنَا أَيْضًا لَيْسَ بِالْجَيِّدِ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ مُحْتَمِلٌ وَإِنْ كَانَ
ظَاهِرًا فِيمَا قَالَهُ فَأَيْنَ تَعَيُّنُ مَذْهَبِ الْقَاضِي مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ .
قَالَ ( وَأَمَّا مَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَمَا رَجَّحَ بِهِ مَذْهَبَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَمَا قَالَهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ إلَى قَوْلِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ أَيْضًا قَالَ ( وَاعْلَمْ أَنَّ الْفُتْيَا بِإِلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إلَى آخِرِهَا ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا وَقَعَ التَّخْرِيجُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ بِمُسْتَقِيمٍ لِقَوْلِهِ تَقُولُ قَائِمًا بِذَاتِهِ وَاجِبًا الْوُجُودَ أَزَلِيَّانِ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ إرَادَةُ الثَّوَابِ وَالْغَضَبَ إرَادَةُ الْعِقَابِ وَالْإِرَادَةُ وَاحِدَةٌ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مُتَعَلِّقِهَا كَإِرَادَتِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ .
( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ مُقْتَضَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَنَّهُ إذَا قَالَ هَاهُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَلْقُهُ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ عِنْدِي بِصَوَابٍ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ
فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ قَالَ ( فَإِنَّ الْمُدْرِكَ هُنَالِكَ إنْ كَانَ هُوَ أَنَّ الْعُرْفَ نَقَلَهَا لِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ فِي زَمَانٍ فَصَارَ النُّطْقُ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ نَذْرًا لِلْكَفَّارَةِ فَتَلْزَمُهُ بِالنَّذْرِ لَا بِالْحَلِفِ إلَى قَوْلِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ) قُلْت مَا تَأَوَّلَهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ جَرَى فِيهِ عُرْفٌ بِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ مُجَرَّدَ تَوَهُّمٍ لَا حُجَّةَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدِي كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ جَرَى فِيهِ الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْيَمِينُ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَجَعَلَهَا مِيثَاقًا بَيْنَ عِبَادِهِ فَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لَيْسَ بِنَذْرِ الْكَفَّارَةِ بَلْ بِالْتِزَامِ الْيَمِينِ .
قَالَ ( فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ هُنَا إذَا وَجَدَ عُرْفَهُ فِي رِزْقِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَأَنَّهُ صَارَ قَوْلُهُ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَنَّهُ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ ) قُلْت صَدَرَ كَلَامُهُ بِالْعُرْفِ فِي نَذْرِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْعُرْفِ فِي نَذْرِ شَيْءٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَهَذَا الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْ مَسْأَلَةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي قَوْلِ الْقَائِلِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ وَمَا قَالَ مِنْ أَنَّهُ يَدُورُ مَعَ الْعُرْفِ كَيْفَمَا دَارَ صَحِيحٌ إذَا ثَبَتَ عُرْفٌ .
قَالَ ( وَإِنْ كَانَ الْمُدْرَكُ النِّيَّةَ فَتَصِحُّ أَيْضًا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ إلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ نَوَى بَعْضَ الْمَنْذُورَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ ) قُلْت مَا قَالَهُ هُنَا صَحِيحٌ قَالَ ( وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ
فَالْمَسْأَلَتَانِ سَوَاءٌ ) قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُمَا لَيْسَتَا سَوَاءً قَالَ ( وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الْعُرْفَ النَّاقِلَ فَلَا بُدَّ مِنْ النَّقْلِ فِي لَفْظِ عَلَيَّ إلَى الْقَسَمِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْبَاءِ وَالْوَاوِ وَحُرُوفِ الْقَسَمِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ يَمِينًا ) قُلْت وَمَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ فِي لَفْظِ عَلَيَّ بَلْ يَبْقَى لَفْظُ عَلَيَّ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَلَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ .
قَالَ ( أَوْ يَقَعُ النَّقْلُ فِي أَمَانَةِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَيَكُونُ قَدْ عَبَّرَ بِهِمَا عَمَّا يَلْزَمُ بِسَبَبِ الْحِنْثِ فِيهِمَا وَهُوَ الْكَفَّارَةُ إلَى مُنْتَهَى قَوْلِهِ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ ) قُلْت بَنَى كَلَامَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ ثُمَّ إنَّهُ هُنَا بَنَى عَلَى أَنَّهُ يَمِينٌ تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ وَإِذَا كَانَ يَمِينًا تَلْزَمُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَمَا الْمُحْوِجُ إلَى النَّقْلِ فِيهِ وَادِّعَاءِ الْمَجَازِ الرَّاجِحِ فِيهِ هَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ لَا خَفَاءَ بِسُقُوطِهِ قَالَ ( فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ بُدًّا وَاقْتَضَى كَلَامُهُ حَيْثُ قَالَ فَإِنَّ الْكَفَّارَةَ مُسَبَّبَةٌ عَنْ الْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نَقْلٍ وَلَا نِيَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مِنْهَا أَعْنِي الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ كَقَوْلِهِ وَخَلْقِ اللَّهِ وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ وَإِحْسَانِ اللَّهِ مِنْ كُلِّ مَا يَصْدُرُ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْأَصْلُ فَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا وَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً إذَا حَنِثَ ا هـ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصِّفَاتِ الْفِعْلِيَّةَ أُمُورٌ اعْتِبَارِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْمَقْدُورِ وَأَنَّهَا حَادِثَةٌ كَمَا يَقُولُ الْأَشَاعِرَةُ أَمَّا إنْ لُوحِظَ الْمَذْهَبُ الْمَاتُرِيدِيُّ مِنْ أَنَّهَا قَدِيمَةٌ تَرْجِعُ إلَى صِفَةِ التَّكْوِينِ أَوْ أُرِيدَ مَصْدَرُهَا وَمَنْشَؤُهَا وَهُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ الِاقْتِدَارُ الرَّاجِعُ لِلصِّفَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَيْ كَوْنُهُ قَادِرًا فَتَنْعَقِدُ بِهَا الْيَمِينُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ مَعَ الْحِنْثِ فَلَا تَغْفُلْ وَهَا هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لِمَعَادِ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ هُوَ هُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ لِلْعِبَادِ وَبَرَاءَةِ اللَّهِ أَيْ بَرَاءَةٌ مِنَّا لِلَّهِ وَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ فَلِذَا قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعَادَ اللَّهِ لَيْسَ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ وَقِيلَ مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ لَيْسَتَا بِيَمِينٍ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَعَادَ مِنْ الْعَوْدِ وَمُحَاشَاةُ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْرِئَةُ إلَيْهِ فَهُمَا فِعْلَانِ مُحْدَثَانِ .
ا هـ قَالَ الْأَصْلُ يُرِيدُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْيَمِينَ .
ا هـ .
أَيْ بِأَنْ يُرِيدَ بِمَعَادَ اللَّهِ ذَاتَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ تَعَالَى مَجَازًا وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعَادًا اسْمُ مَكَان مِنْ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعُودُ إلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ } فَأَطْلَقَ اسْمَ الْمَكَانِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَجَازًا فَلَفْظُ مَعَادَ اللَّهِ كِنَايَةٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ الْمَجَازِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِقَدِيمٍ وَهُوَ وُجُودُهُ تَعَالَى وَتَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَعَادَ
الْحَقِيقِيَّ فَيَكُونَ حَلِفًا بِمُحْدَثٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ لِحَقِيقَتِهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ الْمَعَادُ الْحَقِيقِيُّ وَبِأَنْ يُرِيدَ بِحَاشَا اللَّهِ الْكَلَامَ الْقَدِيمَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَزِّهُ نَفْسَهُ بِكَلَامِهِ النَّفْسَانِيِّ فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَعَالَى بِاللَّامِ فَلَفْظُ حَاشَا اللَّهِ كَلَفْظِ مَعَادَ اللَّهِ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَادِثُ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا وَلَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ كَمَا إذَا لَمْ يُرَدْ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى الْقَدِيمُ كَانَ يَمِينًا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عِنْدَ الْحِنْثِ هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ ابْنِ الشَّاطِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا الْفَرْقِ مَتَى عُنِيَ بِالْأُمُورِ الْمُضَافَةِ أَمْرٌ قَدِيمٌ فَالْيَمِينُ بِهَا مُنْعَقِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ حَادِثٌ فَالْيَمِينُ بِهَا غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ إلَخْ فَمِنْ هُنَا نَظَرَ ابْنُ الشَّاطِّ هُنَا فِي قَوْلِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ نِيَّةِ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ فِيهِمَا مِنْ نِيَّةٍ أُخْرَى لِلْقَسَمِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ عُرْفٍ يَقُومُ مَقَامَهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ كُلٍّ مِنْهَا إنْ نُصِبَ فَعَلَى تَقْدِيرِ أُلْزِمُ نَفْسِي مَعَادَ اللَّهِ وَحَاشَا اللَّهِ فَيَكُونُ إلْزَامًا حَقِيقِيًّا لِمُوجِبِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ نِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ وَإِنْ رُفِعَ فَعَلَى تَقْدِيرِ مَعَادَ اللَّهِ أَوْ حَاشَا اللَّهِ قَسَمِي فَيَكُونُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً خَبَرِيَّةً اُسْتُعْمِلَتْ فِي إنْشَاءِ الْقَسَمِ بِهَا إمَّا بِالنِّيَّةِ أَوْ بِالْعُرْفِ الْمُوجِبِ لِنَقْلِ الْخَبَرِ مِنْ أَصْلِهِ اللُّغَوِيِّ إلَى الْإِنْشَاءِ وَإِنْ خُفِضَ فَعَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْقَسَمِ الْجَارِّ كَقَوْلِهِمْ اللَّهِ بِالْخَفْضِ وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ نِيَّةِ الْإِنْشَاءِ أَوْ عُرْفٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ ا هـ .
مُلَخَّصًا قُلْت وَوَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ وَاوَ الْقَسَمِ وَجَمِيعَ حُرُوفِهِ وَلَفْظِهِ بِأَيِّ صِيغَةٍ لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ أَوَّلَ الْكِتَابِ
وَلِذَلِكَ " الْزَمْ " لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا لِإِنْشَاءِ الِالْتِزَامِ وَالْتِزَامُ الْقَدِيمِ الْتِزَامٌ لِلْيَمِينِ فَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةً لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) رَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَغَضَبِهِ وَمَقْتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى { كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } وَبُغْضِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَبْغَضُ الْمُبَاحِ إلَى اللَّهِ الطَّلَاقُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْحَبْرَ السَّمِينَ } وَرَأْفَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى الرَّءُوفِ الرَّحِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي قِيلَ إنَّ حَقَائِقَهَا لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الْبَشَرِ وَالْأَمْزِجَةِ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى تَسْلِيمِ امْتِنَاعِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ لَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْمَجَازِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَجَازِ الْمُرَادِ بِهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُرَادُ فِي لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ وَفِي لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ إرَادَةُ الْعُقُوبَةِ لِمَنْ وُصِفَ بِذَلِكَ مِنْ الْخَلْقِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الرَّاحِمِ وَالْغَضْبَانِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ فِي الْأَوَّلِ أَيْ لَفْظِ الرَّحْمَةِ وَنَحْوِهَا الْإِحْسَانَ نَفْسَهُ وَفِي الثَّانِي أَيْ لَفْظِ الْغَضَبِ وَنَحْوِهِ الْعِقَابَ نَفْسَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي وُضِعَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهَا .
وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا هِيَ رِقَّةُ الطَّبْعِ وَهَذِهِ الرِّقَّةُ فِي الْقَلْبِ يَلْزَمُهَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إرَادَةُ الْإِحْسَانِ إلَيْهِ وَالثَّانِي الْإِحْسَانُ نَفْسُهُ فَهُمَا لَازِمَانِ لِلرِّقَّةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ
الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ مَجَازٌ عُرْفِيٌّ شَائِعٌ غَيْرَ أَنَّ إرَادَةَ الْإِحْسَانِ أَلْزَمُ لِلرِّقَّةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَحِمْته وَأَحْسَنْت إلَيْهِ فَقَدْ أَرَدْت الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَقَدْ تُرِيدُ الْإِحْسَانَ إلَيْهِ وَتَقْصُرُ قُدْرَتُك عَنْ ذَلِكَ فَالْإِرَادَةُ أَكْثَرُ لُزُومًا لِلرِّقَّةِ وَإِذَا قَوِيَتْ الْعَلَاقَةُ كَانَ مَجَازُهَا أَرْجَحَ فَمَجَازُ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَرْجَحُ مِنْ مَجَازِ الْقَاضِي فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَيَلْزَمُ بِهَا الْكَفَّارَةُ لِكَوْنِ مَدْلُولِهَا قَدِيمًا وَعَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَا يَلْزَمُ بِهَا كَفَّارَةٌ وَيُنْهَى عَنْ الْحَلِفِ بِهَا لِأَنَّ مَدْلُولَهَا مُحْدَثٌ إلَّا أَنْ يُلَاحِظَ الْحَالِفُ الْمَذْهَبَ الْمَاتُرِيدِيَّ أَوْ مَصْدَرَهَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ فِي صِفَةِ الْفَصْلِ فَلَا تَغْفُلْ .
وَإِذَا قِيلَ لَك رَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ هَلْ هُمَا قَائِمَانِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَمْ لَا وَهَلْ هُمَا وَاجِبَا الْوُجُودِ أَمْ لَا وَهَلْ كَانَا فِي الْأَزَلِ أَمْ لَا ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ فَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الشَّيْخِ هُمَا عِبَارَةٌ عَنْ الْإِرَادَةِ وَهِيَ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ الْوُجُودِ أَزَلِيَّةٌ وَقُلْ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي لَيْسَا قَائِمَيْنِ بِذَاتِهِ بَلْ مُمْكِنَانِ مَخْلُوقَانِ لَيْسَا بِأَزَلِيَّيْنِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَلَا تَعَذُّرَ ضَرُورَةً أَنَّ الرَّحْمَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ هِيَ الْقَائِمَةُ بِنَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقُ الرَّحْمَةِ كَذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَ كَوْنُ الرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِنَا مِنْ الْأَعْرَاضِ النَّفْسَانِيَّةِ وَقَدْ وُصِفَ الْحَقُّ تَعَالَى بِالْعِلْمِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَجَازٌ وَكَذَا الْقُدْرَةُ وَغَيْرُهَا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ حَقِيقَةً وَاحِدَةً هِيَ الْعَطْفُ وَتَخْتَلِفُ
أَنْوَاعُهُ بِاخْتِلَافِ الْمَوْصُوفِينَ بِهِ فَإِذَا نُسِبَتْ إلَيْنَا كَانَتْ كَيْفِيَّةً نَفْسَانِيَّةً وَإِلَى اللَّهِ كَانَتْ حَقِيقَةً فِيمَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ الْإِحْسَانِ أَوْ إرَادَتِهِ وَكَوْنُ الرَّحْمَةِ مُنْحَصِرَةً وَضْعًا فِي الْكَيْفِيَّةِ النَّفْسَانِيَّةِ دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ كَمَا قَالَهُ الْعَارِفُ الْمُحَقِّقُ الْمُلَّا إبْرَاهِيمُ الْكُورَانِيُّ فِي كِتَابِهِ قَصْدِ السَّبِيلِ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى الْمَنَارِ الْأُصُولِيِّ وَإِلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُشِيرُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّاطِّ بِقَوْلِهِ وَمَا قَالَهُ مِنْ امْتِنَاعِ حَقَائِقِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى تَفْسِيرِهَا بِمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَتَفْسِيرِهِمْ الرَّحْمَةَ بِالرِّقَّةِ وَالْمَحَبَّةَ بِالْمَيْلِ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ لِلْكَلَامِ فِيهِ مَجَالٌ ا هـ .
عَلَى أَنَّ الْخَادِمِي نَقَلَ عَنْ بَعْضٍ أَنَّ مِنْ مَعَانِي الرَّحْمَةِ اللُّغَوِيَّةِ إرَادَةُ الْخَيْرِ وَعَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّ مِنْهَا الْإِحْسَانُ فَعَلَى هَذَيْنِ لَا تَجُوزُ أَصْلًا فَاحْفَظْهُ أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الأنباصني عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ ابْنُ يُونُسَ الْحَالِفُ بِرِضَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَسَخَطِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ا هـ .
يَعْنِي لِأَنَّهُ كَرَّرَ الْحَلِفَ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الْإِرَادَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُتْيَا بِطَرِيقَةِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ فِي حَمْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَأَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَشَرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ لَا تَجِبُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَةِ اللَّهِ وَعِزَّةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِ هَلْ تَتَعَدَّدُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِتَغَايُرِ الصِّفَاتِ الْمَحْلُوفِ بِهَا أَوْ تَتَّحِدُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الْأَيْمَانِ التَّأْكِيدُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِنْشَاءَ بِخِلَافِ تَكْرِيرِ الطَّلَاقِ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ أَوْ قَاعِدَةُ
الْجَمِيعِ الْإِنْشَاءُ حَتَّى يُرِيدَ التَّأْكِيدَ وَهَذَا هُوَ الْأَنْظَرُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ الْأَصْلُ وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ مِنْ إلْزَامِ الْكَفَّارَةِ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إنْ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَنَّهُ نَوَى إرَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ لَا تُوجِبُ كَفَّارَةً وَإِنَّمَا دَلَّ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْإِرَادَةُ الْقَدِيمَةُ مَجَازًا خَفِيًّا لِعَدَمِ اشْتِهَارِهَا فِي الْإِرَادَةِ حَتَّى صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَنْصَرِفُ لِمَجَازَاتِهَا الْخَفِيَّةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَزَالُ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ دُونَ مَجَازِهِ الْمَرْجُوحِ حَتَّى تَصْرِفَهُ نِيَّةُ الْمَجَازِ الْمَرْجُوحِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَرَادَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ صِفَةً قَدِيمَةً لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي أُمُورٍ مُحْدَثَةٍ ، مَجَازٌ غَيْرُ غَالِبٍ فِي الصِّفَةِ الْقَدِيمَةِ فَقَرِينَةُ الْحَلِفِ بِهِ كَافِيَةٌ فِي حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
ا هـ الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ لَا يَقْتَضِي قَوْلُ مَالِكٍ بِوُجُوبِ كَفَّارَةٍ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ وَكَفَالَتُهُ أَنَّهُ يُوجِبُهَا إذَا قَالَ هَا هُنَا عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ أَوْ خَلْقُهُ وَإِنْ قَالَ الْأَصْلُ ذَلِكَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمِيثَاقَ وَنَحْوَهُ جَرَى الْعُرْفُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْيَمِينُ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ فَمُقْتَضَاهُ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَرِزْقُ اللَّهِ وَنَحْوُهُ لَمْ يَجْرِ عُرْفٌ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِذَلِكَ الْكَفَّارَةَ وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ عَلَيَّ رِزْقُ اللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ لِأَنَّ رِزْقَ
اللَّهِ لَيْسَ اسْمًا لِطَاعَتِهِ فَيَلْزَمُ نَذْرُهَا وَصَوْمُ يَوْمٍ اسْمٌ لِطَاعَتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ يَمِينًا وَيَكُونُ قَائِلُهُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ لَفْظِ عَلَيَّ فِيهِ عَلَى مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ لَهُ إلَى الْقَسَمِ وَجَعْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ حُرُوفِهِ كَالْبَاءِ وَالْوَاوِ فَإِنَّ الْمِيثَاقَ مَعْنَاهُ يَمِينٌ مَا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ كَمَا عَلِمْت أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ .
( الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى ) الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا أَوْ جَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً أَوْ حَادِثَةً فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَلَالِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا انْدَرَجَ الْجَمِيعُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ شَامِلَةً لِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالْقَدِيمَةِ وَالْمُحْدَثَةِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لِلْكَفَّارَةِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْقَدِيمَةُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ وَهُوَ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَةُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَالْقِسْمُ الْآخَرُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي كَفَّارَةً لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَالتَّوَاضُعُ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ بَلْ لَا يُعْبَدُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ عَبَدَ عَابِدٌ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إرَادَتَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ كَفَرَ بَلْ
الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ وَهُوَ ذَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَنُعُوتِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِالْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ .
وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ وَهُوَ الْإِلَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ تَوْحِيدُهُ وَتَوَحُّدُهُ وَلَا ثَانِيَ لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ وَأَقَالِيمُهُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَسَطْوَتُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَتْ بِهِ الْعَظَمَةُ فِي دَوْلَتِهِ كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا حَصَلَ التَّوَاضُعُ لَهَا وَهُوَ الْعِبَادَةُ امْتَنَعَ وَرُبَّمَا كَانَ كُفْرًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْقَهْرُ وَالِانْقِيَادُ لِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَقُدْرَتِهِ فَهَذَا أَيْضًا مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِ مَقْهُورٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ فَالتَّوَاضُعُ بِهَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا سَائِغٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ فَهَذَا تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفُتْيَا فِيهَا ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ لِعَدَمِ النَّهْيِ بَلْ لِلُزُومِ كَفَّارَةٍ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ وَأَمَّا اتِّحَادُهُمَا
فَلِأَنَّ الْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَالْعُلَا وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ النَّهْيُ فَلِانْدِرَاجِ الْمُحْدَثَاتِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَيَكُونُ قَدْ حَلَفَ بِقَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ فَفَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ وَمَنْ فَعَلَ مَأْمُورًا بِهِ وَمَنْهِيًّا عَنْهُ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْحَالِفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْقَدِيمَ وَحْدَهُ فَلَا نَهْيَ حِينَئِذٍ أَوْ يَكُونَ هُنَاكَ عُرْفٌ اقْتَضَى تَخْصِيصَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِالْقَدِيمِ خَاصَّةً فَلَا نَهْيَ حِينَئِذٍ أَمَّا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ اللُّغَوِيِّ فَمُوجِبٌ لِانْدِرَاجِ الْمُحْدَثِ مَعَ الْقَدِيمِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ فَأَمَّا لَفْظُ التَّذْكِيرِ فَلَا كَلَامَ فِيهِ هَاهُنَا وَأَمَّا لَفْظُ التَّأْنِيثِ بِالْهَاءِ فَإِنَّهُ مُشْعِرٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ تُفَرِّقُ الْعَرَبُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَزَّ زَيْدٌ عِزًّا وَعَزَّ عِزَّةً فَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِزِّ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً فَإِذَا وَجَدْتَ الْإِضَافَةَ أَوْ الْأَلِفَ وَاللَّامَ الْمُوجِبَتَيْنِ الْعُمُومَ كَانَ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَإِنْ فُقِدَتْ الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَقِيَ مُطْلَقًا وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ عَزَّ زَيْدٌ عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ إمَّا بِمَالِهِ أَوْ بِجَاهِهِ أَوْ بِسَطْوَتِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْعِزَّةِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُهُ لُغَةً فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَأُضِيفَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَتَعَيَّنْ الْعُمُومُ فِيهِ فَاحْتُمِلَ الْمُحْدَثُ فَإِنَّ الْعِزَّةَ تَصْدُقُ بِالْمُحْدَثِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَزِيزَ
هُوَ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ نَيْلِ الْمَكَارِهِ وَالْعَزِيزُ أَيْضًا هُوَ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي تَفْسِيرِ اسْمِهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَا نَظِيرَ لَهُ فِي مُبْتَدَعَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ .
فَإِنْ كَانَتْ الْعِزَّةُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ كَانَ فِيهَا إشَارَةٌ إلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْمُحْدَثَاتِ فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلِهَذِهِ الْإِشَارَةُ ، نَقَلَ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ تُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ وَأَمَّا لَفْظُ الْعَظَمَةِ فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْعِزَّةِ فَرْقًا فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا عَزَّ عِزًّا فَمَشْهُورٌ وَلَا يُنْطَقُ بِهَاءِ التَّأْنِيثِ إلَّا إذَا قُصِدَتْ الْوَحْدَةُ نَحْوُ ضَرَبَ ضَرْبَةً فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا ضَرْبَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ عِزَّةً لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عِزَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا أُضِيفَ لَا يَكُونُ الْمُضَافُ عَامًّا بَلْ فَرْدًا وَاحِدًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ اللَّامَ فِي هَذَا الْجِنْسِ لَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا بَلْ إنَّمَا تُفِيدُ اللَّامُ التَّعْرِيفَ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا اعْتِبَارًا فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ فَهَذَا بَحْثٌ يُمْكِنُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ ( الْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الصِّفَاتُ الْجَامِعَةُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزُّ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّك تَقُولُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأَوَّلِ الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا قَدِيمَةً وَمُحْدَثَةً ) قُلْت هَذَا لَفْظٌ مُسْتَنْكَرٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ اتِّصَافَهُ بِالْحَوَادِثِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ مِثْلِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُقْتَضَى ظَاهِرِهِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الصِّفَاتِ الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتِ الْأَفْعَالِ فَالْمَعْنَى صَحِيحٌ وَاللَّفْظُ قَبِيحٌ قَالَ ( فَكَمَا جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَصِفَاتِهِ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ ذَاتِهِ تَعَالَى جَلَّ أَيْضًا بِبَدَائِعِ مُصَنَّعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ ) .
قُلْت هَذَا الْكَلَامُ أَقْبَحُ وَفِي الْكُفْرِ أَوْضَحُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي افْتِقَارَ الْبَارِي تَعَالَى إلَى بَدَائِعِ مَصْنُوعَاتِهِ وَغَرَائِبِ مُخْتَرَعَاتِهِ فَيَزْدَادُ كَمَالًا بِوُجُودِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا بَلْ هُوَ الْغَنِيُّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَحَائِزُ غَايَةِ الْكَمَالِ بِالِاسْتِحْقَاقِ قَبْلَ ابْتِدَاعِ الْمُبْتَدَعَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْمُخْتَرَعَاتِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْتَدِعْ الْمُبْتَدَعَاتِ وَلَمْ يَخْتَرِعْ الْمُخْتَرَعَاتِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ نَقْصًا فِي كَمَالِهِ وَلَا غَضًّا مِنْ جَلَالِهِ وَلَا حَطًّا عَنْ رُتْبَةِ انْفِرَادِهِ بِالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَمَا ذَلِكَ الْكَلَامُ إلَّا كَلَامَ مَنْ لَمْ يُحَصِّلْ عِلْمَ الْكَلَامِ بَلْ عِلْمَ الِاعْتِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ وَالسَّدَادِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْإِرْشَادِ قَالَ ( وَيَنْدَرِجُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ إلَى قَوْلِهِ وَهَاهُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلُ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا مَا فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمَةُ وَالْمُحْدَثَةُ كَمَا تَقَدَّمَ .
قَالَ ( إذَا قَالَ الْقَائِلُ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ هَلْ يَجُوزُ هَذَا
الْإِطْلَاقُ أَمْ لَا فَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ لَا يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ قَوْمٌ يَجُوزُ هَذَا الْإِطْلَاقُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) قُلْت مَا صَحَّحَ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعُ التَّصَاغُرُ وَالتَّضَاؤُلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتَ الْكَرِيمَةَ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةَ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ ذَلِكَ الْفَقِيهِ الْعَصْرِيِّ إنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَهُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحُجَّةِ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ قَالَ شِهَابُ الدِّينِ ( وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَهَذَا الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ التَّوَاضُعُ لَهُ ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْعَظَمَةَ لَيْسَتْ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ بَلْ هِيَ مَجْمُوعُ الصِّفَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَقْرِيرِهِ هُوَ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنْ تَكُونَ الْعَظَمَةُ مَجْمُوعَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَلَيْسَ الْمَجْمُوعُ هُوَ الْمَعْبُودُ بَلْ الْمَعْبُودُ الْمَوْصُوفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ لَا الصِّفَاتُ وَلَا مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مَجْمُوعُ الْمَوْصُوفِ وَالصِّفَاتِ مُضَاهٍ لِقَوْلِ النَّصَارَى فِي الْأَقَالِيمِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَكَلَامُهُ هُنَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْ مَبَاحِثَ هَذَا الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ الصَّوَابِ .
قَالَ ( كَمَا تَقُولُ عَظَمَةُ الْمَلِكِ جَيْشُهُ وَأَمْوَالُهُ إلَى قَوْلِهِ فِي دَوْلَتِهِ ) قُلْت لَا يُسَوَّغُ مِثْلُ هَذَا التَّمْثِيلِ فَإِنَّ الْمَلِكَ مُفْتَقِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُسْتَغْنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّمْثِيلُ .
قَالَ ( كَذَلِكَ عَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ هَذِهِ الْأُمُورُ كُلُّهَا مَعَ ذَاتِهِ تَعَالَى فَهِيَ أَيْضًا مِنْ مُوجِبَاتِ عَظَمَتِهِ ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ غَثٌّ لَا يَصْدُرُ إلَّا عَنْ جَهْلٍ بِهَذَا الْعِلْمِ وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الذَّاتُ
مِنْ مُوجِبَاتِ الْعَظَمَةِ وَالْعَظَمَةُ مَجْمُوعُ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالذَّاتُ عَلَى هَذَا مُوجِبَةٌ لِلذَّاتِ وَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا وَمُوجَبًا هَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ .
قَالَ ( فَإِنْ أَرَادَ الْمُطْلِقُ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) قُلْت بَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّ الذَّاتَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَظَمَةِ قَالَ ( وَإِنْ أَرَادَ صِفَةً وَاحِدَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ) قُلْت مَا حَكَمَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ هُوَ كَمَا قَالَ .
قَالَ ( وَإِنْ أَرَادَ بِالتَّوَاضُعِ غَيْرَ الْعِبَادَةِ إلَى قَوْلِهِ بَلْ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ ( فَهَذَا تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفُتْيَا فِيهَا ) قُلْت قَدْ تَبَيَّنَ تَلْخِيصُ الْحَقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي زَعَمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت لَا يَنْدَرِجُ حَادِثٌ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ فَمَا أَشْعَرَ بِهِ كَلَامُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ أَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا مَحْذُورَ فِي الْيَمِينِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَبِحَقٍّ إنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ عَبْدُ الْحَقِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ تَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَتَارَةً تَكُونُ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ إلَى آخِرِهَا ) قُلْت الصَّحِيحُ عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ لَفْظَ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهَا لَا يَتَنَاوَلُ مُحْدَثًا فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي لَفْظِ الْعِزَّةِ مِنْ احْتِمَالِهِ الْمُحْدَثَ وَمَا حَكَاهُ عَنْ صَاحِبِ اللُّبَابِ مِنْ نَقْلِهِ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي لُزُومِ الْكَفَّارَةِ لِلْحَالِفِ بِذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ لَيْسَ مُدْرَكُ اخْتِلَافِ قَوْلِهِ عِنْدِي مَا ذَكَرَهُ
الشِّهَابُ مِنْ احْتِمَالِ الْمُحْدَثِ بَلْ الْمُدْرَكُ عِنْدِي احْتِمَالُ لَفْظِ الْعِزَّةِ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا وَأَمْرًا سَلْبِيًّا فَإِنَّهُ عَزَّ بِصِفَاتِ كَمَالِهِ الثُّبُوتِيَّةِ كَمَا عَزَّ بِصِفَاتِ تَنْزِيهِهِ السَّلْبِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ مِنْهَا ) أَعْنِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْجَامِعَةَ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ عِزَّةُ اللَّهِ وَجَلَالُهُ وَعُلَاهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنَّ لَفْظَ الْجَلَالَةِ وَالْعَظَمَةِ يَحْتَمِلُ جَلَّ بِكَذَا وَجَلَّ عَنْ كَذَا وَعَظُمَ بِكَذَا وَعَظُمَ عَنْ كَذَا فَتَنْدَرِجُ فِي الْأُولَى الصِّفَاتُ الثُّبُوتِيَّةُ كُلُّهَا نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً وَتَنْدَرِجُ فِي الثَّانِيَةِ جَمِيعُ السُّلُوبِ لِلنَّقَائِصِ فَيَصْدُقُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ وَعَظُمَ عَنْ الشَّرِيكِ وَعَنْ الْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَنْدَرِجُ فِي اللَّفْظِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَمِيعُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَالثُّبُوتِيَّةِ نَفْسِيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً فَيَكُونُ الْحَلِفُ بِهَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمُوجِبِ لَهَا وَهُوَ مَا عَدَا الْفِعْلِيَّةِ مِنْ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهُوَ صِفَةُ الْفِعْلِ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُوجِبُ وَغَيْرُ الْمُوجِبِ كَانَ اللَّازِمُ الْإِيجَابَ لَا يَمْنَعُ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ مِنْ إيجَابِهِ لِلْكَفَّارَةِ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ .
( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) : هَلْ يَجُوزُ قَوْلُ قَائِلٍ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ أَمْ لَا قَالَ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْعَظَمَةَ كَمَا سَبَقَ عِبَارَةٌ جَامِعَةٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّوَاضُعِ التَّصَاغُرِ وَالتَّضَاؤُلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَا عَدَا الذَّاتِ الْكَرِيمَةِ وَالصِّفَاتِ الْعَظِيمَةِ مُتَصَاغِرٌ مُتَضَائِلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ التَّوَاضُعَ عِبَادَةٌ وَعَظَمَةُ اللَّهِ تَعَالَى صِفَتُهُ وَعِبَادَةُ الصِّفَةِ كُفْرٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ دَعْوَى عَرِيَّةٌ عَنْ الْحَقِّ فَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِهِ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ
عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَتَكُونُ صِفَاتُ الْمَعَانِي لَيْسَتْ غَيْرًا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ التَّسَمُّحُ بِإِضَافَةِ مَا لِلذَّاتِ بِهَا نَحْوُ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءِ لِقُدْرَتِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ اللَّامُ لِلْأَجْلِ أَيْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِذَاتِهِ لِأَجْلِ قُدْرَتِهِ وَإِلَّا فَعِبَادَةُ مُجَرَّدِ الصِّفَاتِ مِنْ الْإِشْرَاكِ كَمَا أَنَّ عِبَادَةَ مُجَرَّدِ الذَّاتِ فِسْقٌ وَتَعْطِيلٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا الذَّاتُ الْمُتَّصِفَةُ بِالصِّفَاتِ ا هـ فَقَدْ حُمِلَ التَّوَاضُعُ عَلَى الْعِبَادَةِ مَجَازًا لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَجَعَلَ اللَّامَ لِلْأَجْلِ لِتَكُونَ الْعِبَادَةُ لِلذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ فَاسْتَقَامَتْ الْعِبَادَةُ وَانْدَفَعَ عَنْهَا كُلُّ إشْكَالٍ فَتَأَمَّلْ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) : قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِ الطَّالِبِ الْحَالِفُ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِ اللَّهِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَاتِّحَادِهَا بَلْ وَفِي الْجَوَازِ وَعَدَمِ النَّهْيِ خِلَافًا لِلْأَصْلِ أَمَّا لُزُومُ الْكَفَّارَةِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْمُوجِبِ وَعَلَى غَيْرِ الْمُوجِبِ فَتَجِبُ عَمَلًا بِالْمُوجِبِ وَأَمَّا اتِّحَادُهَا فَلِأَنَّ الْعِزَّةَ وَالْعَظَمَةَ وَالْجَلَالَ وَنَحْوَ ذَلِكَ هُوَ الْمَجْمُوعُ وَالْمَجْمُوعُ وَاحِدٌ فَتَعَدَّدَتْ الْأَلْفَاظُ وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى فَاتَّحَدَتْ الْكَفَّارَةُ وَأَمَّا الْجَوَازُ وَعَدَمُ النَّهْيِ فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ انْدِرَاجَ حَادِثٍ تَحْتَ لَفْظِ الْعِزَّةِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْيَمِينِ بِذَلِكَ مَحْذُورٌ فَيَحِقُّ لِعَبْدِ الْحَقِّ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ النَّهْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ ابْنُ الشَّاطِّ فَتَأَمَّلْ بِدِقَّةٍ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) : هَذِهِ الْأَلْفَاظُ وَإِنْ كَانَتْ تَارَةً بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ كَقَوْلِنَا وَجَلَالِ اللَّهِ وَعَلَاءِ اللَّهِ وَتَارَةً بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ كَقَوْلِنَا وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَةِ اللَّهِ إلَّا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ وَمَا هُوَ بِلَفْظِ
التَّأْنِيثِ فِي جَوَازِ الْحَلِفِ وَانْعِقَادِ الْيَمِينِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ الْحِنْثِ أَمَّا مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّذْكِيرِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّأْنِيثِ فَلِأَنَّ التَّاءَ فِي نَحْوِ عَظَمَةِ اللَّهِ لَيْسَتْ لِلْوَحْدَةِ بَلْ لِلتَّأْنِيثِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ عَظُمَ زَيْدٌ عَظَمَةً فِي غَالِبِ اسْتِعْمَالِهِمْ فَكَأَنَّهُ هُوَ الْمَصْدَرُ الْمُتَعَيِّنُ دُونَ عِظَمًا بِغَيْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَحْدُودًا فَيُقَيَّدُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ الْعُمُومُ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالتَّاءُ فِي نَحْوِ عِزَّةِ اللَّهِ وَإِنْ أَفَادَتْ الْوَحْدَةَ نَظَرًا لِكَوْنِ الْعَرَبِ تُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ عَزَّ زَيْدٌ عِزًّا وَعَزَّ عِزَّةً فَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْعِزِّ مُفْرَدَةً وَمَجْمُوعَةً فَإِذَا وُجِدَتْ الْإِضَافَةُ أَوْ الْأَلِفُ وَاللَّامُ الْمُوجِبَتَيْنِ لِلْعُمُومِ كَانَ الْعُمُومُ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ النَّوْعِ وَإِنْ فُقِدَتْ الْإِضَافَةُ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ بَقِيَ مُطْلَقًا وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي وَهُوَ عَزَّ زَيْدٌ عِزَّةً فَإِنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ لُغَةً إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا مِنْ الْعِزَّةِ وَلَا تُفِيدُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ تَعْمِيمًا لِأَنَّهُ مَحْدُودٌ بِالتَّاءِ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إنَّ لَامَ التَّعْرِيفِ إنَّمَا تُفِيدُ تَعْمِيمًا فِيمَا لَيْسَ مَحْدُودًا بِالتَّاءِ نَحْوُ الرَّجُلِ وَالْبَيْعِ ا هـ فَكَذَلِكَ لَا تُفِيدُهُ الْإِضَافَةُ عُمُومًا لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَأْتِي لِمَا تَأْتِي لَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِأَنَّهُمَا أَدَاتَا تَعْرِيفٍ إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لَفْظَ الْعِزَّةِ وَنَحْوَهُ لَا يَتَنَاوَلُ مُحْدَثًا كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ صِفَةَ كَمَالٍ قَدِيمَةٍ وَشُمُولُهُ صِفَةَ الْفِعْلِ عَلَى مَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَصْدَرِهَا الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ أَوْ التَّقْدِيرُ لَا بِاعْتِبَارِ حُدُوثِهَا لِاسْتِحَالَةِ اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ صِفَةَ كَمَالٍ يَتَنَاوَلُهَا لَفْظُ الْعِزَّةِ وَلَيْسَ الْمُدْرِكُ فِيمَا
نَقَلَهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ فِي شَرْحِ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَلِفِ بِعِزَّةِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يُوجِبُ كَفَّارَةً أَمْ لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ ا هـ هُوَ تَرَدُّدُ الْعِزَّةِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ كَمَا زَعَمَ الْأَصْلُ بَلْ الْمُدْرِكُ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هُوَ احْتِمَالُ لَفْظِ الْعِزَّةِ أَنْ يَكُونَ مَدْلُولُهُ أَمْرًا ثُبُوتِيًّا أَوْ أَمْرًا سَلْبِيًّا فَإِنَّهُ عَزَّ بِصِفَاتِهِ الثُّبُوتِيَّةِ كَمَا عَزَّ بِصِفَاتِ تَنْزِيهِهِ السَّلْبِيَّةِ فَافْهَمْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ ) اعْلَمْ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ إمَّا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ كَقَوْلِنَا اللَّهُ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ وَهُوَ عَلَمٌ عَلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ فَتَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ الصِّفَاتِ فَإِذَا قُلْنَا اللَّهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا جُمْلَةَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُلْنَا الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِالصِّفَاتِ الْخَاصَّةِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ الْإِلَهُ الْمَعْبُودِ وَهُوَ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ وَهَذَا الْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي نَدَّعِي تَوَحُّدَهُ وَتَنَزُّهَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُمَاثَلَةِ أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ ، وَقَدْ يَكُونُ الِاسْم مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَحْوُ قَوْلِنَا عَلِيمٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى أَوْ وُجُودِيٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الذَّاتِ نَحْوُ خَالِقٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ الْخَلْقِ فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الذَّاتِ ، أَوْ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ عَدَمِيٍّ نَحْوُ قُدُّوسٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ أَيْ طَهُرَ مَنْ فِيهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ ، أَوْ يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ كَالْبَاقِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ وَصْفِ الْبَقَاءِ وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ
أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدِيِّ لِصِدْقِ الْبَاقِي فِي زَمَانَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا الْأَبَدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَارَنَ وُجُودُهُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةً أَوْ مُحَقَّقَةً فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ ثُمَّ هِيَ تَنْقَسِمُ بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَبِحَسَبِ مَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ، مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَفِي غَيْرِهِ ، وَمَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَّامَةٍ فَإِنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَذَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَّامَةُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ غَيْرَ أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَنَحْوِهَا أَلْبَتَّةَ ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خَلْقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } { اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } وَالْمُحَسِّنُ لِذَلِكَ الْمُقَابَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } { قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } فَحَصَلَتْ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْمَكْرَيْنِ والاستهزاءين نِ فَكَانَ ذَلِكَ حَسَنًا لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ فَيُقْتَصَرُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَوَارِدِ السَّمْعِ وَلَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِ هَذِهِ التِّلَاوَةِ فَلَا نَقُولُ اللَّهُمَّ اُمْكُرْ بِفُلَانٍ وَلَا مَكَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَا اللَّهُمَّ اسْتَهْزِئْ بِفُلَانٍ وَلَا اسْتَهْزَأَ اللَّهُ
بِهِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ هَذَا الْبَابِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ لَمْ أَعْلَمْ فِيهَا خِلَافًا وَحُكِيَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ الْإِجْمَاعُ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مَا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُنَادَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الِاسْمِ أَمْ لَا قَوْلَانِ وَمُدْرَكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحَظُ انْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ يَقُولُ الْأَصْلُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يَرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يَعْلَمَ إذْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَدْ كَانَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذَا الْمَثَلِ مَا أَشْبَهَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ بَشِيرٍ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ ، وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفُ بِهِ كَفَّارَةً فَتَنْزِلُ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى هَذِهِ الْفُتْيَا وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ مِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحَلِفِ كَقَوْلِنَا وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَهَذَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَالْعَالِمِ فَهِيَ كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَجْلِ التَّرَدُّدِ بَيْنَ الْمُوجِبِ وَغَيْرِ الْمُوجِبِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ التَّرَدُّدَ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِمَعْنًى يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا وَوَجْهُ التَّرَدُّدِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَبَيْنَ الْمَخْلُوقِ وَاضِحٌ وَأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ حَقِيقَةً وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْضِعَيْنِ بِالتَّوَاطُؤِ وَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ الْمُتَوَاطِئُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَفَى بِهَذَا فِي بَيَانِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِيَاجِ لِلنِّيَّةِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَلَنَا عَنْهُ جَوَابٌ حَسَنٌ .
وَهُوَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَيَنْقُلُ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ كَمَا قُلْنَا فِي لَفْظِ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ
وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ قَوْلَنَا : وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَالِفِ إلَى خُصُوصِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْمَنْقُولَةِ فَلَا يَفْهَمُ أَحَدٌ عِنْدَ سَمَاعِهِ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلَّا أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَإِذَا صَارَتْ الْكِنَايَةُ مَنْقُولَةً فِي الْعُرْفِ إلَى مَعْنًى آخَرَ صَارَتْ صَرِيحَةً فِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْحَقْنَا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ أَيَّاهَا لِلطَّلَاقِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا .
وَهَذَا الْجَوَابُ حَسَنٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ فِي جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهَا فَيَنْفِي النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَأَمَّا مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ وَنَحْوِهِمَا فَلَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَشْتَهِرُ الْحَلِفُ بِهَا وَلَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدَهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلَعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعَمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ
صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيِّ يَجُوزُ الْحَلِفُ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا غَوْرٌ بَعِيدٌ بِسَبَبِ أَنَّ الِاسْمَ هَا هُنَا إنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُسَمَّى اسْتَقَامَ الْحُكْمُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْمُسَمَّى فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمًّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ " اسْمٍ " الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظُ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لَفْظِ الِاسْمِ خَاصَّةً وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى هَذَا وَقُلْنَا الِاسْمُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مُسَمَّاهُ لَفْظٌ حِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَلْزَمَ بِهِ كَفَّارَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ كَمَا لَوْ قُلْنَا وَرِزْقِ اللَّهِ وَعَطَاءِ اللَّهِ فَإِنَّ إضَافَةَ الْمُحْدَثِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا تُصَيِّرُهُ مِمَّا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ كَذَلِكَ إذَا أُضِيفَ الِاسْمُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إضَافَةُ لَفْظٍ مَخْلُوقٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يُوجِبُ كَفَّارَةً .
وَإِنْ قُلْنَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْأَعَمِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى الْأَخَصِّ فَاللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ
الْمُسَمَّيَاتِ لَا يَكُونُ دَالًا عَلَى خُصُوصِ وَاجِبِ الْوُجُودِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا لَا يَكُونُ دَالًا عَلَيْهِ لُغَةً لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إلَّا بِنِيَّةٍ أَوْ عُرْفٍ نَاقِلٍ وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا فَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُ اللَّفْظِ لِلَّهِ تَعَالَى فَهَذَا تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينُ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةُ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ " فَائِدَةٌ " الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ .
قَالَ ( الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ ) قُلْت جَمِيعُ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا مَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إضَافَةَ مَخْلُوقٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فِي اسْمٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاسْمَ الَّذِي هُوَ اللَّفْظُ أَوْ الْمُسَمَّى الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى فَلَا يَتَعَيَّنُ لِمَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إلَّا بِعُرْفٍ أَوْ نِيَّةٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ نَظَرًا فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ فِيهِ عُرْفٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا قَالَهُ فِي الْفَرْقَيْنِ بَعْدَ هَذَا صَحِيحٌ .
الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إذَا حَلَفَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ قَاعِدَةِ مَا لَا يُوجِبُ ) أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ اسْمًا مِائَةٌ إلَّا وَاحِدًا كَمَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهِيَ تَنْقَسِمُ تَقْسِيمَيْنِ ( التَّقْسِيمُ الْأَوَّلُ ) إلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ ( الْقِسْمُ الْأَوَّلُ ) مَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لِمُجَرَّدِ الذَّاتِ أَوْ لِلذَّاتِ مَعَ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْكَمَالِ كَقَوْلِنَا اللَّهُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِجَرَيَانِ النُّعُوتِ عَلَيْهِ تَقُولُ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَمَفْهُومُهُ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي الْإِلَهُ الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ أَيْ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَنُعُوتِ الْجَلَالِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ هُوَ الَّذِي نَدَّعِي تَوَحُّدَهُ وَتَفَرُّدَهُ عَنْ الشَّرِيكِ وَالْمُمَاثَلَةِ أَيْ هَذَا الْمَجْمُوعُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ زَائِدٍ وُجُودِيٍّ قَائِمٍ بِذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَحْوُ قَوْلُنَا عَلِيمٌ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْعِلْمِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ وُجُودِيٍّ مُنْفَصِلٍ عَنْ الذَّاتِ نَحْوُ خَالِقٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ اعْتِبَارِ الْخَلْقِ فِي التَّسْمِيَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ وُجُودِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْ الذَّاتِ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ مَفْهُومٍ عَدَمِيٍّ نَحْوُ قُدُّوسٍ فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ الْقُدُسِ الَّذِي هُوَ التَّطْهِيرُ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْبَيْتُ الْمُقَدَّسُ أَيْ الَّذِي طَهُرَ مَنْ فِيهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ عَنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ ( الْقِسْمُ الْخَامِسُ ) مَا كَانَ مَوْضُوعًا لِلذَّاتِ مَعَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةِ كَالْبَاقِي فَإِنَّهُ اسْمٌ لِلذَّاتِ مَعَ وَصْفِ الْبَقَاءِ وَهُوَ نِسْبَةٌ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْأَزْمِنَةِ فَإِنَّ
الْبَقَاءَ اسْتِمْرَارُ الْوُجُودِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْأَبَدِيِّ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَاقِي فِي زَمَانَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَمَّا الْأَبَدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِهِ مَعَ جُمْلَةِ الْأَزْمِنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا أَنَّ الْأَزَلِيَّ هُوَ الَّذِي قَارَنَ وُجُودُهُ جَمِيعَ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةً أَوْ مُحَقَّقَةَ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ أَنَّ الزَّمَانَ مُتَوَهَّمٌ كَالْمَكَانِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهِ عَلَامَاتٌ مَعْلُومَةٌ تَتَبَدَّل بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَتَارَةً تَقُولُ يَجِيءُ زَيْدٌ إذَا صَلَّيْنَا الْعَصْرَ وَتَارَةً يُقَالُ نُصَلِّي الْعَصْرَ إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ وَيُعْرَفُ بِعَلَامَةٍ تَسَمُّحًا فَيُقَالُ مُتَجَدِّدٌ مَعْلُومٌ يُقَارِنُهُ مُتَجَدِّدٌ مَوْهُومٌ إزَالَةً لِلْإِيهَامِ وَتَارَةً بِنَفْسِ الْمُقَارَنَةِ وَيُوصَفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ تَبَعًا لِمَا يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ أَوْ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي الْمَكَانِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مُتَحَقِّقٌ يُقَالُ لَهُ زَمَانٌ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ صَحِيحُ الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ { يَسُبُّ ابْنُ آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ } أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يُقَالُ لَهُ الدَّهْرُ وَإِنَّمَا أَنَا خَالِقُ الْأَشْيَاءِ .
وَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ الزَّمَنُ حَادِثٌ فَمَعْنَاهُ مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ عَدَمٍ لَا مَوْجُودٌ لِمَا أَنَّهُ اعْتِبَارِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا مَانِعَ مِنْ دُخُولِ الزَّمَنِ فِي وُجُودِهِ تَعَالَى أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَوْجُودٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ وَمَعَ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا الْأَخِيرُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْبَقَاءُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَخْتَرْ اللَّقَانِيُّ فِي الْجَوْهَرَةِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَقَاءِ نَفْيَ لُحُوقِ الْعَدَمِ لِوُجُودِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَوْنُ النَّفْيِ عَلَى طَرِيقَةِ الِامْتِنَاعِ مَأْخُوذٌ مِنْ أَنَّهُ بَقَاءٌ وَاجِبٌ مُحْتَرَزًا عَنْ الْبَقَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ بِقَوْلِهِ كَذَا بَقَاءٌ لَا يُشَابُ بِالْعَدَمِ إلَّا
لِكَوْنِ الْبَقَاءِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ غَيْرُ كَافٍ لَا لِاسْتِحَالَتِهِ كَمَا زَعَمَ الشَّيْخُ عَبْدُ السَّلَامِ نَعَمْ يَمْتَنِعُ دُخُولُ الزَّمَانِ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ بِأَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ تَعَالَى لَيْسَ إلَّا فِي زَمَانٍ وَهَذَا لَا تَقْتَضِيهِ الْمُقَارَنَةُ وَمِنْ هُنَا انْدَفَعَتْ شُبْهَةٌ ذَكَرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْإِرْشَادِ وَنَقَلَهَا السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ الْكُبْرَى وَالْكَمَالُ فِي الْمُسَامَرَةِ عَلَى الْمُسَايَرَةِ وَهُوَ أَنَّ إثْبَاتَ الْقَدَمِ لِلَّهِ تَعَالَى مُحَصِّلَةُ وُجُودِهِ فِي مُدَدٍ لَا أَوَّلَ لَهَا إذْ لَا وُجُودَ إلَّا فِي زَمَنٍ فَيَلْزَمُ إثْبَاتُ أَزْمِنَةِ قَدِيمَةٍ فَجَوَابُهَا مَنْعُ أَنَّهُ لَا وُجُودَ إلَّا فِي زَمَنٍ فَإِنَّ الزَّمَنَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَحَقُّقِهِ يَخْرُجُ عَنْ حَادِثٍ صَاحَبَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي وُجُودِ الشَّيْءِ مُصَاحَبَةَ غَيْرِهِ وَإِنْ اتَّفَقَا كَيْفَ وَقَدْ ظَهَرَ أَرْجَحِيَّةُ عَدَمِهِ .
وَقَدْ قَالَ الشِّهْرِسْتَانِيُّ إنَّ تَقَدُّمَ الصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَاتِيٌّ لَا فِي زَمَنٍ وَتَقْرِيبُهُ إنْ تَقَدَّمَ أَمْسِ عَلَى الْيَوْمِ كَذَلِكَ إذْ لَيْسَ زَمَنٌ ثَالِثٌ يَقَعُ فِيهِ التَّقَدُّمُ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَبْلُ اكْتِفَاءً بِالِاعْتِبَارِ فَالزَّمَنُ حَادِثٌ وَوُجُودُ الصَّانِعِ وَوُجُوبُهُ ذَاتِيٌّ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ نَعَمْ كَانَ عَلَى الْأَصْلِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمُتَوَهِّمَةِ فِي قَوْلِهِ جَمِيعُ الْأَزْمِنَةِ الْمَاضِيَةِ مُتَوَهَّمَةٌ أَوْ مُحَقَّقَةٌ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( التَّقْسِيمُ الثَّانِي ) بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ وَمَا لَا إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ ( الْقِسْم الْأَوَّلُ ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَا يُوهِمُ نَقْصًا نَحْوُ الْعَلِيمِ فَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا فِي مُورِدِ النَّصِّ وَفِي غَيْرِهِ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا فَيَمْتَنِعُ إطْلَاقُهُ إجْمَاعًا نَحْوُ مُتَوَاضِعٍ وَدَارٍ وَعَلَامَةٍ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ يُوهِمُ الذِّلَّةَ وَالْمَهَانَةَ
وَالدِّرَايَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ شَكٍّ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْعَلَامَةُ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَنْ كَثُرَتْ مَعْلُومَاتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَاءَ التَّأْنِيثِ تُوهِمُ تَأْنِيثَ الْمُسَمَّى وَالتَّأْنِيثُ نَقْصٌ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ فَتَأَمَّلْ ( الْقِسْمُ الثَّالِثُ ) مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ يُوهِمُ نَقْصًا وَهَذَا نَوْعَانِ ( الْأَوَّلُ ) مَا لَمْ يُرِدْ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ كَالصَّبُورِ وَالْحَلِيمِ وَالشَّكُورِ فَالْأَوَّلُ يُوهِمُ وُصُولَ مَشَقَّةٍ لَهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْمَوَاقِفِ بِالْحَلِيمِ وَفَسَّرَ الْحَلِيمَ قَبْلُ بِاَلَّذِي لَا يُعَجِّلُ الْعِقَابَ وَهُوَ يُوهِمُ تَأَثُّرًا وَانْفِعَالًا بِالْغَضَبِ فَيَكْتُمُ وَالثَّالِثُ قَالَ فِي الْمَوَاقِفِ الْمُجَازِي عَلَى الشُّكْرِ وَقِيلَ يَثْبُتُ عَلَى الْقَلِيلِ الْكَثِيرُ .
وَقِيلَ الْمُثْنِي عَلَى مَنْ أَطَاعَهُ وَهُوَ يُوهِمُ وُصُولَ إحْسَانٍ لَهُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي آخَرِ الْحُكْمِ أَنْتَ الْغَنِيُّ بِذَاتِك عَنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْك النَّفْعُ مِنْك فَكَيْفَ لَا تَكُونُ غَنِيًّا عَنِّي وَهَذَا النَّوْعُ يُقْبَلُ وَيُؤَوَّلُ وَيُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ إجْمَاعًا لِإِيهَامِ الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ تَنَزُّلًا وَتَلَطُّفًا فِي خِطَابِنَا مَجَازًا قَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ وَنَخْجَلُ إذْ سَمِعْنَا ذَلِكَ وَأَنْشَدَ ( : إنَّ الْمُلُوكَ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ لَهُمْ مَعَ السُّوقَةِ الْأَسْرَارُ وَالسَّمَرُ ) ( النَّوْعُ الثَّانِي ) مَا وَرَدَ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ نَحْوُ مَاكِرٍ وَمُسْتَهْزِئٍ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ سُوءُ خُلُقٍ وَقَدْ وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أَيْ وَجَازَاهُمْ اللَّهُ عَلَى مَكْرِهِمْ وَاَللَّهُ خَيْرُ الْمُجَازِينَ وقَوْله تَعَالَى { قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } أَيْ اللَّهُ يُجَازِيهِمْ عَلَى اسْتِهْزَائِهِمْ وَهَذَا النَّوْعُ لِكَوْنِ الْمُشَاكَلَةِ
حَسَّنَتْهُ عَلَى مَا هُوَ اللَّائِقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ وَصَارَتْ قَرِينَةً عَلَى الْمَجَازِ بِحَيْثُ لَا تُتَوَهَّمُ الْحَقِيقَةُ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ لَا بِدُونِهَا هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْعَلَامَةُ الْأَمِيرُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ الْحَقُّ لَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ هَذَا الْقِسْمِ فِي غَيْرِ مَوْرِدِهِ مُطْلَقًا وَلَوْ مَعَ الْمُشَاكَلَةِ فَتَأَمَّلْ ( الْقِسْمُ الرَّابِعُ ) مَا لَمْ يُرِدْ السَّمْعُ بِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُوهِمٍ نَحْوُ قَوْلِنَا يَا سَيِّدَنَا فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيَجُوزُ إطْلَاقُهُ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ وَمُدْرِكُ الْخِلَافِ هَلْ يُلَاحِظُ ابْتِغَاءَ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِيهَامُ وَلَمْ يُوجَدْ فَيَجُوزُ أَوْ لَا يُلَاحِظُ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَنْعُ إلَّا مَا وَرَدَ السَّمْعُ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ السَّمْعُ فَيَمْتَنِعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ مُخَاطَبَةَ أَدْنَى الْمُلُوكِ تَفْتَقِرُ إلَى مَعْرِفَةِ مَا أَذِنُوا فِيهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ حَتَّى يُعْلَمَ إذْنُهُمْ فِي ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْلَى بِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا قَاعِدَةُ الْأَدَبِ وَالْأَدَبُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَعَيِّنٌ لَا سِيَّمَا فِي مُخَاطَبَاتِهِ بَلْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوقِعَ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي عِبَادَةٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ إلَّا مَا عَلِمَ إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَمُخَاطَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَتَسْمِيَتُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُحَدِّثُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي لَفْظِ السَّيِّدِ فَعَلَيْهِ يَجُوزُ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ إجْمَاعًا وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الْمِثْلَ لِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ مَا أَشْبَهَهَا وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ تَنْزِلُ عَلَى فَتْوَى الشَّيْخِ أَبِي
الطَّاهِرِ بْنِ بَشِيرٍ حَيْثُ قَالَ فَكُلُّ مَا جَازَ إطْلَاقُهُ جَازَ الْحَلِفُ بِهِ وَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَمَا لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ لَا يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَلَا يُوجِبُ الْحَلِفَ بِهِ كَفَّارَةً ا هـ .
فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَهَا هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى قِسْمَانِ قِسْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى كَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْحَلِفِ .
وَيَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَقِسْمٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ تَعَالَى كَالْحَكِيمِ وَالْعَزِيزِ وَالرَّشِيدِ فَيَكُونُ بِسَبَبِ تَرَدُّدِهِ بَيْنَ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِرَادَةِ الْمَخْلُوقِ لِأَنَّ الْبَشَرَ يُسَمَّى بِذَلِكَ حَقِيقَةً غَيْرُ صَرِيحٍ بَلْ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ إذْ كَمَا أَنَّ اللَّفْظَ مَعَ التَّرَدُّدِ لَا يَنْصَرِفُ لِلطَّلَاقِ وَلَا لِلْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا .
وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ قَوِيٌّ مُعْتَبَرٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ كَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ حَلَفَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَيْهِ تَعَالَى وَحَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ قَالَ الْأَصْلُ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَإِنْ كَانَ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَقَادِرٍ وَمُرِيدٍ إلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا قَوْلَنَا وَالْعَلِيمِ وَحَقِّ الْعَلِيمِ وَالْقَادِرِ وَحَقِّ الْقَادِرِ وَالْمُرِيدِ وَحَقِّ الْمُرِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْمَاءِ مَعَ الْحَلِفِ إلَى خُصُوصِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى نَفَى النَّقْلُ الْعُرْفِيُّ الِاحْتِمَالَ اللُّغَوِيَّ وَصَارَتْ الْكِنَايَةُ مُشْتَهِرَةً بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَأُلْحِقَتْ بِالصَّرِيحِ كَمَا أَلْحَقُوا كِنَايَاتٍ كَثِيرَةً فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِصَرِيحِهِ لِمَا اُشْتُهِرَتْ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِ نَقْلِ الْعُرْفِ إيَّاهَا لِلطَّلَاقِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمُفْرَدَةَ تَبْقَى عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ حَتَّى
إذَا رُكِّبَ أَحَدُهُمَا مَعَ مُفْرَدٍ آخَرَ مِنْهَا نَقَلَ أَهْلُ الْعُرْفِ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْمُفْرَدَيْنِ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ مَثَلًا لَفْظُ الرُّءُوسِ تَصْدُقُ عَلَى رُءُوسِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ وَلَفْظُ الْأَكْلِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَكْلِ فِي أَيِّ مَأْكُولٍ كَانَ وَإِذَا رَكَّبْنَا هَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ فَقُلْنَا وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت رُءُوسًا أَوْ أَكَلْت رُءُوسًا لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ إلَّا رُءُوسَ الْأَنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا بِسَبَبِ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ نَقَلُوا هَذَا الْمُرَكَّبَ لِهَذِهِ الرُّءُوسِ الْخَاصَّةِ دُونَ بَقِيَّةِ الرُّءُوسِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْعَلِيمِ وَنَحْوِهِ كَانَ قَبْلَ التَّرْكِيبِ مَعَ حَرْفِ الْقَسَمِ يَصْدُقُ عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَبَعْدَ التَّرْكِيبِ مَعَهُ نَقَلَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لِخُصُوصِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى صَارَ صَرِيحًا لَا كِنَايَةً نَعَمْ لَا يَنْفَعُ هَذَا فِيمَا لَا تَجْرِي الْعَادَةُ بِالْحَلِفِ بِهِ كَالْحَكِيمِ وَالرَّشِيدِ فَلَمْ يَشْتَهِرْ الْحَلِفُ بِهَا وَنَحْوِهِمَا إذْ لَعَلَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ لَا يَعْلَمُهَا أَسْمَاءً لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لَمْ أَعْلَمْ أَنِّي رَأَيْت مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدَ إلَّا فِي التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ عَدَّدَ أَسْمَاءَ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً إلَّا وَاحِدًا وَأَصْحَابُنَا عَمَّمُوا الْحُكْمَ فِي الْجَمِيعِ وَلَمْ يُفَصِّلُوا وَهُوَ مُشْكِلٌ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ عَادَةَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْلِفُونَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ فَتَنْصَرِفُ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْحَلِفِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّا نَجِدُهُمْ يَحْلِفُونَ بِآبَائِهِمْ وَمُلُوكِهِمْ وَيَقُولُونَ وَنِعْمَةِ السُّلْطَانِ وَحَيَاتِك يَا زَيْدُ وَلِعَمْرِي لَقَدْ قَامَ زَيْدٌ فَيَحْلِفُ بِعُمْرِهِ وَحَيَاةِ مُخَاطَبِهِ طُولَ النَّهَارِ فَلَيْسَ ظَاهِرُ حَالِهِمْ الِانْضِبَاطَ .
وَلَا حَصَلَ فِي الْأَسْمَاءِ الْقَلِيلَةِ الِاسْتِعْمَالِ عُرْفٌ وَلَا نَقْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فَيُسْتَصْحَبُ فِيهَا حُكْمُ اللُّغَةِ وَأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ هَذَا هُوَ الْفِقْهُ ا هـ .
(
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) قَوْلُك بِاسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ قَالَ صَاحِبُ الْخِصَالِ الْأَنْدَلُسِيُّ يَجُوزُ الْحَلِفُ بِهِ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ لَفْظَ اسْمٍ وَإِنْ جَرَى فِيهِ بِخُصُوصِهِ خِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ لَا فَقَدْ حَكَى ابْنُ السَّيِّدِ الْبَطَلْيُوسِيُّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي لَفْظِ الِاسْمِ هَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ أَسْمَاءِ الذَّوَاتِ فَلَا يَتَنَاوَل إلَّا لَفْظًا هُوَ اسْمٌ أَوْ وُضِعَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمُسَمَّيَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مُسَمَّى قَالَ وَهَذَا هُوَ تَحْقِيقُ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى أَمْ لَا وَأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ اسْمٍ خَاصَّةً الَّذِي هُوَ أَلْفٌ سِينٌ مِيمٌ وَأَمَّا لَفْظُ نَارٍ وَذَهَبٍ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ عَاقِلٌ إنَّ لَفْظَ نَارٍ هُوَ عَيْنُ النَّارِ حَتَّى يَحْتَرِقَ فَمُ مَنْ نَطَقَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا لَفْظَ ذَهَبٍ هُوَ عَيْنُ الذَّهَبِ الْمَعْدِنِيِّ حَتَّى يَحْصُلَ الذَّهَبُ الْمَعْدِنِيُّ فِي فَمِ مَنْ نَطَقَ بِلَفْظِ الذَّهَبِ ا هـ إلَّا أَنَّ فِيهِ عُرْفًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الْأَمِيرِ عَلَى عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى الْجَوْهَرَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا صَدَقَاتِ الِاسْمِ وَلَفْظُ اسْمٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ اسْمٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَلَا يَلْزَمُ انْدِرَاجَ الشَّيْءِ تَحْتَ نَفْسِهِ وَهُوَ تَنَاقُضٌ فِي الْجُزْئِيَّةِ وَالْكُلِّيَّةِ بَلْ انْدِرَاجَ اللَّفْظِ تَحْتَ مَعْنَاهُ وَهُوَ كَثِيرٌ كَمَوْجُودِ وَشَيْءٍ وَمُفْرَدٍ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ مِنْ الِاسْمِ اللَّفْظُ فَهُوَ غَيْرُ مُسَمَّاهُ قَطْعًا أَوْ أُرِيدَ بِهِ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ فَهُوَ عَيْنُ الْمُسَمَّى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَامِدٍ وَمُشْتَقٍّ فِيمَا يَقْضِي بِهِ التَّأَمُّلُ ا هـ وَوُجُودُ الْمُسَمَّى فِيمَا يُفْهَمُ مِنْ الِاسْمِ ظِلِّيٌّ كَالصُّورَةِ فِي الْمِرْآةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَيْنَهُ احْتِرَاقُ فَمِ مَنْ يَقُولُ
نَارًا وَلَا أَنَّ الذَّهَبَ الْمَعْدِنِيَّ يَحْصُلُ فِي فَمِ مَنْ يَنْطِقُ بِلَفْظِ ذَهَبٍ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) قَالَ اللَّخْمِيُّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَا اللَّهِ يَمِينٌ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَاللَّهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَإِقَامَةِ هَا التَّنْبِيهِ مَقَامَهُ وَقَدْ نَصَّ النُّحَاةُ عَلَى ذَلِكَ ( فَائِدَةٌ ) الْأَلْفُ وَاللَّامُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْكَمَالِ قَالَ سِيبَوَيْهِ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ فِي الرُّجُولِيَّةِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَلِيمُ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْأَسْمَاءِ فَهِيَ لَا لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ وَلَكِنْ لِلْكَمَالِ ا هـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّخْصِيصُ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَظَوَاهِرُ فَالنُّصُوصُ هِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَالظَّوَاهِرُ هِيَ الَّتِي تَقْبَلُهَا ، فَالنُّصُوصُ الَّتِي هِيَ كَذَلِكَ قِسْمَانِ أَسْمَاءٌ لِلْأَعْدَادِ نَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرَهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَصْنَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا آخَرَ لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ وَهَذَا هُوَ التَّثْنِيَةُ فَتُكَرَّرُ مَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ ثُمَّ الْأُلُوفُ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادُ وَهِيَ آحَادٌ وَعَشَرَاتٌ وَمِئَاتٌ وَأُلُوفٌ وَتُكَرَّرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَهَذِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةُ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا غَيْرَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ فَهَذَا هُوَ الْمَجَازُ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَشَرَةً ثُمَّ تُبَيِّنَ بَعْدَ ذَلِكَ مُرَادَك بِهَا وَتَقُولَ أَرَدْت خَمْسَةً فَإِنَّ التَّخْصِيصَ مَجَازٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِبَقَاءِ بَعْضِ الْمُسَمَّى ، وَالْمَجَازُ قَدْ لَا يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك ثُمَّ تَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك نِصْفَهُمْ وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَهَذَا تَخْصِيصٌ وَقَدْ بَقِيَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِي بَعْضِ الْإِخْوَةِ وَالْمَجَازُ الَّذِي لَيْسَ بِتَخْصِيصٍ أَنْ تَقُولَ أَرَدْت بِإِخْوَتِك مَسَاكِنَهُمْ أَوْ دَوَابَّهُمْ وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ مَا بَيْنَ الْإِخْوَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَلَيْسَ الْمَسَاكِنُ وَلَا
الدَّوَابُّ بَعْضُ الْإِخْوَةِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُسَمَّى شَيْءٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا فَالْأَعْدَادُ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ .
وَلَا التَّخْصِيصُ فَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةُ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةَ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ ( الْقِسْمُ الثَّانِي ) مِنْ النُّصُوصِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي هِيَ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى نَحْوُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ وَلَفْظِ الرَّحْمَن فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَهَذَا الِامْتِنَاعُ شَرْعِيٌّ وَالِامْتِنَاعُ فِي الْإِعْدَادِ لُغَوِيٌّ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ فَهِيَ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ نَحْوُ الْأَسَدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا وُضِعَ لِجِنْسٍ مِنْ الْجَمَادِ أَوْ النَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ جِنْسٍ مِنْ قَبِيلِ الْإِعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِيهَا كَمَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْأَيْمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سَبْعُونَ زِرَاعًا أَيْ طَوِيلَةً جِدًّا
وَخُصُوصُ السَّبْعِينَ لَيْسَ مُرَادًا بَلْ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَهُمْ اسْمُ الْعَدَدِ وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { فَارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْك الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } .
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكَرَّتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي لَفْظِ كَرَّتَيْنِ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَاسْمُ الْعَدَدِ إنَّمَا هُوَ اثْنَانِ لَكِنَّ كَرَّتَيْنِ فِي مَعْنَاهَا وَيَقُولُ أَهْلُ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَكَذَلِكَ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ وَلَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ وَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي الْمِائَةِ وَالْأَلْفِ وَإِذَا انْفَتَحَ الْبَابُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي بَعْضِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَتْهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا حَلَفَ لَيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةِ الِاثْنَيْنِ لَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظُ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ لَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي قَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَأَرَدْت بِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْعَبِيدِ مَجَازًا فِي الدَّوَابِّ وَالْعَلَاقَةُ الْمِلْكُ فِي
الْجَمِيعِ وَاسْتِعْمَالُ الْعِتْقِ مَجَازٌ فِي الْبَيْعِ وَالْعَلَاقَةُ بُطْلَانِ الْمِلْك فَهَذَا تُفِيدُهُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْمَجَازُ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْدُودِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ أَعْنِي الْعَبِيدَ فَعَبَّرَ بِجِنْسِ الْعَبِيدِ عَنْ جِنْسِ الدَّوَابِّ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ عَنْ غَيْرِ الثَّلَاثِ فَهُوَ عَلَى بَابِهِ وَنَظِيرُهُ مِنْ الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقْت ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ أَفَادَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ فِي الْفُتْيَا وَلَا فِي الْقَضَاءِ إنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ قَامَتْ لَكِنْ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا .
وَقَدْ أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ كُلِّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ يُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ وَجَوَابُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي لَفْظِ الْمَعْدُودِ فَقَطْ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَأَمَّا اسْمُ الْعَدَدِ فَبَاقٍ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثًا غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا تَغَيَّرَ الْمَعْدُودُ وَانْتَقَلَ انْتَقَلَ الْعَدَدُ مَعَهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ ثَلَاثٌ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لِمَفْهُومِ الثَّلَاثِ فَدَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي اسْمِ الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ اسْمُ جِنْسٍ دُونَ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ اسْمُ عَدَدٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَجَازٌ أَلْبَتَّةَ غَيْرَ أَنَّ مَعْدُودَهُ تَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ
إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْنَاسِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَلَا تَلْزَمُنِي كَفَّارَةٌ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْمَجَازِ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَهَذَا بِخِلَافِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَفَالَةِ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَعِلْمِ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ عِنْدَهُمْ وَالِاحْتِمَالِ وَقَدْ حَكَيْته فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَنَحْنُ نُلْزِمُهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَمَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا
تُفِيدُ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ إيضَاحًا حَسَنًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
( الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا يُدْخِلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا يُدْخِلُهُ الْمَجَازُ وَالتَّخْصِيصُ ) الْأَلْفَاظُ عَلَى قِسْمَيْنِ نُصُوصٌ وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ وَلَا التَّخْصِيصَ وَظَوَاهِرُ وَهِيَ الَّتِي تَقْبَلُهُمَا وَالنُّصُوصُ نَوْعَانِ ( النَّوْعُ الْأَوَّلُ ) مَا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ لُغَوِيًّا وَهِيَ أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ الَّتِي أَوَّلُهَا الِاثْنَانِ وَآخِرُهَا الْأَلْفُ وَلَمْ تَضَعْ الْعَرَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَفْظًا لِلْعَدَدِ بَلْ عَادَتْ إلَى رُتَبِ الْأَعْدَادِ فَقَالَتْ أَلْفَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَمَرَاتِبُ الْأَعْدَادِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ الْآحَادُ إلَى الْعَشَرَةِ وَالْعَشَرَاتُ إلَى الْمِائَةِ وَالْمِئَاتُ إلَى الْأَلْفِ وَالْأُلُوفُ فَالْآحَادُ وَالْعَشَرَاتُ وَالْمِئَاتُ وَالْأُلُوفُ هِيَ رُتَبُ الْأَعْدَادِ الْأَرْبَعَةِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُكَرِّرُهَا الْعَرَبُ فِي مَرَاتِبِ الْأَعْدَادِ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مُكْتَفِيَةً بِهَا مِنْ غَيْرِ النِّهَايَةِ فَنَحْوُ الْخَمْسَةِ وَالْعَشَرَةِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ عِنْدَ الْعَرَبِ نُصُوصٌ لَا يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَلَا التَّخْصِيصُ ، وَالتَّخْصِيصُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ بَعْضَهَا وَالْمَجَازُ أَنْ تُرِيدَ بِالْعَشَرَةِ مُسَمَّى الْعُشْرِ أَوْ بِالْخَمْسَةِ مُسَمَّى الْخُمُسِ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ نِسْبَةٌ الْعُشْرِ لِأَنَّهَا عُشْرُ الْمِائَةِ وَالْخَمْسَةُ نِسْبَةُ الْخُمُسِ لِأَنَّهَا خُمُسُ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي بَعْضِ مَعْنَاهُ مَجَازٌ الْقَرِينَةِ وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَعْنَاهُ لِعَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ بَعْضُ الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَعْنَى مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ فَالْمَجَازُ أَعَمُّ مِنْ التَّخْصِيصِ فَكُلُّ تَخْصِيصٍ مَجَازٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَجَازٍ تَخْصِيصًا ( النَّوْعُ الثَّانِي ) مَا كَانَ الِامْتِنَاعُ فِيهِ مِنْ الْمَجَازِ وَالتَّخْصِيصِ شَرْعِيًّا لَا
لُغَوِيًّا مِثْلُ لَفْظِ الْجَلَالَةِ اللَّهُ وَلَفْظِ الرَّحْمَنِ مِمَّا هُوَ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنْ الْعُمُومَاتِ نَحْوُ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ مِنْ الْجَمَادِ وَالنَّبَاتِ أَوْ الْحَيَوَانِ نَحْوُ الْأَسَدِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْأَعْرَاضِ نَحْوُ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ وَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ فَهِيَ الظَّوَاهِرُ فَيَجُوزُ إطْلَاقُ الْعِلْمِ وَيُرَادُ بِهِ الظَّنُّ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ } أَيْ ظَنَنْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُعْلَمُ وَلَكِنْ تَدُلُّ عَلَيْهِ ظَوَاهِرُ الْأَحْوَالِ فَيُظَنُّ ، وَإِطْلَاقُ الظَّنِّ وَيُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا } أَيْ قَطَعُوا وَعَلِمُوا هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي أَبْوَابِ الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَعَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَسْتَعْمِلُ اسْمَ الْعَدَدِ مَجَازًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً } قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ كَيْفَ كَانَتْ وقَوْله تَعَالَى { سَبْعُونَ ذِرَاعًا } أَيْ طَوِيلَةٌ جِدًّا فَالْمُرَادُ الْكَثْرَةُ جِدًّا لَا خُصُوصُ السَّبْعِينَ .
وَقَوْلُ أَهْلِ الْعُرْفِ سَأَلْتُك أَلْفَ مَرَّةٍ فَمَا قَضَيْت لِي حَاجَةً وَقَوْلُهُمْ زُرْتُك مِائَةَ مَرَّةٍ فَلَمْ تَرْعَ لِي ذَلِكَ لَا يُرِيدُونَ خُصُوصَ الْأَلْفِ وَالْمِائَةِ بَلْ الْكَثْرَةَ فَهَذَا مَجَازٌ قَدْ دَخَلَ فِي السَّبْعِينَ وَالْمِائَةِ وَالْأَلْفِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَكَذَا دَخَلَ فِيمَا هُوَ بِمَعْنَى أَسْمَاءِ الْعَدَدِ كَلَفْظِ كَرَّتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى { فَارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إلَيْك الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ } قَالَ الْمُفَسِّرُونَ الْمُرَادُ بِكْرَتَيْنِ الْمُرَاجَعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ فَعَبَّرَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ عَنْ أَصْلِ الْكَثْرَةِ مَجَازًا وَإِذَا انْفَتَحَ
الْبَابُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْعَدَدِ وَنَحْوِهَا انْخَرَمَ الْجَزْمُ فِي بَقِيَّتِهَا فَلَمْ يَبْقَ لَنَا نُصُوصٌ أَلْبَتَّةَ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ مُطْبِقُونَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْوَاقِعُ كَمَا تَرَى فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صِحَّةِ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَتَخَرَّجُ أَرْبَعُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا حَلَفَ لِيُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ الْيَوْمَ فَأَعْتَقَ عَبْدَيْنِ وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ ثَلَاثَةٍ الِاثْنَيْنِ حَنِثَ إنْ خَرَجَ الْيَوْمُ وَلَمْ يُعْتِقْ الثَّالِثَ وَلَمْ تُفِدْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الثَّلَاثَةِ فِي الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ فِي لَفْظٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْعَدَدِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَلَا تُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ لَا فِي الْأَيْمَانِ وَلَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ عَبِيدِي وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ أَوْ أَرَدْت بِعَبِيدِي دَوَابِّي وَبِالْعِتْقِ بَيْعَهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَبِيدِ وَلَفْظَ الْعِتْقِ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَيَدْخُلُهَا الْمَجَازُ وَتُفِيدُ فِيهَا النِّيَّةُ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعَبِيدِ فِي الْبَعْضِ إطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ وَفِي الدَّوَابِّ الْمُجَاوَرَةُ فِي الْمِلْكِ وَعَلَاقَةُ اسْتِعْمَالِ الْعِتْقِ فِي الْبَيْعِ الْمُشَابَهَةُ فِي بُطْلَانِ الْمِلْكِ بِكُلٍّ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَأُعْتِقَنَّ ثَلَاثَةَ عَبِيدٍ وَنَوَى أَنَّهُ يَبِيعُ ثَلَاثَ دَوَابَّ مِنْ دَوَابِّهِ صَحَّ وَأَفَادَتْهُ نِيَّتُهُ لِأَنَّ لَفْظَ ثَلَاثَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ مَجَازٌ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَجَازُ فِي لَفْظَيْ الْعَبِيدِ وَالْعِتْقِ لِكَوْنِهِمَا مِنْ الظَّوَاهِرِ كَمَا تَقَدَّمَ ( تَنْبِيهٌ ) إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَأَمَّا إنْ قَالَ أَرَدْت أَنَّك طَلُقَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ الْوَلَدِ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ لَا فِي الْفُتْيَا وَلَا
فِي الْقَضَاءِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مِنْ الْقَرَائِنِ مَا يُعَضِّدُهُ وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فِي الْقَضَاءِ دُونَ الْفُتْيَا وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ وَالْمَجَازَ لَمْ يَدْخُلْ فِي اسْمِ الْعَدَدِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ وَإِنَّمَا دَخَلَ التَّغْيِيرُ وَالْمَجَازُ فِي مَعْدُودِهِ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ لِكَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ مِنْ الظَّوَاهِرِ فَتَغَيَّرَ مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ الْعِصْمَةِ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَلَدِ فَسَقَطَ اسْتِشْكَالُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ كَيْفَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي الْكُلِّ وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي الْبَعْضِ وَذَلِكَ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ فَإِنَّ النِّيَّةَ أَبْطَلَتْ الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثَ كُلَّهَا إذَا نَوَى طَلْقَ الْوَلَدِ وَهَذَا هُوَ جُمْلَةُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ تُبْطِلَ بَعْضَ مَدْلُولِ اللَّفْظِ إذَا نَوَى بِالثَّلَاثِ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فَتَأَمَّلْ ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَا فَعَلْت كَذَا وَقَالَ أَرَدْت بِلَفْظِ الْجَلَالَةِ أَوْ بِلَفْظِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرْت بِهَذَا اللَّفْظِ عَنْ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ لِلَّهِ مِنْ بَابِ إطْلَاقِ الْفَاعِلِ عَلَى أَثَرِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ وَالْحَلِفُ بِالْمَخْلُوقِ لَا تَلْزَمُ بِهِ كَفَّارَةٌ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ وَأَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُمَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا امْتَنَعَ شَرْعًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ حِسًّا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي وَالْعَلِيمِ وَالْعَزِيزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِقَوْلِي كَفَالَةُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ وَعِلْمُ اللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَسْطُهَا بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ مِمَّنْ هُوَ عَلِيمٌ أَوْ عَزِيزٌ أَوْ بَعْضَ صِفَاتِ الْبَشَرِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَهْدِ فَأَضَفْتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إضَافَةَ الْخَلْقِ لِلْخَالِقِ فَإِنَّا نَسْمَعُ هَذِهِ النِّيَّةَ
وَتُفِيدُهُ فِي إسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَيْسَتْ نُصُوصًا بَلْ أَسْمَاءَ أَجْنَاسٍ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّهَا كِنَايَاتٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِالنِّيَّةِ لِقُوَّةِ التَّرَدُّدِ وَالِاحْتِمَالِ عِنْدَهُمْ وَقَدْ حُكِيَ فِيمَا مَضَى عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَالُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّفَاتِ وَاشْتَرَطُوا فِيهَا الشُّهْرَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نُوَافِقْهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنَّا أَلْزَمْنَاهُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى الظُّهُورِ وَالصَّرَاحَةِ لَا بِنَاءً عَلَى النُّصُوصِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ وَاضْبُطْ مَا تُفِيدُ فِيهِ نِيَّةُ الْمَجَازِ وَمَا لَا تُفِيدُ فِيهِ فَإِنَّهُ فَرْقٌ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فِي الْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ حَاجَةً شَدِيدَةً وَقَدْ اتَّضَحَ أَيْضًا حَسَنًا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا ) اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ هُوَ مَا كَانَ بِإِلَّا وَحَاشَا وَخَلَا وَعَدَا وَلَا يَكُونُ وَلَيْسَ وَبَقِيَّةُ أَخَوَاتِهَا وَهِيَ إحْدَى عَشَرَةَ أَدَاةً مُسْتَوْعَبَةً فِي كُتُبِ النَّحْوِ وَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَإِذَا عَلِمْت حَقِيقَتَهُمَا فَاعْلَمْ أَنَّهُمَا بِحَسَبِ مَوَارِدِهِمَا الَّتِي يَرِدَانِ عَلَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَضَابِطُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُوجَدُ مُنْفَرِدًا وَمَعَ الْآخَرِ فَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصُورَةٍ وَيَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ يُوجَدُ الْأَبْيَضُ بِدُونِ الْحَيَوَانِ فِي الْجِيرِ وَالثَّلْجِ وَالْحَيَوَانُ بِدُونِ الْأَبْيَضِ فِي الزَّنْجِ وَالْجَامُوسِ وَيَجْتَمِعَانِ مَعًا فِي كُلِّ حَيَوَانٍ أَبْيَضَ كَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالْمَجَازُ يُوجَدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صُورَةٍ لَا يَجُوزُ وُجُودُ الْآخَرِ فِيهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي صُورَةٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمَا فِيهَا وَتَكُونُ قَابِلَةً لَهُمَا وَأُبَيِّنُ ذَلِكَ بِالْمِثْلِ مِثَالُ الصُّورَةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الِاسْتِثْنَاءُ دُونَ الْمَجَازِ وَيَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ فِيهَا أَسْمَاءُ الْأَعْدَادِ فَلَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعَشَرَةِ وَيُرَادُ بِهَا تِسْعَةٌ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَمَا عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ
عَلَيْهِ وَمِثَالُ الصُّورَةِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الْمَجَازُ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَعْطُوفَاتُ فَإِذَا قُلْت رَأَيْت زَيْدًا وَعَمْرًا إلَّا عَمْرًا لَمْ يَجُزْ لُغَةً لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حُكْمِ عَمْرٍو وَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَأَنْتَ مُسْتَثْنٍ لِجُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ فِي الْمَعْطُوفَاتِ وَاسْتِثْنَاءُ جُمْلَة كَلَامٍ مَنْطُوقٍ بِهِ مَمْنُوعٌ وَكَذَلِكَ أَعْطِ زَيْدًا دِرْهَمًا وَدِرْهَمًا إلَّا دِرْهَمًا مُمْتَنِعٌ لِاسْتِثْنَاءِ جُمْلَةٍ مَنْطُوقٍ بِهَا بِخِلَافِ أَعْطِهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَيَجُوزُ الْمَجَازُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ وَأَنْ يُرِيدَ بِالثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فِي الصُّورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْأَسْمَاءُ الْمُتَرَادِفَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ } .
وَالْحُزْنُ هُوَ الْبَثُّ وَقَدْ أُرِيدَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَوْ قُلْت أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَّا حُزْنِي لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَعْطِهِ بُرًّا وَحِنْطَةً وَتَعْطِفَ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ إذَا اخْتَلَفَ اللَّفْظُ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَلَوْ قُلْت رَأَيْت بُرًّا وَحِنْطَةً إلَّا حِنْطَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا الْتَفَّ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ وَمَا قُصِدَ بِالْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمَعَ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ تَكُونَ الْأَلْفَاظُ مُتَبَايِنَةً غَيْرَ مُتَرَادِفَةٍ وَيُرِيدَ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ كَقَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا وَالْأَسَدَ وَتُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا لِشَجَاعَتِهِ فَهَذَا يَجُوزُ ، وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ لِأَنَّك أَتَيْت بِاللَّفْظِ الثَّانِي لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَإِنَّ قَوْلَك لِزَيْدٍ أَسَدٌ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك شُجَاعٌ .
وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فَهَذَانِ مِثَالَانِ لِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ
صَاحِبِهِ ، وَمِثَالُ اجْتِمَاعِهِمَا فِي صِحَّةِ الدُّخُولِ فِيهِ وَالِاسْتِعْمَالِ الْعُمُومَاتُ وَالظَّوَاهِرُ كُلُّهَا يَجُوزُ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا وَالْمَجَازُ فَتَقُولُ فِي الْعُمُومِ رَأَيْت إخْوَتَك إلَّا زَيْدًا فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ وَتَقُولُ رَأَيْت إخْوَتَك وَتُرِيدُ دَارَ إخْوَتِهِ أَوْ أَمِيرَ إخْوَتِهِ لِمَا بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَمِيرِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ هَذَا فِي الْعُمُومِ وَأَمَّا الظَّوَاهِرُ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُمُومٍ نَحْوُ لَفْظِ الْأَسَدِ وَالْفَرَسِ وَجَمِيعِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فِيهَا إذَا وُجِدَتْ الْعَلَاقَةُ وَدُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَقُولُ رَأَيْت أَسَدًا إلَّا يَدَهُ وَإِلَّا رَأْسَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَسْتَوْعِبَهُ .
وَكَذَلِكَ رَأَيْت فَرَسًا إلَّا رَأْسَهُ وَيَجُوزُ دُخُولُ الْمَجَازِ فَتُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا الشُّجَاعَ وَبِالْفَرَسِ حِمَارَهُ الْفَارِهَ لِشَبَهِهِ بِالْفَرَسِ فِي سُرْعَةِ جَرْيِهِ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ بَقِيَّةَ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ فَهَذَا الْقِسْمُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَجَازُ وَالِاسْتِثْنَاءُ غَيْرَ أَنَّ الْمَجَازَ لَك أَنْ تَتَجَوَّزَ بِجُمْلَةِ الِاسْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمُسَمَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَدَلْت عَنْ الْأَسَدِ بِجُمْلَتِهِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَلَيْسَ لَك اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ الْأَسَدِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ فَهَذَا الْوَجْهُ يَقَعُ بِهِ الْفَرْقُ فِي هَذَا الْقِسْمِ لَا فِي جَوَازِ الدُّخُولِ ، فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَجَازُ وَيُوجَدُ الْمَجَازُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَيَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْهِمَا حَتَّى يُعْلَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي أَيِّ صُورَةٍ يَمْتَنِعُ وَيُفِيدُ ذَلِكَ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا
فِي مَكَان لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بَطَلَ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَزِمَهُ أَصْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى وَضْعِ اللُّغَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَاعِدَةُ الْفِقْهِ .
( الْفَرْقُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَاعِدَةِ الْمَجَازِ فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا ) الِاسْتِثْنَاءُ هُوَ إخْرَاجُ مَا دَخَلَ لُغَةً لَا قَصْدًا فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا وَهِيَ إحْدَى عَشْرَةً أَدَاةً مُسْتَوْعَبَةً فِي كُتُبِ النَّحْوِ ، وَالْمَجَازُ هُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ فِي اصْطِلَاحٍ بِهِ التَّخَاطُبُ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَرِينَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ وَالنِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ مَوَارِدِهِمَا الَّتِي يَرِدَانِ عَلَيْهَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْوَجْهِيُّ بِحَيْثُ يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ يَجُوزُ دُخُولُهُمَا مَعًا فِيهَا كَالْعُمُومَاتِ وَالظَّوَاهِرِ كُلِّهَا تَقُولُ فِي الْعُمُومِ رَأَيْت إخْوَتَك إلَّا زَيْدًا وَرَأَيْت إخْوَتَك تُرِيدُ دَارَ إخْوَتِهِ أَوْ أَمِيرَ إخْوَتِهِ لِمَا بَيْنَ الدَّارِ وَالْأَمِيرِ وَبَيْنَ الْإِخْوَةِ مِنْ الْمُلَابَسَةِ وَتَقُولُ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي لَيْسَتْ بِعُمُومٍ كَلَفْظِ الْأَسَدِ وَالْفَرَسِ رَأَيْت أَسَدًا إلَّا يَدَهُ أَوْ فَرَسًا إلَّا رَأْسَهُ وَرَأَيْت أَسَدًا فِي الْحِمَامِ تُرِيدُ رَجُلًا شُجَاعًا وَرَكِبَتْ فَرَسَك تُرِيدُ حِمَارَهُ الْفَارِهَ الشَّبِيهَ بِالْفَرَسِ فِي سُرْعَةِ الْجَرْيِ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَجَازِ وَالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْحَاصِلِ فِيهِ اجْتِمَاعُهُمَا هُوَ أَنَّ الْمَجَازَ يَجُوزُ فِيهِ التَّجَوُّزُ بِجُمْلَةِ الِاسْمِ عَنْ جَمِيعِ الْمُسَمَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا عَدَلْت عَنْ الْأَسَدِ بِجُمْلَتِهِ إلَى الرَّجُلِ الشُّجَاعِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَجُوزُ فِيهِ اسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ الْأَسَدِ بَلْ بَعْضُهُ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَبْقَى بَعْدَهُ شَيْءٌ مِمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ ( وَيَنْفَرِدُ ) الِاسْتِثْنَاءُ عَنْ الْمَجَازِ فِي صُورَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا هُوَ دُونَ الْمَجَازِ كَأَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا تَقْرِيرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْعَشَرَةِ مُرَادًا بِهَا التِّسْعَةَ وَلَا مُرَادًا بِهَا
الْعُشْرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَجَازًا وَتَقْرِيرُ مَا عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا فَقَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِثْنَاءُ بِإِلَّا مِنْ الْأَعْدَادِ وَإِنْ اتَّصَلَ مَا لَمْ يَبْنِ كَلَامَهُ عَلَيْهِ نَحْوُ وَاَللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ إلَّا دِرْهَمًا وَكَذَلِكَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ الْعُمُومِ وَبِخِلَافِ الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الِاتِّصَالُ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَيْهِ ا هـ وَيَنْفَرِدُ الْمَجَازُ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ فِي صُورَةٍ لَا يَدْخُلُهَا إلَّا هُوَ دُونَ الِاسْتِثْنَاءِ كَالْمَعْطُوفَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا لُغَةً الِاسْتِثْنَاءُ بِأَنْ تَقُولَ رَأَيْت عَمْرًا وَزَيْدًا إلَّا زَيْدًا لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ جُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ وَاسْتِثْنَاءُ جُمْلَةِ مَا نَطَقْت بِهِ مَمْنُوعٌ وَلِأَنَّ مَا قُصِدَ بِالْعَطْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا الْتَفَّ فِي الْكَلَامِ وَهُوَ غَيْرُ مُرَادٍ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْطُوفِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُرَادًا وَغَيْرَ مُرَادٍ وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ ، وَيَجُوزُ فِي الْمَعْطُوفَاتِ الْمَجَازُ إمَّا فِي نَفْسِ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ تَعْطِفَ بِهِ الشَّيْءَ عَلَى نَفْسِهِ اكْتِفَاءً بِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ كَمَا فِي الْمُتَرَادِفَيْنِ فِي نَحْوِ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ } وَالْحُزْنُ هُوَ الْبَثُّ وَقَوْلِكَ أَعْطِهِ بُرًّا وَحِنْطَةً نَصَّ عَلَى ذَلِكَ النُّحَاةُ وَإِمَّا فِي نَفْسِ الْمَعْطُوفِ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ بِأَنْ تَعْطِفَ الْأَلْفَاظَ الْمُتَبَايِنَةَ مُرِيدًا بِالثَّانِي الْأَوَّلَ مَجَازًا كَقَوْلِك رَأَيْت زَيْدًا وَالْأَسَدَ تُرِيدُ بِالْأَسَدِ زَيْدًا لِشَجَاعَتِهِ فَأَتَيْت بِاللَّفْظِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَإِنَّ قَوْلَك لِزَيْدٍ : أَسَدٌ أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِك لَهُ شُجَاعٌ لِأَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودًا
لِلْعُقَلَاءِ فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَجَازُ وَأَنَّ الْمَجَازَ يُوجَدُ فِي صُورَةٍ لَا يُوجَدُ فِيهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَأَنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي صُورَةٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصَّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَعَلِمْت فِي أَيِّ صُورَةٍ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي أَيِّ صُورَةٍ يَمْتَنِعُ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَتَيْهِمَا وَأَفَادَك ذَلِكَ نَفْعًا عَظِيمًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا فِي مَكَان لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ بَطَلَ اسْتِعْمَالُهُ لَهُ وَلَزِمَهُ أَصْلُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمُقْتَضَى وَضْعِ اللُّغَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهِيَ قَاعِدَةُ الْفِقْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ ) اعْلَمْ أَنَّ النِّيَّةَ تَكْفِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَلَا تَكْفِي عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابٌ وَلَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ عَشْرِ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) تَقْيِيدُ الْمُطْلَقَاتِ إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا فَلَا يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ فَصَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا وَكَذَلِكَ إذَا قَيَّدَهُ بِصِفَةٍ فِي نِيَّتِهِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهَا كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَيَنْوِي بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا فَلَا يَبْرَأُ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهَذِهِ صُورَةُ تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ .
قَالَ ( الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْتَفِي فِيهِ النِّيَّةُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .
الْفَرْقُ الثَّلَاثُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ فِي الْأَيْمَانِ وَقَاعِدَةِ مَا لَا تَكْفِي فِيهِ النِّيَّةُ ) النِّيَّةُ تَكْفِي فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ وَتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَعْيِينِ أَحَدِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ وَصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ وَلَا تَكْفِي عَنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي هِيَ أَسْبَابُ ارْتِفَاعِ حُكْمِ الْيَمِينِ شَرْعًا كَالِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ لِلْحَالِفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبًا شَرْعِيًّا كَلَفْظِ الِاسْتِثْنَاءِ فَتَكْفِي فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ وَتُؤَثِّرُ فِيهَا وَلَا تَكْفِي فِي نَوْعَيْنِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِيهِمَا وَتَتَّضِحُ هَذِهِ السَّبْعَةُ بِذِكْرِ عَشْرِ مَسَائِلَ ، لِتَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ بِلَا خِلَافٍ مَسْأَلَةٌ ، وَلِتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ بِلَا خِلَافٍ مَسْأَلَةٌ ، وَلِلتَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ يُؤَثِّرُ بِالنِّيَّةِ أَمْ لَا مَسْأَلَةٌ ، وَلِتَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ مَسْأَلَةٌ ، وَلِتَعْيِينِ مُسَمَّيَاتِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرِكَاتِ مَسْأَلَةٌ ، وَلِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقَائِقِ إلَى الْمَجَازَاتِ مَسْأَلَةٌ ، وَلِعَدَمِ كِفَايَتِهَا عَنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ مَسْأَلَةٌ ، وَلِعَدَمِ كِفَايَتِهَا عَنْ لَفْظٍ مَقْصُودٍ لِلْحَالِفِ وَلَيْسَ هُوَ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ ثَلَاثُ مَسَائِلَ ( الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى ) إذَا حَلَفَ لَيُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ زَيْدًا لَمْ يَبَرَّ بِإِكْرَامِ غَيْرِهِ لِأَنَّ رَجُلًا مُطْلَقٌ وَقَدْ قَيَّدَهُ بِخُصُوصِ زَيْدٍ حَتَّى صَارَ مَعْنَى الْيَمِينِ لَأُكْرِمَنَّ زَيْدًا وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَأُكْرِمَنَّ رَجُلًا وَنَوَى بِهِ فَقِيهًا أَوْ زَاهِدًا لَمْ يَبَرَّ بِإِكْرَامِ غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا مَوْطِنُ إجْمَاعٍ كَمَا قَالَ الْأَصْلُ وَابْنُ الشَّاطِّ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَيَنْوِي إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصِّصَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْكَتَّانِ دُونَ غَيْرِهِ لَا يُفِيدُ وَأَنَّ هُنَالِكَ فَرْقًا جَلِيلًا جَمِيلًا فَلْيُطَالَعْ مِنْ هُنَالِكَ .
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ تَخْصِيصُ الْعُمُومَاتِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَيَنْوِي إخْرَاجَ الْكَتَّانِ مِنْ يَمِينِهِ فَيَصِيرُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَلَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ بِنِيَّتِهِ ) قُلْت لَيْسَ هَذَا تَخْصِيصَ الْعُمُومِ بَلْ هُوَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَحَلُّ خِلَافٍ وَأَمَّا التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ فَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ مَا عَدَا الْكَتَّانَ خَاصَّةً وَلَا أَرَاهُ إلَّا مَحَلَّ وِفَاقٍ قَالَ ( وَقَدْ تَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ النِّيَّةِ الْمُخَصَّصَةِ وَالنِّيَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ إلَى آخَرِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ هُنَاكَ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا وَنَوَى بِهِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ خَاصَّةً لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَبِسَ الْكَتَّانَ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا لَبِسَ غَيْرَ الْكَتَّانِ لِأَنَّ نِيَّتَهُ خَصَّصَتْ الثَّوْبَ الْمَحْلُوفَ بِعَدَمِ لُبْسِهِ بِمَا عَدَا الْكَتَّانَ وَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ كَمَا قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ
( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَالتَّخْصِيصُ يَكْفِي فِيهِ إرَادَةُ الْمُتَكَلِّمِ فَكَفَى فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ إرَادَةِ الْمُتَكَلِّمِ فَلَيْسَتْ الْمُحَاشَاةُ شَيْئًا غَيْرَ التَّخْصِيصِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَهَذِهِ هِيَ مَوَاطِنُ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ إجْمَاعًا
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ الْمُحَاشَاةُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا قَالَ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ يُحَاشِيَ زَوْجَتَهُ وَقَالَ الْأَصْحَابُ يَكْفِي فِي الْمُحَاشَاةِ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ ) قُلْت الْمُحَاشَاةُ هِيَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِهِ قَالَ ( وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا تَخْصِيصٌ بِعَيْنِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانَ إلَى قَوْلِهِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ ) قُلْت الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ الِاسْتِثْنَاءُ بِعَيْنِهِ لَا التَّخْصِيصُ وَلَكِنْ لَمَّا سَبَقَ لَهُ تَوَهُّمُ أَنَّ إخْرَاجَ بَعْضِ مُتَنَاوِلِ اللَّفْظِ الْعَامِّ هُوَ التَّخْصِيصُ قَالَ إنَّ الْمُحَاشَاةَ هِيَ التَّخْصِيصُ وَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَتَوَهُّمُهُ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ غَلَطَهُ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ لَا تُفِيدُ مَعَ تَوَهُّمِهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ فِي النِّيَّةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بِاللَّفْظِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قَالَ ( فَهَذِهِ هِيَ مَوَاطِنُ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ إجْمَاعًا ) قُلْت ذَلِكَ صَحِيحٌ إلَّا فِي الْمُحَاشَاةِ فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهَا مَعْلُومٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ) فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا دَلَّ مُطَابَقَةً عَلَى نَفْيِ الْأَكْلِ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَمِنْ لَوَازِمِ مَصْدَرِ الْأَكْلِ مَأْكُولٌ مَا وَذَلِكَ الْمَأْكُولُ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِيهِ لِأَنَّهُ مَدْلُولٌ الْتِزَامِيٌّ وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ أَمَّا الِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَتَقَرُّرُ اللَّفْظِ فِيهِ ضَعِيفٌ فَتُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ لِهَذَا الضَّعِيفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَاعْتِبَارُ النِّيَّاتِ فِي الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ يَتْبَعُ اللُّغَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ اللُّغَةَ لَمَّا لَمْ تُجَوِّزْ النِّيَّةَ فِي صَرْفِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ إلَى الْمَجَازَاتِ امْتَنَعَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا
التِّسْعَةَ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ لَازِمِ الْمُسَمَّى بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَسَدَ يَلْزَمُهُ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْبَخَرِ وَالْحُمَّى وَالْوَبَرِ وَكِبَرِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ خَاصَّةً وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى تُصْرَفَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازُ الْمُشَابَهَةِ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَابَهَةُ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمَحَلِّ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت أَكْلًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضَ الْمَآكِلِ وَيُخْرِجَ الْبَعْضَ بِنِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ أَكْلًا مَصْدَرٌ وَأَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ بَعْدَ الْفِعْلِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ ضَرَبْت ضَرْبًا فَإِنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَيْهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا لِذِكْرِهِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ وَالتَّأْكِيدُ حَقِيقَتُهُ تَقْوِيَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِلَّا لَكَانَ إنْشَاءً لَا تَأْكِيدًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْكِيدُ مُنْشِئًا كَانَتْ الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فَالثَّابِتُ قَبْلَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ النِّيَّةَ اُعْتُبِرَتْ فِي الْمُطَابَقَةِ إجْمَاعًا مَعَ قُوَّةِ الْمُعَارِضِ فَأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ مَعَ ضَعْفِ الْمُعَارِضِ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمُطَابَقَةَ أَقْوَى مُعَارَضَةً لِلنِّيَّةِ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهَا إنَّمَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ تَبَعًا لَهَا وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ التَّابِعِ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا عَارَضَتْ النِّيَّةُ
الْمُطَابَقَةَ وَصَرَفَتْ اللَّفْظَ عَنْ مَدْلُولِهِ الْمُطَابِقِيِّ لِلْمَجَازِ صَحَّ إجْمَاعًا مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي مُسَمَّاهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَقَدْ قُدِّمَتْ النِّيَّةُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُطَابِقِيِّ وَهُوَ أَقْوَى فِي الْمُعَارَضَةِ مِنْ دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فَأَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ فِي دَلَالَةِ الِالْتِزَامِ وَيُصْرَفَ عُمُومُ اللَّازِمِ إلَى خُصُوصِهِ وَتَقْيِيدِ مُطْلَقِهِ وَجَمِيعِ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ فِي الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّا وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَاتِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ دَخَلَتْ عَلَى الْعَوَارِضِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَاللَّوَازِمِ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِثْنَاءُ فَإِنَّ اللَّفْظَ تَابِعٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إفْهَامُ السَّامِعِ مَا فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ فَمَتَى دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ ، وَبَيَانُ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ } هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمَكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ وَثَانِيهَا قَوْله تَعَالَى { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى { إلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ
الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ الْأَحْوَالَ اللَّازِمَةَ فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً فَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ أَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ عَنْ الْمُطَابَقَةِ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّهُ قَصْدٌ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ بَلْ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ وَدَلَّ الدَّلِيلُ الْخَارِجِيُّ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ ( أَحَدُهَا ) قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } وَالْمَدْلُولُ مُطَابَقَةً فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ مُرَادٍ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَحْرُمُ بَلْ الْأَفْعَالُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَهِيَ الْأَكْلُ وَالتَّنَاوُلُ فَقَدْ قُصِدَتْ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَارِنٍ بَلْ الْأَدِلَّةُ الْخَارِجَةُ أَفَادَتْنَا ذَلِكَ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إنْ كَانَتْ لَازِمَةً حَصَلَ الْمَقْصُودُ لِوُجُوهِ تُصْرَفُ النِّيَّةُ فِيهَا بِإِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ النِّيَّةَ تُعَيَّنُ فِي كُلِّ عَيْنِ الْفِعْلَ الْمُنَاسِبَ لَهَا فَتُعَيِّنُ فِي الْخَمْرِ الشُّرْبَ وَفِي الْمَيْتَةِ الْأَكْلَ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَعْيَانِ الْوَارِدَةِ فِي النُّصُوصِ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَقْصُودَةُ عَارِضَةً وَقَدْ تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِيهَا فَالْأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي اللَّازِمِ لِأَنَّ اللَّازِمَ أَقْرَبُ لِلْمُطَابَقَةِ مِنْ الْعَارِضِ ( وَثَانِيهَا ) قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } وَالْمُرَادُ الِاسْتِمْتَاعُ الْمُتَعَلِّقُ بِهِنَّ دُونَ أَعْيَانِهِنَّ الْمَذْكُورَةِ
فِي الْآيَةِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ( وَثَالِثُهَا ) قَوْله تَعَالَى { مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدَ } قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّرَدُّدُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ أَنْتَ تُعَظِّمُهُ وَتَهْتَمُّ بِهِ فَإِنَّك تَتَرَدَّدُ فِي مُسَاءَتِهِ نَحْوُ وَلَدِك وَصَدِيقِك ، وَمَنْ لَا تُعَظِّمُهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَعَدُوِّك فَإِنَّك إذَا خَطَرَ بِقَلْبِك إيلَامُهُ وَمُسَاءَتُهُ لَا تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ تُبَادِرُ إلَيْهِ ، فَصَارَ التَّرَدُّدُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مَوْطِنِ التَّعْظِيمِ وَعَدَمُهُ فِي مَوْطِنِ الْحَقَارَةِ وَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الْإِحْسَانِ انْعَكَسَ الْحَالُ فَيَحْصُلُ فِي حَقِّ الْحَقِيرِ دُونَ الْعَظِيمِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُتَحَدِّثُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ : الْمُرَادِ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَبَّرَ بِاللَّفْظِ الْمُرَكَّبِ عَمَّا يَلْزَمُهُ وَهُوَ نَفْسُهُ لَيْسَ مُرَادًا فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ : مَنْزِلَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَجَمِيعُ مَا وَقَعَ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْمُرَكَّبِ لَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ قُصِدَ إلَى لَازِمِ اللَّفْظِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِعَيْنِهِ وَإِذَا صَحَّ الْقَصْدُ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ وُجُوهٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ نَفَيْنَاهُ فِيمَا عَدَا الْمُطَابَقَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ النِّيَّةَ فِي الِالْتِزَامِ
كَمَا أَجَازَتْهَا فِي الْمُطَابَقَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَيْنَا .
وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ وَالِاسْتِعْمَالَات يُبْطِلُ اسْتِقْرَاءَهُمْ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي .
وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَازِمٌ قُلْنَا وَإِنَّهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا التَّجَوُّزُ لِكُلِّ لَازِمٍ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ عِنْدَنَا الْمُلَازَمَةُ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا الْمَجَازُ فِي غَيْرِ اللَّازِمِ كَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْجُزْءِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْمِثَالِ فَذَلِكَ الْمَنْعُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا فَإِنَّا نَشْتَرِطُ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ التَّشْبِيهُ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ فَهَذَا بَحْثٌ خَاصٌّ بِالِاسْتِعَارَةِ الَّتِي هِيَ مَجَازُ تَشْبِيهٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَجَازِ فَهَذَا الشَّرْطُ فِيهَا سَاقِطٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ فَلَا يَلْزَمُ إذَا حَرُمَ قَتْلُ الْإِنْسَانِ أَنْ يَحْرُمَ قَتْلُ مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ الْمَائِعِ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَنْ يَحْرُمَ مُطْلَقُ اللَّحْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعٍ خَاصٍّ فِي مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَنْ يَحْصُلَ الِامْتِنَاعُ فِي أَصْلِ الْمَجَازِ بَلْ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ التَّجَوُّزَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ خَاصَّةً فَهَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْحِجَاجِ فِيهَا .
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَهُوَ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا ) قُلْت فِي قَوْلِهِ مَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ الْتِزَامًا عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ وَهُوَ الْقِيَامُ مَثَلًا وَالضَّرْبُ فَأَمَّا الْقِيَامُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ فَيَدُلُّ بِالِالْتِزَامِ أَيْضًا عَلَى فَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِ الْمَصْدَرِ مِنْ فَاعِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ أَوْ مِنْ فَاعِلِهِ بِمَفْعُولِهِ إنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَمَا بُنِيَ اللَّفْظُ لَهُ أَوْ مَا تَقَيَّدَ بِهِ كَيْفَ يُقَالُ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْتِزَامًا بَلْ الْأَقْرَبُ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهِ تَضَمُّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ ( قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ الْأَوَّلِ ) قُلْت مَا قَالُوهُ فِي أَثْنَاءِ احْتِجَاجِهِمْ مِنْ أَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابَقَةِ وَالتَّضَمُّنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَتْ عَقْلِيَّةً بَلْ هِيَ وَضْعِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ وَهُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْمَفْرُوضُ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَفْظَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُوضَعْ لِلسَّقْفِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ أَصْلًا لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ لَا تَدُلُّ عَقْلًا وَإِنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا وَقَدْ عُدِمَ الْوَضْعُ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَلْبَتَّةَ ، نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يُذْكَرُ لَهُ لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ أَوْ لَازِمَ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ فَمَنْ اعْتَبَرَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللَّبْسُ فِي كَلَامِهِ
عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرْ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ ( وَثَانِيهَا إلَى آخِرِ احْتِجَاجِهِمْ ) قُلْت ذَلِكَ نَقْلٌ وَلَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ ( وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مِنْ وُجُوهٍ إلَى آخِرِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ ) قُلْت هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ صَحِيحَةٌ جَيِّدَةٌ قَالَ ( وَثَالِثُهَا أَنَّهُ قَصَدَ إلَى الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا إلَى قَوْلِهِ وَوَجْهُ التَّقْدِيرِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } دَلَالَةُ الْتِزَامٍ بِصَحِيحٍ بَلْ هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عُرْفًا وَكَانَتْ الدَّلَالَةُ قَبْلَ الْعُرْفِ بِلَفْظِ الْمَيْتَةِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى الْمَيْتَةِ نَفْسِهَا ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ الْعُرْفِ دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ عَلَى أَكْلِهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ دَلَالَةٍ عُرْفِيَّةٍ إنَّمَا هِيَ دَلَالَةُ مُطَابَقَةٍ عَلَى مَا صَارَتْ فِيهِ عُرْفًا قَالَ ( وَثَالِثُهَا قَوْله تَعَالَى { مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدَ } إلَى قَوْلِهِ فِي اللَّازِمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ .
قَالَ ( فَهَذِهِ وُجُوهٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ ) قُلْت هُوَ كَمَا قَالَ إلَّا مَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْ مِثْلِ قَوْله تَعَالَى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } قَالَ ( وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ
الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ النِّيَّاتُ وَالْمَقَاصِدُ وَالْأَلْفَاظُ وَصْلَةٌ إلَى تَعْرِيفِهَا وَتَعَرُّفِهَا فَإِذَا صَرَفَتْ النِّيَّاتُ الْأَلْفَاظَ إلَى شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَخْصِيصِ الْعُمُومَاتِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ الدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ الْمُطَابِقِيَّةِ فَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ وَلَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ تَقْيِيدًا وَلَا تَخْصِيصًا وَقَالَتْ بَقِيَّةُ الْفِرَقِ تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَتَضَمُّنًا تَقْيِيدًا وَتَخْصِيصًا كَالْمُطَابَقَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَمَثَّلُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَقَالَتْ الْفِرَقُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ مَأْكُولًا مُعَيَّنًا فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ غَيْرِهِ وَقَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ هَا هُنَا وَإِنْ نَوَى بَطَلَتْ نِيَّتُهُ وَحَنِثَ بِأَيِّ مَأْكُولٍ أَكَلَهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْفِعْلِ الْمُتَعَدِّي لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمَأْكُولُ بَلْ وَلَا عَلَى الْفَاعِلِ بِالْمُطَابِقَةِ بَلْ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِالتَّضَمُّنِ وَإِمَّا بِالِالْتِزَامِ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِ النِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَاخِلَةً فِي مَفْهُومِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الشَّاطِّ وَبِهِ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَالْعَضُدِ وَالْعِصَامِ وَالسَّيِّدِ والفتري وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْهَرَوِيِّ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ تَأْيِيدُ التَّفْتَازَانِيِّ قَوْلُ الْعَضُدِ بِاسْتِعَارَةِ الْفِعْلِ بِاعْتِبَارِ النِّسْبَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى دُخُولِهَا فِيهِ أَوْ غَيْرِ دَاخِلَةٍ فِيهِ وَهُوَ مُفَادُ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ مَدْلُولَيْ الْفِعْلِ إلَخْ وَعَزَاهُ الْفَنَارِيُّ فِي فُصُولِ الْبَدَائِعِ إلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَالصَّبَّانِ فِي حَوَاشِي الْأُشْمُونِيِّ لِلْجُمْهُورِ كَمَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَالْأُنْبَابِيُّ عَلَيْهَا وَقَالَ الصَّبَّانُ فِي بَيَانِيَّتِهِ فِي شَرْحِ شَيْخِنَا إنَّ الْحَقَّ عَدَمُ دُخُولِهَا فِيهِ نَعَمْ الْفِعْلُ مَلْحُوظٌ فِيهِ النِّسْبَةُ إلَى الْفَاعِلِ أَوْ نَائِبِهِ مُطْلَقًا
سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ خَارِجَةٌ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ ا هـ الْمُرَادُ وَحَيْثُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى الْمَأْكُولِ إلَّا بِالتَّضَمُّنِ أَوْ الِالْتِزَامِ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُ النِّيَّةِ مُحْتَجِّينَ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ الْمَنْطُوقِ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَخَالَفْنَا ذَلِكَ فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَحْكِيمَ النِّيَّةِ فِي اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ فَرْعُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِذَلِكَ الْمَعْنَى وَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا هُوَ مُحَقَّقٌ فِي الْمُطَابِقَةِ وَأَمَّا التَّضَمُّنُ وَالِالْتِزَامُ فَتَبَعٌ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأَلْفَاظِ وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ وَلَمْ يُوضَعْ لَفْظُ الْمَسْجِدِ مَثَلًا إلَّا لِجُمْلَتِهِ لَا لِجُمْلَتِهِ وَبَعْضِهِ الَّذِي هُوَ السَّقْفُ مَثَلًا وَلَازِمِهِ الَّذِي هُوَ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ فِيهِ مَثَلًا وَإِلَّا لَكَانَ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُشْتَرِكًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَلَا دَلَالَةَ لِلَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَى السَّقْفِ وَلَا عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ أَصْلًا نَعَمْ هُنَا أَمْرٌ وَهُوَ أَنَّ مَنْ يَذْكُرُ لَهُ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَى مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ بِالْوَضْعِ فَإِنَّهُ يَتَذَكَّرُ مَا تَرَكَّبَ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَجْمُوعُ فَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا الْقَدْرَ وَسَمَّى هَذَا التَّذَكُّرَ دَلَالَةً فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يَدْخُلُ اللُّبْسُ فِي كَلَامِهِ عَلَى سَامِعِ ذَلِكَ مِنْهُ حِينَ يَذْكُرُ هَاتَيْنِ الدَّلَالَتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَعْنَاهُمَا تَذَكُّرُ الشَّيْءِ عِنْدَ ذِكْرِ الشَّيْءِ مَعَ ذِكْرِهِ الدَّلَالَةَ الْوَضْعِيَّةَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَفْظَ الدَّلَالَةِ لَمْ يُوقِعْهُ عَلَى الْوَضْعِيَّةِ وَالتَّذَكُّرِ بِالتَّوَاطُؤِ بَلْ بِالِاشْتِرَاكِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوقِعُ الْغَلَطَ كَثِيرًا وَإِذَا كَانَتْ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ تَبَعًا لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْكُلِّ ، وَالْمَلْزُومُ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوَضْعِ
وَالْأَلْفَاظُ إنَّمَا تَدُلُّ وَضْعًا لَا عَقْلًا كَانَ تَقْرِيرُ اللَّفْظِ فِي الْجُزْءِ وَاللَّازِمِ ضَعِيفًا فَيَكُونُ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فِيهِ كَذَلِكَ فَلَا يُتْرَكُ مَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ لِهَذَا الضَّعِيفِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا فِيمَا دَلَّ اللَّفْظُ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً وَاعْتِبَارُ النِّيَّاتِ فِي الْأَلْفَاظِ أَمْرٌ يَتْبَعُ اللُّغَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ اللُّغَةَ لَمَّا لَمْ تُجَوِّزْ النِّيَّةُ فِي صَرْفِ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ إلَى الْمَجَازَاتِ امْتَنَعَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُطْلِقَ الْعَشَرَةَ وَتُرِيدَ بِهَا التِّسْعَةَ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّهُ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ وَالتَّضَمُّنَ لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ لَازِمٍ أَوْ جُزْءٍ الْمُسَمَّى بِالنِّيَّةِ وَالْقَصْدِ إلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَسَدَ يَلْزَمُهُ أَوْصَافٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْبَخَرِ وَالْحُمَّى وَالْوَبَرِ وَكِبَرِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَصِحُّ التَّجَوُّزُ عَنْهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الشَّجَاعَةِ خَاصَّةً وَلَا يَصِحُّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى تُصْرَفَ لِلْمَجَازِ لِأَنَّا نَشْتَرِطُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَجَازِ وَهُوَ مَجَازُ الْمُشَابَهَةِ أَنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمُشَابَهَةُ أَظْهَرَ صِفَاتِ الْمَحَلِّ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَافْهَمْ ( وَحُجَّةُ الْمَالِكِيَّةِ ) وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ وُجُوهٍ ( أَحَدُهَا ) أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى مَا إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت أَكْلًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضَ الْمَآكِلِ وَيُخْرِجَ الْبَعْضَ بِنِيَّتِهِ مَعَ أَنَّ أَكْلًا مَصْدَرٌ وَأَجْمَعَ النُّحَاةُ عَلَى أَنَّ التَّصْرِيحَ بِهِ بَعْدَ الْفِعْلِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّأْكِيدِ نَحْوُ ضَرَبْت ضَرْبًا فَإِنَّ الْفِعْلَ دَلَّ عَلَيْهِ فَذِكْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا لِذِكْرِهِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا وَحَقِيقَةٌ التَّأْكِيدِ تَقْوِيَةُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَإِلَّا لَكَانَ إنْشَاءً لَا تَأْكِيدًا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّأْكِيدُ مُنْشَأً كَانَتْ
الْأَحْكَامُ الثَّابِتَةُ مَعَهُ ثَابِتَةً قَبْلَهُ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَعَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ فَالثَّابِتُ قَبْلَهُ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ ( وَثَانِيهَا ) أَنَّ النِّيَّةَ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ مَعَ قُوَّةِ الْمُعَارِضِ لَهَا فِي الْمُطَابَقَةِ إجْمَاعًا فَلَأَنْ تُعْتَبَرَ مَعَ ضَعْفِ الْمُعَارِضِ لَهَا فِي دَلَالَتَيْ التَّضَمُّنِ وَالِالْتِزَامِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَكَوْنُ الْمُطَابَقَةِ أَقْوَى مُعَارِضٍ لِلنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِهَا ظَاهِرٌ مِنْ كَوْنِهَا هِيَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهَا إنَّمَا يُفِيدُهُ اللَّفْظُ تَبَعًا لَهَا وَالْأَصْلُ أَقْوَى مِنْ التَّابِعِ ( وَثَالِثُهَا ) أَنَّا وَجَدْنَا الِاسْتِثْنَاءَاتِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ دَخَلَتْ عَلَى اللَّوَازِمِ وَالْعَوَارِضِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَلَفْظُ الِاسْتِثْنَاءِ إنَّمَا هُوَ فَرْعٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الَّذِي قُصِدَ لِأَجَلِهِ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّ اللَّفْظَ تَابِعٌ لِإِرَادَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ إفْهَامُ السَّامِعِ مَا فِي نَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ فَمَتَى دَخَلَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُخُولِ النِّيَّةِ قَبْلَهُ فِي الْمَدْلُولِ الِالْتِزَامِيِّ ، وَبَيَانُ دُخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ بِطَرِيقِ الْعَرَضِ مِنْ وَجْهَيْنِ ( أَحَدُهُمَا ) قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ } فَإِنَّ تَقْدِيرَ الْكَلَامِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ إلَّا فِي حَالَةِ الْإِحَاطَةِ بِكُمْ فَإِنِّي لَا أُلْزِمُكُمْ الْإِتْيَانَ بِهِ فِيهَا لِقِيَامِ الْعُذْرِ حِينَئِذٍ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ أَوْ اللَّازِمَةِ لِمَعْنَى الْإِتْيَانِ ( وَثَانِيهَا ) قَوْله تَعَالَى { وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ } وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى { إلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } أَيْ لَا يَأْتِيهِمْ فِي حَالَةٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ لَهْوِهِمْ
وَإِعْرَاضِهِمْ فَقَدْ قَصَدَ إلَى حَالَةِ اللَّهْوِ وَالْإِعْرَاضِ بِالْإِثْبَاتِ وَلِغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْوَالِ بِالنَّفْيِ وَالْأَحْوَالُ أُمُورٌ خَارِجَةٌ عَنْ الْمَدْلُولِ الْمُطَابِقِيِّ وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْوَالُ خَارِجَةً فَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَإِنْ كَانَتْ عَارِضَةً فَقَدْ دَخَلَتْ النِّيَّةُ فِي الْعَوَارِضِ وَإِذَا دَخَلَتْ فِي الْعَوَارِضِ دَخَلَتْ فِي اللَّوَازِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْعَارِضَ أَبْعَدُ عَنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ مُطَابَقَةً مِنْ اللَّازِمِ ضَرُورَةً وَإِذَا تَصَرَّفَتْ النِّيَّةُ فِي الْبَعِيدِ فَأَوْلَى أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي الْقَرِيبِ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا مِنْ الْعَارِضِ لِبُعْدِهِ مِنْ الْمُطَابَقَةِ ( وَرَابِعُهَا ) أَنَّا وَجَدْنَا النِّيَّةَ الْمُجَرَّدَةَ تَصَرَّفَتْ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَهُوَ عَيْنُ صُورَةِ النِّزَاعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ { مَا تَرَدَّدْت فِي شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَا أُرِيدُ } قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِذِكْرِ التَّرَدُّدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الدَّلَالَةُ عَلَى عِظَمِ مَنْزِلَةِ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ كُلَّ شَخْصٍ أَنْتَ تُعَظِّمُهُ وَتَهْتَمُّ بِهِ كَوَلَدِك وَصَدِيقِك فَإِنَّك تَتَرَدَّدُ فِي مُسَاءَتِهِ وَأَنَّ مَنْ لَا تُعَظِّمُهُ كَالْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَعَدُوِّك فَإِنَّك إذَا خَطَرَ بِقَلْبِك إيلَامُهُ وَمُسَاءَتُهُ لَا تَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ بَلْ تُبَادِرُ إلَيْهِ فَصَارَ التَّرَدُّدُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي مَوْطِنِ التَّعْظِيمِ وَعَدَمُهُ فِي مَوْطِنِ الْحَقَارَةِ فَإِنْ كَانَ التَّرَدُّدُ فِي الْإِحْسَانِ انْعَكَسَ الْحَالُ فَيَحْصُلُ فِي حَقِّ الْحَقِيرِ دُونَ الْعَظِيمِ فَيَصِيرُ مَعْنَى الْحَدِيثِ : مَنْزِلَةُ الْمُؤْمِنِ عِنْدِي عَظِيمَةٌ وَجَمِيعُ مَا وَقَعَ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْمُرَكَّبِ لَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ قَصَدَ إلَى لَازِمِ اللَّفْظِ وَأُضِيفَ إلَيْهِ الْحُكْمُ وَهَذَا
بِعَيْنِهِ هُوَ تَصَرُّفُ النِّيَّةِ فَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِعَيْنِهِ فَإِذَا صَحَّ الْقَصْدُ فِي اللَّازِمِ صَحَّتْ النِّيَّةُ فِيهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَهَذِهِ وُجُوهٌ أَرْبَعَةٌ وَاضِحَةٌ فِي دُخُولِ النِّيَّاتِ وَالْمَقَاصِدِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا وَكَذَا تَضَمُّنًا فِي مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَبِهَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَلَى مَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ ( أَمَّا الْأَوَّلُ ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ نَفَيْنَاهُ فِيمَا عَدَا الْمُطَابَقَةَ عَلَى مُقْتَضَى الْأَصْلِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات دَلَّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَرَبَ أَجَازَتْ النِّيَّةَ فِي الِالْتِزَامِ كَمَا أَجَازَتْهَا فِي الْمُطَابَقَةِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْلَ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَجْرِ عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْأَصْلَ إنَّمَا هُوَ النِّيَّاتُ وَالْمَقَاصِدُ وَإِنَّمَا الْأَلْفَاظُ وُصْلَةٌ إلَى تَعْرِيفِهَا وَتَعَرُّفِهَا فَإِذَا صَرَفَتْ النِّيَّاتُ الْأَلْفَاظَ إلَى شَيْءٍ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ انْصَرَفَتْ إلَيْهِ ( وَأَمَّا الثَّانِي ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ إنَّ الِاسْتِقْرَاءَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النُّصُوصِ وَالِاسْتِعْمَالَات يُبْطِلُ اسْتِقْرَاءَهُمْ إذْ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي ( وَأَمَّا الثَّالِثُ ) وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ صَحَّ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي الْمَدْلُولِ الْتِزَامًا أَوْ تَضَمُّنًا لَصَحَّ الْمَجَازُ فِي كُلِّ شَيْءٍ هُوَ لَازِمٌ أَوْ جُزْءٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا مَانِعَ عِنْدَنَا مِنْ صِحَّةِ الْمَجَازِ فِي كُلِّ لَازِمٍ أَوْ جُزْءٍ لِأَنَّ الْعَلَاقَةَ عِنْدَنَا الْمُلَازَمَةُ لَا خُصُوصُ الْمُشَابَهَةِ بَلْ يَصِحُّ عِنْدَنَا الْمَجَازُ فِي غَيْرِ اللَّازِمِ كَالتَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْجُزْءِ عَنْ الْكُلِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَكُّ رَقَبَةٍ } مَعَ أَنَّ الْجُزْءَ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْكُلِّ حَتَّى أَنَّهُمْ لِذَلِكَ اشْتَرَطُوا فِي هَذِهِ الْعَلَاقَةِ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ مُرَكَّبًا تَرْكِيبًا حَقِيقِيًّا وَأَنْ يَسْتَلْزِمَ انْتِفَاءُ الْجُزْءِ انْتِفَاءَهُ
عُرْفًا كَالرَّأْسِ وَالرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ لِلسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالظُّفْرِ وَالْأُذُنِ لِلْإِنْسَانِ ا هـ .
أَيْ وَالْيَدُ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ قَالَ فِيهِ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْعَيْنِ عَلَى الرَّبِيئَةِ فَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إنْسَانٌ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَقِيبٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْعَيْنِ ا هـ كَذَا فِي بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ الْأَسَدِ فِي غَيْرِ الشَّجَاعَةِ مِنْ لَوَازِمِهِ فَهُوَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ خُصُوصِ كَوْنِهِ مَجَازَ تَشْبِيهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَظْهَرُ صِفَاتِ الْمُتَجَوَّزِ عَنْهُ فَلَا يَصِحُّ بِالْمَعَانِي الْخَفِيَّةِ لَا مِنْ عُمُومِ كَوْنِهِ مَجَازًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ أَمْرٍ فِي الْأَخَصِّ أَنْ يَمْتَنِعَ فِي الْأَعَمِّ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ تَحْرِيمَ قَتْلِ الْإِنْسَانِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ تَحْرِيمُ قَتْلِ مُطْلَقِ حَيَوَانٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْرِيمُ مُطْلَقِ مَائِعٍ وَلَا مِنْ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ تَحْرِيمُ مُطْلَقِ اللَّحْمِ فَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْمَجَازَ يَصِحُّ فِي كُلِّ لَازِمٍ إلَّا مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ خَاصَّةً هَذَا تَلْخِيصُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْحِجَاجِ فِيهَا .
( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتَك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَطْفَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْأَطْفَالِ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَإِنَّ جَمِيعَنَا لَا يَخْرُجُ طِفْلًا وَاحِدًا بَلْ أَطْفَالًا فَمَعْنَى الطُّفُولِيَّةِ مُضَافَةٌ لِكُلِّ بَشَرٍ مِنَّا فَيَحْصُلُ الْعُمُومُ فِي الْأَطْفَالِ كَمَا أَنَّا نَحْنُ غَيْرُ مُتَنَاهِينَ وَتَوْزِيعُ الْحَقِيقَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ الطُّفُولِيَّةِ عَلَى مَا لَا يَتَنَاهَى يُوجِبُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهَا أَفْرَادٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ فَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْمُطْلَقُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ فَإِذَا أَرَادَ الْحَالِفُ تَعْمِيمَ حُكْمِ الْيَمِينِ بِالنِّيَّةِ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِالْعُمُومِ فَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِحُصُولِ الْفِعْلِ فِي جَمِيعِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ حَنِثَ بِوَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ بِأَيِّ فَرْدٍ حَنِثَ فِيهِ مَعَ أَنَّ سِيَاقَ النَّفْيِ اللَّفْظُ فِيهِ عَامٌّ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ وَإِنَّمَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ وَتَأْثِيرُ النِّيَّةِ فِي سِيَاقِ الثُّبُوتِ خَاصَّةً .
قَالَ ( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ دُخُولُ النِّيَّةِ فِي تَعْمِيمِ الْمُطْلَقَاتِ وَصُورَتُهُ أَنْ تَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاكَ وَتَنْوِيَ بِذَلِكَ جَمِيعَ إخْوَتِك فَإِنَّ قَوْلَك أَخَاك مُطْلَقٌ فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعَ إخْوَتِكَ فَقَدْ عَمَّمَ الْمُطْلَقَ ) قُلْت لَيْسَ مَا قَالَهُ هُنَا بِصَحِيحٍ فَإِنَّ أَخَاك مَعْرِفَةٌ وَلَيْسَتْ الْمَعْرِفَةُ مُطْلَقَةً فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا الْمُطْلَقُ فِي عُرْفِهِمْ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُكْرِمَنَّ أَخَاك وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ غَلَطُهُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةَ الِاشْتِرَاكِ فِي لَفْظِ الْمُطْلَقِ بِاعْتِبَارِ اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمَنْطِقِيِّينَ فَإِنَّ اصْطِلَاحَ الْأُصُولِيِّينَ فِي الْمُطْلَقِ أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْمُبْهَمُ وَفِي اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِيِّينَ الْكُلِّيُّ وَقَدْ يَكُونُ نَكِرَةً كَمَا فِي قَوْلِهِمْ تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَمَعْرِفَةً بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ كَقَوْلِهِمْ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ وَمَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ كَقَوْلِهِمْ ( : أَخَاك أَخَاك إنَّ مَنْ لَا أَخَا لَهُ كَسَاعٍ إلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلَاحٍ ) فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَخًا مُعَيَّنًا وَلَا أَخًا وَاحِدًا مُبْهَمًا وَإِنَّمَا أَرَادَ هَذَا النَّوْعَ عَلَى الْجُمْلَةِ .
قَالَ ( وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا } فَإِنَّ طِفْلًا مُطْلَقٌ مُفْرَدٌ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا فَرْدًا وَاحِدًا وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَطْفَالِ ) قُلْت هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ وَقَوْلٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ وَهُوَ الْكُلِّيُّ لَيْسَ فَرْدًا وَاحِدًا عِنْدَ مُثْبَتِيهِ وَإِنَّمَا الْفَرْدُ الْوَاحِدُ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ مِمَّا فِيهِ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ أَشْهَرُ نَوْعَيْ النَّكِرَةِ وَأَكْثَرُهُمَا اسْتِعْمَالًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا يُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الْمُبْهَمُ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ : أَكْرِمْ رَجُلًا وَثَانِيهِمَا يُرَادُ بِهِ هَذَا الْجِنْسُ لَا فَرْدٌ مِنْهُ