كتاب : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
وقال وقد عاد رحمه الله تعالى من بعض متوجهاته الجهادية لجبل الشوار
( على الطائر الميمون والطالع السعد ... قدمت مع الصنع الجميل على وعد )
( وقد عدت من جبل الشوار لتجتلي ... عقائل للفتح المبين بلا عد )
وقال مما رسم في طيقان الأبواب بالمباني السعيدة التي ابتناها رحمه الله تعالى
( أنا تاج كهلال ... أنا كرسي جمال )
( ينجلي الإبريق فيه ... كعروس ذي اختيال )
( جود مولانا ابن نصر ... قد حباني بالكمال )
وفي مثله
( من رأى التاج الرفيعا ... قد حوى الشكرالبديعا )
( تحسد الأفلاك منه ... قوسه السهل المنيعا )
( دمت ربعا للتهاني ... أنظم الشمل الجميعا )
وفيه
( للغني بالله قصر ... للتهاني يصطفيه )
( فيه محراب صلاة ... يقف الإبريق فيه )
( تاليا سورة حسن ... والمعالي تقتفيه )
وفيه
( أي قوس ذي جمال ... سهمه سهم السعاده )
( ملك الإبريق فيه ... عود الإحسان عاده )
( ذو صلاة من صلات ... كلها دأبا معاده )
وقال في المعنى مما كتب به لعمنا الأمير سعد رحمة الله تعالى عليه
( انظر لأفق جمال ... به الأباريق تصعد )
( حسن بديع حباه ... به الأمير الممجد )
( فخر الإمارة سعد ... به الخليفة يسعد )
( وكيف لا وأبوه ... فخر الملوك محمد )
( عليه حلي رضاه ... في كل يوم يجدد )
وقال فيه أيضا
( رفعت قوس سمائي ... يزهى بتاج الهلال )
( قد قلدته نقوشي ... در الدراري العوالي )
( ترى الأباريق فيه ... تهديك عذب الزلال )
( قد زان قصري سعد ... بسعده المتوالي )
( فدام يعمر ربعي ... في كلء مولى الموالي )
وفي الغرض
( ما ترى في الرياض أشباهي ... يسحر العقل حسني الزاهي )
( زان روضي أميره سعد ... وهو نجل الغني بالله )
( دام منه بمرتقى عز ... آمر بالسعود أو ناهي )
وقال في غرض الشكر عن مغطى صنهاجي أهداه إياه
( لمن قبة حمراء مد نضارها ... تطابق منها أرضها وسماؤها )
( وما أرضها إلا خزائن رحمة ... وما قد سما من فوق ذاك غطاؤها )
( وقد شبه الرحمن خلقتنا به ... وحسبك فخرا بان منه اعتلاؤها )
( ومعروشة الأرجاء مفروشة بها ... صنوف من النعماء منها وطاؤها )
( ترى الطير في أجوافها قد تصففت ... على نعم عند الإله كفاؤها )
( ونسبتها صنهاجة غير أنها ... تقصر عما قد حوى خلفاؤها )
( حبتني بها دون العبيد خلافة ... على الله في يوم الجزاء جزاؤها )
وفي مثله
( ما للعوالم جمعت في قبة ... قد شادها كرم الإمام محمد )
( في صفح صرح بالزجاج مموه ... وبجود مولاي الإمام ممهد )
( ما إن رأيت ولا سمعت كطائر ... عن ثوب موشي الرياش مجرد )
( إن لم تكن تلك الطيور تغردت ... فلشكر هذا العيد سجع مغرد )
( صفت عليها للفواكه كل ما ... قد عاهدته بدوحها المتعود )
( لو أبصرت صنهاجة أوضاعه ... دانت له أملاكها بتعبد )
( عودتني الصنع الجميل تفضلا ... لا زلت خير معوذومعود )
( وبسورة الأنعام كم من آية ... فيها لقار بالنوال مجود )
وقال تذييلا لبيتي ابن المعتز
( سقتني في ليل شبيه بشعرها ... شبيهة خديها بغير رقيب )
( فأمسيت في ليلين للشعر والدجى ... وشمسين من خمر وخد حبيب )
( إلى أن بدا الصبح المبين كأنه ... محيا ابن نصر لم يشن بغروب )
( شمائله مهما أديرت كؤوسها ... قلائد أسماع وأنس قلوب )
وقال مذيلا على بيت ابن وكيع
( هي في أوجه الندامى عقيق ... وهي مثل النضار في الأقداح )
( كابن نصر تراه في الحرب ليثا ... وهو بدر الندى وغيث السماح )
( ذكره قد ثنى قدود الندامى ... وأعاد الحياة في الأرواح )
وقال مما يرسم للغني بالله
( للغني بالله ملك ... برده بالعز مذهب )
( دام في رفعة شان ... ما جلا الإصباح غيهب )
وقال أيضا
( يا ابن نصر لك ملك ... ليس تعدوه الفتوح )
( دمت روحا للمعالي ... ما سرى في الجسم روح )
ومن مقطوعاته
( وابن نصر له محيا كصبح ... إن تجلى جلالنا كل كرب )
( ذو حسام كأنه لمع برق ... في بنان كأنها غيث سحب )
ومن أخرى
( وكأن النجوم في غسق اللي ... جمان يلوح في آبنوس )
( وكأن الصباح في الأفق يجلى ... بحلي النجوم مثل العروس )
( وكأن الرياض تهدي ثناء ... للغني بالله فوق الطروس )
وقال من قصيدة أولها
( أضياء هدي أم ضياء نهار ... وشذا المحامد أم شذا الأزهار )
( قسما بهديك في الضياء وإنه ... شمس تمد الشهب بالأنوار )
ومنها
( كم من لطائف للهدى أوضحتها ... خفيت لطائفها على الأفكار )
( كم من جرائم قد غفرت عظيمها ... مستنزلا من رحمة الغفار )
( علمت ملوك الأرض أنك فخرها ... فتسابقت لرضاك في مضمار )
ومنها يصف الجيش
( سالت به تحت العجاج سفينة ... لقحت بريح العز من أنصار )
( أرست بجودي الجود في يوم الندى ... وجرت بيوم الحرب في تيار )
ومنها
( ألقى بأيدي الريح فضل عنانه ... فيكاد يسبق لمحة الأبصار )
ومنها
فهي العراب متى انبرت يوم الوغى ... قد أعربت عن لطف صنع الباري )
ومنها
( إن خاض في ليل العجاج رأيته ... يجلو دجنته بوجه نهار )
ومنها
( كم فيهم من قار ضيف طارق ... وضحت شواهد فضله للقار )
ومنها
( يا أيها الملك الذي أيامه ... غرر تلوح بأوجه الأعصار )
( قد زارك العيد السعيد مبشرا ... فاسمح لألف منهم بمزار )
( لما ازدهته عواطف ألطفتها ... عطف الإله عليك عطف سوار )
( فأتىيؤمم منك هديا صالحا ... كي يستمد النور بعد سرار )
( وأتاك يسحب ذيل سحب أغدقت ... تغري جفون المزن باستعبار )
( جادت بجاري الدمع من قطر الندى ... فرعى الربيع لها حقوق الجار )
( فأعاد وجه الأرض طلقا مشرقا ... متضاحكا بمباسم النوار )
( لما دعاك إلى القيام بسنة ... حكمت داعي الجود والإيثار )
( فأفضت فينا من نداك مواهبا ... حسنت مواقعها على التكرار )
( فاهنأ بعيد عاد يشتمل الرضى ... جذلان يرفل في حلى استبشار )
ومنها
( لا عذر لي إن كنت فيه مقصرا ... سدت صفاتك أوجه الأعذار )
( فإذا نظمت من المناقب درها ... شرفتني منها بنظم دراري )
( فلذاك أنظمها قلائد لؤلؤ ... لألاؤها قد شف بالأنوار )
وأنشد على لحده المقدس رحمه الله تعالى
( ضريح أمير المسلمين محمد ... يخصك ربي بالسلام المردد )
( وحيتك من روح الإله تحية ... مع الملإ الأعلى تروح وتغتدي )
( وشقت جيوب الزهر فيك كمائم ... يرف بها الريحان عن خضل ندي )
( وصابت من الرحمى عليك غمائم ... تروي ثرى هذا الضريح المنجد )
( وزارتك من حور الجنان أوانس ... نواعم في كل النعيم المخلد )
( وجاءتك بالبشرى ملائكة الرضى ... كما جاء في الذكر الحكيم الممجد )
( وصافح منك الروض أطيب تربة ... وعاهد منك المزن أكرم معهد )
( رضى الله والصفح الجميل وعفوة ... يوالى على ذاك الصفيح المنضد )
( ويا صدفا قد فاز من جوهر العلا ... بكل نفيس بالنفاسة مفرد )
( أعندك أن العلم والحلم والحجى ... وزهر الحلى قد أدرجت طي ملحد )
( وهل أنت إلا هالة القمر الذي ... ينور هداه الشهب تهدي وتهتدي )
( ويا عجبا من ذلك الترب كيف لا ... يفيض ببحر للسماحة مزبد )
( لقد ضاقت الأكوان وهي رحيبة ... بما حزت من فخر عظيم وسودد )
( قدمت على الرحمن أكرم مقدم ... وزودت من رحماه خير مزود )
( أقام بك المولى الإمام محمد ... مؤمل فوز بالشفيع محمد )
( فجاء كما ترضى وترضى به العلا ... وأنجز للآمال أكرم موعد )
( ومد ظلال العدل في كل وجهة ... وكف أكف البغي من كل معتد )
( وقام بمفروض الجهاد عن الورى ... وعود دين الله خير معود )
( قضى بعدما قضى الخلافة حقها ... وعامل وجه الله في كل مقصد )
( وفتح بالسيف الممالك عنوة ... ومدت له أملاكها كف مجتد )
( وكسر تمثال الصليب وأخرست ... نواقيس كانت للضلال بمرصد )
( وطهر محرابا وجدد منبرا ... وأعلن ذكر الله في كل مسجد )
( ودانت له الأملاك شرقا ومغربا ... وكلهم ألقى له الملك باليد )
( طبق معمور البسيطة ذكره ... وسارت به الركبان في كل فد فد )
( وسافر عن دار الفناء ليجتلي ... بما قدم اليوم السعادة في غد )
( وقام بأمر الله حق قيامه ... بعزمة لا وان ولا متردد )
( لئن سار للرحمن خير مودع ... وحل من الفردوس أشرف مقعد )
( فقد خلف المولى الخليفة يوسفا ... يعيد له غر المساعي ويبتدي )
( سبيلك في سبل المكارم يقتفي ... وهديك يا خير الأئمة يقتدي )
( محمد جلى الخطب من بعد يوسف ... ويوسف جل الخطب بعد محمد )
( ولو وجد الناس الفداء مسوغا ... فداك ببذل النفس كل موحد )
( ستبكيك أرض كنت غيث بلادها ... وتبكيك حتى الشهب في كل مشهد )
( وتبكي عليك السحب ملء جفونها ... بدمع يروي غلة المجدب الصدي )
( وتلبس فيك النيرات ظلامها ... حدادا ويذكي النجم جفن مسهد )
( وما هي إلا أعين قد تسهدت ... فكحلها نجم الظلام بإثمد )
( فلا زلت في ظل النعيم مخلدا ... ونجلك يحيا بالبقاء المخلد )
( وأوردك الرحمن حوض نبيه ... وأصدر من خلفت عن خير مورد )
( عليك سلام مثل حمدك عاطر ... يفض ختام المسك عن تربك الندي )
( وصلى على المختار من آل هاشم ... صلاة بها نرجو الشفاعة في غد )
وقال يستعطف الوالد السلطان أبا الحجاج
( بما قد حزت من كرم الخلال ... بما أدركت من رتب الجلال )
( بماخولت من دين ودنيا ... بما قد حزت من شرف الجمال )
( بما أوليت من صنع جميل ... يطابق لظه معنى الكمال )
( تغمدني بفضلك واغتفرها ... ذنوبا في الفعال وفي المقال )
وقال أيضا
( أتعطش أولادي وأنت غمامة ... تعم جميع الخلق بالنفع والسقيا )
( وتظلم أوقاتي ووجهك نير ... تفيض به الأنوار للدين والدنيا )
( وجدك قد سماك ربك باسمه ... وأورثك الرحمن رتبته العليا )
( وقد كان أعطاني الذي أنا سائل ... وسوغني من غير شرط ولا ثنيا )
( وشعري في غر المصانع خالد ... يحييه عني في الممات وفي المحيا )
( وما زلت أهدي المدح مسكا مفتقا ... فتحمله الأرواح عاطرة الريا )
( وقد أكثر العبد التشكي وإنه ... وحقك يا فخر الملوك قد استحيا )
( وما الجود إلا ميت غير أنه ... إذا نفخت يمناك في روحه يحيا )
( فمن شاء أن يدعو لدين محمد ... فيدعو لمولانا الخليفة بالبقيا )
وقال أيضا فيه وقد نزل بالولجة من مرج الحضرة
( منزل اليمن والرضى والسعود ... أنجزت فيه صادقات الوعود )
( كل يوم نزاهة إن تقضت ... أنشدتها السعود بالله عودي )
( جمع المستعين وصف كمال ... بين بأس عم الملوك وجود )
( فاهن في غبطة وعزة ملك ... أنت والله فخر هذا الوجود )
وقال أيضا مشيرا لتوليته العلامة
( لك غرة ود الصباح جمالها ... ومحاسن تهوى البدور كمالها )
( وشمائل تحكي الرياض خلالها ... وأنامل برجو الأنام خلالها )
( للمستعين خلافة نصرية ... عرفت ملوك العالمين جلالها )
( وأنا الذي قد نال منك معاليا ... تهدي النجوم الزاهرات منالها )
( تهديه ما قد نلته من بعضها ... فالفخر كل الفخر فيمن نالها )
( في كل يوم منك منة منعم ... لو طاولت سمك السما ما طالها )
( بلغت آمال العبيد فبلغت ... فيك العبيد من البقا آمالها )
وقال أيضا وكتبها إليه مع خمسة أقلام
( أيا مالكا لم يبد للعين حسنه ... سوى ملك قد حل من عالم القدس )
( لك الخير خذها كالأنامل خمسة ... تعوذ مرآك المكمل بالخمس )
( فمن أبصرت عيناك مرآه فليقل ... أعوذ برب الناس أو آية الكرسي )
ثم قال ابن الأحمر وقال يخاطب مولانا الوالد رحمة الله تعالى عليه وقد مر معه بفحص رية والثلج قد عم أنديته وبسط أرديته في وجهة توجهها مولانا الجد تغمده الله تعالى إلى مالقة
( يا من به رتب الإمارة تعتلي ... ومعالم الفخر المشيدة تبتني )
( أزجر بهذا الثلج فألا إنه ... ثلج اليقين بنصر مولانا الغني )
( بسط البياض كرامة لقدومه ... وافتر ثغرا عن مسرة معتني )
( فالأرض جوهرة تلوح لمجتل ... والدوح مزهرة تفوح لمجتني )
( سبحان من أعطى الوجود وجوده ... ليدل منه على الجواد المحسن )
( وبدائع الأكوان في إتقانها ... أثر يشير إلى البديع المتقن )
ثم قال ومن أوليات نظمه يخاطب شيخه الوزير أبا عبد الله ابن الخطيب مادحا قوله
( أما وانصداع النور من مطلع الفجر ... )
إلى آخره وقد تقدمت
ثم قال وقال يراجع الكاتب أبا زكريا ابن أبي دلامة
( على الطائر الميمون والطالع السعد ... أتتني مع الصنع الجميل على وعد )
( وأحييت يا يحيى بها نفس مغرم ... يجيل جياد الدمع في ملعب السهد )
( نسيت وما أنسى وفائي وخلتي ... وأقفر ربع القلب إلا من الوجد )
( وما الطل في ثغر من الزهر باسم ... بأزكى وأصفى من ثنائي ومن ودي )
( فأصدقتها من بحر فكري جواهرا ... تنظم من در الدراري في عقد )
( وكنت أطيل القول إلا ضرورة ... دعتني إلى الإيجاز في سورة الحمد )
وأنشد السلطان أبا العباس المرسي في غراب من إنشائه
( أإنسان عين الدهر جفنك قد غدا ... يحفك منه طائر اليمن والسعد )
( إذا ما هفا فوق الرؤوس شراعه ... أرك جناحا مد للجزر والمد )
وأنشد فيه أيضا
( لك الخير شأن الجفن يحرس عينه ... وهذا بعين الله يحرس دائما )
( تبيت له خمس الثريا معيذة ... تقلده زهر النجوم تمائما )
( فيا جفن لا تنفك في الحفظ دائما ... وإن كنت في لج من البحر عائما )
انتهى ما لخصته من كلام ابن الأحمر في حق ابن زمرك وذلك جملة من نظمه
موشحات ابن زمرك
وقد رأيت أن أعزز ذلك ببعض موشحات ابن زمرك المذكور مما انتقيته من كلام ابن الأحمرفمنها قوله متشوقا إلى غرناطة ويمدح الغني بالله
( بالله يا قامة القضيب ... ومخجل الشمس والقمر )
( من ملك الحسن في القلوب ... وأيد اللحظ بالحور )
( من لم يكن طبعه رقيقا ... لم يدر ما لذة الصبا )
( فرب حر غدا رقيقا ... تملكه نفحة الصبا )
( نشوان لم يشرب الرحيقا ... لكن إلى الحسن قد صبا )
( فعذاب القلب بالوجيب ... ونعم العين بالنظر )
( وبات والدمع في صبيب ... يقدح من قلبه الشرر )
( عجبت من قلبي المعنى ... يهفو إذا هبت الرياح )
( لو كان للصب ما تمنى ... لطار شوقا إلى البطاح )
( وبلبل الدوح إن تغني ... أسهر ليلي إلى الصباح )
( عساك إن زرت يا طبيبي ... بالطيف في رقدة السحر )
( أن تجعل النوم من نصيبي ... والعين تحمي من السهر )
( كم شادن قاد لي الحتوفا ... بمربع القلب قد سكن )
( يسل من لحظه سيوفا ... فالقلب بالروع ما سكن )
( خلقت من عادتي ألوفا ... أحن للإلف والسكن )
( غرناطة منزل الحبيب ... وقربها السؤل والوطر )
( تبهر بالمنظر العجيب ... فلا عدا ربعها المطر )
( عروسة تاجها السبيكة ... وزهرها الحلي والحلل )
( لم ترض من عزها شريكه ... بحسنها يضرب المثل )
( أيدها الله من مليكه ... تملكها أشرف الدول )
( بدولة المرتجى المهيب ... الملك الطاهر الأغر )
( تختال من بردها القشيب ... في حلة النور والزهر )
( كرسيها جنة العريف ... مرآتها صفحة الغدير )
( وجوهر الطل عن شنوف ... تحكمها صنعة القدير )
( والأنس فيها على صنوف ... فمن هديل ومن هدير )
( كم خرق الزهر من جيوب ... وكلل القضب بالدرر )
( فالغصن كالكاعب اللعوب ... والطير تشدو بلا وتر )
( ولائم النصر في احتفال ... وفرح دين الهوى جديد )
( سلطانها معمل العوالي ... محمد الظافر السعيد )
( ومخجل البدر في الكمال ... سلطانها المجتبى الفريد )
( أصفح مولى عن الذنوب ... أكرم عاف إذا قدر )
( وشمس هدي بلا مغيب ... وبحر جود بلا حسر )
( مولاي يا عاقد البنود ... تظلل الأوجه الصباح )
( أوحشت يا نخبة الوجود ... غرناطة هالة السماح )
( سافرت باليمن والسعود ... وعدت بالفتح والنجاح )
( يا ملهم القلب للغيوب ... ومطعم النصر والظفر )
( أسمعك الله عن قريب ... على السلامه من السفر )
وقال أيضا من الموشحات الرائقة في مثل أغراض هذه السابقة وأشار إلى محاسن من وصف الدشار
( نسيم غرناطة عليل ... لكنه يبرىء العليل )
( وروضها زهره بليل ... ورشفه ينقع الغليل )
( سقى بنجد ربى المصلى ... مباكرا روضه الغمام )
( فجفنه كلما استهلا ... تبسم الزهر في الكمام )
( والروض بالحسن قد تحلى ... وجرد النهر عن حسام )
( ودوحها ظله ظليل ... يحسن في ربعه المقيل )
( والبرق والجو مستطيل ... يلعب بالصارم الصقيل )
( عقيلة تاجها السبيكه ... تطل بالمرقب المنيف )
( كأنها فوقه مليكه ... كرسيها جنة العريف )
( تطبع من عسجد سبيكه ... شموسها كلما تطيف )
( أبدعك الخالق الجميل ... يا منظرا كله جميل )
( قلبي إلى حسنه يميل ... وقلنا قد صبا جميل )
( وزاد للحسن فيك حسنا ... محمد الحمد والسماح )
( جدد للفخر فيك مغنى ... في طالع اليمن والنجاح )
( تدعى دشارا وفيك معنى ... يخصك الفأل بافتتاح )
( فالنصر والسعد لا يزول ... لأنه ثابت أصيل )
( سعد وأنصاره قبيل ... آباؤه عترة الرسول )
( أبدى به حكمة القدير ... وتوج الروض بالقباب )
( ودرع الزهر بالغدير ... وزين النهر بالحباب )
( فمن هديل ومن هدير ... ما أولع الحسن بالشباب )
( كبت على روضها القبول ... وطرفها بالسرى كليل )
( فلم يزل بينها يجول ... حتى تبدت له حجول )
( للزهر في عطفها رقوم ... تلوح للعين كالنجوم )
( وللندى بينها رسوم ... عقد الندى فوقه نظيم )
( وكل واد بها يهيم ... ولم يزل حولها يحوم )
( شنيلها مد منه نيل ... والشين ألف لمستنيل )
( وعين واد به تسيل ... من فوق خد له أسيل )
( كم من ظلال به ترف ... تضفو له فوقها ستور )
( ومن زجاج به يشف ... ما بين نور وبين نور )
( ومن شموس بها تصف ... تديرها بينها البدور )
( مزاجها العذب سلسبيل ... يا هل إلى رشفها سبيل )
( وكيف والشيب في عذول ... وصبغة صفرة الأصيل )
( يا سرحة في الحمى ظليله ... كم نلت في ظلك المنى )
( روضك الله من خميله ... يجنى به أطيب الجنى )
( وبرقها صادق المخيله ... ما زال بالغيث محسنا )
( أنجز لي وعدك القبول ... فلم أقل مثل من يقول )
( يا سرحة الحي يا مطول ... شرح الذي بيننا يطول )
ومن ذلك ما كتب به إلى الغني بالله
( أبلغ لغرناطة سلامي ... وصف لها عهدي السليم )
( فلو رعى طيفها ذمامي ... ما بت في ليلة السليم )
( كم بت فيها على اقتراح ... أعل من خمرة الرضاب )
( أدير فيها كؤوس راح ... قد زانها الثغر بالحباب )
( أختال كالمهر في الجماح ... نشوان في روضة الشباب )
( أضاحك الزهر في الكمام ... مباهيا روضه الوسيم )
( وأفضح الغصن في القوام ... إن هب من جوها نسيم )
( بينا أنا والشباب ضاف ... وظله فوقنا مديد )
( ومورد الأنس فيه صاف ... وبرده رائق جديد )
( إذ لاح في الفود غير خاف ... صبح به نبه الوليد )
( ايقظ من كان ذا منام ... لما انجلى ليله البهيم )
( وأرسل الدمع كالغمام ... في كل واد به أهيم )
( يا جيرة عهدهم كريم ... وفعلهم كله جميل )
( لا تعذلوا الصب إذ يهيم ... فقبله قد صبا جميل )
( القرب من ربعكم نعيم ... وبعدكم خطبه جليل )
( كم من رياض به وسام ... يزهى بها الرائض المسيم )
( غديرها أزرق الجمام ... ونبتها كله جميم )
( أعندكم أنني بفاس ... أكابد الشوق والحنين )
( أذكر أهلي بها وناسي ... واليوم في الطول كالسنين )
( الله حسبي فكم أقاسي ... من وحشة الصحب والبنين )
( مطارحا ساجع الحمام ... شوقا إلى الإلف والحميم )
( والدمع قد لج في انسجام ... وقد وهى عقده النظيم )
( يا ساكني جنة العريف ... أسكنتم جنة الخلود )
( كم ثم من منظر شريف ... قد حف باليمن والسعود )
( ورب طود به منيف ... أدواحه الخضر كالبنود )
( والنهر قد سل كالحسام ... لراحة الشرب مستديم )
( والزهر قد راق بابتسام ... مقبلا راحة النديم )
( بلغ عبيد المقام صحبي ... لا زلتم الدهر في هنا )
( لقاكم بغية المحب ... وقربكم غاية المنى )
( فعندكم قد تركت قلبي ... فجدد الله عهدنا )
( ودارك الشمل بانتظام ... من مرتجى فضله العميم )
( في ظل سلطاننا الإمام ... الطاهر الظاهر الحليم )
( مؤمن العدوتين مما ... يخاف من سطوة العدا )
( وفارج الكرب إن ألما ... ومذهب الخطب والردى )
( قد راق حسنا وفاق حلما ... وما عدا غير ما بدا )
( مولاي يا نخبة الأنام ... وحائز الفخر في القديم )
( كم أرقب البدر في التمام ... شوقا إلى وجهك الكريم )
ومنها موشحة عارض بها موشحة ابن سهل التي أولها ليل الهوى يقظان وهي
( نواسم البستان ... تنثر سلك الزهر )
( والطل في الأغصان ... ينظمه بالجوهر )
( وراحة الإصباح ... أضاء منها المشرق )
( تنشرها الأرواح ... فلا تزال تخفق )
( والزهر زهر فاح ... له عيون ترمق )
( فأيقظ الندمان ... يبصران ما لم يبصر )
( جواهر الشهبان ... قد عرضت للمشتري )
( قدحت لي زندا ... يا أيهذا البارق )
( أذكرتني عهدا ... إذ الشباب رائق )
( فالشوق لا يهدا ... ولا الفؤاد الخافق )
( وكيف بالسلوان ... والقلب رهن الفكر )
( وسحب الهجران ... تحجب وجه القمر )
( لولا شموس الكاس ... نديرها بين البدور )
( وعرج الإيناس ... منا على ربع الصدور )
( لكن لها وسواس ... يغري بربات الخدور )
( كم واله هيمان ... بصبح وجه مسفر )
( ضياؤه قد بان ... من تحت ليل مقمر )
( يا مطلع الأنوار ... كم فيك من مرأى جميل )
( ونزهة الأبصار ... ما ضر لو تشفى الغليل )
( يا روضة الأزهار ... وعرفها يبري العليل )
( قضيبك الفينان ... يسقى بدمع همر )
( فلاعج الأشجان ... فيض الدموع يمتري )
( هل في الهوى ناصر ... أو هل يجار الهائم )
( لو كان لي زائر ... طيف الخيال الحائم )
( ما بت بالساهر ... ودمع عيني ساجم )
( والحب ذو عدوان ... يجهد في ظلم البري )
( وصارم الأجفان ... مؤيد بالحور )
( رحماك في صب ... أذكرته عهد الصبا )
( بواعث الحب ... قادت إليه الوصبا )
( لم تهف بالقلب ... ريح الصبا إلا صبا )
( بليلة الأردان ... قد ضمخت بالعنبر )
( يشير غصن البان ... منها بفضل المئزر )
( طيبها حمد ... فخر الملوك المجتبى )
( من يرجح الطود ... من حلمه إذا احتبى )
( قد جرد السعد ... منه حساما مذهبا )
( فالبأس والإحسان ... والغوث للمستنصر )
( تحمله الركبان ... تحية للمنبر )
( عصابة الكتاب ... حق لها الفوز العظيم )
( تختال في أثواب ... ألبسها الطول الجسيم )
( فحسبها الإطناب ... في الحمد والشكر العميم )
( خليفة الرحمن ... لا زلت سامي المظهر )
( يا مورد الظمآن ... ورأس مال المعسر )
( خذها على دعوى ... تزري على الروض الوسيم )
( جاءت كما تهوى ... أرق من لدن النسيم )
( قد طارحت شكوى ... من قال في الليل البهيم )
( ليل الهوى يقظان ... والحب ترب السهر )
( والصبر لي خوان ... والنوم من عيني بري )
وله في الصبوحيات
( ريحانة الفجر قد أطلت ... خضراء بالزهر تزهر )
( وراية الصبح قد أظلت ... في مرقب الشرق تنشر )
( فالشهب من غارة الصباح ... ترعد خوفا وتخفق )
( وأدهم الليل في جماح ... أعنة البرق يطلق )
( والأفق في ملتقى الرياح ... بأدمع الغيث يشرق )
( والسحب بالجوهر استهلت ... فالبرق سيف مجوهر )
( صفاحه المذهبات حلت ... في راحة الجو تشهر )
( كم للصبا ثم من مقيل ... بطيبه الزهر يشهد )
( والنهر كالصارم الصقيل ... في حلية النور يغمد )
( ورب قال به وقيل ... للطير في حين تنشد )
( فألسن الورق قد أملت ... مدائحا عنه تشكر )
( ونسمة الصبح قد تجلت ... في سندس الروض تعثر )
( والكاس في راحة النديم ... يجلو به غيهب الهموم )
( أقبست النار في القديم ... من قبل أن تخلق الكروم )
( والنهر في ملعب النسيم ... للزهر في عطفه رقوم )
( فلبة الحلي قد تحلت ... والطل في الحلي جوهر )
( وبهجة الكون قد تجلت ... والروض بالحسن يبهر )
( يذكرني وجنة الحبيب ... والآس في صفحة العذار )
( وشارب الشارب العجيب ... بين أقاح وجلنار )
( يدير من ثغره الشنيب ... سلافة دونهاالعقار )
( حلت لأهل الهوى وجلت ... بالذكر والوهم تسكر )
( كم من نفوس بها تسلت ... فما لها الدهر منكر )
( يا غصن بان يميل زهوا ... ريان في روضه الشباب )
( لو كنت تصغي لرفع شكوى ... أطلت من قصة العقاب )
( ومن لمثلي ببث نجوى ... للبدر في رفرف السحاب )
( عزائم الصبر فيك حلت ... وعقدة الصبر تذخر )
( قد أكثر منك ما استقلت ... وليت لو كنت تشعر )
( كم ليلة بتها وبتا ... ضدين في السهر والرقاد )
( أسامر النجم فيك حتى ... علمت أجفانها السهاد )
( أرقب بدر الدجى وأنتا ... قد لحت في هالة الفؤاد )
( نفسي وليت ما تولت ... دعها على الشوق تصبر )
( لو سمتها الهجر ماتولت ... ولم تكن عنك تنفر )
( علمها الصبر في الحروب ... سلطاننا عاقد البنود )
( معفر الصيد للجنوب ... أعز من حف بالجنود )
( نصرت بالرعب في القلوب ... والبيض لم تبرح الغمود )
( عناية الله فيه حلت ... بسعده الدين ينصر )
( والخلق في عصره تملت ... غنائما ليس تحصر )
( مولاي يا نكتة الزمان ... دار بما ترتضي الفلك )
( جللت باليمن والأمان ... كل مليك وما ملك )
( لم يدر وصفي ولاعياني ... أملك أنت أم ملك )
( جنودك الغلب حيث حلت ... بالفتح والنصر تخفر )
( وعادة الله فيك دلت ... أنك بالكفر تظفر )
( يا آية الله في الكمال ... ومخجل البدر في التمام )
( قدمت بالعز والجلال ... والدهر في ثغره ابتسام )
( يختال في حلة الجمال ... والبدر قد عاد في اختتام )
( ريحانة الفجر قد أطلت ... خضراء بالزهر تزهر )
( وراية الصبح قد أظلت ... في مرقب الشرق تنشر )
وقال سامحه الله تعالى
( قد طلعت راية الصباح ... وآذن الليل بالرحيل )
( فباكر الروض باصطباح ... واشرب على زهره البليل )
( فالورق هبت من السبات ... لمنبر الدوح تخطب )
( تسجع مفتنة اللغات ... كل عن الشوق يعرب )
( والغصن بعد الذهاب ياتي ... لأكؤس الطل يشرب )
( وأجمع السحب في انسياح ... في كل روض لها سبيل )
( والجو مستبشر النواحي ... يلعب بالصارم الصقيل )
( قم فاغتنم بهجة النفوس ... ما بين نور وبين نور )
( وشفع الصبح بالشموس ... تديرها بيننا البدور )
( ونبه الشرب للكؤوس ... تمزج من ريقة الثغور )
( ما أجمل الراح فوق راح ... صفراء كالشمس في الأصيل )
( تغادر الصدرذا انشراح ... للأنس في طيه مقيل )
( ولا تذر خمرة الجفون ... فسكرها في الهوى جنون )
( ولتخش من أسهم العيون ... فإنها رائد المنون )
( عرضت منها إلى الفتون ... وكل خطب لها يهون )
( أهيم بالغادة الرداح ... والجسم من حبها عليل )
( لو بت منها على اقتراح ... نقعت من ريقها الغليل )
( أواعد الطيف للمنام ... ومن لعيني بالمنام )
( أسهر في ليلة التمام ... وأنت يا بدر في التمام )
( وألثم الزهر في الكمام ... عليه من ثغرك ابتسام )
( سفرت عن مبسم الأقاح ... وريقك العذب سلسبيل )
( قل لي يا ربة الوشاح ... هل لي إلى الوصل من سبيل )
( يا كعبة الحسن زدت حسنا ... وللهوى حولك المطاف )
( وغصن بان إذا تثنى ... لو حان من زهرك القطاف )
( ألا انعطاف على المعنى ... فالغصن يزهى بالانعطاف )
( أصبحت تزهو على الملاح ... بذلك المنظر الجميل )
( ووجهك الشمس في اتضاح ... لو أنها لم تكن تميل )
( ما الزهر إلا بنظم در ... تحسد في حسنه العقود )
( للملك الظاهر الأغر ... أكرم من حف بالسعود )
( محمد الحمد وابن نصر ... وباسط العدل في الوجود )
( مساجل السحب في السماح ... بالغيث من رفده الجليل )
( ومخجل البدر في اللياح ... بغرة ما لها مثيل )
( يا مشرب الحب في القلوب ... وواهب الصفح للصفاح )
( نصرت بالرعب في الحروب ... والرعب أجدى من السلاح )
( قد لحت من عالم الغيوب ... لم تعدم الفوز والفلاح )
( مراكش نهبة افتتاح ... والصنع في فتحها جليل )
( بشراك بالفتح والنجاح ... والشكر من ذلك القبيل )
وقال أيضا رحمه الله تعالى
( في كؤوس الثغر من ذاك اللعس ... راحة الأرواح )
( وتغشى الروض مسكي النفس ... عاطر الأرواح )
( وكسا الأدواح وشيا مذهبا ... يبهر الشمسا )
( عسجد قد حل من فوق الربى ... يبهج النفسا )
( فاتخذ للهو فيه مركبا ... تلحق الأنسا )
( منبر الغصن عليه قد جلس ... ساجع الأدواح )
( حلل السندس خضرا قد لبس ... عطفه المرتاح )
( قم ترى هذا الأصيل شاحبا ... حسنه قد راق )
( ولأذيال الغصون ساحبا ... في حلى الأوراق )
( ونديم قال لي مخاطبا ... قول ذي إشفاق )
( عادة الشمس بغرب تختلس ... هات شمس الراح )
( إن أرانا الجو وجها قد عبس ... أوقد المصباح )
( ووجوه الشرب تغني عن شموس ... كلما تجلى )
( بلحاظ أسكرتناعن كؤوس ... خمرها أحلى )
( مظهرات من خفايا في النفوس ... سورا تتلى )
( ما زمان الأنس إلا مختلس ... فاغتنم يا صاح )
( وعيون الشهب تذكي عن حرس ... تخصم النصاح )
( ما ترى ثغر الوميض باسما ... يظهر البشرا )
( وثناء الروض هب ناسما ... عاطرا نشرا )
( بث من أزهاره دراهما ... قائلا بشرى )
( ركب المولى مع الظهر الفرس ... وشفي وارتاح )
( بجنود الله دأبا يحترس ... إن غدا أو راح )
( وجب الشكر علينا والهنا ... بعضنا بعضا )
( فزمان السعد وضاح السنا ... وجهه الأرضى )
( أثمرت فيه العوالي بالمنى ... ثمرا غضا )
( يجتني الإسلام منها ما اغترس ... سيفه السفاح )
( في ضمير النقع منها قد هجس ... سهب تلتاح )
( يا إماما بالحسام المنتضى ... نصرالحقا )
( ثغرك الوضاح مهما أو مضا ... أخجل البرقا )
( وديوان السعد منه تقتضى ... توسع الحقا )
( لك وجه من صباح مقتبس ... بشره وضاح )
( وجميل الصفح منه ملتمس ... منعم صفاح )
( هاكها تمزج لطفا بالنسيم ... كلما هبا )
( قد أتت بالبر والصنع الجسيم ... تشكر الربا )
( أخجلت من قال في الصبح الوسيم ... مغرما صبا )
( غرد الطير فنبه من نعس ... يا مدير الراح )
( وتعرى الفجر عن ثوب الغلس ... وانجلى الإصباح )
وقال أيضا سامحه الله تعالى
( قدأنعم الله بالشفاء ... واستكملت راحة الإمام )
( فلتنطق الطير بالهناء ... وليضحك الزهر في الكمام )
( وجوده بهجة الوجود ... وبرؤه راحة النفوس )
( قد لاح في مرقب السعود ... واستبشرت أوجه الشموس )
( فالدوح يومي إلى البنود ... أكمامه غطت الرؤوس )
( والزهر في روضة السماء ... كالزهر قد راق بابتسام )
( والصبح مستشرق اللواء ... والبدر مستقبل التمام )
( محاسن الكون قد تجلت ... جمالها العقل يبهر )
( عرائس بالبها تحلت ... والطل في الحلي جوهر )
( وألسن الورق قد أملت ... مدائحا عنه تشكر )
( تستوقف الخلق بالغناء ... كأنها تحسن الكلام )
( تطنب لله في الثناء ... تقول سلمت يا سلام )
( كم من ثغور لها ثغور ... تبسم إذ جاءها البشير )
( ومن خدور بها بدور ... يشير منها له المشير )
( تقول إذ حفها السرور ... تبارك المنعم القدير )
( قد أنعم الله بالبقاء ... في ظل مولى به اعتصام )
( قد صادف النجح في الدواء ... فالداء عنا له انفصام )
( يهنيك مولاي بل يهنى ... ببرئك الدين والهدى )
( فالغرب والشرق منك يعنى ... بمذهب الخطب والردى )
( والله لولاك ما تهنا ... ما فيه من سطوة الردى )
( يا مورد الأنفس الظماء ... قد كان يشتفها الأوام )
( وقرة العين بالبهاء ... رددت للأعين التمام )
( لو أبذل الروح في البشارة ... بذلت بعض الذي ملك )
( فأنت يا نفس مستعاره ... مولاي بالفضل جملك )
( لم أدر إذ سطر العباره ... أملك هو أم ملك )
( لا زلت مولاي في هناء ... مبلغ القصد والمرام )
( ودمت للملك في اعتلاء ... تسحب أذياله الغمام )
وقال في مالقة
( عليك يا رية السلام ... ولا عدا ربعك المطر )
( مذحل في قصرك الإمام ... فقربك السؤل والوطر )
( والدوح في روضك الأنيق ... للشكر قد حطت الرؤوس )
( والغصن في نهره غريق ... وفي حلاه كما عروس )
( والجو من وجهك الشريق ... تحسده أوجه الشموس )
( وأعين الزهر لا تنام ... تستعذب السهد والسهر )
( تنفث من تحتها الغمام ... ترقيك من أعين الزهر )
( عروسة أنت يا عقيله ... تجلى على مظهر الكمال )
( مدت لك الكف مستقيله ... تمسح أعطافك الشمال )
( والبحر مرآتك الصقيله ... تشف عن ذلك الجمال )
( والحلي زهر له انتظام ... يكلل القضب بالدرر )
( قد راق من ثغره ابتسام ... والورد في خدها خفر )
( إن قيل من بعلها المفدى ... ومن له وصلها مباح )
( أقول أسنى الملوك رفدا ... مخلد الفخر بالصفاح )
( محمد الحمد حين يهدى ... ثناؤه عاطر الرياح )
( تخبر عن طيبه الكمام ... والخبر يغني عن الخبر )
( فالسعد والرعب والحسام ... والنصر آياته الكبر )
( ذو غرة تسحر البدورا ... وطلعة تخجل الصباح )
( كم راية سامها طهورا ... تظلل الأوجه الصباح )
( وكم جهاد جلاه نورا ... أظفر بالفوز والنجاح )
( الطاهر الظاهر الهمام ... أعز من صال وافتخر )
( لسيفه في العدا احتكام ... جرى به سابق القدر )
( يا مرسل الخير في الغوار ... لو تطلب البحر تلحق )
( لك الجواري إذا تجاري ... سوابق الشهب تسبق )
( تستن في لجة البحار ... فالكفر منهن يفرق )
( فالدين وليقصر الكلام ... بسيفك اعتز وانتصر )
( كذاك أسلافك الكرام ... هم نصروا سيد البشر )
وقال من غير هذا البحر في المحدث بمالقة
( قد نظم الشمل أتم انتظام ... واغتنم الأحباب قرب الحبيب )
( واستضحك الروض ثغور الغمام ... عن مبسم الزهر البرود الشنيب )
( وعمم النور رؤوس الربى ... وجلل النور صدور البطاح )
( وصافح القضب نسيم الصبا ... فالزهر يرنو عن عيون وقاح )
( وعاود النهر زمان الصبا ... فقلد الزهر مكان الوشاح )
( وأطلع القصر برود التمام ... في طالع الفتح القريب الغريب )
( خدودها قامت مقام الغمام ... فلا اشتكى من بعدها بالمغيب )
( أصبحت يا رية مجلى النفوس ... جمالك العين بها يبهر )
( والبشر يسري في جميع الشموس ... وراية الأنس بها تشهر )
( والدوح للشكر تحط الرؤوس ... وأنجم الزهر بها تزهر )
( وراجع النهر غناء الحمام ... وقد شدت تسجع سجع الخطيب )
( بمنبر الغصن الرشيق القوام ... لما انثنى يهفو بقد رطيب )
( يا حبذا مبناك فخر القصور ... بروجه طالت بروج السما )
( ما مثله في سالفات العصور ... ولا الذي شاد ابن ماء السماء )
( كم فيه من مرأى بهيج ونور ... في مرتقى الجو به قد سما )
( خليفة الله ونعم الإمام ... أتحفك الدهر بصنع عجيب )
( يهنيك شمل قد غدا في التئام ... ممهدا في ظل عيش خصيب )
( نواسم الوادي بمسك تفوح ... ونفحة الند به تعبق )
( وبهجة السكان فيه تلوح ... وجوه من نورهم يشرق )
( وروضة بالسر منه يبوح ... بلابل عن وجده تنطق )
( لو أن من يفهم عنها الكلام ... فهي تهنيك هناء الأديب )
( ونهره قد سل منه الحسام ... يلحظه النرجس لحظ المريب )
( فأجمل الأيام عصر الشباب ... وأجمل الأجمل يوم اللقا )
( يا درة القصر وشمس القباب ... وهازم الأحزاب في الملتقى )
( بشرك الرب بحسن المآب ... متعك الله بطول البقا )
( ولا يزال القصر قصر السلام ... يختال في برد الشباب القشيب )
( يتلو عليك الدهر في كل عام ... ( نصر من الله وفتح قريب ) )
وقال من المخلع في الشفاء
( في طالع اليمن والسعود ... قد كملت راحة الإمام )
( فأشرق النور في الوجود ... وابتسم الزهر في الكمام )
( قد طلعت راية النجاح ... وانهزم البؤس والعنا )
( وقال حي على الفلاح ... مؤذن القوم بالمنى )
( فالدهر يأتي بالاقتراح ... مستقبلا أوجه الهنا )
( تخفق منشورة البرود ... والسعد يقدم من أمام )
( والأنس مستجمع الوفود ... واللطف مستعذب الجمام )
( وأكؤس الطل مترعات ... بأنمل السوسن الندي )
( والطير مفتنة اللغات ... تشدو بأصوات معبد )
( والغصن يذهب ثم ياتي ... بالسندس الغض مرتدي )
( والدوح يومي إلى السجود ... شكرا لذي الأنعم الجسام )
( والريح خفاقة البنود ... تباكر الروض بالغمام )
( مظاهر للجمال تجلى ... قد هز أعطافها السرور )
( وباهر الحسن قد تجلى ... ما بين نور وبين نور )
( قد هنأت بالشفاء مولى ... بعصره تفخر العصور )
( ما بين ابأس وبين جود ... قد مهد الأمن للأنام )
( فالدين ذو أعين رقود ... وكان لا يطعم المنام )
( والكاس في راحة السقاة ... تروح طورا وتغتدي )
( يهديكها رائق السمات ... ما بين برق وفرقد )
( والشمس تذهب للبيات ... قد لبست ثوب عسجد )
( والزهر في اليانع المجود ... يقابل الشرب بابتسام )
( والروض من حلية الغمود ... قد جرد النهر عن حسام )
( مولاي يا أشرف الملوك ... وعصمة الخلق أجمعين )
( أهديك من جوهر السلوك ... يقذفه بحرك المعين )
( جعلت تنظيمه سلوكي ... وأنت لي المنجد المعين )
( تحية الواحد المجيد ... ورحمة الله والسلام )
( عليك من راحم ودود ... يا مخجل البدر في التمام )
وقال من الرمل المجزوء
( وجه هذا اليوم باسم ... وشذا الأزهار ناسم )
( هاتها صاح كؤوسا ... جالبات للسرور )
( وارتقب منها شموسا ... طالعات في حبور )
( ما ترى الروض عروسا ... في حلى نور ونور )
( وأتت رسل النواسم ... تجتلي هذي النواسم )
( قد أهلت بالبشائر ... أضحكت ثغر الأزاهر )
( سنحت في يمن طائر ... ونظمن كالجواهر )
( فانشروها في العشائر ... إن هذا الصنع باهر )
( وأشيعوا في العوالم ... الغني بالله سالم )
( أي نور يتوقد ... أي بدر يتلالا )
( أي فخر يتخلد ... أي غيث يتوالى )
( إنما المولى محمد ... رحمة الله تعالى )
( كفه بحر المقاسم ... وبها حج المباسم )
( خير أملاك الزمان ... من بني سعد ونصر )
( ما ترى أن الشواني ... في صعيد البر تجري )
( قد أطارتها التهاني ... دون بحري وبحر )
( مذ رأت بحر النعائم ... كلها جار وعائم )
( فهنيئا بالشفاء ... يا أمير المسلمينا )
( ولنا حق الهناء ... وجميع العالمينا )
( إن جهرنا بالدعاء ... ينطق الدهر أمينا )
( دمت محروس المكارم ... بظبي البيض الصوارم )
وقال يهني السلطان موسى ابن السلطان أبي عنان وقد وجه إليه الغني بالله أمه وعياله عند تملكه المغرب من قبله
( قد نظم الشمل أتم انتظام ... ولاحت الأقمار بعد المغيب )
( وأضحك الروض ثغور الغمام ... عن مبسم الزهر البرود الشنيب )
( وعاود الغصن زمان الصبا ... وأشرب الأنس جميع النفوس )
( وعمم النور رؤوس الربى ... وجلل النور وجوه الشموس )
( وأطرب الغصن نسيم الصبا ... فالدوح للشكر تحط الرؤوس )
( واستقبل البدر ليالي التمام ... وصافح الصبح بكف خضيب )
( وراجع الأطيار سجع الحمام ... بكل ذي لحن بديع غريب )
( نواسم الوادي بمسك تفوح ... ونفحة الند به تعبق )
( وبهجة السكان فيه تلوح ... وجوه من نوره يشرق )
( وعرفه بالطيب منه يفوح ... كأنه من عنبر يفتق )
( والنهر قد سل كمثل الحسام ... حبابه تطفو وطورا تغيب )
( وثغرها قد راق منه ابتسام ... ينهىء الحب بقرب الحبيب )
( كواكب أبراجهن الخدور ... يلوح عنها كل بدر لياح )
( جواهر أصدافهن القصور ... نظمها السعد كنظم الوشاح )
( يا حبذا والله ركب السرور ... يبشر المولى بنيل اقتراح )
( ابتهج الكون بموسى الإمام ... واختال في برد الشباب القشيب )
( وعاده يخدم مثل الغلام ... شبابه قد عاد بعد المشيب )
( أكرم به والله وفد الكريم ... مولى سنا الحرة في مقدمه )
( مرضاتها تحظي بدار النعيم ... وتوجب التوفيق من منعمه )
( بشر بالنصر وفتح جسيم ... وخيره أجمع في مقدمه )
( لقاؤها المبرور مسك الختام ... بشرك الله بصنع عجيب )
( وقصرك الميمون قصر السلام ... خط بحفظ من سميع مجيب )
( مولاي يهنيك وحق الهنا ... قد نظم الشمل كنظم السعود )
( قد فزت بالفخر ونيل المنى ... وأنجز السعد جميع الوعود )
( وقرت العين وزال العنا ... وكلما مر صنيع يعود )
( فلا يزل ملكك حلف الدوام ... يحوز في التخليد أوفى نصيب )
( يتلو عليك الدهر بعد السلام ... ( نصر من الله وفتح قريب ) )
وقال رحمه الله تعالى في وصف غرناطة والطرد وغيرهما
( لله ما أجمل روض الشباب ... من قبل أن يفتح زهر المشيب )
( في عهده أدرت كأس الرضاب ... حبابها الدر بثغر الحبيب )
( من كل من يخجل بدر التمام ... إذا تبدى وجهه للعيون )
( ويفضح الغصن بلين القوام ... وأين منه لين قد الغصون )
( ولحظه يمضي مضاء الحسام ... ويذهل العقل بسحر الجفون )
( أبصرت منه إذ يحط النقاب ... شمسا ولكن ما لها من مغيب )
( إذا تجلت بعد طول ارتقاب ... صرفت عنها اللحظ خوف الرقيب )
( من عاذري منه فؤادا صبا ... للامع البرق وخفق الرياح )
( يطير إن هب نسيم الصبا ... تعيره الريح خفوق الرياح )
( ما أولع الصب بعهد الصبا ... وهل على من قد صبا من جناح )
( فقلبه من شوقه في التهاب ... قد أحرق الأكباد من الوجيب )
( والجفن منه سحبه في انسكاب ... قد روض الخد بدمع سكيب )
( غرناطة ربع الهوى والمنى ... وقربها السؤل ونيل الوطر )
( وطيبها بالوصل لو أمكنا ... لم أقطع الليل بطول السهر )
( عما قريب حق فيها الهنا ... بيمن ذي العودة بعد السفر )
( ويحمد الناس نجاح الإياب ... بكل صنع مستجد غريب )
( ويكتب الفال على كل باب ... ( نصر من الله وفتح قريب ) )
( ما لذة الأملاك إلا القنص ... لأنه الفال بصيد العدا )
( كم شارد جرع فيه الغصص ... وأورد المحروب ورد الردى )
( وكم بذا الفحص لنا من حصص ... قد جمع البأس بها والندى )
ومنها بعد أبيات من الوزن والروي
( مولاي مولاي وأنت الذي ... جددت للأملاك عهد الجلال )
( والشمس والبدر من العوذ ... لما رأت منك بديع الجمال )
( والروض في نعمته يغتذي ... بطيب ما قد حزته من خلال )
( بشراك بشراك بحسن المآب ... تستضحك الروض بثغر شنيب )
( ودمت محروس العلا والجناب ... بعصمة الله السميع المجيب )
انتهى ما انتقيته من كلام ابن زمرك من كتاب ابن الأحمر رحمه الله
تعالى وقد عرفت منه ما تسنى للغني بالله ابن الأحمر من الفتوحات والسعود ونفاذ الأمر على ملوك المغرب فهو الأحق بقول لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى
( ملك إذا عاينت منه جبينه ... فارقته والنور فوق جبيني )
( وإذا لثمت يمينه وخرجت من ... أبوابه لثم الملوك يميني )
وكان الغني بالله المذكور معتقدا في الصالحين حتى إنه كتب وهو بفاس مخلوع إلى ضريح ولي الله سيدي أبي العباس السبتي بمراكش ومن إنشاء وزيره لسان الدين على لسانه
( يا ولي الإله أنت مطاع ... )
الأبيات والنثر بعدها وقد ذكرتهما في الباب الخامس فراجعه وكان ذلك بفضل الله تعالى عنوان رجوعه إلى ملكه ونظم تلك الأماكن في سلكه حتى حصل له من السعد ما لم يحصل لغيره حسبما يعلم ذلك من كلام لسان الدين وابن زمرك وغيرهما
ترجمة الولي السبتي
والسبتي المذكور هو سيدي أبو العباس أحمد بن جعفر السبتي الخزرجي الولي الصالح العالم العارف بالله القطب ذو الكرامات الشهيرة والمناقب الكثيرة والأحوال الباهرة والفضائل الظاهرة والأخلاق الطاهرة نزيل مراكش وبها توفي سنة إحدى وستمائة وولادته بسبته عام أربعة وعشرين وخمسمائة ودفن خارج مراكش وقبره مشهور مقصود بإجابة الدعاء وقد زرته مرارا كثيرة فرأيت عليه من ازدحام الناس ما لا يوصف وهو ترياق مجرب
وقال لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى كان سيدي أبو العباس السبتي رضي الله تعالى عنه مقصودا في حياته مستغاثا به في الأزمات وحاله من أعظم الآيات الخارقة للعادة ومبنى أمره على انفعال العالم عن الجود وكونه حكمة في تأثير الوجود له في ذلك أخبار ذائعة وأمثال باهرة ولما توفي ظهر هذا الأثر على تربته وتشبث بلحده وانسحب على مكانه عادة حياته ووقع الإجماع على تسليم هذه الدعوى وتخطى الناس مباشرة قبره بالصدقة إلى بعثها له من أماكنهم على بعد المدى وانقطاع الأماكن القصى تحملهم أجنحة نياتهم فتهوى إليه بمقاصدهم من كل فج عميق فيجدون الثمرة المعروفة والكرامة المشهورة
وقال ابن الزيات كان أبو العباس قد أعطى بسطة في اللسان وقدرة على الكلام لا يناظره أحد إلا أفحمه ولا يسأله إلا أجابه كأن القرآن والحجج على طرف لسانه حاضرة يأخذ بمجامع القلوب ويسحر العامة والخاصة ببيانه يأتيه المنكرون للإنكار فما ينصرفون إلا مسلمين منقادين وشأنه كله عجيب وهو من عجائب الزمان وحدثني مشايخنا أنهم سمعوه يقول أنا
القطب وحدثني أبو الحسن الصنهاجي من خواص خدامه قال خرجت معه مرة لصهريج غابة الرمان يوم عرفة فجلسنا هناك وصلينا فقال لي إنما سمي هذا اليوم يوم عرفة لانتشار الرحمة فيه لمن تعرف إليه بالطاعات وقد فاتنا عرفة فتعال نمثل بهذا المكان ونعمل كما يعملون لعل الله تعالى يتغمدنا برحمته معهم فعمل مكانا داثرا بالعين الكعبة ومحل عنصر الماء الحجر وموضعا آخر مقام إبراهيم فطاف بالعين أسبوعا وأنا أطوف بطوافه وكبر على العنصر في كل طواف وصلى في مثل المقام ركعتين تامتين وأطال في سجود الثانية ثم استند إلى الشجرة ثم قال لي يا علي اذكر كل حاجة لك من حوائج دنياك تقض فإن الله تعالى وعد في هذا اليوم من تعرف له أن يقضي حوائجه فقلت له ما أريد إلا التوفيق فقال لي ما خرجت معك من باب المدينة حتى وفقت فسألته عن حاله من بدايته إلى نهايته وبم تنفعل له الأشياء ويستجاب له الدعاء ولم صار يأمر بالصدقة والإيثار من شكا إليه حالا أو تعذر عليه مطلب في هذه الدار فقال لي ما آمر الناس إلا بما ينتفعون به وإني لما قرأت القرآن وقعدت بين يدي الشيخ أبي عبدالله الفخار تلميذ القاضي عياض ونظرت في كتب الأحكام وبلغت من السن عشرين سنة وجدت قوله تعالى ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) فتدبرته وقلت أنا مطلوب به فلم أزل أبحث عنها إلى أن وقفت على أنها نزلت حين آخى النبي بين المهاجرين والأنصار وأنهم سألوا النبي أن يعلمهم حكم المؤاخاة فأمرهم بالمشاطرة ففهمت أن العدل المأمور به في الأية هو المشاطرة ثم نظرت إلى حديث تفترق أمتي على ثلاثين فرقة الحديث وأنه
قاله صبيحة اليوم الذي آخى فيه بين المهاجرين والأنصار وذكر له الأنصار أنهم شاطروا المهاجرين فقال لهم ذلك بأثره فعلمت أن الذي هو عليه وأصحابه المشاطرة والإيثار فعقدت مع الله تعالى نية أن لا يأتيني شيء إلا شاطرت فيه الفقراء فعملت عليه عشرين سنة فأثمر لي الحكم بالخاطر فلا أحكم على خاطري بشيء إلا صدق فلما أكملت أربعين سنة راجعت تدبر الآية فوجدت الشطر هو العدل والإحسان ما زاد عليه فعقدت مع الله تعالى نية لا يأتيني قليل ولا كثير إلا أمسكت ثلثه وصرفت الثلثين لله تعالى فعملت عليه عشرين سنة فأثمر لي الحكم في الخلق بالولاية والعزل فأولي من شئت وأعزل من شئت ثم نظرت بعد ذلك في أول ما فرضه الله تعالى على عباده في مقام الإحسان فوجدت شكر النعمة بدليل إخراج الفطرة عن المولود قبل أن يفهم ووجدت أصناف من تصرف إليهم الصدقات الواجبة سبعة وسبعة اصناف أخر صرفها فيها للإحسان والزيادة وذلك أن لنفسك عليك حقا وللزوجة حقا وللرحم حقا ولليتيم حقا وللضعيف حقا وذكر صنفين آخرين فانتقلت لهذه الدرجة وعقدت مع الله تعالى عقدا أن كل ما يأتيني أمسك سبعيه حق النفس وحق الزوجة وأصرف الخمسة أسباع لمستحقيها فأقمت عليه أربعة عشر عاما فأثمر لي الحكم في السماء فمتى قلت يا رب قال لي لبيك ثم قال لي إنها نهايتي بتمام عمري وهو أن تنقضي لي ستة أعوام تكملة العشرين عاما
قال الصنهاجي فأرخت ذلك اليوم فلما مات وحضرت جنازته تذكرت التاريخ المكتوب وحققت العدد فنقصت من ستة أعوام ثلاثة أيام خاصة
فيحتمل أن تكون من الشهور الناقصة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
وقال أبو بكر أبن مساعد جاء بعض السلاطين إلى أبي العباس وهو راكب وقال له إلى متى تحيرنا ولا تصرح لنا عن الطريق فقال له هو الإحسان فقال له بين لي فقال له كل ما أردت أن يفعله الله تعالى معك فافعله مع عبيده
وقال له أبو الحسن الخباز أما ترى ما فيه الناس من القحط والغلاء فقال إنما حبس المطر لبخلهم فلو تصدقوا لمطروا فقل لأصحابك الفلاحين تصدقوا بمثل ما أنفقتم تمطروا فقال له لا يصدقني أحد ولكن مرني في خاصة نفسي فقال له تصدق بمثل ما أنفقت فقال له إن الله تعالى لا يعامل بالدين ولكن أستسلف فاحتال وتصدق بها كما أمره قال فخرجت إلى البحيرة التي عمرتها والشمس شديدة الحر فأيست من المطر ورأيت جميع ما غرست مشرفا على الهلاك فأقمت ساعة فإذا سحابة أمطرت البحيرة حتى رويت وظننت أن الدنيا كلها مطرت فخرجت فإذا المطر لم يتجاوزها انتهى
والحكايات عنه في مثل هذا كثيرة
وقال ابن الخطيب القسمطيني في رحلته حضرت عند الحاج الصالح الورع الزاهد أبي العباس أحمد بن عاشر بمدينة سلا وقد سأله أحد الفقراء عن كرامة الأولياء فقال له لا تنقطع بالموت الكرامة انظرإلى السبتي يشير إلى الشيخ الفقيه العالم المحقق أبي العباس السبتي المدفون بمراكش وما ظهر عند قبره من البركات في قضاء الحاجات بعقب الصدقات سمعت يهوديا بمراكش يلهج ببركته وينادي باسمه في أمر أصابه لا مع المسلمين فسألته عن سببه
فأخبر أنه وجد بركته في غير موطن فسألته عما بدا له في وقت فقال لي وحق ما أنزل على موسى بن عمران ما أذكر لك إلا ما اتفق لي سريت ليلة مع قافلة في مفازة فعرجت دابتي فما شككت في قتلي وسلب مالي فجلست وبكيت وبيني وبين الناس بعد وقلت يا سيدي أبا العباس خاطرك قال لي والله ما أتممت الكلام إلا وأهل القافلة أصابهم سبب وقفوا به وضربت دابتي وخف عرجها ثم زال واتصلت بالناس فقلت له لم لم تسلم فقال حتى يريد الله تعالى وعجبت من كون ذلك من يهودي وهذه شهادة من عدو في الدين ولقد وقفت على قبره مرات وسألت الله تعالى في أشياء يسر لي فيها سؤلي منها أن أكون ممن يشتغل بالعلم ويوصف به وأن ييسر علي فهم كتب عينتها فيسر الله تعالى علي ذلك في أقرب مدة وكان السبتي آية في أحواله ما أدرك صحبته إلا الخواص من الناس وكان أصل مذهبه الحض على الصدقة وكان أمره عجبا في إجابة الدعاء بنزول المطر واختصاصه بمكان دون آخر وقال لأصحابه أنا القطب وكان تفقه على أبي عبدالله الفخارووقفت على قبره وله بركات وأنوار وكان السبتي آية في المناظرة وأوذي باللسان كثيرا جدا فصفح وتجاوز
ورأى عبدالرحمن بن يوسف الحسني النبي في النوم فقال له يا رسول الله ما تقول في السبتي قال وكنت سيىء الاعتقاد فيه فقال لي بعد أن تبسم هو من السباق قال فقلت بين لي يا رسول الله فقال هوممن يمر على الصراط كالبرق قال فخرجت بعد الصبح فلقيني أبو العباس فقال لي ما رأيت وما سمعت والله لا تركتك حتى
تعرفني فعرفته فصاح كلمة الصفا من المصطفى انتهى ببعض اختصار
وقال ابن الزيات وحدثني أبو العباس الصنهاجي وغيره أن رجلا يعرف بابن الشكاز وكان غنيا فدار عليه الزمان وافتقر حدث أنه وصل لأبي العباس السبتي وعليه ثوب خلق تظهر منه عورته فشكا إليه حالته فأخذ بيده إلى أن خرج معه من باب تاغزوت فجاء إلى مطهرة هناك قال فدخل أبو العباس المطهرة وتجرد من أثوابه وناداني وقال لي خذ هذه الثياب فأخذتها وكان بعد العصر فأردت أن أرى ما يكون من أمره فصعدت إلى حائط هناك إلى قرب المغرب فإذا بفتى خرج من الباب على دابة معه رزمة ثياب فلما رأيته نزلت إليه فقال لي أين الفقيه أبو العباس فقلت ها هو في الساقية عريان فقال لي أمسك الدابة فسمعت الفقيه يقول له أين تلك الثياب فأخذها منه وخرج فلما رآني قال لي وما لك هنا قلت يا سيدي خفت عليك فلم أقدر على الانصراف وأتركك فقال لي أفترى الذي فعلت ما فعلت له يتركني ثم سألت الفتى عن سبب وصوله إليه فذكر له أن إحدى الكرائم أمرته أن يحمل إليه تلك الثياب وقالت له لا تدفعها إلا للفقيه ولا يلبسها إلا هو وهذه قصة صحيحة مشهورة
وقال ابن الخطيب وروضته بباب تاغزوت أحد أبواب مراكش غير حافلة البناء ربما يتبرع متبرع باحتفالها فلا تساعده الأقدار وزرتها وربما شاهدت في داخلها أشياخا من أهل التعفف والتصوف يسارقون خفية الناظر إلى مساقط رحمات الله تعالى عليها لكثرة زائريها فيقتحم ذو الحاجة بابها خالعا نعله مستحضرا نيته ويقعد بإزاء القبر ويخاطبه بحاجته ويعين بين يدي النجوى صدقة
على قبره ويدسها في أواني في القبر معدة لذلك ومن عجز عن النقدين تصدق بالطعام ونحوه فإذاخف الزائرون آخر النهار عمد القائم إلى التربة إلى ما أودع هناك في تلك الأواني وفرقه على المحاويج الحافين بالروضة ويحصون كل عشية ويعمهم الرزق المودع فيها وإن قصر عنهم كملوه في غده
قال ابن الخطيب لسان الدين وترافع خدام الروضة لقاضي البلد وتخاصموا في أمر ذاك الرزق المودع هناك فسالهم القاضي عن خرجه اليوم فقالوا يحصل في هذه الأيام في اليوم الواحد ثمانمائة مثقال ذهبا عينا وربما وصل في بعض الأيام لألف دينار فما فوقها فروضة هذا الولي ديوان الله تعالى في المغرب لا يحصى دخله ولا تحصر جبايته فالتبر يسيل واللجين يفيض وذو الحاجة كالطير تغدو خماصا وترجع بطانا يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قال وأنا ممن جرب المنقول عن القبر فاطرد القياس وتزيفت الشبهة وتعرفت من بدء زيارته ما تحققت من بركته وشهد على برهان دعوته انتهى
وقال الشيخ أبو الحجاج يوسف التادلي في كتابه التشوف إلى رجال التصوف كان أبو العباس جميل الصورة ابيض اللون حسن الثياب فصيح اللسان مقتدرا على الكلام حليما صبورا يحسن إلى من يؤذيه ويحلم على من يسفه عليه رحيما عطوفا محسنا إلى اليتامى والأرامل يجلس حيث أمكنه الجلوس من الطرق والسوق ويحض على الصدقة ويذكر في فضلها آيات وأحاديث ويأخذها ويفرقها على المساكين ويرد أصول الشرع إلى الصدقة ويفسرها بها ويقول معنى قول المصلي الله أكبر أي من أن نضن عليه بشيء فمن رأى شيئا من متاع الدنيا في نفسه أكبر فلم يحرم ولا كبر ومعنى رفع اليدين للتكبير تخليت من كل شيء لا قليلا ولا كثيرا
وهكذا يتكلم بنحو هذا في جميع العبادات ويقول سر الصوم أن تجوع فإذا جعت تذكرت الجائع وما يقاسيه من نار الجوع فتتصدق عليه فمن صام ولم يعطف على الجائع فكأنه لم يصم إلى غير ذلك من كلامه في مثل هذا
وكان إذا أتاه امرؤ يأمره بالصدقة ويقول له تصدق ويتفق لك ما تريده وأخباره في ذلك كثيرة عجيبة
قال التادلي وحدثني ولده الفقيه أبو عبد الله عن أبيه أنه قال كان ابتداء امري وأنا صغير أني سمعت كلام الناس في التوكل ففكرت في حقيقته فرأيت أنه لا يصح إلا بترك شيء ولم يكن عندي منه بد فتركت الأسباب وأطرحت العلائق ولم تتعلق نفسي بمخلوق فخرجت سائحا متوكلا وسرت نهاري كله فأجهدني الجوع والتعب وقد نشأت في رفاهية من العيش وما مشيت قط على قدمي فبلغت قرية فيها مسجد فتوضأت ودخلت المسجد فصليت المغرب ثم العشاء وخرج الناس فقمت لأصلي فلم أقدر من شدة الجوع والتألم بالمشي فصليت ركعتين وجلست أقرأ القرآن إلى أن مضى جزء من الليل فإذا قارع يقرع الباب بعنف فاستجاب له صاحب الدار فقال له هل رأيت بقرتي فقال لا فقال إنها ضلت وقد أكثر عجلها من الحنين فطلبتها فلم نجدها في القرية فقال أحدهم لعلها دخلت في المسجد وقت العتمة ففتحوا باب المسجد ودخلوا فوجدوني فقال صاحب البقرة ما أظنك أكلت الليلة شيئا فذهب وجاءني بكسرة خبز وقدح لبن ثم ذهب ليأتيني بالماء فوجد بقرته في داخل الدار فخرج لجيرانه وقال لهم ما زالت البقرة من الدار وما كان خروجي إلا لهذا الفتى الجائع في المسجد ثم رغبني أن أمشي معه لمنزله فأبيت
وكان في أول أمره يسكن في الفندق ويعلم الحساب والنحو ويأخذ الأجرة على ذلك وينفقها على طلبة العلم الغرباء ويمشي في الأسواق ويذكر الناس ويضربهم على ترك الصلاة ويأتي بالطعام على رأسه
وبات ليلة عند الطلبة فارتفعت أصواتهم بالمذاكرة فإذا بالحرس قد قرعوا باب الفندق فقام إليهم القيم بخدمته فقالوا له ما تعلمون أن من رفع صوته بالليل يقتل ثم قعد اثنان من الحرس على باب الفندق ليحملونا إذا طلع الفجر للوالي فجاء القيم فأخبرنا فأدركنا خوف عظيم وأيقنا بالهلاك فأخذ أبو العباس في الضحك ولا يبالي ثم خلا بنفسه عند السحر ساعة ثم قال لنا لا خوف عليكم قد استوهبتكم من الله تعالى وهذان الحرسيان الوقفان غدا يقتلان إن شاء الله تعالى فقيل له الجزاء عندك على الأفعال من الخير والشر وهما لم يفعلا ما يوجب قتلهما بل جزاؤهما يروعان كما روعانا فقال العلماء ورثة الأنبياء وترويعكم عظيم لا يقابله منهم إلا القتل فما زلنا نعارضه في ذلك حتى قال عقوبتهما أن يضرب كل واحد منهما مائة سوط ثم اجتاز عبد الله الخراز صاحب الوقت بالجامع الأعظم فوجد حانوته مفتوحا ورأى الحرسيين على قرب فلم يشك أنهما حلاه فحملا إلى رحبة القصر قبل طلوع الفجر فقال لنا أبو العباس احضروا على ضربهما كما أرادا قتلكم فتبعناهما وحضرنا حتى ضرب كل واحد مائة سوط
وكراماته ومناقبه كثيرة لا تحصى
وكان يقول أصل الخير في الدنيا والآخرة الإحسان وأصل الشر فيهما البخل قال الله تعالى ( فأما من أعطى ) وقال عن إبليس ( ثم
لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم ) وقال ( ومنهم من عاهد الله ) وقال ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وقال ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) وقال ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) وقال ( ليس البر أن تولوا وجوهكم ) وقال ( إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ) فهذه الأمانة هي الرزق فأعطت السموات ما فيها من الماء وهو المطر والأرض ما فيها من الماء النازل من الجبال والجبال ما فيها كذلك وأنبتت الأرض وأبت إمساكها فخزن الإنسان جميعها عنده ومنع المساكين إنه كان ظلوما جهولا وفي الحديث هم الأقلون ورب الكعبة إلا من قال هكذا وهكذا الحديث ولما أراد الله تعالى إهلاك فرعون وقومه دعا عليهم موسى بالبخل فقال ( ربنا إنك آتيت فرعون إلى قوله دعوتكما ) وكان رضي الله عنه في آخر عمره كثيرا ما يقرأ هذه الآية ( أفرأيت الذي تولى إلى قوله سوف يرى ) وكان يقول من قال إن الله تعالى لا يجازي على الصدقات فقد وافق اليهود في الفرية على الله تعالى لأنهم قالوا ( يد الله مغلولة غلت أيديهم ) أي لا يجازي على الصدقات قال الله تعالى ( غلت أيديهم إلى آخره ) أي يجازي على العطاء كيف شاء كان يقول في قوله تعالى ( والذين يكنزون الذهب والفضة الآية ) إنما كويت هذه المواضع لأن الغني يعرض عن المسكين بوجهه ثم بجنبه ثم بظهره فعوقبت هذه المواضع بالكي بالنار لإعراضه عن الفقير ومنازعه رحمه الله تعالى في أمثال هذا كثيرة انتهى ملخصا
وحدث أبو إسحاق إبراهيم بن أبي يعمور أنه دخل صحبة الشيخ سيدي أبي العباس السبتي إلى الأمير السيد أبي سعيد عثمان يعوده فقال له ادع الله
تعالى لي أيها الشيخ فقال له ارجع إلى الله تعالى حق الرجوع بحيث تتحقق أنه الممرض والمعافي واخرج عن بعض ما عندك من فضول الدنيا لأبناء الجنس لتكون ممن وقي شح نفسه فحينئذ يحصل لك ما ترجوه من الدعاء ثم التفت إلى الحاضرين وقال في المرض فوائد لا ينبغي أن تجهل الأولى معرفة قدر العافية الثانية تمحيص بعض الذنوب الثالثة توقع الثواب الرابعة تنقية الجسم من فضول الأخلاط الخامسة كثرة ذكر الله تعالى والتضرع إليه السادسة حدوث الرقة والشفقة السابعة وهي العظمى الصدقة والخروج عن رذيلة البخل انتهى وحدث الكاتب أبو القاسم ابن رضوان عن أبي بكر ابن منظور عن بعض أعيان مراكش أنه توفي وأوصى ابنا له كان من أهل البطالة أن يعمد إلى ألف دينار من متخلفه فيدفعها للشيخ سيدي أبي العباس السبتي ففعل وقال للشيخ إن أبي توفي وأوصاني أن أدفع إليك هذه الألف دينار تضعها حيث شئت فقال له الشيخ قد قبلتها وصرفتها إليك فقال له يا سيدي وما تأمرني أن أفعل بها قال خذها قال فانصرفت من عنده وسؤت ظنا بقوله ثم قلت وأنا أنفق مثل ذلك على عادتي في الوجه الذي يلذ لي فلأفعلن بها ما أفعل بغيرها فأخذتها في محفظة وخرجت ألتمس الزنى فإذا امرأة على دابة وغلام يقودها فأشرت إلى الغلام فقال لي نعم واتبعني إلى بستان لي فنزلت المرأة فأدخلتها إلى قبة كانت في البستان وأخذ الغلام الدابة وصار ناحية وقال أغلق الباب ففعلت ثم أقبلت إلى القبة فإذا المرأة تبكي بكاء شديدا حتى طال بكاؤها وبكيت لبكائها فقلت لها ما شأنك فقالت أفعل ما دعوتني لأجله ودع عنك هذا ونحيبها يزيد فقلت لها إن المعنى الذي دعوتك لأجله لا يصلح مع البكاء بل مع الأنس وانشراح الصدر وزوال الانقباض ورفع الخجل فقالت نترك البكاء ونرجع للأنس على ما تحب ويوفى غرضك فقلت لا حتى أعلم سبب بكائك وألححت عليها فقالت أتعرف حاجب الملك الذي سجنه قلت نعم قالت فأنا ابنته
ولم يبق له أحد غيري وقد سجنه الملك وأخذ أمواله فما زلت أبيع ما ترك أبي وأنفقه عليه حتى لم يبق بيدي شيء فلما أعيتني الحيلة فيما أنفقه ألجأت نفسي ووقفت هذا الموقف وأنا بكر ما رأى لي أحد وجها قط فرميت لها بالألف دينار وقلت لها والله لا قربت منك على هذا الوجه أبدا فأنفقي الدنانير على والدك إلى أن تنفد وابعثي لي غلامك أعلمه بمنزلي ولازمي دارك واستمري على صيانتك وإلا فضحتك وتريني والله لا أزال أبيع أملاكي وأنفقها على والدك حتى أموت أو يفنى كل ما أملكه ثم خرجت ألتمس الغلام وإذا بجماعة يطلبون البنت وقالوا إن الملك رضي عن والدها ورد عليه ضياعه وأملاكه ووصله بعشرة آلاف دينار وقعد يلتمس بنته فلم توجد فسقط في يد الغلام الذي كان مع الدابة وظن أن الأمر على ما جرى بيني وبين البنت فبادرته وقلت له لا عليك فتجاهل في خبرها حتى ينصرفوا ودخلت إلى البنت وقلت لها إن الملك قد رضي عن والدك ورد عليه ماله ووصله فسيري إلى دارك فركبت دابتها وانصرفت فدخلت على والدها فقال لها أين كنت وما الذي أخرجك عن دارك وهم بها فقالت له أخرج عني كل من في الدار ففعل فأخبرته أمرها مع الشاب من أوله إلى آخره ورمت إليه بالألف دينار وقالت له هذا الذي أعطاني لأنفق عليك فقال أبوها هذا والله هو الكبريت الأحمر والله لو كان أبوه كنافا ما أنفت أن أزوجك منه فوجه العبد الذي كان معها إلى الشاب وقال له إن سيدي يدعوك قال فخفت أن يوضع عنده الأمر على غير وجهه ثم أقدمت إقدام من علم براءة نفسه فدخلت عليه فقام إلي وعانقني وقد عرف لي مقامي وقال أما الآن وأنت من أعيان الناس فقد قرت بك عيني وقال والله لو كان أبوك كنافا ما أنفت لبنتي أن أزوجك منها فما قام من المجلس حتى وجه إلى
العدول وأشهد على نفسه بأنه زوج ابنته فلانة من هذا الشاب ونقدها عنه الشطر الأول من العشرة آلاف دينار التي وصله بها الملك وأجل لها عنه الشطر الثاني وأهدى لها من الحلى كذا وكذا ومن الثياب كذاوكذا حتى أتى على أكثر أملاكه حتى أنفقها على ذلك فحصل من إشارة الشيخ السبتي رضي الله عنه في تلك الألف دينار على أضعاف مضاعفة من الأموال وظفر ببنت حاجب الملك انتهى
رجع إلى ابن زمرك رحمه الله تعالى
قال الشاطبي في الإشارات والإفادات ما صورتهإفادة أفادني صاحبنا الفقيه الكاتب أبو عبد الله ابن زمرك إثر إيابه إلى وطنه من رحلة العدوة في علم البيان فوائد أذكر منها الآن ثلاثا الفقه في اللغة وهو النظر في مواقع الألفاظ وأين استعملتها العرب ومن مثل هذا الوجه قرم وعام إذا اشتهى لكن لا يستعمل قرم إلا مع اللحم ولا يستعمل عام إلا مع اللبن فتقول عمت إلى اللبن وكذلك قولهم أصفر فاقع وأحمر قان ولا يقال بالعكس وهذا كثير والثانية تحري الألفاظ البعيدة عن طرفي الغرابة والابتذال فلا يستدل بالحواشي من اللغات ولا المستذل في ألسن العامة والثالثة اجتناب كل صيغة تخرج الذهن عن أصل المعنى أو تشوش عليه إذ المقصود الوصول في بيان المعنى إلى أقصاه والإتيان بما يحصله سريعا ويمكنه في الذهن وتحري كل صيغة تمكن المعنى اوتحرض السامع على الاستماع وأخبرني أن كتاب المغرب يحافظون في شعرهم وكتابتهم على طريقة العرب ويذمون ما عداها من طريقة المولدين وأنها خارجة عن الفصاحة وهذه المعاني الثلاثة لا توجد إلا فيها
وذكر من شرح بديعية الحلي من المغاربة وهو الشيخ النحوي عبيد الثعالبي في شواهد حسن الختام أن منه ختام قصيدة للكاتب البارع أبي عبد الله المعروف
بابن زمرك الأندلسي مدح بها ملك المغرب عبد العزيز حين قدم عليه رسولا من صاحب الأندلس وهو قوله
( ولو أنشدت بين العذيب وبارق ... لقال رواة الغرب يا حبذا الشرق )
ولم يظهر لي كل الظهور دلالته لي على حسن الختام ولا بد فالله سبحانه أعلم وقد أطلنا في ترجمة ابن زمرك فلنختم نظامه بموشحة له زهرية مولدية تضمنت مدح المصطفى وهي هذه
( لو ترجع الأيام بعد الذهاب ... لم تقدح الأيام ذكرى حبيب )
( وكل من نام بليل الشباب ... يوقظه الدهر بصبح المشيب )
( يا راكب العجز ألا نهضة ... قد ضيق الدهر عليك المجال )
( لا تحسبن أن الصبا روضة ... تنام فيها تحت فيء الظلال )
( فالعيش نوم والردى يقظة ... والمرء ما بينهما كالخيال )
( والعمر قد مر كمر السحاب ... والملتقى بالله عما قريب )
( وأنت مخدوع بلمع السراب ... تحسبه ماء ولا تستريب )
( والله ما الكون بما قد حوى ... إلا ظلال توهم الغافلا )
( وعادة الظل إذا ما استوى ... تبصره منتقلا زائلا )
( إنا إلى الله عبيد الهوى ... لم نعرف الحق ولا الباطلا )
( فكل من يرجو سوى الله خاب ... وإنما الفوز لعبد منيب )
( يستقبل الرجعى بصدق المتاب ... ويرقب الله الشهيد القريب )
( يا حسرتا مر الصبا وانقضى ... وأقبل الشيب يقص الأثر )
( واخجلتا والرحيل قد قوضا ... وما بقي في الخبر غير الحبر )
( وليتني لو كنت فيما مضى ... أدخر الزاد لطول السفر )
( قد حان من ركب التصابي إياب ... ورائد الرشد أطال المغيب )
( يا أكمه القلب بغين الحجاب ... كم ذا أناديك فلا تستجيب )
( هل يحمل الزاد لدار الكريم ... والمصطفى الهادي شفيع مطاع )
( فجاهه ذخر الفقير العديم ... وحبه زادي ونعم المتاع )
( والله سماه الرؤوف الرحيم ... فجاره المكفول ما إن يضاع )
( عسى شفيع الناس يوم الحساب ... وملجأ الخلق لرفع الكروب )
( يلحقني منه قبول مجاب ... يشفع لي في موبقات الذنوب )
( يا مصطفى والخلق رهن العدم ... والكون لم يفتق كمام الوجود )
( مزية أعطيتها في القدم ... بها على كل نبي تسود )
( مولدك المرقوم لما نجم ... أنجز للأمة وعد السعود )
( ناديت لو يسمح لي بالجواب ... شهر ربيع يا ربيع القلوب )
( أطلعت للهدي بغير احتجاب ... شمسا ولكن ما لها من غروب )
2 - ومن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى الطبيب العالم ابن المهنا شارح ألفية ابن سينا وشرحه عليها من أبدع الشروح وقد نقل عن السان الدين
كثيرا واعتمد عليه في أمور الطب وقد طال عهدي به الآن وهو من الكتب المشهورة بالمغرب ولم أره بهذه الديار المشرقية
3 - ومن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى الأديب الكاتب العالم العلامة القاضي أبو بكر ابن جزي الكلبي وأبوه الشيخ أبو القاسم ابن جزي شيخ لسان الدين وبيت بني جزي بيت كبير مشهور بالمغرب والأندلس وقد عرفنا فيما سبق بالشيخ أبي القاسم وابنيه العلامتين الناظمين الناثرين الكاتب أبي عبدالله محمد والقاضي أبي بكر المذكور فليراجع في الباب الثالث
ورأيت بخط بعض علماء المغرب أن أبا بكر المذكور روى عن لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى جميع تواليفه مع أنه مقاربه في السن ولكن الإنصاف في ذلك الزمان غير معدوم وقد عرف به لسان الدين في الإحاطة والذي فهمت من عبارته في الإحاطة أنه إن عبر بصاحبنا فلا يطلقها غالبا إلا على تلامذته وربما أطلقها على غيرهم كما لا يخفى على من مارس كلامه رحمه الله تعالى وأتقن تاريخ أهل المغرب والأندلس رحم الله تعالى الجميع
4 - ومن تلامذة لسان الدين رحمه الله تعالى مؤدب أولاد الملوك ومعلمهم القرآن وسنة رسول الله عبد الله الشريشي وهو الذي تولى أولا نقل الإحاطة من مبيضتها كما سبقت الإشارة إليه في كلام حفيد السلطان ابن الأحمر وأحكم النسخة فكانت في مجلدات ستة وكان لسان الدين ألقى إليه بالمبيضات اعتمادا منه عليه وثقة به لاشتغال لسان الدين بأمور المملكة
5 - ومن تلامذة لسان الدين القاضي الكاتب أبو محمد عطية بن يحيى بن عبدالله بن طلحة بن أحمد بن عبدالرحمن بن غالب بن عطية المحاربي
قال في الإحاطة صاحبنا الفقيه الخطيب كاتب الإنشاء بالباب السلطاني أبو محمد نسيج وحده في اصالة البيت وعفاف النشأة مقصود المنزل نبيه الصهر معم مخول في الأصالة بارع الخط جيد القريحة سيال المداد نشيط البنان جلد على العمل خطيب ناظم ناثر قرأ بغرناطة وولي الخطابة بالمساجد الأعظم والقضاء سنتين ببلده في حداثة السن ثم انتقل إلى غرناطة فجأجأت به الكتابة السلطانية داحضة بالحق آوته إلى هضبة أمانة مستظهرة ببطل كفاية فاستقل رئيسا في غرض إعانتي وانتشالي من هفوة الكلفة على جلل الضعيف وإلمام المرض ثم كشفت الخبرة منه عند الحادثة على الدولة وإزعاجها من الأندلس عن سوأة لا توارى وعورة لا يرتاب في أشنوعتها ولا يتمارى فسبحان من علم النفس فجورها وتقواها إذ لصق بالدائل الفاسق فكان آلة انتقامه وجارحة صيده وأحبولة كيده فسفك الدماء وهتك الأستار ومزق الأسباب وبدل الأرض غير الأرض وهو يزقه في أذنه زقوم النصيحة وينحله لقب الهداية ويبلغ في شد أزره إلى الغاية عنوان عقل الفتى اختياره يجري في سبيل دعوته طوالا أخرق يسيء السمع فيسيء الإجابة بدويا قحا جهوريا ذاهلا عن عواقب الدنيا والآخرة طرفا في سوء العهد وقلة الوفاء مردودا في الحافرة منسلخا من آية السعادة تشهد عليه بالجهل يده ويقيم عليه الحجج شرهه وتبوئه هفوات الندم جهالته ثم أسلم المحروم مصطنعه أحوج ما كان إليه وتبرأ منه ولحقته بعده مطالبة مالية لقي لأجلها ضغطا وهو الآن بحال خزي واحتقاب تبعات واستدعيت شيئا من نظمه ونثره حال التصنيف ليترجم به فكتب إلي ما نصه
( يا سيدا فاق في مجد وفي شرف ... وفات سبقا بفضل الذات والسلف )
( وفاضلا عن سبيل الذم منحرفا ... وعن سبيل المعالي غير منحرف )
( وتحفة الزمن الآتي به فلقد ... ربا بما حازه منها على التحف )
( ومعدنا لنفيس الدر فهو لما ... حواه منه لدى التشبيه كالصدف )
( وبحر علم جميع الناس مغترف ... منه ونيل المعالي خير مؤتلف )
( وسابقا بذ أهل العصر قاطبة ... فالكل في ذاك منهم غير مختلف )
( من ذا يخالف في نار على علم ... أو يجحد الشمس نورا وهو غير خفي )
( ما أنت إلا وحيد العصر في شيم ... وفي ذكاء وفي علم وفي ظرف )
( لله من منتم للمجد منتسب ... بالفضل متسم بالعلم متصف )
( لله من حسب عد ومن كرم ... قد شاده السلف الأخيار للخلف )
( إيه أيا من به تبأى الوزارة إذ ... كنت الأحق بها في الذات والشرف )
( يا صاحب القلم الأعلى الذي جمعت ... فيه المعالي فبعض البعض لم أصف )
( يا من يقصر وصفي في علاه ومن ... أنسى مديح حبيب في أبي دلف )
( شرفتني عندما استدعيت من نظمي ... نظما تدونه في أبدع الصحف )
( وربما راق ثغر في تبسمه ... حتى إذا ناله إلمام مرتشف )
( أجل قدرك أن ترضى لمنتجع ... بسوء كيلته حظا مع الحشف )
( هذا ولو أنني فيما أتيت به ... نافحت بالطيب زهر الروضة الأنف )
( لكنت أفضي إلى التقصير من خجل ... إذ لست بالبعض مما تستحق أفي )
( فحسبي العجز عما قد أشرت به ... فالعجز حتما قصارى كل معترف )
( لكن أجبت إلى المطلوب ممتثلا ... وإن غدوت بمرمى القوم كالهدف )
( فانظر إليها بعين الصفح عن زلل ... واجعل تصفحها من جملة الكلف )
( بقيت للدهر تطويه وتنشره ... تسمو من العز باسم غير منصرف )
ثم ذكر نثرا وأن مولده بوادي آش آخر عام تسعة وسبعمائة وتولى الخطابة والإمامة بها عام ثمانية وثلاثين وسبعمائة ثم ولي القضاء بها وبأعمالها عام
ثلاثة وأربعين وسبعمائة ثم انتقل للحضرة آخر رجب عام ستة وخمسين وسبعمائة ومن شعره قوله
( ألا أيها الليل البطيء الكواكب ... متى ينجلي صبح بليل المآرب )
( وحتى متى أرعى النجوم مراقبا ... فمن طالع منها على إثر غارب )
( أحدث نفسي أن أرى الركب سائرا ... وذنبي يقصيني بأقصى المغارب )
( فلا فزت من نيل الأماني بطائل ... ولا قمت في حق الحبيب بواجب )
( فكم حدثتني النفس أن أبلغ المنى ... وكم عللتني بالأماني الكواذب )
( وما قصرت بي عن زيارة قبره ... معاهد أنس من وصال الكواعب )
( ولا حب أوطان نبت بي ربوعها ... ولا ذكر خل حل فيها وصاحب )
( ولكن ذنوب أثقلتني فها أنا ... من الوجد قد ضاقت علي مذاهبي )
( إليك رسول الله شوقي مجددا ... فيا ليتني يممت صدر الركائب )
( فأعملت في تلك الأباطح والربى ... سراي مجدا بين تلك السباسب )
( وقضيت من لثم البقيع لبانتي ... وجبت الفلا ما بين ماش وراكب )
( ورويت من ماء بزمزم غلتي ... فلله ما أشهاه يوما لشارب )
( حبيبي شفيعي منتهى غايتي التي ... أرجي ومن يرجوه ليس بخائب )
( محمد المختار والحاشر الذي ... بأحمد حاز المجد من كل جانب )
( رؤوف رحيم خصنا الله باسمه ... وأعظم بماح في الثناء وعاقب )
( رسول كريم رفع الله قدره ... وأعلى له قدرا رفيع الجوانب )
( وشرفه أصلا وفرعا ومحتدا ... يزاحم آفاق السما بالكواكب )
( سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا ... وخير الورى الهادي الكريم المناسب )
( هو المصطفى المختار من آل هاشم ... وذو الحسب العد الرفيع المناصب )
( هو الأمد الأقصى هو الملجأ الذي ... ينال به مرغوبه كل راغب )
( إمام النبيين الكرام وإنه ... لكالبدر فيهم بين تلك المواكب )
( بشير نذير مفضل متطول ... سراج منير بذ نور الكواكب )
( شريف منيف باهر الفضل كامل ... نفيس المعالي والحلى والمناقب )
( عظيم المزايا ما له من مماثل ... كريم السجايا ما له من مناسب )
( ملاذ منيع ملجأ عاصم لمن ... يلوذ به من بين آت وذاهب )
( جليل جميل الخلق والخلق ما له ... نظير ووصف الله حجة غالب )
( وناهيك من فرع نمته أصوله ... إلى خير مجد من لؤي بن غالب )
( أولي الحسب العد الرفيع جنابه ... بدور الدياجي أو صدور الكتائب )
( له معجزات ما لها من معارض ... وآيات صدق ما لها من مغالب )
( تحدى بهن الخلق شرقا ومغربا ... وما ذاك عمن حاد عنها بغائب )
( فدونكها كالأنجم الشهب عدة ... ونور سنا لا يختفي للمراقب )
( وإحصاؤها مهما تتبعت معوز ... وهو بعد نور الشمس نور لطالب )
( لقد شرف الله الوجود بمرسل ... له في مقام الرسل أعلى المراتب )
( وشرف شهرا فيه مولده الذي ... جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب )
( فشهر ربيع في الشهور مقدم ... فلا غرو أن الفخر ضربة لازب )
( فلله منه ليلة قد تلألأت ... بنور شهاب بين الأفق شاهب )
( ليهن أمير المسلمين بها المنى ... وأن نال من مولاه أسنى الرغائب )
( على حين أحياها بذكر حبيبه ... وذكر الكرام الطاهرين الأطايب )
( وألف شملا للمحبين فيهم ... فسار على نهج من الرشد لاحب )
( فسوف يجازى عن كريم صنيعه ... بنخليد سلطان وحسن عواقب )
( وسوف يريه الله في نصر دينه ... غرائب صنع فوق تلك الغرائب )
( فيحمي حمى الإسلام عمن يرومه ... بسمر العوالي أو ببيض القواضب )
( ويعتز دين الله شرقا ومغربا ... بما سوف يبقى ذكره في العجائب )
( إلهي ما لي بعد رحماك مطلب ... أراه بعين الرشد أسنى المطالب )
( سوى زورة القبر الشريف وإنه ... لموهبة فاقت جميع المواهب )
( عليه سلام الله ما لاح كوكب ... وما رافق الأظعان حادي الركائب )
وقال لسان الدين رحمه الله تعالى وليس لهذا الرجل انتحال لغير الشعر والكتابة وغير هذا الشعر قران فقل أن ينتهي هذا الشعر في الضعة والاسترذال إلى ما دون هذا النمط فهو بغير ثان شعرا وشكلا وبلدا لطف الله تعالى بنا وبه انتهى باختصار
6 - ومن تلامذة لسان الدين ابن الخطيب رحمه الله تعالى الكاتب أحمد بن سليمان بن فركون ومن نظمه على لسان من يرمى بالداء العضال في فرج عبد ابن زمرك الوزير بعد ابن الخطيب
( قالوا كلفت به غلاما حالكا ... فأجبتهم في فيه ما يرضي المهج )
( مهما جننت بحسنه وبحبه ... علقت فوقي منه حرزا من سبج )
ورأيت بخط الوادي آشي ما صورته وجدت بخط لسان الدين وخاتمة أعلام البيان المجيدين ذي الوزارتين أبي عبدالله ابن الخطيب رحمه الله تعالى في طرة اسم الكاتب أحمد بن سليمان بن فركون المختص به المتأدب بما انفرد به من انتساخ تواليف ابن الخطيب ما نصه يسقط هذا الساقط من الديوان انتهى
ولعل لسان الدين إنما أمر بإسقاطه من الإحاطة لما يتهم به من معنى بيتيه السابقين ويحتمل أن يكون لغير ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم
الباب الثامن
في ذكر أولاده
الرافلين في حلل الجلاله المقتفين أوصافه الحميدة وخلاله الوارثين العلم والعمل والرياسة والمجد عن غير كلاله ووصيته لهم الجامعة لآداب الدين والدنيا المشتملة على النصائح الكافية والحكم الشافية من كل مرض بلا ثنيا المنقذة من أنواع الضلالة وما يقع في ذلك من المناسبات القوية والأمداح النبوية التي لها على حسن الختام أظهر دلالهاعلم وفقني الله تعالى وإياك لمرضاته وجعلنا ممن يعتبر بالدهر في معضاته أن أولاد لسان الدين ثلاثة عبدالله ومحمد وعلي وكلهم حدث عن أبيه وعن ابن الجياب
أما محمد فقد نال حظه من التصوف ولم يكن له إلى خدمة الملوك تشوف ولم يحضرني الآن نص من أنبائه أكتبه لعدم وجود الكتب التي هي مظان ذلك إذ قد تركتها بالمغرب
وقد سبق فيما مر من كلام ابن خلدون أن أولاد لسان الدين كانوا من ندماء السلطان وأهل خلوته وأن عليا كان خالصة السلطان رحم الله تعالى الجميع
وأما عبد الله فقد كتب بالعدوتين لملوك الحضرتين وتولى القيادة والكتابة بالأندلس أيام كان أبوه مدبر الدولة وأكثر الناس بها كالخواص
حوله ولا أعلم الآن ما آل إليه أمره بعد وفاة أبيه وقد ألم ببعض التعريف بمبدإ أحواله أبوه لسان الدين في كتاب الإحاطة في تاريخ غرناطة فقال في حقه ما ملخصه عبد الله بن محمد بن علي بن سعيد بن الخطيب التلمساني حسن الشكل جيد الفهم يغطي منه رماد السكون جمرة حركة منقبض عن الناس قليل البشاشة حسن الخط وسط النظم كتب عن الأمراء بالمغرب وأنشدهم واقتضى صكوكهم بالإقطاعات والإحسان واختال في خلعهم ثم لما كانت الفتنة كتب عن سلطان وطنه معزز الخطة بالقيادة قرأ على قاضي الجماعة الخطيب أبي القاسم الحسني والخطيب أبي سعيد فرج بن لب التغلبي واستظهر بعض المبادىء في العربية واستجيز له من أدركه ميلاده من أهل المشرق والمغرب وشعره مترفع عن الوسط إلى الإجادة يكلله عذر الحداثة فمنه قوله في مولد أربعة وستين وسبعمائة
( بحق الهوى يا حداة الحمول ... قفوها قليلا بتلك الطلول )
( معاهد مرت عليها السحاب ... ببرق خفوق ودمع همول )
( أحن إليها حنين العشار ... وأبكي عليها بشجو طويل )
( فيا سعد عرج عليها الركاب ... ففيها لقلبي شفاء الغليل )
( سقاها من المزن صوب الغمام ... وحيا بعرف النسيم العليل )
( ولا زال فيها يجر الذيول ... فيحيي النفوس بجر الذيول )
( لئن حلت يا ربع عن عهدنا ... فعهد الهوى ليس بالمستحيل )
( ومما شجاني وميض خفوق ... كقلبي غداة النوى والرحيل )
( وميض إذا سله المزن وهنا ... يضئ سناه كعضب صقيل )
( أطار الفؤاد فؤاد المشوق ... وأغرى السهاد بطرف كليل )
( فبت أطاول ليل التمام ... بوجد جديد وصبر محيل )
( ودمع يساجل دمع الغمام ... وشجو الحمائم عند الهديل )
( فيا ليت شعري وهل من سبيل ... على الوجد يوما بصبر جميل )
( وهل يسمح الدهر بعد العناد ... بجبر الكسير وعز الذليل )
( وهل راجع عهدنا بالحمى ... على رغم دهر ظلوم جهول )
( فيا حسن مأوى عزاء جميل ... ويا طيب مأوى بظل ظليل )
( وفي ذمة الله ركب سروا ... يجدون والليل مرخى السدول )
( نشاوى بكأسين كأس الهوى ... وكأس من الأمن مثل الشمول )
( يؤمون بالعيس أم القرى ... وقبر النبي الشفيع الرسول )
( ديار بها الوحي وحي السما ... تنزل أكرم به من نزول )
( بها أشرق الدين كالشمس نورا ... وآن من الشرك وقت الأفول )
( فيا حادي العيس يطوي الفلا ... بوخد القلاص ونص الذميل )
( سفائن آل طواها السرى ... وشق الحزون وقطع السهول )
( نشدتك بالبان بان الحمى ... وبالمورد العذب والسلسبيل )
( إذا ما حللت لدى طيبة ... وجئت محل الرضى والقبول )
( وقبرا ثوى فيه خير الورى ... وبشرى الكليم وفخر الخليل )
( فأبلغ تحية صب مشوق ... عدته عوادي الزمان الخذول )
( وقل يا رسول الهدى والشفيع ... إذا ضاق صدر أب عن سليل )
( عليك الصلاة وطيب السلام ... يحييك عند الضحى والأصيل )
( نبي كريم رؤوف رحيم ... بنص الكتاب وحكم العقول )
( إمام الهدى المجتبى المصطفى ... بأزكى شهيد وأهدى دليل )
( به أظهر الله دين الهدى ... وعلم كيف سواء السبيل )
( وقام بأعباء دين الإله ... أتم القيام بفعل وقيل )
( فأكرم بليلة ميلاده ... على كل وقت وعصر وجيل )
( لك الله من ليلة فضلها ... يجر على النجم فضل الذيول )
( وأيد بالنصر مولى أقام ... مواسمها فعل بر وصول )
( أعاد بها الليل مثل النهار ... بوجه كريم وفعل جميل )
( وأبدى الرضى نحوها والقبول ... وأكرم به من حفي كفيل )
( سمي النبي الكريم الرسول ... وسيف الإله العلي الجليل )
( محمد المرتجى المستجار ... مبيد العدا ومنيل الجزيل )
( من النفر الغر أسد الكفاح ... وأهل السماح عشي النزول )
( تراهم لدى السلم أطواد حلم ... ويوم الكريهة آساد غيل )
( مبيد العداة ومحيي العفاة ... ومأوى الغريب ومدني الدخيل )
( فبأس حكى النار عند احتدام ... وجود حكى السحب عند الهمول )
( فيصلي عداه لدى الحرب نارا ... ويروي نداه زمان المحول )
( إذا فلت البيض يوم الوغى ... فلست ترى عزمه ذا فلول )
( مليك كفيل لمن يرتجيه ... بكل مرام بعيد وسول )
( وفرع كريم حميد الخلال ... نماه إلى المجد طيب الأصول )
( فدام لنا ما سرى في الرياض ... نسيم الصبا ومهب القبول )
( وحن مشوق لأرض الحجاز ... إذا لاح إيماض برق كليل )
وقال يمدح السلطان أبا عبد الله محمد بن يوسف بن نصر من مدينة فاس
( لمن طلل بالرقمتين محيل ... عفت دمنتيه شمأل وقبول )
( يلوح كباقي الوشم غيره البلى ... وجادت عليه السحب وهي همول )
( فيا سعد مهلا بالركاب لعلنا ... نسائل ربعا فالمحب سؤول )
( قف العيس ننظر نظرة تذهب الأسى ... ويشفى بها بين الضلوع غليل )
( وعرج على الوادي المقدس بالحمى ... فطاب لديه مربع ومقيل )
( فيا حبذا تلك الديار وحبذا ... حديث بها للعاشقين طويل )
( دعوت لها سقي الحمى بعدما سرى ... وميض وعرف للنسيم عليل )
( وأرسلت دمعي للغمام مساجلا ... فسال على الخدين منه مسيل )
( فأصبح ذاك الربع من بعد محله ... رياضا بها الغصن المروح يميل )
( لئن حال رسم الدار عما عهدته ... فعهد الهوى في القلب ليس يحول )
( ومما شجاني بعدما سكن الهوى ... بكاء حمامات لهن هديل )
( توسدن فرع البان والنجم مائل ... وقد آن من جيش الظلام رحيل )
( فيا صاحبي دع عنك لومي فإنه ... كلام على سمع المحب ثقيل )
( تقول اصطبارا عن معاهدك الألى ... وهيهات صبري ما إليه سبيل )
( فلله عينا من رآني وللأسى ... غداة استقلت بالخليط حمول )
( يطاول ليل التم مني مسهد ... وقد بان عني منزل وخليل )
( فيا ليت شعري هل يعودن ما مضى ... وهل يسمحن الدهر وهو بخيل )
( وهل راجع عهد الحمى سقي الحمى ... وظل بعين الدمع فيه ظليل )
( وأيام أنس كم نعمنا بقربها ... وقد غاب عنا حاسد وعذول )
( حلفت برب الراقصات إلى منى ... لهن إلى البيت العتيق ذميل )
( لجود أمير المسلمين محمد ... بكل مرام في الزمان كفيل )
( مليك أتاه الله في الملك عزمة ... يروع الأعادي بأسها ويهول )
( هو الملك المنصور والبطل الذي ... يهون عليه الخطب وهو جليل )
( إذا فلت البيض الرقاق وجدته ... أخا عزمات ما بهن فلول )
( يقصر باع المدح دون صفاته ... ويرجع عنها الفكر وهو كليل )
( من النفر البيض الوجوه لدى الوغى ... لهم غرر وضاحة وحجول )
( هم ما هم والحرب قد شب نارها ... وللخيل في جنح العجاج صهيل )
( إذا سئلوا يوم الندى فنالهم ... تفيض شآبيب له وسيول )
( بهم عز دين الله شرقا ومغربا ... وأصبح دين الكفر وهو ذليل )
( هم السادة الأنصار والعرب الألى ... حمى الدين حي منهم وقبيل )
( لهم يوم بدر والرسول أميرهم ... تصول به أرماحهم وتطول )
( فأصبح أصحاب القليب كأنهم ... كثيب لوطء المرهفات مهيل )
( وقد أمن الإسلام كيد عدوه ... وغودر ربع الكفر وهو محيل )
( وعدوا رواحا للمدينة والرضى ... لهم منه فوز عاجل وقبول )
( فمن ذا يجاري أو يداني عصابة ... جزاؤهم عند الإله جزيل )
( لكم يا بني نصر من المجد هضبة ... تزول الرواسي وهي ليس تزول )
( فيا سيد الأملاك والواحد الذي ... إذا عد فخر ليس عنه عدول )
( لقد قرع الأعداء منك مؤيد ... له الذعر نصر والحسام دليل )
( فلم يدركوا ما أملوا غير ساعة ... كذاك متاع الأخسرين قليل )
( تعاوين في باب البنود بسحرة ... كلاب عليهم بعد ذاك عويل )
( أبى الله إلا أن يموتوا بغيظهم ... فويل لهم من مكرهم وأليل )
( فأضحوا حديثا في البلاد ويومهم ... وساء صباح عندهم وأصيل )
( بسعد إمام ينزل العصم سعده ... ويروي نداه والزمان محول )
( وفرع كمال في الخلافة ثابت ... نمته إلى المجد الزكي أصول )
( حكى وجهه شمس النهار إذا بدا ... ورياه عرف الروض وهو بليل )
( أعاد لنا بالعدل أيامه التي ... عهدنا فدارت للسرور شمول )
( فدام لنا ما هب عرف من الصبا ... وأومض برق في الظلام كليل )
( وحن مشوق للحجاز إذا بدت ... لعينيه منه شامة وطفيل )
( وأشرق نجم مثل قلبي خافق ... وحان له عند الغروب أفول )
( ولا زالت الأقدار تجري بأمره ... وصنع إله العرش فيه جميل )
وقال في إعذار ابن السلطان رحمه الله تعالى ورضي عنه
( أثرها عزمة تنضي الركاب ... وإن دميت لها العين انسكابا )
( لعل الوجد تطفأ منه نار ... أبت إلا زفيرا والتهابا )
( أما بعد الألى ترجو قلوب ... تسارع نحو أرضهم انقلابا )
( فيا أخوي كفا عن عتابي ... فلست بسامع أبدا عتابا )
( تذكرت العقيق فسال دمعي ... عقيقا من تذكره مذابا )
( أقول لنسمة مرت صباحا ... يعطر عرفها القفر اليبابا )
( ألا يا هذه كوني رسولي ... وكوني إن رجعت لي الجوابا )
( نشدتك بلغي صحبي سلامي ... إذا جئت المعاهد والقبابا )
( يلومني العواذل في اشتياقي ... إذا ما القلب من وجدي تصابى )
( وكم بين الأباطح من مهاة ... تروع بلحظها الأسد الغضابا )
( رمتني ثم قالت وهي تزري ... ولم تحذر بفتكتها العقابا )
( إذا ما الشهب للغرب استمالت ... وفود الليل بالإصباح شابا )
( أوجه إن رقدت إليك طيفي ... كلمع البرق يخترق السحابا )
( فقلت لقد بخلت على مشوق ... أبى إلا غراما واكتئابا )
( وكيف له بنوم بعد وجد ... يذيب لهيبه الصم الصلابا )
( سينصره من الأنصار ملك ... إذا ناداه مظلوم أجابا )
( كريم الذات من ملإ كرام ... لقد طابت سجاياهم وطابا )
( تواضع رحمة وعلا محلا ... وسهل منه للناس الحجابا )
( فيلس يصد عن جدواه راج ... وليس يسد عن عافيه بابا )
( له عطف على الراجي جميل ... يفل من الردى ظفرا ونابا )
( وعدل أمن الأرجاء حتى ... ترى الغزلان لا تخشى الذئابا )
( أمولاي الذي أحيا المعالي ... وقد بليت وألحفت الترابا )
( مددت على البلاد جناح عدل ... وكف الجور تستلب استلابا )
( وتاب الدهر مما قد جناه ... فجدت له بعفوك حين تابا )
( وسكن عز دولتك الدواهي فكانت رحمة دفعت عذابا )
( ويا لله إعذار سعيد ... دعوت السعد فيه فاستجابا )
( عجبت لمقدم والروع يهفو ... بأفئدة الكماة وما استرابا )
( ومن شبل أطاع أخا سلاح ... وحكمه اصطبارا واحتسابا )
( وهل عذر لعاذر ليث غاب ... أظن فؤاده والعقل غابا )
( فلولا سنة حكمت وهدي ... أصبت وقد سلكت به الصوابا )
( لحامت عصبة الأنصار عنه ... بأسياف تقد بها الرقابا )
( من الصيد الذين لهم نفوس ... لغير الفخر لا تصل الطلابا )
( تنير الليل أوجههم إذا ما ... أرادوا السير أو حثوا الركابا )
( دعوت به الأنام ليوم حشر ... ولم تذخر لهم إلا الثوابا )
( رأوا من زخرف الدنيا مقاما ... يذكر بالجنان لمن أنابا )
( وأبهتهم فما عاطوا حديثا ... ولا عرفوا السؤال ولا الجوابا )
( ولو مكثوا به دهرا طويلا ... لما ذكروا الطعام ولا الشرابا )
( وطاردت الصوار بكل ضار ... كما أتبعت عفريتا شهابا )
( ضربت به على الآذان منها ... فلم تسطع حراكا واضطرابا )
( ومعصوب الجبين بتاج روق ... يروع خواره الأسد الغضابا )
( تعرف أن تحت الأرض ثورا ... فرام بأن يشق له الترابا )
( وكلت به هضيم الكشح أجنى ... حديد الناب تحسبها حرابا )
( تباعد مجمع الشدقين منه ... وسال الموت بينهما لعابا )
( فأثبته كوحي الطرف حتى ... توثق منه جازره غلابا )
( وصاح به الصوار وقد رآه ... حبيس الكلب قدمنع الإيابا )
( فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
( وأرسلت الجياد إلى استباق ... كأن بوارقا شقت سحابا )
( فمن ورد أقب ومن كميت ... واشهب يلهب الأرض التهابا )
( وساقية العماد إذا أطلت ... إلى الأدواح تنساب انسيابا )
( تحوم بها العصي فراش ليل ... تروم بسمعه منه اقترابا )
( تحف بها خيول القوم منا ... فترسل نحوها الجرد العرابا )
( عجائب أبدعت علياك فيها ... ومثلك يبدع الأمر العجابا )
( محمد لا عدمت الدهر حمدا ... فقد أحسنت في الملك المنابا )
( وزكى نفسك الرحمن لما ... رآك ملكت للمجد النصابا )
( تداركت البلاد ومن عليها ... فامنت التنائف والشعابا )
( لقد أوليتنا بيض الأيادي ... لقد طوقتنا المنن الرغابا )
( روت عنك العوالي في المعالي ... حديث الفخر حقا لا انتسابا )
( ستفتح من بلاد الشرك أرضا ... قد اعتقلت عقائلها اغتصابا )
( وتعمل في العدا بيض المواضي ... إلى أن ينكر السيف القرابا )
( فما كأس من الصهباء صرف ... تعيد الشيخ من طرب شبابا )
( وطاف بها من الرهبان بدر ... يهتك من دجى الليل الحجابا )
( تجد الأنس عودا بعد بدء ... وربع الهم تتركه خرابا )
( بأعذب من ثنائك حين يطوي ... به الركب الأباطح والهضابا )
( أمولاي استمعها بنت فكر ... تخيرها فأبرزها لبابا )
( وغاص على فرائدها الغوالي )
( وشق على نفائسها العبابا )
( وهناك الإله بكل نعمى ... تقود لك الأماني الصعابا )
( ودمت لعزة الإسلام ركنا ... إلى أن يشمل الشيب الغرابا )
وقال وقد أنشدها السلطان ليلة الميلاد عام خمسة وستين وسبعمائة
( نفس الصبا أهدى إلي نسيما ... قد رام ممتنعا ورام عظيما )
( يا هل يبلغني السرى خير الورى ... فأرى معاهد للهوى ورسوما )
( وأسابق الركبان فوق نجيبة ... تفري من البيد العراض أديما )
( وأحط رحلي في كريم جواره ... أرجو نعيما في الجنان مقيما )
( حتى إذا بلغوا الذي قد أملوا ... ورأوا مقاما بالرضى موسوما )
( وتزاحموا في الترب يستلمونه ... أرأيت في الورد الظماء الهيما )
( قبلت ذاك الترب من شوقي إلى ... من حله وأقمت فيه لزيما )
( وبكيت من دمع المآقي زمزما ... وتركت جسمي كالحطيم حطيما )
( صلى عليه الله ما هبت صبا ... تهدي من الطيب الزكي شميما )
( لله مولده الذي أنواره ... صدعت ظلاما للضلال بهيما )
( شرعت من التأييد سيف هداية ... أردت ظباه فارسا والروما )
( كسر الأكاسر بالعراء ولم يدع ... أن رد قيصر مهزوما )
( لله منها ليلة اضحى بها ... شمل الهدى لأولي الهدى منظوما )
( أبدا أمير المسلمين أعدها ... بدعا من القصر الكريم جسيما )
( ملك أقام الله منه لخلقه ... مولى رؤوفا بالعباد رحيما )
( يحمي ذمار المسلمين من الردى ... ويبيح ربعا للعدا وحريما )
( بمحمد قد عاد دين محمد ... غض الرياض وكان قبل هشيما )
( أحيا به الله الخلافة بعدما ... كانت بأطباق التراب رميما )
( من آل سعد الخزرج بن عبادة ... طابوا فروعا في العلا وأروما )
( تلقاه في يوم الكريهة والوغى ... والخيل عابسة أغر وسيما )
( وتخال كفيه إذا شح الحيا ... أفقا بعامية الغيوث غيوما )
( تأبى خلال العدل والشيم العلا ... من أن يرى في دهره مظلوما )
( كهف العباد وفخرها وثناؤه )
( ترك المديح على الطروس رقيما )
( لا زال يلقى العيش طلقا والعلا ... مرقى وصرف الحادثات خديما )
( ما اهتز غصن في الحديقة ناعم ... لما أحس من الشمال شميما )
مولده بغرناطة يوم السبت سابع عشر صفر عام ثلاثة وأربعين وسبعمائة انتهى
أشعار للسان الدين
ومما خاطب به لسان الدين رحمه الله تعالى ولده عبد الله المذكور ما في النفاضة من قوله أنشدت ابني عبدالله وقد وصل لزيارتي من الباب السلطاني حيث جرايته ووظيفته وانجر حديث ما فقد بغرناطة في شجون الكلام( يا بني عبد الإله احتسابا ... عن أثاث ومنزل وعقار )
( كيف يأسى على خسارة جزء ... من يرى الكل في سبيل الخسار )
( هدف لا تني سهام الليالي ... عن سباق تجاهه وبدار )
( واحد طائش وسهم مصيب ... ليس ينجي منها اشتمال حذار )
( غير ذي الدار صرف الهم فيها ... فمناخ الرحيل ليس بدار )
انتهى وقال أيضا رحمه الله تعالى مما أنشدته ولدي عبد الله وأمرته بحفظه والتأدب به واللهج بحكمته
( إذا ذهبت يمينك لا تضيع ... يسارك في البكاء ولا المصيبه )
( ويسراك اغتنم فالقوس ترمي ... وما تدري أرشقتها قريبه )
( وما بغريبة نوب الليالي ... ولكن النجاة هي الغريبة )
قال ومن المنظوم في قريب من هذا قولي
( أيا أهل هذا القطر ساعده القطر ... دهيت فدلوني لمن يرفع الأمر )
( تشاغلت بالدنيا ونمت مفرطا ... وفي شغلي أو نومتي سرق العمر )
وقال رحمه الله تعالى ومما قلته وقد أنصرف عني الولد عبد الله إلى مدينة فاس لإقامة رسمه من الخدمة وأشجاني انصرافه لوقوع قرحة على قرح والله المستعان
( بان يوم الخميس قرة عيني ... حسبي الله أي موقف بين )
( لو جنى موقف النوى حين حيا ... حان يوم الوداع والله حيني )
( ضايقتني صروف هذي الليالي ... وأطالت همي وألوت بديني )
( وطن نازح وشمل شتيت ... كيف يبقى معذب بعد ذين )
( يا إلهي أدرك بلطفك ضعفي ... إن ما أشتكيه ليس بهين )
وقال رحمه الله تعالى أنشدت يوما ولدي عبد الله وقد رأيت منه نشاطا
ومرحا انتقل مني إليه بعد السن
( سرق الدهر شبابي من يدي ... وفؤادي مشعر بالكمد )
( جملة الأمر إذا أبصرته ... باع ما أفقدني من ولدي )
وقد سبق هذان البيتان عند ذكر بعض نظم لسان الدين رحمه الله تعالى
علي وتعليقاته على الإحاطة
وأما علي بن لسان الدين رحمه الله تعالى فهوشاعر البيت بعد أبيه النبيه وكان مصاحبا للسلطان أحمد المريني المستنصر بالله ابن السلطان أبي سالم ابن السلطان أبي الحسن المريني رحمهم الله تعالىوحكى بعضهم أنه حضر معه في بستان سح فيه ماء المذاكرة الهتان وقد أبدى الأصيل شواهدالاصفرار وأزمع النهار لما قدم الليل على الفرار فقال المستنصر لما لان جانبه وسالت بين سرحات البستان جداوله ومذانبه
( يا فاس إني وأيم الله ذو شغف ... في كل ربع لهم مغناه يسبيني )
( وقد أنست بقرب منك يا أملي ... ونظرة فيكم بالأنس تحييني )
فأجابه أبو الحسن علي بن الخطيب بقوله المصيب
( لا أوحش الله ربعا أنت زائره ... يا بهجة الملك والدنيا مع الدين )
( يا أحمد الحمد أبقاك الإله لنا ... فخر الملوك وسلطان السلاطين )
وقد رحل رحمه الله تعالى إلى مصر ولم يحضرني الآن من أحواله بعد دخوله مصر ما أعول عليه وقد كان وقف بالقاهرة على نسخة الإحاطة التي وجهها أبوه إلى مصر ووقفها بخانقاه سعيد السعداء كما أشرنا إليه فيما مر فكتب بالحواشي كتابات مفيدة وقد ذكرنا بعضها فيما أسلفناه من هذا الكتاب
فليراجع إما تكميل لما أغفله أبوه وإما إخبار عما شاهده هو أو رواية له عن المترجم به أو جواب عن أبيه فيما انتقد عليه
نماذج في تعليقاته من ترجمة ابن جابر
ولنذكر شيئا منها غير ما تقدم بعد إيراد نص الإحاطة فنقولقال في الإحاطة في حرف الميم في ترجمة شمس الدين الهواري الضرير شارح ألفية ابن مالك وصاحب البديعية الشهيرة بالأعمى والبصير ما صورته محمد بن أحمد بن علي الهواري يكنى أبا عبدالله ويعرف بابن جابر من أهل المرية
حاله رجل كفيف البصر مدل على الشعر عظيم الكفاية والمنة على زمانته رجل إلى المشرق وتظاهر برجل من أصحابنا يعرف بأبي جعفر الإلبيري صارا روحين في جسد ووقع الشعر منهما بين لحيي أسد وشمر للعلم وطلبه فكان وظيفة الكفيف النظم ووظيفة البصير الكتب وانقطع الآن خبرهما انتهى
فكتب المذكور على أول الترجمة ما صورته نعم الرجل ورفيقه أبو جعفر أحسن الله تعالى إليهما فلقد أحسنا الصحبة في الغربة وانفردا بالنزاهة والفضل وعلو الهمة إلا أن المصنف قصر فيهما بعض قصور ومنهما يطلب والإغضاء والصفح فالرجل مات وذكر الأموات بالخير مشروع وهما والله الشرف الباهر بقطرهما علما وعملا أمتع الله تعالى بهما قاله ولد المؤلف علي بن الخطيب بالقاهرة انتهى
وكتب على قول أبيه وانقطع الآن خبرهما ما نصه هما الآن بإلبيرة من حلب تحت إنعام ولطف تحث إليهما الرواحل وتضرب إليهما آباط النجب
رجع لتكميل ترجمة الشمس ابن جابر من الإحاطة
قال لسان الدين بعد ما مضى ما نصه وجرى ذكره في الإكليل بما نصه محسوب من طلبتها الجلة ومعدود فيمن طلع بأفقها من الأهلة رحل إلى المشرق وقد أصيب ببصره واستهان في جنب الاستفادة بمشقة سفره على بيان عذره ووضوح ضره
شعره وشعره كثير فمنه قوله
( سلوا حسن ذاك الخال في صفحة الخد ... متى رقموا بالمسك في ناعم الورد )
( وقولوا لذاك الثغر في ذلك اللمى ... متى كان شأن الدر يوجد في الشهد )
( ومن هز غصن القد منها لفتنتي ... وأودعه رمانتي ذلك النهد )
( ومن متع القضب اللدان بوصفها ... إلى أن أعرن الحسن من ذلك القد )
( فتاة تفت القلب مني بمقلة ... لها رقة الغزلان في سطوة الأسد )
( تمنيت أن تهدي إلي نهودها ... فقالت رأيت البدر يهداه أو يهدي )
( فقلت أللرمان بد من الجنى ... فتاهت وقالت باللواحظ لا الأيدي )
( فقلت أليس القلب عندك حاصلا ... فقالت قلوب الناس كلهم عندي )
( فقلت اجعليني من عبيدك في الهوى ... فقالت كفاني كم لحسني من عبد )
( إذا شئت أن أرضاك عبدا فمت جوى ... ولا تشتكي واصبر على ألم الصد )
( ألم تر أن النحل يحمل ضرها ... لأجل الذي تجنيه من خالص الشهد )
( كذلك بذل النفس سهل لذي النهى ... لما يكسب الإنسان من شرف الحمد )
( ألست ترى كف ابن جانة طالما ... أضاع كريم المال في طلب المجد )
وكتب ابن المؤلف على هذه القصيدة ما صورته عارضة قوية ونزعة خفاجية وكيف لا والشيخ أبو عبدالله صدر صدور الأندلس علما ونظما ونحوا زاده الله تعالى من فضله انتهى
رجع الى الترجمة قال لسان الدين وقال يعني ابن جابر
( عرج على بان العذيب ونادي ... وانشد فديتك أين حل فؤادي )
( وإذا مررت على المنازل بالحمى ... فاشرح هنالك لوعتي وسهادي )
( إية فديتك يا نسيمة خبري ... كيف الأحبة والحمى والوادي )
( يا سعد قد ... بان العذيب وبانه ... فانزل فديتك قد بدا إسعادي )
( خذ في البشارة مهجتي يوما إذا بان العذيب ونور حسن سعاد )
( قد صح عيدي يوم أبصر حسنها ... وكذا الهلال علامة الأعياد )
ومما نقلته من جزء قيده لي صاحبنا الفقيه الأستاذ أبو علي الزواوي مما ادعاه لنفسه
( علي لكل ذي كرم ذمام ... ولي بمدارك المجد اهتمام )
( وأحسن ما لدي لقاء حر ... وصحبة معشر بالمجد هاموا )
( وإني حين أنسب من أناس ... على قمم النجوم لهم مقام )
( يميل بهم إلى المجد ارتياح ... كما مالت بشاربها المدام )
( هم لبسوا أديم الليل بردا ... ليسفر عن أديمهم الظلام )
( هم جعلوا متون العيس أرضا ... فمذ عزموا الرحيل فقد أقاموا )
( فمن كل البلاد لنا ارتحال ... وفي كل البلاد لنا مقام )
( وحول موارد العلياء منا ... لنا مع كل ذي شرف زحام )
( تصيب سهامنا غرض المعالي ... إذا ضلت عن الغرض السهام )
( وليس لنا من المجد اقتناع ... ولو أن النجوم لنا خيام )
ثم سرد لسان الدين القصيدة بتمامها وذكر بعد ما سبق اثنين وستين بيتا ولم نثبتها لطولها ثم قال بعدها نجزت وما كادت ثم قال بعدها أيضا وقد وطأ لإمطاء قروحها وأعيا لإكثار سروحها ثم قال بعده والله ولي النجاة بفضله انتهى
وكتب ابنه على أول القصيدة وهو علي لكل ذي كرم ذمام ما نصه نزعة معرية قاله ابن المؤلف رحمه الله تعالى انتهى
وكتب الشيخ ابن مرزوق على قوله نجزت إلى آخره ما صورته ما أنصف المصنف هذا الفاضل في ترجمته وقدره شهير ومكانه من الفضيلة كبير وعلمه غزير ولعله لم يطلع إلا على ما أودعه
وكتب إثره ابن لسان الدين ما صورته نعم يا سيدي أبا عبدالله ابن مرزوق لم ينصف المترجم به المؤلف ولولا أنهما بالحياة ما صدر منكم التنبيه ولو حصلا تحت الصفيح لم تعملوا فيهما قلما هكذا شأن الدنيا بقلة الوفاء شنشنة معروفة والحقد على الأموات شأن المغاربة قاله علي ابن المصنف رحمه الله تعالى انتهى
استطراد بأشعار ابن جابر
ولا خفاء أن لسان الدين لم يستوف حقوق الشمس ابن جابر الهواري المذكور مع أن له محاسن جمة ومن محاسنه رحمه الله تعالى( هناؤكم يا أهل طيبة قد حقا ... فبالقرب من خير الورى حزتم السبقا )
( فلا يتحرك ساكن منكم إلى ... سواها وإن جار الزمان وإن شقا )
( فكم ملك رام الوصول لمثل ما ... وصلتم فلم يقدر ولو ملك الخلقا )
( فبشراكم نلتم عناية ربكم ... فها أنتم في بحر نعمته غرقى )
( ترون رسول الله في كل ساعة ... ومن يره فهو السعيد به حقا )
( متى جئتم لا يغلق الباب دونكم ... وباب ذوي الإحسان لا يقبل الغلقا )
( فيسمع شكواكم ويكشف ضركم ... ولا يمنع الإحسان حرا ولا رقا )
( بطيبة مثواكم وأكرم مرسل ... يلاحظكم فالدهر يجري لكم وفقا )
( فكم نعمة لله فيها عليكم ... فشكرا وشكر الله بالشكر يستبقى )
( أمنتم من الدجال فيها فحولها ... ملائكة يحمون من دونها الطرقا )
( كذاك من الطاعون أنتم بمأمن ... فوجه الليالي لا يزال بكم طلقا )
( فلا تنظروا إلا لوجه حبيبكم ... وإن جاءت الدنيا ومرت فلا فرقا )
( حياة وموتا تحت رحماه أنتم ... وحشرا فستر الجاه فوقكم ملقى )
( فيا راحلا عنها لدنيا يريدها ... أتطلب ما يفنى وتترك ما يبقى )
( أتخرج عن حرز النبي وحوزه ... إلى غيره تسفيه مثلك قد حقا )
( لئن سرت تبغي من كريم إعانة ... فأكرم من خير البرية ما تلقى )
( هو الرزق مقسوم فليس بزائل ... ولو سرت حتى كدت تخترق الأفقا )
( فكم قاعد قد وسع الله رزقه ... ومرتحل قد ضاق بين الورى رزقا )
( فعش في حمى خير الأنام ومت به ... إذا كنت في الدارين تطلب أن ترقى )
( إذا قمت فيما بين قبر ومنبر ... بطيبة فاعرف أين منزلك الأرقى )
( لقد أسعد الرحمن جار محمد ... ومن جار في ترحاله فهو الأشقى )
ومن محاسنه رحمه الله تعالى المقصورة الفريدة وهي قوله
( بادر قلبي للهوى وما ارتأى ... لما رأى من حسنها ما قد رأى )
( فقرب الوجد لقلبي حبها ... وكان قلبي قبل هذا قد نأى )
( يا أيها العاذل في حبي لها ... أقصر فلي سمع عن العذل بأى )
( لو أبصر العاذل منها لمحة ... ما فض باب عذله ولا فأى )
( سرحت طرفي طالبا شأو العلا ... وتابعا في حبها ما قد شأى )
( إني لأرعاها على تتبيعها ... عهدي ومثلي من وفى إذا وأى )
( من منصفي من شادن لم أرجه ... لحاجة من وصله إلا زأى )
( وإن قبضت النفس عن سلوانه ... مد أديم هجره لي وسأى )
( لأقطعن البيد أفري حاذها ... بضامر يفري الحصى إذا جأى )
( حتى أزور ربة الخدر وقد ... ذاد الكرى عني الوشاة وذأى )
( يا رب ليل قد تعاطينا به ... حديث أنس مثل أزهار الربى )
( في روضة تعانقت أعصانها ... إذ واصلت ما بينها ريح الصبا )
( نادمت فيها من بني الحسن رشا ... يصبو له من لم يكن قط صبا )
( حلو رخيم الدل في أعطافه ... لين وفي ألحاظه بيض الظبي )
( أيام كان العيش غضا حسنه ... عذب الجنى ريان من ماء الصبا )
( أي زمان ومحل للمنى ... ما ضاق مغناه بنا ولا نبا )
( يا مربعا ما بين نجد والحمى ... ويا زمانا قد حباني ما حبا )
( الله يرعاه زمانا لم يحل ... عن بذل ما نأمله ولا أبى )
( فأي مغنى آهل يممته ... لمقصد حلت لنا فيه الحبا )
( هل ترجع الأيام عيشا باللوى ... فراقه كان اللهيم الأربى )
( تالله لا أعبا بعيش قد مضى ... ولا زمان قد تعدى وعتا )
( مذ علقت كفي بالهادي الذي ... ساد الورى طفلا وكهلا وفتى )
( كالبحر لا يغيض يوما ورده ... لوارد إذا أصاف أو شتا )
( متصل البر لمن قد أمه ... لا يكره العودة ممن قد أتى )
( ولا يناجي نفسه في ضيقة ... أي نهار سر هذا ومتى )
( إن رسول الله مصباح هدى ... يهدي به من في دجى الليل متا )
( كف بني الجور بعدل واضح ... كما تكف اليد كفا من فتى )
( كم ذي هوى قد راضه بهدية ... فانقاد كالعبد إذا العبد قتا )
( قد خالط الحلم سجايا طبعه ... كمثل ما قد خالط الثوب الستا )
( أقسمت لا زلت أوالي مدحه ... ما اشتد بالناس زمان ورتا )
( لولا اشتياقي لديار كرمت ... لبعدها يرثي لنا من قد رثى )
( ومدح من أرجو بأمداحي له ... إصلاح ما قد عاث مني وعثا )
( لم أجعل الشعر لنفسي خلة ... ولم يجش فكري به ولا غثا )
( فما أرى الأيام تبدي منصفا ... ولو حكيت المسك من حسن النثا )
( يا ضيعة الألباب في دهر غدا ... فيه فتيت المسك يعلوه الخثى )
( يا ويل أم ليس تزجي ضيمها ... مثلي بما تبديه من منع الحثا )
( هل مارست إلا أخا عزم إذا ... ما قعد الناس عن الخطب جثا )
( تسيل من جهد السرى أعطافه ... كمثل ما سال من الدوح اللثى )
( له اعتصام بالرسول المجتبى ... أجود من أضفى العطايا وحثا )
( من ليس للدنيا محل عنده ... ولا ينيل المال إلا بالحثا )
( أنا الفتى لا يطبيني طمع ... فأبذل الوجه لنيل يرتجى )
( لكن إذا اضطر زمان جائر ... أملت من ليس يرد من رجا )
( لا أسأل النذل ولو أني به ... أملك ما حاز النهار والدجى )
( حسبي بنو عبد مناف بهم ... يغني من استغنى وينجو من نجا )
( أولئك القوم الألى من أمهم ... أمن ممن لام يوما وهجا )
( يلقاك منهم كل وجه مشرق ... كأنه البدر إذا الليل سجا )
( إني مذ أملتهم لم يثنني ... عن طلب المجد زمان قد شجا )
( إن أنا قد نكرني دهر عدا ... فطالما عرفني فضل الحجى )
( يطوي العدا ذكري ومجدي ناشري ... آليت لا زال لهم مني شجا )
( أنا الذي أعملت للمجد السرى ... لا أسأم الأين ولا أشكو الوجى )
( كم سرت في البيداء لا يقلقني ... حر الهجير لا ولا برد الضحى )
( أرسلها غر الذرا تسري بنا ... كل عويص السير صعب المنتحى )
( يطيح مفتوت الحصى من دونها ... كأنه سهم عن القوس طحا )
( فكم بذلت الجهد في كسب العلا ... وجدت بالنفس لحاني من لحا )
( أرغم أعداي بحزم نافذ ... يعركهم عرك الثفال بالرحى )
( أذود عن عرضي وأحمي حسبي ... بكرم جزل ومجد قد ضحا )
( أقسم بالبيت ومن طاف به ... ومن نحا وجهته فيمن نحا )
( وكل من أعمل لله الخطا ... محا بها من الخطايا ما محا )
( ومعشر ثجوا وعجوا فلهم ... بمرتقى المروة ذكر ووحى )
( لا زلت أزجيها لإدراك العلا ... حتى ترى من جهدها مثل اللحا )
( يا عجبا من حاسد لي قد زها ... بعيشه الغض علي وانتخى )
( كأنني لم أعرف العز ولا ... صاحبت دهري في سرور ورخا )
( وإنما الدهر له تقلب ... إن ارتخى شد وإن شد ارتخى )
( إن الذي لا ينثني عن جوده ... إن بخل الدهر لنا وإن سخا )
( خير الورى طرا من الله به ... أذهب عنا كل غي فامتخى )
( شرفه الله وحلى جيده ... بجوهر من كل مجد موتخى )
( زينه تواضع على علا ... فما ازدهى بعزة ولا نخا )
( فكم حمى بهديه وكم وقى ... وكم أفاد آملا وكم نخا )
( خلص من أسر الخطايا جاهه ... فما على قلب امرىء منها طخا )
( خفف عنا ثفل ما نحمله ... فلم نبت من ثقله نشكو السخا )
( إن تحسب الرسل سماء قد بدت ... فإنه في أفقها نجم هدى )
( وإن يكن كل كريم قد مضى ... طلا فقد أضحى لنا غيث جدا )
( وإن يكونوا أنجما في فلك ... فإنه من بينهم بدر بدا )
( واسطة السلك إذا ما نظموا ... وملجأ القوم إذا الخطب عدا )
( كالبحر بل كالبدر جودا وسنا ... فحبذا من اجتدى أو اقتدى )
( أحسن أخلاقا من الروض إذا ... ما اختال في برد الصبا أو ارتدى )
( وساقط القطر عليه دمعه ... فابتل برد الزهر منه وانتدى )
( تفديه نفسي من شفيع للورى ... وقلت النفس له مني فدا )
( هو الذي أنعشنا من بعد ما ... قد يبس الغصن وأذواه الصدى )
( وكنت في ليل الهوى ذا حيرة ... فجاء بالحق وأنجى وهدى )
( فكم كسا من ثوب نعمى قد ضفا ... وكم هدى بعلمه وكم غذا )
( من اقتدى بغيره فإنه ... لم يتبع سبل الهدى ولا حذا )
( هل هي إلا سنة الحق التي ... أرشد من لاذ بها أو احتذى )
( كف اللسان وانبساط الكف بال ... وطيب الذكر هم قد شذا )
( أحسن ما نال الفتى من كرم ... أن لا يرى من أجله من ائتذى )
( والصمت عما لا يفيد قوله ... من كلم يهذي به فيمن هذى )
( لا شيء كالصمت وقارا للفتى ... يوما ولا أنجى له من الأذى )
( من عيبه يشغله عن غيره ... بات سليم العرض نفاح الشذا )
( ومن يعب عيب ومن يحسن إذن ... لان له كل عصي وخذا )
( ومن تكن دنياه أقصى همه ... لم يرو من ثدي الحجى ولا اغتذى )
( لا تنفق العمر سوى في حب من ... هو الذي في سنن الحق جرى )
( يهديك من رشد ومجد واضح ... روضين من علم وذكر قد سرى )
( أجاد هديا وأفاد نائلا ... وجاد حتى حمم الجود الورى )
( ترى بني الحاجات نحو بابه ... قد أعملوا العيس بحزن في البرى )
( لهم إلى رؤيته تشوق ... تشوق الساري إلى نار القرى )
( ذا يبتغي علما وهذا نائلا ... وخائب من قصده ليس يرى )
( كأنهم إذا رأوا غرته ... وفد حجيج عاينوا أم القرى )
( وجه لديه يحمد السير كذا ... عند الصباح يحمد القوم السرى )
( هدا إذا ما أخلف الناس وفى ... نائي المدى في مجده سامي الذرا )
( إذا شددت الكف في أمر به ... فليس بالواني ولا الواهي العرى )
( أنهضني بهديه إلى التقى ... بعد قصور العزم والباع الوزى )
( هو الشفيع المجتزى بجاهه ... بمثل ذاك الجاه حقا يجتزى )
( مذ زرته لم أشك من شحط النوى ... إذ كان لي فيه غنى ومجتزى )
( وما وجدت غربة ولم يجد ... مس اغتراب من إلى الجود اعتزى )
( متصل البشر غضوب للهدى ... إذا رأى من زاغ عنه أو نزا )
( أصبح من أيامه في مأمن ... من قد لجا يوما إليه أو رزى )
( تخذته كهفا فبت آمنا ... جزاه رب العرش خير ما جزى )
( أدبنا بسنة أفلح من ... نمى إليها النفس يوما أو عزا )
( يجزي أخا الحسنى على إحسانه ... شكر امرىء راض الأمور وحزا )
( لست أجازي الشر بالشر ولا ... أغزو لناوي السوء مثل ما غزا )
( لم تر عين كرسول الله ذا ... حزم ولا أحلم إن دهر غزا )
( إذا ملمات الأمور قلقلت ... ألفيته كأنه طود رسا )
( بخلقه فليقتد المرء فما ... أكرمها من مقتدى ومؤتسى )
( كن حذرا وإن رأيت تمرة ... فمثلها توقد جمرة الأسى )
( لا تيأسن إن تناءى أمل ... وكلما عثا زمان قد عسا )
( وإن بدا صبح المشيب فاطرح ... ما كان إذ ليل الشباب قد غسا )
( ولا تظن الشيب يرجى طبه ... بزور صبغ أو مدام يحتسى )
( إذا الفتى قوس واعتد العصا ... لقوسه عن وتر أعيا الأسا )
( فاذكر زمان الشيب في حال الصبا ... عسى يلين للتقى قلب قسا )
( ما أقبح اللهو على المرء إذا ... ما اشتعل الرأس مشيبا واكتسى )
( لا تحسب الراحة راحا قراقفا ... للشرب منها قبس ومنتشى )
( إذا أداروها وقد جن الدجى ... وشى بهم نيرها فيمن وشى )
( قد حجبت في دنها دهرا إلى ... أن برزت كأنها صبح فشا )
( لم يبق من جوهرها إلا سنا ... ينشىء أفراح الفتى إذا انتشى )
( كأنها والكأس قد حفت بها ... متيم أصبح مضروم الحشا )
( يديرها مختلف الحسن إذا ... أقبل بدر وإذا تاه رشا )
( يحكي القطا والظبي والغصن إذا ... ما قد تثنى أو تجنى أو مشى )
( وإنما الراحة زهد المرء في ... أعراض دنيا تورث العين غشا )
( والمجد إيقادك نيران القرى ... يعشو لها في الأزمات من عشا )
( والجود أن تعطي قباء للندى ... لا لافتخار أو لجاه يختشى )
( خاب أمرؤ لم ير أرضا حلها ... من اصطفى رب السماء وانتصى )
( أرسله الله هدى ورحمة ... أوصى ووالى الخير فينا ووصى )
( وخلص الأنفس من أسر الهوى ... في يوم هول فاز فيه من فصى )
( ذو رأفة تلقاه يوم العرض قد ... مال بناعن الجحيم ومصى )
( صلى عليك الله يا من جاهه ... يوم الحساب ملجأ لمن عصى )
( يا من جرى من كفه الماء ومن ... حن له الجذع وسبح الحصى )
( بك اعتصامي يوم يدنو من دنا ... من رحمة الله ويقصى من قصا )
( هل غير إحسانك يرجو مذنب ... طال به خوف الخطايا وانتصى )
( يا من سما في يوم بدر بدره ... عزا ليشقى كل من شق العصا )
( أحصاهم رب السماء عددا ... وإنهم أدنى الفريقين حصى )
( يا مجتبى من خير قوم حسبا ... فيما أتى من زمن وما مضى )
( يا من تدانى قاب قوسين ومن ... قيل له سل تعط قد نلت المضا )
( ومن أتى والناس من ظلمهم ... في ظلمة ليس لها من مرتضى )
( فكان كالصبح جلا جنح الدجى ... فأذهب الإظلام عنا وانتضى )
( رضيت للإرسال إذ آدم بي ... ن الماء والطين فكنت المرتضى )
( اختارك الله رسولا هاديا ... أكرم بما اختار لنا وما قد ارتضى )
( يا أحلم الناس على من قد جنى ... وأعدل الخلق إذا ما قد قضى )
( يا مصغر الألف إذا ما جاد أو ... جرد في الهيجاء سيفا أو نضا )
( يا ناصحا أحكم تشييد الهدى ... عزما فلما ينتقض و لا انقضى )
( يا مضفيا للناس ظل رحمة ... بات العدا منها على جمر الغضا )
( ادفع الشر بحسنى فإذا ... به أخو صدق وإن كان سطا )
( وانف لنفس كرهت أعمالها ... كمن يريك قدرها حث الخطا )
( إن يدرك الهوى الفتى في بيته ... ليس كمن سعى إليه وخطا )
( وإن خيرا من صديق سيء ... أن يصحب الإنسان في البيد القطا )
( ولا ترم ما لا تطيق نيله ... فخجلة الخيبة شر ممتطى )
( وبت من الدنيا مبات خائف ... فلليالي عدوات وسطا )
( وخلها عنك ولا تعبأ بما ... تبوأ المكثر منها وعطا )
( وجنب الحرص تعش ذا عزة ... أفلح من إن شده الحرص نطا )
( ولا تجد للنفس خظا واطرح ... من امتطى الكبر فبئس ما امتطى )
( لا تطرين صاحبا بغير ما ... فيه فإطراء الفتى كسر المطا )
( لا يحسن المدح سوى لمن يرى ... مادحه بمدحه قد احتظى )
( خير عباد الله ذو العز الذي ... لظله يأوي الشريف الشظى )
( كم آمن ببابه وقبل أن ... يلقاه لاقى ما عجا وما عظا )
( أصبح من حرمته في حرم ... يرفل في ظل هبات وحظا )
( في منزل سيان فيه ربه ... وضيفه فيما اقتنى وما حظا )
( إن رسول الله غيث واكف ... إذا لهيب الصيف داج والتظى )
( إذا أعد للملمين القرى ... لم يدخر عن ضيفه ولا حظا )
( لما علمت جوده الجزل وما ... هناك من علم وحلم وبظا )
( يممته فوق طمر ضامر ... منتظم الأعضاء ملموم الشظا )
( ليس يمس الأرض من سرعته ... كأنما يخشى بها مس اللظى )
( يا موسع الألف بصاع شبعا ... ومن مشى الدوح إليه وسعى )
( وأخصب الضرع بلمس كفه ... وبادر المزن له لما دعا )
( وسلم الظبي عليه كرما ... وكلم الميت فقام ورعى )
( واستشهد الضب فحيا معلنا ... بصدقه ومثبتا لما ادعى )
( إليك أعملت المطايا في الفلا ... تنساب ما بين أراك ولعا )
( مسوغا جاهك علي في غد ... أكون ممن قد أجاد ورعا )
( أزكى صلاة وسلام أبدا ... عليك ما ارتاح الظليم وارتعى )
( وسبح الرعد بحمد من سقى ... صوب الحيا فقال للأرض لعا )
( فاشتملت بالنور كل فدفد ... لم يك للسارح فيه فيه مرتعى )
( وباكر البيداء غيث مسبل ... فأخلف النبت الهشيم ورعى )
( ودق سحاب تحسب البرق به ... أسنة قد أشرعت يوم وغى )
( واخضرت الدوح ومدت قضبها ... فبينها حسن التئام وصغا )
( وساقطت لها السحاب حملها ... إذ خوف الرعد تساقط الفغا )
( ترى خرير الماء في قضيبه ... كأنه ميت ذود قد رغا )
( فسكن القيظ لهيب حرة ... وفر لما أن رأى الماء طغى )
( غيث حمى الرمضاء عنا مثلما ... حمى رسول الله جور من بغى )
( ناه عن الفحشاء داع للهدى ... لم ينتطق بباطل ولا لغا )
( هذا إذا استكفيت في أمر به ... أجداك فيما تنتحيه وكفى )
( تهفو به ريح العلا إلى الندى ... كأنه ناعم غصن قد هفا )
( محيي الهدى والعدل في زمانه ... من بعد ما الفاهما على شفا )
( أخفى الهدى قوم فأضحى وهو قد ... أظهره بعد له فما اختفى )
( إن يقض يعدل أو متى يسأل يهب ... وإن يقل يصدق وإن يعد وفى )
( وإن يجد يجزل وإن جاد يعد ... وإن تسىء يحسن وإن تجن عفا )
( بحر طما بدر سما عضب حمى ... روض نما طب أفاد وشفى )
( لمجتد أو مقتد أو معتد ... أو مجدب أو مشتك خطبا جفا )
( ما لي لا أضفي له المدح وقد ... أضحى به الحق علينا قد ضفا )
( أسس خلق الجود فينا فاغتدى ... به لنا ورد المعالي قد صفا )
( الجود يعلي المرء والبخل لقد ... يحط عن رتبته من ارتقى )
( والعز ما أحسنه لكنه ... إن كان هذا مع علم وتقى )
( والجهل للإنسان عيب قادح ... ولو حوى مالا ككثبان نقا )
( والعلم في حال الغنى والفقر لا ... يزال يرقى بك كل مرتقى )
( ولا ألوم المال فالمال حمى ... من جاهل يلقاك شر ملتقى )
( قد جبل الناس على حب الغنى ... فربه فيهم مهاب متقى )
( وما لذي الفقر لديهم رتبة ... ولو أفاد وأجاد واتقى )
( إن الغنى طب لعلات الفتى ... والفقر داء لا تداويه الرقى )
( والحزم أحرى ما به المرء اقتدى ... في أمره وما به النفس وقى )
( من لم يبت مع الليالي حازما ... لغدرها غادرنه فيها لقى )
( أمضيت طرفي كي يرى طرفي ما ... أخبرته من طيب مجد قد زكا )
( فصدق الحاكي ما أبصرته ... وفاق ما عاينته ما قد حكى )
( فسهلت رؤيته جهد السرى ... وأشكت الأيام من كان شكا )
( عجبت للأيام من عز بها ... ذل ومن يضحك بها يوما بكى )
( فكم لها من كرة على فتى ... جلد إذا ما لهب الحرب ذكا )
( تجتنب الأسد سطاه في الوغى ... فذل حتى صار قصواه بكا )
( وكم صريع غادرت ليس له ... من ملجإ يوما ولا من مشتكى )
( عدت على نفس عدي وسقت ... منها ابن حجر كأس سم كالذكا )
( واستلبت ملك بني ساسان لم ... تترك له على الليالي مرتكى )
( لم يأمن المأمون من صولتها ... ولا ابن هند من عواديها خلا )
( وأتبعت جعفرا الفضل وكم ... بات الطلا يسقيهما صرف الطلا )
( وغالت الزباء في منعتها ... فأظفرت عمرا بها فما ألا )
( وأنفذت في آل بكر حكمها ... وجرعت مهلهلا كأس البلى )
( وكم سبت من سبإ من نعمة ... فمزقوا في كل قفر وفلا )
( وأهلكت عادا وأفنت جرهما ... وزودت منها تميما بالصلى )
( فرعون موسى أولجت في لجة ... فمات قهرا بعد عز وعلا )
( وأظفرت بابن زياد مثلما ... أفنت يزيد حسرة لما اعتلى )
( وسيف استلته من غمدانه ... من بعد ما قد خضعت له الطلى )
( ثم أعادته فحز الجيش عن ... حوزته حز النبات المختلى )
( هي الليالي ليس يرعى صرفها ... لا خاملا فيها ولا من قد سما )
( ولا سول الله فينا لم يزل ... كهف حمى فهو لنا نعم الحمى )
( لله ما أكرمه من سيد ... ينمى من المجد لأعلى منتمى )
( سليم صدر ذو وفاء لم يجش ... في صدره غش امرىء ولا غمى )
( أوسعنا فضلا فما خاب امرؤ ... أوى إلى ذاك الجناب وانتمى )
( يا من غدا للخلق كهفا وحمى ... فأكرم المثوى وآوى وحمى )
( إنا أتينا من ديار دونها ... موحشة بيداء أو بحر طما )
( وإنني من قبح ما أسلفته ... ذو كبد رضيت ودمع قد همى )
( فلا تخيبني مما لك من ... شفاعة ترجى وفضل قد نما )
( إنك من قوم بهم يشفى العنا ... ويدرك الشأو البعيد المرتمى )
( أعرض عن الجاهل مهما قد أسا ... وحسبه من جهله ما قد حوى )
( ولا تلم ذا سفه فإنه ... إن لمته لم يتئد ولا ارعوى )
( وإن رأيت من كريم عثرة ... فقل لعا ولا تعب بما احتوى )
( وإن ترعك من زمان فرقة ... فاصبر لها فالصبر أشفى للجوى )
( وإن أشكر البعد على خير حمى ... قد صدني عن أنسه شحط النوى )
( يا منزلا ما بين نجد والحمى ... ويا ديارا بين كثبان اللوى )
( هل لي إلى تلك المعالي عودة ... أو جرعة من ذلك الماء الروى )
( لا تعجبوا من لعب الدهر بنا ... فأي إنسان على حال سوا )
( إن عشت لاقيتهم وإن أمت ... فإنما الدنيا فناء وتوى )
( إن رسول الله مذ أملته ... فالدهر قد أضمر نصحي ونوى )
( إي والذي ما زال يسري جاهدا ... حتى أتى ميقاته وما ونى )
( فقدم الغسل وصلى ونضا )
( أثوابه مستغفرا مما جنى )
( ثم نوى ملبيا ثم مضى ... حتى رأى ذات السناء والسنى )
( ثم أتى باب بني شيبة قد ... أبصر ما أمل قدما مذ دنا )
( فقبل الركن وطاف وسعى ... ثم مضى مرتحلا نحو منى )
( ثم أتى الموقف يدعو راغبا ... حتى إذا ما نفر القوم انثنى )
( ثم رمى ثم أفاض وانبرى ... معتمرا قد نال غايات المنى )
( ثم مضى مرتحلا فيمن مضى ... ميمما طيبة لا يشكو العنا )
( يبغي التي شرفها الله بمن ... شاد به الدين القويم وابتنى )
( فلم يكن ممن إذا حج جفا ... بل يمم القبر وزار واعتنى )
( خلق على لم يحوها إلا امرؤ ... نهاه عن نبذ العلا رعي النهى )
( فإن يقل من حازها قل الذي ... له تسامى كل مجد وانتهى )
( معتصم الراجين إن خطب دنا ... وكهفهم إن راع أمر ودهى )
( المرشد الناصح لله فما ... قصر في نصر الهدى ولا لها )
( من جد في إدراك ما رام يجد ... ولم يصب من قد توانى وسها )
( فلا يقصر بك خوف خيبة ... من خيل الخيبة في البدء وهى )
( واكتسب الحمد بما تبديه من ... فتح اللها بمستدامات اللها )
( واحرص على المجد ودنياك اطرح ... فأمرها أمر زهيد المشتهى )
( والمرء من إن فاته لم يكتئب ... وإن ينل لم يفتخر ولا ازدهى )
( من لازم الكبر على الناس اغتدى ... متضع القدر ولو نال السها )
( أنى تخيب اليوم آمالي ولي ... من كفه أكرم من صوب الحيا )
( يدني الفتى إلى مدى آماله ... ولو غدا من دونها الأرض الليا )
( إن أهزل القوم زمان معور ... أنعشهم حتى يرى لهم حيا )
( وإن أمات الجدب كل مخصب ... بدا لنيران القرى منه حيا )
( أرسل سحب هديه جارية ... بالحق حتى حيي الدر حيا )
( أوقع في الأنفس من ماء لدى ... ظام إذا ما اشتد بالشمس الحيا )
( لم تعي من فعل جميل كفه ... ولا له في المكرمات معتيا )
( ما لي لا أبلغ أقصى غاية ... في مدح من بالغ جودا واغتيا )
( لكل شخص غاية يبلغها ... وما له في المعلوات مغتيا )
( تعيا يد السائل من معروفة ... ولم يقصر كرما ولا اعتيا )
( والآن قد أكملتها في مدحه ... مقصورة يقصر عنها من خلا )
( ضمنتها من كل فن دررا ... نظما فأضحت من نفيسات الحلى )
( حليتها جيد معاليه وما ... أملح حلي المدح في جيد العلا )
( جعلتها مني وداعا فاعتجب ... لنظمها الحلو الجنى كيف حلا )
( من قارب الرحلة عن ذاك الحمى ... كيف أجاد النظم يوما أو درى )
( أرسلتها من خاطر خامره ... وجد جلا عن مقلتي طيب الكرى )
( وكيف لا آسى على بعدي عن ... قوم جرى من جودهم ما قد جرى )
( أنصار دين الله والهادي الذي ... لولا وضوح هديه ضل الورى )
( فالقلب بين مشرق ومغرب ... مقسم اللوعة مجذوب العرى )
( إذا ذكرت الغرب حنت مهجتي ... وبل دمعي من جوى الشوق الثرى )
( وإن ذكرت حب من في مشرق ... أبطأ في حبهم عن السرى )
( إن يصف من وجه لشخص مورد ... كدر من أخرى فلا صفو يرى )
( فإن ترحلت فقلبي عندكم ... لم يرتحل عن بابكم ولا سرى )
( ولا تزال رسل شوقي أبدا ... تترى على مجدكم الجزل الندى )
( ولن تمر ساعة إلا هفا ... بذكركم مفصح نظمي وشدا )
( فليس عندي للنجاة مخلص ... إن لم يكن منكم نوال أو جدا )
( بكم ملاذي وحماكم ملجئي ... ليس سوى ذاك السماح المجتدى )
( وما ذخرنا عدة سواكم ... مثلكم من يرتجى ويحتدى )
( لا أوحش الله ديارا أنتم ... فيها ولا أزرى بمرعاها الصدى )
( ولا نأت داركم ولا خلا ... ربعكم ما راح يوم واغتدى )
ومن محاسنه أيضاالبديعية المشهورة وهي المعروفة ببديعية العميان ولو لم يكن من محاسنه إلا قصيدته التي في التورية بسور القرآن ومدح النبي لكفى وهي من غرر القصائد وكثير من الناس ينسبها للقاضي
الشهير عالم المغرب أبي الفضل عياض وكنت أنا في أول الاشتغال ممن يعتقد صحة تلك النسبة حتى وقفت على شرح البديعية الموصوفة لرفيقه أبي جعفر فإذا هي منسوبة للناظم ابن جابر وهي
( في كل فاتحة للقول معتبره ... حق الثناء على المبعوث بالبقره )
( في آل عمران قدما شاع مبعثه ... رجالهم والنساء استوضحوا خبره )
( من مد للناس من نعماه مائدة ... عمت فليست على الأنعام مقتصره )
( أعراف نعماه ما حل الرجاء بها ... إلا وأنفال ذاك الجود مبتدره )
( به توسل إذ نادى بتوبته ... في البحر يونس والظلماء معتكره )
( هود ويوسف كم خوف به أمنا ... ولن يروع صوت الرعد من ذكره )
( مضمون دعوة إبراهيم كان وفي ... بيت الإله وفي الحجر التمس أثره )
( ذو أمة كدوي النحل ذكرهم ... في كل قطر فسبحان الذي فطره )
( بكهف رحماه قد لاذ الورى وبه ... بشرى ابن مريم في الإنجيل مشتهره )
( سماه طه وحض الأنبياء على ... حج المكان الذي من أجله عمره )
( قد أفلح الناس بالنور الذي غمروا ... من نور فرقانه لما جلا غرره )
( أكابر الشعراء اللسن قد عجزوا ... كالنمل إذ سمعت آذانهم سوره )
( وحسبه قصص للعنكبوت أتى ... إذ حاك نسجا بباب الغار قد ستره )
( في الروم قد شاع قدما أمره وبه ... لقمان وفق للدر الذي نثره )
( كم سجدة في طلى الأحزاب قد سجدت ... سيوفه فأراهم ربه عبره )
( سباهم فاطر السبع العلا كرما ... لمن بياسين بين الرسل قد شهره )
( في الحرب قد صفت الأملاك تنصره ... فصاد جمع الأعادي هازما زمره )
( لغافر الذنب في تفصيله سور ... قد فصلت لمعان غير مختصره )
( شوراه أن تهجر الدنيا فزخرفها ... مثل الدخان فيعشي عين من نظره )
( عزت شريعته البيضاء حين أتى ... أحقاف بدر وجند الله قد نصره )
( فجاء بعد القتال الفتح متصلا ... وأصبحت حجرات الدين منتصره )
( بقاف والذاريات الله أقسم في ... أن الذي قاله حق كما ذكره )
( في الطور أبصر موسى نجم سؤدده ... والأفق قد شق إجلالا له قمره )
( أسرى فنال من الرحمن واقعة ... في القرب ثبت فيه ربه بصره )
( أراه أشياء لا يقوى الحديد لها ... وفي مجادلة الكفار قد نصره )
( في الحشر يوم امتحان الخلق يقبل في ... صف من الرسل كل تابع أثره )
( كف يسبح لله الحصاة بها ... فاقبل إذا جاءك الحق الذي قدره )
( قد أبصرت عنده الدنيا تغابنها ... نالت طلاقا ولم يصرف لها نظره )
( تحريمه الحب للدنيا ورغبته ... عن زهرة الملك حقا عندما نظره )
( في نون قد حقت الأمداح فيه بما ... أثنى به الله إذ أبدى لنا سيره )
( بجاهه سال نوح في سفينته ... سفن النجاة وموج البحر قد غمره )
( وقالت الجن جاء الحق فاتبعوا ... مزملا تابعا للحق لن يذره )
( مدثرا شافعا يوم القيامة هل ... أتى نبي له هذا العلا ذخره )
( في المرسلات من الكتب انجلى نبأ ... عن بعثه سائر الأخبار قد سطره )
( ألطافه النازعات الضيم في زمن ... يوم به عبس العاصي لما ذعره )
( إذ كورت شمس ذاك اليوم وانفطرت ... سماؤه ودعت ويل به الفجره )
( وللسماء انشقاق والبروج خلت ... من طارق الشهب والأفلاك منتثره )
( فسبح اسم الذي في الخلق شفعه ... وهل أتاك حديث الحوض إذ نهره )
( كالفجر في البلد المحروس غرته ... والشمس من نوره الوضاح مستتره )
( والليل مثل الضحى إذ لاح فيه ألم ... نشرح لك القول في أخباره العطره )
( ولو دعا التين والزيتون لابتدرا ... إليه في الحين واقرأ تستبن خبره )
( في ليلة القدر كم قد حل من شرف ... في الفخر لم يكن الإنسان قد قدره )
( كم زلزلت بالجياد العاديات له ... أرض بقارعة التخويف منتشره )
( له تكاثر آيات قد اشتهرت ... في كل عصر فويل للذي كفره )
( ألم تر الشمس تصديقا له حبست ... على قريش وجاء الروح إذ أمره )
( أريت أن إله العرش كرمه ... بكوثر مرسل في حوضه نهره )
( والكافرون إذا جاء الورى طردوا ... عن حوضه فلقد تبت يدا الكفره )
( إخلاص أمداحه شغلي فكم فلق ... للصبح أسمعت فيه الناس مفتخره )
( أزكى صلاتي على الهادي وعترته ... وصحبه وخصوصا منهم عشره )
( صديقهم عمر الفاروق أحزمهم ... عثمان ثم علي مهلك الكفره )
( سعد سعيد عبيد طلحة وأبو ... عبيدة وابن عوف عاشر العشره )
( وحمزة ثم عباس وآلهما ... وجعفر وعقيل سادة خيره )
( أولئك الناس آل المصطفى وكفى ... وصحبه المقتدون السادة البرره )
( وفي خديجة والزهرا وما ولدت ... أزكى مديحي سأهدي دائما درره )
( عن كل أزواجه أرضى وأوثر من ... أضحت براءتها في الذكر منتشره )
( أقسمت لا زلت أهديهم شذا مدحي ... كالروض ينثر من أكمامه زهره )
معارضات لقصيدة ابن جابر في تضمين السور
انتهت القصيدة وقد عارض منحاها جماعة فما شقوا لها غبارا ومن معارضاتها قول بعضهم( بسم الإله افتتاح الحمد والبقره ... مصليا بصلاة لم تزل عطره )
( على نبي له الرحمن ممتدح ... في آل عمران أيضا والنسا ذكره )
( كذا بمائدة الأنعام فضله ... ووصفه التم في الأعراف قد نشره )
( أنفاله نزلت أيضا براءة من ... يحبه وهو مشغول بما أمره )
( به نجا يونس من حوته ونجا ... هود ويوسف من سجن به عبره )
( أقسم برعد بإبراهيم أن له ... في حجر نحل ترى الآيات مشتهره )
( سبحان جاعله كهفا لأمته ... ومريم زوجة في جنة نضره )
( طه به الأنبيا للحج قد وفدوا ... والمؤمنون على النور اقتفوا أثره )
( آيات فرقانه ذلت لها الشعرا ... سورة النمل قد قصت لنا سيره )
( والعنكبوت على غار له نسجت ... والروم ولت برعب منه منكسره )
( لقمان حكمته من بعض حكمته ... فاسجد لرب على الأحزاب قد نصره )
( كم في سبا عبرة للقلب قد فطرت ... فلذ بياسين تنجو يا أخا البرره )
( قد صفت الأنبيا والرسل قاطبة ... خلف النبي بأمر الله مؤتمره )
( إن صاد قلبي الهوى تنزيل منقذه ... وغافر الذنب كم ذنب له غفره )
( كم خلعة فصلت للطائعين له ... وأمرهم بينهم شورى بلا نكره )
( لم تلههم زينة الدنيا وزخرفها ... كانوا يروها كدخان له قتره )
( إذا جثا الخلق والأحقاف قد شرفت ... فذاك يوم على الكفار قد نصره )
( محمد خص بالفتح المبين وقد ... أتاه في الحجرات الوحي بالخيره )
( قاف الوفاق وذر الطور نجم هدى ... وشق رب السما للمصطفى قمره )
( رحمن واقعة كل الحديد بها ... كم من مجادلة في الحشر محتذره )
( من يمتحن صفنا في يوم جمعتنا ... فليس يلفى به غش ولا كدره )
( مطهر من نفاق ليس بينهم ... تغابن طلقوا دنياهم القذره )
( وحرموها وفي ملك لها زهدوا ... كزهد صاحب نون حققن خبره )
( إن تسألوني عن نوح نبي هدى ... والمصطفى سامع الجن الذي جهره )
( مزمل اسمه مدثر وله ... يوم القيامة للإنسان ما ضمره )
( للمرسلات نبا في يوم نازعة ... عبوس تكوير شمس في منفطره )
( مطفف الكيل قد بانت خسارته ... في يوم شق السما أبراجها النضره )
( كم طارق سبح الأعلى بغاشية ... والفجر بلدته بالشمس مستتره )
( والليل قمه ولا تترك صلاة ضحى ... يشرح لك الصدر والخيرات مدخره )
( بسورة التين اقرأ أنها نزلت ... في ليلة القدر والأنوار منتشره )
( ولم يكن مثل خير الرسل أحمدنا ... منه تزلزلت الكفار والفجره )
( بعاديات لها قرع بهامته ... أعمى التكاثر من قلب له بصره )
( من كان في عصره همازة أبدا ... يلقاه قبل قريش قاهر قهره )
( ويل لمانع ماعون تراه غدا ... مباعدا كوثر الهادي الذي أثره )
( الكافرون إذا جا نصر خالقنا ... تبا لهم لعنوا هم أمة كفره )
( أخلص لرب فرق الناس تنج إذا ... يوم المعاد غدا من شرة عسره )
( وصل رب على الهادي وعترته ... وآله وعلى أصحابه العشره )
وممن سلك هذا المنهج الشيخ القلقشندي إذ قال
( عوذت حبي برب الناس والفلق ... المصطفى المجتبى الممدوح بالخلق )
( إخلاص وجدي له والعذر يقلقني ... تبت يدا عاذل قد جاء بالملق )
( يهدي لأمته والنصر يعضده ... والكافرون وعذالي على نسق )
( هذا له كوثر والدين شرعته ... والمصطفى من قريش دين وتقي )
( ألم تر الماء قد سحت أصابعه ... ويل لكل جهول بالنبي وشقي )
( في كل عصر ترى آياته كثرت ... أضحى تكاثرها في سائر الأفق )
( وعند قارعة فهو الشفيع لنا ... والعاديات من الأجفان في طلق )
( وزلزلت من غرامي كل جارحة ... وكل بينة تحكي لكم علقي )
( يا عالي القدر رفقا مسني ضرر ... فالله قد خلق الإنسان من علق )
( ولو دعا التين والزيتون جاء له ... والشرح عنه طويل غير مختلق )
( يبدو كشمس الضحى والليل طرته ... كالشمس في بلد والفجر في أفق )
( إني بغاشية لولاك يا أملي ... أنت الشفيع إلى الأعلى وخير تقي )
( كم طارق منك بالإحسان يطرقني ... مثل البروج أتى في أحسن الطرق )
( وفي انشقاق فؤادي عبرة وبه ... ويل من الصد والأجفان في أرق )
( والانفطار به مما يكابده ... والشمس قد كورت في القلب ذي الحرق )
( والصب في عبس والنازعات به ... وقد أتى نبأ من دمعه الغدق )
( ومرسلات دم الإنسان جارية ... إلى القيامة من دمعي ومن حرقي )
( وبالمدثر إني ماسك أبدا ... وبالمزمل إن ألجمت بالعرق )
( فالجن والإنس في خير ببعثته ... هذا ونوح به أنجى من الغرق )
( وفي المعارج معراج الرسول علا ... حقا وفي حاقة كنز لمخترق )
( والله مرسله في نون بشره ... والملك خيره حتى رأى ولقي )
( وجاء بالحل والتحريم أمته ... وبالطلاق من الدنيا لمنطلق )
( وفي التغابن تجار به ربحوا ... إذ المنافق في خسر وفي نفق )
( يا صاحب الجمعة الغراء يا أملي ... في الصف عند امتحاني أنج من زلقي )
( وأنت في الحشر عوني في مجادلتي ... عسى تزيل حديد النار من عنقي )
( وعند واقعة إن كان لي رمق ... فاشفع إلى ربك الرحمن من رمقي )
( لم أرع يا قمري للنجم في سهر ... إلا لعلك من نار الجحيم تقي )
( قلبي الكليم غدا للطور مرتقيا ... ودر دمعي غدا بالذاريات سقي )
( وقاف يعجز عن حمل الغرام بكم ... وليس في حجرات الدمع من رمق )
( إنا فتحنا قتالا للعذول ففي ... أحقاف جاثية في الغيظ والحنق )
( دخان زخرف ما العذال فيه هبا ... شوراي تتركه في أنف محترق )
( وعز من فصلت في مدحه سور ... نبينا المصطفى الهادي إلى الطرق )
( فغافر الذنب كم أهدى به زمرا ... وكم سقى كفه صاد بمندفق )
( وليس غيرك في الصافات أقصده ... وأنت ياسين لي من سائر الفرق )
( يا فاطرا قد سبا الأحزاب طلعته ... كم سجدة لك في الأسحار والغسق )
( لقمان يشهد أن الروم تعرفه ... والعنكبوت فقد سدت عن الغلق )
( هذا ولي قصص بالنمل قد كتبت ... هامت بها الشعرا في خده اليقق )
( تبارك الله من بالنور كلله ... قد أفلح الحج لما زاره فوقي )
( يا أيها الأنبيا طه ختامكم ... ويا ابن مريم خذ من مسكه العبق )
( لاذوا بكهف لهم سبحان خالقه ... حتى أتى الأمر بعد الخوف والفرق )
( فالركن والحجر حقا قد أضاء له ... وذاك دعوة إبراهيم ذي الخلق )
( والله ربي برعب الرعد ينصره ... مسير شهر بلا سيف ولا درق )
( فيوسف مع هود والخليل إذا ... ويونس شربوا من كأسه الدهق )
( لتوبتي أرتجي الأنفال منه غدا ... فإنني رجل أضحيت في قلق )
( أعراف أنعام إنعام له اشتهرت ... وكم لمائدة أسدى لمرتزق )
( كل النسا لم تلد مثل الرسول إذا ... فينا وفي آل عمران ولم تطق )
( أعطيت خاتمة من سورة البقرة ... لم يعطها أحد فيما مضى وبقي )
( فأنت فاتحة الأنبا وخاتمهم ... وكلهم قد أتوا بالود والملق )
( والقلقشندي محب قال سيرته ... في مدح خير الورى الممدوح بالخلق )
( فاقبل هدية عبد أنت مالكه ... وانظر إليه فإن العبد في قلق )
( صلى عليك إله العرش ما طلعت ... ورقا على فنن والورق في الورق )
وهذه القصيدة وإن لم تلحق بلاغة قصيدة ابن جابر فهي مما يتبرك به والأعمال بالنيات
ووقفت على أخرى من هذا النمط هي بالنسبة إلى هذه كنسبة هذه إلى
قصيدة ابن جابر وهي
( بحمد إله العرش أستفتح القولا ... وفي آية الكرسي أستمنح الطولا )
( وفي آل عمران أتى ذكر أحمد ... نساؤهم بالعقد قد أنعموا القولا )
( بأعراف رحماه بأنفال جوده ... شرفنا وفضلنا وتبنا إلى المولى )
( له يونس نادى وهود ويوسف ... وذاكره في الرعد لا يسمع الهولا )
( ودعوة إبراهيم كان محمد ... وفي الحجر خير الخلق قد فضل الرسلا )
( له أمة كالنحل قد صح فضلهم ... فسبحان من أسرى بأحمدنا ليلا )
( علا فضله والناس في كهف نيله ... ومريم في الأخرى يكون لها بعلا )
( وطه له فضل على الخلق كلهم ... ولكن جميع الأنبياء علا فضلا )
( ولولاه ما حج المقام وكعبة ... فأفلح من قد طاف فيها ومن حلا )
( ومن نوره الوهاج كل منور ... وفرقانه قد أخمد الكفر والبطلا )
( ترى الشعرا كالنمل حول محمد ... إذا قصص في العنكبوت لهم تتلى )
( علا ديننا روما ولقمان عالم ... بأن السيوف أسجدت كل من ضلا )
( والاحزاب يسبيهم بحكمة فاطر ... وياسين قد صفت له الملأ الأعلى )
( وصاد جميع الكافرين بزمرة ... له غافر في الحرب قد فصلت فصلا )
( وشوراه في الدنيا بها كل زلفة ... وقد زخرف الكفار في دينهم جهلا )
( لقد رأوا الدخان حول بيوتهم ... بجاثية الأحقاف قد قتلوا قتلا )
( محمدنا لم يخلق الله مثله ... وفي الحجرات فضله أبدا يتلى )
( وقد أنزل الجبار قافا بذكره ... كما تذر الكفار ريح بها تبلى )
( بطور سما والنجم ما ضوء احمد ... كما قمر بل نور خير الورى أجلى )
( به الله رحمن وفي وقعة ترى ... حديدا به الكفار يجدلهم جدلا )
( وقد سمع الغفار دعوة أحمد ... بحشر ولكن بامتحان به تبلى )
( صففنا بجمع للأعادي فمنهم ... منافق إن الكفر في درك سفلى )
( يرى غبنه في الخير منهم مطلق ... ولكن من يحرم نعيما فقد ضلا )
( لأحمد ملك لا يوازيه سيد ... ونون لقد قلنا مقالا به استعلى )
( بحق لقد سالت أباطح مكة ... بفضل الذي قد كان نوح به استعلى )
( صحيح بأن الجن جاءت لأحمد ... ومزمل كان الغمام له ظلا )
( لمدثر فضل القيامة واضح ... أتاه وجمع المرسلات حوت سبلا )
( وعم بجدواه فلا من منازع ... فحيث تراه لا عبوسا ولا بخلا )
( لقد كورت شمس بها انفطر السما ... لويل أتى الكفار وانشق واستولى )
( ولكن بروج الجو تزهو بأحمد ... وفي طارق الأفلاك فضله الأعلى )
( وغاشية كالفجر حلت ببلدة ... بها حرم أمن كشمس جلت ليلا )
( وفاق الضحى حقا جبين محمد ... كما بانشراح الصدر قد خصه المولى )
( فأقسم بالتين الذي عم نفعه ... وبالقلم الأعلى لقدر له أعلى )
( ألم يكن الكفار قد ضل سعيهم ... وقد زلزلوا بالعاديات كما يتلى )
( وقارعة جلت وألهاهم الهوى ... ووالعصر إن الويل يقريهم نزلا )
( ألم تر أن الله فضل أحمدا ... لأمن قريش حيثما سلكوا السبلا )
( أريت بأن الكوثر العذب خصه ... به وجميع الكفر لن يردوا أصلا )
( لقد نصر الرحمن ربي محمدا ... فأردى أبا لهب ولم يكتسب نيلا )
( فيا أحد إني بفضلك عائذ ... إذا غسق الديجور ناديت يا مولى )
ولم أقف على غير هذه الأبيات من هذه القصيدة وقد سقط منها كما رأيت سورة الناس فقلت مكملا على نمطه
( ويا مالكا للناس إني لائذ ... بعفوك فاغفر عمد عبدك والجهلا )
( ويا رب عاملنا بما أنت أهله ... من الجود والرحمى وإن لم نكن أهلا )
( وصل على مسك الختام محمد ... أتم صلاة تملأ الحزن والسهلا )
خطبة لعياض يوري فيها بأسماء السور
وتذكرت بهذا الموضع خطبة القاضي أبي الفضل عياض التي ضمنها سور القرآن على المهيع الماضي آنفا وهي الحمد لله الذي افتتح بالحمد كلامه وبين في سورة البقرة أحكامه ومد في آل عمران والنساء مائدة الأنعام ليتم إنعامه وجعل في الأعراف أنفال توبة يونس وألر كتاب أحكمت آياته بمجاورة يوسف الصديق في دار الكرامة وسبح الرعد بحمده وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم ليؤمن أهل الحجر أنه إذا أتى أمر الله سبحانه فلا كهف ولا ملجأ إلا إليه ولا يظلمون قلامة وجعل في حروف كهيعص سرا مكنونا قدم بسببه طه سائر الأنبياء ليظهر إجلاله وإعظامه وأوضح الأمر حتى حج المؤمنون بنور الفرقان والشعراء صاروا كالنمل ذلا وصغارا لعظمته وظهرت قصص العنكبوت فآمن به الروم وأيقنوا أنه كلام الحي القيوم نزل به الروح الأمين على زين من وافى القيامة وأفصح لقمان الحكمة بالأمر بالسجود لرب الأحزاب فسبا فاطر السموات أهل الطاغوت وأكسبهم ذلا وخزيا وحسرة وندامة وأمد ياسين بتأييد الصافات فصاد الزمر يوم بدره وأوقع بهم ما أوقع صناديدهم في القليب مكدوس ومكبوب حين شالت بهم النعامة وغفر غافر الذنب وقابل التوب للبدريين رضي الله عنهم ما تقدم وما تأخر حين فصلت كلمات الله فذل من حقت عليه كلمة العذاب وأيس من السلامة ذلك بأن أمرهم شورى بينهم وشغلهم زخرف الآخرة عن دخان الدنيا فجثوا أمام الأحقاف لقتال أعداء محمد يمينه وشماله وخلفه وأمامه فأعطوا الفتح وبوئوا حجرات الجنان وحين تلوا ( ق والقرآن المجيد ) وتدبروا جواب قسم الذاريات والطور لاح لهم نجم الحقيقة وانشق لهم قمر اليقين فنافروا السآمة ذلك بأنهم أمنهم الرحمن إذا وقعت الواقعة واعترف بالضعف لهم الحديد وهزم المجادلون وأخرجوا من ديارهم لأول الحشر يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين حين نافروا السلامة
أحمده حمد من امتحنته صفوف الجموع في نفق التغابن فطلق الحرمات حين اعتبر الملك وعامه وقد سمع صريف القلم وكأنه بالحاقة والمعارج يمينه وشماله وخلفه وأمامه وناح نوح الجن فتزمل وتدثر فرقا من يوم القيامة وأنس بمرسلات النبإ فنزع العبوس من تحت كور العمامة وظهر له بالانفطار التطفيف فانشقت بروج الطارق بتسبيح الملك الأعلى وغشيته الشهامة فورب الفجر والبلد والشمس والليل والضحى لقد انشرحت صدور المتقين حين تلوا سورة التين وعلق الإيمان بقلوبهم فكل على قدر مقامه يبين ولم يكونوا بمنفكين دهرهم ليله ونهاره وصيامه وقيامه إذا ذكروا الزلزلة ركبوا العاديات ليطفئوا نور القارعة ولم يلههم التكاثر حين تلوا سورة العصر والهمزة وتمثلوا بأصحاب الفيل فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف أرأيتهم كيف جعلوا على رؤوسهم من الكور عمامة فالكوثر مكتوب لهم والكافرون خذلوا وهم نصروا وعدل بهم عن لهب الطامة وبسورة الإخلاص قروا وسعدوا وبرب الفلق والناس استعاذوا فأعيذوا من كل حزن وهم وغم وندامة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة ننال بها منازل الكرامة صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأصحابه ما غردت في الأيك حمامة انتهت
وممن نسبها للقاضي عياض الشيخ أبو عبدالله محمد ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن أبي جمعة الوهراني وفي نفسي من نسبتها له شيء لأن نفس القاضي في البلاغة أعلى من هذه الخطبة والله تعالى أعلم
كنت رأيت بتلمسان المحروسة بخط عمي ومفيدي ولي الله تعالى العارف
المعروف بشيخ الشيوخ الإمام المفتي الخطيب سيدي سعيد بن أحمد المقري صب الله عليه سجال الرضوان خطبة من هذا النمط نصها
خطبة على مثالها لأبي جعفر الطنجالي
الحمد لله الذي افتتح بفاتحة الكتاب سورة البقرة ليصطفى من آل عمران رجالا ونساء وفضلهم تفضيلا ومد مائدة أنعامه ورزقه ليعرف أعراف أنفال كرمه وحقه على أهل التوبة وجعل ليونس في بطن الحوت سبيلا ونجى هودا من كربه وحزنه كما خلص يوسف من سجنه وجبه وسبح الرعد بحمده ويمنه واتخذ الله إبراهيم خليلا الذي جعل في حجر الحجر من النحل شرابا نوع باختلاف ألوانه وأوحى إليه بخفي لطفه سبحانه واتخذ منه كهفا قد شيد بنيانه وأرسل روحه إلى مريم فتمثل لها تمثيلاوفضل طه على جميع الأنبياء فأتى بالحج والكتاب المكنون حيث دعا إلى الإسلام قد أفلح المؤمنون إذ جعل نور الفرقان دليلا وصدق محمدا الذي عجزت الشعراء عن صدق نفثه وشهدت النمل بصدق بعثه وبين قصص الأنبياء في مدة مكثه ونسج العنكبوت عليه في الغار سترا مسدولا وملئت قلوب الروم رعبا من هيبته وتعلم لقمان الحكمة من حكمته وهدى أهل السجدة للإيمان بدعوته وهزم الأحزاب وسباهم وأخذهم أخذا وبيلا فلقبه فاطر السموات والأرض بياسين كما نفذ حكمه في الصافات وبين صاد صدقه بإظهار المعجزات وفرق زمر المشركين وصبر على أقوالهم وهجرهم هجرا جميلا فغفر له غافر الذنب ما تقدم من ذنبه وما تأخر وفصلت رقاب المشركين إذ لم يكن أمرهم شورى بينهم وزخرف منار الإسلام وخفي دخان الشرك وخرت المشركون جاثية كما أنذر أهل الأحقاف فلا يهتدون سبيلا وأذل الذين كفروا بشدة القتال وجاء الفتح للمؤمنين والنصر العزيز وحجر الحجرات الحريز وبقاف القدرةقتل الخراصون تقتيلا كلم موسى على جبل الطور فارتقى نجم محمد بطاعته مبادي السرور وأوقع الرحمن واقعة الصبح على بساط النور فتعجب الحديد من قوته وكثرت المجادلة في أمته إلى أن أعيد في الحشر بأحسن مقيلا امتحنه في صف الأنبياء وصلى بهم إماما وفي تلك الجمعة ملئت قلوب المنافقين من التغابن خسرا وإرغاما فطلق وحرم تبارك الذي أعطاه الملك وعلم بالقلم ورتل القرآ ترتيلا وعن علم الحاقة كم سأل سائل فسال الإيمان ودعا به نوح فنجاه الله تعالى من الطوفان وأتت إليه طائفة الجن يستمعون القرآن فأنزل عليه يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا فكم من مدثر يوم القيامة شفقة على الإنسان إذا أرسل مرسلات الدمع فعم يتساءلون أهل الكتاب وما تقبل من نازعات المشركين إذا عبس عليهم مالك وتولاهم بالعذاب وكورت الشمس وانفطرت السماء وكانت الجبال كثيبا مهيلا فويل للمطففين إذا انشقت السماء بالغمام وطويت ذات البروج وطرق طارق الصور بالنفخ للقيام وعز اسم ربك الأعلى لغاشية الفجر فيومئذ لا بلد ولا شمس ولا ليل طويلا فطوبى للمصلين الضحى عند انشراح صدورهم إذا عاينوا التين والزيتون وأشجار الجنة فسجدوا باقرأ باسم ربك الذي خلق هذا النعيم الأكبر لأهل هذه الدار ما أحيوا ليلة القدر وتبتلوا تبتيلا ولم يكن للذين كفروا من أهل الكتاب من أهل الزلزلة من صديق ولا حميم وتسوقهم كالعاديات إلى سواء الجحيم وزلزلت بهم قارعة العقاب وقيل لهم ألهاكم التكاثر هذا عصر العقاب الأليم وحشر الهمزة وأصحاب الفيل إلى النار فلا يظلمون فتيلا وقالت قريش ما أمنتم من هول المحشر أرأيت الذي يكذب بالدين كيف طرد عن الكوثر وسيق الكافرون إلى النار وجاء نصر الله والفتح فتبت يدا أبي لهب إذ لا يجد إلى سورة الإخلاص سبيلا فتعوذ برب الفلق من شر ما خلق ونعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي فسق ونتوب
إليه ونتوكل عليه وكفى بالله وكيلا انتهى
وهي من إنشاء الفقيه الجليل الشريف الكامل أبي المجد عبد المنعم ابن الشيخ الفقيه العدل أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم الهاشمي الطنجالي رحمه الله تعالى ونفعنا به وبسلفه الطاهر
عود إلى نظم ابن جابر
ومن نظم ابن جابر المذكور قوله( جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر )
( نور النبوة في كريم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر )
وفي هذا المعنى يقول شمس الدين الدمشقي
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف )
( والأشراف السلطان خصهم بها ... شرفا لتفرقهم من الأطراف )
والأشراف المذكور هو شعبان بن حسن بن الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي الألفي رحمهم الله تعالى
وقال الرحالة ابن بطوطه في رحلته عند ذكر سلطان ماردين ابن الملك الصالح ابن الملك المنصور ما نصه وله المكارم الشهيرة وليس بأرض الشام والعراق
ومصر أكرم منه يقصده الشعراء والفقراء فيجزل عطاياهم جريا على سنن أبيه قصده أبو عبدالله محمد بن جابر الأندلسي الهواري الكفيف مادحا فأعطاه عشرين ألف درهم انتهى
ومن شعر ابن جابر رحمه الله تعالى
( وفي الخيام ومن لي بالخيام رشا ... لا أحسب البدر في حسن يقاومه )
( مثل الغزالة إن تاهت وإن طلعت ... فكيف يصرف عنه الصب لائمه
وقوله رحمه الله تعالى
( في القلب من حبكم بدر أقام به ... فالطرف يبصر نورا حين يبصره ) ( تشابه العقد حسنا فوق لبته ... والثغر نظما إذا ما لاح جوهره ) وقوله
( ردف أقام لنا بها فتن الهوى ... وإذا أتت لتقوم قال لها اقعدي )
( أبصرتها ما بين ذاك وبين ذا ... فوقعت منها في المقيم المقعد )
وقوله
( سامح بالوصل على بخله ... وقال لي أنت بوصلي حقيق )
( فقلت ما رأيك في نزهة ... ما بين كاسات وروض أنيق )
( فقال يعني خده واللمى ... هذا هو الروض وهذا الرحيق )
( فبت من دمعي ومن خده ... ما بين نعمان وبين العقيق )
( وإذ تذللت على حبه ... قال أما تخشى أما تستفيق )
( قدي وخدي خفهما يا فتى ... هذا هو الرمح وهذا شقيق )
وقوله
( وقفت للوداع زينب لما ... رحل الركب والمدامع تسكب )
( مسحت بالبنان دمعي وحلو ... سكب دمعي على أصابع زينب )
رجع إلى أولاد لسان الدين رحمه الله تعالى
ومن قصيدة موشحة لابن زمرك يخاطب بها شيخه ومخدومه الوزير لسان الدين ابن الخطيب قبل أن يظلم الجو بينه وبينه جوابا عن رسالة خاطب بها لسان الدين ابن الخطيب أولاده صدر نظم له لم يحضرني ذلك الآن قوله
( ما لي بحمل الهوى يدان ... من بعد ما أعوز التداني )
( أصبحت أشكوه من زمان ... ما بت منه على أمان )
( ما بال عينيك تسجمان ... والدمع يرفض كالجمان )
( ناداك والإلف عنك وان ... والبعد من بعده كواني )
( يا شقة النفس من هوان ... لجج في أبحر الهوان )
( لم يثنه عن هواك ثان ... يا بغية القلب قد كفاني )
وقال بعض الحفاظ في ترجمة أبي الحسن علي بن لسان الدين بعد أن ذكر روايته عن أبيه وابن الجياب وابن مرزوق إنه أخذ عن جماعة غيرهم كالشريف القاضي الفقيه أبي علي الحسن بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسني السبتي نزيل تلمسان والفقيه الإمام العلامة قاضي الجماعة بفاس وكبير العلماء بالمغرب أبي عبد الله محمد المقري التلمساني القرشي والشريف العالم أبي القاسم محمد ابن الفقيه العالم المعلم لكتاب الله تعالى أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالله بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن موسى بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن الحسن بن إدريس بن الحسن بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم وليس إدريس المذكور هنا بملك المغرب وجد الأدارسة
قال وروى أيضا عن القاضي ابن شبرين الإشبيلي ثم السبتي نزيل غرناطة والقاضي أبي البركات البلفيقي والكاتب صاحب القلم الأعلى أبي جعفر ابن صفوان القيسي المالكي وابن خاتمة والفقيه الحاج أبي القاسم محمد ابن الفقيه الصالح العالم أبي عمرو يحيى ابن الفقيه الصالح أي القاسم محمد الغساني الرحبي نزيل فاس وغيرهم ممن يطول تعدادهم من الأئمة الأعلام نجوم الإسلام انتهى
خطبة للكفعمي في تضمين أسماء السور
وقد وقفت للكفعمي رحمه الله تعالى في شرح بديعيته على خطبة وقصيدة من هذا النمط قال رحمه الله تعالى ما نصهولنختم الخاتمة بخطبة وجيزة في فنها عزيزة وجعلناها في مدح سيد البرية وتورياتها في السور القرآنية فكن لسورها قاريا ولمعارجها راقيا وعل وانهل من شرابها السكري وفكه نفسك بتسجيعها النميري وهي هذه
الحمد لله الذي شرف النبي العربي بالسبع المثاني وخواتيم البقرة من بين الأنام وفضل آل عمران على الرجال والنساء بما وهب لهم من مائدة الأنعام ومنحهم بأعراف الأنفال وكتب لهم براءة من الآثام واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي نجى يونس وهودا ويوسف من قومهم برعد الانتقام وغذى إبراهيم في الحجر بلعاب النحل ذات الإسراء فضاهى كهف مريم عليها السلام وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي هو طه الأنبياء وحج المؤمنين ونور فرقان الملك العلام فالشعراء والنمل بفضله تخبر ولقصص العنكبوت الروم تذكر ولقمان في سجدته يشكر والأحزاب كأيادي سبا تقهر وفاطر يس لصافاته ينصر صاد مقلة زمره تنظر الأعلام فآل حم بقتال فتحه في حجرات قافه قد ظهرت وذاريات طوره ونجمه وقمره قد عطرت وبالرحمن واقعة حديده يوم المجادلة قد نصرت وأبصار معانديه في الحشر يوم الامتحان حسرت
وصف جمعته فائز إذ أجساد المنافقين بالتغابن استعرت وله الطلاق والتحريم ومقام الملك والقلم فناهيك به من مقام وفي الحاقة أعلى الله له المعارج على نوح المتطهر وخصه من بين الإنس والجن بيا أيها المزمل ويا أيها المدثر وشفعه في القيامة إذا دموع الإنسان مرسلات كالماء المتفجر ووجهه عند نبإ النازعات وقد عبس الوجه كالهلال المتنور ويوم التكوير والانفطار وهلاك المطففين وانشقاق ذات البروج بشفاعته غير متضجر وقد حرست لمولده السماء بالطارق الأعلى وتمت غاشية العذاب إلى الفجر على المردة اللئام فهو البلد الأمين وشمس الليل والضحى المخصوص بانشراح الصدر والمفضل بالتين والزيتون المستخرج من أمشاج العليق الطاهر العلي القدر شجاع البرية يوم الزلزال إذ عاديات القارعة تدوس أهل التكاثر ومشركي العصر أهلك الله به الهمزة وأصحاب الفيل إذ مكروا بقريش ولم يتواصوا بالحق ولم يتواصوا بالصبر الخصوص بالدين الحنيفي والكوثر السلسال والمؤيد على أهل الجحد بالنصر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تبت يدا معاديه ونعم بالتوحيد مواليه وما أفصح فلق الصبح بين الناس وامتد الظلام
قصيدة على مثالها للكفعمي
ولنشفع هذه الخطبة بقصيدة على سور القرآن في مدح سيد ولد عدنان يحسن هنا أن ننضي عن فرائد نفائسها لطلابها ما أغدف من خمرها وستورها ونجلي عن خرائد عرائسها لخطابها ما أسدف من غررها في خدورها فانظر إلى سور أبياتها وصور تورياتها ثم ادعهن يأتينك سعيا فحفظا لها ووعيا وهي هذه( يا من له السبع المثاني تنزل ... وخواتم البقره عليه تنزل )
( في آل عمران النساء لم تلد ... كنظيره الأجساد ذلك تفعل )
( مولى له الأنعام والأعراف وال ... والحكم التي لا تجهل )
( بعلاه توبة يونس قبلت كذا ... هود ويوسف رعدهم يتجلجل )
( وكذاك إبراهيم في حجر له ... والنحل في الإسرا عليه تعول )
( يا كهف مريم أنت طه الأنبيا ... والحج ثم المؤمنون الأفضل )
( يا نور يا فرقان يا من مدحه ... نطقت به الشعراء وهو المرسل )
( والنمل في قصص الحديث به دعت ... وعليه نسج العنكبوت يهدل )
( والروم تتلو إسمه ولكم به ... لقمان حقا في المضاجع يسأل )
( وبعزمه الأحزاب جمعهم سبا ... وبه الملائكة الكرام تفضل )
( يس سماه الإله بذكره \ ... وكواكب بسعوده لا تأفل )
( يل ليتني صاد شربت بكأسه ... وعليه في زمر وردت فأنهل )
( كم مؤمن قد فصلت أعلامه ... من زخرف بجداه يا من يعقل )
( ودخان جاثية على أحقافها ... بقتاله أطفى وفتح أدخل )
( حجرات قاف ذاريات سمائه ... في طورها نجم منير يكمل )
( ودنا له القمر المنير وشقه ال ... واقعة له لا تجهل )
( زغف الحديد بحربه أصواتها ... رعد مجادلة لقوم أبسلوا )
( وله لدى الحشر العظيم شفاعة ... في أمة بالإمتحان تسربلوا )
( عن صف جمعته المنافق نائيا ... يوم التغابن من حديد ينعل )
( يا من به شرع الطلاق ومن له ال ... والملك العظيم الأكمل )
( يا من به ذو النون لاذ بيمنه ... لما أصيب بحاقة لا تعدل )
( يا من سأل نوح بطاهر إسمه ... يا من أتته الجن يا مزمل )
( مدثر يوم القيامة شافع ... ومخلص الإنسان وهو الموئل )
( يا من نزول المرسلات ببعثه ... يا أيها النبأ العظيم الأكمل )
( والنازعات نزعن نفس عدوه ... هذا وقد عبس الجبين واذهلوا )
( وهو الشفيع إذا المنيرة كورت ... والإنفطار من السماء يعجل )
( ولدى ذوي التطفيف ويل والسما ... في الإنشقاق إذ البروج تبدل )
( والله قد حرس السماء بطارق ... لولادة الأعلى به يتفضل )
( وأزال غاشية العذاب ونوره ... كالفجر إذ أنواره تتهلل )
( بلد أمين ثم شمس أشرقت ... والشعر ضاهى الليل بل هو أليل )
( شمس الضحى من وجهه ولصدره ... ألانشراح وقلبه لا يغفل )
( يا من أتى في التين حقا ذكره ... فاقرأ ولا يرتاب فيه واسألوا )
( يا من ليالي القدر بينة له ... وعداه بالزلزال منه تزلزلوا )
( بالعاديات أزال قارعة العدا ... وبقوله ألهاكم ما تجهل )
( ولقد أتى من قبل عصر نبينا ... ويل لأهل الفيل منه وقتلوا )
( هو صاحب الإيلاف والدين الذي ... يسقى غدا من كوثر يتسلسل )
( والكافرون لنصره في جيدهم ... مسد إذا التوحيد عنه تعدل )
( يا خاتما فلق الصباح كوجهه ... والناس منه مكبر ومهلل )
( أبياتها ميقات موسى عدة ... والكفعمي بمدحه يتجمل )
( صلى عليه الله مع أصحابه ... ما زال طير العندليب يعندل )
ترجمة الكفعمي
والكفعمي هو إبراهيم بن علي بن حسن بن محمد بن صالح نسبة إلى كفر عيما قرية من قرى أعمال صفد كما تقول في النسبة إلى بني عبد الدار عبدري وإلى حصن كيفا حصكفي وشرحه لبديعيته سماه نور حدقة البديع ونور حديقة الربيع وما رأيت مثله في سعة الحفظ والجمع
ومن نظمه في أسماء الكتب
( يا طريق النجاة بحر فلاح ... أنت دفع الهموم والأحزان )
( أنت أنس التوحيد عدة داع ... ثم روح الإحيا وفلك المعاني )
( نهج حي ونثر در نبيه ... ورياض الآداب ذكرى البيان )
( فائق رائع مسرة راض ... منتهى السؤل جامع للأماني )
( نزهة عدة ظرائف لطف ... روضة مبهج جنان الجنان )
( زاهر كامل شهاب وكنز ... مجتنى من ذخيرة الإخوان )
( فصحاح الألفاظ فيه تلقى ... وشذور العقود والمرجان )
( وهو قوت القلوب نهج جنان ... وكنوز النجاح والبرهان )
فناسب بين أسماء الكتب وقصده غير ذلك وأكثر هذه الكتب التي ورى بها غير موجودة بأيدي الناس بل ولا معروفة لديهم وهذا دليل على سعة اطلاعه
ومن بدائع الكفعمي المذكور رسالة كتب بها إلى قاضي القضاة العالم العلامة أبي العباس ابن الفرفور في شأن أستاذ دار قاضي القضاة المذكور الأمير علاء
الدين ويخرج من أثنائها قصيدة منها يقبل الأرض وينهي سلام عبد لكم محب وعلى المقة مكب لو بدا للناظرين عشر معشار شوقه وغرامه لطبق ذلك ما بين آفاق السموات السبع والأرض لشدة هيامه تراه حقا لكم حافيا بالأمن والسرور والسعد والحبور داعيا لا جرم وهذا الثناء المتوالي والدعا للمقام العالي لا شك من لازم الفرض ملكه الله تعالى أزمة البسط والقبض وأنجاك ربي من المعاطب في دينك ودنياك وأنقذك من شر كل صغير شدة وكبيرها وأرضاك وجعلك أمينا في الأرض إلى يوم القيامة والنشور والعرض كما أنت أمن لي من المخاوف وعون في كل شدة وغوث وملجأ وعدة وأنجحت آمالي ووفرت بإخدامك لي مالي وأحسنت قرضي ووفرت بإجلالك لي عرضي وينهي المملوك إلى سيده قاض القضاة وكافي الكفاة بأن المتولي الأمين ذا الفخر المبين علي ابن المرحوم فخر الدين قوله في أمركم العالي مرضي وفعله مقضي ومدحكم عليه فرض واجب قراه أبدا لسانه ويذكر المناقب وحبكم له واختياركم إياه دال بأنه أمين حليم شاهده حقا يقضي بجعله على خزائن الأرض إنه حفيظ عليم حديث مدح سواكم ليس من مدائحه ولا يمر أبدا بقلبه وجوارحه وإن مر في خاطره لا يحلو قطعا وحكمكم عليه شرعا ومرسومكم يمضي وأمركم يقضي يتيه سرورا به رؤساء أهل الشام ومن في القبيبات من الأنام عزة وعلوا لخدمته الشريفة إياك ولأنه يا قاضي قضاة الدين والأرض لا يريد سواك فإن يك الخادم المذكور في بعض أفعاله غافلا أو في مقاله غير كامل و عصاكم في بعض الأمر فعين العفو والستر عن ذنبه لا جرم تغضي وهو بتوبته إليه يفضي
وسلام الله عليكم ورحمته لديكم كلما نطق ناطق أو ذر في المشارق شارق وما دارت الأفلاك وسبحت بلغاتها الأملاك في فسيح الطول ورحب العرض دوما ما بين السماء والأرض
وهذه أبيات القصيدة المتولده من هذه الرسالة
( سلام محب لو بدا عشر شوقه ... لطبق ما بين السموات والأرض )
( تراه لكم بالأمن والسعد داعيا ... وهذا الدعا لا شك من لازم الفرض )
( وأنجاك في دنياك من كل شدة ... وأرضاك في يوم القيامة والعرض )
( كما أنت لي عون وغوث وعدة ... ووفرت لي مالي ووفرت لي عرضي )
هذا ويصح أن يقرأ عونا بالنصب على الحالية وهو الذي رأيته بخطه أعني الكفعمي ثم قال
( وينهي إلى قاضي القضاة بأن ذا ... علي بن فخر الدين في أمركم مرضي )
( ومدحكم فرض قراه لسانه ... وحبكم إياه شاهده يقضي )
( حديث سواكم لا يمر بقلبه ... وإن مر لا يحلو وحكمكم يمضي )
( يتيه به أهل القبيبات عزة ... لخدمته إياك يا قاضي الأرض )
( فإن يك في أفعاله أو مقاله ... عصاكم فعين العفو عن ذنبه تغضي )
( سلام عليكم كلما ذر شارق ... وسبحت الأملاك في الطول والعرض )
قلت وهذه طريقة بديعة وقد تبارى فيها البلغاء فبعضهم يعمد إلى أحاديث أو آيات وينسج على منواله مثلها ويفرقها في أبيات أو سجعاته ويكتبها بلون مخالف للأصل وقد ذكرت في روضة الورد من أزهار الرياض من كلام ابن عاصم ما لا مزيد وراءه فليراجعه من أراده وذكرت في غيره أيضا نبذة
رجع إلى نظم ابن جابر فمن ذلك قوله
( ناديت من أسري به ... بحياة من أسري به )
( سل مدمعا تجري به ... بلواه في تجريبه )
وقوله
( أيها العاذل في حبي له ... خل نفسي في جواها تحترق )
( ما الذي ضرك منه بعدما ... صار قلبي في هواه تحت رق )
وله
( برد الصباح على برد الصبا سحرا ... ما زال يذكرني أوقات نعمان )
( لهفي لعيش قضينا في معاهدها ... ما بين حسن من الدنيا وإحسان )
وله رحمه الله تعالى من حسناته المقبولة المضاعفة أيضا
( جعلت ملاك العين والقلب في الهوى ... يناطقه القرطين صامتة القلب )
( تصحف لين ألحاظها لي قدها ... وتقلبه كيما تصيد به قلبي )
قال بعض علماء المشرق أجاد والله هذا العالم المغربي المقال وأراد أن لفظ لين إذا قلب صار نيلا وإذا صحف صار نبلا وهذا زيادة على ما فيه من التحريف انتهى
من شعر أبي جعفر رفيق ابن جابر
وقريب منه لرفيق المذكور قوله( يفتر عن برد يثير ببرده ... حر الغرام ولا سبيل لرشفه )
( أخذ الرشا من حسنه طرفا لذا ... نسب الورى ملح الجمال لطرفه )
وله
( تجر فرعيها على إثرها ... رافلة في حلل الحسن )
( فتطلع البدر لنا في الدجى ... وترسل البدر على الغصن )
وله
( قد نعمنا بجزع نعمان لكن ... عقنا البعد والعقوق قبيح )
( قل لأهل الخيام أما فؤادي ... فجريح لكن ودي صحيح )
وقوله
( مقدمات الرقيب كيف غدت ... عند لقاء الحبيب متصله )
( تمنعنا الجمع والخلو معا ... وإنما ذاك حكم منفصله )
وله يمدح سيد الخلق وخاتم المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين
( رحمة أرسله الله لنا ... وشفيعا قد غدا فينا غدا )
( وهب المال لمن مال له ... وفدى من ذنبه من وفدا )
( ليس يحصي فضله إلا الذي ... هو أحصى كل شيء عددا )
وله
( حسن النية ما اسطعت ولا ... تتبع في الناس أسباب الهوى )
( إنما الأعمال بالنيات من ... ينو شيئا فله ما قد نوى )
وله
( قالت وقد حاولت نيل وصالها ... من غير شيء لا تجوز المسأله )
( بالله قل لي أين نحوك يا فتى ... أرأيت موصولا يجيء بلا صله )
وهذا معنى قد تلاعب الشعراء بكرته وقضية ابن عنين في ذلك مع المعظم دالة على توقد فكرته وما ذاك إلا أنه مرض فكتب إلى الملك المعظم
( نظر إلي بعين مولى لم يزل ... يولي الندى وتلاف قبل تلافي )
( أنا كالذي أحتاج ما يحتاجه ... فاغنم دعائي والثناء الوافي )
فعاده المعظم وأعطاه ألفا وقيل ثلاثمائة وقال له هذه الصلة وأنا العائد
قال بعض المغاربة في هذا قد تلطف ابن عنين في الصلة والعائد وأجاد وسبق المعظم إلى فهم مقصوده مطابقة الجوار فأتى بما يستغرب عن سيبويه ونظرائه فلذلك جعل الشرف ابن عنين ديوانه مملوءا بمدحه وأطرابه ونقلته من حفظي وفيه بعض تغيير بيتين
عود إلى شعر ابن جابر
وقال ابن جابر المذكور( يا دار ليلى لا صمتك يد البلى ... وسقاك در الغيث كل سحاب )
( أصبو إلى تلك الربوع وكيف لا ... أصبو وهن منازل الأحباب )
وقال من قصيدة
( وأطلب تشويق الأنام بحسنه ... فأذكر من أسمائه كل طيب )
ومنها
( وإني لم أمدحه إلا تشوقا ... وإن كان مشهورا بشرق ومغرب )
وقال
( أمر الشباب ... فهفا فقالت دمعتي أغلى )
( أسر الهوى مهج الأنام لها ... إذ سل من أعطافها أسلا )
وقال
( ظعنوا والقدود منهم رماح ... طعنوا في الحشا بها فأصابوا )
( جاد دمعي لهم وقد حاد صبري ... حين سارت بالظاعنين الركاب )
وقال
( شاه وجه الرقيب إذ شاء وصلي ... قمري والأنام عنا نيام )
( زارني بالنهار في الليل لكن ... ليل فرع يحار فيه الظلام )
وقال
( يا أيها الجائر في حكمه ... إني فيما قد جرى حائر )
( قدك من أعدل شيء يرى ... وأنت في أهل الهوى جائر )
وقال
( قد زعم العاذل لي أنه ... يهدي لي الرشد بما يصنع )
( ما هو هاد لي ولكنه ... هاذ فسمعي قال لا تسمعوا )
وقال
( شفى فؤادي من شقا هجره ... وبت من لقياه في عيد )
( وزارني يحكي غزال النقا ... في الحسن لولا الحلي في الجيد ) وقال
( سلب القلب غزال قده ... قد حكى البان لنا والسلما )
( ساحر العين إذا أبصره ... كاتب ألقى لديه القلما )
وقال
( يكفي الأنام بسيفه وبسيبه ... عقد المكاره والمكارم دائما )
وقال
( تحلت بما يحكي محاسن ثغرها ... وحلت عقود الصبر مني عقودها )
( ثقيلة أرداف فصعب قيامها ... بما حملت منها وسهل قعودها )
وقال
( أبى حسنها إلا افتتان قلوبنا ... فكم قد أباد الحسن فيها من الناس )
( وقالت تحمل طول هجري إن ترد ... وصال ذوات الحسن قلت على راسي )
وقال
( أرى أناسا من أراد الرضى ... منهم رجا ما ليس بالممكن )
( سيان أن يعطوا وأن يمنعوا ... قد ضاع فيهم كرم المحسن )
وقال
( يا جيرة الحي حيا الله واديكم ... فكم سرور به للقلب قد عرضا )
( فلن أنال حياة أستلذ بها ... إذا أنا لم أنل من وصلكم غرضا )
وقال
( شب حر الفؤاد ماء رضاب ... منه قد حار فيه ماء الغمام )
( زان بالحلي جيده قلت ماذا ... قال شيء نظمته من كلامي )
وقال
( صاد قلبي وصد عني صدودا ... وانثنى يسحب الذوائب سودا )
( فرأيت الصباح في الليل يبدو ... وشهدت الرشا يصيد الأسودا )
وقال
( إني سئمت من الزمان لطول ما ... قد صد عن حسن الوفاء رجاله )
( ومن النوادر في زمانك أن ترى ... خلا حمدت وداده وخلاله )
وقال
( إن قابل الغصن بأعطافه ... فقل أن تبصر من فرق )
( قلت قد استبعد كل الورى ... فقال ذاك البعض من حقي )
وقال
( صح أن الصباح من وجنتيها ... وغصون الرياض من معطفيها )
( قاتل الله عاذلي قل يوم ... ليس يسعى بالعذل فيه إليها )
وقال
( شدوا محاملهم يوم الرحال وقد ... محا رسوم اصطباري فقد من رحلا )
( هزوا الغصون على الكثبان حين مضوا ... وأسبلوا فوق أقمار الدجى كللا )
وقال
( خد ترى الورد بعضا من محاسنه ... تبارك الله ما أبهى شمائله )
( لصارم اللحظ قد أرخى حمائل من ... عذاره فحمى عنا خمائله )
وقال
( قام حادي الركاب ليلا فغنى ... فاستقام السرى وثار الغرام )
( قيل نام الأنام فاهجع قليلا ... قلت دون الحبيب لست أنام )
وقال
( ترامى بنا في البيد شوق إلى الحمى ... ترى عنده الأجفان منهلة الدمع )
( فلما رأينا ربع من سكن الحشا ... نزلنا فقبلنا ثرى ذلك الربع )
وقال
( يراودني الواشي على حب غيرها ... وإن محالا أن يرى مثل حسنها )
( موفرة الأرداف مهضومة الحشا ... يريك التفات الظبي فاتر جفنها )
وقال
( سلت علينا سيوفا من لواحظها ... ومن لنا من سيوف اللحظ من واقي )
( أضحت لسفك دم العشاق هادرة ... فما ترى دية في قتل عشاق )
وقال
( في خدها شبه للخال أو شية ... بما حوى الحسن من ألطاف أسرار )
( وشي من الحسن لم يحتج لصنع يد ... تبارك الله هذي صنعة الباري )
وقال
( بين الجوانح لو علمت من الجوى ... نار عليها سكب عيني يهمع )
( فدع المدامع في مدى جريانها ... فالدمع بعد فراقهم لا يمنع )
وقال
( قالوا بدارين قد قالوا وقد وردوا ... ماء العقيق وبالزوراء قد باتوا )
( بانوا عن العين لكن بالقلوب ثووا ... وفي البعاد عن الأحباب آفات )
وقال
( مليحة الخد به شامة ... كالورد قدنقط بالغاليه )
( قلت لها ما اسمك قولي لنا ... قالت فما تعرفني غاليه )
وقال
( جارية جارية في مدى ... شبابها من أملح الخلق )
( ما بين فرق الصبح لما بدا ... ووجهها للناس من فرق )
وقال
( لصبه منه امتداد النوى ... فلا يلام الدمع في صبه )
( في قده لين فهلا قضى ... بقلبه منه إلى قلبه )
يريد بالقلب الأول التحويل والنقل أي فهلا قضى بنقل اللين الذي في قده إلى قلبه
وقال
( يا لابس اللام والأسياف عارية ... قد انعطفت على الأعطاف واللام )
( ويا ضجيع رماح الخط يرسلها ... في كل هام لها باللحظ في الهام )
الهام الأول جمع هامة والثاني اسم فاعل من همى يهمي
قال رفيقه لو قال من الهام لكان أليق بالمعنى وألطف
وقال
( من مال يبغي كسب مال له ... من حرمه إن جاء أو حله )
( فلا تثق يوما به واحترز ... منه فما يبقي على خله )
وقال يتشوق إلى وطنه بالمرية
( لله عيش بالمرية قد ذهب ... أخباره بالحسن تكتب بالذهب )
( وهبت لنا تلك الليالي مدة ... ثم استرد الدهر منا ما وهب )
وقال
( أن من شوقه فثار الضرام ... ودرى الناس أنه مستهام )
( لا تسل ما جرى من الدمع لما ... قيل هذي النقا وهذي الخيام )
وقال
( صلاة إله العالمين على الذي ... أقل العطايا منه واد من النعم )
( يجود على الراجي وإن كان مذنبا ... وما قوله للسائلين سوى نعم ) وقال
( قد سبا قلبي غزال فاتن ... سل به كيف اعتدى في سلبه )
( أنا لا أعتب فيما قد جرى ... صفح الله له عن ذنبه )
وقال
( صبرت له فتمادى به ... هواه فكانت هي الفاصله )
( وأنكر بري ويا طالما ... أتاني يوما فألفى صله )
وقال
( وليل نظمنا به شملنا ... كما انتظم البيت بالقافيه )
( وفرقنا الدهر من بعد ذا ... فلست من اليوم ألقى فيه )
أي فئة ولا يكمل التجنيس فيه إلا بتسهيل الهمزة كما قال رفيقه ولما أنشده قال
ومن هذا النوع قول بعض الأندلسيين
( وقائل قال ألا صف لنا ... بستاننا هذا ونارنجنا )
( قلت لهم بستانكم جنة ... ومن جنى النارنج نارا جنى )
وقال ابن جابر المذكور
( قل بحق الهوى سمحت بوصل ... ربة القلب أم نهاك الرقيب )
( رمت نيل الوصال منها فقالت ... لك وصل غدا فقلت قريب )
وقال
( زين الخد منه صدغ كنون ... قد بدا تحته عذار كلام )
( قلت هذي محاسن ابن هلال ... فانثنى وهو ضاحك من كلامي )
وقال
( لهاحسن لها عن كل شيء ... به قلبي فما أنا أستفيق )
( على وجناتها نعمان يبدو ... لنا وشفاهها هن العقيق )
وقال
( تمر في ذكركم الله أحياني ... ولو سرى طيفكم ليلا لأحياني )
( لا يعذب العيش لي بعد العذيب ولا ... نعيم مثل ليالينا بنعمان )
وقال
( مداراة هذا الخلق أوليك بينهم ... صفات هي الأقمار والنظم دارات )
( وشارات حمد المرء أن لا ترى له ... على الناس مما لازم الحلم دارات )
وقال
( أرى كمدا سعيي إلى خامل ولو ... أراك مدى في فرقد بلغ السها )
( وما الخير يوما من لئيم بممكن ... وإن كان منه الخير يوما فقد سها )
وقال
( أرى حيدي عن كل طارىء نعمة ... أراح يدي من أن يقيدها الذل )
( فمن أخذ المعروف من غير أهله ... تروح الليالي وهو في عنقه غل )
وقال
( شبا لحظها الماضي وحسن شبابها ... هما حملا نفسي من الوجد ما بها )
( كثيب النقا من ردفها وقضيبه ... لمعطفها والبدر تحت نقابها )
وقال
( حل عقد الصبر مني عقدها ... إذ سبت قلبي بما في قلبها )
( تحسب الدر على لبتها ... أنجما قد كلل البدر بها )
وقال
( شعر كالليل يبدو تحته ... قمر قد حار شعري في صفاته )
( نقل المسواك عن مبسمه ... أن ماء الورد يجري من لثاته )
وقال
( من سن تلك اللحاظ فاتبعت ... من سنة الحب كل متبع )
( تقتل عشاقها بلا سبب ... وذاك في الحب غير مبتدع )
وقال
( وما شجو صال لوعة الهجر قد قضى ... زمان وصال لم تكدر مشاربه )
( كشجو محب لم يذق لذة الرضى ... ولا بات والغيد الحسان تلاعبه )
وقال
( سرت في رحال العيس منه أهلة ... فأيسر حال أن أزودها قلبي )
( بعيشك قل لي هل داروا كيف علتي ... وفيض دموعي بعد منصرف الركب )
وقال
( من جنى باللحاظ زهر المعاني ... من جناب الحمى إذا الناس ناموا )
( هو قد نال كل ما يتمنى ... وسعت في مراده الأيام )
وقال
( لطائف حسنها بربوع قلبي ... لطائف ألجأتني للغرام )
( تريك تكاسلا في اللحظ منها ... لتحسبه تنبه من منام )
وقال
( إذا زرت حيا بالعقيق فحيهم ... وذكرهم عهدي وحق ودادي )
( حرام فراق العيس حتى تحلني ... بواديه من تلك الوجوه بوادي )
وقال
( من فرط ما في الطرف من فتنة ... قد غلب الحب على الناس )
( قالت نسيت العهد قلت اكففي ... عني فما عبدك بالناسي )
( بين نعمان وسلع ملأ ... ليس منهم لمحب ألم )
( كلفي منهم ببدر حل في ... فلك العلياء فاعرف من هم )
وقال
( أراقبها وحين أرى سبيلا ... أقاربها فتنفر كالغزال )
( وقالت أنت مرتقب لماذا ... فقلت لها ارتقابي للهلال )
وله من قصيدة مطولة في فضائل الصحابة العشرة وأهل البيت فمما يختص منها بأبي بكر رضي الله تعالى عنه قوله
( فمنهم أبو بكر خليفته الذي ... له الفضل والتقديم في كل مشهد )
( وصديق هادي الخلق والمؤثر الذي ... لإنفاقه للمال في الله قد هدي )
( وصهر رسول الله وابنته التي ... يبرئها نص الكتاب الممجد )
( وصاحبه في الغار إذ قال لا تخف ... فثالثنا ذو العرش أوثق منجد )
( وسد على المختار مخرج حية ... هناك برجل منه فازت بأسعد )
( وفيه وفي خير الأنام تسامعوا ... بمكة صوت الهاتف المتقصد )
( جزى الله رب الناس خير جزائه ... رفيقين حلا خيمتي أم معبد )
( وعتق بلال حسبه فهو سيد ... تأثل في الإسلام إعتاق سيد )
( وقال رسول الله إن أمنكم ... علي أبو بكر وأوفى بموعد )
( فصدق إذ كذبتم وأطاع إذ ... عصيتم ووافاني موافاة مسعد )
( ولو أنني من أمتي كنت آخذا ... خليلا تولى خلتي وتوددي )
( لكان أبو بكر ولكن أخوة ... في الاسلام مهما تنقص الناس تزدد )
( فلما أراد الله قبض نبيه ... وصار إلى دار النعيم المخلد )
( تقدم في نيل الخلافة بعده ... بإجماعهم لا بالحسام المهند )
( وقد فارقت يوم السقيفة فرقة ... فلما رأته الحق لم تتردد )
( وقام علي بعد ذاك مبايعا ... فأثنى ثناء المخلص المتودد )
( وأظهر عذرا في تأنيه صادقا ... وبايع طوعا لا لفقدان مسند )
( فآب بحمد منهم غير قاصر ... ومن يتبع الإنصاف والحق يحمد )
( وما أشبه الصديق في الفضل مشبه ... ولا أحصيت أوصافه بتعدد )
ومما يختص بعمر رضي الله تعالى عنه قوله من هذه القصيدة
( ويتبعه في فضله عمر الذي ... رمى عن قسي الصدق قوس مسدد )
( وما كل من رام السعادة نالها ... ولكنه من يسعد الله يسعد )
( هو المرء لم يترك له الحق صاحبا ... ولا قعد الشيطان منه بمقعد )
( ولا سلك الشيطان فجا قد اغتدى ... له سالكا من خوفه المتزيد )
( ومن ظله قد كان ينفر هيبة ... له حيثما أضحى يروح ويغتدي )
( وقد جاء عنهم ما برحنا أعزة ... بإسلامه فانكف من كان يعتدي )
( ومن قولهم إسلامه كان غرة ... وهجرته فتحا شجا كل ملحد )
( وإمرته كانت على الناس رحمة ... فآبوا إلى فتح وعز ممهد )
( ومن فضله رعي النبي بغيره ... له فانثنى عن قصره المتشيد )
( وقد قيل للفاروق هذا ومن به ... فأنبأه عن ذا النعيم المؤبد )
( فأقبل يبكي قائلا كيف غيرتي ... عليك ولولا أنت ما كنت أهتدي )
( ورؤيا رسول الله للقدح الذي ... تناول من در به غاية الصدى )
( وناوله الفاروق من بعد ما ارتووا ... إلى أن غدا من ظفره الري يبتدي )
( فأوله العلم الذي منه ناله ... وأول رؤيا الدلو حسن التأيد )
( فصارت له غربا فأروى بها الورى ... فكان افتتاح الأرض فتح ممهد )
( ورؤياه أيضا في قميص يجره ... وللناس قمص بعضها يبلغ الثدي )
( فأول خير الخلق طول قميصه ... بما حاز في إيمانه من تأيد )
( وتفريقه ما بين حق وباطل ... بيوم سقى الكفار أفظع مورد )
( وسمي بالفاروق من أجل هذه ... وما زال في نص الهدى ذا تجلد )
( وحسبك أن الله وافق رأيه ... لدى يوم بدر إذ رأى قتل من فدي )
( كذا في أذان والحجاب وجعلهم ... مصلى مقاما للخليل بمسجد )
( شديد على أهل الهوى رحمة لمن ... عن الحق لم يجنح ولم يتحيد )
( ومما رووا إن كان في أمة فتى ... يحدث فالفاروق من ذاك فاعدد )
( وما أبغض الفاروق إلا مفارق ... لدين الهدى ذو مذهب لم يسدد )
ومما يختص بعثمان رضي الله تعالى عنه قوله
( وحسبي عثمان بن عفان أنه ... عليه اعتمادي وهو سؤلي ومقصدي )
( إما صبور للأذى وهو قادر ... حليم عن الجاني جميل التعود )
( هو الجامع القرآن والقانت الذي ... إذا جن ليل ليس يأوي لمرقد )
( ويقطع بالصوم النهار وينثني ... مدى ليله في خشية وتهجد )
( وقال رسول الله في بئر رومة ... أما مشتر يبغي به الأجر في غد )
( له الجنة العليا بذلك فاشترى ... وتجهيز جيش العسرة اذكر وعدد )
( فقال رسول الله إذ جاءه بما ... قد احتاج من مال وظهر وأعبد )
( هنيئا لعثمان بن عفان فعله ... وما ضره ما بعد مع هذه اليد )
( وقول ألا أبدي حياء لمن له ... قد استحيت الأملاك أشرف محتد )
( وبلغ بشرى الهاشمي بأنه ... من الجنة العليا بأكرم مقعد )
( ولكن على بلوى وقال سأرتضي ... وأصبر صبر الطائع المتجلد )
( فأظهر يوم الدار صبر أولي النهى ... ولو شاء لم تظفر به يد معتد )
( ولم يرض صونا للدماء بحربهم ... وكان متى يستنجد القوم ينجد )
( فمات شهيدا صابرا فهو خير من ... على نفسه في غير حق قد اعتدي )
( على بنتي المختار أرخى ستوره ... فناهيك من مجد وعز مجدد )
( ولم يدع ذا النورين إلا لأنه ... حوى بيته نورين من نور أحمد )
( وإن لعثمان بن عفان رتبة ... من المجد تسمو عن سماك وفرقد )
ومما يختص بعلي رضي الله تعالى عنه قوله
( وإن عليا كان سيف رسوله ... وصاحبه السامي لمجد مشيد )
( وصهر النبي المجتبى وابن عمه ... أبو الحسنين المحتوي كل سؤدد )
( وزوجه رب السما من سمائه ... وناهيك تزويجا من العرش قد بدي )
( بخير نساء لجنة الغر سؤددا ... وحسبك هذا سؤددا لمسود )
( فباتا وحلي الزهد خير حلاهما ... وقد آثرا بالزاد من جاء يجتدي )
( فآثرت الجنات من حلل ومن ... حلي لها رعيا لذاك التزهد )
( وما ضر من قد بات والصوف لبسه ... وفي السندس الغالي غدا سوف يغتدي )
( وقال رسول الله إني مدينة ... من العلم وهو الباب والباب فاقصد )
( ومن كنت مولاه علي وليه ... ومولاك فاصدق حب مولاك ترشد )
( وإنك مني خاليا من نبوة ... كهرون من موسى وحسبك فاحمد )
( وقال غدا أعط اللواء محببا ... إلي وللرحمن بالنصر مرتدي )
( فباتوا وكل يشتهي أن ينالها ... إلى أن بدا وجه الصباح المجود )
( فنادى عليا ثم أبرأ عينه ... بنفث كأن لم يمس قبل بأرمد )
( فأعطاه إياه وقال له ادعهم ... ومهما أبوا فانهد إليهم تؤيد )
( فجدل منهم من جنى عندما دعا ... إلى الحرب دعوى الفاتك المتمرد )
( وقاتل طول اليوم والباب ترسه ... يجر به للقوم في كل مرصد )
( فأعجزهن الباب من بعد عشرة ... فما الظن في هذا القوي المؤيد )
( وكان من الصبيان أول سابق ... إلى الدين لم يسبق بطائع مرشد )
( وجاء رسول الله مرتضيا له ... وكان عن الزهراء بالمتشرد )
( فمسح عن الترب إذ مس جلده ... وقد قام منه آلفا للتفرد )
( وقال له قول التلطف قم أبا ... تراب كلام المخلص المتودد )
( وفي ابنيه قال المصطفى ذان سيدا ... شبابكم في دار عز وسؤدد )
( وأرسله عنه الرسول مبلغا ... وخص بهذا الأمر تخصيص مفرد )
( وقال هل التبليغ عني ينبغي ... لمن ليس من بيتي فبالقوم فاقتد )
( وقد قال عبد الله للسائل الذي ... أتى سائلا عنهم سؤال مندد )
( وأما علي فالتفت أين بيته ... وبيت رسول الله فاعرفه وأشهد )
( بأمرين من حر وبرد فلم يجد ... أذى بردها أو حرها المتوقد )
( وما زال صواما منيبا لربه ... على الحق قواما كثير التعبد )
( فنوعا من الدنيا بما نال معرضا ... عن المال مهما جاءه المال يزهد )
( لقد طلق الدنيا ثلاثا وكلما ... رآها وقد جاءت يقول لها ابعدي )
( وأقربهم للحق فيها وكلهم ... أولو الحق لكن كان أقرب مهتد
ومنها في ذكر السبطين رضي الله تعالى عنهما
( وبالحسنين السيدين توسلي ... بجدهما في الحشر عند تفردي )
( هما قرتا عين الرسول وسيدا ... شباب الورى في جنة وتخلد )
( وقال هما ريحانتاي أحب من ... أحبهما فاصدقهما الحب تسعد )
( هما اقتسما شبه الرسول تعادلا ... وماذا عسى يحصيه منهم تعددي )
( فمن صدره شبه الحسين أجله ... وللحسن الأعلى وحسبك فاعدد )
( وللحسن السامي مزايا كقوله ... هو ابني هذا سيد وابن سيد )
( سيصلح رب العالمين به الورى ... على فرقة منهم وعظم تبدد )
( وإن تطلبوا ابنا للنبي فلن تروا ... سواي مقال منه غير مفند )
( بدا سيدا ظهر الرسول قد ارتقى ... فقر ولم يعجله وهو بمسجد )
( فقالوا له طال السجود فقال لا ... ولكنما ابني خفت إن قمت يشرد )
( وكان الحسين الصارم الحازم الذي ... متى يقصر الأبطال في الحرب يشدد )
( شبيه رسول الله في البأس والندى ... وخير شهيد ذاق طعم المهند )
( لمصرعه تبكي العيون وحقها ... فلله من جرم وعظم تمرد )
( فبعدا وسحقا لليزيد وشمره ... ومن سار مسرى ذلك المقصد الردي )
ومنها في ذكر حمزة رضي الله تعالى عنه
( ومن مثل ليث الله حمزة ذي الندى ... مبيد العدا مأوى الغريب المطرد )
( فكم حز أعناق العداة بسيفه ... وذب عن المختار كل مشدد )
( فقال رسول الله هذا أمرته ... ولي أسد ضار لدى كل مشهد )
( وقال أبو جهل أصبت محمدا ... بما ساءه فاهتز هزة سيد )
( وأهوى له بالقوس ما بين قومه ... وقال وأخرى بالحسام المهند )
( وقال له إني على دينه فإن ... أطقت فعرج عن طريقي واردد )
( فذل أبو جهل وأبدى تلطفا ... ومن ينصر الحق المبين يؤيد )
( فعاد وقد نال السعادة واهتدى ... وأضحى لدين الله أكرم مسعد )
( وفي يوم بدر حث عند سؤالهم ... لما شهدوا من بأسه المتوقد )
( لمن كان إعلام بريش نعامة ... يشردنا مثل النعام المشرد )
( فذاك الذي والله قد فعلت بنا ... أفاعيله في الحرب ما لم نعود )
( وفي أحد نال الشهادة بعدما ... أذاق سباعا للردى شر مورد )
( ففاز وأضحى سيد الشهداء في ... ملائكة الرحمن يسعى ويغتدي )
( وصلى رسول الله سبعين مرة ... عليه إلى ثنتين عند التعدد )
( وقال مصاب لن نصاب بمثله ... وإن كان لي يوم سأجزي بأزيد )
( وأسمعهم لكن حمزة ما له ... وبشر بالنار النوائح ما عدي )
( نوائحه ... وقلن يا أعين اسعدي )
( وزاد إلى فضل العمومة أنه ... أخوه رضاعا هكذا المجد فاشهد )
( وما زال ذا عرض مصون عن الأذى ... ومال مهان في العطايا مبدد )
( كريم متى ما أوقد النار للقرى ... تجد خير نار عندها خير موقد )
ومنها في ذكر العباس رضي الله تعالى عنه
( وقد بلغ العباس في المجد رتبة ... تقول لبدر التم قصرت فابعد )
( ألا إنه فضل السقاية قد حوى ... فكان لوفد الله أكرم مورد )
( وكان طويل الباع في الباس والندى ... كريما متى يسترفد القوم يرفد )
( ويوم حنين ليس ينسى ثباته ... ودعوته مستنجدا كل منجد )
( وقال رسول الله فيه علي ما ... عليه وأيضا مثله في التزيد )
( إلا إن عم المرء صنو أبيه كي ... يزيدهم في بره المتأيد )
( وبشره أن الخلافة في الورى ... لأولاده من سيد ومسود )
( بشيبته استسقوا إذ المحل شامل ... فجاءهم غيث سقى كل فدفد )
انتهى ما وقفت عليه من هذه القصيدة الفريدة وليس بيدي الآن ديوان شعره حتى أكتبها بكمالها فإنها مناسبة لهذا الباب الذي جعلناه ختما للكتاب كما لا يخفى
ومن مقطعات ابن جابر
( شغفت بها حينا من الدهر لم يكن ... سوى سكب دمعي في محبتها كسبي )
( وما أصل هذا كله غير نظرة ... إلى مقلة منها أضعت لها قلبي )
وقال
( قد بان عذري في مليح له ... لحظا رشا يلحظ من ذعر )
( إني على الهجر مطيع له ... ممتثل في السر والجهر )
وقال
( هذا الرشا يقنص ليث الشرى ... بنظرة منه فلا مخلص )
( لو عارض العاذل يوما له ... لكان من أول ما يقنص )
368 - وقال
( ظبية في ثغرها لعس ... يجتنى من رشفه عسل )
( سلك التيه بمقلتها ... مسلكا قد زانه كسل )
وقال
( رقم الخال خدها فرأينا ... قمر الأفق فيه نقطة ليل )
( قلت أين الكثيب والغصن قالت ... كل ما قد ذكرته تحت ذيلي )
وقال
( إن خفت من فتك المهند والقنا ... فإذا رنت وإذا مشت لا تقرب )
( في قلب برقعها محاسن أنزلت ... قمر السماء لنا بقلب العقرب )
وقال
( رأى عذولي حسنها بعدما ... حقق كوني للهوى جانحا )
( فقال إن كنت محبا لها ... فقد حمدنا رأيك الناجحا )
وقال
( ذكر الله بالمرية عيشا ... لست عن ذكره الجميل أحول )
( طال عهدي بها وما دمت حيا ... لا يزيد الرجاء بل قد يطول )
وقال
( مرت ليال بالمرية طالما ... قضيت من ليل بهن مآربا )
( لم أسل عن تلك الديار وإنما ... جعل القضاء لكل نفس غالبا )
369 - وقال
( لا تعقني عن العقيق فإني ... بين أكنافه تركت فؤادي )
( وعلى تربه وقفت دموعي ... ولسكانه وهبت ودادي )
وقال
( عرف المنزل الذي دار فيه ... زمن الأنس والشباب النضير )
( فشجاه قلب التلاقي فراقا ... وانثنى عنه ذا فؤاد كسير )
وقال
( جمال هذا الغزال سحر ... يا حبذا ذلك الجمال )
( هلال خديه لم يغيب ... عني وإن غيب الهلال )
( غزال أنس يصيد أسدا ... فاعجب لما يصنع الغزال )
( دلاله دل كل شوق ... علي إذ زانه الدلال )
( كماله لا يخاف نقصا ... دام له الحسن والكمال )
( نباله قد رمت فؤادي ... يا حبذا تلكم النبال )
( حلال وصلي له حرام ... وحكم قتلي له حلال )
( زلال ذاك الحمى حياتي ... وأين لي ذلك الزلال )
( قتاله لا يطاق لكن ... يعجبني ذلك القتال )
وقال
( بين تلك الخيام أكرم حي ... طربت للندى عليهم خيام )
( قد أقاموا بين العقيق وسلع ... فحياة النفوس حيث أقاموا )
وقال
( إذا جئت نجدا كرم الله عهده ... فسلم على أهل المنازل من نجد ) 370
( لئن حال بعد الدار بيني وبينهم ... فإني لأرعاهم على ذلك البعد )
وقال
( خجلت عندما نظرت إليها ... وانثنت وهي بين تيه ومنع )
( إنما ورد خدها زرع طرفي ... حين مروا فكيف أحرم زرعي )
وقال
( لك نفسي إذا بدت لك نجد ... فلقد سرني الزمان بنجد )
( فلتلك الخيام عندي عهد ... وأبى الله أن أضيع عهدي )
وقال
( سل عن القوم إن بدت لك سلع ... ففؤادي عند الذين بسلع )
( لي على تلكم المعاهد دمع ... كاد يغني بها عن اللث دمعي )
وقال صفحوا عن محبهم وأقالوا ... من عثار النوى ومنوا بوصل )
( لست أستوجب الوصال ولكن ... أهل تلك الخيام أكرم أهل )
وقال
( مال الزمان بهم عني وقد بعدوا ... لم يلهني عنهم أهل ولا مال )
( إني لأخشى وما الأيام طوع يدي ... أني أموت ولي في القلب آمال )
وقال
( بين وادي النقا وبان المصلى ... ملأ ألبسوا الوجود جمالا )
( إن يكن قد نوى لي الدهر قربا ... منهم فهو قد كفاني نوالا ) 371
وقال
( زرت الديار عن الأحبة سائلا ... ورجعت إذلالا بدمع سائل )
( ونزلت في ظل الأراكة قائلا ... والربع أخرس عن جواب القائل )
وقال
( لا أوحش الله المنازل منهم ... منهم غدت تلك الديار حسانا )
( فاشكر لدهرك أن أراك بحاجر ... بان الحمى وأراكه قد بانا )
وقال
( لك يا وادي العقيق علينا ... كل ما شئت من ذمام وثيق )
( فمن البر أنني أتبرى ... من عقوق لمنزل بالعقيق )
وقال
( يا أهل ذي سلم بشرى لمستلم ... ذاك الثرى مقدم في السير لم ينم )
( يؤم دارا بها خير الورى حسبا ... الخاتم الرسل من عرب ومن عجم )
ولنقتصر من كلام ابن جابر في هذا الموضع على هذا المقدار وإنما أطنبت فيه لما تقدم من الاعتراض على لسان الدين في عدم توفيته بحق المذكور وحق رفيقه مع أنه أطال فيمن دونهما من أهل عصره وأيضا فإن كليهما غريب عندنا بالمغرب لكونهما ارتحلا قبل أن يشتهرا كل الاشتهار وكان خبرهما في لشرق أشهر
من شعر رفيق ابن جابر
وأما رفيقه شارح بديعيته فقد ذكرنا في غير هذا الموضع بعض حاله وكلامه ولنزد هنا ما تيسر فنقول من نظمه ( لئن حال بعد الدار بيني وبينهم ... فإني لأرعاهم على ذلك البعد )
وقال
( خجلت عندما نظرت إليها ... وانثنت وهي بين تيه ومنع )
( إنما ورد خدها زرع طرفي ... حين مروا فكيف أحرم زرعي )
وقال
( لك نفسي إذا بدت لك نجد ... فلقد سرني الزمان بنجد )
( فلتلك الخيام عندي عهد ... وأبى الله أن أضيع عهدي )
وقال
( سل عن القوم إن بدت لك سلع ... ففؤادي عند الذين بسلع )
( لي على تلكم المعاهد دمع ... كاد يغني بها عن اللث دمعي )
وقال
( صفحوا عن محبهم وأقالوا ... من عثار النوى ومنوا بوصل )
( لست أستوجب الوصال ولكن ... أهل تلك الخيام أكرم أهل )
وقال
( مال الزمان بهم عني وقد بعدوا ... لم يلهني عنهم أهل ولا مال )
( إني لأخشى وما الأيام طوع يدي ... أني أموت ولي في القلب آمال )
وقال
( بين وادي النقا وبان المصلى ... ملأ ألبسوا الوجود جمالا )
( إن يكن قد نوى لي الدهر قربا ... منهم فهو قد كفاني نوالا )
وقال
( زرت الديار عن الأحبة سائلا ... ورجعت إذلالا بدمع سائل )
( ونزلت في ظل الأراكة قائلا ... والربع أخرس عن جواب القائل )
وقال
( لا أوحش الله المنازل منهم ... منهم غدت تلك الديار حسانا )
( فاشكر لدهرك أن أراك بحاجر ... بان الحمى وأراكه قد بانا )
وقال
( لك يا وادي العقيق علينا ... كل ما شئت من ذمام وثيق )
( فمن البر أنني أتبرى ... من عقوق لمنزل بالعقيق )
وقال
( يا أهل ذي سلم بشرى لمستلم ... ذاك الثرى مقدم في السير لم ينم )
( يؤم دارا بها خير الورى حسبا ... الخاتم الرسل من عرب ومن عجم )
ولنقتصر من كلام ابن جابر في هذا الموضع على هذا المقدار وإنما أطنبت فيه لما تقدم من الاعتراض على لسان الدين في عدم توفيته بحق المذكور وحق رفيقه مع أنه أطال فيمن دونهما من أهل عصره وأيضا فإن كليهما غريب عندنا بالمغرب لكونهما ارتحلا قبل أن يشتهرا كل الاشتهار وكان خبرهما في الشرق أشهر
من شعر رفيق ابن جابر
وأما رفيقه شارح بديعيته فقد ذكرنا في غير هذا الموضع بعض حاله وكلامه ولنزد هنا ما تيسر فنقول من نظمه
( لما عدا في الناس عقرب صدغها ... كفت أذاه من الورى بالبرقع )
( والصبح تحت خمارها متستر ... عنا متى شاءت تقول له اطلع )
وقال
( تجنت فجن في الهوى كل عاقل ... رآها وأحوال المحب جنون )
( وما وعدت إلا عدت في مطالها ... كذلك وعد الغانيات يكون )
وقال
( لا تجدوا في الهوى على كلف ... نظيره في الغرام لن تجدوا )
( لهفان ما يشتكي إلى أحد ... ظمآن غير الدموع لا يرد )
وقال
( رب ليل قطعته بالجزيره ... فتذكرت أهلنا بالجزيره )
( قصر الأنس ماتطاول منه ... وكذا أزمن السرور يسيره )
قال والجزيرة الأولى المراد بها حمص المحيط بها النهر المسمى بالعاصي والثانية جزيرة الأندلس
وله أيضا
( وما لي والتزين يوم عيد ... وجيد صبابتي بالدمع حالي )
( وقد أرسلت أشهبها بريدا ... وبعد كميتها ينبي بحالي )
والمراد بالأشهب الدمع الذي لا يشوبه شيء وبالكميت الدمع المشوب بالدم قال رحمه الله في شرح البديعية وقد ذكر العقيق بعد كلام ما نصه قلت وكان هذا الوادي المبارك زمن عثمان رضي الله تعالى عنه ذا قصور محتفة وحدائق ملتفة وبنيان مشيد ونخل طلعه نضيد وجنات تؤتي أكلها كل حين
وسواق تجري به بماء معين ثم لعبت به أيدي السنين وغيرت معالمه فصار عبرة للناظرين فلم يبق من معاهده إلا آثار تشهد بحسنه ونضرة نعيم تدل على ما سلف من نضارة غصنه وقد خرجنا إلى هذا الوادي أيام مجاورتنا بالمدينة الشريفة وهو يتدفق بمائه ويعارض بجوهر حبابه أنجم سمائه وقج سالت شعابه وفاض عبابه والناس تفرقوا في جهاته وافترشوا غض نباته والشيح قد توشح بالندى والأنس قد راح به وغدا والأصيل مذهب الرداء والبيداء مخضرة الأنداء وبحافته آثار قصور ليس لها في الحسن قصور قد بليت وحسنها جديد وخربت وربعها بالأنس مشيد انتهى
ومن بديع نظمه قوله
( مهلا فما شيم الوفا منقادة ... لمن ابتغى من نيلها أوطارا )
( رتب المعالي لا تنال بحيلة ... يوما ولو جهد الفتى أو طارا )
وقوله رحمه الله تعالى
( على وادي العقيق سكبت دمعي ... بلا عين فيبدو كالعقيق )
( فكم غصن وريق منه يحكي ... قوام رشا شهي فم وريق )
وقال
( سألتك بالله يا من غدا ... يصرف بالقلب أفعاله )
( تدارك محبا بدرياق وصل ... فإن بعادك أفعى له )
وقال
( لا تأمننه على القلو ... ب فمنه أصل غرامها )
( فلحاظه هن التي ... رمت الورى بسهامها )
ومن فوائده رحمه الله تعالى في شرح البديعية ما نصه ومن غريب ما في
لدى أن أبا علي حكى في تذكرته عن المفضل أنه أتت بمعنى هل وأنشد
( لدى من شباب يشترى بمشيب ... وكيف شباب المرء بعد ذهاب )
رجع وقال رحمه الله تعالى يتشوق إلى حمراء غرناطة
( ذابت على الحمراء حمر مدامعي ... والقلب فيما بين ذلك ذائب )
( طال المدى بي عنهم ولربما ... قد عاد من بعد الإطالة غائب )
وقال
( ما هب من نحو السبيكة بارق ... إلا غدا شوقي لقلبي شابكا )
( والله ما اخترت الفراق لربعها ... لكن قضاء الله أوجب ذلكا )
وقال
( منازل سلمى إن خلت فلطالما ... بها عمرت في القلب مني منازل )
( رسائل شوقي كل يوم تزورها ... وما ضيعت عند الكرام الرسائل )
وقال
( بجور الوداع لنا موقف ... أذاب الفؤاد لأجل الوداع )
( فما أنا أنسى غداة النوى ... وحادي الركائب للبين داعي )
قال وجور الوداع موضع بظاهر غرناطة عادة من سافر أن يودع هناك
وقال
( ناولته وردة فاحمر من خجل ... وقال وجهي يغنيني عن الزهر )
( الخد ورد وعيني نرجس وعلى ... خدي عذار كريحان على نهر )
وقال رحمه الله تعالى في التشريع
( يا راحلا يبغي زيارة طيبة ... نلت المنى بزيارة الأخيار )
( حي العقيق إذا وصلت وصف لنا ... وادي منى بأطايب الأخبار )
( وإذا وقفت لدى المعرف داعيا ... زال العنا وظفرت بالأوطار )
وقال
( يا أولا في المرسلين وآخرا ... الله خصك بالكمال ليرضيك )
( من قبل آدم قد جعلت نبيه ... قدما فقدمك الإله ليعليك )
( أوحى إليك لكي تكون حبيبه ... ويتم نعمته عليك ويهديك )
وقال
( صيرتني في هواك اليوم مشتهرا ... لا قيس ليلى ولا غيلان في الأول )
( زعمت أن غرامي فيك مكتسب ... لا والذي خلق الإنسان من عجل )
وقال
( لا تعاد الناس في أوطانهم ... قلما يرعى غريب الوطن )
( وإذا ما شئت عيشا بينهم ... خالق الناس بخلق حسن )
وقال
( نسختي اليوم في المحبة أصل ... فعليها اعتماد كل عميد )
( نقلوا مرسل المدامع منها ... وصحيح الهوى بغير مزيد )
( قد رواها قبلي جميل وقيس ... حين هاما بكل لحظ وجيد )
ومن فوائده أنه لما أنشد في طراز الحلة قول سعد الدين محمد بن عربي في ابن مالك
( إن الإمام جمال الدين فضله ... )
إلى آخره قال ما ملخصه ولما أورده الصفدي في فض الختام قال هذا في غاية الحسن لو كان الكتاب المذكور يسمى الفوائد وإنما هو تسهيل الفوائد فذكر المضاف إليه دون المضاف وهي تورية ناقصة قلت ابن مالك له كتابان أحدهما الفوائد صنعه أولا ثم صنع تسهيل الفوائد بعده وكأنه سهل فيه كتاب الفوائد وكنت وقفت على هذا الكتاب المسمى بالفوائد ببلدنا غرناطة فلما وصلنا إلى هذه البلاد بحثنا عنه فلم نجده وتمادى الأمر على ذلك إلى سنة 760 فوجدناه في حلب وهو الآن عندنا وهو عزيز الوجود ولذلك خفي على القاضي صلاح الدين انتهى وبعضه بالمعنى
وقال أبو جعفر أحمد المترجم به كتبت إلى صاحبنا الشيخ بدر الدين خليل الناسخ
( مددت النوى وقصرت اللقا ... أترضى بهذا وأنت الخليل )
( وتترك أحمد ذا وحشة ... لديك وأنت له ابن جليل )
وقال
( قد كان لي أنس بطيب حديثكم ... والآن صار حديثكم برسول )
( ولقد مددت من النوى مقصوره ... إن الخليل يراه غير جميل )
وله رحمه الله تعالى
( ما للنوى مدت وأنت خليلنا ... ولقبل قد قصرت برغم الكاشح )
( أتبعت في ذا مذهبا لا يرتضى ... أبدا وليس الرأي فيه بصالح )
وله
( ولما رأى الحساد منك التفاتة ... إلى جانب اللهو الذي كان مرفوضا )
( أضافوا إلى علياك كل نقيصة ... حقيق لدينا بالإضافة مخفوضا )
وله
( حسنك ما بين الورى شائع ... قد عرف الآن بلام العذار )
( فجاء منه مبتدا للهوى ... خبره الآس مع الجلنار )
ولنقتصر على هذا المقدار إلى هنا
رجع إلى أولاد لسان الدين رحمهم الله تعالى
وقد قدمنا أن علي بن لسان الدين كان نديم السلطان وخاصته كما ذكرنا في مخاطبته لابن مرزوق في الباب الخامس قوله فالسلطان يرعاه الله تعالى يوجب ما فوق مزية التعظيم والولد هداهم الله تعالى قد أخذوا بحظ قل أن ينالوه بغير هذا الإقليم والخاصة والعامة تعامل بحسب ما بلته من نصح سليم وترك لما بالأيدي وتسليم وتدبير عاد على عدوها بالعذاب الأليم إلا من أبدى السلامة وهو من إبطان الحسد بحال السليم انتهىولقد صدق رحمه الله تعالى فيما ذكره من النصح وغيره
ومن نصائحه رحمه الله تعالى ما كتب به على لسان السلطان ونصه من عبد الله أميرالمسلمين محمد وصل الله تعالى سعده وبلغه من فضله العميم قصده إلى أوليائنا المخصوصين منا ومن سلفنا بذمام الجوار القريب والمساكنة التي لا يتطرق إلى حقها الذي بني استرابة المستريب المعتمدين إذا عدت الرعايا وذكرت المزايا بمزيد الاعتناء والتقريب من الأشياخ الجلة الشرفاء والعلماء والصدور الفقهاء والعدول الأذكياء والأعيان
الوزراء والحماة المدافعين عن الأرجاء والأمناء الثقات الأتقياء والكافة الذين نصل إليهم عوائد الاعتناء ونسير فيهم بإعانة الله تعالى على السبيل السواء من أهل حضرتنا غرناطة المحروسة بفضل الله تعالى وربضها شرح الله تعالى لقبول الحكمة والموعظة الحسنة صدورهم وكنف بنتائج الاستقامة سرورهم وأصلح بعنايته أمورهم واستعمل فيما يرضيهم أميرهم ومأمورهم سلام كريم عليكم أجمعين ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد حمد الله الذي إذا رضي عن قوم جعل لهم التقوى لباسا والذكرى لبناء المتاب أساسا والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسوله الذي هدانا إلى الفوز العظيم ابتغاء لرحمته والتماسا والرضى عن آله الذين اختارهم له ناسا وجعلهم مصابيح من بعده اقتداء واقتباسا فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى إعزازكم وحرس أحوازكم وجعل للعمل الصالح اهتزازكم وبقبول النصائح امتيازكم من مستقرنا بمحروسة الحمراء حماها الله سبحانه ولا متعرف بفضل الله تعالى إلا هداية تظهر على الأقوال والأعمال وعناية تحف من اليمين والشمال وتوكل على الله يتكفل لنا ببلوغ الآمال وأنتم أولياؤنا الذين لا ندخر عنهم نصحا ولا نهمل تدبيرهم ما يثمر نجحا وبحسب هذا الاعتقاد لا نغفل عن نصيحة ترشدكم إذا غفلتم وموعظة نقصها عليكم إذا اجتمعتم في بيوت الله واختلفتم وذب عنكم تارة بسلم تعقدها ومطاولة نسددها وتارة بسيوف في سبيل الله تعالى نحددها وعمارة للشهادة نرددها ونفوس بوعد الله نعدها ونرضى بالسهر لتنام أجفانكم وبالكد لتتدع صبيانكم وولدانكم وباقتحام المخاوف ليتصل أمانكم ولو استطعنا أن نجعل عليكم وقاية كوقاية الوليد لجعلنا او امكننا ان لا تفضلكم رعية بصلاح دين أو دينا لفعلنا هذا شغل زماننا منذ عرفناه ومرمى همنا مهما استهدفناه وقد استرعانا الله تعالى جماعتكم وملانا طاعتكم وحرم علينا إضاعتكم
والراعي إذا لم يقصد بسائمته المراعي الطيبة وينتجع مساقط الغمائم الصيبة ويوردها الماء النمير ويبتغ لها النماء والتثمير ويصلح خللها ويداو عللها قد عددها وعدمت غلتها وولدها فندم على ما ضيعه في أمسه وجنى عليها وعلى نفسه
وألفيناكم في أيامنا هذه الميامن عليكم قد غمرتكم آلاء الله تعالى ونعمه وملأت أيديكم مواهبه وقسمه وشغل عدوكم بفتنة قومه فنمتم للعافية فوق مهاد وبعد عهدكم بما تقدم من جهد وجهاد ومخمصة وسهاد فأشفقنا أن يجركم توالي الرخاء إلى البطر أو تحملكم العافية على الغفلة عن الله تعالى وهي أخطر الخطر أو تجهلوا مواقع فضله تعالى وكرمه أو تستعينوا على معصيته بنعمه فمن عرف الله تعالى في الرخاء وجده في الشدة ومن استعد في المهل وجد منفعة العدة والعاقل من لا يغتر في الحرب أو السلم بطول المدة فالدهر مبلي الجدة ومستوعب العدة والمسلمون إخوانكم اليوم قد شغلوا بأنفسهم عن جبركم وسلموا لله في نصركم ونشبت الأيدي ولا حول ولا قوة إلا بالله بثغركم وأهمتهم فتن تركت رسوم الجهاد خالية خاوية ورياض الكتائب الخضر ذابلة ذاوية فإن لم تشمروا لما بين أيديكم في هذه البرهة فماذا تنتظرون وإذا لم تستنصروا بالله مولاكم فبمن تستنصرون وإذا لم تستعدوا في المهل فمتى تستعدون لقد خسر من رضي في الدنيا والآخرة بالدون فلا تأمنوا مكر الله ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون )
ومن المنقول عن الملل والمشهور في الأواخر والأول أن المعصية إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم وأظلم ما بينهم وبين ربهم وانقطعت عنهم الرحمات ووقعت فيهم المثلات والنقمات وشحت السماء وغيض الماء واستولت الأعداء وانتشر الداء وجفت الضروع وأخلفت الرضوع
فوجب علينا أن نستميلكم بالموعظة الحسنة والذكرى التي توقظ من السنة ونقرع آذانكم بقوارع الألسنة فأفزعوا الشيطان بوعيها وتقربوا إلى الله تعالى برعيها الصلاة الصلاة فلا تهملوها ووظائفها المعروفة فكملوها فهي الركن الوثيق والعلم الماثل على جادة الطريق والخاصة التي يتميز بها هذا الفريق وبادروا صفوفها الماثلة وأتبعوا فريضتها النافلة وأشرعوا إلى تاركها أسنة الإنكار واغتنموا بها نواشىء الليل وبوادي الأسحار والزكاة أختها المنسوبة ولدتها المكتوبة المحسوبة فمن منعها فقد بخل على مولاه باليسير مما أولاه وما أحقه بذهاب هبة الوهاب وأولاه فاشتروا من الله تعالى كرائم أموالكم بالصدقات وأنفقوا في سبيله يربحكم أضعاف النفقات وواسوا سؤالكم كلما نصبت الموائد وأعيدت ا \ للترفه العوائد وارعوا حق الجوار وخذوا على أيدي الدعرة والفجار وأخرجوا الشنآن من الصدور واجعلوا صلة الأرحام من عزم الأمور وصونوا عن الاغتياب أفواهكم ولا تعودوا السفاهة شفاهكم وأقرضوا القرض الحسن إلهكم وعلموا القرآن صبيانكم فهو أس المبنى وازرعوه في تراب ترائبهم فعسى أن يجنى ولا تتركوا النصيحة لمن استنصح وردوا السلام على من بتحية الإسلام أفصح وجاهدوا أهواءكم فهي أولى ما جاهدتم وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وثابروا على حلق العلم والتعلم وحفوا بمراقي التكلم وتعلموا من دينكم ما لا يسعكم عند الله تعالى جهله ويتبين أنكم أهله فمن القبيح أن يقوم أحدكم على به وقاية بره وشعيره ورعاية شاته وبعيره ولا يقوم على شيء يخلص به قاعدة اعتقاده ويعده منجاة ليوم معاده والله عز و جل يقول ولقوله يرحل المنتجعون ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون )
وائنفوا من الحوادث الشنيعة والبدع التي تفت في عضد الشريعة فقد شن علينا الملبسة بأهل التصوف المغار ونال حملتها بل جملتها بإغماضهم
الصغار وتؤول المعاد والجنة والنار وإذا لم يغر الرجل على دينه ودين أبيه فعلى من يغار فالأنبياء الكرام وورثتهم العلماء هم أئمة الاقتداء والكواكب التي عينها الحق للاهتداء فاحذروا معاطب هذا الداء ودسائس هذه الأعداء
وأهم ما صرفتم إليه الوجوه واستدفعتم به المكروه العمل بأمره جل وعلا في الآية المتلوة والحكمة السافرة المجلوة من ارتباط الخيل وإعداد القوة فمن كان ذا سعة في رزقه فليقم لله بما استطاع من حقه وليتخذ فرسا يعمر محلته بصهيله ويقتنه من أجل الله وفي سبيله فكم يتحمل من عيال يلتمس مرضاتهن باتخاذ الزينة والتنافس في ترف المدينة ومؤونة الارتباط أقل وعلى الهمة والدين أدل إلى ما فيه من حماية الحوزة وإظهار العزة ومن لم يحسن الرمي فليتدرب وباتخاذ السلاح إلى الله فليتقرب وقبل الرمي تراش السهام وعلى العباد الاجتهاد وعلى الله التمام
والسكة الجارية في حوادث نواديكم وأثمان العروض التي بأيديكم من تحيف حروفها ونكر معروفها أو سامح في قبول زيف أو مبخوس حيف فقد اتبع هواه وخان نفسه وسواه قال الله عز و جل ( أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) ولتعلموا أن نبيكم صلوات الله عليه إنما بعثه الله مجاهدا وبالحق قاضيا وعن الهفوات حليما متغاضيا فتمسكوا بحبله ولا تعدلوا عن سبله يروكم الله تعالى من سجله ويراعكم من أجله مراعاة الرجل لنجله فهو الذي يقول ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) وإن كان في وطنكم اليوم سعة وقد ألحفكم أمن من الله تعالى ودعة فاحسبوا أنكم في بلد محصور وبين لحيي أسد هصور اكتنفكم
بحر يعب عبابه ودار بكم سور بيد عدوكم بابه ولا يدرى متى ينتهي السلم وينشعب الكلم فإن لم تكونوا بناء مرصوصا وتستشعروا الصبر عموما وخصوصا أصبح الجناح مقصوصا والرأي قد سلبته الحيرة والمال والحريم قد سلبت فيه الصنانة والغيرة وإن شاء الله تهب ريح الحمية ونصرة النفوس على الخيالات الوهمية فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين والله متم نوره على رغم الجاحدين وكره الكافرين ( وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
واعتقدوا أن الله تعالى لم يجعل الظهور مقرونا بعدد كثير ولو مثل جراد مزرعة أثارها مثير بل بإخلاص لا يبقي لغيرالله افتقارا ونفوس توسع ما سوى الحق اقتدارا ووعد يصدق وبصائر أبصارها إلى مثابة الجزاء تحدق وهذا الدين ظهر مع الغربة وشظف التربة فلم ترعه الأكاسرة وفيولها والقياصرة وخيولها دين حنيف وعلم منيف من وجوه شطر المسجد الحرام تولى وآيات على سبعة أحرف تتلى وزكاة من الصميم تنتقى ومعارج ترتقى وحج وجهاد ومواسم وأعياد ليس إلا تكبير شهير وأذان جهير وقوة تعد وثغور تسد وفيء يقسم وفخر يرسم ونصيحة تهدي وأمانة تؤدى وصدقة تخفى وتبدى وصدور تشرح وتشفى وخلق على خلق القرآن تخذى وتقفى قبض رسول الله وهذا العقد قد سجل والوعد به قد عجل ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ولا ينقطع لهذا الفرع عادة وصله ما دام شبيها بأصله وإنما هو حلب لكم زبدته الممخوضة وخلاصته الممحوضة والعاقبة للمتقين ( ولتعلمن نبأه بعد حين )
وحضرتكم اليوم قاعدة الدين وغاب المجاهدين وقد اخترعت بنا أيامنا هذه وأيام والدنا المقدس الآثار الكبار والحسنات التي تنوقلت بها الأخبار
وأغفلت إلى زمنكم الحسنة المذخورة والمنقبة المبرورة وهي بيمارستان يقيم منكم المرضى المطرحين والضعفاء المغتربين منهم والمعترضين في كل حين فأنتم تطؤونهم بالأقدام على مر الأيام ينظرون إليكم بالعيون الكليلة ويعربون عن الأحوال الذليلة وضرورتهم غير خافية وما أنتم بأولى منهم بالعافية والمجانين تكثر منهم الوقائع وتفشو منهم إماته العهد الذائع عار تحظره الشرائع وفي مثله تسد الذارئع
وقد فضلتم أهل مصر وبغداد بالرباط الدائم والجهاد فلا أقل من المساواة في معنى والمنافسة في مبنى يذهب عنكم لؤم الجوار ويزيل عن وجوهكم سمات العار ويدل على همتكم وفضل شيمتكم أهل الأقطار وكم نفقة هانت على الرجل في مشروع وحرص اعتراه على ممنوع فأسرعوا فالنظر في هذا المهم خير مشروع ولولا اهتمامنا بمرتزقة ديوانكم وإعدادنا مال الجباية للمجاهدين من إخوانكم لسبقناكم إلى هذه الزلفة وقمنا في هذا العمل الصالح بتحمل الكلفة ومع ذلك فإذا قدناكم إلى الجنة ببنائه وأسهمناكم في فريضة أجره وثنائه فنحن إن شاء الله تعالى نعين له الأوقاف التي تجري عنها المرفقة وتتصل عليه بها الصدقة تأصيلا لفخركم وإطابة في البلاد لذكركم فليشاور أحدكم همته ودينه ويستخدم يساره في طاعة القصد الكريم ويمينه ونسأل الله تعالى أن يوفق كلا لهذا القصد ويعينه ومن وراء هذه النصائح عزم ينهيها إلى غايتها ويجبر الكافة على اتباع رأيها ورايتها فأعملوا الأفكار فيما تضمنته من الفصول وتلقوا داعي الله تعالى فيها بالقبول والدنيا مزرعة الآخرة وكم معتبر للنفوس الساخرة بالعظام الناخرة ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) وأنتم اليوم أحق الناس بقبول الموعظة نفوسا زكية وفهوما لا قاصرة ولا بطية وموطن جهاد ومستسقى غمام
من رحمة الله تعالى وعهاد وبقايا السلف بالأرض التي فتحوا فيها هذا الوطن وألقوا فيها العطن فإلى أين يذهب حسن الظن بأديانكم وصحة إيمانكم وتساوي إسراركم وإعلانكم
اللهم إنا قد خرجنا لك فيهم عن العهدة المتحملة وبلغناهم نصيحتكم المكملة ووعدناهم مع الامتثال رحمتك المؤملة فيسرنا وإياهم لليسرى وعرفنا لطائفك التي خفي فيها المسرى ولا تجعلنا ممن صم عن النداء وأصبح شماتة الأعداء فما ذل من استنصر بجنابك ولا ضل من استبصر بسنتك وكتابك ولا انقطع من توسل بأسبابك والله سبحانه يصل لكم عوائد الصنع الجميل ويحملكم وإيانا من التوفيق على أوضح سبيل ويصل سعدكم ويحرس مجدكم والسلام الكريم يخصكم ورحمة الله تعالى وبركاته انتهى
ومن ذلك قوله رحمه تعالى الله على لسان السلطان بعد كلام
الله الله في الهمم فقد خمدت ريحها والله الله في العقائد فقد خفيت مصابيحها والله الله في الرجولية فقد فل حدها والله الله في الغيرة فقد تعسر جدها والله الله في الدين فقد طمع الكفر في تحويله والله الله في الحريم فقد مد إلى استرقاقه يد تأميله والله الله في الملة التي يريد إطفاء سناها وقد كمل فضلها وتناهى والله الله في الحريم والله الله في الدين الكريم والله الله في القرآن والله الله في الجيران والله الله في الطارف اوالتالد والله الله في الوطن الذي توارثه الولد عن الوالد اليوم تستأسد النفوس المهينة اليوم يستنصر الصبر والسكينة اليوم ترعى لهذه المساجد الكرام الذمم اليوم يسلك سبيل العزم والحزم والشدة والشمم اليوم يرجع إلى الله المصرون اليوم يفيق من نوم الغفلة المغترون قبل أن يتفاقم الهول ويحق القول ويسد الباب ويحيق
العذاب ويسترق الكفر الرقاب فالنساء تقي بأنفسهن أولادهن الصغار والطيور ترفرف لتحمي الأوكار إذا أحست العيث بأفراخها والإضرار تمر الأيام عليكم مر السحاب وذهاب الليالي لكم ذهاب فلا خبر يفضي إلى العين ولا حديث في الله تعالى يسمع بين اثنين ولا كد إلا لزينة يحلى بها نحر وجيد ولا سعي إلا لمتاع لا يغني في الشدائد ولا يفيد وبالأمس ندبتم إلى التماس رحمى مسخر السحاب واستقالة كاشف العذاب وسؤال مرسل الديمة ومحيي البشر والبهيمة وقد أمسكت عليكم رحمة السماء وأغبرت جوانبكم المخضرة احتياجا إلى بلالة الماء ( وفي السماء رزقكم وما توعدون ) وإليها الأكف تمدون وأبوابها بالدعاء تقصدون فلم يصحر منكم عدد معتبر ولا ظهر للإنابة ولا الصدقة خبر وتثوقل عن إعادة الرغبة إلى الولي الحميد والغني الذي ( إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ) وايم الله لو كان لهوا لارتقبت الساعات وضاقت المتسعات وتزاحمت على أنديته الجماعات
أتعززا على الله وهو القوي العزيز أتلبيسا على الله وهو الذي يميز الخبيث من الطيب والشبه من الإبريز أمعاندة والنواصي في يديه أغرورا بالأمل والرجوع بعد إليه من يبدأ الخلق ثم يعيده من ينزل الرزق ويفيده من يرجع إليه في الملمات من يرجى في الشدائد والأزمات من يوجد في المحيا والممات أفي الله شك يختلج القلوب أثم غير الله يدفع المكروه وييسر المطلوب تفضلون على اللجإ إليه عوائد الفضل ونزه الجهل وطائفة منكم قد برزت إلى استسقاء رحمته تمد إليه الأيدي والرقاب وتستكشف بالخضوع لعظمته العقاب وتستعجل إلى مواعيد إجابته الارتقاب وكأنكم عن كرمه
قد اشتغنيتم أو على الامتناع من الرجوع إليه بنيتم
أما تعلمون كيف كان نبيكم صلوات الله عليه من التبلغ باليسير والاستعداد للرحيل إلى دار الحق والمسير ومداومة الجوع وهجر الهجوع والعمل على الإياب إلى الله تعالى والرجوع دخلت فاطمة رضي الله تعالى عنها وبيدها كسرة شعير فقال ما هذا يا فاطمة فقالت يا رسول الله خبزت قرصة وأحببت أن تأكل منها فقال يا فاطمة أما إنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث
وكان يستغفر في اليوم سبعين مرة يلتمس رحماه ويقوم وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى ورمت قدماه وكان شأنه الجهاد ودأبه الجد والاجتهاد ومواقف صبره تعرفها الربى والوهاد ومقامات رفقه تحوم على مراتبها الزهاد فإذا لم تقتدوا به فبمن تقتدون وإذا لم تهتدوا به فبمن تهتدون وإذا لم ترضوه باتباعكم فكيف تعتزون إليه وتنتسبون وإذا لم ترغبوا في الاتصاف بصفاته غضبا لله تعالى وجهادا وتقللا من العرض الأدنى وسهادا ففيم ترغبون
فابتروا حبال الآمال فكل آت قريب واعتبروا بمثلات من تقدم من أهل البلاد والقواعد فذهولكم عنها غريب وتفكروا في منابرها التي يعلو عليها واعظ وخطيب ومطيل ومطيب ومساجدها المتعددة الصفوف والجماعة المعمورة بأنواع الطاعة وكيف أخذ الله تعالى فيها بذنب المترفين من دونهم وعاقب الجمهور بما أغضوا عنه عيونهم وساءت بالغفلة عن الله تعالى عقبى جميعهم وذهبت النقمات بعاصيهم ومن داهن في أمره من مطيعهم وأصبحت مساجدهم مناصب للصلبان واستبدلت مآذنهم بالنواقيس من الأذان هذا والناس ناس والزمان زمان
فما هذه الغفلة عمن إليه الرجعة وإليه المصير وإلى متى التساهل في حقوقه
وهو السميع البصير وحتى متى مد الأمل في الزمان القصير وإلى متى نسيان اللجإ إلى الولي النصير قد تداعت الصلبان مجلبة عليكم وتحركت الطواغيت من كل جهة إليكم أفيخذلكم الشيطان وكتاب الله قائم فيكم وألسنة الأيات تناديكم لم تمتح سطورها ولا احتجب نورها وأنتم بقايا من فتحها من عدد قليل وصابر فيها كل خطب جليل فوالله لو تمحض الإيمان ورضي الرحمن ما ظهر التثليث في هذه الجزيرة على التوحيد ولا عدم الإسلام فيها عادة التأييد لكم شمل الداء وصم النداء وعميت الأبصار فكيف الاهتداء والباب مفتوح والفضل ممنوح فتعالوا نستغفر الله جميعا فهو الغفور الرحيم ونستقل مقيل العثار فهو الرؤوف الحليم ونصرف الوجوه إلى الاعتراف بما قدمت أيدينا فقبول المعاذير من شأن الكريم سدت الأبواب وضعفت الأسباب وانقطعت الآمال إلا منك يا فتاح يا وهاب ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) أعدوا الخيل وارتبطوها وروضوا النفوس على الشهادة وغبطوها فمن خاف الموت رضي بالدنية ولا بد على كل حال من المنية والحياة مع الذل ليست من شيم النفوس السنية واقتنوا السلاح والعدة وتعرفوا إلى الله تعالى في الرخاء يعرفكم في الشدة واستشعروا القوة بالله تعالى على أعدائه وأعدائكم واستميتوا من دون أبنائكم وكونوا كالبناء المرصوص لحملات هذا العدو النازل بفنائكم وحوطوا بالتعديل على الله تعالى وحده بلادكم واشتروا من الله جل جلاله أولادكم ذكروا أن امرأة
احتمل السبع ولدها وشكت إلى بعض الصالحين فأشار عليها بالصدقة فتصدقت برغيف فأطلق السبع ولدها وسمعت النداء يا هذه لقمة بلقمة وإنا لما استودعناه لحافظون
واهجروا الشهوات واستدركوا البقية من بعد الفوات وأفضلوا لمساكينكم من الأقوات واخشعوا لما أنزل الله تعالى من الآيات وخذوا نفوسكم بالصبر على الأزمات والمواساة في المهمات وأيقظوا جفونكم من السنات واعلموا أنكم رضعاء ثدي كلمة التوحيد وجيران البلد الغريب والدين الوحيد وحزب التمحيص ونفر المرام العويص فتفقدوا معاملاتكم مع الله تعالى ومهما رأيتم الصدق غالبا والقلب للمولى الكريم مراقبا وشهاب اليقين ثاقبا فثقوا بعناية الله التي لا يغلبكم معها غالب ولا ينالكم لأجلها عدو مطالب فإنكم في الستر الكثيف وكنف الخبير اللطيف ومهما رأيتم الخواطر متبددة والظنون في الله مترددة والجهات التي تخاف وترجى متعددة والغفلة عن الله ملامسها متجددة وعادة دواعي الخذلان دائمة وأسواق الشهوات قائمة فاعلموا أن الله تعالى منفذ فيكم وعده ووعيده في الأمم الغافلين وأنكم قد ظلمتم أنفسكم ولا عدوان إلا على الظالمين والتوبة ترد الشارد إلى الله تعالى والله يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو القائل ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين )
وما أقرب صلاح الأحوال مع الله تعالى إذا صحت العزائم وتوالت على حزب الشيطان الهزائم وخملت الدنيا الغريبة في العيون وصدقت فيها عند الله الظنون ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) وثوبوا سراعا إلى طهارة الثوب وإزالة
الشوب واقصدوا أبواب غافر الذنب وقابل التوب واعلموا أن سوء الأدب مع الله تعالى يفتح أبواب الشدائد ويسد طرق العوائد فلا تمطلوا بالتوبة أزمانكم ولا تأمنوا مكر الله فتغشوا إيمانكم ولاتعلقوا متابكم بالضرائر فهو علام السرائر وإنما علينا أن ننصحكم وإن كنا أولى بالنصيحة ونعتمدكم بالموعظة الصريحة الصادرة علم الله تعالى عن صدق القريحة وإن شاركناكم في الغفلة فقد سبقناكم إلى ألاسترجاع والاستغفار وإنما لكم لدينا نفس مبذولة في جهاد الكفار وتقدم قبلكم إلى مواقف الصبر التي لا ترضى بالفرار واجتهاد فيما يعود بالحسنى وعقبى الدار والاختيار لله ولي الاختيار ومصرف الأقدار وها نحن نسرع في الخروج إلى مدافعة هذا العدو ونفدي بنفوسنا البلاد والعباد والحريم المستضعف والأولاد ونصلى من دونهم نار الجلاد ونستوهب منكم الدعاء لمن وعد بإجابته فإنه يقبل من صرف إليه وجه إنابته اللهم كن لنا في هذا الاهتمام نصيرا وعلى أعدائك ظهيرا ومن انتقام عبدة الأوثان كفيلا اللهم قو من ضعفت حيلته فأنت القوي المعين وانصر من لا نصير له إلا أنت فإياك نعبد وإياك نستعين اللهم ثبت أقدامنا وانصرنا عند تزلزل الأقدام ولا تسلمنا عند لقاء عدو الإسلام فقد ألقينا إليك يد الاستسلام اللهم دافع بملائكتك المسومين اللهم اجعلنا على تيقظ وتذكر من ( قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم )
وقد وردت علينا المخاطبات من إخواننا المسلمين الذين عرفنا في القديم والحديث اجتهادهم وشكرنا في ذات الله تعالى جهادهم بني مرين أولي الامتعاض لله تعالى والحمية والمخصوصين بين القبائل الكريمة بهذه المزية بعزمهم على الامتعاض لحق الجوار والمصارخة التي تليق بالأحرار والنفرة
لانتهاك ذمار نبيهم المختار وحركة سلطانهم بتلك الأقطار والأمصار ومدافعة أحزاب الشيطان وأهل النار فاسألوا الله تعالى إعانتهم على هذا المقصد الكريم الآثار والسعي الضمين للعز والأجر والفخار والسلام الكريم يخصكم أيها الأولياء ورحمة الله وبركاته انتهى
ومما كتبه ابن لسان الدين رحمه الله تعالى على لسان سلطانه الغني بالله تعالى والنظر إليهم بعين الشفقة ما صورته
هذا كتاب كريم أصدرناه بتوفيق الله تعالى شارحا للصدور مصلحا بإعانة الله تعالى للأمور ملحفا للعدل والإحسان الخاصة والجمهور يعلم من يسمعه أو يقف عليه ومن يقرؤه ويتدبر ما لديه ما عاهدنا الله تعالى عليه من تأمين النفوس وحقن الدماء والسير في التجافي عنها على السنن السواء ورفع التناوب عن البعيد منها والقريب والمساواة في العفو والغفران بين البريء منها والمريب وحمل من ينظر بعين العداوة في باطن الأمر محمل الحبيب وترك ما يتوجه بأمر المطالبات ورفض التبعات مما لا يعارض حكما شرعيا ولا يناقض سننا في الدين مرعيا فمن كان رهن تبعة أو طريد تهمه أو منبوزا في الطاعة بريبة توجب أن نريق دمه فقد سحبنا عليه ظلال الأمان وألحفناه أثواب العفو والغفران ووعدناه من نفسنا مواعد الرفق والإحسان حكما عاما وعفوا تاما فاشيا في جميع الطبقات منسحبا على الأصناف المختلفات عاملنا في ذلك من يتقبل الأعمال ولا يضيع السؤال واستغفرنا عن نفسنا وعمن أخطأ علينا من رعيتنا ممن يدرأ الشرع غلطته
ويقبل الحق فيأته ( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ) لما رأينا من وجوب اتفاق الأهواء والضمائر وخلوص القلوب والسرائر في هذا الوطن الذي أحاط به العدو والبحر ومسه بتقدم الفتنة الضر وصلة لما أجراه الله تعالى على أيدينا وهيأه بنا في نادينا فلم يخف ما سكن بنا من نار الفتنة ورفع من بأس وإحنة وكشف من ظلمة وسدل من نعمة وأصفى من مورد عافية وأولى من عصمة كافية بعدما تخربت الثغور وفسدت الأمور واهتضم الدين واشتد على العباد كلب الكافرين المعتدين ( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ) فله الحمد دائبا والشكر واجبا ومن الله نسأل أن يتمم نعمته علينا كما أتمها على أبوينا من قبل إن ربك حكيم عليم
ونحن قد شرعنا في تعيين من ينوب عنا من أهل العلم والعدالة والدين والجلالة للتطوف في البلاد الأندلسية ومباشرة الأمور بالبلاد النصرية ينهون إلينا ما يستطلعونه ويبلغون من المصالح ما يتعرفونه ويقيدون ما تحتاج إليه الثغور وتستوجبه المصلحة الجهادية من الأمور ونحن نستعين بفضلاء رعيتنا وخيارهم والمراقبين الله تعالى منهم في إيرادهم وإصدارهم على إنهاء ما يخفى عنا من ظلامة تقع أو حادث يبتدع ومن اتخذت بجواره خمر فاشية أو نشأت في جهته للمنكر ناشية فنحن نقلده العهد ونطوقه القلادة ووراء تنبيهنا على ما خفي من الشكر لمن أهداه وإحماد سعي من أبلغه وأداه ما نرجو ثواب الله تعالى عليه والتقرب به إليه فمن أهدى لنا شيئا من ذلك فهو شريك في أجره ومقاسم في مثوبته يوم ربح تجره وحسبنا الله ونعم الوكيل انتهى
وصية لسان الدين لأبنائه
وإذ أجرينا طرف القلم ملء عنانه فيما للسان الدين رحمه الله تعالى من النصائح والمواعظ والوصايا وما يرجع بالنفع على الخاصة وجمهور الرعايا كل دون شأوه وقصر عن أمده مديد خطوه وقد تقدم في هذا الكتاب من ذلك جملة وافرة فلتراجع في محالها المتكاثرة وقد آن أن نسرد في هذا المحل الوصية التي أوصى لسان الدين رحمه الله تعالى بها أولاده وهي وصية جامعة نافعة يحصل بها انتعاش لاشتمالها على ما لا بد منه في المعاد والمعاش ونصها
الحمد لله الذي لا يروعه الحمام المرقوب إذا شيم نجمه المثقوب ولا يبغته الأجل المكتوب ولا يفجؤه الفراق المعتوب ملهم الهدى الذي تطمئن به القلوب وموضح السبيل المطلوب وجاعل النصيحة الصريحة في قسم الوجوب لا سيما للولي المحبوب والولد المنسوب القائل في الكتاب المعجز الأسلوب ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب ) ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب ) والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله أكرم من زرت على نوره جيوب الغيوب وأشرف من خلعت عليه حلل المهابة والعصمة فلا تقتحمه العيون ولا تصمه العيوب والرضى عن آله وأصحابه المثابرين على سبيل الاستقامة بالهوى المغلوب والأمل المسلوب والاقتداء الموصل للمرغوب والعز والأمن من اللغوب
وبعد فإني لما علاني المشيب بقمته وقادني الكبر في رمته وادكرت الشباب بعد أمته أسفت لما أضعت وندمت بعد الفطام على ما رضعت وتأكد وجوب نصحي لمن لزمني رعيه وتعلق بعيني سعيه وأملت أن
تتعدى إلي ثمرة استقامته وأنا رهين فوات وفي برزخ أموات ويأمن العثور في الطريق التي اقتضت عثاري إن سلك وعسى أن لايكون ذلك على آثاري فقلت أخاطب الثلاثة الولد وثمرات الخلد بعد الضراعة إلى الله تعالى في توفيقهم وإيضاح طريقهم وجمع تفريقهم وأن يمن علي منهم بحسن الخلف والتلافي من قبل التلف وأن يرزق خلفهم التمسك بهدي السلف فهو ولي ذلك والهادي إلى خير المسالك
اعلموا هداكم الله تعالى الذي بأنواره تهتدي الضلال وبرضاه ترفع الأغلال وبالتماس قربه يحصل الكمال إذا ذهب المال وأخلفت الآمال وتبرأت من يمينها الشمال أني مودعكم وإن سالمني الردى ومفارقكم وإن طال المدى وما عدا مما بدا فكيف وأدوات السفر تجمع ومنادي الرحيل يسمع ولا أقل للحبيب المودع من وصية محتضر وعجالة مقتصر ورتيمة تعقد في خنصر ونصيحة تكون نشيده وراع مبصر تتكفل لكم بحسن العواقب من بعدي وتوضح لكم من الشفقة والحنو قصدي حسبما تضمن وعد الله من قبل وعدي فهي أربكم الذي لا يتغير وقفه ولا ينالكم المكروه ما رف عليكم سقفه وكأني بشبابكم قد شاخ وبراحلكم قد أناخ وبناشطكم قد كسل واستبدل الصاب من العسل ونصول الشيب تروع بأسل لا بل السام من كل حدب قد نسل والمعاد اللحد ولا تسل فبالأمس كنتم فراخ حجر واليوم أبناء عسكر مجر وغدا شيوخ مضيعة وهجر والقبور فاغرة والنفوس عن المألوفات صاغرة والدنيا بأهلها ساخرة والأولى تعقبها
الآخرة والحازم من لم يتعظ به في أمر وقال بيدي لا بيد عمرو فاقتنوها من وصية ومرام في النصح قصية وخصوا بها أولادكم إذا عقلوا ليجدوا زادها إذا انتقلوا وحسبي وحسبكم الله الذي لم يخلق الخلق هملا ولكن ليبلوهم أيهم أحسن عملا ولا رضي الدنيا منزلا ولا لطف لمن أصبح عن فئة الخير منعزلا
ولتلقنوا تلقينا وتعلموا علما يقينا أنكم لن تجدوا بعد أن أنفرد بذنبي ويفترش التراب حنبي ويسح انسكابي وتهرول عن المصلى ركابي أحرص مني على سعادة إليكم تجلب أو غاية كمال بسببكم ترتاد وتطلب حتى لا يكون في الدين والدنيا أورف منك ظلا ولا أشرف محلا ولا أغبط نهلا وعلا وأقل ما يوجب ذلك عليكم أن تصيخوا إلى قولي الآذان وتستلمحوا صبح نصحي فقد بان وسأعيد عليكم وصية لقمان أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وإذ قال لقمان لابنه وهويعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) وأعيد وصية خليل الله وإسرائيله حكم ما تضمنه حكم تنزيله ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) والدين الذي ارتضاه واصطفاه وأكمله ووفاه وقرره مصطفاه من قبل أن يتوفاه إذا أعمل فيه انتقاد فهو عمل واعتقاد وكلاهما مقرر ومستمد من عقل أو نقل محرر والعقل متقدم وبناؤه مع رفض أخيه متهدم فالله واحد أحد فرد صمد ليس له والد ولا ولد
تنزه عن الزمان والمكان وسبق وجوده وجود الأكوان خالق الخلق وما يعملون الذي لا يسأل عن شيء وهم يسألون الحي العليم المدبر القدير ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) أرسل الرسل رحمة لتدعو الناس إلى النجاة من الشقاء وتوجه الحجة في مصيرهم إلى دار البقاء مؤيدة بالمعجزات التي لا تتصف أنوارها بالاختفاء ولا يجوز على تواترها دعوى الانتفاء ثم ختم ديوانهم بنبي ملتنا المرعية الهمل الشاهدة على الملل فتلخصت الطاعة وتعينت الإمرة المطاعة ولم يبق بعده إلا ارتقاب الساعة ثم إن الله تعالى قبضه إذ كان بشرا وترك دينه يضم من الأمة نشرا فمن تبعه لحق به ومن تركه تورط عنه في منتشبه وكانت نجاته على قدر سببه روي عنه عليه الصلاة و السلام أنه قال تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي فعضوا عليهما بالنواجذ
فاعملوا يا بني بوصية من ناصح جاهد ومشفق شفقة والد واستشعروا حبه الذي توفرت دواعيه وعوا مراشد هديه فيا فوز واعيه وصلوا السبب بسببه وآمنوا بكل ما جاء به مجملا أو مفصلا على حسبه وأوجبوا التجلة لصحبه الذين اختارهم الله تعالى لصحبته واجعلوا محبتكم إياهم من توابع محبته واشملوهم بالتوقير وفضلوا منهم أولي الفضل الشهير وتبرأوا من العصبية التي لم يدعكم إليها داع ولا تع التشاجر بينهم أذن واع فهو عنوان
السداد وعلامة سلامة الاعتقاد ثم اسحبوا فضل تعظيمهم على فقهاء الملة وائمتها الجلة فهم صقلة نصولهم وفروع ناشئة من أصولهم وورثتهم وورثة رسولهم
واعلموا أنني قطعت في البحث زماني وجعلت النظر شاني منذ براني الله تعالى وأنشاني مع نبل يعترف به الشاني وإدراك يسلمه العقل الإنساني فلم أجد خابط ورق ولا مصيب عرق ولا نازع خطام ولا متكلف فطام ولا مقتحم بحر طام إلا وغايته التي يقصدها قد نضلتها الشريعة وسبقتها وفرعت ثنيتها وارتقتها فعليكم بالتزام جادتها السابلة ومصاحبة رفقتها الكاملة والاهتداء بأقمارها غير الآفلة والله تعالى يقول وهو أصدق القائلين ( ومن يبتغ غير ألإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في ألآخرة من الخاسرين ) وقد علت شرائعه وراع الشكوك رائعه فلا تستنزلكم الدنيا عن الدين وابذلوا دونه النفوس فعل المهتدين فلن ينفع متاع بعد الخلود في النار أبد الآبدين ولا يضر مفقود مع الفوز بالسعادة والله أصدق الواعدين ومتاع الحياة الدنيا أخس ما ورث الأولاد عن الوالدين اللهم قد بلغت فأنت خير الشاهدين
فاحذروا المعاطب التي توجب في الشقاء الخلود وتستدعي شوه الوجوه ونضج الجلود واستعيذوا برضى الله من سخطه واربأوا بنفوسكم عن غمطه وارفعوا آمالكم عن القنوع بغرور قد خدع أسلافكم ولا تحمدوا علىجيفة العرض الزائل ائتلافكم واقتنعوا منه بما تيسر ولا تأسوا على ما فات وتعذر فإنما هي دجنة ينسخها الصباح وصفقة يتعاقبها الخسار والرباح ودونكم عقيدة الإيمان فشدوا بالنواجذ عليها وكفكفوا الشبه أن تدنوا إليها
واعلموا أن الإخلال بشيء من ذلك خرق لا يرفؤه عمل وكل ما سوى الراعي همل وما بعد الرأس في صلاح الجسم الميت أمل وتمسكوا بكتاب الله تعالى حفظا وتلاوة واجعلوا حمله على حمل التكليف علاوة وتفكروا في آياته ومعانيه وامتثلوا أوامره ونواهيه ولا تتأولوه ولا تغلوا فيه وأشربوا قلوبكم حب من أنزل على قلبه وأكثروا من بواعث حبه وصونوا شعائر الله صون المحترم واحفظوا القواعد التي ينبني عليها الإسلام حتى لا ينخرم
الله الله في الصلاة ذريعة التجلة وخاصة الملة وحاقنة الدم وغنى المستأجر المستخدم وأم العبادة وحافظ اسم المراقبة لعالم الغيب والشهادة والناهية عن الفحشاء والمنكر وإن عرض الشيطان عرضهما ووطأ للنفس الأمارة سماءهما وأرضهما والوسيلة إلى بل الجوانح ببرود الذكر وإيصال تحفة الله إلى مريض الفكر وضامنة حسن العشرة من الجار وداعية للمسالمة من الفجار والواسمة بسمة السلامة والشاهده للعبد برفع الملامة وغاسول الطبع إذا شانه طبع والخير الذي كل ما سواه له تبع فاصبروا النفس على وظائفها بين بدء وإعادة فالخير عادة ولا تفضلوا عليها الأشغال البدنية وتوثروا على العلية الدنية فإن أوقاتها المعينة بالانفلات تنبس والفلك بها من أجلكم لا يحبس وإذا قورنت بالشواغل فلها الجاه الأصيل والحكم الذي لا يغيره الغدو ولا الأصيل
والوظائف بعد أدائها لا تفوت وأين حق من يموت من حق الحي الذي لا يموت وأحكموا أوضاعها إذا أقمتموها وأتبعوها النوافل ما أطقتموها فبالإتقان تفاضلت الأعمال والمراعاة استحقت الكمال ولا شكر مع الإهمال ولا ربح مع إضاعة رأس المال وذلك أحرى بإقامة الفرض وأدعى إلى مساعدة البعض البعض
والطهارة التي هي في تحصيلها سبب موصل وشرط لمشروطها محصل فاستوفوها والأعضاء نظفوها ومياهها بغير أوصافها الحميدة فلا تصفوها والحجول والغرر فأطيلوها والنيات في كل ذلك فلا تهملوها فالبناء بأساسه والسيف برئاسه واعلموا أن هذه الوظيفة من صلاة وطهور وذكر مجهور وغير مجهور تستغرق الأوقات وتنازع شتى الخواطر المفترقات فلا يضبطها إلا من ضبط نفسه بعقال وكان في درج الرجولية ذا انتقال واستقاض صدأه بصقال وإن تراخى قهقر الباع وسرقته الطباع وكان لما سواها أضيع فشمل الضياع
والزكاة أختها الحبيبة ولدتها القريبة مفتاح السماحة بالعرض الزائل وشكران المسئول على الضد من درجة السائل وحق الله تعالى في مال من أغناه لمن أجهده في المعاش وعناه من غير استحقاق ملأ يده وأخلى يد أخيه ولا علة إلا القدر الذي يخفيه وما لم ينله حظ الله تعالى فلا خير فيه فاسمحوا بتفريقها للحاضر لإخراجها في اختيار عرضها ونتاجها واستحيوا من الله تعالى أن تبخلوا عليه ببعض ما بذل وخالفوا الشيطان كلما عذل واذكروا خروجكم إلى الوجود لا تملكون ولا تدرون أين تسلكون فوهب وأقدر وأورد بفضله وأصدر ليرتب بكرمه الوسائل أو يقيم الحجج والدلائل
فابتغوا إليه الوسيلة بماله واغتنموا رضاه ببعض نواله
وصيام رمضان عبادة السر المقربة إلى الله زلفى الممحوضة لمن يعلم السر وأخفى مؤكدة بصيام الجوارح عن الآثام والقيام ببر القيام والاجتهاد وإيثار التهجد على المهاد وإن وسع الاعتكاف فهو من سننه المرعية والواحقه الشرعية فبذلك تحسن الوجوه وتحصل من الرقة على ما ترجوه وتذهب قسوة الطباع ويمتد في ميدان الوسائل الباع
والحج مع الاستطاعة الركن الواجب والفرض عل العين لا يحجبه الحاجب وقد بين رسول الله قدره فيما فرض عن ربه وسنه وقال ليس له جزاء عند الله إلا الجنة
ويلحق بذلك الجهاد في سبيل الله تعالى إن كانت لكم قوة عليه وغنى لديه فكونوا ممن يسمع نفيره ويطيعه وإن عجزتم فأعينوا من يستطيعه
هذه عمد الإسلام وفروضه ونقود مهره وعروضه فحافظوا عليها تعيشوا مبرورين وعلى من يناويكم ظاهرين وتلقوا الله لا مبدلين ولا مغيرين ولا تضيعوا حقوق الله فتهلكوا مع الخاسرين
واعلموا أن بالعلم تستكمل وظائف هذه الألقاب وتجلى محاسنها من بعد الانتقاب فعليكم بالعلم النافع دليلا بين يدي السامع فالعلم مفتاح هذا الباب والموصل إلى اللباب والله عز و جل يقول ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب ) والعلم وسيلة النفوس الشريفة إلى المطالب المنيفة وشرطه الخشية لله تعالى والخيفة وخاصة الملأ الأعلى وصفة الله في كتبه التي تتلى والسبيل في الآخرة إلى السعادة وفي الدنيا إلى التجلة عادة والذخر الذي قليله ينفع
وكثيره يشفع لا يغلبه الغاصب ولا يسلبه العدو المناصب ولا يبتزه الدهر إذا مال ولا يستأثر به البحر إذا هال من لم ينله فهو ذليل وإن كثرت آماله وقليل وإن جم ماله وإن كان وقته قد فات اكتسابكم وتخطى حسابكم فالتمسوه لبنيكم واستدركوا منه ما خرج عن أيديكم واحملوهم علىجمعه ودرسه واجعلوا طباعهم ثرى لغرسه واستسهلوا ما ينالهم من تعب من جراه وسهريهجر له الجفن كراه تعقدوا لهم ولاية عز لا تعزل وتحلوهم مثابة رفعة لا يحط فارعها ولا يستنزل واختاروا من العلوم التي ينفقها الوقت ما لا يناله في غيره المقت
وخير العلوم علوم الشريعة وما نجم بمنابتها المريعة من علوم لسان لا تستغرق الأعمار فصولها ولا يضايق ثمرات المعاد حصولها فإنما هي آلات لغير وأسباب إلى خير منها وخير فمن كان قابلا لازدياد وألفى فهمه ذا انقياد فليخص تجويد القرآن بتقديمه ثم حفظ الحديث ومعرفة صحيحة من سقيمه ثم الشروع في أصول الفقه فهو العلم العظيم المنة المهدي كنوز الكتاب والسنة ثم المسائل المنقولة عن العلماء الجلة والتدرب في طرق النظر وتصحيح الأدلة وهذه هي الغاية القصوى في الملة ومن قصر إدراكه عن هذا المرمى وتقاعد عن التي هي أسمى فليرو الحديث بعد تجويد الكتاب وإحكامه وليقرإ المسائل الفقهية على مذهب إمامه وإياكم والعلوم القديمة والفنون المهجورة الذميمة فأكثرها لا يفيد إلا تشكيكا ورأيا ركيكا ولا يثمر في العاجلة إلا اقتحام العيون وتطريق الظنون وتطويق الاحتقار وسمة الصغار وخمول الأقدار والخسف من بعد الإبدار وجادة الشريعة أعرق في الاعتدال وأوفق من قطع العمر في الجدال هذا ابن رشد قاضي المصر
ومفتيه وملتمس الرشد وموليه عادت عليه بالسخطة الشنيعة وهو إمام الشريعة فلا سبيل إلى اقتحامها والتورط في ازدحامها ولا تخلطوا سامكم بحامها إلا ما كان من حساب ومساحة وما يعود بجدوى فلاحة وعلاج يرجع على النفس والجسم براحة وما سوى ذلك فمحجور وضرم مسجور وممقوت مهجور
وأمروا بالمعروف أمرا رفيقا وانهوا عن المنكر نهيا حريا بالاعتدال حقيقا واغبطوا من كان من سنة الغفلة مفيقا واجتنبوا ما تنهون عنه حتى لا تسلكوا منه طريقا
وأطيعوا أمر من ولاه الله تعالى من أموركم أمرا ولا تقربوا من الفتنة جمرا ولا تداخلوا في الخلاف زيدا ولا عمرا
وعليكم بالصدق فهو شعار المؤمنين وأهم ما أضرى عليه الآباء ألسنة البنين وأكرم منسوب إلى مذهبه ومن أكثر من شيء عرف به وإياكم والكذب فهو العورة التي لا توارى والسوأة التي لا يرتاب في عارها ولا يتمارى وأقل عقوبات الكذاب بين يدي ما أعد الله له من العذاب أن لا يقبل منه صدقه إذا صدق ولا يعول عليه إن كان بالحق نطق
وعليكم بالأمانة فالخيانة لوم وفي وجه الديانة كلوم ومن الشريعة التي لا يعذر بجهلها أداء الأمانات إلى أهلها وحافظوا على الحشمة والصيانة ولا تجزوا من أقرضكم دين الخيانة ولا توجدوا للغدر قبولا ولا تقروا عليه طبعا مجبولا ( وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا ) ولا تستأثروا بكنز ولا خزن ولا تذهبوا لغير مناصحة المسلمين في سهل ولا حزن ولا تبخسوا الناس أشياءهم في كيل أو وزن والله الله أن تعينوا في سفك الدماء ولو بالإشارة أو بالكلام أو ما يرجع إلى وظيفة الأقلام واعلموا أن الإنسان في
فسحة ممتدة وسبل الله تعالى غير منسدة ما لم ينبذ الى الله تعالى بأمانه ويغمس في الحرام بيده أو لسانه قال الله تعالى في كتابه الذي هدى به سننا قويما وجلى من الجهل والضلال ليلا بهيما ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )
واجتناب الزنا وما تعلق به من أخلاق من كرمت طباعه وامتد في سبيل السعادة باعه لو لم تتلق نور الله الذي لم يهد شعاعه فالحلال لم تضق عن الشهوات أنواعه ولا عدم إقناعه ومن غلبت عليه غرائز جهله فلينظر هل يحب أن يزني بأهله والله قد أعد للزاني عذابا وبيلا وقال ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا )
والخمر أم الكبائر ومفتاح الجرائم والجرائر واللهوا لم يجعله الله في الحياة شرطا والمحرم قد أعنى عنه بالحلال الذي سوغ وأعطى وقد تركها في الجاهلية أقوام لم يرضوا لعقولهم بالفساد ولا لنفوسهم بالمضرة في مرضاة الأجساد والله تعالى قد جعلها رجسا محرما على العباد وقرنها بالأنصاب والأزلام في مباينة السداد
ولا تقربوا الربا فإنه من مناهي الدين والله تعالى يقول ( وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) وقال ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) في الكتاب المبين ولا تأكلوا مال أحد بغير حق يبيحه وانزعوا الطمع عن ذلك حتى تذهب ريحه والتمسوا الحلال يسعى فيه أحدكم على قدمه ولا يكل اختياره إلا للثقة من خدمه ولا تلجأوا إلى المتشابه إلا عند عدمه فهو في السلوك إلى الله تعالى أصل مشروع والمحافظ عليه مغبوط وإياكم والظلم فالظلم ممقوت بكل لسان مجاهر الله تعالى بصريح العصيان والظلم ظلمات يوم القيامة كما ورد في الصحاح الحسان والنميمة فساد وشتات لا يبقى عليه متات وفي الحديث لا يدخل الجنة قتات
واطرحوا الحسد فما ساد حسود وإياكم والغيبة فباب الخير معها مسدود والبخل فما رؤي البخيل وهو مودود وإياكم وما يعتذر منه فمواقع الخزي لا تستقال عثراتها ومظنات الفضائح لا تؤمن غمراتها وتفقدوا أنفسكم مع الساعات وأفشوا السلام في الطرقات والجماعات ورقوا على ذوي الزمانات والعاهات وتاجروا مع الله بالصدقة يربحكم في البضاعات وعولوا عليه وحده في الشدائد واذكروا المساكين إذا نصبتم الموائد وتقربوا إليه باليسير من ماله واعلموا أن الخلق عيال الله وأحب الخلق إليه المحتاط لعياله وارعوا حقوق الجار واذكروا ما ورد في ذلك من الآثار وتعاهدوا أولي الأرحام والوشائج البادية الالتحام واحذروا شهادة الزور فإنها تقطع الظهر وتفسد السر والجهر والرشا فإنها تحط الأقدار وتستدعي المذلة والصغار ولا تسامحوا في لعبة قمر ولا تشاركوا أهل البطالة في أمر وصونوا المواعيد من الإخلاف والأيمان من حنث الأوغاد والأجلاف وحقوق الله تعالى من الإزراء والاعتساف ولا تلهجوا بالآمال العجاف ولا تكلفوا بالكهانة والإرجاف واجعلوا العمر بين معاش ومعاد وخصوصية وابتعاد واعلموا أن الله سبحانه بالمرصاد وأن الخلق زرع وحصاد وأقلوا بغير الحالة الباقية الهموم واحذروا القواطع عن السعادة كما تحذر السموم واعلموا أن الخير أو الشر في الدنيا محال أن يدوم وقابلوا بالصبر أذاية المؤذين ولا تقارضوا مقالات الظالمين فالله لمن بغي عليه خير الناصرين ولا تستعظموا حوادث الأيام كلما نزلت ولا تضجوا للأمراض إذا أعضلت فكل منقرض حقير وكل منقض وإن طال قصير وانتظروا الفرج وانتشقوا من جناب الله تعالى الأرج وأوسعوا بالرجاء الجوانح واجنحوا إلى الخوف من الله تعالى فطوبى لعبد إليه جانح وتضرعوا إلى الله تعالى بالدعاء والجأوا إليه في البأساء والضراء
وقابلوا نعم الله تعالى بالشكر الذي يقيد به الشارد ويعذب الوارد وأسهموا منها للمساكين وافضلوا عليهم وعينوا الحظوظ منها لديهم فمن الآثار يا عائشة أحسني جوار نعم الله فإنها قلما زالت عن قوم فعادت إليهم ولا تطغوا في النعم فتقصروا عن شكرها وتلفكم الجهالة بسكرها وتتوهموا أن سعيكم جلبها وجد كم حلبها فالله خير الرازقين والعاقبة للمتقين ولا فعل إلا لله إذا نظر بعين اليقين والله الله لا تنسوا الفضل بينكم ولا تذهبوا بذهابه زينكم وليلتزم كل منكم لأخيه ما يشتد به تواخيه بما أمكنه من إخلاص وبر ومراعاة في علانية وسر وللإنسان مزية لا تجهل وحق لا يهمل وأظهروا التعاضد والتناصر وصلوا التعاهد والتزاور ترغموا بذلك الأعداء وتستكثروا الأوداء ولا تتنافسوا في الحظوظ السخيفة ولا تتهارشوا تهارش السباع على الجيفة واعلموا أن المعروف يكدر بالامتنان وطاعة النساء شر ما أفسد بين الإخوان فإذا أسديتم معروفا فلا تذكروه وإذا برز قبيح فاستروه وإذا أعظم النساء أمرا فاحقروه
والله الله لا تنسوا مقارضة سجلي وبروا أهل مودتي من أجلي ومن رزق منكم مالا بهذا الوطن القلق المهاد الذي لا يصلح لغير الجهاد فلا يستهلكه أجمع في العقار فيصبح عرضة للمذلة والاحتقار وساعيا لنفسه إن تغلب العدو على بلده في الافتضاح والافتقار ومعوقا عن الانتقال أمام النوب الثقال وإذا كان رزق العبد على المولى فالإجمال في الطلب أولى وازهدوا جهدكم في مصاحبة أهل الدنيا فخيرها لا يقوم بشرها ونفعها لا يقوم بضرها وأعقاب من تقدم شاهدة والتواريخ لهذه الدعوى عاضدة ومن بلي بها منكم فليستظهر بسعة الاحتمال والتقلل من المال وليحذر معاداة الرجال ومزلات الإدلال وفساد الخيال ومداخلة العيال وإفشاء السر وسكر الاغترار وليصن الديانة ويؤثر الصمت ويلازم الأمانة ويسر من رضى